بطاقة تعريف:ترحيني العاملي، السيّد محمّد حسن
الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة .شرح
عنوان واسم المؤلف:الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهیة المجلد 3/تالیف السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي.
تفاصيل المنشور: قم: دارالفقه للطباعه والنشر، 1427ق.= 1385.
مواصفات المظهر:9 ج.
ISBN:دوره 964-8220-31-X : ؛ 300000 ریال: ج.1، الطبعة الثالثة 964-8220-32-8 : ؛ ج.2 964-8220-33-6 : ؛ ج.3 964-8220-34-4 : ؛ 300000 ریال (ج. 2، الطبعة الثالثة) ؛ 300000 ریال (ج.3، الطبعة الثالثة) ؛ ج.4 964-8220-35-2 : ؛ 300000 ریال (ج.4، الطبعة الثالثة) ؛ ج.5 964-8220-36-0 : ؛ 300000 ریال (ج.5، الطبعة الثالثة) ؛ 30000 ریال (ج.6، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال : ج.6، طبعة رابعة 964-8220-37-9 : ؛ 300000 ریال : ج.7، الطبعة الثالثة 964-8220-38-7 : ؛ 35000 ریال (ج.7، طبعة رابعة) ؛ ج. 8، الطبعة الثالثة 964-8220-39-5 : ؛ 350000 ریال ( ج.8 ، طبعة رابعة ) ؛ 300000 ریال (ج. 9، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال: ج.9، طبعة رابعة 964-8220-40-9 :
حالة الاستماع:برون سپاری(ج.6، الطبعة الثالثة)
لسان:العربية.
ملحوظة:چاپ قبلی: مهدیس، 1383.
ملحوظة:ج. 1، 6(چاپ سوم: 1426ق.=1384).
ملحوظة:ج.6، 7 و 9 (چاپ چهارم 1427ق. = 1385) .
ملحوظة:ج.2 - 9 (چاپ سوم: 1426ق. = 1384).
ملحوظة:چ.8 ( چاپ چهارم : 1427ق. = 1385 )
ملحوظة:الكتاب الحالي شرح لكتاب "روضة الباهية" للشهيد الثاني ، وهو في حد ذاته تعليق على "اللمعان الدمشقية" للشهيد الأول.
ملحوظة:فهرس.
مشكلة:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر
مشكلة:شهید اول، محمد بن مکی، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر
مشكلة:فقه جعفری -- قرن 8ق.
المعرف المضاف:الشهيد الاول، محمد بن مكي، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة. شرح
المعرف المضاف:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة.شرح
ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ل80212 1385
تصنيف ديوي:297/342
رقم الببليوغرافيا الوطنية:1033560
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
كتاب الزكاة (1)
وفصوله أربعة
(الأول : تجب زكاة المال على البالغ (2) ...
______________________________________________________
(1) وجوبها ضروري وعليه الآيات والأخبار منها : قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَآتُوا الزَّكٰاةَ ) (1) ، وصحيح عبد لله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام لما أنزلت آية الزكاة ، ( خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهٰا ) - ، وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديه فأمر في الناس : إن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، فرض الله عزوجل عليكم من الذهب والفضة والابل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، فنادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن سوى ذلك) (2).
(2) أما في النقدين فموطن وفاق للأخبار.
منها : صحيح يونس بن يعقوب (أرسلت إلى أبي عبد الله عليه السلام إن لي إخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال : إذا وجبت الصلاة وجبت الزكاة ، قلت : في لم تجب عليهم الصلاة؟ قالا : إذا اتجر به فزكوه) (3) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (ليس في مال اليتيم زكاة) (4).
وهو شامل للنقدين ، وأما في الغلات والمواشي فالمشهور عدم الزكاة لإطلاق النصوص ،
ص: 7
(العاقل (1) فلا زكاة على الصبي والمجنون في النقدين إجماعا. ولا في غيرهما على أصح القولين.
نعم يستحب ، وكذا (2) لو اتجر الولي ، أو مأذونه للطفل (3) واجتمعت شرائط
______________________________________________________
منها صحيح زرارة المتقدم ، ومنها موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة) (1) وعن المفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة وابن زهرة الوجوب ، لصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (مال اليتيم ليس عليه في الدين والصامت شي ء ، فأما الغلات فعليها الصدقة الواجبة) (2).
وحمل على الاستحباب جمعا ، مع أنه لا تعرض فيه للمواشي.
(1) فعلى المشهور أن حكم المجنون هو حكم الطفل لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : امرأة من أهلنا مختلطة ، عليها زكاة؟ فقال : إن كان عمل به فعليها زكاة وإن لم يعمل به فلا) (3) وخبر موسى بن بكير عن أبي الحسن عليه السلام (عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ قال عليه السلام : إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة) (4)واطلاقهما شامل للصامت والغلات والمواشي.
(2) أي يستحب.
(3) على المشهور للاخبار منها : صحيح يونس بن يعقوب المتقدم (5) وصحيح ابن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال : لا إلا أنه يتجر به أو تعمل به) (6) وخبر الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام (مال اليتيم يكون عندي فأتجر به فقال : إذا حركته فعليك زكاته) (7).
وظاهرها الوجوب لكن لا بد من حمله على الاستحباب للاجماع المدعي في المعتبر والمنتهى ولم ينقل الوجوب إلا عن المفيد في المقنعة وقد حمله الشيخ على الاستحباب ، ومثله جار في المجنون.
ص: 8
التجارة (1) (الحر (2). فلا تجب على العبد ولو قلنا بملكه. لعدم تمكنه من التصرفات ، بالحجر عليه (3) ، وإن أذن له المولى (4) ، لتزلزله (5) ، ولا فرق بين القنّ والمدبّر ، وأم الولد ، والمكاتب (6) الذي لم يتحرّر منه شي ء ، أما من تبعّضت رقبته فيجب في نصيب الحرية (7) بشرطه (8) (المتمكّن من التصرف (9) في أصل المال ،
______________________________________________________
(1) من بقاء رأس المال إلى تمام الحول وبلوغ المال النصاب.
(2) فلا تجب الزكاة على العبد ، أما على القول بعدم ملكيته فلا إشكال ولا خلاف ضرورة شرطية الملك للوجوب ، وأما على القول بالملكية فالمشهور العدم لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس في مال المملوك شي ء ولو كان له الف الف ، ولو احتاج لم يعطى من الزكاة شيئا) (1) وخبره الآخر عنه عليه السلام (سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال : لا ولو كان له الف الف درهم ، ولو احتاج لم يكن له من الزكاة شي ء) (2).
(3) باتفاق النص والفتوى على أنه محجور عن التصرف كما سيأتي بحثه في باب الحجر ، وهذا مانع من وجوب الزكاة.
(4) فعن الاردبيلي والقطيفي الوجوب لخبر قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه) (3) ، ولكنه ضعيف السند ومهجور عند الأصحاب ، مع إمكان حمله على نفي وجوب دفع العبد الزكاة عن مال السيد الذي تحت يده إلا إذا أذن له في الدفع ، أو يحمل على الاستحباب.
(5) أي لتزلزل ملك العبد إذ للمولى الرجوع فيه فيكون العبد وما له لمولاه كما سيأتي.
(6) لإطلاق النصوص المتقدمة.
(7) فتجب الزكاة بلا خلاف فيه لوجود المقتضي وعدم المانع ، أما المقتضي لوجوب الزكاة فعموم ادلته وأما عدم المانع فما دل على نفي الزكاة عن المملوك مختص بغير المبغض للانصراف.
(8) أي بشرط بلوغ نصيب الحرية لشرائط وجوب الزكاة.
(9) بالاتفاق للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك) (4) ، وصحيح إبراهيم بن أبي محمود عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
ص: 9
فلا زكاة على الممنوع منه شرعا ، كالراهن غير المتمكن من فكّه ولو ببيعه ، وناذر الصدقة (1) بعينه (2) مطلقا (3) ، أو مشروطا (4) ، وإن لم يحصل شرطه على قول ، والموقوف عليه (5) بالنسبة إلى الأصل ، أما النتاج فيزكّى بشرطه (6) ، أو قهرا (7) كالمغصوب والمسروق ، والمجحود إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه (8) فيجب فيما زاد على الفداء ، أو بالاستعانة (9) ...
______________________________________________________
(عن الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليها ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة؟ قال عليه السلام : إذا أخذهما ، ثم يحول عليه الحول يزكي) (1) وهي ظاهرة في كون التصرف شرطا في وجوب الزكاة.
(1) عطف على قوله (كالراهن غير المتمكن) ، والنذر مانع شرعي عن التمكن في التصرف كالرهن.
(2) أي تعلق النذر بعين المال ، لا أنه نذر على نحو كلي ثم عين له مالا خاصا ، فالتعيين قبل الدفع ليس مانعا عن التصرف.
(3) أي كان النذر مطلق ومثله ما لو كان مشروطا وقد تحقق الشرط.
(4) بحيث لم يتحقق الشرط بعد ، فعن البعض أنه ممنوع من التصرف في المال المعيّن المنذور وسيأتي بحثه في النذر.
(5) لأن الوقف مانع شرعي عن التمكن من التصرف كالنذر والرهن.
(6) إذا كان قد بلغ النصاب.
(7) عطف على قوله (شرعا) أي وعدم التمكن تارة شرعا كما تقدم وأخرى قهرا كالغصب والسرقة والجحود للعين بعد وضع اليد عليها.
(8) فإن أمكن التخليص بذلك فيجب لما في موثق زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال : فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، فإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين) (2) وذيله ظاهر في وجوب تخليصه مطلقا بمعنى أنه إذا كان قادرا على تخليصه فتجب الزكاة حينئذ ، فلو انحصر تخليصه ببيع بعضه فيكون الباقي داخلا تحت قدرة التصرف فتجب الزكاة في هذا الباقي.
(9) عطف على قوله (ببعضه) فلو أمكن تخليصه بالاستعانة فهو متمكن من التصرف فيه فتجب زكاته.
ص: 10
ولو بظالم (1) ، أو لغيبته بضلال (2) ، أو إرث لم يقبض (3) ولو بوكيله (4).
(في الأنعام) الجار يتعلق بالفعل السابق ، أي تجب الزكاة بشرطها في الأنعام (الثلاثة (5) الإبل والبقر والغنم بأنواعها ، من عراب ، ...
______________________________________________________
(1) اشكل عليه بأن الاستعانة بالظالم منهيّ عنه فيصدق عدم المتمكن من التصرف شرعا. وهو إشكال قوي.
(2) أي غيبة المال لضلال صاحبه عنه ، لأنه من مصاديق عدم المتمكن من التصرف وهو مما لا خلاف فيه لحسنة سدير الصيرفي عن أبي جعفر عليه السلام (ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع ، فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ أن المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثم إنه احتفر الموضع الذي من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال عليه السلام : يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه) (1) ومثله غيره.
(3) فمع عدم القبض فهو من مصاديق عدم التمكن من التصرف ويشهد له موثق إسحاق بن عمار عن إبراهيم عليه السلام (عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده ، فلا يدري أين هو ، ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال : يعزل حتى يجي ء ، قلت : فعلى ماله الزكاة؟ قال : لا حتى يجي ء ، قلت فإذا هو جاء أيزكيه؟ فقال : لا حتى يحول عليه الحول وهو في يده) (2).
(4) لأن قبض الوكيل قبض الموكل ، ومع القبض كذلك فهو متمكن من التصرف.
(5) تجب الزكاة في الانعام الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، وفي الذهب والفضة ، وفي الغلات الأربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب بلا خلاف فيه ، ولا تجب فيما عدا ذلك ، وعليه الأخبار الكثيرة.
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (أنزلت آية الزكاة : ( خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهٰا ) (3) ، في شهر رمضان ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديه فنادى في الناس : إن الله تبارك وتعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض الله عليكم من الذهب والفضة ، والإبل والبقر والغنم ، ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان ، وعفا لهم عما سوى -
ص: 11
وبخاتي (1) وبقر ، وجاموس (2) ، ومعز ، وضأن (3). وبدأ بها (4) وبالإبل (5) للبداءة بها (6) ...
______________________________________________________
- ذلك) (1) وصحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال ، وسنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تسعة أشياء وعفا عما سواهن ، في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما سوى ذلك) (2)وخبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام (والزكاة على تسعة أشياء : على الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والإبل والبقر والغنم ، والذهب والفضّة) (3)وخبر أبي سعيد القماط عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الزكاة فقال : وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة على تسعة ، وعفا عما سوى ذلك : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والإبل ، فقال السائل : والذرة ، فغضب عليه السلام ثم قال : كان والله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك.
فقال : إنهم يقولون : إنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب وقال : كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شي ء قد كان ، لا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (4) ومثلها غيرها.
(1) لصدق الإبل عليهما ، ولصحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (قلت : فما في البخت السائمة شي ء؟ قال : مثل ما في الإبل العربية) (5).
(2) لصدق اسم البقر عليه ، قال في مصباح المنير (الجاموس نوع من البقر) ولصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : في الجواميس شي ء؟ قال : مثل ما في البقر) (6)
(3) لأن لفظ الغنم يطلق عليهما ، قال في مصباح المنير (والغنم اسم جنس يطلق على الضأن والمعز).
(4) أي بالأنعام.
(5) أي وبدأ بالإبل عند ذكر الأنعام الثلاثة.
(6) أي بالأنعام عند ذكر ما تجب فيه الزكاة ، والبدأة بالإبل عند ذكر الأنعام الثلاثة.
ص: 12
في الحديث (1) ، ولأن الإبل (2) أكثر أموال العرب ، (والغلّات الأربع (3) : الحنطة بأنواعها ومنها العلس (4) والشعير ومنه السلت (5) ، والتمر ، والزبيب ، (والنقدين) الذهب والفضة.
______________________________________________________
(1) الأخبار كثيرة ، وغالبها قد بدأ بذكر النقدين كما في صحيح ابن سنان (1) وصحيح الفضلاء (2)المتقدمين ، وكما في خبري زرارة (3)وخبر ابن شهاب (4) وخبر الحلبي (5)وخبر الطيار (6)وخبر جميل بن دراج (7)، وقد ذكرت الغلات الأربع أولا كما في خبر الفضل بن شاذان (8)وخبر أبي سعيد القماط (9)وخبر أبي بكر الحضري (10)وخبر علي بن مهزيار (11)وخبر علي بن جعفر (12)، ولم تذكر الأنعام الثلاثة أولا إلا في خبر واحد وهو الخبر المروي عن تفسير النعماني (13)والذي أورده السيد المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه ، ولذا اشكل على الشارح بضعف التعليل بل فساده لمن تتبع الأخبار الواردة في ذلك ، هذا كله بناء على عطف الإبل على الأنعام كما في نسخة ، وأما بناء على عدم العطف وأن العبارة هي : (وبدأ بها بالإبل) أي بدأ بذكر الإبل أولا عند ذكر الأنعام تبعا للنص ولأن الإبل أكثر أموال العرب فلا إشكال على عبارة الشارح وهو الأنسب.
(2) تعليل ثان لذكر الإبل أولا عند ذكر الأنعام.
(3) للأخبار السابقة.
(4) الخلاف في العلس وهو بفتحتين.
(5) والخلاف في السلت بالضم ، فالمشهور على أنهما خارجان عن حقيقة الحنطة والشعير ، وذهب الشيخ والفاضل والشهيدان وثاني المحققين والميسي إلى الالحاق ، والخلاف بين الفقهاء للخلاف بين أهل اللغة ، فعن الفائق (السلت حب بين الحنطة والشعير لا قشر له) وعن المغرب (العلس بفتحتين. حبة سوداء إذا أجدب الناس طحنوها وأكلوها) ، وظاهر كلامهما أنهما خارجان عن حقيقة الحنطة والشعير.
وفي الصحاح (العلس ضرب من الحنطة حبتان في قشر ، وهو طعام أهل صفاد) وقال أيضا (السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة) وعن ابن الأثير (السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له ، وقيل هو نوع من الحنطة ، والأول أصح) وهكذا غيره وكلامهم ظاهر في كون العلس من أقسام الحنطة ، والسلت من أقسام الشعير ، والمدار على الصدق العرفي.
ص: 13
(ويستحبّ) الزكاة (فيما تنبت الأرض من المكيل (1) والموزون) ، واستثنى المصنف في غيره (2) الضر ، وهو حسن (3) ، وروي (4) استثناء الثمار أيضا ، (وفي مال التجارة) (5)
______________________________________________________
(1) على الأكثر للاخبار
منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة ، وقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر والبقول وكل شي ء يفسد من يومه) (1) وصحيحه الآخر (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : في الذرة شي ء؟ فقال لي : الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليها الزكاة) (2) وصحيح ابن مسلم (سألته عن الحبوب ما يزكى منها ، قال عليه السلام : البرّ والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم ، كل هذا يزكى وأشباهه) (3)، ونحوها غيرها ، المحمول على الاستحباب للجمع بينها وبين ما تقدم في حصر الزكاة في التسعة والعفو عما عداها ، ومنه تعرف ضعف ما عن ابن الجنيد حيث ذهب إلى الوجوب ، هذا وذهب السيد إلى حمل هذه الأخبار على التقية لمعارضتها ما تقدم ولخصوص خبر أبي سعيد القماط المتقدم الظاهر في كون الزكاة لم توضع على غيره هذه التسعة حتى استحبابا.
ومن جهة ثانية ظاهر الأخبار المتقدمة أن الزكاة قد وضعت على ما تنبت الأرض من الحبوب وأما الخضر والبقول والثمار فلا كما هو صريح خبر زرارة المتقدم ، وهي ظاهرة في كون المدار على المكيول إذا بلغ النصاب ، وأما الموزون فالمشهور على تعميم الحكم له مع عدم ورود خبر فيه كما اعترف به غير واحد كما في المستمسك ، ولذا حكي عن بعض : أنه حكم بعدم كفاية الوزن وحده ، بل عن المعتبر : لا زكاة فيما لا يكال كورق السدر والآس.
(2) في غير هذا الكتاب.
(3) لخبر زرارة المتقدم.
(4) كما في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالا ، هل فيه الصدقة؟ قال : لا) (4).
(5) على الأكثر بل نسب إلى المشهور للجمع بين الأخبار ، حيث إن بعض الأخبار وهي مستفيضة تدل على ثبوت الزكاة.
ص: 14
على الأشهر رواية وفتوى (وأوجبها ابن بابويه فيه) استنادا إلى رواية حملها على الاستحباب طريق الجمع بينها ، وبين ما دل على السقوط ، (وفي إناث (1) الخيل السائمة) غير المعلوفة من مال المالك عرفا ، ومقدار زكاتها (ديناران) (2) كل واحد مثقال (3) من
______________________________________________________
- منها : خبر سماعة (ليس عليه زكاة حتى يبيعه إلا أن يكون أعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماسا لفضل ، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة) (1) ، وبعض الأخبار صرحت بعدم الوجوب
منها : صحيح زرارة (كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه السلام فقال : يا زرارة ، إن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، وقال أبو ذر : أما ما أتجر به أو أدير أو عمل به فليس فيه زكاة ، إنما الزكاة فيه إذا كان كنزا موضوعا ، فإذا حال الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال ما قال أبو ذر) (2).
وذهب ابن بابويه إلى وجوب الزكاة في مال التجارة استنادا على الطائفة الأولى من الأخبار ، وقد عرفت لا بدية حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين الطائفة الثانية.
(1) بلا خلاف فيه ، لصحيح زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : هل على البغال شي ء؟ فقال : لا ، فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : لأن البغال لا تلقح ، والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي ء ، قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شي ء؟ فقال : لا ، ليس على ما يعلف شي ء؟ إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء) (3) ومثله غيره ، وهو محمول على الاستحباب جمعا بينه وبين ما تقدم ، وهذا لخبر قد صرح بإناث الخيل السائمة مع نفي الزكاة عن الخيل الذكور وإناث الخيل المعلوفة.
(2) لصحيح محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل على البراذين دينارا) (4).
(3) كما حققناه في كتاب الديات.
ص: 15
الذهب الخالص ، أو قيمته وإن زادت (1) عن عشرة دراهم (عن العتيق) (2) وهو الكريم من الطرفين (ودينار عن غيره) سواء كان ردي ء الطرفين وهو البرذون ، بكسر الباء أم طرف الأم أو الهجين ، أم طرف الأب وهو المقرف ، وقد يطلق على الثلاثة اسم البرذون.
ويشترط مع السوم (3) أن لا تكون عوامل (4) ، وأن يخلص للواحد رأس كامل ولو بالشركة كنصف اثنين (5) ، وفيهما خلاف ، والمصنف على الاشتراط في غيره ، فتركه هنا يجوز كونه اختصارا ، أو اختيارا (ولا يستحب في الرقيق (6) والبغال (7) والحمير (8) إجماعا ، ويشترط بلوغ النصاب ، وهو المقدار الذي يشترط بلوغه في وجوبها ، أو وجوب قدر مخصوص منها.
______________________________________________________
(1) أي القيمة.
(2) ففي الحدائق (العتيق ما كان كريم الأصل وهو ما كان أبواه عربيين ، والبرذون بكسر الباء خلافه).
(3) بالنسبة لإناث الخيل وقد تقدم دليل اشتراط سومها.
(4) لظاهر صحيح زرارة وصحيح محمد بن مسلم وزرارة المتقدمين ، وعن التذكرة (أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والانوثة والحول) وظاهره ثبوت الزكاة في العوامل ، لأن عدم العمل شرط في الزكاة الواجبة فقط ، ولكن في المسالك وأكثر كتب المحقق الثاني كما في الجواهر اعتبار عدم العمل لظاهر الخبرين المتقدمين.
(5) اشترط الشهيد في الدروس الانفراد ، فلو كان الفرس ملك اثنين فلا زكاة لظاهر الخبرين المتقدمين ، وفيه : إن الخبرين مطلقين من ناحية المالك ، فالاقوى أن الزكاة موضوعة على الخيل سواء كان مالكها واحدا أو متعددا ، وسواء كان المالك يملك فرسا كاملا ولو بالشركة أو لا.
(6) بلا خلاف لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس على الرقيق زكاة ، إلا رقيق يبتغي به التجارة) (1).
(7) لصحيح زرارة المتقدم (2).
(8) لخبر العلاء (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الدواب والأرحاء فإن عندي منها ، عليّ فيها شي ء؟ -
ص: 16
(فنصب الإبل اثنا عشر) نصابا (1) (خمسة) منها (كل واحد خمس) من الإبل (في كل واحد) من النصب الخمسة (شاة) بمعنى أنه لا يجب فيما دون خمس ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ، ثم لا تجب في الزائد إلى أن تبلغ عشرا ففيها شاتان ، ثم لا يجب شي ء في الزائد إلى أن يبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياة ، ثم في
______________________________________________________
- قال : لا) (1) وخبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام (ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة : الإبل والبقر والغنم) (2)ومثلها غيرها.
(1) بلا خلاف معتد فيه ويدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (ليس فيما دون الخمس من الإبل شي ء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقة ، وإنما سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها إلى ستين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون) (3) ومثله غيره.
وذهب ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى إسقاط النصاب السادس مع إيجاب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ست وعشرين لصحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون) (4)الحديث وهو محمول على التقية لموافقته للعامة.
هذا وابنة المخاض هي التي دخلت في الثانية لأنها فصلت عن أمها وألحقت أمها بالمخاض ، وبنت اللبون هي التي دخلت في الثالثة لأن أمها قد وضعت غيرها فصار لها لبن ، والحقة ما دخل في الرابعة ، سميت بذلك لاستحقاقها أن يحمل عليها وأن ينتفع بها كما في الصحاح ، والجذعة هي التي دخلت في الخامسة.
ص: 17
عشرين أربع ، ثم في خمس وعشرين خمس ولا فرق فيها (1) بين الذكر والأنثى ، وتأنيثها هنا (2) تبعا للنص بتأويل الدابة ، ومثلها الغنم (3) بتأويل الشاة.
(ثم ست وعشرون) بزيادة واحدة (ف) فيها (بنت مخاض) بفتح الميم ، أي بنت ما من شأنها أن تكون ماخضا أي حاملا. وهي ما دخلت في السنة الثانية (ثم ست وثلاثون) وفيها (بنت لبون) بفتح اللام ، أي بنت ذات لبن ولو بالصلاحية وسنها سنتان إلى ثلاث ، (ثم ست وأربعون) وفيها (حقّة) بكسر الحاء ، سنها ثلاث سنين إلى أربع فاستحقت الحمل (4) ، أو الفحل (5) ، (ثم إحدى وستون فجذعة) بفتح الجيم والذال ، سنها أربع سنين إلى خمس ، قيل : سميت بذلك لأنها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه (6) ، (ثم ست وسبعون ففيها بنتا لبون ، ثم إحدى وتسعون) وفيها (حقتان ، ثم) إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ف (في كل خمسين حقّة ، وكل أربعين بنت لبون) وفي إطلاق المصنف الحكم بذلك بعد الإحدى وتسعين نظر لشموله ما دون ذلك (7) ، ولم يقل أحد بالتخيير قبل ما ذكرناه من النصاب (8) ، فإن من جملته ما لو كانت مائة وعشرين فعلى إطلاق العبارة فيها ثلاث بنات لبون وإن لم تزد الواحدة ، ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب،
______________________________________________________
(1) أي في الإبل.
(2) حيث قال المصنف (خمس وست وعشرون) وهكذا وحذف التاء من الخمس والست علامة على كون المعدود مؤنثا.
(3) حيث ورد في الخبر المتقدم (خمس من الغنم) ، هذا ولا داعي لهذا التأويل من الشارح حيث قال في الصحاح (الإبل لا واحد لها من لفظها وهي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم) وقال أيضا (الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث).
(4) أي أن يركب ظهرها كما في صحيح زرارة المتقدم.
(5) كما في صحيح الفضلاء المتقدم (فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل).
(6) كما عن المعتبر والمنتهى وقال في الجواهر (لكن لم نجد لذلك فيما حضرنا من كتب الفقه أثرا).
(7) أي لشمول إطلاق المصنف لما دون النصاب الأخير.
(8) أي النصاب الأخير.
ص: 18
والمصنف قد نقل في الدروس وفي البيان أقوالا نادرة (1) وليس من جملتها ذلك ، بل اتفق الكل على أن النصاب بعد الإحدى وتسعين لا يكون أقل من مائة وإحدى وعشرين ، وإنما الخلاف فيما زاد (2).
والحامل له على الإطلاق أن الزائد عن النصاب الحادي عشر لا يحسب إلا بخمسين كالمائة وما زاد عليها (3) ، ومع ذلك فيه حقّتان وهو صحيح. وإنما يتخلف في المائة وعشرين (4) ، والمصنف توقف في البيان في كون الواحدة
______________________________________________________
(1) وهي قول القديمين وقد تقدم ، وقول ابني بابويه بأن في إحدى وثمانين ثنية ولا دليل لهما إلا الفقه الرضوي (فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثني) (1) والثني هو الذي دخل في السنة السادسة كما في مجمع البحرين ، لكن الخبر لا يقاوم تلك الأخبار المتقدمة ، ونقل عن المرتضى أن النصاب الأخير هو مائة وثلاثون وادعى عليه الإجماع في الانتصار ، وقال صاحب الجواهر (وهو عجيب بعد دعواه نفسه في محكي الناصرية الإجماع على خلافة).
(2) وهو الخلاف مع السيد المرتضى كما عرفت.
(3) إلى ما قبل العشرين ، وكذا ما دون المائة إلى حدود النصاب الحادي عشر ، ففيه حقتان لأن ملحق بالنصاب الحادي عشر وقد عرفت أن فيه حقتين ، هذا على المشهور ، وعلى إطلاق المصنف ففيه حقتان أيضا وإن كان دون المائة وفوق النصاب الحادي عشر لأنه لو أجرينا حساب الحقة في الخمسين وحساب بنت لبون في الأربعين وكان المجموع دون المائة لكانت الزكاة إما حقة وإما بنتا لبون وهذا ما لا يمكن الالتزام به لأن نصاب الفوقاني لا بد أن يشتمل على النصاب التحتاني وزيادة ، فالحقة لنصاب الست والأربعين فكيف تجعلا لما فوق النصاب الحادي عشر وما دون المائة ، وبنتا لبون لنصاب الست والسبعين فكيف تجعلا لما فوق النصاب الحادي عشر وما دون المائة فيتعين أن يكون في النصاب المذكور حقتان.
(4) فالمشهور على أن فيه حقتين ، وعلى أساس إطلاق المصنف لا بد من حساب الأربعين لأنه المطابق بدون عفو فيكون فيه ثلاث بنات لبون.
وحاول الشارح معالجة هذا الإشكال بأن النصاب الأخير هو مائة وعشرون والواحد الزائد إنما هو شرط في وجوب الفريضة وليس جزءا من النصاب لأن إيجاب بنت لبون في كل أربعين في النصاب الأخير يخرجه فيكون شرطا لا جزءا ، وإن كان ظاهر الفتوى -
ص: 19
الزائدة (1) جزء من الواجب ، أو شرطا ، من حيث اعتبارها (2) في العدد نصا وفتوى ، ومن أن (3) إيجاب بنت اللبون في كل أربعين يخرجها فيكون شرطا لا جزءا ، وهو الأقوى ، فتجوز هنا (4) وأطلق عدّة بأحدهما (5).
واعلم أن التخيير في عدّه (6) بأحد العددين إنما يتم مع مطابقته بهما ، كالمائتين ، وإلا تعيّن المطابق كالمائة وإحدى وعشرين بالأربعين ، والمائة والخمسين بالخمسين ، والمائة وثلاثين بهما (7). ولو لم يطابق أحدهما تحرّى أقلّهما عفوا (8) مع
______________________________________________________
- والنص أنه جزء من النصاب ، وعليه ما تقدم أطلق المصنف العدّ بأحدهما - الأربعين أو الخمسين - دون ذكر الشرط إما تجوزا وإما لمعلوميته.
وفيه : إن النصاب الأخير هو مائة وواحد وعشرون والمصنف لم يذهب إلى أن الواحد الأخير هو شرط وإنما توقف في البيان في عده جزءا من النصاب هذا من جهة ومن جهة أخرى لو سلم ذلك فلا يسلم إطلاقه فيما لو كان النصاب دون المائة وكذا لا يسلم إطلاقه في خصوص المائة وعشرين من دون زيادة لأنه على القول المشهور فيه حقتان وعلى أساس إطلاقه فيه ثلاث بنات لبون وهذا ما لم يقل به أحد ، فإطلاقه ليس بجيد وكذا تأويل الشارح له.
(1) عن المائة وعشرين.
(2) دليل لكونه جزءا.
(3) دليل لكونه الواحد الزائد شرطا.
(4) ولم يذكر الواحدة الزائدة بعنوان أنها شرط.
(5) بالأربعين أو الخمسين.
(6) أي عدّ النصاب.
(7) أي بالأربعين والخمسين ففي العدد المذكور أربعينيتان وخمسون ، وبهما يحصل الاستيعاب.
(8) يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما تخير وإلا وجب العدّ بأكثرهما استيعابا وأقلهما عفوا ، وهو خيرة المبسوط والوسيلة والتذكرة والشهيد الثاني والمحقق الثاني ، للاحتياط ولمراعاة حق الفقراء.
وذهب الصدوق والمفيد والشيخ في النهاية وسيد المدارك والشهيد الثاني في فوائد القواعد وسيد الرياض ، بل عن الأخير نسبته إلى الأصحاب إلى التخيير مطلقا وإن كان بالأكثر عفوا لإطلاق النص - وقد تقدم - ومع ورود النص لا معنى للاحتياط الملزم مع عدم الدليل على اعتبار مراعاة حق الفقراء.
ص: 20
احتمال التخيير مطلقا (1).
(وفي البقر نصابان (2) ثلاثون فتبيع) وهو ابن سنة إلى سنتين ، (أو تبيعة) (3) مخيّر في ذلك ، سمي بذلك. لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه في المرعى (وأربعون)
______________________________________________________
(1) سواء كان بالأقل عفوا أو بالأكثر.
(2) بلا خلاف فيه ، ويدل عليه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقل من ذلك شي ء ، وفي أربعين بقرة مسنة ، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي ء حتى تبلغ الأربعين ، فإذا بلغت الأربعين ففيها مسنّة ، وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي ء ، فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنّة إلى الثمانين ، فإذا بلغت الثمانين ففي كل أربعين مسنّة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنّة) (1) ومثله غيره والتبيع هو الذي تم له الحول ودخل في الثاني عند الأصحاب وكأنهم أخذوه من وصفه بالحولي في صحيح الفضلاء المتقدم ، وقال في الجواهر (قال أبو عبيدة تبيع لا يدل على سنّ ، وقال غيره : إنما سمي تبيعا لأنه يبتع أمه في المرعى ، ومنهم من قال : لأن قرنه يتبع إذنه حتى صارا سواء ، فإذا لم تدل اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع) انتهى ، وقد عرفت وصفه بالحولي المقتضي لدخوله في السنة الثانية ، وأما المسنّة فهي التي تم لها سنتان وقد أرسل إرسال المسلمات ، وفي محكي المبسوط أنه استدل عليه بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (المسنة هي الثنية فصاعدا) بناء على أن الثنية ما دخلت في الثالثة (2) ، مع أن الشيخ قد صرح في المبسوط في مناسك منى بأن الثني من البقر ما دخل في الثانية ، فالعمدة الشهرة بين الأصحاب.
(3) قد تقدم صحيح الفضلاء وهو لم يذكر إلا التبيع ، ولكن المحقق في المعتبر قال (ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل وبريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا : (في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وليس في أقل من ذلك شي ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ، وفي ثمانين مسنتان ، وفي تسعين ثلاث تبايع) (3) ، بل أرسل الشيخ في الخلاف أخبارا بالتخيير كما في الجواهر ، وهذا كاف للبناء على التخيير.
ص: 21
(فمسنة) أنثى سنها ما بين سنتين إلى ثلاث. ولا يجزي المسنّ (1) وهكذا أبدا يعتبر بالمطابق من العددين ، وبهما مع مطابقتهما كالستين بالثلاثين ، والسبعين بهما ، والثمانين بالأربعين. ويتخير في المائة وعشرين.
(وللغنم خمسة) نصب (2) (أربعون فشاة ، ثم مائة وإحدى وعشرون فشاتان ، ثم مائتان وواحدة فثلاث ، ثم ثلاثمائة وواحدة فأربع على الأقوى) ، وقيل : ثلاث ، نظرا إلى أنه آخر النصب ، وأن في كل مائة حينئذ شاة بالغا ما بلغت. ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات ظاهرا ، وأصحّها سندا ما دل على الثاني (3) ، وأشهرها بين الأصحاب ما دل على الأول.
______________________________________________________
(1) للنص المتقدم.
(2) على المشهور ويدل عليه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (في كل أربعين شاة شاة وليس فيما دون الأربعين شي ء ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإن زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإن زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة وسقط الأمر الأول) (1) وعن جماعة منهم الصدوق والحلي والعلامة في جملة من كتبه أنها إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فعلى كل مائة شاة ويدل عليه صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة) (2).
ثم إذا أمكن حمل الخبر الأخير على أن المراد من قوله عليه السلام (إذا كثرت الغنم) هو الأربعمائة فهو وإلا فيتعين حمله على التقية لأنه الموافق للفقهاء الأربعة كما في الجواهر.
(3) ما دل على الثاني هو صحيح محمد بن قيس كما إنه ما دل على الأول هو صحيح الفضلاء فلا ترجيح من هذه الناحية ، نعم صحيح الفضلاء أشهر رواية لأنه قد رواه الفضلاء الأعاظم وأبعد عن موافقة العامة فلذا كان الترجيح له.
ص: 22
(ثم) إذا بلغت أربعمائة فصاعدا (في كل مائة شاة) (1) وفيه إجمال كما سبق في آخر نصب الإبل ، لشموله ما زاد عن الثلاثمائة وواحدة ولم تبلغ الأربعمائة ، فإنه يستلزم وجوب ثلاث شياه خاصة (2) ، ولكنه اكتفى بالنصاب المشهور ، إذ لا قائل بالواسطة.
(وكلما نقص عن النصاب) في الثلاثة (3) ، وهو ما بين النصابين ، وما دون الأول (4) ، (فعفو) (5) كالأربع من الإبل بين النصب الخمسة وقبلها (6) ، والتسع (7) بين نصابي البقر ، والتسع عشر بعدهما (8) ، والثمانين بين نصابي ...
______________________________________________________
(1) إشكال : لا فرق بين هذا النصاب الأخير وما قبله عند المشهور إذ فيهما أربع شياه ، والجواب : أولا : إنه إشكال جار على مبنى غير المشهور أيضا إذ الواجب في نصاب الثلاثمائة وواحدة نفس الواجب في النصاب الذي قبله ، والواجب هو ثلاث شياه ، وثانيا : قال صاحب الجواهر : (ويمكن أن يكون الوجه في ذلك متابعة النص) ، وذهبت جماعة إلى ظهور الفائدة في شيئين : الأول : الوجوب حيث إن النصاب الأخير هو الأربعمائة والنصاب فيما قبله هو ثلاثمائة وواحدة والزائد عفو وإن كان الواجب في كليهما واحد ، الثاني : الضمان بحيث لو تلف من الأربعمائة شي ء فيسقط من الواجب بمقدار التالف بخلاف ما لو كان النصاب أقل من الأربعمائة فلا يسقط من الواجب شي ء وإن تلفت بعض الشياه ما دام الثلاثمائة وواحدة موجودة ضمن العدد لوجود النصاب ، ويمكن القول برجوع الفائدة الثانية إلى الأولى.
(2) وهذا لا قائل به ، أما على مبنى المشهور فواضح ففيه أربع شياه وأما على مبنى غير المشهور ففيه ثلاث شياه بعد كون هذا الواجب مفروضا في الثلاثمائة وواحدة ، وأما الالتزام بوجوب ثلاث شياه فيما زاد عن الثلاثمائة وواحد ، مع فرض أربع شياه في الثلاثمائة وواحدة كما هوا ظاهر عبارة الماتن فإنه خرق للإجماع المركب.
(3) في الإبل والبقر والغنم.
(4) أي ما دون النصاب الأول.
(5) لظاهر النصوص المتقدمة في الإبل والبقر والغنم ، وقال في الجواهر (وقد جرت العادة بين الفقهاء بتسمية ما لا تتعلق به الفريضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا ، بالتحريك فيهما ، ومن الغنم عفوا ، ومعناه في الكل واحد ضرورة إرادة غير النصاب منه).
(6) أي وكالأربع قبل النصب الخمسة من الإبل وهو الأربع قبل النصاب الأول.
(7) بين الثلاثين والأربعين من نصابي البقر.
(8) بعد نصابي البقر إلى الستين.
ص: 23
الغنم (1) ومعنى كونها عفوا ، عدم تعلق الوجوب بها (2) ، فلا يسقط بتلفها بعد الحول شي ء. بخلاف تلف بعض النصاب بغير تفريط ، فإنه يسقط من الواجب بحسابه (3) ، ومنه تظهر فائدة النصابين الأخيرين من الغنم على القولين (4) ، فإن وجوب الأربع (5) في الأزيد (6) والأنقص (7) يختلف حكمه مع تلف بعض النصاب كذلك (8) ، فيسقط من الواجب بنسبة ما اعتبر من النصاب ، فبالواحدة من الثلاثمائة وواحدة ، جزء من ثلاثمائة جزء وجزء من أربع شياه ، ومن الأربعمائة جزء من أربعمائة جزء منها (9).
(ويشترط فيها) أي في الأنعام مطلقا (10) (السّوم) (11) وأصله الرعي والمراد
______________________________________________________
(1) بين الأربعين إلى المائة والواحدة وعشرين.
(2) أي بهذه الأعداد الموجودة بين النصابين أو قبل النصاب الأول.
(3) بحساب التالف.
(4) فعلى المشهور فالنصابان الأخيران هما الثلاثمائة وواحد ، والأربعمائة وفي كليهما أربع شياه ، وعلى مبنى غير المشهور فالنصابان الأخيران هما المائتان وواحدة والثلاثمائة وواحدة وفي كليهما ثلاث شياه.
(5) على مبنى المشهور.
(6) وهو النصاب الأخير.
(7) وهو النصاب ما قبل الأخير.
(8) أي بلا تفريط.
(9) أي من أربع شياه.
(10) إبلا وبقرا وغنما.
(11) بلا خلاف فيه ويدل عليه صحيح الفضلاء الوارد في زكاة الإبل (وليس على العوامل شي ء إنما ذلك على السائمة الراعية) (1) وصحيحهم الآخر الوارد في زكاة البقر (ليس على النيف شي ء ولا على الكسور شي ء ولا على العوامل شي ء ، وإنما الصدقة على السائمة الراعية) (2)وصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس على ما يعلف شي ء ، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء) (3).
ص: 24
هنا الرعي (1) من غير المملوك (2) والمرجع فيه إلى العرف (3) ، فلا عبرة بعلفها يوما في السنة ، ولا في الشهر ، ويتحقق العلف بإطعامها المملوك ولو بالرعي كما لو زرع لها قصيلا ، لا ما استأجره من الأرض لترعى فيها (4) ، أو دفعه إلى الظالم عن الكلأ وفاقا للدروس ، ولا فرق بين وقوعه (5) لعذر ، وغيره. وفي تحققه (6) بعلف غير المالك لها على وجه لا يستلزم غرامة (7) المالك وجهان ، من انتفاء السوم (8) ، والحكمة (9) وأجودهما التحقق (10) ، ...
______________________________________________________
(1) أي الرعي بنفسها قال في المصباح المنير (سامت الماشية سوما من باب قال رعت بنفسها).
(2) لدعوى انصراف الأخبار المتقدمة عن الرعي في المملوك ، وهو على إطلاقه مشكل ، فلو رعت النبات النابت في الأرض المملوكة فلا يصدق العلف ، كما أنه لو استأجر الأرض أو تملك الزرع ورعت فيه لصدق العلف.
(3) كما عليه الكركي والشارح ونسب إلى أكثر المتأخرين لعدم ورود تحديد من الشارح فيه ، وذهب المحقق في بعض كتبه والعلامة إلى صدق المعلوفة وارتفاع السوم عنها لو علفها يوما في السنة لصحيح زرارة المتقدم الذي صرح باعتبار السوم في كل الحول ، وفيه : إن هذا ممتنع في كل حيوان خصوصا أيام الثلج والشتاء فالمراد من السائمة في مرجها عامها كما في الخبر هو السائمة عرفا.
ثم إن الإشكال في تعيين السائمة عرفا ففي المنتهى والدروس عدم قدح اليوم في السنة ، وعن الثاني عدم قدح الشهر في السنة ، وعن فوائد الشرائع وغيرها عدم قدح اليوم في الشهر.
(4) لترعى النبات النابت في الأرض المستأجرة فإنه لا يصدق العلف عرفا.
(5) أي وقوع العلف لعذر كالثلج المانع من الرعي أو بدون عذر فيرتفع عنوان السوم على كل حال.
(6) أي تحقق العلف.
(7) بحيث لا يكون ضامنا كما لو قام الغير بإطعامها من ماله ، فذهب الأكثر إلى تحقق عنوان العلف فيرتفع عنوان السائمة عنها ، وذهب العلامة في التذكرة واحتمله المصنف في البيان إلى بقاء عنوان السوم إذ لا مئونة على المالك كما في السوم.
(8) دليل تحقق عنوان العلف.
(9) دليل عدم تحقق عنوان العلف ، والمراد من الحكمة هو عدم المئونة على المالك كما في السوم.
(10) أي صدق عنوان المعلوفة.
ص: 25
لتعليق الحكم (1) على الاسم (2) لا على الحكمة (3) ، وإن كانت مناسبة (4).
وكذا يشترط فيها إن لا تكوّن عوامل (5) عرفا (6) ، ولو في بعض الحول وإن كانت سائمة ، وكان عليه أن يذكره (والحول) (7) ويحصل هنا (بمضيّ أحد عشر شهرا (8) هلالية) فيجب بدخول الثاني عشر وإن لم يكمل.
وهل يستقر الوجوب بذلك (9) ، أم يتوقف على تمامه (10) قولان؟ أجودهما
______________________________________________________
(1) من وجوب الزكاة.
(2) وهو السوم وهو منتف بإطعام الغير لها من ماله.
(3) وهي عدم المئونة على المالك.
(4) أي مناسبة للسوم.
(5) بلا خلاف فيه للنصوص المتقدمة في السوم ، وما ورد معارضا لها لا بد من حمله على الندب أو التقية.
(6) لأن العرف هو المرجع في هذه الأمور ، فلا يضر إعمالها يوما أو يومين في السنة كما سبق في المعلوفة ، نعم لو أعدت للعمل وعملت يوما أو يومين فلا يبعد صدق العوامل عليها كما في المعلوفة أيضا.
(7) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح الفضلاء (ليس على العوامل من الإبل والبقر شي ء. إلى أن قال. وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه ، فإذا حال عليه الحول وجب فيه) (1) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا يزكّى من الإبل والبقر والغنم إلا ما حال عليه الحول ، وما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن) (2).
(8) بلا خلاف فيه ودليلهم صحيح الفضلاء (قلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها عن الزكاة ، فعل ذلك بها قبل حلها بشهر ، فقال عليه السلام : إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ، ووجبت عليه فيها الزكاة) (3) ولو لا هذا الخبر لوجب اشتراط مضي تمام الحول تبعا لبقية النصوص.
(9) بمضي أحد عشر شهرا.
(10) أي تمام الحول فيكون الوجوب متزلزلا عند دخول الشهر الثاني عشر بمعنى أنه الوجوب ثابت بشرط مضي الشهر الثاني عشر ، وقد ذهب الشهيدان والكركي والميسي إلى الثاني
ص: 26
الثاني فيكون الثاني عشر من الأول ، فله استرجاع العين لو اختلت الشرائط (1) فيه (2) مع بقائها ، أو علم القابض بالحال (3) كما في دفع متزلزل (4) ، أو معجل (5) أو غير مصاحب للنية (6).
(وللسخال) (7) وهي الأولاد (حول بانفرادها) إن كانت نصابا مستقلا (8) بعد نصاب الأمهات (9) كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا ، أو أربعون من البقر أربعين ، أو ثلاثين ، أما لو كان (10) غير مستقل (11) ...
______________________________________________________
- لأن ما دل على اعتبار السوم وغيره في الحول ظاهر في تمام الحول فالجمع بينه وبين هذا الخبر بحمل هذا الخبر على الوجوب المتزلزل ، وذهب سيد المدارك والإيضاح وهو المنسوب إلى ظاهر الفتاوى إلى الوجوب المستقر عند مضي أحد عشر شهرا لظاهر الخبر المتقدم وهو الأقوى.
وفائدة النزاع أنه على الوجوب المستقر يكون الشهر الثاني عشر من السنة المقبلة ، وعلى الوجوب المتزلزل يكون الشهر من السنة الأولى.
(1) شرائط الزكاة.
(2) في الشهر الثاني عشر.
(3) فإذا علم القابض باختلال الشرائط في الشهر الثاني عشر فيجب عليه أن يتحفظ على العين ليردها إلى مالكها.
(4) كما في البيع الفضولي فيجب على المشتري التحفظ على العين حتى يأذن المالك.
(5) كما لو دفع المالك الزكاة دينا للفقير قبل تمامية الحول ، فله استرجاع العين مع بقائها وقيمتها عند تلفها.
(6) فيجوز للمالك إرجاع العين حينئذ مع بقائها ، وقيمتها عند تلفها.
(7) السخل هو ولد الغنم إلا أن المراد منه هنا مطلق الولد من الأصناف الثلاثة ولو تغليبا.
(8) بلا خلاف فيه وقال في الجواهر (ويقتضيه الأخذ بإطلاق دليل الزكاة بالنسبة إلى كل منهما من دون مانع عنه).
(9) أي بلغوا نصابا مستقلا بعد نصاب الأمهات من دون عدّ الأمهات معها ، لا أن حولهم يبتدأ بعد حول الأمهات.
(10) أي نصاب السخال.
(11) اعلم أن السخال إما أن تكون في أول حول الأمهات وإما في الأثناء ، وعلى الأول فلا إشكال في اعتبار المجموع ، وعلى الثاني فإن كانت السخال نصابا مستقلا فلا إشكال في اعتبار نصابها على حدة بعد اعتبار نصاب الأمهات كذلك ولكل حوله وإن لم تكن نصابا
ص: 27
ففي ابتداء حوله (1) مطلقا (2) ، أو مع إكماله النصاب الذي بعده ، أو عدم ابتدائه حتى يكمل الأول (3) فيجزي الثاني لهما ، أوجه. أجودها الأخير فلو كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شي ء وعلى الأول (4) فشاة عند تمام حولها ، أو ثمانون (5) فولدت اثنين وأربعين (6) فشاة للأولى خاصة (7) ، ثم يستأنف حول الجميع بعد تمام الأول (8) ، وعلى الأولين (9) تجب أخرى عند تمام حول الثانية.
______________________________________________________
- مستقلا فتارة يكون عدد السخال مكملا للنصاب الثاني مع ضميمة الأمهات وأخرى العدم ، فعلى الثاني لا يجب في السخال شي ء عن تمامية حول الأمهات وعليه استئناف حول للجميع حينئذ. وعلى الأول فهل يعتبر استئناف حول للجميع ويهدم حول الأمهات أو يعتبر الحول للجميع بعد تمامية حول الأمهات ، وهو الذي قال به الفخر والشهيدان وسيد المدارك والبهبهاني وصاحب الرياض والبحراني وصاحب الجواهر لوجود المقتضي من وجوب إخراج زكاة الأمهات عند تمام حولها ، وانتفاء المانع لأنه متى وجب إخراج زكاتها منفردة امتنع اعتبارها منضمة إلى السخال في ذلك الحول.
(1) حول نصاب السخال غير المستقل.
(2) سواء كان مكملا مع الأمهات للنصاب الثاني أو لا.
(3) وهو حول الأمهات.
(4) أي الوجه الأول.
(5) هذا مثال لما كان النتاج مكملا للنصاب الثاني ، بخلاف المثال المتقدم فإن النتاج غير مكمل للنصاب الثاني.
(6) فرضه بهذا العدد مع أنه بواحد وأربعين يكمل النصاب الثاني ، لأنه إذا أخرج شاة لنصاب الأمهات فيبقى الباقي بعدد النصاب الثاني.
(7) أي شاة للأمهات فقط بناء على الوجه الأخير.
(8) أي بعد تمام حول الأمهات.
(9) أي الوجهين الأولين ، أما على الوجه الأول من ابتداء حول السخال من حينه فواضح لأن الأمهات ثمانون وفيها شاة بعد تمامية حولها ، والسخال اثنان وأربعون وفيها شاة أيضا بعد تمامية حولها أيضا ، وأما على الوجه الثاني فتجب شاة بعد تمامية حول السخال ، لأن السخال وإن كانت مكملة للنصاب الثاني مع ضميمة الأمهات ، لكن هي نصاب مستقل وقد عرفت لا بدية إجراء حول لها إذا كانت نصابا مستقلا ، نعم لو كانت السخال غير نصاب مستقل وهي مكملة للنصاب الثاني مع ضميمة الأمهات فتجري الوجوه الثلاثة المتقدمة.
ص: 28
وابتداء حول السخال (بعد غنائها بالرعي) (1) ، لأنها زمن الرضاع من مال المالك وإن رعت معه (2) ، وقيده المصنف في البيان بكون اللبن عن معلوفة ، وإلا فمن حين النّتاج ، نظرا إلى الحكمة في العلف وهو الكلفة على المالك ، وقد عرفت ضعفه (3) ، واللبن مملوك على التقديرين وفي قول ثالث أن مبدأه النّتاج مطلقا (4) ، وهو المروي صحيحا فالعمل به متعيّن ، (ولو ثلم النصاب قبل) تمام (الحول) ولو بلحظة (فلا شي ء) لفقد الشرط (5) ، (ولو فرّ به) (6) من الزكاة على الأقوى (7) ، وما فاته به من الخير أعظم ممّا أحرزه من المال ، كما ورد في الخبر.
______________________________________________________
(1) كما هو خيرة المصنف هنا والفاضل والكركي والقطيفي لعدم صدق السوم قبله ، وذهب المشهور إلى أن بداية حول السخال من حين النتاج للأخبار.
منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (ليس في صغار الإبل شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج) (1) وخبره الآخر عنه عليه السلام (ليس في صفار الإبل والبقر والغنم شي ء إلا ما حال عليه الحول عند الرجل ، وليس في أولادها شي ء حتى يحول عليها الحول) (2) وهو ظاهر من حين النتاج ، ولعدم صدق المعلوفة عرفا على المرتضعة من لبن أمها ، سواء كانت أمها سائمة أو معلوفة ، وهو الأقوى ، وذهب المصنف في البيان إلى التفصيل بين المرتضعة من سائمة فحولها من حين النتاج ، وبين المرتضعة من معلوفة فحولها من حين السوم لعدم زيادة الفرع على أصله ولصدق المعلوفة عليها ، وفيه ما قد عرفت من عدم الصدق.
(2) أي مع الرضاع.
(3) لأن المدار على صدق اسم المعلوفة لا على الحكمة.
(4) سواء كانت مرتضعة من سائمة أو معلوفة.
(5) وهو وجود النصاب في تمام الحول كما هو ظاهر الأخبار ، وهذا مما لا خلاف فيه ولا إشكال.
(6) أي بالنقص.
(7) قيل تجب الزكاة لو أحدث النقص فرارا كما عن المرتضى والشيخ لموثق من معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : الرجل يجعل لأهله الحلي. إلى أن قال. قلت له : فإنه فرّ به من الزكاة ، قال عليه السلام : إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة) (3) ومثله غيره.
ص: 29
(ويجزئ) في الشاة الواجبة في الإبل والغنم (الجذع من الضأن) (1) وهو ما كمل سنّه سبعة أشهر (2) ، (والثنيّ من المعز) وهو ما كمل سنّه سنة (3) ، ...
______________________________________________________
- وذهب المشهور إلى عدم الوجوب لصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم ، قال : ليس عليه شي ء أبدا ، - إلى أن قال - قلت له : فإن أحدث فيها قبل الحول ، قال عليه السلام : جائز ذلك له ، قلت : إنه فرّ بها من الزكاة ، قال عليه السلام : ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها) (1) وفي خبر آخر (وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه) (2) ، فلا بد من حمل الاخبار الدالة على الزكاة على الاستحباب.
(1) المشهور على أن ما يؤخذ في الغنم والإبل هو الجذع من الضأن ، والثني من المعز لما روته العامة (أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : نهينا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية) (3) وكونه من طرق العامة لا يضر بعد عمل الأصحاب به ، ومرسل الغوالي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (أنه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن والثني من المعز ، قال : ووجد ذلك في كتاب علي عليه السلام) (4) وعن جماعة كفاية ما يسمى بشاة ، ومنهم أبو العباس في الموجز والصيمري في شرحه والبحراني في حدائقه ناسبا له إلى جماعة من أفاضل متأخري المتأخرين ومال إليه الاردبيلي وسيد المدارك والخراساني لإطلاق الأدلة.
(2) وهذا ما ذهب إليه بنو حمزة وإدريس وزهرة ، والشهيد في الدروس والبيان وحكاه في الحيوان قولا لمرسل الصدوق الوارد في الهدي (ويجزي من المعز والبقر الثني ، وهو الذي له سنة ودخل في الثانية ، ويجزئ من الضأن الجذع لسنة) وبقرينة المقابلة يعلم بكون الجذع ما كان له أقل من سنة.
وذهب المشهور إلى أن الجذع ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية وهو الموافق لقول أهل اللغة منهم الصحاح والقاموس والمصباح المنير.
(3) كل من قال إن الجذع ما كمل سنّه سبعة أشهر قال بأن الثني ما كمل له سنة ودخل في الثانية ، وأما مشهور الفقهاء وأهل اللغة ذهبوا إلى أنه ما كمل له سنتان ودخل في الثالثة.
ص: 30
والفرق (1) أن ولد الضأن ينزو حينئذ ، والمعز لا ينزو إلا بعد سنة ، وقيل (2) : إنما يجذع كذلك إذا كان أبواه شابّين ، وإلا لم يجذع إلى ثمانية أشهر ، (ولا تؤخذ الرّبى) (3) بضم الراء وتشديد الباء ، وهي الوالدة من الأنعام (4) عن قرب إلى خمسة عشر يوما (5) لأنها نفساء ، فلا تجزي وإن رضي المالك ، نعم لو كانت جمع ربّي لم يكلّف غيرها (6) ، (ولا ذات العوار) بفتح العين وضمها (7) مطلق العيب ، (ولا)
______________________________________________________
(1) وهو مأخوذ من صحيح حماد الوارد في الهدي (سألت أبا عبد الله عليه السلام أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي ، فقال عليه السلام : الجذع من الضأن ، قلت : فالمعز؟ قال عليه السلام : لا يجوز الجذع من المعز ، قلت : ولم؟ قال عليه السلام : لأن الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح) (1).
(2) فعن ابن الأعرابي أنه يجذع لسنة إذا تولد من هرمين ، ويجذع لسبعة أشهر إذا تولد من شابين ، وقيل إذا تولد من هرمين فيجذع لثمانية أشهر ، وقيل إذا كان من ثني وثنية فابن ستة أشهر ، وإذا كان من ثني وهرمة فلسبعة أشهر وإذا كان من هرمين فابن ثمانية.
(3) لصحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس في الاكيلة ، ولا في الرّبى التي تربي اثنين ، ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة) (2) وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تؤخذ الأكولة ، والاكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ، ولا والدة ، ولا الكبش الفحل) (3).
(4) قال في الجواهر (هذا التعميم لم نجده لغيره صريحا ، كما اعترف به بعضهم إذ كتب اللغة تفسره بالشاة ، أو بها وبالماعز ، وربما جاء في الإبل).
(5) قال في مجمع البحرين (هي الشاة التي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن ، وقيل هي الشاة القريبة العهد بالولادة ، وقيل هي الوالدة ما بينها وبين خمسة عشر يوما ، وقيل بينها وبين عشرين ، وقيل بينها وبين شهرين) وتفسير الرّبى بأنها تربي اثنين كما في صحيح عبد الرحمن ليس له موافق في كتب أهل اللغة ولا في كتب الفقهاء إلا ما في كشف الغطاء كما اعترف بذلك صاحب الجواهر ، ولعله من تفسير الراوي ولذا أعرض عنه الفقهاء.
(6) أي لو كان النصاب كله كذلك فتجزي كما صرح بذلك غير واحد لإطلاق الأدلة السالمة عن معارضة ما هنا بعد انصرافه إلى غير هذا الفرض.
(7) وقيل يجوز الكسر.
ص: 31
(المريضة) كيف كان (1) ، (ولا الهرمة) (2) المسنة عرفا ، (ولا تعدّ الأكولة) (3) بفتح الهمزة وهي المعدّة للأكل ، وتؤخذ مع بذل المالك لها لا بدونه ، (ولا) فحل (الضّراب) وهو المحتاج إليه لضرب الماشية عادة ، فلو زاد كان (4) كغيره في العدّ أما الإخراج فلا مطلقا (5) ، وفي البيان أوجب عدّها (6) مع تساوي الذكور والإناث ، أو زيادة ، أو زيادة الذكور دون ما نقص وأطلق (7).
(وتجزي القيمة) (8) ...
______________________________________________________
(1) أي مهما كان المرض.
(2) والحكم بالمنع من أخذ هذه الثلاثة مذهب الأصحاب بل في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا لصحيح محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق) (1) وأما المريضة للإجماع.
(3) أي لا تعدّ في النصاب لصحيح عبد الرحمن المتقدم ، وكذا فحل الغراب.
(4) أي الزائد عن حاجة الغنم ، ولم يذهب إليه غير الشارح كما في الجواهر.
(5) سواء زاد عن حاجة الغنم أو لا ، وعدم الأخذ لموثق سماعة المتقدم والمشهور على جواز إخراجه إن بذله المالك ، لأنه مع البذل يسقط حق مراعاته.
(6) أي عدّ الفحول ، إذا كان النصاب كله فحولا أو معظمه ، أو تساوت الفحول مع الإناث دون نقص فلا تعدّ.
(7) أي لم يقيد الحكم بحاجة الغنم إلى هذه الفحول.
(8) أما في غير الانعام فلا خلاف فيه لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن الرجل يعطي من زكاته ، عن الدراهم دنانير وعن الدنانير ، دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك؟ قال عليه السلام : لا بأس) (2) وصحيح البرقي (كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام : هل يجوز. جعلت فداك. أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير ، وما يجب في الذهب دراهم بقيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجابه عليه السلام : أيما تيسّر يخرج) (3).
وأما في الأنعام فالمشهور على ذلك لدعوى إجماع الشيخ في الخلاف ، ورده المحقق في المعتبر وقال تبعا للمفيد في المقنعة بعدم جواز إخراج القيمة في زكاة الأنعام ويرده خبر يونس بن يعقوب المردي في قرب الإسناد (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : عيال المسلمين أعطيهم
ص: 32
عن العين مطلقا (1) ، (و) الإخراج من (العين أفضل) (2) وإن كانت القيمة أنفع (3) ، (ولو كانت الغنم) ، أو غيرها من النعم (مرضى) جمع (فمنها) (4) مع اتحاد نوع المرض ، وإلا لم يجز الأدون (5) ، ولو ماكس المالك قسّط وأخرج وسط يقتضيه ، أو القيمة كذلك (6) وكذا لو كانت كلها من جنس لا يخرج ، كالربّى. والهرم. والمعيب ، (ولا يجمع بين متفرق (7) في الملك) وإن كان مشتركا ، أو مختلطا ، متّحد المسرح والمراح والمشرع ، والفحل والحالب والمحلب (8) ، بل يعتبر النصاب في كل ملك على حده ، (ولا يفرّق بين مجتمع فيه) أي في الملك الواحد وإن تباعد (9) بأن كان له بكل بلد شاة.
______________________________________________________
- من الزكاة ، فاشتري لهم منها ثيابا وطعاما ، وأرى أن ذلك خير لهم فقال عليه السلام : لا بأس) (1) وهو مطلق يشمل زكاة الأنعام فضلا عن قوله عليه السلام في صحيح البرقي المتقدم (أيما تيسر يخرج) فهو عام يشمل زكاة الأنعام.
(1) أنعاما كانت أو غيرها.
(2) لخبر سعيد بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (أيشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسّمه؟ قال : لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله) (2)وتقتضى الجمع بينه وبين ما تقدم يقتضي حمله على الاستحباب.
(3) لأن الفقير يستطيع أن يتصرف فيها كما يشاء.
(4) أي يخرج الواجب منها ، وكذا لو كانت كلها ربّى او هرمة أو معيبة بلا خلاف فيه لأن ما دل على المنع منصرف عن هذا الفرض.
(5) أي الأقل قيمة لكثرة مرضه للزوم الضرر على المستحق.
(6) بحيث لو كان نصف النصاب صحيحا ونصفه معيبا ، فنصف الواجب لا بد أن يكون صحيحا ونصفه معيبا أو قيمة ذلك.
(7) بلا خلاف لأن النصوص السابقة دالة على كون النصاب لمالك واحد.
(8) الآلة التي يحلب فيها.
(9) بلا خلاف فيه لأن النصوص الدالة على وجود النصاب عند المالك مطلقة سواء كان بينها مسافة أو لا.
ص: 33
(وأما النقدان. فيشترط فيهما النصاب (1) والسكة) (2)
وهي النقش (3) الموضوع للدلالة على المعاملة الخاصة ، بكتابة وغيرها وإن هجرت (4) فلا زكاة في السبائك (5) والممسوح (6) وإن تعومل به ، والحلّي (7) ،
______________________________________________________
(1) وسيأتي الكلام فيه.
(2) بلا خلاف فيه ويدل عليه صحيح علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام (قلت له : إنه يجتمع عندي الشي ء الكثير قيمته نحوا من سنة أنزكيه؟ فقال عليه السلام : كل ما لم يحل عليه الحول فليس فيه عليك زكاة ، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء ، قلت : وما الركاز؟ قال عليه السلام : الصامت المنقوش ، ثم قال : إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة) (1) وموثق جميل بن دراج عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليه السلام (ليس على التبر زكاة ، إنما هي على الدراهم والدنانير) (2).
(3) بلا خلاف فيه ، ثم لا فرق في النقش بين الكتابة وغيرها ، ولا بين سكة الإسلام أو الكفر كما صرح به غير واحد لإطلاق الأدلة السابقة.
(4) لإطلاق النصوص.
(5) لأنه غير منقوش ولصريح صحيح علي بن يقطين المتقدم.
(6) لأنه غير منقوش وإن بقيت المعاملة به ، كما صرح به جماعة ، بل عن الذخيرة نسبته إلى الأصحاب مشعر بدعوى الإجماع عليه.
(7) لأنها غير منقوشة ولصريح صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الحلّى فيه زكاة؟ قال : لا) (3) ومثله غيره.
ص: 34
وزكاته إعارته (1) استحبابا ولو اتّخذ المضروب بالسّكة آلة للزينة (2) وغيرها لم يتغير الحكم (3) ، وإن زاده (4) ، أو نقصه ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة (5) ، (والحول) (6) وقد تقدم (فنصاب الذهب) (7) الأول (عشرون دينارا) كلّ واحد مثقال (8) ، وهو (9) درهم وثلاثة أسباع درهم (10) (ثم أربعة دنانير) فلا شي ء فيما
______________________________________________________
(1) لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (زكاة الحلي أن يعار) (1) وهو محمول على الاستحباب جمعا بينه وبين ما تقدم من نفي الزكاة فيه.
(2) إذا بقي عنوان المضروب باقيا وأمكن التعامل به.
(3) للاستصحاب.
(4) أي الاتخاذ للزينة قد زاده قيمة أو أحدث فيه نقصا فنقصت قيمته.
(5) وإلا فلو خرج عن التعامل فلا زكاة لانتفاء موضوعها.
(6) بلا خلاف فيه ويدل عليه صحيح ابن يقطين المتقدم (كل ما لم يحل عندك عليه حول فليس عليك فيه زكاة) (2) ومثله غيره من النصوص.
(7) للذهب نصابان الأول : عشرون دينارا وفيه نصف دينار للأخبار منها : صحيح الحسين بن بشار عن أبي الحسن عليه السلام (وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار ، وإن نقص فلا زكاة فيها) (3) وموثق علي بن عقبة وعدة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء ، فإذا كملت العشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة) (4)، والنصاب الثاني أربعة دنانير ويدل عليه خبر ابن عقبة المتقدم ومثله غيره.
(8) ويشهد له جملة من النصوص منها خبر ابن عقبة المتقدم ، والمراد بالمثقال هو الشرعي ، وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، وقد نسبه في المستند إلى جماعة ، وقال ابن الأثير في نهايته (المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصة ، وهو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي) ولذا كان المثقال الصيرفي أربع وعشرين حبة والشرعي ثمان عشرة حبة.
(9) أي المثقال الشرعي.
(10) لما تقدم في مبحث الكر من أن كل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعية ، فيكون المثقال الشرعي درهما وثلاثة من سبعة من الدرهم.
ص: 35
دون العشرين ، ولا فيما دون أربعة بعدها. بل يعتبر الزائد أربعة أربعة أبدا ، (ونصاب الفضة) الأول (مائتا درهم) (1) ، والدرهم نصف المثقال وخمسة (2) ، أو ثمانية وأربعون حبة شعير متوسطة (3) ، وهي (4) ستة دوانيق ، (ثم أربعون درهما) (5) بالغا من بلغ ، فلا زكاة فيما نقص عنهما.
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح ابن بشار سألت أبا الحسن عليه السلام (في كم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة؟ فقال عليه السلام : في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وإن نقصت فلا زكاة فيها) ((1).
(2) بلا خلاف فيه لقاعدة أن كل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعية فالدرهم سبعة أعشار المثقال ، وخمسة أعشار هي النصف ، والعشران خمس.
(3) اعلم أن الدانق هو ثمان حبات من اواسط حب الشعير في العظم والصفر والرزانة والخفة وهذا مما لا إشكال فيه هذا من جهة ومن جهة أخرى قال العلامة في المنتهى (الدراهم في بدء الإسلام كانت على صنفين بغلية وهي السود ، وطبرية ، وكانت السود كل درهم منها ثمانية دوانيق ، والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام وجعلها درهمين متساويين ، وزن كل درهم منها ستة دوانيق ، فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، وكل درهم نصف مثقال وخمسه) وفي التحرير مثله - إلى أن قال - (وكل درهم نصف مثقال وخمسه ، وهو الدرهم الذي قدّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم المقادير الشرعية في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الديات والجزية وغير ذلك ، والدانق ثماني حبات من أواسط حب الشعير) انتهى. فإذا كان الدانق ثماني حبات والدرهم ستة دوانيق فيكون الدرهم ثماني وأربعين حبة من أواسط حبات الشعير.
(4) أي ثماني وأربعون حبة شعير.
(5) وهو النصاب الثاني ويدل عليه أخبار منها : موثق الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (في الورق في كل مائتين خمسة دراهم ، ولا في أقل من مائتي درهم شي ء وليس في النيف شي ء حتى يتم أربعون ، فيكون فيه واحد) (2) وموثق زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام (فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم ، فإذا بلغت ثمانين ومائتين درهم ففيها سبعة دراهم ، وما زاد فعلى هذا الحساب وكذلك الذهب) (3).
ص: 36
(والمخرج) في النقدين (ربع العشر) (1) فمن عشرين مثقالا نصف مثقال ، ومن الأربعة قيراطان ومن المائتين خمسة دراهم ، ومن الأربعين درهم ، ولو أخرج ربع العشر من جملة ما عنده من غير أن يعتبر مقداره مع العلم باشتماله (2) على النصاب الأول أجزأ ، وربما زاد خيرا (3) والواجب الإخراج (من العين ، وتجزي القيمة) (4) كغيرهما (5).
______________________________________________________
(1) قد عرفت أن النصاب الأول في الذهب عشرون دينارا وزكاته نصف دينار كما هو صريح الصحيح المتقدم ، فإذا كان الدينار عشرين قيراطا بالاتفاق كان نصف الدينار عشرة قراريط ، وإذا كان في الأربعة والعشرين دينارا ثلاثة أخماس دينار كما هو صريح موثق ابن عقبة المتقدم فيكون ثلاثة أخماس الدينار اثني عشر قيراطا وعليه فإذا كانت عشرة قراريط زكاة العشرين دينارا كان القيراطان الباقيان زكاة أربعة دنانير الباقية.
هذا من جهة ومن جهة أخرى قد عرفت أن النصاب الأول في الفضة مائتان درهم وزكاتها خمسة دراهم وأن النصاب الثاني أربعون وزكاته درهم واحد كما هو مفاد موثق زرارة وبكير المتقدم.
ومن جهة ثالثة إذا نظرت إلى النسبة بين النصاب وزكاته سواء كان الأول أو الثاني وسواء كان في الذهب أو الفضة تجد أن النسبة هي ربع الشعر ، فلو أخذنا النصاب الأول للذهب فهو عشرون دينارا ونسبة نصف الدينار إليه هو ربع الشعر ، لأن عشر العشرين اثنان ، وربع الاثنين نصف دينار وفي النصاب الثاني أربعة دنانير وزكاتها قيراطان ، فلو ضربنا الأربعة بعشرين قيراطا لأن كل دينار عشرون قيراطا فالمجموع ثمانون قيراطا ، وعشرها ثمانية ، وربع الثمانية قيراطان.
وفي النصاب الأول للفضة مائتا درهم وزكاتها خمسة دراهم ، لأن عشر المائتين عشرون ، وربع العشرين خمسة ، وفي النصاب الثاني للفضة أربعون درهما وزكاتها درهم واحد ، فعشر الأربعين أربعة ، وربع الأربعة واحد.
(2) باشتمال ما عنده.
(3) لاحتمال أن يكون ما عنده أكثر من النصاب.
(4) وقد تقدم الدليل في زكاة الأنعام.
(5) أي كغير النقدين من الأنعام والغلات.
ص: 37
(وأما الغلّات. الأربع فيشترط فيها التملك بالزراعة) (1)
إن كان مما يزرع (أو الانتقال) أي انتقال الزرع ، أو الثمرة مع الشجرة ، أو منفردة إلى ملكه (قبل انعقاد الثمرة) (2) في الكرم ، وبدوّ الصلاح ، وهو الاحمرار ، أو الاصفرار في النخل ، (وانعقاد الحبّ) في الزرع ، فتجب الزكاة حينئذ على المنتقل إليه وإن لم يكن زارعا ، وربما أطلقت الزّراعة على ملك الحبّ والثمرة على هذا الوجه (3). وكان عليه أن يذكر بدوّ الصلاح في النخل لئلا يدخل في الانعقاد
______________________________________________________
(1) قال في الشرائع : (ولا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا ملكت بالزراعة لا بغيرها من الأسباب كالابتياع والاتهاب) انتهى ، أما شرطية التملك بالزراعة فهو مما لا خلاف فيه ، وإنما الإشكال على تعبير الشرائع لإيهامه خلاف المقصود ، إذ مقتضاه عدم وجوب الزكاة ، فيما يملك بالابتياع وهذا مخالف لإجماع المسلمين لأن المدار في وجوب الزكاة هو التملك وقت بلوغها الحد الذي تتعلق به الزكاة وسيأتي بيانه ، ولأجل قصور عبارة الشرائع عبر المصنف بجعل الشرط إما التملك بالزراعة وإما انتقال الزرع إلى ملكه قبل تعلق الزكاة.
(2) المشهور على أن الزكاة تتعلق عند انعقاد الحب في الحنطة والشعير ، وفي النخل عند احمرار ثمرة أو اصفراره ، وفي العنب عند كونه حصرما ، ودليلهم الإجماع المدعى في المنتهى وهو أقوى أدلتهم ، وذهبت جماعة إلى أن الزكاة تتعلق عند صدق اسم الحنطة والشعير والتمر والزبيب تمسكا بظاهر النصوص المتقدمة وهو الأقوى.
(3) أي قبل انعقاد الحب وقبل بدو الصلاح ، وهذا توجيه من الشارح لكلام الشرائع حيث اعتذر الشارح في المسالك عنه بأن المراد بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في المسالك مع حمل الابتياع والهبة الواقعين في العبارة على ما لو حصلا بعد تحقق الوجوب ، ولكن يكفينا قول الشارح فيما بعد بأنه واضح التكلف.
ص: 38
مع أنه لا قائل بتعلق الوجوب فيه (1) به (2) ، وإن كان الحكم بكون الانتقال قبل الانعقاد مطلقا (3) يوجب الزكاة على المنتقل إليه صحيحا (4) إلا أنه (5) في النخل خال عن الفائدة إذ هو (6) كغيره من الحالات السابقة (7) وقد استفيد من فحوى الشرط (8) أنّ تعلّق الوجوب بالغلات ، عند انعقاد الحبّ والثمرة وبدوّ صلاح النخل ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب بعضهم إلى أنّ الوجوب لا يتعلق بها إلى أن يصير أحد الأربعة حقيقة وهو بلوغها حد اليبس الموجب للاسم (9). وظاهر النصوص (10) دال عليه.
(ونصابها) (11) الذي لا تجب فيها بدون بلوغه (12) ، واكتفى عن اعتباره شرطا بذكر مقداره تجوزا (ألفان وسبعمائة رطل) (13) بالعراقي ، أصله خمسة
______________________________________________________
(1) في النخل.
(2) بالانعقاد ، وقد عرفت أن تعلق الزكاة إما عند بدو الصلاح وإما عند صدق اسم التمر وكلاهما بعد الانعقاد.
(3) بأي سبب من أسباب الانتقال.
(4) خبر لقوله (وإن كان الحكم)
(5) أن هذا الحكم.
(6) أي الانعقاد.
(7) أي السابقة على تعلق الزكاة ، فلا بد من ذكر بدو الصلاح في النخل لأنه وقت تعلق الزكاة ولا يكفي الاكتفاء بالانعقاد.
(8) الوارد في المتن.
(9) من الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
(10) وقد تقدم بعضها.
(11) أي نصاب الغلات.
(12) أي لا تجب الزكاة في الغلات بدون بلوغ النصاب.
(13) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر ، وما كان يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء والسيح أو كان بعلا ففيه العشر تماما ، وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء ، وليس فيما أنبتت -
ص: 39
أوسق ، ومقدار الوسق ستون صاعا ، والصاع تسعة أرطال بالعراقي ، ومضروب ستين في خمسة ، ثم في تسعة تبلغ ذلك ، (وتجب) الزكاة (في الزائد) (1) عن النصاب (مطلقا) وإن قلّ بمعنى ليس له إلا نصاب واحد ، ولا عفو فيه.
(والمخرج) من النصاب وما زاد (العشر إن سقي سيحا) (2) بالماء الجاري على وجه الأرض سواء كان قبل الزرع كالنيل ، أو بعده ، (أو بعلا) وهو شربه بعروقه القريبة من الماء ، (أو عذيا) بكسر العين ، وهو أن يسقى بالمطر ، (ونصف العشر بغيره) بأن سقي بالدلو (3) والناضح (4) ...
______________________________________________________
- الأرض شي ء إلا في هذه الأربعة أشياء) (1).
ثم اعلم أن الصاع أربعة امداد وقد حكى الإجماع عليه عن أكثر من واحد ، والمد رطلان وربع رطل بالعراقي فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي ، ويدل عليه مكاتبة الهمداني إلى أبي الحسن عليه السلام (جعلت فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع ، بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني ، وبعضهم يقول : بصاع العراقي ، فكتب إليّ عليه السلام : الصاع ستة أرطال بالمدني ، وتسعة بالعراقي) (2). وإذا ضربنا ثلاثمائة صاع بتسعة فيكون النصاب بالعراقي الفين وسبعمائة رطل.
(1) بلا خلاف فيه ويقتضيه إطلاق النصوص.
(2) ضابطة : ما يسقى بدون علاج ففيه العشر وما يسقى بعلاج ففيه نصف العشر ويدل عليه الأخبار.
منها : صحيح زرارة المتقدم وصحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام (ما كان يعالج بالرشاء والدلاء والنضح ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل ففيه العشر كاملا) (3).
هذا والمراد من السيح هو الجريان سواء كان قبل الزرع كالنيل أو بعده ، والمراد بالبعل ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء.
(3) المعتمد على اليد.
(4) وهو البعير يستقى عليه ، وفي المصباح المنير (ونضح البعير الماء ، حمله من نهر أو بئر لسقي الزرع فهو ناضح).
ص: 40
والدالية (1) ونحوها (ولو سقي بهما فالأغلب) (2) عددا (3) مع تساويهما في النفع ، أو نفعا ونموا (4) ، لو اختلفا وفاقا للمصنف ، ويحتمل اعتبار العدد والزمان مطلقا (5) (ومع التساوي) فيما اعتبر التفاضل فيه. فالواجب (ثلاثة أرباع العشر) (6) لأن الواجب حينئذ في نصفه العشر ، وفي نصفه نصفه (7) ، وذلك ثلاثة أرباعه (8) من الجميع.
ولو أشكل الأغلب احتمل وجوب الأقل (9) ، للأصل ، والعشر (10) للاحتياط،
______________________________________________________
(1) وهي الناعورة التي يديرها البقر ، والناعورة هي التي يديرها الماء.
(2) بلا خلاف فيه.
(3) وقع الخلاف في معيار الأغلبية هل هو الزمان أو العدد أو النمو ، فنسب الأول إلى العلامة والشهيد ، والثاني إلى صاحب المدارك بل إلى ظاهر الأكثر ، ونسب الثالث إلى العلامة في القواعد وإلى ولده في الشرح وإلى الشهيد الثاني في حاشية الإرشاد.
واستدل للثاني بخبر معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحا ، قال : إن ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت : نعم ، قال : النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر ، فقلت : الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قال : كم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قلت : في ثلاثين وأربعين ليلة ، وقد مضت قبل ذلك في الأرض ستة أشهر ، سبعة أشهر ، قال عليه السلام : نصف العشر) (1) وصدره محمول على التساوي وذيله على كون أحدهما وهو السقي بالعلاج. هو الأغلب ، وهو ظاهر في أن الغالب في الزمان هو الأكثر عددا ، هذا فضلا عن أن المئونة إنما تكثر بسبب كثرة العدد ، والأقوى هو الصدق العرفي.
(4) أي فالأغلب نفعا ونموا لو اختلفت السقيتان في ذلك وكانت إحداهما من دون علاج والأخرى بعلاج وهو القول الثالث المتقدم.
(5) سواء اختلفا في النفع أم تساويا.
(6) كما هو مفاد صدر خبر معاوية المتقدم.
(7) أي وفي نصف النصاب الآخر نصف العشر.
(8) أي ثلاثة أرباع العشر.
(9) وهو نصف العشر للأصل وهو أصالة البراءة عن الزائد المشكوك.
(10) أي ويحتمل العشر للاحتياط.
ص: 41
وإلحاقه (1) بتساويهما لتحقق تأثيرهما (2) ، والأصل عدم التفاضل وهو الأقوى.
واعلم أن إطلاقه الحكم بوجوب المقدّر فيما ذكر يؤذن بعدم اعتبار استثناء المئونة (3) ، وهو قول الشيخ (رحمه الله) ، محتجا بالإجماع عليه منا ، ومن العامة (4) ، ولكن المشهور بعد الشيخ استثناؤها ، وعليه المصنف في سائر كتبه وفتاواه ، والنصوص خالية من استثنائها مطلقا (5) ، نعم ورد استثناء حصة السلطان وهو أمر خارج عن المئونة وإن ذكرت منها (6) في بعض العبارات تجوّزا ، والمراد بالمئونة ما
______________________________________________________
(1) أي إلحاق المشكوك.
(2) أي تأثير السيح والسقي.
(3) ذهب المشهور إلى استثناء المئونة للإجماع المدعى في الغنية ولقوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) (1) بناء على أن المراد منه ما يفضل عن النفقة ، وقال في الصحاح : (عفو المال ما يفضل عن النفقة) ، ولما في الفقه الرضوي (فإذا بلغ ذلك وحصل بغير خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أخرج منه العشر) (2).
وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى عدم الاستثناء ، وابن سعيد في الجامع والشهيد في فوائد القواعد وسيد المدارك وصاحب الذخيرة والمفاتيح والحدائق لظاهر النصوص التي لم تستثن إلّا خراج السلطان منها : صحيح محمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام : كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك) (3) وإطلاقه يدل على عدم خروج المئونة ، وهو الأقوى لأن الآية ناظرة إلى مئونة المالك وكلامنا في مئونة الزرع هذا فضلا عن أن الآية دالة على دفع تمام الزائد بينما الكلام في وجوب دفع العشر أو نصفه ، وأما خبر الرضوي فلا يقاوم الأخبار الكثيرة المطلقة.
(4) ولم يخالف إلا عطاء منهم.
(5) سواء كانت قبل تعلق الوجوب أو بعده.
(6) أي ذكرت حصة السلطان من المئونة في بعض عبارات الفقهاء لكن من باب المجاز ، لأن الماد من المئونة هو مئونة الزرع.
ص: 42
يغرمه المالك على الغلة من ابتداء العمل لأجلها وإن تقدم على عامها (1) إلى تمام التصفية ويبس الثمرة ومنها (2) البذر ، ولو اشتراه (3) اعتبار المثل ، أو القيمة ، ويعتبر النصاب بعد ما تقدم منها على تعلق الوجوب (4) ، وما تأخر عنه (5) يستثنى ولو من نفسه ويزكي الباقي وإن قلّ ، وحصة السلطان كالثاني (6) ، ولو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من المئونة ، ولو اشتراها مع الأصل وزّع الثمن عليهما ، كما يوزّع المئونة على الزكوي وغيره لو جمعهما ، ويعتبر ما غرمه بعده (7) ، ويسقط ما قبله (8) ، كما يسقط اعتبار المتبرّع (9) وإن كان غلامه أو ولده.
(الفصل الثاني إنما تستحبّ زكاة التجارة مع)
مضي (الحول) (10) السابق ، (وقيام رأس المال فصاعدا) ...
______________________________________________________
(1) أي عام الغلة كأجرة الأرض.
(2) أي ومن المئونة.
(3) أي اشترى البذر.
(4) أي ما كان من المئونة قبل تعلق الوجوب يخرج من الغلة وإذا كان الباقي بقدر النصاب فيزكى وإلا فلا ، وأما المئونة بعد تعلق الوجوب لا فتحسب من النصاب ولكن تخرج ويزكى الباقي وإن قلّ.
والأشهر أن المئونة سواء كانت قبل تعلق الوجوب أو بعده تستثنى فإن كان الباقي بقدر النصاب فيزكى وإلا فلا لإطلاق ما دل على وجوب الزكاة بعد بلوغ النصاب مع ضميمه استثناء المئونة.
(5) أي وما تأخر من المئونة عن تعلق الوجوب يستثنى ولو من النصاب من دون أن يضر بتعلق الوجوب لأنه قد ثبت.
(6) أي من القسم الثاني فيعتبر النصاب أولا ثم يدفع الخراج إلى السلطان ويزكّى الباقي.
(7) أي بعد الشراء فكل المؤن بعد الشراء التي غرمها المشتري تعتبر حينئذ.
(8) مما دفعه البائع فتسقط لأن المشتري قد دفع الثمن بإزائها ، والثمن جزء من المئونة كما عرفت.
(9) لأن تبرعه لا يعدّ من المئونة عرفا حيث لم يدفع له أجرة.
(10) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر محمد بن مسلم (كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول) (1).
ص: 43
طول الحول (1) ولو طلب المتاع بأنقص منه (2) وإن قلّ في بعض الحول فلا زكاة ، (ونصاب المالية) (3) وهي (4) النقدان بأيهما بلغ إن كان أصله عروضا (5) وإلا فنصاب أصله وإن نقص بالآخر وفهم من الحصر أن قصد الاكتساب عند التملك ليس بشرط (6) وهو قويّ ، وبه صرح في الدروس وإن كان المشهور خلافه ، وهو خيرة البيان ، ولو كانت التجارة بيد عامل فنصيب المالك من الربح يضمّ إلى المال (7) ، ويعتبر بلوغ حصة العامل نصابا في ثبوتها عليه (8) وحيث تجتمع الشرائط (فيخرج ربع عشر القيمة) كالنقدين.
(وحكم باقي أجناس الزرع) الذي يستحبّ فيه الزكاة (حكم الواجب) (9)
______________________________________________________
(1) وكذا لو نقص المال عن النصاب في أثناء الحول ولو يوما سقط استحباب زكاته لاشتراط بلوغ مال التجارة للنصاب بالإجماع.
(2) من النصاب.
(3) للإجماع كما تقدم.
(4) أي المالية.
(5) جمع عرض بسكون الراء وهو المتاع ، والمعنى : إن المال إذا كان متاعا فالاعتبار بقيمته بالنسبة إلى الذهب والفضة ، وإذا كان مال التجارة ، ذهبا أو فضة فالمدار على نصاب أصله وإن كان انقص من نصاب الآخر.
(6) فالمشهور على الاشتراط لأن نية الاكتساب به ما لم تتحقق لا يصدق على المال أنه مال تجارة ، ونقل المحقق في المعتبر عن بعض العامة قولا بأن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به الزكاة ، ويظهر منه الميل إليه وذهب إليه الشهيد في الدروس والشارح في جملة من كتبه ، إلا أن النصوص الدالة على ثبوت الزكاة في المال بين نص صرح بالمال الذي اتجر به ، وبين أخر دل على المال الذي عمل به ، وبين ثالث دل على مال التجارة ، وصدق هذه العناوين متوقف على قصد الاكتساب كما هو واضح.
(7) أي إلى أصل المال الذي بيد العامل.
(8) أي في ثبوت الزكاة على العامل.
(9) بلا خلاف فيه ويدل عليه أخبار منها : خبر ابن مهزيار (كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب) (1) وهذا الخبر ظاهر في الاتحاد في الكيفية والشروط واستثناء حصة السلطان
ص: 44
في اعتبار النصاب والزراعة ، وما في حكمها ، وقدر الواجب (1) وغيرها (2).
(ولا يجوز تأخير الدفع) للزكاة (عن وقت الوجوب) (3) إن جعلنا وقته (4) ووقت الإخراج واحدا ، وهو التسمية بأحد الأربعة ، وعلى المشهور فوقت الوجوب مغاير لوقت الإخراج ، لأنه (5) بعد التصفية ، ويبس الثمرة ، ويمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الإخراج ، لا وجوب الزكاة ، ليناسب مذهبه (6) ، إذ يجوز على التفصيل (7) تأخيره عن أول وقت الوجوب إجماعا ، إلى وقت الإخراج ، أما بعده فلا (مع الإمكان) (8) ، فلو تعذّر لعدم التمكن من المال ، أو الخوف من
______________________________________________________
- والمئونة على الخلاف المتقدم وإنما الخلاف فقط في الوجوب والندب.
(1) أي مقدار ما يخرج به الزكاة.
(2) كاستثناء حصة السلطان.
(3) قال العلامة في المنتهى (اتفق العلماء على أنه لا يجب الإخراج في الحبوب إلا بعد التصفية ، وفي التمر إلا بعد التشميس والجفاف) ومثله في التذكرة ، فعلى قول المشهور من أن وقت وجوب الزكاة هو انعقاد الحب وانعقاد الثمرة وبدو الصلاح في النخل فيلزم تغاير زمان تعلق وجوب الزكاة مع زمان وجوب الإخراج ، وعلى قول غير المشهور من أن وقت وجوب الزكاة هو صدق الاسم فلا تغاير بين وجوب الزكاة ووجوب الإخراج من ناحية الوقت.
يبقى أنه على مبنى غير المشهور قد جعل زمان التعلق عند صدق الاسم وزمان الإخراج في الحبوب بعد التصفية وهذا ما يلزم منه التغاير ، إلا أن يقال إن التصفية شرط للواجب أعني نفس الإخراج لا من شرائط وجوب الإخراج إذ هو عند صدق الاسم.
(4) أي وقت الوجوب.
(5) أي لأن وقت الإخراج.
(6) وهو مذهب المشهور ، ولازمه جواز تأخير الدفع من زمن تعلق الوجوب إلى زمن وجوب الإخراج مع أن المصنف تبعا لما تقدم من الشرح قد حكم بعدم جواز تأخير الدفع عن وقت وجوب الإخراج.
(7) المبني على قول المشهور.
(8) وقع الخلاف بينهم ، ومحصل الأقوال ثلاثة : قول بالفورية ، وقول بعدمها ، وقول بالتفصيل بين الإخراج ولو بالعزل فيجب فورا وبين الدفع فلا يجب وعلى القول بالفورية فهل هي مع الإمكان مطلقا أو عند عدم انتظار الأفضل أو عند التعميم كما في الدروس ، أو عند عدم انتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب كما في البيان ، وعلى -
ص: 45
التغلّب أو عدم المستحق جاز التأخير إلى زوال العذر ، (فيضمن بالتأخير) (1) لا لعذر وإن تلف المال بغير تفريط ، (ويأثم) للإخلال بالفورية الواجبة ، وكذا الوكيل والوصي (2) بالتفرقة لها ولغيرها (3).
وجوّز المصنف في الدروس تأخيرها لانتظار الأفضل ، أو التعميم (4) وفي البيان كذلك ، وزاد تأخيرها لمعتاد الطلب منه بما لا يؤدي إلى الإهمال وآخرون
______________________________________________________
- القول بالعدم فهل هو مطلقا أو إلى شهر أو شهرين كما عن الشيخين ، والنصوص مختلفة المدلول ، فمنها ما يدل على الفورية في الإعطاء كخبر أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخرها بعد حلها) (1).
ومنها ما يدل على جواز التأخير في الإعطاء وكصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين) (2) ومنها ما يدل على جواز التأخير مع العزل كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها ويبقى بعضها يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : لا بأس) (3).
فالجمع بين الأخبار يقتضي جواز التأخير مع العزل خصوصا إذا كان التأخير لذي مزية أو التماسا لمواضعها.
(1) ولو بغير تفريط بشرط أن يكون لا لعذر لخبر ابن مسلم قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده) (4).
(2) لتتمة خبر ابن مسلم المتقدم (وكذلك الوصي الذي يوصي إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان).
(3) أي فيأثم للإخلال بالفورية ولا يضمن بالتأخير إلا إذا كان لا لعذر.
(4) أي إعطاؤها كل أصناف المستحقين أو لأكبر قدر منهم.
ص: 46
شهرا ، وشهرين مطلقا (1) خصوصا مع المزية وهو قوي
(ولا يقدّم على وقت الوجوب) (2) على أشهر القولين (إلا قرضا ، فتحتسب) بالنية (عند الوجوب بشرط بقاء القائض على الصفة) الموجبة للاستحقاق فلو خرج عنها (3) ولو باستغنائه بنمائها (4) لا بأصلها ، ولا بهما (5) أخرجت على غيره.
______________________________________________________
(1) لعذر أو لا.
(2) على المشهور لصحيح عمر بن يزيد قلت لأبي عبد الله عليه السلام (الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة ، فقال عليه السلام : لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة) (1) ومثله غيره وعن ابن أبي عقيل وسلار جواز التقديم لصحيحة حماد بن عثمان المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين) (2) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال : لا بأس ، قلت : فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال : لا بأس) (3) ولكن هذه الأخبار محمولة على التقية عند المشهور لموافقتها العامة ، أو على كون التقديم بعنوان القرض للجمع العرفي بينها وبين ما تقدم من الأخبار ، ويشهد لهذا الجمع خبر عقبة بن خالد (إن عثمان بن عمران دخل على أبي عبد الله عليه السلام وقال له : إني رجل موسر ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : بارك الله في يسارك ، قال : ويجي ء الرجل فيسألني الشي ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة) (4) ومثله غيره.
(3) عن صفة الاستحقاق.
(4) فيصير غنيا فيجب عليه إرجاع الدين ولا يمكن الاحتساب.
(5) أي بالأصل ونمائه ، لأن المقترض وإن صار غنيا بتملكه للأصل أولهما فيخرج عن عنوان الفقير لكنه يدخل تحت عنوان الغارمين.
ص: 47
(ولا يجوز نقلها عن بلد المال (1) إلا مع إعواز المستحق) (2) فيه فيجوز إخراجها إلى غيره مقدّما للأقرب إليه فالأقرب (3) ، إلا أن يختص الأبعد بالأمن (4) ، وأجرة النقل حينئذ (5) على المالك (6) (فيضمن) (7) لو نقلها إلى غير البلد
______________________________________________________
(1) على المشهور لأنه مناف للفورية ، وللتغرير بالمال وتعريضه للتلف ، ولصحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسّم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي ، وصدقه أهل الحضر على أهل الحضر) (1) ومثله غيره.
وذهبت جماعة إلى الجواز لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يعطي الزكاة يقسّمها ، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ قال : لا بأس) (2) ومثله غيره وهو الأقوى لكثرة أخباره ، والجمع بين الأخبار يقتضي جواز النقل على كراهة مع وجود المستحق ، ويكون صاحب المال ضامنا لو تلفت.
(2) أي مع عدم وجوده فيجوز النقل بلا إشكال ولا خلاف ، لخبر يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه السلام (قلت له : الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال : يضعها في إخوانه وأهل ولايته ، فقلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال : يبعث بها إليهم) (3) ومثله غيره.
(3) ودليله وجوب الفورية كما عن صاحب الجواهر ، ولكن إطلاق أدلة إخراجها عن البلد يشمل القريب والبعيد إلا إذا أوجب الإجمال.
(4) فيقدم حفظا للزكاة عن تعريضها للتلف والسرقة والضياع.
(5) أي مع عدم وجود المستحق في البلد.
(6) لأن مئونة النقل شرط للواجب عني الإيصال فيجب على المالك تحصيله ، وقيل : بأن مئونة النقل مع عدم وجود المستحق في البلد إنما هو لمصلحة المستحق في خارجها فيجب أن تكون المئونة من الزكاة نعم مع وجود المستحق فأجرة النقل على المالك إذ لا مقتضي لكونها من الزكاة فالأصل بقاء الزكاة على حالها.
(7) بلا خلاف لصحيح ابن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال عليه السلام : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها) (4).
ص: 48
(لا معه) أي لا مع الإعواز (1) ، (وفي الإثم قولان) (2) أجودهما وهو خيرة الدروس العدم ، لصحيحة (3) هشام عن الصادق (ع) ، (ويجزئ) لو نقلها ، أو أخرجها في غيره (4) على القولين (5) ، مع احتمال العدم للنهي على القول به (6).
وإنما يتحقق نقل الواجب مع عزله قبله (7) بالنية (8) ، وإلا فالذاهب من ماله
______________________________________________________
(1) وأما مع الإعواز فلا ضمان بلا خلاف فيه لتتمة خبر ابن مسلم المتقدم (وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان).
(2) تردد المصنف في الأثم كاشف عن أن مراده من عدم جواز النقل عن بلد المال هو عدم جواز النقل بغير ضمان هذا من جهة ومن جهة أخرى قد تقدم دليل القولين في الاثم وعدمه.
(3) وقد تقدمت ، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يعطي الزكاة يقسّمها ، أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال عليه السلام : لا بأس) (1).
(4) غير بلد المال.
(5) سواء قلنا بجواز النقل أو بعدمه ، وذلك لصدق الامتثال الموجب للأجزاء ، وعن بعض العامة أنه لا يجزي لأنه دفعها إلى غير من أمر بالدفع إليه ، وردّ بصدق الامتثال ولخبر ابن مسلم المتقدم (فهو لها ضامن حتى يدفعها) (2).
(6) أي على القول بأن النهي مفسد في العبادات ، وفيه إن النهي قد تعلق بجزء خارج عن حقيقة العبادة لأن الزكاة كعبادة هي الدفع إلى المستحق والنهي قد تعلق بالنقل.
(7) قبل النقل.
(8) متعلق بالعزل أي أن العزل متحقق بالنية ، هذا ولأنه بدون العزل لا تتعين الزكاة في هذا المقدار فلو نقله وتلف لكان التالف من ماله ولكن الظاهر النصوص أن العزل إنما هو بالعزل الفعلي لا بالنية ففي صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت ، أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه) (3) وفي موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (- إلى أن قال - : إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي ء ، ثم أعطها كيف شئت) (4) ومثلها غيرها.
ص: 49
لعدم تعيينه ، وإن عدم المستحق ، ثم إن كان المستحق معدوما في البلد جاز العزل قطعا (1) ، وإلا ففيه نظر (2) ، من أن الدين لا يتعين بدون قبض مالكه ، أو ما في حكمه مع الإمكان ، واستقرب في الدروس صحه العزل بالنية مطلقا (3) ، وعليه (4) تبتني المسألة هنا ، وأما نقل قدر الحق بدون النية فهو كنقل شي ء من ماله ، فلا شبهة في جوازه (5) مطلقا (6). فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقيه مع وجودهم في بلده (7) على القول بالمنع (8) نظر ، من عدم (9) صدق النقل الموجب للتغرير بالمال ، وجواز (10) كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد (11)
______________________________________________________
(1) لخبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤديها ، قال : اعزلها فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح) (1).
(2) بل عن العلامة في المنتهى والتذكرة ، الجزم بجواز العزل حينئذ ، واستقر به الشهيد في الدروس وقواه في الجواهر ويدل عليه صريح موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (زكاتي تحلّ عليّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني ، يكون عندي عدة ، فقال عليه السلام : إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي ء ثم أعطها كيف شئت) (2). ومنه يظهر ضعف ظاهر الشرائع من تخصيص العزل بصورة عدم المستحق.
(3) مع وجود المستحق وعدمه.
(4) أي على جواز العزل تبتنى مسألة النقل إلى غير بلد المال ، وإلا فلو لم يجز العزل فلا يتعين المنقول أنه من الزكاة بل يكون من ماله الخاص.
(5) أي جواز النقل.
(6) وجد المستحق أو لا.
(7) أي في البلد الأول.
(8) منع النقل.
(9) دليل جواز الاحتساب.
(10) دليل عدم جواز الاحتساب.
(11) أي بلد المال فلا يجوز ومنه لمستحقيه في بلد آخر بأي صورة كان النقل.
ص: 50
وعليه (1) يتفرع ما لو احتسب القيمة (2) في غير بلده (3) ، أو المثل من غيره (4).
(الفصل الثالث. في المستحقّ)
اللام للجنس أو الاستغراق ، فإن المستحقّين لها ثمانية أصناف (5) (وهم الفقراء والمساكين (6) ، ويشملهما من لا يملك مئونة سنة) (7) فعلا أو قوة (8) ، له
______________________________________________________
(1) أي وعلى التنظر السابق المؤلف من احتمالين تتفرع مسألة أخرى وهي : جواز احتساب قيمة الزكاة أو مثلها في غير بلدها ، فعلى الاحتمال الأول يجوز وعلى الثاني فلا.
(2) قيمة الزكاة.
(3) أي في غير بلد المال.
(4) أي احتساب مثل الزكاة من غير المال الزكوي.
إلى ص 67 ت*
هوامش كتاب اللمعة الزكاة حكمت من ص 67
(5) لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَالْمَسٰاكِينِ وَالْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقٰابِ وَالْغٰارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ ، وَاللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (1).
نعم في الشرائع عدها سبعة بجعل الفقير والمسكين صنفا واحدا.
(6) بنص الآية المتقدمة وللأخبار الكثيرة.
(7) كما هو المشهور وللأخبار.
منها : خبر يونس بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة ، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة) (2).
(8) أما فعلا فلظاهر الأخبار وقد تقدم بعضها ، وأما قوة للأخبار أيضا منها : موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ، فقلت له : وكيف يكون هذا؟ قال عليه السلام : إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله) (3) وظاهر الذيل لو لم تكفه الخمسين ولو بالقوة لجاز له الأخذ.
ص: 51
ولعياله (1) الواجبي النفقة بحسب حاله في الشرف وما دونه (2). واختلف في أن أيّهما أسوأ حالا (3)
______________________________________________________
(1) لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال عليه السلام : نعم ، إلا أن تكون داره دار غلة ، نخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله ، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلت الزكاة ، فإن كانت الزكاة تكفيهم فلا) (1).
(2) بلا خلاف فيه ولا إشكال لصحيح ابن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام أنهما سئلا عن الرجل له دار أو خادم أو عبد أيقبل الزكاة؟ قالا : نعم إن الدار والخادم ليسا بمال) ((2) وخبر عهد العزيز (دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام ، فقال له أبو بصير : إن لنا صديقا وهو رجل يدين بما تدين به ، فقال : من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه؟ فقال : العباس بن الوليد بن صبيح ، فقال : رحم الله الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد ، قال : جعلت فداك ، له دار تسوى أربعة آلاف درهم وله جارية وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل ، وله عيال أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال : نعم ، قال : وله هذه العروض؟ فقال : يا أبا محمد فتأمرني أن آمره ببيع داره وهي عزّه ومسقط رأسه أو يبيع خادمه الذي يقيه الحر والبرد ويصون وجهه ووجه عياله ، أو آمره أن يبيع غلامه وجمله وهو معيشته وقوته؟ بل يأخذ الزكاة فهي له حلال ولا يبيع داره ولا غلامه ولا جمله) (3) ومثلها غيرها.
(3) المشهور على أن المسكين أسوأ حالا للأخبار
منها : صحيح أبي بصير قلت لأبي عبد الله عليه السلام (قول الله عزوجل : ( إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَالْمَسٰاكِينِ ) ، قال : الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم) (4) وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سأله عن الفقير والمسكين فقال : الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل) (5) ، ونص عليه جماعة من أهل اللغة كما عن ابن دريد وابن قتيبة وأبي زيد وأبي عبيدة ويونس والغراء وتغلب وأبي إسحاق ويعقوب والأصمعي في أحد قوليه ، وفي الصحاح عن يونس (الفقير احسن حالا من المسكين ، وقلت لأعرابي : أفقير أنت؟ فقال : بل والله مسكين).
وعن ابن إدريس أن الفقير أسوأ حالا ، وهو مردود في قبال الأخبار المتقدمة.
ص: 52
مع اشتراكهما فيما ذكر (1) ، ولا ثمرة مهمّة (2) في تحقيق ذلك للإجماع على إرادة كل منهما من الآخر حيث يفرد ، وعلى استحقاقهما من الزكاة ، ولم يقعا مجتمعين إلا فيها (3) ، وإنما تظهر الفائدة في أمور نادرة (4).
(والمروي) في صحيحة أبي بصير عن الصادق (ع) (أن المسكين أسوأ حالا) لأنه قال : «الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه» وهو موافق لنصّ أهل اللغة أيضا ، (والدار والخادم) اللائقان بحال مالكهما كميّة وكيفية (من المئونة) ، ومثلهما ثياب التجمّل وفرس الركوب ، وكتب العلم ، وثمنها لفاقدها ، ويتحقق مناسبة الحال في الخادم بالعادة ، أو الحاجة ولو إلى أزيد من واحد ، ولو زاد أحدها في إحداهما (5) تعين الاقتصار على اللائق.
(ويمنع ذو الصنعة) (6) اللائقة بحاله ، (والضيعة) (7) ونحوها من العقار (إذا)
______________________________________________________
(1) حكى غير واحد الاتفاق على دخول أحدهما في الآخر عند الانفراد ، وعدمه عند الاجتماع ، بمعنى إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
(2) لشيئين أولا لما قلناه من أنه إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، وثانيا سواء كانا مختلفين مفهوما أو متفقين فقد ذكرا في الآية والأخبار بعنواني الفقير والمسكين.
(3) أي في الآية.
(4) فلو قلنا بوجوب البسط ، أو كان أحدهما متعلقا لوصية أو وقف أو نذر دون الآخر.
(5) أي زاد أحد هذه المذكورات في الكمية أو الكيفية تعيّن الاقتصار على اللائق بشأنه فقط.
(6) لموثق سماعة المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله) (1).
(7) لموثق سماعة الآخر المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال عليه السلام : نعم ، إلا أن تكون داره دار غلة ، فخرج له من غلتها دارهم ما يكفيه لنفسه وعياله ، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، فإن كانت الزكاة تكفيهم فلا) (2).
ص: 53
(نهضت بحاجته) ، والمعتبر في الضيعة نماؤها لا أصلها (1) في المشهور ، وقيل (2): يعتبر الأصل ، ومستند المشهور ضعيف (3) ، وكذا الصنعة بالنسبة إلى الآلات (4) ، ولو اشتغل عن الكسب بطلب علم ديني جاز له (5) تناولها وإن قدر عليه لو ترك نعم لو أمكن الجمع بما لا ينافيه تعيّن (6) ، (وإلا) تنهضا (7) بحاجته (تناول)
______________________________________________________
(1) بمعنى أن النماء إذا كان وافيا بمئونة السنة فلا يجوز له الأخذ من الزكاة وإلا فيجوز وإن كان أصل الضيعة أكثر من مئونة السنة لإطلاق موثق سماعة المتقدم ولصحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة ، أو يأخذ الزكاة؟ قال : لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقية من الزكاة ويتصرف بهذه لا ينفقها) (1).
(2) كما عن جماعة لا يجوز أخذ الزكاة إذا كان الأصل أكثر من مئونة السنة لخبر أبي بصير (سمعت أبا عبد الله يقول : يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره ، قلت : فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال : زكاته صدقه على عياله ، ولا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقل من سنة فهذا يأخذها) (2) فالمدار على أن الأصل إذا كان أقل من مئونة السنة فيجوز له أخذ الزكاة حينئذ وإلا فلا.
(3) لأن دليل المشهور موثق سماعة وهو واقفي ، كذا قيل ، وفيه : إن مستند المشهور أيضا صحيح معاوية بن وهب وهو صريح في أن المدار على النماء لا على الأصل.
(4) لأن الكلام في الأخبار بالنسبة للدراهم إنما هو من باب المثال فيجري في الضيعة وفي آلات العمل والصنعة وكل مئونة لتحصيل الربح.
(5) إذا كان طلب العلم واجبا عينا أو كفاية عليه وهو من أهله ، فالوجوب مانع عن التكسب إذ المراد من القدرة على التكسب ما يعم القدرة الشرعية ، وإذا كان طلب العلم مستحبا فكذا كما عن جماعة لأنه لو تلبس به لكان غير قادر شرعا عن التكسب.
وأما إذا كان طلب العلم من المباح كالفلسفة والرياضيات والعروض والعلوم الأدبية لمن لا يريد التفقه فالتلبس به لا يجعله ممنوعا شرعا عن التكسب فلا يجوز له أخذ الزكاة.
(6) لأن التلبس بطلب العلم لا يمنعه عن التكسب بحسب الفرض ، والقادر على التكسب يجب عليه حينئذ ويمنع عن أخذ الزكاة.
(7) أي الصنعة والضيعة.
ص: 54
(التتمة) (1) لمئونة السنة (لا غير) إن أخذها دفعة ، أو دفعات ، أما لو أعطي ما يزيد دفعة صح كغير المكتسب (2) ، وقيل : بالفرق واستحسنه المصنف في البيان ، وهو ظاهر إطلاقه هنا (3) وتردّد في الدروس. ومن تجب نفقته على غيره غنيّ مع بذل المنفق (4) ، لا بدونه مع عجزه (5).
(والعاملون) (6) عليها (وهم السعاة في تحصيلها) وتحصينها بجباية ، وولاية ،
______________________________________________________
(1) لصحيح ابن وهب المتقدم وكذا غيره.
(2) لا يجوز إعطاء الفقير أكثر من مئونة سنته إذا كان الدفع على دفعات لأنه عند تملكه مئونة السنة يصير غنيا شرعا فلا يجوز له أخذ الزائد بلا فرق بين المكتسب الذي يقصر كسبه عن مئونته وبين صاحب الضيعة وغيرهما.
أما لو كان الدفع على دفعة واحدة فيجوز إعطاؤه ما يغنيه وإن جاوز مئونة السنة وهو قول علمائنا أجمع كما في المنتهى ويدل عليه أخبار منها : صحيح سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ فقال : أعطه من الزكاة حتى تغنيه) (1) وموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام (نعم وأغنه إن قدرت على أن تغنيه) (2) وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل كم يعطي الرجل من الزكاة؟ قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إذا أعطيت فأغنه) (3)نعم وقع الخلاف بينهم في أن الإغناء الزائد عن كفايته حولا هل هو مخصوص بغير المكتسب ، أي بغير صاحب الصنعة التي ينقص ربحها عن مئونة السنة وهو قول جماعة واستحسنه الشهيد في البيان تمسكا بصحيح معاوية بن وهب المتقدم لقوله عليه السلام (ويأخذ البقية من الزكاة) (4) ، وفيه : إن الخبر لم يصرح في منع الزائد إذا كان الدفع دفعة واحدة فضلا عن أن الخبر وارد في صاحب المال الذي يتجر به لا في صاحب الصنعة ، فالقول بجواز الدفع إلى حد الغنى دفعة واحدة سواء كان مكتسبا أو غيره كما عليه المشهور وهو الأقوى.
(3) حيث قال (لا غير).
(4) فيصير غنيا شرعا لتملكه مئونة سنته فعلا أو قوة.
(5) أي عجز المعال عن التكسب.
(6) لنص الآية المتقدمة والأخبار عليه كثيرة (5).
ص: 55
وكتابة ، وحفظ ، وحساب ، وقسمة ، وغيرها (1) ، ولا يشترط فقرهم (2) ، لأنهم قسيمهم ، ثم أن عيّن لهم قدر بجعالة ، أو إجارة تعين ، وإن قصر ما حصّلوه عنه فيكمل لهم من بيت المال ، وإلا أعطوا بحسب ما يراه الإمام (3).
(والمؤلفة قلوبهم (4).
______________________________________________________
(1) بل كل من يصدق عليه أنه عامل عليها يجوز له الأخذ من الزكاة بعنوان الجعالة أو الأجرة على حسب ما وقع بينه وبين الحاكم.
(2) بلا خلاف فيه لأنهم قسيم الفقراء في الآية.
(3) ويدل عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : ما يعطي المصدق؟ قال : ما يرى الامام ولا يقدر له شي ء) (1) وقال في مصباح المنير : (المصدق هو الذي يأخذ صدقات النعم).
(4) لنص الآية ، ولذا أجمع العلماء على أن للمؤلفة قلوبهم سهما من الزكاة ، وإنما الخلاف في أن التأليف مختص بالكفار وهذا ما عليه المشهور ، أو يشمل المسلمين أيضا وهذا ما ذهب إليه المفيد وجماعة ، وعن الاسكافي والحدائق والسرائر أنهم طائفة من المنافقين.
ودليل الأول إجماع الشيخ في المبسوط والخلاف ، وعن حاشية الإرشاد لولد الكركي قال (المروي إنهم قوم كفار).
ودليل الثالث أخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته قول الله عزوجل : والمؤلفة قلوبهم ، قال عليه السلام : هم قوم وحدوا الله عزوجل ، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله عزوجل ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمر الله نبيه أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ، ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه ، وأقروا به ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر ، منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس فغضبت الأنصار) (2) الحديث ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله عزوجل ، وخلقوا عبادة من دون الله تعالى ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألفهم ويعرفهم كيما يعرفوا ويعلمهم) (3).
ص: 56
(وهم كفار يستمالون إلى الجهاد) (1) بالإسهام لهم منها ، (قيل) والقائل المفيد والفاضلان (ومسلمون أيضا) وهم (2) أربع فرق (3) ، قوم لهم نظراء من المشركين إذا أعطي المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام ، وقوم نياتهم ضعيفة في الدين يرجى بإعطائهم قوة نيتهم ، وقوم بأطراف بلاد الإسلام إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول ، أو رغبوهم في الإسلام ، وقوم جاوروا قوما تجب عليهم الزكاة إذا أعطوا منها جبوها منهم وأغنوا عن عامل. ونسبه المصنف إلى القيل ، لعدم اقتضاء ذلك الاسم ، إذ يمكن رد ما عدا الأخير إلى سبيل الله ، والأخير إلى العمالة.
______________________________________________________
- ودليل الثاني إطلاق الآية ، ولصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (- إلى أن قال - سهم ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم الرقاب عام والباقي خاص) (1) وفيه : إن المراد بالعام لا ما يشمل الكافر بل ما يشمل المسلم غير العارف حتى يثبت على الدين كما هو صريح صدر هذا الصحيح فراجع ، وإطلاق الآية مقيد بالنصوص التي تقدمت في دليل القول الثالث وعليه فالقول الثالث قويّ.
(1) بل يستمالون لتقوية إسلامهم كما تقدم.
(2) أي المسلمون.
(3) نقل عن المحقق في المعتبر عن الشافعي (أنه قسّم المؤلفة قلوبهم إلى قسمين مسلمين ومشركين وقال : إن المشركين ضربان : ضرب لهم قوة وشوكة يخاف منهم فإن أعطوا كفوا شرهم وكف غيرهم معهم ، وضرب لهم ميل إلى الإسلام فيعطون من سهم المصالح لتقوى نيتهم في الإسلام ويميلون إليه ، والمسلمين أربعة. قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم ، وقوم في نياتهم ضعف فيعطون لتقوى نياتهم ، وقوم من الإعراب في أطراف بلاد الإسلام بإزائهم قوم من أهل الشرك فإذا أعطوا رغب الآخرون ، وقوم بإزائهم آخرون من أصحاب الصدقات فإذا أعطوا جبوها وأغنوا الإمام عن عامل ، وقال المحقق عقيب ذلك : ولست أرى بهذا التفصيل بأسا) وفيه : إن القسم الأخير من العاملين لا المؤلفة قلوبهم والقسم الثالث لم يكن العطاء لتأليف قلوب المعطى إليه بل تأليف قلب غيره مع أن ظاهر الآية أن العطاء لتأليف قلب من يعطى وكذا القسم الأول ، وأما القسم الثاني فإن كان المراد من ضعف النية هو ضعف الإسلام فهذا راجع إلى المنافقين ، وإن كان المراد منه ضعف النية عن الجهاد فهذا مما لا دليل عليه.
ص: 57
وحيث لا يوجب البسط (1) ، وتجعل الآية لبيان المصرف كما هو المنصور تقلّ فائدة الخلاف (2) ، لجواز إعطاء الجميع (3) من الزكاة في الجملة (4).
( ( وَفِي الرِّقٰابِ ) ) (5). جعل الرقاب ظرفا للاستحقاق تبعا للآية ، وتنبيها على أن
______________________________________________________
(1) بلا إشكال ولا خلاف فيه بيننا للأخبار منها : صحيح عبد الكريم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه : ما تقول في الصدقة فقرأ عليه الآية : ( إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَالْمَسٰاكِينِ وَالْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا ) ، إلى آخر الآية ، قال : نعم فكيف تقسّمها؟ قال : أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزء ، قال عليه السلام : وإن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما قلت في سيرته ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسمها بينهم بالسوية ، وإنما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم وما يرى ، وقال : وليس في ذلك شي ء موقت موظف ، وإنما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم) (1) ، ومن هذه الأخبار يستفاد أن اللام في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَالْمَسٰاكِينِ وَالْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقٰابِ وَالْغٰارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (2) ، إنما هي لبيان مواضع الزكاة وليست للتمليك ، وعن بعض العامة أن اللام للملك وعطف بعضهم على بعض بالواو يلزم التشريك والبسط عليهم ، وهو ضعيف في قبال ما عرفت من الأخبار.
(2) في معنى مصاديق المؤلفة قلوبهم.
(3) ممن قيل أنه يأخذ سهم المؤلفة قلوبهم.
(4) وإن كان بغير عنوان التأليف ، وقد عرفت عدم جواز إعطاء بعض هذه الأقسام وأن العطاء للمنافقين فقط.
(5) لنص الآية المتقدمة ، وإنما أتى المصنف هنا بلفظ (في) ، ولم يجعل المستحق نفس الرقاب على نهج ما قبله ، متابعة للآية الشريفة ، وذكر جمع من المفسرين أن العدول في الرقاب من (اللام) إلى (في) أن الأصناف الأربعة الأولى يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كيف شاءوا ، وأما الأربعة الأخيرة فلا يصرف المال إليهم كذلك بل يصرف في الحاجات
ص: 58
استحقاقهم ليس على وجه الملك ، أو الاختصاص (1) كغيرهم ، إذ يتعين عليهم صرفها في الوجه الخاص ، بخلاف غيرهم ، ومثلهم في سبيل الله والمناسب لبيان المستحقّ التعبير بالرقاب وسبيل الله ، بغير حرف الجر (وهم المكاتبون) (2) مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة ، (والعبيد تحت الشدة) (3) عند مولاهم ، أو من سلّط عليهم ، والمرجع فيها (4) إلى العرف (5) ، فيشترون منها ويعتقون بعد الشراء ، ونية الزكاة مقارنة لدفع الثمن إلى البائع (6) ، أو للعتق (7) ، ويجوز شراء العبد وإن
______________________________________________________
- المستفادة من الصفات التي لأجلها استحقوا الزكاة ، ففي الرقاب توضع الزكاة في تخليص رقابهم من الأسر والرق ، وفي الغارمين تصرف الزكاة في قضاء ديونهم ، وكذا في سبيل الله وابن السبيل.
(1) لأن (اللام) تدل عليهما بخلاف (في).
(2) أي المكاتب العاجز عن أداء الكتابة بلا خلاف فيه لإطلاق الآية ، ولمرسل أبي إسحاق عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها ، قال عليه السلام : يؤدي عنه من مال الصدقة ، إن الله تعالى يقول في كتابه : ( وَفِي الرِّقٰابِ ) (1).
(3) بلا خلاف فيه لإطلاق الآية ولصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة يشتري بها نسمة ويعتقها ، قال عليه السلام : إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم ، ثم مكث مليا ثم قال : إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه) (2).
(4) أي في الشدة.
(5) كما في سائر الألفاظ التي لم يرد تحديد لمعانيها من قبل الشارح ، وقد فسرت الشدة بأنها الصعوبة التي لا يقدم عليها العقلاء.
(6) أي عند الشراء.
(7) فيتحقق الامتثال بهما ، إما عند الشراء فلأنه حينئذ يدفع الزكاة ، وإما عند العتق لأنه بعد الشراء يصير العبد من أهل الصدقة فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم ، وفي الثاني ضعف ظاهر لأنه عقته إيصال نفع إليه لا إلى الفقراء ومقارنة النية للعتق على خلاف ظاهر الآية الدال على أن دفع الزكاة عند الشراء فيتعين أن تكون فيه الزكاة عند الشراء.
ص: 59
لم يكن في شدة مع تعذر المستحق (1) مطلقا (2) على الأقوى ، ومعه (3) من سهم سبيل الله إن جعلناه كل قربة.
(والغارمون (4). وهم المدينون في غير معصية) ولا يتمكنون من القضاء (5) فلو استدانوا وأنفقوه في معصية منعوا من سهم الغارمين (6) ، وجاز من سهم الفقراء (7) إن كانوا منهم بعد التوبة ، إن اشترطناها (8) ، أو من سهم سبيل الله (9)
______________________________________________________
(1) قال في المعتبر : (إن عليه فقهاء الأصحاب) ويدل عليه موثق عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم ، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده ، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك؟ قال : نعم لا بأس بذلك) (1) وذهب جماعة إلى كونه بعنوان ( سَبِيلِ اللّٰهِ ) ، لا بعنوان ( ( وَفِي الرِّقٰابِ ) ) من أجل عدم التعارض بينه وبين صحيح أبي بصير المتقدم.
(2) من أي سهم كان.
(3) أي مع وجود المستحق.
(4) بلا خلاف فيه لنص الآية المتقدمة.
(5) فلو كان متمكنا فلا يجوز دفع الزكاة له ، لأنها شرعت لسدّ الخلة ودفع الحاجة ، والمتمكن من القضاء غير محتاج إليها.
(6) بلا خلاف فيه ويدل عليه ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره مرسلا عن العالم عليه السلام (والغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدقات) (2) وخبر محمد بن سليمان عن الإمام الرضا عليه السلام (فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله ، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي ء على الإمام) (3)3).
(7) لأنه فقير عاجز عن أداء الدين الذي هو من المئونة ، نعم لا يعطى بعنوان الغارم لئلا ينافي الاخبار المتقدمة.
(8) أي إذا اشترطنا التوبة لاشتراط العدالة في الفقير المستحق للزكاة.
(9) بناء على أن سبيله كل قربة ، ورفع الدين عن المسلم مما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
ص: 60
(والمرويّ) عن الرضا عليه السلام مرسلا (أنه لا يعطي مجهول الحال) (1) فيما أنفق هل هو في طاعة أو معصية ، وللشك في الشرط ، وأجازه جماعة حملا لتصرف المسلم على الجائز ، وهو قوي ، (ويقاصّ الفقير بها) (2) بأن يحتسبها صاحب الدين عليه إن كانت عليه (3) ويأخذها مقاصّة من دينه وإن لم يقبضها المديون ولم يوكل في قبضها ، وكذا يجوز لمن هي عليه دفعها إلى رب الدين كذلك (4) ، (وإن مات) المديون مع قصور تركته عن الوفاء (5) ، أو جهل الوارث بالدين ، أو جحوده وعدم
______________________________________________________
(1) بالنسبة إلى أن الدين قد صرفه في طاعة أو معصية ، فذهب الأكثر إلى جواز الإعطاء له لإطلاق الأخبار المتقدمة وأما احتمال الإنفاق في المعصية فمنفي بأصالة العدم أو بأصالة الصحة في أفعال المسلم ، وذهبت جماعة إلى عدم جواز الإعطاء للشك في شرط الاستحقاق وهو الإنفاق في الطاعة ، ولخبر محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد (سئل الرضا عليه السلام عن رجل وأنا أستمع - إلى أن قال السائل - : وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصيته؟ قال عليه السلام : يسعى له في ماله ويرده عليه وهو صاغر) (1).
(2) لأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه فاحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال عليه السلام : نعم) (2) وظاهر الأخبار جواز أخذ الدين مقاصة وإن لم يقبض المديون الزكاة ولم يوكل في قبضها ولم يأذن في جواز المقاصة.
(3) أي إن كانت الزكاة على صاحب الدين.
(4) وإن لم يقبضها المديون لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(5) فتجوز المقاصة لأنه كالحي في شغل ذمته بالدين غير القادر على الوفاء به بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عارف فاضل توفي وترك عليه دينا لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف المسألة ، هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ قال : نعم) (3) وخبر يونس بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قرض -
ص: 61
إمكان إثباته شرعا ، والأخذ منه مقاصة (1).
وقيل : يجوز مطلقا (2). بناء على انتقال التركة إلى الوارث ، فيصير فقيرا وهو ضعيف لتوقف تمكنه منها (3) على قضاء الدين لو قيل به ، (أو كان واجب النفقة) (4) أي كان الدين على من تجب نفقته على ربّ الدين ، فإنه يجوز مقاصته به منها ، ولا يمنع منها وجوب نفقته ، لأن الواجب هو المئونة ، لا وفاء الدين ، وكذا
______________________________________________________
- المؤمن غنيمة وتعجيل أجر ، إن أيسر قضاك ، وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة) (1).
وصحيح زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير ، فقال عليه السلام : إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث ، ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد احق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه) (2) وهذه الأخبار ظاهرة في اعتبار قصور التركة عن الوفاء بالدين ، بل لا يبعد جواز الاحتساب إذا تعذر الاستيفاء من التركة إما لعدم إمكان إثبات الدين وإما لغير ذلك ، وعن العلامة في المختلف والمنتهى وابن إدريس والمحقق والشهيد بل وعن نهاية الشيخ جواز الوفاء مطلقا سواء كانت التركة قاصرة عن الوفاء أو لا لأن التركة قد انتقلت إلى الوارث بالموت فيكون الميت حينئذ فقيرا ، وفيه : إن حق الدين متعلق بها كما هو مفاد قوله تعالى : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) (3) الآية.
(1) أي ولا يمكن الأخذ من الوارث الجاهل والجاحد قعاصة.
(2) سواء قصرت التركة أو لا.
(3) أي توقف تمكن الوارث من التركة على قضاء الدين ، لو قيل إن الانتقال متحقق بالموت ، لكن ظاهر الآية أن الانتقال بعد قضاء الدين والوصية.
(4) فيجوز أن يقاصه بها ، لأن واجب النفقة كالأجنبي بالنسبة لوفاء الدين فتشمله الأدلة السابقة ولصحيح إسحاق بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل على أبيه دين ، ولأبيه مئونة ، أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال : نعم ومن أحق من أبيه) (4) وإذا
ص: 62
يجوز له الدفع إليه ليقضيه إذا كان لغيره (1) ، كما يجوز إعطاؤه غيره (2) مما لا يجب بذله كنفقة الزوجة.
(وفي سبيل الله (3). وهو القرب كلّها) (4) على أصح القولين ، لأن سبيل الله لغة : الطريق إليه ، والمراد هنا الطريق إلى رضوانه وثوابه ، لاستحالة التحيّز عليه فيدخل فيه ما كان وصلة إلى ذلك ، كعمارة المساجد ومعونة المحتاجين ، وإصلاح ذات البين وإقامة نظام العلم والدين ، وينبغي تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني (5)
______________________________________________________
- جاز أن يقضى دينه من الزكاة جاز أن يقاصه منها لأن الرواية تدل على أن قضاء الدين ليست من النفقة الواجبة عليه.
(1) أي إذا كان الدين لغير من عليه النفقة.
(2) أي إعطاء واجب النفقة غير الدين مما لا يجب بذله عليه ، فيجوز إعطاؤه من الزكاة فيجوز للابن إعطاء أبيه نفقة الزوجة ، لأن هذه النفقة لا تجب على الابن إذا لم تكن أمه بل هي على الأب.
(3) بلا خلاف فيه لنص الآية الشريفة المتقدمة.
(4) على المشهور ويدل عليه مرسل علي بن إبراهيم عن العالم عليه السلام (وفي سبيل الله قوم يخرجون في الجهاد ، وليس عندهم ما يتقوون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به ، أو في جميع سبل الخير ، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد) (1).
وعن جماعة منهم الصدوق والمفيد الشيخ في النهاية من أن المراد به هو الجهاد لا غير لخبر يونس بن يعقوب (فيمن أوصى عند موته أن يعطى شي ء في سبيل الله وكان لا يعرف هذا الأمر ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : لو أن رجلا أوصى إليّ بوصية أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما ، إن الله عزوجل يقول : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ، فانظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه - يعني الثغور - فابعثوا به إليه) (2).
وفيه : إنه غير ظاهر في حصر السبيل بالجهاد ، بل ظاهر في أن الجهاد من سبيل الله فلا يعارض ما تقدم.
(5) اعلم أن صرف الزكاة تارة لشخص من حيث هو وأخرى في عمل محبوب لله جل وعلا قيل الحج والزيارة والدعاء وغير ذلك ، فإن كان محل العرف نفس الشخص فلا تحل -
ص: 63
لا يدخل في الأصناف (1) ، وقيل : يختص بالجهاد السائغ ، والمرويّ الأول.
(وابن السبيل (2). وهو المنقطع به) (3) في غير بلده ، (ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاعتياض عنه) (4) ببيع ، أو اقتراض ، أو غيرهما ، وحينئذ فيعطي ما يليق بحاله (5) من المأكول ، والملبوس ، والمركوب ، إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء الوطر ، أو إلى محل يمكنه الاعتياض فيه (6) ، فيمنع حينئذ ، ويجب رد قضاء الموجود منه وإن كان مأكولا على مالكه (7) ، أو وكيله ، فإن تعذر فإلى الحاكم ، فإن تعذر صرفه بنفسه إلى مستحق الزكاة. ومنشئ السفر مع حاجته
______________________________________________________
- لغني لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (لا تحل الصدقة لغني) (1) ، وإن كان محل الصرف تلك الجهة المحبوبة فتحل للغني كما تحلّ للفقير كما لو صرف المال في القناطير والخانات والعمارات المعدّة للزوار والحجاج.
(1) أما الداخل فيها كالعامل فإنه لا يشترط فقره ، فيجوز إعطاؤه سكن لا بعنوان أنه فقير بل بعنوان آخر.
(2) بلا خلاف فيه لنص الآية الشريفة المتقدمة.
(3) ويدل عليه مرسل علي بن إبراهيم عن العالم عليه السلام (وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فينقطع عليهم ، ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات) (2).
(4) أي لا يمكن أخذ عوض ماله ، كما عليه المشهور لأن الانقطاع كفاية عن عدم التمكن من السير ، وإطلاقه يقتضي عدم التمكن من الاستدانة كما يقتضي عدم التمكن من التصرف في ماله الغائب.
(5) فيعطى بقدر الكفاية لظهور الآية في كون جهة السبيل مصرفا للزكاة نظير الغارمين والرقاب لا نظير الفقراء ، وعليه فلا فضل شي ء من الزكاة ولو من أجل التضييق على نفسه لزم إرجاعه إلى الدافع.
(6) فبعد الوصول إلى إحداهما فلا ينطبق عنوان ابن السبيل في الأول ولا عنوان المنقطع في الثاني.
(7) لاستصحاب بقاء ولاية المالك على تعيين المستحق.
ص: 64
إليه (1) ، ولا يقدر على مال يبلغه ، ابن سبيل على الأقوى (2).(ومنه) أي من ابن السبيل (الضيف) (3) ، بل قيل : بانحصاره فيه (4) إذا كان نائيا عن بلده وإن كان غنيا فيها ، مع حاجته إلى الضيافة ، والنية (5) عند شروعه في الأكل ، ولا يحتسب عليه إلا ما أكل (6) وإن كان مجهولا (7).
(ويشترط العدالة (8) فيمن عدا المؤلفة) قلوبهم من أصناف المستحقين ، أمّا
______________________________________________________
(1) أي إلى السفر.
(2) كما عليه ابن الجنيد والشهيد ، وعن الأكثر ليس بابن سبيل لكون الظاهر منه هو المتلبس بالسفر.
(3) وهو الذي يحتاج إلى الضيافة فإنه لا يخرج بها عن كونه ابن سبيل لأنه مسافر فيعطى من سهم ابن السبيل ، ويجوز احتساب ما يأكله عنده من الزكاة عليه لعدم وجوب النفقة على المضيف ، والداعي لذكر الفقهاء للمضيف بيان أنه بالضيافة المحتاج إليها لا يخرج عن كونه ابن سبيل.
(4) كما عن الطبرسي وسلار وابن زهرة والمفيد في المقنعة.
(5) أي نية الزكاة عند الأكل لأنه وقت الدفع إليه.
(6) وبقدره يكون قد ملك لا بقدر ما قدّم إليه.
(7) أي وإن كان المأكول مجهولا حين النية ، لكنه معلوم حين الاحتساب وبعد الفراغ من الأكل.
(8) المحكي عن الشيخ والحلبي والقاضي وابني حمزة وزهرة والحلي اشتراط العدالة للنهي عن الركون إلى الظالمين ومعونتهم ومهادنتهم ، ونسب إلى السيد في الانتصار وجماعة اعتبار مجانبة الكبائر فق كالخمر والزنا لمضمرة داود الصرمي (سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال عليه السلام : لا) (1) ويتعدى عنه إلى كل كبيرة لعدم خصوصية في الخمر. ونسب إلى ابني بابويه والفاضلين وجمهور المتأخرين عدم اعتبار شي ء عملا بإطلاق الأدلة خصوصا الآية الشريفة مع ضعف المقيّد السابق ، ولمرسلة العلل عن بشر بن بشار (قلت للرجل. يعني أبا الحسن عليه السلام. ما حدّ المؤمن الذي يعطي من الزكاة؟ قال : يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ، ثم قال : أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله والفاجر في معصية الله) (2) ، فالأقوى عدم اشتراط العدالة نعم لا يجوز الدفع لمن يصرفها في المعاصي لأنه أعانه على الإثم.
ص: 65
المؤلفة فلا ، لأن كفرهم مانع من العدالة ، والغرض منهم يحصل بدونها أما اعتبار عدالة العامل فموضع وفاق (1) ، أما غيره فاشتراط عدالته أحد الأقوال في المسألة ، بل ادعى المرتضى فيه الإجماع ، (ولو كان السفر) من ابن السبيل (معصية منع) (2) كما يمنع الفاسق في غيره (3) ، (و) لا تعتبر العدالة (في الطفل) ، لعدم إمكانها فيه (4) ، بل (يعطي الطفل ولو كان أبواه فاسقين) اتفاقا (5) ، (وقيل : المعتبر) في المستحق غير من استثني باشتراط العدالة (6) ، أو بعدمها (7) (تجنّب الكبائر) دون غيرها من الذنوب وإن أوجبت فسقا ، لأن النص ورد على منع شارب الخمر وهو من الكبائر ، ولم يدل على منع الفاسق مطلقا ، وألحق به غيره من الكبائر للمساواة.
وفيه نظر لمنع المساواة (8) ، وبطلان القياس ، والصغائر إن أصرّ عليها ألحقت بالكبائر ، وإلا لم توجب الفسق ، والمروءة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرح
______________________________________________________
(1) فقد ادعى عليه الإجماع عن غير واحد وهو الحجة كما في الجواهر ، ولصحيح بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام (بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له : يا عبد الله انطلق. إلى أن قال. فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير مصنّف بشي ء منها) (1). باعتبار أنه لا أمانة لغير العادل ، وفيه ضعف ظاهر.
(2) قد تقدم.
(3) أي غير ابن السبيل.
(4) لأن العدالة فرع التكليف وهو منتف عن غير البالغ ، ولخبر عبد الرحمن بن الحجاج (قلت لأبي الحسن عليه السلام : رجل مسلم مملوك ، ومولاه رجل مسلم وله مال يزكيه ، وللمملوك ولد صغير حرّ أيجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ فقال : لا بأس به) (2) ومثله غيره.
(5) لإطلاق الأخبار وقد تقدم منها خبر ابن الحجاج.
(6) كالعاملين عليها.
(7) كالمؤلفة قلوبهم.
(8) لأن بعض الكبائر أكبر من بعض.
ص: 66
به المصنف في شرح الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة ، ومع ذلك لا دليل على اعتبارها ، والإجماع ممنوع ، والمصنف لم يرجّح اعتبارها ، إلا في هذا الكتاب ، ولو اعتبرت لزم منع الطفل ، لتعذرها منه ، وتعذّر الشرط غير كاف في سقوطه ، وخروجه بالإجماع موضع تأمل (1).
(ويعيد المخالف (2) الزكاة لو أعطاها مثله) ، بل غير المستحق مطلقا (ولا يعيد باقي العبادات) (3) التي أوقعها على وجهها بحسب معتقده والفرق أن الزكاة دين وقد دفعه إلى غير مستحقه ، والعبادات حق الله تعالى وقد أسقطها عنه (4) رحمة كما أسقطها عن الكافر إذا أسلم ، ولم كان المخالف قد تركها أو فعلها على غير الوجه (5) قضاها ، والفرق بينه وبين الكافر قدومه على المعصية بذلك ، والمخالفة لله (6) ، بخلاف ما لو فعلها على الوجه (7) ، كالكافر إذا تركها (8).
______________________________________________________
(1) إذ يمكن أن يكون إعطاء الزكاة له وهو ليس موضوعا للعدالة لعدم اشتراط العدالة عندهم. وفيه : إن إعطائه من الزكاة للأخبار المتقدمة ليس إلا.
(2) بلا خلاف للاخبار منها : صحيح بريد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يأجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية) (1).
(3) لأخبار منها : صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء. الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية. ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال عليه السلام : ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة ولا بدّ أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة غير غير مواضعها ، وإنما مواضعها أهل الولاية) (2).
(4) أي إن الله أسقط هذه العبادات عن المستبصر رحمة كما أسقطها عن الكافر بالإسلام.
(5) أي غير الوجه المعتبر عنده فلا بد من قضائها لأنه مكلف بها أداء أو قضاء ، والأخبار التي أسقطت الإعادة عليه ناظرة إلى ما لو أداها على الوجه المعتبر عنده.
(6) فيبقى التكليف في ذمته ولا بد من امتثاله ولو قضاء.
(7) أي الوجه المعتبر عنده فقد تقدمت الأخبار على عدم قضائها.
(8) فلا يجب قضائها لأن الإسلام يجب ما قبله.
ص: 67
(ويشترط) في المستحق (أن لا يكون واجب النفقة على المعطي) (1) من حيث الفقر أما من جهة الغرم. والعمولة. وابن السبيل. ونحوه إذا اتصف بموجبه فلا (2) فيدفع إليه ما يوفي دينه (3) ، والزائد عن نفقة الحضر (4). والضابط أن واجب النفقة إنما يمنع من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرا في وطنه ، (ولا هاشميا إلا من قبيله) (5) وهو هاشمي مثله ، وإن خالفه في النسب ، (أو تعذر كفايته من الخمس) (6) فيجوز تناول قدر الكفاية منها حينئذ ، ويتخير بين زكاة
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه للاخبار منها : صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله ولازمون له) (1).
(2) أي فلا يشترط في هؤلاء أن لا يكونوا واجبي النفقة على المعطي ، وذلك لأن أدلة المنع كصحيح ابن الحجاج المتقدم ظاهرة في كون الممنوع إعطائهم من جهة النفقة وهذه الأمور ليست للنفقة فضلا على ما تقدم من جواز قضاء دين الأب من الزكاة بعنوان الغارم ، وجواز دفع الزكاة للأب بعنوان الرقبة كما يدل عليه خبر الوابشي عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله ، قال : اشترى خير رقبة لا بأس بذلك) (2).
(3) بالنسبة للغارم من واجبي النفقة.
(4) بالنسبة لابن السبيل من واجبي النفقة ، ثم إن النفقة واجبة على الدافع سواء كان الآخر في السفر أو الحضر فلا يجوز له احتسابها من الزكاة ، نعم ما زاد كالحمولة وأجرة السفر فهي ليست من النفقة الواجبة فيجوز له احتسابها.
(5) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : هي الزكاة ، قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : نعم) (3).
(6) فلو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز أن يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي لموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى -
ص: 68
مثله ، والخمس مع وجودهما ، والأفضل الخمس ، لأن الزكاة أوساخ في الجملة ، وقيل : لا يتجاوز من زكاة غير قبيله قوت يوم وليلة ، إلا مع عدم اندفاع الضرورة به ، كأن لا يجد في اليوم الثاني ما يدفعها به ، هذا كله في الواجبة ، أما المندوبة فلا يمنع (1) منها ، وكذا غيرها من الواجبات (2) على الأقوى.
(ويجب دفعها إلى الامام مع الطلب (3) بنفسه ، أو بساعيه) (4) لوجوب طاعته مطلقا (5) (قيل : وكذا) يجب دفعها (إلى الفقيه) الشرعي (في) حال (الغيبة) لو طلبها (6) بنفسه أو وكيله ، لأنه نائب للإمام كالساعي بل أقوى ، ولو خالف المالك
______________________________________________________
- صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ، ثم قال : إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميتة) (1).
هذا واختلفوا في قدر المأخوذ فقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة كما عن العلامة في المنتهى والمقداد في التنقيح وسيد المدارك تمسكا بظاهر الخبر ، وقد فسر قدر الضرورة بقدر قوت يوم وليلة والاعتبار على خلافة ، وقيل إنه لا يتقدر بقدر وعزاه في المختلف إلى الأكثر وهو مخالف لظاهر الخبر المتقدم.
(1) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال : إنما تملك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس. ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، هذه المياه عامتها صدقة) (2).
(2) كالكفارات ورد المظالم وما ثبت بالنذر وأخويه ، فقد قيل بعدم التناول لعموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة ، وفيه : إنها منصرفة إلى خصوص الزكاة خصوصا مع تصريح بعض الأخبار بأن المنع للزكاة فقط كصحيح الهاشمي المتقدم.
(3) لأن طلبه واجب الطاعة يقول الله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّٰهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (3).
(4) فالساعي وكيل عنه عليه السلام.
(5) في أمر الزكاة وغيرها.
(6) لأن سلطنة الفقيه أقوى من سلطنة الساعي ، وقد نقل صاحب الجواهر عن الأصفهاني أنه -
ص: 69
وفرّقها بنفسه لم يجز (1) ، للنهي المفسد للعبادة وللمالك استعادة العين مع بقائها ، أو علم القابض ، (ودفعها إليهم ابتداء) من غير طلب (أفضل) (2) من تفريقها بنفسه ، لأنهم أبصر بمواقعها ، وأخبر بمواضعها ، (وقيل) والقائل المفيد والتقي : (يجب) دفعها ابتداء إلى الإمام أو نائبه ، ومع الغيبة إلى الفقيه المأمون ، وألحق التقي الخمس محتجين بقوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ) ، والإيجاب عليه يستلزم الإيجاب عليهم ، والنائب كالمنوب والأشهر الاستحباب.
(ويصدّق المالك (3) في الإخراج بغير يمين) لأن ذلك ...
______________________________________________________
- لم يظفر بقائل ذلك ، وفيه : إن أدلة ولاية الفقيه قاصرة عن شمول مثل هذا المقام فإنها ناظرة إلى الفتيا وفصل النزاع بين المتخاصمين.
(1) كما عن الشيخ في المبسوط للنهي المفسد للعبادة ، وقال العلامة في التذكرة بالجواز لأنه دفع المال إلى مستحقه فخرج عن العهدة وإن أثم بمخالفته أمر الإمام عليه السلام.
(2) لأنهم أبصر بمواقعها ، وهذا يتم في الإمام المعصوم وأما في الفقيه فلا إذ قد يكون المالك أبصر من الفقيه خصوصا أنه يستحب ترجيح ذوي قرباه وأهل بلده.
وذهب المفيد والحلبي إلى وجوب دفعها إلى الإمام أو الفقيه ابتداء لظاهر الآية ( خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهٰا ) (1) وإذا وجب الأخذ وجب الدفع وفيه : إن الآية تدل على وجوب الدفع عند الطلب ولا تدل على وجوب الحمل ابتداء ولذا ذهب المشهور إلى الاستحباب لإطلاق الأدلة وخصوصا الأخبار الآمرة بإيصال الزكاة إلى مستحقيها ونصوص نقل الزكاة من بلد إلى بلد ، مع السيرة القطعية الدالة على جواز تفريقها من قبل المالك.
(3) بلا إشكال ولا خلاف لخبر غياث عن جعفر عن أبيه عليه السلام (كان علي عليه السلام إذا بعث مصدقه قال له : إذا أتيت على رب المال فقل تصدق - رحمك الله - مما أعطاك الله ، فإن ولى عنك فلا تراجعه) (2) وصحيح بريد عن أبي عبد الله عليه السلام (بعث أمير المؤمنين مصدّقا من الكوفة إلى باديتها فقال له : يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له. إلى أن قال. ثم قل لهم : يا عباد الله أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليّه ، فإن قال لك قائل : لا ، -
ص: 70
حق له (1) كما هو عليه (2) ، ولا يعلم إلا من قبله ، وجاز احتسابها من دين وغيره ممّا يتعذر الإشهاد عليه ، وكذا تقبل دعواه عدم الحول ، وتلف المال وما ينقص النصاب ، ما لم يعلم كذبه ، ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلا مع الحصر ، لأنه نفي ، (ويستحب قسمتها (3) على الأصناف) الثمانية لما فيه من فضيلة التسوية بين المستحقين ، وعملا بظاهر الاشتراك (وإعطاء جماعة من كل صنف) (4) اعتبارا بصيغة الجمع ، ولا يجب التسوية بينهم ، بل الأفضل التفضيل بالمرجح (5).
(يجوز) الدفع إلى الصنف (الواحد) والفرد الواحد منه (6) ، لما ذكرناه من
______________________________________________________
- فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا) (1) وبإطلاقه يشمل ما لو أخبر المالك بنقصان النصاب أو احتساب الزكاة دينا أو تلف المال أو غير ذلك وهذا لازمه عدم قبول الشهادة عليه إلا أن يكون كلام الشاهدين منافيا لكلام المالك بحيث قد وردا على موضوع واحد سلبا ونفيا فتقدم البينة حينئذ لعموم حجيتها.
(1) أي تصديق كلامه حق له لأنه مسلم.
(2) أي كما أن الإخراج حق عليه.
(3) بلا خلاف لتعميم النفع ومراعاة ظاهر الآية.
(4) للتعبير بلفظ الجمع في كل صنف من الأصناف في الآية ما عدا سبيل الله وابن السبيل ، ولكن في مرسلة علي بن إبراهيم (2) عبر عن سبيل الله بأنه قوم يخرجون إلى الجهاد ، وعبّر عن ابن السبيل بأنه أبناء الطريق ، فيكون الجمع في الجميع واردا فتلاحظ الجماعة في كل صنف.
(5) للأخبار منها : خبر عبد الله بن عجلان السكوني (قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به ، فكيف أعطيهم؟ قال : أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل) (3).
(6) من الصنف الواحد للأخبار منها : خر أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ ) (4) ، فقال : (إن جعلتها فيهم جميعا ، وإن جعلتها لواحد اجزأك) (5).
ص: 71
كونه (1) لبيان المصرف ، فلا يجب التشريك ، (و) يجوز (الإغناء) (2) وهو إعطاء فوق الكفاية (إذ كان دفعة) واحدة ، لاستحقاقه حال الدفع والغنى متأخر عن الملك فلا ينافيه ، لو أعطاه دفعات امتنعت المتأخرة عن الكفاية (3).
(وأقل ما يعطى) المستحق (استحبابا (4) ما يجب في أول نصب النقدين) إن كان المدفوع منهما ، وأمكن بلوغ القدر ، فلو تعذر كما لو أعطي ما في الأول لواحد سقط الاستحباب في الثاني (5) ، إذا لم يجتمع منه (6) نصب كثيرة تبلغ الأول.
______________________________________________________
(1) أي من كون المذكور في الآية الشريفة.
(2) إذا كان دفعة واحدة للأخبار منها : موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل كم يعطى الرجل من الزكاة ، فقال : قال أبو جعفر عليه السلام : إذا أعطيت فأغنه) (1) وقد تقدم البحث فيه.
(3) قد تقدم البحث فيه.
(4) ذهب المشهور إلى أنه لا حد لاقله ولكن يستحب أن يكون بقدر زكاة النصاب الأول من النقدين للجمع بين الأخبار منها : صحيح أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم وهو أقل ما فرض الله عزوجل من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعدا) (2) وبين صحيح عبد الجبار (إن بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى علي بن محمد العسكري عليه السلام : أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ، فكتب : افعل إن شاء الله تعالى) (3). وذهب الصدوقان والسيد والشيخ والمحقق إلى أنه لا يعطي أقل من خمسة دراهم لحمل الثاني على التقية.
(5) بمعنى إذا كان عنده نصابان أول وثان فيجوز إعطاء ما في الأول لواحد ، ثم ما يجب في النصاب الثاني لآخر من غير كراهة ولا تحريم على القولين السابقين كما ذكره المحقق في المعتبر والشارح في المسالك والروضة هنا ، ولكنه مشكل لإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة دراهم مع إمكان الامتثال بدفع الجميع لواحد وطريق الاحتياط واضح كما في المدارك.
(6) من النصاب الثاني.
ص: 72
ولو كان المدفوع من غير النقدين (1) ، ففي تقديره بأحدهما (2) مع الإمكان وجهان (3) ، ومع تعذره (4) كما لو وجب عليه شاة واحدة لا تبلغه يسقط قطعا ، وقيل : إن ذلك (5) على سبيل : الوجوب مع إمكانه ، وهو ضعيف.
(ويستحب دعاء الإمام (6) أو نائبه للمالك) عند قبضها منه ، للأمر به في قوله تعالى : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) ، بعد أمره بأخذها منهم والنائب كالمنوب وقيل : يجب لدلالة الأمر عليه ، وهو قوي وبه قطع المصنف في الدروس ويجوز بصيغة
______________________________________________________
(1) للتعدي من مورد الخبر إلى غيره من بقية مواطن الزكاة كما تعدي من موطن الفضة كما هو صريح الخبر إلى الذهب ، ومع التعدي فيحمل على الاستحباب أو الوجوب على الخلاف المتقدم وعلى تقدير التعدي فهل تلحظ قيمة الزكاة من النصاب الأول من النقدين كما ذهب إليه الشارح في المسالك أو يلحظ ما يجب في النصاب الأول من الغلات والأنعام كما لوحظ ما وجب في النصاب الأول من النقدين كما عليه صاحب الجواهر.
وقيل : بعدم التعدي إلى غير النقدين اقتصارا على مورد الخبر وعليه فلا حد لأقل ما يعطى المستحق من غير النقدين.
(2) أي بأحد النصابين الأولين من الذهب والفضة مع الإمكان.
(3) تقدم الكلام فيهما.
(4) أي تعذر التقدير المذكور كما لو وجب عليه إخراج شاة ، وهي لا تبلغ خمسة دراهم أو نصف مثقال فلا بد من دفعها على كل حال.
(5) أي عدم قصور ما يعطى المستحق عن الواجب في النصاب الأول في النقدين.
(6) البحث في وجوب الدعاء أو استحبابه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو على الإمام عليه السلام خال من الفائدة لأنهما اعلم بتكليفهما منا نعم يمكن البحث في تكليفهما باعتبار معرفة ما يترتب على نائب الإمام وساعيه والفقيه لأنهم نواب الإمام عليه السلام وفعل النائب كعين فعل المنوب عنه ، فقيل بالوجوب كما عن الشهيدين في الدروس والمسالك والمحقق في المعتبر لظاهر الأمر في قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (1).
ص: 73
الصلاة (1) للاتباع ودلالة الأمر (2) ، وبغيرها (3) لأنه معناها لغة. والأصل هنا عدم النقل ، وقيل : يتعين لفظ الصلاة لذلك (4) ، والمراد بالنائب هنا ما يشمل الساعي والفقيه ، فيجب عليهما أو يستحب ، أما المستحق فيستحب له بغير خلاف (5).
(ومع الغيبة لا ساعي (6) ولا مؤلفة (7) إلا لمن يحتاج إليه) وهو الفقيه إذا
______________________________________________________
- وعن الشيخ والفاضل بل هو الأشهر كما عن الشرائع حمله على الاستحباب للإجماع المدعى ، ولأن أمير المؤمنين لم يأمر بذلك ساعيه الذي أنفذه إلى بادية الكوفة مع اشتمال وصيته التي أوصاه بها على كثير من الآداب والسنن كما في صحيح بريد (1) وهو الحجة وإذا ثبت الاستحباب في فعل النائب يثبت في فعل المنوب عنه حينئذ ، ومنه يعرف الحكم باستحباب الدعاء للنائب الخاص وللساعي وللفقيه.
(1) لما روته العامة عن عبد الله بن أبي اوفى (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل أبي فلان ، فأتاه أبي بصدقة فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى) (2) فما عن بعض العامة من عدم جواز الدعاء بلفظ الصلاة اجتهاد في قبال النص ، بل عن بعض أصحابنا يتعين الدعاء بلفظ الصلاة لظاهر الأمر بها في الآية الشريفة ، ولكن الأقوى جواز الدعاء بغيرها لأن المراد من الصلاة الدعاء لغة ، وهو عام يشمل الدعاء بلفظ الصلاة وغيره.
(2) في الآية الشريفة.
(3) أي ويجوز الدعاء بغير لفظ الصلاة.
(4) أي للاتباع ولدلالة الأمر في الآية الشريفة.
(5) بل ادعى عليه الإجماع كما عن غير واحد ، ولعدم الدليل على الأمر بالدعاء للمالك.
(6) لا يوجد نص على سقوط سهم السعاة في زمن الغيبة ولذا جزم الشهيد في الدروس ببقائه في زمن الغيبة مع تمكن الحاكم من نصب العاملين وجبايتها فيجوز له إعطاؤهم سهم العاملين حينئذ.
(7) ففي التذكرة حكم ببقائه ونسبه إلى علمائنا لإطلاق الأدلة ، وسقوط الجهاد المشروط بإذن الإمام في زمن الغيبة لا يقدح مع بقاء الجهاد الدفاعي الذي قد يحتاج فيه إلى نصرة غير أهل الإسلام فيبذل لهم من سهم المؤلفة قلوبهم بناء على جواز صرفه لهم ، نعم إذا قلنا بأن المؤلفة قلوبهم مخصوصون بالمنافقين والمنافقون مختصون بزمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا بد أن -
ص: 74
تمكن من نصب الساعي وجبايتها ، وإذا وجب الجهاد في حال الغيبة واحتيج إلى التأليف فيجوز بالفقيه وغيره ، وكذا سهم سبيل الله لو قصرناه على الجهاد ، وأسقط الشيخ (رحمه الله) سهم المؤلفة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبطلان التأليف بعده ، وهو ضعيف.
(وليخص زكاة النعم المتجمل) ، وزكاة النقدين والغلات غيرهم (1) ، رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام ، معللا بأن أهل التجمل يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجلّ الأمرين عند الناس ، (وإيصالها إلى المستحي من قبولها هدية) (2) ، واحتسابها عليه بعد وصولها إلى يده ، أو يد وكيله ، مع بقاء عينها.
______________________________________________________
- يسقط وبه قطع ابن بابويه في الفقيه والشيخ في المبسوط.
ومما تقدم تعرف أنه يسقط سهم سبيل الله لو حصرناه بالجهاد وخصصنا الجهاد بالجهاد المشروط بإذن الإمام عليه السلام ولكن قد عرفت أن سبيل الله أعم من الجهاد وبناء المصالح وأن الجهاد أعم من المشروط والدفاعي.
(1) لخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إن صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين ، وأما صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز مما أخرجت الأرض فللفقراء الموقعين ، فقلت : كيف صار هذا هكذا؟ فقال : لأن هؤلاء متجملون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس) (1) وخبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء لأنها أرفع من صدقات الأموال ، وإن كان جميعها صدقة وزكاة ، ولكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال) (2).
(2) لخبر أبي بصير (قلت لأبي جعفر عليه السلام : الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة ، فقال عليه السلام : أعطه ولا تسمّ ولا تذل المؤمن) (3).
ص: 75
(الفصل الرابع في زكاة الفطرة) (1)
وتطلق على الخلقة وعلى الإسلام ، والمراد بها على الأول زكاة الأبدان مقابل المال ، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام ، ومن ثم وجبت على من أسلم قبل الهلال ، (ويجب على البالغ العاقل (2) الحر) (3) لا على الصبي والمجنون والعبد ، بل على من يعولهم (4) إن كان من أهلها ، ولا فرق في العبد بين القن والمدبر
______________________________________________________
(1) لا خلاف في وجوبها بيننا للأخبار الكثيرة منها : صحيح أبي بصير وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة. يعني الفطرة. كما أن الصلاة علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تمام الصلاة ، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله ، إن الله عزوجل بدأ بها قبل الصلاة فقال : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى ) (1).
والمراد بالفطرة إما الخلقة وإما البدن أو الفطر من الصوم ، وعلى الأول فهي زكاة الوجود ، وعلى الثاني فهي زكاة الأبدان لخبر معتب عن أبي عبد الله عليه السلام (اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة أجمعهم ولا تدع منهم أحدا ، فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت ، قلت : وما الفوت؟ قال : الموت) ((2).
وعلى الثالث فهو المغروس في الأذهان كما في الجواهر ، وقيل وجها رابعا إن الفطرة هي الإسلام فتكون الزكاة زكاة الإسلام ولذا وجبت على من أسلم قبل الهلال.
(2) لاشتراط التكليف فلا تجب على الصبي والمجنون بلا خلاف لحديث رفع القلم عنهما (3) ، وصحيح محمد بن القاسم بن الفضل (كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ، فكتب : لا زكاة على يتيم) (4) وخبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة) (5).
(3) فلا تجب على العبد وإن قلنا بملكيته بلا خلاف فيه لحديث ابن الحجاج المتقدم.
(4) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح عمر بن يزيد (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ فقال : نعم الفطرة -
ص: 76
والمكاتب (1) ، إلا إذا تحرر بعض المطلق (2) فيجب عليه بحسابه (3) ، وفي جزئه الرق والمشروط قولان (4) أشهرهما وجوبهما على المولى ما لم يعله غيره (المالك قوت سنته) (5) فعلا ، أو قوة ، فلا تجب على الفقير وهو من استحق الزكاة لفقره ولا يشترط في مالك قوت السنة أن يفضل عنه (6) أصواع بعدد من يخرج عنه ،
______________________________________________________
- واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، حر أو مملوك) (1) وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه) ((2).
(1) لا فرق بين اقسام العبد لإطلاق الأدلة ، نعم في المكاتب ذهب الصدوق إلى أن فطرته عليه وتبعه عليه جماعة لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز شهادته؟ قال : الفطرة عليه ولا تجوز شهادته) (3) وقد أعرض عنه الأكثر لمعارضته للأخبار منها : خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه) (4).
(2) وهو المكاتب غير المشروط الذي يتحرر منه بمقدار ما يدفع.
(3) أي بحساب ما تحرر كما عن الأكثر ، لأن الرق مانع والحرية تقتضي الوجوب عليه والجمع بينهما يقتضي وجوب الحرية.
(4) إذا تحرر بعض العبد فوجوبها على المولى إذا كان العبد باقيا في العيلولة لأن العيلولة كافية في الوجوب وإن كانت تبرعا ويدل على ذلك صحيح عمر بن يزيد وصحيح ابن سنان المتقدمان وغيرهما. وإذا انتفت العيلولة فالجزء المملوك على مولاه والجزء المتحرر على العبد عملا بعموم الأدلة في كل منهما وهذا ما ذهب إليه العلامة في المنتهى وغيره ، وقوّى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن مولاه لأنه ليس بحر ليلزمه حكم نفسه ولا هو مملوك لتجب زكاته على مولاه ، وضعفه ظاهر.
(5) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال عليه السلام : لا) (5).
(6) لإطلاق الأخبار ، وعن الفاضلين والمحقق الثاني اعتبار الزيادة المذكورة لأنه لو وجبت -
ص: 77
(فيخرجها عنه وعن عياله) (1) من ولد ، وزوجة ، وضيف.(ولو تبرعا) (2).
والمعتبر في الضيف وشبهه (3) صدق اسمه (4) قبل الهلال ولو بلحظة (5) ، ومع وجوبها عليه تسقط عنهم (6) وإن لم يخرجها (7) ، حتى لو أخرجوها تبرعا بغير إذنه لم يبرأ من وجبت عليه (8) ، وتسقط عنه لو كان بإذنه (9) ، ولا يشترط في وجوب فطرة
______________________________________________________
- الفطرة عليه مع عدم هذه الزيادة ينقلب فقيرا ، لنقصان مئونة سنته بمقدار الأصواع الواجبة. وردّ بأن الغنى المأخوذ شرطا في وجوب الفطرة مطلق ، وهو لا ينافيه الفقر بعد الوجوب.
(1) قد تقدم الدليل عليه.
(2) أي ولو كانت العيلولة منه تبرعا.
(3) ممن يعولهم تبرعا.
(4) اسم العيال.
(5) لأنه وقت تعلق الوجوب ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال عليه السلام : لا ، قد خرج الشهر ، وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال عليه السلام : لا) (1) وخبره الآخر عنه عليه السلام (عن المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ، قال : ليس عليهم فطرة ، وليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر) (2) ، وحين وقت الوجوب كان من عياله فتجب عليه الفطرة. وعن الشيخ والسيد اعتبار الضيافة طوال الشهر ، وعن المفيد الاكتفاء بالنصف الأخير ، وعن جماعة الاجتزاء بالعشر الأخيرة ، وعن الحلي الاجتزاء بالليلتين الأخيرتين ، وعن العلامة الاجتزاء بالليلة الأخيرة ، وعن ابن حمزة الاجتزاء بمسمى الافطار في الشهر ، وعن بعض اعتبار صدق العيلولة عرفا ، وعن جماعة منهم الشهيد الثاني الاجتزاء بصدق الضيف في جزء من الزمان قبل الهلال وهو الأولى جمعا بين ما دل على أن وقت الوجوب هو قبل الهلال ولو بلحظة وبين ما دل على أن فطرة الضيف على المضيف.
(6) عن الأكثر ، وعن ابن إدريس وجوبها على الضيف والمضيف ، وردّ بأنه خلاف ما دل على أن فطرة الضيف على المضيف فظاهره أنها فطرة واحدة لا فطرتان.
(7) تسقط عنهم على المشهور لتوجيه الخطاب إليه دونهم.
(8) لأن الزكاة مشروطة بالنية وهي تحصل بدفعه لها أو يكون الدفع بإذنه ، وهذا لم يتحقق.
(9) ويدل عليه خبر جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيّب عنه ، ويأمرهم فيعطون عنه وهو غائب عنهم) (3).
ص: 78
الزوجة والعبد العيلولة (1) ، بل تجب مطلقا ، ما لم يعلهما غيره (2) ممن تجب عليه ، نعم يشترط كون الزوجة واجبة النفقة (3) ، فلا فطرة للناشز والصغيرة.
(وتجب) الفطرة (على الكافر) (4) كما يجب عليه زكاة المال ، (ولا تصح منه (5) حال كفره) ، مع أنه لو أسلم بعد الهلال سقطت عنه (6) وإن استحبت قبل الزوال (7) ، كما تسقط المالية (8) لو أسلم ...
______________________________________________________
(1) فعن الأكثر أن فطرتها على زوجها إذا كانت واجبة النفقة عليه لخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمك وولدك وامرأتك وخادمك) (1) ، وعن جماعة وهو المشهور بين المتأخرين بشرط صدق العيلولة عليها تحكيما للأخبار كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (نعم الفطرة واجبة على كل من يعوّل من ذكر أو أنثى صغير أو كبير ، حر أو مملوك) (2) ومرسل المحقق (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض صدقة الفطرة على الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون) (3) ، ومنه يعرف حكم العبد.
(2) أي غير الزوج والمولى ، وكان هذه المعيل موسرا تجب عليه الزكاة.
(3) وعن ابن إدريس أن فطرتها عليه وإن لم تكن واجبة النفقة ، وفيه إنه لا دليل عليه ، بل قد عرفت أن المدار على العيلولة.
(4) لعدم الفرق بينها وبين زكاة المال وغيرها من الواجبات المالية والبدنية في كون مقتضى إطلاق أدلتها وجوبها على الكافر والمسلم.
(5) لاعتبار القربة فيها ، وهذا غير ممكن من الكافر.
(6) لصحيح معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال عليه السلام : لا ، قد خرج الشهر ، وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال عليه السلام : لا) (4).
(7) لمرسل الشيخ (وقد روي أنه إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة ، وكذلك من أسلم قبل الزوال) (5) المحمول على الاستحباب لما تقدم.
(8) أي تسقط عنه زكاة الأموال كما تسقط عنه زكاة الأبدان.
ص: 79
بعد وجوبها (1) ، وإنما تظهر الفائدة في عقابه على تركها لو مات كافرا كغيرها من العبادات ، (والاعتبار بالشروط عند الهلال) (2) فلو أعتق العبد بعده ، أو استغنى الفقير ، أو أسلم الكافر ، أو أطاعت الزوجة لو تجب ، (وتستحبّ) الزكاة (لو تجدد السبب) الموجب (ما بين الهلال) وهو الغروب ليلة العيد (إلى الزوال) من يومه (3).
(وقدرها صاع) (4) عن كل إنسان (من الحنطة (5) ، أو الشعير ، أو التمر ، أو)
______________________________________________________
(1) على المشهور لحديث (الإسلام يجب ما قبله) (1) ، وقال في مفتاح الكرامة (ما وجدنا من خالف أو توقف قبل صاحب المدارك وصاحب الذخيرة).
(2) بلا خلاف فيه لموثق معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (في المولود يولد ليلة الفطر ، واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ، قال عليه السلام : ليس عليهم فطرة ، وليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر) (2) ، وظاهره أن وقت الوجوب هو قبل الغروب بلحظة ولازمه لو كانت الشروط معدومة حين الغروب ثم وجدت بعده فلا يثبت الوجوب.
(3) أي يوم العيد لمرسل الشيخ المتقدم.
(4) بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة منها : صحيح صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الفطرة فقال : على الصغير والكبير والحر والعبد ، عن كل إنسان صاع من برّ أو صاع من تمر أو صاع من الزبيب) (3) وصحيح الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه ذكر صدقة الفطرة ، إنها على كل صغير وكبير من حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من ذرة ، قال : فلما كان زمن معاوية وخصب الناس ، عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة) (4) وعليه فما يوجد من الأخبار الدالة على نصف صاع محمولة على التقية.
(5) اختلفت كلمات الأصحاب في تعيين الجنس اختلافا كبيرا ، فعن الصدوقين والعماني الاقتصار على الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعن الاسكافي والحلي والحلبي إضافة الذرة إليها ، وعن المدارك إضافة الأقط ، وعن المبسوط والخلاف إضافة الأرز واللبن ، وعن الكثير أنه القوت الغالب ، قال في المعتبر (والضابط إخراج ما كان قوتا -
ص: 80
(الزبيب ، أو الأرز) منزوع القشر الأعلى ، (أو الأقط) هو لبن جاف ، (أو اللبن) وهو الأصول مجزية وإن لم تكن قوتا غالبا (1) أما غيرها فإنما يجزي مع غلبته في قوت المخرج ، (وأفضلها التمر) (2) لأنه أسرع منفعة وأقل كلفة ، ولاشتماله على
______________________________________________________
- غالبا ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ، وهو مذهب علمائنا).
وسبب هذا الاختلاف اختلاف الأخبار ففي بعضها كصحيح سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال : صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) وفي بعضها إضافة الأقط كصحيح عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام (زكاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من أقط) (2) وفي بعضها إضافة الذرة كصحيح أبي عبد الرحمن الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه ذكر صدقة الفطرة. إلى أن قال. صاع من تمر أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من ذرة) (3) وفي بعضها إضافة الأرز كمكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي الحسن العسكري عليه السلام (وعلى أهل طبرستان الأرز) (4) ، وفي الكثير من الأخبار التعبير بالقوت الغالب كصحيح زرارة وابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام (الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره) (5) ومرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام (الفطرة على كل من اقتات قوتا ، فعليه أن يؤدي من ذلك القوت) (6) ومكاتبة الهمداني إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام (إن الفطرة صاع من قوت بلدك) (7) وبهذا يجمع بين النصوص.
(1) لورود النصوص بها ، ولكن مع الجمع بين الأخبار يستكشف أن ذكرها من باب أنها القوت الغالب فالمدار عليه لا عليها.
(2) كما عن الأكثر للأخبار منها : خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن صدقة الفطرة ، فقال عليه السلام : التمر أحب إليّ ، فإن لك بكل تمرة نخلة في الجنة) (8) وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (التمر في الفطرة أفضل من غيره ، لأنه أسرع منفعة ، وذلك إذا وقع في يد صاحبه أكل منه) (9).
ص: 81
القوت والإدام ، (ثم الزبيب) (1) لقربه من التمر في أوصافه ، (ثم ما يغلب على قوته) (2) من الأجناس وغيرها.
(والصاع تسعة أرطال (3) ولو من اللبن في الأقوى) (4) هذا غاية لوجوب الصاع ، لا لتقديره ، فإن مقابل الأقوى إجزاء ستة أرطال منه ، أو أربعة ، لا أن الصاع منه (5) قدر آخر ، (6) ، (ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت) (7) من غير انحصار في درهم عن الصاع ، أو ثلثي درهم ، وما ورد منها مقدرا منزل على سعر ذلك الوقت.
______________________________________________________
(1) كما عن الأكثر للتعليل في صحيح هشام المتقدم ، وهو يقتضي المساواة بينه وبين التمر في الفضل كما عن ابن حمزة ، إلا أن اختصاص التمر بالنصوص الأخر غير صحيح هشام يقتضي خصوصية له فلذا كان أفضل من الزبيب.
(2) أي قوت نفسه لأخبار القوت الغالب المتقدمة ، وقد عرفت أنها محمولة على قوت الغالب على البلد.
(3) كما تقدم.
(4) مثله مثل بقية القوت الغالب ، وعن المبسوط والإصباح والحلي وابن حمزة وغيرهم أنه لو أراد الإخراج من اللبن فيكفي أربعة أرطال ، لمرفوع إبراهيم بن هاشم عن عبد الله عليه السلام (سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة ، قال عليه السلام : يتصدق بأربعة أرطال من لبن) (1) وفيه أنه ضعيف السند وظاهر بعدم التمكن من الفطرة.
نعم فسر الشيخ الرطل بالمدني لمكاتبة محمد بن الريان (كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها ، كم تؤدي؟ فكتب أربعة أرطال بالمدني) (2) وأربعة أرطال بالمدني تساوي ستة أرطال بالعراقي ، وغيره حملوا الأربعة على العراقي وقد عرفت ضعف المبنى.
(5) أي من اللبن.
(6) بل قدر الصاع في الجميع واحد.
(7) أي وقت الإخراج كما عليه المشهور ، وعن جماعة تقدير القيمة بدرهم ، وعن آخرين بثلثي درهم ، ولم يعرف قائلها كما صرح بذلك غير واحد.
نعم روى الشيخ في الاستبصار خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس -
ص: 82
(وتجب النية فيها (1) وفي المالية) (2) من المالك ، أو وكيله عند الدفع إلى المستحق ، أو وكيله (3) عموما كالإمام ونائبه عاما ، أو خاصا ، أو خصوصا (4) كوكيله ، ولو لم ينو المالك عند دفعها إلى غير المستحق (5) أو وكيله الخاص فنوى القابض (6) عند دفعها إليه (7) أجزأ (8) ، (ومن عزل إحداهما) (9) بأن عيّنها في مال خاص بقدرها بالنية (10) ، (لعذر) مانع من تعجيل إخراجها ، (ثم تلفت) بعد العزل بغير تفريط (لم يضمن) (11) ، لأنه بعد ذلك بمنزلة الوكيل في حفظها ، ولو كان لا
______________________________________________________
- أن يعطي قيمتها درهما) (1) ثم قال (وهذا الرواية شاذة والأحوط أن يعطي قيمة الوقت ، قلّت أم كثرت ، وهذه رخصة إذا عمل بها الإنسان لم يكن مأثوما) وفي المقنعة (سئل الصادق عليه السلام عن مقدار القيمة فقال : درهم في الغلاء والرخص ، وروي أن أقل القيمة في الرخص ثلث درهم) (2) وهذه الأخبار مع ضعف سندها محمولة على أن هذا التقدير هو قدر قيمة زكاة الفطرة في ذلك الوقت ، وإلا فالواجب الزكاة المقدرة أو قيمتها فالمعتبر هو القيمة وقت الإخراج.
(1) في زكاة الفطرة لأنها من العبادات بالاتفاق.
(2) أي زكاة الأموال وقد تقدم الكلام في ذلك.
(3) أي وكيل المستحق.
(4) أي وكيل المستحق الخاص كالوكيل.
(5) كما لو دفعها إلى الإمام أو نائبه العام أو الخاص.
(6) أي الإمام أو نائبه العام كالفقيه.
(7) إلى المستحق.
(8) إذا أخذها الإمام أو الفقيه كرها من المالك لقيام القابض مقام المالك بعد امتناعه ، وأما إذا أخذها الإمام أو الفقيه طوعا فعن الشيخ عدم الاجزاء بناء على عدم الاكتفاء بنية القابض عن نية المالك وهو الأشبه.
(9) أي زكاة الفطرة أو زكاة الأموال.
(10) قد عرفت في بحث زكاة الأموال أن النية غير كافية في تحقق العزل بل لا بد من العزل الفعلي.
(11) تقدم في بحث الزكاة.
ص: 83
لعذر ضمن مطلقا (1) إن جوزنا العزل معه (2) ، وتظهر فائدة العزل في انحصارها في المعزول فلا يجوز التصرف فيه ، ونماؤه تابع ، وضمانه كما ذكر ، (ومصرفها مصرف المالية) (3) وهو الأصناف الثمانية.
(ويستحب أن لا يقصر العطاء) للواحد (عن صاع) (4) على الأقوى ، والمشهور أن ذلك على وجه الوجوب ، ومال إليه في البيان ، ولا فرق بين صاع نفسه ومن يعوله ، (إلا مع الاجتماع) أي اجتماع المستحقين ، (وضيق المال) فيسقط الوجوب ، أو الاستحباب ، بل يبسط الموجود عليهم بحسبه (5) ، ولا تجب التسوية
______________________________________________________
(1) مع التفريط وعدمه.
(2) أي مع عدم العذر.
(3) على المشهور لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (نزلت آية الزكاة وليس للناس أموال ، وإنما كانت الفطرة) (1) ، ونسب إلى المفيد اختصاصها بالمساكين ويستدل له بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن زكاة الفطرة للفقراء والمساكين) (2) وخبر الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : لمن تحل الفطرة؟ قال : لمن لا يجد) (3) ، ولكنها محمولة على بيان بعض المصارف وليس فيها الحصر بذلك.
(4) المشهور على منع العطاء دون الصاع لمرسل الحسين بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تعط أحدا أقل من رأس) (4) ومرسل الفقيه (لا بأس بأن تدفع عن نفسك وعمن تعول إلى واحد ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين) (5). وبعضهم حملها على الكراهة بشهادة صحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك (سألت أبا إبراهيم عن صدقة الفطرة يعطيها رجلا واحدا أو اثنين ، قال عليه السلام : يفرقها أحبّ إليّ ، قلت : أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصوع وأربعة أصوع؟ قال عليه السلام : نعم) (6).
(5) أي بحسب الموجود وإن لم يبلغ نصيب الواحد صاعا ، لأن في ذلك تعميما للنفع ، ولأن في منع البعض أذية للمؤمن فكانت التسوية أولى ، ولكن لا تجب لعدم وجوب التسوية في صرف زكاة الأموال كما تقدم.
ص: 84
وإن استحبت مع عدم المرجح ، (ويستحب أن يخص بها المستحق من القرابة (1) والجار) (2) بعده (3) وتخصيص أهل الفضل بالعلم والزهد (4) وغيرهما ، وترجيحهم في سائر المراتب (5).
(ولو بان الآخذ غير مستحق ارتجعت) (6) عينا أو بدلا مع الإمكان ، (ومع التعذر تجزي إن اجتهد) (7) الدافع بالبحث عن حاله على وجه لو كان بخلافه لظهر عادة ، لا بدونه (8) بأن اعتمد على دعواه الاستحقاق مع قدرته على البحث ، (إلا أن يكون) المدفوع إليه (عبده) (9) فلا يجزي ...
______________________________________________________
(1) للنبوي (لا صدقة وذو رحم محتاج) (1).
(2) ففي خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الأول (الجيران أحق بها) (2) ومثله غيره.
(3) بعد القريب ، لأن الأقرباء مقدمون بالاتفاق.
(4) لخبر عبد الله بن عجلان (قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال عليه السلام : أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل) (3).
(5) أي مراتب القرابة والجيران.
(6) زكاة الفطرة لأن المال ما زال تحت سلطة المالك وله إرجاعه ولو تلف ومع علم القابض فهو ضامن وإلا فلا.
(7) على المشهور لخبر الحسن (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل عارف أدى الزكاة إلى غير أهلها زمانا ، هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال : نعم ، قلت : فإن لم يعرف لها أهلا فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ، وقد كان طلب واجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع ، قال : ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى) (4).
(8) بدون البحث.
(9) فلو بان أن المدفوع إليه عبده فالإعادة فيه واجبة مطلقا ، لأن المال لم يخرج عن ملك المالك.
وردّ بأن غير المستحق لا يملك الزكاة واقعا سواء كان عبدا للمالك أو لا وهذا هو المستفاد من إطلاق النص.
ص: 85
مطلقا (1) لأنه لم يخرج عن ملك المالك.
وفي الاستثناء نظر ، لأن العلة في نفس الأمر مشتركة ، فإن القابض مع عدم استحقاقه لا يملك مطلقا وإن برئ الدافع ، بل يبقى المال مضمونا عليه ، وتعذر الارتجاع مشترك ، والنص مطلق.
______________________________________________________
- وفيه : إن النص وارد فيما لو خرج المال عن مال المالك إلى غر المستحق وهنا لم يخرج أبدا فالتعدية قياس.
(1) بحث أو لم يبحث.
ص: 86
كتاب الخمس
ص: 87
ص: 88
(كتاب الخمس (1))
(ويجب في سبعة) أشياء :
(الأول. الغنيمة) (2)
وهي ما يحوزه المسلمون بإذن النبي (3) ، أو الإمام عليهم السلام من أموال أهل الحرب (4) بغير سرقة ، ولا غيلة من منقول ...
______________________________________________________
(1) قد جعله الله تعالى لنبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وذريته عوضا عن الزكاة ، إكراما لهم ، ومن منع منه درهما كان مندرجا في الظالمين لهم والغاصبين لحقهم ، ومن كان مستحلا لذلك كان من الكافرين ، ففي خبر أبي بصير (قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما أيسر ما يدخل العبد النار؟ قال عليه السلام : من أكل من مال اليتيم درهما ، ونحن اليتيم) (1) ومرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (إن الله لا إله إلا هو لما حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة ، والكرامة لنا حلال) (2).
(2) وجوب الخمس في الغنيمة عليه إجماع المسلمين ويقتضيه الكتاب والسنة المتواترة ويكفي قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ ) (3).
(3) على المشهور لمرسلة العباس الوراق عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا غزا قوم بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، فإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس) (4).
(4) بالمقاتلة والغلبة ، للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (كل شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لنا خمسه ، ولا يحل لأحد أن يشتري من -
ص: 89
وغيره (1) ، ومن مال البغاة (2) إذا حواها العسكر عند الأكثر ومنهم المصنف في خمس الدروس ، وخالفه في الجهاد وفي هذا الكتاب. ومن الغنيمة فداء المشركين وما صولحوا عليه (3). وما أخرجناه من الغنيمة بغير إذن الإمام والسرقة والغيلة من أموالهم فيه الخمس أيضا (4) لكنه لا يدخل في اسم الغنيمة بالمعنى المشهور (5) ، لأن الأول (6) للإمام خاصة ، والثاني لآخذه (7) ، نعم هو غنيمة بقول مطلق (8) فيصح إخراجه منها (9) ، وإنما يجب الخمس في الغنيمة (بعد إخراج المؤن) (10)
______________________________________________________
- الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا) (1) ، وعليه فما يأخذ سرقة أو غيلة لا ينطبق عليه الغنيمة.
(1) لإطلاق الأدلة.
(2) قد صرح البعض بإلحاق البغاة بالمشركين في وجوب الخمس مما يغنم مما حواه العسكر ، واستشكل في الحدائق بأنه لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة كتابا وسنة على خلاقة إذ هي ظاهرة في المشركين فقط.
(3) لأنه يعتبر من الغنيمة عرفا ، نعم لو كانت المصالحة أو النداء بدون غلبة فعدّه من الغنيمة مشكل.
(4) لكونه من الغنيمة بالمعنى الأعم أي مطلق الفائدة.
(5) وهو غنيمة أهل الحرب المبنية على الغلبة والمقاتلة.
(6) ما أخذ غنيمة وكانت الحرب بغير إذن الإمام وقد تقدم النص عليه.
(7) ويشهد له صحيح ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس) (2) ومثله غيره ، ولا خصوصية للناصب فيعمم الحكم لكل كافر.
(8) أي مطلق الفائدة لا غنيمة حربية.
(9) أي فيصح إخراج ما يأخذه سرقة أو غيلة عن الغنيمة الحربية وهي الغنيمة بالمعنى المشهور وإن صدق عليها الغنيمة بقول مطلق أي بمعنى مطلق الفائدة.
هذا واعلم أن الفرق بين الغنيمة الحربية وبين الغنيمة بالمعنى الأعم ، أن الغنيمة بالمعنى الأخص لا يعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة بل يعتبر فيها إخراج مئونة تحصيلها فقط ، بخلاف الثانية فيستثنى منها مئونة تحصيلها ومئونة السنة ويخمس الباقي.
(10) كما صرح به جماعة وقواه في الشرائع والجواهر لموافقته للعدل المناسب لغيره مما يتعلق فيه الخمس.
ص: 90
وهي ما أنفق عليها بعد تحصيلها بحفظ ، وحمل ، ورعي ، ونحوها ، وكذا يقدّم عليه (1) الجعائل (2) على الأقوى.
(والثاني. المعدن) (3)
بكسر الدال وهو ما استخرج من الأرض مما كانت أصله (4) ، ثم اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها كالملح ، والجص وطين الغسل ، وحجارة الرحى ، والجواهر من الزبرجد ، والعقيق ، والفيروزج ، وغيرها.
(والثالث. الغوص) (5)
أي ما أخرج به من اللؤلؤ ، والمرجان ، والذهب ، والفضة التي ليس عليها سكة الإسلام (6) ، والعنبر ، والمفهوم منه الإخراج من داخل الماء فلو أخذ شي ء من
______________________________________________________
(1) على الخمس من الغنيمة الحربية.
(2) وهي ما يجعله الإمام عليه السلام من الغنيمة على فعل مصلحة من مصالح الحرب ، فلا يدخل في الغنيمة التي هي موضوع قسمة الخمس ، لأنه بجعل الإمام صار مستحق للمجعول له.
(3) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص ، فقال عليه السلام : عليها الخمس جميعا) (1) وخبره الآخر عنه عليه السلام (سألته عن الملاحة ، فقال : وما الملاحة؟ فقلت : أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير ملحا ، فقال : هذا المعدن فيه الخمس ، فقلت : الكبريت والنفط يخرج من الأرض ، قال عليه السلام : هذا وأشباهه فيه الخمس) (2).
(4) وهذا هو معنى المعدن لغة وعرفا.
(5) بلا خلاف فيه للأخبار منها : مرسل ابن أبي عمير (أن الخمس على خمسة أشياء : الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ، ونسي ابن أبي عمير الخامسة) (3) ومرسل حماد عن العبد الصالح عليه السلام (الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص ، ومن الكنوز ، ومن المعادن والملاحة) (4) ، والغوص لغة الدخول في الماء لاستخراج ما فيه.
(6) قال الآقا جمال في حاشيته (لم أر هذا التقييد في كلام غيره ، ولم يذكره هو أيضا في المسالك).
ص: 91
ذلك من الساحل ، أو من وجه الماء لم يكن غوصا ، وفاقا للمصنف في الدروس ، وخلافا للبيان. وحيث لا يلحق به يكون من المكاسب. وتظهر الفائدة في الشرائط ، وفي إلحاق صيد البحر بالغوص ، أو المكاسب وجهان (1) ، والتفصيل حسن (2) ، إلحاقا لكل بحقيقته.
(والرابع. أرباح المكاسب) (3) من تجارة ، وزراعة ، وغرس ، وغيرها مما يكتسب من غير الأنواع المذكورة قسيمه ، ولو بنماء ، وتولد ، وارتفاع قيمة (4) ، ...
______________________________________________________
(1) حكي عن الشيخ وبعض معاصري الشهيد أنه غوص إن كان يخرج كما يخرج اللؤلؤ ، وعن جماعة العدم لأن الغوص مهنة تختص بغير الحيوان.
(2) بمعنى إذا أخرج من داخل الماء كما يخرج اللؤلؤ فهو غوص ، وإن أخذ بغير ذلك فهو من المكاسب.
(3) بلا خلاف فيه للأخبار منها : موثق سماعة (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال عليه السلام : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) (1) وصحيح ابن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري (كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب ، وعلى الضياع ، وكيف ذلك؟ فكتب عليه السلام بخطه : الخمس بعد المئونة) (2) ولفظ (ما أفاده الناس) يشمل جميع ما فصله الشارح ما عدا ارتفاع القيمة فسيأتي البحث فيه ، وأما قوله (ما يستفيده) في صحيح ابن مهزيار فالسين فيه للصيرورة لا للطلب ، ومقتضى ذلك وجوب الخمس في كل فائدة وإن لم تكن بقصد ، نعم إذا قلنا إنها للطلب فالفائدة الآتية من غير قصد لا يجب فيها الخمس ، تبعا لهذا الخبر ، إلا أن العمومات الواردة في بقية الأخبار تشملها.
(4) جزم الشارح في وجوب الخمس فيه هنا وتنظر في المسالك ، ونفى الخمس العلامة في التحرير والمنتهى وصاحب الجواهر وشيخنا الأعظم وصاحب الحدائق لعدم صدق الفائدة على هذا الارتفاع ما لم يبع العين فيجب خمس هذا الارتفاع.
هذا كله إذا كان أصل العين مخمسا أو لم يتعلق به الخمس ، أما إذا لم يكن مخمسا فالخمس تبعا لقيمة العين وقت أداء الخمس ، وهذا كله إذا كانت العين عنده للاقتناء أما
ص: 92
وغيرها (1) ، خلافا للتحرير حيث نفاه في الارتفاع.
(والخامس. الحلال المختلط بالحرام) (2)
(ولا يتميز (3) ، ولا يعلم صاحبه) ولا قدره بوجه ، فإن إخراج خمسه حينئذ يطهّر المال من الحرام فلو تميز كان للحرام حكم المال المجهول المالك حيث لا يعلم (4).
______________________________________________________
- لو اشتراها بقصد الاسترباح والتجارة فزادت قيمتها السوقية فالظاهر تعلق الخمس بارتفاع القيمة لصدق الفائدة عليه.
(1) كالنماء المتصل والمنفصل.
(2) فيجب إخراج خمسه حتى يحل الباقي كما عن الأكثر ولكن بشرطين : أن لا يعلم مقدار الحرام وأن يجهل صاحبه ، والحكم مما قد دلت عليه الأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما ، وقد أردت التوبة ، ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام ، تصدق بخمس مالك ، فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال) ، (1) وخبر عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (فيما يخرج من المعادن والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس) (2).
(3) أي لم يكن منفردا عن الحلال بحيث لو علم أن ما في الصندوق مثلا كله مال حرام فلا يندرج في هذه الصورة وإن لم يعلم قدره ولا صاحبه.
(4) أي لا يعلم المالك لخبر ابن حمزة (إني كنت في ديوان هؤلاء القوم يعني : بني أمية ، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا ، وأغمضت في مطالبه - إلى أن قال - قال عليه السلام : فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدقت به) (3) بناء على أن المال الحرام متميز.
ص: 93
ولو علم صاحبه (1) ولو في جملة قوم منحصرين (2) فلا بد من التخلص منه ولم بصلح ، ولا خمس ، فإن أبى (3) قال في التذكرة : دفع إليه خمسه (4) إن لم يعلم زيادته (5) ، أو ما يغلب على ظنه إن علم زيادته ، أو نقصانه ، ولو علم قدره كالربع والثلث وجب إخراجه أجمع صدقة (6) ، لا خمسا ، ولو علم قدره جملة (7) ، ويحتمل قويا كون الجميع صدقة (8).
ولو علم نقصانه عنه (9) اقتصر على ما يتيقن به البراءة صدقة (10) على الطاهر ، وخمسا في وجه (11) ، وهو أحوط ، ولو كان الحلال الخليط مما يجب فيه الخمس خمسه بعد ذلك بحسبه ، ولو تبين المالك بعد إخراج الخمس ففي الضمان له وجهان (12) ، أجودهما ذلك.
______________________________________________________
(1) فيجب عليه إرجاع المال إن كان معلوما كما هو صريح خبر ابن حمزة المتقدم وإلا فيجب تحصيل رضاه ولو بالصلح.
(2) فالشبهة محصورة والعلم الإجمالي فيها منجز ، بخلاف غير المحصورة ، فإنها ملحقة بمجهول المالك لعدم تنجز العلم الإجمالي فيها.
(3) أي الصلح.
(4) لأن هذا القدر جعله الله مطهرا للمال.
(5) وإلا فيجب دفع ما يزيد عن الخمس حتى يغلب على ظنه الوفاء.
(6) مع الجهل بمالكه ، والتصدق به لأنه خارج عن مورد النصوص السابقة الدالة على الخمس ، فيرجع فيه إلى القواعد القاضية بالتصدق به عن صاحبه.
(7) بحيث علم أنه أزيد من الخمس ولكن لم يعلم مقدار هذه الزيادة.
(8) لأن مورد النصوص المتقدمة ما لو جهل المقدار ولو إجمالا بحيث يحتمل أن يكون أقل من الخمس بخلاف ما هنا فإنه يقطع بالزيادة عن الخمس ولكن يشك في مقدار هذه الزيادة.
(9) عن الخمس.
(10) لأنه خارج عن مورد النصوص المتقدمة والدالة على الخمس فيما لو جهل المقدار.
(11) لأن الخمس مطهر للمال تعبدا ولذا جعله أحوط.
(12) وجه عدم الضمان أنه تصرف بإذن الشارع ، ووجه الضمان : عموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، والتصرف بإذن الشارع لا يدل على رفع الضمان عنه وإنما يقتضي رفع الإثم ويؤيده ما ورد من ضمان المتصدق باللقطة مع أن تصرفه مأذون من قبل الشارع.
ص: 94
(السادس. الكنز) (1)
وهو (2) المال المذخور تحت الأرض قصدا في دار الحرب مطلقا (3) ، أو دار الإسلام ولا أثر له عليه ، ولو كان عليه أثره فلقطة على الأقوى (4) هذا إذا لم يكن في ملك لغيره ولو في وقت سابق ، فلو كان كذلك عرّفه المالك (5) ، فإن اعترف به فهو له بقوله مجردا ، وإلا عرّفه من قبله ، من بائع وغيره ، فإن اعترف به ، وإلا فمن قبله ممن يمكن ، فإن تعددت الطبقة وادّعوه أجمع قسم عليهم بحسب السبب (6) ، ولم ادعاه بعضهم خاصة فإن ذكر سببا يقتضي التشريك سلّمت إليه حصته خاصة ، وإلا الجميع (7) ، وحصة الباقي (8) كما لو نفوه أجمع فيكون للواجد إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا فلقطة ، ومثله الموجود في جوف دابة ولو سمكة مملوكة بغير الحيازة ، أما بها فلواجده (9) ...
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح الحلبي (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال عليه السلام : الخمس) (1) وقد تقدم بعض الأخبار الدالة عليه.
(2) الكنز هو المال المذخور تحت الأرض سواء كان مسكوكا بسكة الإسلام أو لا ، في بلاد الكفار أو بلاد المسلمين ، بل عن التذكرة والمنتهى والدروس والبيان صدقه على المال المذخور في حائط أو شجر أو جدار وهو كذلك للصدق العرفي.
(3) سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا.
(4) وقد نسب إلى أكثر المتأخرين بدعوى أن الموجود في أرض الإسلام وعليه أثر الإسلام فهو لمسلم ، وفيه : إنه لا دليل في ذلك وأثر الإسلام لا يدل على سبق يد المسلم لأنه أعم.
(5) بلا خلاف عملا بحجية اليد السابقة الدالة على ملكية ذيها ، ولذا يدفع إليه بلا يمين ولا بينة ولا وصف.
(6) سبب ملكيتهم.
(7) أي جميع المال.
(8) فيما لو ذكر المالك السابق ما يقتضي التشريك.
(9) أي إذا كانت السمكة قد ملكت بالحيازة فما في بطنها لواجده ، وإن كانت بغير الحيازة -
ص: 95
لعدم قصد المحيز إلى تملك ما في بطنها ولا يعلمه وهو شرط الملك على الأقوى (1).
وإنما يجب في الكنز (إن بلغ عشرين دينارا) (2) عينا ، أو قيمة. والمراد بالدينار المثقال كغيره ، وفي الاكتفاء بمائتي درهم وجه احتمله المصنف في البيان ، مع قطعه بالاكتفاء بها في المعدن (3) ، وينبغي القطع بالاكتفاء بها هنا ، لأن صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام تضمن أن ما يجب الزكاة منه في مثله ففيه ...
______________________________________________________
- وكان لها مالك سابق عرّفها وإلا السابق عليه وهكذا ، وإن أنكره الجميع فإن كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة وإلا فكنز.
(1) سيأتي بحثه إنشاء الله تعالى.
(2) بلا خلاف معتد به لصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال : ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس) (1) ، وعن أمالي الصدوق أن النصاب دينار واحد ، ناسبا له إلى دين الإمامية ، ودليله غير ظاهر.
ومقتضى صحيح البزنطي أن الخمس متعلق به إذا بلغ نصاب أحد النقدين ، مع أن جماعة من الأصحاب اقتصروا على نصاب الذهب فقط ، نعم صرح العلامة في المنتهى بنصابي الذهب والفضة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس للكنز إلا نصاب واحد وهو النصاب الأول كما صرح به العلامة في المنتهى أيضا.
(3) نصاب المعدن حتى يجب فيه الخمس بلوغه عشرين دينارا ، كما عن الشيخ في المبسوط والنهاية وابن حمزة وجماعة من المتأخرين لصحيح البزنطي (سألت أبا الحسن عليه السلام : عما أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شي ء؟ قال : ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرون دينارا) ((2) ، وهو نص في نصاب الذهب ، فالتعدية إلى نصاب الفضة مع اختلاف القيمة قياس لا نقول به. وعن الكثير من القدماء عدم اعتبار النصاب في المعدن تمسكا بإطلاق دليل وجوب الخمس فيه ، وفيه : إن الاطلاق مقيد بالصحيح المذكور.
وعن أبي الصلاح الحلبي اعتبار بلوغ قيمته دينارا واحدا لصحيح البزنطي عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام قال : (سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال عليه السلام : إذا بلغت قيمته دينارا ففيه الخمس) (3).
ص: 96
الخمس (1) ، (قيل : والمعدن كذلك) يشترط بلوغه عشرين دينارا ، ونسبته إلى القيل تدل على توقفه فيه ، مع جزمه به في غيره ، وصحيح البزنطي دل عليه ، فالعمل به متعين ، وفي حكمها بلوغه مائتي درهم كما مر عند المصنف ، مع أن الرواية هنا لا تدل عليه (2).
(وقال الشيخ في الخلاف : لا نصاب له) (3) ، بل يجب في مسماه وهو ظاهر الأكثر ، نظرا إلى الاسم ، والرواية حجة عليهم ، (واعتبر أبو الصلاح ، التقي) الحلبي (فيه دينارا كالغوص) ، استنادا إلى رواية قاصرة ، نعم يعتبر الدينار ، أو قيمته في الغوص (4) قطعا ، واكتفى المصنف عن اشتراطه فيه بالتشبيه هنا.
ويعتبر النصاب في الثلاثة (5) بعد المئونة (6) التي يعرمها على تحصيله ، من
______________________________________________________
- وفيه : إن ضعف الواسطة مانع عن جواز الاعتماد عليه فضلا عن معارضته للصحيح السابق على أنه محمول على الغوص لا المعدن كما سيأتي.
(1) وهو مطلق يشمل نصاب الفضة والذهب.
(2) لأنها صرحت بنصاب الذهب فقط كما مرّ.
(3) أي للمعدن.
(4) على المشهور لخبر محمد بن علي بن أبي عبد الله المتقدم عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت الزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة ، هل فيها زكاة؟ فقال عليه السلام : إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس) (1).
وعن غرية المفيد أن النصاب فيه عشرون دينارا ، ومستنده غير ظاهر.
(5) في الكنز والمعدن والغوص.
(6) على المشهور لدعوى الإجماع عليه كما عن الخلاف والمنتهى ، وعن المدارك اعتبار النصاب قبل المئونة وتبعه عليه جماعة تمسكا بإطلاق أدلة النصاب في هذه الأمور الثلاثة ، وأما ما قيل من أن الخمس بعد المئونة كما في صحيح ابن مهزيار المتقدم في أرباح المكاسب فهو مخصوص فيها وناظر إلى مئونة نفسه وعياله لا إلى مئونة الإخراج ، إلا أنه يقال أن لا يصدق عرفا أن الكنز والغوص والمعدن قد بلغ مقدار النصاب المذكور فيها إلا بعد إخراج المئونة وهو قويّ.
ص: 97
حفر وسبك في المعدن ، وآلة الغوص ، أو أرشها ، وأجرة الغوّاص في الغوص ، وأجرة الحفر ونحوه في الكنز ، ويعتبر النصاب بعدها مطلقا (1) في ظاهر الأصحاب ، ولا يعتبر اتحاد الإخراج (2) في الثلاثة بل يضم بعض الحاصل إلى بعض وإن طال الزمان ، أو نوى الإعراض ، وفاقا للمصنف ، واعتبر العلامة عدم نية الإعراض ، وفي اعتبار اتحاد النوع وجهان (3) ، أجودهما اعتباره في الكنز والمعدن ، دون الغوص ، وفاقا للعلامة ، ولو اشتراك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل نصابا بعد مئونته (4).
(والسابع. أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم) (5) ، سواء انتقلت إليه بشراء ،
______________________________________________________
(1) أي من دون خلاف بحسب الظاهر ، وقد عرفت أن الخلاف من سيد المدارك وهو متأخر عن زمن جده الشارح.
(2) مع عدم ترك العمل بين الدفعات لإطلاق الأدلة ، وأما مع إطالة الزمان أو الأعراض فلا ، ولذا ذهب العلامة في المنتهى إلى أنه لو ترك العمل مهملا له فلا يضم المتأخر إلى المتقدم بخلاف جمع من الأصحاب كالشهيدين والأردبيلي وسيد المدارك من الضم لإطلاق الأدلة وفيه : إن المدار على صدق تعدد الإخراج عرفا وهو متحقق مع الإهمال الطويل أو الإعراض.
(3) فلا يشترط اتحاد النوع لصدق الكنز أو الغوص أو المعادن وهذا ما صرح به العلامة في المنتهى بالنسبة والشهيد في الدروس وجماعة ، وحكى العلامة في المنتهى عن بعض العامة قولا بعدم الضم مع الاختلاف مطلقا ، وعن آخرين عدم الضم في الذهب والفضة خاصة حملا على الزكاة ، وضعفهما ظاهر بعد صدق المعدن عليها ، وهذه العناوين هنا هي التي يدور على صدقها وجوب الخمس بخلاف الزكاة فإنها دائرة على صدق أحد النقدين. وأما التفصيل الذي أتى به الشارح ونقله عن العلامة ففي غير حمله ، بالإضافة إلى عدم العثور على هذا التفصيل للعلامة في كتبه كما صرح بذلك الآقا جمال في حاشيته.
(4) أي بعد مئونة النصيب في الإخراج ، وفي الجواهر لا أعرف من صرح بخلافه حملا له على الزكاة ، ولكن عن الحدائق والمستند اعتبار النصاب للمجموع لا لنصيب كل واحد لإطلاق أدلة المعادن والغوص والكنز.
(5) نسب إلى مشهور المتأخرين لصحيح أبي عبيدة (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس) (1) ، وعن ابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد -
ص: 98
أم غيره (1) ، وإن تضمن بعض الأخبار لفظ الشراء ، وسواء كانت مما فيه الخمس كالمفتوحة عنوة حيث يصح بيعها (2) ، أم لا (3) ، وسواء أعدت للزراعة ، أم لغيرها ، حتى لو اشترى بستانا ، أو دارا أخذ منه خمس الأرض ، عملا بالإطلاق (4) ، وخصها في المعتبر بالأولى (5).
وعلى ما اخترناه (6) فطريق معرفة الخمس أن تقوم مشغولة بما فيها بأجرة للمالك (7) ، ويتخير الحاكم بين أخذ خمس العين ، والارتفاع (8) ولا حول هنا (9) ، ولا نصاب ، ولا نية (10). ويحتمل وجوبها عن الآخذ (11) ، لا عنه ، وعليه المصنف
______________________________________________________
- وسلّار والحلبي عدم ذكرهم لهذا القسم وظاهرهم العدم ، ومال إليه الشارح في فوائد القواعد استضعافا للرواية ، وذكر الشارح هنا تبعا للعلامة في المختلف أنها من الموثق والصحيح أنها صحيحة على أن العمل بخبر الثقة وموثوق الصدور.
(1) من بقية المعارضات ، كما عن البيان وغيره لإسقاط خصوصية الشراء الواردة في الخبر ، وعن الأكثر التعبير بالشراء فقط إذ لا قرينة على جواز هذا الإلغاء.
(2) وذلك عند احتياج مصارف الجند والعسكر إلى ذلك.
(3) كالأرض التي أسلم عليها أهلها.
(4) بإطلاق الخبر المتقدم.
(5) أي بأرض الزراعة فقط لا أرض المساكن والدور لأنه المتبادر ، وقد استجوده في المدارك وغيره.
(6) من التعميم لأرض الدور والمساكن.
(7) إي لصاحب الأرض ، فتقوم الأرض بما هي مشغولة من الغرس والبناء ، وكان الاشتغال بأجرة الأرض لمالك الأرض ، ولا تقوم على أنها خالية ، أو على أنها مشغولة مجانا.
(8) أي القيمة ، وبهذا صرح جماعة ، وعن الحدائق أنها إذا كانت مشغولة فيتعين الأخذ من الارتفاع وهو المناسب للعدل.
(9) لأن الحول في أرباح المكاسب ، بل ظاهر صحيح أبي عبيدة المتقدم أن الخمس مترتب بعد الشراء من دون اعتبار نصاب ولا حول.
(10) لأن الكافر يصح التقرب منه ، ولا يصلح التقرب عنه.
(11) وهو الحاكم وعدل من لفظ (على) إلى (عن) إشارة إلى أن النية على الحاكم ابتداء وليست بعنوان النيابة عن الدافع لأنه لا يصلح التقرب عن الكافر ، وفي الدروس اختار تولي الحاكم النيّة عند الأخذ والدفع ، وهو غير ظاهر المستند.
ص: 99
في الدروس ، والأول (1) في البيان ، ولا يسقط (2) ببيع الذمي لها قبل الإخراج وإن كان لمسلم ، ولا بإقالة المسلم له في البيع الأول (3) ، مع احتماله هنا (4) ، بناء على أنها فسخ ، لكن لما كان (5) من حينه ضعف.
(وهذه) الأرض (لم يذكرها كثير) من الأصحاب كابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والمفيد ، وسلار ، والتقي ، والمتأخرون أجمع والشيخ من المتقدمين على وجوبه فيها ، ورواه أو عبيدة الحذاء في الموثق (6) عن الباقر عليه السلام.
(وأوجبه (7) أبو الصلاح في الميراث (8) ، والصدقة ، والهبة) ، محتجا بأنه نوع
______________________________________________________
(1) عدم وجوب النية.
(2) أي الخمس ، بلا إشكال ويقتضيه إطلاق النص.
(3) لأن الإقالة فسخ من حينها لا من أول الأمر فيصدق عنوان الشراء حينئذ فيشمله إطلاق النص.
(4) أي احتمال سقوط الخمس في الإقالة بناء على أنها فسخ من أول الأمر وهو ضعيف جدا.
(5) أي الفسخ.
(6) قد عرفت أنه صحيح السند.
(7) أي الخمس.
(8) المشهور على عدم الخمس فيه وفي تالييه ، والوجوب مطلقا هو المنسوب إلى أبي الصلاح الحلبي واستحسنه الشهيدان وقواه الشيخ الأعظم وتوقف فيه في المعتبر والدروس والبيان ، والعمدة على الدليل وقد تقدم أن الخمس ثابت في مطلق الفائدة للآية المتقدمة ولموثق سماعة (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) (1) فما ذهب إليه المشهور من حصر الخمس بالتكسب فقط ليس في محله ولهذا المبنى من وجوب الخمس في التكسب فقط أفتى المشهور بعدم الخمس في الميراث والصدقة والهبة ، لأنها فائدة من دون سعي وقصد.
ولكن قد عرفت أن المدار على مطلق الفائدة فيجب الخمس في الثلاثة ولو سلم أن المدار على التكسب فقبول الهدية نوع من الاكتساب ، هذا بحسب القواعد المستفادة من نصوص وجوب الخمس في أرباح المكاسب ، ويزيده في الهدية خبر أبي بصير عن أبي
ص: 100
اكتساب وفائدة ، فيدخل تحت العموم ، (وأنكره ابن إدريس والعلامة) ، للأصل (1) والشك في السبب (2) ، (والأول حسن) ، لظهور كونها غنيمة بالمعنى الأعم فتلحق
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام قال : (كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر ، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام : الخمس في ذلك) (1) الخبر.
نعم ورد في صحيح علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام (- إلى أن قال - فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ، قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَمٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ ، وَاللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ) (2).
فالغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب) (3) الخبر ، وتقييد الجائزة الخطيرة باعتبار أن التي لا خطر لها لا تبقى إلى آخر السنة غالبا ، ولو لا هذا الصحيح لحكم بوجوب الخمس في كل ميراث ، ولأجله جمعا بين الأدلة يستثنى الميراث ما عدا غير المحتسب ، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالما به فمات ، وكان هو الوارث فإنه يخمس. ومما تقدم تعرف أن المهر من جملة الفوائد والغنائم للصدق العرفي فيجب خمسه ، ودعوى عدم الصدق ولذا لم يوجب فيه الخمس أحد ليس في محلها ، ولم يتضح لي محلها ، لأن الكثير من القدماء لم يتعرضوا له ، لا أنهم تعرضوا له وصرّحوا باستثنائه ولذا من تعرض له كصاحب نجاة العباد جعله من أفراد الفائدة كالهبة والهدية ، نعم استدل صاحب الحدائق على عدم الخمس فيه وأنه ليس بفائدة بأنه في قبال البضع فلا يصدق عنوان الغنم والفائدة عليه وفيه : إنه نظير الأجرة التي هي عوض العمل ، ومنه تعرف الحكم في عوض الخلع فإنه من جملة الفوائد فيجب فيه الخمس ودعوى أنه في قبال رفع سلطان الزوج عن الزوجة بالطلاق غير مفيدة لأنه نظير رفع اليد عن حق السبق وغيره فلو بذل له مال في قبال هذا الرفع لصدق عليه عنوان الغنيمة والفائدة.
(1) أي أصالة براءة الذمة عند الشغل.
(2) في كونها اكتسابا.
ص: 101
بالمكاسب ، إذ لا يشترط فيها (1) حصوله (2) اختيارا ، فيكون الميراث منه.
وأما العقود المتوقفة على القبول فأظهر ، لأن قبولها نوع من الاكتساب ومن ثم يجب القبول حيث يجب (3) ، كالاكتساب للنفقة ، وينتفي حيث ينتفي ، كالاكتساب (4) للحج ، وكثيرا ما يذكر الأصحاب أن قبول الهبة ونحوها اكتساب ، وفي صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني ، ما يرشد إلى الوجوب فيها (5) ، والمصنف لم يرجح هذا القول إلا هنا ، بل اقتصر في الكتابين (6) على مجرد نقل الاخلاف ، وهو يشعر بالتوقف.
(واعتبر المفيد في الغنيمة (7) والغوص والعنبر) (8) ذكره (9) بعد الغوص تخصيص بعد التعميم ، أو لكونه أعم منه من وجه لإمكان تحصيله من الساحل ، أو عن وجه الماء ، فلا يكون غوصا كما سلف (عشرين دينارا عينا ، أو قيمة. والمشهور أنه لا نصاب للغنيمة) ، لعموم الأدلة ، ولم نقف على ما أوجب إخراجه لها منه (10) ، فإنه ذكرها مجردة عن حجة ، وأما الغوص فقد عرفت أن نصابه
______________________________________________________
(1) أي في الغنيمة بالمعنى الأعم أي الفائدة.
(2) أي حصول الغنم.
(3) أي يجب الاكتساب.
(4) حيث لا يجب لأنه شرط الوجوب لا الواجب.
(5) أي في الثلاثة ، نعم الصحيح لم يدل على مطلق الميراث كما تقدم هذا من جهة ومن جهة أخرى أشكل عليه بأن الصدقة والهدية لا تندرجان تحت الجائزة الواردة في الرواية لغة ، وفيه : إن الهدية داخلة وبدخولها يستكشف مناط الخمس في الصدقة إذا المدار على مطلق الفوائد والغنائم وهذا يشمل الصدقة وكذا نماء الوقف والمنذور والموصى إليه وكل ما يدخل في ملكه حتى حيازة المباحات وأجرة العبادات وغيرها.
(6) الدروس والبيان.
(7) أي غنيمة الحرب ، فاعتبر المفيد في الغرية النصاب وهو عشرون دينارا ، وهو ضعيف لعدم الدليل عليه كما صرح بذلك في الجواهر ، والمشهور عدم النصاب فيه لإطلاق الآية.
(8) قد تقدم أن المفيد اعتبر النصاب فيه عشرين دينارا ومستنده غير ظاهر ، والمشهور على أن النصاب هو دينار وقد تقدم دليلهم.
(9) أي العنبر.
(10) أي إخراج المفيد لغنيمة الحرب عن عموم الأدلة.
ص: 102
دينار ، للرواية عن الكاظم (1) (ع) وأما العنبر فإن دخل فيه فبحكمه وإلا فبحكم المكاسب (2). وكذا كل ما انتفى فيه الخمس من هذه المذكورات لفقد شرط ولو بالنقصان عن النصاب (3).
(ويعتبر) في وجوب الخمس في (الأرباح) إخراج (مئونته ومئونة عياله) (4)
______________________________________________________
(1) وهي خبر محمد بن علي بن عبد الله (1) ، وقد تقدمت في الغوص.
(2) فلا نصاب له لعموم أدلة خمس المكاسب.
(3) فيدخل في المكاسب.
(4) بلا خلاف فيه ويدل عليه الأخبار منها : صحيح ابن مهزيار عن أبي جعفر الثاني عليه السلام (الخمس بعد المئونة) (2) ، والمراد من المئونة ما يعم مئونة نفسه وعياله ومئونة تحصيل الربح ، إذ لا يصدق الربح والفائدة إلا بعد إخراج مئونة الربح ، ولخبر ابن شجاع عن أبي الحسن الثالث عليه السلام (عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار ، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا ، وبقي في يده ستون كرا ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقع لي منه : الخمس مما يفضل من مئونته) (3).
ومكاتبة يزيد في تفسير الفائدة (الفائدة من يفيد إليك في تجارة من ربحها ، وحرث بعد الغرام ، أو جائزة) (4).
فرع : لو اتخذ رأس مال للتجارة فهل يجب تخميسه قبل اتخاذه ، أو لا يجب تخميسه مطلقا لأنه من المؤن لتحصيل الربح ، قيل بالأول ، لأنه ليس من المئونة ، والعرف على خلافه إذ الصدق العرفي على أنه من المئونة لا يحتاج إلى كلام.
وقيل : بأنه إذا كان بمقدار مئونة سنته فلا خمس فيه وإلا فالخمس في الزائد ، وهو تفصيل لا يساعد عليه الدليل ، وقيل : بأن رأسمال المتخذ للتجارة لا خمس فيه مطلقا ، لأنه من مئونة تحصيل الربح ، والدليل يقتضي أن كل رأسمال ، وكذا آلات العمل كالآلات عند الزارع والصانع إذا كان ربحها لا قيمتها بمقدار مئونة السنة اللائقة بحاله فلا خمس فيها ، وإذا كان ربحها والاستفادة منها أزيد من مئونة السنة ، فيجب تخميس ما ينتج أزيد من المئونة.
ص: 103
الواجبي النفقة وغيرهم حتى الضيف (مقتصدا) فيها أي : متوسطا بحسب اللائق بحاله عادة ، فإن أسرف حسب عليه ما زاد (1) ، وإن قتر حسب له ما نقص (2) ، ومن المئونة هنا الهدية والصلة اللائقان بحاله ، وما يؤخذ منه في السنة قهرا ، أو يصانع به الظالم اختيارا ، والحقوق اللازمة له بنذر ، وكفارة ، ومئونة تزويج ، ودابة ، وأمة ، وحج واجب إن استطاع عام الاكتساب ، وإلا وجب (3) في الفضلات السابقة على عام الاستطاعة (4) ، والظاهر أن الحج المندوب ، والزيارة ، وسفر الطاعة كذلك ، والدين المتقدم والمقارن لحول الاكتساب من المئونة (5) ، ولا يجبر التالف من المال بالربح وإن كان في عامه (6).
______________________________________________________
- فلو كان عنده رأسمال يعطي ربحا زائدا عن مئونته ضعفين ، فيخمس نصفه ، لأن النصف الأول من مئونة تحصيل الربح اللائق بحاله بدليل أنه محتاج إلى صرفه في مئونته ومئونة عياله ، وهكذا ، وأما النصف الآخر فهو من مئونة تحصيل الربح الزائد عن حاله فيجب تخميسه حينئذ.
وأما مئونة نفسه ومئونة عياله فهي كل ما يصرفه في جلب المحبوب ودفع المكروه وما يحتاج إلى صرفه كسد دين أو القيام بالمستحبات بل والمباحات ، بحسب شأنه اللائق بحاله ، لأن المئونة يرجع فيها إلى المعنى العرفي بعد عدم تحديد معناها لا في الكتاب ولا في السنة.
فالاستشكال في كون الهدية والصلة ومئونة الحج المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة أنها من المئونة أو لا ليس في محله ، وكذا الإشكال في ما يصرفه على الضيف بحسب شأنه وإن لم يكن معتادا لا باستقبال الضيوف ولا مضطرا إلى ذلك ، فما عن ابن فهد من تقييد الضيافة المعدودة من المئونة بالاعتياد والضرورة ليس في محله.
(1) لأن لفظ المئونة الوارد في الأخبار محمول على المتعارف.
(2) وفيه : إن لفظ المئونة الوارد في الأخبار ظاهر في المئونة الفعلية لا المئونة بالقوة حتى يحسب له ما نقص ، بل مع التقتير لا خمس في ما صرفه وفي الباقي يجب الخمس.
(3) أي الخمس.
(4) لمرور الحول عليها.
(5) أي وفاء الدين.
(6) أي لو تلف بعض المال كما لو سرق فلا يجبر من ربح التجارة وإن كان ربح التجارة في نفس العام وذلك لعدم صدق المئونة على التالف حتى يستثنى من المال قبل الخمس ، ولصدق الربح على الجميع حتى على التالف فيجب حينئذ خمس ربحه.
ص: 104
وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجه (1) قطع به المصنف في الدروس ، ولو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي أخذ المئونة منه أو من الكسب ، أو منهما بالنسبة أوجه ، وفي الأول احتياط (2) ، وفي الأخير عدل (3) ، وفي الأوسط (4) قوة ، ولو زاد بعد تخميسه زيادة متصلة أو منفصلة وجب خمس الزائد (5) ، كما يجب خمسه (6) مما لا خمس في أصله ، سواء أخرج الخمس أولا من العين ، أم من القيمة ، والمراد بالمئونة هنا مئونة السنة (7) ، ومبدؤها ظهور الربح (8) ،
______________________________________________________
- وفيه : إنه إذا تلف بسبب تحصيل الربح فالعرف هو الحاكم على أن الربح لا يصدق على الجميع ، هذا فضلا على أن الدليل قد دل أن الخمس في مطلق الفائدة بعد المئونة ، ومع التلف لا تصدق الفائدة إلا على الباقي فالأقوى الجبران.
(1) وبيانه أنه لا يصدق عنوان الربح عرفا في تلك السنة إلا بعد وضع الخسران من الربح ، وكذا لو كان عنده عدة أنواع من التجارة فخسر في بعضها وربح في البعض الآخر فلا يصدق أنه ربح في هذه السنة إلا بعد الجبران ، بل وكذا لو كان عنده تجارة وزراعة أو تجارة وصناعة أو صناعة وزراعة فخسر في بعضها وربح في الآخر كل ذلك لأن عموم أدلة الخمس على الفائدة وهي لا تصدق إلا بعد الجبران.
(2) وإليه ذهب الأردبيلي للاحتياط ولإطلاق أدلة الخمس ، إذ المتبادر من أن الخمس بعد المئونة إنما هو في صورة الاحتياج إلى الربح وفرضنا ليس منه.
(3) كما عن الشهيدين في الدروس والمسالك للعدل.
(4) وإليه ذهب المتأخرون لإطلاق ما تضمن أن الخمس بعد المئونة الشامل لصورتي وجود مال آخر وعدمه ومنه تصرف ضعف القولين السابقين.
(5) لأنه فائدة فتشمله أدلة وجوب الخمس.
(6) أي خمس الزائد المتصل أو المنفصل.
(7) جمعا بين ما دل على أن الخمس بعد المئونة وبين صحيح علي بن مهزيار (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام) (1).
(8) وقع الخلاف في مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها ، فذهبت جماعة منهم الشهيد في ظاهر الدروس وصاحب الحدائق والشيخ الأعظم إلى أن الربح الحاصل إذا كان من تجارة أو صناعة أو زراعة فمبدأ السنة من حين الشروع في التكسب وإن لم يظهر الربح ، وإذا كان الربح من غير ذلك كالهبة والميراث الذي لا يحتسب ونحوهما فمن حين -
ص: 105
ويتخير بين تعجيل إخراج (1) ما يعلم زيادته عليها (2) ، والصبر به إلى تمام الحول ، لا لأن الحول معتبر فيه (3) ، بل لاحتمال زيادة المئونة ، ونقصانها ، فإنها مع تعجيله (4) تخمينية ، ولو حصل الربح في الحول تدريجا اعتبر لكل خارج حول بانفراده (5). نعم توزع المئونة في المدة المشتركة بينه ، وبين ما سبق عليهما ، ويختص
______________________________________________________
- ظهور الربح ، لا من أجل الاختلاف في مفهوم عام الربح بل المفهوم واحد وإنما الاختلاف من ناحية الانطباق حيث ينطبق عام الربح على الأول من حين التكسب ولا ينطبق على الثاني إلا بعد ظهور الربح.
وذهب الشارح في المسالك والروضة وسيد المدارك من كون مبدأ السنة هو ظهور الربح مطلقا ومال إليه صاحب الجواهر بدعوى أنه المنساق من النصوص.
والإنصاف عدم ورود لفظ عام الربح في الأخبار ، وإنما الوارد هو لفظ العام كما في صحيح علي بن مهزيار وقد ورد أن الخمس بعد المئونة ، مع العلم بأن الخمس إنما هو على مطلق الفائدة أو على ما يتكسب على الخلاف المتقدم ، وعام الفوائد ظاهر في وقت ظهور الربح ، وعام التكسب ظاهر من حين التكسب ، إلا أن الأقوى أن المدار على الفوائد لا على التكسب فيكون العام من حين ظهور الربح.
هذا كله بالنسبة لمئونته ومئونة عياله هل تحسب من الأرباح المستجدة فيما بعد لو صرفها من حين التكسب إلى حين ظهور الربح ، وأما ما يصرفه من مئونة على تحصيل الربح في تجارته أو صناعته أو زراعته فلا بد أن يستثنى من الربح الحاصل منها لعدم صدق الغنيمة والفائدة إلا بعد وضع ما صرفه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجوز للمكلف أن يجعل يوما ما أوّل سنته ما دامت السنة للإرفاق بالمالك ، بعد تخميس ما تقدم على هذا اليوم ولا إشكال فيه ولا محذور.
(1) أي إخراج الخمس.
(2) أي ما يعلم زيادة الربح على المئونة.
(3) أي في خمس أرباح المكاسب.
(4) أي فإن المئونة مع تعجيل الخمس تخمينية.
(5) ذهب الشهيد في الدروس إلى عدم اعتبار الحول لكل تكسب ، بل إذا تحدد مبدأ السنة بظهور الربح فكل الأرباح في هذه السنة تحسب بحساب واحد بحيث يخرج منها المئونة ويخمس الفاضل ، وتبعه عليه صاحب الحدائق ومال إليه سيد المدارك وغيرهم لأنه المنساق والمتبادر من صحيح ابن مهزيار المتقدم (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم -
ص: 106
بالباقي (1) ، وهكذا. وكما لا يعتبر الحول هنا لا يعتبر النصاب ، بل يخمس الفاضل وإن قل (2) ، وكذا غير ما ذكر له نصاب أما الحول فمنفي عن الجميع (3) والوجوب في غير الأرباح مضيق (4).
(ويقسم) الخمس (ستة أقسام) على المشهور (5) عملا بظاهر الآية وصريح الرواية،
______________________________________________________
- في كل عام) (1) لأنه ظاهر في جعل عام واحد لكل المكاسب ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه الشارح في المسالك والروضة من جعل عام لكل ربح ، وبناء على الأول فتكون مئونة جميع السنة مستثناة من جميع الأرباح بخلاف الثاني فإن المئونة بعد ربح تكون منه ، وبعد ربحين تكون منهما وهكذا.
(1) أي ويختص الربح الأول بالباقي من المؤن.
(2) لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(3) أي جميع الأقسام التي يجب فيها الخمس.
(4) لا على نحو الفورية لأن الأمر لا يدل عليها ، بل لا يجوز التأخير الموجب للإهمال ، هذا في غير أرباح المكاسب ، وأما في أرباح المكاسب فقد عرفت أن السنة للإرفاق بالمالك حتى يكون الخمس على ربحه بعد مئونته كما هو صريح الأخبار وقد تقدم بعضها ، وإن كان أصل تشريع الخمس يدل على الخمس منذ ظهور الربح من دون إرفاق للمالك لسنة كما هو مفاد الآية الشريفة المتقدمة.
(5) لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (2) ، ولمرسل ابن بكير عن أحدهما عليهما السلام في تفسير الآية (خمس الله عزوجل للإمام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام ، واليتامى يتامى آل الرسول ، والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم) (3) ومرسل أحمد بن محمد قال (الخمس من خمسة أشياء. إلى أن قال. فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم : سهم لله ، وسهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله فلرسول الله فرسول الله أحق به فهو له خاصة ، والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه ، فالنصف له -
ص: 107
(ثلاثة) منها (للإمام عليه السلام) وهو سهم الله ورسوله وذي القربى ، وهذا السهم وهو نصف الخمس (يصرف إليه إن كان حاضرا ، أو إلى نوابه) (1) وهم الفقهاء
______________________________________________________
- خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد عليهم السلام الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس) (1).
وعن بعض أصحابنا ، ولم يعرف القائل كما في المسالك وغيرها ، وربما نسب إلى ابن الجنيد أنه يقسّم خمسة أسهم بحذف سهم الله لصحيح ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم - إلى أن قال - ثم قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس ، يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ، ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، يعطي كل واحد منهم حقا ، وكذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) (2) وهو ظاهر في سقوط سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا سهم الله كما هو المدعى ، وهو محمول على التقية لموافقته أكثر العامة ، أو على أن ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم توفير على المستحقين كما عن الشيخ في الاستبصار.
(1) اختلف الأصحاب في نصف الخمس الراجع إلى الإمام عليه السلام ، فقيل : بإباحته للشيعة مطلقا كما عن سلّار الديلمي في المراسم والمدارك والذخيرة والمفاتيح والوافي والحدائق ، وعن كشف الرموز نسبته إلى قوم من المتقدمين ، وفي الحدائق نسبته إلى جملة من معاصريه اعتمادا على نصوص تحليل الخمس ، وهي محمولة على ما سيأتي أو معرض عنها بين الأصحاب.
وقيل : بوجوب عزله وإيداعه والوصية به عند الموت كما عنه المقنعة للمفيد والحلبي والقاضي والحلي ، وفي المنتهى نسبته إلى جمهور أصحابنا ، عملا بالقواعد المعوّل عليها في المال المعلوم مالكه مع عدم إمكان إيصاله إليه ، وفيه إن ذلك مظنة الخطر والضرر في أكثر الأوقات فيكون تفريطا في مال الغير.
وقيل : بوجوب دفنه كما عن بعض الأصحاب وحكاه عنه في المقنعة والنهاية والمنتهى ، اعتمادا على أنه أحفظ ، ولما روي من أن الأرض تخرج كنوزها للحجة عليه السلام عند ظهوره (3).
وفيه : إنه تفريط بمال الغير لأن مظنة الضرر والتلف هنا آكد ، مضافا إلى أن الاستفادة من الرواية بوجوب الدفن مشكل جدا لأنه غير ظاهر منها.
وقيل : بوجوب صرفه على المحتاجين من الذرية الطاهرة ، كما عن المفيد في الغرية ،
ص: 108
...
______________________________________________________
- والشرائع والمهذب لابن فهد ، وقيل : إنه المشهور بين المتأخرين لمرسل حماد عن العبد الصالح عليه السلام (ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسّم بينهم على الكتاب والسنة يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي ، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما نقل عنهم) (1) ومرسل أحمد بن محمد المرفوع (عوضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فإن فضل شي ء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمهم لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان) (2) ، وهما ظاهران بصورة بسط اليد ووصول الخمس إليه عليه السلام بأجمعه ، والإنصاف أنهما يدلان على جواز صرف السهم المبارك في حاجة الذرية الطاهرة وأنهم أحد مصارفه.
وقيل : بالتمييز بين إيداعه والوصية به عند الموت وبين دفنه ، كما عن الشيخ في النهاية ، وقيل بالتمييز بين دفنه وبين إيداعه على النحو المتقدم وبين صلة الأصناف مع إعوازهم كما عن الشهيد في الدروس ، وقيل : بين إيداعه على النحو المتقدم وبين قسمته على الأصناف مع إعوازهم كما عن المختلف وغيره ، وعن ابن حمزة وجوب صرفه في فقراء الشيعة مطلقا وإن لم يكونوا من السادة لما ورد في مرسلة حماد بالنسبة للزكاة (فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي ، وإن نقص من ذلك شي ء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا) (3) ولخبر محمد بن يزيد عن أبي الحسن الأول عليه السلام (من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا) (4) ومرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا) (5) ، والأخير ظاهر في الصلة المستحبة ، وقيل : بإجراء حكم مجهول المالك عليه كما عن الجواهر ، إذ العلم بالنسب لا يخرجه عن كونه مجهولا ، بل المناط في مجهول المالك هو تعذر إيصال المال إليه فلا بدّ من التصدق به عنه. وفيه : إنه متعين لو لم يقطع برضاه بصرفه في جهة معينة وسيأتي الكلام فيه.
وقيل : بوجوب دفعه إلى الفقيه الجامع للشرائط كما عن الفاضلين والشهيدين وغيرهم بل -
ص: 109
العدول الإماميون الجامعون لشرائط الفتوى ، لأنهم وكلاؤه ، ثم يجب عليهم فيه ما يقتضيه مذهبهم ، فمن يذهب منهم إلى جواز صرفه إلى الأصناف على سبيل التتمة كما هو المشهور بين المتأخرين منهم يصرفه على حسب ما يراه ، من بسط (1) ، وغيره ، ومن لا يرى ذلك يجب عليه أن يستودعه له إلى ظهوره ، فإذا حضرته الوفاة أودعه من ثقة ، وهكذا ما دام غائبا ، (أو يحفظ) أي يحفظه من يجب عليه بطريق الاستيداع كما ذكرناه في النائب وليس له أن يتولى إخراجه بنفسه إلى الأصناف مطلقا (2) ، ولا لغير الحاكم الشرعي ، فإن تولاه غيره ضمن (3) ويظهر
______________________________________________________
- نسب إلى أكثر العلماء وإلى أكثر المتأخرين ، إما لعموم ولايته وإما لأنه أبصر بمواقعه وأعرف بمواضعه ، وفيه : أما الولاية فهي مقتصرة على فصل الخصومة بين المتنازعين بحسب ما يستفاد من الأدلة ، ولا تدل هذه الأدلة على أكثر من ذلك ، وأما الثاني فلا نسلم به على إطلاقه.
وقيل : بأن المدار على تحصيل الرضا قطعا أو اطمئنانا ، بحيث لو حصل الرضا بالتصرف بماله فهو أولى من جميع الوجوه السابقة التي في بعضها اتلاف للمال وتضييع ، وهذا القول إن لم يكن أقوى فهو أحوط بحيث أن المكلف قاطع أو مطمئن بأن الإمام لو كان حاضرا فهو راض بهذا التصرف في ماله.
وتحصيل الرضا يتحقق فيما لو صرف السهم المبارك في إقامة دعائم الدين ومئونة طلبة العلوم الدينية ، وسدّ عوز الفقراء من شيعته ، وإن كان غير هاشمي مع ترجيح الهاشمي لاحتمال مزية نسبه ، وهذا التصرف غير متوقف على إذن الفقيه الجامع للشرائط فضلا عن إذن الأعلم أو إذن المقلّد كما قد شاع في عصورنا المتأخرة فإن كل ذلك من دون دليل ظاهر على هذا الاشتراط بعد عدم عموم ولايته.
(1) فلا يجب البسط على الأصناف بل يجوز إعطاء تمام سهم السادة لواحد من الأصناف الثلاثة على المشهور لصحيح البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام (أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر ، وصنف أقل ، ما يصنع به؟ قال عليه السلام : ذلك إلى الإمام ، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يصنع؟ أليس إنما كان يعطى على ما يرى ، كذلك الإمام) (1).
وما الشيخ في المبسوط والحلبي من وجوب البسط فهو ضعيف لما تقدم من الخبر.
(2) سواء وجد نائب الإمام أو لا.
(3) وقد عرفت ضعفه.
ص: 110
من إطلاقه صرف حقه عليه السلام إلى نوابه أنه لا يحل منه حال الغيبة شي ء لغير فريقه (1) والمشهور بين الأصحاب ومنهم المصنف في باقي كتبه وفتاواه استثناء المناكح والمساكن والمتاجر من ذلك (2) ، فتباح هذه الثلاثة مطلقا (3) والمراد من الأول
______________________________________________________
(1) أي غير بني هاشم من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل.
(2) أي من الخمس.
(3) في حال حضور الإمام وغيبته ، فقد اشتهر في كلمات الأصحاب تحليل المناكح والمساكن والمتاجر ، وظاهر البعض اختصاص ذلك بالمناكح دون المساكن والمتاجر ، واختلفت كلماتهم في أن الاستثناء المذكور هل هو من الأنفال أو من حقهم من الخمس عليهم السلام أو من الخمس مطلقا ، والإنصاف أن غالبهم ناظر إلى الاستثناء من الأنفال دون الخمس.
ثم اختلفت كلماتهم في المراد من المناكح والمساكن والمتاجر.
ففي المناكح قيل : إنها السراري المسبية من أهل الحرب إذا كانت الغنيمة بغير إذن الإمام ، وقيل : إنها ثمن السراري ومهر الزوجة من أرباح المكاسب وفي المساكن قيل : إنها المساكن التي تغنم من الكفار إذا كانت الغنيمة بغير إذنه ، وقيل : إنها المبنية في أرض الأنفال ، وقيل : إنها المساكن التي بنيت أو اشتريت من أباح المكاسب.
وفي المتاجر : ما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب إذا كانت الغنيمة بغير إذنه ، وعن ابن إدريس أنه ما يشترى من الأموال التي قد تعلق بها الخمس إذا اشتراها ممن لا يخمس أو لا يعتقد الخمس فلا يجب على المشتري إخراج الخمس إلا أن يتجر فيه ويربح ، وسبب الاختلاف في ذلك ورود أخبار التحليل ، فبعضهم حملها على تحليل الأنفال ، ولازمه حل الأنفال مطلقا سواء كان في هذه الأمور الثلاثة أو غيرها ، ولا داعي لتخصيص الثلاثة إلا إذا كان التخصيص لأنها عامة البلوى.
وبعضهم حملها على تحليل الأنفال وتحليل حق الإمام من الخمس الذي هو سهم الإمام ، ولذا فسرت الثلاثة أو بعضها بما اشترى من أرباح المكاسب وعليه فلا بد من استعراض أدلة ونصوص التحليل. قال في الجواهر (بل يخشى على من أمعن النظر فيها - أي في تفاسير المساكن والمناكح والمتاجر في كلمات الأصحاب - مريدا إرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشي ء ، وظني أنها كذلك مجملة عند كثير من أصحابها ، وإن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدمهم ممن لا يعلمون مراده ، وليتهم تركونا والأخبار) وهي كثيرة.
منها : صحيح الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أن لك فيها حقا ، قال عليه السلام : فلم أحللنا إذا -
ص: 111
.................................................................................................
______________________________________________________
- لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا ، فليبلغ الشاهد الغائب) (1).
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إن أمير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب مولدهم) (2)(3)) وصحيح الفضلاء - أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم - عن أبي جعفر عليه السلام (قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل) (3) وموثقة يونس بن يعقوب (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال : جعلت فداك ، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت ، وإنا عن ذلك مقصرون ، فقال : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) (4) وصحيح علي بن مهزيار (قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطه : من أعوزه شي ء من حقي فهو في حل) (5) وخبر ضريس الكناسي عن أبي عبد الله عليه السلام (أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت : لا أدري؟ فقال : من قبل خمسنا أهل البيت ، إلا لشيعتنا الأطيبين ، فإنه محلل لهم ولميلادهم) (6) ، وخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رجل وأنا حاضر : حلل لي الفروج ، ففزع أبو عبد الله عليه السلام ، فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها ، أو ميراثا يصيبه ، أو تجارة أو شيئا أعطيه ، فقال عليه السلام : هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميت منهم والحي ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال) (7).
وخبر حكيم مؤذن ابن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... ) ، قال : هي والله الإفادة يوما بيوم ، إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا) (8) وصحيح عمر بن يزيد (رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وكان قد حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام مالا في تلك السنة فرده عليه ، فقلت له : لم ردّ عليك أبو عبد الله عليه السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال إني قلت له حين حملت إليه المال : إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم ، وقد جئت بخمسها إليك ثمانين الف درهم ، وكرهت أن أحبسها عنك ، وأعرض لها وهي حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا ، فقال : وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا
ص: 112
.................................................................................................
______________________________________________________
- الخمس؟ يا أبا سيار ، الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها في شي ء فهو لنا ، قلت له : أنا أحمل إليك المال كله ، فقال لي : يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه فضم إليك مالك ، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ويحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجيبهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة) (1) ، نعم هذه الأخبار قد حملت على تحليل حق الإمام فقط كما عن صاحب الحدائق وجماعة ، جمعا بينها وبين ما دل على وجوب الخمس ، وللتصريح بكون التحليل لخصوص حقه عليه السلام كما وقع في صحيح ابن مهزيار المتقدم (من أعوزه شي ء من حقي فهو في حل) ولخبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء فقال تبارك وتعالى : واعلموا أنما غنمتم من شي ء ... الآية ، فنحن أصحاب الخمس والفي ء ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شي ء منه إلا كان حراما على من يصيبه ، فرجا كان أو مالا) (2) ، وفيه : إن الأخبار الكثيرة التي تقدم بعضها ظاهرة بل صريحة في تمام الخمس لا خصوص حقه فيه ، على أنه يمكن حمل هذين الخبرين على خصوص حقه من الفي ء والغنائم لأن الغنيمة بغير إذنه ملك له ومع هذا الحل يسقط الاستدلال بها على تحليل حقهم من سهم الإمام من خمس جميع الأصناف بما فيها أرباح المكاسب.
وعن ابن الجنيد حمل أخبار التحليل من إمام ذلك العصر عليه السلام خاصة في حقه فيكون مختصا بزمانه فلا يتناول زماننا ، ويدفعه التصريح بكون التحليل إلى ظهور القائم عليه السلام أو إلى يوم القيامة كما في بعض الأخبار المتقدمة على أنه قد أباح صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعجل الله تعالى فرجه) الخمس لشيعته في التوقيع الوارد في كتاب إكمال الدين عن إسحاق بن يعقوب (فيما ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان عليه السلام ، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا ، وجعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث) (3).
ثم إن أخبار التحليل لا يمكن حملها على تحليل الخمس منهم عليهم السلام لشيعتهم زمن قصور بسط اليد ، وذلك لمعارضتها للكثير من الأخبار الدالة على إخراج الخمس كخبر حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس) (4) -
ص: 113
.................................................................................................
______________________________________________________
- وخبر عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز والخمس) (1). وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الكنز ، كم فيه؟ فقال : الخمس) (2) وصحيح ابن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري (كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه : الخمس بعد المئونة) (3) ، وتقدم الكثير منها.
بالإضافة إلى الأخبار الكثيرة التي صرحت بعدم إباحة شي ء من خمس مع وجود أخبار التحليل بين أيدي الأصحاب ، منها : خبر محمد بن زيد الطبري (كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس ، فكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم : إن الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب وعلى الخلاف العذاب ، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله ، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن تخاف سطوته ، فلا تزووه عنا ، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه ، فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم ، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاتتكم ، والمسلم من يفي لله بما عهد إليه ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسّلام) (4).
وخبره الآخر قال (قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس ، فقال : ما أجل هذا ، تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا وجعلنا له ، وهو الخمس ، لا نجعل أحدا منكم في حل) (5)(6)) بالإضافة إلى أن الأئمة عليهم السلام كان لهم وكلاء في الأطراف في قبض الأخماس (6) خصوصا في زمن الغيبة الصغرى (7).
ولكن لا يمكن رد أخبار التحليل كما فعل البعض بدعوى قصور سند بعضها ، فإنها كثيرة مع صحة السند في البعض الآخر فيتعين حملها على تحليل الفي ء والغنائم ، بمعنى أن الحروب التي صدرت في زمن المعصومين غالبها بل كلها إنما وقعت بغير -
ص: 114
.................................................................................................
______________________________________________________
- إذنهم عليهم السلام ، وهذا يوجب أن تكون الغنائم لهم خاصة ولكن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا ذلك لشيعتهم ، فلو كن من جملة السبي امرأة قد اشتراها الشيعي من المحارب الذي وقعت المرأة في حصته فهو حلال للشيعة حتى تحل ولادتهم وتطيب وتزكو ، ولو كان من جملة الغنائم مال قد وصل إلى الشيعي ببيع أو غيره ، فهو حلال وهكذا ، ولذا لم يخالف أحد في تحليل الأنفال مع أنها كلها ملك للإمام عليه السلام اعتمادا على هذه النصوص المتقدمة.
وهذه النصوص بعد حملها على تحليل الغنائم والأنفال فهي مطلقة أو عامة لا تختص بالمساكن والمتاجر والمناكح بل تشمل غيرها ، سواء كانت ملكا للكفار أو اشتريت بمال الغنائم ، هذا من جهة ومن جهة أخرى قيل : بأن نصوص التحليل تشمل تحليل ما لو انتقل متعلق الخمس ممن لا يعتقد الخمس إلى الشيعي فإن هذا الخمس المتعلق بالعين مشمول لنصوص التحليل كما لو كان مال عند غير الشيعي ولم يخمسه بعد تعلق الخمس فلو انتقل إلى الشيعي فلا يجب إخراج الخمس منه اعتمادا على خبرين : الأول : خبر يونس بن يعقوب المتقدم (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين ، فقال : جعلت فداك ، تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما أنصفناكم إنا كلفناكم ذلك اليوم) (1) وصحيح الحارث بن المغيرة المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أن لك فيها حقا ، قال : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب) (2) وهما مطلقان يشملان ما لو انتقل متعلق الخمس إلى الشيعي من غير المعتقد بالخمس كالكافر والمخالف أو المعتقد غير المبالي أو الفاسق.
والحاصل أن ما ورد من أخبار التحليل متضمنا للفظ الخمس محمول على هذا الفرد ، وما ورد متضمنا للفظ الحق محمول على الأنفال والفي ء والغنيمة إذا كانت بغير إذن الإمام ، وهو القدر المتيقن منها ، وبهذا يتم الجمع بين أخبار التحليل وأدلة وجوب الخمس ، وأيضا قد تحصل أن الأنفال مطلقا والغنيمة بغير إذنه مشمولة للتحليل فتخصيصها بالمساكن والمتاجر والمناكح ليس في حمله ، نعم ورد الاقتصار على هذه الثلاثة في مرسلة عوالي اللئالي (سئل الصادق عليه السلام فقيل له : يا ابن رسول الله ، ما حال شيعتكم فيما -
ص: 115
الأمة المسبية حال الغيبة وثمنها ، ومهر الزوجة من الأرباح (1) ومن الثاني ثمن المسكن منها أيضا (2) ، ومن الثالث الشراء ممن لا يعتقد الخمس ، أو ممن لا يخمّس ، ونحو ذلك (3) ، وتركه هنا إما اختصارا ، أو اختيارا ، لأنه قول لجماعة من الأصحاب ، والظاهر الأول لأنه ادعى في البيان أطباق الإمامية عليه ، نظرا إلى شذوذ المخالف (4).
(وثلاثة أقسام) (5) وهي بقية الستة (لليتامى) وهم الأطفال الذين لا أب لهم ، (والمساكين) ، والمراد بهم هنا ما يشمل الفقراء كما في كل موضع يذكرون منفردين ، (وابنا السبيل) على الوجه المذكور في الزكاة (من الهاشميين المنتسبين) إلى هاشم (بالأب) ، دون الأم (6) ، ودون المنتسبين إلى المطّلب أخي هاشم على أشهر القولين (7).
______________________________________________________
- خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال عليه السلام : ما أنصفناهم إن واخذناهم ، ولا أحببناهم إن عاقبناهم ، بل نبيح لهم المساكن لتصح عبادتهم ، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ، ونبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم) (1) فهي غير صريحة بالحصر فلا تصلح لمعارضة ما دل على إطلاق تحليل مطلق الحق في الفي ء والغنيمة.
(1) بل يجب أن يلحقه حكم أرباح المكاسب.
(2) أي من الأرباح ويجب أن يلحقه حكم أرباح المكاسب أيضا.
(3) كما لو اشترى شيئا من مال الغنائم للتجارة.
(4) وهو الإسكافي والحلبي حيث أنكرا هذا التحليل من أصله.
(5) وهي للسادة وقد تقدم الدليل على ذلك.
(6) وعليه اتفاق الجميع ما عدا السيد المرتضى ، ودليلهم مرسل حماد عن الإمام الكاظم عليه السلام (ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش ، فإن الصدقات تحل له ، وليس له من الخمس شي ء ، لأن الله تعالى يقول : ( ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ ) (2).
ودعوى السيد أن ولد البنت ولد حقيقة فيكون منسوبا إلى بني هاشم ، وفيه : إنه لا يقال له هاشمي عرفا إلا إذا كان أبوه هاشميا والخبر المتقدم حجة عليه.
(7) ذهب المفيد في العزية والإسكافي إلى أن الخمس للهاشمي والمطلبين اعتمادا على خبر
ص: 116
ويدل على الأول (1) استعمال أهل اللغة ، وما خالفه يحمل على المجاز لأنه خير من الاشتراك ، وفي الرواية عن الكاظم (ع) ما يدل عليه ، وعلى الثاني (2) أصالة عدم الاستحقاق ، مضافا إلى ما دل على عدمه من الأخبار واستضعافا لما (3) استدل به القائل منها ، وقصوره عن الدلالة (4).
(وقال المرتضى) رضي الله عنه : يستحق المنتسب إلى هاشم (و) لو (بالأم) ، استنادا إلى قوله (ص) عن الحسنين (ع) هذان ابناي إمامان (5) ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، وهو ممنوع ، بل هو أعم منها ومن المجاز ، خصوصا مع وجود المعارض. وقال المفيد وابن الجنيد : يستحق المطّلبي أيضا وقد بيناه.
(ويشترط فقر شركاء الإمام عليه السلام) أما المساكين فظاهر (6) ، وأما اليتامى
______________________________________________________
- زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم) (1).
وذهب المشهور إلى اختصاص الخمس ببني هاشم فقط للأخبار الكثيرة منها : مرسل حماد عن العبد الصالح عليه السلام (وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس ، هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الذين ذكرهم الله في كتابه فقال : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (2) ، وهم بنو عبد المطلب أنفسهم ، الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد) (3) مع إمكان حمل الخبر الأول على غير أولاد عبد المطلب فقط لأن الصدر قد حذف عند الإضافة.
(1) أي على كون الهاشمي هو المنتسب بالأب دون الأم.
(2) أي على كون الخمس لخصوص بني هاشم دون المطلبي.
(3) قد رد خبر زرارة باشتماله على إبراهيم بن هاشم وهو لم يمدح ولم يذم ، وفيه : إنه من مشايخ الرواية وهذا ما يجعله في أعلى مراتب الصحة فالإنصاف أن الخبر صحيح السند.
(4) وقد تقدم بيان القصور.
(5) ينابيع المودة ج 1 ص 373.
(6) لأنه محقق لموضوعهم.
ص: 117
فالمشهور اعتبار فقرهم لأن الخمس عوض الزكاة ومصرفها الفقراء في غير من نصّ على عدم اعتبار فقرة (1) فكذا العوض ، لأن الإمام عليه السلام (2) يقسّمه بينهم على قدر حاجتهم ، والفاضل له والمعوز عليه ، فإذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.
وفيه نظر بيّن ، ومن ثم ذهب جماعة إلى عدم اعتباره فيهم ، لأن اليتيم قسيم للمسكين في الآية ، وهو يقتضي المغايرة ولو سلم عدمه نظرا إلى أنها لا تقتضي المباينة فعند عدم المخصص يبقى العموم (3) وتوقف المصنف في الدروس.
(ويكفي في ابن السبيل الفقر (4) في بلد التسليم) وإن كان غنيا في بلده بشرط أن يتعذر وصوله إلى المال على الوجه الذي قررناه في الزكاة وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه ، وإلا كان دليل اليتيم آتيا فيه.
(ولا تعتبر العدالة) لإطلاق الأدلة (5) ، (ويعتبر الإيمان) لاعتباره في المعوض
______________________________________________________
(1) كالعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي سبيل الله.
(2) كما في مرسل حماد عن العبد الصالح عليه السلام - وهو دليل المشهور - (يقسم بينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي ، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم) (1) ومثله غيره.
وعن السرائر والمبسوط عدم اعتبار الفقر ، لضعف سند الخبر ، ولأن اليتيم وقع قسيما للمسكين في الآية فلا يشترط فقره وإلا لاندرج تحت عنوان الفقير والمسكين ولا داعي لذكره قسما مستقلا ، ولأن الخمس وإن كان عوض الزكاة لكن لا يجب المساواة بين البدل والمبدل منه من جميع الجهات. وفيه : أما الخبر فهو منجبر بعمل الأصحاب فهو موثوق الصدور وعليه مدار حجية العمل بالخبر ، وأما كونه قسيما للمسكين في الآية فليس لعدم اعتبار الفقر في اليتيم بل للاختلاف في البلوغ وعدمه مع فقد الأب وبهذين ثبت وجوب التساوي بين العوض والمعوض عنه أعني بين الخمس والزكاة من هذه الجهة.
(3) وهو عموم اليتيم الوارد في الآية ، فيكون شاملا للفقير وغيره وقد عرفت أنه مقيد.
(4) يعني ما تقدم في اليتيم ، وخالف ابن إدريس في السرائر فلم يشترط ذلك وهو ضعيف.
(5) بلا خلاف من أحد.
ص: 118
بغير خلاف ، مع وجوده (1) ولأنه صلة وموادّة ، والمخالف بعيد عنهما ، وفيهما نظر (2) ولا ريب أن اعتباره أولى.
وأما الأنفال (3) فهي المال الزائد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام بعده على قبيلهما وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته بالآية الشريفة ، وهي بعده للإمام القائم مقامه ، وقد أشار إليها بقوله : (ونفل الإمام عليه السلام) الذي يزيد به عن قبيله ، ومنه سمّي نفلا (أرض (4) انجلى عنها أهلها) وتركوها ، (أو سلمت) للمسلمين
______________________________________________________
(1) أي وجود المؤمن فقد استدل على اعتبار الإيمان ، بأن الخمس عوض الزكاة المعتبر فيها الإيمان ، وأن الخمس كرامة ومودة لا يستحقها غير المؤمن ، وخبر إبراهيم الأوسي الوارد في الزكاة عن الرضا عليه السلام (فإن الله عزوجل حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا) (1).
(2) أما الأول فلا يجب التساوي بين العوض والمعوض من جميع الجهات ، وأما الثاني فإن الدفع إليه إكرام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
(3) جمع نفل بالتحريك ، وهو الزائد ، قال الأزهري (النفل ما كان زيادة عن الأصل) وقال تعالى : ( وَوَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَيَعْقُوبَ نٰافِلَةً ) (2) أي زيادة على ما سأل ، والمراد بها هي ما يختص بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَأَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ ) (3) ومن بعده للإمام عليه السلام جعلها الله لهم زيادة على مالهم من سهم الخمس.
(4) فهي خمسة بحسب الحصر الاستقرائي المستفاد من تتبع الأدلة الشرعية كما في المدارك ، وزاد المفيد والشيخ المعادن ، وعلى كل فلا بد من تتبع الأدلة في ذلك ، وأما الأرض التي تملك من غير قتال سواء انجلى عنها أهلها أو سلموها طوعا فهي من الأنفال للأخبار منها : صحيح حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا ما بأيديهم ، وكل أرض خربة ، وبطون الأودية ، فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء) (4).
ص: 119
(طوعا) من غير قتال كبلاد البحرين ، (أو باد أهلها) (1) أي هلكوا مسلمين كانوا أم كفارا ، وكذا مطلق الأرض الموات التي لا يعرف لها مالك.
(والآجام) (2) بكسر الهمزة وفتحها مع المد جمع أجمة بالتحريك المفتوح وهي الأرض المملوءة من القصب ونحوه ، في غير الأرض المملوكة ، (ورءوس الجبل ، وبطون الأودية) ، والمرجع فيهما إلى العرف ، (وما يكون بهما) من شجر ، ومعدن ، وغيرهما ، وذلك في غير أرضه المختصة به ، (وصوافي (3) ملوك) أهل (الحرب) ، وقطائعهم (4) وضابطه كل ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه واختص به من الأموال
______________________________________________________
(1) وهي الأرض الموات التي لا مالك لها سواء باد أهلها أولم يجر عليها ملك فهي من الأنفال بلا خلاف للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة ، أو بطون أودية فهذا كله من الفي ء والأنفال لله وللرسول ، وما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب) (1).
(2) فالآجام وبطون الأودية ورءوس الجبال من الأنفال بلا خلاف في ذلك للأخبار منها صحيح حفص وصحيح ابن مسلم المتقدمين ، ومنها : مرسل حماد عن العبد الصالح عليه السلام في حديث (وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام) (2)(3)) وخبر داود ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام (وما الأنفال؟ قال : بطون الأودية ورءوس الجبال والآجام والمعادن وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها ، وقطائع الملوك) (3) ، ويرجع في تحديد بطن الوادي ورأس الجبال إلى العرف ، والآجام هي الأرض المملوءة قصبا ، أو الشجر الكثير الملتف بعضه ببعض.
(3) ما يصطفيه الملوك لأنفسهم من الغنائم المنقولة.
(4) ما يصطفيه الملوك لأنفسهم من الغنائم غير المنقولة ، ويدل عليه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن صفو المال؟ قال : الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع ، والدرع قبل أن تقسّم الغنيمة ، فهذا صفو المال) (4) ، وخبر ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له - إلى أن قال - وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) (5) وخبر داود وبن فرقد عن أبي
ص: 120
المنقولة وغيرها ، غير المغصوبة ، من مسلم ، أو مسالم ، (وميراث فاقد الوارث) الخاص ، وهو من عدا الإمام ، وإلا فهو عليه السلام وارث من يكون كذلك (1) ، (والغنيمة بغير إذنه) غائبا كان ، أم حاضرا على المشهور (2) وبه رواية مرسلة إلا أنه لا قائل بخلافها ظاهرا.
والمشهور أن هذه الأنفال مباحة حال الغيبة (3) فيصح التصرف في الأرض المذكورة بالإحياء ، وأخذ ما فيها من شجر ، وغيره. نعم يختص ميراث من لا
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شي ء) (1).
(1) للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فما له من الأنفال) (2) ومرسل حماد (الإمام وارث من لا وارث له) ((3).
(2) لمرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس) (4).
والرواية ضعيفة بالإرسال وغيره فلذا توقف المحقق في النافع في الحكم ، بل العلامة في المنتهى جزم بالمساواة بين كون الغزو بإذنه أو لا وأن الإمام له الخمس فقط لإطلاق الآية الشريفة (5) وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال : يؤدي خمسنا ويطيب له) (6).
(3) أما في حال الحضور فلا بد من إذنهم عليهم السلام كما في المعتبر ، وفيه : أن أدلة التحليل مطلقة تشمل حال الحضور والغيبة بل بعضها صريح في العموم إلى زمن القائم عليه السلام وقد تقدم الكلام في هذه الأخبار ، وأن ما ورد بلفظ الحق فهو محمول على الأنفال فتخصيص المشهور بالمساكن والمتاجر والدور من الأنفال فقط ليس في محله.
ص: 121
وارث له بفقراء بلد الميت وجيرانه ، للرواية (1) ، وقيل : بالفقراء مطلقا (2) ، لضعف المخصص ، وهو قوي. وقيل : مطلقا كغيره (3).
(وأما المعادن) (4) الظاهرة والباطنة في غير أرضه عليه السلام (فالناس فيها شرع) على الأصح ، لأصالة عدم الاختصاص ، وقيل : هي من الأنفال أيضا ، أما
______________________________________________________
(1) اعلم أن ميراث من لا وارث له في حال حضور الإمام يفعل به حيث يشاء وهو اعلم بتكليفه ، وفي حال الغيبة ، فعن جماعة أنه يحفظ بالوصاية أو الدفن إلى حين ظهوره كسائر حقوقه ، وعن الخلاف الإجماع عليه ، وفيه : إن حفظه أو دفنه موجب للضياع وقد تقدم تضعيف هذا القول سابقا مع أعراض المشهور عنه فكيف يدعى الإجماع عليه ، وذهب المشهور إلى أنه يقسم بين الفقراء والمساكين مطلقا سواء كانوا من بلده أو لا ، وذهب الشهيد في اللمعة في باب الإرث وفي الدروس أنه يقسّم بين فقراء بلد الميت ومساكينه وضعفاء جيرانه لمرسل داود عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (مات رجل في عهد أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن له وارث ، فدفع أمير المؤمنين عليه السلام ميراثه إلى همشهريجه) (1) ومثله خبر خلاد السندي (2)2) ، والمراد من همشهريجه أي أهل بلده إلا أن المشهور أعرض عنها كما في الجواهر ، واحتمل في الجواهر أن يكون هذا الميراث من الأنفال التي ثبت تحليلهم لها للشيعة ، ومال سيد الرياض إلى إعطائه للهاشمي وهو شي ء لم نعرفه لغيره ، كما أنا لم نعرف ما يومئ إليه ، بل الأدلة كلها على خلافه ومن هنا كان لا وجه للاطناب فيه كما في الجواهر ، والأحوط هو المشهور وأحوط منه أن يوزع على فقراء البلد خروجا عن شبهة خلاف الشبهة مع نية التصدق به عن صاحب الزمان كغيره من المال المتعذر وصوله إلى صاحبه.
(2) من دون اختصاص ببلد الميت.
(3) أي يكون هذا الميراث كبقية الأنفال.
(4) مطلقا فهي من الأنفال كما عن الكليني وشيخه القمي في تفسيره ، والمفيد والشيخ والديلمي والقاضي لموثق إسحاق بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأنفال؟ فقال : هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول ، وما كان للملوك فهو للإمام ، وما كان من الأرض بخربة لم يوصف عليه بخيل ولا ركاب ، وكل أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، [ومن مات] وليس له مولى فما له من الأنفال) (3) وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لنا الأنفال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : منها المعادن -
ص: 122
الأرض المختصة به فما فيها من معدن تابع لها ، لأنه من جملتها ، وأطلق جماعة كون المعادن للناس من غير تفصيل ، والتفصيل حسن ، هذا كله في غير المعدن المملوكة تبعا للأرض ، أو بالإحياء ، فإنها مختصة بمالكها.
______________________________________________________
- والآجام ، وكل أرض لا رب لها ، وكل أرض باد أهلها فهو لنا) (1) ومثله غيره.
وعن جماعة بل في الدروس أنه الأشهر وفي الجواهر أنه المشهور أن الناس فيها شرع سواء ، للأصل والسيرة وعدم تعرض أخبار الخمس لذلك بل ظاهرها أن الباقي بعد الخمس للمخرج بأصل الشرع لا بتحليل الإمام مع ضعف هذه الأخبار هنا ما عدا الموثق وهو مختلف النسخ ففي بعضها (والمعادن منها) وفي البعض الآخر (والمعادن فيها) وعليه فيكون ظاهرا في المعادن الموجودة في أرض الموات فهي تابعة للأرض ، وأرض الموات للإمام فكذا معدنه ولذا ذهب إلى التفصيل بين معدن الأرض المملوكة فهو لمخرجه بعد الخمس ، وبين معدن أرض الأنفال فهو للإمام فيكون من الأنفال وإليه ذهب الحلي والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتحرير والشارح هنا.
ص: 123
ص: 124
كتاب الصوم
ص: 125
ص: 126
(كتاب الصوم (1)
(وهو الكفّ) (2) نهارا كما سيأتي التنبيه عليه (عن الأكل والشرب (3) مطلقا)
______________________________________________________
(1) الصوم من أشرف الطاعات وأفضل العبادات والقربات ، ولو لم يكن فيه إلا الارتقاء من حضيض النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية لكفى به منقبة وفضلا ، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (بني الإسلام على خمسة أشياء ، على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الصوم جنة من النار) (1) وفي خبر عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الصائم في عبادة ، وإن كان [نائما] على فراشه ما لم يغتب مسلما) (2) وفي الخبر عن الصادق عليه السلام (نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ، ودعاؤه مستجاب) (3) وفي خبر أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام (إن الله تبارك وتعالى يقول : الصوم لي وأنا أجزي عليه) (4).
(2) قيل هو الكف ، وقيل هو الترك ، وقيل هو الإمساك ، والإطالة في تحديد الأشياء بالتعاريف مضيعة للوقت بعد تعذر معرفة أجناسها وفصولها إلا على رب العالمين جل جلاله.
(3) ادعي عليه الضرورة ويدل عليه قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (5) والأخبار على ذلك كثيرة ، وبالإطلاق يشمل المعتاد وغيره ، وذهب السيد في بعض كتبه وحكاه المختلف عن ابن -
ص: 127
المعتاد منهما وغيره ، (والجماع (1) كله) قبلا (2) ودبرا (3) ، لآدمي (4) ، وغيره (5) على
______________________________________________________
- الجنيد أن غير المعتاد كابتلاع الحص والبرد لا يفسد الصوم لأن الأدلة محمولة على المتعارف.
(1) من الضروريات للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء) (1).
(2) وهو القدر المتيقن من النصوص.
(3) أما في دبر المرأة مع الإنزال فلا خلاف فيه بين العلماء لإطلاق صحيح ابن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال : عليه الكفارة مثل ما على الذي يجامع) (2) وأما مع عدم الإنزال فلصدق الجماع عليه وهو متحقق في الدبر كتحققه في القبل ، ولصدق المباشرة عليه ، مع أن المباشرة منهي عنها في قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ ، عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتٰابَ عَلَيْكُمْ وَعَفٰا عَنْكُمْ ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَكُمْ ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ ، وَلٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ ) (3) والنهي مفسد في العبادات نعم ورد في مرسل علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل) (4) وهو ضعيف السند قد أعرض المشهور عنه فلا يصلح للحجية فضلا عن معارضة غيره.
(4) وأما الجماع في دبر الغلام فقد ادعى عليه الشيخ في المبسوط الإجماع ، وكذا الوطي في فرج البهيمة ، وتردد فيه المحقق في الشرائع ، وجزم ابن إدريس بعدم فساد الصوم بذلك وإن حرم.
والمسألة محل إشكال لعدم النص على ذلك ، واستدل العلامة بأن فساد الصوم في هذين الأمرين تابع لوجوب الغسل ، حيث إن الجنابة هي العلة لفساد الصوم كما يستفاد من أخبار حرمة الجماع على الصائم وهو جيد.
(5) وهو الوطي في فرج البهيمة وقد تقدم الكلام فيه.
ص: 128
أصح القولين ، (والاستمناء) (1) وهو طلب الإمناء بغير الجماع مع حصوله ، لا مطلق طلبه (2) وإن كان محرما أيضا ، إلا أن الأحكام الآتية لا تجري (3) فيه ، وفي حكمه (4) النظر والاستمتاع بغير الجماع والتخيّل لمعتاده (5) معه كما سيأتي ، (وإيصال الغبار (6) المتعدي) إلى الحلق غليظا كان أم لا ، بمحلّل كدقيق ، وغيره
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه للاخبار منها : صحيح ابن الحجاج المتقدم.
(2) أي طلب الامناء وإن لم يحصل المني.
(3) أي في الطلب المجرد عن حصول المني.
(4) أي حكم الاستمناء.
(5) أي لمعتاد الامناء من النظر والاستمتاع بغير الجماع مع حصول المني ، لأن المستفاد من النصوص حرمة الاستمناء مع غض البصر عن أسبابه ، فمن نظر أو استمتع وكان معتادا للمنى ، وفعل ذلك مع قصد الإمناء فإنه يصدق عليه طلب المني فيفسد صومه وعليه الكفارة ، وعن الخلاف والسرائر والشرائع الحكم بصحة الصوم في النظر لو أمنى ، وعن المفيد وسلار وابن البراج الحكم بالصحة فيما لو نظر إلى من يحلّ إليه النظر ، وليكن تنزيل كلامهم على صورة عدم قصد الامناء كما صرح بذلك في الرياض.
(6) على المشهور لرواية سليمان المروزي (سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمدا ، أو شمّ رائحة غليظة ، أو كنّس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح) (1).
وهذه الرواية مشتملة على عدة مجاهيل وهي مقطوعة ، ومشتملة على ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشمّ الرائحة الغليظة وهذا على خلاف ما أجمع عليه الأصحاب فضلا عن معارضته لموثق عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام (سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ، قال : جائز لا بأس به ، وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ، قال عليه السلام : لا بأس) (2) ولذا توقف المحقق في المعتبر في هذه الحكم ، ولم يتعرض الصدوق والسيد والشيخ في المصباح وسلار له وكأنه إشارة إلى عدم مفطريته ، وقد صرح بعض المتأخرين بعدم المفطرية ، إلا أن المشهور عملوا بالخبر الأول مع التفكيك بين عبارات متنه وهذا ليس بعزيز منهم ، مع حمله على الغبار الغليظ وحمل الموثق الدال على عدم البأس على الغبار غير الغليظ ، ويعضده السيرة القطعية على عدم الاجتناب عن غير الغليظ ، فما ذهب إليه الشارح في المسالك وهنا من عموم مفطريته سواء كان غليظا أو لا ليس في محله.
ص: 129
كتراب. وتقييده بالغليظ في بعض العبارات ومنها الدروس لا وجه له (1) ، وحد الحلق مخرج الخاء المعجمة ، (والبقاء على الجنابة) (2) مع علمه بها ليلا ، سواء نوى الغسل أم لا (3) ، (ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين) متأخرتين عن العلم بالجنابة
______________________________________________________
(1) قد عرفت أن وجهه هو الجمع بين الأخبار.
(2) على المشهور للأخبار منها : موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال عليه السلام : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا) (1) ، وفي الرياض : إنها قريبة من التواتر ، وما ورد معارضا لها وقد دل على الجواز محمول على التقية ويشعر بذلك خبر إسماعيل بن عيسى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح ، أي شي ء عليه؟ قال : لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإن أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح جنبا من جماع من غير احتلام) (2).
وهذا الحكم كما يجري في شهر رمضان يجري في قضائه لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يقضي [شهر] رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى [يجي ء] آخر الليل ، وهو يرى أن الفجر قد طلع ، قال عليه السلام : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره) (3) ، وصحيحه الآخر (كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه السلام - وكان يقضي شهر رمضان - وقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم أغتسل حتى طلع الفجر ، فأجابه عليه السلام : لا تصم هذا اليوم وصم غدا) (4)4) فما عن المنتهى من التردد فيه ، وعن المعتبر من الجزم بعدمه ليس في محله.
وأما الصوم المندوب فالمشهور على أن تعمد الجنابة لا يفسد الصوم لصحيح عبد الله بن المغيرة عن حبيب الخثعمي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن التطوع ، وعن هذه الثلاثة أيام إذا أجنبت من أول الليل ، فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال عليه السلام : صم) (5).
وأما الواجب غير شهر رمضان وقضائه فعن المشهور أن تعمد الجنابة يفسد الصوم حملا له على شهر رمضان وقضائه بعد عدم المجال لحمله على التطوع.
(3) مع تحقق تعمد البقاء على الجنابة.
ص: 130
وإن نوى الغسل إذا طلع الفجر عليه جنبا (1) ، لا بمجرد النوم كذلك (2) ، (فيكفّر من لم يكفّ) عن أحد هذه السبعة اختيارا (3) في صوم واجب متعين ، أو في شهر
______________________________________________________
(1) أما وجوب القضاء بلا خلاف فيه لصحيح ابن أبي يعفور (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ، ثم ينام [ثم يستيقظ ، ثم ينام] حتى يصبح ، قال عليه السلام : يتم صومه ويقضي يوما آخر ، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له) (1).
وأما وجوب الكفارة فقد حكي عن الشيخين وابني حمزة وزهرة والحلبي والحلي والعلامة والشهيد والمحقق الثاني ، بل عن الغنية والوسيلة الإجماع عليه ، ولكن دعوى الإجماع مجازفة مع تردد المحقق في الشرائع وجزمه بالعدم في المعتبر وتابعه العلامة في المنتهى ، ومع مخالفة هذين يشكل الاعتماد عليه.
(2) أي جنبا بعد انتباهتين.
(3) أما الكفارة في الأكل والشرب فبالاتفاق للأخبار الكثيرة منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر ، قال : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا) (2).
وفي الجماع والاستمناء كذلك لصحيح ابن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال عليه : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع) (3) ومثله غيره.
وأما إيصال الغبار الغليظ فلخبر المروزي المتقدم (سمعته يقول. إلى أن قال : أو كنّس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح) (4).
وأما تعمد البقاء على الجنابة فللأخبار منها : موثق أبي بصير المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال عليه السلام : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا) (5).
وأما معاودة النوم بعد انتباهتين فقد تقدم أنه حكم مشهوري قد ادعي عليه الإجماع.
ص: 131
رمضان مع وجوبه بقرينة المقام (1).
(ويقضي) الصوم مع الكفارة (لو تعمد الإخلال) بالكف (2) المؤدي إلى فعل أحدها.
والحكم في الستة السابقة قطعي (3) ، وفي السابع مشهوريّ ، ومستنده غير صالح ، ودخل في المتعمد الجاهل (4) بتحريمها وإفسادها ، وفي وجوب الكفارة عليه خلاف. والذي قواه المصنف في الدروس عدمه وهو المروي ، وخرج الناسي (5) فلا
______________________________________________________
(1) إذ لا كفارة في الواجب الموسع ولا في الصوم المستحب ، ولا في شهر رمضان مع عدم وجوب الصوم عليه فيه كما لو كان مسافرا أو حائضا. هذا واعلم أنه لا خلاف بينهم في عدم الكفارة فيما لو أفطر في صوم الكفارات والنذر غير المعين والمندوب وإن فسد الصوم ، لعدم الدليل على الكفارة فالأصل البراءة ، وأما الكفارة في إفطار شهر رمضان والنذر المعين فمحل اتفاق ويدل على الأول الأخبار وقد تقدم بعضها ، وما يدل على الثاني سيأتي الكلام فيه إنشاء الله ، نعم وقع الخلاف فيما لو أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال وسيأتي الكلام فيه كذلك.
(2) متعلق بالإخلال.
(3) أي الكفارة.
(4) على المشهور لإطلاق دليل المفطرية بعد صدق العمد عليه ، والمراد منه القصد ، وعن الشيخ وابن إدريس عدم الإلحاق بل في المنتهى احتمل إلحاقه بالناسي لموثق أبي بصير وزرارة (سألنا أبا جعفر عليه السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له ، قال عليه السلام : ليس عليه شي ء) (1) ويعضده صحيح عبد الصمد الوارد فيمن لبس قميصا في حال الإحرام (أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه) (2).
وذهب المصنف في المعتبر إلى فساد صومه لصدق المتعمد عليه عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الصوم ، وإلى عدم وجوب الكفارة لهذه الأخبار وقد نسب إلى أكثر المتأخرين.
(5) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي فأكل أو شرب ثم ذكر ، قال عليه السلام : لا يفطر ، إنما هو شي ء رزقه الله فليتم صومه) (3)
ص: 132
قضاء عليه ، ولا كفارة ، والمكره عليه ولو بالتخويف فباشر بنفسه على الأقوى (1).
واعلم أن ظاهر العبارة كون ما ذكر تعريفا للصوم كما هو عادتهم ، ولكنه غير تام ، إذ ليس مطلق الكف عن هذه الأشياء صوما كما لا يخفى (2) ويمكن أن يكون تجوز فيه ببيان أحكامه ، ويؤيده (3) أنه لم يعرّف غيره من العبادات ، ولا غيرها في الكتاب غالبا وأما دخله (4) من حيث جعله كفا وهو أمر عدمي فقابل للتأويل بإرادة العزم على الضد أو توطين النفس عليه ، وبه يتحقق معنى الإخلال
______________________________________________________
- وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل ينسى وهو صائم فجامع أهله ، فقال عليه السلام : يغتسل ولا شي ء عليه) (1) واختصاصها بالثلاثة لا يقدح في عموم الحكم لكل المفطرات ، وفي الصوم الواجب والمندوب ، والواجب المعيّن وغيره للإطلاق.
(1) فالاكثر على عدم الإفطار لحديث الرفع (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ((2) ، وفيه : إنه لا يصلح لإثبات صحة الصوم بعد صدق التعمد عليه الموجب لفساد الصوم ، وإنما يصلح لعدم الكفارة ، ويشهد لصدق الإفطار عليه مرسل رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (دخلت على أبي العباس بالحيرة ، فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم ، فقال : ذاك إلى الامام إن صمت صمنا ، وإن أفطرت أفطرنا ، فقال يا غلام ، عليّ بالمائدة ، فأكلت معه وأنا أعلم - والله - أنه يوم من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوما وقضائه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله) (3).
(2) إذ لا بد من وقت معين مع الإخلاص.
(3) أي يؤيد التجوز.
(4) أي عيب التعريف ، ووجهه : أن الكف أمر وجودي والعدم أمر عدمي فلا يصح جعل الأول تعريفا للثاني ، وردّ : بأن التكليف لا يتعلق بالعدم فلا بدّ من صرف متعلقه إلى إرادة العزم على ضد المفسد للصوم أو إلى توطين النفس على هذا الضد ، لأنه لا بد من صرف متعلق الأمر إلى فعل على أن يكون من أفعال القلوب ، هذا بالنسبة لمعنى الصوم ، وأما تعبير المصنف عنه بالكف دون العزم على ضد المفسد أو التوطين عليه ، فلأن الكف والصوم يردا بمعنى الإمساك ، وقد عرفت أنه لا ثمرة مهمة في تحقيق التعاريف.
ص: 133
به إذ لا يقع الإخلال إلا بفعل فلا بد من رده (1) إلى فعل القلب ، وإنما اقتصر على الكف مراعاة لمعناه اللغوي.
(ويقضي) خاصة من غير كفارة (لو عاد) الجنب إلى النوم ناويا للغسل ليلا (بعد انتباهة) واحدة فأصبح جنبا (2) ، ولا بد مع ذلك من احتماله للانتباه عادة ، فلو لم يكن من عادته ذلك ، ولا احتماله (3) كان من أول نومه كمتعمد البقاء عليها (4) ، وأما النومة الأولى فلا شي ء فيها (5) وإن طلع الفجر بشرطيه (6) ، (أو احتقن بالمائع) في قول (7) ، والأقوى عدم القضاء بها وإن حرمت ، أما بالجامد
______________________________________________________
(1) أي رد معنى الصوم.
(2) فعليه القضاء دون الكفارة بلا خلاف فيه ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال عليه السلام : ليس عليه شي ء ، قلت : فإن استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال عليه السلام : فليقض ذلك اليوم عقوبة) (1) ، ومثله غيره ، ونفي الكفارة للأصل ولإطلاق هذه الأخبار الحاصرة بالقضاء.
(3) في الطبعة الحجرية (ولا احتمله) ، والمعنى : لم يكن من عادته الانتباه أو لم يحتمل الانتباه إن لم تكن عادته على الانتباه.
(4) على الجنابة ، وهذا للصدق العرفي كما هو واضح.
(5) بلا خلاف ويدل عليه صدر صحيح ابن عمار المتقدم.
(6) أي كان من عادته الانتباه ، أو احتمل الانتباه هذا هو الشرط الأول ، والشرط الثاني أن يكون ناويا للغسل ليلا ، وإلا فمع فقد أحد هذين الشرطين يكون متعمدا للبقاء على الجنابة.
(7) فالاحتقان بالمائع يوجب القضاء دون الكفارة هو قول العلامة في المختلف وحكي عن الشيخ في المبسوط والقاضي والحلبي والشهيد في الدروس لصحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام (سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان ، فقال عليه السلام : الصائم لا يجوز له أن يحتقن) (2) وقد حملوا نفي الجواز على الحرمة التكليفية فقط دون الكفارة.
وذهب الشيخ في جملة من كتبه وتبعه المحقق في المعتبر وسيد المدارك أنه يحرم الاحتقان بالمائع للخبر من دون إفساد ، لأن الصوم عبادة شرعية فلا تفسد إلا بموجب شرعي ،
ص: 134
كالفتائل فلا على الأقوى ، (أو ارتمس) (1) بأن غمس رأسه أجمع (2) في الماء دفعة
______________________________________________________
- ويحتمل أن يكون النهي هنا لكون الاحتقان حراما لا لكون الصوم يفسد به ، وهو ضعيف إذ ظاهره أن النهي من أجل الصوم وقد تقرر أن النهي في العبادات مفسد.
وعن السيد في الناصرية والمفيد وابن بابويه والحلبي الإفساد في الاحتقان بالجامد كالمائع واختاره العلامة في المختلف لإطلاق صحيح البزنطي المتقدم ، وهو ضعيف لورود موثق الحسن بن فضال (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم ، فكتب : لا بأس بالجامد) ((1).
(1) ذهب الأكثر إلى أنه مفسد للصوم للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء) (2) ، وحمله على القضاء دون الكفارة كما عن أبي الصلاح وجماعة منهم المصنف هنا لأصالة عدم وجوب الكفارة فضعيف ، لأن عدّ الارتماس مع الأكل والشرب في هذا الصحيح وغيره لا يخلو من إشعار باتحاد الحكم فيهما ، ومن هنا ذهب جماعة منهم الشهيد في الدروس إلى وجوب القضاء والكفارة.
وذهب السيد المرتضى وابن إدريس إلى أن الارتماس مكروه ولا يفسد الصوم فضلا عن وجوب القضاء والكفارة حملا للطائفة المتقدمة على الكراهة بقرينة خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (كره للصائم أن يرتمس في الماء) (3) ، وردّ بأن الكراهة في الأخبار أعم من الحرمة ، إذ لم يثبت معنى الكراهة الاصطلاحي لها في زمن الأئمة عليهم السلام.
وذهب الشيخ في الاستبصار والعلامة والشهيد الثاني واختاره في الشرائع والمدارك إلى أنه حرام من دون إفساد للصوم لموثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا ، أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال عليه السلام : ليس عليه قضاؤه ولا يعودن) (4) ، وفيه : إنه ظاهر في الكراهة لا في الحرمة التكليفية لأنه جمع بين النهي عنه وعدم إفساده لماهية الصوم ، ولذا كان الأقوى الحكم بالكراهة إلا أن الاحتياط يقتضي ترجيح قول الأكثر من حرمته وإفساده وإيجابه للكفارة.
(2) فالمدار على الرأس دون بقية البدن ، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام -
ص: 135
واحدة عرفية وإن بقي البدن (متعمدا) والأقوى تحريمه من دون إفساد أيضا ، وفي الدروس أوجب به القضاء والكفارة. وحيث يكون الارتماس في غسل مشروع يقع فاسدا مع التعمد للنهي ، ولو نسي صح (1) ، (أو تناول) المفطر (من دون مراعاة ممكنة) للفجر (2) ، أو الليل (3) ، ظانا حصوله (4) (فأخطأ) بأن ظهر تناوله نهارا.
(سواء كان مستصحب الليل) بأن تناول آخر الليل من غير مراعاة بناء على أصالة عدم طلوع الفجر ، (أو النهار) بأن أكل آخر النهار ظنا أن الليل دخل فظهر عدمه ، واكتفى (5) عن قيد ظن الليل (6) بظهور الخطأ ، فإنه يقتضي اعتقاد خلافه ،
______________________________________________________
- (الصائم يستنقع في الماء ، ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة ، وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء) (1) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه) (2)2) ومثلهما غيرهما ، وظاهرها أن الحرمة على غمس تمام الرأس آنا ما في الماء سواء كان دفعة أو تدريجا.
(1) أي الغسل ، باعتبار أن الارتماس مفطر فيكون منهيا عنه في الصوم المعين ، فإذا وجب عليه الغسل فيه وانحصر في الارتماس فينتقل إلى التيمم ، ولو اغتسل متعمدا بطل صومه للارتماس العمدي وبطل غسله للنهي عن الارتماس لكونه مفطرا ، ولو اغتسل ارتماسيا نسيانا صح صومه لعدم نقضه به ، إذ المحرم هو العمدي وصح غسله حينئذ.
(2) فيجب القضاء دون الكفارة بلا خلاف للأخبار منها : موثق سماعة (سألته عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان ، فقال : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقتضي يوما آخر ، لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة) (3) ، وعدم الكفارة للأصل بعد اختصاص عموم وجوب الكفارة بالإفطار بصورة العمد.
(3) يعرف حكمه مما تقدم في مسألة الفجر.
(4) أي حصول الليل في الصورتين ، وإلا فمع الشك في حصول الليل والقطع بعدمه ومع ذلك تناول المفطر فيصدق عليه الإفطار العمدي الموجب للقضاء والكفارة.
(5) أي المصنف.
(6) حيث لم يذكره.
ص: 136
واحترز بالمراعاة الممكنة عمن تناول كذلك (1) مع عدم إمكان المراعاة كغيم ، أو حبس ، أو عمى ، حيث لا يجد من يقلده فإنه لا يقضي (2) ، لأنه متعبّد بظنه ، ويفهم من ذلك أنه لو راعى فظن فلا قضاء فيهما وإن أخطأ ظنه (3) ، وفي الدروس استقرب القضاء في الثاني (4) ، دون الأول (5) ، فارقا بينهما باعتضاد ظنه بالأصل في الأول وبخلافه في الثاني.
(وقيل) والقائل الشيخ والفاضلان : (لو أفطر لظلمة موهمة) أي موجبة لظن دخول الليل (ظانا) دخوله من غير مراعاة ، بل استنادا إلى مجرد الظلمة المثيرة للظن
______________________________________________________
(1) أي ظانا حصول الليل.
(2) كما هو المشهور للأصل ، بعد اختصاص النصوص القاضية بالقضاء مع عدم المراعاة إلى صورة القدرة على المراعاة ، وخالف الجواهر والمستند لإطلاق النصوص الدالة على القضاء فتشمل العاجز والقادر الذي ترك المراعاة تهاونا مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين ، فقال عليه السلام : يتم صومه ذلك ثم ليقضه) (1) ، وهو غير ظاهر في الإطلاق كما هو واضح.
(3) هذه الصورة الثالثة ، بعد صورة القادر على المراعاة ولم يراع ، وبعد صورة العاجز عن المراعاة فيتعبد بظنه ، وهذه الصورة قد دل على عدم القضاء فيها صدر موثق ، سماعة المتقدم (فقال عليه السلام : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه) (2)2) هذا بالنسبة لمراعاة الفجر ، وأما بالنسبة لمراعاة المغرب فكذلك للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ، ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال عليه السلام : ليس عليه قضاء) (3) بعد حمله على إجراء المراعاة.
(4) فيما لو راعى فظن دخول الليل فأفطر وذلك لأن ظنه على خلاف استصحاب بقاء النهار ، وفيه إنه على خلاف الأخبار المتقدمة.
(5) فيما لو راعى فظن بقاء الليل فأكل ، وذلك لأن ظنه معتضد باستصحاب بقاء الليل ، وقد عرفت عدم الفرق بين الصورتين.
ص: 137
(فلا قضاء) (1) ، استنادا إلى أخبار (2) تقصر عن الدلالة ، مع تقصيره في المراعاة ، فلذلك نسبه إلى القيل ، واقتضى حكمه السابق وجوب القضاء (3) مع عدم المراعاة وإن ظن ، وبه صرح في الدروس ، وظاهر القائلين (4) ، أنه لا كفارة مطلقا (5) ويشكل عدم الكفارة مع إمكان المراعاة (6) ، والقدرة على تحصيل العلم في القسم الثاني (7) لتحريم التناول على هذا الوجه (8) ، ووقوعه في نهار يجب صومه عمدا (9) وذلك يقتضي بحسب الأصول الشرعية وجوب الكفارة (10) ، بل ينبغي وجوبها
______________________________________________________
(1) مع أن المشهور على القضاء لعدم المراعاة.
(2) منها : خبر الكناني سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت ، وفي السماء غيم فأفطر ، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، قال عليه السلام : قد تم صومه ولا يقضيه) (1).
وفيه : أولا : إن المراد من الظن ما يعم القطع مثل قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلٰاقُوا رَبِّهِمْ ) (2) ، وثانيا : إنه لم يراع فيجب القضاء فيقع التعارض بينه وبين ما تقدم ، وثالثا : لمعارضته على ما دل على الإفطار في هذه الصورة وهو موثق أبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنه اللّيل فأفطر بعضهم ، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس ، فقال عليه السلام : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إن الله عزوجل يقول : وأتموا الصيام إلى الليل ، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنه أكل متعمدا) ((3).
(3) في هذه الصورة.
(4) أي ظاهر القائلين بوجوب القضاء في الصور السابقة.
(5) سواء أمكنت المراعاة أو لا.
(6) لأنه يكون كالإفطار العمدي.
(7) أي الظن بدخول الليل فأفطر مع عدم المراعاة.
(8) أي وجه عدم المراعاة.
(9) قيد لقوله : ووقوعه ، والمعنى : ووقوع التناول عمدا في نهار يجب صومه.
(10) لأنه إفطار عمدي.
ص: 138
وإن لم يظهر الخطأ ، بل استمر الاشتباه لأصالة عدم الدخول (1) ، مع النهي عن الإفطار (2).
وأما في القسم الأول (3) فوجوب القضاء خاصة مع ظهور الخطأ متوجه ، لتبين إفطاره في النهار ، وللأخبار (4). لكن لا كفارة عليه ، لجواز تناوله حينئذ بناء على أصالة عدم الدخول (5) ، ولو لا النص على القضاء لأمكن القول بعدمه (6) ، للإذن المذكور ، وأما وجوب الكفارة على القول المحكي (7) فأوضح (8) وقد اتفق لكثير من الأصحاب في هذه المسألة عبارات قاصرة عن تحقيق الحال جدا فتأملها ، وعبارة المصنف هنا جيدة لو لا إطلاق عدم الكفارة (9).
واعلم أن المصنف نقل القول المذكور جامعا بين توهم الدخول (10) بالظلمة (11) وظنه (12). مع أن المشهور لغة واصطلاحا أن الوهم اعتقاد مرجوح ، وراجحه الظن وعباراتهم وقعت أنه لو أفطر للظلمة الموهمة وجب القضاء ولو ظن
______________________________________________________
(1) أي أصالة عدم دخول الليل.
(2) قبل دخول الليل.
(3) أي الظن ببقاء الليل.
(4) وقد تقدم بعضها.
(5) أي أصالة عدم دخول الليل.
(6) بعدم القضاء.
(7) وهو قول الشيخ والفاضلين.
(8) لأنه اعتمد في إفطاره على غير مجوّز شرعي لأنه لم يراع فيصدق عليه الإفطار العمدي.
(9) في الصور الثلاثة وهو في محله ، لأن الكفارة مختصة بالإفطار بصورة العمد ، وهو في الصور الثلاثة لم يتعمد الإفطار بحسب زعمه وظنه وإن قصر في المراعاة فلذا لا تشمله أدلة وجوب الكفارة ، بعد جريان الأصل النافي لها عند الشك في وجوبها.
(10) أي دخول الليل.
(11) أي بسبب الظلمة حيث قال المصنف (لو أفطر لظلمة موهمة).
(12) أي ظن الليل حيث قال المصنف (لو أفطر لظلمة موهمة ظانا) فكيف جمع بين الوهم والظن وما هو إلا تناقض ، مع أن الأصحاب أوردوا الوهم والظن وجعلوا لهما حكمين فمع الوهم حكموا بالقضاء دون الكفارة ، ومع الظن يصح الصوم ولا قضاء ولا كفارة ، وهذه عبارة الشرائع (التاسعة : يجب القضاء في الصوم الواجب المعين بتسعة : فعل المفطر -
ص: 139
لم يفطر إن لم يفسد صومه ، فجعلوا الظن قسيما للوهم ، فجمعه هنا بين الوهم والظن ، في نقل كلامهم ، إشارة إلى أن المراد من الوهم في كلامهم أيضا الظن ، إذ لا يجوز الإفطار مع ظن عدم الدخول قطعا ، واللازم منه وجوب الكفارة ، وإنما يقتصر على القضاء لو حصل الظن ثم ظهرت المخالفة ، وإطلاق الوهم على الظن صحيح أيضا ، لأنه أحد معانيه لغة ، لكن يبقى في كلامهم سؤال الفرق بين المسألتين حيث حكموا مع الظن بأنه لا إفساد ، إلا أن يفرق بين مراتب الظن فيراد من الوهم أول مراتبه ، ومن الظن قوة الرجحان ، وبهذا المعنى صرح
______________________________________________________
- قبل مراعاة الفجر مع القدرة - إلى أن قال - والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ، فلو غلب على ظنه لم يفطر) ، وأشكل على عبارة الأصحاب بأنه إذا أريد من الوهم معناه الاصطلاحي فالحكم بالقضاء في محله لكن الحكم بعدم الكفارة مشكل ، وإن أريد من الوهم الظن كما هو أحد معانيه فما الفرق بين صدر العبارة وذيلها حتى يحكم في الأول بالقضاء وفي الأخير بعدمه.
وحاول الشهيد في بعض تحقيقاته رفع الإشكال بأن المراد من الوهم في عبارتهم هو الظن ، والفرق أنه أريد من الوهم الظن لا لأمارة شرعية ، ومن الظن في ذيل العبارة الظن لأمارة شرعية ، وهو على خلاف ظاهر العبارة على أن الظن المجوّز للإفطار لا يفرق فيه بين أسبابه.
وقيل : إن مرادهم من الوهم أول مراتب الظن ومن الظن في ذيل العبارة غلبة الظن كما صرح المحقق في الشرائع بقوله (فلو غلب على ظنه) : وفيه : إن مراتب الظن غير منضبطة إذ ما من ظن إلا وفوقه ما هو أقوى منه ، ودونه ما هو أدنى منه لاختلاف الأمارات الموجبة له.
وأراد الشارح أن يرفع التناقض عن عبارة المصنف من أنه جمع بين الوهم والظن إشارة منه إلى أن المراد من الوهم في عبارات الأصحاب هو الظن ، وفيه : إن الذي أريد منه الظن هو الوهم في عبارات الأصحاب المذكور مع الظن بحيث كان لكل واحد حكم ، والمصنف جمع بينهما وجعل لهما حكما واحدا.
ويمكن الفرق بأن الظلمة الموهمة أي الظلمة الموجبة للظن عند النوع وإن لم يحصل منها ظن عند المكلف فلو أفطر من دون ظن بالدخول فعليه القضاء ، ولو أفطر مع ظنه بالدخول الناشئ من الظلمة الموهمة فلا قضاء ، ويبقى الإشكال على عبارات الأصحاب من أنه مع الظلمة الموهمة من دون توريثها للظن عند المكلف فعليه القضاء والكفارة.
ص: 140
بعضهم ، وفي بعض تحقيقات المصنف على كلامهم أن المراد من الوهم ترجيح أحد الطرفين لأمارة غير شرعية ، ومن الظن الترجيح لأمارة شرعية ، فشرّك بينهما في الرجحان ، وفرق بما ذكره ، وهو مع غرابته لا يتم ، لأن الظن المجوز للإفطار لا يفرق فيه بين الأسباب المثيرة له. وإنما ذكرنا ذلك للتنبيه على فائدة جمعه هنا بين الوهم والظن ، تفسيرا لقولهم.
واعلم أن قوله سواء كان مستصحب الليل أو النهار جرى فيه على قول الجوهري ، سواء عليّ قمت أو قعدت ، وقد عدّه جماعة من النحاة منهم ابن هشام في المغني من الأغاليط ، وأن الصواب العطف بعد سواء بأم بعد همزة التسوية فيقال : سواء كان كذا أم كذا كما قال تعالى : ( سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) (1) ، ( سَوٰاءٌ عَلَيْنٰا أَجَزِعْنٰا أَمْ صَبَرْنٰا ) (2) ( سَوٰاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صٰامِتُونَ ) (3) ، وقس عليه ما يأتي من نظائره في الكتاب وغيره وهو كثير.
(أو تعمد القي ء) (4) مع عدم رجوع شي ء منه إلى حلقه اختيارا ، وإلا وجبت
______________________________________________________
(1) سورة البقرة الآية : 6.
(2) سورة إبراهيم الآية : 21.
(3) سورة الأعراف الآية : 193.
(4) على المشهور للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم ، [فقد أفطر] وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه) (1) وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن القي ء في رمضان ، فقال : إن كل شي ء يبدره فلا بأس ، وإن كان شي ء يكره نفسه عليه [فقد] أفطر وعليه القضاء) (2)2).
وعن ابن إدريس أنه يحرم ولا يجب به القضاء ولا الكفارة ، للأصل ، ولعموم حصر المفطر في غيره ، ولأن الإمساك عما يصل إلى الجوف لا عما يخرج منه ولصحيح عبد الله بن الميمون عن أبي عبد الله عن أبيه عليه السلام ، (ثلاثة لا يفطن الصائم : القي ء ، والاحتلام والحجامة) (3) ، وفيه : أما الأصل فلا مجال له مع الدليل ، وأما العموم فمقيد بهذه الأخبار ، وكون الصوم إمساكا عما يصل إلى الجوف اجتهاد في قبال النص ، وحمل -
ص: 141
الكفارة أيضا ، واحترز بالتعمد عما لو سبقه بغير اختياره (1) ، فإنه لا قضاء مع تحفظه كذلك (2) ، (أو أخبر بدخول الليل فأفطر) ، تعويلا على قوله (3).
ويشكل بأنه إن كان قادرا على المراعاة ينبغي وجوب الكفارة (4) كما سبق لتقصيره وإفطاره ، حيث ينهى عنه (5) ، وإن كان مع عدمه (6) فينبغي عدم القضاء أيضا ، إن كان ممن يسوغ تقليده له كالعدل (7) ، وإلا فكالأول (8). والذي صرح به جماعة أن المراد هو الأول (9).
(أو أخبر ببقائه) أي ببقاء الليل (فتناول) تعويلا على الخير (ويظهر الخلاف) (10) ...
______________________________________________________
- النصوص على الحرمة فقط على خلاف صريحها ، وأما صحيح ابن ميمون فمحمول على غير صورة الاختيار وعلى غير العامد جمعا بين الأخبار.
وأما الكفارة على من تعمد القي ء فالنصوص مقتصرة على القضاء وهي في مقام البيان ، فالأصل عدم الوجوب ، وحكى السيد المرتضى عن بعض علمائنا قولا بأنه موجب للقضاء والكفارة وهو ضعيف بما سمعت.
(1) وإلا فمع الرجوع الاختياري فيصدق الأكل فيجب القضاء والكفارة معا.
(2) أي مع عدم رجوع شي ء منه إلى حلقه اختيارا.
(3) أي قول المخبر ، على المشهور ، وعن الخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه وهو مشكل على إطلاقه ، لأن المكلف إذا كان ممن يسوغ له التقليد كالأعمى فيتجه الحكم بسقوط القضاء والكفارة ، وإن كان مما لا يسوغ له التقليد فيتجه الحكم بالقضاء والكفارة على إشكال فيها إذ الكفارة على الإفطار العمدي وهو هنا غير متحقق.
ولذا جزم المحقق الثاني أنه لو اعتمد على عدلين ثم بان كذبهما فلا شي ء على المفطر وإن كان لا يسوغ له التقليد لأن شهادتهما حجة شرعية.
(4) قد عرفت ما فيه.
(5) عن الإفطار.
(6) أي مع عدم كونه قادرا على المراعاة.
(7) بل مطلق الثقة للسيرة.
(8) أي كمن أفطر مع إمكان المراعاة لأنه أفطر من غير مجوّز شرعي.
(9) أي القادر على المراعاة.
(10) فيما لو كان قادرا على المراعاة فيجب عليه القضاء دون الكفارة على المشهور وأشكل بأنه -
ص: 142
حال من الأمرين (1) ، ووجوب القضاء خاصة هنا متجه مطلقا (2) لاستناده إلى الأصل (3) ، بخلاف السابق (4) ، وربما فرق في الثاني (5) بين كون المخبر بعدم الطلوع حجة شرعية كعدلين وغيره فلا يجب القضاء معهما لحجة قولهما شرعا ، ويفهم من القيد (6) أنه لم يظهر الخلاف فيهما لا قضاء ، وهو يتم في الثاني (7) ، دون الأول ، للنهي (8). والذي يناسب الأصل فيه (9) وجوب القضاء والكفارة ، ما لم تظهر الموافقة ، وإلا فالإثم خاصة (10). نعم لو كان في هذه الصور جاهلا بجواز التعويل على ذلك (11) ، وجاء فيه الخلاف في تكفير الجاهل (12) ، وهو حكم آخر.
______________________________________________________
- لا بد من الكفارة لأنه مقصر ومفطر عمدا ، وفيه : إن الكفارة على الإفطار العمدي وهو غير متحقق هنا وإن كان مقصرا ولذا وجب عليه القضاء.
واستقرب المحقق الثاني من أن لو اعتمد على العدلين ثم بأن الخلاف فلا قضاء ولا كفارة لاعتماده على حجة شرعية.
(1) أي الإفطار بسبب الإخبار بدخول الليل ، والإخبار ببقاء الليل.
(2) سواء كان قادرا على المراعاة أم لا ، وسواء أخبره عدل أم عدلان ، والمراد من قوله (خاصة هنا) هو : ما لو أخبر ببقاء الليل فتناول تعويلا على الخبر ثم ظهر الخلاف.
(3) وهو استصحاب بقاء الليل.
(4) وهو ما لو أخبر بدخول الليل فالأصل على خلافه ، وفيه : أنه لا معنى لجريان الأصل سواء كان موافقا أو مخالفا لقول المخبر ما دام قادرا على المراعاة فيعتبر مقصرا ، فلو وجبت الكفارة عند التقصير لوجبت فيهما ، ولكن قد عرفت أنها مختصة بالإفطار العمدي وهو غير متحقق هنا وإن تحقق التقصير.
(5) أي فيما لو أخبر ببقاء الليل ، مع أن المحقق الثاني جزم بعدم القضاء ولا الكفارة فيما لو اعتمد على قول العدلين في بقاء الليل أو دخوله.
(6) وهو قوله (ويظهر الخلاف).
(7) وهو ما لو أخبر ببقاء الليل.
(8) أي النهي عن الإفطار مع جريان استصحاب بقاء النهار.
(9) في الأول.
(10) أي وإن ظهرت الموافقة فالإثم للتجري ولتقصيره.
(11) سواء كان عدلا أو عدلين كما هو مبني غير المحقق الثاني.
(12) قد تقدم الكلام فيه.
ص: 143
(أو نظر إلى امرأة) محرّمة بقرينة قوله (أو غلام فأمنى) مع عدم قصده الإمناء ، ولا اعتياده (1) ، (ولو قصد فالأقرب الكفارة ، وخصوصا مع الاعتياد ، إذ لا ينقص عن الاستمناء بيده ، أو ملاعبته) وأما قربه حسن. لكن يفهم منه أن الاعتياد بغير قصد الإمناء غير كاف والأقوى الاكتفاء به (2) ، وهو ظاهره في الدروس.
وإنما وجب القضاء مع النظر إلى المحرم مع عدم الوصفين (3) ، للنهي عنه (4) ، فأقل مراتبه الفساد ، كغيره من المنهيات في الصوم ، من الارتماس والحقنة ، وغيرها ، والأقوى عدم القضاء بدونهما (5) كغيره من المنهيات وإن أثم ، إذ لا دلالة للتحريم على الفساد ، لأنه أعم (6) ، فلا يفسد إلا مع النص عليه ،
______________________________________________________
(1) الاستمناء بالنظر من دون قصده وهو غير معتاد موجب للقضاء كما عن الشهيد والمفيد والمبسوط للنهي عن النظر بشهوة إليهما ، والنهي في العبادات مفسد ، وفيه : إنه لا نهي في باب الصوم حتى يوجب الفساد وإنما هو نهي عن النظر ولذا قيل بعدم القضاء كما عن المحقق والعلامة والحلي وهو الأقوى.
هذا كله إذا لم يكن من عادته الإمناء بذلك ولم يقصد الإمناء ، أما لو قصد الإمناء وكان من عادته ذلك فإنه يصدق عليه طلب المني فتشمله أدلة النهي عن الاستمناء ويكون خروج المني منه مع هذين الشرطين موجبا للقضاء والكفارة وقد تقدم الكلام فيه من دون فرق بين كون المرأة محرّمة أو محلّلة.
وأما لو قصد الإمناء بالنظر ولم يكن من عادته ذلك ولكن اتفق خروج المني فإنه يصدق عليه طلب المني فتشمله أدلة النهي عن الاستمناء وعليه القضاء والكفارة بلا خلاف فيه كما في الرياض إذ لا فرق في مبطلية إنزال المني للصوم مع القصد لذلك بين أسبابه سواء كان باللعب أو النظر أو التخيل أو غيرها.
(2) أي بالاعتياد فإنه موجب للكفارة والقضاء لدخوله في الاستمناء مع أنه غير مقصود وهو مشكل لعدم صدق طلب المني عليه بذلك.
(3) أي القصد إلى الإنزال والاعتياد.
(4) وقد عرفت أنه غير متعلق بالصوم حتى يوجب فساده ، بل متعلق بالنظر بما هو هو ، وهو غير عبادي.
(5) أي بدون قصد الإمناء والاعتياد.
(6) بل لأنه لم يتعلق بالصوم.
ص: 144
كالتناول ، والجماع ، ونظائرهما ، ولا فرق حينئذ بين المحللة ، والمحرمة إلا في الإثم ، وعدمه.
(وتتكرّر الكفارة) (1) مع فعل موجبها ...
______________________________________________________
(1) اتفق الأصحاب على تكرار الكفارة بتكرر موجبها إذا كان في يومين سواء كفّر عن الأول أو لا ، وإنما الخلاف في تكرارها بتكرر موجبها في اليوم الواحد.
فعن المحقق الثاني في حواشي الشرائع أنها تتكرر بتكرر السبب مطلقا ، وعن ابن الجنيد أنها تتكرر إذا كفّر عن الأول وإلا فكفارة واحدة عن الجميع ، وعن السيد المرتضى أنها تتكرر بتكرر الوطء ، وعن العلامة في المختلف أنها تتكرر مع تغاير جنس المفطر ، وأما مع اتحاده فواحدة وإن تكرر المفطر ، وقيل : لا تتكرر ، سواء تغاير الجنس أو لا ، وسواء كفّر أو لا ، وسواء كان بالوطء أو بغيره كما عن الشيخ وابن حمزة والمحقق والعلامة في المنتهى وغيرهم. واحتج للتكرار مطلقا بأصالة عدم التداخل في الأسباب ، واحتج لقول ابن الجنيد بأن الإفطار بعد الكفارة موجب للتكفير وهذا يحتاج إلى الامتثال فتتكرر الكفارة ، بخلاف تعدد الإفطار من دون تكفير فالأصل عدم التكرار.
واحتج لقول السيد بتكرارها في الوطء بخبر الفتح بن يزيد الجرجاني - المروية في العيون والخصال - (أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن رجل واقع أهله [امرأة] في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات ، قال عليه السلام : عليه عشر كفارات ، [لكل مرة كفارة] فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد) (1) ، وعن العلامة في المختلف أن ابن أبي عقيل روى عن أبي الحسن زكريا بن يحيى ، صاحب كتاب شمس المذهب عنهم عليهم السلام (أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة ، فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة) (2) وعن العلامة في المختلف أيضا (وروي عن الرضا عليه السلام أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطي) (3).
واحتج للتكرار مع تغاير جنس المفطر لأن الكفارة مترتبة على كل واحد من المفطرات فتتعدد بعدد المفطر.
واحتج لعدم التكرار مطلقا بأن الكفارة مترتبة على الإفطار وهو لا يتحقق إلا مرة واحدة في اليوم سواء كان بالأكل أو بالشرب أو بغيرهما ، لأن الوطء إفطار للصائم كما في خبر المروزي (أو كنّس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن -
ص: 145
(بتكرر الوطء مطلقا) (1) ولو في اليوم الواحد ، ويتحقق تكرره بالعود بعد النزع (2) ، (أو تغاير الجنس) بأن وطئ وأكل والأكل والشرب غيران (3) ، (أو تخلل التكفير) بين الفعلين ، وإن اتحد الجنس والوقت ، (أو اختلاف الأيام) وإن اتحد الجنس أيضا ، (وإلا يكن) كذلك ، بأن اتحد الجنس في غير الجماع والوقت ، ولم يتخلل التكفير (فواحدة) على المشهور. وفي الدروس قطعا ، وفي المهذب إجماعا ، وقيل (4) : تتكرر مطلقا (5) وهو متجه ، إن لم يثبت الإجماع على خلافه ، لتعدد السبب الموجب لتعدد المسبب ، إلا ما نص فيه على التداخل ، وهو منفي هنا ، ولو لوحظ زوال الصوم بفساده بالسبب الأول ، لزم عدم تكررها في اليوم الواحد مطلقا (6) ، وله وجه ، والواسطة ضعيفة (7) ، ويتحقق تعدد الأكل والشرب بالازدراد وإن قل (8) ، ويتجه في الشرب اتحاده مع اتصاله وإن طال للعرف.
______________________________________________________
- ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح) (1) ، وأما أخبار تكرار الكفارة بتكرر الجماع فهي غير ثابتة الحجية ، والأخبار التي أوجبت الكفارة عند الأكل والشرب أو الجماع أو الاستمناء إنما هي أوجبتها لتحقق الإفطار بهذه المذكورات ، لا لكون التكفير معلقا على عناوين هذه المذكورات حتى تكرر بتكرر هذه العناوين ، وهذا القول وجيه لو لا اخبار تكرر الكفارة بتكرار الجماع فإن تعددها توجب الوثوق بصدورها ، فالأقوى عدم التكرار إلا في الجماع.
(1) في يومين أو في يوم.
(2) أي بالإدخال بعد الإخراج ، ولو كان الإدخال بمقدار الحشفة.
(3) أو متغايران.
(4) وهو قول المحقق الثاني في حواشي الشرائع.
(5) ولو في جنس واحد في غير الجماع مع عدم تخلل التكفير.
(6) حتى في الجماع مع تخلل التكفير.
(7) أي الواسطة بين التكرار مطلقا وبين عدم التكرار مطلقا ، وقد عرفت قوة تكرار التكفير بتكرار الجماع للأخبار.
(8) المراد من الازدراد هو الابتلاع ولكن مشروط بكونه في مجلس واحد ، لأن تعدد اللقم في مجلس واحد يعدّ إفطارا واحدا.
ص: 146
(ويتحمل عن الزوجة المكرهة) على الجماع (الكفارة والتعزير) المقدر على الوطي (بخمسة وعشرين) سوطا (فيعزر خمسين) (1) ، ولا تحمل في غير ذلك ، كإكراه الأمة ، والأجنبية ، والأجنبي لهما (2) ، والزوجة له (3) ، والإكراه على غير الجماع ولو للزوجة ، وقوفا مع النص ، وكون الحكم في الأجنبية أفحش لا يفيد أولوية التحمل ، لأن الكفارة مخففة للذنب ، فقد لا يثبت في الأقوى كتكرار الصيد عمدا (4) نعم لا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها ، وقد يجتمع في حالة واحدة الإكراه والمطاوعة ، ابتداء واستدامة ، فيلزمه حكمه (5) ، ويلزمها
______________________________________________________
(1) والأصل فيه خبر المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أتى امرأته ، وهو صائم وهي صائمة ، فقال : إن استكرهها فعليه كفارتان ، وإن كانت مطاوعة فعليه كفارة وعليها كفارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا ، وضربت خمسة وعشرين سوطا) (1). وسنده ضعيف لاشتماله على إبراهيم بن إسحاق وهو ضعيف متهم ، وعلى المفضل بن عمر وقد ضعّفه النجاشي إلا أنه منجبر بعمل الأصحاب ، إذ لم يخالف إلا ابن أبي عقيل حيث أوجب على الزوج مع الإكراه كفارة واحدة كما في حال المطاوعة للأصل بعد استضعاف الرواية ولا فرق بين الدائمة والمتمتع بها لإطلاق النص ، كما أنه لا تحمل في غير الزوجة كإكراه الامة والأجنبية ، وإكراه الأجنبي لهما ، أو إكراه الزوجة له ، وكذا في إكراه الزوج زوجته في غير الجماع كالأكل والشرب كل ذلك وقوفا مع النص بعد مخالفته للأصل من باب القدر المتيقن.
وعن الشيخ والمختلف الأشكال في إكراه الأجنبية لأن الكفارة عقوبة على الذنب وهو هنا أفحش ، وفيه : إنه على خلاف الأصل الموجب لعدم التحمل بعد كون النص لا يشمله.
(2) للزوجين.
(3) للزوج.
(4) فلا كفارة له مع أنه أعظم لقوله تعالى : ( وَمَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ ) (2) وسيأتي البحث فيه في كتاب الحج.
(5) أي حكم الإكراه فيكون عليه كفارتان.
ص: 147
حكمها (1) ولا فرق في الإكراه بين المجبورة ، والمضروبة ضربا مضرا حتى مكّنت على الأقوى (2) وكما ينتفي عنها الكفارة ينتفي القضاء مطلقا ، (لو طاوعته فعليها) الكفارة والتعزير مثله.
(القول في شروطه) أي شروط وجوب الصوم وشروط صحته ، (ويعتبر في الوجوب البلوغ والعقل) (3) فلا يجب على الصبي والمجنون والمغمى عليه (4) ، وأما السكران فبحكم العاقل في الوجوب ، لا الصحة (5) ، (والخلو من لحيض)
______________________________________________________
(1) أي حكم المطاوعة وعليها كفارة ، وفيه إن الخبر منصرف عن هذا الفرض ، لأنه ظاهر في إكراهها ابتداء واستدامة ، وأما هذا الفرض فيرجع فيه إلى الأصل من ثبوت كفارة على كل منهما لعدم اندراجه تحت النص.
(2) لإطلاق النص ولازمه انتفاء الكفارة والقضاء عن المجبورة والمضروبة ، خلافا للشيخ حيث أوجب القضاء على المضروبة دون المجبورة ، وفيه إن الجماع المفسد للصوم هو الاختياري منه لا المكره عليه.
(3) اشتراط البلوغ والعقل في وجوب الصوم بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم (1).
(4) ألحق بالمجنون لخروجه عن أهلية الخطاب كما عليه الأكثر ، وعن الشيخين المفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف أن الإغماء كالنوم فلو سبق منه النية صح صومه ، وعلى الأول فلو وقع منه الإغماء في جزء من أجزاء النهار بطل صومه لعدم تكليفه حينئذ ، وقول الأكثر مما قد دلت عليه الأخبار منها : خبر أيوب بن نوح (كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر ، هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب عليه السلام : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة) (2) وخبر علي بن مهزيار عن أبي الحسن الثالث عليه السلام سأله عن مسألة المغمى عليه فقال عليه السلام : (لا يقضي الصوم ولا الصلاة ، وكلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) (3).
(5) لأن السكر مناف للنية كما قيل ، وفيه : إن السكر إما أن يكون كالإغماء فعدمه من شرائط الوجوب وإما أن يكون كالنوم فعدمه ليس من شرائط الوجوب ولا الصحة ، وأما التفصيل الذي أتى به الشارح مما لا وجه له فضلا عن أن التفريق بين السكر والإغماء بلا موجب ولذا ذهب جماعة إلى اتحاد الحكم في الإغماء والسكر.
ص: 148
(والنفاس (1) والسفر) (2) الموجب للقصر ، فيجب على كثيرة (3) ، والعاصي به ونحوهما (4) ، وأما ناوي الإقامة عشرا ، ومن مضى عليه ثلاثون يوما مترددا ، ففي معنى المقيم (5) ، (و) يعتبر (في الصحة التمييز) (6) وإن لم يكن مكلفا ، ويعلم منه (7) أن صوم المميز صحيح فيكون شرعيا (8) ، وبه صرح في الدروس ، ويمكن
______________________________________________________
(1) بلا خلاف للأخبار منها : موثق العيص عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن امرأة طمثت [تطمث] في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس ، قال عليه السلام : تفطر حين تطمث) (1) وصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام عن المرأة تلد بعد العصر ، أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال عليه السلام : تفطر وتقضي ذلك اليوم) (2).
(2) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام (عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ قال عليه السلام : ليس من البر الصوم في السفر) (3) وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا سافر فليفطر ، لأنه لا يحلّ له الصوم في السفر ، فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية) (4).
(3) أي كثير السفر وقد تقدم في كتاب الصلاة مع ضميمة الملازمة المستفادة من الأخبار منها : خبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت) (5).
(4) كغير القاصد للمسافة.
(5) وقد تقدم في كتاب الصلاة.
(6) لأن الصوم عبادي وهو متوقف على النية ، ومع عدم التمييز لا يعقل صدور النية.
(7) أي من كون التمييز من شرائط الصحة.
(8) لأن الصحة هي موافقة المأتي به للمأمور به شرعا ، وإذا ثبت الأمر بصوم المميز فيكون شرعيا ، في قبال الصوم التمريني وهو غير مأمور به شرعا ، والخلاف في شرعية عبارات الصبي أو تمرينيتها مبني على أن الأمر بالأمر بالشي ء هل هو أمر بالشي ء أو لا ، حيث وجهت الأوامر إلى ولي الطفل بأن يأمره بالصلاة والصوم.
ص: 149
الفرق (1) بأن الصحة من أحكام الوضع فلا يقتضي الشرعية ، والأولى كونه (2) تمرينيا (3) ، لا شرعيا ، ويمكن معه (4) الوصف بالصحة كما ذكرناه (5) ، خلافا لبعضهم ، حيث نفى الأمرين (6) ، أما المجنون فينتفيان (7) في حقه ، لانتفاء التمييز ، والتمرين فرعه. ويشكل ذلك في بعض المجانين لوجود التمييز فيهم.
(والخلو منهما) (8) من الحيض والنفاس ، وكذا يعتبر فيهما الغسل بعده (9) عند المصنف ، فكان عليه أن يذكره ، إذ الخلو منهما لا يقتضيه (10) ، كما لم يقتضيه (11) في شرط الوجوب إذ المراد بهما فيه (12) نفس الدم لوجوبه على
______________________________________________________
(1) أي التفريق بين الصحيح والشرعي ، لأن الصحة هي تمامية الأجزاء والشرائط لا أنها موافقة أمر الشارع.
(2) أي صوم المميز.
(3) لأن الأمر بالأمر بالشي ء ليس أمرا بذلك الشي ء.
(4) مع كونه تمرينيا.
(5) من كون الصحة من أحكام الوضع بمعنى تمامية الأجزاء والشرائط.
(6) أي كون الصوم شرعيا وكونه صحيحا ، أما عدم شرعيته لعدم الأمر به لأن الأمر بالأمر بالشي ء ليس أمرا به ، وأما عدم صحته لأن الصحة موافقة أمر الشارع وهنا لا أمر.
(7) أي الصحة والتمرين.
(8) فالخلو من الحيض والنفاس من شرائط الصحة.
(9) بعد الخلو كما عليه المشهور لموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم) (1) ومنه تعرف ضعف تردد المحقق في المعتبر ، وجزم العلامة في النهاية بالعدم.
(10) أي لا يقتضي الغسل.
(11) أي كذلك الخلو منهما في شرط الوجوب لا يقتضي الغسل.
(12) أي إذ المراد من الحيض والنفاس الواردين في شرط الوجوب هو نفس الدم ، وليس الحدث الحاصل منهما ، حتى يقال إن المراد هو الخلو من حدث الحيض والنفاس كشرط للصحة وهذا لا يتحقق إلا بالغسل ولذا لم يذكره المصنف.
ص: 150
المنقطعة وإن لم تغتسل ، (ومن الكفر) (1) ، فإن الكافر يجب عليه الصوم كغيره ، ولكن لا يصح منه معه (2) (ويصح من المستحاضة (3) ، إذا فعلت الواجب من الغسل) النهاري ، وإن كان واحدا (4) بالنسبة إلى الصوم الحاضر ، أو مطلق الغسل بالنسبة إلى المقبل (5) ، ويمكن أن يريد كونه مطلقا شرطا فيه (6) مطلقا (7) ، نظرا إلى إطلاق النص والأول أجود ، لأن غسل العشاءين لا يجب إلا بعد انقضاء اليوم فلا
______________________________________________________
(1) فالخلو منه شرط للصحة لأن الكافر مكلف بالفروع لإطلاق الأدلة ولا تقبل منه ولا تصح لأن العبادات منها متوقفة على النية وهي غير متحققة منه فلا بد من رفع الكفر كمانع.
(2) أي لا يصح الصوم من الكافر حال الكفر.
(3) على المشهور شهرة عظيمة لصحيح علي بن مهزيار (كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ، ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام : تقض صومها ولا تقض صلاتها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر [فاطمة (عليها السلام) و] المؤمنات من نسائه بذلك) (1) وإضماره لا يقدح ، وكذلك اشتماله على عدم قضاء الصلاة مع أنه مخالف لما عليه الأصحاب لإمكان التفكيك بين فقرات الحديث الواحد في الحجية ، فيؤخذ ببعضها ويترك البعض الآخر.
نعم ظاهر المحقق في المعتبر التوقف في ذلك ، هذا وصومها متوقف على إتيانها بالأغسال النهارية من غسل صلاة الصبح وغسل الظهرين إذا كانت كبيرة دون غسل العشاءين ، للأصل ولخروج غسل العشاءين عن وقت صومها في النهار.
(4) فيما لو كان استحاضتها وسطى.
(5) الأغسال النهارية والليلية ، وهو ضعيف كما تقدم.
(6) في صحة الصوم.
(7) سواء كان الصوم متقدما فيكون غسل العشاءين شرطا في صحته ، أو كان متأخرا فيكون غسل العشاءين شرطا في صحة صوم اليوم الآتي ، وقد عرفت أن غسل العشاءين في غير وقت صوم النهار السابق فلا يعقل أن يكون شرطا ، وأيضا فالصوم الآتي مشروط بغسل الفجر لا أنه مشروط بغسل العشاءين السابق لأنه ليس في وقت الصوم كل ذلك للأصل النافي للشرطية عند الشك.
ص: 151
يكون شرطا في صحته. نعم هو شرط في اليوم الآتي ، ويدخل في غسل الصبح لو اجتمعا (1).
(ومن المسافر في دم المتعة) (2) بالنسبة إلى الثلاثة ، لا السبعة ، (وبدل البدنة) (3) وهو ثمانية عشر يوما للمفيض من عرفات قبل الغروب عامدا ، (والنذر المقيد به) أي : بالسفر (4) إما بأن نذره سفرا ، أو سفرا وحضرا وإن كان النذر في حال السفر ، لا إذا أطلق (5) وإن كان الإطلاق يتناول السفر ، إلا أنه لا بد من
______________________________________________________
(1) أي يكفي غسل واحد من دون حاجة إلى التكرار.
(2) أي من لم يجد هدي التمتع ولا ثمنه صام بدله عشرة أيام ، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع لأهله ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ ، وَسَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ) (1) وللأخبار وسيأتي التعرض لها في كتاب الحج.
(3) لو أفاض قبل الغروب من عرفات عمدا فعليه بدنة ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، بلا خلاف فيه لصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال عليه السلام : عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة ، أو في الطريق ، أو في أهله) (2)
(4) لصحيح ابن مهزيار (كتب إليه بندار مولى إدريس يا سيدي ، نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته : لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك) (3) ، فإذا نوى السفر في النذر سواء كان منفردا أو منضما إلى الحضر فلا إشكال ولا خلاف بينهم ، وإذا أطلق فظاهر الخبر أنه لا يشمل السفر ، وعن المرتضى وسلار الاكتفاء بإطلاق النذر لتناوله السفر وهو واضح الضعف إذ لا يكفي قصد ما يشمله على الإجمال بل لا بد من قصده بالخصوص.
وعن المفيد جواز صوم الواجب سواء خصص بالسفر أو لا ما عدا شهر رمضان ، ومستنده غير ظاهر في قبال النصوص الدالة على عدم جواز الصوم فيه ، وقد تقدم بعضها.
(5) فلا يشمل السفر.
ص: 152
تخصيصه (1) بالقصد منفردا ، أو منضما ، خلافا للمرتضى (رحمه الله) حيث اكتفى بالإطلاق لذلك (2) ، وللمفيد حيث جوز صوم الواجب مطلقا (3) عدا شهر رمضان ، (قيل) والقائل ابنا بابويه : (وجزاء الصيد) (4) وهو ضعيف ، لعموم النهي ، وعدم ما يصلح للتخصيص.
(ويمرن الصبي) ، وكذا الصبية على الصوم (لسبع) (5) ليعتاده فلا يثقل عليه عند البلوغ ، وأطلق جماعة تمرينه قبل السبع وجعلوه بعد السبع مشددا (6) (وقال ابنا بابويه والشيخ) في النهاية يمرّن (لتسع) (7) ، والأول أجود ولكن يشدد للتسع ، ولو أطاق بعض النهار خاصة فعل ، ويتخير بين نية الوجوب والندب (8) ، لأن الغرض التمرين على فعل الواجب ، ذكره المصنف وغيره ، وإن كان الندب أولى.
______________________________________________________
(1) أي تخصيص السفر.
(2) أي لشموله السفر.
(3) كالقضاء وجزاء الصيد والكفارات والمنذور.
(4) أي جواز الصوم سفرا في كفارة جزاء الصيد ، لأن الفعل - وهو الصيد - وقع سفرا فكذا يجوز إيقاع كفارته في السفر ، وقياسا له على بدل الهدي ، وهو ضعيف لعموم النهي عن الصوم في السفر وقد تقدم ما يدل عليه مع عدم المخصص له ، ونحن لا نقول بالاستحسان ولا بالقياس.
(5) كما عن المبسوط وجماعة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنا نأمر صبياننا [بالصيام] إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ، وإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء سبع سنين - كما في المختلف - بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا) ولكن الموجود في غيره (إذا كانوا أبناء تسع سنين) (1).
(6) كما عن المحقق في المعتبر أنه يمرّن لست سنين وليس له مستند ظاهر.
(7) لصحيح الحلبي المتقدم ، ولمرسل الفقيه عن الصادق عليه السلام (الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه ، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت ، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر) (2).
(8) أما نية الوجوب فلأن الغرض هو التعود على فعل تمام الأجزاء والشرائط بما فيها نية الوجوب ، وأما نية الندب فلأن الصوم له ليس بواجب.
ص: 153
(والمريض يتبع ظنه) (1) فإن ظن الضرر به أفطر ، وإلا صام ، وإنما يتبع ظنه في الإفطار ، أما الصوم فيكفي فيه اشتباه الحال (2) ، والمرجع في الظن إلى ما يجده ولو بالتجربة في مثله سابقا ، أو بقول من يفيد قوله الظن ولو كان كافرا ، ولا فرق في الضرر بين كونه لزيادة المرض ، وشدة الألم بحيث لا يتحمل عادة ، وبطء برئه (3) ، وحيث يحصل الضرر ولو بالظن لا يصح الصوم ، للنهي عنه (فلو تكلفه مع ظن الضرر قضى) (4).
(وتجب فيه النية) (5) وهي القصد إلى فعله (6) (المشتملة على الوجه) من وجوب ، أو ندب (7) ، (والقربة) (8) أما القربة فلا شبهة في وجوبها ، وأما الوجه ففيه ما مر (9) ، خصوصا في شهر رمضان ، لعدم وقوعه على وجهين (10) ،
(وتعتبر) النية (لكل ليلة) (11) أي فيها ، (والمقارنة بها) ، لطلوع الفجر (12) (مجزئة) على الأقوى إن اتفقت ، لأن الأصل في النية مقارنتها للعبادة المنوية ، وإنما
______________________________________________________
(1) ويدل عليه موثق سماعة (سألته : ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار ، كما يجب عليه في السفر ، قال : هو مؤتمن عليه مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفا فليفطر ، وإن وجد قوة فليصمه ، كان المرض ما كان) (1) ومثله غيره ، وإطلاقه يشمل القطع والظن.
(2) أي مع الشك في الضرر فلا يجوز له الإفطار بل يجب عليه الصوم ، لأن الشك في الضرر شك في حصول المجوّز للإفطار ، والأصل عدمه.
(3) كل ذلك لإطلاق النصوص.
(4) للأمر بالإفطار الدال على عدم وجوب الصوم عليه ولازمه قضاؤه بعد ارتفاع المرض.
(5) للإجماع المدعى عن جماعة ، وهو المرتكز في أذهان المتشرعة.
(6) تقدم الكلام فيها في الوضوء والصلاة.
(7) قد عرفت أن الوجه ليس معتبرا في النية.
(8) لأنها المقدمة لعبادية الفعل.
(9) في بحثي الوضوء والصلاة.
(10) بل هو متعين للوجوب بحسب أوامر الكتاب والسنة.
(11) كما هو ظاهر الأصحاب ، وعن المنتهى الإجماع عليه.
(12) بحيث لو تأخرت عن طلوع الفجر الذي هو أول وقت الصوم للزم وقوع بعضه بلا نية.
ص: 154
اغتفرت هنا للعسر ، وظاهر جماعة (1) تحتم إيقاعها ليلا. ولعله لتعذر المقارنة ، فإن الطلوع لا يعلم إلا بعد الوقوع ، فتقع النية بعده ، وذلك غير المقارنة المعتبرة فيها ، وظاهر الأصحاب أن النية للفعل المستغرق للزمان المعين يكون بعد تحققه (2) ، لا قبله (3) لتعذره كما ذكرناه ، وممن صرح به المصنف في الدروس في نيات أعمال الحج ، كالوقوف بعرفة ، فإنه جعلها مقارنة لما بعد الزوال فيكون هنا كذلك ، وإن كان الأحوط (4) جعلها ليلا (5) ، للاتفاق على جوازها فيه.
((والناسي لها) ليلا ((يجددها إلى الزوال) (6) بمعنى أن وقتها يمتد إليه ولكن يجب الفور بها عند ذكرها (7) ، فلو أخّرها عنه عامدا بطل الصوم. هذا في شهر رمضان ، والصوم المعين ، أما غيره (8) كالقضاء والكفارة والنذر المطلق فيجوز تجديدها قبل الزوال وإن تركها قبله عامدا (9) ، بل ولو نوى الإفطار ، وأما صوم
______________________________________________________
(1) كما عن ابن أبي عقيل من وجوب ذلك لتعذرها أو تعسرها مقارنة للطلوع ، وإن كان ظاهر كلمات الأصحاب وعليه الإجماع جواز إيقاعها ليلا ، لا تحتم ذلك.
(2) أي تحقق الزمان المعين ، وأشكل عليه بأن لازمه وقع الفعل في أول الزمان بدون نية.
(3) أي لا قبل تحققه لأن مقارنة النية للتحقق متعذر.
(4) وهو الأقوى.
(5) وكذا نية أعمال الحج فيؤتى بها قبل زمان فعلها وسيأتي التعرض لذلك في بابه ، هذا كله بناء على أن النية اخطارية ، وقد عرفت في مبحث الوضوء أنها قصدية والقصد وإن وقع قبل الفعل وزمانه لكنه يستمر مقارنا إلى آخر. الفعل.
(6) عن المنتهى أنه موضع وفاق بين الأصحاب ، ويستدل له بفحوى ما ورد في المسافر إذا حضر قبل الزوال وسيأتي دليله.
(7) لزوال عذر النسيان.
(8) غير المعين.
(9) بشرط عدم فعل المنافي ، بلا خلاف فيه ، ويدل عليه أخبار منها : صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام (في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ، ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ، وإن لم يكن نوى ذلك من الليل ، قال عليه السلام : نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا) (1).
ص: 155
النافلة فالمشهور أنه كذلك (1) ، وقيل : بامتدادها فيه إلى الغروب ، وهو حسن وخيرة المصنف في الدروس.
(والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنية واحدة للشهر) شهر رمضان ، (وادّعى المرتضى) في المسائل (الرّسيّة فيه الإجماع) ، وكذا ادعاه الشيخ [رحمه الله] ، ووافقهم من المتأخرين المحقق في المعتبر ، والعلامة في المختلف ، استنادا إلى أنه عبادة واحدة (2) ، (والأول) وهو إيقاعها لكل ليلة (أولى) ، وهذا يدل على اختياره الاجتزاء بالواحدة ، وبه صرح أيضا في شرح الإرشاد ، وفي الكتابين (3) اختار التعدد.
وفي أولوية تعددها عند المجتزئ بالواحدة نظر (4) ، ...
______________________________________________________
(1) لخبر ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال عليه السلام : أليس هو بالخيار ما بينه ونصف النهار) (1).
وقيل إلى الغروب كما عن الصدوق والشيخ وابني حمزة وزهرة والحلي والعلامة والشهيد في الدروس لموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة ، قال عليه السلام : هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم فإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء) (2).
(2) المستفاد من قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (3) ، وفيه : أن صوم كل يوم عبادة مستقلة لذلك تتعدد الكفارة بتعدده ، ولا يبطل صوم الشهر ببطلان بعض أيامه ، ولذا كان الأقوى النية لكل يوم إذا كانت النية اخطارية ، وأما إذا كانت على نحو الداعي والقصد فهي مستمرة من أول الشهر إلى آخره فهو بالخيار أن يقصد تمام الشهر أو يجعل لكل يوم نية على حدة.
(3) البيان والدروس.
(4) قال العلامة في المنتهى (لو قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة ، فإن الأولى تجديدها بلا خلاف) ، وأشكل عليه الشارح بأن القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة للشهر يقول بذلك بجعل الشهر عبادة واحدة ، ومن شأن العبادة الواحدة أن لا يجوز تفريق النية على أجزائها. -
ص: 156
لأن جعله (1) عبادة واحدة يقتضي عدم جواز تفريق النية على أجزائها (2) ، خصوصا عند المصنف فإنه قطع بعدم جواز تفريقها على أعضاء الوضوء (3) ، وإن نوى الاستباحة المطلقة ، فضلا عن نيتها لذلك العضو. نعم من فرق بين العبادات وجعل بعضها مما يقبل الاتحاد والتعدد كمجوز تفريقها في الوضوء يأتي عنده هنا الجواز ، من غير أولوية ، لأنها (4) تناسب الاحتياط وهو منفي (5) ، وإنما الاحتياط هنا الجمع ، بين نية المجموع ، والنية لكل يوم. ومثله (6) يأتي عند المصنف في غسل الأموات ، حيث اجتزأ في الثلاثة بنية واحدة لو أراد الاحتياط بتعددها لكل غسل ، فإنه لا يتم إلا بجمعها ابتداء. ثم النية للآخرين (7).
(ويشترط في ما عدا شهر رمضان التعيين) (8) لصلاحية الزمان ولو بحسب
______________________________________________________
- وهو مدفوع : لأن أجزاء العبادة هنا منفصلة بعضها عن بعض فلا يبطل صوم بعضها ببطلان البعض الآخر.
(1) أي جعل الشهر.
(2) أي أجزاء العبادة الواحدة.
(3) فرق فارق بين الوضوء وشهر رمضان بالنسبة إلى أجزائهما كما هو واضح.
(4) أي الأولوية تناسب الاحتياط ، وأولوية التعدد على الواحدة لأنه لا خلاف في التعدد.
(5) أي الاحتياط القاضي بالتعدد ، لأن الاحتياط يقتضي الجمع كما قال الشارح ، وفيه : إن وجه الأولوية ليس ناشئا من احتياط التعدد ، بل لاحتمال أن لا يكون الشهر عبادة واحدة بل هو المظنون ظنا قويا ، والأمر به في الآية المتقدمة منحل إلى أوامر بعدد أيام الشهر بدليل أن صوم يوم لا يضره بطلان صوم في يوم آخر.
هذا فضلا عن أن قياس الوضوء ونظائره ، على شهر رمضان ليس في محله.
(6) أي ومثل هذه الاحتياط بالجمع ، الاحتياط في نية غسل الميت ، فإنه يقتضي الإتيان بنية الجميع ، ابتداء ثم النية لكل غسل على حدة ، ولا يقتضي الاحتياط الإتيان بالنية لكل غسل فقط ترجيحا على الاكتفاء بالنية الواحدة ، وفيه : إن المصنف لم يصرح في شي ء من كتبه بأن نية التعدد أولى من نية الواحد ، في غسل الأموات مع جعل الأولوية ناشئة من الاحتياط حتى يرد عليه هذا الإشكال ، بل غاية ما صرح باجتزاء الواحدة.
(7) لأن نية الغسل الأول قد تحققت وعند نية الجميع ، وقد عرفت أن الاحتياط يقتضي نية للجميع ، ونية لكل غسل حتى الغسل الأول.
(8) أما شهر رمضان فلا يشترط تعيينه ، لأن التعيين فرع قابلية المورد للترديد ، ولا يصح في -
ص: 157
الأصل له ، ولغيره ، بخلاف شهر رمضان ، لتعينه شرعا للصوم فلا اشتراك فيه حتى يتميز بتعينه ، وشمل ما عداه النذر المعين. ووجه دخوله ما أشرنا إليه من عدم تعينه بحسب الأصل ، والأقوى إلحاقه بشهر رمضان ، إلحاقا للتعيين العرضي بالأصلي ، لاشتراكهما في حكم الشارع به (1) ، ورجحه في البيان ، وألحق (2) به الندب المعين كأيام البيض ، وفي بعض تحقيقاته مطلق المندوب ، لتعينه شرعا في جميع الأيام ، إلا ما استثني ، فيكفي نية القربة وهو حسن. وإنما يكتفى في شهر رمضان بعدم تعيينه بشرط ألا يعين غيره ، وإلا بطل فيهما على الأقوى (3) ، لعدم نية المطلوب شرعا ، وعدم وقوع غيره فيه هذا مع العلم ، أما مع الجهل به (4) كصوم آخر شعبان بنية الندب ، أو النسيان فيقع (5) عن شهر رمضان.
______________________________________________________
- شهر رمضان صوم غيره فلا مجال للترديد وأما الواجب المعين كالمعين بنذر فكذلك ، لأنه زمان تعين بالنذر فكان كشهر رمضان ، وعن المشهور أنه مفتقر إلى التعيين لأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم فيفتقر إلى التعيين كالنذر المطلق وأما الواجب غير المعين كالكفارة والقضاء فلا خلاف في التعيين لأن الفعل العبادي لا يتعين بخصوصياته إلا بقصدها ، ومثله المندوب إلا المندوب المعين كأيام البيض فقد استثناه الشهيد في البيان ، بل نقل عنه في بعض تحقيقاته أنه الحق المندوب مطلقا بالمتعين لتعينه شرعا في جميع الأيام إلا ما استثني ، واستحسنه الشارح في الروضة هنا.
(1) بالتعيين.
(2) أي المصنف.
(3) لأن ما قصد لم يقع لأن المطلوب هو صوم شهر رمضان ، والمطلوب غير مقصود حتى يقع ، وعن السيد والشيخ في المبسوط الاجتزاء لأن النية المفروضة هي القربة وهذا حاصل هنا ، وما زاد لغو لا عبرة به.
(4) أي بشهر رمضان.
(5) للأخبار منها : موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يصام يوم الشك من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك ، وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله ، وبما قد وسّع على عباده ، ولو لا ذلك لهلك الناس) (1) وهو وارد في صورة الجهل ، ومنه يعرف حكم النسيان لاشتراكهما في العذر.
ص: 158
(ويعلم) شهر رمضان (برؤية الهلال) (1) فيجب على من رآه وإن لم يثبت في حق غيره ، (أو شهادة عدلين) (2) برؤيته مطلقا (3) ، (أو شياع) (4) برؤيته وهو إخبار جماعة بها تأمن النفس من تواطئهم على الكذب ويحصل بخبرهم الظن المتاخم للعلم ، ولا ينحصر في عدد نعم يشترط زيادتهم عن اثنين ، ليفرق بين العدل وغيره ، ولا فرق بين الكبير والصغير والذكر والأنثى والمسلم والكافر ، ولا بين
______________________________________________________
(1) لأنه مع العلم فالحجة ذاتية له ، وللأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فأفطر) (1).
(2) بلا خلاف في الجملة للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال علي عليه السلام : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين) (2).
وعن جماعة منهم الشيخ والصدوق وبنو حمزة وزهرة والبراج والحلبي عدم قبول شهادتهما إذا لم يكن في السماء علة ، إذا كانا من أهل البلد ، نعم تقبل شهادتهما إذا كانا من خارج البلد لخبر إبراهيم بن عثمان الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال : إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤده بالتظني ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد : قد رأيته ، ويقول الآخرون : لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر) (3) ، وخبر حبيب الخزاعي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة ، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر ، وكان بالمصر علة ، فأخبرا أنهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية) (4). وحملت هاتان الروايتان على عدم عدالة الشهود وحصول التهمة في إخبارهم فاشترط أكثر من اثنين ليحصل الشياع المفيد للعلم وهو غير بعيد جمعا بين الأخبار.
(3) سواء شهدا عند الحاكم وردت شهادتهما أو لا.
(4) لأنه مفيد للعلم أو الاطمئنان الذي هو علم عادي ، وكلاهما حجة.
ص: 159
هلال رمضان وغيره ، ولا يشترط حكم الحاكم في حق من علم به (1) ، أو سمع الشاهدين ، (أو مضى ثلاثين) يوما (من شعبان لا) (2) بالشاهد (الواحد في أوله) (3) ، خلافا لسلار (رحمه الله) حيث اكتفى به فيه بالنسبة إلى الصوم خاصة ، فلا يثبت لو كان منتهى أجل دين ، أو عدة ، أو مدة ظهار ونحوه. نعم يثبت هلال شوال بمضي ثلاثين يوما منه (4) تبعا (5) وإن لم يثبت (6) أصالة بشهادته (7).
(ولا يشترط الخمسون مع الصحو) كما ذهب إليه بعضهم (8) ، استنادا إلى رواية حملت على عدم العلم بعدالتهم ، وتوقف الشياع عليهم ، للتهمة كما يظهر من الرواية ، لأن الواحد مع الصحو إذا رآه جماعة غالبا.
______________________________________________________
(1) أي بشهر رمضان وذلك فيما لو رآه وحكم الحاكم بعدمه.
(2) لحصول العلم حينئذ بدخول شهر رمضان لعدم وجود شهر هلالي أكثر من ثلاثين يوما ، وللأخبار منها : خبر الواسطي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوما ، وصوموا الواحد وثلاثين) (1).
(3) كما عن سلار الاكتفاء في الصوم دون الإفطار واستشهد بصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا رأيتم الهلال فافطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل ، وإن غمّ عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا) (2) ، وفيه : إن النسخ مختلفة ففي بعضها بينة عدل من المسلمين ، وفي بعضها (إذا رأيتم الهلال فافطروا واشهدوا عليه عدولا من المسلمين) فضلا عن أن مورد الرواية هلال شوال وهو خلاف المدعى من جواز الاكتفاء بالواحد في هلال رمضان ، على أن هذا الخبر لا يصلح لمعارضة الأخبار المستفيضة الدالة على اشتراط عدلين.
(4) من شهر رمضان.
(5) إذا ثبت أول شهر رمضان بشهادة الواحد على مبنى سلار ، فالقول بثبوت أول رمضان بشهادة الواحد ليس في محله.
(6) هلال شوال.
(7) أي بشهادة الواحد حتى على مبنى سلّار.
(8) تقدم الكلام فيه.
ص: 160
(ولا عبرة بالجدول) (1) وهو حساب مخصوص مأخوذ من تسيير القمر ومرجعه إلى عد شهر تاما وشهر ناقصا ، في جميع أيام السنة مبتدئا بالتام من المحرم ، لعدم ثبوته شرعا (2) ، بل ثبوت ما ينافيه (3) ، ومخالفته مع الشرع للحساب (4) أيضا ، لاحتياج تقييده بغير السنة الكبيسية ، أما فيها فيكون ذو الحجة تاما.
(والعدد) وهو عد شعبان ناقصا أبدا ، ورمضان تاما أبدا (5) ...
______________________________________________________
(1) ذهب إليه بعض العامة ، ونقله الشيخ في الخلاف عن بعض الخاصة ووصفه بالشذوذ ، واستدل لهم بقوله تعالى : ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (1).
وفيه : إن الآية تفيد أن النجم يهتدى به لمعرفة الأوقات ومعرفة البلدان والطرق ، على أن الجدول هو حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر واجتماعه مع الشمس ، وأهل الجدول والتقويم يثبتون أول الشهر بمعنى جواز رؤيته ، بل بمعنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس مع أنه قد يتأخر ولا يمكن رؤيته ، والشارع قد علّق أحكام الصوم على رؤية الهلال لا على التأخر المذكور ، هذا فضلا عن أن الجدول مبني على كون شهر رمضان تاما دائما لأنه الشهر التاسع لو ابتدأنا بمحرم تاما كما هو ديدنهم في ذلك ، ولعل من قال منا بالجدول استند إلى الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام بأن شهر رمضان تام دائما وسيأتي التعرض لها وأنها معارضة بغيرها ، مع القطع بأن مبنى الجدول المتقدم ليس مبنيا على أمر قطعي قد دل عليه العقل أو الشرع بل على أمر ظني ، والظن ليس بحجة.
(2) كما في صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان) (2) ومثله غيره ، وهو ينفي الجدول لأن شهر رمضان فيه تام ، والترجيح له وإن عورض بما دل على أن شهر رمضان تام كخبر [ابن] منصور عن أبي عبد الله عليه السلام (شهر رمضان ثلاثون يوما ، لا ينقص أبدا) (3) ، وذلك لأن الطائفة الأولى أكثر عددا وموافقة لأخبار الرؤية ، وللوجدان.
(3) فيما لو كان شهران متتابعان ناقصين.
(4) أي كما أنه مخالف للشرع كما تقدم فهو مخالف للحساب ، لأنه مبني على كون السنة غير كبيسية ، وأما فيها فيكون ذو الحجة تاما ، وفيه : إنه لا يضر في جعل شهر رمضان تاما في الجميع سواء كانت السنة كبيسية أو لا.
(5) مال إليه الصدوق لأخبار تمامية وعدم نقصان شهر رمضان كما تقدم بعضها ، وقد تقدم أنها معارضة بما هو أكثر عددا وبما هو موافق للعلم والوجدان.
ص: 161
وبه فسره (1) في الدروس ، ويطلق (2) على عد خمسة من هلال الماضي (3) ، وجعل الخامس أو الحاضر (4) ، وعلى (5) عد شهر تاما ، وآخر ناقصا مطلقا ، وعلى عد تسعة وخمسين من هلال رجب (6) ، وعلى عد كل شهر ثلاثين (7). والكل لا عبرة به. نعم اعتبره بالمعنى الثاني (8) جماعة منهم المصنف في الدروس مع غمة الشهور كلها مقيدا بعد ستة في الكبيسية وهو موافق للعادة وبه روايات ، ولا بأس به.
أما لو غم شهر وشهران خاصة ، فعدهما ثلاثين أقوى (9) وفيما زاد نظر. من
______________________________________________________
(1) أي وبالعدد فسّر المصنف الجدول.
(2) أي العدد.
(3) أي شهر رمضان الماضي.
(4) المحكي عن عجائب المخلوقات للقزويني أنه قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا ، وبه أخبار منها : خبر الزعفراني (قلت لأبي عبد الله عليه السلام (إن السماء تطبق علينا بالعراق اليوم واليومين ، فأي يوم نصوم؟ قال عليه السلام : انظروا اليوم الذي صمت من السنة الماضية فعدّ منه خمسة أيّام ، وصم اليوم الخامس) (1) ، وهي ضعيفة السند فالترجيح لأخبار الرؤية ، نعم ذكر بعضهم أن اعتبار الخامس إنما يتم في غير السنة الكبيسية ، وأما فيها يكون يوم السادس ، وهو مروي في بعض الأخبار (2)2).
(5) أي ويطلق العدد على عدّ شهر تاما وآخر ناقصا من غير تقييد بجعل مبدأ التمام محرم الحرام ، ويطلق العدد على عدّ شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما ، ومال إليه المفيد وإليه ذهب الصدوق لأخبار تمامية شهر رمضان التي تقدم بعضها ، وقد عرفت أن العمدة على أخبار الرؤية.
(6) كما في مرفوع ابن أبي خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا صح هلال رجب فعدّ تسعة وخمسين يوما ، وصم يوم الستين) (3) ، وهو ضعيف السند فلا يصلح لمعارضة أخبار الرؤية.
(7) وهذا مما يكذبه الوجدان.
(8) أي صوم الخامس من هلال شهر رمضان الماضي ؛ وقد تقدم الكلام فيه.
(9) لأن الأصل عدم تحقق الشهر إلا بمضي ثلاثين يوما ، هذا في الشهر أو الشهرين ، وأما ما زاد فلا يعقل جريان الأصل - وهو الثلاثون لكل شهر - للقطع بخلاف العادة ، وبأن السنة أياما معدودة فلا بدّ من النقيصة في شهورها ، ولذا عمل جماعة منهم العلامة والشهيد في الدروس به برواية الخمسة من هلال الماضي ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب
ص: 162
تعارض الأصل والظاهر (1) ، وظاهر الأصول ترجيح الأصل (2).
(والعلوّ) (3) وإن تأخرت غيبوبته إلى بعد العشاء ، (والانتفاخ) (4) وهو عظم جرمه المستنير حتى رؤي بسببه قبل الزوال ، أو رؤي رأس الظل فيه (5) ، ليلة رؤيته.
(والتطوّق) (6) بظهور النور في جرمه مستديرا ، خلافا لبعض ، حيث حكم في ذلك بكونه الليلة الماضية.
(والخفاء ليلتين) في الحكم به بعدهما (7) ، خلافا لما روي في شواذ الأخبار
______________________________________________________
- إليه الأكثر - كما عن المسالك - على عدّ كل شهر ثلاثين مع غمة الشهور.
(1) وهو عدم توالي ثلاثة أو أربعة أشهر تامة.
(2) لعدم وجود غيره ما لم يعلم بمخالفته للواقع.
(3) الموجب لتأخير غيبوبته ، ذهب إليه الصدوق لخبر إسماعيل بن الحر عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين) (1) وهي لا تصلح لمعارضة أخبار الرواية.
(4) نقل عن المرتضى الذهاب إليه لخبر حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة) (2) ومثله غيره مع العلم أن انتفاخه يوجب رؤيته قبل الزوال ، ولكن لا عبرة به عند المشهور لخبر محمد بن عيسى (كتبت إليه عليه السلام : جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان ، فيرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السلام : تتم إلى الليل ، فإنه إذا كان تاما رؤي قبل الزوال) (3).
(5) أي يرى الظل في نور القمر بمعنى أن النور إذا كان خفيفا لا يرى من الظل إلا رأسه وحواشيه بحيث يمكن التمييز أن هذا نور وهذا ظل.
(6) لخبر ابن مرازم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث) (4) ، ومال إليه الشيخ في كتابي الأخبار عند غمّ الشهور ، وفيه : إنه معارض بإطلاق أخبار الرؤية.
(7) أي الحكم بدخول الشهر بعد هاتين الليلتين ، قال في الجواهر (لكني لم أقف على من -
ص: 163
من اعتبار ذلك كله.
(والمحبوس) (1) بحيث غمت عليه الشهور (يتوخى) أي يتحرى شهرا يغلب (على ظنه) أنه هو ، فيجب عليه صومه (فإن وافق) ، أو ظهر متأخرا ، أو استمر الاشتباه (أجزأ (2) وإن ظهر التقدم أعاد) ، ويلحق ما ظنه (3) حكم الشهر في وجوب الكفارة في إفساد يوم منه ، ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين ، لو لم ير الهلال وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة ، ولو لم يظن شهرا تخير في كل سنة شهرا (4) مراعيا للمطابقة بين الشهرين (5).
______________________________________________________
- أفتى باعتبار الخفاء ليلتين في الحكم بخروج الهلال بعدهما ، ولا خبر دال عليه) ، نعم وردت رواية في الخفاء ليلة من المشرق ، وهي خبر داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو هنا هلال جديد رأي أو لم ير) (1) وهو كذلك لا يعارض أخبار الرؤية ، وهذه الأخبار المعارضة لأخبار الرؤية على كثرتها يشكل ردها فلا بد من حملها على أنها علامات غالبية لكن لا يجوز الاعتماد عليها في ترتيب أحكام الصوم والإفطار بل المدار على أخبار الرؤية والأصول الجارية.
(1) بلا خلاف فيه لصحيح عبد الرحمن بن الحاج عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أيّ شهر هو؟ قال عليه السلام : يصوم شهرا يتوخاه ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه ، وإن كان بعد رمضان اجزأه) (2).
(2) بلا خلاف فيه لعدم ظهور مخالفة الواقع.
(3) أي إن الشهر المظنون يتعلق به حكم شهر رمضان من وجوب الكفارة بإفطار يوم منه ، ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين لو لم ير الهلال ، وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة ، هذا كله إذا استمر الاشتباه وإما إذا تبين الخلاف فيجب عدم الكفارة بإفطاره يوما منه للأصل بعد اختصاص النص المتقدم بالصوم فقط.
(4) قال في الجواهر (لا دليل على هذا التخيير) ، ومال بعضهم إلى سقوط الأداء ويتعين عليه القضاء فقط.
(5) أي بين شهر رمضان السابق وبين الشهر الذي يختاره بعنوان أنه شهر رمضان بحيث يكون بينهما أحد عشر شهرا.
ص: 164
(والكف) عن الأمور السابقة ، (وقته من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية) في الأشهر (1).
(ولو قدم المسافر) بلده ، أو ما (2) نوى فيه الإقامة عشرا ، سابقة (3) على الدخول ، أو مقارنة ، أو لاحقة قبل الزوال (4) ، ويتحقق قدومه برؤية الجدار ، أو سماع الأذان في بلده وما نوى فيه الإقامة قبله (5) ، أما لو نوى بعده فمن حين النية ، (أو برأ المريض قبل الزوال) ظرف للقدوم والبرء ، (ولم يتناولا شيئا) من مفسد الصوم (أجزأهما الصوم) ، بل وجب عليهما ، (بخلاف الصبي) إذا بلغ بعد الفجر ، (والكافر) إذا أسلم بعده (والحائض ، والنفساء) إذا طهرتا ، (والمجنون والمغمى عليه ، فإنه يعتبر زوال العذر) في جميع (قبل الفجر) (6) في صحته ووجوبه ، وإن استحب لهم الإمساك بعده (7) ، إلا أنه لا يسمى صوما.
______________________________________________________
(1) مبني على أن الغروب هل بسقوط القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية ، وقد تقدم البحث في كتاب الصلاة.
(2) أي أو بلدا نوى فيه الإقامة عشرا.
(3) قيد للنية.
(4) ولم يأكل فيجب عليه الصوم للأخبار منها : خبر أبي بصير (سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان ، فقال : إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به) (1) وخبر أحمد بن محمد (سألت أبا الحسن عليه السلام : عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال ، قال : يصوم) (2)2) وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (عن الرجل يترك شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في مكان ، هل عليه صوم؟ قال : لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام ، فإذا أجمع على مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة) (3) ، وإذا جاز للمسافر إذا انقطع سفره قبل الزوال أن يصوم بل يجب ، فكذلك المريض لو برأ قبل الزوال لعدم خصوصية المسافر.
(5) أي قبل القدوم.
(6) لأن هذه موانع عن صحته أو وجوبه فلا بد من ارتفاعها في جميع أجزاء زمان الصوم ولذا لو وقع العذر والمانع في الجزء الأخير بطل الصوم.
(7) أي بعد زوال العذر للأخبار منها : رواية الشيخ عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث : -
ص: 165
(ويقضيه) أي صوم شهر رمضان (كل تارك له (1) عمدا ، أو سهوا ، أو لعذر) من سفر ، أو مرض ، وغيرهما (2) ، (إلا الصبي والمجنون) إجماعا (3) ، (والمغمى عليه) في الأصح (4) ، (والكافر (5) الأصلي) ، أما العارضي كالمرتد (6)
______________________________________________________
- (وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها) (1)(2)(3).
هذا كله في غير الصبي ، وأما الصبي فإن بلغ بعد الطلوع فعن الخلاف والمعتبر وجوب الصوم عليه لإطلاق أدلته ، وفيه : إنه منصرف إلى من يكون بالغا في جميع أجزاء زمن الصوم لا في مثل هذه الفرض.
(1) لعموم أدلة وجوب القضاء مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء) (4).
(2) كالإفطار تقية أو كرها.
(3) فلا يقضي الصبي والمجنون ما فاتهما زمن الصبا والجنون لحديث رفع القلم (رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق) (5) ، وهو يستوجب الرفع أداء وقضاء.
(4) فلا يقضي ما فاته حال الإغماء على المشهور لصحيح أيوب بن نوح (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر ، هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب عليه السلام : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة) (6) ومثله غيره ، وعن الشيخ والمفيد والمرتضى أنه يقضي إن لم تسبق منه النية ، وإن سبقت فلا يقضي وليس بهم دليل ظاهر كما عن المستمسك.
(5) لا يقضي ما فاته حال الكفر بلا خلاف لحديث (الإسلام يجب ما قبله) (5) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ، ما عليه من صيامه؟ قال : ليس عليه إلا ما أسلم فيه) (6).
(6) فيقضي ما فاته حال الكفر بارتداده ، بلا خلاف ، وعن المدارك أنه قطعي ، لدخوله تحت عموم وجوب القضاء مثل صحيح الحلبي المتقدم.
ص: 166
فيدخل في الكلية (1) ، ولا بد من تقييدها بعدم قيام غير القضاء مقامه ، فيخرج الشيخ والشيخة ، وذو العطاش ، ومن استمر به المرض إلى رمضان آخر فإن الفدية تقوم مقام القضاء (2).
(ويستحب المتابعة في القضاء) (3) ، لصحيحة عبد الله بن سنان ، (ورواية عمار عن الصادق (ع) تتضمن استحباب التفريق) (4) ، وعمل بها بعض الأصحاب ، لكنها تقصر عن مقاومة تلك ، فكان القول الأول أقوى ، وكما لا تجب المتابعة لا يجب الترتيب (5) ، فلو قدم آخره أجزأه وإن كان (6) أفضل. وكذا لا ترتيب بين القضاء والكفارة (7) وإن كانت صوما.
مسائل
(الأولى. من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم في الأشهر) (8) أما الصلاة فموضع وفاق ، وإنما الخلاف في الصوم ، من حيث عدم اشتراطه
______________________________________________________
(1) أي من فاتته الفريضة فعليه قضاؤها.
(2) سيأتي البحث في الشيخ والشيخة وذي العطاش ومن استمر به المرض إلى شهر رمضان الآخر.
(3) لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا فحسن) (1) ومثله غيره.
(4) قاله بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر بأن يتابع في ستة أيام ، ويفرّق في الباقي لخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ، كيف يقضيها؟ قال عليه السلام : أن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة أيام فليفطر بينهما أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية ، وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أيام أفطر بينهما يوما) (2) وهي لا تصلح لمعارضة الأخبار السابقة لأنها أكثر عددا وأصح سندا.
(5) أي لا يجب ترتيب قضاء أيام شهر رمضان كما كانت حال الأداء ، بلا خلاف ، لإطلاق أدلة القضاء ، ووجوب الترتيب في الأداء إنما كان من ضرورة الوقت.
(6) أي الترتيب.
(7) بلا خلاف ، لأصالة البراءة عند الشك في شرطية الترتيب.
(8) بل على الأكثر لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أجنب في شهر رمضان
ص: 167
بالطهارة من الأكبر إلا مع العلم ، ومن ثمّ لو نام جنبا أولا فأصبح يصح صومه ، وإن تعمد تركه طول النهار فهنا أولى (1) ، ووجه القضاء فيه صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام وغيرها ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين اليوم والأيام وجميع الشهر ، وفي حكم الجنابة الحيض والنفاس لو نسيت غسلهما بعد الانقطاع (2) ، وفي حكم رمضان المنذور المعين. ويشكل الفرق على هذا (3) بينه ، وبين ما ذكر (4) من عدم قضاء ما نام فيه وأصبح.
وربما جمع بينهما (5) بحمل هذا على الناسي ، وتخصيص ذاك بالنائم عالما عازما (6) ، فضعف (7) حكمه بالعزم ، أو بحمله (8) على ما عدا النوم الأول ولكن
______________________________________________________
- فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان ، قال عليه السلام : عليه أن يقضي الصلاة والصيام) (1) ومثله خبر إبراهيم بن ميمون (2). وعن ابن إدريس ومال إليه المحقق والعلامة في بعض كتبه أنه يقضي الصلاة فقط لمكان الحدث ، ولا يقضي الصوم لعدم ثبوت اشتراطه بالطهارة من الأكبر إلا مع العلم ، ومن ثمّ لو نام جنبا صح صومه وإن تعمد ترك الغسل طول النهار فهنا أولى ، وإلا فما الفرق بين ما إذا أجنب ونسي وبين ما إذا اجنب ونام حتى أصبح فكيف صح صومه في الثاني دون الأول مع أن كليهما مشترك في كونه عذرا ، وردّ بأن الجنابة من حيث النوم لا تقتضي الإفطار ، والجنابة من حيث النسيان تقتضيه وعليه فلا تعارض بينهما كما لا تنافي بين المقتضي واللامقتضي في سائر المقامات ، واشتراكهما في العذر من ناحية العقاب لا من ناحية تأثير الجنابة.
(1) لأنه ترك الغسل طول النهار نسيانا لا عمدا.
(2) بناء على عدم خصوصية الجنابة في الأخبار المتقدمة ، وكذا في حكم صوم شهر رمضان صوم النذر المعين وقضاء شهر رمضان لعدم الفرق بين أقسام الصوم في الاشتراط بالطهارة.
(3) أنه يقضي الصوم لو نسي غسل الجنابة.
(4) وهو من أجنب فنام حتى الصباح فلا يجب القضاء.
(5) قد عرفت الجمع بينهما.
(6) حال من النائم.
(7) أي خفف الحكم عليه بعدم القضاء بسبب عزمه على الغسل وإلا فيصدق عليه أنه متعمد البقاء على الجنابة كما مرّ ، بخلاف الناسي فلا عزم له ولازمه أنه لا تخفيف عليه.
(8) أي بحمل ما دل على القضاء في الناسي على الناسي للجنابة بعد النوم الأول بأن استيقظ
ص: 168
لا يدفع إطلاقهم (1) ، وإنما هو جمع بحكم آخر ، والأول أوفق بل لا تخصيص فيه (2) لأحد النصين ، لتصريح ذاك بالنوم عامدا عازما ، وهذا بالناسي.
ويمكن الجمع أيضا بأن مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر ، فيفرق بين اليوم والجميع عملا بمنطوقهما (3) ، إلا أنه يشكل بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض ، لاشتراكهما في المعنى ، إن لم يكن أولى (4) ونسب المصنف القول إلى الشهرة دون القوة ، وما في معناها ، إيذانا بذلك (5) ، فقد رده ابن إدريس والمحقق لهذا (6) ، أو لغيره (7).
(ويتخير قاضي) شهر (رمضان) (8) ...
______________________________________________________
- قبل الفجر فنسي الجنابة ثم أصبح بالنومة الثانية وبحمل ما دل على عدم القضاء فيما لو أجنب ثم نام عازما على الغسل فأصبح.
(1) أي إطلاق الفقهاء حيث حكموا بوجوب القضاء على الناسي سواء نام أو لا وسواء كان في اليوم الأول أو لا.
(2) في الجمع الأول ، وهذا بيان الأوفقية.
(3) بحيث يقضي الناسي إذا نسي الغسل حتى خرج الشهر ، أما لو أجنب فنسي ونام حتى أصبح فلا يقضي لعدم قضاء الجنب إذا كان في النوم الأول كما تقدم دليله سابقا.
(4) بل قضاء البعض أولى من قضاء الجميع ، لأن قضاء الجميع أشد مشقة.
(5) بهذا الإشكال.
(6) أي لهذا الإشكال كما عن المحقق.
(7) أي لغير الإشكال كما عن ابن إدريس لعدم عمله بخبر الواحد.
(8) أي قاضي شهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره ، ويحرم بعده للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من أصبح وهو يريد الصيام ، ثم بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثم يقضي ذلك اليوم) (1) ، وموثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوع ما بينه وبين أن -
ص: 169
بين البقاء عليه (1) ، والإفطار (ما بينه) الضمير يعود إلى الزمان الذي هو ظرف المكلف المخير ، وما ظرفية زمانية أي : يتخير في المدة التي بينه حال حكمنا عليه بالتخيير ، (وبين الزوال) حتى لو لم يكن هناك (2). بأن كان فيه (3) ، أو بعده فلا تخيير ، إذ لا مدة ويمكن عوده (4) إلى الفجر بدلالة الظاهر بمعنى تخييره ما بين الفجر والزوال هذا مع سعة وقت القضاء.
أما لو تضيق بدخول شهر رمضان المقبل لم يجز الإفطار ، وكذا لو ظن الوفاة قبل فعله (5) ، كما في كل واجب موسع (6) ، لكن لا كفارة هنا بسبب الإفطار ، وإن وجبت الفدية مع تأخيره عن رمضان المقبل ، واحترز بقضاء رمضان عن
______________________________________________________
- تغيب الشمس) (1) نعم ورد في بعض الأخبار ما يدل بظاهره على حرمة الإفطار قبل الزوال كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألته عن الرجل يقضي رمضان ، أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ قال : إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر وليتم صومه) (2)2) وربما أشعر من أبي الصلاح الميل إلى تحريم الإفطار قبل الزوال لهذا الخبر ، مع أنه محمول على الكراهة جمعا بين الأخبار.
هذا كله مع اتساع وقت القضاء ، وأما مع تضيقه فيحرم الإفطار فيه قبل الزوال لحرمة التأخير عن شهر رمضان المقبل أو عند ظهور أمارات الموت لكن لا تجب الكفارة لعدم الدليل ، ولا يلحق بقضاء شهر رمضان غيره من الواجبات الموسعة كالنذر المطلق وصوم الكفارة بل يجوز الإفطار قبل الزوال وبعده ، عملا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض ، وعن أبي الصلاح وجوب المضي في كل صوم واجب قد شرع فيه لحرمة قطعه كما هو مفاد قوله تعالى : ( وَلٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ ) (3).
(1) على القضاء.
(2) أي بينونة.
(3) في الزوال.
(4) أي الضمير في قول المصنف (ما بينه).
(5) أي فعل القضاء.
(6) أي فإنه يتضيق عند ظن الوفاة.
ص: 170
غيره ، كقضاء النذر المعين ، حيث أخلّ به في وقته (1) فلا تحريم فيه (2) ، وكذا كل واجب غير معين كالنذر المطلق والكفارة ، إلا قضاء رمضان ولو تعين لم يجز الخروج منه مطلقا (3) ، وقيل : يحرم قطع كل واجب ، عملا بعموم النهي عن إبطال العمل ، ومتى زالت الشمس حرم قطع قضائه ، (فإن أفطر بعده أطعم (4) عشرة مساكين) كل مسكين مدا ، أو إشباعه ، (فإن عجز) عن الإطعام (صام ثلاثة أيام) ، ويجب المضي فيه مع إفساده (5) والظاهر تكررها بتكرر السبب كأصله (6).
(الثانية. الكفارة في شهر رمضان) (7) ...
______________________________________________________
(1) بحيث لم يصم في الوقت المحدد في النذر.
(2) أي في الإفطار بعد الزوال في قضاء النذر المعين.
(3) قبل الزوال أو بعده.
(4) على الأكثر ، للأخبار منها : خبر بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال عليه السلام : إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلا يوم مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين ، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع) (1) ، وعن ابن البراج أنها كفارة يمين ، وعن أبي الصلاح الحلبي أنها مخيّرة بين صيام ثلاثة أو إطعام عشرة مساكين وليس لهما مستند ظاهر ، وعن ابني بابويه أنها كفارة شهر رمضان لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل صام قضاء من شهر رمضان ، فأتى النساء ، قال عليه السلام : عليه من الكفارة [مثل] ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان) (2). وحملت على الاستحباب.
(5) للاستصحاب ، ولوجوب الإمساك في صوم رمضان لو أفسده فكذا في قضائه لاتحاد الحكم فيهما ، ونعم ما قال في الجواهر (مع أن حقيقة هذا الإمساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا ، فما في الروضة ومحكي الدروس من الوجوب واضح الضعف).
(6) وهو شهر رمضان ، قال في الجواهر (لو قلنا بتكررها في شهر رمضان لا نقول بتكررها في قضائه لأنه قياس) وفيه : إنه ليس من باب القياس بل من باب الاعتماد على أصالة عدم تداخل الأسباب لو قلنا بوجوب الإمساك وقد عرفت ضعفه فالحق مع صاحب الجواهر.
(7) قيل : إنها مخيّرة على المشهور للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي -
ص: 171
(والنذر المعين (1) والعهد) (2) في أصح الأقوال فيهما (3) (عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا) ، وقيل : هي مرتبة بين الخصال الثلاث ، والأول أشهر (ولو أفطر على محرم) (4) أي أفسد صومه به (مطلقا) أصليا
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر ، قال عليه السلام : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا) (1).
وعن ابن أبي عقيل والمرتضى في أحد قوليه أنها مرتبة لخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال عليه السلام : عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، فإن لم يجد فليستغفر الله) (2)(3)(4) ، ومثله غيره ، لكن الترجيح للطائفة الأولى لأنها أكثر عددا وأصح سندا.
(1) إنها مخيّرة على المشهور لصحيح جميل عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عمن جعل لله عليه أن لا يركب محرّما سماه فركبه ، قال : ولا أعلمه إلا قال : فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستين مسكينا) (3).
وعن النافع والمسالك وهو المحكي عن الصدوق وسيد المدارك أنها كفارة يمين ، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولا يسميه ، قال : إن سميت فهو ما سميت ، وإن لم تسم شيئا فليس بشي ء ، فإن قلت لله عليّ فكفارة يمين) (4).
وعن سلّار والكراجكي وظاهر غيرهما أن كفارة النذر كفارة ظهار وهي كفارة مرتبة ودليلهم غير ظاهر.
(2) فعلى المشهور هي مخيّرة للأخبار منها : خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية ، ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال عليه السلام : يعتق رقبة ، أو يتصدق بصدقة ، أو يصوم شهرين متتابعين) (5).
وعن المفيد أنها مرتبة ككفارة قتل الخطأ ومستنده غير ظاهر.
(3) في النذر والعهد.
(4) ذهب الأكثر إلى أنها مخيرة سواء كان الإفطار على حلال أو حرام لإطلاق أخبار من أفطر
ص: 172
كان تحريمه كالزنا والاستمناء ، وتناول مال الغير بغير إذنه ، وغبار ما لا يجوز تناوله ، ونخامة الرأس إذا صارت في الفم ، أم عارضيا (1) كوطء الزوجة في الحيض ، وماله النجس (فثلاث كفارات) وهي أفراد المخيرة سابقا مجتمعة على أجود القولين ، للرواية الصحيحة عن الرضا (ع). وقيل : واحدة كغيره ، استنادا إلى إطلاق كثير من النصوص. وتقييده بغيره طريق الجمع.
(الثالثة. لو استمر المرض) الذي أفطر معه في شهر رمضان (إلى رمضان آخر فلا قضاء) لما أفطره ، (ويفدي عن كل يوم بمد) من طعام في المشهور ، والمروي (2) ، وقيل : القضاء لا غير ، وقيل : بالجمع ، وهما نادران ، وعلى المشهور
______________________________________________________
- عمدا وقد تقدم بعضها ، وعن الصدوق والشيخ في كتابي الحديث والوسيلة والجامع وجملة من كتب العلامة وعن الشهيدين وغيرهم أن كفارته هي كفارة جمع بين الخصال الثلاثة لخبر عبد السّلام بن صالح (قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله قد روي عن آبائك عليهم السلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروي عنهم عليهم السلام أيضا كفارة واحدة ، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال عليه السلام : بهما جميعا ، متى جامع الرجل حراما ، أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات ، عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة ، وإن كان ناسيا فلا شي ء عليه) (1).
وأشكل على الخبر باشتماله على عبد الواحد بن محمد بن عبدوس ، وعلى علي بن محمد بن قتيبة ، وعلى عبد السّلام بن صالح الهروي وهو ليس في محله إذ الأول من مشايخ الصدوق المعتبرين ، والثاني وثقه العلامة في الخلاصة ، والثالث كذلك بالإضافة إلى أن العلامة قد حكم بتصحيح الخبر كما عن التحرير في كتاب الكفارات فالعمل عليه متعين.
(1) لإطلاق النص.
(2) للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر ، فقالا : إن كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه ، وتصدق عن كل يوم بمدّ من طعام عن مسكين ، وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق -
ص: 173
لا تتكرر الفدية بتكرر السنين (1) ، ولا فرق بين رمضان واحد وأكثر (2) ، ومحل الفدية مستحق الزكاة لحاجته (3) وإن اتحد (4) ، وكذا كل فدية ، وفي تعدي الحكم إلى غير المرض ، كالسفر المستمر وجهان (5) ، أجودهما ...
______________________________________________________
- عن الأول لكل يوم مدّ على مسكين وليس عليه قضاؤه) (1).
وعن ابن أبي عقيل والصدوق والخلاف والغنية والسرائر أنه يجب القضاء لا غير لخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل ، قال : عليه أن يصوم وأن يطعم كل يوم مسكينا ، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح) (2)2) والترجيح للطائفة الأولى لأنها أكثر عددا وأصح سندا.
وعن ابن الجنيد القضاء والفدية معا وليس له مستند ظاهر إلا دعوى الجمع بين الطائفتين المذكورتين وفيه : إنهما متنافيان صراحة حيث إن الأولى تنفي القضاء بالنص والأخرى تنفي الفدية بالحصر ، فالجمع بينهما إخراج لهما عن ظاهرهما مع أن الجمع لو تم لتم بالتخيير أيضا.
(1) على الأكثر بمعنى لو أخّر الفدية إلى سنين عديدة فتكفيه فدية تأخير واحدة لصدق الامتثال بالمرة ، وعن الفاضل في التذكرة والشيخ في المبسوط أنها تتكرر ودليلهما غير ظاهر.
(2) لخبر سماعة (- إلى أن قال - فإني كنت مريضا فمرّ علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ، ثم أدركت رمضانا آخر فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمدّ من طعام) (3).
وخالف الصدوقان فقالا : بوجوب الفدية للأول والقضاء للثاني وما بعده بعد الشفاء ، وليس لهما دليل كما في الجواهر.
(3) أي المسكين كما في صحيح ابن مسلم المتقدم (وتصدق عن كل يوم يمد من طعام على مسكين).
(4) لإطلاق الخبر.
(5) قيل : بأنه يجب القضاء لا الفدية وهو لازم عدم الإلحاق كما ذهب إليه العلامة والشارح لإطلاق دليل القضاء.
وقيل : بالإلحاق ولازمه عدم وجوب القضاء ووجوب الفدية فقط كما عن الشيخ في الخلاف لخبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام (فلم إذا مرض أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يقو من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر
ص: 174
وجوب الكفارة (1) مع التأخير لا لعذر ، ووجوب القضاء مع دوامه (2).
(ولو برأ) بينهما ، (وتهاون) في القضاء بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت ، أو عزم في السعة فلما ضاق الوقت عزم على عدمه (فدى وقضى (3) ولو لم يتهاون) بأن عزم على القضاء في السعة وأخر اعتمادا عليها فلما ضاق الوقت عرض له مانع عنه (قضى لا غير) في المشهور (4).
______________________________________________________
- وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء ، وإذا أفاق بينهما أو أقام ، ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل : لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر ، فأما الذي لم يفق فإنه لما مرّ عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه ، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات ، كما قال الصادق عليه السلام : كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له ، لأنه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء ، لأنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع أدائه فوجب عليه الفداء ، كما قال الله تعالى : ( فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (1) ، وكما قال : - ( فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (2) ، فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه) (3) وهو ساقط عن الحجية لإعراض المشهور عنه.
(1) أي فدية التأخير.
(2) أي دوام العذر.
(3) لصحيح ابن مسلم المتقدم.
(4) ولكن لا دليل عليه فالأصح ما عليه الصدوقان والمحقق في المعتبر والشهيدان من وجوب القضاء والفدية على كل من برأ من مرضه وأخّر القضاء حتى دخل شهر رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أو لا لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (فإن كان صحّ فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا ويتصدق عن الأول) (4) ومثله غيره.
وعن ابن إدريس إيجاب القضاء لا غير دون الكفارة وإن توانى وعزم على عدم القضاء لعدم عمله بالخبر الواحد وهو ليس في محله.
ص: 175
والأقوى ما دلت عليه النصوص الصحيحة ، من وجوب الفدية مع القضاء على من قدر عليه ولم يفعل حتى دخل الثاني سواء عزم عليه أم لا ، واختاره المصنف في الدروس ، واكتفى ابن إدريس بالقضاء مطلقا ، عملا بالآية (1) ، وطرحا للرواية على أصله ، وهو ضعيف.
(الرابعة. إذا تمكن (2) من القضاء ثم مات ، قضى عنه أكبر ولده (3) الذكور) وهو من ليس له أكبر منه ، وإن (4) لم يكن له ولد متعددون مع بلوغه عند موته (5) ، فلو كان صغيرا ففي (6) الوجوب عليه بعد بلوغه قولان ولو تعددوا
______________________________________________________
(1) وهي قوله تعالى : ( وَمَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ ) (1).
(2) لأنه لا يثبت في ذمة الميت لو لم يتمكن من قضائه فلا يجب قضاؤه على وليه.
(3) أما أصل القضاء على الولي كما هو المعروف للأخبار منها : صحيح حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال عليه السلام : يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة ، قال عليه السلام : لا ، إلا الرجال) (2) وإما كونه أكبر لمكاتبة الصفار للعسكري عليه السلام (في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام ، وله وليّان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين ، وخمسة أيام الآخر ، فوقّع عليه السلام : يقضي عنه أكبر ولديه [ولييه] عشرة أيام ولاء إن شاء) (3).
وإطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين ما فاته لعذر كالمرض أو السفر وبين غيره ، وعن الشهيد وشيخه عميد الدين أنه مختص بما فاته لعذر لأنه الغالب من الترك ، واستحسنه سيد المدارك وهو على خلاف الإطلاق.
والمراد من الولد الأكبر من ليس هناك أكبر منه ، فلو لم يخلف الميت إلا ولدا واحدا تعلق به الوجوب ، والنصوص صريحة بتعلق القضاء بالذكور ومنه تعرف ضعف ما عن المفيد لو لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه ولو كان من النساء ، وفي الدروس بعد أن حكى ذلك عن المفيد قال (وهو ظاهر القدماء والأخبار والمختار).
(4) وصليه والمعنى أن الولي من لم يكن أكبر منه وإن لم يكن للميت أولاد آخرون.
(5) أي مع بلوغ الولي عند موت الميت.
(6) فلو كان الولي صغيرا عند موت المورث فيجب القضاء كما عليه الأكثر لإطلاق الأدلة ،
ص: 176
وتساووا في السن اشتركوا فيه على الأقوى (1) فيقسط عليهم بالسوية ، فإن انكسر منه شي ء (2) فكفرض الكفارة ، ولو اختص أحدهم بالبلوغ ، والآخر بكبر السن فالأقرب تقديم البالغ (3) ، ولو لم يكن له ولد بالوصف (4) لم يجب القضاء على باقي الأولياء وإن كانوا أولادا اقتصارا فيما خالف الأصل على محل الوقاف ، وللتعليل (5) بأنه في مقابل الحبوة.
(وقيل (6) : يجب) القضاء (على الولي مطلقا) من مراتب الإرث حتى الزوجين ، والمعتق ، وضامن الجريرة ، ويقدم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ، ثم الإناث ، واختاره في الدروس ، ولا ريب أنه أحوط ولو مات المريض قبل التمكن من القضاء سقط (7).
______________________________________________________
- وعن الشهيد وغيره الجزم بالعدم لأنه حال الصغر مرفوع عنه القلم ، وبعد البلوغ يستصحب عدم الوجوب.
(1) لعدم ترجيح أحدهما على الآخر بعد ثبوت القضاء عليهما ، وعن ابن البراج التخيير بحيث أيهما قضى جاز ، وعن ابن إدريس سقوط القضاء لأنه خروج عن المتيقن وهو الولد الأكبر ، وهنا ولدان فلا يجب.
(2) أي من الفائت بحيث لو فاته ثلاث صلوات وكان الولي اثنين فتبقى واحدة فهي على الجميع فرض كفاية.
(3) لكونه أولى بالميت ، وفي الجواهر (إنه مناف لإطلاق النص).
(4) من كونه بالغا ذكرا.
(5) لأن الحبوة للأكبر في قبال أن يكون القضاء عليه كما سيأتي في مبحث الإرث.
(6) كما عن المفيد والشهيد في الدروس كما تقدم ، وحكي عن الصدوقين وابن البراج.
(7) كما تقدم إلا ما فاته في السفر فيجب قضاؤه ولو لم يتمكن من قضائه بحيث إنه مات في شهر رمضان كما عن الصدوق والشيخ في التهذيب وابن سعيد ، للأخبار منها : صحيح أبي حمزة عن جعفر عليه السلام (سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت ، فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضى عنها؟ قال : أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم) (1) ، وخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت ، قال : يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها ، والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لا يقض عنه) (2).
ص: 177
(وفي القضاء عن المسافر) لما فاته منه (1) بسبب السفر (خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء).
ولو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض ، وقيل : يقضي عنه مطلقا (2) لإطلاق النص ، وتمكنه (3) من الأداء ، بخلاف المريض ، وهو ممنوع ، لجواز كونه ضروريا كالسفر الواجب ، فالتفصيل أجود ، (ويقضى عن المرأة (4) والعبد) (5) ما فاتهما على الوجه السابق كالحر ، لإطلاق النص ومساواتهما للرجل الحر في كثير من الأحكام ، وقيل : لا ، لأصالة البراءة وانتفاء النص الصريح ، والأول في المرأة أولى (6) ، وفي العبد أقوى (7) ، والولي فيهما كما تقدم ، (والأنثى) من الأولاد على
______________________________________________________
- وعن الشيخ في الخلاف والفاضلين وظاهر السرائر عدم القضاء عن المسافر إذا لم يتمكن من القضاء ولو بالإقامة في أثناء السفر فتحمل النصوص السابقة على الندب.
وقيل : إن النصوص السابقة على مقتضى الحكم العقلي لأن السفر من فعله فكان يمكنه الإقامة والأداء الذي هو أبلغ من التمكن في القضاء بخلاف المرض الذي هو مما غلب الله عليه فيه ، وفيه : إن السفر جائز له فهو غير قادر على القضاء ، على أن السفر قد يكون واجبا.
(1) أي لما فاته من الصوم.
(2) سواء تمكن من القضاء أو لا.
(3) بأن يترك أصل السفر.
(4) كما عليه معظم الأصحاب لإطلاق النصوص السابقة ، بل في الأخبار المتقدمة التي فصّلت بين السفر وغيره قد صرحت بالمرأة ، ولقاعدة الاشتراك بين الرجل والمرأة.
وعن ابن إدريس عدم القضاء عنها لأن القضاء في قبال الحبوة وهي منفية هنا إذ تختص بالوالد دون الوالدة.
(5) كما عن الأكثر لإطلاق النصوص السابقة لأن لفظ الرجل يشمل الحر والعبد ، ولقاعدة الاشتراك إلا ما ثبت إخراجه ، ودعوى أن ثبوت القضاء في قبال الحبوة وهي منفية هنا لأن العبد لا يملك مردودة لأن ولي العبد يستحق الحبوة استحقاقا ذاتيا لأن العبد وما يملك لمولاه ، وفيه : إن الحبوة هي تمليك مختصات الميت بسبب الوفاة وهذا لم يتحقق هنا ، فلذا توقف العلامة ، بل عن بعضهم الجزم بالعدم لأصالة البراءة بعد عدم ثبوت قاعدة الاشتراك.
(6) أي إطلاق النص القاضي بالقضاء يشمل المرأة.
(7) لورود بعض الأخبار المشتملة على لفظ الرجل الشامل للحر والعبد.
ص: 178
ما اختاره (لا تقضي) ، لأصالة البراءة. وعلى القول الآخر تقضي مع فقده (1) ، (و) حيث لا يكون هناك ولي ، أو لم يجب عليه القضاء (2) (يتصدق من التركة عن كل يوم بمد) في المشهور (3). هذا إذا لم يوص الميت بقضائه ، وإلا سقطت الصدقة حيث يقضي عنه (4).
ويجوز في الشهرين (المتتابعين صوم شهر ، والصدقة عن آخر) من مال الميت على المشهور (5) ، وهذا الحكم تخفيف عن الولي بالاقتصار على قضاء الشهر ،
______________________________________________________
(1) أي فقد الذكر.
(2) كعدم تمكنه من القضاء حال حياته.
(3) لصحيح أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي ء ، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه) (1) بعد حمل الولي على غير الأكبر وأنه يصوم ندبا مع عدم المال. وذهب ابن إدريس إلى إنكار الصدقة ، وذهب أبو الصلاح إلى أنه يستأجر عنه من ماله لأنه صوم واجب عليه ولم يفعله فوجب قضاؤه عنه بالأجرة كالحج ، وذهب السيد المرتضى إلى أن الولي الذي هو أكبر الذكور يقضي عند عدم وجود ما يتصدق به عن الميت من ماله كما هو صريح الرواية.
(4) لأنه لا يجمع بين المبدل وبدله.
(5) لخبر الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سمعته يقول : إذا مات [ال] رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علة ، فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضى الشهر الثاني) (2) وضعفه بسهل منجبر بعمل الأصحاب ، وعن المفيد وابن إدريس والعلامة وغيرهم طرح الخبر والعمل على إطلاق ما دل على وجوب الصوم على الولي فيقضي الشهرين.
وعن المشهور لا فرق بين كون الشهرين قد وجبا على الميت تعيينا أو تخييرا ، والخبر اقتضى الصدقة عن الأول وصيام الثاني من باب التخفيف عن الولي وبه صرح في الدروس ، وغيره جعل الصدقة عن الثاني مع قضاء الأول ، لأن الأول أسبق ثبوتا وهو الذي يشرع به ، وعن بعضهم أن المراد من الخبر هو الصدقة عن أحدهما والقضاء عن الآخر.
ومورد النص فيما لو كان على الميت شهران متتابعان كصوم الكفارة ، أو المنذور هكذا ، فمن فاته رمضانان على التعاقب لا يجري فيه الحكم السابق لعدم التتابع ، ومن فاته أقل -
ص: 179
ومستند التخيير رواية في سندها ضعف ، فوجوب قضاء الشهرين أقوى. وعلى القول به ، فالصدقة عن الشهر الأول ، والقضاء للثاني لأنه مدلول الرواية ، ولا فرق في الشهرين بين كونهما واجبين تعيينا كالمنذورين ، وتخييرا ككفارة رمضان ، ولا يتعدى إلى غير الشهرين ، وقوفا مع النص لو عمل به.
(الخامسة. لو صام المسافر) حيث يجب عليه القصر (عالما أعاد) قضاء ، للنهي المفسد للعبادة ، (ولو كان جاهلا) بوجوب القصر (فلا إعادة) (1) ، وهذا أحد المواضع التي يعذر فيها جاهل الحكم (2) ، (والناسي) للحكم ، أو للقصر (يلحق بالعامد) (3) ، لتقصيره في التحفظ. ولم يتعرض له (4) الأكثر مع ذكرهم له في قصر الصلاة (5) بالإعادة في الوقت خاصة للنص والذي يناسب حكمها (6) فيه عدم الإعادة ، لفوات وقته ، ومنع (7) تقصير الناسي ، ...
______________________________________________________
- من شهرين أو أزيد لا يجري فيه الحكم السابق ، كل ذلك وقوفا على مورد النص لأنه القدر المتيقن ، والباقي يرجع فيه إلى الأصل القاضي على الولي بالقضاء.
(1) بلا خلاف في الحكمين للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل صام في السفر ، فقال عليه السلام : إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه) (1).
(2) أي جاهل بوجوب القصر.
(3) لتقصيره في التحفظ ولعدم إلحاق الناسي بالجاهل اقتصارا في مخالفة الأصل على مورد النص ، وذهب الشارح في المسالك إلى أنه يلحق بالجاهل لاشتراكهما في العذر.
(4) للناسي هنا.
(5) أي الناسي لقصر الصلاة يعيد في الوقت دون خارجه لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات ، فقال عليه السلام : إن ذكر في ذلك اليوم ، فليعد ، وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه) (2).
(6) أي حكم الصلاة في الصوم عند النسيان.
(7) لأن الحكم بالتقصير مختص بالعالم.
ص: 180
ولرفع الحكم عنه (1) ، وإن كان ما ذكره أولى (2) ، ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا وقضيا قطعا.
(وكلما قصرت الصلاة ، قصر الصوم) ، للرواية (3) ، وفرق بعض الأصحاب بينهما في بعض الموارد ضعيف ، (إلا أنه يشترط في) قصر (الصوم الخروج قبل الزوال) (4) ...
______________________________________________________
(1) عن الناسي كما في حديث الرفع المشهور (رفع عن أمتي تسعة أشياء : الخطأ والنسيان ...) ((1) الحديث.
(2) لأنه مبني على الاحتياط وهو حسن على كل حال.
(3) بل للأخبار منها : صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (هذا واحد إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت) (2) وعن الشيخ في النهاية والمبسوط من التفريق فيما إذا كانت المسافة أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه فيتحتم الصوم ويتخير في الصلاة بين القصر والإتمام ، وكذلك فرّق في صيد التجارة بالإتمام في الصلاة والقصر في الصوم وقال عنه في الجواهر بأنه لا دليل عليه.
(4) كما عن ابن الجنيد والمفيد للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، قال عليه السلام : إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه) (3).
وعن السيد وعلي بن بابويه وابن أبي عقيل وابن إدريس أن من سافر في جزء من أجزاء النهار أفطر وإن كان الخروج قبل الغروب لعموم قوله تعالى : ( فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ ) (4) ولخبر عبد الأعلى مولى آل سام (في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل) (5) ، وفيه : الآية مقيدة بما سمعت من النصوص ، وأما خبر الأعلى فهو مضمر ، على أنه مشتمل على بعض الفطحيّة في سنده ، وعن الشيخ في النهاية أنه يشترط تبييت النية ليلا حتى يفطر ، وفي كتابي الأخبار اشتراط الخروج قبل الزوال مع اشتراط تبييت النية ليلا لخبر سليمان
ص: 181
بحيث يتجاوز الحدين (1) قبله (2) ، وإلا أتم وإن قصّر الصلاة على أصح الأقوال لدلالة النص الصحيح عليه ، ولا اعتبار بتبييت نية السفر ليلا.
(السادسة. الشيخان) ذكرا وأنثى (إذا عجزا) عن الصوم أصلا ، أو مع مشقة شديدة (فديا) عن كل يوم (بمد ، ولا قضاء عليهما) (3) ...
______________________________________________________
- بن جعفر المروزي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح ، قال : إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم ، إلا أن يدلج دلجة) (1) والدلجة هو السير من آخر الليل ، وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام (في الرجل يسافر في شهر رمضان ، أيفطر في منزله؟ قال : إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدث نفسه من الليلة ، ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه) (2) ، ومثله خبر أبي بصير (3).
وهذه الأخبار ضعيفة السند لاشتمال الأولى على علي بن أحمد بن أشيم وهو مجهول ، وعلى كون الثالثة مرسلة ، وعلى كون الثانية في طريقها بعض الفطحية ، وعليه فلا تقاوم النصوص الصحيحة المتقدمة باشتراط الخروج قبل الزوال فقط.
(1) أي خفاء الأذان وتواري الجدران.
(2) قبل الزوال.
(3) للنصوص منها : صحيح عبد الملك بن عتبة الهاشمي (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان ، قال : يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة) (4) وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدق كل واحد في كل يوم بمد من طعام ، ولا قضاء وعليهما ، فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما) (5).
وعن المفيد والمرتضى إن عجزا عن الصوم سقطت الفدية كما يسقط الصوم ، وإن أطاقاه بمشقة شديدة وجبت الفدية ، واختاره العلامة والشهيد الثاني في المسالك والروضة هنا.
والأخبار المتقدمة بإطلاقها حجة عليهم ، نعم استدل لهم على هذا التفصيل بقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ ) (6) ، ومفهومه سقوط الفدية عن الذين لا يطيقونه ، وهو حسن لو لا إطلاق الأخبار المتقدمة.
ص: 182
لتعذره (1). وهذا مبني على الغالب من أن عجزهما عنه لا يرجى زواله ، لأنهما في نقصان ، وإلا فلو فرض قدرتهما على القضاء وجب.
وهل يجب حينئذ (2) الفدية معه (3)؟ قطع به في الدروس. والأقوى أنهما إن عجزا عن الصوم أصلا فلا فدية ولا قضاء ، وإن أطاقاه بمشقة شديدة لا يتحمل مثلها عادة فعليهما الفدية ، ثم إن قدرا على القضاء وجب والأجود حينئذ ما اختاره في الدروس من وجوبها معه (4) ، لأنها وجبت بالإفطار أولا بالنص الصحيح ، والقضاء وجب بتجدد القدرة ، والأصل بقاء الفدية لإمكان الجمع ، ولجواز أن تكون عوضا عن الإفطار لا بدلا عن القضاء (5).
(وذو العطاش) (6) بضم أوله. وهو داء لا يروي صاحبه ، ولا يتمكن من ترك شرب الماء طول النهار (المأيوس من برئه كذلك) يسقط عنه القضاء ، ويجب عليه الفدية عن كل يوم بمد ، (ولو برأ قضى) (7) وإنما ذكره هنا (8) لإمكانه حيث إن المرض مما يمكن زواله عادة ، بخلاف الهرم.
______________________________________________________
- وصريح الأخبار أن عليهما مدا من طعام ، وعن الشيخ في النهاية أن يتصدق بمدين فإن لم يمكن فبمد لخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام) (1) ، ولكنه محمول على الاستحباب جمعا.
(1) أي تعذر القضاء لاستمرار عجزهما بحسب الغالب ، ولازمه أنه لو تجددت القدرة فقد وجب القضاء كما هو المشهور لعموم قضاء الفائت ، وعن جماعة منهم سيد المدارك والمحقق في النافع والحلي وسيد الرياض عدم القضاء لإطلاق الأخبار السابقة.
(2) أي حين تجدد قدرتهما على القضاء.
(3) مع القضاء.
(4) أي وجوب الفدية مع القضاء.
(5) وقد عرفت أن النصوص مطلقة في سقوط القضاء ولو مع تجدد القدرة فالواجب فقط الفدية.
(6) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح ابن مسلم المتقدم في الشيخ والشيخة.
(7) على المشهور ، وإطلاق النص يقتضي عدم القضاء كما في الشيخ والشيخة.
(8) أي وإنما ذكر المصنف القضاء بعد البرء بالنسبة لذي العطاش لإمكان البرء بالنسبة إليه.
ص: 183
وهل يجب مع القضاء الفدية الماضية؟ الأقوى ذلك ، بتقريب ما تقدم وبه قطع في الدروس ، ويحتمل أن يريد هنا القضاء من غير فدية ، كما هو مذهب المرتضى (1) واحترز بالمأيوس من برئه عمن يمكن برؤه عادة (2) ، فإنه يفطر ويجب القضاء حيث يمكن كالمريض من غير فدية. والأقوى أن حكمه (3) كالشيخين يسقطان عنه (4) مع العجز رأسا. وتجب الفدية مع المشقة.
(السابعة. الحامل المقرب ، والمرضعة القليلة اللبن) (5) إذا خافتا على الولد (6) (تفطران وتفديان) بما تقدم ، وتقضيان مع زوال العذر ، وإنما لم يذكر القضاء مع القطع بوجوبه ، لظهوره حيث إن عذرهما آئل إلى الزوال فلا تزيدان عن المريض ، وفي بعض النسخ وتعيدان بدل وتفديان ، وفيه تصريح بالقضاء ، وإخلال بالفدية ، وعكسه (7) أوضح لأن الفدية لا تستفاد من استنباط اللفظ ، بخلاف القضاء ، ولو كان خوفهما على أنفسهما فكالمريض تفطران وتقضيان من غير فدية ، وكذا كل من خاف على نفسه.
ولا فرق في ذلك (8) بين الخوف لجوع وعطش ، ولا في المرتضع بين كونه
______________________________________________________
(1) وقد عرفت أن الإطلاق يقتضي عدم القضاء ولو تجدد البرء ، وإنما الواجب هو الفدية فقط.
(2) فعلى صاحبه القضاء دون الفدية كما عن العلامة وجماعة ، لأنه مريض فلا تجب عليه الفدية بل القضاء بعد حمل الأخبار على المأيوس من برئه.
(3) حكم ذي العطاش.
(4) أي تسقط الفدية والقضاء وهو على خلاف إطلاق صحيح ابن مسلم المتقدم.
(5) بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الحامل المقرب ، والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ، لأنهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطران فيه بمد من طعام ، وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه ، تقضيانه بعد) (1).
وإطلاق الخبر يشمل ما لو خافتا على الولد أو على نفسيهما ومنه تعرف ضعف ما عن فخر المحققين والمحقق الثاني وجماعة من التفصيل بين الخوف على النفس فتفطر وعليهما القضاء دون الفدية وبين الخوف على الولد فتفطر وعليها القضاء والفدية.
(6) أو على نفسيهما.
(7) وهو الثابت في متن الكتاب.
(8) أي في الحكم المذكور.
ص: 184
ولدا من النسب والرضاع ، ولا بين المستأجرة والمتبرعة (1). نعم لو قام غيرها مقامها متبرعا ، أو آخذا مثلهما ، أو أنقص امتنع الإفطار (2) والفدية من مالهما (3) وإن كان لهما زوج والولد له. والحكم بإفطارهما خبر معناه الأمر (4) ، لدفعه الضرر.
(ولا يجب صوم النافلة بشروعه) فيه (5) ، لأصالة عدم الوجوب ، والنهي (6) عن قطع العلم مخصوص ببعض الواجب.(نعم يكره نقضه بعد الزوال) (7) ،
______________________________________________________
(1) كل ذلك لإطلاق النص.
(2) لمكاتبة ابن مهزيار (كتبت إليه - يعني علي بن محمد الهادي عليه السلام - اسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان ، فيشتد عليها الصوم وهي ترضع حتى يغشى عليها ، ولا تقدر على الصيام ، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها ، أو تدع الرضاع وتصوم ، فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب عليه السلام : إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها ، وقضت صيامها متى ما أمكنها) ((1).
(3) كما نص عليه جماعة وإن كان لهما زوج وكان الولد له ، لأنها بدل إفطارهما ، ولأنه مقتضى قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم المتقدم (وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما).
(4) أي أن قول المصنف (تفطران) ليس أخبارا عن الترخيص بل هو أمر بالإفطار حفظا للنفس من الضرر.
(5) للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت فليس لك أن تفطر) (2).
(6) دفع دخل ، أما الدخل فقد ورد النهي عن إبطال وقطع العمل كما في قوله تعالى : ( وَلٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ ) (3) ، والدفع : إنه مخصوص ببعض الواجبات وأما النوافل فضلا عن بعض الواجبات الأخر كالنذر غير المعين فلا يجب إكماله.
(7) لخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام (إن عليا عليه السلام قال : -
ص: 185
للرواية المصرحة بوجوبه حينئذ المحمولة على تأكد الاستحباب ، لقصورها عن الإيجاب سندا وإن صرحت به متنا ، (إلا لمن يدعى إلى طعام) (1) فلا يكره له قطعه مطلقا (2) ، بل يكره المضي عليه ، وروي أنه أفضل من الصيام بسبعين ضعفا ، ولا فرق بين من هيأ له طعاما ، وغيره (3) ، ولا بين من يشق عليه المخالفة ، وغيره نعم يشترط كونه مؤمنا (4) ، والحكمة ليست من حيث الأكل ، بل إجابة دعاء المؤمن ، وعدم رد قوله (5) ، وإنما يتحقق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به (6) لذلك ونحوه (7) ، لا بمجرده (8) ، لأنه عبادة يتوقف ثوابها على النية.
(الثامنة. يجب تتابع الصوم) الواجب (9) (إلا أربعة : النذر المطلق) حيث لا
______________________________________________________
- الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم) (1) المحمول على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدم ، على أن مسعدة بن صدقة إما عامي على ما نقله الشيخ وإما تبري على ما نقله الكشي.
(1) للأخبار منها : صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ، ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة) (2) وخبر داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام (لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا ، أو تسعين ضعفا) (3)3) والترديد إما من الراوي ، وإما من الإمام بحسب تفاوت الإخوة والأغراض والدواعي ، وخبر حسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قال لك أخوك : كل ، وأنت صائم فكل ، ولا تلجئه إلى أن يقسم عليك) (4).
(2) حتى بعد الزوال.
(3) لإطلاق الأخبار خصوصا الأخير ، وبالإطلاق يشمل بين من يشق عليه المخالفة وغيره.
(4) نص عليه الفاضلان لكون المتبادر من الأخ ، ولأنه هو الذي رعايته أفضل من الصوم.
(5) كما في خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخلت منزل أخيك فليس لك معه أمر) (5).
(6) أي بالإفطار.
(7) أي لإجابة دعاء المؤمن وعدم رد قوله واحترامه.
(8) أي بمجرد الإفطار من دون قصد الطاعة.
(9) هذه الكلية تشمل صوم رمضان وقضائه وكفارته ، والاعتكاف ، وكفارة خلف النذر وما -
ص: 186
يضيق وقته بظن الوفاة ، أو طروء العذر المانع من الصوم (1) ، (وما في معناه) من العهد واليمين (2).
(وقضاء) الصوم (الواجب مطلقا) (3) كرمضان والنذر المعين وإن كان الأصل
______________________________________________________
- في معناه ، وكفارة الظهار والقتل ، وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام ، وصوم الثلاثة أيام في بدل الهدي ، وصوم ثمانية عشر يوما في بدل البدنة ، وبدل الشهرين عند العجز عنهما ، ومن المصاديق تعرف عدم تمامية الكلية في جميع مصاديقها ، نعم يجب التتابع في بعضها إما لتعيين الزمان كما في شهر رمضان وإما لأنه منصوص عليه في الكتاب والسنة كما في كفارة قضاء شهر رمضان ، وأما كفارة من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال وكفارة حلق الرأس وصوم ثمانية عشر يوما بدل البدنة أو بدل شهرين الكفارة عند الفجر عنهما فلا دليل على التتابع فيها ، بل هو مطلق فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه ثم إن غالب الأصحاب استثنوا من الكلية السابقة صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من العهد واليمين ، وصوم القضاء ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهدي تمسكا بإطلاق الأمر فيها وسيأتي التعرض لها في مواطنها وعن أبي الصلاح وابن أبي عقيل أنهما أوجبا المتابعة في صيام السبعة بدل الهدي ، وحكى الشهيد في الدروس عن بعضهم وجوب المتابعة في النذر المطلق.
(1) ومع الظن بضيق الوقت فيجب التتابع.
(2) وخالف أبو الصلاح فحكم بالتتابع إن أطلق نذره ، وخالف ابن زهرة في من نذر شهرا فجعل إفطاره في الأثناء إذا كان مضطرا لا أثر له فيبني على ما تقدم ، وإن أفطر مختارا وكان في النصف الأول استأنف ، وإلا أي إذا كان في النصف الثاني أتم وجاز له البناء ، ومثله ما عن البراج ، لخبر الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ، ثم عرض له أمر ، فقال : جاز له أن يقضي ما بقي عليه ، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما) (1).
ومثله خبر موسى بن بكير (2) ، وهما مع ضعفهما موهونان بإعراض الأصحاب عنهما ، وسيأتي أن المشهور قد عمل بهما في من أفطر بعد خمسة عشر يوما فإنه لا يضرّ بالتتابع.
(3) كقضاء شهر رمضان وقضاء المنذور المعين ، لأن غير المعين لا قضاء فيه ، وعدم التتابع للأصل ، وعن الشهيد في الدروس وجوب التتابع في قضاء ما اشترط فيه التتابع ، وتردد -
ص: 187
متتابعا كما يقتضيه إطلاق العبارة وهو قول قوي ، واستقرب في الدروس وجوب متابعته كالأصل (1) ، (وجزاء الصيد) (2) وإن كان بدل النعامة على الأشهر ، (والسبعة في بدل الهدي) على الأقوى (3) ، وقيل : يشترط فيها المتابعة كالثلاثة ، وبه رواية حسنة.
(وكل من أخل بالمتابعة) حيث تجب (لعذر) كحيض ، ومرض ، وسفر ، ضروري (بنى عند زواله) (4) ، إلا أن يكون الصوم ثلاثة أيام فيجب استئنافها
______________________________________________________
- فيه العلامة في القواعد ، لأن القضاء عين الأداء وإنما يتغايران في الوقت ، والتتابع شرط في الأداء فلا بدّ أن يكون في القضاء ، وأن التتابع في النذر منذور فلا بد من قضائه ، وفيه : إن التتابع في قضاء شهر رمضان غير ثابت بل قد ثبت العكس لإطلاق الأمر ، والتتابع في النذر بالنسبة للأداء فإذا فات محله فلا بدّ أن ينحل النذر ولا دليل على وجوب قضائه فضلا عن التتابع فيه.
(1) بالنسبة للنذر المعين وقد عرفت ضعفه.
(2) لعدم الدليل على التتابع ، غير أن المفيد والمرتضى وسلار أوجبوا التتابع في جزاء الصيد ، وسيأتي بيان الحال في كتاب الحج إنشاء الله تعالى.
(3) لخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى فرغت في حاجة إلى بغداد ، قال : صمها ببغداد ، قلت : أفرقها؟ قال : نعم) (1).
وعن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح - كما تقدم - إيجاب التتابع في السبعة لخبر ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج ، والسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال : يصوم الثلاثة ولا يفرّق بينها ، والسبعة ولا يفرق بينها ، ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا) (2)2). إلا أنه مبتلى بإعراض الأصحاب عنه على أن في سنده محمد بن أحمد العلوي وهو لم ينص على توثيقه فتكون الرواية حسنة ، لا موثقة ولا صحيحة.
(4) للأخبار منها : خبر سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة عشر يوما ثم مرض ، فإذا برأ أيبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ فقال عليه السلام : يبني على ما كان صام ، ثم قال : هذا مما غلب الله عليه ، وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شي ء) (3).
ومن التعليل يستفاد عدم الفرق بين المرض والسفر الضروري والحيض والإغماء ونحو
ص: 188
مطلقا (1) ، كصوم كفارة اليمين ، وكفارة قضاء رمضان ، وثلاثة الاعتكاف ، وثلاثة المتعة ، حيث لا يكون الفاصل العيد بعد اليومين (2) ، (ولا له) أي : لا لعذر (يستأنف (3) إلا في ثلاثة) مواضع (الشهرين المتتابعين) كفارة ونذرا ، وما في معناه (بعد) صوم (شهر ويوم من الثاني (4) ، وفي الشهر) الواجب متتابعا بنذر ، أو كفارة
______________________________________________________
- ذلك ، ومن التعليل يستفاد أنه لا فرق فيما لو كان عليه شهران متتابعان أو غيرهما حتى في الثلاثة أيام المتتابعة ، كصوم كفارة اليمين ، وكفارة قضاء شهر رمضان ، وثلاثة الاعتكاف ، وثلاثة المتعة ، ومنه تعرف ما عن القواعد والدروس والمسالك من وجوب الاستئناف في كل ثلاثة يجب تتابعها إذا أفطر بينها لعذر أو لغيره إلا في ثلاثة الهدي إذا كان العيد بينها ، وذلك لقاعدة عدم الإجزاء بالإتيان بالمأمور به على وجهه ، وبما دل على وجوب التتابع في هذه الموارد ، التي سيأتي التعرض لأخبارها في مظانها.
إلا أن الحق مع المشهور لأن التعليل أقوى ظهورا ، خصوصا أن ما دل على التتابع ناظر إلى بيان الحكم بما هو هو مع غض البصر عن طرو عذر يوجب الإفطار أو لا.
(1) سواء أفطر بينها لعذر أو لا.
(2) أي بعد يومي صوم من ثلاثة المتعة ، وهي بدل هدي التمتع ، فلا خلاف في جواز الإخلال بين الثلاثة إذا كان للعيد وأيام التشريق لمن صام يوم التروية ويوم عرفة بدل الهدي ثم أفطر يوم النحر فيجوز له أن يبني على صومه بعد أيام التشريق لخبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يجزيه أن يصوم يوما آخر) (1)
وخبر يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل قدم يوم التروية وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق) (2)2).
(3) يستأنف في الشهرين بلا خلاف ، ويدل عليه أخبار منها : صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان؟ قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم) (3) ، وأما في غيره فهو مما لا خلاف فيه لكن قال في الجواهر (إلا أني لم أقف له في السنة على ما يدل عليه في غير الشهرين والشهر ، نعم ذكر غير واحد الاستدلال عليه بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف وهو جيد).
(4) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر سماعة بن مهران (سألته عن الرجل يكون عليه صيام -
ص: 189
على عبد بظهار أو قتل خطا (بعد) صوم (خمسة عشر يوما (1) ، وفي ثلاثة المتعة) الواجبة في الحج بدلا عن الدم (بعد) صوم (يومين ثالثهما العيد) (2) سواء علم ابتداء بوقوعه بعدهما (3) ، أم لا فإن التتابع يسقط في باقي الأولين مطلقا (4) ، وفي الثالث إلى انقضاء أيام التشريق (5).
(التاسعة. لا يفسد الصيام يمص الخاتم) (6) ...
______________________________________________________
- شهرين متتابعين ، أيفرق بين الأيام؟ فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ، ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، وإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام) (1).
(1) فيجوز له الإفطار على المشهور لخبر موسى بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ، ثم عرض له أمر ، فقال عليه السلام : إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز حتى يصوم شهرا تاما) (2) ومثله خبر الفضل بن يسار (3)3).
وذهب سيد المدارك إلى أن ضعف السند مانع عن العمل بهما ، هذا كله في النذر ، وأعلم أن كفارة العبد نصف كفارة الحر ، وعليه فيشترط التتابع في نصفه ، واستدل العلامة في المختلف عليه بأن التنصيف كما يكون في العدد فكذلك يكون في الوصف ، وتردد المحقق فيه ، وغيره جزم بالعدم وإبقائه على الأصل من التتابع وهو الأقوى.
(2) بلا خلاف فيه وقد تقدم الكلام فيه.
(3) أي بوقوع العيد بعد اليومين.
(4) سواء علم ابتداء بوقوع العيد أو اتفق وقوعه ، وهو ظاهر الأخبار المتقدمة ، وفي المسالك أنه يظهر من البعض أن البناء مشروط بما لو ظهر العيد ، وكان ظنه يقتضي خلافه وإلا استأنف ، ولكن الإطلاق حجة عليه.
(5) تقدم الكلام فيه.
(6) للأصل بعد حصر المفطر في غيره ، وللأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يمصّ الخاتم) (4) وخبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (الخاتم في فم الصائم ليس به بأس ، ف أما النواة فلا) (5) وخبر منصور بن حازم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم؟ قال : لا ، قلت : فيجعل الخاتم ، قال : نعم) (6).
ص: 190
وشبهه (1) ، وأما مص النواة فمكروه ، (وزق الطائر ، ومضغ الطعام) ، وذوق المرق (2) ، وكل ما لا يتعدى إلى الحلق ، (ويكره مباشرة النساء) (3) بغير الجماع ، إلا لمن لا يحرك ذلك شهوته (4) ، (والاكتحال (5) بما فيه مسك) ، أو صبر (6) ،
______________________________________________________
(1) من الجمادات التي لا طعم لها.
(2) للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة ، فتمضغ له الخبز وتطعمه ، قال : لا بأس به ، والطير إن كان لها) (1) وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن فاطمة صلوات الله عليها كانت تمضغ للحسن ثم للحسين عليه السلام ، وهي صائمة في شهر رمضان) (2)(3)(4) وصحيح حماد (سأل ابن أبي يعفور أبا عبد الله عليه السلام - وأنا أسمع - عن الصائم يصب الدواء في أذنه؟ قال : نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ) (5).
(3) للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئا ، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال إن ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني) (6) وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال عليه السلام : إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك ، إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه) (5).
(4) كما في صحيح زرارة ومحمد المتقدم ، ولصحيح منصور بن حازم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الصائم يقبّل الجارية والمرأة؟ فقال أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس ، وأما الشاب الشبق فلا ، إنه لا يؤمن ، والقبلة إحدى الشهوتين) (6).
(5) بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق بلا خلاف للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة ، فقال : إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس) (7) ، وموثق سماعة (سألته عن الكحل للصائم ، فقال : إذا كان كحلا ليس فيه مسك ، وليس له طعم في الحلق فلا بأس به) (8).
(6) بفتح أوله وكسر ثانيه ، عصارة شجر مرّ.
ص: 191
(وإخراج الدم المضعف (1) ودخول الحمام) (2) المضعف ، (وشم الرياحين (3) وخصوصا النرجس) (4) بفتح النون فسكون الراء فكسر الجيم ، ولا يكره الطيب (5) ، بل روي استحبابه للصائم وأنه تحفته ، (والاحتقان بالجامد) في المشهور (6) وقيل : يحرم ، ويجب به القضاء ، ...
______________________________________________________
(1) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح سعيد الأعرج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يحتجم ، فقال : لا بأس إلا أن يتخوف على نفسه الضعف) (1) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال : إني أتخوف عليه ، أما يتخوف على نفسه؟ قلت : ما ذا يتخوف عليه؟ قال : الغشيان أو تثور به مرة ، قلت : أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئا ، قال : نعم إن شاء الله) (2)(3)(4).
(2) لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : لا بأس ما لم يخش ضعفا) (5).
(3) بلا خلاف فيه لخبر الحسن بن راشد (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الصائم يشم الريحان؟ قال: لا (6) ومثله غيره ، وهي محمولة على الكراهة جمعا بينها وبين أخبار : منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (الصائم يدهن بالطيب ويشم الريحان) (5) ، والمراد بالريحان كل نبت طيب الريح كما نص عليه ابن الأثير في نهايته ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط.
(4) لخبر محمد بن الفيض (سمعت أبا عبد الله عليه السلام ينهي عن النرجس ، فقلت : جعلت فداك لم ذاك؟ فقال : لأنه ريحان الأعاجم) (6) ومثله خبر ابن رئاب (7) ، وقال المفيد في المقنعة : (إن ملوك الفرس كان لهم يوم في السنة يصومونه ، فكانوا في ذلك اليوم يعدون النرجس ويكثرون من شمه ليذهب عنهم العطش ، فصار كالسنة لهم ، فنهى آل محمد عليهم السلام عن شمه خلافا على القوم ، وإن كان شمه لا يفسد الصيام) (8).
(5) لخبر الحسن بن راشد (كان أبو عبد الله عليه السلام إذا صام تطيب بالطيب ويقول : الطيب تحفة الصائم) (9).
(6) لموثق الحسن بن فضال (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول في اللطف يستدخله
ص: 192
(وجلوس المرأة (1) والخنثى في الماء) ، وقيل : يجب القضاء عليهما به ، وهو نادر.
(والظاهر أن الخصي الممسوح كذلك) ، لمساواته لهما في قرب المنفذ إلى الجوف ، (وبل الثوب على الجسد) (2) ، دون بلّ الجسد بالماء (3) ، وجلوس الرجل فيه (4) وإن كان أقوى تبريدا ، (والهدر) (5) وهو الكلام بغير فائدة دينية ، وكذا
______________________________________________________
- الإنسان وهو صائم ، فكتب : لا بأس بالجامد) (1) وذهب السيد في الناصرية والمفيد والحلبي ووالد الصدوق إلى التحريم لعموم إفطار الاحتقان ، وقد تقدم الكلام فيه.
(1) لخبر حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : لا بأس ، ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها) (2) ، وعن أبي الصلاح الحلبي القضاء ، وعن ابن البراج وجوب الكفارة أيضا وهما ضعيفان ، لأن الرواية قاصرة من جهة التعليل فالنهي إرشادي فالمتعين حملها على الكراهة بعد حصر المفطر في غير ذلك ، وقد ألحق جماعة منهم الشهيد بالمرأة الخنثى والخصي الممسوح لمساواتهما لها في العلة.
(2) بلا خلاف للأخبار منها : خبر الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام (الحائض تقضي الصلاة؟ قال : لا ، قلت : تقضي الصوم؟ قال : نعم ، قلت : من اين جاء هذا؟ قال : أول من قاس إبليس ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال : نعم ، قلت : فيبل ثوبا على جسده؟ قال : لا ، قلت : من أين جاء هذا؟ قال من ذاك) (3).
(3) لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرد بالثوب ، وينضح بالمروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء) (4)4).
(4) لصحيح ابن مسلم المتقدم.
(5) لخبر محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس الصيام من الطعام والشراب أن لا يأكل الإنسان ولا يشرب فقط ، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك ، واحفظ يدك وفرجك ، وأكثر السكوت إلا من خير وارفق بخادمك) (5).
ص: 193
استماعه ، بل ينبغي أن يصم سمعه وبصره وجوارحه بصومه (1) ، إلا بطاعة الله تعالى ، من تلاوة القرآن ، أو ذكر ، أو دعاء.
(العاشرة. يستحب من الصوم) على الخصوص (أول خميس من الشهر ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء من العشر الأوسط) (2) فالمواظبة عليها تعدل صوم الدهر وتذهب بوحر الصدر وهو وسوسته ، ويختص باستحباب قضائها لمن فاتته (3) ، فإن قضاها في مثلها أحرز فضيلتهما (4).
(وأيام البيض) (5) بحذف الموصوف أي أيام الليالي البيض وهي الثالث عشر ،
______________________________________________________
(1) لخبر ابن عجلان المتقدم ، ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ، وعدّد أشياء غير هذا ، وقال : لا يكون يوم صومك كيوم فطرك) ((1) ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله : يا جابر ، هذا شهر رمضان من صام نهاره ، وقام وردا من ليله وعفّ بطنه وفرجه ، وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر ، فقال جابر : يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جابر ما أشد هذه الشروط) (2)(3)) ومثله غيره كثير.
(2) للأخبار منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قيل : ما يفطر ، ثم أفطر حتى قيل : ما يصوم ، ثم صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما ، ثم قبض صلى الله عليه وآله وسلم على صيام ثلاثة أيام في الشهر ، قال : يعدلن صوم الدهر ، ويذهبن بوحر الصدر ، قال حماد : الوحر الوسوسة قال حماد ، فقلت : وأي الأيام هي؟ قال : أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه ، وآخر خميس منه ، فقلت : وكيف صارت هذه الأيام التي تصام ، فقال : لأن من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام المخوفة) (3).
(3) بلا خلاف لخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا يقض شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها في كل شهر ، ولا يجعلها بمنزلة الواجب ، إلا إني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح) (4).
(4) وقال في الجواهر عنه : (ولم أره لغيره ، وهو مشكل لأصالة عدم تداخل الأسباب).
(5) بلا خلاف فيه لما رواه الصدوق في علل الشرائع بإسناده إلى ابن مسعود قال : (سمعت -
ص: 194
والرابع عشر ، والخامس عشر من كل شهر ، سميت بذلك لبياض لياليها أجمع بضوء القمر. هذا بحسب اللغة ، وروي عن النبي (ص) أن آدم (ع) لما أصابته الخطيئة اسود لونه فالهم صوم هذه الأيام فابيض بكل يوم ثلثه فسميت بيضا لذلك ، وعلى هذا فالكلام جار على ظاهره من غير حذف ، (ومولد النبي (ص) (1) ، وهو عندنا سابع عشر شهر ربيع الأول على المشهور (2) ، (ومبعثه (3) ويوم الغدير (4) ...)
______________________________________________________
- النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن آدم لما عصى ربه عزوجل ناداه مناد من لدن العرش : يا آدم أخرج من جواري ، فإنه لا لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة ، فبعث الله عزوجل جبرائيل فأهبطه إلى الأرض مسودا ، فلما رأته الملائكة ضجّت وبكت وانتحبت وقالت : يا رب خلقا خلقته ، ونفخت فيه من روحك ، وأسجدت له ملائكتك ، بذنب واحد حوّلت بياضه سوادا ، فنادى مناد من السماء : صم لربك ، فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثم نودي يوم الرابع عشر أن صم لربك اليوم ، فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودي يوم خمسة عشر بالصيام ، فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله ، فسميت أيام البيض للذي رد الله عزوجل فيه على آدم من بياضه ، ثم نادى مناد من السماء : يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتها لك ولولدك من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر) (1).
(1) للأخبار منها : خبر أبي إسحاق بن عبد الله العلوي عن أبي الحسن الثالث من حديث : (يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن ، وهي أربعة : أولهن يوم السابع والعشرين من رجب ، يوم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى خلقه رحمة للعالمين ، ويوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، فيه دحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخاه عليا عليه السلام علما للناس ، وإماما من بعده) (2).
(2) وذهب الكليني إلى أنه الثاني عشر منه وهو موافق للعامة وقال عنه في الجواهر بأنه غير واضح.
(3) وهو اليوم السابع والعشرين من رجب للأخبار : منها خبر أبي إسحاق المتقدم ، وخبر الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تدع صيام سبعة وعشرين من رجب ، فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وثوابه مثل ستين شهرا لكم) (3).
(4) للأخبار الكثيرة منها : خبر علي بن الحسين العبدي (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : -
ص: 195
(والدحو) (1) للأرض أي بسطها من تحت الكعبة وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة.
(وعرفة (2) لمن لا يضعفه عن الدعاء) الذي هو عازم عليه في ذلك اليوم كمية وكيفية. ويستفاد منه أن الدعاء في ذلك اليوم أفضل من الصوم (مع تحقق)
______________________________________________________
- صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا ، لو عاش إنسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ، وهو عيد الله الأكبر) (1) وخبر المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (صوم يوم غدير خمّ كفارة ستين سنة) (2)(3)(4).
(1) لخبر أبي إسحاق العلوي المتقدم ، ولخبر الحسن بن علي الوشاء (كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ، فقال له : ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام ، وولد فيها عيسى بن مريم عليه السلام ، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة ، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا) (3).
(2) وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ، وصومه مشروط بشرطين : أن لا يضعفه عن الدعاء ، أي عما هو عازم عليه من الدعاء وفي الكمية والكيفية ، وأن يتحقق الهلال لئلا يقع صومه في يوم عيد ، ويدل على فضل صومه أخبار منها : مرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام (صوم يوم التروية كفارة سنة ، وصوم يوم عرفة كفارة سنتين) (4) ، ويدل على الشرط الأول صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن صوم يوم عرفة ، قال : من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسأله فصمه ، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه) (5) ، ويدل على الشرط الثاني خبر حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن صوم يوم عرفة فقلت : جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة ، قال : كان أبي عليه السلام لا يصومه ، قلت : ولم ، جعلت فداك ، قال : يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء ، وأكره أن أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم) (6).
ص: 196
الهلال) ، فلو حصل في أوله التباس ، لغيم ، أو غيره كره صومه ، لئلا يقع في صوم العيد.(والمباهلة (1) والخميس والجمعة) في كل أسبوع (2) ، (وستة أيام بعد عيد الفطر) (3) بغير فصل متوالية ، فمن صامها مع شهر رمضان عدلت صيام السنة (4) ، وفي الخير أن المواظبة عليها تعدل ...
______________________________________________________
(1) وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة ، قال سيد المدارك (فيه باهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصارى نجران بأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقيل : إنه في هذا اليوم تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه في ركوعه ، ونزل فيه ( إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَهُمْ رٰاكِعُونَ ) (1) ، ولم أقف في استحباب صوم هذا اليوم على نص بالخصوص ، وعلله في المنتهى بأنه يوم شريف ، وقد أظهر الله فيه نبينا عليه السلام على خصمه ، وحصل فيه من التنبيه على قرب علي عليه السلام من ربه ، واختصاصه وعظم منزلته وثبوت ولايته واستجابة الدعاء به ، ما لم يحصل لغيره ، وذلك من أعظم الكرامات الموجبة لإخبار الله تعالى أن نفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيستحب صومه شكرا لهذه النعمة الجسيمة) (2).
(2) لخبر الزهري عن علي بن الحسين عليهم السلام (وأما الصوم الذي يكون صاحبه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين ، وصوم البيض ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان ، وصوم يوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، فكل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر) (3) وروت العامة عن أسامة بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم الاثنين والخميس ، فسئل عن ذلك فقال : إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس) (4).
(3) لخبر الزهري المتقدم.
(4) كما في الجعفريات عن الإمام الصادق عليه السلام ، عن أبيه (كان أخاه - كذا في المصدر - يصوم ستة أيام بعد شهر رمضان ويقول : بلغني أنه من صامها فقد صام تمام السنة) (5) ، وما رواه الثقفي في كتاب الغارات عن عباية عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى محمد بن أبي بكر (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من صام شهر رمضان ثم صام ستة أيام من شوال فكأنما صام السنة) (6) ، ومثله مرسل (7) درر اللآلي.
ص: 197
صوم الدهر (1) ، وعلل في بعض الأخبار (2) بأن الصدقة بعشر أمثالها ، فيكون رمضان بعشرة أشهر ، والسنة بشهرين ، وذلك تمام السنة فدوام فعلها كذلك يعدل دهر الصائم.
والتعليل وإن اقتضى عدم الفرق بين فعلها متوالية ، ومتفرقة بعده (3) بغير فصل ، ومتأخرة (4) إلا أن في بعض الأخبار اعتبار القيد (5) ، فيكون فضيلة زائدة على القدر (6) وهو (7) إما تخفيف للتمرين السابق أو عود إلى العبادة للرغبة ، ودفع احتمال السأم (8) ، (وأول ذي الحجة) (9) وهو مولد إبراهيم الخليل (ع) وباقي
______________________________________________________
(1) كما في درر اللآلي عن أبي أيوب الأنصاري قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك كصيام الدهر) (1).
(2) لم اعثر عليه من طرق الخاصة ، نعم هو من طرق العامة وقد أورد في نيل الأوطار ج 4 ص 251.
(3) بعد العيد.
(4) أي متأخرة عن العيد بثلاثة أيام لخبر زياد بن أبي الحلال (قال لنا أبو عبد الله عليه السلام : لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيام ، إنها أيام أكل وشرب) (2) وخبر - حريز عنهم عليهم السلام (إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاث يمضين) (3)3) وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا؟ فقال : أكره لك أن تصومها) (4).
(5) أي قيد التوالي ، كما في خبر درر اللآلي المتقدم.
(6) أي فيكون التوالي له فضيلة غير فضيلة الأيام الستة.
(7) أي التوالي ، والمعنى أن الحكم بوقوعها على التوالي بعد الفطر تخفيف على الصائم الذي اعتاد على الصوم ، إذ لو وقعت متراخية ومتفرقة فيثقل الصوم حينئذ.
(8) لأن تفريقها موجب للملل.
(9) لمرسل سهل عن أبي الحسن الأول عليه السلام (في أول يوم ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن ، فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا) (5) ، ومرسل الصدوق عن موسى بن جعفر عليه السلام (من صام أول يوم من العشر ذي الحجة كتب الله له صوم
ص: 198
العشر غير المستثنى (1) ، (ورجب كله (2) ، وشعبان كله) (3).
(الحادية عشرة - يستحب الإمساك) (4) بالنية (5) ، لأنه عبادة (في المسافر والمريض بزوال عذرهما بعد التناول) وإن كان قبل الزوال ، (أو بعد الزوال) وإن كان قبل التناول ، ويجوز للمسافر التناول قبل بلوغ محل الترخص وإن علم بوصوله قبله (6) فيكون إيجاب الصوم منوطا باختياره (7) كما يتخير بين نية المقام المسوغة للصوم ، وعدمها ، وكذا يستحب الإمساك (لكل من سلف من ذوي الأعذار التي تزول في أثناء النهار) مطلقا (8) كذات الدم ، والصبي ، والمجنون ،
______________________________________________________
- ثمانين شهرا ، فإن صام التسع كتب الله عزوجل له صوم الدهر) (1).
(1) والمستثنى هو العيد فصومه حرام ، ويوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء فإنه مكروه.
(2) للأخبار منها : خبر أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أن رجبا شهر الله الأصم وهو شهر عظيم - إلى أن قال - ومن صام من رجب ثلاثين يوما نادى مناد من السماء : يا عبد الله أما ما مضى فقد غفر لك ، فاستأنف العمل فيما بقي ، هذا لمن صام رجب كله) (2).
(3) للأخبار منها : خبر الفضل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (إلى أن قال. وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان ، وسنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة ، فأجاز الله عزوجل له ذلك) (3).
(4) وهو المسمى بصوم التأديب ، احتراما لشهر رمضان ، وتشبيها بالصائمين ، وأمنا من تهمة من يراه لخبر الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام (وكل من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا وليس بفرض) (4) ولذا كان مستحبا ، ومنه تعرف ضعف ما عن المفيد والمرتضى حيث أوجبا الإمساك المذكور.
(5) أي بنية التقرب وإلا فلا يكون عبادة.
(6) قبل الزوال.
(7) لأن الحضر من شرائط الوجوب فلا يجب عليه تحصيلها بخلاف شرائط الواجب.
(8) قبل الزوال أو بعده وسواء تناول المفطر أو لا.
ص: 199
والمغمى عليه ، والكافر يسلم.
(الثانية عشرة - لا يصوم الضيف بدون إذن مضيفه) (1) وإن جاء نهارا ما لم تزل الشمس ، مع احتماله مطلقا (2) ، عملا بإطلاق النص ، (وقيل : بالعكس أيضا) (3) وهو مروي لكن قلّ من ذكره ، (ولا المرأة والعبد) ، بل مطلق المملوك (4) ، (بدون إذن الزوج والمالك ، ولا الولد) ...
______________________________________________________
(1) للأخبار منها : خبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، ومن صلاح العبد وطاعته أن لا يصوم إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا عاصيا ، وكان الولد عاقا) (1).
فعن الأكثر أن صومهم بغير إذن مكروه ، وعن النافع والمعتبر أنه غير صحيح ، ولكن قوله عليه السلام (من فقه الضيف) وقوله (وإلا كان الضيف جاهلا) ظاهر في الكراهة فيحمل الخبر بتمامه على الكراهة لوحدة السياق.
وذهب المحقق والحلي والعلامة وجماعة أنه مع النهي يفسد الصوم ، وفيه : أنه لا يفسد إلا إذا كان صوم الولد عقوقا بالمخالفة ، وصوم المرأة نشوزا ، وصوم العبد تفريطا بحقوق مولاه ، وأما صوم الضيف مع النهي فلا يوجب حرمة بل يبقى على الكراهة إلا إذا طرأ عليه عنوان محرم.
(2) أي احتمال احتياج صوم الضيف إلى الإذن ولو بعد الزوال ، تمسكا بإطلاق خبر هشام بن الحكم المتقدم ، وعن بعضهم عدم الاحتياج لإطلاق النص - وقد تقدم سابقا - بكراهة الإفطار بعد الزوال ، وفيه : إن النهي فيه بعد الزوال من حيث الصوم لا من حيث الضيافة فيبقى النهي للضيف على إطلاقه.
(3) أي صوم المضيف بدون إذن الضيف لخبر الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم. لئلا يعملوا شيئا فيفسد ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف ، لئلا يحتشم فيشتهي الطعام فيتركه لهم) (2).
(4) فيشمل الجارية لأن العلة واحدة فيهما.
ص: 200
وإن نزل (1) ، (بدون إذن الوالد) وإن علا ، ويحتمل اختصاصه بالأدنى فإن صام أحدهم بدون إذن كره.
(والأولى عدم انعقاده مع النهي) (2) ، لما روي من أن الضيف يكون جاهلا ، والولد عاقّا ، والزوجة عاصية ، والعبد آبقا وجعله أولى يؤذن بانعقاده ، وفي الدروس استقرب اشتراط إذن الوالد ، والزوج والمولى في صحته (3) ، والأقوى الكراهة بدون الإذن مطلقا (4) ، في غير الزوجة والمملوك ، استضعافا لمستند الشرطية (5) ، ومأخذ التحريم (6) ، أما فيهما (7) ، فيشترط الإذن ، فلا ينعقد بدونه ، ولا فرق (8) بين كون الزوج والمولى حاضرين ، أو غائبين ، ولا بين أن يضعفه عن حق مولاه (9) ، وعدمه.
(الثالثة عشرة - يحرم صوم العيدين (10) ...)
______________________________________________________
(1) لإطلاق النص ، ولكن في الجواهر جعله على احتمال.
(2) وقد عرفت عدم فساده إلا إذا كان عتوقا أو نشوزا أو تفريطا بحق المولى.
(3) أي صحة الصوم.
(4) وجد النهي أو لا.
(5) أي اشتراط صومهم بالإذن.
(6) وهو قوله عليه السلام في خبر هشام بن الحكم المتقدم (وإلا كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا عاصيا ، وكان الولد عاقا) والخبر ضعيف السند.
(7) علّل العلامة في التذكرة عدم جواز صوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها بأنه مالك لبضعها وله حق الاستمتاع ، وربما يمنعه الصوم عنه فلم يكن سائغا إلا برضاه ، وفيه : إنه لا يقتضي عدم الانعقاد بل يقتضي جواز إبطال صومها إذا أراد الاستمتاع المنافي للصوم.
وربما يستدل لعدم جواز صوم العبد بإذن مولاه أن العبد ملك لمولاه فلا يجوز له الصوم إلا بإذنه وإلا كان تصرفا منهيا عنه ، وفيه : إنه لا دليل على تسلط المولى على العبادات القلبية التي لا تمنع العبد من خدمة سيده وإطاعة أوامره.
(8) بدعوى إطلاق النص ، ودعوى أن النص الموجب لاشتراط الإذن منصرف إلى حضور الزوج دون غيابه ليس ببعيدة.
(9) قد عرفت أنه إذا منعه عن إطاعة أمر مولاه فيحرم إلا بإذن المولى.
(10) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر الزهري عن علي بن الحسين في حديث (وأما الصوم -
ص: 201
(مطلقا (1) ، وأيام التشريق) (2) وهي الثلاثة بعد العيد (لمن كان بمنى) (3) ناسكا ، أو غير ناسك ، (وقيده بعض الأصحاب) وهو العلامة (رحمه الله) (بالناسك) بحج ، أو عمرة والنص مطلق ، فتقييده يحتاج إلى دليل ، ولا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعا وإن أطلق تحريمها في بعض العبارات ، كالمصنف في الدروس فهو مراد من قيد ، وربما لحظ المطلق أن جمعها كاف عن تقييد كونها بمنى ، لأن أقل الجمع ثلاثة ، وأيام التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى فإنها في غيرها يومان لا غير (4) ، وهو لطيف.
______________________________________________________
- الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى ، وثلاثة أيام من أيام التشريق ، وصوم يوم الشك أمرنا به ، ونهينا عنه ، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان ، ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس ، فقلت له : جعلت فداك ، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع به؟ قال : ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضره ، فقلت : وكيف يجزي صوم شعبان عن فريضة؟ فقال : لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ، ثم علم بعد ذلك لأجزأ عنه ، لأن الغرض إنما وقع على اليوم بعينه ، وصوم الوصال حرام ، وصوم الصمت حرام ، وصوم نذر المعصية حرام ، وصوم الدهر حرام) (1).
(1) سواء كان ناسكا أم لا ، وقيل : إن الإطلاق في قبال الشيخ حيث استثنى من صوم العيدين القاتل في أشهر الحرم فإنه يصوم شهرين منها وإن دخل العيد وأيام التشريق.
(2) بلا خلاف فيه لخبر الزهري المتقدم ، وخبر قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله عليه السلام (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم ستة أيام : العيدين ، وأيام التشريق ، واليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان) (2) ومثلها غيرها.
(3) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الصيام أيام التشريق فقال : أما بالأمصار فلا بأس ، وأما بمنى فلا) (3) ومثله غيره ، وخصّ العلامة في القواعد التحريم بمن كان بمنى ناسكا ، والإطلاق حجة عليه.
(4) إذ لا أضحية بعد اليومين وسيأتي الكلام فيه في كتاب الحج.
ص: 202
(وصوم) يوم (الشك) (1) وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤية الهلال ، أو شهد به من لا يثبت بقوله (بنية الفرض) المعهود وهو رمضان وإن ظهر كونه منه (2) ، للنهي ، أما لو نواه واجبا عن غيره (3) كالقضاء والنذر لم يحرم وأجزأ عن رمضان ، وأما بنية النفل فمستحب عندنا وإن لم يصم قبله (4) ، (ولو صامه بنية النفل أجزأ إن ظهر كونه من رمضان) ، وكذا كل واجب معين فعل بنية الندب ، مع عدم علمه (5) ، وفاقا للمصنف في الدروس.
(ولو ردد) (6) نيته يوم الشك ، بل يوم الثلاثين ...
______________________________________________________
(1) على أنه من رمضان بلا خلاف للأخبار وقد تقدم خبر الزهري ، وخبر الأعشى.
(2) لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال في يوم الشك : من صامه قضاه وإن كان كذلك ، يعني : من صامه على أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه ، وإن كان يوما من شهر رمضان ، لأن السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء) (1).
(3) أي غير رمضان لإطلاق النصوص ، إذ صومه على أنه من شعبان كما يمكن أن يكون بنية الندب يمكن أن يكون بنية القضاء فلاحظ موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يصام يوم الشك من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنه قد نهي أن يتفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك ، وإنما ينوي من الليل أنه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله عزوجل ، وبما قد وسع على عباده ، ولو لا ذلك لهلك الناس) (2).
(4) كما يدل عليه خبر الزهري المتقدم.
(5) قياسا على فعل شهر رمضان بنية الندب مع عدم علمه بدخول شهر رمضان لعدم خصوصية في هذا المورد.
(6) بأن صام على أنه إن كان من شهر رمضان كان واجبا ، وإلا كان مندوبا فقد وقع الخلاف على قولين ، الأكثر على عدم الإجزاء لأنه لم ينو أحدهما قطعا مع الترديد ، ولأنه يستفاد من نصوص يوم الشك تعين نيته من شعبان ، فنيته على خلاف ذلك تشريع محرم فلا يتحقق به الامتثال ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والعماني وابن حمزة والشهيد إلى الإجزاء لأنه نوى الواقع فوجب أن يجزيه ، ولأنه نوى العبادة وإن ضمّ إليها ما لا يقدح بها لأنه بالترديد ترجع نيته إلى كونه من شعبان إذا انكشف أنه من شعبان ، وإلى شهر
ص: 203
مطلقا (1) ، بين الوجوب إن كان من رمضان ، والندب إن لم يكن (فقولان أقربهما الإجزاء) ، لحصول النية المطابقة للواقع ، وضميمة الآخر غير قادحة ، لأنها غير منافية ، ولأنه لو جزم بالندب أجزأ عن رمضان إجماعا ، فالضميمة (2) المتردد فيها أدخل في المطلوب ، ووجه العدم اشتراط الجزم في النية حيث يمكن ، وهو هنا كذلك (3) بنية الندب ، ومنع كون نية الوجوب أدخل على تقدير الجهل ، ومن ثم لم يجز لو جزم بالوجوب فظهر مطابقا.
ويشكل (4) بأن التردد ليس في النية ، للجزم بها على التقديرين ، وإنما هو في الوجه وهو على تقدير اعتباره أمر آخر ، ولأنه (5) مجزوم به على كل واحد من التقديرين اللازمين على وجه منع الخلو ، والفرق بين الجزم بالوجوب (6) ، والترديد فيه النهي عن الأول شرعا المقتضي للفساد بخلاف الثاني (7).
(ويحرم نذر المعصية) (8) بجعل الجزاء شكرا على ترك الواجب ، أو فعل المحرم ، وزجرا على العكس ، (وصومه) الذي هو الجزاء لفساد الغاية ، وعدم
______________________________________________________
- رمضان لا غير إذا انكشف أنه من شهر رمضان ، فالجزم بالنية موجود والترديد في المنوي.
(1) سواء شك أنه من رمضان أم لا.
(2) أي وقوع الصوم عن شهر رمضان واجبا.
(3) أي الجزم ممكن فيما لو نوى الندب.
(4) أي القول بعدم الاجزاء.
(5) أي الوجه.
(6) أي فيما لو صام يوم الشك واجبا على أنه من شهر رمضان.
(7) والأقوى عدم الإجزاء لأن نصوص يوم الشك قد أوجبت إتيانه على أنه من شعبان ، فالإتيان بغير هذا لا يكون موافقا للمأمور به فلا يتحقق الامتثال.
(8) بحيث ينذر الصوم إن تمكن من المعصية الفلانية ، ويقصد الشكر على تيسيرها ، لا الزجر عنها ، ولا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه ، لأن الصوم يفتقر إلى القربة ، وهذا مما لا يمكن التقرب به ، ولخبر الزهري المتقدم عن علي بن الحسين عليه السلام (وصوم نذر المعصية حرام) ((1).
ص: 204
التقرب به ، (و) صوم (الصمت) (1) بأن ينوي الصوم ساكتا فإنه محرم في شرعنا ، لا الصوم ساكتا بدون جعله وصفا للصوم بالنية (والوصال) (2) بأن ينوي صوم يومين فصاعدا ، لا يفصل بينهما بفطر أو صوم يوم إلى وقت متراخ عن الغروب ، ومنه أن يجعل عشاءه سحوره بالنية ، لا إذا أخر الإفطار بغيرها (3) ، أو تركه ليلا.
(وصوم الواجب سفرا) (4) على وجه موجب للقصر ، (سوى ما مر) من
______________________________________________________
(1) بلا خلاف لخبر الزهري المتقدم (وصوم الصمت حرام) (1).
(2) بلا خلاف فيه لخبر الزهري المتقدم (وصوم الوصال حرام) (2)(3)(4) ، وصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا صيام في وصال) (5) ومثلها غيرها ، واختلف في حقيقته فعن الأكثر أن ينوي صوم يوم وليلة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره) (4) وخبر حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (الواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ، ويفطر في السحر) (5).
وعن ابن إدريس والشيخ في كتاب الاقتصاد والفاضل أن يصوم يومين مع ليلة بينهما لخبر محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام (ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان ، قال : هما الشهران اللذان قال الله تبارك وتعالى : ( شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ ) ، قلت : فلا يفصل بينهما؟ قال : إذا أفطر من الليل فهو فصل ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا وصال في صيام ، يعني : لا يصوم الرجل يومين متوالين من غير إفطار ، وقد يستحب للعبد أن لا يدع السحور) (6) ، وهو ضعيف السند فالعمل على الأول لصحة سنده ، والحرمة إذا أخّر العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزءا من الصوم ، أما لو أخّره الصائم بغير نية فإنه لا يحرم.
(3) أي بغير نية الصوم.
(4) بلا خلاف فيه ، وقد تقدم الكلام فيه ، ومن جملة النصوص موثق سماعة (سألته عن الصيام في السفر ، قال : لا صيام في السفر ، قد صام ناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسماهم العصاة) (7).
ص: 205
المنذور المقيد به (1) ، وثلاثة الهدي ، وبدل البدنة ، وجزاء الصيد على القول. وفهم من تقييده بالواجب جواز المندوب (2) وهو الذي اختاره في غيره على كراهيّة ، وبه (3) روايتان يمكن إثبات السنة بهما. وقيل : يحرم لإطلاق النهي في غيرهما (4) ، ومع ذلك يستثنى ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة المشرفة (5) ، ...
______________________________________________________
(1) أي بالسفر وقد تقدم الكلام فيه وفي أخويه.
(2) وقع الخلاف في جواز صوم المندوب في السفر ، فعن الصدوقين وابني البراج وإدريس ، بل عن المفيد نسبته إلى المشهور عدم الجواز لصحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام (ليس من البر الصوم في السفر) (1) ، وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا سافر فليفطر ، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية) (2).
وعن المحقق والعلامة وجماعة بل قيل عن الأكثر أنه على كراهية جمعا بين ما تقدم وبين ما دل على الجواز ، وهو مرسل ابن سهل عن أبي عبد الله عليه السلام (3) ، وخبر الحسن بن بسام الجمال ، والنص للثاني (كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ، ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك ، أمس كان من شعبان وأنت صائم ، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال : إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا) (4) ، وهما ضعيفا السند إلا أنهما منجبران بعمل الأصحاب ، وعن ابن البراج الجواز مطلقا من دون كراهية ، وقد عرفت لا بدية حمل أخبار الجواز على الكراهة لورود أخبار النهي.
(3) أي بالجواز.
(4) أي في غير هاتين الروايتين.
(5) بلا خلاف لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام ، صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة ، وهي اسطوانة التوبة التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلم بشي ء في هذه
ص: 206
قيل : والمشاهد كذلك (1).
(الرابعة عشرة - يعزّر من أفطر في شهر رمضان عامدا عالما) (2) بالتحريم ، (لا إن أفطر لعذر) كسلامة من غرق ، وإنقاذ غريق ، وللتقية قبل الغروب ، وآخر رمضان وأوله ، مع الاقتصار على ما يتأدى به الضرورة ، ولو زاد فكمن لا عذر له ، (فإن عاد) إلى الإفطار ثانيا بالقيدين (3) (عزر) أيضا (4) ، (فإن عاد) إليه ثالثا
______________________________________________________
- الأيام إلا ما بدّ لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل ، فإن ذلك مما يعدّ فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة واثن عليه وصلّ على النبي صلى الله عليه وآله وسل حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع ، سألتك أو لم أسألك ، فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة في قضاء حوائجي ، صغيرها وكبيرها ، فإنك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء الله) (1).
(1) ألحق المفيد في المقنعة المشاهد بحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال فيها : (لا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا إلا صوم ثلاثة أيام لدم المتعة. إلى أن قال. وصوم ثلاثة أيام للحاجة ، اربعاء وخميس وجمعة متواليات عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام) (2) ، ولعله بناء على تسوية الحكم بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين).
(2) إذا كان غير مستحل ، وأما إذا كان مستحلا يقتل لإنكاره الضروري ، فهو مرتد ، لصحيح بريد عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيام ، قال : يسأل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان إثم؟ فإن قال لا ، فإن على الإمام أن يقتله ، وإن قال نعم ، فإن عليه أن ينهكه ضربا) (3).
(3) أي عامدا عالما بالتحريم.
(4) لخبر سماعة (سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان ، وقد أفطر ثلاث مرات ، وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرات ، قال : يقتل في الثالثة) (4) والرفع إلى الامام معناه التعزير بشهادة صحيح بريد المتقدم.
ص: 207
(بهما (1) قتل) (2) ، ونسب في الدروس قتله في الثالثة إلى مقطوعة سماعة ، وقيل : يقتل في الرابعة ، وهو أحوط ، وإنما يقتل فيهما مع تخلل التعزير مرتين (3) ، أو ثلاثا ، لا بدونه.
(ولو كان مستحلا) للإفطار أي معتقدا كونه حلالا ، ويتحقق بالإقرار به (قتل) بأول مرة (4) (إن كان ولد على الفطرة) الإسلامية بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه ، (واستتيب إن كان عن غيرها) (5) فإن تاب وإلا قتل ، هذا إذا كان ذكرا ، أما الأنثى فلا تقتل مطلقا (6) بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب ، أو تموت ، وإنما يكفر مستحل الإفطار بمجمع على إفساده الصوم بين المسلمين بحيث صار ضروريا كالجماع والأكل ، والشرب المعتادين ، أما غيره (7) فلا على الأشهر ، وفيه (8) لو ادعى الشبهة الممكنة في حقه ...
______________________________________________________
(1) أي بالقيدين.
(2) لخبر سماعة المتقدم ، وقيل : يقتل في الرابعة لمرسل الشيخ عنهم عليهم السلام (إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة) (1) إلا أنه معارض بصحيح صفوان عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام (قال : أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة) (2).
(3) كما نصت عليه رواية سماعة المتقدمة ، فغيره خارج عن هذا المورد.
(4) كما في صحيح بريد المتقدم.
(5) أي غير الفطرة الإسلامية وهو المسمى بالمرتد الملي في قبال الأول المسمى بالمرتد الفطري ، وسيأتي بحثه في كتاب الارث وكتاب الحدود.
(6) وإن ولدت على الفطرة.
(7) أي غير المجمع على إفساده فلا يكفر إذ قد يكون اعتمد على دليل جوّز له الإفطار ما دامت المسألة غير ضرورية ، وخالف في ذلك أبو الصلاح الحلبي ، وألحق أن كفر المنكر متحقق إذا أنكر شيئا ثبت لديه صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، سواء كان ضروريا أو لا ، بحيث يكون إنكاره موجبا لتكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الموجب لجحود النبوة ، ولذا كان إنكار الضروري موجبا للكفر.
(8) أي في الضروري المجمع عليه.
ص: 208
قبل منه (1) ، ومن هنا يعلم أن إطلاقه (2) الحكم ليس بجيد.
(الخامسة عشرة - البلوغ الذي يجب معه العبادة الاحتلام) (3) وهو خروج المني من قبله مطلقا (4) في الذكر والأنثى (5) ومن فرجيه في الخنثى (6) ...
______________________________________________________
(1) لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
(2) اي إطلاق المصنف بقوله (ولو كان مستحلا قتل) من غير تقييد بما ذكر.
(3) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (انقطاع يتم اليتيم الاحتلام) (1) وخبر الأعمش عن ابن ظبيان قال (أتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال علي عليه السلام : أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ) (2).
(4) أي في النوم أو اليقظة ، بجماع أو غيره ، للقطع بإرادة خصوص المني سواء كان في النوم أو اليقظة ، وإلا لو كان للمنام مدخلية لما تحقق البلوغ في الرجال ما لم يتحقق الاحتلام وإن نكحوا وأولدوا وهو واضح البطلان ، واشترط خروجه من موضعه المعتاد مع إطلاق الأدلة لوجوب حمل كلام الشارح على ما هو المعهود والمتعارف ، فلو خرج من جرح ونحوه لم يعتد به ، وعن بعضهم منهم صاحب الجواهر مطلق خروج المني تمسكا بإطلاق النص.
(5) لأصالة الاشتراك في الأحكام ، ولإطلاق (لا يتم بعد احتلام) كما في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد (3) ، ولما روته العامة (من أن أم سلمة سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، فقال : إذا رأت ذلك فلتغتسل) (4).
وعن الصدوق والشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة وابن البراج ، والحلي من كون الخروج علامة للرجل لأن الاحتلام بخروج الماء الدافق نادر في النساء ، وإليه ذهب الشافعي ، ولكن ندرته فيهن لا يخرجه عن كونه علامة عند خروجه.
(6) ضرورة حصول سبب البلوغ في الفرجين سواء كان رجلا أم امرأة ، وإنما الخلاف فيما لو أمنى من أحدهما ، فعن الأكثر أنه لا يحكم ببلوغه لجواز كون ذلك الفرج زائدا فلا -
ص: 209
(أو الانبات) (1) للشعر الخشن على العانة مطلقا (2) ، (أو البلوغ) أي إكمال (خمس عشرة سنة) (3) هلالية (4) (في الذكر) والخنثى (5) ، (و) إكمال (تسع في الأنثى) على
______________________________________________________
- يكون معتادا ، وعن البعض أنه دليل البلوغ وإن احتمل كونه زائدا ، لأنه لا يشترط في المني خروجه من الموضع المعتاد.
(1) بلا خلاف فيه بيننا للأخبار منها : خبر يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام (يا أبا خالد إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك ، وبلغ خمس عشرة سنة ، أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته) (1) ، واعتبار الخشونة مع عدم التقييد به في النص لمعلومية عدم اعتبار الزغب والشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر.
ومنه تعرف ضعف ما عن أبي حنيفة من عدم الاعتداد بالإنبات مطلقا لأنه كغيره من الشعر في الرأس والبدن.
والنص ظاهر بل صريح على نحو يشمل المسلم والكافر ، وعن الشافعي أنه علامة للمشرك فقط ، لأنه لا طريق إلى معرفة بلوغهم سوى ذلك ، لأنه لا يمكن الرجوع إليهم في الإخبار بالسن والاحتلام بخلاف المسلم.
(2) للمسلم أو للمشرك ، ويمكن أن يراد بالإطلاق في الذكر والأنثى والخنثى.
(3) في الذكر ، على المشهور للأخبار منها : خبر حمزة بن حمران عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام (سأله متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة ، ويقام عليه ويؤخذ بها؟ قال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك ، قلت : فلذلك حدّ يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر أو أنبت قبل ذلك ، أقيمت عليه الحدود التامة ، وأخذ بها وأخذت له ، قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتأخذ بها ويؤخذ لها؟ قال : إن الجارية ليست مثل الغلام ، إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، وأقيمت عليها الحدود وأخذ لها وبها ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ، ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم أو يشعر ، أو ينبت قبل ذلك) (2).
وخالف ابن الجنيد فقال : بأربع عشرة سنة ، هذا والمراد ببلوغ خمس عشرة سنة إكمالها فلا يكفي الشروع فيها ، وما قيل إنه يكتفى بالشروع ضعيف.
(4) لأن المعتبر من السنين القمرية دون الشمسية ، لأن ذلك هو المعهود من شرعنا.
(5) لا نص فيها بالخصوص ، ولكن أصالة عدم التكليف والبلوغ يقتضي استصحاب الحال -
ص: 210
المشهور (1) ، (وقال) الشيخ (في المبسوط وتبعه ابن حمزة : بلوغها) أي المرأة (بعشر (2) ، وقال ابن إدريس : الإجماع) واقع (على التسع) ، ولا يعتد بخلافها لشذوذه (3) والعلم بنسبهما (4) ، وتقدمه عليهما وتأخره عنهما (5) ، وأما الحيض والحمل للمرأة فدليلان على سبقه (6) ، وفي إلحاق اخضرار الشارب ، وإنبات اللحية بالعانة قول قوي (7) ، ...
______________________________________________________
- السابق وهو عدم البلوغ إلى أن يعلم المزيل وهو بلوغ خمس عشرة سنة ما لم يحصل قبله أمر آخر.
(1) للأخبار ، منها خبر حمزة بن حمران المتقدم.
(2) كما عن الشيخ في كتاب صوم المبسوط ، وابن حمزة في خمس الوسيلة لرواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا توطأ الجارية لأقل من عشر سنين) (1) وهي لا تقاوم أخبار التسع.
(3) أي شذوذ الخلاف.
(4) بناء على أن العلم بنسب المخالف لا يضر بحجية الإجماع للقطع بعدم كونه هو الإمام المعصوم عليه السلام الذي هو مناط حجية الإجماع.
(5) أي لتقدم الإجماع عليهما وتأخره عنهما.
(6) أي سبق البلوغ ، بلا خلاف فيه ، أما الحيض للأخبار منها : خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (ثلاث يتزوجن على كل حال ، وذكر من جملتها التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : ومتى يكون كذلك؟ قال : ما لم تبلغ تسع سنين ، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض) (2) ولازمه أنها تحيض إذا بلغت تسع سنين وعليه فيكون الحيض كاشفا عن بلوغها التسع.
وأما الحمل لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل ابتاع جارية ولم تطمث قال : إن كانت صغيرة لا يتخوف. عليها الحبل فليس له عليها عدة وليطأها إن شاء ، وإن كانت بلغت ولم تطمث فإن عليها العدة) (3) ومثله غيره.
(7) قوى الشارح الإلحاق هنا مع أنه حكم بالعدم في المسالك ، وعن الشيخ في المبسوط جعل إنبات اللحية كاشفا عن البلوغ ، وعن التذكرة نفي البأس بناء على أن العادة قاضية -
ص: 211
ويعلم السن بالبينة (1) والشياع (2) ، لا بدعواه (3) والإنبات بهما (4) ، وبالاختبار ، فإنه (5) جائز مع الاضطرار إن جعلنا محله من العورة (6) ، أو بدونه (7) على المشهور والاحتلام بهما (8) ، وبقوله (9) ، وفي قبول قول الأبوين (10) ، أو الأب في السن وجه.
______________________________________________________
- بتأخر ذلك عن البلوغ ، ولا بأس به لدلالة خبر حمزة بن حمران المتقدم عليه.
(1) لأنها حجة شرعية.
(2) المفيد للعلم وحجته ذاتية.
(3) لأن كلامه لا نفوذ له لأنه صبي ، ويشترط في نفوذه أن يكون بالغا.
(4) أي ويعلم الإنبات بالبينة والشياع العلمي.
(5) أي الاختيار.
(6) كما عن أبي الصلاح الحلبي أنها من السرة إلى الركبة.
(7) أي بدون الاضطرار على المشهور من أنها خصوص الآلة والبيضتان ، والفرج ، والدبر.
(8) أي ويثبت الاحتلام بالبينة والشياع.
(9) لأنه لا يعرف إلا من قبله بخلاف الإنبات والسن ، لإمكان الاختبار.
(10) لأنهما غير بينة شرعية إذا البينة رجلان أو رجل وامرأتان ، ووجه الأخذ بقولهما لئلا يلزم العسر والحرج ، لأن الغالب كونهما مطلعين وغيرهما غير مطلع ، وقد ضعّف بأن قولهما ليس بحائز على شرائط البينة ، وكذا قول الأب فقط.
ص: 212
كتاب الاعتكاف
ص: 213
ص: 214
كتاب الاعتكاف
(ويلحق بذلك الاعتكاف) ، وإنما جعله من لواحقه (1) لاشتراطه به (2) واستحبابه مؤكّدا في شهر رمضان ، وقلة مباحثه (3) في هذه المختصر عما يليق بالكتاب المفرد ، (وهو مستحب) (4) استحبابا مؤكدا (خصوصا في العشر الأواخر)
______________________________________________________
(1) أي وإنما جعل المصنف الاعتكاف من لواحق الصوم.
(2) أي لاشتراط الاعتكاف بالصوم.
(3) أي ولكونه قليل المباحث لا يليق جعله كتابا مستقلا في هذا الكتاب ، لأن اللمعة بنيت على الاختصار.
(4) فيدل على مشروعيته قوله تعالى : ( وَلٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ ) (1) ، وقوله تعالى : ( أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَالْعٰاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (2) ، ويدل على استحبابه أخبار منها : خبر أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان في العشر الأوّل ، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثم لم يزل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف في العشر الأواخر) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها ، فأجرى الله على يديه قضاها ، كتب الله عزوجل له حجة وعمرة ، واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما) (4).
ص: 215
(من شهر رمضان) (1) ، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كان يواظب عليه فيها (2) ، تضرب له قبة بالمسجد من شعر ، ويطوى فراشه ، وفاته عام بدر بسببها (3) فقضاها في القابل ، فكان (ص) يقول : إن اعتكافها يعدل حجتين وعمرتين.
(ويشترط) في صحته (الصوم) (4) وإن لم يكن لأجله (5) (فلا يصح إلا من مكلف (6) يصح منه الصوم (7) ، في زمان يصح صومه) (8) ، واشتراط التكليف فيه
______________________________________________________
(1) لأخبار منها : خبر أبي العباس المتقدم ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضربت له قبة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه) (1) ، ومرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام (كانت بدر في شهر رمضان ، ولم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين ، عشرا لعامه ، وعشرا قضاء لما فاته) (2) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين وعمرتين) (3).
(2) في العشر الأواخر.
(3) أي بسبب واقعة بدر.
(4) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا اعتكاف إلا بصوم) (4) ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد جامع) (5) ، وخبر الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام (وصوم الاعتكاف واجب) (6).
(5) أي وإن لم يكن الصوم لأجل الاعتكاف ، حتى لو كان لصيام شهر رمضان ، إذ غاية ما يشترط وقوعه مع صوم بلا خلاف فيه ، ولما ورد من عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اعتكافه في شهر رمضان.
(6) بناء على تمرينية عبادة الصبي ، وقد عرفت أنها شرعية.
(7) فلا يصح من الحائض والنفساء بلا خلاف ، وأما المسافر فعن الشيخ وابن إدريس استحباب الاعتكاف في السفر ، لأنه عبادة مطلوبة لا يشترط فيها الحضر ، وعن الأكثر العدم لأن الحضر شرط في شرطه ، أعني في صومه.
(8) فلا يصح في العيدين بلا خلاف ، لأن الصوم شرط فيه وهو محرم في العيدين ، والشرط في الشرط شرط في المشروط.
ص: 216
مبني على أن عبادة الصبي تمرينا ليست صحيحة ، ولا شرعية وقد تقدم (1) ما يدل على صحة صومه (2) ، وفي الدروس صرح بشرعيته ، فليكن الاعتكاف كذلك ، أما فعله من المميز تمرينا فلا شبهة في صحته كغيره (وأقله ثلاثة أيام) (3) بينها ليلتان (4) ، فمحل نيته (5) قبل طلوع الفجر. وقيل : يعتبر الليالي فيكون قبل الغروب ، أو بعده (6) على ما تقدم (7) ، (والمسجد الجامع) (8) وهو ما يجتمع فيه أهل البلد وإن لم يكن أعظم ، لا نحو مسجد القبيلة.
______________________________________________________
(1) في أول كتاب الصوم.
(2) وإن كان تمرينيا.
(3) بلا خلاف للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام) (1) وموثق عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام) (2).
(4) فليلة اليوم الأول وليلة اليوم الرابع خارجتان ، لأن المراد من اليوم لغة وعرفا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، وخالف الفاضل وثاني الشهيدين في المسالك لدخول ليلة اليوم الثاني والثالث ، وفيه إن دخولهما في اليومين الأخيرين لا لكون مسمى اليوم كذلك بل لظهور النص في استمرار حكم الاعتكاف.
وفائدة النزاع هذا : أن على الأول تكون النية عند طلوع فجر اليوم الأول متقدمة عليه أو مقارنة له ، وعلى الثاني عند غروب الشمس من اليوم السابق.
(5) قام الإجماع على كون الاعتكاف عبادة ، وكل عبادة يشترط فيها النية ، والنية لا بد أن يقع الفعل عنها فلذا لا بد أن تقارنه أو تتقدم عليه.
(6) أي بعد الغروب.
(7) في نية الصوم.
(8) وقع الاتفاق على أن الاعتكاف لا يقع إلا في مسجد ، وإنما اختلفوا في تعيينه ، فعن الشيخ والمرتضى والحلي والحلبي ، وهم الأكثر كما في الدروس تخصيصه بأحد المساجد الأربعة : مسجد الحرام ، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة ، لصحيح عمر بن يزيد (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ قال : لا يعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل جماعة ، ولا -
ص: 217
(والحصر في الأربعة) الحرمين وجامع الكوفة والبصرة ، أو المدائن بدله ، (أو الخمسة) المذكورة ، بناء على اشتراط صلاة نبي ، أو إمام فيه (ضعيف) ، لعدم ما يدل على الحصر ، وإن ذهب إليه الأكثر ،
(والإقامة بمعتكفه (1) ، فيبطل) الاعتكاف
______________________________________________________
- بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة) (1) ، ولمرسل المفيد في المقنعة (روي أنه لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي ، قال : وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسجد المدينة جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين عليه السلام) (2).
وعن والد الصدوق إبدال مسجد البصرة بمسجد المدائن ، وعن الصدوق ضمه إلى الأربعة ، لأن الإمام الحسن عليه السلام قد جمع فيه (3) ، والمتجه حينئذ ضمه إلى الأربعة كما عن الصدوق لا إبداله ، ولكن هذه الأخبار معارضة بالأكثر عددا التي تجوز الاعتكاف في كل مسجد جامع والترجيح لها ، وبها قال المفيد والمحقق في المعتبر والشهيدان وسيد المدارك وكثير من المتأخرين ، ومنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد جامع) (4) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد جماعة ، وتصوم ما دمت معتكفا) (5) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يصلح العكوف في غيرها - يعني غير مكة - إلا أن يكون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو في مسجد من مساجد الجماعة) (6) ، وخبر يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة (7).
هذا ويمكن الجمع بكون المواطن الأربعة أو الخمسة أظهر المصاديق أو أفضلها.
(1) أي استدامة اللبث في المسجد ، بلا خلاف فيه ، لأخبار منها : خبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بدّ منها ، ثم لا يجلس حتى يرجع ، والمرأة مثل ذلك) (8) وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة ، أو جنازة ، أو غائط) (9) -
ص: 218
(بخروجه) (1) منه وإن قصر الوقت (إلا لضرورة) كتحصيل مأكول ، ومشروب ، وفعل الأول (2) في غير لمن عليه (3) فيه غضاضة ، وقضاء حاجة ، واغتسال واجب (4) لا يمكن فعله فيه ، ونحو ذلك مما لا بد منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، ولا يتقدّر معها بقدر إلا بزوالها نعم لو خرج عن كونه معتكفا (5) بطل مطلقا ، وكذا لو خرج ناسيا فطال ، وإلا رجع حيث ذكر (6) ، فإن أخر بطل.
(أو طاعة كعيادة مريض) مطلقا (7) ، ويلبث عنده بحسب العادة لا أزيد ، (أو شهادة) تحملا وإقامة (8) ، إن لم يمكن بدون الخروج ، سواء تعينت عليه ، أم
______________________________________________________
- وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بدّ منها ، ثم لا يجلس حتى يرجع ، ولا يخرج في شي ء إلا لجنازة ، أو يعود مريضا ، ولا يجلس حتى يرجع ، قال : واعتكاف المرأة مثل ذلك) (1) ، والحاجة هي الضرورة الشرعية أو العقلية أو العادية.
(1) ضرورة أن اللبث شرط في الاعتكاف ، ومع عدمه ينعدم المشروط ، والمنافي هو خروج جميع بدنه لا بعضه لما روته العامة عن عائشة أنها قالت (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدني إليّ رأسه لا رجله) (2) ، وذهب الشارح في المسالك إلى أنه يتحقق بخروج البعض وهو غير واضح المستند.
(2) أي الأكل.
(3) أي لمن كان على الأكل في المسجد غضاضة.
(4) قيّد بالواجب لأنه الذي يتعدى إلى المسجد منه النجاسة ، بخلاف الغسل المستحب.
(5) لأن الماحي لصورة الاعتكاف يبطله ، وإن كان لحاجة ضرورية أو غيرها ، وسواء كان لنسيان أو لغيره.
(6) ما خرج للنسيان غير ضائر لحديث الرفع (3).
(7) سواء كان مؤمنا أم لا ، ومهما كان مرضه ، وقد تقدم التصريح به في الأخبار.
(8) أما التحمل أي ترى بعينك الشي ء الذي ظلم به أخوك ، والإقامة هي تأديتها عند الحاكم ، وهي وإن لم يرد بها نص بخصوصه إلا أنها مندرجة تحت عنوان الحاجة.
ص: 219
لا ، (أو تشييع مؤمن) (1) وهو توديعه ، إذا أراد سفرا إلى ما يعتاد عرفا ، وقيده بالمؤمن تبعا للنص (2) ، بخلاف المريض
لإطلاقه (3) ، (ثم لا يجلس لو خرج (4) ، ولا يمشي تحت الظل (5) اختيارا) قيد فيهما (6) ، أو في الأخير ، لأن الاضطرار فيه أظهر ، بأن لا يجد طريقا إلى مطلبه إلا تحت ظل.
ولو وجد طريقين (7) إحداهما لا ظل فيها سلكها وإن بعدت ، ولو وجد
______________________________________________________
(1) فلم يرد نص فيه بخصوصه لكنه مندرج تحت عنوان الحاجة ، وهذا ما اعترف به صاحب الجواهر وسيد المدارك وغيرهما.
(2) قد عرفت عدم ورود خبر يدل على خروج المعتكف لتشييع المؤمن ، وإنما المراد بالنص هو ما ورد في استحباب تشييع المؤمن كما في مرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة ، فقال : إن كان في شهر رمضان فليفطر ، قلت : فأيهما أفضل يصوم أو يشيّعه؟ قال : يشيعه ، إن الله قد وضع عنه الصوم إذا شيعه) (1) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يشيّع أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان ، قال : يفطر ويقصّر فإن ذلك حق عليه) (2).
(3) أي لاطلاق النص كما في صحيح الحلبي المتقدم.
(4) أما الجلوس تحت الظلال فممنوع بلا خلاف فيه ، وقد تقدم صحيح الحلبي (ولا يجلس حتى يرجع) (3) وخبر داود بن سرحان (ثم لا يجلس حتى يرجع) (4) ، أيضا قد ورد في خبر داود الآخر (لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بدّ منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك) (5) ، وحمل الأولين على الأخير يوجب تقييد الجلوس بما تحت الظلال كما عن الشيخين والفاضلين والمرتضى وسلار وأبي الصلاح وابن إدريس ، وعن بعضهم أنه لا يجب التقييد إلا إذا قلنا بمفهوم اللقب ، وهو ضعيف فلذا أطلقوا حكم منع الجلوس من غير تقييد بما تحت الظلال.
(5) كما عن جماعة منهم الشيخ للإجماع المدعى في الانتصار ، ودليلهم غير ظاهر.
(6) أي في الجلوس والمشي.
(7) قدّم الذي لا ظل فيه على الذي فيه ظل بناء على أن الأول منهي عنه ، وإن أوجب سلوك -
ص: 220
فيهما قدّم أقلهما ظلا (1) ، ولو اتفقا قدرا فالأقرب (2). والموجود في النصوص هو الجلوس تحت الظلال ، أما المشي فلا ، وهو الأقوى وإن كان ما ذكره أحوط ، فعلى ما اخترناه (3) ، لو تعارض المشي في الظل بطريق قصير ، وفي غيره بطويل قدّم القصير (4) ، وأولى منه لو كان القصير أطولهما ظلّا (5) ، (ولا يصلي إلا بمعتكفه) (6) فيرجع الخارج لضرورة إليه (7) ، وإن كان في مسجد آخر أفضل منه ، إلا مع الضرورة كضيق الوقت ، فيصلها حيث أمكن ، مقدما للمسجد مع الإمكان (8) ،
______________________________________________________
- الأول زيادة زمان الخروج ، فالزيادة غير مضرة ما دام الخروج ضروريا.
(1) لأن الضرورات تقدر بقدرها.
(2) لأن المشي في الظل فيهما على حد سيان ، فوجب أن يقدم الأقرب لأن سلوك غيره موجب لزيادة اللبث خارج المسجد من دون اضطرار وهذا ما يبطل الاعتكاف.
(3) من عدم حرمة المشي تحت الظل.
(4) وإن كان تحت الظل لعدم حرمته لئلا يلزم بسلوك الطويل زيادة لبث خارج المسجد المبطل للاعتكاف.
(5) فإذا قدم القصير ذو الظل على الطويل الخالي عنه فمن باب أولى يقدّم القصير ذو الظل الأكثر على الطويل الذي فيه ظل أقل ، لأن في الثاني هناك قدرا من الظل مشتركا بين الطريقين بخلاف الأول.
(6) أي لا يجوز له الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه ، إذا خرج منه لضرورة وذلك لأن الخروج للضرورة فيتقدر بقدرها ، إلا في مكة فإذا خرج من مسجدها للضرورة فيجوز له الصلاة في أي من بيوتها ، بلا خلاف في ذلك كله ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء ، سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها - إلى أن قال - ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة) (1). ومثله غيره ، ويستثنى من ذلك صلاة الجمعة لو أقيمت في غير مسجد اعتكافه في غير مكة ، لأنه خروج شرعي ، ويدل عليه صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط) (2).
(7) إلى معتكفه.
(8) لأنه مطالب بإيقاعها في مسجد اعتكافه ، ومع الضرورة فينزل عن عنوان مسجد اعتكافه -
ص: 221
ومن الضرورة إلى الصلاة في غيره إقامة الجمعة فيه دونه (1) فيخرج إليها ، وبدون الضرورة لا تصح الصلاة أيضا ، للنهي (إلا في مكة) فيصلي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء ، ولا يختص بالمسجد.
(ويجب الاعتكاف بالنذر وشبهه) من عهد ويمين (2) ، ونيابة عن الأب إن وجبت (3) ، واستئجار عليه (4) ، ويشترط في النذر ، وأخويه إطلاقه (5) فيحمل على ثلاثة ، أو تقييده بثلاثة فصاعدا ، أو بما لا ينافي الثلاثة (6) ، كنذر يوم لا أزيد ، وأما الأخيران (7) فبحسب الملتزم فإن قصر عنها اشترط إكمالها في صحته ، ولو عن نفسه (8) ، (وبمضي يومين) ولو مندوبين فيجب الثالث (على الأشهر) (9) ،
______________________________________________________
- إلى مطلق المسجد إن أمكن.
(1) أي في غير معتكفه والضمير في (دونه) راجع إلى معتكفه ، والمعنى فيخرج إلى الجمعة المقامة في غير معتكفه.
(2) لوجوب الوفاء بالنذر وأخويه كما سيأتي في أبوابه.
(3) أي وجبت النيابة ، فالاعتكاف الواجب على الأب ينتقل إلى ولده بناء على وجوب قضاء ما فات عن الوالد مطلقا من صلاة وصوم واعتكاف وغيره.
(4) أي على الاعتكاف لوجوب الوفاء بعقد الإجارة.
(5) فيجب أن يؤتى به ثلاثة أيام لأنها أقل ما يتحقق به المطلق.
(6) لأن ما ينافيها لا ينعقد به النذر ، لأنه غير مشروع.
(7) أي النيابة والاستئجار.
(8) كما لو كان مستأجرا على يوم واحد من الاعتكاف ، فيشترط في صحة اعتكاف هذا اليوم إكماله بيومين آخرين من عنده وعن نفسه وبدون أجرة.
(9) للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم. كما في رواية الكافي - عن أبي جعفر عليه السلام (إذا اعتكف الرجل يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج وأن يفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام) (1) ، وصحيح أبي عبيدة - كما في رواية الكافي - عن أبي جعفر عليه السلام (من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر) (2) ، وذيل الخبر الثاني ظاهر في -
ص: 222
لدلالة الأخبار عليه ، (وفي المبسوط) يجب (بالشروع) مطلقا (1) ، وعلى الأشهر يتعدى إلى كل ثالث على الأقوى كالسادس والتاسع لو اعتكف خمسة وثمانية ، وقيل : يختص بالأول (2) خاصة ، وقيل في المندوب ، دون ما نذر خمسة فلا يجب السادس ، ومال إليه المصنف في بعض تحقيقاته.
والفرق (3) أن اليومين في المندوب منفصلان عن الثالث شرعا ، ولما كان أقله ثلاثة كان الثالث هو المتمم للمشروع ، بخلاف الواجب ، فإن الخمسة فعل واحد
______________________________________________________
- وجوب كل ثالث لا خصوص ثالث الأيام الأول أو الثانية فقط ، نعم هاتان الروايتان رواهما الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال ومذهبه فاسد كما في الخلاصة لا يضر بعد كون طريق الكافي في أعلى مراتب الصحة ، وبعد كون ابن فضال موثقا حتى في الخلاصة. ومنه تعرف ضعف ما عنه السيد والحلي والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والقواعد من أنه لا يجب إتمام الاعتكاف المندوب حتى في اليوم الثالث لعدم الفرق بين أيامه مع استصحاب جواز عدم المضي ، وأن مثله مثل الصلاة المندوبة ، والخبران السابقان حجة تدفع هذا القول.
وعن الشيخ والحلبي وابن زهرة عدم جواز قطع الاعتكاف المندوب مطلقا ، بحيث يجب إتمامه بعد الشروع فيه ، وقال سيد المدارك (أما القائلون بوجوبه بالدخول فيه فلم نقف لهم على مستند) نعم استدل لهم بما دل على حرمة إبطال العمل كقوله تعالى : ( وَلٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ ) (1) ، ولما دل على وجوب الكفارة بالجماع قبل تمام ثلاثة أيام كما سيأتي دليله ، وفيه : إن وجوب الكفارة لهتك الاعتكاف المستحب ، وحرمة الإبطال مخصص بالخبرين السابقين.
(1) وإن لم يمض يومان.
(2) أي بالثالث الأول فقط دون السادس والتاسع ، وقد نقل عن المصنف في بعض تحقيقاته قوله (وكان شيخنا عميد الدين يومي إلى عدم وجوب السادس وما بعده ولو قلنا بوجوب الثالث ، ولعله وقوف على مورد النص ، والميل بالأصل واتصال الاعتكاف بعضه ببعض ، وعلى هذا الوجه يقوى في الواجب عدم وجوب السادس) ، ويدفعه صحيح أبي عبيدة المتقدم كما تقدم الكلام فيه.
(3) بين وجوب الثالث في المندوب وكذا السادس ، وبين عدم وجوب السادس في الواجب المنذور.
ص: 223
واجب متصل شرعا. وإنما نسب الحكم إلى الشهرة ، لأن مستنده من الأخبار غير نقي السند (1) ، ومن ثمّ ذهب جمع إلى عدم وجوب النفل مطلقا (2).
(ويستحب) للمعتكف (الاشتراط) (3) في ابتدائه (4) ، للرجوع فيه عند العارض (5) (كالمحرم) فيرجع عنده ، وإن مضى يومان (6) ، (وقيل) : يجوز اشتراط
______________________________________________________
(1) لوجود علي بن الحسن بن فضال في سند الروايتين كما في رواية الشيخ ، وقد عرفت أنهما في أعلى مراتب الصحة كما في رواية الكافي.
(2) حتى في اليوم الثالث.
(3) بلا خلاف للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم) (1) ، وموثق عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى) (2) ، وصريح الأول الاستحباب ، كما أن التشبيه يقتضيه لأن الاشتراط في المحرم مستحب كما سيأتي.
(4) حين النية لانصراف النصوص ، بل بعضها صرح بذلك في إحرام الحج كما في خبر الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (يقول حين يريد أن يحرم : أن حلّني حيث حبستني) (3).
(5) كما صرح بذلك جماعة منهم الفاضل في التذكرة لصريح موثق عمر بن يزيد المتقدم ، وللتشبه بالمحرم لأن فكه لا يكون إلا بعارض وعن الأكثر جواز الرجوع فيه حتى في اليوم الثالث وعند عدم العارض إذا اشترط فيكون المضي تابعا لاختياره ، لمفهوم صحيح ابن مسلم المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام (وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام) (4) ومفهومه أنه يجوز له الفسخ إذا اشترط مطلقا ، وفيه أنه مقيد بما سمعت.
(6) على المشهور كما يقتضيه مفهوم صحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام) (5) ، وعن المبسوط المنع في الثالث لإطلاق ما دل على المنع عن الخروج في الثالث ، ولكنه مقيّد بما عرفت.
ص: 224
الرجوع فيه (مطلقا (1) فيرجع متى شاء ، وإن لم يكن لعارض ، واختاره في الدروس ، والأجود الأول. وظاهر العبارة يرشد إليه (2) ، لأن المحرم يختص شرطه بالعارض ، إلا أن يجعل التشبيه في أصل الاشتراط ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره (3) ، لكن محله في الواجب وقت النذر وأخويه (4) ، لا وقت الشروع ، وفائدة الشرط في المندوب سقوط الثالث لو عرض بعد وجوبه (5) ما يجوز الرجوع ، وإبطال الواجب مطلقا (6).
(فإن شرط وخرج فلا قضاء) في المندوب مطلقا (7) ، وكذا الواجب المعين ، أما المطلق فقيل : هو كذلك ، وهو ظاهر الكتاب وتوقف في الدروس ، وقطع المحقق بالقضاء ، وهو أجود ، (ولو لم يشترط ومضى يومان) في المندوب (أتم)
______________________________________________________
(1) حتى مع عدم العارض.
(2) أي إلى الأول حيث جعله شبيها بالمحرم.
(3) لإطلاق نصوص الاشتراط.
(4) على المشهور لأن الاعتكاف تابع للنذر ، وعن الحدائق والمدارك أن نيته وقت الشروع بالاعتكاف لأن ظاهر النصوص على ذلك ، وفيه : إنها ناظرة إلى الاعتكاف غير المنذور.
(5) وذلك بمضي يومين من الاعتكاف ، ولا يجب إكماله مع الشرط كما صرحت بذلك النصوص ، والمفروض قد اشترط ، ومع عدم وجوب إكماله فلم يثبت وجوبه في الذمة حتى يجب قضاؤه.
(6) سواء كان في اليومين الأولين أو في اليوم الثالث ، وعليه فإذا كان الواجب منذورا على نحو التعيين في أيام مخصوصة فلا يجب قضاؤه لعدم تحقق موضوع الفوت لأنه يجوز له الرجوع عنه ، ولا يكون الرجوع مخالف للنذر حتى يصدق عنوان الفوت ، وهذا مما لا خلاف فيه ، نعم لو كان الواجب المنذور مطلقا - أعني لم يتعين زمانه - فلا بدّ من وجوب الإتيان به بعد ذلك ، وعن المشهور أنه لا قضاء لأن المأتي به من الاعتكاف وإن خرج في أثنائه بالشرط قد حقق الوفاء بالنذر ، والأجود الأول لأن النذر تعلق بأصل الاعتكاف وإن جاز له الخروج بالشرط عند تحقق العارض ، فلا بد من الامتثال. وهذا ما عليه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتذكرة والشارح في المسالك وسيد المدارك.
(7) أما في اليوم الثالث فقد تقدم الكلام فيه ، وأما في اليومين الأولين ، فواضح لأنه متبرع فيجوز له الرجوع من دون قضاء مع عدم الشرط ، فكيف إذا اشترط ، ثم إن المراد بالقضاء هنا هو الإتيان.
ص: 225
الثالث وجوبا ، وكذا إذا أتم الخامس وجب السادس ، وهكذا كما مر ، (ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم) (1) حيث يكون الاعتكاف واجبا ، وإلا فلا وإن فسد في بعضها (2) ، (وليلا ونهارا الجماع) (3) قبلا ودبرا ، (وشم الطيب) (4) ، والرياحين (5) على الأقوى ، لورودها (6) معه في الأخبار وهو مختاره في الدروس ، (والاستمتاع بالنساء) (7) لمسا وتقبيلا وغيرهما (8) ، ولكن لا يفسد به (9) الاعتكاف على الأقوى (10) ، بخلاف الجماع.
______________________________________________________
(1) إذا كان الاعتكاف واجبا ، لأنه لا يصح إلا بصوم ، فيفسد بفساد شرطه.
(2) أي أن تناول بعض ما يحرم على الصائم يفسد الاعتكاف المندوب ، ولكنه ليس بحرام على المعتكف ، لأن الاعتكاف المندوب لا يجب إكماله إلا بعد مضي يومين منه كما تقدم.
(3) بلا خلاف لقوله تعالى : ( وَلٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ ) (1) ، ولموثق الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه السلام (عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال عليه السلام : لا يأتي امرأته ليلا ولا نهارا وهو معتكف) (2) والإتيان يشمل القبل والدبر.
(4) على المشهور لصحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام (المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ، ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع) (3) ، وخالف الشيخ في المبسوط وذهب إلى عدم حرمته ، ودليله غير ظاهر.
(5) كما نسب إلى الأكثر لصحيح أبي عبيدة المتقدم.
(6) أي لورود الرياحين مع الطيب.
(7) على المشهور لقوله تعالى : ( وَلٰا تُبَاشِرُوهُنَّ ) (4) ، بدعوى أنه يشمل اللمس والتقبيل والنظر بشهوة ، وعن المستمسك أن المباشرة مخصوص بالجماع ، وعن الشيخ في التهذيب جواز ما عدا الجماع ، وقال صاحب الجواهر يصعب إقامة الدليل على حرمة النظر بشهوة ، وقصر المباشرة على الجماع غير واضح نعم جعله شاملا للنظر بشهوة ليس في محله.
(8) كالنظر بشهوة.
(9) بالاستمتاع.
(10) كما عن الفاضل في المختلف ، لأن النهي قد تعلق بأمر خارج عن العبادة ، وفيه : كل -
ص: 226
(ويفسده ما يفسد الصوم) من حيث فوات الصوم ، الذي هو شرط الاعتكاف ، (ويكفّر) للاعتكاف زيادة على ما يجب الصوم (1) (إن أفسد الثالث) (2) مطلقا (3) ، (أو كان واجبا) وإن لم يكن ثالثا ، (ويجب بالجماع في الواجب نهارا كفارتان ، إن كان في شهر رمضان) (4) إحداهما عن الصوم ، والأخرى عن الاعتكاف ، (وقيل) : تجب الكفارتان بالجماع في الواجب (مطلقا) (5) ، وهو ضعيف.
______________________________________________________
- من قال بحرمته قال بإفساده لأن النهي عنه وعن الجماع بعبارة واحدة فكما أوجب الفساد في الجماع يوجبه في غيره.
(1) كما إذا كان صوم شهر رمضان.
(2) ذهب الشيخ والمحقق وأكثر المتأخرين إلى أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع دون ما عداه من المفطرات الموجبة لإبطال الاعتكاف ، للأخبار منها : موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا) (1) ، وعن المفيد والسيدين والعلامة وجوب الكفارة بفعل كل مفطر ، إلحاقا لغير الجماع بالجماع ، وفيه : إنه قياس ولذا قال في المعتبر لا أعرف مستندهم.
ثم خصت الكفارة باليوم الثالث لوجوبه دون الأولين لأنه يجوز له أن يرجع عن الاعتكاف ، ومنه تعرف حكم الكفارة في الاعتكاف الواجب مطلقا.
(3) وإن لم يكن الأول والثاني واجبا.
(4) بلا خلاف فيه لخبر عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان ، قال : عليه الكفارة ، قلت : فإن وطأها نهارا؟ قال : عليه كفارتان) (2) ، وقال سيد المدارك (ونقل عن السيد المرتضى - رضي الله عنه - أنه أطلق وجوب الكفارتين على المعتكف إذا جامع نهارا ، والواحدة إذا جامع ليلا ، قال في التذكرة : والظاهر أن مراده رمضان ، واستقرب الشهيد في الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن في النهار صوما واعتكافا ، وهو ضعيف ، لأن مطلق الصوم لا يترتب على إفساده الكفارة كما هو واضح) انتهى.
(5) وإن لم يكن في شهر رمضان كما في ثالث يوم من الاعتكاف.
ص: 227
نعم لو كان وجوبه متعينا بنذر وشبهه ، وجب بإفساده كفارة بسببه (1) ، وهو أمر آخر (2) وفي الدروس ألحق المعين برمضان مطلقا (3) ، (و) في الجماع (ليلا) كفارة (واحدة) في رمضان وغيره (4) ، إلا أن يتعين بنذر وشبهه فيجب كفارة بسببه أيضا لإفساده ، ولو كان إفساده بباقي مفسدات الصوم غير الجماع وجب نهارا كفارة واحدة (5) ، ولا شي ء ليلا إلا أن يكون متعينا بنذر وشبهه فيجب كفارته (6) أيضا ، ولو فعل غير ذلك من المحرمات على المعتكف كالتطيب والبيع والممارات (7) أثم ، ولا كفارة (8) ، ولو كان (9) بالخروج في واجب متعين بالنذر وشبهه وجبت كفارته (10) ، وفي ثالث المندوب الإثم والقضاء (11) لا غير (12) ، وكذا لو أفسده (13) بغير الجماع ، وكفارة الاعتكاف ككفارة رمضان في قول (14) ، وكفارة
______________________________________________________
(1) أي بسبب خلف النذر.
(2) غير كفارة الصوم بما هو صوم.
(3) قيد للمعين ، والمتعين إما بنذر وإما شهر رمضان المضيّق ، فإن كان متعينا بنذر فتجب كفارة خلف النذر مع كفارة إفساد الاعتكاف ، وإن كان قضاء شهر رمضان فتجب كفارة قضاء شهر رمضان مع كفارة إفساد الاعتكاف ، فالمدار على تعدد الكفارة واتحادها على تعدد السبب واتحاده.
(4) لإطلاق موثق ابن الجهم المتقدم.
(5) إن كان في شهر رمضان.
(6) أي كفارة خلف النذر.
(7) كما في صحيح أبي عبيدة المتقدم.
(8) عدم الكفارة لأنها مختصة بالجماع ، والإثم لمخالفته النهي.
(9) أي ولو كان إفساد الاعتكاف بالخروج عن المسجد.
(10) أي كفارة خلف النذر.
(11) أما الإثم فللنهي ، وأما القضاء فلوجوبه عليه مع عدم الخروج عن العهدة فيجب عليه إتيانه ثانيا وهذا هو معنى القضاء هنا ، كما تقدم ، وإن كان إتيانه ثانيا يستدعي الإتيان بالأيام الثلاثة إذ لا اعتكاف أقل من ثلاثة.
(12) لأن الكفارة مخصوصة بالجماع.
(13) بالأكل والشرب وبما يحرم على الصائم.
(14) على المشهور لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، عتق رقبة أو صيام شهرين -
ص: 228
ظهار في آخر ، والأول أشهر ، والثاني أصح رواية.
(فإن أكره المعتكفة) (1) عليه نهارا في شهر رمضان مع وجوب الاعتكاف (فأربع) ، اثنتان عنه ، واثنتان يتحملهما عنها (على الأقوى) بل قال في الدروس : إنه لا يعلم فيه مخالفا ، سوى صاحب المعتبر ، وفي المختلف أن القول بذلك لم يظهر له مخالف ، ومثل هذا هو الحجة وإلا فالأصل يقتضي عدم التحمل فيما لا نص عليه ، وحينئذ (2) فيجب عليه ثلاث كفارات اثنتان عنه للاعتكاف والصوم ، وواحدة عنها للصوم ، لأنه منصوص التحمل ، ولو كان الجماع ليلا فكفارتان عليه (3) على القول بالتحمل.
______________________________________________________
- متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) (1) وعن الشارح في المسالك وسيد المدارك ، ونسبه الشيخ في المبسوط إلى بعض أصحابنا أنها كفارة ظهار أي مرتبة لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (عن المعتكف يجامع - أهله - قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر) (2) ، وصحيح أبي ولاد الحناط (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر) (3) ، وحملت هاتان الروايتان على الاستحباب جمعا عرفيا.
(1) أي أكره المعتكف زوجته المعتكفة على الجماع وهما صائمان في شهر رمضان فقيل إن عليه أربع كفارات ، اثنتان عنه واثنتان عنها ، كما عن السيد والشيخ وعن المختلف أنه قول مشهور لعلمائنا لم يظهر له مخالف ، والوجه فيه إلحاق الاعتكاف بالصوم في تحمل الكفارة مع الإكراه.
وعن المحقق في المعتبر أنه يلزمه كفارتان فقط للأصل وهو عدم التحمل إلا ما دل عليه الدليل ، والدليل قد ورد في صوم رمضان فإلحاق الاعتكاف به قياس لا نقول به.
وأشكل عليه بأنه يلزم على المعتكف ثلاث كفارات ، كفارتان عنه ، وكفارة الصوم عنها لأنها منصوصة كما تقدم في كتاب الصوم.
(2) أي حين إعمال الأصل المذكور.
(3) كفارة عنه وكفارة عنها.
ص: 229
ص: 230
كتاب الحج
ص: 231
ص: 232
(كتاب الحج (1)
وفيه فصول) :
الأول. في شرائطه وأسبابه (يجب الحج ..................
______________________________________________________
(1) وهو من أعظم شعائر الإسلام ، وأفضل ما يتقرب به إلى الملك العلام ، لما فيه من إذلال النفس وإتعاب البدن ، وهجران الأهل والتغرب عن الوطن ، ورفض العادات وترك اللذات والشهوات ، ولما فيه من المنافرات والمكروهات وإنفاق المال وشد الرحال ومقاساة الأهوال ، فهو رياضة نفسانية وطاعة مالية ، وعبادة بدنية ، قولية وفعلية ، وجودية وعدمية ، وهذا من خواص الحج إذ لم تجتمع هذه الفنون في غيره من العبادات والطاعات ، وقد ورد الحث والترغيب عليه ففي خبر الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : ويذكر الحج فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هو أحد الجهادين ، هو جهاد الضعفاء ونحن الضعفاء ، أما إنه ليس شي ء أفضل من الحج إلا الصلاة ، وفي الحج هاهنا صلاة وليس في الصلاة قبلكم حج ، لا تدع الحج وأنت تقدر عليه ، أما ترى أنه يشعث فيه رأسك ويقشف فيه جلدك ، وتمتنع فيه من النظر إلى النساء ، وإنا نحن هاهنا ونحن قريب ولنا مياه متصلة ما نبلغ الحج حتى يشق علينا ، فكيف أنتم في بعد البلاد ، وما من ملك ولا سوقة يصل إلى الحج إلا بمشقة في تغيير مطعم أو مشرب ، أو ريح أو شمس لا يستطيع ردها ، وذلك قوله عزوجل : وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ الأنفس ، إن ربكم لرءوف رحيم) (1) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (حجة أفضل من سبعين رقبة لي ، قلت : ما يعدل الحج شي ء؟ قال : ما يعدله شي ء ، والدرهم في الحج أفضل من ألفي ألف فيما سواه في سبيل الله) (2) ، وفي -
ص: 233
(على المستطيع) (1) بما سيأتي (من الرجال والنساء والخناثى على الفور) (2) بإجماع
______________________________________________________
- صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاه إعرابي فقال له : يا رسول الله إني خرجت أريد الحج ففاتني وأنا رجل مميل ، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : انظر إلى أبي قبيس ، فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما يبلغ الحاج ، ثم قال : إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال : فعدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج من ذنوبه ، ثم قال : أنّى لك أن تبلغ ما بلغ الحاج ، قال أبو عبد الله عليه السلام : ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة) (1).
وفي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (الحاج على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، وهو أدنى ما يرجع به الحاج) (2) ، وفي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من مات في طريق مكة ذاهبا أو جائيا أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة) (3) ، وفي صحيح صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام (ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إلا أن يكون فيه خصال ثلاث : حلم يملك به غضبه ، وخلق يخالق به من صحبه ، وورع يحجزه عن معاصي الله) (4) ومثله صحيح محمد بن مسلم (5).
(1) ويدل عليه قوله تعالى : ( وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (6) وهو يتناول الرجال والنساء والخناثى.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قدر الرجل على ما يحج به ، ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعة من شرائع
ص: 234
الفرقة المحقة وتأخيره كبيرة موبقة (1) ، والمراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان ، وإلا ففيما يليه ، وهكذا ، ولم توقف على مقدمات من سفر وغيره وجب الفور بها (2) على وجه يدركه كذلك (3) ولو تعددت الرفقة في العام الواحد وجب السير مع أولاها فإن أخر عنها وأدركه مع التالية (4) ، وإلا كان كمؤخره عمدا في استقراره (مرة) (5) واحدة (بأصل الشرع ، وقد يجب بالنذر (6) وشبهه) من العهد واليمين ، (والاستئجار (7) ، والإفساد) (8) فيتعدد بحسب وجود السبب.
______________________________________________________
- الإسلام) (1). وصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو نصرانيا) (2).
(1) كما صرح به جماعة لقوله تعالى : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ ) (3) فالتعبير بالكفر عن تارك الحج مع الاستطاعة صريح في كون تركه كبيرة موبقة للدين.
(2) لأنها مقدمات الواجب بناء على أن مقدمة الواجب واجبة ولو عقلا.
(3) أي في أول عام الاستطاعة مع الإمكان وإلا ففي الذي يليه.
(4) فهو وإلا إن لم يدركه كان كمؤخره كما هو واضح.
(5) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام (إنما أمروا بحجة واحدة ، لا أكثر من ذلك ، لأن الله وضع الفرائض على أدنى القوة) (4) ، ولم يخالف إلا الصدوق حيث جعل الحج فريضة على الغني في كل عام لأخبار ، منها : خبر حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام (الحج فرض على أهل الجدة في كل عام) (5) ، وحملها على الاستحباب طريق الجمع.
(6) لوجوب الوفاء به وبأخويه.
(7) لوجوب الوفاء بعقد الاجارة.
(8) كما سيأتي.
ص: 235
(ويستحب تكراره) (1) لمن أداه واجبا ، (ولفاقد الشرائط) (2) متكلفا ، (ولا يجزئ) ما فعله مع فقد الشرائط عن حجة الإسلام بعد حصولها (3) (كالفقير) يحج ثم يستطيع ، (والعبد) يحج (بإذن مولاه) ثم يعتق ويستطيع فيجب الحج ثانيا.
(وشرط وجوبه البلوغ (4) ، ...)
______________________________________________________
(1) لروايات أهل الجدة التي تقدم بعضها ، وهي محمولة على الاستحباب ، ولأخبار غيرها ، منها : مرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (من حج حجة الإسلام فقد حلّ عقدة من النار من عنقه ، ومن حج حجتين لم يزل في خير حتى يموت ، ومن حج ثلاث حجج متوالية ، ثم حج أو لم يحج فهو بمنزلة مدمن الحج) (1) وخبر صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام (من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا) (2) وخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عمن حج أربع حجج ما له من الثواب؟ قال : يا منصور من حج أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبدا) (3) وخبر أبي بكر الحضرمي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فالمنى حج خمس حجج؟ قال : من حج خمس حجج لم يعذبه الله أبدا) (4) وخبره الآخر عنه عليه السلام (من حج عشر حجج لم يحاسبه الله أبدا) (5) ، وخبره الثالث عنه عليه السلام (من حج عشرين لم ير جهنم ، ولم يسمع شهيقها ولا زفيرها) (6) ، وخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني قد وطنت نفسي على لزوم الحج كلّ عام بنفسي ، أو برجل من أهل بيتي بمالي ، فقال : وقد عزمت على ذلك؟ فقلت : نعم ، قال : فإن فعلت فأيقن بكثرة المال ، أو أبشر بكثرة المال والبنين) (7) ، وخبر عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام (ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ قلت : جعلت فداك ، العيال ، فقال : إذا متّ فمن لعيالك؟ أطعم عيالك الخل والزيت وحج بهم كل سنة) (8).
(2) كالمملوك والفقير لعموم الترغيب فيه.
(3) أي بعد حصول شرائطها ، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا ، والأخبار السابقة الدالة على كون الحج مرة في العمر منصرفة إلى الحج الواجب ولا يجب إلا بعد حصول شرائطه.
(4) بلا خلاف لحديث (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق) (9) ، ولخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه
ص: 236
والعقل (1) ، والحرية (2) ، والزاد ، والراحلة) (3) بما يناسبه قوة ، وضعفا (4) ، لا شرفا ، وضعة (5) ...
______________________________________________________
- فريضة الإسلام (1) ، وخبر إسحاق بن عمار (سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج ، قال : عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت) (2) ومثله غيره.
(1) بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم المتقدم.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : موثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن موسى عليه السلام (فليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق) (3) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة الحج) (4).
(3) أي الاستطاعة ، وهي شرط في وجوب الحج بلا خلاف لقوله تعالى : ( وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (5) ، وللأخبار ، منها : خبر الخثعمي (سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن قول الله عزوجل : ( وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له مال) (6) وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت (ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة) (7).
(4) لتحقيق عنوان الاستطاعة فلو كان ضعيفا لا يمكنه إلا ركوب البعير ، ووجدت عنده دابة فلا يعدّ مستطيعا وهكذا.
(5) للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : فإن عرض عليه ما يحج به فأستحي من ذلك ، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا ، قال : نعم ، ما شأنه يستحي ولو يحج على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج) (8) ومثله
ص: 237
فيما يفتقر إلى قطع المسافة (1) وإن سهل المشي (2) وكان معتادا له للسؤال (3) ، ويستثنى له (4) من جملة ماله داره ، وثيابه ، وخادمه ، ودابته ، وكتب علمه اللائقة
______________________________________________________
- صحيح ابن مسلم (1).
(1) هذا بالنسبة للراحلة والزاد معا لانصراف الأدلة السابقة والدالة على أن وجوب الحج مشروط بالزاد والراحلة إلى البعيد المحتاج إليهما دون غيره وهو القريب ، كأهل مكة وما والاها فلا يفتقرون إلى الراحلة مع إمكان المشي خصوصا إذا كان سهلا عليهم ، ولا يفتقرون إلى زاد أزيد من زادهم المعتاد في بيوتهم ، وهذا ما ذهب إليه المحقق في الشرائع والشارح في المسالك وسيد المدارك.
وعن الأكثر اشتراط الزاد والراحلة حتى للقريب لإطلاق الأدلة ، ولأن أهل مكة يحتاجون إلى راحلة لأن الحج متضمن للوقوفين ولأعمال منى وهي خارج مكة ، ولأن الخروج إلى هذه المواطن يستدعي غير زادهم المعتاد في بيوتهم ، نعم هم أقل زادا من البعيد ، ولا يحتاجون إلى راحلة قوية كما يحتاجه البعيد.
(2) لعدم صدق الاستطاعة عند عدم الراحلة وإن كان قادرا على المشي تحكيما لأدلة اشتراط الراحلة ، وقد ورد على خلاف ذلك أخبار منها : صحيح الحلبي وصحيح ابن مسلم المتقدمان ، وخبر أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : قول الله عزوجل ( وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، فقال : يخرج ويمشي إن لم يكن عنده ، قلت : لا يقدر على المشي؟ قال : يمشي ويركب ، قلت : لا يقدر على ذلك ، أعني المشي قال : يخدم القوم ويخرج معهم) (2) ، ولذا ذهب صاحب الحدائق وسيد المدارك وجماعة على ما قيل من أن اشتراط الراحلة إذا لم يسهل عليه المشي ، ولكن المشهور أعرضوا عنها تحكيما لأخبار اشتراط الراحلة ، وحملوها على التقية كما عن الشيخ ، أو على الاستحباب أو ترد إلى أهلها ، أو تحمل على من استقر عليه حجة الإسلام سابقا كما في كشف اللثام.
(3) حتى لو كان معتادا في حقه ، فيشترط وجود الراحلة تحكيما لأدلتها ، ومن ذهب هناك إلى عدم اشتراطها إذا سهل عليه المشي فيجب أن لا يشترطها هنا إذا كان معتادا للسؤال.
(4) كل ما تدعو إليه الضرورة والحاجة المتعارفة يستثنى له ولا يكلف ببيعه ، بلا خلاف في ذلك ، لما في بيعها من العسر والحرج المنفيين ، بل لو لم تكن عنده هذه المذكورات وكان يملك قيمتها فلا يجب عليه الحج بل يشتريها بما عنده من مال إذا كانت الضرورة تقتضي وجودها.
ص: 238
بحاله ، كما وكيفا عينا وقيمة ، (والتمكن من المسير) (1) بالصحة ، وتخلية الطريق ، وسعة الوقت.
(وشرط صحته الإسلام) (2) فلا يصح من الكافر وإن وجب عليه ، (وشرط مباشرته مع الإسلام) وما في حكمه (3) (التمييز) (4) فيباشر أفعاله المميز بإذن الولي (5) ، (ويحرم الولي عن غير المميّز) (6) إن أراد الحج به (ندبا) طفلا كان ، أو مجنونا (7) ، محرما كان الولي ، ...
______________________________________________________
(1) والتمكن يكون بالصحة وتخلية السرب وسعة الوقت لقطع المسافة ، وهذا الشرط بلا خلاف فيه ، ويدل عليه أخبار منها : صحيح ذريح المتقدم (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو نصرانيا) (1) ، وخبر الخثعمي المتقدم (من كان صحيحا في بدنه فخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج) ((2).
(2) أما أن وجوبه ثابت على الكافر : فلأنه مكلف بالفروع لإطلاق أدلتها ، وأما أنه لا يصح منه فلكون الحج عبادة وهي لا تصح من الكافر.
(3) كالطفل فحجه صحيح وإن كان غير واجب ، وجعل الطفل بحكم المسلم لأن الإسلام مشروط بالبلوغ.
(4) لأن الحج لا بد فيه من القصد لأنه بحاجة إلى النية ، وهي لا تقع إلا من المميز.
(5) فعلى المشهور ذلك لأنه حج الصبي مستتبع في بعض الأحوال للهدي والكفارة ، وهو تصرف مالي بحاجة إلى إذن الولي ، ويظهر من المبسوط عدم الاشتراط لأن العمومات كافية في صحته.
(6) للأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إن معنا صبيا مولودا كيف نصنع به؟ فقال : مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها ، فأتتها فسألتها كيف تصنع ، فقالت : إذا كان يوم التروية فاحرموا عنه ، وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ، وقفوا به المواقف ، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه ، واحلقوا رأسه ، ثم زوروا به البيت ، ومري الجاري أن تطوف به البيت وبين الصفا والمروة) (3).
(7) الحق الأصحاب المجنون بالصبي ، واستدل عليه في المنتهى بأنه ليس أخفض حالا منه.
ص: 239
أم محلا (1) ، لأنه (2) يجعلهما (3) محرمين بفعله (4) ، لا نائبا عنهما فيقول : اللهم إني أحرمت بهذا إلى آخر النية ، ويكون المولى عليه حاضرا مواجها (5) ، ويأمره بالتلبية إن أحسنها ، وإلا لبى عنه (6) ، ويلبسه ثوبي الإحرام (7) ، ويجنّبه تروكه (8) ، وإذا طاف به أوقع به صورة الوضوء (9) ، وحمله (10) ولو على المشي ، أو ساق به ، أو قاد به ، أو استناب فيه (11) ، ويصلي عنه ركعتيه (12) إن نقص سنّه عن ست (13) ،
______________________________________________________
(1) لإطلاق النصوص.
(2) أي لأن الولي.
(3) أي الصبي والمجنون.
(4) فيقول : (أحرمت هذا الصبي أو المجنون) ، ولا يقول (أحرم نيابة عن هذا الصبي أو المجنون).
(5) ذكره في الدروس ، وربما يستشعر من صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام (إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه) (1).
وهو مشعر بحضوره.
(6) كما في صحيح زرارة المتقدم.
(7) كما في صحيح عبد الرحمن المتقدم.
(8) كما في صحيح زرارة المتقدم (ويتقى ما يتقي المحرم من الثياب والطيب) (2).
(9) وهو الأحوط ولكن في صحيح زرارة المتقدم (فإن لم يحسن أن يلبّي لبوا عنه ، ويطاف به ويصلى عنه) (3) والاجتزاء بالصلاة عنه كاشف عن عدم اشتراط طهارة الصبي ولا صلاته.
(10) أي يدعوه إلى الطواف ماشيا ، أو يجعله على دابة فيسوقها به أو يقودها ، حتى يصدق على الولي أنه طاف به إذ لا قصد لغير المميز.
(11) بأن يطوف عنه ، مع أن النصوص آمرة بأن يطاف به.
(12) أي ركعتي الطواف كما في صحيح زرارة المتقدم.
(13) قال في الدروس (وعلى ما قاله الأصحاب من أمر ابن ست بالصلاة ، يشترط نقصه عنها ، ولو قيل يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن) وفي كلا الحكمين
ص: 240
ولو أمره بصورة الصلاة فحسن ، وكذا القول في سائر الأفعال (1) ، فإذا فعل به ذلك فله أجر حجة (2) (وشرط صحته من العبد إذن المولى (3) وإن تشبث بالحرية كالمدبر والمبعض (4) فلو فعله بدون إذنه لغا ، ولو أذن له فله الرجوع قبل التلبس (5) ، لا بعده.
(وشرطه صحة الندب من المرأة إذن الزوج) (6) ، أما الواجب فلا (7) ، ويظهر
______________________________________________________
- مخالفة لصحيح زرارة الدال على أن الولي يصلي عنه ، فتقييده بما دون الست ليس في محله بل المدار على التمييز وعدمه ، وكذلك أمره بالإتيان بصورة الصلاة اجتهاد في قبال الصحيح المتقدم.
(1) بل النظر في فقرات صحيح زرارة المتقدم يعطي بأن كل ما يمكن إيقاعه من الطفل فيؤمر به ، وإلا فيجتزئ بفعل الولي عنه.
(2) كما في خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إن امرأة قامت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيحج بمثل هذا؟ قال : نعم ولك أجره) (1).
(3) لأن منافعه مستحقة للسيد فصرفها فيما لم يأذن به يكون منهيا عنه.
(4) لأن وجوب الحج مشروط بالحرية كما تقدم ، وهي مفقودة هنا.
(5) بالإحرام ، لا بعده لأن الإحرام إذا انعقد صحيحا فلا ينحل إلا بمحلل شرعي ، وهو لا يكون إلا بإتمام الحج.
(6) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام (سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام ، تقول لزوجها : أحجني مرة أخرى ، أله أن يمنعها؟ قال : نعم ، يقول لها حقي عليك أعظم من حقك عليّ في ذا) (2).
(7) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن امرأة لها زوج ، وهي صرورة ، ولا يأذن لها في الحج ، قال : تحج وإن لم يأذن لها) (3) ، وفي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام (تحج وإن رغم أنفه) (4) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن امرأة لم تحج ولها زوج ، وأبى أن يأذن لها في الحج فغاب زوجها ، فهل لها أن تحج؟ قال : لا إطاعة له عليها في حجة الإسلام) (5).
ص: 241
من إطلاقه (1) ، أن الولد لا يتوقف حجه مندوبا على إذن الأب أو الأبوين (2) وهو قول الشيخ (رحمه الله) ومال إليه المصنف في الدروس وهو حسن إن لم يستلزم السفر المشتمل على الخطر وإلا فاشتراط إذنهما أحسن (ولو أعتق العبد) المتلبس بالحج بإذن المولى ، (أو بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون) بعد تلبسهما به صحيحا (3) (قبل أحد الموقفين صح وأجزأ عن حجة الإسلام) على المشهور (4) ويجددان نية الوجوب (5) بعد ذلك أما العبد المكلف فبتلبسه به ينوي الوجوب بباقي أفعاله ،
______________________________________________________
(1) أي إطلاق المصنف حيث لم يشترط في صحة الحج سوى الإسلام والتمييز وإذن المولى والزوج.
(2) اختلف الأصحاب في توقف الحج المندوب من الولد البالغ على إذن الأب أو الأبوين ، فعن الشيخ في الخلاف عدم اعتبار إذنهما ، وهو اختيار الشهيد في الدروس ، وعن العلامة في القواعد إذن الأب خاصة ، وعن الشارح اعتبار إذنهما ، وليس في المسألة نص بالخصوص كما اعترف بذلك سيد المدارك ، ومقتضى الأصل عدم الاشتراط إلا إذا استلزم سفره إلى الحج بدون إذنهما أو إذن أحدهما عقوقا فيجب الاستئذان حينئذ ، ولعل تقييد الشارح إذنهما بما إذا كان مشتملا على السفر المشتمل على الخطر من هذا الباب ، لأن سفره على هذا النحو موجب لأذيتهما ، وإيذاؤهما حرام لأنه من أبرز مصاديق العقوق.
(3) قيد للحج وقال الشارح في الهامش (أما الصبي فصحته باعتبار إذن وليه ، وأما المجنون فبأن يحرم ثم يجنّ ثم يفيق قبل أحد الموقفين).
(4) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (مملوك اعتق يوم عرفة ، فقال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج) (1) ، وخبر شهاب عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل اعتق عشية عرفة عبدا له ، أيجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال عليه السلام : نعم) (2) ، ومنها يستفاد عموم الحكم لكل من أدركهما من غير فرق بين الإدراك بالكمال من بلوغ وعقل أو بالحرية ، ولذا استدل الأصحاب بنصوص العبد على الصبي والمجنون.
وعن العلامة والمحقق التردد فيه أما في العبد فلمنع الأخبار لحملها على إدراك الحج الذي نواه لا حجة الإسلام وأما في غيره فلأنه قياس ، وفيه : إن خبر شهاب صريح في حجة الإسلام وقد عدي الحكم لفهم الأصحاب عدم خصوصية العبور.
(5) أي الصبي والمجنون ، وذلك لأن النية كانت مستحبة وهذا مبني على كون الحج الذي
ص: 242
فالإجزاء فيه أوضح (1).
ويشترط استطاعتهم (2) له سابقا ولاحقا ، لأن الكمال الحاصل أحد الشرائط فالإجزاء من جهته (3). ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا ملكه (4) وربما قيل : بعدم اشتراطها فيه للسابق (5) ، أما اللاحق فيعتبر قطعا ،
(ويكفي البذل) للزاد والراحلة (في تحقق الوجوب) (6) على المبذول له.
______________________________________________________
- وقع هل هو حجة الإسلام من حين وقوعه ، أو إنه حجة الإسلام من حين حصول الشرط ، أو أنه وقع حجا مستحبا ، غير أنه مجز عن الواجب ، وعلى الأخير لا مجال لتجديد النية أبدا وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر ويؤيده قوله عليه السلام في خبر شهاب المتقدم (أيجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال : نعم) ، وعلى الأول يجب تجديد نية الوجوب كما عن المعتبر والمنتهى والروضة ، وعلى الثاني يأتي بباقي الأفعال بنية الوجوب فقط.
(1) لأنه إذا تلبس بالحج بإذن وليه فيجب عليه الإكمال ، بخلاف الصبي والمجنون فلا يجب عليهما الإكمال ، لذا لم يوجب على العبد تجديد النية ، بل قال أنه ينوي الوجوب بباقي أفعال الحج.
(2) سابقا ولاحقا كما عن الدروس تحكيما لأدلة الاستطاعة ، وعن الجواهر وسيد المدارك عدم اعتبار الاستطاعة لاحقا ولا سابقا لأن أدلة الاستطاعة منصرفة عن هذا الغرض ، وربما قيل باشتراط استطاعهم في اللاحق فقط تحكيما لأدلة الاستطاعة بما بقي من حجة الواجب فقط.
(3) مع أنه تشترط الاستطاعة المالية والبدنية أيضا ، وما عليه الشهيد في الدروس فهو الأقوى.
(4) لأنه قبل العتق لم يملك شيئا فكيف يمكن فرض استطاعته لمجموع الحج الذي قد فعل بعضه مع أن النصوص قد صرحت باجزائه عن حج الإسلام الكاشفة عن عدم اعتبار استطاعته.
(5) من أفعال الحج المتقدمة.
(6) بلا خلاف ، لصدق الاستطاعة على ذلك وهي شرط وجوب الحج ، وللأخبار منها : صحيح ابن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فإن عرض عليه الحج فاستحى قال : هو ممن يستطيع الحج ، ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر) (1) وصحيح هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع الحج) (2) ومرسل المفيد (قال عليه السلام : من عرضت عليه نفقة -
ص: 243
(ولا يشترط صيغة خاصة) للبذل من هبة ، وغيرها من الأمور اللازمة (1) ، بل يكفي مجرده (2) بأي صيغة اتفقت ، سواء وثق بالباذل أم لا ، لإطلاق النص ، ولزوم تعليق الواجب بالجائز (3) يندفع ، بأن الممتنع منه (4) إنما هو الواجب المطلق ، لا المشروط (5) كما لو ذهب المال قبل الإكمال ، أو منع من السير ونحوه (6) من الأمور الجائزة (7) المسقطة للوجوب الثابت إجماعا ، واشترط في الدروس التمليك ، أو الوثوق به ، وآخرون (8) التمليك ، أو وجوب (9) بذله بنذر وشبهه ، والإطلاق
______________________________________________________
- الحج فاستحى فهو ممن ترك الحج مستطيعا إليه السبيل) (1).
وظاهر النصوص تحقق الوجوب بمجرد البذل من غير فرق بين كونه على وجه التمليك أو لا ، ولا بين كونه واجبا بنذر وشبهه أو لا ، ولا بين كون الباذل موقوفا أو لا ، ولا بين بذل عين الزاد والراحلة وبين أثمانها كل ذلك للإطلاق ، ومنه تعرف ضعف ما عن ابن إدريس من اشتراط التمليك ، وتعرف ضعف ما عن العلامة في التذكرة من وجوب البذل بنذر وشبهه ، ومنه تعرف ضعف ما عن الشارح في المسالك من وجوب بذل عين الزاد والراحلة فلو بذل أثمانها لم يجب القبول ، وما عن الشهيد في الدروس من بذل الزاد والراحلة وأما هبتهما فلا يجب القبول.
(1) كالصلح المشترط في عقد لازم.
(2) أي مجرد البذل.
(3) وهذا ما استدل به العلامة في التذكرة من أن الحج واجب فلو علق على البذل الجائز فيمكن للباذل الرجوع في ثاني الحال وهذا لا يمكن تعليق وجوب الحج عليه لأن من جملة شرائطه استمرار الاستطاعة فلذا اشترط في البذل أن يكون بنذر وشبهه حتى يستمر البذل ليحقق استمرار الاستطاعة.
(4) من التعليق.
(5) كما في مقامنا فوجوب الحج مشروط باستمرار الاستطاعة إلى آخر الحج ، فلو تلف المال أو منع من السير فيسقط الوجوب ويتبين عدم ثبوته من رأس فكذا مع الرجوع عن البذل.
(6) كالمرض المانع من السير.
(7) أي ممكنة الوقوع.
(8) كابن إدريس.
(9) كالعلامة.
ص: 244
يدفعه. نعم يشترط بذل عين الزاد والراحلة. فلو بذل له أثمانها لم يجب القبول وقوفا فيما خالف الأصل (1) على موضع اليقين ، ولا يمنع الدين وعدم المستثنيات الوجوب بالبذل (2) نعم لو بذل له ما يكمل الاستطاعة اشترط زيادة الجميع عن ذلك (3) ، وكذا لو وهب مالا مطلقا (4) ، أما لو شرط الحج به فكالمبذول فيجب عليه القبول ، إن كان عين الزاد والراحلة ، خلافا للدروس ، ولا يجب لو كان مالا غيرهما (5) ، لأن قبول الهبة اكتساب وهو غير واجب له (6) ، وبذلك يظهر الفرق بين البذل والهبة ، فإنه إباحة يكفي فيها الإيقاع. ولا فرق بين بذل الواجب (7) ليحج بنفسه ، أو ليصحبه فيه فينفق عليه ، (فلو حج به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض) (8) ، لتحقق شرط الوجوب.
______________________________________________________
(1) وإطلاق النصوص يدفعه أيضا.
(2) لإطلاق النصوص ، ومعناه أن البذل يوجب الحج عليه وإن كان عليه دين وكان بحاجة إلى ما هو ضروري من مأكل ومشرب وملبس ، وبهذا يفترق البذل عن الاستطاعة ، إذ هي لا تتحقق إلا مع عدم الدين وعدم المستثنيات الضرورية.
(3) أي عن الدين والمستثنيات الضرورية ، لأن نصوص البذل منصرفة عن هذا الغرض ، فلا بدّ من تحكيم أدلة الاستطاعة فيه ، وقد عرفت عدم تحققها إلا بعد الدين والمستثنيات.
(4) أي وهب مالا ولم يقيد بصرفه في نفقة الحج ، بخلاف السابق فإنه وهب مالا ليصرفه في الحج ، ففي السابق خالف الشهيد في الدروس وحكم بعدم الوجوب لعدم وجوب قبوله ، وهنا خالف المحقق لذلك لأن قبول الهبة نوع من الاكتساب وهو ليس بواجب بخلاف البذل فإنه من الايقاعات التي لا تحتاج إلى قبول ، وعن كشف اللثام والحدائق وغيرهما الوجوب لإطلاق نصوص البذل.
(5) أي غير الزاد والراحلة وقد عرفت ضعفه للإطلاق.
(6) أي للحج.
(7) أي بذل الزاد والراحلة الواجب قبوله.
(8) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه من حجة الإسلام أو هي ناقصة؟ -
====
1. الوسائل الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج حديث 2.
ص: 245
(ويشترط) مع ذلك كله (1) (وجود ما يمون به عياله الواجبي النفقة ، إلى حين رجوعه) (2) والمراد بها هنا ما يعم الكسوة ونحوها ، حيث يحتاجون إليها (3) ، ويعتبر فيها القصد بحسب حالهم ،
(وفي) وجوب (استنابة الممنوع) من مباشرته بنفسه (بكبر ، أو مرض ، أو عدو قولان (4) والمروي) صحيحا (عن علي (ع) ذلك) ، حيث
______________________________________________________
- قال عليه السلام : بل هي حجة تامة) (1) وعن الشيخ في الاستبصار أنه تجب عليه الإعادة لرواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه ، أقضى حجة الإسلام؟ قال : نعم ، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج) (2) وفيه : إنها صريحة في الاجزاء عن حجة الإسلام ، والأمر بإعادة الحج محمول على الاستحباب جمعا بين صدر الجواب وذيله ، وبينها وبين غيرها من الأخبار.
(1) في صورتي الاستطاعة والبذل.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر الأعمش عن الإمام الصادق عليه السلام (وحج البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله ، وما يرجع إليه بعد حجة) (3).
(3) كما عن المنتهى والمدارك ، أما ما يستحب فلا لأن الحج فرض فلا يسقط بالنفل ، وعن الأكثر مطلق مئونة العيال ولو كانت كسوة مستحبة للإطلاق ، والأحوط الأول.
(4) لو منع قبل الاستقرار سقط الفرض بلا خلاف ، ولو ثبت الوجوب في ذمته ثم سوف حتى منع فتجب الاستنابة قولا واحدا ، وإنما الكلام فيما لو حصلت الاستطاعة غير أنه ممنوع من عدو أو مرض ، فقيل : تجب الاستنابة ، كما عن الإسكافي والشيخ وأبي الصلاح وابن البراج والفاضل للأخبار ،
منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إن أمير المؤمنين عليه السلام أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ، ولم يطق الحج لكبره أن يجهّز رجلا يحج عنه) (3).
وقيل : لا تجب الاستنابة ، كما عن ابن إدريس والعلامة في المختلف وابن سعيد والمفيد لأن الاستطاعة تشمل الاستطاعة البدنية والمتمكن من المسير وهما أو أحدهما غير حاصل ، والأخبار محمولة على الاستحباب بشهادة رواية ابن ميمون القداح عن أبي جعفر عن أبيه عليه السلام (أن عليا عليه السلام قال : لرجل كبير لم يحج قطّ ، إن شئت أن تجهز رجلا ثم
ص: 246
أمر شيخا لم يحج ، ولم يطقه من كبره أن يجهز رجلا فيحج عنه ، وغيره من الأخبار والقول الآخر عدم الوجوب ، لفقد شرطه الذي هو الاستطاعة ، وهو ممنوع (1) ، وموضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، وإلا وجبت قولا واحدا ، وهل يشترط في وجوب الاستنابة اليأس من البرء (2) أم يجب مطلقا وإن لم يكن مع عدم اليأس فوريا ، ظاهر الدروس الثاني ، وفي الأول قوة. فيجب الفورية (3) كالأصل حيث يجب ، ثم إن استمر العذر أجزأ.
(ولو زال العذر) ، وأمكنه الحج بنفسه (حج ثانيا) (4) وإن كان قد يئس منه ، لتحقق الاستطاعة حينئذ ، وما وقع نيابة إنما وجب للنص وإلا لم يجب لوقوعه قبل شرط الوجوب ، (ولا يشترط) في الوجوب بالاستطاعة زيادة على ما تقدم (الرجوع إلى كفاية) (5) من صناعة ، أو حرفة أو بضاعة ، أو ضيعة ، ...
______________________________________________________
- ابعثه يحج عنك) (1) ، والإنصاف أن الأخبار ظاهرة في من ثبت في ذمته الحج ثم عرض له مرض أو خالطه سقم كما في صحيح ابن مسلم (2) ، أو أنه فرّط في الحج وسوف حتى كبر سنة كما في خبر سلمة أبي حفص (3) ، وعليه فالاستنابة لمن ثبت في ذمته الوجوب ثم عرض له المانع الذي لا يرجى زواله.
(1) أي وفقد الشرط ممنوع لأن الاستطاعة أعم من المباشرة والاستنابة وهو قادر على الثانية.
(2) بحيث إذا رجا الزوال فلا تجب الاستنابة كما هو مفاد صحيح ابن سنان المتقدم حيث أمره بالحج لكبره الذي لا يرجى زواله ، وهذا ما عليه الأكثر ، وعن الدروس أنه يجب مطلقا لإطلاق الأخبار ، وقد عرفت انصرافها.
(3) لأن دليل النيابة تقتضي تنزيل عمل النائب منزلة عمل المنوب عنه ، فإذا وجب على الثاني فورا فيجب على الأول كذلك.
(4) وعن التذكرة : بلا خلاف فيه بين علمائنا امتثالا للأمر بالحج بالمباشرة كما هو مفاد أدلة وجوبه ، وما أتى به إنما كان امتثالا للأمر بالحج بالاستنابة ، وأحدهما لا يغني عن الآخر إذا ارتفع العذر ، وعن صاحب الجواهر وغيره أن ظاهر الأخبار وجوب الحج بالاستنابة بحيث إذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه ولا دليل على وجوبه مرة أخرى.
(5) كما عن الشيخين وابني حمزة وسعيد بل نسب إلى أكثر القدماء لخبر أبي الربيع الشامي (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ -
ص: 247
ونحوها (1) (على الأقوى) ، عملا بعموم النص وقيل : يشترط وهو المشهور بين المتقدمين لرواية أبي الربيع الشامي ، وهي لا تدل على مطلوبهم ، وإنما تدل على اعتبار المئونة ذاهبا ، وعائدا ، ومئونة عياله كذلك ، ولا شبهة فيه.
(وكذا) لا يشترط (في المرأة) مصاحبة (المحرم) (2) وهو هنا (3) الزوج ، أو
______________________________________________________
- إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، فقال : ما يقول الناس؟ فقلت له : الزاد والراحلة ، فقال عليه السلام : قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال : هلك الناس إذا ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوّت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا ، فقيل له : في السبيل؟ قال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم) (1) ورواه المفيد في المقنعة وزاد بعد قوله : ويستغني به عن الناس (يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا) (2).
وعن ابن إدريس والمحقق والعلامة بل نسب إلى الأكثر : عدم اعتبار الرجوع إلى الكفاية ، إذ غاية ما يدل عليه الخبر أنه لا بد من استطاعة مالية لقوت عياله إلى حين رجوعه وهذا مما لا شبهة فيه ، وإطلاق أدلة وجوب الحج ينفي الرجوع إلى الكفاية.
(1) كعقار متخذ للنماء ، والفرق بين الصناعة والحرفة أن الصناعة هي المسلكة الحاصلة من التمرن على العمل كالخياطة والكتابة ، والحرفة ما يكتسب به مما لا يفتقر إلى ذلك كالاحتطاب والاحتشاش.
(2) لا خلاف فيه ، بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة على نفسها وبضعها بالخروج مع ثقات ، للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي ، فقال : لا بأس ، تخرج مع قوم ثقات) (3) وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال : نعم إذا كانت مأمونة) (4) وصحيح صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام (قد عرفتني بعملي ، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها ، وحبها إياكم وولايتها لكم ، ليس لها محرم قال : إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة ، ثم تلا هذه الآية : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ ) ) (5).
(3) أي في كتاب الحج بخلاف المراد منه في كتاب النكاح وهو من يحرم نكاحه ، وأما هنا فالمراد ذلك مع إضافة الزوج.
ص: 248
من يحرم نكاحه عليها مؤبدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة وإن لم يكن مسلما إن لم يستحل المحارم كالمجوسي (1).
(ويكفي ظن السلامة) ، بل عدم الخوف على البضع ، أو العرض بتركه (2) ، وإن لم يحصل الظن بها (3) ، عملا بظاهر النص ، وفاقا للمصنف في الدروس ، ومع الحاجة إليه (4) يشترط في الوجوب عليها (5) سفره معها ، ولا يجب عليه إجابتها إليه (6) تبرعا ، ولا بأجرة ، وله طلبها (7) فتكون جزءا من استطاعتها ، ولو ادعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها وأنكرته عمل يشاهد الحال مع انتفاء البينة (8) ، ومع فقدهما (9) يقدم قولها (10) ، وفي اليمين نظر ، من أنها (11) لو اعترفت نفعه ، وقرّب في الدروس عدمه (12) ، وله حينئذ منعها باطنا (13) لأنه محق عند نفسه ، والحكم مبني على الظاهر.
______________________________________________________
(1) فلا محرمية له.
(2) أي بترك المحرم.
(3) بالسلامة.
(4) أي إلى المحرم.
(5) أي في وجوب الحج على المرأة.
(6) أي إلى السفر ، ولا يجب لأن استطاعتها من شرائط الوجوب ولا يجب عليه تحصيلها ، فيجوز له أن يطالب بالأجرة ويجوز له أن لا يستجيب لطلبها ولو بالأجرة.
(7) أي وللمحرم طلب الأجرة.
(8) من باب العمل بالظاهر عند فقد البينة.
(9) أي الظاهر والبينة.
(10) لأنها منكرة ، لكن الكلام في توجه اليمين عليها كما هو شأن كل منكر ، ويمكن أن يقال : إنه لا يمين له عليها لعدم الحق له في هذا الحال باعتبار أنها مكلفة وقد رفع الشارع سلطنته عنها مع حصول شرائط الاستطاعة بالنسبة إليها.
(11) وجه ثبوت اليمين عليها لأنها لو اعترفت بقول الزوج لنفعه هذا الاعتراف ، وهذا شأن كل منكر ، مع أن اليمين على كل منكر كما سيأتي في باب القضاء.
(12) قد عرفت وجهه.
(13) فيما لو اعتقد الزوج عليها الخوف واقعا وقد حكمنا بتقديم قولها مع عدم يمين فله منعها باطنا بحسب الواقع ولا ينافي ذلك الحكم بتقديم قولها لأنه حكم ظاهري.
ص: 249
(والمستطيع يجزيه الحج متسكعا) (1) أي متكلفا له بغير زاد ، ولا راحلة لوجود شرط الوجوب وهو الاستطاعة ، بخلاف ما لو تكلفه غير المستطيع (والحج مشيا أفضل) منه ركوبا (2) ، (إلا مع الضعف عن العبادة ، فالركوب أفضل (3) ، فقد حج الحسن (ع) ماشيا مرارا ، قيل : إنها خمس وعشرون حجة) (4) ، وقيل : عشرون (5) رواه الشيخ في التهذيب ، ولم يذكر في الدروس غيره (6) ، (والمحامل)
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، لأنه بعد حصول الاستطاعة يثبت الوجوب ، فلو حج متسكعا حينئذ لصدق الامتثال أعني مطابقة المأتي به للمأمور به ، وهذا بخلاف ما لو حج متسكعا ثم استطاع فلا يسقط الفرض لعدم الأمر حين الإتيان.
(2) للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ما عبد الله بشي ء أشدّ من المشي ولا أفضل) (1) وصحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فضل المشي ، فقال : إن الحسن بن علي عليه السلام قاسم ربه ثلاث مرات ، حتى نفلا ونفلا ، وثوبا وثوبا ، ودينارا ودينارا ، وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه) (2) ، وخبر هشام بن سالم (دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام أنا وعنبسة بن مصعب وبضعة عشر رجلا من أصحابنا فقلنا : جعلنا الله فداك ، أيهما أفضل المشي أو الركوب؟ فقال : ما عبد الله بشي ء أفضل من المشي) ((3).
(3) لأخبار كثيرة ، أكثرها ورد في كون الركوب أفضل ، وقد حملها الأصحاب على هذه الصورة ، ويشهد له خبر سيف التمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أي شي ء أحب إليك ، نمشي أو نركب؟ فقال عليه السلام : تركبون أحب إليّ ، فإن ذلك أقوى على الدعاء والعبادة) (4).
(4) كما في المناقب لابن شهرآشوب عن ابن عباس (لما أصيب الحسن عليه السلام قال معاوية : ما آسى على شي ء إلا على أن أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي عليهما السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه) (5).
(5) كما في صحيح الحلبي المتقدم.
(6) أي غير القول الأخير من حج الحسن عليه السلام عشرين حجة.
ص: 250
(تساق بين يديه) (1) وهو أعلم بسنة جده عليه الصلاة والسّلام من غيره ، ولأنه أكثر مشقة ، وأفضل الأعمال أحمرها (2) وقيل : الركوب أفضل مطلقا (3) ، تأسيا بالنبي (ص) فقد حج راكبا ، قلنا فقد طاف راكبا (4) ، ولا يقولون بأفضليته كذلك فبقي أن فعله (ص) وقع لبيان الجواز ، لا الأفضلية. والأقوى التفصيل الجامع بين الأدلة بالضعف عن العبادة ، من الدعاء ، والقراءة ، ووصفها من الخشوع ، وعدمه (5) وألحق بعضهم بالضعف كون الحامل له على المشي توفير المال (6) ، لأن
______________________________________________________
(1) كما في خبر عبد الله بن بكير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنا نريد الخروج إلى مكة فقال : لا تمشوا واركبوا ، فقلت : أصلحك الله بلغنا أن الحسن بن علي عليهم السلام حج عشرين حجة ماشيا ، فقال : إن الحسن بن علي عليهما السلام كان يمشي وتساق معه محامله ورحاله) (1).
ومثله خبر الفضل بن يحيى عن سليمان (2).
(2) وهو حديث نبوي مرسل أخرجه الطريحي في مجمع البحرين (3).
(3) حتى لو استلزم الضعف عن العبادة للأخبار منها : صحيح رفاعة وابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الحج ماشيا أفضل أو راكبا؟ فقال : بل راكبا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حج راكبا) ((4).
(4) كما في خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام (طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان بمحجته ويقبّل المحجن) (5) ومثله خبر محمد بن مسلم (6).
(5) فمع عدم هذه الأمور فالمشي أفضل وإلا فالركوب كما يشهد بذلك خبر سيف الثمار المتقدم.
(6) ذهب إليه ابن ميثم البحراني في شرح النهج ، ويدل عليه خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المشي أفضل أو الركوب؟ فقال : إن كان الرجل موسرا يمشي ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل) (7).
ص: 251
دفع رذيلة الشح عن النفس من أفضل الطاعات ، وهو حسن ، ولا فرق بين حجة الإسلام وغيرها (1).
(ومن مات بعد الإحرام ، ودخول الحرم أجزأ) (2) ، عن الحج ، سواء مات في الحل (3) ، أم الحرم ، محرما ، أم محلا كما لو مات بين الإحرامين في إحرام الحج ، أم العمرة (4) ، ولا يكفي مجرد الإحرام على الأقوى وحيث أجزأ لا يجب الاستنابة في إكماله (5) ، وقبله (6) ، تجب (7) من الميقات إن كان مستقرا ، وإلا
______________________________________________________
(1) لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(2) أي برئت ذمته من الحج بلا خلاف ، للأخبار ، منها : صحيح بريد (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج حاجا ، ومعه جمل وله نفقة وزاد ، فمات في الطريق قال : إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل حمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام ، وإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين) (1) ، وصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام) (2).
وعن الشيخ وابن إدريس الاجتزاء بالإحرام وإن لم يدخل الحرم ، ولا دليل لهما سوى ما قيل من أنه مفهوم قوله عليه السلام في صحيح بريد (وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم) ، وفيه إنه معارض بصحيح ضريس (وإن كان مات دون الحرم فليقضي عنه وليه حجة الإسلام) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة ، قال : يحج عنه إن كانت حجة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي ء عليه) (3).
(3) بأن دخل مكة ثم خرج منها.
(4) كل ذلك لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(5) لعدم إمكان الجمع بين البدل والمبدل منه ، وحيث إحرامه مع الدخول أجزأ عن المبدل منه فلا يأتي البدل وهو النيابة.
(6) أي قبل الإحرام على قول الشيخ وابن إدريس ، وقبل دخول الحرم بعد الإحرام على قول المشهور.
(7) أي الاستنابة لصريح النصوص المتقدمة ، وهو ظاهر القواعد والأصول إذا ثبت وجوب
ص: 252
سقط ، سواء تلبس ، أم لا ، (ولو مات قبل ذلك وكان) الحج (قد استقر في ذمته) بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومضى عليه بعده مدة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحج فلم يفعل (قضي عنه) الحج (من بلده (1) في ظاهر الرواية).
______________________________________________________
- الحج في ذمته سابقا ، وأما إذا لم يثبت فيستكشف من موته عدم استطاعته في ذلك العام ، لأن من جملة الاستطاعة بقاؤه إلى آخر الحج ، والأخبار حينئذ تحمل على ما لو استقر الوجوب أو على الندب.
(1) ذهب الأكثر بل المشهور إلى أنه يقضى عنه من أقرب الأماكن إلى مكة وإلا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب ، وذهب الشيخ وابن إدريس ويحيى بن سعيد وغيرهم إلى أنه يستأجر من بلد الميت ، وعن الدروس ، وهو المنسوب إلى ابن إدريس والشيخ في النهاية أنه مع سعة المال لا يجزي إلا من بلده ، وإلا فمن حيث أمكن.
ودليل الأول : أن الواجب قضاء الحج ، وهو عبارة عن المناسك المخصوصة وليس قطع المسافة جزءا منه ، وقد وجب لتوقف الواجب عليه فإذا انتفى التوقف انتفى الوجوب ، ولذا لو سار المستطيع من بلده إلى أحد المواقيت لا بنية الحج ثم أراد الحج وأحرم صح ، وكذا المسافر إذا اتفق قربه من الميقات وحصلت له الاستطاعة فلا يجب عليه قصد بلده وإنشاء الحج منه ، وللأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة ، قال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه) (1) ، فلو كان الطريق معتبرا لم ينف البأس ، وخبر زكريا بن آدم (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل مات وأوصى بحجة ، أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال : ما كان دون الميقات فلا بأس) (2).
ودليل الثاني أخبار وهي : خبر محمد بن عبد الله (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله وإن لم يسعه من منزله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة) (3) ، وخبر أبي سعيد عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة ، قال : يحج بها عنه رجل من موضع بلغه) (4) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام
ص: 253
الأولى أن يراد بها الجنس ، لأن ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي (1) أظهرها دلالة رواية أحمد بن أبي نصر عن محمد بن عبد الله قال : سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال (ع) : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة وإنما جعله ظاهر الرواية لإمكان أن يراد بماله ما عينه أجرة للحج بالوصية ، فإنه يتعين الوفاء به مع خروج ما زاد عن أجرته من الميقات ، من الثلث (2) إجماعا ، وإنما الخلاف فيما لو أطلق الوصية ، أو علم أن عليه حجة الإسلام ولو يوص بها.
______________________________________________________
- (في رجل أوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة ، تجزي حجته من دون الوقت) (1) ، وصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ولم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما ، قال : يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قرب) (2) ، وخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده ، قال : فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه) (3) ، ومثله غيره ، وهذه الأخبار صريحة أو ظاهرة في الوصية بالحج بمال معين ، أو من بلد الميت ، وعليه فلم يرد خبر واحد أوجب الحج من بلد الميت من دون وصية منه ، ولذا عند ما ادعى ابن إدريس تواتر الأخبار على وجوب الحج من البلد ردّ عليه المحقق في المعتبر فقال (ودعوى المتأخرين تواتر الأخبار غلط ، فإنا لم نقف في ذلك على خبر شاذ ، فكيف يدعى التواتر) ومثله قال العلامة في المختلف ، نعم استدل لهذا القول الثاني بأن وجوب الحج قد ثبت في ذمة الميت باستطاعته له بزاد وراحلة وغيرهما مما يتوقف عليه ، فيجب القضاء عنه ميتا على الوجه الذي ثبت في ذمته ، وفيه : إن الثابت في ذمته هو وجوب الحج ، والمقدمة وجبت لأنها طريق فلا مدخلية لها في وجوب الحج ولذا لو صح عن طريق محرم لأجزأ.
(1) وهي خبر محمد بن عبد الله ، وخبر زكريا بن آدم ، وخبر أبي سعيد ، وخبر عمر بن يزيد ، وقد تقدم نقلها سابقا ، هذا بحسب الموجود في الكافي (4) وإلا فقد عرفت أنها أكثر من أربع.
(2) أي ما زاد عن الحج الميقاتي يخرج من الثلث.
ص: 254
والأقوى القضاء عنه من الميقات خاصة ، لأصالة البراءة من الزائد ، ولأن الواجب الحج عنه ، والطريق لا دخل لها في حقيقته ، ووجوب سلوكها (1) من باب المقدمة ، وتوقفه على مئونة فيجب قضاؤها عنه ، يندفع بأن مقدمة الواجب إذا لم تكن مقصودة بالذات لا تجب وهو هنا كذلك ، ومن ثم لو سافر إلى الحج لا بنيته ، أو بنية غيره ، ثم بدا له بعد الوصول إلى الميقات الحج أجزأ وكذا لو سافر ذاهلا ، أو مجنونا ثم كمل قبل الإحرام ، أو آجر نفسه في الطريق لغيره (2) ، أو حج متسكعا بدون الغرامة ، أو في نفقة غيره ، أو غير ذلك من الصوارف عن جعل الطريق مقدمة للواجب ، وكثير من الأخبار ورد مطلقا (3) في وجوب الحج عنه ، وهو لا يقتضي زيادة على أفعاله المخصوصة.
والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عين قدرا ، ويمكن حمل غير هذا الخبر منها على أمر آخر (4) ، مع ضعف سندها (5) ، واشتراك محمد بن عبد الله في سند هذا الخبر بين الثقة ، والضعيف ، والمجهول ومن أعجب العجب هنا أن ابن إدريس ادعى تواتر الأخبار بوجوبه من عين البلد ، ورده المختلف بأنّا لم نقف على خبر واحد فضلا عن التواتر ، وهنا جعله ظاهر الرواية ، والموجود منها أربع فتأمل ، ولو صح هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى ، لأن ماله المضاف إليه
______________________________________________________
(1) دليل القول الثاني.
(2) لغير الحج.
(3) من غير تقييد بالبلد منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه) (1) ، وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ويترك مالا ، قال : عليه أن يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له) (2).
(4) وهو الوصية بالحج من البلد كما هو المتعارف من الوصايا.
(5) أي سند الروايات الواردة في الكافي ، وإلا فقد عرفت أن خبر علي بن رئاب صحيح السند وقد أورده الشيخ في التهذيب.
ص: 255
يشمل جميع ما يملكه ، وإنما حملناه (1) ، لمعارضته للأدلة الدالة (2) على خلافة ، مع عدم صحة سنده ، ونسبة الحكم هنا إلى ظاهر الرواية فيه نوع ترجيح مع توقف ، ولكنه قطع به في الدروس.
وعلى القول به (3) (فلو ضاقت التركة) ، عن الأجرة من بلده (فمن حيث بلغت) (4) إن أمكن الاستئجار من الطريق ، (ولو من الميقات) إن لم تحتمل سواه ، وكذا لو لم يمكن بعد فوات البلد (5) ، أو ما يسع منه (6) إلا من الميقات ، ولو عين كونها من البلد (7) فأولى بالتعيين من تعيين مال يسعه منه (8) ، ومثله ما لو دلت القرائن على إرادته (9) ، ويعتبر الزائد من الثلث (10) مع عدم إجازة الوارث إن لم نوجبه من البلد ابتداء ، وإلا فمن الأصل وحيث يتعذر من الميقات يجب من الأزيد ولو من البلد حيث يتعذر من أقرب منه (11) من باب مقدمة الواجب حينئذ (12) ، لا الواجب في الأصل.
(ولو حج) مسلما ، (ثم ارتد ، ثم عاد) إلى الإسلام (لم يعد) حجه السابق
______________________________________________________
(1) على خصوص المال الذي عينه أجرة للحج بالوصية.
(2) وهي الأخبار الدالة على استنابة الحج عنه مطلقا وقد تقدمت.
(3) أي بالحج من البلد.
(4) لقاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جلّه.
(5) لموانع أخرى مثل عدم وجود النائب الحائز على شرائط النيابة.
(6) من المال الذي تركه.
(7) فيتعين الحج منه ، وإن لم يذكر مال يسعه ، لأنها وصية فيجب العمل بها.
(8) من البلد ، والمعنى : لو ذكر مالا يسع الحج من البلد فيفهم أنه من البلد باللازم فلذا كان الحج من البلد أولى فيما لو أوصى وعين البلد بالصراحة.
(9) أي إرادة البلد ، فيما لو أوصى مطلقا وكانت الوصية تحمل على الحجة البلدية بحسب المتعارف.
(10) فإن أجاز الورثة فمن الأصل ، وإلا فما يزيد عن حج الميقات فمن الثلث هذا على قول المشهور ، وأما على القول الثاني فالحج البلدي من أصل التركة ابتداء.
(11) من البلد بالنسبة للميقات.
(12) ويخرج من أصل التركة حتى على قول المشهور.
ص: 256
(على الأقرب) (1) ، للأصل ، والآية (2) ، والخبر ، وقيل : يعيد لآية الإحباط ، أو لأن المسلم لا يكفر ، ويندفع باشتراطه بالموافاة عليه (3) كما اشترط في ثواب الإيمان ذلك (4) ، ومنع عدم كفره ، للآية المثبتة للكفر بعد الإيمان ، وعكسه. وكما لا يبطل مجموع الحج كذا بعضه (5) مما لا يعتبر استدامته حكما كالإحرام فيبنى عليه لو ارتد بعده ،
(ولو حج مخالفا ، ثم استبصر لم يعد (6) إلا أن يخل)
______________________________________________________
(1) لتحقق الامتثال فوجوب الإعادة بحاجة إلى دليل وهو مفقود ، وهو المعبر عنه بجريان الأصل بعدم الوجوب ثانيا ، ولخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب ، يحسب له كل عمل صالح عمله ولا يبطل منه شي ء) (1).
وخالف الشيخ في المبسوط فحكم بالإعادة لآية الإحباط ، وهي قوله تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (2) ، وبأن ارتداده دالّ على أن إسلامه لم يكن إسلاما فلا يصح حجه ، لأن الله لا يضل قوما بعد إذ هداهم ، وفيه : أما آية الإحباط فهي دالة على الإحباط إذا مات على الكفر جمعا بينها وبين قوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ ) (3) ، وأما أن المسلم لا يرتد فيدفعه صريحا قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ) (4) حيث أثبت الكفر بعد الإيمان.
(2) إما المراد بها آية الحج حيث دلت على أنه مرة في العمر وقد أتى بها ، وإما المراد بها آيات عدم الإحباط مثل قوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (5).
(3) أي باشتراط الإحباط بالوفاة على الكفر.
(4) أي بالوفاة على الإيمان.
(5) مما يعتبر فيه النية ابتداء كالإحرام ، أما لو كان مشروطا بالنية ابتداء واستدامة كالطواف فيبطل لبطلان النية.
(6) على المشهور ، لصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به ، عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ قال : قد قضى فريضته ولو حجّ لكان أحبّ إلي ، قال : وسألته عن رجل حج -
ص: 257
بركن) عندنا (1) ، لا عنده على ما قيده المصنف في الدروس ، مع أنه عكس في الصلاة فجعل الاعتبار بفعلها صحيحة عنده ، لا عندنا ، والنصوص خالية من القيد (2) ، ولا فرق بين من حكم بكفره من فرق المخالفين ، وغيره في ظاهر النص.
ومن الإخلال بالركن حجه قرانا بمعناه عنده (3) ، لا المخالفة في نوع الواجب (4) المعتبر عندنا ، وهل الحكم بعدم الإعادة لصحة العبادة في نفسها بناء على عدم اشتراط الإيمان فيها ، أم إسقاطا للواجب في الذمة كإسلام الكافر
______________________________________________________
- وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضي حجة الإسلام؟ فقال : يقضي أحب إليّ ، وقال : كل عمل عمله ، وهو في حال نصبه وضلالته ، ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلا الزكاة ، فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء) (1) ، ومثله غيره ، وعن ابن الجنيد وابن البراج وجوب الإعادة لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج ، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج) (2) ومثله غيره ، وهو محمول على الاستحباب جمعا ، ثم لا فرق في المخالف بين من حكم بكفره وغيره للإطلاق بل وصريح صحيح بريد المتقدم ، وخالف العلامة في المختلف فخصه بغير الكافر ، وقال في المدارك : (وهو ضعيف).
(1) كما نص على ذلك المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الدروس ، مع أنهم صرحوا في قضاء الصلاء بأن المخالف يسقط عنه قضاء ما صلاه صحيحا عنده وإن كان فاسدا عندنا ، ولذا قال سيد المدارك (وفي الجمع بين
الحكمين إشكال ولو فسّر الركن بما كان ركنا عندهم كان أقرب إلى الصواب ، لأن مقتضى النصوص أن من حج من أهل الخلاف لا يجب عليه الإعادة).
(2) ولكن لا بد من التقييد لأن النصوص قد حكمت بصحة فعله من ناحية فساد العقيدة فقط.
(3) والقران عن المخالف أن يتلبس بالحج والعمرة بزمان واحد ، وهو باطل عندنا.
(4) كمن فرضه التمتع فيحج أفرادا فإنه صحيح عندنا في الجملة كما سيأتي.
ص: 258
قولان (1) ، وفي النصوص ما يدل على الثاني.
(نعم يستحب الإعادة ، للنص) ، وقيل : يجب ، بناء على اشتراط الإيمان المقتضي لفساد المشروط بدونه ، وبأخبار حملها على الاستحباب طريق الجمع.
(القول في حج الأسباب (2)
بالنذر وشبهه والنيابة ، (لو نذر الحج وأطلق (3) كفت المرة) مخيرا في النوع والوصف ، إلا أن يعين أحدهما ، فيتعين الأول مطلقا (4) ، والثاني إن كان مشروعا
______________________________________________________
(1) ذهب العلامة في المختلف إلى أن سقوط الإعادة لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، إذ المفروض عدم الإخلال بالركن والإيمان ليس شرطا في صحة العبادة.
وذهب سيد المدارك وصاحب الحدائق وجماعة إلى أنه من باب التفضل من الله كما تفضل على الكافر الأصلي بعد الإسلام بسقوط قضاء الفائت ، لأن المخالف عبادته باطلة وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عندنا ، واستدل على ذلك بالأخبار ، منها : صحيح أبي حمزة (قال لنا علي بن الحسين صلوات الله عليهما : أي البقاع أفضل؟ قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ، ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا) (1) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (- إلى أن قال - واعلم يا محمد أن أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله عزوجل ، قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون مما كسبوا على شي ء ، ذلك هو الضلال البعيد) (2) وفيه : إن هذه الأخبار ليست ناظرة إلى عدم الصحة بل عدم الثواب ، والذي ينفع في المقام هو الأول.
(2) أي الأسباب العارضة.
(3) بحيث لم يقيده بتمتع أو قران أو أفراد التي هي أنواع الحج ، ولم يقيده بوصف خاص ولا بعدد خاص فيكفي في سقوطه امتثاله مرة واحدة كما هو واضح.
(4) تمتعا أو أفرادا أو قرانا ، فينعقد النذر لمشروعية الأقسام الثلاثة ، بخلاف الوصف فإنه ينعقد إذا كان الوصف مشروعا كالركوب والمشي ، وأما الحفاء والمشي على اليدين -
ص: 259
كالمشي والركوب ، لا الحفاء ونحوه ، (ولا يجزئ) المنذور (عن حجة الإسلام) (1) سواء وقع حال وجوبها (2) ، أم لا ، وسواء نوى به (3) حجة الإسلام أم النذر أم هما ، لاختلاف السبب المقتضي لتعدد المسبب.
(وقيل) والقائل الشيخ ومن تبعه : (إن نوى حجة النذر أجزأت) عن النذر وحجة الإسلام على تقدير وجوبها حينئذ ، (وإلا فلا) ، استنادا إلى رواية حملت على
______________________________________________________
- والقدمين فإنه مرجوح ، لا ينعقد به النذر لصحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل فقال : من هذه؟ فقالوا : اخت عقبة بن عامر ، نذرت أن تمشي إلى مكة حافية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عقبة ، انطلق إلى اختك فمرها فلتركب ، فإن الله غني عن مشيها وحفاها) (1) بناء على أن الحفاء لا ينعقد به النذر.
(1) إذا نذر المكلف الحج ، فإما أن ينوي حجة الإسلام ، وإما غيرها ، وإما أن يطلق بأن لا ينوي شيئا منهما فالصور ثلاث ، فلو أطلق في نذره وهي الصورة الثالثة فقد اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب الأكثر إلى تعدد الحج عليه من حج المنذور وحجة الإسلام إذا كان مستطيعا لأن تعدد السبب يوجب تعدد المسبب ، وذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إذا نوى حج النذر أجزأ عن حج الإسلام ، وإن نوى حجة الإسلام لم يجزئه عن المنذور ، أما الشق الأول فيدل عليه صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال : نعم) (2) ومثله صحيح ابن مسلم (3) ، بناء على أن العام هو عام الاستطاعة فتنصرف نية الحج المنذور إلى حج الإسلام ، بخلاف حج النذر فلا دليل على انصراف نية غيره إليه ولذا لو نوى حج الإسلام لم يجزئه عن المنذور كما هو الشق الثاني.
ولقاعدة عدم التداخل حمل المشهور هذه الأخبار على ما لو نذر حج الإسلام ، لا أنه كان مطلقا بالنذر كما هو مفروض مسألتنا ، أو تحمل الأخبار على أن النذر لنفس المشي كما هو مفاد الخبرين السابقين ، وأما بقية صور التقسيم السابق فسيأتي الكلام فيها.
(2) أي سواء وقع المنذور حال وجوب حجة الإسلام أو لا.
(3) أي بالمنذور فيما لو نذره في عام معين.
ص: 260
نذر حجة الإسلام ، (ولو قيد نذره بحجة الإسلام فهي واحدة) (1) وهي حجة الإسلام ، وتتأكد بالنذر بناء على جواز نذر الواجب ، وتظهر الفائدة في وجوب الكفارة مع تأخيرها (2) عن العامد المعين أو موته قبل فعلها (3) مع الإطلاق متهاونا. هذا إذا كان عليه حجة الإسلام حال النذر ، وإلا كان مراعى بالاستطاعة (4) ، فإن حصلت وجب بالنذر أيضا ولا يجب تحصيلها هنا على الأقوى (5). ولو قيده بمدة معينة فتخلفت الاستطاعة عنها بطل النذر.
(ولو قيد غيرها) أي غير حجة الإسلام (فهما اثنتان) (6) قطعا ، ثم إن كان
______________________________________________________
(1) هذه هي الصورة الأولى من التقسيم السابق ، فالنذر منعقد لرجحانه ، وفائدة النذر. ما دام متعلقه واجبا زيادة الانبعاث على الفعل ، ووجوب الكفارة مع تأخيره عن الوقت المعين ، ويجب عليه حج الإسلام فقط بعد التأخير ، وهذا مما لا خلاف فيه.
(2) أي تأخير حجة الإسلام.
(3) أي فعل حجة الإسلام ، فالكفارة مع القضاء هنا على الورثة ، بخلاف ما لو كانت حجة الإسلام غير منذورة فلا يثبت على الورثة إلا القضاء ، وبخلاف ما لو كان النذر معينا في عام فلم تتحقق الاستطاعة فلا تجب الكفارة ولا يجب تحصيل الاستطاعة إلا أن تكون منذورة ، وبخلاف ما لو كان النذر معينا في عام ومات قبل التمكن فينحل النذر لعدم قدرته على الوفاء به مع عدم وجوب القضاء على الورثة لأنه قد انكشف أنه غير مستطيع.
(4) لأن المنذور ليس أمرا زائدا على حج الإسلام ، وهو مشروط بالاستطاعة.
(5) لم تذكر كتب القوم اختلافا في ذلك ، هذا وقد عرفت أن الوجه هو كون النذر قد تعلق بالواجب المشروط ولا يجب تحصل مقدمته لأنها شرط للوجوب.
(6) هذه هي الصورة الثانية من التقسيم السابق ، وهما اثنتان بلا خلاف لتعدد السبب الموجب لتعدد المسبب المسمى بعدم التداخل.
غير أن النذر إما أن يكون مطلقا وإما مقيدا ، وأن حجة الإسلام تارة تكون ثابتة لوجود الاستطاعة وأخرى غير ثابتة فهنا صور أربع.
الصورة الأولى : فيما لو كانت حجة الإسلام ثابتة لوجود الاستطاعة ، والنذر مطلق ، فمع عدم التداخل كما مرّ لا بد أن يقدم المضيّق ، وهو حجة الإسلام ، وتؤخر حجة النذر لأنها مطلقة ، وهذا مما لا خلاف فيه.
الصورة الثانية : فيما لو كانت حجة الإسلام ثابتة والنذر مقيد ، وعليه فإن كان مقيدا في سنة متأخرة عن سنة الاستطاعة ، فلا إشكال في تقديم حجة الإسلام لأنها متقدمة من -
ص: 261
مستطيعا حال النذر ، وكانت حجة النذر مطلقة (1) ، أو مقيدة (2) بزمان متأخر عن
______________________________________________________
- دون أن يزاحمها المنذور لأنه متأخر ، وإن كان النذر مقيّدا بسنة الاستطاعة ، فأرسل صاحب الجواهر بطلان النذر ، إلا أن يقصد حال النذر أنه إذا زالت الاستطاعة فيحج حج النذر فإنه يصح ، ونسب إلى المدارك صحة النذر وإن لم يقصد بشرط عدم تحقق الاستطاعة ، وهو ظاهر الروضة هنا ، حملا للنذر على الوجه المصحح ، ودليل البطلان أنه نذر في عام الاستطاعة غير حجة الإسلام فيبطل لأنه منهي عنه بسبب الأمر بامتثال حجة الإسلام ، نعم اتفق الجميع على أن الاستطاعة لو استمرت فالنذر باطل لأنه نذر ما لا يصح شرعا بعد الأمر بالتوجه لحجة الاسلام.
الصورة الثالثة : فيما لم تكن الاستطاعة موجودة والنذر مطلق ، ثم حصلت الاستطاعة فتقدم حجة الإسلام ، لأن وجوبها فوري بخلاف حجة النذر فإنه يجوز تأخيرها ما لم تصل إلى حد التهاون ، وكذا لو كان النذر مقيدا بعد ثلاث سنين مثلا ثم حصلت الاستطاعة في سنته أو في السنة الأولى أو الثانية فتجب حجة الإسلام وتقدم لفوريتها ، والنذر إنما يكون في سنته.
الصورة الرابعة : فيما لم تكن الاستطاعة والنذر مقيد بهذه السنة ثم حصلت الاستطاعة قبل فعل النذر ، قدمت حجة النذر على حجة الإسلام لأن استطاعة حج الإسلام غير تامة ، لأنه ممنوع بالنذر ، والنذر مانع شرعي ، والمانع الشرعي كالعقلي ، نعم إذا امتثل حجة النذر وبقيت الاستطاعة البدنية والمالية إلى العام المقبل فتجب حجة الإسلام وإلا فلا.
والحكم في هذه الصور الأربع منسوب إلى ظاهر الأصحاب كما في الجواهر. ولم يخالف إلا الشهيد في الدروس فقد اعتبر في حج النذر الاستطاعة الشرعية لا العقلية ، وعليه فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر وإن كان مطلقا ولا تكون حجة الإسلام ثابتة أصلا ، ويظهر الفرق بين قوله وقول المشهور في الصورة الثالثة فعلى المشهور تقدم حجة الإسلام وعلى قوله تقدم حجة النذر.
ويرده : أن الاستطاعة في الحج المنذور وفي غيره من الواجبات هي مراعاة التمكن من الفعل وهذا ما يسمى بالاستطاعة العقلية ، والاستطاعة الشرعية لم تثبت إلا للحج وعليه ففي الصورة الثالثة يكفي مراعاة التمكن من الفعل ليصح النذر وبعد ثبوت الاستطاعة الشرعية فيثبت حج الإسلام ويقع التزاحم بين المضيق وهو حجة الإسلام وبين الموسع وهو حج النذر فلا بد من تقديم المضيق.
(1) الصورة الأولى.
(2) الصورة الثالثة.
ص: 262
السنة الأولى (1) قدّم حجة الإسلام ، وإن قيده (2) بسنة الاستطاعة كان انعقاده (3) مراعى بزوالها (4) قبل خروج القافلة ، فإن بقيت بطل ، لعدم القدرة على المنذور شرعا ، وإن زالت انعقد ، ولو تقدم النذر (5) على الاستطاعة ثم حصلت قبل فعله قدّمت حجة الإسلام ، إن كان النذر مطلقا ، أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة ، أو بمغايرها ، وإلا (6) قدّم النذر ، وروعي في وجوب حجة الإسلام بقاء الاستطاعة إلى الثانية (7).
واعتبر المصنف في الدروس في حج النذر الاستطاعة الشرعية ، وحينئذ فتقدّم حجة النذر مع حصول الاستطاعة بعده وإن كان مطلقا (8) ويراعى في وجوب حجة الإسلام الاستطاعة بعدها ، وظاهر النص (9) والفتوى كون استطاعة النذر عقلية ، فيتفرع عليه ما سبق (10). ولو أهمل حجة النذر في العام الأول ، قال المصنف
______________________________________________________
(1) الشق الأول في الصورة الثانية.
(2) أي النذر وهذا هو الشق الثاني في الصورة الثانية.
(3) أي النذر.
(4) أي بزوال الاستطاعة الشرعية.
(5) الصورة الثالثة.
(6) أي وإن لم يكن مقيدا بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها ، بل كان مقيدا في هذه السنة ، وهذه هي الصورة الرابعة.
(7) أي السنة الثانية.
(8) أي النذر كما في الصورة الثالثة.
(9) والأخبار كثيرة منها : خبر ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا ، فعجز عن ذلك فلم يطقه قال : فليركب وليسق الهدي) (1) ، وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت الله فلم يستطع ، قال : يحج راكبا) (2).
بناء على أن التمكن من الفعل وهو المشي ممكن عقلا فيلزم النذر ، وإلا لو اشترطت الاستطاعة الشرعية فيجب أن لا ينعقد النذر ، لأن المشي ليس منها ، ولذا اشترط الراحلة في الاستطاعة.
(10) من أنه إذا كان مطلقا أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة فتقدم حجة الإسلام ، ومن أنه -
ص: 263
فيها (1) تفريعا على مذهبه : وجبت حجة الإسلام أيضا. ويشكل بصيرورته (2) حينئذ (3) كالدين (4) ، فيكون من المئونة ، (وكذا) حكم (العهد واليمين ،) (ولو نذر الحج ماشيا (5) وجب) مع إمكانه ، سواء جعلناه أرجح من الركوب ، أم لا على الأقوى (6) ، وكذا لو نذره راكبا. وقيل : لا ينعقد غير الراجح منهما ، ومبدؤه بلد الناذر على الأقوى (7) ، عملا بالعرف ، ...
______________________________________________________
- إذا كان مقيدا بهذه السنة قدمت حجة النذر.
(1) أي في الدروس حيث قال (والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية ، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر ، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضا) ويشكل عليه بأنه ما دام النذر مطلقا ، وعلى مبناه أن استطاعته شرعية فيجب في العام المقبل حج النذر ، ولا تجب حجة الإسلام إلا بعد تحقق النذر وبعد بقاء استطاعة لها.
(2) أي النذر.
(3) أي حين كون استطاعته شرعية.
(4) لأن النذر مطلق ، فاستطاعته لا بد من استثنائها من استطاعة حجة الإسلام كالدين.
(5) وجب في الجملة ، بلا خلاف فيه ، لعموم دليل وفاء النذر ، وللأخبار ، منها : صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله قال : فليمش) (1).
(6) قال العلامة في القواعد : (لو نذر الحج ماشيا وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف ، وإلا فلا) ، وتبعه عليه كاشف اللثام ، وأشكل عليهما بأن رجحان متعلق النذر لا يوجب رجحانه على غيره من جميع الجهات ، أو من بعضها ، بل ما دام كونه راجحا فالنذر منعقد وإن كان غيره أرجح لأنه من ترجيح المندوبات بعضها على بعض.
(7) قيل : بلد النذر ، كما عن الشرائع والتحرير والمبسوط ، وقيل : بلد الناذر كما عن القواعد والدروس والحدائق ، وقيل ولم يعرف قائله : من أقرب البلدين بلد النذر والناذر إلى الميقات ، وقيل : مبدؤه من حين الشروع في أفعال الحج كما عن سيد المدارك وصاحب الجواهر ، لأن (ماشيا) قد وقع حالا من فاعل أحج في صيغة النذر (لله علي أن أحج ماشيا) ، فيكون وصفا للفاعل - أي الحاج - ، وهو مشتق لا يصدق حقيقة إلا بتلبسه به ، ومنه تعرف ضعف دليل بلد النذر ، لأنه بلد الالتزام فهو كبلد الاستطاعة ، وتعرف ضعف دليل بلد الناذر للتبادر ، وتعرف ضعف دليل القول الثالث لكون المراد -
ص: 264
إلا أن يدل (1) على غيره فيتبع. ويحتمل أوّل الأفعال ، لدلالة الحال عليه ، وآخره (2) منتهى أفعاله الواجبة ، وهي رمي الجمار ، لأن المشي وصف في الحج المركب من الأفعال الواجبة ، فلا يتم إلا بآخرها. والمشهور وهو الذي قطع به المصنف في الدروس أن آخره طواف النساء.
(ويقوم في المعبر) (3) لو اضطر إلى عبوره ، وجوبا على ما يظهر من العبارة
______________________________________________________
- المشي في الجملة إلى الحج ، وهو يصدق بذلك ، وفيه : إن الصدق يتحقق بالمشي بأقل من ذلك إلى الميقات.
(1) أي العرف.
(2) قيل : آخره رمي الجمار كما عن سيد المدارك وصاحب الجواهر ، للأخبار ، منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال عليه السلام : إذا رمى الحجار وأراد الرجوع ، فليرجع راكبا فقد انقضى مشيّه ، وإن مشى فلا بأس) (1) ، وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا حججت ماشيا ورميت الجمرة فقد انقطع المشي) (2).
وقيل : آخره طواف النساء ، وهو المنسوب إلى المشهور ، وكأن الوجه فيه الأخذ بمفهوم الحج ، ولا يختص بجزء دون جزء ، وفيه : إن طواف النساء ليس من أجزاء الحج ، ولا مجال له بعد هذه النصوص ، نعم ورد في خبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (متى ينقطع مشي الماشي؟ قال : إذا أفضت من عرفات) (3) ، ولكن لم يعرف القائل به وحينئذ لا مجل للاعتماد عليه.
(3) على المشهور كما في الحدائق ، لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (إن عليا عليه السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فعبر في المعبر ، قال : فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه) ، ولقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور فقد وجب عليه القيام والحركة ، وفي المعبر تنتفى الحركة فيبقى القيام.
وعن المعتبر والمنتهى والتحرير والقواعد الاستحباب ، لضعف الخبر بالسكوني - لأنه عامي - عن إثبات الوجوب فيؤخذ به بناء على التسامح في أدلة السنن ، فلا يفيد إلا الاستحباب خروجا عن شبهة الخلاف لمن قال بوجوبه ، وعدم تأتي قاعدة الميسور والمعسور لأن القيام هنا لا فائدة فيه ، ولأن نذر المشي منصرف إلى ما يصح المشي فيه فيكون مواضع العبور مستثناة بالعادة.
ص: 265
وبه صرح جماعة ، استنادا إلى رواية تقصر ، لضعف سندها عنه ، وفي الدروس جعله أولى ، وهو أولى خروجا من خلاف من أوجبه ، وتساهلا في أدلة الاستحباب. وتوجيهه (1) بأن الماشي يجب عليه القيام وحركة الرجلين ، فإذا تعذر أحدهما لانتفاء فائدته بقي الآخر مشترك (2) ، لانتفاء الفائدة فيهما (3) ، وإمكان فعلهما (4) بغير الفائدة.
(فلو ركب (5) طريقه) أجمع ، (أو بعضه قضى ماشيا) (6) للإخلال بالصفة فلم يجز. ثم إن كانت السنة معينة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ويلزمه مع ذلك كفارة بسببه ، وإن كانت مطلقة فالقضاء بمعنى الفعل ثانيا ولا كفارة ، وفي الدروس لو ركب بعضه قضى ملفقا ، فيمشي ما ركب ويتخير فيما مشى منه ، ولو اشتبهت
______________________________________________________
(1) أي توجيه الوجوب.
(2) أي القيام وهو مشترك في حالتي الميسور والمعسور.
(3) هذا ردّ على قاعدة الميسور الموجبة لوجوب القيام ، إذ القيام كحركة الرجلين لا فائدة فيهما في تحقق السير.
(4) ردّ ثان على قاعدة الميسور ، من أن حركة الرجلين كالقيام أمر ممكن غير متعذر إلا أنه لا فائدة فيه ، فلذا حملت الرواية على الاستحباب.
(5) فإذا كان النذر مطلقا فالإعادة لعدم إتيانه بالمنذور ، ولا كفارة لعدم الموجب لانتفاء المخالفة بعد كون المنذور موسعا ومطلقا ، وإذا كان النذر مقيدا في سنة معينة ، فالقضاء لعدم إتيانه بالمنذور ، لأن الذمة ما زالت مشغولة فلا بدّ من قضاء ما فات بعد فوات وقته ، والكفارة لحنث النذر.
وخالف المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى وبه قال صاحب الجواهر من أن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج ، لأنه ليس من اجزائه ولا من صفاته وشروطه ، وقد أتى بالحج غايته عليه الكفارة لإخلاله بالمشي ، وفيه : إنما يتوجه ذلك إذا كان المنذور شيئين : الحج والمشي ، غير مقيد أحدهما بالآخر ، والمفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك.
(6) فلو ركب بعضه فقيل : يقضي مع مشي مواضع الركوب كما عن جماعة منهم الشيخان والعلامة والشهيد في الدروس ، واستدل له كما عن المختلف بأن الواجب قطع المسافة ماشيا ، وقد حصل بالتلفيق ، فيخرج عن العهدة ، وعن جماعة كما هو قول الماتن يقضي ماشيا في جميع الطريق لأن المشي منذور في جميع طريق الحج ولم يحصل في الحج الأول فلا بدّ من إعادته.
ص: 266
الأماكن احتاط بالمشي في كل ما يجوز فيه أن يكون قد ركب. وما اختاره هنا أجود (1) ، (ولو عجز عن المشي ركب) (2) مع تعيين السنة ، أو الإطلاق واليأس من القدرة ولو بضيق وقته لظن الوفاة ، وإلا توقع المكنة.
(و) حيث جاز الركوب (ساق بدنة) ، جبرا للوصف الفائت ، وجوبا على ظاهر العبارة ، ومذهب جماعة ، واستحبابا على الأقوى ، جمعا بين الأدلة ، وتردد في الدروس. هذا كله مع إطلاق نذر الحج ماشيا ، أو نذرهما لا على معنى جعل المشي قيدا لازما في الحج بحيث لا يريد إلا جمعهما ، وإلا (3) سقط الحج أيضا مع العجز عن المشي.
______________________________________________________
(1) لأن الحج ماشيا غير صادق على أيّ من الحجين من الأول وقضائه.
(2) وساق بدنة ، ونسب هذا القول للشيخ وجماعة ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز أن يمشي ، قال عليه السلام : فليركب وليسق بدنة ، فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف الله تعالى منه الجهد) (1) وصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا ، فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال عليه السلام : فليركب وليسق الهدي) (2).
وعن المفيد وابني جنيد وسعيد يركب ولا يسوق ، لصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى ، قال عليه السلام : فليمش ، قلت : فإنه تعب ، قال عليه السلام : إذا تعب ركب) (3) ، وطريق الجمع حمل سوق البدنة على الاستحباب ، بل بعض الأخبار صرح في الاستحباب كما في خبر عنبسة بن مصعب (قال : نذرت في ابن لي إن عافاه الله تعالى أن أحج ماشيا ، فمشيت حتى بلغت العقبة ، فاشتكيت فركبت ، ثم وجدت راحة فمشيت ، فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال : أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة ، فقلت : معي نفقة ، ولو شئت أن أذبح لفعلت ، وعليّ دين ، فقال : إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة ، فقلت : شي ء واجب أفعله؟ فقال : لا ، من جعل لله عليه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي ء) (4).
(3) فالصور ثلاث ، إما أن ينذر الحج وينذر نذرا ثانيا بالمشي في الحج المنذور ، وإما أن ينذر الحج الموصوف بالمشي فيه ، وإما أن ينذر الحج بجعل المشي قيدا لازما له بحيث لا يريد -
ص: 267
(ويشترط في النائب) في الحج (البلوغ (1) والعقل (2) والخلو) أي خلو ذمته (من حج واجب) في ذلك العام (3) ، (مع التمكن منه ولو مشيا) حيث لا يشترط فيه (4) الاستطاعة كالمستقر من حج الإسلام ثم يذهب المال (5) ، فلا تصح نيابة الصبي ، ولا المجنون مطلقا (6) ، ولا مشغول الذمة به في عام النيابة ، للتنافي ، ولو كان في عام بعده (7) كمن نذره كذلك أو استؤجر له صحت نيابته قبله ، وكذا المعين (8) حيث يعجز عنه ولو مشيا لسقوط الوجوب في ذلك العام ، للعجز
______________________________________________________
- من الحج المنذور إلا جعل المشي قيدا له ، فعلى الأول إذا سقط المشي فيبقى النذر بالحج على حاله ، وعلى الثاني إذا سقط الوصف وهو المشي فيبقى الحج الموصوف والمنذور على حاله ، وعلى الثالث إذا تعذر المشي وهو جزء من المنذور فيتعذر المركب وهو المنذور فيسقط.
(1) فإن كان غير مميز فلا تصح النيابة ، وهو واضح لأنها بحاجة إلى القصد ، وهو منتف في حقه ، وأما المميز فقيل : لا تصح ، لاتصافه بما يوجب رفع القلم فعبادته تمرينية فلا تقع لنفسه فكيف لغيره ، وقيل : تصح ، لأنه قادر على استقلال الحج ندبا بناء على شرعية عباداته.
(2) فالمجنون لا تصح منه النيابة لفقد عقله الموجب لفقد القصد المعتبر في الحج.
(3) فلا تصح منه النيابة لأنه إذا كان مخاطبا بالحج في ذلك العام فلا يصح أن يشغل ذمته بغيره ، بل يقع باطلا لأن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده ولو عقلا.
نعم لو كان مشغول الذمة في عام بعد عام النيابة كمن نذر إن استؤجر في هذه السنة بأن يحج في السنة المقبلة ، أو كان مستوجرا للعام المقبل فتصح النيابة حينئذ لعدم النهي عنها.
(4) أي في الحج الواجب في هذا العام.
(5) بعد التسويق من عام إلى عام.
(6) سواء كان من ذوي الأدوار أو لا لعدم الوثوق بصحة العمل المستأجر عليه.
(7) أي كان مشغول الذمة بالحج بعد عام النيابة.
(8) أي نذر بأن يحج في هذه السنة ، وقد انتفت الاستطاعة العقلية حتى المشي فيسقط الوجوب لهذا العام ، وإن كانت ذمته مشغولة بأصل الحج النذري ، إلا أنه تصح منه النيابة حينئذ مع قطعه بعدم تجدد الاستطاعة ، لعدم الأمر بالحج النذري الموجب للنهي عن النيابة ، ثم لو حصلت النيابة ثم اتفق تجدد الاستطاعة فتقدم النيابة ، لأن حج النذر ممنوع منه شرعا بالنيابة لوجوب الوفاء بها فهو غير مستطيع له ، وكذا لو وقعت النيابة ثم تحققت استطاعة حج الإسلام.
ص: 268
وإن كان باقيا في الذمة ، لكن يراعى في جواز استنابته ضيق الوقت ، بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة عادة. فلو استؤجر كذلك ، ثم اتفقت الاستطاعة على خلاف العادة لم ينفسخ ، كما لو تجددت الاستطاعة لحج الإسلام بعده ، فيقدّم حج النيابة ، ويراعى في وجوب حج الإسلام بقاؤها إلى القابل.
(والإسلام) (1) إن صححنا عبادة المخالف ، وإلا اعتبر الإيمان أيضا ، وهو الأقوى. وفي الدروس حكى صحة نيابة غير المؤمن عنه قولا مشعرا بتمريضه ، ولم يرجح شيئا ، (وإسلام (2) المنوب عنه ، واعتقاده الحق (3) فلا يصح الحج عن
______________________________________________________
(1) لأن الكافر لا يصح منه الفعل عن نفسه فعن غيره بطريق أولى ، ثم هل يجب أن يكون مؤمنا أو لا ، قيل : باشتراط الإيمان كما عن جماعة منهم سيد المدارك ، وقيل : بعدم اعتباره ، ولعله ظاهر الأكثر ، حيث لم يتعرضوا لذكر الشرط المذكور ، وإنما اقتصروا على اعتبار الإسلام ، وسبب الخلاف أن المخالف عبادته صحيحة أو لا ، فإذا قلنا بعدم صحة عبادته كما ذهب إليه البعض وقد تقدم الكلام فيه ، فلا تصح نيابته عن غيره ، وقيل أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره أو أن عبادته صحيحة لكنها غير مقبولة كما حرر سابقا ، وعليه فتصح نيابته ، نعم ورد في خبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم ، هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال عليه السلام : لا يقضيه إلا مسلم عارف) (1) إلا أن يحمل على أن المنع فيه من ناحية أن غير عارف سيأتي بأفعال النيابة بناء على مذهبه ، وليس المنع فيه من ناحية عدم إيمانه.
(2) فلا تصح النيابة عن الكافر ، لأنه مستحق في الآخرة الخزي والعقاب ، لا الأجر والثواب ، وهما من لوازم صحة الفعل ، فيلزم من انتفائها انتفاء الملزوم ، ولقوله تعالى : ( مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ، وَلَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ ) (2) ، بناء على أن النيابة تفيد التخفيف من عقابه ، كالاستغفار ، بل هي نوع منه.
(3) فلا تصح النيابة عن المخالف ناصبيا أو لا ، قريبا أو لا إلا الأب فتصح - كما عليه الأكثر - لخبر وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام (أيحج الرجل عن الناصب؟ قال :لا ، قلت : فإن كان أبي؟ قال : إن كان أباك فنعم) (3) ، وذهب الشهيد في الدروس -
ص: 269
المخالف مطلقا ، (إلا أن يكون أبا للنائب) وإن علا (1) للأب ، لا للأم (2) ، فيصح وإن كان ناصبيا. واستقرب في الدروس اختصاص المنع بالناصب ، ويستثنى منه الأب. والأجود الأول ، للرواية ، والشهرة ، ومنعه بعض الأصحاب مطلقا. وفي إلحاق باقي العبادات به وجه (3) ، خصوصا إذا لم يكن ناصبيا.
(ويشترط نية النيابة) (4) بإن يقصد كونه نائبا ، ولما كان ذلك أعم من تعيين من ينوب عنه نبّه على اعتباره أيضا بقوله ، (وتعيين المنوب عنه قصدا) في نية كل فعل يفتقر إليها. ولو اقتصر في النية على تعيين المنوب عنه ، بأن ينوي أنه عن فلان أجزأ ، لأن ذلك يستلزم النيابة عنه (5) ، ولا يستحب التلفظ بمدلول هذا القصد (6) ، (و) إنما (يستحب) تعيينه (لفظا عند باقي الأفعال) ، وفي المواطن كلها بقوله : «اللهم ما أصابني من تعب ، أو لغوب ، أو نصب ، فأجر فلان بن فلان ،
______________________________________________________
- والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى جواز النيابة عن المخالف غير الناصبي لأنه مسلم ، وأما الناصبي فلا تصح النيابة عنه إلا إذا كان أبا للنائب للخبر المتقدم ، لأن النيابة تخفيف عن عذابه ولا مانع من صدورها من الابن بالنسبة لأبيه.
وذهب صاحب الجواهر وابن إدريس إلى المنع مطلقا ، ناصبيا أو لا ، أبا أو لا ، لأن المخالف كافر في الآخرة فيجري فيه ما تقدم في الكافر ، ولم يعملا في هذه الرواية.
(1) ألحق الجد بالأب ، لأنه أب ولأنه له الولاية كولاية الأب ، وعن الشهيد في الدروس عدم الإلحاق لأنه ليس أبا حقيقة مع أنه يجب الاقتصار في موطن النص على القدر المتيقن.
(2) فأبو الأم لا يقال له أب قطعا كما عن المسالك.
(3) أي بالحج ، ووجه الإلحاق أن المخالف مكلف بجميع الواجبات حجا كان أو غيره ، وفعله صحيح لنفسه إذا لم يخل بشي ء من أركانه فتكون النيابة عنه صحيحة في هذه الموارد لفائدة سقوط العقاب.
(4) بلا خلاف فيه حتى يقع الفعل عن الغير ، ولما كانت النيابة لا تصح إلا بملاحظة النائب والمنوب عنه والمنوب فيه ، لأنها إضافة قائمة بين الأركان الثلاثة ، فلا بد من ملاحظة الثلاثة.
(5) لأنه لا معنى لتعيين المنوب عنه إلا أن ينوي أنه عنه.
(6) ومراده من المدلول هو الدال كما هو واضح ، وقال الشارح في المسالك (ولا يفتقر في التعيين لفظا إجماعا ، وجوبا ولا استحبابا ، وإنما المستحب ذكر المنوب عنه لفظا في المواطن وعند الأفعال بلفظ خاص كما سيأتى ، وهو أمر آخر غير النية ، فقول بعضهم هاهنا أن تعيينه لفظا مستحب غير واضح).
ص: 270
وأجرني في نيابتي عنه (1). وهذا أمر خارج عن النية متقدم عليها ، أو بعدها ، (وتبرأ ذمته) (2) أي ذمة النائب من الحج ، وكذلك ذمة المنوب عنه. إن كانت
______________________________________________________
(1) كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الذي يقضي عن أبيه أو أمه ، أو أخيه ، أو غيرهم ، يتكلم بشي ء؟ قال عليه السلام : نعم يقول بعد ما يحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو بلاء أو شعث فآجر فلانا فيه ، وأجزني في قضائي عنه) (1) ،وفي كل المواقف فهو مفاد صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال عليه السلام : يسميه في المواطن والواقف) (2) ، وهو محمول على الاستحباب لخبر المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يحج عن الإنسان ، يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال : إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل) (3) ، وبالجمع بين هذه الأخبار يتبين أنه يستحب ذكر المنوب عنه بتلك الصيغة في جميع المواطن ، وهذا بخلاف نية النيابة في أصل الحج فلا دليل على استحباب التلفظ بها أو وجوبها.
(2) لو مات بعد دخول الحرم محرما ، بلا خلاف فيه لصحيح بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل خرج حاجا ومعه جمل وله نفقة وزاد ، فمات في الطريق ، فقال : إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام) (4) وصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجة الإسلام) (5) ، وهذه الأخبار وإن كانت واردة في الحج عن نفسه إلا أن الأصحاب - كما في الجواهر - فهموا أن هذه الكيفية التي تليها الموت تكفي عن الحج سواء كان عن نفسه أو عن غيره ، مع أن موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام صريحة في ذلك قال : (سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة ، فيعطى دراهم ليحج بها عنه ، فيموت قبل أن يحج ، قال : إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول) (6) المحمول عند الأصحاب بشهادة ما تقدم على أنه أحرم وقد دخل الحرم.
وخالف الشيخ وابن إدريس واكتفيا بالموت بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم ، ويأتى فيه النزاع المتقدم فيما لو كان حجه عن نفسه.
ص: 271
مشغولة (لو مات) النائب (محرما بعد دخول الحرم) ظرف للموت لا للإحرام ، (وإن خرج منه) من الحرم (بعده) أي بعد دخوله ومثله ما لو خرج من الإحرام أيضا كما لو مات بين الإحرامين ، إلا أنه لا يدخل في العبارة ، لفرضه الموت في حال كونه محرما ولو قال بعد الإحرام ، ودخول الحرم شملهما ، لصدق البعدية بعدهما ، وأولوية (1) الموت بعده (2) منه حالته (3) ممنوعة ، (ولو مات قبل ذلك) (4) سواء كان قد أحرم ، أم لا لم يصح الحج عنهما ، وإن كان النائب (5) أجيرا وقد قبض الأجرة (استعيد من الأجرة بالنسبة) (6) أي بنسبة ما بقي من العمل المستأجر
______________________________________________________
(1) جواب عن سؤال مقدر ، وتقديره أنه إذا كان الموت في أثناء الإحرام مجزيا عن الحج فالموت بعد الإحرام أولى بالأجزاء ، والجواب إن الأولوية قياس محض إذ لعل الاجزاء في أثناء الإحرام تعظيما له ، وجره إلى ما بعد الإحرام يكون قياسا فلا بد من الاقتصار على مورد النص ، وفيه : إن النصوص ظاهرة في أن الاجزاء يتحقق بالتلبس بالإحرام وبدخول الحرم سواء شرع في بقية الأفعال أو لا ، وعليه فالأولوية محكمة ، على أن عبارة الشارح مدخولة لأن من دخل الحرم محلا ثم خرج منه ثم أحرم ومات في الطريق لكان مشمولا لعبارة الشارح حيث قال (ولو قال بعد الإحرام ودخول الحرم) بناء على أن الواو لمطلق الجمع مع أنه لو مات والحال هذه فلا يجزيه عن حجة الإسلام.
(2) أي بعد الإحرام.
(3) أي من الموت حالة الإحرام.
(4) قبل دخول الحرم.
(5) تمهيد للمتن الآتي.
(6) هاهنا صور ، الأولى : أن تقع الإجارة على تفريغ ذمة المنوب عنه ، فيستحق الأجير تمام الأجرة لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، لتحقق فراغ ذمة المنوب عنه بذلك ، وهذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. الثانية : أن تقع الإجارة على أفعال الحج خاصة ، فيستحق الأجير أجرة ما أتى منها دون البقية ، وذلك لعدم تمام المستأجر عليه ، بل الحاصل بعضه ، والبعض الآخر غير حاصل ، فتوزع الأجرة على الجميع ويستحق من الأجرة بالنسبة ، لكن عن الحدائق دعوى الإجماع على استحقاق الجميع ، وفي المسالك : (مقتضى الأصل أن لا يستحق إلا بالنسبة لكن وردت النصوص بإجزاء الحج عن المنوب ، وبراءة ذمة الأجير ، واتفق الأصحاب على استحقاقه جميع الأجرة ، فهذا الحكم ثبت على خلاف الأصل) وفي المعتبر (إنه المشهور بينهم) ، ولكن إذا ثبت النص فهو ولكن النص وارد في إجزائه عن حجة الإسلام لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم وقد تقدمت ، وإلا فلا -
ص: 272
عليه ، فإن كان الاستئجار على فعل الحج خاصة ، أو مطلقا ، وكان موته بعد الإحرام استحق بنسبته إلى بقية أفعال الحج ، وإن كان (1) عليه وعلى الذهاب استحق أجرة الذهاب والإحرام ، واستعيد الباقي ، وإن كان عليهما (2) وعلى العود فبنسبته إلى الجميع ، وإن كان موته قبل الإحرام (3) ، ففي الأولين (4) لا يستحق
______________________________________________________
- يستحق الأجير إلا بنسبة ما فعل كما هو مقتضى القواعد. الثالثة : فيما لو كانت الإجارة مطلقة بحيث لم تقيد أنها لخصوص الحج أو له ولمقدمات الذهاب والرجوع ، فقال صاحب الجواهر (وإنما الإشكال فيما لو أطلق الإجارة على الحج فهل يدخل فيها قطع المسافة ذهابا وإيابا على وجه يقتضي التوزيع والتقسيط ، أو لا يدخل وإنما يراد نفس العمل فلا تستحق المقدمات حينئذ شيئا - إلى أن قال - خيرة جماعة منهم الأول ، وآخرين الثاني) ، هذا وقد ذهب القاضي أبو الصلاح الحلبي إلى أن إطلاق الاجارة على الحج يقتضي دخول الذهاب والإياب به على نحو الجزئية ، وعليه فلا بد من التوزيع والتقسيط عليهما وعلى أفعال الحج ، وقواه في كشف اللثام.
وفيه : إن المستأجر عليه هو الحج وهو منصرف إلى أفعاله الخاصة دون الذهاب والإياب ، وإن كان الذهاب مقدمة للواجب ، وكان الإياب لا بد منه لعود النائب إلى بلده إلا أنه لا دخل له في حقيقته كما هو واضح ، فالتوزيع والتقسيط إنما لأفعال الحج فقط ، فيستحق الأجير منها بنسبة ما فعله منها. الرابعة : فيما لو كانت الأجرة على الذهاب مع أفعال الحج. الخامسة : فيما لو كانت الأجرة على الذهاب والعود مع أفعال الحج ، وفي هاتين الصورتين فالأجير يستحق ما فعله ، وهو الذهاب والإحرام ودخول الحرم فيستحق ما فعل بعد التوزيع ، والباقي لا بدّ من رده إلى المنوب عنه أو ورثته.
(1) أي الاستئجار.
(2) أي على الحج والذهاب.
(3) ففي الصورة الرابعة والخامسة يستحق الأجير بنسبة ما فعل ، وهو الذهاب ، لأن المسافة لها دخل في الأجرة ، ولا شي ء له في الصورة الأولى لأنها لم تفرغ ذمة المنوب عنه ، وأما في الصورة الثانية والثالثة فقد قال الشارح في المسالك (إن من استؤجر على فعل الحج عن غيره فسعى إليه ، فمات في الطريق قبل الشروع فيه لا يستحق شيئا ، لأن الحج عبارة عن الأفعال المخصوصة ، ولم يفعل منها شيئا ، وإنما أخذ في المقدمات التي لا يمكن الفعل بدونها ، فتكون بمنزلة من استؤجر على عمل سرير في مكان بعيد عن بيت الأجير ، فأخذ آلات العمل وخرج إليه فمات في الطريق ، فإنه لا يستحق شيئا قطعا).
(4) أي في صورة الإجارة على فعل الحج فقط ، أو كان عقد الإجارة مطلقا فإنه منصرف إلى أفعال الحج فقط.
ص: 273
شيئا ، وفي الأخيرين (1) بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.
وأما القول بأنه يستحق مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحج والعود كما ذهب إليه جماعة ، ففي غاية الضعف ، لأن مفهوم الحج لا يتناول غير المجموع المركب من أفعاله الخاصة ، دون الذهاب إليه ، وإن جعلناه مقدمة للواجب ، والعود (2) الذي لا مدخل له في الحقيقة ، ولا ما يتوقف عليها (3) بوجه. (ويجب على الأجير الإتيان بما شرط عليه) (4) من نوع الحج
______________________________________________________
(1) أي في صورة الإجارة على الذهاب وفعل الحج ، وفي صورة الاجارة على الذهاب والعود وفعل الحج.
(2) أي ودون العود ، فهو معطوف على الذهاب إليه.
(3) هكذا في النسخة الحجرية وغيرها ، والأولى جعله (عليه) باعتبار عوده إلى ما الموصولة ، ويمكن تصحيح التأنيث باعتبار أن المراد من (ما الموصولة) هو المقدمة فلذا صح التأنيث حينئذ.
(4) من نوع الحج من إفراد أو قران ، أو تمتع ، لقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) ، فلا يجزي غير المعين منه وإن كان أفضل لخبر علي ؛ وقد استظهر في المدارك أنه ابن رئاب (في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة ، قال : ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم) ((1).
وعن الشيخ وجماعة يجوز العدول مطلقا إلى الأفضل إن شرط عليه غيره ، لخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام (في رجل أعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة ، أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم ، إنما خالف إلى الفضل) (2).
وحملت هذه الرواية على ما لو كان الحج مندوبا عن المنوب عنه ، أو كان على المنوب عنه مطلق الحج بالنذر ، أو كان المنوب عنه له منزلان أحدهما داخل مكة والآخر في خارجه فيجوز للنائب العدول عما استؤجر إلى الأفضل للخبر المتقدم ، وأما إذا كان غير الأفضل متعينا ، أو علم من شرط غير الأفضل أن المنوب عنه لا يرضى بغيره فلا يجوز العدول ، وكذا لا يجوز العدول في وصف الحج كالمشي وغيره ، لأنه لا يرضى بغيره بدليل ذكره -
ص: 274
ووصفه (حتى الطريق مع الغرض) (1) قيد في تعيّن الطريق بالتعيين ، بمعنى أنه لا يتعين به إلا مع الغرض المقتضي لتخصيصه ، كمشقته وبعده ، حيث يكون داخلا في الإجارة ، لاستلزامها زيادة الثواب ، أو بعد مسافة الإحرام ، ويمكن كونه (2) قيدا في وجوب الوفاء بما شرط مطلقا (3) ، فلا يتعين النوع كذلك إلا مع الغرض كتعيين الأفضل (4) ، أو تعينه (5) على المنوب عنه ، فمع انتفائه (6) كالمندوب والواجب المخير كنذر مطلق ، أو تساوي منزلي المنوب عنه في الإقامة يجوز العدول عن المعين إلى الأفضل ، كالعدول من الإفراد إلى القران ، ومنهما إلى التمتع ، لا منه إليهما (7) ، ولا من القران إلى الإفراد (8).
ولكن يشكل ذلك في الميقات ، فإن المصنف وغيره أطلقوا تعينه بالتعيين (9)
______________________________________________________
- في متن عقد الاجارة.
(1) فلو كان الطريق متعينا بنذر على المنوب عنه ، أو علم عدم رضا المنوب عنه بغيره فلا يجوز العدول ، أما إذا لم يعينه غرض وإن ذكر في عقد الاجارة فيجوز العدول إلى غيره كما نسب إلى المشهور - كما في الجواهر - لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أعطى رجلا حجة ، يحج عنه من الكوفة ، فحج عنه من البصرة ، فقال عليه السلام : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه) (1) وذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز العدول مطلقا لهذه الرواية.
(2) أي قول المصنف (مع الفرض).
(3) من الطريق والوصف والنوع ، وليس كونه قيدا في الطريق فقط ، كما هو مقتضى الكلام السابق.
(4) بحيث لا يرضى بغيره.
(5) بنذر أو غيره.
(6) أي انتفاء التعيين والتعين.
(7) لأن التمتع أفضل.
(8) لأن القران أفضل.
(9) كما هو مقتضى قاعدة (المؤمنون عند شروطهم).
ص: 275
من غير تفصيل بالعدول إلى الأفضل وغيره ، وإنما جوزوا ذلك (1) في الطريق النوع بالنص ، ولما انتفى في الميقات أطلقوا تعينه به ، وإن كان التفصيل فيه متوجها أيضا ، إلا أنه لا قائل به. وحيث يعدل إلى غير المعين مع جوازه (2) يستحق جميع الأجرة (3) ، ولا معه (4) لا يستحق في النوع شيئا ، وفي الطريق (5) يستحق بنسبة الحج إلى المسمى للجميع (6) ، وتسقط أجرة ما تركه من الطريق ، ولا يوزع للطريق المسلوكة ، لأنه غير ما استؤجر عليه وأطلق المصنف وجماعة الرجوع عليه (7) بالتفاوت بينهما (8) ، وكذا القول في الميقات (9) ، ويقع الحج عن المنوب عنه في الجميع وإن لم يستحق في الأول (10) أجرة.
______________________________________________________
(1) أي العدول إلى الأفضل.
(2) أي جواز العدول.
(3) لأنه أفرغ ذمة المنوب عنه ، نعم مع عدم جواز العدول فالفعل يقع عن المنوب عنه ولا يستحق الاجير أجرة لكونه متبرعا كما صرح بذلك في المعتبر والمدارك وغيرهما.
(4) أي وحيث يعدل لا مع الجواز.
(5) أما مع جواز العدول فيستحق من المسمى بالنسبة ، ويسقط منه مقدار المخالفة في الطريق كما نسب إلى جماعة ، وأشكل عليهم الشارح في المسالك بأن الطريق التي استؤجر لسلوكها وحصل لها حصة من الأجرة لم يفعل منه شيئا ، والذي فعله من السلوك غير مستأجر عليه فإدخاله في التقدير وتقسيط الأجرة عليه غير واضح.
وأما مع عدم جواز العدول فقال العلامة في التذكرة : (إنه مع المخالفة فيما تعلق به الفرض الرجوع إلى أجرة المثل وفساد المسمى) وأشكل عليه الشارح في المسالك بأن الحج مستأجر عليه على التقديرين لأنه هو الركن الأعظم والفرض الأقصى من عقد الاجارة وقد فعله ، وذلك يقتضي حصة من أجرة المسمى لا أجرة المثل سواء تعلق الفرض بذلك الطريق المتروك أو لا ، فالقول بثبوت ما يخص الحج من المسمى خاصة أوجه.
(6) أي يستحق اجرة نفس فعل الحج فيؤخذ من المسمى ما يقابل الحج ويترك ما قابل الطريق.
(7) على الطريق المسلوكة.
(8) بين الطريق المتروكة والمسلوكة.
(9) فلا يستحق ما قابل الميقات من أجرة المسمى.
(10) وهو المخالفة في النوع المعين له.
ص: 276
(وليس له الاستنابة (1) إلا مع الإذن) له فيها (صريحا) ممن يجوز له الإذن فيها كالمستأجر عن نفسه ، أو الوصي ، لا الوكيل ، إلا مع إذن الموكل له في ذلك ، (أو إيقاع العقد مقيدا بالإطلاق) (2) ، لا إيقاعه مطلقا (3) فإنه يقتضي المباشرة بنفسه ، والمراد بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليحج مطلقا بنفسه ، أو بغيره ، أو بما يدل عليه (4) ، كأن يستأجره لتحصيل الحج عن المنوب. وبإيقاعه مطلقا (5) أن يستأجره ليحج عنه ، فإن هذا الإطلاق يقتضي مباشرته ، لا استنابته فيه. وحيث يجوز له الاستنابة يشترط في نائبه العدالة (6) ، وإن لم يكن هو عدلا.
(ولا يحج عن اثنين في عام) (7) واحد ، لأن الحج وإن تعددت أفعاله عبادة
______________________________________________________
(1) اعلم أن القيام بالحج عن الغير تبرعا مما لا خلاف فيه ، كما في الجواهر ، وسيأتي بعض النصوص الدالة عليه ، وأما الاستنابة فهي القيام بالحج عن الغير في قبال الأجرة ، وعقد الاجارة مما يقتضي مباشرة الأجير بأفعال الحج ، فالاستنابة عن الأجير مما يحتاج إلى إذن المستأجر أو إذن وصيه بعد وفاته ، أو وكيله الذي وكلّه بذلك.
(2) أي وقع عقد الإجارة مقيّدا بأن للأجير حق الاستئجار أيضا عن المستأجر الأول.
(3) بحيث وقع عقد الإجارة مطلقا غير مقيد بأنه يجوز للأجير أن يستأجر غيره ، فينصرف إلى لا بدية مباشرة الأجير بنفسه فعل المنوب فيه.
(4) من القرائن الحالية ، بخلاف السابق فإن الدال لفظي.
(5) أي والمراد بإيقاع عقد الإجارة مطلقا وهو العقد المجرد عن الاشتراط.
(6) قد اعتبر المتأخرون الإيمان في النائب كما في المسالك والمدارك وغيرهما ، لكن اشتراط عدالته لا بمعنى أن الفاسق لا يصح حجه عن الغير ، بل لا يقبل إخباره بالصحة إلا إذا كان عدلا مع أنها لا تعرف إلا منه.
(7) بلا خلاف ، وعلّل في الجواهر (لعدم ثبوت مشروعية ذلك ، بل الثابت خلافه ، فلو وقع الحج كذلك بطل ، لامتناعه لهما ، لعدم قابلية التوزيع ، ولا لواحد بخصوصه لعدم الترجيح ، ولا له لعدم نيته له فليس حينئذ إلا البطلان).
وأما الحج المندوب فقد قال في المدارك : (فقد دلت الأخبار على أنه يجوز الاشتراك به ، وإذا جاز ذلك جازت الاستنابة فيه على هذا الوجه) ، ومن هذه الأخبار صحيح محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام (كم أشرك في حجتي ، قال عليه السلام : كم شئت) (1) ، -
ص: 277
واحدة فلا يقع عن اثنين. هذا إذا كان الحج واجبا على كل واحد منهما ، أو أريد إيقاعه (1) عن كل واحد منهما. أما لو كان مندوبا وأريد إيقاعه عنهما ، ليشتركا في ثوابه ، أو واجبا عليهما كذلك (2) ، بأن ينذرا الاشتراك في حج يستنيبان فيه كذلك (3). فالظاهر الصحة فيقع في العام الواحد عنهما ، وفاقا للمصنف في الدروس ، وعلى تقدير المنع (4) لو فعله عنهما لم يقع عنهما ، ولا عنه ، أما استئجاره لعمرتين ، أو حجة مفردة ، وعمرة مفردة فجائز (5) ، لعدم المنافاة.
(ولو استأجراه لعام) واحد (فإن سبق أحدهما) بالإجارة (صح السابق) وبطل اللاحق (6) ، ...
______________________________________________________
- وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل يشرك أباه أو أخاه ، أو قرابته في حجه ، قال عليه السلام : إذن يكتب لك حجا مثل حجهم ، وتزداد خيرا بما وصلت) (1) ، وهذه الأخبار محمولة على الاستحباب لأن حج الإسلام يجب أن يوقعه عن نفسه كما هو واضح.
(1) أي أريد الحج بتمامه - ولو كان ندبا - أن يقع عن كل واحد مستقلا ، فلا يجوز أن يحج عنهما في عام واحد ، لاستحالة إيقاعه في عام واحد عن اثنين بحيث يكون الحج الصادر عن كل واحد بمفرده.
(2) بحيث لو نذر كل واحد من الجماعة أن يشرك البقية في حج واحد ، وبعبارة أخرى قد نذر كل واحد أن يحج عن نفسه وعن الآخرين على نحو الاشتراك ، من دون خلاف ظاهر بين من تعرض لهذا الفرع.
(3) أي بالاشتراك.
(4) قال الشارح في المسالك (ثم على تقدير بطلان الإيقاع عن اثنين ، لو نوى عنهما لم يقع عنهما ، وفي وقوعه عنه وجه ضعيف لعدم النية).
(5) لجواز وقوع العمرتين في سنة واحدة ، وجواز وقوع العمرة المفردة مع الحج المفرد كما سيأتي.
(6) بطلت الاجارة الثانية لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى ، وفي الجواهر (وظاهره المفروغية عن ذلك لوضوح وجهه).
ص: 278
(وإن اقترنا) (1) بأن أوجباه معا فقبلهما ، أو وكل أحدهما الآخر (2) ، أو وكلا ثالثا فأوقع (3) صيغة واحدة عنهما (بطلا) لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، ومثله ما لو استأجراه مطلقا (4) لاقتضائه التعجيل ، أما لو اختلف زمان الإيقاع (5) صح ، وإن اتفق العقدان (6) ، إلا مع فوريّة المتأخر (7) ، وإمكان استنابة من يعجله فيبطل.
(وتجوز النيابة في أبعاض الحج) (8) التي تقبل النيابة (كالطواف) وركعتيه ، (والسعي والرمي) ، لا الإحرام ، والوقوف ، والحلق ، والمبيت بمنى (مع العجز)
______________________________________________________
(1) بطلا لتنافيها ، فلا يمكن صحتها ، وصحة إحداهما المعينة دون الأخرى ترجيح بلا مرجح ، وصحة إحداهما بلا تعيين لا يترتب عليه أثر فتلغى ، غير أن الاقتران بعيد عادة ، لكن يمكن فرضه في صور منها : ما لو آجر نفسه لهذه السنة ، وآجره وكيله من آخر في نفس السنة واتفق عقد الإجارة في زمن واحد ، ومنها : ما ذكره الشارح في الروضة.
(2) فقام هذا وأوقع عقد إجارة واحد عنهما معا.
(3) أي الثالث.
(4) من غير تقييد في هذه السنة أو غيره ، فعن الدروس (ولو أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ، فلو خالف الأجير فلا أجرة له) ، وظاهره أن الإطلاق يقتضي التعجيل ، وإن قال في المدارك (ومستنده ، غير واضح) بناء على أن الأمر لا يقتضي الفورية ، وقال في الجواهر (إلا أن يفرض التعارف فيه كذلك) ، وعلى كل فلو اقتضى التعجيل والفورية لبطلا لتنافي متعلقهما.
(5) بأن كانت إحدى الاجارتين قد صرحت بالتأخير ، والأولى مطلقة ، أو كانت كلاهما مقيدتين بسنة معينة ، بحيث كانت السنة المعينة في إحداهما مختلفة عن الأخرى.
(6) لأن التنافي لمتعلقها.
(7) بحيث لو صحت الإجارتان لاختلاف زمان الإيقاع ، وإن اتفق العقدان ، لكن إذا أتى عارض مبطل لإحداهما فتبطل ، وذلك فيما لو كان الحج المتأخر فوريا كالمنذور في أول سنوات الإمكان ، أو حج الإسلام على تقدير فورية الاستنابة فيه على تقدير عدم إمكان ذهابه ، وكان يوجد من يستأجره ليقوم به فورا فلا يجوز تأخيره إلى العام المقبل ، فالاستئجار عليه في العام المقبل باطل من هذه الناحية.
(8) أفعال الحج مشروطة بمباشرتها بدنيا ، ومع العجز فقد ورد النص بالنيابة في الطواف وركعتيه والسعي والرمي ، ووقع الخلاف بينهم في الإحرام ، مع اتفاقهم على عدم النيابة في الوقوف والحلق والمبيت بمنى ، وسيأتي كلّ في بابه.
ص: 279
عن مباشرتها بنفسه ، لغيبة (1) ، أو مرض (2) يعجز معه ولو عن أن يطاف أو يسعى به (3). وفي إلحاق الحيض به فيما يفتقر إلى الطهارة وجه (4) ، وحكم الأكثر بعدولها إلى غير النوع لو تعذر إكماله لذلك (5) ، (ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب) (6) مقدما على الاستنابة ، (ويحتسب لهما) (7) لو نوياه ، إلا أن
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر عبد الرحمن بن أبي نجران عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة؟ قال : لا ، ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب عن مكة) (1).
(2) للأخبار ، منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (المريض المغلوب والمغمى عليه يطاف عنه ويرمى عنه) (2).
(3) كما سيأتي.
(4) فقد جعل الحيض من الأسباب المسوغة للاستنابة في طواف العمرة إذا ضاق الوقت ، ولا يمكنها العدول إلى ما يتأخر طوافه ، أو لم يمكنها المقام في طواف الحج كما عن كشف اللثام ، وعن الشارح في المسالك جواز الاستنابة مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة ، وتردد الشهيد في الدروس لبطلان متعتها ، وعدولها إلى حج الإفراد لو قدمت مكة حائضا وقد ضاق وقت الوقوف ، وهذا ما عليه الأكثر ، وسيأتي تفصيل ذلك إنشاء الله تعالى.
(5) أي تعذر ما يتوقف على الطهارة كالطواف بسبب الحيض.
(6) كما سيأتي.
(7) لأنه يصح من كل منهما أن ينوي بفعله طوافا عن نفسه ، أما الحامل فواضح لأنه يأتي بطواف غير ناقص ، وأما المحمول ففرضه كذلك فتصح النية ويقع طوافا عنه ويدل عليه صحيح حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة تطوف بالصبي وتسعى ، هل يجوز ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم) (3) ، وصحيح الهيثم بن عروة التميمي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت مريضة ، وقلت له : إني طفت بها بالبيت في طواف الفريضة وبالصفا والمروة ، واحتسبت بذلك لنفسي ، فهل يجزي؟ فقال : نعم) (4) ، وقال في المدارك (وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحمل بين أن يكون تبرعا أو بأجرة) ، وخالف ابن الجنيد والعلامة من أنه إذا كان أجيرا لا يجزيه احتساب ما
ص: 280
يستأجره للحمل لا في طوافه ، أو مطلقا (1) ، فلا يحتسب للحامل ، لأن الحركة ، مع الإطلاق قد صارت مستحقة عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه ، واقتصر في الدروس على الشرط الأول (2).
(وكفارة الإحرام) اللازمة بسبب فعل الأجير موجبها (في مال الأجير) (3) ، لا المستنيب ، لأنه فاعل السبب ، وهي كفارة للذنب اللاحق به (ولو أفسد حجّه قضى في) العام (القابل) (4) ، لوجوبه بسبب الإفساد ، وإن كانت معينة بذلك العام ، (والأقرب الإجزاء) عن فرضه المستأجر عليه ، بناء على أن الأولى فرضه ،
______________________________________________________
- فعل طوافا عنه ، لأنه بالإجارة يصير الفعل مستحقا عليه لغيره فلا يجوز له صرفه إلى نفسه ، ثم إن العلامة قال في المختلف (والتحقيق أنه إن استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما ، وإن استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل) واستحسنه في المدارك ، وعلّله في الجواهر بقوله (ولعله لأنه على الثاني كالاستئجار للحج) ،
غير أن الشارح في المسالك ذهب إلى أنه لو استأجره للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل لأن الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة لغيره فلا يجوز صرفها إلى نفسه ، وهو أحوط.
(1) أي قد وقع عقد الإجارة على الحمل من غير تقييد في الطواف.
(2) وهو قوله (لا في طوافه) ، وليس في الدروس (أو مطلقا).
(3) دون المنوب عنه بلا خلاف فيه ، لأن ذلك عقوبة على فعل صدر منه ، فهو كما لو قتل نفسا أو أتلف مالا لأحد.
(4) بلا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في أنه هل يستحق الأجرة على الأول أو لا ، قولان مبنيان على أن الواجب هو الأول والثاني عقوبة ، أو هو الثاني والأول عقوبة ، وكلا القولين مشهوران ، ويدل على الأول حسنة زرارة (سألته عن محرم غشي امرأته ، قال : جاهلين أم عالمين؟ قلت : أجبني على الوجهين جميعا ، قال : إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما ، وليس عليهما شي ء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما ، حتى يقضيا نسكهما ، ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة) (1) ، ويظهر من -
ص: 281
والقضاء عقوبة ، (ويملك الأجرة) حينئذ ، لعدم الإخلال بالمعين ، والتأخير في المطلق. ووجه عدم الإجزاء في المعينة ، بناء على أن الثانية فرضه ظاهر للإخلال
______________________________________________________
- هذه الرواية أن هذا من أحكام الحج من دون دخل لكونه عن نفسه فيشمل النائب الأجير ، ولخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجة شيئا ، يلزم فيه الحج من قابل أو كفارة ، قال عليه السلام هي للأول تامة ، وعلى هذا ما اجترح) (1) وخبره الآخر (قلت : فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل ، أيجزي عن الأول؟ قال : نعم ، قلت : لأن الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم) (2) ، وعلى هذا القول يستحق الأجرة عن الأول سواء كانت الاجارة مطلقة أو معينة في هذه السنة ، وعليه الحج من قابل وإن أخره عصيانا أو لعذر.
وأما القول الثاني فقد قال في الجواهر (والتحقيق أن الفرض الثاني لا الأول ، الذي أطلق عليه اسم الفاسد في النص والفتوى ، واحتمال أن هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه) وأما النصوص التي أشار إليها منها : خبر سليمان بن خالد (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في حديث : والرفث فساد الحج) (3) ، وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس في السرائر أيضا.
وعلى هذا القول الثاني فإذا كانت الاجارة معينة في هذا العام فتنفسخ ولا يستحق الأجرة ، ويجب على الأجير الإتيان من قابل بلا أجرة ، لأنه بحكم الشارع ، وأما إذا كانت الاجارة مطلقة فتبقى ذمته مشغولة ويستحق الأجرة على ما يأتي من قابل إلا إذا قلنا بأن الإطلاق يقتضي التعجيل - كما عن الدروس - فهي كالمعينة فلا أجرة له.
ثم اعلم أنه على القول الأول فالحج الأول قد وقع بنية المنوب عنه ، والحج الثاني يقع بنية نفس النائب من باب العقوبة ، وعلى القول الثاني فالحج الأول قد وقع عقوبة وإن صدر من الأجير نية المنوب عنه ، والحج الثاني لا بدّ أن يقع بنية المنوب عنه إذا كانت الإجارة مطلقة ، وخالف العلامة في القواعد والمنتهى تبعا للشيخ في المبسوط والخلاف إلى أن الحج الأول فاسد فيجب إكماله عقوبة ، والحج الثاني قد وقع قضاء عن نفسه فيجب الثالث لتفريغ ذمة المنوب عنه ، وإما إذا كانت الاجارة معينة فلا بد أن يستأجر الأجير مرة أخرى ، وفيه : إنه على القول الثاني وكانت الإجارة مطلقة فظاهر الأخبار المتقدمة أن الحج الأول قد وجب إكماله عقوبة وأن الثاني قضاء عن الحجة الفاسدة ، والقضاء كما يجزي الحاج عن نفسه فيجزي عن غيره.
ص: 282
بالمشروط وكذا في المطلق على ما اختاره المصنف في الدروس ، من أن تأخيرها عن السنة الأولى لا لعذر يوجب عدم الأجرة ، بناء على أن الإطلاق يقتضي التعجيل فيكون كالمعينة. فإذا جعلنا الثانية فرضه كان كتأخير المطلق ، فلا يجزئ ولا يستحق أجرة ، والمروي في حسنة زرارة أن الأولى فرضه ، والثانية عقوبة ، وتسميتها حينئذ فاسدة مجاز ، وهو الذي مال إليه المصنف. لكن الرواية مقطوعة ، ولو لم نعتبرها لكان القول بأن الثانية فرضه أوضح ، كما ذهب إليه ابن إدريس.
وفصّل العلامة في القواعد غريبا ، فأوجب في المطلقة قضاء الفاسدة في السنة الثانية ، والحج عن النيابة بعد ذلك ، وهو خارج عن الاعتبارين ، لأن غايته أن تكون العقوبة هي الأولى ، فتكون الثانية فرضه ، فلا وجه للثالثة ، ولكنه بنى على أن الإفساد يوجب الحج ثانيا ، فهو سبب فيه كالاستئجار ، فإذا جعلنا الأولى هي الفاسدة لم تقع عن المنوب ، والثانية وجبت بسبب الإفساد ، وهو خارج عن الإجارة فتجب الثالثة ، فعلى هذا ينوي الثانية عن نفسه ، وعلى جعلها الفرض ينويها عن المنوب ، وعلى الرواية ينبغي أن يكون عنه (1) ، مع احتمال كونها عن المنوب أيضا (2).
(ويستحب) للأجير (إعادة فاضل الأجرة) (3) عما أنفقه في الحج ذهابا وعودا ، (والإتمام له) من المستأجر عن نفسه ، أو من الوصي مع النص ، لا بدونه (4) (لو أعوز) ، وهل يستحب لكل منهما إجابة الآخر إلى ذلك تنظر المصنف
______________________________________________________
(1) عن الأجير كما في خبري إسحاق المتقدمين ، وهما ظاهران في أن الأولى فرضه والثانية عقوبة.
(2) إذا قلنا أن الأولى فرضه والثانية عقوبة ، لأن الثانية متممة للأولى ، وهو على خلاف ظاهر النصوص ، وأما إذا قلنا إن الأولى عقوبة والثانية فرضه فيتعين كونه عن المنوب.
(3) قال في المدارك : (هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، ولم أقف على مستنده ، واستدل عليه في المعتبر بأنه مع الإعادة يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض ، وكأن مراده أنه مع قصد الإعادة ابتداء يكون قصده بالنيابة القربة وهو حسن ، وذكر الأصحاب أنه يستحب للمستأجر أن يتمم للأجير لو أعوزته الأجرة ، وهو كذلك لما فيه من المساعدة للمؤمن ، والرفق به والتعاون على البرّ والتقوى).
(4) لأن الوصي مع عدم النص يجب عليه العمل بالواجب ، وأما مع النص فيعمل بالمستحب المنصوص على قدر الثلث.
ص: 283
في الدروس (1) ، من أصالة البراءة ومن أنه معاونة على البر والتقوى (وترك نيابة المرأة الصرورة) (2) وهي التي لم تحج ، للنهي عنه في أخبار ، حتى ذهب بعضهم إلى المنع لذلك ، وحملها على الكراهة طريق الجمع بينها وبين ما دل على الجواز ، (وكذا الخنثى الصرورة) ، إلحاقا لها بالأنثى ، للشك في الذكورية ، ويحتمل عدم الكراهة ، لعدم تناول المرأة التي هي مورد النهي لها.
(ويشترط علم الأجير (3) بالمناسك) ولو إجمالا ، ليتمكن من تعلمها تفصيلا (4) ولو حج مع مرشد عدل أجزأ ، (وقدرته عليها) (5) على الوجه الذي
______________________________________________________
(1) فأصالة البراءة تنفي هذا الحكم في الموردين ، والتعليل الموجود في كلام الأصحاب وهو المعاونة على البر والتقوى ينطبق على الموردين.
(2) ذهب الشيخ في التهذيب إلى عدم جواز نيابة المرأة الصرورة مطلقا ، وفي الاستبصار منع من نيابتها إذا كان المنوب عنه رجلا ، ودليل الأول خبر سليمان بن جعفر عن الإمام الرضا عليه السلام (عن المرأة الصرورة حجت عن امرأة صرورة ، فقال عليه السلام : لا ينبغي) (1) ، ودليل الثاني خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة) (2) ، وذهب الأصحاب إلى الكراهة للجمع بين ما تقدم وبين أخبار ،
منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل ، قال : لا بأس) (3) ، وصحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : تحج المرأة عن أختها وعن أخيها ، وقال : تحج المرأة عن أبيها) (4).
(3) هذا الشرط راجع إلى صحة فعل المستأجر عليه ، فكل ما تتوقف صحته عليه يجب تحصيله على الأجير.
(4) ففي بعض النسخ (ليتمكن من فعلها تفصيلا) وهو أولى ، لأن التمكن من تعلمها تفصيلا غير متوقف على العلم الإجمالي.
(5) مقتضى القواعد والأصول أن يكتفى بالبدل الاضطراري في الأجير عند العجز عن الاختياري في المنوب عنه ، وما دام يمكن الواجب الاختياري من المنوب عنه ولو
ص: 284
عين ، فلو كان عاجزا عن الطواف بنفسه ، واستؤجر على المباشرة لم يصح ، وكذا لو كان لا يستطيع القيام في صلاة الطواف. نعم لو رضي المستأجر بذلك حيث يصح منه الرضا (1) جاز ، (وعدالته) (2) حيث تكون الإجارة عن ميت ، أو من يجب عليه الحج ، (فلا يستأجر فاسق) ، أما لو استأجره ليحج عنه تبرعا لم تعتبر العدالة ، لصحة حج الفاسق ، وإنما المانع عدم قبول خبره ، (ولو حج) الفاسق عن غيره (أجزأ) عن المنوب عنه في نفس الأمر (3) ، وإن وجب عليه استنابة غيره لو كان واجبا ، وكذا القول في غيره من العبادات كالصلاة والصوم والزيارة المتوقفة على النية (4).
(والوصية بالحج) مطلقا من غير تعيين مال (ينصرف إلى أجرة المثل) (5) وهو
______________________________________________________
- باستنابة غيره فلا يكتفي البدل الاضطراري من الأجير.
(1) وذلك فيما لم يكن الحج متعينا عليه بأن كان مندوبا فيجوز حينئذ.
(2) قد تقدم أن العدالة ليست شرطا في صحة الفعل ، بل لأن الإتيان بالحج الصحيح لا يعرف إلا من إخباره ، والفاسق لا يقبل إخباره بذلك ، هذا إذا كان الحج متعينا ، وأما إذا كان مندوبا فلا يشترط العلم بالصحة لتفريغ الذمة ، وقال في المدارك : (واكتفى بعض الأصحاب فيه - أي في الحج الواجب - بكونه ممن يظن صدقه ، ويحصل الوثوق باخباره ، وهو حسن).
(3) على ما تقدم ، فلو أتى الفاسق بالحج الصحيح واقعا فيحصل الاجزاء واقعا ، ولكن لا يعرف ذلك إلا من إخباره ، والنهي يمنع من قبول قوله لقوله تعالى ( إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (1) ، وبما أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فعلى المستأجر أن يستأجر غيره العادل لتفريغ الذمة.
(4) حين ينحصر العلم بصحة الواقع من إخباره ، بخلاف غيرها التي يعلم صحتها من غير إخباره.
(5) علل - كما في المدارك - : (أما انصراف الأجرة مع عدم التعيين إلى أجرة المثل فواضح ، لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث ، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به ، وهو المراد من أجرة المثل ، ولو وجد من يأخذ أقل من أجرة المثل اتفاقا وجب الاقتصار عليه ، احتياطا للوارث).
ص: 285
ما يبذل غالبا للفعل المخصوص ، لمن استجمع شرائط النيابة في أقل مراتبها (1) ويحتمل اعتبار الأوسط (2) هذا إذا لم يوجد من يأخذ أقل منها ، وإلا اقتصر عليه ، ولا يجب تكلف تحصيله (3) ، ويعتبر ذلك من البلد ، أو الميقات على الخلاف (4) ، (ويكفي) مع الإطلاق (المرة (5) إلا مع إرادة التكرار) فيكرر حسب ما دل عليه اللفظ ، فإن زاد عن الثلث (6) اقتصر عليه ، إن لم يجز الوارث ، ولو كان بعضه ، أو جميعه واجبا فمن الأصل (7).
(ولو عين القدر والنائب تعينا) (8) إن لم يزد القدر عن الثلث في المندوب
______________________________________________________
(1) أي مراتب النيابة.
(2) أي فأجرة المثل تحمل على أدنى مراتب النيابة احتياطا للوارث ، ويحتمل أن تحمل على المرتبة الوسطى ، لأن الأمور الوسطى أمور عرفية أيضا.
(3) أي لا يجب البحث عن الأقل عن أجرة المثل توفيرا للورثة إلا إذا حصل ذلك اتفاقا.
(4) وقد تقدم.
(5) لتحقق الامتثال بها.
(6) فمع التكرار يحج عنه حتى يستوفى الثلث من التركة ، وهو مما لا خلاف فيه - كما في الجواهر - لأن الثلث للميت وما زاد فهو محتاج إلى إذن الورثة.
(7) إن كان حجة الإسلام فمن الأصل بالاتفاق ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل مات فأوصى أن يحج عنه ، قال : إن كان صرورة فمن جميع المال ، وإن كان تطوعا فمن الثلث) (1) ، وإن كان الواجب حجا قد وجب بالنذر ، فعن الشيخ ويحيى بن سعيد والمحقق في المعتبر أنها تخرج من الثلث ، لصحيح ضريس بن أعين (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام ، ونذر في شكر ليحجن رجلا ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال عليه السلام : إن كان ترك مالا حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر ، وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الإسلام حجّ عنه حجة الإسلام مما ترك ، وحج عنه وليّه للنذر ، فإنما هو مثل دين عليه) (2) ، وذهب ابن ادريس والمحقق ومن تأخر عنه إلى وجوب إخراجها من الأصل أيضا كحجة الإسلام ، لتساويهما في كونهما دينا ، فيجب إخراجهما من الأصل.
(8) سواء كان الحج واجبا أو ندبا لعموم الأمر بالعمل بالوصية ، وهنا صورتان ، الأولى : أن
ص: 286
وعن أجرة المثل في الواجب ، وإلا اعتبرت الزيادة من الثلث مع عدم إجازة الوارث ، ولا يجب على النائب القبول (1) ، فإن امتنع طلبا للزيادة لم يجب إجابته ، ثم يستأجر غيره بالقدر (2) إن لم يعلم إرادة تخصيصه به (3) ، وإلا فبأجرة المثل إن لم يزد عنه ، أو يعلم إرادته خاصة فيسقط بامتناعه بالقدر ، أو مطلقا (4) ، ولو عين النائب خاصة أعطي أجرة مثل (5) من يحج مجزيا ، ويحتمل أجرة مثله ، فإن امتنع منه (6) ، أو مطلقا استؤجر غيره (7) إن لم يعلم إرادة التخصيص ، وإلا سقط (8).
______________________________________________________
- يكون الحج واجبا ، والأجرة إما بقدر أجرة المثل وإما أزيد أو أقل ، فإن كانت الأجرة المعينة بقدر أجرة المثل أو أقل نفذت من أصل المال ، لما تقدم من أن الحج الواجب يخرج من أصل المال ، وإن كانت الأجرة المعينة أزيد من أجرة المثل ولم يرض الورثة ، فالشارع وإن حكم بإخراج الحج الواجب من أصل المال إلا أنه منصرف إلى أجرة المثل لأنه المعتاد ، وعليه فما زاد يخرج من الثلث ، لأن الثلث مال للميت يجوز له أن يتصرف فيه وإن لم يرض الورثة.
الثانية : أن يكون الحج مندوبا فالأجرة المعينة إما بقدر أجرة المثل وإما أقل أو أزيد ، فإن أجاز الورثة فمن أصل المال ، وإن لم يجز الورثة فمن الثلث ، وهذا ما دلت عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، وما زاد فهو بحاجة إلى إذن الورثة.
(1) بالأجرة المعينة ، للأصل وعدم الدليل على الوجوب ، ومع الامتناع قال في المدارك : (تبطل الوصية) ، وقال غيره : لا وجه لبطلان الوصية إذ لم يظهر منها تقييد المبلغ المعين بالأجير المخصوص ، بل تنفّذ وصيته بالمبلغ المعين لغيره المساوي له.
(2) أي القدر المعيّن في الوصية.
(3) أي يعلم إرادة الموصي تخصيص القدر المعين بالنائب المعين ، وإلا إن لم يعلم ذلك فيعطي لغير أجرة المثل وهو مشروط بعدم زيادة المثل عن المعين في الوصية ، فلو زادت أجرة المثل لم يجب إلا ما عيّن وينتظر به لو احتمل حصول من يرضى به ، ولو علم إرادة خصوص ذلك النائب على كل حال فيسقط الاستئجار.
(4) وإن بذل له ما بذل.
(5) تحكيما للعادة ، ويحتمل أجرة مثله وهو ما استحسنه في المدارك تحكيما للعادة أيضا.
(6) من أجر المثل أو امتنع من بذل ما بذل له وهو المراد من الإطلاق.
(7) وبعضهم قال بوجوب إجابته إذا امتنع عن أجرة المثل إذا وسع الثلث وهو الأقوى.
(8) لتعذر القيد الموجب لتعذر المقيد ، وهذا جار في المندوب والواجب ، غايته في الواجب يجب على وليّه حينئذ القضاء.
ص: 287
(ولو عين لكل سنة قدرا) مفصلا كألف ، أو مجملا كغلة بستان ، (وقصر كمّل من الثانية فإن لم تسع) الثانية ، (فالثالثة) ، فصاعدا ما يتمم أجرة المثل (1) ، ولو بجزء وصرف الباقي مع ما بعده كذلك ولو كانت السنون معينة ففضل منها فضلة لا تفي بالحج أصلا ففي عودها إلى الورثة ، أو صرفها في وجوه البر وجهان (2) ، أجودهما الأول إن كان القصور ابتداء ، والثاني إن كان طارئا ، والوجهان آتيان فيما لو قصر المعين لحجة واحدة ، أو قصر ماله أجمع عن الحجة الواجبة ، ولو أمكن استنمائه (3) ،
______________________________________________________
(1) هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب - كما في المدارك - ، لأن القدر المعين قد انتقل بالوصية عن ملك الورثة ، ووجب صرفه فيما عينه الموصي بقدر الإمكان ، ولا طريق إلى إخراجه إلا بجمعه على هذا الوجه فيتعين ، ولخبر إبراهيم بن مهزيار (كتبت إلى أبي محمد عليه السلام : إن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة صيّر ربعها لك ، في كل سنة حجة بعشرين دينارا ، وأنه منذ انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤن على الناس ، فليس يكتفون بعشرين دينارا ، وكذلك أوصى عدة من مواليك في حجّهم ، فكتب عليه السلام : تجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله) (1) ، وخبر إبراهيم الآخر (كتب إليه علي بن محمد الحصيني : أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة ، وليس يكفي ، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام : يجعل حجتين في حجة ، فإن الله تعالى عالم بذلك) (2).
(2) الأول : أن ترجع ميراثا ، لأن المال خرج عن ملك الورثة بالوصية ، وهي مع فرض تعذرها فيرجع المال إلى أصله ، الثاني : أن تصرف في وجوه البر ، لأن الوصية أخرجته عن ملك الوارث ، وقد ذكرت الحج مصرفا له ، ومع تعذر هذا المصرف فيصرف إلى غيره من الطاعات.
هذا وقد فصّل المحقق الثاني في جامعه فقال (إن كان قصوره حصل ابتداء بحيث لم يمكن صرفه في الحج في وقت ما كان ميراثا ، وإن كان ممكنا ثم طرأ القصور بعد ذلك لطرو زيادة الأجرة ونحوه ، فإنه لا يعود ميراثا ، لصحة الوصية ابتداء فخرج بالموت عن الوارث فلا يعود إليه إلا بدليل ، ولم يثبت ، غاية الأمر أنه قد تعذر صرفه في الوجه المعيّن فيصرف في وجوه البرّ كما في المجهول المالك) ، واستوجهه الشارح في المسالك وكذا في الروضة هنا ، واعلم أن الصرف في وجوه البر هو المشهور بين الأصحاب كما في المدارك.
(3) وجب ، لأن طريق تنفيذ الوصية منحصر بذلك ، وإذا وجب تنفيذها وجبت مقدمته.
ص: 288
أو رجي إخراجه في وقت آخر وجب مقدما (1) على الأمرين.
(ولو زاد) المعين للسنة عن أجرة حجة ولم يكن مقيدا بواحدة (حجّ) عنه به (مرتين) (2) فصاعدا إن وسع (في عام) واحد من اثنين فصاعدا ، ولا يضر اجتماعهما معا في الفعل في وقت واحد ، لعدم وجوب الترتيب (3) هنا كالصوم (4) بخلاف الصلاة (5). ولو فضل عن واحدة جزء أضيف إلى ما بعده إن كان ، وإلا ففيه ما مر (6)
(والودعيّ) لمال إنسان (العالم بامتناع الوارث) من إخراج الحج الواجب عليه عنه (يستأجر عنه من يحج أو يحج) عنه (7) (وهو بنفسه) وغير
______________________________________________________
(1) فيجب الانتظار فيما لو رجي إخراجه ، لأن الوجهين السابقين مبنيان على تعذر الوصية ، ومع رجاء إخراجه لا يتحقق التعذر.
(2) للأمر بالعمل بالوصية ، ما دام قد عيّن مبلغا معينا ، وهو يسع حجتين.
(3) أي في الحج للأصل.
(4) قد مر دليله في بابه.
(5) فقد مرّ أنه لا يجب الترتيب إلا بين الظهرين والعشاءين من اليوم الواحد فراجع.
(6) من صرفه في وجوه البر ، أو رجوعه إلى الورثة ، ولا يأتي التفصيل المبني على القصور الابتدائي والعارضي.
(7) بلا خلاف في الجملة كما في المستند ، لصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لوارثه شي ء ، ولم يحج حجة الإسلام ، قال : حج عنه وما فضل فاعطهم) (1) والخبر وإن كان مطلقا إلا أن الأصحاب قيدوه بما إذا علم أو ظن بعدم تأدية الورثة للحج لو دفع الوديعة إليهم ، وذلك لأن مقدار أجرة الحج وإن كان خارجا عن ملك الورثة ، إلا أن الوارث مخيّر في جهات القضاء ، وله الحج بنفسه مع الاستقلال بالتركة ، وله الاستئجار بدون أجرة المثل ، وفي الشرائع والقواعد والإرشاد الاقتصار على مورد العلم بعدم التأدية ، والأولى إلحاق الظن الغالب به.
ثم لا خصوصية للأمر بالرواية للودعي بأن يحج إلا تفريغ الذمة ، وعليه فيجوز له أن يستأجر لذلك.
واعتبر في التذكرة مع ذلك أمن الضرر ، فلو خاف على نفسه أو ماله لم يجز له ذلك ، واستحسنه في المدارك.
ص: 289
الوديعة من الحقوق المالية حتى الغصب (1) بحكمها. وحكم غيره (2) من الحقوق التي تخرج من أصل المال ، كالزكاة والخمس والكفارة والنذر حكمه. والخبر هنا (3) معناه الأمر ، فإن ذلك واجب عليه حتى لو دفعه إلى الوارث اختيارا ضمن (4) ولو علم أن البعض يؤدي فإن كان نصيبه يفي به بحيث يحصل الغرض منه وجب الدفع إليهم (5) ، وإلا (6) استأذن من يؤدي مع الإمكان وإلا سقط (7). والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظن الغالب المستند إلى القرائن. وفي اعتبار الحج من البلد أو الميقات ما مر (ولو كان عليه حجتان إحداهما نذر فكذلك) (8) يجب إخراجهما فما زاد (إذ الأصح أنهما من الأصل) (9) لاشتراكهما في كونهما حقا واجبا ماليا
______________________________________________________
(1) قد عرفت أن مورد الخبر الوديعة ، وطردوا الحكم في غير الوديعة من الحقوق المالية كالغصب والدين والأمانة الشرعية لاشتراك الجميع في كونه مال الميت الذي يجب إخراج الحج منه قبل الإرث.
(2) أي وحكم غير الحج ، بل كل واجب مالي يخرج من أصل التركة ، قيل : نعم لاشتراك الجميع في المعنى المجوّز كما عن الشارح في المسالك ، وقيل : لا ، قصرا للرواية المخالفة للأصل على موردها كما في جامع المقاصد ، ولو قيل بالجواز في الجميع فهو حسن.
(3) أي في قول المصنف (والودعي يستأجر عنه أو يحج هو بنفسه).
(4) لظاهر الأمر في الرواية ، فلو لم يفعل يضمن لأنه فوّت على الميت تفريغ ذمته.
(5) لأن المانع هو عدم تفريغهم ذمة مورثهم ، فإذا انتفى المانع فلا بد من دفع المال إليهم.
(6) أي وإن لم يف نصيبه فلا بد من دفع حصته إليه لقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم) ولما كان تفريغ ذمة الميت متوقفا على حصته وحصة غيره ، فيسقط إذن الغير لما مرّ فيبقى إذنه غير ساقط لعدم الدليل على سقوطه.
(7) أي وإن تعذر الاستئذان لبعده أو لسبب آخر فيسقط كذلك.
(8) فما دام الواجب على الودعي تفريغ ذمة الميت من حجة الإسلام لكونها واجبة وتخرج من الأصل ، فكذلك يجب تفريغ ذمته من الحج الواجب بالنذر لأنه يخرج من الأصل كذلك.
(9) أما حج الإسلام فقد تقدم الكلام فيه وأنه محل خلاف ، وأما الحج النذري فقد تقدم الكلام فيه وأنه محل الخلاف ، حيث ذهب الشيخ ويحيى بن سعيد والمحقق أنه من الثلث لصحيح ضريس بن أعين المتقدم ، وذهب ابن إدريس ومن تأخر أنه من الأصل لأنه دين كحجة الإسلام ، وأما الخبر فمحمول - كما عن العلامة في المختلف - على من نذر في مرض الموت.
ص: 290
ومقابل الأصح إخراج المنذورة من الثلث ، استنادا إلى رواية محمولة على نذر غير لازم كالواقع في المرض ولو قصر المال عنهما تحاصتا فيه (1) ، فإن قصرت الحجة عن إخراج الحجة (2) بأقل ما يمكن ووسع الحج خاصة أو العمرة صرف فيه (3) ، فإن قصر عنهما (4) ، ووسع أحدهما ، ففي تركهما والرجوع إلى الوارث ، أو البر على ما تقدم ، أو تقديم حجة الإسلام ، أو القرعة أوجه ولو وسع الحج خاصة (5) ، أو العمرة فكذلك ، ولو لم يسع أحدهما فالقولان (6) ، والتفصيل آت (7)
______________________________________________________
(1) وفيه - كما في المدارك - : إن قسمة التركة بينهما مع القصور مشكل ، لأن التركة إذا كانت قاصرة عن أجرة المثل للحجتين ، كانت القسمة مقتضية لعدم الإتيان بواحدة منهما ، إلا أن يتفق من يحج بدون أجرة المثل.
نعم فالمتجه تقديم حجة الإسلام لصحيح ضريس بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الإسلام ، حج عنه حجة الإسلام مما ترك ، وحجّ عنه وليّه النذر ، فإنما هو دين عليه) (1) ومنه تعرف أن الفروع التي فرضها الشارح لا أساس لها حينئذ.
(2) المشتملة على الحج والعمرة.
(3) أي في الحج لأهميته على العمرة.
(4) أي أن الحصة قاصرة عن إخراج حجة أو عمرة لكل منهما ، ولكن تمام المال وسع إخراج حجة كاملة مشتملة على العمرة لأحدهما فقط ففيه وجوه أربعة : القرعة لأنها لكل إمر مشكل ، أو تقديم حجة الإسلام لأنها واجبة بأصل الشرع بخلاف المنذورة ، أو صرف تمام المال في وجوه البر أو إرجاعه إلى الوارث ، لأن المال بتمامه لا يفي بما وجب على الميت من حجة الإسلام والحج المنذور فيندرج في التفصيل السابق.
وفيه : قد عرفت لا بدية تقديم حجة الإسلام لصحيح ضريس المتقدم.
(5) أي أن تمام المال قاصر عن حجة كاملة مشتملة على العمرة ، بل يكفي إما للحج المجرد عن العمرة لأحدهما ، أو يكفي لإحدى العمرتين خاصة ففيه الأوجه المتقدمة ، ولكن عرفت تقديم الحج المجرد عن العمرة في حجة الإسلام أو عمرتها لصحيح ضريس المتقدم.
(6) أي أن تمام المال لا يكفي لواحد من الحجين المجردين ولا لإحدى العمرتين فيأتي فيه القولان ، إما إرجاعه إلى الواث وإما صرفه في وجوه البر.
(7) ما تقدم إنما هو في الودعي مع كون الميت قد وصى بالحج ، وكذلك يأتي التفصيل فيما -
ص: 291
فيما لو أقر بالحجتين. أو علم الوارث أو الوصي كونهما عليه (ولو تعددوا) من عنده الوديعة أو الحق ، وعلموا بالحق وبعضهم ببعض (وزّعت) (1) أجرة الحجة ، وما في حكمها (2) عليهم بنسبة ما بأيديهم من المال ، ولو أخرجها بعضهم بإذن الباقين ، فالظاهر الإجزاء (3) ، لاشتراكهم في كونه مال الميت الذين يقدّم إخراج ذلك منه على الإرث ولو لم يعلم بعضهم بالحق تعين على العالم (4) بالتفصيل (5) ، ولو علموا به ولم يعلم بعضهم ببعض فأخرجوا جميعا (6) ، أو حجوا فلا ضمان مع الاجتهاد على الأقوى (7) ولا معه (8) ضمنوا (9) ما زاد على الواحدة. ولو علموا في الأثناء سقط من وديعة كل منهم ما يخصه من الأجرة (10) ، وتحللوا ما عدا
______________________________________________________
- لو أقرّ الميت أمام الودعي ، وكذلك يأتي التفصيل في غير الودعي فيما لو علم الوارث أو الوصي بكون حج الإسلام أو هو والحج المنذور عليه.
(1) لأن تعيين الحجة على أحدهم دون الباقين ترجيح بلا مرجح ، فالعدل يقتضي التوزيع بحسب ما عندهم من مال.
(2) من الحقوق المالية كالخمس والزكاة والدين.
(3) لأن تفريغ ذمة الميت واجب كفائي عليهم ، فإن اتفقوا على أن يخرجها بعضهم فلا مانع ، ما دام جميع المال ماله الذي تعلق به حق الحج قبل حق الوارث.
(4) لأن العلم نجّز عليه التكليف دون غيره.
(5) فهو ليس متعلقا بالعالم في قبال العالم بالإجمال ، لأن العلم منجز على كل حال ، ولكن الجار والمجرور متعلق بالمحذوف ، أي يتعين على العالم الإخراج ، والإخراج على التفصيل المتقدم.
(6) أي كل واحد منهم استأجر أجيرا من مال الميت.
(7) لأن العلم منجز على كل واحد بتفريغ ذمة الميت ، وعدم علمهم ببعضهم لا يوجب الضمان على من خرج ، وإن خرج غيره لتفريغ ذمة الميت ، لأنه جاهل إذا لم يكن مقصرا ، ولا يكون مقصرا مع الاجتهاد.
(8) أي ولا مع الاجتهاد.
(9) لانطباق الجاهل المقصر على كل واحد منهم ، فيضمنون جميعا كل ما أتلف من مال الميت ما عدا ما أتلف في حجة واحدة ، والضمان على الجميع لأن تخصيصه بالبعض ترجيح بلا مرجح ، ولا يضمنون حجة واحدة لأن تفريغ ذمة الميت تستدعي ذلك.
(10) بمقدار ما أتى به من الأفعال ، وفيه : إن السقوط مطلقا لا معنى له بل لا بد من التقييد مع الاجتهاد.
ص: 292
واحد بالقرعة (1) ، إن كان بعد الإحرام ، ولو حجوا عالمين بعضهم ببعض صح السابق (2) خاصة ، وضمن اللاحق ، فإن أحرموا دفعة وقع الجميع عن المنوب (3) وسقط من وديعة كل واحد ما يخصه من الأجرة الموزعة (4) ، وغرم الباقي ، وهل يتوقف تصرفهم على إذن الحاكم؟ الأقوى ذلك (5) مع القدرة على إثبات الحق عنده ، لأن ولاية إخراج ذلك قهرا على الوارث إليه ، ولو لم يمكن فالعدم أقوى حذرا من تعطيل الحق الذي يعلم من بيده المال ثبوته ، وإطلاق النص إذن له (وقيل : يفتقر إلى إذن الحاكم) مطلقا (6) ، بناء على ما سبق (وهو بعيد) لإطلاق النص وإفضائه إلى مخالفته حيث يتعذر (7).
(الفصل الثاني : في أنواع الحج. وهي ثلاثة (8) (: تمتع) ...
______________________________________________________
(1) أما التحلل من أجل الاحتياط للوارث ، وتفريغ ذمة الميت يوجب الاقتصار على واحد ، وتعينه بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل.
(2) فسبقه يعيّنه أنه هو المفرّغ لذمة الميت ، وغيره ضامن لما أتلف لأنه عالم فيعدّ مفرّطا لمال الميت والوارث.
(3) ظاهره بعد المفروغية عن إتمام الحج ، وإلا فلو كان حين الإحرام فيجب التحلل على الجميع ما عدا واحد بالقرعة.
(4) وظاهره أيضا مع صورة العلم فتحسب أجرة شخص واحد توزع عليهم بحسب ما بأيديهم من المال ، والباقي من المصروف لكل واحد في حجه يضمنه لأنه مفرّط.
(5) كما عليه جماعة لأن الحاكم هو من له إخراج المال قهرا على الوارث دون غيره من المكلفين ، هذا إذا تمكن الودعي من أخذ الإذن من الحاكم وتمكن من إثبات أن الميت مشغول الذمة ، وإلا فلا يعتبر الإذن لئلا يتعطل تفريغ ذمة الميت ، وعن بعضهم اشتراط إذن الحاكم مطلقا ولم يعرف قائله ، ويدفع كلا القولين إطلاق صحيح بريد المتقدم.
(6) تمكن من إثبات الحق أو لا.
(7) أي اشتراط إذن الحاكم مطلقا يفضي إلى مخالفة النص في صورة تعذر الاستئذان.
(8) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الحج ثلاثة أصناف : حج مفرد ، وقران ، وتمتع بالعمرة إلى الحج ، وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والفضل فيها ، ولا نأمر الناس إلا بها) (1) ، وخبر منصور الصيقلي عن أبي عبد الله عليه السلام (الحج عندنا على ثلاثة أوجه : حاج متمتع ، وحاج مفرد سائق للهدي ، وحاج مفرد للحج) (2). -
ص: 293
وأصله التلذذ (1) سمّي هذا النوع به ، لما يتخلل بين عمرته وحجه من التحلل الموجب لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام ، مع ارتباط عمرته بحجه حتى أنهما كالشي ء الواحد شرعا ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج (وهو فرض من نأى) (2) أي بعد (عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل)
______________________________________________________
- والذي يظهر من النصوص أن المشروع في صدر الإسلام هو القران والإفراد ، وأن التمتع قد شرع في حجة الوداع ، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة ، حتى أتى الشجرة فصلّى بها ، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها ، وأهلّ بالحج وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة ، حتى إذا قدم رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ، ثم صلّى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثم قال : ابدأ بما بدأ الله عزوجل ، فأتى الصفا فبدأ بها ، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، وهو شي ء أمر الله عزوجل به ، فأحلّ الناس ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ، ولم يكن يستطيع أن يحلّ من أجل الهدي الذي معه ، إن الله عزوجل يقول ( وَلٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ، وقال سراقة بن مالك بن خثعم الكناني : يا رسول الله ، علمنا كأننا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا بل للأبد ، وأن رجلا قام فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورءوسنا تقطر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنك لن تؤمن بهذا أبدا) (1) ، وكما عن الجواهر أنه عمر.
(1) وجه التسمية في الإفراد لانفصال الحج عن العمرة وعدم ارتباطه بها ، وأما القران فلاقتران الإحرام بسياق الهدي ، وأما التمتع فهو لغة التلذذ والانتفاع ، وإنما سمي هذا النوع بذلك لما يتخلل بين عمرته وحجه من التحلل المفضي لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام قبله ، مع الارتباط بين الحج والعمرة وكونهما كالشي ء الواحد فيكون التمتع الواقع بينهما كأنه حاصل في أثناء الحج.
(2) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ، ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ
ص: 294
جانب على الأصح) (1) للأخبار الصحيحة الدالة عليه. والقول المقابل للأصح اعتبار بعده باثني عشر ميلا. حملا للثمانية والأربعين على كونها موزعة على الجهات الأربع ، فيخص كل واحدة اثنى عشر. ومبدأ التقدير منتهى عمارة مكة (2)
______________________________________________________
- حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَاتَّقُوا اللّٰهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ ) (1) ، وللأخبار المستفيضة ،
منها : بل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، لأن الله تعالى يقول : فمن تمتع ، الآية ، فليس لأحد إلا أن يتمتع ، لأن الله تعالى أنزل ذلك في كتابه ، وجرت به السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : قول الله عزوجل في كتابه : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : يعني أهل مكة ليس عليهم متعة ، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان ، كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة) (3).
(1) نسب إلى أكثر الأصحاب ، بل المشهور وعليه أخبار ، منها : صحيح زرارة المتقدم ، وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن قول الله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : ذاك أهل مكة ليس عليهم متعة ولا عليهم عمرة ، قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : ثمانية وأربعين ميلا من جميع نواحي مكة ، دون عسفان ودون ذات عرق) (4).
وذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر والمحقق في الشرائع مع أنه رجع عنه في المعتبر وقال (إنه قول نادر لا عبرة به) بأن حده اثنا عشر ميلا من كل جانب ، ودليلهم الأصل ، بمعنى أن التمتع واجب على كل واحد والقدر المتيقن الخارج منه من كان دون الحد المذكور ، والباقي يبقى تحت العموم ، ولذا قيل : إن المراد بالأصل هو أصالة العموم لا الأصل العملي ، حملا لتلك الأخبار على كون الثمانية والأربعين من جميع الجوانب لا من كل جانب ، وفيه : إنه يرده ظاهر خبري زرارة المتقدمين في أن الثمانية والأربعين من كل جانب.
(2) كما نسب إلى جماعة كما هو ظاهر خبر زرارة المتقدم (من جميع نواحي مكة) ، ونسب إلى -
ص: 295
إلى منزله (1) ، ويحتمل إلى بلده مع عدم سعتها جدا ، وإلا فمحلته. ويمتاز هذا النوع عن قسيميه (أنه يقدم عمرته على حجه ناويا بها التمتع) (2) ، بخلاف عمرتيهما فإنها مفردة بنيّة (3).
(وقران وإفراد) ويشتركان في تأخير العمرة عن الحج وجملة الأفعال (4) وينفرد القران (5) بالتخيير في عقد إحرامه بين الهدي والتلبية ، والإفراد بها وقيل القران : أن يقرن بين الحج والعمرة بنية واحدة ، فلا يحل إلا بتمام أفعالهما مع
______________________________________________________
- بعض الأصحاب كالشيخ في المبسوط والعلامة في التحرير التقدير من المسجد ، لأن السؤال في خبري زرارة عن المراد من حاضري المسجد الحرام ، فلا بد أن يكون التقدير منه ، وفيه : إن الجواب صريح في كون التحديد من مكة لا من المسجد.
(1) لانصراف اخبار التقدير ، مع أن دعوى انصرافها إلى المحلة أو البلد مع عدم اتساعها ليس ببعيد ، لأن المدار على الفهم العرفي الذي يعتبر التحديد من آخر البلد ذهابا وعودا.
(2) قال في المسالك : (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم ، وظاهرهم أن المراد بها فيه الحج بجملته ، وفي وجوبها نظر) ووجه النظر ما أشار إليه في المدارك (ومقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة ، وهو غير واضح).
ولكن يشهد لاعتبار نية عمرة التمتع المتوقفة على نية حج التمتع صحيح البزنطي (قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه السلام : كيف أصنع إذا أردت التمتع ، فقال عليه السلام : لبّ بالحج وانو المتعة) (1) ، وصحيحه الآخر عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال : ينوي العمرة ، ويحرم بالحج) (2) ومثلهما غيرهما.
(3) أي بنية لا يضاف إليها الحج ، وتقديم العمرة على حج التمتع بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة.
منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي - إلى أن قال - وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) (3) وظهوره في كون العمرة قبل الحج واضح ، وأما عمرة القارن والمفرد فهي بنية العمرة فقط كما تقدم وهي متأخرة عن حجهما كما سيأتي.
(4) أي جملة من أفعال الحج كما سيأتي ، ويمكن أن يكون المراد من العبارة ومجموع أفعال الحج بالجملة.
(5) اعلم أن أفعال القارن وشروطه كالمفرد إلا أن القارن يتخير في إحرامه بين التلبية وبين -
ص: 296
سوق الهدي. والمشهور الأول (وهو) أي كل واحد منهما (فرض من نقص عن ذلك المقدار) (1) من المسافة مخيرا بين النوعين ، والقران أفضل (2) (ولو أطلق الناذر) (3) وشبهه للحج (تخير في الثلاثة) مكيا كان افقيا (وكذا يتخير من حج ندبا) والتمتع أفضل مطلقا وإن حج ألفا وألفا (وليس لمن تعين عليه نوع)
______________________________________________________
- الإشعار والتقليد على المشهور للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (1) ، مع ضميمة غيره من الأخبار نعرف أنه القارن ، مثل صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي) (2) وعن ابن أبي عقيل والشيخ أن القارن معتمر أولا ، ولا يحلّ من العمرة حتى يفرغ من الحج ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده ، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة) (3) وهو محمول عند الأصحاب بما إذا نوى الحج فقط ، فإن لم يتم له الحج فليجعله عمرة مبتولة.
(1) على المشهور شهرة عظيمة وقد تقدم جملة من الأخبار على ذلك ، وعن الشيخ في المبسوط أن أهل مكة يجوز لهم التمتع لأن المتمتع يأتي بصورة الإفراد وزيادة غير منافية ، فوجب أن يجزيه ، ورده في المعتبر بعدم التسليم بأنه أتى بصورة الإفراد ، وذلك لأنه أخلّ بالإحرام بالحج من ميقاته وأوقع مكانه العمرة وليس مأمورا بها.
(2) لخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الاقران ، قال : إقران الحج أفضل من الأفراد ، وسألته عن المتعة والحج مفردا وعن الأقران أية أفضل؟ قال : المتمتع أفضل من المفرد ومن القارن السائق) (4) ومثله غيره كثير.
(3) كان مخيرا بين الثلاثة لكن التمتع أفضل إلا إذا كان النذر متعينا فلا ريب في المعين المنذور ولا يجزي غيره ، ولكن إذا أطلق النذر كان مخيرا لأن الأنواع الثلاثة مشروعة ، وتقييد القارن والإفراد بحاضري المسجد الحرام والتمتع بغيرهم إنما هو في حجة -
ص: 297
بالأصالة أو العارض (1) (والعدول إلى غيره (2) ، على الأصح) عملا بظاهر الآية ، وصريح الرواية ، وعليه الأكثر. والقول الآخر جواز التمتع للمكي ، وبه روايات حملها على الضرورة طريق الجمع.
أما الثاني فلا يجزئه غير التمتع اتفاقا (إلا لضرورة) استثناء من عدم جواز
______________________________________________________
- الإسلام ، وأما في غيره فلا ، ويدل عليه اخبار :
منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام ونحن بالمدينة : إني اعتمرت عمرة في رجب وأنا أريد الحج ، فأسوق الهدي أو أفرد أو أتمتع؟ فقال : في كل فضل وكل حسن ، قلت : وأي ذلك أفضل؟ فقال : إن عليا عليه السلام كان يقول : لكل شهر عمرة ، تمتع فهو والله أفضل) (1). وخبر عبد الصمد بن بشير (قال لي عطية : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أفرد الحج - جعلت فداك - سنة ، فقال لي : لو حججت الفا وألفا لتمتعت ، فلا تفرد) (2) وخبر جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (ما دخلت قط إلا متمتعا إلا في هذه السنة ، فإني والله ما أفرغ من السعي حتى تتقلقل أضراسي ، والذي صنعتم أفضل) (3) ، وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي جعفر الثاني عليه السلام (كان أبو جعفر عليه السلام يقول : المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي ، وكان يقول : ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة) (4).
وهذه الأخبار كما تدل على أفضلية التمتع ، تدل على كون الأقسام الثلاثة جائزة للمكي والمدني ، سواء تكرر منه الحج أو لا ، نعم خرجت حجة الإسلام بدليل فيبقى الباقي.
(1) كالنذر.
(2) أما من تعين عليه التمتع لا يجوز له العدول إلى الإفراد والقران إلا مضطرا بلا خلاف في ذلك وسيأتي دليله ، وأما من تعين عليه الإفراد والقران فلا يجوز العدول إلى التمتع إلا اضطرارا ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى الجواز اختيارا وقد تقدم دليله مع تضعيفه ، نعم احتج للشيخ بأخبار :
منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال : ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل) (5) وعند الأكثر محمولة على الضرورة جمعا بينها وبين قوله -
ص: 298
العدول مطلقا (1) ويتحقق ضرورة المتمتع (2) بخوف الحيض المتقدم على طواف
______________________________________________________
- تعالى : ( ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ ) (1) ومنطوقها تعني التمتع على غير الحاضر ، ومفهومها على أن الحاضر ليس له ذلك ، ولأخبار :
منها : صحيح علي بن جعفر (قلت لأخي موسى بن جعفر عليه السلام : لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال : لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عزوجل : ذلك لمن يكن أهله ...) (2) الخبر.
(1) سواء كان فرضه التمتع أو لا.
(2) لا خلاف في جواز العدول من التمتع إلى الإفراد مع الضرورة ، وذلك إذا ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج ، وإنما الكلام في حد الضيق المسوّغ لذلك على أقوال :
قيل : حده خوف اختياري عرفة ، كما استقربه العلامة في المختلف ، وقواه في الدروس ، وقيل : فوات الركن الاختياري بعرفة ، وهو المسمى منه ، كما اختاره العلامة في القواعد وابنا سعيد وإدريس ، وقال في الجواهر : (لعله يرجع إليه ما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والمهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة ، بناء على تعذر الوصول غالبا إلى عرفة بعد هذا الوقت لمضي الناس عنه).
وقيل : فوات الاضطراري منه ، وهو ظاهر ابن إدريس ، وقيل : زوال يوم التروية كما عن الصدوق ، وقيل : غروب يوم التروية كما نقل عن المفيد ، وقيل : زوال يوم عرفة كما تقدم عن الشيخ في المبسوط والنهاية وابن البراج وابن حمزة ونقل عن ابن الجنيد ، واختاره سيد المدارك وصاحب الذخيرة وكشف اللثام ، وقيل : أنه مخيّر بين العدول والاتمام إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه ، ونقله صاحب الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين ، فالأقوال سبعة ، وسببها اختلاف الأخبار ، ففي جملة منها أن المدار على خوف الوقت بعرفة : منها : خبر يعقوب بن شعيب الميثمي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس للمتمتع - إن لم يحرم من ليلة التروية - متى ما تيسر له ، ما لم يخف فوت الموقفين) (3) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعا ، ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، قال عليه السلام : -
ص: 299
.................................................................................................
______________________________________________________
يدع العمرة ، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه) (1) ، وما صنعته عائشة قد وضح في صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ، قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة) (2). وفي جملة من الأخبار أن المدار على زوال يوم التروية : منها : صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ قال عليه السلام : كان جعفر عليه السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية ، فقلت : جعلت فداك ، عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج ، فقال عليه السلام : زوال الشمس ، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح ، فقال عليه السلام : إذا زالت الشمس ذهبت المتعة ، فقلت : فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال عليه السلام : لا ، إلا أن تحب أن تتطوع ، ثم قال : أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة) (3).
وفي جملة من النصوص أن المدار على غروب يوم التروية منها : صحيح العيص بن القاسم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع يقوم مكة يوم التروية صلاة العصر ، تفوته المتعة؟ قال عليه السلام : لا ، ما بينه وبين غروب الشمس قال : وقد صنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (4) ، وخبر إسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن موسى عليه السلام (عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية قال : ليتمتع ما بينه وبين الليل) (5) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، امض كما أنت بحجك) (6).
وفي جملة منها أن المدار على زوال الشمس من يوم عرفة منها : صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر) (7) ومرفوع سهل عن أبي عبد الله عليه السلام (في متمتع دخل يوم عرفة قال : متعته تامة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم) (8) وقطع التلبية عند زوال يوم عرفة.
ص: 300
العمرة ، بحيث يفوت اختياري عرفة قبل إتمامها (1) ، أو التخلف عن الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إليها ، وخوفه من دخول مكة (2) قبل الوقوف لا بعده ونحوه (3) ، وضرورة المكي (4) بخوف الحيض المتأخر ...
______________________________________________________
- وفي بعض الأخبار أنه يعتبر في صحة المتمتع إدراك الناس بمنى كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى) (1) ، وفي بعض آخر أن وقت المتعة سحر يوم عرفة كصحيح محمد بن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إلى متى يكون للحاج عمرة؟ فقال : إلى السحر من ليلة عرفة) (2).
وهذه الأخبار على كثرتها واختلافها محمولة على صورة عدم إمكان إدراك عرفة إلا قبل هذه الأوقات ، لأن الإدراك المذكور مختلف باختلاف الأحوال والأوقات والأشخاص ، ولذا قال الشيخ في التهذيب : والمتمتع بالعمرة إلى الحج تكون عمرته تامة ما أدرك الموقفين ، سواء كان ذلك يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم العرفة إلى بعد زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتت المتعة ، لأنه لا يمكنه أن يلحق الناس بعرفات والحال كما وصفناه).
وهذا الجمع يؤيده أن الواجب عليه هو التمتع ، وما دام ممكنا له فلا يجوز العدول عنه ، ومع إمكان إدراك الحج بإدراك عرفة فلا يجوز العدول إلا أن الكلام هل اللازم إدراك الاختياري من عرفة كما هو مفاد القول الأول أو يكفي إدراك المسمى منه كما هو مفاد القول الثاني ، ومقتضى الجمع بين الأخبار يقتضي اقوائية القول الثاني ، ويشهد له أن جملة من النصوص المتقدمة قد جوزت العدول إذا خاف فوات الموقف ، وفواته يكون بفوات تمامه ، وقد تقدم الكلام في بعضها ، هذا وخوف فوات الموقف إما من جهة الحيض وإما من جهة فوات الرفقة ، وإما من جهة عدو يمنعه من إتمام العمرة ، وقد يكون له أسباب أخرى.
(1) أي قبل إتمام العمرة.
(2) فهو خائف من عدو يمنعه من دخول مكة حتى يكمل العمرة.
(3) كضيق الوقت لاتمام العمرة ثم التلبس بالحج والذهاب إلى عرفة.
(4) أي من كانت وظيفته الإفراد أو الأقران فيجوز له العدول إلى التمتع عند الضرورة - كما هو مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا - كما في المدارك ، لأن الضرورة إذا كانت مسوّغة للعدول من الأفضل إلى المفضول كانت مسوّغة للعكس بطريق أولى هذا من جهة ومن جهة أخرى تتحقق الضرورة المسوغة للعدول بخوف الحيض المتأخر عن النفر مع -
ص: 301
عن النفر (1) مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر وخوف عدو بعده ، وفوت الصحبة كذلك (ولا يقع) وفي نسخة لا يصح (الإحرام بالحج) بجميع أنواعه (أو عمرة التمتع إلا في) أشهر الحج (2) (شوال وذي القعدة وذي الحجة) (3) على وجه يدرك
______________________________________________________
- عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر ، أو خوف عدو بعد النفر بحيث يمنع من الإتيان بالعمرة ، أو خوف الرفقة والصحبة بعد النفر بحيث يكون الإتيان بالعمرة موجبا للعسر والحرج الشديدين ففي هذه الموارد يجوز العدول إلى المتمتع ابتداء.
(1) أي النفر من منى.
(2) فهو مما لا خلاف فيه ، أما بالنسبة للحج : للأخبار :
منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ( ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، ليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواهن) (1) ، وأما بالنسبة لعمرة التمتع فللأخبار أيضا :
منها : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج) (2).
(3) اختلف الأصحاب في أشهر الحج فعن الشيخ في النهاية وابن الجنيد أنها هي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وعن المرتضى وسلار وابن أبي عقيل أنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وعن الشيخ في الجمل وابن البراج إلى تسعة من ذي الحجة ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وعن ابن إدريس إلى طلوع الشمس من يوم النحر فدليل الأول ظاهر الآية ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ ) (3) فإن الشهر طاهر في تمامه ، وللأخبار :
منها : خبر زرارة المتقدم ، ودليل بقية الأقوال أنه لإدراك أركان الحج ولو اضطرارا ، ولذا يكون النزاع بينهم لفظيا ، وقال العلامة في المنتهى : (وليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم) ، وقال في المختلف : (التحقيق أن هذا نزاع لفظي ، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته فليس كمال ذي الحجة من أشهره ، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما يأتي تحقيقه ، وإن أرادوا ما يقع فيه أفعال الحج فهي ثلاثة كملا ، لأن باقي المناسك يقع في كمال ذي الحجة فقد ظهر أن النزاع لفظي). ومعناه : أنه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج كالطوافين والسعي والرمي في ذي الحجة بأسره ، ولا خلاف في أن الحج يفوت إن شاء احرام الحج لو لم يتمكن من إدراك المشعر قبل زوال يوم النحر.
ص: 302
باقي المناسك في وقتها ، ومن ثمّ ذهب بعضهم إلى أن أشهر الحج الشهران وتسع من ذي الحجة لفوات اختياري عرفة اختيارا بعدها. وقيل : عشر لإمكان إدراك الحج في العاشر بإدراك المشعر وحده ، حيث لا يكون فوات عرفة اختياريا ، ومن جعلها الثلاثة نظر إلى كونها ظرفا زمانيا لوقوع أفعاله في الجملة ، وفي جعل الحج أشهرا بصيغة الجمع في الآية إرشاد إلى ترجيحه. وبذلك يظهر أن النزاع لفظي.
وبقي العمرة المفردة ووقتها مجموع أيام السنة (1) (ويشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد) (2) فلو أخر الحج عن سنتها صارت مفردة ، فيتبعها
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه كما في المنتهى للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كان علي عليه السلام يقول : لكل شهر عمرة ، أما إن أفضلها ما وقع في رجب) (1) وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب) (2).
(2) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج) (3) ، وأما الإفراد فلا يشترط إيقاع عمرته في سنته بلا خلاف كما في الجواهر ، ويدل عليه إطلاق الأمر بالعمرة في الكتاب والسنة الخالي من التقييد ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ ) (4) ، وأما السنة فهي أخبار منها : خبر عمر بن أذينة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ( وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، يعني به الحج دون العمرة ، قال عليه السلام : لا ، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضا) ((5) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، فإن الله تعالى يقول : وأتموا الحج والعمرة لله) (6).
وأما حج القران فقد نقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في الخلاف (إذا أتم المستمتع أفعال عمرته وقصّر فقد صار محلا ، فإن كان ساق هديا لم يجز له التحلل وكان قارنا ثم قال : وبه قال ابن أبي عقيل) وعن المدارك : (ومقتضاه أن المتمتع السائق قارن) ، وفيه : حينئذ الخلاف السابق.
ص: 303
بطواف النساء (1). أما قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة في المشهور ، خلافا للشيخ حيث اعتبرها في القرآن كالتمتع (والإحرام بالحج له) أي للتمتع (من مكة) (2) من أي موضع شاء منها (وأفضلها المسجد) (3) الحرام (ثم) الأفضل منه (المقام) (4) ، أو تحت الميزاب) مخيرا بينهما وظاهره تساويهما في الفضل. وفي
______________________________________________________
(1) لأن العمرة المفردة مشتملة عليه كما سيأتي.
(2) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام : لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال عليه السلام : لا ، قلت : فالقاطنين بها ، قال عليه السلام : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما صنع أهل مكة ، فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا ، قلت : من أين؟ قال عليه السلام : يخرجون من الحرم ، قلت : من أين يهلون بالحج؟ فقال عليه السلام : من مكة نحوا مما يقول الناس) (1).
(3) اتفاقا كما في المدارك ، لاستحباب الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل ، وللأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم - إلى أن قال - ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل أن تحرم) (2).
(4) قيل بالتخيير بين المقام والحجر كما عن الهداية والفقيه والنافع والمدارك ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج) (3). وعن الغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس وموضع من القواعد التخيير بين المقام وتحت الميزاب ، وفيه : إن ما تحت الميزاب بعض من الحجر فلا معنى للتخيير بينه وبين المقام ، بل يكون التخيير راجعا إلى المقام أو الحجر ، وأما خصوص تحت الميزاب فقد قال في الجواهر (لم نعثر له على شاهد) ، وعن الشرائع الاقتصار على المقام ، لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهلّ بالحج ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام ، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك) (4).
ص: 304
الدروس الأقرب أن فعله في المقام أفضل من الحجر تحت الميزاب ، وكلاهما مروي (ولو أحرم) المتمتع بحجة (بغيرها) أي غير مكة (لم يجز (1) إلا مع التعذر المتحقق) يتعذر الوصول إليها ابتداء ، أو تعذر العود إليها مع تركه بها (2) نسيانا أو جهلا (3) لا عمدا (4) ولا فرق بين مروره على حد المواقيت وعدمه (5) (ولو تلبس) بعمرة التمتع (وضاق الوقت عن إتمام العمرة) قبل الإكمال وإدراك الحج (بحيض أو نفاس أو عذر) مانع عن الإكمال بنحو ما مر (عدل) بالنية من العمرة المتمتع بها (إلى) حج (الإفراد) وأكمل الحج (6) بانيا على ذلك الإحرام (وأتى بالعمرة) المفردة
______________________________________________________
(1) قال في الجواهر (على الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي فيها اعتبار موافقة الأمر في صحة العبادة وإجزائها).
(2) أي مع تركه الإحرام بمكة.
(3) لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك فقد تم إحرامه) (1) ، ومورده خصوص الناسي لكن المفهوم منه مطلق العذر فيشمل الجاهل.
(4) بل يجب عليه أن يستأنف الإحرام من مكة وإلا بطل حجه لأن الإحرام من غير مكة من دون عذر كالعدم لعدم الاجزاء.
(5) قال سيد المدارك بعد قول المحقق والإحرام من الميقات مع الاختيار ، ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ، ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها ، فقال سيد المدارك : (هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وبه قطع في المعتبر من غير نقل خلاف ، وأسنده العلامة في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وربما اشعرت عبارة المصنف بوقوع الخلاف فيه ، ونقل الشارح (قدس سره) عن شارح ترددات الكتاب أنه أنكر ذلك ، ونقل عن شيخه أن المصنف قد يشير في كتابه إلى خلاف الجمهور ، أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب ، فيظن أن فيه خلافا ، وكيف كان فالخلاف في هذه المسألة إن تحقق فهو ضعيف جدا ، لأن الإحرام بحج التمتع من غير مكة يقع فاسدا ، فلا يكون المرور على الميقات كافيا ما لم يجدد الإحرام منه ، لأن الإحرام الأول غير منعقد فيكون مروره بالميقات جاريا مجرى مرور المحلّ به كما هو ظاهر) هذا وقد ذكر الشارح في المسالك أن المخالف هنا هو الشافعي.
(6) جواز العدول من عمرة المتمتع بها إلى الأفراد لضيق الوقت في غير الحائض والنفساء بلا -
ص: 305
(من بعد) إكمال الحج ، وأجزأه عن فرضه كما يجزئ لو انتقل ابتداء للعذر (1). وكذا يعدل عن الإفراد وقسيمه إلى التمتع للضرورة (2). أما اختيارا فسيأتي الكلام فيه (3). ونية العدول عند إرادته قصد الانتقال إلى النسك المخصوص متقربا (4).
(ويشترط في) حج (الإفراد النية) (5) والمراد بها نية الإحرام بالنسك
______________________________________________________
- خلاف فيه ، وقد تقدم الكلام فيه ، وإنما الخلاف في الحيض والنفاس ، فعلى المشهور أنه كذلك ، للأخبار منها : خبر جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة) (1).
وعن والد الصدوق والحلبي وابن الجنيد أنها مع ضيق الوقت تسعى ثم تحرم بالحج ، وتقضى طواف العمرة مع طواف الحج ، للأخبار منها : خبر عجلان أبي صالح (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فحاضت ، قال : تطوف بين الصفا والمروة ، ثم تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء ، وأهلّت بالحج من بيتها وخرجت إلى منى وقضت المناسك كلها ، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ، ثم سعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها) (2) ، وعن الإسكافي والمدارك التخيير للجمع بين الأخبار.
(1) لأن العذر المانع من إتمام العمرة مانع قبل العمرة لأن الحكم تابع للعذر.
(2) وقد تقدم أنه لا خلاف فيه.
(3) وقد تقدم الكلام فيه بحسب هذا الشرح.
(4) فلا ينتقل إلى الفرض الثاني بمجرد العذر ، بل لا بد من نية العدول لأنها عبادات ، وهي بحاجة إلى النية.
(5) لأن الحج بأقسامه الثلاثة عبادة ، وكل عبادة متوقف على النية ، إلا أن الكلام هنا نفس الكلام في نية التمتع من أنه هل يشترط فيه المجموع أم نية الإحرام ، وقد تقدم كلام الشارح في المسالك بقوله (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم ، وظاهرهم أن المراد بها نية الحج بجملته ، وفي وجوبها كذلك نظر) ووجه النظر ما أشار إليه سيد المدارك (ومقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة ، وهو غير واضح ، والأخبار خالية عن ذلك كله). -
ص: 306
المخصوص. وعلى هذا يمكن الغنى عنها بذكر الإكرام ، كما يستغنى عن باقي النيات بأفعالها. ووجه تخصيصه (1) أنه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثرة أحكامه. بل هو في الحقيقة عبارة عن النية لأن توطين النفس على ترك المحرمات المذكورة لا يخرج عنها ، إذ لا يعتبر استدامته (2) ، ويمكن أن يريد به نية الحج جملة ، ونية الخروج من المنزل كما ذكره بعض الأصحاب. وفي وجوبها نظر (3) أقربه العدم. والذي اختاره المصنف في الدروس الأول (وإحرامه) به (من الميقات) وهو أحد الستة الآتية وما في حكمها (4) ...
______________________________________________________
- وعن الدروس أن المراد بها نية الإحرام ، وقال عنه في المسالك : (وهو حسن إلا أنه كالمستغنى عنه ، فإنه من جملة الأفعال ، وكما تجب النية له تجب لغيره ، ولم يتعرفوا لها في غيره على الخصوص) ، ويظهر من سلار أنها نية الخروج إلى مكة ، وظاهر الأصحاب وهو المنسوب إليهم أنها نية الحج بجملته ويؤيده جملة من الأخبار :
منها : صحيح البزنطي (قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه السلام : كيف أصنع إذا أردت التمتع؟ فقال عليه السلام : لبّ بالحج وانو المتعة) (1) ، وصحيحه الآخر عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال عليه السلام : ينوي العمرة ويحرم بالحج) (2) ، وهي وإن كانت حج التمتع لكن يجري الحكم في القران والإفراد لوحدة المناط.
(1) لدفع إشكال آت وهو أن الإحرام من جملة أفعال الحج فلا معنى لتخصيصه بالنية مع أن جميع الأفعال بحاجة إليها ، ورده أولا : إن الإحرام لما كان أعظم أفعال الحج فقد ذكرت نيته بخلاف باقي الأفعال ، لا لكون الإحرام ركنا كالموقفين بل لاستمراره ومصاحبته لأكثر أفعال الحج ، وثانيا : إن الإحرام لما لم يزد على النية اكتفى بذكر النية عن ذكر الإحرام ، فالنية هي الإحرام ، إن قلت : إن الإحرام يحصل بأول أفعال الحج والنية لا بد من استمرارها حتى أواخر أفعال الحج قلت : الاستدامة والاستمرار ليست معتبرة في النية بل يكفي توطين النفس ابتداء.
(2) أي استدامة التوطين.
(3) أي نية الحج بجملته ، ونية الخروج من المنزل ، أما الأول : فلما تقدم لأنه يلزم منه الجمع بين نية الحج ونية أفعاله وهو مما لا دليل عليه كما تقدم عن المدارك.
وأما الثاني فلأن الخروج من باب المقدمة ، والمقدمة على تقدير وجوبها لا تحتاج إلى النية.
(4) وهو المحاذاة لواحد من هذه المواقيت.
ص: 307
(أو من دويرة أهله (1) ، إن كانت أقرب) من الميقات (إلى عرفات) اعتبر القرب إلى عرفات لأن الحج بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلق الغرض فيه بغير عرفات بخلاف العمرة فإن مقصدها بعد الإحرام مكة. فينبغي اعتبار القرب فيها إلى مكة ، ولكن لم يذكره هنا ، وفي الدروس أطلق القرب ، وكذا أطلق جماعة. والمصرح به في الأخبار الكثيرة هو القرب إلى مكة مطلقا (2) فالعمل به متعين ، وإن كان ما ذكره هنا متوجها (3). وعلى ما اعتبره المصنف من مراعاة القرب إلى عرفات فأهل مكة يحرمون من منزلهم (4) ، لأن دويرتهم أقرب من الميقات إليها ، وعلى اعتبار مكة فالحكم كذلك (5) ، إلا أن الأقربية لا تتم لاقتضائها المغايرة
______________________________________________________
(1) فمن كان منزله دون الميقات فميقاته دويرة أهله ، بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله) (1) وقال الشيخ في التهذيب وفي حديث آخر (إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله) (2) ، وقال في المدارك (ويستفاد من هذه الروايات أن المعتبر القرب إلى مكة ، واعتبر المصنف في المعتبر القرب إلى عرفات ، والأخبار تدفعه) ، ولذا قال الشارح في المسالك (لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة ، وفي الحج بعرفة ، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت) ، هذا وكما قال السيد الحكيم في المستمسك (لعل في القرب إلى مكة خصوصية في صحة إنشاء الإحرام).
(2) في إحرام الحج أو العمرة.
(3) لو لا النصوص كما اعترف به في المسالك.
(4) لأن منزلهم أقرب إلى عرفات من أقربية الميقات إلى عرفات ، وأما بناء على كون القرب لمكة فكذلك فميقاته منزله ، لأن النصوص السابقة وإن كان موردها غير أهل مكة بل من كان منزله بين مكة والميقات ، لكن مناسبة الحكم والموضوع فيها يفهم منها أن المدار على من كان دون الميقات فمنزله ميقاته ، ويؤيده مرسل الفقيه (سئل الصادق عليه السلام عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال : من منزله) (3).
(5) أي ميقاته منزله.
ص: 308
بينهما (1) ، ولو كان المنزل مساويا للميقات أحرم منه (2) ، ولو كان مجاورا بمكة قبل مضي سنتين خرج إلى أحد المواقيت ، وبعدهما يساوي أهلها (3) (و) يشترط (في القران ذلك) المذكور (4) في حج الإفراد (و) يزيد (عقده) لإحرامه (بسياق الهدي (5) ، وإشعاره) (6) بشق سنامه من الجانب الأيمن ، ولطخه بدمه (إن كان)
______________________________________________________
(1) أي لاقتضاء الأقربية للمغايرة بين دويرة أهله وبين مكة ، فإذا كانت الدويرة في مكة فلا أقربية.
(2) أي من الميقات لأن النصوص السابقة لا تشمله ، لأنها ظاهرة في كون المنزل أقرب إلى مكة من الميقات.
(3) على المشهور ، للأخبار منها : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع) (1)
خلافا للإسكافي والشيخ والحلبي فاشترطوا ثلاث سنين ، وقال في الجواهر : (وقد اعترف غير واحد بعدم الوقوف لهم على مستند).
(4) من النية والإحرام من أحد المواقيت أو من دويرة أهله إذا كانت أقرب.
(5) قد تقدم أن القارن يمتاز عن المفرد بسياق الهدي ، وفي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي) (2).
(6) قد تقدم أن القارن مخيّر بين الاشعار والتقليد والتلبية لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (3) ، هذا وإذا لبّى يستحب له اشعار ما يسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأيمن ويلطخ صفحته بدمه ، أو التقليد بأن يعلق في رقبة المسوق نعلا قد صلى فيه ، وأما استحباب الاشعار أو التقليد بعد التلبية فهو مما لا نص عليه كما في المدارك ، نعم قد ورد ما يدل على ماهية الاشعار اخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن البدن كيف تشعر؟ قال : تشعر وهي معقولة وتنحر وهي قائمة ، تشعر من جانبها الأيمن ، ويحرم صاحبها إذا قلّدت أو اشعرت) (4) وخبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال : -
ص: 309
(بدنة ، وتقليده إن كان) الهدي (غيرها) غير البدنة (بأن يعلّق في رقبته نعلا قد صلى) السائق (فيه ولو نافلة ، ولو قلد الإبل) بدل إشعارها (جاز).
(مسائل) :
الأولى.(يجوز لمن حج ندبا مفردا العدول إلى) عمرة (التمتع) (1) اختيارا
______________________________________________________
- انطلق حتى تأتى مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء ، والبس ثوبك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصل - إلى أن قال - ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها) (1). وأما تلطيخ صفحة السنام بالدم فقد ذكره الأصحاب ، وفي الحدائق (أن الأخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ) وفي التذكرة علّله بأنه يعرف به أنه صدقة. وقد ورد ما يدل على ماهية التقليد كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيه ، والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية) (2) ، ويكفي مسمى الصلاة ولو نافلة.
بقي أن الاشعار مختص بالبدن والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي كالبقر والغنم ، وهو مما لا إشكال فيه ، وقال في الحدائق أنه متفق عليه لا أعلم فيه مخالفا ، وقال السيد الحكيم في المستمسك (ولكن دليله غير ظاهر ، نعم كل ما ورد في كيفية الاشعار لم يذكر فيه إلا البدن ، والتقليد ورد في جميعها ، وعلّل اختصاص الاشعار بضعف البقر والغنم عن الإشعار) ، نعم استدل له في المدارك بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (كان الناس يقلدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثا ، ويقلّدون بخيط أو مسير) (3).
(1) يجوز للمفرد إذا دخل مكة أن يعدل إلى التمتع بلا خلاف فيه ، للأخبار المتظافرة بل المتواترة كما في الجواهر منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل لبّى بالحج مفردا ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : فليحل وليجعلها متعة ، إلا أن يكون قد ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه) (4) ، وقد تقدم صحيح الحلبي (5) عند أقسام الحج المتضمن لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حين دخلوا مكة محرمين بالحج بأن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، ولم يحلّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمكان الهدي الذي معه.
ص: 310
وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني (1) (لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه) (2) لأنهما محللان من العمرة في الجملة والتلبية عاقدة للإحرام فيتنافيان ، ولأن عمرة التمتع لا تلبية فيها بعد دخول مكة (فلو لبّى) بعدهما (بطلت متعته) التي نقل إليها (وبقي على حجه) السابق لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق (ع) ، ولأن العدول كان مشروطا بعدم التلبية ولا ينافي ذلك (3) الطواف والسعي ، لجواز تقديمهما للمفرد على الوقوف ، والحكم بذلك هو المشهور ، وإن كان مستنده لا يخلو من شي ء (4) (وقيل) والقائل ابن إدريس (لا اعتبار إلا بالنية) (5) اطراحا للرواية وعملا بالحكم الثابت من جواز النقل بالنية ، والتلبية ذكر لا أثر له في المنع (ولا يجوز العدول للقارن) (6) تأسيا بالنبي (ص) حيث بقي على حجة لكونه قارنا ، وأمر من لم يسق
______________________________________________________
(1) فعمر إن أنكر العدول من الإفراد إلى التمتع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تدل عليه جملة من النصوص قد أوردها الشيخ الحر العاملي في الباب الثاني من أبواب أقسام الحج ، إلا أنه في زمن غصبه الخلافة قد حرم عمرة التمتع مطلقا كما تشهد بذلك كتب التواريخ ، بل إن اعتراضه على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في العدول من أجل أن لا تقطر رءوسهم ماء بعد ما خرجوا حجاجا كما يشهد بذلك قوله في صحيح الحلبي المتقدم ، وهو جار بنفسه في عمرة التمتع ولو ابتداء ، ولذا نهى عنها فيما بعد ، ومن معاجز النبوة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الحلبي المتقدم : (إنك لن تؤمن بهذا ابدا).
(2) اللذان أوقعهما قبل العدول إلى عمرة التمتع ، لأن المفرد والقارن يجوز لهما تقديم الطواف والسعي قبل الوقوف بعرفة بخلاف المتمتع فلا يجوز كما سيأتي بيانه في المسألة الثانية.
والأصل في حكم مسألتنا موثق إسحاق بن عمار عن أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة ، فقال : إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له) (1).
(3) أي العدول.
(4) فإسحاق بن عمار فطحي المذهب وأبو بصير مشترك بين الثقة وغيره.
(5) بمعنى أن المفرد لا يتحلل قبل إكمال الحج إلا بنية العدول إلى العمرة فيتحلل مع العدول بتمام أفعال العمرة ، وعلى هذا يتحقق التحلل بالنية.
(6) بلا خلاف ، للأخبار التي تقدم بعضها في جواز العدول للمفرد.
ص: 311
الهدي بالعدول (وقيل) لا يختص جواز العدول بالإفراد المندوب (بل يجوز العدول عن الحج الواجب أيضا) (1) سواء كان متعينا أم مخيّرا بينه وبين غيره كالناذر مطلقا (2) ، وذي المنزلين المتساويين ، لعموم الأخبار الدالة على الجواز (3) (كما أمر به النبي (ص) من لم يسق من الصحابة) من غير تقييد بكون المعدول عنه مندوبا أو غير مندوب (وهو قوي) لكن فيه سؤال الفرق بين جواز العدول عن المعين اختيارا وعدم جوازه (4) ابتداء ، بل ربما كان الابتداء أولى (5) للأمر بإتمام الحج والعمرة لله ، ومن ثم خصه (6) بعض الأصحاب بما إذا لم يتعين عليه الإفراد وقسيمه (7) كالمندوب والواجب المخير جمعا بين ما دل على الجواز مطلقا (8) ، وما دل على اختصاص كل قوم بنوع ، وهو أولى (9) ...
______________________________________________________
(1) خصّ بالمندوب وقد نسبه الشارح في المسالك إلى المتأخرين ، لأن الإفراد المتعين على المكلف إما بأصل الشرع كأهل مكة وإما بالعارض كالنذر ، فالجمع بينها وبين أخبار جواز العدول بمقتضى اختصاص العدول بالمستحب ، بل إن أخبار العدول لا عموم فيها لتشمل الإفراد الواجب أما صحيح معاوية بن عمار المتقدم فلانتفاء العموم فيه على وجه يتناول من تعين عليه الافراد ، وأما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه بالعدول ، فلأنه لم يتعلق بالحاضر وإنما تعلق بالبعيد من المهاجرين والأنصار الذين حكمهم التمتع ، وإنما لم يحرموا عمرة تمتع لأن التمتع لم يكن مشروعا وإنما نزل به جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يأمر الناس بالاحلال كما تقدم توضيحه سابقا.
ومنه تعرف ضعف قول الشارح في المسالك (من أن تخصيص الحكم بمن لم يتعين عليه الافراد بعيد عن ظاهر النص).
(2) من غير تعيين بالإفراد.
(3) أي جواز العدول ، وقد عرفت عدم العموم.
(4) أي عدم جواز العدول من الافراد إلى عمرة التمتع ابتداء.
(5) لأن العدول في الاثناء جائز مع أن الأمر بالاتمام ثابت بقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ ) (1).
(6) أي خص العدول.
(7) وهو القران.
(8) أي على جواز العدول من غير تقييد بالمندوب.
(9) بل متعين.
ص: 312
إن (1) لم نقل بجواز العدول عن الإفراد إلى التمتع ابتداء.
(الثانية. يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف والسعي) (2) ، للنص على جوازه مطلقا (3) ، (إما الواجب أو الندب) يمكن كون ذلك على وجه التخيير (4) ،
______________________________________________________
(1) وصلية.
(2) أما المندوب منهما فلا خلاف فيه كما في الجواهر ، للأصل مع عدم المعارض ، وأما الواجب منهما فيجوز عند الأكثر للأخبار منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن مفرد الحج ، أيعجل طوافه أو يؤخره؟ قال : هو والله سواء ، عجّله أو اخّره) (1) ، وموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (عن المفرد للحج يدخل مكة ، أيقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : سواء) (2).
وعن ابن إدريس المنع من التقديم محتجا بإجماع علمائنا على وجوب الترتيب ، وأجابه العلامة في المنتهى (إن شيخنا - رحمه الله - قد ادعى إجماع الطائفة على جواز التقديم ، فكيف يصح له حينئذ دعوى الإجماع على خلافه ، والشيخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف).
وأما المتمتع فلا يجوز له تقديم طواف الحج والسعي على الوقوف لخبر أبي بصير (قلت : رجل كان متمتعا فأحلّ بالحج ، قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتد بذلك الطواف) (3) ، وعن سيد المدارك جواز التقديم لأخبار :
منها : صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج ، فقال : هما سيّان ، قدّمت أو أخّرت) (4) وقد حملت على صورة الضرورة لمن كان كبيرا أو مريضا أو امرأة تخاف الحيض ، ويشهد كذلك جملة من الأخبار.
منها : خبر إسحاق بن عمار (سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إن كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال : نعم هكذا تعجل) (5).
(3) واجبا كان أو مندوبا ، اختيارا واضطرارا.
(4) بمعنى الاتيان بالتقديم سواء كان الطواف والسعي واجبا أو مندوبا لإطلاق الأخبار ، ويمكن أن يكون ذلك على وجه الترديد بين تقديم الواجب كما عليه المشهور أو خصوص الندب كما عليه ابن إدريس.
ص: 313
للإطلاق ، والترديد ، لمنع بعضهم من تقديم الواجب ، والأول مختاره في الدروس ، وعليه فالحكم مختص بطواف الحج ، دون طواف النساء (1) ، فلا يجوز تقديمه إلا لضرورة (2) كخوف الحيض المتأخر. وكذا يجوز لهما (3) تقديم صلاة لطواف يجوز تقديمه كما يدل عليه قوله (لكن يجددان التلبية (4) عقيب صلاة)
______________________________________________________
(1) للأخبار منها : خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، أيعجل طواف النساء؟ قال : لا ، إنما طواف النساء بعد ما يأتي من منى) ((1).
(2) لصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه السلام (لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ، أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من حين إذا كان خائفا) (2) ، ومثله غيره.
(3) للقارن والمفرد.
(4) اختلف الأصحاب ، فذهب الشيخ في النهاية إلى أن القارن والمفرد إذا طافا قبل عرفات لا بد أن يجدد التلبية وإلا انقلب حجهما إلى عمرة للأخبار منها : موثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ أو كره) (3) ، وحسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة قال : نعم ، ما شاء ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية) (4).
وذهب الشيخ في التهذيب إلى أنه يحلّ المفرد دون القارن للجمع بين الأخبار المتقدمة الدالة على كون الطواف والسعي موجبتين للتحلل وبين ما دل على أن السائق لا يحلّ وإن كان قد طاف ، ويشهد لهذا الجمع خبر يونس بن يعقوب عمن أخبره عن أبي الحسن عليه السلام (ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد إلا أجلّ ، إلا السائق للهدي) (5) ، ولكن ضعفه وإرساله يمنع من العمل به بعد تعارضه لحسنة معاوية بن عمار المتقدمة.
ص: 314
الطواف) يعقدان بها الإحرام لئلا يحلا.
(فو تركاها أحلا على الأشهر) ، للنصوص الدالة عليه. وقيل لا يحلان إلا بالنية ، وفي الدروس جعلها أولى ، وعلى المشهور ينبغي الفورية بها عقيبها (1) ، ولا يفتقر إلى إعادة نية الإحرام (2) ، بناء على ما ذكره المصنف من أن التلبية كتكبيرة الإحرام لا تعتبر بدونها ، لعدم الدليل على ذلك ، بل إطلاق هذا دليل على ضعف ذاك. ولو أخلّا بالتلبية صار حجهما عمرة (3) وانقلب تمتعا ولا يجزئ عن فرضهما (4) ، لأنه
______________________________________________________
- وقال ابن إدريس في سرائره (إن التحلل إنما يحصل بالنية لا بالطواف والسعي ، وليس تجديد التلبية بواجب ولا تركها مؤثرا في انقلاب الحج عمرة) ، واختاره المحقق في المعتبر والنافع والعلامة في المختلف وجماعة ، ودليلهم كما عن العلامة في المختلف بأنه دخل في الحج دخولا مشروعا فلا يجوز الخروج عنه إلا بدليل شرعي ، وفيه : إن الأخبار المتقدمة هي الدليل ، ولذا قال الشهيد في الشرح (وبالجملة فدليل التحلل ظاهر ، والفتوى مشهورة والمعارض منتف) ، نعم ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحجة مع التحلل عمرة كما ذهب إليه الشيخ واتباعه ، نعم ورد في روايات العامة ما يدل عليه ، فقد رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ؛ إذا أحلّ الرجل بالحج ثم قدم إلى مكة وطاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد أحلّ وهي عمرة) (1).
هذا والمراد بالنية في قول ابن إدريس واتباعه ما تقدم من أن المفرد لا يتحلل قبل إكمال أفعال الحج إلا بنية العدول إلى العمرة ، فيتحلل مع العدول بإتمام أفعالها.
(1) أي بالتلبية عقيب صلاة الطواف بناء على أن التلبية لو لم تقع سيقع التحلل ، وليست الفورية لأن الأمر يقتضي ذلك.
(2) والمعنى أن التلبية ليست بحاجة إلى نية الإحرام ، لأن التلبية كتكبيرة الإحرام ، ولا تقع التكبيرة إلا بنية فكذلك هنا ، وعليه فلا حاجة إلى تقييدها ، وأشكل الشارح بأن إطلاق دليل التلبية كاشف عن عدم اعتبار النية في التلبية ، وهذا الإطلاق كاشف عن ضعف المبنى السابق من أن تكبيرة الإحرام لا تعتبر بدون النية ، وفي العبارة سقط لا يساعد على مراده.
(3) كما تقدم وقد أتى بالطواف والسعي فلم يبق إلا التقصير.
(4) لأن فرضهما الافراد أو القران ، ومع التعين لا يجوز العدول إلى التمتع اختيارا كما تقدم ، وهنا عدول اختياري.
ص: 315
عدول اختياري واحترز بهما عن المتمتع فلا يجوز له تقديمهما على الوقوف اختيارا (1) ، ويجوز له تقديم الطواف وركعتيه خاصة مع الاضطرار (2) كخوف الحيض المتأخر وحينئذ فيجب عليه التلبية ، لإطلاق النص (3) ، وفي جواز طوافه ندبا وجهان (4) فإن فعل جدد التلبية (5) كغيره.
(الثالثة. لو بعد المكي) عن الميقات (ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا) (6) ، لأنه قد صار ميقاته بسبب مروره كغيره من أهل المواقيت إذا مر بغير
______________________________________________________
(1) وقد تقدم دليله.
(2) قد تقدم دليله.
(3) وهو صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (فقلت : أليس كل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل؟ فقال : إنك تعقد بالتلبية ، ثم قال : كلما طفت طوافا وصليت ركعتين فاعقد بالتلبية) (1).
(4) المشهور على المنع لخبر الحلبي (سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج أيطوف بالبيت؟ قال : نعم ، ما لم يحرم) (2) وظاهره المنع من الطواف حتى المندوب ، وعن بعضهم تخصيص المنع بالطواف الواجب لانصراف ما ورد إلى خصوص الواجب والانصراف بعيد.
(5) لإطلاق صحيح عبد الرحمن المتقدم.
(6) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، للأخبار منها : صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقّت المواقيت لأهلها ، ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علة) (3).
نعم اختلف الأصحاب في جواز التمتع له والحال هذه ، فالأكثر على الجواز لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحمن بن أعين (سألنا أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع ، فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أله أن يتمتع؟ فقال : ما أزعم أن ذلك ليس له ، والإهلال بالحج أحب إليّ) (4) ،
ص: 316
ميقاته ، وإن كان ميقاته دويرة أهله ، (ولو كان له منزلان بمكة) ، أو ما في حكمها (1) ، (وبالآفاق) الموجبة للتمتع (وغلبت إقامته في الآفاق تمتع) ، وإن غلبت بمكة ، أو ما في حكمها قرن ، أو أفرد (2) ، (ولو تساويا) في الإقامة (تخير) (3) في الأنواع الثلاث.
هذا إذا لم يحصل من إقامته بمكة ما يوجب انتقال حكمه كما لو أقام بمنزله الآفاقي ثلاث سنين ، وبمكة سنتين متواليتين ، وحصلت الاستطاعة فيها فإنه حينئذ يلزمه حكم مكة (4) ، وإن كانت إقامته في الآفاق أكثر لما سيأتي ، ولا فرق في الإقامة (5) بين ما وقع منها حال التكليف وغيره ولا بين ما أتم الصلاة فيها ، وغيره (6) ، ولا بين الاختيارية والاضطرارية ولا المنزل المملوك عينا ومنفعة ، والمغصوب ، ولا بين أن يكون بين المنزلين (7) مسافة القصر ، وعدمه ، لإطلاق النص (8) في ذلك كله ، ومسافة السفر إلى كل منهما لا يحتسب عليهما (9). ومتى حكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت الاستطاعة منه (10) ، ولو اشتبه الأغلب
______________________________________________________
- وذهب ابن أبي عقيل إلى العدم ، لأنه لا متعة لأهل مكة ، والخبر حجة عليه.
(1) من النواحي الملحقة بها.
(2) فيلزمه فرض أغلبهما عليه ، ويقتضيه الاعتبار ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (فقلت : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ قال : فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله) (1).
(3) لأنه مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح عن الآخر فيتحقق التخيير.
(4) قد تقدم منا الدليل على أن من أقام في مكة سنتين يلزمه حكم أهلها.
(5) أي الاقامة في مكة بحيث يصدق أنه من أهلها وإن كان له منزل آفاقي آخر.
(6) كمن يبقى مترددا في الإقامة شهرا ثم يسافر ثم يرجع حتى صدق عليه الإقامة في مكة على نحو أغلب من الإقامة في غيرها.
(7) منزله في مكة ومنزله في الآفاق.
(8) وهو صحيح زرارة المتقدم.
(9) بل يكون كالاقامة والسفر في غيرهما.
(10) لأنه محكوم بحكمه.
ص: 317
منه (1) تمتع (2).
(والمجاور بمكة) بنية الإقامة على الدوام ، أو لا معها من أهل الآفاق (سنتين ينتقل) فرضه (في الثالثة إلى الإفراد والقران ، وقبلها) أي قبل الثالثة (يتمتع) (3) هذا إذا تجددت الاستطاعة في زمن الإقامة ، وإلا لم ينتقل ما وجب من الفرض (4) والاستطاعة تابعة للفرض فيهما (5) إن كانت الإقامة بنية الدوام ، وإلا (6) اعتبرت من بلده ، ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي في الآفاق اعتبرت نية الدوام وعدمه (7) في الفرض والاستطاعة ، إن لم تسبق الاستطاعة بمكة كما مر (8) ، كما يعتبر ذلك في الآفاقي لو انتقل من بلد إلى آخر يشاركه في الفرض (9) ، ولا فرق أيضا بين الإقامة زمن التكليف وغيره ، ولا بين الاختيارية والاضطرارية للإطلاق.
(ولا يجب الهدي على غير المتمتع) (10) وإن كان قارنا ، لأن هدي القران غير
______________________________________________________
(1) من أحد المنزلين.
(2) بناء على جواز التمتع لأهل مكة ابتداء كما صرح بذلك في المسالك ، وأما بناء على العدم فالظاهر التخيير لانتفاء شرط التعيين مع عدم وجوب حجين عليه.
(3) قد تقدم منا الدليل على ذلك.
(4) لاستقراره في الذمة فلا بد من امتثاله.
(5) بحيث إذا ثبت عليه فرض البعيد سابقا قبل المجاورة وأراد الحج فلا بد أن تكون استطاعة هذا الفرض باقية ، وإذا ثبت عليه فرض أهل مكة لأنه قد جاور سنتين فالاستطاعة من مكة.
(6) أي وإن لم تكن مجاورته لمكة بقصد الدوام ، اعتبرت الاستطاعة من بلده حتى لو ثبت عليه فرض أهل مكة لأنه قد جاور سنتين ، وفيه : إنه على خلاف النصوص الدالة على حكم المجاور.
(7) فإذا نوى الدوام وصدق خروجه عن حاضري مكة عرفا فعليه فرض الآفاقي ولو من أول سنة لصدق النائي عليه ، وإلا فلا ، واحتمل الشارح في المسالك إلحاقه بالمقيم في مكة في انتقال الفرض إذا قام سنتين في الآفاق ، وفيه : إنه قياس لا نقول به.
(8) فإن سبقت فيلزمه فرض أهل مكة لاستقراره في ذمته وإن نوى الدوام في الآفاق.
(9) أي فرض التمتع بحيث لو فرض انتقال النائي من بعد إلى أخرى ، فيعتبر في استطاعته من الثانية نية الإقامة بها على الدوام وإلا فالاعتبار بالأولى.
(10) أما وجوب الهدي على المتمتع فبلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ
ص: 318
واجب ابتداء (1) وإن تعين بعد الإشعار أو التقليد للذبح ، (وهو) أي هدي التمتع (نسك) (2) كغيره من مناسك الحج ، وهي أجزاؤه من الطواف ، والسعي ، وغيرهما ، (لا جبران) لما فات من الإحرام له (3) من الميقات على المشهور بين أصحابنا ، و (للشيخ رحمه الله) قول : بأنه جبران ، وجعله تعالى من الشعائر ، وأمره بالأكل منه يدل على الأول.
______________________________________________________
- فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في المتمتع (وعليه الهدي فقلت : وما الهدي؟ قال : أفضله بدنة وأوسطه بقرة ، وأخسّه شاة) (2) ، ولا يجب الهدي على غير المتمتع قارنا كان أو مفردا بلا خلاف فيه ، وسيأتي دليله في أعمال منى ، وإن كان القارن بعد إحرامه بسياق الهدي يتعين عليه الذبح.
(1) لأنه مخيّر بين الاشعار والتقليد والتلبية.
(2) وقع البحث بينهم في أن هدي التمتع هل وجب على المتمتع لأنه نسك من المناسك ، أي عبادة خاصة كالطواف والسعي وغيرهما من المناسك الواجبة ، أو أنه وجب جبرانا للإحرام حيث لم يقع من أحد المواقيت الستة الخارجة من مكة ، لأن المتمتع قد أحرم للحج من مكة ، فالمشهور على الأول وادعى عليه الشيخ في الخلاف الاجماع ، لقوله تعالى : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ ، لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ ، فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَأَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (3) ، فجعلها من الشعائر أي من العبادات التي يعبد الله بها ، والأمر بالأكل بها دليل على أنها ليست جبرانا ، وإلا لما جاز الأكل منها كما في كفارات الصيد التي وجبت جبرا للإحرام مما وقع فيه من النقص.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه جبران ، وهو مذهب الشافعي ، وتظهر فائدة الخلاف فيما لو خرج إلى الميقات وهو محرم من مكة ، أو إذا اتفق حصول الإحرام من الميقات اضطرارا فيما لو خرج من مكة وتعذر عليه الرجوع إلى مكة للإحرام فأحرم من الميقات ، فعلى الجبران يسقط الهدي لتحقق الإحرام من الميقات ، وعلى النسك لا يسقط ، ويتفق القولان فيما لو أحرم من مكة وقصد عرفة من غير الميقات فعليه الهدي على القولين.
(3) لحج التمتع.
ص: 319
وتظهر الفائدة فيما لو أحرم به من الميقات ، أو مر به بعد أن أحرم من مكة ، فيسقط الهدي على الجبران ، لحصول الغرض ، ويبقى على النسك ، أما لو أحرم من مكة وخرج إلى عرفات من غير أن يمر بالميقات وجب الهدي على القولين وهو موضع وفاق.
(الرابعة. لا يجوز الجمع بين النسكين) الحج والعمرة (بنية واحدة) سواء في ذلك القران ، وغيره على المشهور (1) (فيبطل كل منهما) للنهي المفسد للعبادة كما لو نوى صلاتين ، خلافا للخلاف حيث قال : ينعقد الحج خاصة ، وللحسن حيث جوز ذلك وجعله تفسيرا للقران مع سياق الهدي.
______________________________________________________
(1) للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف البيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء) (1) ووجه الدلالة أنه عليه السلام حصر أفعال القارن بما ذكر فتكون أفعال العمرة خارجة عنه ، وعن الشيخ في الخلاف أنه القارن هو من ساق وجمع بين الحج والعمرة ، ونسب إلى ابن أبي عقيل ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ايّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده) (2) ، ولصحيحه الآخر عنه عليه السلام (إن عثمان خرج حاجا فلما صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا تمتعوا فنادى المنادي - إلى أن قال - بعد أن استنكر أمير المؤمنين عليه السلام على عثمان ذلك فقال له : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا لبيك) (3) ، ولا يمكن الأخذ بهذين الخبرين في قبال الاخبار الكثيرة الدالة على الفصل ، نعم يمكن حملهما على أن من لبّى بالعمرة المتمتّع بها إلى الحج فيكون قد نوى العمرة والحج معا لشدة ارتباطهما ، واستدل ابن أبي عقيل أن القران سمي بذلك لأنه قرن بين العمرة والحج وردّ بأن سبب التسمية لكونه قرن إحرامه بسياق الهدي.
ثم إن المشهور قد حكم ببطلان كل من العمرة والحج لو قرن بينهما بالنية ، وذهب الشيخ إلى أنه لو قرن بينهما صح حجه خاصة ، وذهب ابن أبي عقيل إلى صحة العمرة والحج معا.
ص: 320
(ولا إدخال أحدهما على الآخر) (1) بأن ينوي الثاني (قبل) إكمال (تحلله من الأول) وهو الفراغ منه ، لا مطلق التحلل ، (فيبطل الثاني إن كان عمرة) مطلقا حتى لو أوقعها قبل المبيت بمنى ليالي التشريق ، (أو كان) الداخل (حجا) على العمرة (قبل السعي) لها ، (ولو كان) بعده و (قبل التقصير وتعمد ذلك (2) فالمروي) صحيحا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (أنه يبقى على حجة مفردة) معنى
______________________________________________________
(1) بأن ينوي الإحرام بالحج قبل التحلل من العمرة ، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحج وإن تحلل من إحرامه ، لأن العبادات موقوفة على النقل ولم يرد التعبد بذلك ، قال تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ ) (1) ، ومع الإدخال لا يتحقق الإتمام ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج ، قال : يستغفر الله) (2) ولو جاز الإدخال لما احتاج إلى الاستغفار.
هذا وإذا امتنع الادخال وقع الثاني مفسدا ، إلا إذا وقع الإحرام بالحج بعد السعي وقبل التقصير من العمرة فإنه يصح في المشهور ، وتصير الحجة مفردة وسيأتي الكلام فيه.
(2) فإن فعل ذلك بطلت عمرته وصارت حجة مفردا وعليه عمرة مفردة فيما بعد ، كما عن الشيخ في النهاية والمبسوط وجماعة بل نسب إلى المشهور ، لخبر إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له متعة) (3) ، وخبر العلاء بن الفضيل (سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصّر ، قال : بطلت متعته وهي حجة مقبولة) (4) ، وهما محمولان على صورة العمد لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج ، قال : يستغفر الله ولا شي ء عليه وتمت عمرته) (5) وصحيح ابن سنان المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل متمتع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحج قال : يستغفر الله) (6) ومثلهما غيرهما.
وذهب ابن إدريس إلى بطلان الإحرام الثاني والبقاء على الأول ، وتبعه العلامة في المنتهى ، لأن الإحرام بالحج إنما يسوغ التلبس به بعد التحلل من الأول ، وقبله يكون منهيا عنه ، والنهي في العبادة مفسد ، وردّ بأن التقصير محلّل لا جزء من العمرة ، وبأن النهي غير مفسد لرجوعه إلى وصف خارج عن ماهية الإحرام.
ص: 321
بطلان عمرة التمتع ، وصيرورتها بالإحرام قبل إكمالها حجة مفردة فيكملها ثم يعتمر بعدها عمرة مفردة.
ونسبته إلى المروي يشعر بتوقفه في حكمه من حيث النهي عن الإحرام الثاني ، وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع ، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره (1) ، فبطلان الإحرام أنسب ، مع أن الرواية ليست صريحة في ذلك (2) ، لأنه قال «المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر وليس له متعة». قال المصنف في الدروس يمكن حملها على متمتع عدل عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي ، لأنه روي التصريح بذلك في رواية أخرى (3). والشيخ (رحمه الله) حملها على المتعمد ، جمعا بينها ، وبين حسنة عمار (4) المتضمنة «أن من دخل في الحج قبل التقصير ناسيا لا شي ء عليه».
وحيث حكمنا بصحة الثاني وانقلابه مفردا لا يجزي عن فرضه (5) ، لأنه
______________________________________________________
(1) أي غير حج التمتع ، كما لو نوى حج الافراد ، وإذا لم يكن الزمان غير صالح للإفراد فكيف تقع عمرته حجا مفردا.
(2) أي في انقلاب متعته إلى إفراد ، وفيه : إن خبر العلاء بن الفضيل صريح في ذلك.
(3) قال سيد المدارك (وهو حمل بعيد ، وما ادعاه من النص لم نقف عليه) ، وقال في الجواهر (ولعله أراد الموثق) أعني ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة ، فقال : إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له) (1) ورواه الصدوق عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير في الفقيه ، وفيه : كما قال سيد المدارك إنه حمل بعيد لأن هذا الخبر صريح في المفرد ، والخبران السابقان اللذان أوردا سابقا صريحان في المعتمر لحج التمتع فكيف يحمل أحدهما على الآخر.
(4) قد عرفت أن الخبر عن معاوية بن عمار ، وهذا ما صرح به الشارح في المسالك أيضا ، وقد جعله حسنا لوقوع إبراهيم بن هاشم في سنده ، وهو لم يمدح ولم يذم بحسب كتب الرجال الخمسة ، مع أنه من مشايخ الاجازة ومن كبار الشيعة وهذا يغني عن التصريح بتوثيقه فلذا حكمنا بصحته.
(5) وهو حج التمتع.
ص: 322
عدول اختياري (1) ولم يأت بالمأمور به على وجهه ، والجاهل عامد (2).
(ولو كان ناسيا صحّ إحرامه الثاني) (3) وحجه ، ولا يلزمه قضاء التقصير لأنه ليس جزء ، بل محللا ، (ويستحب جبره بشاة) ، للرواية المحمولة على الاستحباب جمعا ، ولو كان الإحرام قبل إكمال السعي بطل (4) ووجب إكمال العمرة ، واعلم أنه لا يحتاج إلى استثناء من تعذر عليه إتمام نسكه فإنه يجوز له الانتقال إلى الآخر قبل إكماله (5) ، لأن ذلك لا يسمى إدخالا ، بل انتقالا وإن كان المصنف قد استثناه في الدروس.
(الفصل الثالث - في المواقيت) واحدها ميقات. وهو لغة الوقت المضروب للفعل ، والموضع المعين له (6) ، والمراد هنا الثاني ، (لا يصح الإحرام قبل الميقات (7)
______________________________________________________
(1) ولا يجزي الإفراد لمن فرضه التمتع إلا إذا كان العدول اضطراريا كما تقدم الكلام في ذلك.
(2) فيدخل في إطلاق الأخبار المتقدمة ، ولم يخرج إلا الناسي فقط.
(3) بالاتفاق ، وقد تقدم الكلام فيه ، وإنما الكلام هل عليه شي ء أو لا ، فعن ابن إدريس وسلار وأكثر المتأخرين أنه لا شي ء عليه ، لصحيح عبد الله بن سنان المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج قال : يستغفر الله) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار المتقدم (يستغفر الله ولا شي ء عليه وتمت عمرته) (2) ، وذهب الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط إلى أنه يلزمه بذلك دم ، ونسب هذا القول إلى ابن بابويه كما في المختلف ، لخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : الرجل يتمتع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج ، قال : عليه دم يهريقه) (3) وقد حمل على الاستحباب جمعا بينه وبين ما تقدم.
(4) أي الإحرام للنهي المفسد.
(5) قد تقدم الكلام في العدول الاضطراري.
(6) أي للفعل ، قال الجوهري في الصحاح (المواقيت جمع ميقات ، وهو الوقت المضروب للفعل ، والموضع ، يقال : هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه).
(7) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح عبيد الله الحلبي (الإحرام من مواقيت خمسة ، وقّتها -
ص: 323
(إلا بالنذر (1) وشبهه) من العهد واليمين (إذا وقع الإحرام في أشهر الحج) هذا شرط لما يشترط وقوعه فيها ، وهو الحج مطلقا وعمرة التمتع ، (ولو كان عمرة مفردة لم يشترط) وقوع إحرامها في أشهر الحج ، لجوازها في مطلق السنة فيصح تقديمه على الميقات بالنذر مطلقا ، والقول بجواز تقديمه بالنذر وشبهه أصح القولين وأشهرهما ، وبه أخبار بعضها صحيح فلا يسمع إنكار بعض الأصحاب (2) له استضعافا لمستنده.
______________________________________________________
- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا ينبغي لحاجّ ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها) (1) ، وصحيح ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام (ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له) (2).
(1) على المشهور ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة ، قال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال) (3) ، وخبر علي بن أبي حمزة قال (كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة ، قال عليه السلام : يحرم من الكوفة) (4) ومثلها غيرها.
ومنع ابن إدريس من ذلك واختاره العلامة في المختلف لبطلان النذر ، لأنه نذر غير مشروع كما لو نذر الصلاة قبل وقتها ، أو إيقاع المناسك في غير مواضعها ، وفيه : إن هذه الأخبار حجة عليهم ، نعم يشترط أن يكون الإحرام في أشهر الحج إذا كان لعمرة التمتع أو حج الإفراد أو القران ، لأنه هو الأصل في ذلك ولم نخرج عنه إلا بمقدار ما دلت عليه هذه الأخبار من جواز الإحرام قبل الميقات إذا كان منذورا نعم إذا كانت عمرة مفردة فلا يشترط إيقاع إحرامها المنذور في أشهر الحج لأنها تصح في جميع أيام السنة ثم ولا يلزم تجديد الإحرام عند المرور في الميقات لإطلاق الأخبار ، فما حكي عن المراسم والراوندي من وجوب تجديده لا دليل عليه ، وكذا ما حكي عن بعضهم من أن الإحرام المنذور إذا كان واجبا وجب التجديد وإلا استحب فهو تفصيل بلا مستند.
(2) وهو العلامة حيث ضعف سند الأخبار في المختلف مع أن بعضها صحيح كما تقدم ، والعجب أن العلامة في التذكرة والمنتهى حكم بالجواز مستدلا بهذه الأخبار.
ص: 324
(ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تقضّيه جاز له الإحرام قبل الميقات) (1) أيضا ، ليدرك فضيلة الاعتمار في رجب الذي يلي الحج في الفضل ، وتحصل (2) بالإهلال فيه وإن وقعت الأفعال في غيره ، وليكن الإحرام في آخر جزء من رجب تقريبا لا تحقيقا (ولا يجب إعادته فيه) (3) في الموضعين في أصح القولين ، للامتثال المقتضي للإجزاء نعم يستحب خروجا من خلاف من أوجبها (4).
(ولا) يجوز لمكلف (أن يتجاوز الميقات بغير إحرام) (5) عدا ما استثني (6) من
______________________________________________________
(1) هذه الصورة الثانية المستثناة من عدم جواز الإحرام قبل الميقات ، وهي من أراد الإحرام لعمرة مفردة في رجب وخشي فوات الشهر إن أخّر الإحرام إلى الميقات ، فيجوز له الإحرام قبل الميقات لتقع العمرة في رجب طلبا لفضلها ، بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة) (1) ، وموثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب ، أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب ، فإن لرجب فضلا وهو الذي نوى) (2) ، وعليه فلا بد من تأخير الإحرام إلى آخر الشهر حتى يخاف فوت الشهر لو أخره إلى الميقات ، وكذلك لا يجب تجديد الإحرام عند المرور في الميقات لإطلاق الأخبار.
(2) أي فضيلة الاعتمار.
(3) أي ولا تجب إعادة الإحرام في الميقات في الصورتين السابقتين لما تقدم.
(4) وقد أوجبها البعض في النذر فقط كما تقدم.
(5) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تجاوزها إلا وأنت محرم) (3) ، وصحيح صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (فلا تجاوز الميقات إلا من علة) (4).
(6) سيأتي إن شاء الله أنه لا يجوز لأحد دخول مكة إلا محرما بالحج أو العمرة عدا ما استثني ، وهو من أراد دخولها وقد دخلها قبل شهر محرما ، والمتكرر دخوله كالحطاب -
ص: 325
المتكرر ، ومن دخلها لقتال ، ومن ليس بقاصد مكة عند مروره على الميقات ، ومتى تجاوزه غير هؤلاء بغير إحرام (فيجب الرجوع إليه) (1) مع الإمكان ، (فلو تعذر بطل) (2) نسكه (إن تعمده) أي تجاوزه بغير إحرام عالما بوجوبه ووجب عليه قضاؤه (3) وإن لم يكن مستطيعا ، بل كان سببه إرادة الدخول ، فإن ذلك موجب له كالمنذور ، نعم لو رجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه ، وإن أثم بتأخير الإحرام (4) ، (وإلا يكن) متعمدا بل نسي (5) ، أو جهل ، أو لم يكن قاصدا
______________________________________________________
- والحشاش ، ومن دخلها لقتال جاز أن يدخلها محلا كما دخلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح وعليه المغفر ، وكذلك لا يجب الإحرام من الميقات من أراد تجاوزه ولم يقصد مكة لعدم إرادة النسك فيها من حج أو عمرة.
(1) إلى الميقات ، بلا ريب فيه ، لتوقف الواجب عليه.
(2) أي لو تعذر العود لخوف أو مرض أو ضيق الوقت لم يصح إحرامه من غيره لعدم تحقق الامتثال ، فيحرم عليه دخول مكة لتوقفه على الإحرام ، وظاهر الأصحاب القطع بعدم الاكتفاء بإحرامه من أدنى الحل لأن وظيفته الإحرام من الميقات وقد فوته عمدا.
(3) أي قضاء الإحرام بسبب إرادة دخول الحرم ، وهو يوجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور ، كما صرح بذلك الشارح هنا وفي المسالك ، وفيه : إن القضاء غير واجب كما ذهب إليه العلامة في المنتهى وسيد المدارك ، لأن الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد كما عن المنتهى ، وإما لأن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على دليل وهو منتف هنا كما عن المدارك ، نعم يجب قضاء الحج في السنة اللاحقة وإن ذهبت الاستطاعة لاستقرار الوجوب في الذمة.
(4) بناء على أن الأمر بالإحرام من الميقات مولوي ، ولكن هو إرشادي إلى شرطية الإحرام من الميقات في صحة النسك ، ومع تحققه يصح إحرامه وحجه ولا إثم في البين.
(5) أي نسي الإحرام من الميقات حتى تجاوزه فيجب عليه العود إلى الميقات مع المكنة ، فإن تعذر أتى بالإحرام من مكانه إلا إذا دخل مكة فتذكر فيجب الخروج إلى خارجه مع الإمكان وإلا أحرم من مكانه حينئذ بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال : قال أبي : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم) (1) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل مرّ على -
ص: 326
مكة ثم بدا له قصدها (1) (أحرم من حيث أمكن ، ولو دخل مكة) معذورا ثم زال عذره بذكره (2) وعلمه (3) ونحوهما (4) (خرج إلى أدنى الحل) وهو ما خرج عن منتهى الحرم إن لم يمكنه الوصول إلى أحد المواقيت ، (فإن تعذر) الخروج إلى أدنى الحل (فمن موضعه) بمكة ، (ولو أمكن الرجوع إلى الميقات (5) وجب) ، لأنه الواجب بالأصالة ، وإنما قام غيره مقامه للضرورة ، ومع إمكان الرجوع إليه لا ضرورة ، ولو كمل غير المكلف بالبلوغ والعتق بعد تجاوز الميقات فكمن لا يريد النسك (6).
______________________________________________________
- الوقت الذي يحرم الناس منه ، فنسي أو جهل ، فلم يحرم حتى أتى مكة ، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج فقال : يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك) (1) ، وهذا الخبر صريح في أن الجاهل كالناسي ، هذا ومما يدل على أنه لو لم يدخل الحرم ولم يتمكن من الرجوع إلى الميقات أحرم من مكانه ، صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال عليه السلام : إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه ، فإن لم يكن عليها وقت - أي مهملة - فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها) (2).
(1) وهو من مرّ على الميقات غير مريد للنسك ، أي غير مريد لدخول مكة من أجل حج أو عمرة ، ثم بدا له بعد تجاوز الميقات قصد النسك ، فقد قطع الأصحاب - كما في المدارك - بمساواته للناسي في وجوب العود إلى الميقات مع المكنة وإلا فيحرم من موضعه ، ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه ، وإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم) (3).
(2) إن كان ناسيا.
(3) إن كان جاهلا.
(4) كالمكره إذا زال إكراهه.
(5) أي ميقات أهله كما هو صريح الأخبار المتقدمة.
(6) أي وفي حكم من لا يريد النسك إذا جاوز الميقات ثم أراده غير المكلف بالنسك -
ص: 327
(والمواقيت) (1) التي وقّتها رسول الله (ص) لأخل الآفاق ثم قال : هن لهن ، ولمن أتى عليهم من غير أهلهن (2) ...
______________________________________________________
- كالصبي والعبد والكافر إذا مروا على الميقات ثم بلغ الصبي أو اعتق العبد أو أسلم الكافر.
(1) اختلف الأصحاب في تعدادها ، فمنهم من جعلها خمسة ، ومنهم من جعلها ستة ، ومنهم من جعلها سبعة ، ومنهم من ذكر أنها عشرة ، وليس ذلك اختلافا في الحكم وإنما هو لاختلاف أنظارهم في الجهة الملحوظة في ذكر العدد ، وكذلك النصوص ، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (الإحرام من المواقيت خمسة ، وقّتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها ، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة ، يصلي فيه ويفرض الحج ، ووقت لأهل الشام الجحفة ، ووقت لأهل نجد العقيق ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تجاوزها إلا وأنت محرم ، فإنه وقّت لأهل العراق - ولم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي مهيعة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله) (2) ، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة ، فالسبعة المذكورة في الصحيح المتقدم مع مكة لحج التمتع ، ومحاذاة الميقات لمن لم يمرّ به ، وأدنى الحل للعمرة المفردة ، وفتح لإحرام الصبان ، وسيأتي التعرض لها ، نعم قال العلامة في التذكرة : (واعلم أن أبعد المواقيت ذو الحليفة على عشر مراحل من مكة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة على مسافة واحدة ، بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان).
(2) ما أورده الشارح هو من طرق العامة (3) ، نعم ورد في الفقه الرضوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في هذه المواقيت (هنّ لأهلهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة) (4).
ص: 328
(ستة ذو الحليفة) (1) بضم الحاء وفتح اللام والفاء بعد الياء بغير فصل تصغير الحلفة بفتح الحاء واللام واحد الحلفاء. وهو النبات المعروف ، قاله الجوهري ، أو تصغير الحلفة وهي اليمين لتحالف قوم من العرب به ، وهو ماء على ستة أميال من المدينة. والمراد الموضع الذي فيه الماء ، وبه مسجد الشجرة ، والإحرام منه أفضل وأحوط للتأسي (2) ، وقيل : بل يتعين منه لتفسير ذي الحليفة به في بعض الأخبار ، وهو جامع بينها (3) (للمدينة والجحفة) (4) وهي في الأصل مدينة أجحف
______________________________________________________
(1) فهو ميقات للمدينة بلا خلاف ، وقد تقدم ما يدل عليه ، وهو موضع على ستة أميال من المدينة - كما عن القاموس - وهو ماء لبني جشم ، وسمي بذلك لأنه اجتمع فيه قوم من العرب فتحالفوا ، كما في المسالك ، وقيل : الحليفة تصغير الحلفة - بفتحات - واحدة الحلفاء وهو النبات المعروف.
والمراد به الموضع الذي فيه الماء ، ومسجد الشجرة من جملته ، لكن اختلف الأصحاب في أن الإحرام هل من مسجد الشجرة كما هو ظاهر عبارة الشرائع والقواعد والنافع والجامع ، ويدل عليه صحيح الحلبي المتقدم (ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة) (1) ، أو ما يسمى بذي الحليفة وإن كان خارج المسجد كما عن المقنعة والنصريات وجمل العلم والعمل والإشارة وجامع المقاصد ، كما يدل عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم (ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة) (2) ، وغيره ، لكن الأحوط هو نفس المسجد للجمع بين الأخبار وعليه فالحائض والجنب يحرمان به اجتيازا ، وإن تعذر الاجتياز يحرمان من خارجه.
(2) ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس فاغتسل ، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر وعزم - أي أحرم - بالحج مفردا) (3).
(3) أي والإحرام من المسجد جامع بين الأخبار.
(4) قال في القاموس : (الجحفة ميقات أهل الشام ، وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة ، وكانت تسمى مهيعة ، فنزل بنو عبيد وهم إخوة عادة ، وكان أخرجهم -
ص: 329
بها السيل ، على ثلاث مراحل من مكة (للشام) وهي الآن لأهل مصر (1) ، (ويلملم) (2) ويقال : ألملم. وهو جبل من جبال تهامة (لليمن. وقرن المنازل) (3) بفتح القاف فسكون الراء ، وفي الصحاح بفتحهما ، وأن أويسا منها ، وخطّئوه فيهما ، فإن أويسا يمني منسوب إلى قرن بالتحريك : بطن من مراد ، وقرن : جبل صغير ميقات (للطائف. والعقيق) (4) وهو واد طويل يزيد على بريدين (للعراق)
______________________________________________________
- العماليق من يثرب ، فجاءهم سيل فاجتحفهم فسميت الجحفة ، والمهيعة هي المكان الواسع ، وهي ميقات لأهل الشام ومصر والمغرب وكل من يمر إلى مكة من طريق جدة ، بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام (ووقّت لأهل الجحفة) (1) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (وأهل الشام ومصر من الجحفة) (2).
(1) لأن أهل الشام يحجون برا عن طريق المدينة.
(2) قال في القاموس : (يلملم وألملم ميقات اليمن ، جبل على مرحلتين من مكة) ، وعن إصلاح المنطق أنه واد ، وكذا عن شرح الإرشاد للفخر ، وهو ميقات لأهل اليمن ، بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدم (ووقّت لأهل اليمن يلملم) (3)3).
(3) قال في القاموس (قرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء ، قرية عند الطائف أو اسم الوادي كله ، وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه ، لأنه منسوب إلى قرن بن رومان بن ناجية بن مراد) ، وهو ميقات للطائف بلا خلاف فيه ، ويدل عليه جملة النصوص المتقدمة منها : صحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم (ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل) (4).
(4) قال في كشف اللثام (وهو في اللغة كل واد عقّه السيل ، أي شقه فأنهره ووسعه ، سمي به أربعة أودية في بلاد العرب ، أحدها الميقات ، وهو واد يتدفق سيله في غوري تهامة كما في تهذيب اللغة) ، وهو ميقات لأهل العراق بلا خلاف للأخبار الكثيرة منها : صحيح الحلبي في الوسائل معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فإنه وقّت لأهل
ص: 330
وأفضله المسلخ) (1) وهو أوله من جهة العراق ، وروي (2) أن أوله دونه بستة أميال ، وليس في ضبط المسلخ شي ء يعتمد عليه. وقد قيل (3) : إنه بالسين والحاء المهملتين واحد المسالح وهو المواضع العالية ، وبالخاء المعجمة لنزع الثياب به ، (ثم) يليه في الفضل (غمرة) وهي وسط الوادي ، (ثم ذات عرق) وهي آخره إلى جهة المغرب ، وبعدها عن مكة مرحلتان قاصدتان (4) كبعد يلملم وقرن عنها (5).
(وميقات حج التمتع مكة) (6) كما مر (7) ، (وحج الإفراد منزله) (8) ، لأنه
______________________________________________________
- العراق - ولم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق) (1).
(1) ذكر الأصحاب أن الأفضل الإحرام من المسلخ ويليه غمرة ، وآخره ذات عرق للمرسل عن أبي عبد الله عليه السلام (وقّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل العراق العقيق ، وأوله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، وأوله أفضل) (2).
(2) وهو صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (أول العقيق بريد البعث ، وهو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراق ، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا ، يريدان) (3).
(3) قاله في التنقيح الرائع (إن المسلح بالسين والحاء المهملتين ، واحد المسالح ، وهو المواضع العالية) وقال الشارح في المسالك (وربما ضبطه بعضهم بالخاء المعجمة ، وكأنه من السلخ ، وهو النزع لأنه ينزع فيه الثياب للإحرام ، ولكن هذا إنما يتم لو كان الاسم طاريا على وصفه ميقاتا).
(4) أي متوسطتان في المسافة.
(5) عن مكة ، وقد تقدم نقل كلام العلامة في التذكرة حول ذلك.
(6) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح عمرو بن حريث الصيرفي عن أبي عبد الله عليه السلام (من أين أحل بالحج؟ فقال عليه السلام : إن شئت من رحلك ، وإن شئت من الكعبة ، وإن شئت من الطريق) (4).
(7) عند بيان أقسام الحج.
(8) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله) (5).
ص: 331
أقرب إلى عرفات (1) من الميقات مطلقا (2) ، لما عرفت من أن أقرب المواقيت إلى مكة مرحلتان هي ثمانية وأربعون ميلا وهي منتهى مسافة حاضري مكة (كما سبق) (3) من أن من كان منزله أقرب إلى عرفات فميقاته منزله. ويشكل (4) بإمكان زيادة منزله بالنسبة إلى عرفة والمساواة فيتعين الميقات فيهما (5) وإن لم يتفق ذلك بمكة (6).
(وكل من حج على ميقات) كالشامي يمر بذي الحليفة (فهو له) (7) وإن لم يكن من أهله ، ولو تعددت المواقيت في الطريق الواحد كذي الحليفة والجحفة (8)
______________________________________________________
(1) قد تقدم أن المدار على الأقربية إلى مكة من الميقات وهذا هو صريح صحيح معاوية المتقدم وغيره.
(2) بالنسبة لجميع المواقيت.
(3) في أقسام الحج حيث قال الماتن : (ويشترط في حج الإفراد النية وإحرامه من الميقات أو من دويرة أهله إن كان أقرب إلى عرفات).
(4) أي لو اعتبر القرب إلى عرفات كما اختاره الماتن فيتعين الإحرام من الميقات لمن كان منزله أقرب إلى الميقات من قربه إلى عرفات ، أو كان مساويا إليهما فكيف جعل إحرامه من منزله دائما؟ وفيه : إنه لم يحكم بكون ميقاته هو منزله دائما بل قال كما سبق ، وقد عرفت أن كلامه السابق قد جعل إحرامه من الميقات أو من دويرة أهله إذا كانت أقرب.
(5) أي فيتعين الإحرام من الميقات في هاتين الصورتين.
(6) أي من كان منزله في مكة فهو أقرب إلى عرفات منه إلى الميقات فيحرم من منزله.
(7) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه كتب إليه (إن رسول الله (ص) وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علة) (1).
(8) فلا خلاف في جواز تأخير الإحرام إلى الجحفة عند الضرورة ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : خصال ... بها عليك أهل مكة قاله : وما هي؟ قلت : قالوا أحرم من الجحفة ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحرم من الشجرة ، فقال : الجحقة أحد الوقتين ، فأخذت بأدناهما وكنت عليلا) (2) ، وخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام (إني خرجت بأهلي ماشيا ، فلم أحلّ حتى أتين الجحفة ، وقد كنت شاكيا ، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون : لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون ، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -
ص: 332
والعقيق بطريق المدني أحرم من أولها مع الاختيار ، ومن ثانيها مع الاضطرار ، كمرض يشق معه التجريد وكشف الرأس ، أو ضعف ، أو حر ، أو برد بحيث لا يتحمل ذلك عادة ، ولو عدل عنه (1) جاز التأخير إلى الآخر اختيارا. ولو أخر إلى الآخر عمدا أتم (2) وأجزأ على الأقوى (3).
(ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة) للميقات (4) وهي (5) مسامته بالإضافة
______________________________________________________
- لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحقة) (1).
وعن الجعفي وابن حمزة في الوسيلة جواز التأخير اختيارا ، لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة) (2) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام سأله عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال : لا بأس) (3) ، ومثلها غيرها إلا أنها محمولة على الضرورة جمعا بين الأخبار ، ثم إن الوارد في الأخبار المرض والضعف لكن لا خصوصية فيهما بل المجوّز للتأخير كل ضرورة يشق معها الإحرام من مسجد الشجرة ، ثم إن توقف التأخير على الضرورة إذا مرّ على مسجد الشجرة أولا ، أما لو عدل ابتداء عن طريقه جاز وكان الإحرام من ميقات الطريق الذي سلكه.
(1) أي عن الميقات الأول ولم يمرّ عليه.
(2) لأنه جاوز الميقات بدون إحرام.
(3) لأن الميقات الآخر ميقات لأهله ولم يمرّ عليه.
(4) إذا حج على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت فالمشهور شهرة عظيمة أنه يجب عليه الإحرام إذا علم أو ظن بمحاذاة الميقات ، بل لم ينقل خلاف في ذلك ، لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها) (4) وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه ، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء) (5).
(5) أي المحاذاة.
ص: 333
إلى قاصد مكة عرفا إن اتفقت ، (ولو لم يحاذ ميقاتا أحرم من قدر تشترك فيه المواقيت) وهو قدر بعد أقرب المواقيت من مكة (1) وهو مرحلتان كما سبق علما (2) ، أو ظنا ، في بر ، أو بحر (3). والعبارة أعم مما اعتبرناه (4) ، لأن المشترك بينها يصدق باليسير ، وكأنه أراد تمام المشترك ، ثم أن تبينت الموافقة (5) ، أو استمر الاشتباه أجزأ ، ولو تبين تقدمه قبل تجاوزه أعاده وبعده (6) ، أو تبين تأخره وجهان من المخالفة وتعبده بظنه المقتضى للإجزاء.
(الفصل الرابع : في أفعال العمرة) المطلقة (7) (وهي الإحرام والطواف والسعي والتقصير) وهذه الأربعة تشترك فيها عمرة الإفراد والتمتع (8) ، (ويزيد في عمرة الإفراد بعد التقصير طواف النساء) وركعتيه (9) ، والثلاثة الأول منها
______________________________________________________
(1) ودليله أن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلا محرما من أي جهة دخل ، هذا وقال الشارح في المسالك (والوجه الآخر أن يحرم من أدنى الحل عملا بأصالة البراءة من الزائد والأول أقوى) ومن ذهب إلى أدنى الحل هو العلامة في القواعد وولده في الشرح.
(2) قيد للبعد.
(3) ذهب ابن إدريس إلى أن من سلك البحر يحرم من جدة ، وكذا جعلها ميقات لأهل مصر ، ولا مستند له كما اعترف بذلك جماعة ، نعم فجدة يصح الإحرام منها إذا كانت محاذية لواحد من المواقيت ، وأما أهل مصر فميقاتهم الجحفة لما تقدم من الدليل عليه.
(4) أي وعبارة الماتن من كون إحرامه من قدر تشترك فيه جميع المواقيت أعم مما اعتبرناه من كون إحرامه من قدر تشترك فيه جميع المواقيت وهو قدر بعد أقرب المواقيت من مكة ، وذلك لأن جميع المواقيت تشترك ولو في القدر اليسير.
(5) عند إحرامه من القدر المشترك بين جميع المواقيت.
(6) أي لو تبين تقدمه قبل تجاوز حمل المحاذاة أعاد الإحرام ، ولو تبين تقدمه بعد التجاوز ، أو تبين تأخر الإحرام عن المحاذاة ففي الإعادة وجهان ، من المخالفة فلا يجزي فيجب العود ، وعن تعبده بظنه المقتضي للاجزاء.
(7) سواء كانت عمرة تمتع أو عمرة مفردة.
(8) بلا خلاف وسيأتي الدليل على ذلك.
(9) أما وجوبه في العمرة المفردة فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، للأخبار منها : خبر إسماعيل بن رباح عن أبي الحسن عليه السلام (عن مفرد العمرة طواف النساء؟ قال :
ص: 334
أركان (1) دون الباقي (2) ، ولم يذكر التلبية من الأفعال كما ذكرها في الدروس ، إلحاقا لها بواجبات الإحرام كلبس ثوبيه ، (ويجوز فيها) أي في العمرة المفردة (الحلق) مخيرا بينه ، وبين التقصير (3) ، ...
______________________________________________________
- نعم) (1) ، وصحيح محمد بن عيسى (كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ وعن التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء) (2).
خلافا للجعفي من عدم وجوبه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعى بين الصفا والمروة فيلحق بأهله إن شاء) (3) ومثله غيره ، والمشهور قد أعرضوا عنها.
وأما المتمتع بها فلا يجب فيها طواف النساء من دون مخالف معروف ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فعلى المتمتع إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم ، وسعي بين الصفا والمروة ، ثم يقصّر وقد حلّ هذا للعمرة) (4). نعم حكى الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف النساء كالمفردة ، لرواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام (إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعى بين الصفا والمروة وقصّر ، فقد حلّ له كل شي ء ما خلا النساء ، فإن عليه لتحلة النساء طوافا وصلاة) (5) وهي ضعيفة بجهالة الراوي فلا تصلح لمعارضة ما تقدم.
(1) والركن هنا ما يبطل الفعل بتركه عمدا لا سهوا ، وغيره ما يوجب الإثم بتركه عمدا ، وسيأتي البحث في ركنية هذه الأمور.
(2) من أفعالها.
(3) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصر) (6) ، وصحيح صفوان بن يحيى عن سالم بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام (قال
ص: 335
(لا في عمرة التمتع) ، بل يتعين التقصير (1) ، ليتوفر الشعر في إحرام حجته المرتبط بها (2).
(القول في الإحرام يستحب توفير شعر الرأس لمن أراد الحج) تمتعا وغيره (من أول ذي القعدة (3) وآكد منه) توفيره (عند هلال ذي الحجة) وقيل : يجب
______________________________________________________
- له : دخلنا بعمرة فنقصر أو نحلق؟ قال : احلق فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترحم على المحلّقين ثلاث مرات ، وعلى المقصّرين مرة (1).
(1) وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى.
(2) أي المرتبط حجه بعمرة التمتع.
(3) ذهب المشهور إلى استحباب توفير شعر الرأس لمن أراد الحج من أول ذي القعدة ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ ) ، شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن أراد الحج وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفّر شعره شهرا) (2) ، واطلاقها يشمل حج التمتع وغيره ، فتخصيص الاستحباب بحج التمتع كما عن الشيخ في النهاية والمبسوط والمحقق في الشرائع والعلامة في القواعد وجملة من كتبه ليس في محله.
ونسب إلى الشيخ في النهاية والاستبصار وجوب التوفير ، لظاهر الأمر في هذه الأخبار ، وإن كان يمكن حمل عبارته على الاستحباب فلا خلاف ، فضلا عن موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج ، فقال عليه السلام : لا بأس به والسواك والنورة) (3) ومثله غيره.
هذا وذهب المفيد في المقنعة إلى أنه لو حلق شعره في ذي القعدة يلزمه دم يهريقه ، لصحيح جميل - كما في الفقيه - عن أبي عبد الله عليه السلام (في متمتع حلق رأسه بمكة قال عليه السلام : إن كان جاهلا فليس عليه شي ء ، وإن تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء ، وإن تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فإن عليه دما يهريقه) (4) ، ودلالته على إهراق الدم في ذي الحجة غير خافية ، لكن حمل على الاستحباب المؤكد جمعا بينه وبين ما تقدم.
ص: 336
التوفير وبالإخلال به دم شاة ، ولمن أراد العمرة توفيره شهرا (1) ، (واستكمال التنظيف) عند إرادة الإحرام (بقص الأظفار ، وأخذ الشارب ، والإطلاء) (2) لما تحت رقبته من بدنه وإن قرب العهد به ، (ولو سبق) الإطلاء على يوم الإحرام (أجزأ) في أصل السنّة وإن كانت الإعادة أفضل (ما لم يمض خمسة عشر يوما) فيعاد (3).
______________________________________________________
(1) كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم وغيره.
(2) فتنظيف الجسد وقص الأظفار والأخذ من الشارب وإزالة شعر العانة والإبطين مطليا أمور أربعة قد دلت عليها الأخبار الكثيرة ،
منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق ، أو إلى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله فانتف إبطيك وقلّم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك ، ولا يضرك بأي ذلك بدأت ، ثم استك واغتسل والبس ثوبيك وليكن فراغك من ذلك إن شاء الله عند زوال الشمس ، وإن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك) (1) وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن التهيؤ للإحرام فقال : تقليم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة) (2) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (السنة في الإحرام تقليم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة) (3).
(3) لخبر علي بن أبي حمزة قال : (سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر فقال : إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية الأخيرة وكم بينهما؟ قال : إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فأطل) (4) ، ثم إن الأولى استحباب إعادة الإطلاء وإن لم تمض هذه المدة كما عن العلامة في المنتهى والتحرير والشهيد في الدروس ، لأنه زيادة في التنظيف ، ولخبر عبد الله بن يعفور (كنا بالمدينة فلا هاني زرارة في نتف الإبط وحلقه ، قلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة : نتفه أفضل ، فاستأذنا على أبي عبد الله عليه السلام فأذن لنا وهو في الحمام يطلي قد أطلى إبطيه ، فقلت لزرارة يكفيك؟ قال : لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله ، فقال : فيما انتما؟ فقلت : إن زرارة لا هاني في نتف الإبط وحلقه ، فقلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة : نتفه أفضل ، فقال : أصبت السنّة وأخطأها زرارة ، حلقه أفضل من نتفه ، وطليه أفضل من حلقه ، ثم قال لنا : اطليا ، فقلنا : فعلنا منذ ثلاث ، فقال : أعيدا فإن الإطلاء طهور) (5).
ص: 337
(والغسل) (1) ، بل قيل بوجوبه ، ومكانه الميقات إن أمكن فيه (2) ، ولو كان مسجدا فقربه عرفا ، ووقته يوم الإحرام (3) بحيث لا يتخلل بينهما حدث (4) ، أو أكل (5) ، ...
______________________________________________________
(1) للأخبار الكثيرة منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين يحرم) (1) ، الخبر ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (وغسل المحرم واجب وغسل يوم العرفة واجب وغسل الزيارة واجب إلا من علة) (2) ، وصحيح هشام بن سالم (أرسلنا إلى أبي عبد الله عليه السلام ونحن جماعة ، ونحن بالمدينة إنا نريد أن نودعك ، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف أن يفرّ الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة ، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني ، فلما أردنا أن نخرج قال : لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة (3) وظاهر النصوص الوجوب ولكنها محمولة على الاستحباب للإجماع المدعى في التذكرة والتحرير ، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافا ، وقد نسب العلامة في المختلف إلى ابن أبي عقيل الوجوب وهو ضعيف.
(2) كما يشهد له ظاهر صحيح هشام بن سالم حيث جوّز لهم الغسل في المدينة خوف إعواز الماء بذي الحليفة.
(3) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (غسل يومك ليومك ، وغسل ليلتك لليلتك) (4).
(4) لصحيح النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال عليه السلام : عليه إعادة الغسل) (5) ومثله غيره ، وظاهر النصوص الاقتصار على النوم وليس فيها تعرض لغيره من الأحداث ، ولذا قال العلامة في القواعد : (ولو أحدث بغير النوم فإشكال ، ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى ، ومن عدم النص عليه) ، وفي الدروس (والأقرب أن الحدث كذلك) ، ونفى البائس عنه في المسالك لأن غير النوم أقوى.
(5) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام إذا لبست ثوبا لا ينبغي -
ص: 338
أو طيب ، أو لبس ما لا يحل للمحرم ، ولو خاف عوز الماء فيه (1) قدّمه في أقرب أوقات إمكانه إليه (2) فيلبس ثوبيه بعده وفي التيمم لفاقد الماء بدله (3) قول للشيخ لا بأس به ، وإن جهل مأخذه (وصلاة سنة الإحرام) وهي ست ركعات (4) ، ثم أربع (5) ، ثم ركعتان (6) قبل الفريضة إن جمعهما (7) ، (والإحرام عقيب) فريضة
______________________________________________________
- لك لبسه ، أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل) (1) ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنّع ولا تطيّب ولا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل) (2) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي فعليه الغسل) (3).
(1) في الميقات.
(2) إلى الغسل ، بلا خلاف فيه للأخبار ، منها : صحيح هشام بن سالم المتقدم.
(3) بدل الغسل ، وقد نسبه الشارح في المسالك إلى الشيخ وجماعة ، وفي كشف اللثام إلى المبسوط والمهذب ، واستدل لهم العلامة في التذكرة بأنه غسل مشروع فناب عنه التيمم ، ثم قال : (وضعفه ظاهر) لأن الأمر إنما تعلق بالغسل فلا يتناول غيره ، وإن كان مما يصلح أن يقوم مقامه على بعض الوجوه ، ولكن هنا لا دليل على القيام.
(4) لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (تصلي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها) (4).
(5) لخبر إدريس بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر ، كيف يصنع؟ قال عليه السلام : يقيم إلى المغرب ، قلت : فإن أبى جمّاله أن يقيم عليه ، قال عليه السلام : ليس له أن يخالف السنّة ، قلت : أله أن يتطوع بعد العصر؟ قال عليه السلام : لا بأس به ، ولكني أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحبّ إليّ ، قلت : كم أصلي إذا تطوعت؟ قال عليه السلام : أربع ركعات) (5).
(6) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة ، فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها) (6).
(7) أي جمع الفريضة وسنة الإحرام ، أما وروده بعد الفريضة للأخبار منها : صحيح معاوية -
ص: 339
(الظهر ، أو فريضة) إن لم يتفق الظهر ولو مقضية إن لم يتفق وقت فريضة مؤداة (ويكفي النافلة) المذكورة (عند عدم وقت الفريضة) ، وليكن ذلك كله بعد الغسل ،
______________________________________________________
- بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها) (2).
هذا وذهب الاسكافي إلى وجوب إيقاع الإحرام عقيب صلاة الفريضة أو النافلة ، والمشهور على الاستحباب للاختلاف الواقع بينه هذا من جهة ويستحب أن يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار وعبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يضرك بليل أحرمت أو نهار ، إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس) (3) ، نعم في إحرام حج التمتع فالأفضل أن يصلي الظهر في منى ، لصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان يوم التروية فأحل بالحج - إلى أن قال - وصل الظهر إن قدرت بمنى) (4) ومثله غيره.
ثم إن لم يكن في وقت الظهر فيكون إحرامه بعد فريضة أخرى كما يقتضيه خبر إدريس بن عبد الله المتقدم ، وقد ذهب الشهيد في الدروس (ولو لم يكن وقت فالظاهر أن الإحرام عقيب فريضة مقضية أفضل) ، وفيه : إنه على خلاف خبر إدريس بن عبد الله المتقدم حيث أمر السائل بتأخير الإحرام إلى ما بعد المغرب إذا صلى العصر.
ثم إن ظاهر النصوص أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة أقله ركعتان وأكثره. ست ركعات ، وإذا كانت الصلاة فريضة فيكتفي بها ومن هنا تعلم ضعف ما ذكره الشارح هنا وفي المسالك ، حيث قال هناك (ظاهر العبارة - أي عبارة الشرائع - تقتضي أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام ، وإنما يكون عند عدم فعل ظهر أو فريضة ، وليس كذلك ، وإنما السنة أن تصلي سنة الإحرام أولا ثم يصلي الظهر أو غيرها من الفرائض ، ثم يحرم ، فإن لم يتفق ثمّ فريضة أقتصر على سنة الإحرام الستة أو الركعتين وأحرم عقيبهما ، ولا فرق في الفريضة بين اليومية وغيرها ، ولا بين المؤداة والمقضية ، وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا).
ص: 340
ولبس الثوبين ليحرم عقيب الصلاة بغير فصل (1).
(ويجب (2) فيه النية المشتملة على مشخصاته) من كونه إحرام حج ، أو عمرة
______________________________________________________
(1) كما هو المستفاد من الأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة ، فصله ركعتين ثم أحرم في دبرها) (1).
(2) أي في الإحرام ، اعلم أن واجبات الإحرام ثلاثة : النية ، والتلبيات الأربع ولبس ثوبي الإحرام ، أما النية فقد تقدم منا أكثر من مرة أنها تشتمل على القصد مع القربة ، وهي واجب في الإحرام بلا خلاف فيه كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب ، ويقتضيه ارتكاز المتشرعة من كون الإحرام عبادة ، والعبادة لا تصح بدون نية ، فضلا عن النصوص وسيأتي التعرض لها.
هذا ويشترط في النية هنا أمور أربعة ، من القصد إلى ما يحرم به من حج أو عمرة ، ومن نوعه من تمتع أو إفراد أو قران ، ومن صفته من وجوب أو ندب ، ومن كون الوجوب حجة الإسلام أو حجة منذورة ، وهذه الأمور الأربعة لا دخل لها في حقيقة النية ، وإنما هي مشخصات المنوي ، هذا ما عليه المشهور ، وقد عرفت في الأبواب السابقة عدم اعتبار نية الوجه من وجوب أو ندب إلا إذا توقف التعيين عليها ، وعرفت عدم اعتبار التلفظ ولا الإخطار بالبال ، بل يكفي الداعي ، نعم يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بنية الإحرام.
منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال : تقول اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد) (2) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسّر لي ذلك وتقبله مني وأعني عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب) (3) ، هذا وقد رود في جملة من الأخبار أفضلية الإضمار كخبر منصور بن حازم (أمرنا أبو عبد الله عليه السلام أن نلبي ولا نسمي ، وقال : أصحاب الإضمار أحبّ إليّ) (4) ، وخبر -
ص: 341
تمتع ، أو غيره ، إسلامي أو منذور ، أو غيرهما ، كل ذلك (مع القربة) التي هي غاية الفعل المتعبد به ، (ويقارن بها) (1) قوله (لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبّيك) (2) ...
______________________________________________________
- إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام (الإضمار أحب إلي ، ولم يسمّ) (1) ، لكنها محمولة عند الأصحاب على التقية.
(1) أي بالنية ، فالمشهور على جواز تأخير التلبية عن النية ، وفي اللمعة هنا اعتبار المقارنة بينهما ، وهو المحكي عن ابن إدريس وابن حمزة وابن سعيد ، والأقوى الأول للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة - إلى أن قال - اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن قال - ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ) (2) ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء) (3)
(2) التلبيات أربعة مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في صورتها على أقوال : القول الأول : أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، وهو مختار المحقق في الشرائع وسيد المدارك ، والعلامة في التحرير والمنتهى ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك ، لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك ، لبيك كشّاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من -
ص: 342
.................................................................................................
______________________________________________________
- منامك وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت منها واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل.
واعلم أنه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر منها) (1).
ووجه الدلالة أن قوله عليه السلام (لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام) هو ما يتم بلفظ لبيك الرابع ، وأن قوله - إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك - يكون خارجا عن التلبية الواجبة ، ويؤيده صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيّت من مكانك من المسجد تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك بحجة تمامها عليك) (2) ، حيث دل هذا الصحيح على أن قوله - إن الحمد والنعمة لك - إلى آخره ليس بواجب في التلبية الواجبة ، هذا ويمكن القول أن قوله عليه السلام في صحيح معاوية المتقدم (وأكثر من ذي المعارج فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر منها) ظاهر في أن ما قبله هو الواجب وأن من ذي المعارج وما بعده هو المستحب وعلى هذا فيكون الخبر من جملة أدلة القول الثاني.
القول الثاني : أن يقول : - بعد العبارة المذكورة في القول الأول - : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) كما عن الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية والأمالي ، والمفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار بل ونسب إلى والد الصدوق ، لصحيح معاوية على ما تقدم شرحه ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لما لبّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، وكان عليه السلام يكثر من ذي المعارج ، وكان يلبّى كلما لقي راكبا ، أو علا أكمة ، أو هبط واديا ، ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات) (3) ، وصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (سأل عن التهيؤ للإحرام فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى -
ص: 343
وقد أوجب المصنف وغيره (1) النية للتلبية أيضا وجعلوها مقدّمة على التقرب بنية الإحرام بحيث يجمع النيتين جملة ، لتحقق المقارنة بينهما (2) كتكبيرة الإحرام لنية الصلاة ، وإنما وجبت النية للتلبية دون التحريمة لأن أفعال الصلاة متصلة حسا وشرعا فيكفي نية واحدة للجملة كغير التحريمة من الأجزاء ، بخلاف التلبية فإنها من حملة أفعال الحج وهي منفصلة شرعا وحسا ، فلا بد لكل واحد من نية. وعلى
______________________________________________________
- البيداء وحيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك عبقة بعمرة إلى الحج) (1) ، وخبر الأعمش عن الصادق عليه السلام (وفرائض الحج : الإحرام والتلبيات الأربع وهي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) (2) ، ومثله غيره ، وهذا القول هو المتعين.
القول الثالث : أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، كما عن السيد في الجمل والشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر وابن حمزة وابن زهرة وابن البراج ، بل جعله في المدارك هو المشهور بين الأصحاب ، وقال : (فلم أقف له على مستند مع شهرته بين الأصحاب ، وقد ذكره العلامة في المنتهى مجردا عن الدليل) ، وكذلك اعترف بذلك غيره.
القول الرابع : أن تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك) ، وهو الذي صرح به الماتن هنا واختاره العلامة في القواعد وابن سعيد في جامعه ، واعترف غير واحد بعدم الشاهد عليه.
(1) لم أعثر على هذا الفرع في كتب القوم ، نعم اشترط الشهيد في الدروس مقارنة التلبية لنية الإحرام وهو المنسوب إلى ابن إدريس والمحقق الثاني ، وأما اشتراط نية للتلبية غير نية الإحرام ، وأن تكون مقارنة للتلبية بجمعها مع نية الإحرام فلا أثر له في كتب القوم ، ولذا قال صاحب الجواهر بعد ما نقل كلام الشارح هنا : (ولا يخفى عليك خلو هذا الكلام من التحصيل ، بل هو خلاف ظاهر النص والفتوى ، ضرورة اقتصارهما في بيان كيفية الإحرام على ذكر نيته وأن يقول : لبيك ، ولبس الثوبين). انتهى.
(2) أي بين التلبية ونية الإحرام.
ص: 344
هذا (1) فكان إفراد التلبية عن الإحرام وجعلها من جملة أفعال الحج أولى كما صنع في غيره (2) ، وبعض الأصحاب جعل نية التلبية بعد نية الإحرام وإن حصل بها فصل (3) ، وكثير منهم لم يعتبروا المقارنة بينهما مطلقا (4). والنصوص خالية عن اعتبار المقارنة ، بل بعضها صريح في عدمها (5).
ولبيك نصب على المصدر (6) ، وأصله لبّا لك (7) أي إقامة (8) ، أو إخلاصا (9) من لب بالمكان إذا أقام (10) به ، أو من لبّ الشي ء وهو خالصه (11). وثنيّ تأكيدا (12) أي إقامة بعد إقامة وإخلاصا بعد إخلاص ، هذا بحسب الأصل. وقد
______________________________________________________
(1) من توقف التلبية على نية غير نية الإحرام.
(2) أي في الدروس ، ولكن في الدروس جعل الإحرام مشتملا على لبس الثوبين والنية والتلبيات الأربع والمقارنة ، ولم يفصل التلبية عن النية ويجعلها من أفعال الحج فراجع.
(3) قد عرفت أن المشهور على الفصل بين نية الإحرام والتلبية وقد تقدم دليله ، وأن الذي اشترط المقارنة هو الشهيد في الدروس وابن إدريس والمحقق الثاني ، وأما الفصل بين نية الإحرام ونية التلبية فلا ذكر له في كلام الأصحاب.
(4) سواء كانت المقارنة حقيقية أو عرفية ، والمراد هنا بين التلبية وبين نية الإحرام.
(5) كصحيح معاوية بن عمار ، وقد تقدم.
(6) قال سيبويه : (انتصب لبيك على الفعل ، كما انتصب سبحان الله) ، وفي الصحاح : (نصب على المصدر كقولك : حمدا لله وشكرا ، وكان حقه أن يقال : لبا لك).
(7) قال في القاموس : (ألبّ أقام كلبّ ، ومنه لبيك ، أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة ، أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري ، تلبّ داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبّة ، محبّة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص).
(8) حكي عن الخليل وأنشد له : لبّ بارض ما تخطاها الغنم ، ومنه قول طفيل :
رددن حصينا من عدي ورهطه
وتيم تلبي في العروج وتحلب
(9) فيكون معنى لبيك : إخلاصي لك ، وهو الذي نقل في القاموس ، واحتمله جماعة وأنشدله:
وكنتم كأم لبّة طعن ابنها
إليها فما ردت عليه بساعد
(10) على المعنى الأوّل.
(11) على المعنى الثاني.
(12) إي البابا لك بعد الباب والإلباب هو الإقامة ، أي إقامة على طاعتك بعد إقامة ، هذا وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وأول من لبّى إبراهيم عليه السلام قال : إن
ص: 345
صار موضوعا للإجابة وهي هنا جواب عن النداء الذي أمر الله تعالى به إبراهيم بأن يؤذن في الناس بالحج ففعل ، ويجوز كسر إن (1) على الاستئناف ، وفتحها بنزع الخافض وهو لام التعليل ، وفي الأول تعميم فكان أولى.
(ولبس ثوبي الإحرام) (2) الكائنين (من جنس ما يصلّي فيه) (3) المحرم فلا
______________________________________________________
- الله عزوجل يدعوكم أن تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية) (1) ، وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته لم جعلت التلبية؟ فقال : إن الله عزوجل أوصى إلى إبراهيم عليه السلام : ( وَأَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً ) ، فنادى فأجيب من كل فجّ يلبّون) (2).
(1) قال في المدارك (يجوز كسر الهمزة من - إن الحمد - وفتحها ، وحكى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية أنه قال : من قال - أن - بفتحها فقد خصّ ، ومن قال بالكسر فقد عمّ ، وهو واضح لأن الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي لبيك بسبب أن الحمد لك).
(2) فهو من واجبات الإحرام بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله - إلى أن قال - والبس ثوبيك) (3).
(3) بلا خلاف فيه كما عن المفاتيح ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه) (4) ، ومفهومه دال على أنه لا يجوز الإحرام في ثوب لا تصح الصلاة فيه ، فيشمل ما لا يؤكل لحمه وجلد المأكول مع عدم التذكية ، والحرير للرجل ، والثوب المتنجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة ، ويشمل الحاكي للصورة ، ويؤيده صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها ، قال : لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة) (5) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة قال : لا يلبسه حتى يغسله ، وإحرامه تام) (6).
ص: 346
يجوز أن يكون من جلد ، وصوف ، وشعر ، ووبر ما لا يؤكل لحمه ولا من جلد المأكول مع عدم التذكية ، ولا في الحرير للرجال (1) ، ولا في الشاف (2) مطلقا (3) ، ولا في النجس غير المعفو عنها في الصلاة ، ويعتبر كونهما غير مخيطين (4) ، ...
______________________________________________________
(1) لأنه مندرج تحت مفهوم صحيح حريز المتقدم ، نعم وقع الخلاف في جواز الإحرام في الحرير للنساء ، فقال المفيد وابن إدريس والفاضل ، بل نسب إلى أكثر المتأخرين الجواز ، لجواز لبسهن له في الصلاة ، وللأخبار ،
منها : صحيح يعقوب بن شعيب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها ، وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ قال : نعم لا بأس به) (1) ، وعن الشيخ والصدوق العدم ، لصحيح العيص. عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين) (2) ، وهو محمول على الكراهة جمعا بينه وبين صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلا الحرير المحض) (3).
(2) أي الحاكي.
(3) قال الشارح في المسالك (فإطلاق عبارات الأصحاب يقتضي عدم جواز الإحرام فيه مطلقا من غير فرق بين الإزار والرداء ، وجزم الشهيد في الدروس بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط ، ولا يبعد عدم اعتباره فيه للأصل ، وجواز الصلاة فيه على هذا الوجه).
(4) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلا أن لا يكون لك نعلان) (4) ، وصحيح زرارة عن أحدهما عليهم السلام (سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه ، فقال : يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه) (5) ، قال سيد المدارك (إن هذه الروايات إنما تدل على تحريم القميص والقباء والسراويل والثوب المزرّر -
ص: 347
ولا ما أشبه (1) المخيط كالمخيط من اللبد ، والدرع المنسوج كذلك ، والمعقود ، واكتفى المصنف عن هذا الشرط (2) بمفهوم جوازه للنساء.
(يأتزر بأحدهما (3) ، ويرتدي بالآخر) (4) بأن يغطي به منكبيه ، أو يتوشح به بأن يغطّي به أحدهما ، وتجوز الزيادة عليهما (5) ، لا النقصان (6) ، والأقوى أن
______________________________________________________
- والمدرّع ، لا على تحريم مطلق المخيط ، وقد اعترف بذلك الشهيد في الدروس - إلى أن قال - ولا ريب أن اجتناب مطلق المخيط كما ذكره المتأخرون أحوط).
(1) قال في المدارك : ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه ، كالدرع المنسوخ وجبة اللبد ، والملصق بعضه ببعض ، واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط لمشابهته إياه في المعنى من الترفّه والتنعم ، وهو استدلال ضعيف ، والأجود الاستدلال عليه بالنصوص المتضمنة لتحريم الثياب على المحرم ، فإنها متناولة بإطلاقها لهذا النوع ، وليس فيها تقييد بالمخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص).
(2) أي اشتراط عدم المخيط للرجال بما يصرح به من جوازه للنساء.
(3) ففي الجواهر (ظاهر الأصحاب الاتفاق على الاتزار بأحدهما كيف شاء).
(4) فعن جماعة منهم العلامة في المنتهى والتذكرة أنه يرتدي به ، بأن يلقيه على عاتقيه جميعا ويسترحما به ، وعن ابن حمزة في الوسيلة أنه يتوشح به بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف وهو المنقول عن الأزهري وجماعة من أهل اللغة ، وعن العلامة في القواعد والشارح في المسالك وعن الشيخ أيضا التخيير بين التوشح والارتداء المذكور ، إلا أنه في كشف اللثام وغيره عدم وجوب شي ء من الهيئتين للأصل بل يجوز التوشح بالعكس بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيسر وإلقاؤه على الأيمن ، وإن كان الأولى كون التردي المذكور أولى الهيئات للتعبير في النصوص بالرداء ، والمنساق منه هو التردي به على النحو المذكور ، ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (والتجرد في إزار ورداء) (1).
(5) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يتردّى بالثوبين قال : نعم ، والثلاثة إن شاء يتقي بها الحر والبرد) (2).
(6) بلا خلاف للأمر بلبس ثوبين في جملة من الأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار
ص: 348
لبسهما واجب ، لا شرط في صحته (1) ، فلو أخل به اختيارا أثم وصح الإحرام.
(والقارن يعقد إحرامه بالتلبية) بعد نية الإحرام ، (أو بالإشعار ، أو التقليد) (2) المتقدمين ، وبأيهما بدأ استحب الآخر (3) ومعنى عقده بهما (4) على تقدير المقارنة (5) واضح فبدونهما لا يصح أصلا ، وعلى المشهور (6) يقع (7) ولكن لا يحرم محرمات الإحرام بدون أحدهما (8).
______________________________________________________
- المتقدم (والبس ثوبيك) (1) ، وصحيح ابن سنان المتقدم (والتجرد في إزار ورداء) (2).
(1) أما عدم اشتراط صحة الإحرام بلبس الثوبين لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والأشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (3) ، وإطلاقه ينفي شرطية لبس الثوبين في صحة الإحرام ، نعم لبسهما واجب لما تقدم من الاخبار وعليه فلو خالف فيجب نزع القميص وعليه اثم وقد صح إحرامه وقال في الجواهر (لا أجد فيه خلافا صريحا إلا من الاسكافي ولا ريب في ضعفه).
(2) على المشهور ، لأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدمة ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) (4) ، وصحيح معاوية الآخر عنه عليه السلام (تقلدها فعلا خلقا قد صلّيت فيه ، والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية) (5) ، وعن السيد والمرتضى عدم جواز الإحرام إلا بالتلبية بناء على أصلهما من عدم حجية خبر الواحد ، ولا ريب في ضعفه.
(3) فقد اعترف غير واحد بعدم العثور له على مستند ، وقال سيد المدارك (ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف في ذلك) ، وردّه في الجواهر (أنه لا يقتضي استحباب الآخر).
(4) أي بالتلبية وسياق الهدي الذي هو الاشعار أو التقليد.
(5) بين نية الإحرام والتلبية.
(6) من عدم اعتبار المقارنة بين التلبية ونية الإحرام كما تقدم الكلام فيه.
(7) أي الإحرام.
(8) إما التلبية وإما سياق الهدي.
ص: 349
(ويجوز) الإحرام (في الحرير (1) والمخيط (2) للنساء) في أصح القولين على كراهة ، دون الرجال والخناثى (3) ، (ويجزئ) لبس (القباء) ، أو القميص (مقلوبا) (4) بجعل ذيله على الكتفين ، أو باطنه ظاهرة من غير أن يخرج يديه من
______________________________________________________
(1) قد تقدم الكلام فيه.
(2) القول بالجواز هو المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك ، للأخبار منها : صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين) ((1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المرأة إذا أحرمت أتلبس السراويل؟ فقال : نعم إنما تريد بذلك الستر) (2) ، ولم يخالف إلا الشيخ في النهاية حيث قال : (ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ويحل لها ما يحل له - إلى أن قال - وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء) ، وهو غير ظاهر في الخلاف ، وإلا فقد عرفت أنه محجوج ، ثم لم يقل أحد هنا بالكراهة ، نعم قيل بالكراهة في لبس الحرير دونه. هذا وهل لبس ثوبي الإحرام مختص بالرجل أو يعم المرأة ، فقد حكى في الجواهر عن بعض الفضلاء الثاني ، ولا ريب في ضعفه لأن ثوبي الإحرام مشروطة بكونها من جنس ما يصلي فيه ، وقد عرفت جواز لبس المخيط والحرير للنساء الكاشف عن أن ثوبي الإحرام المشروطة بما ذكر مختصان بالرجل ، فضلا عن الارتكاز الشرعي والسيرة العملية بين المسلمين المأخوذة يدا بيد إلى زمن المعصومين عليهم السلام.
(3) فعدم الجواز لأن ما خرج من النصوص هو المرأة ، وكون الخنثى امرأة مشكوك.
(4) عند فقد الرداء ، وهذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره فيلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء) (3) ، وخبر مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام (من اضطرّ إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه) (4) ، وذهب ابن إدريس والفاضل والشهيد في كون المقلوب هو جعل الأعلى أسفل ، وهذا ما صرحت به رواية الحناط ، وعن جماعة تفسير المقلوب بجعل الباطن ظاهرا ، ويشهد له خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره لباطنه) (5).
ص: 350
كميه ، والأول أولى وفاقا للدروس والجمع أكمل. وإنما يجوز لبس القباء كذلك (لو فقد الرداء) ليكون بدلا منه ، ولو أخل بالقلب ، أو أدخل يده في كمه فكلبس المخيط (1) ، (وكذا) يجزئ (السراويل لو فقد الإزار) (2) من غير اعتبار قلبه ولا فدية في الموضعين (3).
(ويستحب للرجل) ، بل لمطلق الذكر (4) (رفع الصوت بالتلبية) (5) حيث يحرم إن كان راجلا بطريق المدينة (6) ، أو مطلقا بغيرها (7) ، وإذا علت راحلته البيداء راكبا بطريق المدينة ، وإذا أشرف على الأبطح متمتعا (8) ، ...
______________________________________________________
- واجتزأ العلامة في المختلف ويحيى بن سعيد بأحد الوجهين أخذا بالأخبار ، وقال جماعة الأولى منه الجمع بين الوجهين بقلب ظاهره مع قلب أعلاه لأسفله.
(1) للنهي عنه في صحيح الحلبي المتقدم ، ولو خالف فعليه كفارة وإن صح إحرامه.
(2) بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار) (1).
(3) عند لبس القباء والسراويل عند فقد الرداء والإزار.
(4) لإطلاق الأدلة الآتية.
(5) لصحيح حريز عن الصادقين (عما) (لما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبرائيل عليه السلام فقال : مر أصحابك بالعج والثج ، فالعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج نحر البدن) (2) ، ومرسلة فضالة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الله وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية والسعي بين الصفا والمروة دخول الكعبة واستلام الحجر) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس على النساء جهر بالتلبية) ((4).
(6) لصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت راحلتك البيداء) (5).
(7) أي بغير طريق المدينة ، والإطلاق سواء كان راجلا أو راكبا لعموم صحيح حريز المتقدم.
(8) أي إذا كان محرما بحج التمتع لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان -
ص: 351
وتسر المرأة والخنثى (1) ، ويجوز الجهر حيث لا يسمع الأجنبي وهذه التلبية غير ما يعقد به الإحرام إن اعتبرنا المقارنة ، وإلا جاز العقد بها ، وهو ظاهر الأخبار (2).
(وليجدد عند مختلف الأحوال) بركوب ونزول ، وعلوّ وهبوط ، وملاقاة أحد ويقظة ، وخصوصا بالأسحار ، وأدبار الصلوات (3) ، (ويضاف إليها التلبيات المستحبة) وهي لبيك ذا المعارج إلخ.
(ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة) (4) وحدّها عقبة المدنيين إن دخلها من
______________________________________________________
- يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج ، ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الردم فلبّ ، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى) (1).
(1) لأن الجهر موضوع للرجل وهي مشكوك في رجوليتها فلا يعمها الحكم.
(2) كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يلبّ حتى يأتي البيداء) (2).
(3) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : التلبية أن تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك تبدي والمعاد إليك لبيك ، لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبّيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك ، لبيك كشّاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة ، وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت وأجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل) (3).
(4) لأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخلت مكة وأنت
ص: 352
أعلاها ، وعقبة ذي طوى إن دخلها من أسفلها (والحاج إلى زوال عرفة (1) ، والمعتمر مفردة إذا دخل الحرم) (2) إن كان أحرم بها من أحد المواقيت ، وإن كان قد
______________________________________________________
- متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين - إلى أن قال - فاقطع التلبية) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية) (2) ، وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال : إذا نظر إلى عراش مكة ، عقبة ذي طوى ، قلت : بيوت مكة؟ قال : نعم) (3) ، هذا وقد جمع الشهيد بين الأول والثالث بحمل الأول على من أدخلها من أعلاها ، وبالثاني على من دخلها من أسفلها ، وعن السيد والشيخ بحمل الأول على من أتاها من طريق المدينة ، وبحمل الثاني على من أتاها من طريق العراق.
(1) للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس) (4) وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية) (5).
(2) قيل والقائل الصدوق والمحقق في النافع كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة للأخبار ، منها : صحيح عمر بن يزيد من أبي عبد الله عليه السلام (ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة) (6) ، وموثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية) (7) ، وخبر مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام (يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل اخفافها في الحرم) (8) ، وعليه فيكون مخيرا في هذه المواضع ، وذهب المشهور إلى أنه إذا خرج من مكة لإحرام العمرة المفردة فيقطع إذا شاهد الكعبة كما هو صريح صحيح عمر بن يزيد المتقدم ، وصحيح معاوية بن عمار عن عبد الله عليه السلام (من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد) (9) ، وأما إذا كان إحرامه من أحد المواقيت فإذا دخل الحرم بحمل بقية الأخبار على ذلك جمعا بينها.
ص: 353
خرج لها من مكة إلى خارج الحرم ، فإذا شاهد بيوت مكة (1) إذا لا يكون حينئذ بين أول الحرم وموضع الإحرام مسافة.
(والاشتراط قبل نية الإحرام) (2) متصلا بها بأن يحله حيث حبسه. ولفظه المروي : «اللهمّ إنّي أريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك (ص) ، فإن عرض لي شي ء يحبسني فحلّني حيث حبسني لقدرك الذي قدّرت عليّ اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطّيب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة».
(ويكره الإحرام في) الثياب (السود) (3) ، بل مطلق الملوّنة بغير البياض كالحمراء (والمعصفرة وشبهها) (4) ، ...
______________________________________________________
(1) كما في خبر يونس المتقدم ، أو إذا شاهد الكعبة كما في صحيح عمر بن يزيد ، ولا تنافي لأن مشاهدة بيوت مكة تستدعي مشاهدة الكعبة لعلوها.
(2) بأن يشترط أن يحلّه حيث حبسه سواء أحرم بعمرة أو حج ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام الواردة في كيفية الإحرام حيث قال فيها : (اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب ، ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة) (1) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسّر لي ذلك وتقبله مني ، وأعني عليه ، وحلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت عليّ) (2) ، وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه) (3).
(3) لموثق الحسين بن مختار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال : لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به الميت) (4) ، وهو محمول على الكراهة عند الأصحاب.
(4) المعصفر - كما في مصباح المنير - نبت معروف ، وعصفرت الثوب صبغته بالعصفر فهو
ص: 354
وقيدها في الدروس بالمشبعة (1) ، فلا يكره بغيره ، والفضل في البيض (2) من القطن (3) ، (والنوم عليها) (4) أي نوم المحرم على الفرش المصبوغة بالسواد ، والعصفر وشبهها من الألوان ، (والوسخة) (5) إذا كان الوسخ ابتداء ، أما لو عرض
______________________________________________________
- معصفر ، وهو صبغ أحمر كما هو المعروف ، والكراهة لخبر أبان بن تغلب (سأل أبا عبد الله عليه السلام أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ، ألبسه وأنا محرم؟ فقال : نعم ليس في العصفر من الطيب ، ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس) (1) ، وللتعليل في الخبر جعل صاحب الجواهر - وشبهه - أي ما يفيد الشهرة ولو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما ، ثم إن التعليل في الخبر لا يدل على كراهة مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة به إلا بالمشبع منه ، ولذا قال العلامة في المنتهى (لا بأس بالمعصفر في الثياب ويكره إذا كان مشبعا وعليه علماؤنا) ، وقريب منه ما عن التذكرة.
(1) أي ذات اللون الشديد.
(2) لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (خير ثيابكم البيض ، فالبسوها أحياءكم ، وكفنوا بها موتاكم) (2) ، ويؤيده صحيح معاوية بن عمار عن عبد الله عليه السلام (كان ثوبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفّن) (3) ، والظاهر أنهما من اللون الأبيض للقطع باستحباب ذلك في الكفن.
(3) لما رواه الكليني مرسلا (أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثوبي كرسف) (4) والكرسف هو القطن كما في مصباح المنير.
(4) لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء) (5) ، والمرفقة هي المخدة ، وقال في المدارك (وكراهة الأصفر يقتضي كراهة الأسود بطريق أولى) لأن فيه إشباع لون أكثر.
(5) لصحيح العلاء بن رزين عن أحدهما (عما) (عن الثوب الوسخ أيحرم فيه المحرم؟ فقال : لا ، ولا أقول إنه حرام ولكن يطهره أحبّ إلي وطهره غسله) (6) ، ولو عرض له الوسخ في أثناء الإحرام لم يغسل ما دام طاهرا ، لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (لا -
ص: 355
في أثناء الإحرام كره غسلها ، إلا لنجاسة ، (والمعلمة) (1) بالبناء للمجهول ، وهي المشتملة على لون آخر يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين ، أو بعده بالطرز والصبغ.
(ودخول الحمام) (2) حالة الإحرام ، (وتلبية المنادي) (3) بأن يقول له : «لبيك» ، لأنه في مقام التلبية لله ، فلا يشرك غيره فيها بل يجيبه بغيرها من الألفاظ كقوله يا سعد ، أو يا سعديك.
______________________________________________________
- يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ وإن توسخ ، إلا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله) (1).
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم ، وتركه أحبّ إليّ إذا قدر على غيره) (2) ، والمعلم هو المشتمل على لون يخالف لونه ليعرف به ، وهو يشمل ما لو كان معمولا كذلك من رأس كالمحوك من لونين ، وما لو كان بعد الحياكة بالطرز والصبغ.
(2) بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المحرم يدخل الحمام؟ قال : لا يدخل) (3) ، وقد حمل النهي على الكراهة جمعا بينه وبين صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن يدخل المحرم الحمام ، ولكن لا يتدلك) (4) ، وأما التدليك فقد ورد النهي عنه في الصحيح المتقدم وفي صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يغتسل؟ قال : نعم ، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه) (5) ، ولكن محمول على الكراهة للإجماع - كما في الجواهر - على جوازه ، بحيث لا يدمي ولا يسقط شعرا.
(3) بأن يقول له لبيك ، لأنه في مقام التلبية لله فلا يشرك غيره فيها ، ولصحيح حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى ينقضي إحرامه ، قلت : كيف يقول؟ قال : يقول يا سعد) (6) ، وهو محمول على الكراهة للمرسل عن ابن عبد الله عليه السلام (يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي وهو محرم) (7).
ص: 356
(وأما التروك المحرّمة فثلاثون - صيد البر) (1) ، وضابطه (2) الحيوان المحلل
______________________________________________________
(1) يحرم على المحرم الاصطياد والإثارة والدلالة والإغلاق والذبح والأكل منه سواء صاده محرم أو محل ، وقال في المدارك : (وهذا الحكم مجمع عليه بني الأصحاب) لقوله تعالى : ( يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (1) وقوله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً ) (2) ، الدالان على حرمة اصطياده وأكله ، وللأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم ، ولا تدل عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه الفداء لمن تعمده) (3) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل) (4) وصحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (عن لحوم الوحش تهدى للرجل وهو محرم لم يعلم بصيده ولم يأمر به ، أيأكله؟ قال : لا) (5).
وأما الدلالة والاغلاق عليه والإثارة فيستدل له بصحيح الحلبي الأول ، كما أن صريحه لا يجوز الدلالة وأقسامها سواء كان لمحل أو محرم.
وأما الذبح فلموثق اسحاق عن جعفر عليه السلام (إن عليا عليه السلام كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكل محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم) (6).
(2) المراد من صيد البر هو صيد كل حيوان ممتنع بالأصالة ، وهذا ما ذهب إليه المسالك والجواهر وغيرهما ، وذهب المحقق إلى أنه الحيوان الممتنع وأشكل عليه بأنه يدخل فيه ما توحش من الأهلي وامتنع كالابل والبقر مع أن قتله جائز إجماعا كما عن المسالك ، ويخرج منه ما استأنس من الحيوان البري كالظبي مع أنه لا يجوز قتله ، وذهب الأكثر إلى أنه الحيوان الممتنع المحلّل الأكل ، ويرد عليه أنه لا يحرم قتل غير المأكول غير الثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والزنبور ، ونقل عن أبي الصلاح تحريم قتل جميع الحيوانات ما لم يخف منه أو يكن حية أو عقربا أو فأرة ، والاختلاف في التعريف مسبّب من أنه إذا قتل شيئا هل عليه جزاء أو لا ، فما عليه في قتله الجزاء فهو داخل في صيد البر ، وإلا فلا ، وهذا سيأتي تفصيله في أحكام الصيد.
ص: 357
الممتنع بالأصالة. ومن المحرّم : الثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والقمّل والزنبور والعظاءة ، فلا يحرم قتل الأنعام وإن توحشت ، ولا صيد الضبع والنمر والصقر وشبهها من حيوان البر ، ولا الفأرة والحية ونحوهما ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها ، بل يحرم الإعانة عليه ، (ولو دلالة) عليها ، (وإشارة) إليها بأحد الأعضاء وهي أخص من الدلالة.
ولا فرق في تحريمها على المحرم بين كون المدلول محرما ومحلا ، ولا بين الخفية والواضحة ، نعم لو كان المدلول عالما به بحيث لم يفده (1) زيادة انبعاث عليها فلا حكم لها (2) ، وإنما أطلق المصنف صيد البر مع كونه مخصوصا بما ذكر تبعا للآية ، واعتمادا على ما اشتهر من التخصيص.
(ولا يحرم صيد البحر (3) ، وهو ما يبيض ويفرخ) معا (فيه) (4) ، لا إذا تخلف أحدهما وإن لازم الماء كالبط ، والمتولد بين الصيد وغيره يتبع الاسم ، فإن
______________________________________________________
(1) أي ذلك الصادر من المحرم لم يفد المدلول شيئا عن الصيد لأنه عالم به.
(2) قال في الجواهر (الظاهر اختصاص الحكم بما هو المنساق من النص والفتوى من كون الإشارة والدلالة مسبّبة للصيد ، فلا تحرم دلالة من يرى الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئا ، ولا دلالة من لا يريد الصيد ، كما صرح به غير واحد).
(3) بلا خلاف فيه ، لصحيح حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ، ويأكل مالحه وطريّه ويتزود ، قال الله ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ ) قال : مالحه الذي تأكلون وفصّل ما بينهما ، كل طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البحر) (1) ، وصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام (- إلى أن قال - كل طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ ، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر) (2).
(4) قال الشارح في المسالك (كون الماء محلا للفرخ والبيض ، فما يبيض ويفرّخ في البرّ صيد البرّ وإن لازم الماء كالبط ، فمحل البيض هو المعيار لمن يتردد إليهما) وهو مما لا خلاف فيه - كما في الجواهر - للنصوص السابقة.
ص: 358
انتفيا عنه (1) وكان ممتنعا فهو صيد إن لحق بأحد أفراده ، (والنساء بكل استمتاع) من الجماع ومقدماته (2) (حتى العقد) (3) ، (ولا) الشهادة عليه (4) وإقامتها وإن
______________________________________________________
(1) أي فإذا انتفى الاسمان عن المتولد وكان ممتنعا بحسب الأصل فهو صيد لانطباق صيد البر عليه.
(2) أما الوطء فبلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( فَلٰا رَفَثَ وَلٰا فُسُوقَ وَلٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ ) (1) والرفث هو الجماع ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله ، وقلة الكلام إلا بخير ، فإن إتمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما قال الله عزوجل ، فإن الله يقول ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَلٰا فُسُوقَ وَلٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ ) ، فالرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله) (2).
وأما مقدمات الجماع فلخبر أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه السلام (يا أبا سيار إن حال المحرم ضيقة ، إن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، وإن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله ، ومن مسّ امرأته وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، وإن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه) (3) ، ويستفاد منه حرمة التلذذ بالنساء مطلقا ولذا حرم النظر بشهوة وإن لم يمنى.
(3) لنفسه أو لغير بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوّج محلا فتزويجه باطل) (4).
(4) سواء كان العقد بين محلّين أو محرمين ، أو مختلفين ، بلا خلاف فيه ، لمرسل ابن فضال عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه بطل) (5) ، ومرسل ابن أبي شجرة عن أبي عبد الله عليه السلام (في المحرم يشهد على نكاح محلّين ، قال : لا يشهد) (6) ، نعم إذا كان العقد بين محلّين فلا يبطل بشهادة المحرم عليه لأنه لا يعتبر فيه الشهادة.
ص: 359
تحملها محلا (1) ، أو كان العقد بين محلين (2) ، (والاستمناء) (3) وهو استدعاء المني بغير الجماع ، (ولبس المخيط) (4) وإن قلّت الخياطة ، (وشبهه) مما أحاط (5) كالدرع (6) المنسوج واللبد المعمول كذلك (7) ، (وعقد الرداء) (8) ...
______________________________________________________
(1) أي يحرم عليه الشهادة على العقد لو تنازع الزوجان في وقوع العقد وعدمه ، فلا يجوز له الشهادة وإن تحملها وهو محلّ ، وقال في المدارك (والمشهور عموم المنع لكن دليله غير واضح).
(2) استوجه العلامة في التذكرة اختصاص التحريم هنا بعقد وقع بين محرمين أو محرم ومحل ، وحكى عنه ولده في شرح القواعد (إن ذلك هو المقصود من كلام الأصحاب) ، ونفى عنه البأس في المدارك قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم ، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) (1) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم ، بدنة والحج من قابل) (2).
(4) قد تقدم الكلام فيه.
(5) بالبدن ، نقل الشهيد في الدروس عن ابن الجنيد أن حرمة المخيط من حيث كونه ضاما بالبدن ، وقد عرفت سابقا أنه لا نهي عن المخيط حتى يكون من باب الضام بالبدن أو لا ، وإنما وردت النصوص بالنهي عن الثوب والسراويل ونحوه مما تقدم ذكره.
(6) وهو كل ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان وكذا المدرعة ، وهو ثوب يلبس فوق القميص وفوق جميع الثياب ، ولا يبعد صدقه على العباء المتعارف الآن كما عن البعض.
(7) أي مما أحاط ، والملبد هو الملحق بعضه ببعضه لا على نحو النسج ولا على نحو الخياطة.
(8) لموثق سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال : لا) (3) ، وحملها سيد المدارك على الكراهة لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم ، وضعفه ظاهر إذ الحجية لموثوق الصدور.
ص: 360
وتخليله (1) وزرّه (2) ونحو ذلك (3) ، دون عقد الإزار (4) ونحوه (5) فإنه جائز ، ويستثنى منه (6) الهميان (7) فعفي عن خياطته ،
(ومطلق الطيب) (8) وهو الجسم ذو
______________________________________________________
(1) التخليل هو جمع طرفيه ، وذهب إلى الحرمة العلامة في التذكرة والشارح في المسالك لأنه خياطة أو ملحق بها.
(2) للنهي عن زرّ الثوب الذي يدخل فيه الرداء ، والنهي في أخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوبا تزره) (1).
(3) مما هو ملحق بالخياطة.
(4) قال في المدارك (قال في المنتهى يجوز للمحرم أن يعقد إزاره عليه لأنه يحتاج إليه لستر العورة فيباح كاللباس للمرأة وهو حسن).
(5) كالتخليل.
(6) من المخيط.
(7) قال في المنتهى (جواز لبس الهميان قول جمهور العلماء) ، للأخبار منها : صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه؟ قال : نعم ، ويلبس المنطقة والهميان) (2) ، ويجوز شده على وسطه كما في معتبرة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم يشدّ الهميان في وسطه؟ فقال : نعم ، وما خيره بعد نفقته) (3).
(8) أما أنه يحرم على المحرم الطيب شمّا وأكلا فهو في الجملة موضع وفاق ، وإنما الخلاف فيما يحرم من الطيب فذهب المفيد والمرتضى وابن بابويه والشيخ في موضع من المبسوط وابن إدريس والمحقق والعلامة وولده والشهيدان إلى تحريم الطيب بأنواعه ، وذهب الشيخ في التهذيب إلى أنه يحرم المسك والعنبر والزعفران والورس ، وأضاف في النهاية والخلاف إلى هذه الأربعة العود والكافور.
واستدل القائلون بالتعميم بالأخبار الكثيرة على ذلك منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تمسّ شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك ، وامسك على أنفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عنه من الريح المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة) (4).
واحتج الشيخ في التهذيب على وجوب اجتناب الأنواع الأربعة خاصة بصحيح معاوية بن -
ص: 361
الريح الطيبة المتخذ للشم غالبا غير الرياحين (1) كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يطلب منه الأكل (2) ، ...
______________________________________________________
- عمار الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والزعفران والورس ، غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح) (1) ، وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (الطيب المسك والعنبر والزعفران والعود) (2) ، وخبر عبد الغفار عن أبي عبد الله عليه السلام (الطيب والمسك والعنبر والزعفران والورس ، وخلوق الكعبة لا بأس به) (3) ، وظاهر هذه الأخبار حصر الطيب بهذه المذكورات ، وإن كان الأحوط الاجتناب عن مطلق الطيب ، نعم هذه الروايات المفصلة لم تتعرض لذكر الكافور مع أنه يحرم على المحرم الميت بالاتفاق فعلى الحي من باب أولى.
ثم إن الطيب قد عرفه الشارح في المسالك (بأنه الجسم ذو الريح الطيبة ، المتخذ للشم غالبا غير الرياحين ، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور) وعرّفه العلامة (بأنه ما تطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد والأدهان الطيبة كدهن البنفسج والورس) وعرّفه الشهيد بأنه (كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة ، أو إلى مزاج المستعمل له غير الرياحين)
(1) فهو خروج موضوعي لعدم صدق الطيب عليه ، أما أنه محرم شمّه أو لا فقد وقع الخلاف فيه ، فعن صاحب الحدائق وسيد المدارك حرمته ، لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تمس الريحان وأنت محرم) (4) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله (لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به) (5) ، وعن المحقق والعلامة والحلي ونسب إلى الإسكافي أيضا الكراهة جمعا بينها وبين صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن تشم الأخير والقيصوم والخزامى والشيخ وأشباهه وأنت محرم) (6) بناء على أن المراد من أشباهه ما يعم الرياحين ، وفيه : إن المراد به مطلق نبات الصحراء كما عن المدارك ، فالأحوط الاجتناب عنه.
(2) كالتفاح والاترج ، للأخبار منها : خبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يتخلل؟ قال : نعم لا بأس ، قلت له : يأكل الأترج؟ قال : نعم ، قلت له : فإن له رائحة طيبة فقال : إن الأترج طعام وليس هو من الطيب) (7).
ص: 362
أو التداوي (1) غالبا كالقرنفل ، والدار صيني وسائر الأبازير الطيبة فلا يحرم شمه ، وكذا ما لا ينبت للطيب كالفوتنج والحناء والعصفر وأما ما يقصد شمه من النبات الرطب كالورد والياسمين فهو ريحان.
والأقوى تحريم شمه أيضا (2). وعليه المصنف في الدروس ، وظاهره هنا عدم التحريم ، واستثنى منه الشيخ والخزامى والإذخر والقيصوم (3) إن سميت ريحانا ، ونبه بالإطلاق على خلاف الشيخ حيث خصه بأربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس وفي قول آخر له بسنة بإضافة العود والكافور إليها. ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة (4) والعطر في المسعى (5) ، (والقبض من كريه الرائحة) (6) ،
______________________________________________________
(1) لخروجه عن اسم الطيب لغة وعرفا.
(2) كالطيب ، وقد تقدم الكلام فيه.
(3) لصحيح معاوية بن عمار المتقدم.
(4) لصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام فقال : لا بأس به ، هما طهوران) (1) وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم ، فقال : لا بأس وهو طهور ، فلا تتقه أن يصيبك) (2) ، ومثله غيره ، والخلوق هو ضرب من الطيب كما في القاموس ، وعن النهاية أنه طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة أو الصفرة.
(5) لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه) (3).
(6) فالمشهور حرمة إمساك الأنف عن شمها بل عن الغنية ففي الخلاف فيه للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه) (4) وصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (وأمسك على أنفك من الرائحة الطيبة ولا تمسك عنه من الريح المنتنة) (5).
ص: 363
لكن لو فعل فلا شي ء عليه (1) الإثم ، بخلاف الطيب (2).
(والاكتحال بالسواد (3) والمطيب) (4) ، لكن لا فدية في الأول (5) ، والثاني من أفراد الطيب (6) (والادّهان) (7) ...
______________________________________________________
(1) للأصل.
(2) وسيأتي في أحكام الكفارات إنشاء الله تعالى.
(3) كما عن المفيد والشيخ وسلار وابن إدريس وابن الجنيد وغيرهم أنه محرم للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة) (1) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تكتمل المرأة المحرمة بالسواد ، إن السواد زينة) (2) ، وعن الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والمحقق في النافع أنه مكروه لخبر هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران ، وليكحل بكحل فارسي) (3) ، بناء على إرادة الكحل الأسود من الكحل الفارسي كما قيل.
(4) على المشهور ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما الزينة فلا) (4) ، ومرسل أبان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اشتكى المحرم عينه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب) (5).
وعن الإسكافي والشيخ في الجمل والقاضي ابن البراج أنه مكروه للأصل بعد الزعم بخروج الاكتحال بالمطيب عن استعمال الطيب عرفا : وفيه : إن لو سلم فالنص الخاص هنا كاف.
(5) قال في الجواهر (وعلى كل حال ففي المسالك لا فدية فيه على القولين ولعله للأصل).
(6) قال في الجواهر (ثم إن فديته فدية الطيب على الظاهر كما صرح به في المسالك).
(7) فالادهان بما فيه طيب حال الإحرام بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تمسّ شيئا من الطيب وأنت محرم ولا من الدهن) (6) ، بل يحرم عليه الأدهان به قبل الإحرام إذا بقي أثره إلى حين الإحرام للأخبار منها : -
ص: 364
بمطيب وغيره اختيارا (1) ولا كفارة في غير المطيب منه (2) ، بل الإثم ، (ويجوز أكل الدهن غير المطيب) إجماعا (3) (والجدال (4) ، وهو قول لا والله وبلى والله) ،
______________________________________________________
- صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ) (1).
وأما الادهان بما ليس فيه طيب فحال الإحرام محرّم على المحرم ، للأخبار وقد تقدم بعضها ، ومنها يعرف جواز الادهان بما ليس فيه طيب قبل الإحرام.
(1) لأنه يجوز في حال الاضطرار بشرط أن لا يكون الدهن فيه طيب ، للأخبار منها : صحيحابن مسلم عن أحدهما (عما) (سألته عن محرم تشققت يداه ، قال : يدهنهما بزيت أو سمن أو إحالة) (2) وصحيح هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمّل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت) (3) الظاهرين في حال الاضطرار.
(2) قال في المدارك (ولو أدهن بغير المطيب فعل حراما ولا فدية فيه ، للأصل السالم من المعارض ، أما المطيّب فقال في المنتهى : إنه تجب الفدية باستعماله ولو اضطر إليه ، لصحيح معاوية بن عمار (في محرم كانت به قرصة فداواها بدهن بنفسج قال : إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه) (4) انتهى.
(3) للأصل السالم عن المعارض ، نعم أكل الدهن المطيّب فهو من أفراد الطيب فيلحقه حكمه بالكفارة والحرمة.
(4) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَلٰا فُسُوقَ وَلٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ ) (5) ، وللأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فالرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله) (6) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (الرفث جماع النساء ، والفسوق الكذب والمفاخرة ، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله) (7) ، وقال سيد المدارك (ويستفاد من هذه الروايات انحصار الجدل في هاتين الصيغتين ، وقيل يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا ، -
ص: 365
وقيل : مطلق اليمين ، وهو خيرة الدروس. وإنما يحرم مع عدم الحاجة إليه فلو اضطر إليه لإثبات حق ، أو نفي باطل فالأقوى جوازه (1) ، ولا كفارة.
(والفسوق (2) وهو الكذب) مطلقا (3) (والسباب) للمسلم ، وتحريمهما ثابت في الإحرام وغيره ، ولكنه فيه آكد كالصوم والاعتكاف ولا كفارة فيه سوى الاستغفار (4)
______________________________________________________
- واختاره الشهيد في الدروس ، ولعل مستنده قول الصادق عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار (إن الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء ، وهو محرم فقد جادل وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به) (1) ، وهو ضعيف لأنه هذا الإطلاق غير مناف للحصر المتقدم).
(1) لحديث الرفع (2) الموجب لعدم الكفارة ، واحتمل في الجواهر ثبوتها لأن الكفارة من باب الأسباب.
(2) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( فَلٰا رَفَثَ وَلٰا فُسُوقَ ) (3) ، وللأخبار قد تقدم بعضها في الجدال ، وإنما الكلام في المراد منه ، فقال جماعة منهم الشيخ والصدوقان والمحقق إن الفسوق هو الكذب للأخبار منها : خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (أما الرفث فالجماع ، وأما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى : ( يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ ) والجدال هو قول الرجل لا والله وبلى والله وسباب الرجل الرجل) (4) ، وخبر معاوية بن عمار المروي في تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام (فالرفث الجماع والفسوق الكذب والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله) (5).
وعن المرتضى وابن الجنيد وجمع من الأصحاب أنه الكذب والسباب لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (والفسوق الكذب والسباب) (6) ، وعن ابن زهرة وابن البراج أنه الكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم السلام ، وقال في الجواهر (لم نعثر لهم على دليل).
(3) سواء كان على الله أو على رسوله والأئمة أو على غيرهم.
(4) لصحيح الحلبي ومحمد بن مسلم ، هذا في رواية الفقيه ، وأما في رواية الكافي فعن الحلبي فقط قالا لأبي عبد الله عليه السلام (أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله له حدا ، يستغفر الله ويلبّي) (7).
ص: 366
(والنظر في المرآة) (1) بكسر الميم وبعد الهمزة ألف ولا فدية له (2) (وإخراج الدم (3)
______________________________________________________
(1) على الأكثر ، لصحيح حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، فإنه من الزينة) (1) وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنه من الزينة) (2) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تنظر المحرم في المرآة لزينة ، فإن نظر فليلبّ) (3).
وعن الشيخ في الخلاف وابن حمزة والمحقق في النافع أنه مكروه ، وقال في الجواهر (لا داعي إلى حمل النهي فيها على الكراهة).
(2) كما صرح بذلك في المسالك للأصل السالم عن المعارض.
(3) يحرم كما هو قول الشيخين في المقنعة والنهاية ، وهو قول المرتضى وابن إدريس والعلامة والشهيدين للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كيف يحك رأسه؟ فقال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر) (4) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يستاك؟ قال : نعم ولا يدمي) (5) ، وصحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يحتجم؟ قال : لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم) (6) وخبر الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يحتجم؟ قال : لا إلا أن يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة فقال : إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر) (7).
وعن الشيخ في الخلاف والمحقق في الشرائع وسيد المدارك الكراهة للجمع بين ما تقدم وبين صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر) (8) وفي الخبر (احتجم الحسن بن علي عليه السلام وهو محرم) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم يستاك؟ قال : نعم ، قلت : فإن أدمى يستاك؟ قال : نعم هو السنة) (10) ، وهذه الأخبار كما يمكن حملها على الكراهية لخبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يحتجم؟ قال : لا أحبه) (11) ، وهو ظاهر في الكراهة ، فيمكن حملها على الضرورة كما هو صريح الطائفة الأولى وهو الأقوى.
ص: 367
(اختيارا) ولو بحك الجسد والسواك ، والأقوى أنه لا فدية له (1) واحترز بالاختيار عن إخراجه لضرورة كبطّ جرح ، وشقّ دمل ، وحجامة ، وفصد عند الحاجة إليها فيجوز إجماعا.
(وقلع الضرس) (2) والرواية مجهولة مقطوعة ، ومن ثم أباحه جماعة خصوصا مع الحاجة. نعم يحرم من جهة إخراج الدم ، ولكن لا فدية له ، وفي روايته أن فيه شاة ، (وقصّ الظفر) (3) ، بل مطلق إزالته ، أو بعضه اختيارا ، فلو انكسر فله
______________________________________________________
(1) للأصل السالم عن المعارض ، وعن الدروس (وفدية إخراج الدم شاة ذكره بعض أصحاب المناسك ، وقال الحلبي في حك الجسم حتى يدمي مدّ طعام مسكين) ، وقال في الجواهر (ولم يحضرني دليله بالخصوص) ، هذا كله مع عدم الضرورة وأما معها فقال في التذكرة (إنه جائز بلا خلاف ولا فدية فيه إجماعا) ، بل ظاهر خبر الصيقل المتقدم أنه لا شي ء عليه.
(2) كما عن الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط وابن البراج في المهذب ، لخبر محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان (أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء ، محرم قلع ضرسه ، فكتب عليه السلام : يهريق دما) (1) ، وبالانصراف يحمل على الشاة لو أخذ بها.
وذهب جماعة منهم ابن الجنيد والصدوق نفي البائس عن قلع الضرس ، لخبر الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يؤذيه ضرسه ، أيقلعه؟ قال : نعم لا بأس به) (2) ، مع استضعاف مستند التحريم.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من قلّم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (3) ، وموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل نسي أن يقلّم أظفاره عند إحرامه قال : يدعها ، قلت : فإن رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلّم أظفاره ويعيد إحرامه ففعل ، قال : عليه دم يهريقه) (4).
ص: 368
أزالته (1) والأقوى أن فيه الفدية كغيره للرواية.
(وإزالة الشعر) (2) بحلق ونتف وغيرهما مع الاختيار ، فو اضطر (3) كما لو
______________________________________________________
- هذا والمستفاد من هذه النصوص هو الأعم من القص فيكون المدار على مطلق الإزالة ، وهي ظاهرة في الاختيار.
(1) أي إزالة المكسور عند الضرورة والأذية وعليه الفدية كما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ، قال : لا يقصّ منها شيئا إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام) (1).
(2) قليله وكثيره ، من الرأس واللحية وسائر البدن ، سواء كان بالحلق والقص أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف في ذلك كله ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من حلق أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (2) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا نتف الرجل ابطيه بعد الإحرام فعليه دم) (3) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر) (4) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يحتجم ، قال : لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ، ولا يحلق مكان المحاجم) (5).
(3) فمع الاضطرار فلا إثم فيه ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كعب بن حجرة الأنصاري ، والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، قال : فأنزلت هذه الآية ( فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحلق رأسه وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين مدان ، والنسك شاة) (6) ، هذا وقال العلامة في المنتهى : (لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا ، للآية والأحاديث السابقة ، ثم ينظر فإن كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه ، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبيه -
ص: 369
نبت في عينه جاز إزالته ولا شي ء عليه ، ولو كان التأذي بكثرته ، لحر ، أو قمل جاز أيضا لكن يجب الفداء ، لأنه محل المؤذي ، لا نفسه (1) والمعتبر إزالته بنفسه ، فلو كشط جلدة عليها شعر فلا شي ء في الشعر (2) ، لأنه غير مقصود بالإبانة.
(وتغطية الرأس (3) للرجل) بثوب وغيره حتى بالطين والحناء والارتماس
______________________________________________________
- بحيث يمنعه الإبصار ، لأن الشعر أضرّ به فكان له إزالة ضرره كالصيد إذا صال عليه ، وإن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل والقروح برأسه والصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية ، لأنه قطع الشعر لإزالة ضرر عنه فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة.
لا يقال : القمل من ضرر الشعر ، والحر سببه كثرة الشعر فكان الضرر منه أيضا لأنا نقول : ليس القمل من الشعر ، وإنما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر ، فهو محل لا سبب ، وكذلك الحر من الزمان ، لأن الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به ، فقد ظهر أن الأذى في هذين النوعين ليس من الشعر) انتهى ، وقريب منه ما في الدروس وكشف اللثام وغيرهما ، لكن في المدارك استشكل في ذلك لإطلاق الآية الشريفة فإذا كانت الإزالة بسبب المرض للأذى في الرأس فالمتجه لزوم الفدية ، وأما ما كان لغير ذلك فالأصل عدم الفدية.
(1) أي لا نفس الشعر هو المؤذي.
(2) قال في الجواهر (لخروجه عن مفهوم الإزالة فضلا عن القص والقلم والحلق والنتف).
(3) بلا خلاف ، للأخبار منها : خبر عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهم السلام (المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه) (1) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب؟ قال : نعم ، ولا يخمّر رأسه) (2) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (عن محرم غطى رأسه ناسيا ، قال : يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شي ء عليه) (3) ، هذا وإطلاق النصوص يقتضي عدم الفرق بين الستر بالمتعارف والمعتاد أو بغيرهما كالطين والحناء وحمل متاع يستره ، وقال سيد المدارك (وهو غير واضح لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب لا مطلق الستر ، مع أن النهي لو تعلق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه وهو الستر بالمعتاد) ، وقد عرفت -
ص: 370
وحمل متاع يستره ، أو بعضه. نعم يستثنى عصام القربة (1) ، وعصابة الصداع (2) وما يستر منه بالوسادة (3) ، وفي صدقه باليد وجهان (4) ، وقطع في التذكرة بجوازه ، وفي الدروس جعل تركه أولى. والأقوى الجواز لصحيحة معاوية بن عمار ، والمراد بالرأس هنا منابت الشعر (5) ...
______________________________________________________
- الاطلاق بل وقع الاتفاق على حرمة الارتماس مع أنه تغطية للرأس بغير المتعارف ، للأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يرتمس المحرم في الماء) (1) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك) (2).
ثم لا فرق بين تغطية تمام الرأس أو بعضه كما صرح به الفاضل والشهيد وغيرهما لأن النهي في الأخبار المتقدمة يشمل تغطية بعضه كما يشمل تغطيه تمامه.
(1) من دون خلاف كما في الجواهر ، لصحيح ابن مسلم (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال : نعم) (3) ، وقال في مصباح المنير (وعصام القربة رباطها وسيرها الذي تحمل به).
(2) لصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يعصب الرجل المحرم رأسه من الصداع) (4).
(3) أي من الرأس ، قال في التذكرة (لأن المتوسد يطلق عليه عرفا أنه مكشوف الرأس).
(4) أي صدق التغطية فيما لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فاستظهر الجواز في المدارك وهو مختار العلامة في المنتهى وغيره ، واستشكله في التحرير ، وجعل في الدروس تركه أولى ، ودليل الجواز لعدم صدق الستر به ولذا لو وضع يده على فرجه في الصلاة فلا يعتبر مستور العورة ، ولأنه مأمور بوجوب مسح الرأس باليد في الوضوء المقتضي لستره باليد في الجملة ، ولصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس ، وقال : لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض) (5) ، وأما دليل المستشكل لاحتمال صدق الستر مع الالتزام بكون مسح اليد على الرأس في الوضوء مخصصا ، وهو ضعيف مع وجود هذا الصحيح.
(5) قال في المدارك (ذكر جمع من الأصحاب أن المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصة حقيقة
ص: 371
حقيقة ، أو حكما (1) ، فالأذنان ليستا منه ، خلافا للتحرير.
(و) تغطية (الوجه) (2) ، أو بعضه (3) (للمرأة) ، ولا تصدق (4) باليد كالرأس ، ولا بالنوم عليه ، ويستثنى من الوجه ما يتم به ستر الرأس (5) لأن مراعاة الستر
______________________________________________________
- أو حكما ، وظاهرهم خروج الاذنين منه ، وبه صرح الشارح قدس سره ، واستوجه العلامة في التحرير تحريم سترهما ، وهو متجه لما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن. والظاهر أنه ابن الحجاج. قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما؟ قال : لا) (1).
(1) كما لو كان أصلع أو أقرع.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عما) (المحرمة لا تنتقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقبة وهي محرمة فقال : أحرمي واسفري وأرضي ثوبك من فوق رأسك ، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك ، قال رجل : إلى أين ترضيه؟ قال : تغطي عينها ، قلت : تبلغ فمها؟ قال : نعم) (3) ، وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام (مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها) (4).
هذا ويجوز وضع اليدين عليه وجواز نومها على وجهها لعدم تناول الأخبار لذلك ، ثم إن الأصحاب قد جوزوا لها سدل ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف الأنف كما سيأتي.
(3) لخبر عبد الله بن ميمون المتقدم المانع عن النقاب ، وهو يستر بعض الوجه.
(4) أي التغطية.
(5) قال الشارح في المسالك ، ولقد أجاد فيما أفاد : (قد اجتمع في المرأة فعلان واجبان متنافيان في الحدود ، وهما الوجه فإنه يجب كشفه ، والرأس فإنه يجب ستره ، ولا مفصل محسوس بينهما ، ومقدمة الواجب متعارضة فيهما ، والظاهر أن حق الرأس مقدم لأن الستر أحوط من الكشف ولأن حق الصلاة أسبق) انتهى ، وأيضا لأن حق الصلاة أهم من الإحرام ، بل يمكن القول بأن أدلة وجوب كشف الوجه في الإحرام ناظرة إلى -
ص: 372
أقوى ، وحق الصلاة اسبق ، (ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها (1) بغير إصابة وجهها) على المشهور ، والنص خال من اعتبار عدم الإصابة ، ومعه (2) لا يختص بالأنف ، بل يجوز الزيادة ، ويتخير الخنثى (3) بين وظيفة الرجل والمرأة فتغطي الرأس ، أو الوجه (4) ، ولو جمعت بينهما كفّرت (5) ، (والنقاب) للمرأة (6) ، وخصه مع دخوله في تحريم تغطية الوجه تبعا للرواية ، وإلا فهو كالمستغنى عنه (والحناء للزينة) (7) ،
______________________________________________________
- المتعارف من كشف وجه المرأة حال كونها ساترة للرأس بما يوجب ستر بعض الوجه من باب المقدمة وعليه فلا تعارض بين الأدلة.
(1) بلا خلاف فيه ، لصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (كره النقاب - يعني للمرأة المحرمة - وقال : تسدل الثوب على وجهها ، قلت : حد ذلك إلى أين؟ قال : إلى طرف الأنف قدر ما تبصر) (1) ، نعم قد ورد في الأخبار أن تسدله إلى فمها كما في صحيح الحلبي المتقدم ، وأن تسدله إلى الذقن كما في صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن) (2) ، وأن تسدله إلى النحر كما في صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها (3) ، وهذا يقتضي التخيير ، نعم يشترط عدم إصابة وجهها كما هو المشهور للجمع بين هذه الصحاح الدالة على السدل وبين الصحاح الدالة على منع التغطية بحمل الأدلة على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية.
(2) أي مع عدم إصابة الوجه.
(3) لدوران الأمر بين محذورين إما وجوب كشف الرأس إن كان رجلا وإما وجوب ستره إن كان امرأة ، والأصل في مثله التخيير لعدم ترجيح أحدهما على الآخر.
(4) أي وإن كان رجلا فيجوز له تغطية الوجه.
(5) ففي ستر الرأس فالكفارة شاة ، وفي ستر الوجه فدية له للأصل السالم عن المعارض ، ولكن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فعليها كفارة الرأس للشك في خروجها عن الرجولية.
(6) لخبر عبد الله بن ميمون المتقدم (المحرمة لا تنتقب) (4).
(7) ذهب العلامة في المنتهى إلى التحريم واختاره الشارح في المسالك والروضة هنا ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنه من الزينة ، ولا تكتحل المرأة
ص: 373
لا للسنة (1) سواء الرجل والمرأة ، والمرجع فيهما إلى القصد ، وكذا يحرم قبل الإحرام إذا بقي أثره إليه (2). والمشهور فيه الكراهة ، وإن كان التحريم أولى. (والتختم للزينة) (3) لا للسنة (4) والمرجع فيهما إلى القصد أيضا.
(ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلي (5) ، وإظهار المعتاد) منه (للزوج) وغيره من
______________________________________________________
- بالسواد ، إن السواد زينة) (1) ، والتعليل يقتضي حرمة الزينة مطلقا بما فيها الحناء إذا كان لها ، وذهب الأكثر إلى الكراهة ، لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن الحناء فقال : إن المحرم ليمسه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس) (2) ، ويمكن حمله على ما لو اتخذه لا للزينة جمعا بين الأخبار.
(1) صرح أكثر من واحد بذلك ، والمدار على القصد ، وقال في المدارك (ويمكن المناقشة فيه بأن قصد السنة به لا يخرجه عن كونه زينة) ، وفيه : إنه لا بد من التفصيل جمعا بين الأخبار كما تقدم.
(2) للتعليل بالزينة التي تنطبق على الحناء سواء كان بعد الإحرام ، أو قبله إذا بقي أثره ، والمشهور على الكراهة بطريق أولى ولخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن امرأة خافت الشقق ، فإذا أرادت أن تحرم هل تخضب يديها بالحناء قبل ذلك؟ قال : ما يعجبني أن تفعل) (3) ، وهي ظاهرة في الكراهة ، ولكن لا بد من التمسك بعموم حرمة الزينة فضلا عن ضعف الخبر المذكور وأنه مقتضى الاحتياط.
(3) بلا خلاف ، لخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (وسألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال عليه السلام : لا يلبسه للزينة) (4) ، فضلا عن حرمة عموم الزينة كما في صحيح حريز المتقدم.
(4) وأما للسنة فيجوز بلا خلاف ، لصحيح محمد بن إسماعيل (رأيت العبد الصالح وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة) (5) ، وصحيح ابن أبي نصر عن نجيح عن أبي الحسن عليه السلام (لا بأس بلبس الخاتم للمحرم) (6) ، وهذه الأخبار محمولة على اللبس للسنة جمعا بين الأخبار.
(5) يحرم على المرأة لبس الحلي للزينة بلا خلاف ولا إشكال للأخبار منها : صحيح ابن مسلم
ص: 374
المحارم ، وكذا يحرم عليها لبسه للزينة مطلقا (1) والقول بالتحريم كذلك هو المشهور ولا فدية له سوى الاستغفار (2).
(ولبس الخفين (3) ...
______________________________________________________
- عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرمة تلبس الحلّي كله إلا حليا مشهورا للزينة) (1) ، فضلا عما تقدم من حرمة عموم الزينة ، ويحرم عليها لبس ما لم تعتده وإن لم يكن بقصد الزينة لصحيح حريز عن أب عبد الله عليه السلام (إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليّها) (2) ، ومفهومه عدم جواز ما لم تعتده حال الإحرام هذا على المشهور ، وجعله المحقق على الأولى بنحو يشعر بتردده ، لعدم صراحة الصحيح في إثبات مفهومه ، ولتعميم الإباحة لكل حلي لها ما لم يكن للزينة كما في صحيح ابن مسلم المتقدم.
نعم إن الحلي المعتاد لها وإن جاز لبسه لغير الزينة كما هو حاصل ما تقدم ، لكن يحرم عليها إظهاره حتى لزوجها لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق ، تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها ، أتنزعه إذا احرمت أو تتركه على حاله؟ قال : تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها) (3) ، ومقتضى الرواية حرمة إظهاره للرجال مطلقا فيندرج في ذلك الزوج والمحارم وغيرهما مع عدم الوجه لتخصيص الزوج.
(1) سواء كان معتادا أو لا.
(2) للأصل السالم عن المعارض.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا تلبس السراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعل) (4) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (وأيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما) (5) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين ، قال : له أن يلبس الخفين إن اضطر إلى ذلك وليشقه عن ظهر القدم) (6) ، وهي ظاهرة في حرمة -
ص: 375
للرجل وما يستر ظهر قدميه) مع تسميته لبسا (1). والظاهر أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين (2) (والتظليل للرجل (3) الصحيح سائرا)
______________________________________________________
- ستر ظهر القدم بما يسمى لبسا كما صرح به الشهيدان وهذا الحكم مختص بالرجل لاختصاص الأخبار المتقدمة به ، فلا يحرم على المرأة اختيارا ، وخالف الشيخ فجعل المنع عاما للرجل والمرأة معا لقاعدة الاشتراك.
(1) أما ستره بغير اللبس فليس بمحرم ، ولذا قال في الجواهر : (ولا ستره جميعه بغير اللبس كالجلوس وإلقاء طرف الإزار وكونه تحت الغطاء في النوم للأصل بعد الخروج عن النص (لأن النصوص ظاهرة في حرمة اللبس لظهر القدم.
(2) كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة ، ومنه تعرف ضعف ما في الجواهر حيث قال (نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساترا لظهر القدم بتمامه ، فلا يحرم الساتر لبعضه ، وإلا لم يجز النعل ، ودعوى أن حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض ممنوعة ، بعد أن كان العنوان في الحرمة هو المجموع الذي لا يصدق على البعض) ، وفيه : إن ظاهر الأخبار هو حرمة الجميع - لا المجموع - وهو يقتضي حرمة البعض.
(3) على المشهور للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليه السلام (سألته عن المحرم يركب القبة فقال : لا ، قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم) (1) ، وصحيح ابن المغيرة عن أبي الحسن الأول عليه السلام (أظلل وأنا محرم؟ قال : لا ، قلت : فأظلل وأكفر؟ قال : لا ، قلت : فإن مرضت؟ قال : ظلّل وكفر) (2) ، وهذه الأخبار ظاهرة في حرمة التظليل ومنه تعرف ضعف ما عن ابن الجنيد من جعل ترك التظليل أولى ومستحبا وهذا الحكم مختص بحال السير فيجوز للمحرم الاستغلال بالسقف والشجرة والخباء حال النزول عند العلماء كافة كما في التذكرة ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل صحيح جعفر المثنى عن أبي الحسن عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظل بالخباء وفي البيت والجدار) (3) ، وخبر محمد بن الفضيل (كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة ، وكان هناك أبو الحسن موسى وأبو يوسف ، فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه فقال : يا أبا الحسن جعلت فداك المحرم يظلّل؟ قال : لا ، قال : فيستظلّ بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء؟ قال : نعم ، قال : فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ ، فقال له أبو
ص: 376
فلا يحرم نازلا اجماعا ، ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه (1) ، والمعتبر منه ما كان فوق رأسه ، فلا يحرم الكون في ظل المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه. واحترز بالرجل عن المرأة والصبي فيجوز لهما الظل اتفاقا ، وبالصحيح عن العليل (2) ، وان لا يتحمل الحر والبرد بحيث يشق عليه بما لا يتحمل عادة ،
______________________________________________________
- الحسن عليه السلام : يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسك وقياس أصحابك ، إن الله عزوجل أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه شاهدين ولو يرض بهما إلا عدلين ، وأمر في كتابه بالتزويج وأحمله بلا شهود ، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل الله ، وأبطلتم شاهدين فيما أكد الله عزوجل ، وأجزتم طلاق المجنون والسكران ، حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحرم ولم يظلّل ، ودخل البيت والخباء واستظلّ بالمحمل والجدار ففعلنا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسكت (1) ، ثم إن هذا الحكم مختص بالرجل لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون) (2) ، وصحيح ابن مسلم المتقدم.
(1) مما لم يكن فوق رأسه بلا خلاف فيه كما في المنتهى لصحيح ابن بزيع (كتبت إلى الرضا عليه السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب نعم) (3) ، هذا وظاهر عبارته بجواز التظليل ماشيا ونازلا دون ما لم كان راكبا أن التظليل المحرم مختص بحال الركوب فقط ولذا قال صاحب الجواهر (وعلى كل حال فصريح ثاني الشهيدين اختصاص حرمة التظليل بحال الركوب دون المشي ، وفيه منع واضح لإطلاق الأدلة التي لا ينافيها النهي عنه حال الركوب الذي هو أحد الأفراد ، نعم في صحيح ابن بزيع - إلى أن قال - إلا أنه يمكن دعوى انسياقه إلى إرادة المشي في ظله لا الكون تحت الحمل والمحمل وحينئذ فلا يختص بالماشي ، بل يجوز للراكب ذلك أيضا ، على أنه لم سلم كان ينبغي الاقتصار عليه لا تخصيص الحرمة بحال الركوب على وجه يجوز له المشي مع التظليل بشمسية ونحوها مما لم يكن فوق رأسه) انتهى.
(2) فيجوز للاضطرار للأخبار منها : صحيح ابن بزيع (سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطرا وشمس وأنا أسمع ، فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى) (4) ، وصحيح إبراهيم بن أبي محمود (قلت للرضا عليه السلام : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس -
ص: 377
فيجوز له الظل لكن تجب الفدية ، (ولبس السلاح اختيارا) (1) في المشهور وإن ضعف دليله (2) ، ومع الحاجة إليه يباح قطعا ، ولا فدية فيه مطلقا (3).
(وقطع شجر الحرم وحشيشه) (4) الأخضرين (5) ، (إلا الإذخر (6) وما ينبت ف
______________________________________________________
- والمطر يضرّ به ، قال : نعم ، قلت : كم الفداء؟ قال : شاة) (1) وصحيح ابن المغيرة المتقدم.
(1) فالمشهور على حرمته ، لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (أيحمل السلاح المحرم؟ فقال : إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه) (3).
وعن المحقق والعلامة أنه مكروه لعدم حجية مفهوم الشرط ، أو لكون جمل بعض السلاح مما يوجب تغطية الرأس كالمغفر أو لصدق اللبس وإحاطة البدن كالدرع والبيضة فيحرم لذلك لا لكونه حملا للسلاح ، فلا يشمل حمل السهم والسيف والرمح ونحوه مما لا يصدق عليه اللبس ولا يحيط بالبدن ، ويدل عليه التعبير بلبس السلاح في الأخبار.
(2) بناء على أن الدليل هو مفهوم الشرط.
(3) لحاجة أو عدمها ، للأصل السالم عن المعارض ، وما يتوهم أنه معارض موهون لإعراض الأصحاب عنه ، وهو صحيح الحلبي المتقدم ، وظاهره ثبوت الكفارة عليه إذا لبسه مع عدم الخوف ، إلا أنه لا قائل بذلك كما اعترف غير واحد كما في الجواهر.
(4) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ، إلا ما انبتّه أنت أو غرسته) (4) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان أصلها ، قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها) (5).
(5) لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (حرم الله حرمه بريدا في بريد أن يختلي خلاه ويعضد شجره إلا الاذخر) (6) ، والخلاء هو الرطب من النبات كما عن مصباح المنير والنهاية ، نعم عن غيرهما خلافه فعن الجوهري (الخلاء مقصورا الحشيش اليابس) ، ولذا ذهب بعضهم إلى حرمة قطع كل ما ينبت في الحرم حتى اليابس.
(6) قد استثنى من الحكم السابق أربعة أشياء الأول : الاذخر ، وهو بكسر الهمزة والخاء -
ص: 378
(ملكه ، وعودي المحالة) بالفتح وهي البكرة الكبيرة التي يستقى بها على الإبل قاله الجوهري. وفي تعدي الحكم إلى مطلق البكرة نظر (1) ، من ورودها لغة مخصوصة ، وكون الحكم على خلاف الأصل (وشجر الفواكه) ، ويحرم ذلك (2) على المحل أيضا (3) ، ولذا لم يذكره في الدروس من محرمات الإحرام (4) ، (وقتل هوامّ الجسد) (5)
______________________________________________________
- المعجمة نبت معروف ، واستثناؤه لصحيح زرارة المتقدم ، الثاني : ما ينبت في ملكه بلا خلاف في ذلك ، لخبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال : إن بني المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كان نبتت في منزله وهو له قلعها) (1) ، بالإضافة إلى صحيح حريز المتقدم ، الثالث : عود المحالة ، والمحالة بفتح الميم كما نص عليه الجوهري ، وقيل بكسرها ، وهي البكرة العظيمة ، وعوداها اللذان تجعل عليهما ليستقي بها ، والاستثناء لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قطع عودي المحالة - وهي البكرة التي يستقى بها - من شجر الحرم ، وإلا ذخر) (2) ، وفي الطريق ضعف لأن الخبر مرسل من الشيخ زرارة ، فلذا ذهبت جماعة إلى عدم الاستثناء فيه ، الرابع : شجر الفواكه سواد أنبته الله أو الآدميون بلا خلاف ، للأخبار منها : خبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة ، قال : عليه ثمنه يتصدق به ، ولا ينزع من شجر مكة شي ء إلى النخل وشجر الفواكه) (3).
(1) من عدم التعدي عن النصوص لأنه قياس ، ومن التعدي لأن الحكم في عودي المحالة تنبيه بالأعلى على الأدنى ، وقال في الجواهر : (ثم على تقدير الجواز ينبغي الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة المسماة بالمحالة اقتصارا على خصوص النصوص).
(2) أي قطع شجر الحرم وحشيشه.
(3) بلا خلاف لصريح صحيح حريز المتقدم (كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين) (4).
(4) إذا كان قطع شجر الحرم وحشيشه محرفا على المحرم معا فلا داعي لجعله من تروك الإحرام ، بجعل مسألة برأسها كما فعل في الدروس.
(5) بلا خلاف في الجملة للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام -
ص: 379
بالتشديد جمع هامة ، وهي دوابه كالقمل والقراد (1) ، وفي إلحاق البرغوث بها قولان (2) أجودهما العدم. ولا فرق بين قتله مباشرة وتسبيبا (3) كوضع دواء يقتله ، (ويجوز نقله) (4) من مكان إلى آخر من جسده ، وظاهر النص والفتوى عدم اختصاص المنقول إليه بكونه مساويا للأول ، أو أحرز ، نعم لا يكفي ما يكون معرضا لسقوطه قطعا ، أو غالبا.
______________________________________________________
- (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة) (1) ، وصحيح زرارة (سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغسل بالماء؟ قال : يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة (2) ، وخبر أبي الجارود (سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قملة وهو محرم ، قال : بئس ما صنع ، قلت : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها) (3) ، والمشهور على حرمة القتل سواء كانت الدابة على ثوبه أو جسده لإطلاق الأخبار ، وعن الشيخ في المبسوط وابن حمزة أنهما جوزا قتل ذلك إذا كان على البدن ، وليس لهما مستند ظاهر.
(1) مثل عزاب مت يتعلق بالبعير ونحوه ، وهو كالقمل للإنسان كما عن مصباح المنير.
(2) العدم ، لخبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه ، قال : نعم) (4) ، ولكن في نسخة (إذا أذاه) فضلا عن خبر زرارة الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم) (5) ، وهو محمول على الضرورة جمعا بين الأخبار ، ولذا يقوى حرمة قتله في الحرم وغيره كما عن البعض.
(3) لصدق القتل في الجميع.
(4) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده ، وإن أراد يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضره) (6) ، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين نقله إلى مكان أحرز مما كان فيه أو غيره ، وقيده الشارح في المسالك بالمساوي أو الأحرز ، وهو تقييد من غير دليل كما في المدارك ، نعم يمكن القول بالمنع من وصفه في محل يكون معرّضا للسقوط لأنه يؤول إلى الإلقاء المحرّم كما في خبر الحسين بن العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ، ولا من
ص: 380
(القول في الطواف. ويشترط فيه رفع الحدث) (1) مقتضاه عدم صحته من المستحاضة والمتيمم (2) ، لعدم إمكان رفعه في حقهما وإن استباحا العبادة بالطهارة. وفي الدروس أن الأصح الاجتزاء بطهارة المستحاضة والمتيمم مع تعذر المائية ، وهو المعتمد ، والحكم مختص بالواجب ، أما المندوب فالأقوى عدم اشتراطه بالطهارة وإن كان أكمل ، وبه صرح المصنف في غير الكتاب.
______________________________________________________
- جسده متعمدا) (1).
(1) الأصغر والأكبر ، واشتراط الطهارة منهى في الطواف الواجب بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت) (2) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب ، فذكر وهو في الطواف ، قال : يقطع طوافه ، ولا يقيّد بشي ء مما طاف ، وسألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء ، قال : يقطع طوافه ولا يعتدّ به) (3).
وأما في الطواف المندوب فذهب الأكثر على عدم الاشتراط ، للأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء؟ قال : يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف) (4) ، وصحيح ابن مسلم (سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر؟ قال : يتوضأ ويعيد طوافه ، وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين) (5) ، وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي) (6) ، وعن أبي الصلاح والعلامة اشتراط الطهارتين تمسكا بإطلاق بعض الروايات المتضمنة لاعتبار الطهارة في الطواف ، وهو ضعيف مع هذه الأخبار المفصّلة ، نعم لا يمكن أن يكون جنبا لحرمة دخوله المسجد الحرام.
(2) ظاهر عبارة الشارح أن التيمم البدلي عن الوضوء والغسل لا يبيح الدخول في الطواف الواجب ، لأنه بنية استباحة الصلاة فلا يرفع الحدث ، وقال في الجواهر مستشكلا على شرح العبارة : (وفي اللمعة اعتبار الحدث فيه - أي الطواف - واستظهر منها في الروضة عدم إجزاء الطهارة الاضطرارية ، ولكن يمكن منعه عليه ، بأنه يريد من رفع الحدث ما -
ص: 381
(و) رفع (الخبث) (1) ، وإطلاقه أيضا يقتضي عدم الفرق بين ما يعفى عنه
______________________________________________________
- يشمل ذلك ولو حكما) انتهى ، وذلك لأن الأصحاب قد جعلوا التيمم بدل الوضوء أو الغسل بجميع أحكامها كما يقتضيه عموم صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا) (1) ، ولذا كان المعروف من مذهبهم استباحة الطواف بالتيمم كما يستباح بالوضوء والغسل ، نعم ذهب العلامة وولده فخر المحققين إلى أنه لا يباح بالتيمم للجنب دخول المسجدين ولا اللبث في بقية المساجد ، ولازمه أن لا يكون التيمم رافعا للحدث وأن لا يستباح به الطواف ، وقد عرفت ضعفه.
وأما المستحاضة فطهارتها المأمورة بها مجزية لها ورافعة للحدث ، للأخبار منها : مرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام (المستحاضة تطوف بالبيت وتصلي ولا تدخل الكعبة) (2).
(1) أي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن سواء كان في الطواف الواجب أو المندوب كما عن الأكثر للأخبار منها : النبوي المشهور (الطواف بالبيت صلاة) (3) ، فيشترط فيه ما يشترط في الصلاة ولو كانت مندوبة ، ولعموم خبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف؟ قل : ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ، ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه) (4) ، وعن ابن الجنيد وابن حمزة الكراهة في ثوب نجس وإن لم يعف عنه في الصلاة ، لمرسل البزنطي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال : اجزأه الطواف فيه ، ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر) (5) ، وإرساله يمنع من الاعتماد وعليه عند عدم الجابر فضلا عن وجود المعارض ، هذا وعلى الاشتراط فهل يعفى في الطواف كما يعفى في الصلاة؟ ذهب جماعة منهم العلامة وابن إدريس إلى عدم العفو ، لعموم خبر يونس المتقدم ، وعن المحقق الثاني والشهيد الثاني في المسالك العفو لعموم تنزيل الطواف منزلة الصلاة كما في النبوي المتقدم.
هذا وقد قال الشارح في المسالك (ولو كانت النجاسة مما يعفى عنها في الصلاة ، ففي العفو عنها قولان ، أجودهما العفو ، وقطع ابن إدريس والعلامة بعدمه ، وهو يتوجه على أصلهما من تحريم إدخال النجاسة في المسجد وإن لم تكن ملوّثة ، فيكون الطواف منهيا -
ص: 382
في الصلاة وغيره. وهو يتم على قول من منع من إدخال مطلق النجاسة المسجد ليكون منهيا عن العبادة به (1) ، ومختار المصنف تحريم الملوّثة خاصة فليكن هنا (2) كذلك ، وظاهر الدروس القطع به. وهو حسن ، بل قيل : بالعفو عن النجاسة هنا مطلقا (3) ، (والختان في الرجل) (4) مع إمكانه فلو تعذر وضاق وقته سقط (5) ، ولا يعتبر في المرأة ، وأما الخنثى (6) فظاهر العبارة عدم اشتراطه في حقه ، واعتباره قوي ، لعموم النص إلا ما أجمع على خروجه ، وكذا القول في الصبي وإن لم يكن مكلفا (7) كالطهارة بالنسبة إلى صلاته ، (وستر العورة) (8) التي
______________________________________________________
- عنه وهو يقتضي الفساد ، ومثله الكلام في الصلاة في المسجد كذلك ، وقد صرح العلامة ببطلانها في الخاتم النجس فيه فضلا عن غيره لمكان النهي) وفيه : إن عدم العفو عند ابن إدريس والعلامة لعموم خبر يونس وليس لهذا الأصل المذكور.
(1) بالمسجد.
(2) أي في الإحرام.
(3) عفي عنها في الصلاة أو لا.
(4) فهو شرط في صحة الطواف الواجب والمندوب بلا خلاف إلا من ابن إدريس ، وقال عنه في الجواهر (أنه واضح الضعف) ، ويدل على الحكم أخبار :
منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الأغلف لا يطوف بالبيت ولا بأس أن تطوف المرأة) (1) ، وصحيح حريز وإبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة ، وأما الرجل فلا يطوفن إلا وهو مختون) (2).
(5) لاشتراط التكليف بالتمكن.
(6) وهو الخنثى المشكل فيجب ختانه لعموم الأخبار ولم يخرج منها إلا المرأة وهو مشكوك الأنوثة.
(7) لاشتراط الختان في صحة الطواف كما اشترطت الطهارة في صحة الصلاة.
(8) للنبوي المتقدم (الطواف في البيت صلاة) (3) ، وستر العورة شرط في الصلاة فيجب في الطواف ، ولخبر ابن عباس المروي في العلل (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث عليا ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان) (4).
ص: 383
يجب سترها في الصلاة ويختلف بحسب حال الطائف في الذكور والأنوثة.
(وواجبه النية) (1) المشتملة على قصده (2) في النسك المعين من حج أو عمرة إسلامي ، أو غيره ، تمتع ، أو أحد قسيميه ، والوجه على ما مر (3) والقربة والمقارنة للحركة في الجزء الأول من الشوط (4) ، (والبداءة بالحجر الأسود) (5) بأن يكون أول جزء من بدنه بإزاء أول جزء منه حتى يمر عليه كله ولو ظنا (6).
والأفضل استقباله حال النية بوجهه للتأسي (7). ثم يأخذ في الحركة على
______________________________________________________
(1) بلا خلاف - كما في الجواهر - لكون الطواف من العبادات.
(2) قد تقدم البحث بأن النية مشتملة على القصد مع القربة.
(3) قد تقدم أنه لا بد من قصد هذه الخصوصيات عند توقف التعيين عليها وإلا فلا يجب.
(4) لا بد من المقارنة لأول أفعال الطائف حتى يصح وقوع الطواف عن نية ، وإنما يتم هذا بناء على أن النية اخطارية ، وإما بناء على أنها على نحو الداعي فلا يضر تقدمها لبقائها إلى أول الطواف.
(5) لا خلاف فيه ، للأخبار منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء) (1). مع ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم (خذوا عني مناسككم) (2) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود) ((3).
(6) ذهب إلى ذلك العلامة ومن تبعه ، وقال في الجواهر (لم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلامة - إلى أن قال - لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة خلافه - إلى أن قال - بل ظاهر المدارك والرياض وغيرهما عدم اعتبار محل الابتداء فلو ابتدأ مثلا بآخر الحجر كان له الختم بأوله ، ولعله لصدق أنه ابتدأ بالحجر وختم به) وهو جيد.
(7) لخبر محمد بن مسلم (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجته ، وسعى عليها بين الصفا والمروة) (4) ، ويدل على الحكم أخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دنوت من
ص: 384
اليسار (1) عقيب النية. ولو جعله على يساره ابتداء (2) جاز (3) مع عدم التقية ، وإلا فلا (4) ، والنصوص مصرحة باستحباب الاستقبال ، وكذا جمع من الأصحاب ، (والختم به) (5) بأن يحاذيه في آخر شوطه ، كما ابتدأ أولا ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان.
(وجعل البيت على يساره) (6) حال الطواف ، فلو استقبله بوجهه ، أو ظهره ،
______________________________________________________
- الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واسأل الله أن يتقبل منك ، ثم استلم الحجر وقبله ، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك ، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه) (1) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله وتقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا ...) (2) ، وحمل الاستقبال عند الأصحاب على الاستحباب ، للأخبار منها : خبر حماد بن عثمان (إن رجلا أتى أبا عبد الله عليه السلام في الطواف فقال : ما تقول في استلام الحجر؟ فقال : استلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ما أراك استلمته ، قال : أكره أن أوذي ضعيفا أو أتأذى ، فقال : قد زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استلمه ، فقال : بلى ، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأوه عرفوا له حقه ، وأنا فلا يعرفون لي حقي) (3).
(1) لتكون الكعبة على يساره بلا خلاف في ذلك ، وقال في المدارك (واستدل عليه بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو المستفاد من مجموع اخبار الطواف التي سيأتي بعضها.
(2) من دون استقبال الحجر.
(3) لأن الاستقبال مستحب.
(4) أي ومع التقية فيجب الاستقبال موافقة للعامة.
(5) بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم (من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود) (4) ، ومثله غيره ، ويأتي فيه الخلاف المتقدم من كفاية الختم عرفا أو لا بد من مرور تمام بدنه إلى آخر جزء منه للدقة العقلية.
(6) قد تقدم دليله ، ولازمه لو طاف وقد استقبل البيت أو استدبره أو جعله على يمينه ولو في خطوة منه فتجب الإعادة.
ص: 385
أو جعله على يمينه ولو في خطوة منه بطل ، (والطواف بينه وبين المقام) (1) حيث هو الآن ، مراعيا لتلك النسبة من جميع الجهات ، فلو خرج عنها ولو قليلا بطل ، وتحتسب المسافة من جهة الحجر من خارجه وإن جعلناه خارجا من البيت. والظاهر أن المراد بالمقام نفس الصخرة (2) ، لا ما عليه من البناء ، ترجيحا للاستعمال الشرعي على العرفي لو ثبت.
(وإدخال الحجر) في الطواف (3) ...
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر محمد بن مسلم (سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت ، قال : كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام والبيت ، فكان الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف ، والحد قبل اليوم واليوم واحد ، قدر ما بين المقام وبين نواحي البيت كلها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت ، بمنزلة من طاف بالمسجد لأنه طاف في غير حد ولا طواف له) (1) ، وعن ابن الجنيد جواز الطواف خلف المقام عند الضرورة ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الطواف خلف المقام ، قال : ما أحب ذلك وما أرى به بأسا ، فلا تفعل إلا أن لا تجد منه بدا) (2) ، وعن الصدوق الافتاء به عند الاختيار أيضا ، وهو موهون بإعراض المشهور عنه.
ثم هل المسافة بين المقام والبيت يجب أن تراعى من جميع الجهات ، نسبه في المدارك إلى قطع الأصحاب ، نعم من جهة حجر اسماعيل فتحسب المسافة من خارجه لوجوب إدخاله في البيت عند الطواف وإن لم نقل إنه جزء من البيت ، كما عليه جماعة ، وعن الشارح في المسالك وغيره إن المسافة. من البيت حتى من جهة حجر اسماعيل ، وإن لم يجز سلوكه في الطواف ، لظاهر خبر ابن مسلم المتقدم وهو الأقوى.
(2) قال سيد المدارك : (واعلم أن المقام حقيقة هو العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه السلام يصعد عليه عند بنائه البيت ، وعليه اليوم بناء ، ويطلق على جميعه مع ما في داخله المقام عرفا) ، وإذا دار حمل اللفظ على الشرعي أو العرفي فيقدم الشرعي لأن الألفاظ تحمل على مراد المتكلم وهو الشارح هنا.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل طاف بالبيت -
ص: 386
للتأسي (1) ، والأمر به ، لا لكونه من البيت (2) بل قد روي أنه ليس منه ، أو أن بعضه منه وأما الخروج عن شي ء آخر خارج الحجر فلا يعتبر إجماعا (3) ، (وخروجه بجميع بدنه عن البيت) (4) ...
______________________________________________________
- فاختصر شوطا واحدا في الحجر ، كيف يصنع؟ قال : يعيد الطواف الواحد) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود) (2).
(1) قد صرح بذلك جماعة من الفقهاء منهم سيد المدارك.
(2) ففي الدروس المشهور كونه من البيت ، وعن التذكرة والمنتهى أن جميعه منه ، وروت العامة عن عائشة نذرت أن أصلي ركعتين في البيت ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : صل في الحجر ، فإن ستة أذرع منه من البيت) (3) ، وذكر العلامة في التذكرة (أن البيت كان لاصقا بالأرض ، وله بابان شرقي وغربي ، فهدمه السيل قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت ، وخلفوا الركنين الشاميين عن قواعد إبراهيم ، وضيّقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا ، وهو الذي يسمى الشاذروان) انتهى كلامه.
غير أن نصوص أهل البيت عليه السلام على خلاف ذلك ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الحجر ، أمن البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ قال : لا ، ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن أمه فيه ، فكره أن يوطأ فحجّر عليه حجرا ، وفيه قبور الأنبياء) (4) ومثله غيره.
(3) قال في المسالك (وعلى كل حال فالإجماع واقع من المسلمين على أنه ليس خارج الحجر شي ء آخر يجب الخروج عنه ، فيجوز الطواف خلفه ملاصقا بحائطه من جميع الجهات ، وإنما نبهنا على ذلك لأنه قد اشتهر بين العامة هناك اجتناب محل لا أصل له في الدين).
(4) فلا يجوز المشي على أساس البيت وهو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته أخيرا ويسمى الشاذروان لأنه من الكعبة فلا يصدق الطواف بالبيت لو مشى على أساس ، وكذا -
ص: 387
فلو أدخل يده في بابه حالته (1) ، أو مشى على شاذروانه ولو خطوة ، أو مسّ حائطه من جهته (2) ماشيا بطل فلو أراد مسه وقف حالته (3) ، لئلا يقطع جزء من الطواف غير خارج عنه (4).
(وإكمال السبع) (5) من الحجر إليه شوط (6) ، (وعدم الزيادة عليها (7) فيبطل)
______________________________________________________
- لا يجوز المشي على حائط حجر اسماعيل لوجوب إدخاله في الطواف ، بلا خلاف في ذلك أبدا ، نعم وقع الخلاف فيمن مسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان ، فقيل بعدم الجواز كما عن التذكرة لأن من مسّ على هذا الوجه يكون بعض بدنه في البيت فلا يصدق الطواف بتمام بدنه بالبيت ، وقيل بالجواز كما عن القواعد ، لصدق الطواف بالبيت عرفا لخروج معظم بدنه عنه ، وكذا يأتي الخلاف فيمن أدخل يده في باب الكعبة حال طوافه ، نعم من مسّ جدار البيت من غير الشاذروان فلا إشكال في الجواز ولا خلاف لصدق طوافه بجميع بدنه خارج البيت.
(1) حالة الطواف.
(2) أي مسّ حائط البيت من جهة الشاذروان.
(3) أي حالة الطواف.
(4) أي لئلا يتحقق منه جزء من الطواف وهو غير خارج بتمام بدنه عن البيت.
(5) بلا خلاف فيه ، للأخبار المستفيضة بل المتواترة منها : خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام (يا علي ، إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن ، وأجراها الله عزوجل في الإسلام ، حرّم نساء الاباء على الأبناء - إلى أن قال - ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسنّ لهم عبد المطلب سبعة أشواط ، فأجرى الله عزوجل ذلك في الإسلام) (1).
(6) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدمة (من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود) (2).
(7) أي على السبع ، والبطلان هو المعروف من مذهب الأصحاب ، للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط ، قال : يعيده حتى يستتمه) (3) ، وخبر عبد الله بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة وكذلك السعي) (4).
ص: 388
أن تعمّده) ولو خطوة ، ولو زاد سهوا فإن لم يكمل الشوط الثامن تعين القطع (1) ، فإن زاد فكالمتعمد (2) وإن بلغه تخير بين القطع واكمل أسبوعين (3) ، فيكون الثني مستحبا ، ويقدم صلاة الفريضة على السعي ويؤخر صلاة النافلة (4).
______________________________________________________
(1) من زاد على السبع ناسيا وذكر قبل إتمام الشوط الثامن تعين القطع عليه ولا شي ء عليه ، لخبر أبي كهمس عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه ، وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا وليصل أربع ركعات) ((1).
(2) أي بعد التذكر ووجوب القطع فلو زاد فهو كمتعمد الزيادة من أول الشوط ، بل عنوان المتعمد للزيادة منطبق عليه فيشمله حكمه من البطلان.
(3) كما عن الفاضل والشهيدين ، لأن الطواف الثاني وقع مندوبا فيستحب إكماله ويجوز قطعه ويدل على أن الثاني قد وقع مستحبا خبر علي بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط ، فقال : نافلة أو فريضة؟ ، فقال : فريضة ، فقال عليه السلام يضيف إليها ستة ، فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف بينهما فإذا فرغ صلى ركعتين اخراوين ، فكان طواف نافلة وطواف فريضة) (2).
وعن الصدوق وابن الجنيد وابن سعيد وجوب الإكمال لأن الطواف الثاني هو الفريضة ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إن عليا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية ، فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليه ستا ، ثم صلى ركعتين خلف المقام ، ثم خرج إلى الصفا والمروة ، فلما فرغ من السعي بينهما ، رجع فصلّى الركعتين للذي ترك في المقام الأول (3) ، وهو مردود لأنه متضمن لوقوع السهو من الإمام المعصوم عليه السلام ، وهو كما ترى.
نعم هناك جملة من الأخبار أمرت باكمال الاسبوعين من دون تفصيل أن الذي وقع أولا هو الواجب أولا ، كصحيح أبي أيوب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة؟ قال : فليضم إليها ستا ثم يصلي أربع ركعات) (4) ، لكنها محمولة على استحباب الإكمال جمعا بينها وبين خبر علي بن حمزة المتقدم.
(4) كما هو صريح الأخبار المتقدمة.
ص: 389
(والركعتان خلف المقام) (1) حيث هو الآن (2) ، أو إلى أحد جانبيه ، وإنما
______________________________________________________
(1) أما وجوب الركعتين عقيب الطواف فقد نسبه العلامة - كما عن المنتهى - إلى أهل العلم ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصل ركعتين) (1) ، ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا استحباب الصلاة بعد الطواف الواجب ، وهو ضعيف ، وأما كونهما خلف المقام فللأخبار ، منها : مرسل جميل عن أبي عبد الله عليه السلام يصلي الرجل ركعتي طواف الفريضة خلف المقام) (2) ، ومرسل صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام لقول الله عزوجل : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، فإن صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة) (3).
وأما الصلاة إلى أحد جانبيه فقال سيد المدارك : (فلم أقف على رواية تدل عليه بهذا العنوان ، نعم ورد في عدة أخبار الصلاة عند المقام ، وفيها ما هو صحيح السند ، وفي حسنة الحسين بن عثمان قال : رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد) (4) انتهى ، وعن الشيخ في الخلاف أنه يستحب فعلهما خلف المقام فلو فعلهما في غيره من المسجد أجزأ ، ونقل عن أبي الصلاح أنه جعل محلهما المسجد الحرام مطلقا ، ووافقه ابنا بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة ، وهذه الأقوال مدفوعة بالأخبار المتقدمة ، ثم إن هذا في الطواف الواجب ، وأما المستحب فيجوز فعل صلاته حيث شاء من المسجد ، لاختصاص الروايات السابقة المتضمنة للصلاة خلف المقام بطواف الفريضة ، ولخبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام (لا ينبغي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم عليه السلام ، فأما التطوع فحيث شئت من المسجد) (5).
(2) لصحيح إبراهيم بن أبي محمود (قلت للرضا عليه السلام : أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة ، أو حيث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : حيث هو الساعة) (6).
ص: 390
أطلق فعلهما خلفه تبعا لبعض الأخبار. وقد اختلفت عبارته في ذلك فاعتبر هنا خلفه ، وأضاف إليه أحد جانبيه في الألفية ، وفي الدروس فعلهما في المقام ، ولو منعه زحام ، أو غيره صلى خلفه ، أو إلى أحد جانبيه ، والأوسط (1) أوسط ، ويعتبر في نيتهما قصد الصلاة للطواف المعين متقربا (2) ، والأولى إضافة الأداء ، ويجوز فعل صلاة الطواف المندوب حيث شاء من المسجد (3) ، والمقام أفضل (4).
(وتواصل أربعة أشواط (5) ...)
______________________________________________________
(1) أي ما اختاره في الألفية ، وقد عرفت تعين الصلاة خلفه فقط ، نعم لو منعه الزحام أو غيره فيجوز التباعد عنه ، تحكيما لأدلة الاضطرار.
(2) يشترط في النية القصد مع القربة ، وأما باقي الخصوصيات فتجب إذا توقف التعيين عليها.
(3) قد تقدم الكلام فيه.
(4) لإطلاق أدلة اعتباره.
(5) اعلم أن الموالاة واجبة في طواف الفريضة ، لعموم النبوي (الطواف في البيت صلاة) (1) ، ولازمه أن قطع الطواف عمدا على نحو يضر بالموالاة العرفية غير جائز ومبطل ، وعن الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة لما ستسمعه من النصوص الواردة في الحدث والمرض أثناء الطواف وأنه يبني على ما تقدم من طوافه بعد زوال العذر ، ولكنها محمولة عند المشهور على حال الاضطرار فقط.
وأما الموالاة في طواف النافلة فلا خلاف في عدم وجوبها - كما في الجواهر - لعدم وجوب إكمال الصلاة المندوبة. وأما إذا قطع طواف الفريضة لعذر فإن كان بعد إكماله الأربع - وهو المعبّر عنه بتجاوز النصف - فيبني على ما تقدم ، وإلا استأنف على المشهور بينهم ، والعذر يشمل دخول البيت والسعي في حاجة أخيه المؤمن ، والمرض والحدث ، وللإتيان بصلاة واجبة أو مندوبة قد دخل وقتها.
ولكن في دخول البيت لم يرد نص في هذا التفصيل ، بل كل أخباره قد صرحت باستئناف الطواف ، ومنها : صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في من كان يطوف بالبيت فعرض له دخول الكعبة فدخلها ، قال : يستقبل طوافه) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت -
ص: 391
.................................................................................................
______________________________________________________
- خلوة فدخله ، قال يقضي طوافه وقد خالف السنة فليعد طوافه) (1) ، وقد حملت هذه الأخبار عند المشهور على ما لو لم يتجاوز النصف ، أو على كون دخول البيت ليس عذرا كما في الجواهر.
وأما السعي في حاجة المؤمن فقد اختلفت فيه الأخبار ، ففي بعضها التصريح بعدم البناء ، كصحيح أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة ، فقال : إن كان طواف نافلة بنى عليه ، وإن كان طواف فريضة لم يبن عليه) (2) ، وفي بعضها التصريح بالبناء ، كخبر أبان بن تغلب الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (قال له وهما في الطواف : رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجة ، فقال : يا أبان اقطع طوافك ، وانطلق من في حاجته فاقضها له ، فقلت : إني لم أتم طوافي ، قال : احص ما طفت وانطلق معه في حاجته ، فقلت : وإن كان طواف فريضة ، قال : نعم وإن كان طواف فريضة) (3) ، وصحيح صفوان الحجال عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل يأتي أخاه وهو في الطواف فقال : يخرج معه في حاجته ثم يرجع فيبني على طوافه) (4) ، والمشهور حملوا الطائفة الأولى على عدم تجاوز النصف ، والثانية على التجاوز.
وأما المرض فقد ورد فيه خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه السلام عن رجلا طاف بالبيت بعض طوافه طواف الفريضة ، ثم اعتلّ علة لا يقدر معها على تمام طوافه ، قال : إذا طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تمّ طوافه ، وإن كان طاف ثلاثة أشواط وكان لا يقدر على التمام فإن هذا مما غلب الله عليه ، ولا بأس أن يؤخره يوما أو يومين ، فإن كان العافية وقدر على الطواف طاف اسبوعا ، فإن طالت علته أمر من يطوف عنه اسبوعا ويصلي عنه وقد خرج من إحرامه) (5) ، وخبر دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليه السلام (من حدث به أمر قطع به طوافه من رعاف أو وجع أو حدث أو ما أشبه ذلك ثم عاد إلى طوافه ، فإن كان الذي تقدم له النصف أو أكثر من -
ص: 392
.................................................................................................
______________________________________________________
- النصف بنى على ما تقدم ، وإن كان أقل من النصف وكان طواف الفريضة ألقى ما مضى وابتدأ بالطواف) (1).
وأما الحدث فقد ورد في مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام (في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : يخرج ويتوضأ ، فإن كان قد جاز النصف بنى على طوافه ، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته ، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله) (3) ، وخبر أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت ، قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله) (4) ومثلها غيرها ، ولهذه الأخبار الواردة في الحدث والمرض استفاد المشهور قاعدة تجاوز النصف لعدم خصوصية الحدث والمرض في عموم التعليل ، وقيدوا بهذه القاعدة جميع النصوص السابقة الواردة في دخول البيت وقضاء حاجة المؤمن وغيرها مما سيأتي ، وخالف في ذلك سيد المدارك وخص التجاوز بالنصف في هذه الأخبار بمواردها ، مع عدم العمل بها بل المتجه الاستئناف لضعف سند غالبها ومعارضة بها كما تقدم ، والأقوى ما عليه المشهور ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالجمع بين مرسل جميل وبين خبر إسحاق بن عمار المتقدمين يفيد أن تجاوز النصف هو إكمال الأربع لا مطلق المجاوزة فقول سيد المدارك من عدم وقوفه على نص يفيد ذلك ليس في محله ، ومن جهة ثالثة فهذه الأخبار ظاهرة في عدم اعتبار الموالاة في الطواف الواجب كما ذهب إليه صاحب الحدائق ، وحملها المشهور على صورة الاضطرار لأن عموم تنزيل الطواف منزلة الصلاة يقتضي اعتبار الموالاة مطلقا ، لكن لا بد من رفع اليد عن ذلك في صورة الاضطرار لهذه الأخبار فتبقى صورة الاختيار تحت -
ص: 393
.................................................................................................
______________________________________________________
- ذلك العموم وأما الطواف المندوب فلا يشترط فيه الموالاة مطلقا كما تقدم ، ولكن إذا قطع الطواف المندوب لعذر جاز له البناء مطلقا وإن لم يكمل النصف ، لمرسل ابن أبي عمير عن أحدهما عليهما السلام (في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة فقال : لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف ، وإذا أراد وأن يستريح في طوافه ويقعد فلا بأس ، فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف) (1) كما في رواية الفقيه ، وأما في رواية الشيخ في التهذيب (وإن كان نافلة بنى على الشوط والشوطين ، وإن كان في طواف فريضة ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه) ، وصحيح أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة قال : إن كان طواف نافلة بنى عليه ، وإن كان طواف فريضة لم يبن) (2) ، وإذا قطعه لا للعذر فلا بد من تحكيم قاعدة تجاوز النصف ، وهذا ما ذهب إليه الشارح هنا ، أو أنه يجوز مطلقا كما عن الشهيد في الدروس ، لإطلاق هذه الأخبار ، وفيه : إنها ظاهرة في صورة الاضطرار فقط فلا تشمل الاختيار وأما إذا كان العذر دخول الصلاة فإن كانت فريضة فيبنى على وقع من طوافه للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت الصلاة ، قال : يصلي معهم الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع) (3) ، وحسنة هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه قال في رجل كان في طواف الفريضة فأدركته صلاة فريضة ، قال يقطع الطواف ويصلي الفريضة ثم يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه) (4) ، والمشهور على التقييد بمجاوزة النصف جمعا بينها وبين عموم التعليل المستفاد من النصوص السابقة ، وعن النافع جواز قطع الطواف والبناء بعد الصلاة وإن لم يبلغ النصف للإطلاق وهو ضعيف.
هذا ويجوز قطع الطواف وإن لم يتضيق وقت الفريضة لظاهر الأخبار ، وقد خالف مالك إلا مع خوف فوات الصلاة وهو مردود بما سمعت.
ثم الحق الشيخ في المبسوط والمحقق في النافع والعلامة في المنتهى والتذكرة والتحرير صلاة الوتر إذا خاف فوت وقتها ، للأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام (سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه -
ص: 394
فلو قطع) الطواف (لدونها (1) بطل) مطلقا (2) (وإن كان لضرورة ، أو دخول البيت ، أو صلاة فريضة ضاق وقتها) وبعد الأربعة يباح القطع لضرورة ، وصلاة فريضة (3) ونافلة يخاف فوتها ، وقضاء حاجة مؤمن ، لا مطلقا. وحيث يقطعه يجب أن يحفظ موضعه ليكمل منعه بعد العود ، حذرا من الزيادة أو النقصان ، ولو شك أخذ بالاحتياط. هذا في طواف الفريضة. أما النافلة فيبنى فيها لعذر
______________________________________________________
- بعضه ، فطلع الفجر فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر ، ثم يرجع فيتمّ طوافه ، أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر ، وإن أسفر بعض الإسفار ، قال : ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد) (1) ، وهو أيضا مشروط بتجاوز النصف عند المشهور ، وقد زاد العلامة في المنتهى والتذكرة صلاة الجنازة بشرط تجاوز النصف ، وهو لا بأس به.
هذا كله في قطع الطواف ، وأما النقصان فإن كان عمدا ولو شوطا أو أقل أو فيجب عليه إتمامه إذا كان باقيا في المطاف ولم يفعل المنافي ، لأنه المتيقن من البراءة ، ولأنه كالصلاة المعلوم اعتبار ذلك فيها ، وأما إذا انصرف عن المطاف أو حصل المنافي من حدث ونحوه فعليه الاستئناف وإذا كان النقصان سهوا وقد انصرف عن المطاف أو حصل المنافي من الحدث وغيره ، فإن جاوز النصف رجع فأتم ، وإن كان دون ذلك استأنف على المشهور ، لتحكيم قاعدة تجاوز النصف المستفادة من نصوص المرض والحدث سابقا ، واستشكل سيد المدارك في ذلك ، نعم حكم بالصحة فيما إذا كان المنسي شوطا واحدا فيكمله مع الإمكان وإلا استناب لخبر الحسن بن عطية (سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله عليه السلام : وكيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر وقال : الله اكبر ، وعقد واحدا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : يطوف شوطا ، فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال : يأمر من يطوف عنه) (2) وفيه : عدم التصريح ببطلان طوافه فيما لو تجاوز النصف ، فلا يعارض عموم التعليل المتقدم ما دام النسيان - كالمرض والحدث - في كونه عذرا.
(1) أي لدون أربعة أشواط.
(2) حتى لو كان لضرورة.
(3) عند دخول وقتها.
ص: 395
مطلقا (1) ، ويستأنف قبل بلوغ الأربعة ، لا له مطلقا (2) ، وفي الدروس أطلق البناء فيها مطلقا (3)
(ولو ذكر) نقصان الطواف (في أثناء السعي ترتبت صحته وبطلانه على الطواف) ، فإن كان نقصان الطواف قبل إكمال أربع استأنفهما ، وإن كان بعده بنى عليهما (4) وإن لم يتجاوز نصف السعي (5) ، فإنه تابع للطواف في البناء والاستئناف (6) ، (ولو شك في العدد) أي عدد الأشواط (بعده) أي بعد فراغه منه (لم يلتفت) (7) مطلقا (8) ، (وفي الأثناء يبطل إن شك في النقيصة) (9) كأن شك بين
______________________________________________________
(1) سواء كان قبل إكمال الأربعة أو بعدها.
(2) أي لا لعذر مطلقا سواء كان العذر شرعيا أو عرفيا.
(3) أي في النافلة سواء أكمل الأربعة أو لا ، وسواء كان لعذر أو لا.
(4) أي على الطواف والسعي ، لموثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت ، قال : يرجع إلى البيت فيتم طوافه ، ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي) (1) وظاهره الاطلاق سواء تجاوز نصف الطواف أو لا ، وإليه ذهب الشيخ في التهذيب والمحقق في النافع والعلامة في المنتهى والتذكرة والتحرير.
وعن الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر وابن سعيد في الجامع أنه لا بد من كونه قد تجاوز نصف الطواف تحكيما لقاعدة تجاوز النصف السابقة مع هذه الرواية.
(5) كما هو الاطلاق في الرواية المتقدمة.
(6) أي ببني على السعي إن بنى على الطواف ، ويستأنف السعي حيث يستأنف الطواف.
(7) بلا خلاف فيه ، لقاعدة الفراغ ، ففي خبر بكير بن أعين (قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) (2) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو) (3) ، وهو مطلق يشمل الطواف.
(8) سواء كان الشك في الزيادة أو النقيصة.
(9) فعليه الاستئناف على المشهور ، للأخبار منها : خبر ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن -
ص: 396
كونه تاما ، أو ناقصا ، أو في عدد الأشواط مع تحققه عدم الإكمال ، (ويبني على الأقل إن شك في الزيادة على السبع) إذا تحقق إكمالها (1) ، إن كان على
______________________________________________________
- رجل طاف بالبيت فلم يدر أستة طاف أم سبعة طواف الفريضة ، قال : فليعد طوافه) (1) ، وصحيح صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال : فليعد طوافه) (2) ، وخبر حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام (ما تقول في رجل طاف فأوهم قال طفت أربعة أو طفت ثلاثة ، فقال عليه السلام : أي الطوافين طواف نافلة أم طواف فريضة؟ ثم قال عليه السلام : إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة وهو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له) (3) ، وعن المفيد وعلي بن بابويه والحلبي وابن الجنيد وسيد المدارك أنه يبني على الأقل لأصلي البراءة وعدم الزيادة ، لصحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة ، قال : يبني على يقينه) (4) ، واليقين هنا الأقل ، وصحيح منصور بن حازم المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة ، قال : فليعد طوافه ، قلت : ففاته ، قال : ما أرى عليه شيئا ، والإعادة أحبّ إليّ وأفضل) (5) ، ومثله غيره ولو كان الشك موجبا للإعادة لأوجبها عليه ، فلذا لا بد من حمل صدره بالإعادة على الاستحباب كما عن سيد المدارك ، ولكن هذه الطائفة لا تقاوم تلك الدالة على الاستئناف لكثرة الثانية وصراحة الأمر بالاستئناف فيها ، وعمل المشهور بها.
(1) أي إذا شك في الزيادة على السبع مع تحقق السبع فيقطع ولا شي ء عليه بلا خلاف فيه لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟ فقال : أما السبعة فقد استيقن ، وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل الركعتين) (6) ، هذا إذا ذكر قبل أن يبلغ الركن فإن بلغه أكمله اسبوعين لخبر أبي كهمس عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا وليصل أربع ركعات) (7) ، وهو منجبر بعمل الأصحاب فلا يضر جهالة أبي كهمس ، نعم هو -
ص: 397
الركن (1) ولو كان قبله بطل (2) أيضا مطلقا (3) كالنقصان ، لتردده بين محذورين : الإكمال المحتمل للزيادة عمدا. والقطع المحتمل للنقيصة ، وإنما اقتصر عليه (4) بدون القيد لرجوعه (5) إلى الشك في النقصان ، (وأما نفل الطواف فيبني) فيه (على الأقل (6) مطلقا) سواء شك في الزيادة ، أم النقصان ، وسواء بلغ الركن ، أم لا. هذا هو الأفضل ، ولو بنى على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة جاز أيضا كالصلاة (7).
______________________________________________________
- معارض بخبر عبد الله بن سنان - الذي حكم العلامة في المنتهى بصحته - عن أبي عبد الله عليه السلام (من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين) (1) ، ولكنه محمول على ما لو أتم الشوط الثامن جمعا بينه وبين ما تقدم.
(1) أي الركن الذي فيه الحجر الأسود.
(2) أي إذا تعلق شكه بالزيادة قبل بلوغ الركن بطل كالنقصان ، لعدم تحقق السبع منه فيدور الأمر بين محذورين : الإكمال المحتمل للزيادة العمدية ، والقطع المحتمل لكون المقطوع هو السابع وهذا ما يوجب نقصان الطواف عن الواجب فلا بدّ من استئناف الطواف.
(3) سواء كان الشك بين السابع والثامن ، أو بين السابع والثامن والتاسع وهكذا.
(4) أي اقتصر المصنف على الشك في الزيادة على السبع مع عدم ذكر أنه على الركن.
(5) أي رجوع الشك في الزيادة على السبع قبل الركن إلى النقصان كما عرفت.
(6) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : موثق حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (وإن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة ، وهو في شك من الرابع أنه طاف ، فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له) (2) ، وخبر أحمد بن عمر المرهبي عن أبي الحسن عليه السلام (إن كان في فريضة أعاد كلما شك فيه وإن كان نافلة بنى على ما هو أقل) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : - جعلت فداك - شك في طواف نافلة قال : يبني على الأقل) (4).
(7) قال في المدارك (وذكر الشارح (قدس سره) أنه يجوز للشاك هنا البناء على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة كالصلاة وهو غير واضح) ولكن يدل لمراد الشارح مرسل الصدوق في الفقيه والمقنع عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة ، قال : طواف نافلة أو فريضة؟ قيل : أجبني فيهما جميعا ، قال إن كان طواف نافلة فابن
ص: 398
(وسننه - الغسل) (1) قبل دخول مكة (من بئر ميمون) بالأبطح ، (أو) بئر (فخ) على فرسخ من مكة بطريق المدينة ، (أو غيرهما (2) ، ومضغ الإذخر) (3) بكسر الهمزة والخاء المعجمة ، (ودخول مكة من أعلاها) (4) من عقبة المدنيين للتأسي ، سواء في ذلك المدني وغيره (5) ...
______________________________________________________
- على ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف) (1) ، نعم قال في الجواهر (إلا أن ذلك كله كما ترى لا يجترى به على الخروج عما هو كالمتفق عليه نصا وفتوى من ظهور تعين البناء على الأقل الذي هو أحوط مع ذلك أيضا ، والله العالم) انتهى.
(1) فالغسل لدخول مكة ، لصحيح الحلبي (أمرنا أبو عبد الله عليه السلام أن نغتسل من فتح قبل أن ندخل مكة) (2) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى الحرم إنشاء الله فاغتسل حين تدخله ، وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون ، أو من فخ ، أو من منزلك من مكة) (3).
(2) كما في صحيح ذريح المحاربي (سألته عن الغسل في الحرم قبل دخول مكة أو بعد دخوله؟ قال : لا يضرك أيّ ذلك فعلت ، وإنما اغتسلت بمكة فلا بأس ، وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل مكة فلا بأس) (4).
(3) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه) (4) ، وقال الكليني : (سألت بعض أصحابنا عن هذا فقال : يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر).
(4) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام الوارد في كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفل مكة من ذي طوى) (5) ، وموثق يونس بن يعقوب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : من أين أدخل مكة ، وقد جئت من المدينة؟ قال : ادخل من أعلى مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة) (6).
(5) جزم بذلك الشارح في المسالك وفي الروضة هنا ، ولكن الأخبار مختصة بالمدني ، وفي التذكرة خصّه بمن يجي ء من المدينة أو الشام ، وأما الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنية ، واستحسنه في المدارك وهو كذلك.
ص: 399
(حافيا) (1) ونعله بيده (بسكينة) وهو الاعتدال في الحركة (ووقار) وهو الطمأنينة في النفس ، وإحضار البال والخشوع.
(والدخول من باب بني شيبة) (2) ليطأ هبل وهو الآن في داخل المسجد بسبب توسعته ، بإزاء باب السّلام (3) عند الأساطين (بعد الدعاء بالمأثور) عند الباب (4)
______________________________________________________
- هذا وقال الشهيد في الدروس (ويستحب عندنا دخوله من ثنية كداء - بالفتح والمد - ، وهي التي ينحدر منها إلى الحجون بمقبرة مكة ، ويخرج من ثنية كدى - بالضم والقصر منونا - وهي بأسفل مكة).
(1) للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع ، وقال : ومن دخله بخشوع غفر الله له إنشاء الله ، قلت : ما الخشوع؟ قال : السكينة لا تدخل بتكبر) (1) ، وخبر عجلان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل واخلع نعليك وامش حافيا ، وعليك السكينة والوقار) (2) ، هذا وقيل : إن السكينة والوقار واحد ، وقيل : الأول الخضوع الصوري والآخر الخضوع المعنوي.
(2) لخبر سليمان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث المأزمين : (إنه موضع عبد فيه الأصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل ، الذي رمى به علي عليه السلام من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة ، فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنّة لأجل ذلك) (3).
(3) قال في المدارك (وهذا الباب - أي باب بين شيبة - غير معروف الآن لتوسعة المسجد ، لكن قيل : إنه بإزاء باب الإسلام ، فينبغي الدخول منه على الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به بناء على هذا القول).
(4) فيقف بالباب ويسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعو بالمأثور لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل : السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله ، والسّلام على أنبياء الله ورسله ، والسّلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسّلام على إبراهيم خليل الرحمن ، والحمد لله رب العالمين) (4) ، وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (تقول وأنت على باب المسجد :
ص: 400
(والوقوف عند الحجر) الأسود (1) ، (والدعاء فيه) أي حالة الوقوف مستقبلا ، رافعا
______________________________________________________
- بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخير الاسماء لله والحمد لله ، والسّلام على رسول الله السّلام على محمد بن عبد الله ، السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السّلام على أنبياء الله ورسله ، السّلام على إبراهيم خليل الرحمن ، السّلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك ، وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلم عليهم ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، واستعملني في طاعتك ومرضاتك ، واحفظني بحفظ الايمان أبدا ما أبقيتني جلّ ثناء وجهك ، والحمد لله الذي جعلني من وفده وزواره ، وجعلني ممن يعمّر مساجده ، وجعلني ممن يناجيه ، اللهم إني عبدك وزائرك في بيتك ، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور ، فاسألك يا الله يا رحمان ، وبأنك أنت الله ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وبأنك واحد أحد صمد ، لم تلد ولم تولد ، ولم يكن لك كفوا أحد ، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبدك ورسولك وعلى أهل بيته ، يا جواد يا كريم يا ماجد يا جبار يا كريم ، اسألك أن تجعل تحفتك إياي بزيارتي إياك أول شي ء تعطيني فكاك رقبتي من النار ، اللهم فكّ رقبتي من النار - تقولها ثلاثا - وأوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب ، وادرأ عني شر شياطين الأنس والجن وشرّ فسقة العرب والعجم) (1).
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واسأل الله أن يتقبل منك ، ثم استلم الحجر وقبّله ، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك ، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه ، وقل : اللهم امانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله ، أمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى ، وعبادة الشيطان وعبادة كل ندّ يدعى من دون الله ، فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه ، وقل : اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني ، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة) (2).
ص: 401
يديه ، (وفي حالات الطواف) بالمنقول (1) ، (وقراءة القدر (2) ، وذكر الله تعالى (3) ، والسكينة في المشي) (4) ...
______________________________________________________
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (طف بالبيت سبعة أشواط وتقول في الطواف : اللهم إني اسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشى به على جدر الأرض ، واسألك باسمك الذي يهتز له عرشك ، واسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك ، واسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك ، واسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا ، فإذا انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود : ( رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ ) ، وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير وإني خائف مستجير فلا تغيّر جسمي ولا تبدل اسمي) (1).
(2) قال في الدروس في مستحبات الطواف (تاسعها الدعاء بالمرسوم والاذكار المروية في ابتدائه واثنائه وتلاوة القرآن خصوصا القدر ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما حاذى باب الكعبة).
أما قراءة القرآن لخبر أيوب أخي اديم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : القراءة وأنا أطوف أفضل أو ذكر الله تبارك وتعالى؟ قال : القراءة ، قلت : فإن مر بسجدة وهو يطوف قال : يؤمي برأسه إلى الكعبة) (2). وأما سورة القدر فلم أعثر على خبر يدل عليها بالخصوص.
(3) لخبر محمد بن فضيل عن الإمام الرضا عليه السلام (طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن ، وقال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي ء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به) (3).
(4) والسكينة هي الاقتصاد في المشي ، والاقتصاد هو التوسط بين الإسراع والبطء ، ويدل على الحكم أخبار منها : خبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الطواف فقلت : أسرع وأكثر أو امشي وأبطئ؟ قال : مشي بين المشيين) (4) ، وخبر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جده (رأيت علي بن الحسين عليه السلام يمشي ولا يرمل) (5) والرمل
ص: 402
بمعنى الاقتصاد فيه مطلقا (1) في المشهور ، (والرمل) بفتح الميم وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى ، دون الوثوب والعدو (ثلاثا) وهي الأولى ، (والمشي أربعا) بقية الطواف (على قول الشيخ) في المبسوط في طواف القدوم خاصة ، وإنما أطلقه (2) لأن كلامه الآن فيه ، وإنما يستحب على القول به للرجل الصحيح دون المرأة ، والخنثى ، والعليل بشرط أن لا يؤذي غيره (3) ، ولا يتأذى به ، ولو
______________________________________________________
- لغة - الهرولة ، وظاهر هذه النصوص أن الاقتصاد مستحب في تمام الأشواط ، وهو المنسوب إلى الأكثر كما عن المدارك ، وعن ابن حمزة أنه يرمل ثلاثا ويمشي أربعا في طواف الزيارة ، وعن الشيخ في المبسوط أنه في طواف القدوم خاصة لخبر ابن عيسى عن أبيه (سئل ابن عباس فقيل : إن قوما يرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالرمل حول الكعبة فقال : كذبوا وصدقوا ، فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون ، وبلغهم أن أصحاب محمد مجهودون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رحم الله امرئ أراهم من نفسه جلدا ، فأمرهم فخسروا عن اعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته ، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، والمشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك ، فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذه) (1) ، وهو كما ترى لا يدل على الاستحباب ، ومثله خبر زرارة أو محمد الطيار (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطواف أيرمل فيه الرجل؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما إن قدم مكة وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم ، أمر الناس أن يتجلدوا وقال : أخرجوا أعضادكم ، وأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد ، فمن أجل ذلك يرمل الناس وإني لأمشي مشيا ، وقد كان علي بن الحسين عليهما السلام يمشي مشيا) (2).
ثم على تقدير استحباب الرمل فهو خاص بالرجل دون المرأة كما هو مرتكز المتشرعة على ما في السؤال من خبر زرارة ، أو محمد الطيار ، وأما النساء فلا يستحب اتفاقا كما عن المنتهى.
(1) سواء كان في الثلاثة الأول أو لا.
(2) ولم يقيده بطواف القدوم وهو أول طواف يأتي به القادم إلى مكة واجبا أو مندوبا كما في المسالك.
(3) كما يستفاد عدم الأذية من خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن المسرع -
ص: 403
كان راكبا حرك دابته (1) ولا فرق بين الركنين اليمانيين وغيرهما (2) ، ولو تركه في الأشواط أو بعضها لم يقضه (3).
(واستلام الحجر) (4) بما أمكن من بدنه ، والاستلام بغير همز المس من
______________________________________________________
- والمبطئ في الطواف فقال : كلّ واسع ما لم يؤذ أحدا) (1).
(1) تأسيا بالنبي المستفاد فعله من الجمع بين خبر ابن عيسى المتقدم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ما أمر بالرمل كان على دابته وبين خبر جابر عن جعفر بن محمد عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمل ثلاثا ومشى اربعا) (2).
(2) قال في الدروس : (لا فرق في الرمل بين الركنين اليمانيين وغيرهما عندنا) ، لإطلاق الأخبار المتقدمة لو كانت دالة على استحباب الرمل ، ونقل العلامة في المنتهى عن العامة استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة إلا بين الركنين فالمشي ، والرشد في خلافهم بعد عدم ثبوت ما يدل على هذا الاستثناء.
(3) لفوات محله.
(4) استلامه باليد لصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصلّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسأله أن يتقبل منك ثم استلم الحجر وقبله ، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيديك ، فإن لم تستطع أن تستلمه فأشر إليه) (3) ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستلم الحجر في كل طواف فريضة ونافلة) (4).
وهذه الأخبار ظاهرة في استحباب استلامه قبل الطواف ، وأما استحبابه في أثناء الطواف فيدل عليه خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (كنت اطوف مع أبي وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبّله ، وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه ، فقلت : جعلت فداك تمسح الحجر بيدك وتلتزم اليماني ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل عليه السلام قد سبقني إليه يلتزمه) (5) ، ومثله غيره ، وهو صريح بكون الاستلام باليد ، وأما الاستلام بجميع البدن فهو المحكي عن القواعد والمبسوط والخلاف ، وقال في الجواهر (ولعله لأن أصله مشروع للتبرك به والتحبب إليه فالتعميم أولى ، لكن المراد ما يناسب -
ص: 404
السلام بالكسر وهي الحجارة بمعنى مس السلام (1) ، أو من السلام وهو التحية ، وقيل : بالهمز من اللأمة وهي الدرع ، كأنه اتخذه جنة وسلاحا ، (وتقبيله) مع الإمكان ، وإلا استلمه بيده ، ثم قبّلها (أو الإشارة إليه) إن تعذر ، وليكن ذلك في كل شوط ، وأقله الفتح والختم (2).
______________________________________________________
التعظيم والتبرك والتحبب من الجميع ، ويمكن أن يراد به الاعتناق والالتزام ، لأنه تناول له بجميع البدن وتلبس والتئام به ، وعلى كل حال فإن تعذر الاستلام بالجميع فببعضه كما نص عليه الفاضل أيضا ، بل هو المحكي عن المبسوط والخلاف أيضا ، بل في الأخير منهما الاجماع عليه ، خلافا للشافعي فلم يجتز بما تيسر من بدنه) انتهى.
ثم إذا استلمه بيده فيستحب تقبيل اليد لمناسبته للتعظيم والتبرك والتحبب ، لخبر الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام (طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان بمحجته ويقبّل المحجن) (1) ، وعن سلّار وجوب استلام الحجر والتقبيل ، ولكن في المراسم - كما في الجواهر - وجوب لثم الحجر فقط ، أخذا بظاهر الأمر في هذه النصوص ، ولكنه محمول على الاستحباب لطائفة من الأخبار ، منها : صحيح سيف التمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال له : أتيت الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا فسألته فقال : لا بد من استلامه ، فقال عليه السلام : إن وجدته خاليا ، وإلا فسلم من بعيد) (2) ، وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (إني لا أخلص الى الحجر الأسود ، فقال عليه السلام : إذا طفت طواف الفريضة فلا يضرك) (3) ، وصحيح معاوية بن عمار (قال أبو بصير لأبي عبد الله عليه السلام : إن أهل مكة أنكروا عليك أنك لم تقبّل الحجر ، وقد قبّله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا انتهى إلى الحجر يفرجون له ، وأنا لا يفرجون لي) (4).
(1) نقل العلامة في التذكرة عن السيد المرتضى (الاستلام بغير همز افتعال من السلام ، وهي الحجارة ، فإذا مس الحجر بيده أو مسحه بها قيل استلم ، أي مس السلام بيده ، وقيل : إنه مأخوذ من السلام ، بمعنى أنه يحيي نفسه عن الحجر ، إذ ليس الحجر ممن يجيبه ، وهذا كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم سوى نفسه) ، ونقل في التذكرة عن تغلب (أنه حكى في الاستلام الهمز ، وفسره بأنه اتخذه جنّة وسلاحا ، من اللامة وهي الدرع).
(2) أي افتتاح الشوط الأول واختتام الشوط الأخير ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي -
ص: 405
(واستلام الأركان) (1) كلها كلّما مرّ بها خصوصا اليماني والعراقي ، وتقبيلهما للتأسي ، واستلام (المستجار (2) في) الشوط (السابع) وهو بحذاء الباب ، دون
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (كنا نقول : لا بد أن نستفتح بالحجر ونختم به ، فأما اليوم فقد كثر الناس) (1).
(1) ذهب الأكثر إلى استحباب استلام الأركان كلها ، وإن تأكد استحباب استلام العراقي واليماني ، لصحيح جميل بن صالح (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يستلم الأركان كلها) (2) ، وخبر إبراهيم بن أبي محمود (قلت لرضا عليه السلام استلم اليماني والشامي والعراقي والغربي؟ قال : نعم) (3).
وفي صحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن استلام الركن ، قال : استلامه أن تلصق بطنك به والمسح أن تمسحه بيدك) (4) ، ولكنه محمول على الاستحباب لصدق الاستلام باليد ، ويدل عليه أخبار منها : خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن استلام الحجر من قبل الباب ، فقال : أليس إنما تريد أن تستلم الركن؟ قلت : نعم ، قال : يجزيك حيثما نالت يدك) (5).
وأما تأكد الاستحباب في اليماني والعراقي فلصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول : ما بال هذين الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟ فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استلم هذين ، ولم يتعرض لهذين ، فلا تعرض لهما إذا لم يتعرض لهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (6) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبي جعفر عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلم إلا الركن الأسود واليماني ثم يقبّلها ويضع خده عليهما ، ورأيت أبي يفعله) (7) ومثلها غيرها.
وأوجب سلّار استلام اليماني أخذا بظاهر الأمر في النصوص السابقة في استلام الحجر ، وقد عرفت حالها ، وعن ابن الجنيد من نفي استلام غير الركنين اليماني والعراقي ، أو منع استلام الشامي على اختلاف النقل عنه ، وما تقدم حجة عليه.
(2) المستجار هو جزء من حائط الكعبة بحذاء الباب ، دون الركن اليماني بقليل ، ويسمى بالملتزم والمتعوذ ، فيستلمه في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه ويلصق به خده وبطنه ، ويقر بذنوبه ، ويدعو بالدعاء المأثور للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن
ص: 406
الركن اليماني بقليل ، (وإلصاق البطن) ببشرته به في هذا الطواف ، لإمكانه (1) ، وتتأدى السنة في غيره (2) من طواف مجامع للبس المخيط ولو من داخل الثياب (3) ، (و) إلصاق بشرة (الخدّ به) أيضا.
(والدعاء وعدّ ذنوبه عنده) مفصلة ، فليس من مؤمن يقر لربه بذنوبه فيه إلا
______________________________________________________
- أبي عبد الله عليه السلام (إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ ، وهو إذا قمت في دبر الكعبة بحذاء الباب فقل : اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، اللهم من قبلك الروح والفرج ، ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر فاختم به) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل ، فابسط يديك على البيت والصق بدنك - وفي نسخة بطنك - وخدك بالبيت ، وقل : اللهم : البيت بيتك والعبد عبدك ، وهذا مكان العائذ لك من النار ، ثم أقرّ لربك بما عملت ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله ، وتقول : اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية ، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك ، ثم تستجير بالله من النار ، وتخير لنفسك من الدعاء ، ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر الاسود) (2)، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (أنه كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه : أميطوا عنّي حتى أقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان ، فإن هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له) (3) ، نعم لو جاوز المستجار إلى الركن لم يرجع لفوات المحل ، ولصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام سألته عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر أو يدع ذلك؟ قال : يترك اللزوم ويمضي) (4) ، وعن الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن ، وعن المحقق في النافع والعلامة في القواعد الرجوع وإن جاوز الركن ، وما تقدم حجة عليهم حذرا من زيادة الطواف.
(1) لأنه بثوبي الاحرام الذي يسهل فيهما كشف البطن ، هذا في طواف القدوم ، ولذا عبّر عنه الشارح في هذا الطواف.
(2) كطواف الحج.
(3) لصدق إلصاق البطن بالمستجار.
ص: 407
غفرها له إن شاء الله ، رواه معاوية بن عمار عن الصادق (ع) ، ومتى استلم حفظ موضعه بأن يثبت رجليه فيه ، ولا يتقدم بهما حالته (1) ، حذرا من الزيادة في الطواف ، أو النقصان.
(والتداني من البيت) (2) وإن قلّت الخطى ، فجاز اشتمال القليلة على مزية وثواب زائد عن الكثيرة. وإن كان قد ورد في كل خطوة من الطواف سبعون ألف حسنة ، ويمكن الجمع بين تكثيرها والتداني ، بتكثير الطواف (3) (ويكره الكلام)
______________________________________________________
(1) حالة الاستلام.
(2) علّله العلامة كما عن المنتهى (بأن البيت هو المقصود فيكون الدنو منه أولى) وقال سيد المدارك (ومثله يكفي في مثله إن شاء الله تعالى) لأنه ليس بحكم الزامي فيكفي هذا الاستحسان.
وينشأ إشكال من أن الدنو يوجب قلة الخطى ، مع أنه ورد في الخبر وهو مرسل حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السلام (دخلت عليه يوما. إلى أن قال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا ، يقارب بين خطاه ، ويفضّ بصره ويستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا ولا يقطع ذكر الله عن لسانه إلا كتب الله له بكل خطوة سبعين الف حسنة ، ومحى عنه سبعين الف سيئة ، ورفع له سبعين الف درجة واعتق عنه سبعين الف رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وشفّع في سبعين من أهل بيته ، وقضيت له سبعون الف حاجة إن شاء فعاجله ، وإن شاء فآجله) (1) ، وهذا الثواب يستدعي تكثير الخطى وهذا يتم في البعد اكثر من التداني إلى البيت.
وقال في الدروس (ولا يبالي بقلة الخطى مع الدنو وكثرتها مع البعد) ولم يتضح وجهه ، وقال في الجواهر (ولا ينافي ذلك ما ورد من أن في كل خطوة من الطواف سبعين الف حسنة ، والتباعد أزيد خطى لجواز اتفاق الحسنات في العدد دون الرتبة) بمعنى أن هذا الثواب المخصوص مشترك في الخطوة سواء كانت عن قرب أو بعد ، لكن عن بعد تكثر الخطى وعن قرب تزداد رتبة الثواب كما تشترك المساجد في قدر معيّن من الحسنات مع كون بعضها له خصوصية ومزية خاصة.
(3) عن قرب ليكون مساويا للخطى عن بعد ، ونسيه : إن تكثير الطواف عن قرب غير
ص: 408
(في أثنائه بغير الذكر والقرآن) (1) ، والدعاء والصلاة على النبي (ص) (2). وما ذكرناه (3) يمكن دخوله في الذكر (4).
(مسائل : الأولى) :
(كل طواف) واجب (ركن) (5) يبطل النسك بتركه عمدا كغيره من
______________________________________________________
- صالح لرفع الأشكال لأن هذا التكثير لو كان عن بعد لأوجب زيادة الخطى فيرجع الإشكال جذعا ، بالإضافة إلى أن تكثير الطواف لا يتم إلا في المندوب وأما الواجب فلا كما هو واضح.
(1) لخبر محمد بن الفضيل عن أبي جعفر الثاني عليه السلام (طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن ، قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي ء من أمر الآخرة والدنيا فلا بأس به) (1) وقال في الجواهر (وإن اختص بالفريضة لكن يمكن القطع بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة ، وإن كانت أخفّ خصوصا بعد معروفية المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا) فالكلام في الطواف المندوب هو كلام في المسجد الحرام أيضا ، ثم إن الشهيد في الدروس زاد كراهية الأكل والشرب والتثاؤب والتمطي والفرقعة والعبث ومدافعة الاخبثين ، وكل ما يكره في الصلاة غالبا ، لأن الطواف في البيت صلاة كما تقدم.
(2) لخبر عبد السلام (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : دخلت الطواف فلم يفتح لي شي ء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد ، وسعيت فكان ذلك ، فقال : ما أعطي أحد ممن سأل أفضل مما اعطيت) (2).
(3) من الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(4) ولذا اقتصر عليه المصنف.
(5) اجماعي كما عن التحرير ، والمراد بالركن هنا ما يبطل الحج بتركه عمدا خاصة كما عن المسالك ، ويدل عليه صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة) (3) وخبر علي بن حمزة (سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله ، -
ص: 409
الأركان (إلا طواف النساء) (1) ، والجاهل عامد ، ولا يبطل بتركه نسيانا (2) لكن
______________________________________________________
- قال : إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة) (1) فإذا كان ترك الطواف جهلا مبطل للحج فمع العلم من باب أولى.
هذا وأركان الحج على ما قيل : النية والاحرام والقوفان والسعي ، أما النية والإحرام فواضح إذ تركهما عمدا أو سهوا لا يوجب التلبس بالحج ، فتركهما موجب لعدم الحج ، وأما البقية فسيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.
وكما يبطل الحج بترك الطواف العمدي كذلك تبطل العمرة لعدم خصوصية الحج الوارد وفي النصوص المتقدمة ، ومن هذين الخبرين يعلم أن الجاهل عامد كالعالم وهذا ما نسب إلى الأكثر ، نعم بقي الكلام فيما يتحقق به ترك الطواف وسيأتي البحث فيه.
(1) فإنه ليس بركن من غير خلاف كما عن السرائر ، ويدل عليه صحيح أبي أيوب الخزاز (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل فقال : أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ، فأبى الجمال أن يقيم عليها ، قال : فاطرق وهو يقول لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ، تمضي فقد تم حجها) (2) وتمامية حجها مع عدمه دليل على عدم ركنيته ولو كان تركه على نحو الاضطرار وإلا فالاضطرار يرفع الاثم في الترك فلو كان ركنا لوجب عليها الإعادة.
(2) أي لا يبطل الطواف الركني بتركه نسيانا بل يقضيه ولو بعد المناسك بلا خلاف معتد أجده فيه كما في الجواهر لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : يبعث بهدي إن كان تركه في حج بعث به في حج ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه) (3) وهو محمول على ما لو تعذر العود وإلا فيجب عليه الرجوع بنفسه لأن الطواف عن مباشرة هو الواجب بالأصل وعن الشيخ في كتابي الأخبار البطلان ، بعد حمل الخبر على طواف النساء واستشهد على ذلك بخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) (4) وفيه : أما خبر ابن عمار فهو صريح في طواف
ص: 410
يجب تداركه (فيعود إليه وجوبا مع المكنة) ولو من بلده (ومع التعذر) (1). والظاهر أن المراد به المشقة الكثيرة وفاقا للدروس ، ويحتمل إرادة العجز عنه مطلقا (2) (يستنيب) فيه ، ويتحقق البطلان بتركه عمدا (3) ، وجهلا (4) بخروج ذي الحجة قبل فعله إن كان طواف الحج مطلقا (5) ، وفي عمرة التمتع وقت لضيق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله ، وفي المفردة المجامعة للحج والمفردة عنه إشكال (6). ويمكن اعتبار نية الإعراض عنه (7).
______________________________________________________
- النساء وليس فيه المنع عن الاستنابة لو تعذر العود في طواف الحج المنسي بالإضافة إلى أن صحيح علي بن جعفر صريح في كون المنسي هو طواف الحج لا النساء فلا تعارض بينهما فيحمل كلّ منهما على ظاهره.
(1) ظاهر الصحيح المتقدم أن نفس الرجوع إلى البلد عذر ولكن الأصحاب اعتبروا تعذر العود احتياطا لأصالة المباشرة فلا يرفع اليد عنها إلا بأدلة الحرج ونحوها.
وعن الدروس أن المراد من التعذر هنا المشقة الشديدة ، وفيه : أنه يكفي ما يوجب الحرج.
(2) من غير تقييد بالمشقة الكثيرة.
(3) لأنه ركن فيبطل الحج بتركه عمدا كما تقدم.
(4) فما سبق من العود إلى الطواف والاستنابة وإن خرج شهر ذي الحجة فهو مخصوص بالناسي ، وأما التارك للطواف عمدا أو جهلا فيتحقق وقت الترك بخروج ذي الحجة لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة خصوصا الطواف والسعي فلو أخرهما طول ذي الحجة صح حجه ، وفي حكم خروج الشهر انتقال الحاج إلى محل يتعذر عليه العود في تمام الشهر هذا في الحج ، وأما عمرة التمتع فوقت الترك يتحقق بضيق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله ، والعمرة المفردة بخروج السنة إن كانت مجامعة لحج القران أو الافراد بناء على وجوب ايقاعها في سنة الحج ، وأما لو كانت مجردة فاشكال إذ يحتمل وجوب الاتيان بالطواف تمام العمر لعدم التوقيت فما دام حيا فلا يحكم ببطلان العمرة المجردة لعدم تحقق الترك وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر ، ويحتمل أن يتحقق وقت الترك بالخروج عن مكة بنية الأعراض عن الطواف كما احتمله الشهيد في المسالك.
(5) سواء كان حج تمتع أو إفراد أو قران.
(6) لا إشكال فيها لاشتراط وقوعها في سنة الحج وإنما الاشكال في العمرة المجردة
(7) في الجميع كما عن المسالك.
ص: 411
(ولو نسي طواف النساء) حتى خرج من مكة (جازت الاستنابة) فيه (اختيارا) (1) وإن أمكن العود لكن لو اتفق عوده لم تجز الاستنابة (2) ، أما لو تركه عمدا (3) وجب العود إليه مع الإمكان ، ولا تحل النساء بدونه مطلقا (4) حتى العقد ، ولو كان امرأة (5) حرم عليها تمكين الزوج على الأصح (6) والجاهل عامد
______________________________________________________
(1) على المشهور كما عن الدروس بل قيل لا خلاف فيه إلا من الشيخ في التهذيب والفاضل في المنتهى فاشترط نية التعذر ، ويدل على المشهور إطلاق الأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي طواف النساء وحتى يرجع إلى أهله قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) (2) ، وهو كالصريح في جواز الاستنابة اختيارا وإلا لقال : يأمر من يقضي عنه إن تعذر عليه الحج وتمسك الشيخ والعلامة بصحيح معاوية بن عمار الثالث عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة ، قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ، قلت : فإن لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه) (3) ، وصحيح معاوية بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال : لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره ، فأما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضى عنه) (4) ، وقد حملت على الكراهة بقرينة (لا يصلح) كما في الأخير ، وما قبله غير صريح في المنع من الاستنابة إذا أمكن العود.
(2) لأن الأخبار المتقدمة الدالة على جواز الاستنابة صريحة في عدم رجوعه إلى مكة ، وأما إذا رجع فالأصل مباشرته للطواف ولا دليل على جواز الخروج عنه.
(3) فالأخبار المتقدمة صريحة في النسيان ، وأما في صورة العمد فالأصل يقتضي الرجوع لمباشرة الطواف بنفسه وهذا ما صرح به في الدروس والجواهر.
(4) وطئا أو عقدا أو لمسا أو تقبيلا أو نظرا كما تقدم في تروك الاحرام.
(5) قال في الجواهر : (والظاهر ثبوت الاحكام المزبورة للمرأة المحرمة كالرجل ضرورة عدم كونه من خواص الرجل) ، بل ادعى العلامة في المنتهى الاجماع.
(6) فعن القواعد للعلامة أن المحرم عليها ترك الوطي وما في حكمه من التقبيل والنظر
ص: 412
كما مر ، ولو كان المنسي بعضا من غير طواف النساء بعد إكمال الأربع جازت الاستنابة فيه (1) كطواف النساء (2).
(الثانية) :
(يجوز تقديم طواف الحج وسعيه للمفرد) ، وكذا القارن (على الوقوف) بعرفة اختيارا (3) ، لكن يجددان التلبية عقيب صلاة كل طواف كما مر ، (و) كذا يجوز
______________________________________________________
- واللمس بشهوة دون العقد لو تركت طواف النساء ، وإن كان العقد قد حرم عليها بالإحرام ، وذلك لإطلاق ما دل على إحلال كل شي ء قد حرم عليه إلا النساء إذا تم ذبح والحلق أو التقصير كما سيأتي دليله في محله ، والمفهوم من حرمة النساء المستثنى هو حرمة الاستمتاع بهن لا العقد عليهن.
وفيه منع لأن العقد قد حرم لحرمة النساء فلا يحلّ إلا بما يحل النساء ولذا حكم بالحرمة الشهيدان في الدروس والروضة هنا وصاحب الجواهر وغيرهم.
(1) لصحيح الحسن بن عطية (سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله عليه السلام : كيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر فقال : الله اكبر وعقد واحدا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : يطوف شوطا ، فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال : يأمر من يطوف عنه) (1) ، ويستفاد من هذه الرواية جواز الاستنابة مطلقا سواء أمكن العود أو لا ، ولكن تقييد الحكم بمجاوزة النصف لما تقدم من التعليل بأنه مع مجاوزة النصف يبني على الطواف المتقدم إذا كان قد تركه لعذر أو حاجة أو حدث ، والنسيان عذر يبنى عليه.
(2) أي تجوز الاستنابة سواء أمكن العود أو لا كما جاز ذلك في طواف النساء.
(3) على المشهور للأخبار منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن مفرد الحج أيعجل طوافه أم يؤخره؟ قال : هو والله سواء عجله أو أخره) (2) ، وعن ابن إدريس منع التقديم محتجا على وجوب الترتيب بالإجماع ، وردّ عليه العلامة في المنتهى (أن شيخنا - رحمه الله - قد ادعى إجماع الطائفة على جواز التقديم فكيف يصح له - لابن إدريس - حينئذ دعوى الاجماع على خلافه ، والشيخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف).
ثم إذا قدم المفرد أو القارن الطواف جدد التلبية ليبقوا على إحرامهم وإلا انقلبت الحجة -
ص: 413
تقديمهما (للمتمتع عند الضرورة) (1) كخوف الحيض ، والنفاس المتأخرين ، وعليه تجديد التلبية أيضا (2) ، (وطواف النساء لا يقدم لهما) (3) ، ولا للقارن (إلا لضرورة.)
______________________________________________________
- عمرة عند الشيخ واكثر الأصحاب ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
(1) فلا يجوز التقديم اختيارا للمتمتع لخبر أبي بصير (قلت : رجل كان متمتعا فأهلّ بالحج قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتدّ بذلك الطواف) (1).
وأما اضطرارا كخوف الحيض والنفاس ونحوهما فيجوز للأخبار منها : صحيح صفوان عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر ، أيصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتى منى؟ قال : إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت) (2) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (عن المتمتع إن كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال عليه السلام : نعم من كان هكذا يعجل) (3).
ومنه يعرف ضعف ما عن ابن إدريس من المنع من التقديم مطلقا.
(2) كالقارن والمفرد إذا قدما الطواف على الوقوفين ، وقد تقدم الكلام فيه.
(3) أي للمفرد والمتمتع ، فلا يجوز التقديم اختيارا ويجوز اضطرارا على المشهور للأخبار منها : صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف هو ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفا) (4) وعن ابن إدريس لا يجوز حتى للضرورة ، لأن وقته متسع فيجوز له الاستنابة وإن أمكن العود ولخبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل مكة ومعه نساء قد أمرهنّ فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، فخشي على بعضهن الحيض ، فقال : إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحج من مكانها ، ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن حدث بها شي ء قضت بقية المناسك وهي طامث ، فقلت : أليس قد بقي طواف النساء؟ قال : بلى ، فقلت : فهي -
ص: 414
وهو) أي طواف النساء (واجب في كل نسك) حجا كان (1) ، أم عمرة (2) (على كل)
______________________________________________________
- مرتهنة حتى تفرغ منه ، قال : نعم ، قلت : فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها ، قال : يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن يبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان ، قلت أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة ، قال : ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها) (1). وهو قاصر السند فلا يصلح لمعارضة ما تقدم.
(1) تمتع أو إفراد أو إقران للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة اطواف بالبيت ، وسعيان بين الصفا والمروة ، فعليه إذا قدم طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصّر ، وقد احلّ هذا للعمرة ، وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام (2) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المفرد عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية) (3) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج) (4).
(2) ووجوبه في العمرة المفردة بلا خلاف فيه معتدّ به ويدل عليه أخبار منها : خبر إسماعيل بن رباح عن أبي الحسن عليه السلام (عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال : نعم) (5) وخبر محمد بن عيسى (كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ وعن التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب : أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء) (6).
وحكى الشهيد في الدروس عن الجعفي عدم وجوبه في العمرة المفردة لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة فليلحق بأهله إن شاء) (7) ، وخبر أبي -
ص: 415
فاعل) للنسك (إلا عمرة التمتع) (1) فلا يجب فيها ، (وأوجبه فيها بعض الأصحاب) وهو ضعيف ، فيشمل قوله كل فاعل (2) ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير ، ومن يقدر على الجماع وغيره. وهو كذلك ، إلا أن إطلاق الوجوب على غير المكلف مجاز ، والمراد أنه ثابت عليهم حتى لو تركه الصبي حرم عليه النساء بعد البلوغ حتى يفعله ، أو يفعل عنه ، (وهو متأخر عن السعي) (3) ، فلو قدمه عليه عامدا أعاده
______________________________________________________
- خالد مولى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال : ليس عليه طواف النساء) (1) ، وقد اعرض المشهور عنها فلذا يشكل الاعتماد عليها.
(1) بلا خلاف فيه ، قال في الجواهر (وإن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب واسنده في الدروس إلى النقل ، لكن لم يعين الناقل ولا ظفرنا به ، ولا أحد ادعاه سواه ، بل في المنتهى لا اعرف فيه خلافا) ويدل على عدمه في عمرة التمتع اخبار منها صحيح معاوية بن عمار وخبر محمد بن عيسى المتقدمان ، نعم يوجد خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام قال : (إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصّر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء ، فإن عليه لتحله النساء طوافا وصلاة) (2) وهو ضعيف السند ولا جابر له.
(2) من الرجال والنساء والصبيان والخناثى والخصيان ، وهذا التعميم لدفع توهم اختصاصه بمن يباشر النساء فقط ويدل عليه فضلا عن أدلة اطلاق وجوبه صحيح الحسين بن علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة ، أعليهم طواف النساء؟ قال : نعم عليهم الطواف كلهم) ((3).
(3) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر أحمد بن محمد عمن ذكره (قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ، ثم طاف طواف النساء ثم سعى ، قال : لا يكون السعي إلا من قبل طواف النساء ، فقلت : أعليه شي ء؟ فقال : لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء) (4).
ص: 416
بعده ، وناسيا يجزي (1) ، والجاهل عامد (2).
(الثالثة) :
(يحرم لبس البرطلّة) (3) بضم الباء والطاء وإسكان الراء وتشديد اللام (4) المفتوحة ، وهي قلنسوة (5) طويلة كانت تلبس قديما (في الطواف) لما روي من النهي عنها معللا بأنها من زيّ اليهود ، (وقيل) والقائل ابن إدريس واستقربه في الدروس : (يختص) التحريم (بموضع تحريم ستر الرأس) كطواف العمرة ، لضعف
______________________________________________________
(1) لخبر سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام (سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : لا يضره ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه) (1) وهو محمول على الضرورة والنسيان جمعا بينه وبين ما دل على لا بدية تقديم السعي على طواف النساء.
(2) ففي المدارك (وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو بالساهي وجهان ، ورواية سماعة تتناوله) وهذا يقتضي إلحاقه بالساهي ، ومن ألحقه بالعامد فلعدم الاجزاء لعدم المطابقة بين المأتى به وبين المأمور به ، ولاصالة الاشتغال ، ولبقاء حرمة النساء حتى يأتى بطواف النساء بعد السعي.
(3) قال الشيخ في النهاية بالحرمة ، وفي التهذيب بالكراهة ، وعن ابن إدريس الكراهة في الحج والحرمة في طواف العمرة نظرا إلى تحريم الرأس فيه ، والأصل فيه خبر يزيد بن خليفة (رآني أبو عبد الله عليه السلام أطوف حول الكعبة وعليّ برطلّة ، فقال لي بعد ذلك : قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلّة ، لا تلبسها حول الكعبة فإنها من زي اليهود) (2) وخبر زياد بن يحيى الحنظلي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تطوفنّ بالبيت وعليك برطلّة) (3) ، وهما ضعيفا السند فلا يصلحان إلا مستندا للكراهة.
(4) وقيل بالتخفيف.
(5) إنها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما على ما ذكره المحقق الثاني في جامعه وسيد المدارك والشارح في المسالك فضلا عن الروضة ، وعن العين والمحيط والقاموس إنها المظلة الصيفية ، وعن الجوالقي إنها كلمة نبطية وليست من كلام العرب ، وعن ابن جني في سر الصناعة (إن النبط يجعلون الظاء طاء ولهذا قالوا البرطلة ، وإنما هو ابن الظل).
ص: 417
مستند التحريم. وهو الأقوى ، ويمكن حمل النهي على الكراهة بشاهد التعليل ، وعلى تقدير التحريم لا يقدح في صحة الطواف ، لأن النهي عن وصف خارج عنه وكذا لو طاف لابسا للمخيط.
(الرابعة) :
(روي عن علي (ع) بسند ضعيف (في امرأة نذرت الطواف على أربع) يديها ورجليها (أن عليها طوافين) (1) بالمعهود وعمل بمضمونه الشيخ [رحمه الله]. (وقيل) والقائل المحقق : (يقتصر) بالحكم (على المرأة) ، وقوفا فيما خالف الأصل على موضع النص ، (ويبطل في الرجل) لأن هذه الهيئة غير معتدّ بها شرعا ، فلا ينعقد في غير موضع النص ، (وقيل) والقائل ابن إدريس : (يبطل فيهما) لما ذكر ، واستضعافا للرواية.
(والأقرب الصحة فيهما) للنص ، وضعف السند منجبر بالشهرة وإذا ثبت في المرأة ففي الرجل بطريق أولى. والأقوى ما اختاره ابن إدريس من البطلان
______________________________________________________
(1) وإليه ذهب الشيخ والقاضي ونسب إلى الشهرة لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال : تطوف اسبوعا ليديها واسبوعا لرجليها) (1) ، وخبر أبي الجهم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام (أنه قال في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال : تطوف اسبوعا ليديها واسبوعا لرجليها) (2) وهما ضعيفان ، أما الأول فلكون السكوني عاميا ، وأما الثاني فلكون أبي الجهم مشترك بين جماعة وبعضهم لم يوثق فضلا عن اشتمال سند الثاني على موسى بن عيسى اليعقوبي وهو مجهول.
وعن ابن إدريس وتبعه سيد المدارك وجماعة عدم انعقاد النذر ، لأنه نذر لهيئة غير مشروعة ، وعن المحقق أنه يجب طوافان إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النص وعن العلامة في المنتهى (البطلان في حق الرجل والتوقف في حق المرأة فإن صح سند الخبرين عمل بموجبهما وإلا بطل كالرجل) ، وفيه : لا ريب في ضعف الخبرين ولكن منجبران بعمل الأصحاب فلا بد من العمل بهما ، وإذا ثبت ذلك في المرأة فيثبت في حق الرجل لعدم خصوصية المورد.
ص: 418
مطلقا (1) ، وربما قيل (2) : ينعقد النذر ، دون الوصف ويضعّف بعدم قصد المطلق.
(الخامسة) :
(يستحب إكثار الطواف) لكل حاضر بمكة (ما استطاع (3) وهو أفضل من الصلاة تطوعا للوارد) (4) مطلقا (5) ، وللمجاور في السنة الأولى ، وفي الثانية يتساويان ، فيشرّك بينهما ، وفي الثالثة تصير الصلاة أفضل كالمقيم (6) ، (وليكن)
______________________________________________________
(1) في المرأة والرجل.
(2) لم أجد نسبته إلى أحد ، ومراده أن النذر قد تعلق بالطواف وبالهيئة ، فإذا بطل النذر في الهيئة فلا يبطل في الطواف ، وفيه : إن المقصود من نذر الهيئة هو نذرها ضمن الطواف فهي حصة خاصة من الطواف فإذا بطلت بطل المطلق في ضمنها ، هذا فضلا عن عدم قصده مطلق الطواف بل الطواف المقيد بحصة خاصة.
(3) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الله جعل حول الكعبة عشرين ومائة رحمة ، منها ستون للطائفين) (1) وصحيح أبي عبد الله الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام (إن للكعبة للخطة في كل يوم يغفر لمن طاف بها ، أو حنّ قلبه إليها ، أو حبسه عنها عذر) (2).
(4) وهو غير المجاور.
(5) في جميع السنوات.
(6) للأخبار منها : خبر حريز (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطواف لغير أهل مكة لمن جاور بها أفضل أو الصلاة ، قال : الطواف للمجاورين أفضل من الصلاة ، والصلاة لاهل مكة والقاطنين بها أفضل من الطواف) (3) ، وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة ، ومن أقام سنتين خلط من ذا ومن ذا ، ومن أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف) (4).
وقال في المدارك (والظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب ، إذ ليس في الروايتين تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة ، وينبّه عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر ، والبدأة بالوتر ثم إتمام الطواف) وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام (سألته عن الرجل يكون في -
ص: 419
الطواف (ثلاثمائة وستين طوافا (1) فإن عجز) عنها (جعل أشواطا) فتكون أحدا وخمسين طوافا ، ويبقى ثلاثة أشواط تلحق بالطواف الأخير ، وهو مستثنى من كراهة القرآن في النافلة بالنص ، واستحب بعض الأصحاب إلحاقه بأربعة أخرى لتصير مع الزيادة طوافا كاملا ، حذرا من القران. واستحباب ذلك (2) لا ينافي الزيادة ، وأصل القران في العبادة مع صحتها لا ينافي الاستحباب (3) وهو حسن
______________________________________________________
- الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه فطلع الفجر فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فليوتر ، ثم يرجع فيتم طوافه ، أفترى ذلك أفضل أم يتمّ الطواف ثم يؤثر ، وإن أسفر بعض الاسفار ، قال : ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ، ثم أتمّ الطواف بعد) (1).
(1) كل طواف سبعة أشواط ، فالمجموع الفان وخمس مائة وعشرون شوطا بلا خلاف فيه لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (يستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين اسبوعا على عدد أيام السنة ، فإن لم يستطع فثلاثمائة وستين شوطا ، فإن لم يستطع فما قدرت عليه من الطواف) (2) ومقتضى استحباب الثلاثمائة وستين شوطا أن يكون الطواف الأخير عشرة أشواط ، والمجموع أحد وخمسون طوافا والأخير عشرة اشواط ، وقد ذهب جماعة منهم المحقق وسيد المدارك من أن هذه الزيادة غير مكروهة لظاهر النص ، ويكون استثناء من القران بالطواف المندوب ، ونقل العلامة في المختلف عن ابن زهرة أنه استحب زيادة أربعة اشواط على الثلاثة المنفردة ليصير طوافا كاملا حذرا من القران في الطواف المندوب ، وليوافق عدد أيام السنة الشمسية ، ونفى عنه البأس في المختلف ، ويشهد له ما رواه البزنطي عن علي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة ، كل اسبوع لسبعة أيام ، فذلك اثنان وخمسون اسبوعا) (3).
(2) هذا دفع توهم آت على كلام ابن زهرة والتوهم كيف تكون هذه الأشواط الاربعة مستحبة مع أن المستحب هو ثلاثمائة وستين شوطا كما هو مدلول صحيح معاوية بن عمار ، والدفع إن استحباب هذا العدد المخصوص لا ينافي في استحباب الزيادة عليه فهو مستحب مع مستحب آخر.
(3) دفع توهم ثان آت على كلام ابن زهرة ، لأن ظاهر كلام ابن زهرة الحاق الأربعة بالعشرة
ص: 420
وإن استحب الأمران (1).
(السادسة) :
(القران) بين أسبوعين بحيث لا يجعل بينهما تراخيا (2) ، وقد يطلق على
______________________________________________________
- ليصير المجموع أربعة عشر شوطا فيصير حينئذ اسبوعين ، وهذا موجب للقران بين طوافين وسيأتي أنه مكروه فكيف يكون مستحبا ، والدفع أن الكراهة تارة بمعنى المرجوح شرعا وأخرى بمعنى أقلية الثواب بالنسبة لنظائرها ، فالأربعة أشواط الأخيرة وإن انطبق عليها وصف القرآن فهي مكروهة بمعنى أقل ثوابا من أربعة أخرى من غير قران وهذا لا ينافي استحبابها.
(1) من زيادة أربعة على الثلاثة الباقية ليكون طوافا كاملا ، ومن إلحاق الثلاثة الباقية بالطواف الأخير ، واستحباب كلا الأمرين لدلالة النقل عليه كما في المسالك ، فالالحاق هو ظاهر صحيح معاوية المتقدم ، والزيادة هو مقتضى خبر أبي بصير.
(2) أي بدون إتيان ركعتي الطواف بينهما فهو محرم في الفريضة وقد نسب إلى الشهرة ، وعن التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا للأخبار منها : خبر البزنطي (سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف الاسباع جمعا فيقرن ، فقال : لا إلا الاسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن عليه السلام لأنه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية) (1) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (ولا قران بين اسبوعين في فريضة ونافلة) (2) والنهي في العبادات مفسد ، وذهب الشيخ في الاقتصاد والشهيد في الدروس والعلامة في المختلف إلى الكراهة لجملة من الاخبار منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يكره أن يجمع الرجل بين الاسبوعين والطوافين في الفريضة ، وأما في النافلة فلا بأس) (3) وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يكره القران في الفريضة ، فأما النافلة فلا - والله - ما به بأس) (4) ثم إن القران بالمعنى المتقدم هو مكروه في النافلة بلا خلاف فيه للأخبار ، منها : خبر زرارة المتقدم وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (عن الرجل يطوف السّبوع والسبوعين فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له أن يطوف اسبوعا ، هل يصلح ذلك؟ قال : لا يصلح حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ، ثم ليطوف ما أحبّ) (4) ، ولفظ (لا يصلح) ظاهر في الكراهة ، وما دل على نفي البأس عنه في النافلة محمول على التقية بشهادة خبر البزنطي المتقدم.
ص: 421
الزيادة عن العدد مطلقا (1) (مبطل في طواف الفريضة ، ولا بأس به في النافلة ، وإن كان تركه أفضل) (2) ، ونبه بأفضلية تركه على بقاء فضل معه ، كما هو شأن كل عبادة مكروهة. وهل تتعلق الكراهة (3) بمجموع الطواف ، أم بالزيادة؟ الأجود الثاني إن عرض قصدها (4) بعد الإكمال ، وإلا فالأول وعلى التقديرين فالزيادة يستحق عليها ثواب في الجملة (5) وإن قلّ.
(القول في السعي والتقصير - ومقدماته) كلها مسنونة (استلام الحجر) (6) عند إرادة الخروج إليه (7) ، (والشرب من زمزم ، وصبّ الماء منه عليه) (8) من الدلو المقابل
______________________________________________________
(1) سواء بلغ الاسبوعين أو لا ، وبهذا المعنى فغير جائز في الطواف الواجب لاشتراطه بالسبع فقط وقد تقدم الكلام فيه ، ثم يتوجه التحريم إذا وقعت الزيادة بقصد الطواف بحيث قصدها في الاثناء أو الابتداء ، أما لو تجاوز الحجر الأسود بنية أن ما زاد على الشوط لا يكون جزءا من الطواف فلا محذور فيه.
وأما الزيادة في العدد في النافلة فمكروه كما عن المحقق والعلامة ، وقال في الجواهر : (ولكن لا أعرف وجهه).
(2) وهو معنى الكراهة في العبادة ، إذ يكون فعلها مستحبا وتركها أكثر استحبابا.
(3) كراهة القرآن بالمعنى الأول أو الثاني هذا بالنسبة للنافلة ، وأما الفريضة فقط عرفت أنه منهي عنه على التقديرين وهو يقتضي البطلان على التقديرين أيضا.
(4) أي قصد الزيارة بعد إكمال الطواف الأول.
(5) كما هو مقتضى الكراهة في العبادات.
(6) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبّله أو استلمه أو أشر إليه ، فإنه لا بد من ذلك ، وقال : إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل ، وتقول حين الشرب : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم) (1) ومثله غيره.
(7) أي إلى السعي.
(8) لصحيح حفص عن أبي الحسن موسى عليه السلام وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (يستحب أن يستقى من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصبّ على رأسك وجسدك ، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر) (2) وهو ظاهر في استحباب الاستقاء بنفسه.
ص: 422
للحجر ، وإلا فمن غيره (1) ، والأفضل استقاؤه بنفسه ، ويقول عند الشرب (2) ، والصبّ (3) : اللهم اجعله علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشقاء من كل داء وسقم.
(والطهارة) من الحدث على أصح القولين (4). وقيل : يشترط ومن الخبث أيضا (5) ، (والخروج من باب الصفا) (6) وهو الآن داخل من المسجد كباب بني
______________________________________________________
(1) أي غير هذا الدلو.
(2) كما في صحيح معاوية المتقدم.
(3) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتين فليأت زمزم ويستق منه ذنوبا أو ذنوبين ، فليشرب منه وليصب على رأسه وظهره وبطنه ويقول : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم) (1).
(4) وهو المشهور للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء ، إلا الطواف فإن فيه الصلاة ، والوضوء أفضل) (2) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى ، قال : تسعى ، وقال : وسألته عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما ، قال : تتم سعيها) (3) ، وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء ، فقال : لا بأس) (4) وذهب ابن أبي عقيل إلى اشتراط الطهارة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض ، قال : لا ، إن الله تعالى يقول : ( إِنَّ الصَّفٰا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ ) ) (5)وخبر ابن فضال عن أبي الحسن عليه السلام (لا تطوف ولا تسعى إلا على وضوء) (6).
(5) قال في الجواهر : (صرح جماعة أيضا باستحباب الطهارة من الخبث فيه - أي السعي - وإن كان لم يحضرني الآن ما يشهد له سوى مناسبة التعظيم ، وكون الحكم ندبيا يكتفى في مثله بنحو ذلك).
(6) أي الخروج من المسجد إلى المسعى من باب الصفا ، واستحبابه بلا خلاف فيه كما في الجواهر لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدءوا بما بدأ الله به ، إن الله عزوجل يقول : ( إِنَّ الصَّفٰا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ ) ، قال أبو عبد الله عليه السلام : ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود ، حتى تقطع الوادي وعليك -
ص: 423
شيبة ، إلا أنه معلّم باسطوانتين فليخرج من بينهما. وفي الدروس الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما أيضا.
(والوقوف على الصفا) بعد الصعود إليه حتى يرى البيت من بابه (مستقبل الكعبة ، والدعاء والذكر) (1) قبل الشروع بقدر قراءة البقرة مترسلا ، للتأسي ،
______________________________________________________
- السكينة والوقار) (1).
وقال سيد المدارك : (واعلم أن الباب الذي خرج منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صار الآن في داخل المسجد باعتبار توسعته ، لكن قال الشهيد في الدروس : إنه معلّم باسطوانتين هناك معروفتين فليخرج من بينهما ، قال : والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما).
(1) لصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار ، فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود فاحمد الله عزوجل وأثن عليه ، واذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ، ثم كبّر الله سبعا وهلله سبعا ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شي ء قدير ، ثلاث مرات ، ثم صل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقل : الله اكبر ، الحمد لله على ما هدانا ، والحمد لله على ما أبلانا ، والحمد لله الحيّ القيوم ، والحمد لله الحي الدائم ثلاث مرات ، وقل : اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون ، ثلاث مرات ، اللهم إني اسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ، ثلاث مرات ، اللهم ( آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ ) ، ثلاث مرات ، ثم كبّر مائة مرة وهلّل مائة مرة واحمد الله مائة مرة وسبّح مائة مرة ، وتقول : لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد وحده ، اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت ، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته ، اللهم أظلّني في عرشك يوم لا ظل إلا ظلّك ، وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك ، ثم تقول : استودع الله الرحمن الرحيم الذي لا يضيّع ودائعه ، ديني ونفسي وأهلي ، اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك ، وتوفني على ملته ، ثم أعذني من الفتنة ، ثم تكبر ثلاثا ، ثم تعيدها مرتين ، ثم تكبر واحدة ، ثم تعيدها ، فإن لم -
ص: 424
وليكن الذكر مائة (1) تكبيرة ، وتسبيحة ، وتحميدة ، وتهليلة ، ثم الصلاة على النبي (ص) مائة.
(وواجبه النية) (2) المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقربا ، مقارنة للحركة (3) وللصفا بأن يصعد عليه (4) فيجزئ من أي جزء كان منه ، أو يلصق عقبه به (5) إن لم يصعد ، فإذا وصل إلى المروة ألصق أصابع رجليه بها إن لم يدخلها
______________________________________________________
- تستطع هذا فبعضه ، قال أبو عبد الله عليه السلام : وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا) (1).
وقد تضمنت هذه الرواية استحباب الصعود والوقوف على الصفا مستقبل القبلة والدعاء والذكر بقدر قراءة سورة البقرة مترسلا ، وتدل على كون الذكر مائة تكبيرة ومائة تسبيحة ومائة تحميدة ومائة تهليلة ، وغير ذلك من الدعاء والذكر.
(1) لم يتعرض صحيح معاوية للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة مرة ، ولم يتعرض لها في المتن وكذا في الجواهر والمدارك وغيرهما ، نعم في الفقيه للصدوق الذي متنه روايات قال (وتقول : اللهم ( آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ ) ثلاث مرات ، وتقول: الحمد لله مائة مرة والله أكبر مائة مرة وسبحان الله مائة مرة ولا إله إلا الله مائة مرة ، واستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة ، وصل على محمد وآل محمد مائة مرة) (2) ، وقد ذكرها الشهيد في الدروس.
(2) بلا خلاف فيه من كونه أمرا عباديا متوقفا على النية ، والنية كما تقدم أكثر من مرة مشتملة على القصد مع التقرب ، ولا يجب قصد الخصوصيات إلا إذا توقف التعيين عليه.
(3) حتى يقع الفعل بتمامه عن النية بناء على أنها اخطارية ، وأما بناء على أنها على نحو الداعي كما هو الصحيح فلا يضر تقدمها إذ هي باقية حكما.
(4) كما تقدم أنه مستحب.
(5) أي بالصفا حتى ينتهي إلى المروة فيلصق أصابع رجليه بها ليصدق عليه السعي بين الصفا والمروة ، ولم يناقش في هذه الدقة العقلية إلا سيد الرياض حيث قال : (لو لا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا والأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة ، والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصفا والمروة -
ص: 425
ليستوعب سلوك المسافة التي بينهما في كل شوط.
(والبدأة بالصفا ، والختم بالمروة (1) ، فهذا شوط ، وعوده) من المروة إلى الصفا
______________________________________________________
- عرفا وعادة لا يخلو من قوة كما اختاره بعض المعاصرين ، لما ذكره من أن المفهوم من الأخبار أن الأمر أوسع من ذلك ، فإن السعي على الإبل الذي دلت عليه الأخبار ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسعى على ناقته لا يتفق فيه هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في الابتداء ، وأصابعه يلصقها بالمروة وموضع العقب بعد العود ، فضلا عن ركوب الدرج - وهذا تعريض بمن أوجب صعود الصفا من باب المقدمة - بل يكفي فيه الأمر العرفي ولكن الأحوط ما ذكروه) انتهى.
(1) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، ثم قصّر) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة) (2) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا ، قال : يعيد ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء) (3) ، وخبر علي الصائغ عن أبي عبد الله عليه السلام مثله إلا أن في الأخير (يعيد ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله) (4) ، هذا بالنسبة لسبعة أشواط الواجبة في السعي ، وأما بالنسبة للشوط فالابتداء بالصفا والانتهاء بالمروة شوط أول والرجوع إلى الصفا شوط ثان وهكذا إلى السابع بلا خلاف فيه ، ويدل عليه أخبار منها : صحيح هشام بن سالم (سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له : تحفظ عليّ ، فجعل يعدّ ذاهبا وجائيا شوطا واحدا ، فبلغ بنا ذلك ، فقلت له : كيف تعدّ؟ قال : ذاهبا وجائيا شوطا واحدا فأتممنا أربعة عشر شوطا ، فذكرنا لأبي عبد الله عليه السلام فقال : قد زادوا على ما عليهم ، ليس عليهم شي ء) (5).
هذا ويجب السعي في الطريق المعهود بين الصفا والمروة فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز ، وكذا لو اقتحم سوق الليل كما في الدروس ، ويجب في السعي التوجه بالبدن على نحو المتعارف نحو المطلوب فلو مشى القهقرى لم يجز لأنه على خلاف المعهود فلا يتحقق به الامتثال ، وأما الالتفات بالوجه فلا يضر قطعا كما عن المدارك.
ص: 426
(آخر فالسابع) يتم (على المروة ، وترك الزيادة على السبعة فيبطل) لو زاد (عمدا) ، ولو خطوة (1) (والنقيصة (2) فيأتي بها) وإن طال الزمان ، إذ لا تجب الموالاة فيه ، أو كان دون الأربع ، بل يبني ولو على شوط ، (وإن زاد سهوا تخير بين الإهدار)
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، لخبر عبد الله بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذلك السعي) (1) ، والخطوة مبطلة إذا أتى بها بقصد السعي.
(2) فلا يبطل السعي بالنقيصة ، بل يأتي بالناقص ، قال في الجواهر : (سواء كانت - أي النقيصة - شوطا أو أقل أو أكثر ، وسواء ذكرها قبل فوات الموالاة أو بعدها ، لعدم وجوبها فيها إجماعا كما عن التذكرة) ، ويدل عليه صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلى منزله ، وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلّم أظافيره وأحلّ ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط ، فقال لي : يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط ، فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا) (2) ، وهو ظاهر في عدم الموالاة ، وكذا خبر ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط ، وهو يظن أنها سبعة ، فذكر بعد ما حلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط ، قال : عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر) (3) ، واعتبر المفيد وسلّار وأبو الصلاح وابن زهرة في البناء على ما مضى تجاوز النصف وإلا فيستأنف السعي من رأس ، لخبر أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام (إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة ، وجاوزت النصف علّمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله) (4) ، ونحوه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (5).
ولكن ضعف سندهما وعدم الجابر لهما مع اختصاص ذيلهما بالطواف دون السعي ، مع ما سيأتي من جواز قطع السعي لأقل من النصف فقد ذهب الشيخ في كتبه ، وبنو حمزة وادريس والبراج ، وسعيد ، والعلامة في القواعد ، وغيرهم إلى جواز البناء من دون فرق بين تجاوز النصف وعدم التجاوز.
ص: 427
للزائد ، (وتكميل أسبوعين) (1) إن لم يذكر حتى أكمل الثامن (2) ، وإلا تعين إهداره ، (كالطواف). وهذا القيد يمكن استفادته من التشبيه ، وأطلق في الدروس الحكم وجماعة. والأقوى تقييده بما ذكر ، وحينئذ فمع الإكمال يكون الثاني مستحبا (3).(ولم يشرع استحباب السعي إلا هنا) (4) ، ولا يشرع ابتداء مطلقا (5).
(وهو) أي السعي (ركن (6) يبطل) النسك (يتعمد تركه) وإن جهل
______________________________________________________
(1) لا خلاف في عدم بطلان السعي بالزيادة السهوية ، وما تقدم من عدم جواز الزيارة فإنه مختص بالعمدية ، ثم هو مخيّر بين طرح الزيادة والاعتداد بالسبعة وبين إكمال الاسبوعين ويكون الثاني مستحبا ، أما طرح الزيادة فيدل عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام (في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال : إذا كان خطأ طرح واحدا واعتدّ بسبعة) (1) ، وصحيح جميل بن دراج (حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا ، فسألنا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : لا بأس سبعة لك ، وسبعة تطرح) (2) ، ومثلهما غيرهما ، وأما إكمال الاسبوعين فيدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (إن في كتاب علي عليه السلام : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة ، واستيقن ثمانية أضاف إليها ستا ، وكذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا) (3).
وخالف ابن زهرة فاقتصر على الإكمال ، وخالف صاحب الحدائق فطرح الإكمال لأن جوازه يعني أن السعي الثاني قد ابتدأ من المروة وهو مخالف للأخبار الآمرة بالابتداء من الصفا ، وردّ بأنه تكون مخصصة بالصحيح المتقدم.
(2) قال سيد المدارك : (بعد أن ذكر صحيح ابن مسلم المتقدم : وإنما يتخير بين الطرح والإكمال إذا لم يقع التذكر إلا بعد إكمال الثامن وإلا تعين القطع لاختصاص الرواية المتضمنة للإكمال بما إذا لم يحصل التذكر حتى أتمّ الثمانية).
(3) كالطواف ، ولم ينقل خلاف هنا في استحباب الثاني كما نقل في الطواف.
(4) أي عند تكميل الاسبوعين بسبب الزيادة السهوية.
(5) أي أصلا للسيرة مع عدم ورود نص على استحبابه مطلقا بخلاف الطواف.
(6) فيبطل الحج بتركه عمدا بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي -
ص: 428
الحكم (1) ، لا بنسيانه بل يأتي به مع الإمكان ، ومع التعذر يستنيب (2) كالطواف ولا يحل له ما يتوقف عليه من المحرمات حتى يأتي به كملا (3) أو نائبه ، (ولو ظن فعله فواقع) بعد أن أحلّ بالتقصير ، (أو قلّم) ظفره (فتبين الخطأ) وأنه لم يتمّ السعي (أتمّه (4) ، وكفّر ببقرة) في المشهور (5) ، استنادا إلى روايات دلت على
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل) (1) ، وخالف المخالف أبو حنيفة فقال إنه واجب غير ركني ، وقال أحمد أنه مستحب ، وإطلاق الخبر يقتضي عدم الفرق بين كون السعي للحج أو للعمرة ، والكلام فيما يتحقق به الترك على ما تقدم في الطواف.
(1) قال في الجواهر : (وفي إلحاق الجاهل بالعالم أو الناسي وجهان ، إن لم يكن اقواهما الأول كما اختاره في المسالك وغيرها ، خصوصا مع ملاحظة اطلاق الأصحاب العامد الشامل للجاهل والعالم ، مضافا إلى الأصل الذي لم يثبت انقطاعه بثبوت قاعدة معذورية الجاهل في الحج).
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : يعيد السعي ، قلت : فإنه خرج - وفي نسخة : فاته ذلك حتى خرج - قال : يرجع فيعيد السعي ، إن هذا ليس كرمي الحجار ، إن الرمي سنة والسعي بين الصفا والمروة فريضة) (2) ، وصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة ، قال : يطاف عنه) (3) ، والجمع بين الأخبار يقتضي بحمل إعادة السعي إذا أمكن ، وبحمل الأمر بالنيابة على التعذر.
(3) لأن هذه المحرمات أحكام وضعية مسبّبه عن الاحرام ، فلا يرفعها إلا الأسباب الشرعية التي وضعها الشارع ، ومن صحبتها السعي ، والجهل والنسيان رافعان للحكم التكليفي لا الوضعي.
(4) أي أتم السعي.
(5) لخبر عبد الله بن مسكان (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة ، فذكر بعد ما أحلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط ، فقال عليه السلام : عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر) (4) ، وهو ضعيف بمحمد بن سنان -
ص: 429
الحكم. وموردها ظن إكمال السعي بعد أن سعى ستة أشواط.
والحكم مخالف للأصول الشرعية من وجوه كثيرة : وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد ، والبقرة (1) في تقليم الظفر أو الأظفار ، ووجوبها (2) بالجماع مطلقا (3) ، ومساواته (4) للقلم ، ومن ثم أسقط وجوبها بعضهم وحملها على
______________________________________________________
- لكنه منجبر بعمل الأصحاب هذا من جهة ومن جهة أخرى فالدم الذي ثبت من أجل مواقعة النساء مع أنه مناف لما دل على وجوب البدنة لا البقرة على من جامع قبل طواف النساء في الحج فلا بدّ من تقييدها بعمرة المتمتع بها فقط ، وهذا ما فعله المحقق والفاضل وابن إدريس ، ومثله صحيح سعيد بن يسار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ، ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه ، وقلّم أظافيره وأحلّ ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط ، فقال لي : يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط ، فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما ، فقلت : دم ما ذا؟ قال : بقرة ، قال : وإن لم يكن قد حفظ أنه قد سعى ستة فليعد ، فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة) (1) ، بناء على أن الدم لتقليم الأظافير ، ولذا اقتصر العلامة في التبصرة عليه ، وعن الشيخ في النهاية والتهذيب أن الدم للتقصير ولقلم الأظافر ، وعن المبسوط أنه للتقصير أو لقلم الأظافر وعليه الفاضل في التذكرة والمحقق في الشرائع ، ثم إن الروايتين مخالفتان للقواعد الشرعية ، من وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد ، ووجوب البقرة في تقليم الأظفار مع أن الواجب لمجموعها شاة ، ووجوب البقرة في الجماع من أن الواجب هو البدنة في صورة العلم ولا شي ء في النسيان ، ومساواة القلم للجماع والحال إنهما مفترقان في الحكم في غيره هذه المسألة.
ولأجل هذه المخالفات حملت هاتان الروايتان على وجوه ، وبعضهم تلقاهما بالقبول مع عدم الالتفات إلى هذه المخالفات لأن العقل لا يأباها بعد ورود النص بها ، وتوقف المحقق في الحكم ، وقيل : إن القاضي اطّرحهما.
(1) أي وجوب البقرة في تقليم الظفر أو الأظفار مع أن الواجب في تقليم جميع الأظفار شاة.
(2) أي وجوب البقرة.
(3) من غير تفصيل بين الموسر والمعسر والمتوسط ، وأن الواجب على المتوسط بقرة وبخلاف قسيميه.
(4) أي مساواة الجماع للقلم في حكم هذه المسألة مع أنهما مختلفان في الحكم في غير هذه المسألة.
ص: 430
الاستحباب (1) ، وبعضهم أوجبها للظن (2) وإن لم تجب على الناسي ، وآخرون تلقوها (3) بالقبول مطلقا (4).
ويمكن توجيهه (5) بتقصيره هنا في ظن الإكمال ، فإن من سعى ستة يكون على الصفا فظن الإكمال مع اعتبار كونه على المروة تقصير ، بل تفريط واضح ، لكن المصنف وجماعة فرضوها قبل إتمام السعي مطلقا (6) فيشمل ما يتحقق فيه العذر كالخمسة (7). وكيف كان فالإشكال واقع (8).
(ويجوز قطعه لحاجة ، وغيرها) (9) قبل بلوغ الأربعة ، وبعدها على المشهور
______________________________________________________
(1) كالشيخ في أحد قوليه وابن إدريس على ما في المدارك.
(2) كابن إدريس لأنه خرج من السعي غير قاطع ولا متيقن مع أنه لا يجوز له الخروج إلا مع القطع ، فالحكم ليس بحكم الناسي.
(3) أي لهذه الروايات.
(4) من غير نظر إلى مخالفة القواعد الشرعية لأن العقل لا يأبى ذلك بعد ورود النص بها.
(5) أي توجيه الحكم في هذه الروايات بأن الناسي وإن كان معذورا إلا أنه هنا قد قصّر حيث لم يلحظ النقص لأنه قد قطع السعي على الصفا مع أنه يجب أن ينهيه على المروة ، وهذا بخلاف الناسي فإنه معذور.
(6) سواء كان في السادس أو غيره.
(7) فإنه في الخمسة يكون على المروة فلو انصرف فلا يكون مقصرا ولا مفرّطا كما لو كان على الصفا بالستة ، وعليه فيكون معذورا لو ترك السعي بظن أنه قد أتم السعي.
(8) لأنه إذا كان على المروة وهو قد أتم الخمسة مع أنه لا يرى إلا أنها السبعة فيندفع التقصير والتفريط ولكن يبقى الإشكال من أن الجماع لا يوجب البقرة إلا على متوسط الحال ، وأن تقليم جميع الأظفار لا يوجب إلا الشاة.
(9) يجوز قطع السعي لحاجة له أو لغيره أو للصلاة سواء جاوز النصف أو لا ، على المشهور ، بل في التذكرة لا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفف أو يقطع ويصلي ثم يعود ، أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ ، قال : لا بل يصلي ثم يعود) (1) ، وموثق ابن فضال (سأل محمد بن علي أبا الحسن عليه السلام : سعيت شوطا -
ص: 431
وقيل : كالطواف ، (والاستراحة في أثنائه) (1) وإن لم يكن على رأس الشوط مع حفظ موضعه ، حذرا من الزيادة والنقصان.
______________________________________________________
- واحدا ثم طلع الفجر فقال : صل ثم عد فأتم سعيك) (1) ، ومثله خبر محمد بن الفضيل (2) ، وخبر يحيى بن عبد الرحمن الأزرق (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة ، فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ، ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام ، قال : إن أجابه فلا بأس) (3).
وعن المفيد وأبي الصلاح وسلّار أنهم جعلوا ذلك كالطواف في اعتبار مجاوزة النصف لخبر أحمد بن عمر الحلال المتقدم (4) وقد تقدم الكلام فيه سندا ومتنا.
(1) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : نعم ، إن شاء جلس على الصفا والمروة ، وبينهما فليجلس) (5) ، ومثله غيره ، ونقل عن ابن زهرة وأبي الصلاح المنع عن الجلوس بين الصفا والمروة لصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد) (6) ، وهو محمول على الكراهة جمعا بين الأخبار.
هذا وبقي بعض الأحكام المستحبة بالسعي وهي : يستحب أن يكون السعي ماشيا وإن جاز مع الركوب بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو على بعير ، قال : لا بأس بذلك ، قال : وسألته عن الرجل يفعل ذلك ، قال : لا بأس به والمشي أفضل) (7).
ويستحب الهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين ماشيا كان أو راكبا ، بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الحذر من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي طرف المسعى فاسع ملأ فروجك وقل : بسم الله والله اكبر وصلى الله على محمد وأهل بيته ، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عن تعلم وأنت الاعز الأكرم ، حتى تبلغ المنارة الأخرى فإذا جاوزتها فقل : يا ذا المنّ والفضل والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت واضع عليها كما
ص: 432
(ويجب التقصير) (1) وهو إبانة الشعر (2) ، أو الظفر بحديد ، ونتف ،
______________________________________________________
- صنعت على الصفا ، وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (ليس على الراكب سعي ولكن ليسرع شيئا) (2) ، وإنما تستحب الهرولة للرجال دون النساء لموثق سماعة في حديث (إذا انتهيت إلى الدار التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ، فإذا انتهيت إليه فكفّ عن السعي وامش مشيا ، وإذ جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك ، فإذا انتهيت إلى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي وامش مشيا ، وإنما السعي على الرجال وليس على النساء وسعي) (3) ، ومثله غيره.
ولو ترك الهرولة فلا شي ء عليه ، لصحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل ترك شيئا من الرّمل في سعيه بين الصفا والمروة ، قال : لا شي ء عليه) (4) ، نعم لو نسي الهرولة فيستحب أن يرجع القهقري ويهرول في موضعها لمرسل الشيخ والصدوق عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليه السلام (من سها عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كله ، ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا ، ولكن يرجع القهقري إلى المكان الذي يجب فيه السعي) (5).
(1) أي يجب التقصير بعد السعي في عمرة التمتع ، بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس في المتعة إلا التقصير) (6) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصّر من شعره ، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ) (7).
(2) لظاهر الأخبار المتضمنة للتقصير من شعره ، كما في خبر عبد الله بن سنان المتقدم ، وهو مطلق إبانة الشعر بآلة أو بغيرها كما يشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام -
ص: 433
وقرض ، وغيرها (بعده) أي بعد السعي (بمسماه) وهو ما يصدق عليه أنه أخذ من شعر ، أو ظفر ، وإنما يجب التقصير متعينا (إذا كان سعي العمرة) أما في غيرها (1) فيتخير بينه وبين الحلق (من الشعر) متعلق بالتقصير ، ولا فرق فيه بين
______________________________________________________
- (جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصّر ، قال عليه السلام : عليك بدنة ، قلت : إني لما أردت ذلك منها ولم يكن قصّرت امتنعت ، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال عليه السلام : رحمها الله كانت أفقه منك ، عليك بدنة وليس عليها شي ء) (1) ، ولا حدّ للمقصوص من الشعر لظاهر الأخبار ومنه تعرف ضعف ما عن المبسوط من اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر ، وما عن المنتهى من كون أقله ثلاث شعرات ناسبا له إلى اختيار علمائنا وما عن ابن الجنيد أنه لا يجزي ما دون القبضة في النساء ، وقال في المدارك (لم نقف على مأخذه) نعم يستحب أن يكون بمقدار الأنملة لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (تقصر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة) (2) ، والتقصير كما يتحقق بإزالة الشعر يتحقق بالأخذ من الظفر ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من شعره بمشقص قال : لا بأس ليس كل أحد يجد جلما) (3) ، وفي صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (- في حديث - فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن أو يقصرن - من أظفارهن) (4) ، والأولى الجمع بينهما لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم قصّر من رأسك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك ، وقلّم أظفارك ، وابق منها لحجك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم وأحرمت منه) (5).
(1) كالمعتمر عمرة مفردة وكالحاج فهو مخيّر بين التقصير والحلق ، والحلق أفضل خصوصا للصرورة ومن لبّد شعره على ما هو المشهور على ما في المدارك لظاهر قوله تعالى ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (6) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية : اللهم اغفر للمحلّقين مرتين ، قيل : وللمقصرين يا رسول الله ، قال : وللمقصرين) (7) ، والدعاء مرتين دال على أفضلية الحلق. -
ص: 434
شعر الرأس ، واللحية ، وغيرهما (1) ، (أو الظفر) من اليد ، أو الرجل (2) ، ولو حلق بعض الشعر أجزاء وإنما يحرم حلق جميع الرأس (3) ، أو ما يصدق عليه عرفا ، (وبه يتحلل من إحرامها) فيحل له جميع ما حرم بالإحرام حتى الوقاع.
(ولو حلق) جميع رأسه عامدا عالما (فشاة) (4) ، ولا يجزئ عن التقصير
______________________________________________________
- وعن الشيخ في المبسوط والتهذيب وابن حمزة وجماعة تعيّن الحلق على الصرورة والملبّد والمعقوص شعره لأخبار صريحة في الوجوب ، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحج ، وليس في المتعة إلا التقصير) (1) ، وصحيحه الآخر عنه السّلام (ينبغي للصرورة أن يحلق وإن كان قد حج فإن شاء قصّر وإن شاء حلق) (2) ، وصحيح أبي سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام (يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبد ، ورجل حج بدوا لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه) (3) ، وخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن كان لم يحج فلا بد له من الحلق) (4) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر ، إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام) (5) ، وخبر بكر بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس للصرورة أن يقصّر وعليه أن يحلق) (6) ، واشتمال بعضها على لفظ (ينبغي) كما في صحيح معاوية ليس كاشفا عن استحباب الحلق بعد لا بدية الحلق وأنه ليس له التقصير في البعض والبعض الآخر التعبير بالوجوب ، بلا فرق بين الحج والعمرة المفردة لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا عقص الرجل رأسه أو لبّد في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق) (7) ، نعم يتعين التقصير على النساء بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير) (8).
(1) كالشارب ، لصدق الأخذ من الشعر.
(2) لصدق الأخذ أو تقليم الأظفار.
(3) في عمرة التمتع وسيأتي دليله.
(4) على المشهور لخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق -
ص: 435
للنهي ، وقيل : يجزئ ، لحصوله بالشروع ، والمحرم متأخر. وهو متجه مع تجدد القصد ، وناسيا ، أو جاهلا لا شي ء عليه (1) ، ويحرم الحلق ولو بعد التقصير (2) ، (ولو جامع قبل التقصير عمدا (3) فبدنه للموسر ، وبقرة للمتوسط ، وشاة)
______________________________________________________
- رأسه ، قال : عليه دم) (1) ، وخبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن متمتع حلق رأسه بمكة قال : إن كان جاهلا فليس عليه شي ء ، وإن تعمد ذلك في أول المشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء ، وإن تعمد بعد الثلاثين الذي يوفّر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه) (2) ، فهو ظاهر في أن الدم إذا حلق في أول ذي الحجة ، وأما لو حلق قبل ذي القعدة فلا شي ء عليه.
وذهب البعض كصاحب الجواهر إلى حرمة الحلق لأنه متعين عليه التقصير ولكن لا يجب عليه الدم لضعف الأول ، ولكون الثاني مفصّلا بين الجاهل والعالم مع إن إطلاق الاصحاب يشملها ، وعن الشيخ في الخلاف أن الحلق مجز والتقصير أفضل ، وهو ضعيف لعدم الأمر بالحلق ، وعن العلامة في المنتهى أن الحلق مجز وإن كان محرما وهو أضعف من الأول إذ مع الاعتراف بالنهي عنه فكيف يكون مجزيا ، وعن الشهيد في الدروس احتمال الاجزاء عن التقصير لو حلق ، لتحقق التقصير بالشروع في الحلق ، وأيّده في كشف اللثام ، وردّ بأن مفهوم الحلق مغاير لمفهوم التقصير ، نعم قص شيئا من الشعر حتى تحقق التقصير مع قصده ، ثم بدا له الحلق فحلق فهو مجز لتحقق التقصير ، وقد ارتكب إثما لحصول الحلق فيما بعد وهذا خارج عن محل النزاع هنا ، نعم إطلاق الخبرين بالدم ولكن حمل على الشاة إما للانصراف كما قيل ، وإما لأنها أقل من البقرة والبدنة وقاعدة الاقتصار على الأقل جارية لقاعدة البراءة عن الزائد.
(1) لأن الحكم قد رتب على العامد في خبر جميل المتقدم.
(2) مع ثبوت الدم كما عن الشهيد وابني حمزة والبراج وكشف اللثام ، ونسب إلى ظاهر الأصحاب ، ولكن عن البعض منهم صاحب الجواهر عدم الحرمة فضلا عن عدم ثبوت الدم وهو المستفاد من النافع للمحقق ، ودليل الأول نفس خبر جميل المتقدم الشامل لما بعد التقصير ، ودليل الثاني ما تقدم من الأخبار أنه يحل للمعتمر بعد التقصير كل شي ء قد حرم عليه ، ومن جملتها الحلق.
(3) فلا تفسد العمرة ولكن عليه بدنة للموسر وبقرة للمتوسط وشاة للمعسر ؛ كما عن الشيخ في التهذيب والمبسوط والحلي في سرائره وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في القواعد -
ص: 436
للمعسر) ، والمرجع في الثلاثة إلى العرف بحسب حالهم ومحلهم ، ولو كان جاهلا أو ناسيا فلا شي ء عليه (1).
(ويستحب التشبّه بالمحرمين بعده) أي بعد التقصير بترك لبس المخيط وغيره كما يقتضيه إطلاق النص (2) والعبارة ، وفي الدروس اقتصر على التشبه بترك المخيط ، (وكذا) يستحب ذلك (لأهل مكة (3) في الموسم) أجمع أي موسم الحج ،
______________________________________________________
- لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل متمتع وقع على امرأته ولم يقصّر فقال : ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون ... حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي ء عليه) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن متمتع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة وقبّل امرأته قبل أن يقصر من رأسه ، قال عليه السلام : عليه دم يهريقه ، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة) (2) ، وحسنة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام (متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر ، فقال : عليه دم شاة) (3) ، والجمع بين هذه الأخبار بالحمل على مراتب العسر واليسر احتياطا ، ويرشد إليه ما ورد فيمن أمنى بالنظر إلى غير أهله كخبر أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى فقال : إن كان موسرا فعليه بدنة ، وإن كان وسطا فعليه بقرة ، وإن كان فقيرا فعليه شاة) (4).
وعن سلّار وجوب البقرة فقط للتخيير بينها وبين الجزور في صحيح الحلبي فهي الواجبة والجزور أفضل ، وعن الحسن إيجاب البدنة لا غير لصحيح معاوية المتقدم ، ولكن الاحتياط يقتضي التفصيل المتقدم.
(1) كما في صحيح معاوية المتقدم بالنسبة للجاهل مما يكشف أن الحكم للعالم العامد.
(2) لمرسل حفص البختري عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام (ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج إذا حلّ أن لا يلبس قميصا ، وليتشبه بالمحرمين) (5) ، وظاهره أن التشبه في خصوص ترك المخيط ولذا اقتصر عليه في الدروس.
(3) لخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص ، وأن يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا ، وقال : ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك) (6) ، وهو ظاهر في كون التشبه في زمن الموسم والحج للانصراف.
ص: 437
أوّله وصول الوفود إليهم محرمين وآخره العيد عند إحلالهم.
(الفصل الخامس - في أفعال الحج - وهي الإحرام ، والوقوفان ومناسك منى (1) ، وطواف الحج وسعيه ، وطواف النساء ، ورمي الجمرات ، والمبيت بمنى) (2) ، والأركان منها خمسة ، الثلاثة الأول (3) ، والطواف الأول (4) والسعي (5).
(القول في الإحرام والوقوفين - يجب بعد التقصير الإحرام بالحج (6) على)
______________________________________________________
(1) وهي الرمي والذبح والحلق والتقصير.
(2) ولم يذكر المصنف هنا ركعتي الطواف وركعتي طواف النساء ولعله لأنهما من متممات الطواف.
(3) أي الإحرام والوقوفان في عرفات والمشعر.
(4) وهو طواف الحج.
(5) قد عرفت أن المراد من الركن هنا ما يوجب البطلان تركه عمدا جاهلا أو عالما ، وقد جعلها الشهيد في الدروس ثمانية بإضافة النية والتلبية والترتيب مصرّحا بإرادة نية الإحرام من النية ، لا نية الحج ، وقد تقدم أنه لا فرق بين الإحرام وبين غيره من أفعال الحج فلا داعي لتخصيصه بنية خاصة ، وما زاده في الدروس راجع إلى الإحرام ، وقد تقدم الكلام في الإحرام والطواف والسعي وسيأتي الكلام في كل واحد الوقوفين من حيثية الركنية.
(6) قد تقدم أن مكان إحرام حج التمتع مكة ، وأفضله المسجد وأفضله تحت الميزاب ، وأما زمان الإحرام فهو بعد التحلل من العمرة إلى وقت لو أحرم لأدرك الوقوف بعرفات ، وعن ابن حمزة أوجب الإحرام في يوم التروية ، وقال في الجواهر (ولعله لظاهر الأمر في حسنة معاوية) ، بل هي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحج وعليك السكينة والوقار) (1) ، ولكنه محمول على الندب ، للأخبار منها : صحيح علي بن يقطين عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه ، قال : إذا زالت الشمس ، وعن الذي يريد أن يتخلف بمكة
ص: 438
المتمتع) وجوبا موسعا ، إلى أن يبقى للوقوف مقدار ما يمكن إدراكه بعد الإحرام من محله ، (ويستحب) إيقاعه (يوم التروية) (1) وهو الثامن من ذي الحجة (2) ، سمّي
______________________________________________________
- عشية التروية إلى أي ساعة يسعه أن يتخلف ، قال : ذلك موسع له حتى يصبح بمنى) (1) ، بناء على أن الوصول إلى منى صبيحة التاسع تحقق القدرة للوصول إلى عرفة زوال الشمس من ذلك اليوم ، فالمدار على الوصول إلى عرفة حين وجوب الوقوف فيها.
(1) وأن يكون بعد صلاة الظهر كما عن القواعد والهداية والمقنعة لظاهر صحيح معاوية المتقدم ، أو أن يكون الإحرام بعد الظهرين كما عن الشرائع والنهاية والمبسوط واستدل له بما عن المختلف لأن مسجد الإحرام أفضل من غيره وقد ورد إيقاع الإحرام بعد الفريضة فيستحب أن يكون الإحرام بعد الفريضتين فيه.
وعن الشيخ في التهذيب أن ما تقدم لغير الإمام وأما الإمام فيستحب له إيقاع الإحرام قبل الفرضين ، وإيقاع الفرضين بمنى جمعا بين صحيح معاوية المتقدم وبين صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى ، ويبيت بها إلى طلوع الشمس) (2) ، وصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (ينبغي للإمام أن يصلي الظهرين يوم التروية بمنى ، ويبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج) (3) ومثلها غيرها ، والمراد بالإمام - كما في المدارك - هو أمير الحاج ، ويشهد له خبر حفص المؤذن (حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومائة ، فسقط أبو عبد الله عليه السلام عن بغلته ، فوقف عليه إسماعيل ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : يسر فإن الإمام لا يقف) (4) ، حيث أطلق عليه لفظ الإمام ، وعن المفيد والسيد إيقاع الفريضتين بمنى للإمام وغيره لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى منى فقل : اللهم هذه منى ، وهي مما مننت بها علينا من المناسك ، ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الأخيرة والفجر ، والإمام يصلي بها الظهر لا يسعه إلا ذلك ، وموسع لك أن تصلي بغيرها إن لم تقدر) (5).
(2) سمي يوم التروية لما رواه الصدوق في علل الشرائع عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته لم سمي يوم التروية يوم التروية؟ قال : إنه لم يكن بعرفات ماء ، -
ص: 439
بذلك لأن الحاج كان يتروّى الماء لعرفة من مكة إذ لم يكن بها ماء كاليوم ، فكان بعضهم يقول لبعض : ترويتم لتخرجوا (بعد صلاة الظهر) ، وفي الدروس بعد الظهرين المتعقبين لسنة الإحرام الماضية. والحكم مختص بغير الإمام ، والمضطر وسيأتي استثناؤهما (وصفته (1) كما مر) في الواجبات والمندوبات والمكروهات.
(ثم الوقوف) (2) بمعنى الكون (بعرفة من زوال التاسع إلى غروب الشمس)
______________________________________________________
- وكانوا يستقون من مكة من الماء ريّهم ، وكان يقول بعضهم لبعض : ترويتم ترويتم ، فسمي يوم التروية لذلك) (1) ، وقد ذكر العلامة في المنتهى عن الجمهور (أن إبراهيم عليه السلام رأى في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه ، فأصبح يروي في نفسه أهو حلم أم هو من الله تعالى ، فسمي يوم التروية ، فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك أيضا فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة) (2).
(1) أي صفة الإحرام كما مر في إحرام عمرة التمتع.
(2) وهو الكون من زوال التاسع إلى غروبه مع النية ، أما النية فلا خلاف ولا إشكال لكونه عباديا ، نعم هي مشتملة على القصد والقربة ، وأما باقي الخصوصيات فيجب قصدها إذا توقف تعيين المأمور به عليها ، وأما أن النية عند تحقق الزوال لأنه أول وقت الوقوف الواجب كما في الجواهر فلا بدّ من مقارنته لها لئلا يقع جزء منه بلا نية ، وهو المنسوب إلى الأصحاب ، بحيث لو أخلّ بجزء منه في أوله فقد أتم ، فقد صرح أكثر من واحد بذلك بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب ، مع أنه في التذكرة وغيرها أن الوقوف بعد صلاة الظهرين ونسب ذلك إلى الأكثر ، وهو المستفاد من الأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار - الوارد في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - عن أبي عبد الله عليه السلام (حتى انتهى إلى غيره وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى إلى الموقف فوقف به) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا بأس) (4) ، قال سيد
ص: 440
مقرونا بالنية) المشتملة على قصد الفعل المخصوص ، متقربا بعد تحقق الزوال بغير فصل ، والركن من ذلك أمر كلي (1) وهو جزء من مجموع الوقت بعد النية ولو سائرا ، والواجب الكل ، (وحد عرفة (2) من بطن عرنة) (3) بضم العين المهملة ،
______________________________________________________
- المدارك (والمسألة محل إشكال ولا ريب أن ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط).
وأما كونه إلى الغروب فلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأفاض بعد غروب الشمس) (1) ، وموثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (متى نفيض من عرفات؟ فقال : إذا ذهبت الحمرة من هاهنا ، وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس) (2).
(1) قال في المدارك (إن الركن من الوقوف مسماه لا جميع الوقوف الواجب للقطع بأن من أخلّ بالوقوف عامدا في أول الوقت أو أفاض قبل الغروب عامدا لا يبطل حجه ، وعلى هذا فيكون الزائد من الوقوف عن المسمى موصوفا بالوجوب لا غير) انتهى ، هذا وقد تقدم أكثر من مرة أن المراد من الركن في الحج هو ما يبطل الحج بالإخلال به عمدا لا سهوا.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وحدّ عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وخلف الجبل موقف) (3) ، وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام واتق الأراك ونمرة وهي بطن عرنة وثوية وذي المجاز ، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه) ((4).
وهذه الحدود الخمسة ترجع إلى أربعة لأن نمرة هي بطن عرنة كما يشهد به خبر سماعة المتقدم وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فاضرب خباك بنمرة وهي بطن عرنة) (5).
(3) كهمزة كما في الجواهر وغيره ، وقيل : بضمتين في لغة ، وهي كما عن المطرزي واد بحذاء عرفة ، وعن السمعاني : ظني أنها واد بين عرفات ومنى ، وعن القاسي : أنهما موضع بين العلمين اللذين هما حد عرفة وبين العلمين اللذين هما حد الحرم.
ص: 441
وفتح الراء والنون (وثوية) بفتح المثلثة ، وكسر الواو ، وتشديد الياء المثناة من تحت المفتوحة ، (ونمرة) بفتح النون ، وكسر الميم ، وفتح الراء ، وهي بطن عرنة فكان يستغنى عن التحديد بها (إلى الأراك) بفتح الهمزة (إلى ذي المجاز) (1). وهذه المذكورات حدود لا محدود فلا يصح الوقوف بها (2).
(ولو أفاض) من عرفة (قبل الغروب عامدا ولم يعد فبدنة (3) فإن عجز صام ثمانية عشر يوما) سفرا ، أو حضرا (4) ، متتابعة ، وغير متتابعة في أصح القولين (5) ، وفي الدروس أوجب فيها (6) المتابعة هنا (7) ، وجعلها في الصوم (8) أحوط ، وهو (9) أولى. ولو عاد قبل الغروب فالأقوى سقوطها (10) وإن
______________________________________________________
(1) وهو سوق كان على فرسخ من عرفة بناحية كبكب كما في الجواهر.
(2) للأخبار المتقدمة.
(3) بلا خلاف فيه ، معتد به للأخبار منها : صحيح مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : إن كان جاهلا فلا شي ء عليه ، وإن كان متعمدا فعليه بدنة) (1) ، وصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أحله) (2) ، وعن الصدوقين عليه شاة ، وقال في المدارك (ولم نقف لهما على مستند).
(4) لتصريح صحيح ضريس بذلك.
(5) ذهب الشهيد في الدروس إلى التتابع ، وذهب المحقق الثاني في جامع المقاصد إلى العدم لإطلاق النص ، واستجوده سيد المدارك والشارح.
(6) في الثمانية عشر يوما.
(7) في كتاب الحج.
(8) أي وجعل المتابعة في كتاب الصوم أحوط.
(9) أي الاحتياط.
(10) أي سقوط الكفارة ، كما عن ظاهر الأصحاب لأصالة البراءة ، ولأنه لو لم يقف عند الزوال وأتى قبل الغروب ووقف فلا شي ء عليه فكذا هنا ، وحكى العلامة في المنتهى -
ص: 442
أثم (1) ، ولو كان ناسيا ، أو جاهلا فلا شي ء (2) عليه إن لم يعلم بالحكم قبل الغروب ، وإلّا وجب العود مع الإمكان ، فإن أخل به فهو عامد ، وأما العود بعد الغروب فلا أثر له (3).
(ويكره الوقوف على الجبل) (4) ، بل في أسفله بالسفح (5) ، (وقاعدا) أي الكون بها قاعدا ، (وراكبا) (6) ، بل واقفا (7) ، وهو الأصل في إطلاق الوقوف على الكون ، إطلاقا لأفضل أفراده عليه.(والمستحب المبيت بمنى ليلة التاسع إلى الفجر) (8) احترز
______________________________________________________
- عن بعض العامة القول بلزوم الكفارة ومال إليه في كشف اللثام لأن سقوط الكفارة بعد ثبوتها محتاج إلى دليل وهو منتف ، وردّ بأن الدليل الموجب للكفارة في غير العائد ، وأما في العائد فلا دليل يوجب الكفارة.
(1) لأنه مخالف للأمر بالكون من أول الزوال إلى غروب الشمس.
(2) لثبوت الكفارة على العامد العالم كما في صحيح مسمع المتقدم.
(3) فلا تسقط الكفارة بعوده بعد الغروب لصدق الإفاضة عليه قبل الغروب.
(4) لخبر اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم عليه السلام (سأله عن الوقوف بعرفات ، فوق الجبل أحبّ أليك أم على الأرض؟ فقال : على الأرض) (1) ، وعن ابن البراج وابن ادريس أنهما حرّما الوقوف فيه إلا لضرورة ، ومعها كالزحام وشبهه يجوز الوقوف بلا خلاف فيه ، لخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (فإذا كانوا بالموقف وكثروا كيف يصنعون؟
قال عليه السلام : يرتفعون إلى الجبل) (2).
(5) أي يستحب الوقوف في سفح الجبل ، لموثق اسحاق بن عمار المتقدم ، ولخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (عرفات كلها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل) (3) ، وسفح الجبل اسفله حيث ينسفح فيه الماء كما في الصحاح للجوهري.
(6) أي يكره الوقوف بهاتين الحالتين ، قال في المدارك : (لم أقف على رواية تتضمن النهي عن ذلك ، نعم لا ريب أنه خلاف الأولى ، لاستحباب القيام).
(7) أي يستحب أن يكون في عرفة واقفا ، وعلّل بأنه اقرب إلى الأدب وأنه أحمز ، وقال في الجواهر (لم أجد فيه نصا بالخصوص).
(8) للأخبار منها : صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (ينبغي للإمام أن يصلي -
ص: 443
بالغاية عن توهم سقوط الوظيفة بعد نصف الليل كمبيتها ليالي التشريق ، (ولا يقطع محسّرا) بكسر السين وهو حد منى إلى جهة عرفة (حتى تطلع الشمس (1) ، والإمام يخرج) من مكة (إلى منى قبل الصلاتين) الظهرين يوم التروية ليصليهما بمنى (2) ، وهذا كالتقييد لما أطلقه سابقا من استحباب إيقاع الإحرام بعد الصلاة المستلزم لتأخر الخروج عنها ، (وكذا ذو العذر) (3) كالهمّ ، والعليل ، والمرأة ، وخائف الزحام ، ولا يتقيد خروجه بمقدار الإمام كما سلف ، بل له التقدم بيومين وثلاثة.
(والدعاء عند الخروج إليها) أي إلى منى في ابتدائه (4) ، (و) عند الخروج
______________________________________________________
- الظهر من يوم التروية بمنى ويبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى منى فقل :. وذكر دعاء ، وقال : ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر) (2).
(1) على الأكثر ، لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس) (3) ، وعن الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط والاقتصاد ، وابن البراج في المهذب القول بالتحريم أخذا بظاهر النهي ، لكنه مردود لصحيح هشام الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس ، قال : لا بأس به) (4).
(2) قد تقدم الكلام فيه.
(3) وهو الشيخ الكبير والمريض ومن يخشى الزحام فيجوز له الخروج قبل الصلاتين يوم التروية ، بل يجوز قبل يوم التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، لموثق اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (سألته من الرجل يكون شيخا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : نعم ، قلت : فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك؟ قال : لا ، قلت : يتعجل بيوم؟ قال : نعم ، قلت : يتعجل بيومين؟ قال : نعم ، قلت بثلاثة؟ قال : نعم ، قلت : أكثر من ذلك؟ قال : لا) (5) ، ومثله غيره ، وهي محمولة على الاستحباب ، لخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته هل يخرج الناس إلى منى غدوة؟ قال : نعم إلى غروب الشمس) (6).
(4) في تقييد خروج الإمام قبل الصلاتين ليدركهما في منى.
ص: 444
(منها) إلى عرفة (1) ، (وفيها) (2) بالمأثور ، (والدعاء بعرفة) (3) بالأدعية المأثورة عن أهل البيت (ع) ، خصوصا دعاء الحسين ، وولده زين العابدين عليهما السلام ، (وإكثار)
______________________________________________________
- أي ابتداء الخروج لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا توجهت إلى منى فقل : اللهم إياك ارجو ، وإياك ادعوا ، فبلغني أملي واصلح لي عملي) (1).
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا غدوت إلى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم إليك حمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت ، فاسألك أن تبارك لي في رحلتي ، وأن تقضي لي حاجتي ، وأن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي ، ثم تلبّي وأنت غاد إلى عرفات) (2).
(2) أي الدعاء في منى لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا انتهيت إلى منى فقل : اللهم هذه منى ، وهذه مما مننت به علينا من المناسك ، فاسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على انبيائك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك) (3).
(3) لا إشكال ولا خلاف في استحباب الدعاء في هذا اليوم ، بل في المدارك عن البعض من وجوب صرف زمان الوقوف كله في الذكر والدعاء ، واحسنه دعاء الإمام الحسين عليه السلام (4) ، ودعاء سيد الساجدين عليه السلام (5) ، ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي علّمه لعلي عليه السلام كما في خبر ابن سنان (6) ، وقد ورد في خبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام (ليس في شي ء من الدعاء عشية عرفة شي ء مؤكد) (7) ، وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة) (8) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله وهلّله ومجده وأثن عليه ، وكبّره مائة مرة ، واحمده مائة مرة ، وسبحه مائة مرة ، واقرأ قل هو الله احد مائة مرة ، وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت ، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة ، وتعوذ بالله من الشيطان ، فإن الشيطان لن يذهلك في موطن قط احب إليه من أن -
ص: 445
الذكر لله تعالى) بها ، (وليذكر إخوانه بالدعاء (1) ، وأقلهم أربعون) (2).
روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه (3) قال رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه. ما زال مادّا يده إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض ، فلمّا انصرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك قال : والله ما دعوت فيه إلا لإخواني ، وذلك لأن أبا الحسن موسى عليه السلام أخبرني أنه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف مثله ، وكرهت أن أدع مائة ألف ضعف لواحدة لا أدري تستجاب ، أم لا.
وعن عبد الله بن جندب قال : كنت في الموقف فلما أفضت أتيت (4) إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه وكان مصابا بإحدى عينيه وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم. فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك وأنا والله مشفق على الأخرى (5) ، فلو قصرت من البكاء قليلا قال : لا والله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم دعوة (6) ، قلت : فلمن دعوت قال : دعوت لإخواني لأني سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : من دعا لأخيه بظهر الغيب وكّل الله به ملكا يقول : ولك مثلاه ، فأردت
______________________________________________________
- يذهلك في ذلك الموطن) (1).
(1) وسيورد الشارح دليله.
(2) قال في الجواهر : (وفي الدروس أقلهم اربعون ، وإن لم أجد به هنا نصا ، وعلى كل حال فهو يوم شريف كثير البركة).
(3) والخبر صحيح السند (2) ، والغالب قد جعله حسنا لاشتماله على إبراهيم بن هاشم ، وهو لم يمدح ولم يذم في الكتب الرجالية الخمسة ، وفيه : إنه من مشايخ الرواية والإجازة وهذا كاف في توثيقه وعلو مرتبته.
(4) في الوسائل : (لقيت).
(5) في الوسائل (على عينك الأخرى).
(6) في الوسائل (بدعوة).
ص: 446
أن أكون أنا أدعو لإخواني ، والملك يدعو لي ، لأني في شك من دعائي لنفسي ، ولست في شك من دعاء الملك لي (1).
(ثم يفيض) أي ينصرف. وأصله الاندفاع بكثرة ، أطلق على الخروج من عرفة لما يتفق فيه من اندفاع الجمع الكثير منه كإفاضة الماء ، وهو متعد ، لا لازم ، أي يفيض نفسه ، (بعد غروب الشمس) (2) المعلوم بذهاب الحمرة المشرقية بحيث لا يقطع حدود عرفة حتى تغرب (إلى المشعر) (3) الحرام ، (مقتصدا) متوسطا (في سيره داعيا إذا بلغ الكثيب الأحمر) عن يمين الطريق بقوله :
(اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلّم لي ديني ، وتقبل مناسكي (4) ،)
______________________________________________________
(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب احرام الحج حديث 3 ، ومثله خبر ابن أبي عمير قال : (كان عيسى بن أعين إذا حج فصار إلى الموقف أقبل على الدعاء لإخوانه حتى يفيض الناس ، فقلت له : تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تبث فيه الحوائج إلى الله عزوجل أقبلت على الدعاء لإخوانك ، وتركت نفسك؟ فقال : إني على ثقة من دعوة الملك لي ، وفي شك من الدعاء لنفسي) (1).
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (متى نفيض من عرفات؟ قال : إذا ذهبت الحمرة من هاهنا ، وأشار بيده إلى المشرق ، وإلى مطلع الشمس) (2) ، وهذا نص في أن الغروب عند الإفاضة هو الغروب المعتبر في الصلاة.
(3) فعن القاموس المشعر الحرام وبكسر ميمه المزدلفة ، وعليه بناء اليوم ، ووهم من قال جبلا يقرب من ذلك البناء) ، وعن مصباح المنير (المشعر الحرام جبل آخر بالمزدلفة ، واسمه قزح ، وميمه مفتوح على المشهور ، وبعضهم. يكسرها على التشبيه باسم الآلة).
(4) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأفاض بعد غروب الشمس ، وقال عليه السلام : إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار ، فإن الله عزوجل يقول : ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفٰاضَ النّٰاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (3) فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل : اللهم ارحم موقفي وزد في عملي ، وسلّم لي ديني ، وتقبل مناسكي. -
ص: 447
اللّم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني ثم يقف به) ، أي يكون بالمشعر (ليلا إلى طلوع الشمس (1) ، والواجب الكون) واقفا كان ، أم
______________________________________________________
- وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا أيها الناس إن الحج ليس بوجيف الخيل ولا ايضاع الإبل ، ولكن اتقوا الله وسيروا سيرا جميلا ، لا توطئوا ضعيفا ، ولا توطئوا مسلما ، واقتصدوا في السير ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقف بناقته حتى كان يصيب رأسها مقدم الترحل ، ويقول : أيها الناس عليكم بالدّعة فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتّبع.
قال معاوية بن عمار : وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اللهم اعتقني من النار ، يكررها حتى أفاض الناس ، قلت : ألا تفيض قد أفاض الناس؟ قال : إني أخاف الزحام وأخاف أن أشرك في عنت انسان) (1) ، والكثيب هو التل من الرمل ، والوجيف هو الاضطراب وضرب من سير الخيل والإبل ، وإيضاع الابل حملها على العدو السريع ، وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل : اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه من قابل ابدا ما أبقيتني ، واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي ، بأفضل ما ينقلب به اليوم احد من وفدك وحجاج بيتك الحرام ، واجعلني اليوم من اكرم وفدك عليك ، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة ، وبارك لي فيما ارجع إليه من أهل أو مال ، أو قليل أو كثير ، وبارك لهم فيّ) (2) ، نعم قال في الدروس (فإذا بلغ الكثيب الأحمر موقفي وزد في علمي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي ، وتضيف إليه : اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه أبدا من ابقيتني) ، وهو ظاهر في أن هذه الزيارة مأخوذة من غير صحيح معاوية ، وقد عرفت مأخذه ، ولم يذكر المصنف تمام الدعاء.
(1) فهنا مسألتان ، الأولى : مسألة المبيت بالمشعر الحرام ، الثانية : الوقوف الواجب من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، أما الأولى فعن الأكثر وجوب المبيت للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولصحيح معاوية بن عمار عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة) (3) ، والحياض حدّ من حدود المزدلفة كما سيأتي.
وعن التذكرة ليس بواجب ، للأصل ، ولصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام
ص: 448
نائما ، أم غيرهما من الأحوال (1) (بالنية) (2) عند وصوله (3). والأولى تجديدها بعد طلوع الفجر لتغاير الواجبين ، فإن الواجب الركني منه اختيارا المسمى (4) فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والباقي واجب لا غير كالوقوف بعرفة.
(ويستحب إحياء تلك الليلة) (5) بالعبادة ، (والدعاء ، والذكر والقراءة) فمن
______________________________________________________
- (في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس قال : لا بأس به ، والتقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الحجار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى قال : لا بأس) (1) ، وحمل الخبر على صورة الاضطرار وذوي الاعذار كما سيأتي. وأما الثانية : فلا خلاف فيها ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الفجر وإن شئت حيث تبيت فإذا وقفت فاحمد الله عزوجل - إلى أن قال - ثم أفض حين يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع اخفافها) (2) ، وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس) (3) ، ووادي محسر آخر المزدلفة بالنسبة إلى منى.
(1) لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(2) لكل من المبيت والوقوف بين الطلوعين لكونهما عباديين ، نعم في المدارك : (فلو نوى المكلف الكون بها إلى طلوع الشمس اجتزأ بذلك عن تجديد النية بعد الفجر ، أما لو نوى المبيت خاصة وجب التجديد) ، وعن التذكرة عدم وجوب نية المبيت بناء على مختاره من عدم وجوب المبيت وقد تقدم ضعفه.
(3) بحيث ينوي الكون بالمزدلفة إلى طلوع الشمس ولذا حكم بأولوية تجديدها عند طلوع الفجر ، وإلا فلو نوى المبيت فقط لوجبت النية عند طلوع الفجر للوقوف.
(4) لأن من أفاض قبل طلوع الشمس لا يبطل حجه ، وخالف ابن ادريس وجعل الوقوف بتمامه ما بين الطلوعين هو الركن ، وقال العلامة في المنتهى عنه (لا نعرف له موافقا).
(5) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة ، وتقول : اللهم هذه جمع ، اللهم إني اسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي ، وأطلب إليك أن تعرفني ما عرفت اوليائك في منزلي هذا ، وأن تقيني جوامع الشر.
ص: 449
أحياها لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (1) ، (ووطء الصرورة المشعر برجله) (2) ، ولو في نعل ، أو ببعيره (3). قال المصنف في الدروس : والظاهر أنه (4) المسجد
______________________________________________________
- وإن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين ، لهم دوّي كدويّ النحل ، يقول الله جلّ ثناؤه : أنا ربكم وانتم عبادي أديتم حقي ، وحقّ عليّ أن استجيب لكم ، فيحط تلك الليلة عمن أراد أن يحط عنه ذنوبه ، ويغفر لمن أراد أن يغفر له) (1).
(1) في خبر ابن كردوس عن أبيه (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أحيى ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) (2).
(2) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (وأنزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر ، ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله) (3) ، ومرسل ابان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام وأن يدخل البيت) (4) ، وخبر سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عليهما السلام (قلت له : كيف صار للصرورة يستحب له دخول الكعبة - إلى أن قال - قلت : كيف صار وطي المشعر عليه واجبا؟ فقال : ليستوجب بذلك وطي بحبوحة الجنة) (5) ، والوجوب فيه محمول على تأكد الاستحباب جمعا بين الأخبار.
والوطي متحقق مع النعل وبدونه.
(3) قاله أيضا في المسالك ، وكذا في التحرير والجامع ، وقال صاحب الجواهر : (لم نجد في شي ء من نصوصنا الاكتفاء بذلك) ، نعم في الفقيه للصدوق الذي متنه روايات عن أهل البيت عليهم السلام قال : (ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله أو يطأه ببعيره ، ويستحب للصرورة أن يدخل البيت) (6).
(4) أي المشعر ، اختلف الأصحاب في تفسير المشعر ، فقال الشيخ في المبسوط أنه جبل هناك يسمى القزح ، وعن ابن الجنيد : بما قرب من المنارة ، وفي الدروس أنه المسجد الموجود الآن ، والذي نص عليه أهل اللغة كالقاموس المحيط ولسان العرب أنه هو المزدلفة ، وهو
ص: 450
الموجود الآن ، (الصعود على قزح) (1) بضم القاف وفتح الزاي المعجمة. قال الشيخ [رحمه الله] : هو المشعر الحرام ، وهو جبل هناك يستحب الصعود عليه ، (وذكر الله عليه) ، وجمع أعم منه (2).
(مسائل :)
(كل من الموقفين ركن) (3) وهو مسمى الوقوف في كل منهما (يبطل الحج)
______________________________________________________
- الذي دلت عليه صحيح معاوية بن عمار قال (حد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر ، وإنما سميت المزدلفة لأنهم ازدلفوا إليها من عرفات) (1) ، ولكن في صحيح الحلبي المتقدم (وأنزل ببطن الوادي عن يمين الطريف قريبا من المشعر) (2) ، ما يدل على أن المشعر أخص من المزدلفة ، وهو الأقرب لما سيأتي.
(1) كزفر جبل في المزدلفة قاله في القاموس ، واستحباب الصعود عليه وذكر الله عليه هو قول للشيخ في المبسوط ، وقال في المدارك (لم نقف له على مستند بخصوصه من طريق الأصحاب ، نعم روى العامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف الفضل بن عباس ووقف على قزح ، وقال : إن هذا قزح ، وهو الموقف ، وجمع كلها موقف) (3) ، وهذا دال على أن المشعر هو قزح وهو جبل في المزدلفة.
(2) بناء على تفسير الشيخ وهو المختار ، وسميت المزدلفة بجمع كما في خبر إسماعيل بن جابر وغيره وعن أبي عبد الله عليه السلام (سميت جمع لأن آدم جمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء) (4) بأذان واحد وإقامتين) (5) ، وسميت بالمزدلفة لما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث إبراهيم عليه السلام (إن جبرئيل انتهى به إلى الموقف فأقام به حتى غربت الشمس ، ثم أفاض به ، فقال : يا إبراهيم : ازدلف إلى المشعر الحرام ، فسميت مزدلفة) (6) وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (إنما سميت مزدلفة لأنهم ازدلفوا إليها من عرفات) (7).
(3) قد عرفت أن المراد بالركن في الحج هو ما يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا ، وقد تقدم -
ص: 451
بتركه عمدا ، ولا يبطل) بتركه (سهوا) (1) كما هو حكم أركان الحج أجمع.(نعم لو سها عنهما) معا (بطل) ، وهذا الحكم مختص بالوقوفين وفواتهما أو أحدهما لعذر كالفوات سهوا (2).
(ولكل) من الموقفين (اختياري ، واضطراري ، فاختياري عرفة ما بين الزوال والغروب ، واختياري المشعر ما بين طلوع الفجر ، وطلوع الشمس (3) واضطراري عرفة ليلة النحر) من الغروب إلى الفجر (4) (واضطراري المشعر) من طلوع شمسه
______________________________________________________
- الدليل على أن الركن في الموقفين هو المسمى ، وعليه فترك مسمى الوقوف في عرفة لا يتحقق إلا بترك الوقوف من الزوال إلى الغروب يوم التاسع وهو موجب لفوات الحج لو كان عمدا بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : النبوي المشهور (الحج عرفة) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الموقف ، ارتفعوا عن بطن عرفة وقال : أصحاب الأراك لا حج لهم) (2) ، وإذا انتفى الحج مع الوقوف على حدود عرفة فمع عدم الوقوف من باب أولى.
وأما ركنية المشعر الحرام فلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر عبيد الله وعمران ابني علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج) (3) ، ومفهوم صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من أدرك جمعا فقد أدرك الحج) (4).
(1) بشرط أن يدرك الموقف الآخر ، وهذا من مختصات الوقوفين من بقية أركان الحج ، فلو تركهما معا عمدا أو سهوا بطل الحج بلا خلاف فيه ، للأخبار التي سيأتي التعرض لبعضها.
(2) فترك الوقوفين مطلقا موجب لفوات الحج مهما كان سبب الترك.
(3) قد تقدم الكلام في اختياري عرفة واختياري المشعر.
(4) بمعنى لو وقف في عرفة آنا ما إلى فجر يوم العيد فقد أدرك اضطراري عرفة ، بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال عليه السلام : إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من -
ص: 452
(إلى زواله) (1).
______________________________________________________
- ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإن الله أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل) (1) ، وهو صريح في أنه إذا لم يدرك الموقفين فقد فات حجه هذا من جهة ومن جهة أخرى فهو ظاهر في أن الوقوف الاضطراري لعرفة واجب وأنه ممتد بامتداد الليل ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فإذا شيخ كبير فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له : إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدركجمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تم حجه) (2) ، وخبر إدريس بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها ، فقال : إن ظن أنه يدرك الناس جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس وقد ثم حجه) (3) ، وهذه الأخبار كما تدل على اضطراري عرفة تدل على أن حجه صحيح وتام إذا أدرك اختياري المشعر واضطراري عرفة وتدل على تمام حجة إذا أدرك اختياري المشعر فقط ثم إن هذه الأخبار وإن لم تصرح بحكم الناسي لكن قوله عليه السلام في صحيح الحلبي المتقدم (فإن الله أعذر لعبده) يشمله لأن النسيان من أقوى الأعذار ، ثم إنه لا يجب الاستيعاب في اضطراري عرفة بل يكفي مطلق الكون لظاهر الأخبار المتقدمة بلا خلاف في ذلك.
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى منى؟ قال : فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع) (4) ، وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (من أدرك الموقف بجمع يوم النحر قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج) (5) ، وموثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار ، قال : يرجع إلى المشعر فيقف به ، ثم يرجع فيرمي جمرة العقبة) (6) ، بناء على أن المرور بالمشعر ليس مجزيا لأنه ليس بنية ، وإلا فلو تحققت
ص: 453
وله (1) اضطراري آخر أقوى منه ، لأنه مشوب بالاختياري ، وهو اضطراري
______________________________________________________
- النية فلا يجب الوقوف بمعنى الانتصاب مع عدم الحركة ، وهي ظاهرة في أجزاء اضطراري المشعر مع اختياري عرفة.
وحكى ابن إدريس عن السيد أن وقت الاضطراري في المشعر هو جميع يوم العيد إلى الغروب ، وقال العلامة في المختلف (وهذا النقل غير سديد ، وكيف يخالف السيد جميع علمائنا فإنهم نصوا على أن الوقت الاضطراري للمشعر إلى زوال الشمس من يوم النحر).
(1) أي للمشعر ، فيجوز للمرأة ومن يخاف على نفسه أن يقف في المشعر ليلة النحر ثم يفيض منه إلى منى قبل طلوع الفجر ولا شي ء عليه بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار - الوارد في كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثم أقام فصلى فيها الفجر ، وعجّل ضعفاء بني هاشم بالليل ، وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس) (1) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل ، فيقفن عند المشعر ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ، ثم يقصرنّ وينطلقن إلى مكة) (2) ،
وصحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (جعلت فداك ، معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ قال : نعم ، تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت : نعم ، قال : أفضى بهنّ بليل ولا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع ، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن أو يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة في وجوههن ، ويطفن بالبيت ، ويسعين بين الصفا والمروة ، ثم يرجعن إلى البيت فيطفن اسبوعا ، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن) (3) ، وصحيح جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام (لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا) (4) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (رخّص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل ، وأن يرموا الجمار بليل) (5) ، وفي خبره الاخر عنه عليه السلام (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء والضعفاء ...) (6) الحديث ، والأخبار كثيرة ، وهي ظاهرة في تحقق الوقوف بالمسمى وإن استحب الوقوف ساعة لصحيح أبي بصير.
ص: 454
عرفة ليلة النحر. ووجه شوبه اجتزاء المرأة به اختيارا والمضطر والمتعمد مطلقا (1) مع جبره بشاة (2) والاضطراري المحض ليس كذلك (3) ، والواجب من الوقوف الاختياري الكل (4) ، ومن الاضطراري الكلي (5) كالركن من الاختياري.
وأقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية (6) ، أربعة
______________________________________________________
(1) سواء كان مضطرا أو لا.
(2) أي لو وقف عرفة اختيارا ، ثم وقف في المشعر ليلا وقوفا اضطراريا ثم أفاض قبل طلوع الفجر فلا يبطل حجه ولكن يجبره بشاة على المشهور شهرة عظيمة ، لخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل وقف مع الناس بجمع ، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : إن كان جاهلا فلا شي ء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة) (1) ، وقد رواها الصدوق بطريق صحيح.
وعن ابن إدريس بطلان الحج ردا للخبر بناء على أصله من عدم العمل بالخبر الواحد ، ثم إن المضطر والمرأة لا شاة عليهم للجبران لعدم الإثم ، والجبران إنما هو للإثم.
(3) أي ومن اضطر للوقوف في المشعر ليلا ثم أفاض قبل طلوع الفجر كالمرأة ومن يخاف على نفسه ليس عليه شاة.
(4) أي ما بين الزوال إلى الغروب في عرفة ، وبين الطلوعين في المشعر الحرام.
(5) أي كلي الوقوف وهو المسمى وقد تقدم دليله.
(6) لأنه إما أن يدرك احد الموقفين أو كليهما ، وعلى التقديرين إما أن يدرك الاختياري منهما وإما الاضطراري ، وإما بالتفريق ، فالصور ثمانية :
الأولى : أن يدرك اختياري عرفة واختياري المشعر ، وهو الأصل في الحج والإجزاء محتم بلا خلاف.
الثانية : أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر ، فالاجزاء بلا خلاف ، وقد تقدم الدليل عليه في بحث اضطراري المشعر فراجع.
الثالثة : أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر ، فالاجزاء بلا خلاف ، وقد تقدم الدليل عليه في بحث اضطراري عرفة فراجع.
الرابعة : أن يدرك اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر ، فالأكثر بل المشهور على الإجزاء ، لصحيح الحسن العطار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ، ووجدهم قد أفاضوا فليقف -
ص: 455
.................................................................................................
______________________________________________________
- قليلا بالمشعر الحرام ، وليلحق الناس بمنى ، ولا شي ء عليه) (1).
وعن الشيخ في النهاية والمبسوط والمحقق في النافع فوات الحج ، لخبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام (وإن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له) (2) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل) (3) ، وخبر إسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام (فإذا طلعت الشمس فليس له حج) (4) ، وهي محمولة على من لم يدرك عرفة مطلقا على أنها معارضة بجملة من الأخبار ، منها : صحيح عبد الله بن المغيرة في حديث (فدخل إسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج) (5) ، وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج) (6) ، ومثله غيره ، فلا بد من حمل الطائفة الأولى على ما سمعت رفعا للتناقض.
الخامسة : أن يدرك اختياري عرفة فقط ، فالاجزاء على المشهور ، وقال الشارح في المسالك : (لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين) ، واستشكل صاحب المدارك في ذلك لعدم الدليل فيمن فاته المشعر بقسميه ، ونقل عن العلامة عدم الاجزاء فيمن فاته المشعر بقسميه في جملة من كتبه.
والحق الاجزاء للنبوي المشهور (الحج عرفة) (7) ، وصحيح عمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قول الله عزوجل : ( الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) ، فقال عليه السلام : الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار) (8) ، وصحيح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبث بها حتى أتى منى ، قال : ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها؟ قلت : فإنه جهل ذلك ، قال : يرجع ، قلت : إن ذلك قد فاته ، قال : لا بأس به) (9) ، وخبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (من أفاض مع الناس -
ص: 456
.................................................................................................
______________________________________________________
- من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ، ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة) (1).
السادسة : أدرك اختياري المشعر فقط مع فوات عرفة بقسميها ، لا خلاف في الاجزاء لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أدرك الامام وهو بجمع ، فقال : إنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تم حجه) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال : إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتى عرفات ، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل) (3) ، وخبر إدريس بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها ، فقال : إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه) (4) ، وصحيح معاوية بن عمار الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فإذا شيخ كبير فقال : يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع ، فقال له : إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تم حجه) (5).
السابعة : إدراك اضطراري المشعر فقط ، فالاجزاء كما عن الصدوقين والسيد وابن الجنيد والحلبيين وثاني الشهيدين وسيد المدارك ، لإطلاق صحيح ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (من أدرك الموقف بجمع يوم النحر قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج) (6) ، وصحيح محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن المغيرة (جاءنا رجل بمنى فقال : إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا - إلى أن قال - فدخل إسحاق بن عمار على أبي -
ص: 457
.................................................................................................
______________________________________________________
- الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج) (1) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف) (2) وهو مطلق يشمل ما لو فاته عرفة بقسميها.
هذا وذكر الشارح صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي الحسن عليه السلام كما في الروضة هنا ، وفي المسالك جعلها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام (إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج) ، وقال سيد المدارك لم نقف على هذه الرواية في شي ء من الأصول ، ولا نقلها احد غيرهما - أي غير الشارح وغير فخر المحققين في شرح القواعد - فيما اعلم ، والظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة فوقع السهو في ذكر الأب) وقد تقدمت رواية عبد الله بن المغيرة.
هذا وذهب الأكثر إلى عدم الاجزاء ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (عن مفرد الحج فاته الموقفان جميعا فقال : له إلى طلوع الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل) (3) ، وصحيح الحلبي المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتى عرفات ، وإن قدم وفاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإن الله أعذر لعبده فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل) (4) ، وهو كالصريح في ادراك اختياري المشعر إذا فاتته عرفة بقسميها ، وإلا فلا حج له وإن أدرك اضطراري المشعر ، فلا بدّ من حمل الطائفة الأولى على من أدرك اضطراري المشعر فقد تم حجه إذا أدرك اختياري عرفة.
الثامنة : إدراك اضطراري عرفة فقط ، فلا خلاف في عدم الإجزاء ، للأخبار ، منها : إطلاق خبر عبيد الله وعمران ابني علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج) (5) ، ومثله غيره وقد تقدم بعضه وعليه لا خلاف في عدم الإجزاء في -
ص: 458
مفردة ، وهي كل واحد من الاختياريين (1) ، والاضطراريين (2) ، وأربعة مركبة وهي الاختياريان (3) والاضطراريان (4) ، واختياري عرفة مع اضطراري المشعر وعكسه.
(وكل أقسامه يجزي) في الجملة لا مطلقا (5) ، فإن العامد يبطل حجه بفوات كل واحد من الاختياريين (إلا الاضطراري الواحد) فإنه لا يجزئ مطلقا (6) على المشهور ، والأقوى إجزاء اضطراري المشعر وحده لصحيحة عبد الله بن مسكان (7) عن الكاظم عليه السلام. أما اضطرارية السابق (8) فمجزئ مطلقا (9) كما عرفت ، ولم يستثنه هنا ، لأنه جعله من قسم الاختياري ، حيث خصّ الاضطراري بما بعد طلوع الشمس ، ونبه على حكمه أيضا بقوله : (ولو أفاض قبل الفجر عامدا فشاة) (10) ، وناسيا لا شي ء عليه. وفي إلحاق الجاهل بالعامد كما في نظائره ، أو الناسي قولان (11) ، ...
______________________________________________________
- اضطراري عرفة ، وأما في الاضطراريين واضطراري المشعر ما تقدم من الخلاف ، والباقي مجز بلا خلاف إلا في اختياري عرفة فالخلاف غير معتدّ به.
(1) أي أدرك اختياري عرفة أو اختياري المشعر.
(2) أي أدرك اضطراري عرفة أو اضطراري المشعر.
(3) أي أدرك اختياري عرفة واختياري المشعر وهو الأصل في الحج.
(4) أي أدرك اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر.
(5) وإن كان عمدا.
(6) سواء كان اضطراري المشعر أو اضطراري عرفة.
(7) جعلها صحيحة عبد الله بن سنان في المسالك ، وقد عرفت أنها صحيحة عبد الله بن المغيرة.
(8) أي اضطراري المشعر الذي يسبق طلوع الفجر كالمرأة والضعيف ومن يخاف الزحام ومن يخاف على نفسه.
(9) سواء كان عمدا أو لا بالنسبة للمرأة ومن يخاف على نفسه.
(10) تقدم الكلام في ذلك.
(11) قال في الجواهر (وهل الجهل عذر ، وربما كان هو مقتضى إطلاق خبر مسمع السابق فيكون المقابل له العالم العامد الذي يجب عليه الجبر بشاة كما هو ظاهر الأصحاب).
بل في خبر مسمع المتقدم (إن كان جاهلا فلا شي ء عليه) (1) ، ثم لم ينسب الخلاف إلى -
ص: 459
وكذا في ترك أحد الوقوفين (1).
(ويجوز) الإفاضة قبل الفجر (للمرأة والخائف) (2) ، بل كل مضطر كالراعي والمريض ، (والصبي مطلقا) (3) ، ورفيق المرأة (4) (من غير جبر) (5) ، ولا يخفى أن ذلك مع نية الوقوف ليلا كما نبّه عليه بإيجابه النية له (6) عند وصوله
(وحدّ المشعر (7) ما بين الحياض والمأزمين) بالهمز الساكن ، ثم كسر الزاي المعجمة وهو
______________________________________________________
- أحد فالأولى أن يقول (أو الناسي وجهان) كما في المدارك وغيره.
(1) الاختياري ، فهل الجاهل يلحق بالعامد أو بالناسي ، ولكن ظاهر الكثير من الأخبار المتقدمة إلحاق الجاهل بالناسي ، بل في صحيح الحلبي المتقدم (فإن الله اعذر لعبده) (1) ، وهو يشمل النسيان لأنه من أقوى الاعذار ، وقد تقدم الكلام فيه فراجع.
(2) وهذا قد تقدم الكلام فيه.
(3) لعذر أو غير عذر لإطلاق خبر أبي بصير (2) وقد تقدم ذكره.
(4) كما في صحيح سعيد الأعرج (3) وقد تقدم ذكره.
(5) بشاة لأن حجهم تام.
(6) أي للوقوف في المشعر ، حيث قال المصنف (ثم يقف به ليلا إلى طلوع الشمس ، والواجب الكون بالنية).
(7) التحديد المذكور لا خلاف فيه بينهم ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (حد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر) (4) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنه قال للحكم بن عتيبة : ما حد المزدلفة؟ فسكت ، فقال أبو جعفر عليه السلام : حدها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسّر) (5).
والمأزمان تثنية مأزم بالهمزة الساكتة وكسر الزاي ، كل طريق ضيق بين جبيلين ، والمأزمان هنا مضيق بين جمع وعرفة وهو اسم الموضوع مخصوص بين جبلين ، والمأزمان هنا وإن كان بلفظ التثنية ، ووادي محسّر اسم فاعل من التحسير أي الإيقاع في الحسرة أو الاعياء ، سمي به لما قيل إن أبرهة أوقع أصحابه في الحسرة والإعياء لما جهدوا أن يتوجه إلى الكعبة فلم يفعل.
ص: 460
الطريق الضيق بين الجبلين ، (ووادي محسّر) وهو طرف منى (1) كما سبق ، فلا واسطة بين المشعر ومنى.
(ويستحب التقاط حصى الجمار منه) (2) لأن الرمي تحية لموضعه (3) كما مر (4) فينبغي التقاطه من المشعر ، لئلا يشتغل عند قدومه بغيره ، (وهو سبعون) حصاة.
ذكّر الضمير لعوده على الملقوط المدلول عليه بالالتقاط ، ولو التقط أزيد منها احتياطا ، حذرا من سقوط بعضها ، أو عدم إصابته فلا بأس.
(والهرولة) وهي الإسراع فوق المشي ودون العدو ، كالرمل (وفي وادي محسّر) (5) للماشي والراكب فيحرّك دابته ، وقدرها مائة ذراع ، أو مائة خطوة ، واستحبابها مؤكد حتى لو نسيها رجع (6) ...
______________________________________________________
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (حد منى من العقبة إلى وادي محسّر) (1).
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار (خذ حصى الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى اجزأك) (2) ، وقال في المدارك : (والسبعون حصاة هي الواجب ، ولو التقط أزيد منها احتياطا حذرا من سقوط بعضها لا بأس).
(3) أي تحية لمنى.
(4) في مبحث مكان المصلي من كتاب الصلاة.
(5) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا مررت بوادي محسر - وهو واد عظيم بين جمع ومنى وهو إلى منى أقرب - فاسع فيه حتى تجاوزه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرّك ناقته فيه وقال : اللهم سلّم عهدي واقبل توتبتي ، وأجب دعوتي واخلفني بخير فيمن تركت بعدي) (3) ، وصحيح محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام (الحركة في وادي محسّر مائة خطوة) (4) ، وخبر عمر بن يزيد (الرمل في وادي محسّر قدر مائة ذراع) (5) ، ومن مجموع الأخبار يستفاد أن السعي المستحب هو الإسراع في المشي للماشي ، وتحريك الدابة للراكب.
(6) أي إلى الهرولة في وادي محسّر ، لصحيح حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه قال لبعض ولده : هل سعيت في وادي محسّر؟ فقال : لا ، فأمره أن -
ص: 461
إليها وإن وصل إلى مكة (1) ، (داعيا) حالة الهرولة (بالمرسوم) وهو : اللهم سلّم عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي (2).
(القول في مناسك منى). جمع منسك ، وأصله موضع النسك وهو العبادة ، ثم أطلق اسم المحل على الحال. ولو عبّر بالنسك كان هو الحقيقة ، ومنى بكسر الميم والقصر اسم مذكر منصرف قاله الجوهري ، وجوز غيره تأنيثه. سمّي به المكان المخصوص لقول جبرائيل (ع) فيه لإبراهيم (ع) : تمنّ على ربك ما شئت (3).
ومناسكها (يوم النحر) ثلاثة (وهي رمي جمرة العقبة) (4) التي هي أقرب الجمرات
______________________________________________________
- يرجع حتى يسعى ، فقال له ابنه : لا اعرفه ، فقال له : سل الناس) (1).
(1) لمرسل الحجال عن أبي عبد الله عليه السلام (مر رجل بوادي محسّر فأمره أبو عبد الله عليه السلام بعد الانصراف إلى مكة أن يرجع فيسعى) (2).
(2) لصحيح معاوية المتقدم ولكن فيه (واخلفني بخير فيمن تركت بعدي).
(3) أورد الصدوق في علل الشرائع عن ابن سنان عن الإمام الرضا عليه السلام لما سئل عن سبب تسمية منى قال عليه السلام (إن جبرئيل عليه السلام قال هناك لإبراهيم عليه السلام : تمنّ على ربك ما شئت ، فتمن أن يجعل الله مكان ولده اسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له ، فأعطاه الله مناه) (3).
(4) الرمي أولا ثم الذبح ثم الحلق بلا خلاف فيه ، كما عن التذكرة والمنتهى ، أما وجوب الذبح والحلق فسيأتي الكلام فيه ، وأما رمي جمرة العقبة فللأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها ، وتقول والحصى في يدك : اللهم هؤلاء حصاتي فاحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي ، ثم ترمي فتقول مع كل حصاة : الله أكبر ، اللهم ادحر عني الشيطان ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، فإذا أتيت رحلك ورجعت من الرمي فقل : اللهم بك وثقت وعليك توكلت ، فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير ، قال : ويستحب أن ترمي الجمار على طهر) (4).
ص: 462
الثلاث إلى مكة ، وهي حدها من تلك الجهة (1) ، (ثم الذبح ، ثم الحلق) مرتبا (2) كما
______________________________________________________
(1) أي والجمرة هي حد منى من جهة مكة.
(2) اختلف الأصحاب في وجوب الترتيب ، فذهب الشيخ في الخلاف وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في المختلف إلى الاستحباب ، لصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ، ولا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج) (1) ، ومثله خبر ابن أبي نصر عن أبي جعفر الثاني عليه السلام (2) ، ومثله خبر محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (3) ، وحملها الشيخ على صورة النسيان ، وسيد المدارك على صورة الجهل كما هو الظاهر منها جمعا بينها وبين اخبار أخرى تدل على الترتيب ، منها : يخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا ذبحت اضحيتك فاحلق رأسك) (4) ، والفاء للترتيب ، وخبر جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح) (5) ، وخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله تعالى يقول : لا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (6) ، وصحيح سعيد الأعرج (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل ، قال نعم - إلى أن قال - أفضى بهنّ حتى تأتى الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن) (7) ، والأخبار كثيرة.
والذي يشهد على هذا الجمع المتقدم عن سيد المدارك صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي ، قال : لا بأس ، وليس عليه شي ء ، ولا يعودن) (8) ، والنهي عن العود يقتضي التحريم ، فيكون الترتيب واجبا ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والمحقق في النافع والشرائع والعلامة في القواعد بل -
ص: 463
ذكر ، (فلو عكس عمدا أثم وأجزأ (1) وتجب النية في الرمي) (2) المشتملة على تعيينه ، وكونه في حج الإسلام ، أو غيره (3) ، والقربة والمقارنة لأوله (4). والأولى التعرض للأداء والعدد (5) ، ولو تداركه بعد وقته نوى القضاء.
(وإكمال السبع) (6) فلا يجزي ما دونها ولو اقتصر عليه استأنف إن أخلّ بالموالاة عرفا ولم تبلغ الأربع (7) ، ولو كان قد بلغها قبل القطع كفاه الإتمام ،
______________________________________________________
- نسبه غير واحد إلى أكثر المتأخرين.
(1) بلا خلاف فيه ، لصحيح جميل وصحيح عبد الله بن سنان المتقدمين ، ولكن يبقى في النفس شي ء وهو أن القائلين بوجوب الترتيب حملوا صلاتين الروايتين على الناسي أو الجاهل فكيف صح لهم أن يتمسكوا بهما في صورة العمد ، بل لو قيل بتناولهما للعامد لكان الحق عدم وجوب الترتيب.
(2) لأنه من العباديات بلا خلاف فيه ، قال الشارح في المسالك (يعتبر اشتمالها - أي نية الرمي - على تعيين الفعل ووجهه ، وكونه في حج الإسلام أو غيره ، والقربة والمقارنة لأول الرمي والاستدامة حكما ، والأولى التعرض للأداء ، فإنه مما يقع على الوجهين الأداء والقضاء ، وعلى هذا لو تداركه بعد فواته نوى القضاء) وقريب منه ما في الروضة هنا ، ولكن قد عرفت أن النية هي القصد مع القربة ، وأما خصوصيات المأمور به فلا يجب قصدها إلا إذا توقف التعيين عليه ، ومنه تعرف الضعف في كلام الشارح ، نعم النية على ما تقدم أكثر من مرة هي القصد على نحو الداعي فلا يضر تقدمها لبقائها ، وأما إذا كانت اخطارية - وهو مبنى ضعيف - فيجب مقارنتها لأول الفعل ، ثم لا يجوز التردد في الأثناء أو الاعراض لأنه مبطل لها وهذا معنى الاستدامة الحكمية.
(3) كالحج المستحب والنيابي.
(4) لأول الرمي.
(5) من كون الرمي بسبع حصيات.
(6) الرمي بسبع حصيات بلا خلاف ، للأخبار ، منها : خبر أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ذهبت ارمي فإذا في يدي ست حصيات ، فقال : خذ واحدة من تحت رجليك) (1).
(7) إذا حصل له رمي اربع حصيات ثم رمى على الجمرة الأخرى فقد حصل الترتيب بلا خلاف مقيد فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في
ص: 464
(مطيبة للجمرة) (1) وهي البناء المخصوص ، أو موضعه وما حوله مما يجتمع من الحصا ، كذا عرّفها المصنف في الدروس. وقيل : هي مجمع الحصا دون السائل (2). وقيل : هي الأرض ، ولو لم يصب لم يحتسب.
______________________________________________________
- رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع؟ ، قال : يعيد رميهن جميعا بسبع سبع ، قلت : فإن رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع؟ قال : يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع ، قلت : فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع؟ قال : يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (في رجل رمى الجمار فرمى الأولى بأربع والأخيرتين بسبع سبع ، قال : يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ ، وإن كان قد رمى الأولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد وليرمهنّ جميعا بسبع سبع ، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع ، وإن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى ثلاث) ((2).
وعن الصدوق البطلان ولا دليل له سوى فوات الموالاة ، وهذه الأخبار حجة عليه ، نعم إن لم يتجاوز الاربع فتشترط الموالاة عرفا بينها لئلا يصدق عدد تعدد الرمي.
(1) بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها) (3).
ثم الجمرة هل هي البناء أو موضعه ، وفي الدروس (الجمرة اسم لموضع الرمي وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى ، وقيل : هو مجتمع الحصى لا السائل منه ، وصرح علي بن بابويه بأنه الأرض) وقال سيد المدارك (وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة ، ولعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه ، أما مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه) ، وهو جيد وسميت الجمرة بذلك لرميها بالحجار الصغار المسماة بالجمار ، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها ، أو من الإجمار بمعنى الإسراع لما روي (أن آدم عليه السلام رمى فأجمر ابليس من بين يديه) (4) ، أو من جمرته وزمرته أي نحيته.
(2) أي المتفرق على المكان.
ص: 465
ولو شك في الإصابة أعاد (1) ، لأصالة العدم ، ويعتبر كون الإصابة (بفعله) (2) فلا يجزي الاستنابة فيه اختيارا (3) ، وكذا لو حصلت الإصابة بمعونة غيره (4) ، ولو حصاة أخرى ، ولو وثبت حصاة بها فأصابت لم يحتسب الواثبة (5) ، بل المرمية إن أصابت ، ولو وقعت على ما هو أعلى من الجمرة ثم وقعت فأصابت كفى (6) ، وكذا لو وقعت على غير أرض الجمرة ، ثم وثبت إليها بواسطة صدم الأرض ، وشبهها (7).
واشتراط كون الرمي بفعله أعم من مباشرته بيده. وقد اقتصر هنا وفي الدروس عليه (8) ، وفي رسالة الحج اعتبر كونه مع ذلك باليد وهو أجود (9) (بما يسمّى رميا) (10) ، فلو وضعها ، أو طرحها من غير رمي لم يجز ، لأن الواجب
______________________________________________________
(1) لاصالة الاشتغال.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدم (فإن رميت) الظاهر أن الاصابة برميه وفعله.
(3) فتجوز اضطرارا ، للأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف به) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه ، فقال : نعم إذا كان لا يستطيع) (2).
(4) بأن عاونه في يده أو عاونته حصاة بحيث رمى حصاة فأتت ثانية فدفعت الأولى فلا يجزي لعدم صدق مباشرته للإصابة.
(5) أي أصابت حصاته حصاة أخرى ، فالأولى مرمية والثانية واثبة لأنها وثبت فاصابت الجمرة فلا تحتسب الواثبة لعدم صدق رميه لها ؛ والمرمية إن إصابت الجمرة تحتسب حينئذ.
(6) لصدق أنه رمى من دون مشاركة.
(7) لصدق الرمي منه ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن أصابت انسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار اجزأك) (3).
(8) على الاصابة بفعله.
(9) بل متعين لأن الرمي باليد جزء من مفهوم الرمي.
(10) للأخبار ، منها صحيح ابن عمار المتقدم (فإن رميت) (4) ، وصحيح زرارة عن أبي -
ص: 466
صدق اسمه ، وفي الدروس نسب ذلك إلى قول (1). وهو يدل على تمريضه (بما يسمّى حجرا) (2) ، فلا يجزى الرمي بغيره ولو بخروجه عنه (3) بالاستحالة ، ولا فرق فيه بين الصغير والكبير (4) ولا بين الطاهر والنجس (5) ، ولا بين المتصل بغيره كفص الخاتم (6) لو كان حجرا حرميا ، وغيره.
(حرميا) (7) ، فلا يجزي من غيره ، ويعتبر فيه أن لا يكون مسجدا ، لتحريم
______________________________________________________
- جعفر عليه السلام (لا ترم الجمار إلا بالحصى) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها) (2) والمدار على تحقق اسم الرمي ، وهو غير متحقق في ما لو وضعها بكفه في المرمى ، أو طرحها طرحا لا يصدق عليه اسم الرمي.
(1) قال في الدروس (ولو وضعها وضعا أو طرحها من غير رمي لم يجز على قول وهو ضعيف لعدم صدق الرمي ولذا قال العلامة في المنتهى (والحاصل أن الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم ، فإن سمي رميا أجزأ بلا خلاف ، وإلا لم يجز اجماعا).
(2) لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا ترم الجمار إلا بالحصى) (3) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (خذ حصى الجمار من جمع ، فإن أخذته من رحلك بمنى اجزأك) (4) ، وقال في المدارك (فلا يجزي الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة خلافا للدروس ، وكذا الصغير جدا هذا إذا كانت بحيث لا يقع عليها اسم الحصاة) ، وأحترز بالحجر عن الجوهر والكحل والزرنيخ والعقيق فإنها لا تجزي خلافا للخلاف فجوّز الشيخ فيه الرمي بالجوهر والبرام لصدق أنه من حصى الحرم ، وهو ممنوع لانصراف الحصى إلى الحجارة فقط.
(3) عن الحجر.
(4) كما في الدروس وقد عرفت اشتراط صدق الحصى عليه ، ومن الواضح عدم الصدق على الحجر الكبير.
(5) تمسكا بالإطلاق ، وسيأتي الكلام فيه.
(6) إن كان من الحجر مع صدق الرمي به لا بالخاتم كمجموع.
(7) أي من الحرم ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (حصى الجمار إن -
ص: 467
إخراج الحصا منه المقتضي للفساد في العبادة (بكرا) (1) غير مرمي بها رميا صحيحا ، فلو رمي بها بغير نية ، أو لم يصب لم يخرج عن كونها بكرا ، ويعتبر مع ذلك كلّه تلاحق الرمي (2) فلا يجزي الدفعة وإن تلاحقت الإصابة ، بل يحتسب منها واحدة ، ولا يعتبر تلاحق الإصابة.
(ويستحب البرش) (3) المشتملة على ألوان مختلفة بينها وفي كل واحدة منها ،
______________________________________________________
- اخذته من الحرم اجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك) (1) ، ومرسل حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال : لا تأخذ من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار ، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم) (2) ، واستثنى الشيخ في التهذيب والمبسوط والنهاية وجماعة من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخيف فمنعوا أخذ الحصى منهما لخبر حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام (يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف) (3) ، وألحق المحقق والعلامة والشهيدان والفاضل المقداد باقي المساجد بهما للتساوي في تحريم إخراج الحصى منها.
(1) أي لم يرم بها قبل ذلك رميا صحيحا بلا خلاف فيه ، لمرسل حريز المتقدم (لا تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ومن حصى الجمار) (4) ، وخبر عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تأخذ من حصى الجمار) (5) ، كما في الكافي ، وفي الفقيه للصدوق (لا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمى) (6).
(2) بمعنى أن يفرق في الرمي فلا يرميها دفعة بلا خلاف للتأسي - كما في الجواهر - والسيرة ، نعم لا يعتبر تلاحق الاصابة ، فلو اتفقت الاصابة مع تفريق الرمي يجزي لصدق تفريق الرمي.
(3) لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في حصى الجمار قال : (كره الصم منها وقال : خذ البرش) (7) ، وخبر البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام (حصى الجمار تكون مثل الأنملة ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء ، خذها كحلية منقطة) (8).
وقال سيد المدارك : (والظاهر أن المراد بالبرش هنا كونها مختلفة الألوان ، لأن البرش في -
ص: 468
ومن ثمّ اجتزأ بها عن المنقّطة ، لا كما فعل في غيره (1) ، وغيره (2) ، ومن جمع بين الوصفين أراد بالبرش المعنى الأول (3) ، وبالمنقطة الثاني (4) ، (الملتقطة) (5) بأن يكون كل واحدة منها مأخوذة من الأرض منفصلة ، واحترز بها عن المكسّرة من حجر ، وفي الخبر التقط الحصا ولا تكسرنّ منه شيئا (بقدر الأنملة) (6) بفتح الهمزة وضم الميم رأس الأصبع.
(والطهارة) (7) من الحدث حالة الرمي في المشهور ، جمعا بين صحيحة محمد
______________________________________________________
- شعر الفرس نكت تخالف سائر لونه على ما ذكره الجوهري وغيره ، وعلى هذا فيكون هذا الوصف مغنيا عن كونها منقطة ، وذكر الشارح - أي الشهيد الثاني في المسالك - أن الاختلاف في الوصف الأول - أعني كونها برشا - في جملة الحصى ، وفي الثاني - أي منقطة - في الحصاة نفسها ، وهو بعيد ، وربما كان الوجه في الجمع بين الوصفين ورودهما في الروايتين ، لكنهما لم يردا على وجه الجمع فكان الاكتفاء بذكر أحدهما كما وقع في النص أولى).
(1) أي غير هذا الكتاب.
(2) أي غير المصنف.
(3) أي اختلاف الألوان في مجموع الحصى.
(4) أي اختلاف الألوان في الحصاة الواحدة ، هذا وقد عرفت الوجه في الجمع كما كلام المدارك المنقول سابقا.
(5) بحيث تكون كل واحدة مأخوذة على حدة من الأرض واحترز بها عن المكسرة ، ويشهد له خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (التقط الحصى ولا تكسرنّ منهن شيئا) (1) ، وخبر الدعائم عن أبي عبد الله عليه السلام (تلتقط حصى الجمار التقاطا ، كل حصاة منها بقدر الأنملة - إلى أن قال - ويكره أن تكسر من الحجارة كما يفعله كثير من الناس) (2).
(6) لخبر البزنطي والدعائم المتقدمين.
(7) على المشهور ، للمجمع بين صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجمار ، فقال : لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر) (3) ، وبين اخبار أخر وهي : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ويستحب أن ترمي الجمار على طهر) (4) ، وخبر حميد بن -
ص: 469
بن مسلم الدالة على النهي عنه بدونها ، ورواية أبي غسان بجوازه على غير طهر كذا علله المصنف وغيره ، وفيه نظر ، لأن المجوزة مجهولة الراوي فكيف يؤوّل الصحيح لأجلها ، ومن ثمّ ذهب جماعة من الأصحاب منهم المفيد والمرتضى إلى اشتراطها ، والدليل معهم ، ويمكن أن يريد طهارة الحصا (1) فإنه مستحب أيضا على المشهور ، وقيل : بوجوبه. وإنما كان الأول (2) أرجح ، لأن سياق أوصاف الحصا أن يقول : الطهارة ، لينتظم مع ما سبق منها ، ولو أريد الأعم منها (3) كان أولى.
______________________________________________________
- مسعود أبي غسان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رمي الجمار على غير طهر ، قال : الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيصان ، إن طغت بهما على غير طهور اجزأك ، والطهر احبّ إليّ ، فلا تدعه وانت قادر عليه) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء ، إلا الطواف فإن فيه صلاة ، والوضوء أفضل) (2).
وذهب المفيد والمرتضى وابن الجنيد إلى عدم جواز الرمي إلا على طهر لصحيح ابن مسلم المتقدم ، وأيدهم الشارح لضعف المجوّز وهو رواية أبي غسان كما في المسالك والروضة هنا ، وأجاد سيد المدارك بقوله (ومن هنا يعلم أن ما ذكره الشارح من النظر في الجمع لضعف رواية ابي غسان فلا تعارض صحيحه محمد بن مسلم غير جيد ، لأن دليل الاستحباب غير منحصر في رواية ابي غسان كما بيناه).
(1) ظاهر الأكثر عدم الطهارة لإطلاق الأخبار ، وذهب ابن حمزة إلى اشتراط طهارتها وليس له مستند إلا ما في كشف اللثام (وأرسل عن الصادق عليه السلام في بعض الكتب : اغسلها فإن لم تغسلها وكانت فقيه لم يضرك) وهو إشارة إلى خبر الدعائم عن جعفر بن محمد عليهم السلام (واغسلها ، وإن لم تغسلها وكانت نقية لم يضرك) (3) ، وفي الفقه الرضوي (اغسلها غسلا نظيفا) (4) ، وهي غير منجبرة بعد ضعف السند فلا تصلح لإثبات الوجوب ، نعم تصلح دليلا للاستحباب تساهلا في أدلة السنن.
(2) أي الطهارة من الحدث.
(3) بحيث اريد من الطهارة الأعم من طهارة الحدث والخبث.
ص: 470
(والدعاء) (1) حالة الرمي وقبله ، وهي بيده بالمأثور (والتكبير مع كل حصاة) ، ويمكن كون الظرف للتكبير والدعاء معا (وتباعد) الرامي عن الجمرة (نحو خمس عشرة ذراعا) إلى عشر ، (ورميها خذفا) (2) والمشهور في تفسيره أن يضع الحصاة على بطن إبهام اليد اليمنى ويدفعها بظفر السبابة ، وأوجبه جماعة منهم ابن إدريس بهذا المعنى ، والمرتضى ، لكنه جعل الدفع بظفر الوسطى.
وفي الصحاح الخذف بالحصا الرمي بها بالأصابع ، وهو غير مناف للمروي الذي فسروه به بالمعنى الأول ، لأنه قال في رواية البزنطي عن الكاظم عليه السلام : تخذفهنّ خذفا ، وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة وظاهر العطف (3) أن
______________________________________________________
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ، ولا ترمها من اعلاها ، وتقول والحصى في يدك : اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي ، ثم ترمي فتقول مع كل حصاة : الله اكبر ، اللهم ادحر عني الشيطان ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، فإذا أتيت رحلك ورجعت من الرمي فقل : اللهم بك وثقت ، وعليك توكلت ، فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير) (1).
(2) بالإعجام في حروفها الثلاثة ، والمشهور على استحباب الخذف ، وذهب السيد وابن إدريس إلى الوجوب ، والأصل فيه خبر البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام (حصى الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء ، خذها كحلية منقطة تخذفهن خذفا وتضعها على الابهام وتدفعها بظفر السبابة) (2).
فالسيد وابن إدريس حملوا الأمر بالخذف على الوجوب ، والمشهور حملوه على الاستحباب لسياق الخبر الوارد في المستحبات.
وأما الخذف فهو أن يأخذ الحصاة فيضعها على باطن ابهامه ويدفعها بظفر السبابة كما هو المشهور بين الفقهاء ، وعن السيد المرتضى أنه وضع الحصاة على إبهام يده اليمنى والدفع بظفر اصبعه الوسطى ، ومستنده غير ظاهر كما اعترف به جماعة.
(3) وظهوره من أن التأسيس خير من التأكيد.
ص: 471
ذلك أمر زائد على الخذف فيكون فيه سنّتان : إحداهما رميها خذفا بالأصابع لا بغيرها وإن كان باليد : والأخرى جعله بالهيئة المذكورة ، وحينئذ فتتأدى سنة الخذف برميها بالأصابع كيف اتفق ، وفيه (1) مناسبة أخرى للتباعد بالقدر المذكور ، فإن الجمع بينه (2) وبين الخذف بالمعنيين السابقين بعيد وينبغي مع التعارض ترجيح الخذف ، خروجا من خلاف موجبه.
(واستقبال الجمرة هنا) (3) أي في جمرة العقبة ، والمراد باستقبالها كونه مقابلا لها ، لا عاليا عليها كما يظهر من الرواية ارمها من قبل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها ، وإلا فليس لها وجه خاص يتحقق به الاستقبال. وليكن مع ذلك مستدبرا القبلة.
(وفي الجمرتين الأخريين يستقبل القبلة (4) ، والرمي ماشيا) (5) إليه من منزله ،
______________________________________________________
(1) أي في الحذف بالمعنى الأعم وهو الرمي بالأصابع كيف اتفق.
(2) بين التباعد بالقدر المذكور.
(3) فالاستقبال أي المقابل لها وهذا احتراز من شيئين : الأول أن لا يرميها من الأعلى ، الثاني أن يكون مقابلا لها مستدبرا للقبلة ، والمعنى الأول تدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها) (1) ، والمعنى الثاني يدل عليه ما رواه الشيخ في المبسوط (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رماها مستقبلا لها مستدبرا الكعبة) (2).
(4) فيستقبلهما ويستقبل القبلة ، وفي الجواهر (ولم نقف له على رواية بالخصوص) وفي المدارك (فلم أقف فيه على نص ، وكأنه لشرف الاستقبال مع انتفاء المعارض).
(5) لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عن آبائه عليهم السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمار ماشيا) (3) ، وخبر عنبسة بن مصعب (رأيت أبا عبد الله عليه السلام بمنى يمشي ويركب ، فحدثت نفسي أن اسأله حين أدخل عليه فابتدأني هو بالحديث فقال : إن علي بن الحسين عليه السلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا رمى الجمار ، ومنزلي اليوم أنفس من
ص: 472
لا راكبا. وقيل : الأفضل الرمي راكبا ، تأسيا بالنبي (ص) ويضعف بأنه (ص) رمى ماشيا أيضا رواه علي بن جعفر عن أخيه (ع).
(ويجب في الذبح) لهدي التمتع (جذع من الضأن) (1) قد كمل سنه سبعة
______________________________________________________
- منزله ، فأركب حتى آتي منزله ، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى ارمي الجمرة) (1) ، وصحيح علي بن مهزيار (رأيت أبا جعفر عليه السلام يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكبا) (2) ، وقال في الجواهر : (ولا يخفى عليك دلالة النصوص المزبورة على المشي إلى الجمار أيضا).
وعن المبسوط والسرائر أن الركوب أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رماها راكبا كما في المبسوط (3) ، وفي المدارك (لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب) ولكن في مرسل الشيخ في التهذيب والاستبصار عن أحدهم عليهم السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمى الجمار راكبا على راحلته) (4) ، وفي صحيح ابي نجران (رأى أبا الحسن الثاني عليه السلام يرمي الجمار وهو راكب حتى رماها كلها) (5) ، وفي صحيح أحمد بن محمد بن عيسى (أنه رأى أبا جعفر عليه السلام رمى الجمار راكبا) (6) ، ولذا مال البعض - كما في الجواهر - إلى التساوي بين الركوب والمشي.
(1) والثني من غيره ، ونسبه في المدارك إلى ظاهر الأصحاب ، للأخبار ، منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (يجزي من الضأن الجذع ولا يجزي من المعز إلا الثني) (7) ، وصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول (الثنيّة من الإبل والثنيّة من البقر والثنيّة من المعز والجذعة من الضأن) (8) ، وصحيح حماد بن عثمان (سألت أبا عبد الله عليه السلام : أدنى ما يجزي في اسنان الغنم في الهدي ، فقال : الجذع من الضأن ، قلت : فالمعز ، قال : لا يجوز الجذع من المعز ، قلت ولم؟ قال : لأن الجذع من الضأن يلقح والجذع من المعز لا يلقح) (9).
وأما الجذع فهو ما كمل له ستة أشهر كما عن التذكرة والمنتهى وهو موافق لكلام الجوهري في الصحاح ، وعن السرائر والدروس والتحرير أنه الذي له سبعة أشهر ، وعن الصدوق والشيخين وسلّار وابني حمزة وسعيد والفاضلين أنه لسنته ، وفي كشف اللثام والغنية والمهذب والإشارة أنه الذي لم يدخل في الثانية ، وقال في الجواهر (ولم نجد ما -
ص: 473
أشهر. وقيل : ستة (أو ثني من غيره) وهو من البقر والمعز ما دخل في الثانية ، ومن الإبل في السادسة ، (تام الخلقة) (1) ، فلا يجزي الأعور ولو ببياض على عينه (2) ، ...
______________________________________________________
- يشهد لشي ء من ذلك) ، وحكى في التذكرة عن ابن الأعرابي (أن ولد الضأن إنما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان ابواه شابين ، ولو كانا هرمين لم يجذع حتى يستكمل ثمانية أشهر) ، وقال في المدارك : (والتعويل على ذلك مشكل).
هذا والمشهور في الثني إن كان من الابل ما له خمس ودخل في السادسة ، وإن كان من البقر والمعز ما له سنة ودخل في الثانية ، وعن العلامة في التذكرة والمنتهى (أن الثني من المعز ما دخل في الثالثة) ، وهو المطابق لكلام أهل اللغة قال الجوهري في الصحاح : (الثني الذي يلقي ثنيته ، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخف في السنة السادسة) ، وقال في القاموس : (الثنية الناقة الطاعنة في السادسة ، والفرس الداخلة في الرابعة ، والشاة في الثالثة كالبقرة).
(1) فلا تجزي العوراء ولا العرجاء البيّن عرجها ، بلا خلاف في ذلك ، للأخبار ، منها : صحيح علي بن جعفر (أنه سأل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل يجزي عنه؟ قال : نعم ، إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا) (1) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها ، ولا بالعوراء بيّن عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالخرقاء ، ولا بالخدعاء ولا بالعضباء) (2) ، وخبر شريح بن هاني عن علي صلوات الله عليه (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الاضاحي أن تستشرف العين والأذن ، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة) (3).
وفسرت العجفاء بالضعيفة ، والخرقاء بالتي في أذنها خرق مستدير ، والجذعاء بمقطوعة الأذن والعضباء بالناقة المشقوقة الاذن ، وبالشاة المكسورة القرن الداخل ، والشرقاء بالمشقوقة الاذنين ، والمقابلة بالتي قطع طرف اذنها وبقي معلقا ، والمدابرة بأنها المقطوعة مؤخر الاذن ويبقى معلقا.
(2) لا فرق في العور بين انخساف العين وبين غيره كحصول البياض عليها ، وبه صرح العلامة في المنتهى والشارح في المسالك.
ص: 474
والأعرج (1) والأجرب (2) ومكسور القرن الداخل (3) ومقطوع شي ء من الأذن (4) ، والخصي (5) ، ...
______________________________________________________
(1) قال في المدارك (أما العرج فاعتبر الاصحاب فيه كونه بيّنا ، كما ورد في رواية السكوني ، وفسروا البيّن بأنه المتفاحش الذي يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهن في العلف والمرعى فتهزل ، ومقتضى اطلاق صحيحة علي بن جعفر عدم اجزاء الناقص من الهدي مطلقا) ، وقال في الجواهر : (لا بأس بالتقييد به - أي البيّن - في العرج وإن اطلق المصنف في النافع ، بل عن بعض المتأخرين التصريح بذلك لإطلاق الصحيح المزبور ، إلا أن يمكن تقييده بالنبويين المزبورين المنجبرين بكلام الأصحاب هنا).
(2) بناء على كون الجرب والمرض عيبا فتكون ناقصة فيشملها اطلاق صحيح علي بن جعفر المتقدم ، واستدل عليه بما رواه البراء بن عازب من طرق العامة (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال : اربع لا تجوز في الأضحى : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين عرجها ، والكبيرة - الكسيرة - التي لا تنقى) (1) ، بناء على أن المريضة هي الجرباء لأن الجرب يفسد اللحم ، والأقرب اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها وفي فساد لحمها.
(3) وهو الأبيض الذي وسط الخارج ، وأما كسر الخارج فلا عبرة به ، بلا خلاف فيه بناء على أنه احد معيني العضباء فيشمله خبر السكوني ، ويدل عليه صريحا صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (في الأضحية يكسر قرنها قال) إن كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي) (2) ، كما في رواية الكافي ، وفي رواية التهذيب (أنه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن : إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس ، وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا) (3).
(4) بلا خلاف فيه ، للنهي عنه في خبر السكوني المتقدم بناء على أنها المقابلة أو المدبرة ، ولخبر شريح بن هاني المتقدم ، ويدل عليه أيضا صحيح البزنطي بإسناد له عن أحدهما عليهما السلام (سئل عن الاضاحي إذا كانت الاذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة فقال : ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس) (4).
(5) والمراد به مسلول الخصية ، فذهب الأكثر إلى عدم اجزائه ، للأخبار ، منها : صحيح محمد بن -
ص: 475
والأبتر (1) ، وساقط الأسنان (2) لكبر وغيره (3) ، والمريض (4) ، أما شق الأذن من غير أن يذهب منها شي ء وثقبها ووسمها (5) ، وكسر القرن الظاهر (6) ، وفقدان القرن والأذن خلقه (7) ...
______________________________________________________
- مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سأله أيضحى بالخصي؟ فقال : لا) (1) وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام (عن الرجل يشتري الهدي ، فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ، ولم يكن يعلم أن الخصي لا يجوز في الهدي ، وعن ابن أبي عقيل أنه مكروه ، نعم عن جماعة كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والدروس اجزاؤه إن تعذر عليه غيره من الهدي ، لصحيح عبد الرحمن المتقدم (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : فالخصي يضحى به؟ قال : لا إلا أن لا يكون غيره) (3) ، وغيرهم على عدم الإجزاء مطلقا ، لحمل خبر أبي بصير على الأضحية المندوبة وإعراض الأصحاب عنها.
(1) وهو مقطوع الذنب ضرورة صدق النقص عليه فيشمله صحيح علي بن جعفر المتقدم ، نعم عن المنتهى والمدارك الاجزاء لعدم نقصان القيمة واللحم به وهو ضعيف لصدق الناقص عليه عرفا.
(2) لصدق الناقص عليه.
(3) غير الكبر كالمرض.
(4) لأنه عيب فيصدق عليه النقص فيشمله صحيح علي بن جعفر المتقدم.
(5) وكان وسمها بثقب إذنها أو شقها فلا بأس ، بلا خلاف فيه ، لمرسل ابن أبي نصر عن احدهما عليهما السلام (سئل عن الاضاحي إذا كانت مشقوقة الاذن أو مثقوبة بسمة ، قال : ما لم يكن مقطوعا فلا بأس) (4) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الضحية تكون الاذن مشقوقة ، فقال : إن كان شقها وسما فلا بأس ، وإن كان شقا فلا يصلح) (5) ، وذيله محمول على كون الشق أوجب قطعا جمعا بينه وبين ما تقدم ، وكذا لو وسمت بالكي فلا بأس به لعدم كونها ناقصة.
(6) قد تقدم الكلام فيه.
(7) قال في المدارك : (وقد قطع الأصحاب باجزاء الجماء وهي التي لم يخلق لها قرن ، والصمغاء وهي الفاقدة للأذن خلقه للأصل ، ولأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة ولا في لحمها) دعى الخلاف والجامع والدروس كراهة الجماء لاستحباب
ص: 476
ورضّ الخصيتين (1) فليس بنقص ، وإن كره الأخير ، (غير مهزول) (2) بأن يكون ذا شحم على الكليتين وإن قلّ.
______________________________________________________
- الاقرن لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سئل عن الاضحية فقال : أقرن فحل سمين عظيم العين والأذن) (1) ، وفي استدلال المدارك ضعف لأن عدم النقص في القيمة واللحم لا يمنع من صدق الناقص عليه عرفا فيشمله صحيح علي بن جعفر المتقدم.
(1) وهو الموجوء ، وهو مرضوض عروق الخصيتين حتى تفسد ، قيل بكراهته ، للاخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (والفحل من الضأن خير من الموجأ ، والموجأ خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (المرضوض أحب من النعجة ، وإن كان خصيا فالنعجة) (3) ، وعن السرائر (أنه غير مجز وإن كان قبل ذلك بأسطر قال فيها : إنه لا بأس به ، وإنه أفضل من الشاة) ، كما في الجواهر.
(2) فلا يجزي ، بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا اجزأك ، وإن اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي) (4) ، وخبر السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : صدقة رغيف خير من نسك مهزول) (5).
والمراد من المهزول ما ليس على كليته شحم كما عن القواعد والمبسوط والنافع والنهاية لخبر الفضيل (حججت بأهلي سنة فعزت الاضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء ، فلما ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة كثيرة لما رأيت بهما من الهزال ، فأتيته فأخبرته بذلك فقال : إن كان على كليتيهما شي ء من الشحم اجزأت) ، والخبر غير نقي السند بياسين الضرير ، ومضمر ، فلذا أعرض عنه البعض كسيد المدارك وأحال الأمر إلى العرف ، ومما تقدم تعرف أنه لو اشتراها على أنها مهزولة وبانت كذلك فلا تجزي بلا خلاف ولا إشكال ، ولو خرجت سمينة اجزأته في المشهور ، للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (وإن نواها مهزولة فخرجت سمينة اجزأت عنه) (6) ، وصحيح العيص المتقدم وغيره ، وعن ابن أبي عقيل عدم الاجزاء للنهي عنه المنافي لنية التقرب عند الذبح ، وهو كالاجتهاد في قبال النصوص المتقدمة.
ص: 477
(ويكفي فيه الظن) المستند إلى نظر أهل الخبرة ، لتعذر العلم به غالبا ، فمتى ظنه كذلك (1) ، أجزأ ، وإن ظهر مهزولا ، لتعبده بظنه ، (بخلاف ما لو ظهر ناقصا (2) ، فإنه لا يجزئ) ، لأن تمام الخلقة أمر ظاهر فتبين خلافه مستند إلى تقصيره. وظاهر العبارة أن المراد ظهور المخالفة فيهما (3) بعد الذبح ، إذ لو ظهر التمام قبله (4) أجزأ قطعا (5) ، ولو ظهر الهزال قبله مع ظن سمنه عند الشراء ففي إجزائه قولان أجودهما الإجزاء (6) ، للنص (7) ، وإن كان عدمه أحوط ، ولو اشتراه من غير اعتبار ، أو مع ظن نقصه ، أو هزاله لم يجز ، إلا أن تظهر الموافقة قبل
______________________________________________________
- نعم لو اشتراها سمينة فبانت مهزولة فتجزي ، للأخبار منها : صحيح منصور عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن اشترى الرجل هديا وهو يرى أنه سمين أجزأ عنه ، وإن لم يجده سمينا ، ومن اشترى هديا وهو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه) (1).
(1) أي ذا شحم.
(2) أي اشتراه على أنه تام الخلقة فبان بعد الذبح أنه ناقص ، فلا يجزي كما عليه الأكثر ، لإطلاق أدلة عدم الاجتزاء بالناقص الذي هو محسوس فهو مفرط فيه على كل حال.
وفي التهذيب إن كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأ ، لصحيح عمران الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (من اشترى هديا ولم يعلم أن به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم به فقد تم) (2) ، ونفى عنه البأس في المدارك ، وهو موهون بإعراض الأصحاب عنه حتى الشيخ في غير التهذيب كما في الجواهر.
(3) في المهزول وناقص الخلقة
(4) قبل الذبح.
(5) لكونه تاما عند الذبح.
(6) فالأكثر على عدم الاجزاء ، لإطلاق الروايات المتضمنة لعدم اجزاء المهزول وهي سالمة عن المعارض ، لأن أخبار ما لو ظهر سمينا منصرفة إلى ما بعد الذبح ، وقال في الجواهر (فما عن بعضهم من القول بالإجزاء ضعيف) وقال في المدارك (وقيل بالاجزاء هنا أيضا وهو ضعيف جدا).
(7) كخبر منصور وغيره مما قد تقدم ، وقد عرفت انصرافه إلى ما بعد الذبح.
ص: 478
الذبح (1). ويحتمل قويا الإجزاء لو ظهر سمينا بعده ، لصحيحة (2) العيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام.
(ويستحب أن يكون مما عرّف به) (3) أي حضر عرفات وقت الوقوف ويكفي قول بائعه فيه (4) (سمينا) (5) زيادة على ما يعتبر فيه (ينظر ويمشي ويبرك في سواد)
______________________________________________________
(1) فتشمله الأخبار المشترطة للتمام والسمنة.
(2) وغيرهما مما قد تقدم.
(3) فالمشهور على الاستحباب لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يضحي إلا بما قد عرّف به) (1) ، وصحيح ابن أبي نصر (سئل عن الخصي يضحى به؟ فقال : إن كنتم تريدون اللحم فدونكم ، وقال : لا يضحى إلا بما قد عرّف به) (2) ، وهي محمولة على الاستحباب ، جمعا بينها وبين خبر سعيد بن يسار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن اشترى شاة لم يعرّف بها ، قال : لا بأس بها عرّف بها أم لم يعرّف) (3) ، وظاهر المفيد في المقنعة أنه على نحو الوجوب ولكن في المنتهى قال (الظاهر أنه أراد به تأكد الاستحباب).
(4) بأنه حضر عرفات لصحيح سعيد بن يسار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري عرّف بها أم لا ، فقال : إنهم لا يكذبون ، لا عليك ضحّ بها) (4).
(5) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل ، يأكل في سواد وينظر في سواد) (5) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بكبش أقرن فحل ، ينظر في سواد ويمشي في سواد) (6) ، وصحيح الحلبي قال : (حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : ضح بكبش اسود أقرن فحل ، فإن لم تجد فأقرن فحل يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد) (7) ، وصحيح محمد بن مسلم الآخر (سألت أبا جعفر عليه السلام : أين أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه؟ قال : على الجمرة الوسطى ، وسأله عن كبش إبراهيم عليه السلام ما كان لونه وأين نزل؟ قال : أملح وكان أقرن ، ونزل من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى ، وكان يمشي في سواد ويأكل في سواد وينظر ويبعر ويبول في سواد) (8).
ص: 479
الجار متعلق بالثلاثة على وجه التنازع (1) ، وفي رواية ويبعر في سواد (2) ، إما بكون هذه المواضع وهي العين والقوائم والبطن والمبعر سودا ، أو بكونه ذا ظل عظيم لسمنه ، وعظم جثته بحيث ينظر فيه ويبرك ويمشي مجازا في السمن ، أو بكونه رعى ومشى ونظر وبرك وبعر في السواد ، وهو الخضرة والمرعى زمانا طويلا فسمن لذلك قيل : والتفسيرات الثلاثة مروية. عن أهل البيت عليه السلام (إناثا من الإبل والبقر ذكرانا من الغنم) (3) وأفضله الكبش (4) والتيس (5) من الضأن
______________________________________________________
- وهذه النصوص الواردة لم تذكر البروك في سواد ، ولذا قال في الجواهر : (ولكن الجميع كما ترى لم يذكر فيها البروك في السواد ، ولعله لذا قال في كشف الرموز لم اظفر بنص فيه ، ولكن عن المبسوط والتذكرة والمنتهى إنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد ، فأتي به فضحى به) انتهى.
هذا واختلف الأصحاب في تفسير الأكل في سواد والنظر في سواد والبروك في سواد ، فعن ابن إدريس أن هذه المواضع من الكبش سوداء ، وعن العلامة في المختلف والمقداد في التنقيح والمحقق في الشرائع أنه من عظمة الكبش فينظر في شحمه ويمشي في فيئه ويبرك في ظل شحمه ، وعن الشهيد في الدروس والشارح في المسالك أن يكون المراد من السواد كناية عن المرعى والمنبت ، والمعنى أن يكون الهدي رعى ومشى ونظر وبرك في الخضرة والمرعى فسمن لذلك ، ونقل الشهيد الأول في الدروس عن القطب الراوندي أنه قال (إن التفسيرات الثلاثة مروية عن أهل البيت عليهم السلام ، ولا يخفى إن هذه الأمور الثلاثة على الوصف الثاني والثالث تكون مبالغة في زيادة السمنة ، وعلى الوصف الأول فتكون أوصافا قائمة برأسها.
(1) أي قوله (في سواد) متعلق بقوله (ينظر ويمشي ويبرك) بناء على تنازع العوامل الثلاثة على معمول واحد.
(2) كما في الصحيح الآخر لمحمد بن مسلم.
(3) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد تجزي الذكورة من البدن ، والضحايا من الغنم الفحولة) (1) ، ومثله غيره.
(4) للأخبار المتقدمة خصوصا المتضمنة لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(5) لخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم اشتر هديك إن كان من البدن أو من البقرة ، وإلا فاجعله كبشا سمينا فحلا ، فإن لم تجد كبشا فحلا فموجوءا من الضأن ، فإن لم
ص: 480
والمعز (1).
(وتجب النية) (2) قبل الذبح مقارنة له (3). ولو تعذر الجمع بينها (4) ، وبين الذكر في أوله (5) قدمها عليه ، مقتصرا منه (6) على أقله جمعا بين الحقين (ويتولاها الذابح) (7) سواء كان هو الحاج أم غيره ، إذ يجوز الاستنابة فيهما (8) اختيارا ، ويستحب نيتهما (9) ، ولا يكفي نية المالك وحده.
(ويستحب جعل يده) أي الناسك (معه) (10) مع الذابح لو تغايرا (و) يجب
______________________________________________________
- تجد فتيسا ، فإن لم تجد فما تيسّر عليك ، وعظّم شعائر الله) (1).
(1) على نحو اللف والنشر المرتبين.
(2) لأن الذبح من العبادات كغيره من أفعال الحج ، وقد تقدم أنها على نحو الداعي فيكفي فيها القصد مع القربة ولا يجب قصد الخصوصيات إلا إذا توقف تعيين المأمور به على ذلك.
(3) أي للذبح بناء على أنها اخطارية.
(4) بين نية الذبح.
(5) أي لو تعذر ذكر اسم الله في أول الذبح ، ولا يتعذر إلا إذا اشترطنا في النية التلفظ مع أنه غير شرط.
(6) أي من الذكر على أقله وهو (بسم الله).
(7) لأنه هو النائب عنه في الذبح ونيته بلا خلاف في ذلك.
(8) في الذبح ونيته ، ويدل عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمّى غير صاحبها ، أتجزي عن صاحب الضحية؟ فقال : نعم ، إنما له ما نوى) (2) ، وهو ظاهر في جواز الاستنابة في الذبح ونيته ، ومثله غيره من النصوص.
(9) أي الذابح والمالك ، وهو ناشئ من الاحتياط بدليل أن النية لا تكفي من المالك وحده ، لأنه مع نيابة الحج لا بد من كون نية الذبح على النائب لا على المنوب ، وهذا ما يشعر به صحيح علي بن جعفر المتقدم.
(10) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام كان علي بن الحسين عليهما السلام يجعل -
ص: 481
(قسمته (1) ...
______________________________________________________
- السكين في يد الصبي ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح) (1) ومثله غيره.
(1) ذهب ابن إدريس وسيد المدارك واستقربه العلامة إلى وجوب الأكل منه والاطعام ، وهذا لا يوجب تقسيمه اثلاثا ، لقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهٰا وَأَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِيرَ ) (2) وقوله تعالى : ( فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَأَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (3) ، وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا ذبحت أو نحرت فكل واطعم كما قال الله تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهٰا وَأَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) ، فقال : القانع الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك ، والسائل الذي يسألك في يديه ، والبائس الفقير) (4) ، وصحيح صفوان ومعاوية بن عمار قريب منه (5).
وذهب المشهور إلى تقسيمه اثلاثا ، لموثق شعيب العقرقوفي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام (سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : أي شي ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا ، وتصدق بثلث) (6) ، وصحيح أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الاضاحي ، قال : كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهم السلام يتصدقان بثلث على جيرانهم ، وثلث على السؤّال ، وثلث يمسكانه لأهل البيت) (7) بناء على إرادة الإهداء من التصدق على الجيران ، فالأولى وإن كانت واردة في هدي القارن ، والثانية في الأضحية المندوبة كما هو ظاهرها ، لكن يشملان هدي التمتع لوحدة التقسيم.
في الهدي الواجب والمندوب ، والشهيدان والمحقق الثاني على أن هذا التقسيم واجب لظاهر الأمر في هذين الخبرين ، والبقية على أنه مستحب لخلو بقية الأدلة عنه مع أنها واردة في بيان المصرف مثل الآيتين والخبر المتقدم.
ثم إن ابن إدريس وجماعة قالوا بوجوب الأكل منه للأمر بالآيتين ، وصحيح معاوية - الوارد في كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن أبي عبد الله عليه السلام (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ينحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة من لحمها ثم تطرح في برمة ، ثم تطبخ فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام منها وحسيا من مرقها) (8) ومثلها غيرها.
وعن الأكثر أنه مستحب لأن الأمر في الآيتين وارد في مقام توهم الحظر ، لأنهم في -
ص: 482
بين الإهداء) إلى مؤمن (1) ، (والصدقة) عليه مع فقره (2) (والأكل) ولا ترتيب بينها (3) ، ولا يجب التسوية (4) ، بل يكفي من الأكل مسماه (5) ، ويعتبر فيهما (6) أن
______________________________________________________
- الجاهلية كانوا يحرمون ذلك على أنفسهم كما ذكره الزمخشري في الكشاف.
وعلى القول بوجوب التقسيم لو لم يعمل الناسك به ولم يعط أحدا ولم يتصدق على أحد بل ذبحها وأعرض فهل يضمن أو لا ، لا ريب في عدم الضمان بنسبة ثلث الأكل لعدم تعلق حق الغير به ، وأما بالنسبة للباقي فالأقرب الضمان لتعلق حق الغير به.
(1) الأخبار المتقدمة مطلقة لكن الأولى تقييد الهدية إلى المؤمن ، قال في الجواهر : (لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الاهداء ، بل إن لم يكن الاجماع لا يعتبر فيه الايمان خصوصا مع الندرة في تلك الأمكنة والأزمنة ، فيلزم إما سقوط وجوب الهدي أو التكليف بالمحال ، وليس هو كالزكاة التي يمكن فيها الانتظار ، على أنه قد ورد ما يدل عدم كراهة إعطاء المشرك ، وعلى جواز إعطاء الحرورية ، وأن لكل كبد حراء أجر ، ولكن مع ذلك لا ريب في أن الأحوط مراعاته مع الإمكان ، كما أن الأولى منع المعلوم نصبه ، بل يعطى المستضعف أو مجهول الحال).
(2) أي على المؤمن الفقير ، أما فقره فلظاهر الآيتين ، وأما إيمانه فلا دليل عليه والأولى اعتباره كما سمعت في الإهداء.
(3) بين الإهداء والصدقة والأكل.
(4) أي تسوية التقسيم ، قال في الجواهر : (وأما القسمة أثلاثا فلم أر قولا بوجوبها ، وفي دعائم الإسلام (1) عن جعفر بن محمد عليهما السلام : ينبغي لمن أهدى هديا تطوعا أو ضحى أن يأكل من هديه وأضحيته ثم يتصدق ، وليس في ذلك توقيت ، يأكل ما أحب ويطعم ويهدي ويتصدق ، قال الله عزوجل وقرأ الآيتين) انتهى.
فالقول بالوجوب سابقا بالنسبة إلى أصل الصرف في الثلاثة ، ونفي القول بالوجوب هنا بالنسبة إلى التقسيم الثلاثي بالسوية لهدي التمتع بحيث يأكل تمام الثلث ويتصدق بتمام الثلث ويهدي تمام الثلث ، نعم ذهب الشارح في المسالك والروضة هنا إلى وجوب التصدق بتمام الثلث ووجوب الهدية بتمام الثلث ، فنفيه لوجوب التسوية من ناحية عدم وجوب أكل تمام الثلث فقط ، وهو قول لم أجده لغيره.
(5) إذ إرادة أكل الناسك لتمام الثلث متعذر غالبا ، فلا يعقل إرادته من الأمر به.
(6) في الإهداء والصدقة.
ص: 483
لا ينقص كل منهما عن ثلثه. وتجب النية لكل منها (1) مقارنة للتناول (2) ، أو التسليم (3) إلى المستحق ، أو وكيله ، لو أخل بالصدقة ضمن الثلث ، وكذا الإهداء (4) إلا أن يجعله (5) صدقة ، وبالأكل (6) يأثم خاصة.
(ويستحب نحر الإبل قائمة (7) قد ربطت يداها) مجتمعتين (8) (بين الخف والركبة) ليمنع من الاضطراب ، أو تعقل يدها اليسرى (9) من الخف إلى الركبة ويوقفها على اليمنى ، وكلاهما مروي ، (وطعنها من) الجانب (الأيمن) (10) بأن يقف الذابح على ذلك الجانب ، ويطعنها في موضع النحر ، فإنه متحد (11).(والدعاء)
______________________________________________________
(1) من الأكل والصدقة والهدية ، لأن الذبح وما يلحق به من الأمور العبادية ، أما الذبح فنعم ، وأما ما يلحق به فلا دليل عليه.
(2) بالنسبة للأكل.
(3) بالنسبة للهدية والصدقة.
(4) بناء على وجوب التقسيم أثلاثا.
(5) أي إلا أن يجعل الإهداء صدقة فلا ضمان بناء على كون التصدق.
(6) أي لو أخلّ بالأكل فلا يضمن لعدم تعلق حق الغير به ، ولكن يأثم خاصة بناء على وجوب الأكل.
(7) للأخبار ، منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عزوجل : ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ ) ، قال : ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة ، ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض) (1) ، وخبر أبي خديجة (رأيت أبا عبد الله عليه السلام وهو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ، ثم يقوم به من جانب يدها اليمنى ويقول : بسم الله والله اكبر ، اللهم هذا منك ولك ، اللهم تقبل منّي ، ثم يطعن في لبّتها ثم يخرج السكين بيده ، فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده) (2) ، وخبر أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف تنحر البدنة؟ فقال : تنحر وهي قائمة من قبل اليمين) (3) ، أي يقف من ينحرها من جانب الأيمن ويطعنها في موضع النحر.
(8) لصحيح ابن سنان.
(9) لخبر أبي خديجة.
(10) كما في خبر الكناني.
(11) أي وقوفه من جانبها الأيمن لا يوجب توهما من نحرها في ذلك الجانب ، بل يجب
ص: 484
عنده) بالمأثور (1).
(ولو عجز عن السمين فالأقرب إجزاء المهزول ، وكذا الناقص) (2) لو عجز عن التام ، للأمر بالإتيان بالمستطاع (3) المقتضي امتثاله للإجزاء ولحسنه معاوية بن عمار «إن لم تجد فما تيسّر لك» وقيل : ينتقل إلى الصوم لأن المأمور به هو الكامل فإذا تعذر انتقل إلى بدله وهو الصوم.
(ولو وجد الثمن دونه) (4) ...
______________________________________________________
- نحرها في موضع النحر وهو ثغرة النحر بين الترقوتين ، وهو متحد مهما كان موضع الذي ينحرها.
(1) إما لما في خبر أبي خديجة ، وإما لما في صحيح صفوان وابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اشتريت هديك فاستقبل القبلة وانحره أو اذبحه ، وقل : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلٰاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيٰايَ وَمَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، بسم الله والله اكبر ، اللهم تقبل مني ، ثم أمرّ السكين ولا تنخعها حتى تموت) (1) ، وقد رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار.
(2) أي إذا لم يجد الناسك إلا فاقد الشرائط ، فهل يجزي وبه قطع الشهيدان لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (اشتر فحلا سمينا للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءا ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، فإن لم تجد فنعجة ، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي) (2) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (فاجعله كبشا سمينا فحلا ، فإن لم تجد كبشا فحلا فموجأ من الضأن ، فإن لم تجد فتيسا ، فإن لم تجد فما تيسّر عليك ، وعظم شعائر الله) (3).
أو لا يجزي بل يجب الانتقال إلى بدله وهو الصوم وهذا ما ذهب إليه المحقق الثاني في جامع المقاصد لأن فاقد الشرائط لما لم يكن مجزيا كان وجوده كعدمه ، وإطلاق الخبرين حجة عليه.
(3) للنبوي (إذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (4).
(4) دون الهدي.
ص: 485
مطلقا (1) (خلّفه (2) عند من يشتريه ويهديه) عنه من الثقات إن لم يقم بمكة (طول ذي الحجة) فإن تعذر فيه (3) فمن القابل فيه ، ويسقط هنا الأكل (4) فيصرف الثلثين في وجههما (5) ، ويتخير في الثلث الآخر بين الأمرين ، مع احتمال قيام النائب مقامه فيه ولم يتعرضوا لهذا الحكم.
(ولو عجز) عن تحصيل الثقة ، أو (عن الثمن) في محله (6) ولو بالاستدانة على ما في بلده ، والاكتساب اللائق بحاله وبيع ما عدا المستثنيات في الدين
______________________________________________________
(1) لا تاما ولا ناقصا ، ولا سمينا ولا مهزولا.
(2) أي الثمن.
(3) أي في شهر ذي الحجة على الأكثر ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه ، وهو يجزي عنه ، فإذا مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة) (1) ، وخبر النضر عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه ، وهو موسر حسن الحال ، وهو يضعف عن الصيام مما ينبغي له أن يصنع؟ قال عليه السلام : يرفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة ، فقلت : فإنه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصيب في ذي الحجة نسكا وأصابه بعد ذلك ، قال : لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة وإن أخّره إلى قابل) (2).
وعن ابن إدريس بناء على أصله من منع العمل بالخبر الواحد فلم يعمل بهذين الخبرين وأوجب عليه الصوم لأن الله تعالى نقلنا إلى الصوم - كما سيأتي - عند فقدان الهدي ، فالنقل إلى الثمن محتاج إلى دليل وما تقدم من الأخبار مردود لأنها أخبار آحاد ، وضعفه ظاهر.
واشتراط الأكثر أن يخلّف الثمن عند ثقة مع خلو النصوص عنه باعتبار عدم القطع بالبراءة إلا بذلك.
(4) لغيبة الناسك وبعده.
(5) في الأكل إذا قلنا بالوجوب وبوجوب التقسيم أثلاثا.
(6) محل الهدي.
ص: 486
صام) بدله عشرة أيام (1) (ثلاثة أيام في الحج متوالية) (2) إلا ما استثني (3) (بعد التلبس بالحج) (4) ...
______________________________________________________
(1) فإذا فقد الهدي وثمنه صام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج متواليات ، والسبعة بعد الوصول إلى أهله ، بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ) (1).
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تصوم الثلاثة الأيام متفرقة) (2) ، وخبر الواسطي المروي في قرب الإسناد عن أبي الحسن عليه السلام (فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات) (3).
(3) أي لو صام يوم التروية ويوم عرفة فلا يصوم العيد وأيام التشريق ويصوم الثالث بعدها على المشهور ، لخبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال عليه السلام : يجزيه أن يصوم يوما آخر) (4) ، وخبر يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق) ((5).
(4) وهو حكم متضمن بجواز تقديم صوم هذه الأيام من أول ذي الحجة ، وهو حكم جزم به في القواعد والنافع ، لموثق زرارة عن أحدهما عليهما السلام (من لم يجد هديا وأحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس) (6) ، واعتبر هذا رخصة ، وقد ذكرها كلّ من ابن سعيد والقاضي والشيخ في النهاية والتهذيب والمبسوط وابن البراج في المهذب وابن إدريس في سرائره ، وإن جعل تركها أولى أو أحوط ، قال ابن إدريس في السرائر (وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة الأيام من أول العشر والأحوط الأول ، ثم قال بعد ذلك : إلا أن الأصحاب أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وقبل ذلك لا يجوز) ، فهو كالدال على أن الأصحاب اعرضوا عن دليل الرخصة ، ثم على العمل بها لا بدّ أن يكون الصوم من أول الشهر بعد التلبس بالمتعة بلا خلاف ، لأنه لا يجوز تقديمه على سببه ، إذا الهدي هو بعد الإحرام فكيف يجوز بدله -
ص: 487
ولو من أول ذي الحجة ، ويستحب السابع وتالياه (1) ، وآخر وقتها آخر ذي الحجة (2) (وسبعة إذا رجع إلى أهله) (3) ...
______________________________________________________
- قبله ، نعم وقع الخلاف في زمن التلبس فهل هو بعد إحرام العمرة كما صرح به غير واحد - كما في الجواهر - لأن العمرة المتمتع بها صارت جزءا من حج التمتع فالدخول بها دخول بالحج ، ويشهد لذلك أن الأمر بصوم هذه الأيام قبل يوم التروية - كما سيأتي - وهو كاشف عن أنه قد تلبس بعمرة التمتع لأن المستحب هو جعل إحرام الحج يوم التروية ، وما ذهب إليه الشهيد والمحقق في النافع والشارح من كونه بعد التلبس بالحج فهو اجتهاد في مقابلة هذه الأدلة.
(1) يستحب أن تكون قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن متمتع لم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة أيام في الحج ، يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة) (1) ، وصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المتمتع لا يجد هديا ، قال : يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قلت : فإن قدم يوم التروية؟ قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : وما الحصبة؟ قال : يوم نفره ، قلت : يصوم وهو مسافر؟ قال : نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا ، إنا أهل بيت نقول ذلك لقوله الله عزوجل : ( فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ ) ، يقول في ذي الحجة) (2).
(2) بلا خلاف فيه ، لإطلاق قوله تعالى : ( فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ ) (3) ، وشهر ذي الحجة من أشهر الحج ، وفي خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام في حديث (إن الله قال : ( فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ ) ، قال : كان جعفر عليه السلام يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج) (4) ، ومما يدل على الحكم أيضا صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك) (5) ، وفي التذكرة : قول لبعض العامة بخروج وقتها بمضي يوم عرفة ولا ريب في ضعفه.
(3) بلا خلاف فيه ، ويدل عليه قوله تعالى : ( وَسَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ ) (6) ، ويتحقق ذلك الرجوع -
ص: 488
حقيقة ، أو حكما (1) كما لم يرجع فينتظر مدة لو ذهب لوصل إلى أهله عادة ، أو مضيّ شهر. ويفهم من تقييد الثلاثة بالموالاة دون السبعة عدم اعتبارها فيها (2) ،
______________________________________________________
- بالعود إلى الوطن ويدل عليه أخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله) (1) ، وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تمتع ولم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع إلى أهله) (2) ، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله) (3) ، وعن بعض العامة أنه يصوم السبعة إذا فرغ من أفعال الحج ، وعن البعض الآخر أنه يصوم إذا خرج من مكة سائرا في الطريق ، وهما مدفوعان بما سمعت.
(1) أي إذا لم يرجع إلى أهله فينتظر قدر وصوله إلى أهله أو يصوم السبعة بعد شهر ، وفي الذخيرة لا أعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله ، وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله ، أو شهرا ثم صام بعده) ((4).
(2) أي عدم اعتبار الموالاة في السبعة على المشهور ، لخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي الحسن عليه السلام : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد ، قال : صمها ببغداد ، قلت : أفرّقها؟ قال : نعم) (5) ، وهو مشتمل على محمد بن أسلم وهو غال فاسد الحديث كما في رجال النجاشي.
وعن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح أنهما أوجبا الموالاة في السبعة كالثلاثة ، وقواه في المختلف لخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال : يصوم الثلاثة الأيام لا يفرّق بينها ، والسبعة لا يفرق بينها) (5).
ص: 489
وهو أجود القولين ، وقد تقدم (1).
(ويتخير مولى) المملوك (المأذون له) في الحج (بين الإهداء عنه ، وبين أمره بالصوم) (2) ، لأنه عاجز عنه (3) ففرضه الصوم (4) لكن لو تبرع المولى بالإخراج أجزأ ، كما يجزي عن غيره (5) لو تبرع عليه (6) متبرع ، والنص ورد بهذا التخيير.
وهو دليل على أنه (7) لا يملك شيئا ، وإلا اتجه وجوب الهدي مع قدرته عليه ، والحجر عليه (8) غير مانع منه كالسفيه.
(ولا يجزئ) الهدي (الواحد إلا عن واحد ، ولو عند الضرورة) (9) على
______________________________________________________
(1) في المسألة الثامنة من كتاب الصوم.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح جميل (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع ، قال : فمره فليصم وإن شئت فاذبح عنه) (1) ، وصحيح سعد بن أبي خلف (سألت أبا الحسن عليه السلام قلت : أمرت مملوكى أن يتمتع ، فقال : إن شئت فاذبح عنه وإن شئت فمره فليصم) ((2).
(3) أي لأن العبد المأذون بالحج عاجز عن الهدي.
(4) وحكمه هنا حكم الحر ولا ينصّف عليه الصوم.
(5) عن غير العبد ممن وجب عليه الهدي ولم يجد.
(6) أي على ذلك الغير.
(7) أي أن العبد.
(8) دفع وهم ، والوهم هو أن العبد محجور عليه حتى لو قلنا بملكيته ، ودفعه : أن الحجر غير مانع منه لأن المال مال العبد حسب الفرض والأمر من قبل الله ، وحق الله مقدم على حق المولى.
(9) كما هو المشهور ، لصحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة ، قال : أما في الهدي فلا ، وأما في الأضحى فنعم) (3) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى) (4) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزي بمنى إلا عن واحد) (5).
وعن الشيخ في النهاية والمبسوط وموضع من الخلاف أنه يجزي عند الضرورة عن خمسة -
ص: 490
أصح الأقوال. وقيل : يجزئ عن سبعة وعن سبعين أولي خوان واحد. وقيل : مطلقا وبه روايات محمولة على المندوب جمعا كهدي القران قبل تعينه ، والأضحية فإنه يطلق عليها الهدي أما الواجب ولو بالشروع في الحج المندوب فلا يجزئ إلا عن واحد ، فينتقل مع العجز ولو بتعذره إلى الصوم.
(ولو مات) من وجب عليه الهدي قبل إخراجه (أخرج) عنه (من صلب المال) (1) أي من أصله وإن لم يوص به ، كغيره من الحقوق المالية الواجبة ، (ولو مات) فاقده (قبل الصوم صام الولي) (2) ، وقد تقدم بيانه في الصوم (عنه العشرة)
______________________________________________________
- وعن سبعة وعن سبعين ، وعن المفيد أنه تجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت واحد ، وعن سلّار تجزي البقرة عن خمسة وأطلق ، ودليلهم أخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام تجزى البقرة عن خمسة. بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد) (1) ، وصحيح حمران (عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة بمائة دينار ، فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك ، فقال : اشتركوا فيها ، قلت : كم؟ قال ما خفّ فهو أفضل ، فقلت : عن كم يجزي؟ فقال : عن سبعين) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (البدنة والبقرة يضحي بها تجزئ عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن غيرهم) (3) ، وظاهرها الضرورة ، وحملها على الأضحية المندوبة كما عليه المشهور تحكيما لأدلة وجوب الانتقال إلى البدل عند تعذر الهدي.
(1) لأنه من جملة الحقوق المالية كالدين ، فلا بد من إخراجه من أصل المال.
(2) ذهب ابن إدريس وأكثر المتأخرين - كما في المدارك - إلى وجوب قضاء الجميع لعموم ما دل على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام ، ولصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه) (4).
وذهب الشيخ وجماعة إلى وجوب صوم الثلاثة دون السبعة ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن رجل تمتع بالعمرة ولم يكن له هدي ، فصام ثلاثة أيام ، أعلى وليّه أن يقض عنه؟ قال : ما أرى عليه قضاء) (5) ، وقال في المنتهى (وهذه الرواية لا حجة فيها ، لاحتمال أن يكون موته قبل أن يتمكن من الصيام ، ومع هذا الاحتمال لا تبقى فيها دلالة على المطلوب) وقد استحسنه في المدارك ، وعن الصدوق أن قضاء الثلاثة -
ص: 491
على قول) لعموم الأدلة بوجوب قضائه ما فاته من الصوم.
(ويقوى مراعاة تمكنه منها) في الوجوب. فلو لم يتمكن لم يجب كغيره (1) من الصوم الواجب. ويتحقق التمكن في الثلاثة بإمكان فعلها في الحج ، وفي السبعة بوصوله إلى أهله ، أو مضي المدة المشترطة إن أقام بغيره (2) ومضي مدة يمكنه فيها الصوم ، ولو تمكن من البعض قضاه خاصة. والقول الآخر وجوب قضاء الثلاثة خاصة ، وهو ضعيف.
(ومحل الذبح) لهدي التمتع (والحلق منى (3) وحدّها من العقبة) وهي خارجة عنها (إلى وادي محسّر) (4) ، ويظهر من جعله حدا خروجه عنها أيضا والظاهر من
______________________________________________________
- على سبيل الاستحباب ، وهو ضعيف كما في المدارك.
(1) أي كغير هذا الصوم.
(2) أي بغير بلده.
(3) فمنى محل الذبح لهدي التمتع بلا خلاف فيه ، لخبر إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل قدم بهديه مكة في العشر فقال : إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد أشعره وقلده فلا ينحره إلا بمنى يوم الأضحى) (1) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه) (2) ، ومثلها غيرها وهي محل الحلق أو التقصير أيضا بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال : يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا) (3) ، وخبر أبي بصير (سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر) (4).
(4) بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وحد منى العقبة إلى -
ص: 492
كثير أنه منها (1).
(ويجب ذبح هدى القران متى ساقه وعقد به إحرامه) (2) بأن أشعره ، أو
______________________________________________________
- وادي محسّر) (1) ، وهو ظاهر في كون الوادي المذكور من حدود عرفة لا أنه محدود ، وهو المستفاد عن صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس (2) ومن الواضح عدم جواز الخروج عن المشعر الحرام قبل الطلوع وهو كاشف عن أن الراوي المذكور جزء من المشعر.
(1) أي أن الوادي من منى ، كما في خبر سماعة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا أكثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون إلى وادي محسّر) (3) وهو دال على أنه منها.
(2) قال الشارح في المسالك : (اعلم أن هدي القران لا يخرج عن ملك مالكه بشرائه وإعداده وسوقه لأجل ذلك قبل عقد الاحرام به اجماعا ، وأما إذا عقد إحرامه به بأن أشعره أو قلّده تعيّن عليه ذبحه أو نحره ، ولم يجز له إبداله على ما يظهر من جماعة من الأصحاب ، ويدل عليه أيضا صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام (إن كان أشعرها نحرها) ، ولهذا يجب ذبحه لو ضلّ فأقام غيره ثم وجده قبل ذبح الأخير ، والظاهر أنه مع ذلك لا يخرج عن ملكه ، وإن تعين الذبح لأصالة بقاء الملك ، ووجوب الذبح أو النحر لا ينافيه ، وتظهر الفائدة في جواز ركوبه وشرب لبنه ، وإنما يمتنع إبداله وإتلافه ويجب حفظه حتى يفعل به ما يجب سياقه وإن نسبه إلى جماعة ، وظاهره أن مجرد الاشعار يقتضي وجوب نحر الهدي وعدم جواز التصرف فيه بما ينافي ذلك وإن لم ينضم إليه السياق وبه قطع الشهيدان في الدروس والمسالك ، وهو المنقول عن الشيخ في النهاية وابن إدريس ، ولكن عن المحقق والعلامة في جملة من كتبه أنه لا يجب نحره ما لم ينضم السياق إلى إشعاره أو تقليده.
ويدل على الأول - كما أشار إليه الشارح في كلامه المنقول سابقا - صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتى منى فينحر ويجد هديه ، قال عليه السلام : إن لم يكن قد أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها) (4) ، ولا دليل على الثاني.
ص: 493
قلّده ، وهذا هو سياقه شرعا (1) ، فالعطف تفسيري وإن كان ظاهر العبارة تغايرهما ولا يخرج عن ملك سائقه بذلك (2) ، وإن تعين ذبحه فله ركوبه ، وشرب لبنه (3) ما لم يضرّ به ، أو بولده ، وليس له إبداله بعد سياقه المتحقق (4) بأحد الأمرين.
(ولو هلك) قبل ذبحه ، أو نحره بغير تفريط (لم يجب) إقامة (بدله) (5) ، ولو
______________________________________________________
(1) أي اشعاره أو تقليده هو السياق شرعا ، ولكن هو على خلاف قول المحقق والعلامة من أنه إذا اشعره أو قلّده فله إبداله والتصرف فيه ، نعم إذا ساقه فيتعين نحره ، قال المحقق في الشرائع (لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن اشعره أو قلّده ، ولكن متى ساقه فلا بدّ من نحره بمنى إن كان لإحرام الحج ، وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة بالحزورة) انتهى.
(2) أي بسوقه.
(3) للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( لَكُمْ فِيهٰا مَنٰافِعُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ) قال عليه السلام : (إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنّف عليها ، وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها) (1) ، وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يركب هديه إن احتاج إليه ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يركبها غير مجهد ولا متعب) (2) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال : احلبها حلبا غير مضرّ بالولد ، ثم انحرهما جميعا ، قلت : يشرب من لبنها؟ قال : نعم ويسقي إن شاء) (3).
(4) قد عرفت مغايرته لهما ، نعم ليس له ابداله بعد اشعاره أو تقليده وإن لم يسقه ، لصحيح الحلبي المتقدم.
(5) بلا خلاف فيه ، لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب ، قال : إن كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله) (4) ، وهو ظاهر في هدي القارن للحج ولم كان حجه واجبا لأن الهدي حينئذ تطوعا ، نعم إذا كان كفارة أو نذرا فيضمن ، ومثله صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر ، أيجزي عن صاحبه؟ فقال : إن كان تطوعا فلينحر وليأكل منه ، وقد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وعليه مكانه) (5).
ص: 494
فرّط فيه ضمنه ، (ولو عجز) عن الوصول إلى محله الذي يجب ذبحه فيه (ذبحه) (1) ، أو نحره وصرفه في وجوهه (2) في موضع عجزه ، (ولو لم يوجد) فيه مستحق (أعلمه علامة الصدقة) بأن يغمس نعله في دمه ، ويضرب بها صفحة سنامه أو يكتب رقعة ويضعها عنده يؤذن بأنه هدي ، ويجوز التعويل عليها (3) هنا في الحكم بالتذكية ، وإباحة الأكل ، للنص. وتسقط النية (4) المقارنة لتناول المستحق. ولا تجب الإقامة عنده (5) ...
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها ، أو عرض لها موت أو هلاك ، فلينحرها إن قدر على ذلك ، ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم ، حتى يعلم من مرّ بها أنها قد ذكيت ، فيأكل من لحمها إن أراد ، وإن كان الهدي الذي انكسر وهلك مضمونا ، فإن عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك ، والمضمون هو الشي ء الواجب عليك في نذر أو غيره ، وإن لم يكن مضمونا وإنما هو شي ء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانه إلا من يشاء أن يتطوع) (1) ، ومرسل حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (كل من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي ء عليه ، ينحره ويأخذ تقليد النعل فيغمسها في الدم فيضرب به صفحة سنامه ولا بدل له ، وما كان من جزاء الصيد أو نذر فعطب نعل مثل ذلك وعليه البدل) (2).
(2) إن أمكن وكان مستحقه موجودا ، لوجوب الصرف عند الشارح كما تقدم في هدي التمتع ، وإذا لم يوجد المستحق فإما يعلمه بلطخ سنامه بالدم وهذا ما دلت عليه الأخبار المتقدمة أو يكتب رقعة ويضعها عنده ، كما في صحيح حفص بن البختري (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي ، قال : ينحره ويكتب كتابا أنه هدي يضعه عليه ليعلم من مرّ به أنه صدقة) (3) ، ومثله خبر عمر بن حفص الكلبي (4).
(3) قال سيد المدارك : (ويستفاد من هذه الروايات جواز التعويل على هذه القرائن في الحكم بالتذكية وجواز الأكل منه ، ولا يجب الإقامة عنده إلى أن يوجد المستحق).
(4) لأنه يتعذر العلم بوقت تناوله وإنما تجب النية من دون المقارنة لقاعدة الميسور ، بناء على أنها إخطارية.
(5) عند المذبوح.
ص: 495
إلى أن يوجد (1) وإن أمكنت.
(ويجوز بيعه لو انكسر) (2) كسرا يمنع وصوله ، (والصدقة بثمنه) ووجوب ذبحه في محله (3) مشروط بإمكانه (4) ، وقد تعذر (5) فيسقط (6) والفارق بين عجزه وكسره في وجوب ذبحه وبيعه (7) النص (8).
(ولو ضل فذبحه الواجد) عن صاحبه في محله (9) (أجزأ) عنه (10)
______________________________________________________
(1) أي يوجد المستحق.
(2) استدل عليه بصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب ، أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي؟ قال : لا يبيعه ، فإن باعه تصدق بثمنه ويهدي هديا آخر) (1) ، وصحيح الحلبي (سألته عن الهدي الواجب إذا اصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه على هدي آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر) (2) ، ولهذين الخبرين ذهب الشيخ والفاضلان أنه لو كسر جاز بيعه والأفضل أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله.
وأشكل عليهم سيد المدارك بأن هذين الخبرين واردان في الهدي الواجب فيجب التصدق بثمنه وإقامة بدله ، وأما الهدي المتبرع به وهو هدي القارن وهو محل بحثنا فغير مشمول لهما بل قال : (وأما الهدي المتبرع به فلم أقف في جواز بيعه وأفضلية التصدق بثمنه أو إقامة بدله على رواية تدل عليه ، والأصح تعين ذبحه مع العجز عن الوصول وتعليمه بما يدل على أنه هدي ، سواء كان عجزه بواسطة الكسر أو غيره ، وما ادعاه الشارح - أي الشهيد الثاني في المسالك - من ورود النص بالفرق بين العجز والكسر غير جيد).
(3) أي في منى.
(4) أي بإمكان الذبح في منى.
(5) بسبب الكسر.
(6) أي يسقط الذبح.
(7) ذبحه بالنسبة للعجز ، وبيعه بالنسبة للكسر.
(8) وقد تقدم ، وقد عرفت عدم شموله للهدي التبرع وأن الحق هو عدم الفرق بين الكسر والعجز في ذبحه في محله مع محله مع تعليمه بأنه هدي.
(9) أي في محل الذبح.
(10) أي عن صاحبه.
ص: 496
للنص (1). أما لو ذبحه في غيره (2) ، أو عن غيره (3) ، أو لا بنيته (4) لم يجز ، (ولا يجزي ذبح هدي التمتع) من غير صاحبه لو ضل ، (لعدم التعيين) للذبح ، إذ يجوز لصاحبه إبداله قبل الذبح ، بخلاف هدي القران فإنه يتعين ذبحه بالإشعار ، أو التقليد ، وهذا هو المشهور (5).
______________________________________________________
(1) لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ منه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه) (1) ، وصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّفه يوم النحر والثاني والثالث ، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث) (2) ، وهذه الأخبار تدل على أنه لا بد من النية عن صاحب الهدي وأن يكون الذبح في منى ، وبإطلاق هذه الأخبار لا يشترط أن يكون الضلال بتفريط أو غيره ، ولا فرق بين كون الهدي واجبا على نحو الكفارة أو النذر ، أو مندوبا كهدي القارن.
(2) غير محل الذبح.
(3) أي عن غير صاحب الهدي فبالإضافة إلى ما تقدم ، يدل عليه خصوص مرسل جميل عن احدهما عليهما السلام (في رجل اشترى هديا فنحره فمرّ بها رجل فعرفه ، فقال : هذه بدنتي ضلّت منيّ بالأمس ، وشهد له رجلان بذلك ، فقال : له لحمها ولا يجزي عن واحد منهما ، ثم قال : ولذلك جرت السنة باشعارها وتقليدها إذا عرفت) (3).
(4) أي لا بنية الهدي.
(5) وفي الجواهر أنه لم نجده قولا لغير المحقق في كتابيه الشرائع والنافع ، والدليل عليه ما ذكره الشارح ، وقيل : إنه يجزي عنه إذا ذبح عن صاحبه كما اختاره الشيخ في النهاية وجماعة ، لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره قال : إذا كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه) (4) ، وصحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّفه يوم النحر والثاني والثالث ، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث) (5) ، وهما مطلقان يشملان هدي التمتع وهدي القارن ، وفيه : إنهما ظاهران في هدي القارن ولا أقل من الشك في ذلك فلا يحرز الاطلاق المدعى.
ص: 497
والأقوى وهو الذي اختاره في الدروس الإجزاء ، لدلالة الأخبار الصحيحة عليه. وحينئذ فيسقط الأكل منه ، ويصرف في الجهتين الأخريين (1) ، ويستحب لواجده تعريفه (2) قبل الذبح وبعده ما دام وقت الذبح باقيا ، ليدفع عن صاحبه غرامة الإبدال.
(ومحله) أي محل ذبح هدي القران (مكة إن قرنه) بإحرام (العمرة ، ومنى إن قرنه بالحج) (3) ويجب فيه ما يجب في هدي التمتع على الأقوى (4). وقيل : الواجب ذبحه خاصة إن لم يكن منذور الصدقة (5) ، وجزم به المصنف في
______________________________________________________
(1) بناء على وجوب تقسيمه أثلاثا كما تقدم.
(2) بل قيل بوجوب التعريف كما هو ظاهر النهاية للشيخ ، وفي الدروس أنه مستحب ، وعلله الشارح في المسالك (ولعل عدم الوجوب لإجزائه عن مالكه فلا يحصل بترك التعريف ضرر عليه ، ويشكل بوجوب ذبح عوضه عليه ما لم يعلم بذبحه ، ويمكن أن يقال : بعدم الوجوب قبل الذبح ، لكن يجب بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا اخذا بالجهتين) وكلها اعتبارات لم ترد في رواية ، نعم تقدم صحيح ابن مسلم المتضمن للأمر بالتعريف يوم النحر ويومين بعده ثم يذبحه عشية الثالث ، وظاهر الأمر الوجوب.
(3) بلا خلاف فيه ، جمعا بين موثق شعيب العقرقوفي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : شقت في العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال : بمكة) (1) ، وبين خبر عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا ذبح إلا بمنى) (2) ، ويستحب أن يكون في مكة بالحزورة على وزن قسورة لما ورد في صحيح ابن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق ، ومن ساق هديا وهو معتمر نحر هديه في المنحر ، وهو بين الصفا والمروة وهي الحزورة) (3) ، والحزورة تل خارج المسجد بين الصفا والمروة كما ذكره في المدارك.
(4) لموثق شعيب العقرقوفي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : شقت في العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال : بمكة ، قلت : فأي شي ء اعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث) (4) ، وحمل على الاستحباب بالعدم ذكر الأمور الثلاثة في أكثر الأخبار بل وفي الآية ، نعم الأكل يكفي مسماه لتعذر أكل تمام الثلث.
(5) لأنه لا يجوز الأكل من المنذور بل هو للمساكين لخبر أبي بصير (سألته عن رجل أهدى -
ص: 498
الدروس ، ثم جعل الأول (1) قريبا ، وعبارته هنا تشعر بالثاني ، لأنه جعل الواجب الذبح وأطلق.
(ويجزي الهدي الواجب عن الأضحية) (2) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء
______________________________________________________
- هديا فانكسر ، قال : إن كان مضمونا - والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء - فعليه فداؤه ، قلت : يأكل منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين) (1).
(1) وهو صرفه في الوجوه الثلاثة.
(2) الاضحية مستحبة استحبابا مؤكدا وهي واجبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة فهي من خواصه للنبوي المروي عند العامة (الاضحى عليّ فريضة وعليكم سنة) (2).
وعن ابن الجنيد وجوبها ، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير وهي سنة) (3) ، وهو محمول على شدة الاستحباب لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الاضحى ، أواجب هو على من وجد لنفسه وعياله؟ فقال : أما لنفسه فلا يدعه ، وأما لعياله إن شاء تركه) (4) ، وخبر العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رجلا سأله عن الاضحى ، فقال : هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد ، فقال له السائل : فما ترى في العيال ، فقال : إن شئت فعلت ، وإن شئت لم تفعل ، فأما أنت فلا تدعه) (5).
وأما اجزاء الهدي عن الاضحية فلصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (يجزيه في الاضحية هديه) وفي نسخة (يجزيك من الاضحية هديك) (6) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (يجزي الهدي عن الاضحية) (7) ، وقال في الجواهر : (ربما كان في لفظ الاجزاء إشعار أو ظهور فيما ذكره غير واحد من أن الجمع بينهما أفضل ، مضافا إلى ما قيل من أن فيه فعل المعروف ونفع المساكين) انتهى.
نعم عن جماعة اجزاء مطلق الهدي عنها كما هو الظاهر من الأخبار ، وعن العلامة في القواعد والشهيد في الدروس والمحقق في الشرائع تقييد الهدي بالواجب ، وعن النافع والتلخيص والتبصرة بهدي التمتع للانصراف وهو ممنوع.
ص: 499
المفتوحة فيهما. وهي ما يذبح يوم عيد الأضحى تبرعا وهي مستحبة استحبابا مؤكدا ، بل قيل : بوجوبها على القادر ، وروي استحباب الاقتراض لها وأنه دين مقضي (1) ، فإن وجب على المكلف هدي أجزأ عنها (والجمع) بينهما (أفضل) وشرائطها وسننها كالهدي.
(ويستحب التضحية بما يشتريه) (2) وما في حكمه (3) ، (ويكره بما يربيه) للنهي عنه ، ولأنه يورث القسوة ، (وأيامها) أي أيام الأضحية (بمنى أربعة أولها النحر ، وبالأمصار) وإن كان بمكة (ثلاثة) (4) أولها النحر كذلك. وأول وقتها من يوم النحر طلوع الشمس ومضي قدر صلاة العيد والخطبتين بعده (5) ، ولو فاتت لم
______________________________________________________
(1) أرسل الصدوق في الفقيه (جاءت أم سلمة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : يا رسول الله يحضر الأضحى ، وليس عندي ثمن الاضحية ، فأستقرض وأضحّي؟ قال : استقرضي فإنه دين مقضي) (1) ، ورواه في العلل بسند عن أبي الحسن موسى عليه السلام.
(2) لخبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام (قلت : جعلت فداك كان عندي كبش سمين لأضحي به ، فلما أخذته واضجعته نظر إليّ فرحمته ورققت له ، ثم إني ذبحته ، فقال لي : ما كنت لأحب لك أن تفعل ، لا تر بين شيئا من هذا ثم تذبحه) (2) ، ومرسل الصدوق عنه عليه السلام (لا يضحي إلا بما يشتري في العشر) (3).
(3) كالهبة.
(4) هذا قول علمائنا أجمع كما في المنتهى ، للأخبار منها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيام ، وسألته عن الاضحى في غير منى فقال : ثلاثة) (4) ، وموثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الاضحى بمنى؟ فقال : أربعة أيام ، وعن الاضحى في سائر البلدان ، فقال : ثلاثة أيام) (5) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (الاضحى ثلاثة أيام ، وأفضلها أولها) (6) ، وهو محمول على أنه في سائر البلدان.
(5) بعد طلوع الشمس ، لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : متى نذبح؟ قال : إذا انصرف الإمام ، قلت : فإذا كنت في ارض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال : إذا -
ص: 500
تقض (1) ، إلا أن تكون واجبة بنذر وشبهه (2) (ولو تعذرت) تصدق بثمنها (3) إن اتفق في الأثمان ما يجزي منها ، أو ما يريد إخراجه (4) (فإن اختلفت ، فثمن موزع عليها) بمعنى إخراج قيمة منسوبة إلى القيم المختلفة بالسوية فمن الاثنين النصف ، ومن الثلاث الثلث. وهكذا. فلو كان قيمة بعضها مائة ، وبعضها مائة وخمسين ، تصدّق بمائة وخمسة وعشرين ، ولو كانت ثالثة بخمسين تصدق بمائة. ولا يبعد قيام مجموع القيمة مقام بعضها لو كانت موجودة (5) ، وروي استحباب الصدقة بأكثرها (6) وقيل : الصدقة بالجميع أفضل ، فلا إشكال حينئذ في القيمة (ويكره)
______________________________________________________
- استعلت الشمس) (1) ، وهو محمول على الندب لجواز ذبح الأضحية في ثلاثة أو أربعة أيام للأخبار المتقدمة.
(1) قال في الجواهر (بل على المنتهى التصريح بفوات وقتها بفوات الأيام ، فإن ذبحها لم تكن أضحية ، وإذا فرّق لحمها على المساكين استحق الثواب على التفريق دون الذبح).
(2) كالعهد واليمين.
(3) وإن اختلفت اثمانها جمع بين الأعلى والوسط والأدنى وتصدق بثلث الجميع ، بلا خلاف فيه - كما في الجواهر - لخبر عبد الله بن عمر قال (كنا بمكة فأصابنا غلاء في الاضاحي ، فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد قليل ولا كثير ، فرقّع هشام المكاري رقعة إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا وإنا لم نجد بعد ، فوقع إليه : انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه) (2) ، وثلث القيمة منسوبة إلى ما كان من القيم ، فمن الاثنين النصف ومن الثلاثة ثلث وهكذا ، هذا مع اختلاف الأثمان ، وأما إذا اتفق الثمن فالرواية أجازت التصدق بالثمن على كل حال.
(4) إذ يجزي الماعز والغنم ولكن قد يكون عازما على الابل فالتصدق بثمن الإبل حينئذ.
(5) أي أن التصدق بجميع ثمنها لا ينافي التصدق بثلث لحمها عند وجودها لتغاير موضوع الحكمين مع أنه لا يبعد قيام مجموع القيمة مقام ثلث الأضحية لو كانت موجودة.
(6) لخبر أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الاضاحي فقال : كان علي بن الحسين وابو جعفر عليهم السلام يتصدقان بثلث على جيرانهم وثلث على السؤال ، وثلث يمسكانه لأهل البيت) ((3) ، والتصدق بالثلثين تصدق بالأكثر ، هذا هو المشهور ، وعن -
ص: 501
أخذ شي ء من جلودها وإعطاؤها الجزار) (1) أجرة. أما صدقة إذا اتصف بها فلا بأس ، وكذا حكم جلالها وقلائدها تأسيا بالنبي (ص) ، وكذا يكره بيعها (2) وشبهه ، (بل يتصدق بها) ، وروي جعله مصلى ينتفع به في البيت.
(وأما الحلق فيتخير بينه وبين التقصير ، والحلق أفضل) (3) الفردين الواجبين
______________________________________________________
- الشيخ في المبسوط الصدقة بالجميع أفضل ، وفي الجواهر لم نعرف له شاهدا بذلك.
(1) أي الجلود ، لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهم السلام (سألته عن جلود الاضاحي ، هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا ، قال : لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بثمنها) (1) ، وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ينتفع بجلد الاضحية ويشتري به المتاع ، وإن تصدق به فهو أفضل ، وقال : نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدنة ولم يعط الجزارين جلودها ولا قلائدها ولا جلالها ولكن تصدق به ، ولا تعط السلّاخ منها شيئا ولكن اعطه من غير ذلك) (2) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإهاب فقال : تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت ، ولا تعطه الجزارين ، وقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزارين ، وأمر أن يتصدق بها) (3).
فالخبر الأول دال على كراهة أخذ شي ء من الجلود ولو لجعله جرابا ، وهو دال على كراهة التصرف فيه سواء أخذه لنفسه أو باعه أو وهبه للغير لأن الجراب جعل كالمثال. ويكره إعطاؤه للجزار في قبال الاجرة لأن هذا هو المنصرف من الخبرين الاخيرين ، ولذا قال في المدارك (ولا يخفى أن كراهة إعطاء الجزارين منها إنما ثبت إذا وقع على سبيل الاجرة ، أما لو أعطاه صدقة وكان مستحقا لذلك فلا بأس) ، ويكره إعطاؤه قلائدها وجلالها أيضا ، وقال في مصباح المنير (وجلّ الدابة كثوب الإنسان يلبسه يقيه البرد ، والجمع جلال وأجلال) ، ويستفاد من الخبر الأخير أنه لا بأس بجعل الجلود مصلى.
(2) أي الجلود.
(3) خصوصا للصرورة والملبّد على المشهور ، لظاهر قوله تعالى : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (4) ، والجمع غير مراد بالاتفاق فيثبت التخيير ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية : اللهم اغفر للمحلّقين مرتين ، قيل : -
ص: 502
تخييرا (خصوصا للملبّد) شعره ، وتلبيده هو أن يأخذ عسلا وصمغا ويجعله في رأسه ، لئلا يقمل أو يتسخ (والصرورة) وقيل : لا يجزئهما إلا الحلق ، للأخبار الدالة عليه ، وحملت على الندب جمعا (1) (ويتعين على المرأة التقصير) (2) فلا يجزئها الحلق ، حتى لو نذرته لغى (3) ، كما لا يجزي الرجل في عمرة التمتع (4) وإن
______________________________________________________
- وللمقصّرين يا رسول الله ، قال : وللمقصّرين) (1) ، والدعاء مرتين دال على أفضلية الحلق.
وأما تأكد الحلق في الصرورة والملبّد فللأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فإن شاء قصّر وإن شاء حلق) (2) ، وهو ظاهر في الاستحباب بقرينة (ينبغي) ، وعن الشيخ وابن حمزة أنه لا بد من الحلق للصرورة والملبّد ، وعن المفيد ذكر الصرورة فقط ، وعن ابن أبي عقيل ذكر الملبّد والمعقوص ، للأخبار منها : صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق) (3) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحج) (4) ، وصحيح أبي سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام (يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبّد ، ورجل حج بدوا لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه) (5) ، وهو الأولى للتعبير بالوجوب.
(1) عند التعارض ، ولكن صحيح معاوية المشتمل على لفظ (ينبغي) غير معارض للأخبار المصرحة بالوجوب ، فيتعين الحلق.
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير) (6) ، وما رواه حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : (يا علي ليس على النساء جمعة - إلى أن قال - ولا استلام الحجر ولا الحلق) (7).
(3) لأنه غير مشروع في حقها.
(4) لتعين التقصير عليه ، ويشهد له صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وليس في المتعة إلا التقصير) (8)
ص: 503
نذره ، ويجب فيه النية (1) المشتملة على قصد التحلل من النسك المخصوص متقرّبا ، ويجزي (2) مسمّاه كما مرّ (3) ، (ولو تعذر) فعله (في منى) في وقته (4) (فعل بغيرها) (5) وجوبا ، (وبعث بالشعر إليها ليدفن) فيها (مستحبا) (6) ...
______________________________________________________
(1) لأنه عبادي بلا خلاف فيه.
(2) بالنسبة للتقصير ، وذلك لتحقق الامتثال بذلك بعد ورود الأمر بمطلق التقصير ، نعم المستحب أن يكون بقدر الانملة ، لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (تقصر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة) (1) ، وعن ابن الجنيد أنه لا يجزي في المرأة ما دون القبضة ، وقال في الجواهر (لم نعرف له مأخذا).
(3) في تقصير العمرة.
(4) ووقته يوم النحر بعد الهدي على المشهور ، وعن أبي الصلاح جوّز تأخيره إلى آخر أيام التشريق ولكن لا يزور البيت قبله ، واستحسنه العلامة في التذكرة والمنتهى ، وهو ضعيف للأخبار الآمرة بالذبح بعد الحلق ، مثل خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك) ((2).
(5) إن لم يمكن الرجوع إلى منى ، وإلا فإذا أمكن وجب الرجوع إلى منى بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر أبي بصير (سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر) (3) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا) (4).
وأما مع عدم التمكن من الرجوع حلق مكانه أو قصّر بلا خلاف ولا إشكال لسقوط التكليف بالرجوع المشروط بالقدرة المنتفية بحسب الفرض.
(6) ذهب الشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع إلى أن بعث الشعر إلى منى واجب ، لصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يحلق رأسه بمكة ، قال : يردّ الشعر إلى منى) (5) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى وليس عليه شي ء) (6).
ص: 504
فيهما (1) من غير تلازم ، فلو اقتصر على أحدهما تأدت سنته خاصة.
(ويمرّ فاقد الشعر الموسى على رأسه) (2) مستحبا إن وجد ما يقصّر
______________________________________________________
- وعن المحقق في النافع والعلامة في المنتهى أنه مستحب جمعا بين ما تقدم وبين خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى ، فقال : ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى) (1) ، ولأنه مختص بحال النسيان استوجه العلامة في المختلف وجوب بعث الشعر إلى منى إن كان خروجه عمدا ، واستحبابه إذا كان الخروج على جهة النسيان ، وهو ضعيف السند فلا يصلح لمعارضة ما دل على وجوب البعث.
وأما دفن الشعر بمنى فقد قطع الأكثر باستحبابه ، وأوجبه الحلبي ، والمستند صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كان علي بن الحسين عليه السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ويقول : كانوا يستحبون ذلك) (2) ، فإذا استحب دفنه لمن كان في منى فهو مستحب لمن كان خارجها.
(1) في البعث والدفن.
(2) لا خلاف في سقوط الحلق على من ليس في رأسه شعر لعدم موضوعه ، وإنما اختلفوا في أن إمرار الموسى على رأسه واجب أو مستحب ، فذهب الأكثر إلى الاستحباب ، ونقل العلامة في التذكرة الوجوب عن أبي حنيفة ومال إليه ، وذهب المحقق والشهيد الثانيان إلى أنه من حلق في إحرام العمرة فيجب عليه الإمرار في إحرام الحج ، وأما الاقرع فيستحب له الإمرار.
والاصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن زرارة (إن رجلا من أهل خراسان قد حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي فاستفتي له أبو عبد الله عليه السلام ، فأمر أن يلبي ويمرّ الموسى على رأسه ، فإن ذلك يجزي عنه) (3) ، والخبر ضعيف لاشتمال سنده على ياسين الضرير وهو مجهول ، فلا يصلح لإثبات الوجوب.
واستدل للوجوب من أن ذا الشعر يجب عليه إزالة الشعر وإمرار الموسى على رأسه فلا يسقط الأخير بفوات الأول وهو ضعيف جدا لأن الواجب من الإمرار ما يكون في ضمن الحلق لا مطلقا ، والمفروض عدم الحلق لعدم موضوعه ، وأما التفصيل بين من حلق في إحرام العمرة فيجب الإمرار وبين الأقرع فيستحق فقد ذكر الشارح في المسالك
ص: 505
منه (1) غيره (2) ، وإلا وجوبا ، ولا يجزي الإمرار مع إمكان التقصير لأنه (3) بدل عن الحلق اضطراري ، والتقصير قسيم اختياري ، ولا يعقل إجزاء الاضطراري مع القدرة على الاختياري. وربما قيل : بوجوب الإمرار على من حلق في إحرام العمرة وإن وجب عليه التقصير من غيره (4) لتقصيره بفعل المحرم (5).
(ويجب تقديم مناسك منى) الثلاثة (على طواف الحج (6) فلو أخرها) عنه
______________________________________________________
- بوجود رواية تدل على هذا التفصيل وأن العمل بها أولى ، وقال في المدارك (ولم نقف عليها في شي ء من الأصول ولا نقلها غيره).
(1) كالظفر وشعر الذقن.
(2) أي غير الرأس.
(3) أي الإمرار.
(4) من غير الرأس.
(5) وهو الحلق في عمرة التمتع.
(6) وعلى السعي بلا خلاف فيه ، وقال في المدارك (لا ريب في وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت للتأسي والأخبار الكثيرة) ، وقال في الجواهر بالنسبة لهذا الكلام (ولعل مراده ما تسمعه من النصوص الآمرة بإعادته للناسي أو مطلقا ، وبالشاة للعالم).
والصور ثلاث ، الأولى : أن يكون عالما بالحكم وقد أتى بالطواف قبل المناسك عامدا عالما ، فيبطل الطواف وعليه إعادته بعد المناسك وعليه شاة ، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل زار البيت قبل أن يحلق ، فقال : إن كان زار البيت قبل أن يحلق ، وهو عالم أن ذلك لا ينبغي ، فإن عليه دم شاة) (1) ، وأما إعادة الطواف لأنه وقع منهيا عنه فيقع فاسدا.
الصورة الثانية : أن يكون ناسيا فالمعروف من مذهب الأصحاب إعادة الطواف فقط بعد الحلق ، لإطلاق صحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ، ما حالها ، وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : لا بأس به ، يقصر ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة ، ثم قد أحلّ من كل شي ء) (2) ، ولا دم عليه كما هو صريح الخبر وهو مما لا خلاف فيه ، فقول المحقق في الشرائع (على الأظهر) الدال على وجود خلاف ليس في محله ، ولذا قال في المدارك
ص: 506
عامدا فشاة ، ولا شي ء على الناسي ، ويعيد الطواف) كل منهما العامد اتفاقا ، والناسي على الأقوى. وفي الحاق الجاهل بالعامد والناسي قولان ، أجودهما الثاني في نفي الكفارة ، ووجوب الإعادة ، وإن فارقه في التقصير (1) ، ولو قدم السعي (2) أعاده أيضا على الأقوى (3) ولو قدم الطواف أو هما (4) على التقصير فكذلك (5) ، ولو قدمه (6) على الذبح ، أو الرمي ففي الحاقة بتقديمه (7) على التقصير خاصة وجهان. أجودهما ذلك (8). هذا كله في غير ما استثني سابقا من تقديم المتمتع
______________________________________________________
- (ومقتضى كلام المصنف تحقق الخلاف في المسألة ولم أقف على مصرح به).
الصورة الثالثة : أن يكون جاهلا فلا دم عليه لأصالة البراءة ، وقد وقع الخلاف في إعادة الطواف ، فعن الشارح في المسالك أنه تجب الإعادة لإطلاق صحيح علي بن يقطين المتقدم فيكون حكمه حكم الناسي ، وعن الصدوق عدم وجوب الاعادة لصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق فقال : لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج) (1) ، وهو غير صريح في نفي وجوب الإعادة.
(1) أي أن حكم الجاهل حكم الناسي غير أن الجاهل مقصّر مذنب لتركه التعلم بخلاف الناسي.
(2) قدمه على مناسك منى ، أعاده لتوقف الامتثال عليه لأن الأمر بالسعي بعد الحلق والتقصير.
(3) لم أجد من تعرض لهذا الفرع في الكتب الفقهية الجامعة.
(4) أي الطواف والسعي.
(5) أي يعيد وهو مورد الأخبار المتقدمة.
(6) أي الطواف.
(7) أي بتقديم الطواف على التقصير كما هو مورد الأخبار المتقدمة.
(8) أي الإلحاق للأولوية لما في المسالك والمدارك وغيرهما. لأن من قدم الطواف على الذبح يصدق عليه أنه قدمه على التقصير فيكون مشمولا للأخبار المتقدمة.
ص: 507
لهما (1) اضطرارا وقسيميه (2) مطلقا (3).
(وبالحلق) بعد الرمي والذبح (يتحلل) من كل ما حرّمه الإحرام ، (إلا من النساء والطيب والصيد) (4) ولو قدمه عليهما (5) ، أو وسّطه بينهما ، ففي تحلله به (6) أو توقفه على الثلاثة (7) قولان ، أجودهما الثاني ، (فإذا طاف) طواف الحج ،
______________________________________________________
(1) للطواف والسعي.
(2) من القران والافراد.
(3) اضطرارا أو اختيارا.
(4) نسب إلى الأكثر بل إلى المشهور ، وعن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلا النساء والطيب ، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا الصيد) (1) ، والمراد منه الصيد الحرمي لا الإحرامي كما هو واضح ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (اعلم أنك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كل شي ء إلا النساء والطيب) (2).
وعن الشيخ في التهذيب أنه يحل له كل شي ء ما عدا النساء والطيب فقط ، وصحيح معاوية المتقدم يدفعه ، وعن الصدوقين أنه بالرمي يتحلل من كل شي ء إلا من الطيب والنساء ويشهد له خبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (إذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ لك كل شي ء حرم عليك إلا النساء) (3) ، وهي محمولة على من حلق وطاف جمعا بين الأخبار.
(5) أي هل يثبت التحلل بعد الحلق مطلقا أو لا يثبت بعده إلا بإكمال الثلاثة التي هي مناسك منى ، ذهب الشيخ وابن الجنيد والفاضلان وسيد المدارك وجماعة إلى أن التحلل لا يثبت بعد الحلق إلا بعد إكمال الثلاثة ، وهذا ما دل عليه صحيح معاوية المتقدم وعن المقنع والتحرير والمنتهى وكشف اللثام عدم اشتراط إكمال الثلاثة ، وقال صاحب الجواهر (وإن كان محجوجا بما عرفت).
(6) بالحلق.
(7) أي توقف التحلل على إكمال الثلاثة.
ص: 508
(وسعى) سعيه (حل الطيب) (1) ، وقيل : يحل بالطواف خاصة ، والأول أقوى للخبر الصحيح.
هذا إذا أخر الطواف والسعي عن الوقوفين. أما لو قدمهما (2) على أحد الوجهين (3) ففي حله من حين فعلهما ، أو توقفه على أفعال منى وجهان. وقطع المصنف في الدروس بالثاني وبقي من المحرمات النساء والصيد (فإذا طاف النساء حللن له) إن كان رجلا (4) ، ولو كان صبيا (5) فالظاهر أنه كذلك من حيث
______________________________________________________
(1) على المشهور ، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم ، ومثله غيره ، وعن النافع والقواعد والمبسوط والانتصار أنه بعد الطواف خاصة ، لخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كنت متمتعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت) (1) ، وهو لا يقاوم الطائفة الأولى.
(2) قال سيد المدارك : (وإنما يحلّ الطيب بالطواف والسعي إذا تأخر عن الموقوفين ومناسك منى ، أما مع التقديم كما في القارن والمفرد مطلقا ، والمتمتع مع الاضطرار ، فالأصح عدم حلّه بذلك ، بل يتوقف على الحلق المتأخر عن باقي المناسك ، تمسكا باستصحاب حكم الإحرام إلى أن يثبت المحلّل ، والتفاتا إلى إمكان كون المحلّل هو المركب من الطواف والسعي وما قبلهما من الأفعال ، بمعنى كون السعي آخر العلة ، وذهب بعض الأصحاب إلى حل الطيب بالطواف وإن تقدم ، واستوجهه الشارح قدس سره وهوضعيف).
(3) وهما اضطرارا في التمتع ، ومطلقا في القران والافراد.
(4) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم أخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت بالمروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط ، فتبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلى البيت وطف به اسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، ثم قد أحللت من كل شي ء وفرغت من حجك كله ، وكل شي ء أحرمت منه) (2) ، وهو ظاهر في الرجل.
(5) صرح بعضهم بحرمة النساء على المميّز لو ترك طواف النساء ، بل ادعى العلامة عليه -
ص: 509
الخطاب الوضعي وإن لم يحرمن عليه حينئذ فيحرمن بعد البلوغ بدونه إلى أن يأتي به.
وأما المرأة فلا إشكال في تحريم الرجال عليها بالإحرام ، وإنما الشك في المحلل. والأقوى أنها كالرجل (1) ، ولو قدّم طواف النساء على الوقوفين ففي
______________________________________________________
- الاجماع وقال في الجواهر : (لا إشكال في الحل إذا لم يتركه ، إذ كما أن إحرامه يصلح سببا للحرمة الشرعية أو مطلقا فكذا طوافه يصلح سببا للحل).
وأما غير المميّز فكذلك كما عن جماعة ، وعن بعضهم العدم لعدم شرعية إحرامه لكون فعله تمرينيا ، وهو ضعيف.
(1) كما صرح به علي بن بابويه في الرسالة وغير واحد من المتأخرين لقاعدة الاشتراك ، ولصحيح جماعة - وهم العلاء بن صبيح وعبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب وعبد الله بن صالح - عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت - إلى أن قال - ثم خرجت إلى منى فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت ، طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ، ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحلّ منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت طوافا آخر حلّ لها فراش زوجها) (1) ، وخبر عجلان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها)(2)(2) ، وصحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة عليهم طواف النساء؟ قال : نعم عليهم الطواف كلهم) (3) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لو لا ما منّ الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم ، ولا ينبغي لهم أن يمسّوا نسائهم ، يعني لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت اسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة ، وذلك على الرجال والنساء واجب) (4).
وعن القواعد والمختلف التوقف فيه لعدم الدليل ، بل الشارح في المسالك استوجهه نظرا إلى أن الأخبار الدالة على حلّ الجميع ما عدا الطيب والنساء بالحلق شامل للمرأة ، ولازمه أن حل الرجال لهنّ يكون قد تحقق بالحلق ، وفيه : إن هذه الأخبار مخصوصة بالرجل وتستفاد أحكام النساء من أدلة أخرى كالأخبار الخاصة أو قاعدة الاشتراك ، وكلاهما موجود.
ص: 510
حلهن به ، أو توقفه على بقية المناسك الوجهان (1) ، ولا يتوقف المحلل على صلاة الطواف عملا بالإطلاق (2) ، وبقي حكم الصيد (3) غير معلوم من العبارة وكثير من غيرها والأقوى حلّ الإحرامي منه بطواف النساء.
(ويكره له لبس المخيط قبل طواف الزيارة) وهو طواف الحج ، وقبل السعي أيضا (4) ، وكذا يكره تغطية الرأس ، والطيب حتى يطوف للنساء (5).
______________________________________________________
(1) قال في المسالك (لو قدم الحاج طواف النساء حيث يسوّغ له ذلك ، ففي حلهن بفعله أو توقفه على الحلق أو التقصير نظر من تعليق الحل عليه مطلقا ، ومن إمكان كون الحل هو المركب من الأفعال السابقة) وقد عرفت أن الثاني هو المنصرف من الأخبار.
(2) بإطلاق الأخبار وقد تقدم بعضها كصحيح معاوية بن عمار.
(3) قال في المسالك : (فبقي الصيد غير معلوم من العبارة ، وشاركها في ذلك أكثر العبارات تبعا لإطلاق النصوص ، وفي حكمه حينئذ خلاف ، فذكر العلامة أنه يحلّ بطواف النساء ، وذكر أنه مذهب علمائنا وتبعه عليه المتأخرون ، وروى الصدوق تحريم الصيد بعد طواف النساء ، وصرح ابن الجنيد بتحريم الصيد أيام منى وإن أحلّ ، والمختار الأول ، هذا كله حكم الصيد الذي حرّمه الإحرام ، وأما الذي حرم بالحرم فهو باق ما دام فيه) ، وعن البعض ومال إليه في الجواهر أن الصيد يحلّ بالحلق لإطلاق الأخبار السابقة التي أحلت كل شي ء ومنه الصيد إلا النساء والطيب بعد الحلق.
(4) لخبر إدريس القمي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن مولى لنا تمتع فلما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت ، فقال : بئس ما صنع ، فقلت : أعليه شي ء؟ قال : لا ، قلت : فإني رأيت ابن أبي سماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفان وقباء ومنطقة ، فقال : بئس ما صنع ، قلت : أعليه شي ء؟ قال : لا) (1) ، وصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق ، أيغطي رأسه؟ فقال : لا ، حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، قيل له : فإن كان فعل ، قال : ما أرى عليه شيئا) (2)، وصحيح ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق فقال : لا يغطي رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن أبي عليه السلام كان يكره ذلك وينهى عنه ، فقلنا : فإن كان فعل؟ فقال : ما أرى عليه شيئا) (3) ، وهذه الأخبار محمولة على الكراهة جمعا بينها وبين الأخبار التي دلت على أنه قد حل له كل شي ء بالحلق ما عدا النساء والطيب.
(5) لصحيح محمد بن إسماعيل (كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : هل يجوز للمحرم -
ص: 511
(القول في العود إلى مكة للطوافين والسعي)
(يستحب تعجيل العود من يوم النحر) متى فرغ من مناسك منى (إلى مكة) ليومه (1) ، (ويجوز تأخيره إلى الغد (2) ، ثم يأثم المتمتع) إن أخره (بعده) في المشهور (3) ...
______________________________________________________
- المتمتع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال : لا) (1) ، وهي محمولة على الكراهة جمعا بينه وبين ما دل على حل الطيب بعد طواف الزيارة.
(1) لموثق إسحاق بن عمار (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث ، قال : تعجيلها أحبّ إليّ ، وليس به بأس إن أخّره) (2).
(2) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال : يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر ، والمفرد والقارن ليسا بسواء موسع عليهما) (3)، ولكن يكره له التأخير لصحيح معاوية بن عمار الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (في زيارة البيت يوم النحر ، قال : زره ، فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد ، ولا تؤخر أن تزور من يومك ، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر ، وموسع للمفرد أن يؤخره) (4) ، وصحيح عمران الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته ولا يؤخر ذلك اليوم) (5).
(3) لظاهر النهي في الأخبار المتقدمة ، وعن ابن إدريس الكراهة وأنه يجوز تأخيره طول ذي الحجة ، ونسبه في المدارك إلى الاستبصار والمختلف وسائر المتأخرين أيضا جمعا بين ما تقدم وبين صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر ، إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض) (6) ، وصحيح عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح ، فقال : لا بأس ، أنا ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا يقرب النساء والطيب) (7)، وقريب منه صحيح هشام بن الحكم أو سالم (8)، وأجاب البعض بحملها على القارن والمفرد ، وهو بعيد جدا خصوصا ما وقع من تأخير المعصوم عليه السلام بعد الالتفات إلى أن حجه حج تمتع ، نعم لا يجوز التأخير عن ذي الحجة لما تقدم من أن ذي الحجة من أشهر
ص: 512
أما القارن والمفرد فيجوز لهما تأخيرهما طول ذي الحجة (1) لا عنه ، (وقيل : لا أثم) على المتمتع في تأخيره عن الغد ، (ويجزئ طول ذي الحجة) كقسيميه. وهو الأقوى لدلالة الأخبار الصحيحة عليه ، واختاره المصنف في الدروس وعلى القول بالمنع لا يقدح التأخير في الصحة وإن أثم (2).
(وكيفية الجميع (3) كما مر) في الواجبات والمندوبات ، حتى في سنن دخول مكة من الغسل ، والدعاء ، وغير ذلك (4) ويجزي الغسل بمنى (5) ، بل غسل النهار ليومه ، والليل لليلته ما لم يحدث فيعبده (6) (غير أنه هنا ينوي بها) أي بهذه
______________________________________________________
- الحج ، وقال تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ ) (1) فيجوز إيقاع أفعاله فيه مطلقا إلا ما خرج بالدليل.
(1) بعد كونه من أشهر الحج كما عرفت مضافا إلى صحيح معاوية المتقدم (فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر ، وموسع للمفرد أن يؤخره) (2) ، وصحيحه الآخر المتقدم (والمفرد والقارن ليسا بسواء ، موسع عليهما) (3).
(2) لمخالفة النهي المدعى ، وعدم البطلان لوقوعه في ذي الحجة وهو من أشهر الحج.
(3) من الطوافين والسعي.
(4) ففي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (ثم احلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخذ من شاربك وزر البيت ، وطف اسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكة) (4).
(5) لخبر الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الغسل إذا زرت البيت من منى ، فقال : أنا اغتسل بمنى ثم أزور البيت) (5).
(6) لصحيح عبد الرحمن (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يغتسل للزيارة ثم ينام أيتوضأ قبل أن يزور؟ قال : يعيد غسله) (6)، وموثق إسحاق بن عمار (سألت أبا الحسن عليه السلام عن غسل الزيارة يغتسل الرجل بالليل ويزور بالليل بغسل واحد ، أيجزيه ذلك؟ قال : يجزيه ما لم يحدث ما يوجب وضوءا ، فإن أحدث فليعد غسله بالليل) (7) -
ص: 513
المناسك (1) (الحج) أي كونها مناسكه ، فينوي طواف حج الإسلام حجّ التمتع ، أو غيرهما من الافراد ، مراعيا للترتيب ، فيبدأ بطواف الحج ، ثم بركعتيه ، ثم السعي ، ثم طواف النساء ، ثم ركعتيه (2).
القول في العود إلى منى
(ويجب بعد قضاء مناسكه بمنى العود إليها) هكذا الموجود في النسخ.
والظاهر أن يقال : بعد قضاء مناسكه بمكة العود إلى منى ، لأن مناسك مكة
______________________________________________________
- وخبره الآخر عنه عليه السلام (سألته عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد ، قال : يجزيه إن لم يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوء - كذا - فليعد غسله) (1) ، والأخير ظاهر في إجزاء غسل النهار لليوم والليلة.
(1) من الطوافين والسعي.
(2) ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فإذا أتيت البيت يوم النحر فقمت على باب المسجد قلت : اللهم أعني على نسكي وسلّمني له ، وسلّمه لي ، اسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي ، وأن ترجعني بحاجتي ، اللهم إني عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك وأؤمّ طاعتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك ، اسألك مسألة المضطر إليك المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك ، أن تبلغني عفوك وتجيرني من النار برحمتك ، ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله ، فإن لم تستطع فاستقبله وكبّر ، وقل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة ، ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وضعت لك يوم قدمت مكة ، ثم صل عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين ، تقرأ فيهما بقل هو الله وقل يا أيها الكافرون ، ثم ارجع إلى الحجر الأسود فقبّله إن استطعت واستقبله وكبّر ، ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه وأضع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلى البيت وطف به اسبوعا آخر ، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، ثم قد أحللت من كل شي ء ، وفرغت من حجك كله وكل شي ء أحرمت منه). (2)
ص: 514
متخللة بين مناسك منى أولا وآخرا. ولا يحسن تخصيص مناسك منى مع أن بعدها (1) ما هو أقوى (2) ، وما ذكرناه عبارة الدروس وغيرها ، والأمر سهل. وكيف كان فيجب العود إلى منى إن كان خرج منها (للمبيت بها ليلا) (3) ليلتين ، أو ثلاثا كما سيأتي تفصيله ، مقرونا بالنية (4) المشتملة على قصده في النسك المعين بالقربة بعد تحقق الغروب ، ولو تركها (5) ففي كونه كمن لم يبت ، أو يأثم خاصة مع التعمد وجهان : من تعليق (6) وجوب الشاة على من لم يبت ، وهو حاصل بدون النية ، ومن عدم (7) الاعتداد به شرعا بدونها ، (ورمي الجمرات الثلاث نهارا) في كل يوم (8) يجب مبيت ليلته.
______________________________________________________
(1) وهو مناسك مكة.
(2) لأن العود بعدها ذاتا ، بخلاف العود بعد مناسك منى الأولية فإن العدد بعدها وبعد مناسك مكة.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى) (1) ، وخبر مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (إن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل سقاية الحاج) (2) ، ونقل عن الشيخ في التبيان استحباب المبيت وهو نادر كما في المدارك.
(4) قال في الجواهر (فتجب فيه النية التي هي الأصل في كل مأمور به ، وقد نص عليه في الدروس وغيرها) ، وهذا بناء على أصالة التعبدي في كل واجب وهو ضعيف ، نعم إن قام إجماع على اشتراط النية أو قيل بأن المبيت جزء من الحج العبادي فتجب فيه النية لأنه عبادي لأمكن المصير إلى اشتراطها.
(5) أي النية ، قال في الجواهر : (فإن أخلّ بالنية عمدا أثم ، وفي الفدية وجهان كما في المسالك ، بل نفى فيها البعد من عدم الفدية ، ولعله للأصل وعدم معلومية شمول إطلاق ما دل على لزوم الفدية بترك المبيت لمثله ، لانصرافه بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي لا الحكمي).
(6) تعليل لعدم وجوب الفدية.
(7) تعليل لوجوب الفدية.
(8) بلا خلاف فيه ، للأخبار التي سيأتي ذكر بعضها.
ص: 515
(ولو بات بغيرها فعن كل ليلة شاة) (1) ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المختار ، والمضطر في وجوب الفدية ، وهو ظاهر الفتوى والنص (2) ، وإن جاز مريض ، ويحتمل سقوط الفدية عنه ، وربما بني الوجهان (3) على أن الشاة هل هي كفارة (4) ، أو فدية وجبران (5) فتسقط على الأول دون الثاني ، أما الرعاة وأهل سقاية العباس فقد رخص لهم في ترك المبيت من غير فدية (6).
ولا فرق في وجوبها بين مبيته بغيرها (7) لعبادة وغيرها (إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة) (8) ...
______________________________________________________
(1) هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك ، للأخبار منها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهم السلام (عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح ، قال : إن كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه) (1).
(2) قال في الجواهر : (ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي ما صرح به بعض من عدم الفرق في ذلك بين الجاهل والناسي والمضطر وغيرهم) ، وعن بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد كما في جامع المقاصد والمدارك أن الجاهل لا شي ء عليه ، وفي المدارك : (وفي سقوطها - أي الفدية - عن المضطر وجهان ، اظهرهما ذلك ، تمسكا بمقتضى الأصل ، والتفاتا إلى انتفاء العموم في الأخبار المتضمنة للفدية على وجه يتناول المضطر ، وأن الظاهر كون الفدية كفارة عن ترك الواجب ، وهو منتف هنا).
(3) من وجوب الفدية المضطر وسقوطها عنه.
(4) أي كفارة لترك الواجب ، وهو ساقط عن المضطر.
(5) أي بدل عن المبيت ، وهو يشمل المضطر ، ولكن قد عرفت من قال بثبوت الفدية للمفطر إنما قال به تمسكا بعموم الأخبار المدعى ، ومن قال بالعدم إنما قال به لعدم العموم مع جريان الأصل لنفيها.
(6) أما السقاية فقد تقدم خبر مالك بن أعين (2) المتضمن للرخصة ، ولا خصوصية للباس بل يشمل كل عامل على السقاية ، وأما الرعاة فقد قال في الجواهر (وفحوى الرخصة للرعاة والسقاية فإن العامة روت ترخصهم) ، وعن الخلاف والمنتهى نفي الخلاف فيه.
(7) بغير منى.
(8) على المشهور ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل
ص: 516
الواجبة ، أو المندوبة (1) مع استيعابه الليلة بها (2) إلا ما يضطر إليه من أكل ، وشرب ، وقضاء حاجة ، ونوم يغلب عليه ، ومن أهم العبادة الاشتغال بالطواف والسعي (3) ، لكن لو فرغ منهما قبل الفجر وجب عليه إكماله (4) بما شاء من العبادة (5). وفي جواز رجوعه بعده (6) إلى منى ليلا (7) نظر : من استلزامه فوات جزء من الليل بغير أحد الوصفين ، أعني المبيت بمنى وبمكة متعبدا ، ومن أنه تشاغل بالواجب ويظهر من الدروس جوازه وإن علم أنه لا يدرك منى إلا بعد انتصاف الليل.
ويشكل بأن مطلق التشاغل بالواجب غير مجوز.
______________________________________________________
- زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر ، قال : ليس عليه شي ء ، كان في طاعة الله عزوجل) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبيت إلا بمنى ، إلا أن يكون شغلك في نسكك) (2).
وأوجب ابن إدريس الدم على المشتغل بمكة بالعبادة للعموم ولكنه ضعيف بما سمعت من الأخبار.
(1) لعموم الأخبار المتقدمة.
(2) بالعبادة كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة وقد نص عليه الشهيدان في الدروس والمسالك ، ويستثنى من ذلك ما يضطر إليه من غداء أو شرب أو نوم يغلب عليه حملا للنصوص على الغالب.
(3) كما يقتضيه صحيح معاوية بن عمار المتقدم.
(4) أي إكمال الليلة.
(5) بناء على استيعاب الليلة بالعبادة.
(6) أي بعد الطواف والسعي.
(7) وإن علم أنه لا يدركها قبل الانتصاف فيجوز كما صرح به غير واحد - كما في الجواهر ، للأخبار منها : صحيح صفوان عن أبي الحسن عليه السلام (وما أحب أن ينشق الفجر له إلا وهو بمنى) (3) ، وصحيح العيص عن أبي عبد الله عليه السلام (إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا وهو بمنى) (4).
ص: 517
(ويكفي) في وجوب المبيت بمنى (أن يتجاوز) الكون بها (نصف الليل) (1) فله الخروج بعده منها ولو إلى مكة ، (ويجب في الرمي الترتيب) بين الجمرات الثلاث (يبدأ بالأولى) وهي أقربها إلى المشعر تلي مسجد الخيف (ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة ، ولو نكس) فقدم مؤخرا (عامدا) كان ، (أو ناسيا) بطل رميه أي مجموعه من حيث هو مجموع وأما رمي الأولى فإنه صحيح. وإن تأخرت ، لصيرورتها أولا ، فيعيد على ما يحصل معه الترتيب. فإن كان النكس محضا كما هو الظاهر أعاد على الوسطى وجمرة العقبة وهكذا (2).
(ويحصل الترتيب بأربع حصيّات) بمعنى أنه إذا رمى الجمرة بأربع وانتقل
______________________________________________________
(1) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها) (1) ، وخبر عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله عليه السلام (فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شي ء) (2) ، وقال في الرياض : (إن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأول فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني ، وقال الشيخ إنه لو خرج من منى بعد انتصاف الليل ولكن لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر ، وهو ضعيف كما عن المدارك).
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إرم في كل يوم عند زوال الشمس ، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ، ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية ، واصنع كما صنعت بالأولى ، وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها) (3) ، والأمر بالبدأة والعطف بثمّ يقتضي الترتيب ، ولو رماها منكوسة فيجب الإعادة بما يحصل به الترتيب ، فيدل عليه صراحة صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل رمى الجمار منكوسة ، قال : يعيد على الوسطى وجمرة العقبة) (4) ، ومثله -
ص: 518
إلى ما بعدها صح (1) ، وأكمل الناقصة بعد ذلك ، وإن كان أقل من أربع استأنف التالية وفي الناقصة وجهان (2) أجودهما الاستئناف أيضا ، وكذا لو رمى الأخيرة دون أربع ، ثم قطعه ، لوجوب الولاء (3).
هذا كله مع الجهل ، أو النسيان ، أما مع العمد (4) فيجب إعادة ما بعد التي
______________________________________________________
- صحيح معاوية بن عمار (1)، وهما مطلقان يشملان العامد والناسي ، ومما يدل على الناسي خبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ، قال : يؤخر ما رمى بما رمى ، فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة) (2).
(1) وحصل الترتيب بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع ، قال : يعيد رميهن جميعا سبع سبع ، قلت : فإن رمى الأول بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ، قال : يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي الجمرة العقبة بسبع ، قلت : فإنه يرمي الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع قال : يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة) (3) ، ومثله صحيحه الآخر لوارد في الكافي (4).
(2) أي لو رمى جمرة أقل من أربع حصيات ، فما بعدها يجب رميه بسبع وإن كان قد رماها أولا ، أما هذه الناقصة التي رماها بأقل من أربع فهل يجب عليه استئناف السبع عليها كما هو ظاهر المعظم ويشهد له صحيح معاوية المتقدم ، أو يجب إكمال الناقص فقط كما عن القواعد والتحرير والتذكرة والمنتهى والسرائر ، وظاهر الصحيح يدفعه.
(3) قال في الجواهر : (نعم لو كان الناقص في الثالثة أكملها واكتفى به من غير فرق بين الأربع وغيرها ، لعدم ترتيب عليه بعدها ، ولعله لا خلاف فيه إلا ما سمعته من ابن بابويه بناء على اعتبار الموالات الذي لم نجد له دليلا بالخصوص ، بل ظاهر الأدلة سابقا خلافه).
(4) قال في المدارك : (وإطلاق النص يقتضي البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان ، إلا أن الشيخ وأكثر الأصحاب قيدوه بحالتي النسيان والجهل ، وصرحوا بوجوب إعادة ما بعد التي لم يكمل مع العمد مطلقا - سواء رماها بأربع أو أقل - لتحريم الانتقال إلى الجمرة المتأخرة قبل إكمال المتقدمة ، وهو جيد إن ثبت التحريم لمكان النهي المفسد للعبادة ، لكن يمكن القول بالجواز تمسكا بالروايتين).
ص: 519
لم تكمل مطلقا (1) ، للنهي عن الاشتغال بغيرها قبل إكمالها وإعادتها (2) إن لم تبلغ الأربع وإلا بنى عليها واستأنف الباقي ويظهر من العبارة عدم الفرق بين العامد وغيره ، وبالتفصيل قطع في الدروس.
(ولو نسي) رمي (جمرة أعاد على الجميع ، إن لم تتعين) ، لجواز كونها الأولى فتبطل الأخيرتان (3) ، (ولو نسي حصاة) واحدة واشتبه الناقص من الجمرات (4) (رماها على الجميع) ، لحصول الترتيب بإكمال الأربع ، وكذا لو نسي اثنتين وثلاثا ، ولا يجب الترتيب هنا (5) ، لأن الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدمة ، كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس (6).
نعم لو فاته من كل جمرة واحدة ، أو اثنتان ، أو ثلاث وجب الترتيب (7) لتعدد الرمي بالأصالة ، ولو فاته ما دون أربع وشك في كونه من واحدة ، أو اثنتين ، أو ثلاث وجب رمي ما يحصل معه يقين البراءة مرتبا (8) لجواز التعدد ، ولو شك في أربع كذلك (9) استأنف الجميع.
______________________________________________________
(1) سواء رماها بأربع أو أقل.
(2) أي إعادة الأولى التي لم تكمل.
(3) بلا خلاف فيه.
(4) أي وجهل من أي الجمرات ، فيجب رميها على الثلاث لقاعدة الاشتغال مع علمه بأن كل جمرة قد رماها بست وهي أزيد من أربع فيجوز البناء حينئذ.
(5) بأن يرمي الأول ثم الوسطى ثم العقبة بحصاة واحدة فلا يجب لأن الواجب رمي حصاة على جمرة ، والباقي من باب المقدمة العلمية ، وعلى كل يحصل امتثال الواجب.
(6) بأن يعلم فوات صلاة ولم يعلم أنها ثنائية أو ثلاثية أو رباعية فيأتي بالثلاث ولا يجب الترتيب بل لو أتى بالرباعية ثم الثلاثية ثم الثنائية لحصل امتثال.
(7) فيجب الترتيب في الباقي كما وجب في الجميع بالأصالة وليس الوجوب هنا من باب المقدمة.
(8) أي وجب عليه رمي ما فاته وهو ما دون الأربع على كل واحدة من الجمرات بالترتيب لجواز أن يكون قد فاته من الأولى أو الثانية أو الثالثة ولا يحصل اليقين بالبراءة إلا بما قلنا.
(9) أي من واحدة من الجمرات أو اثنتين أو ثلاث فيجب الاستئناف كما يقتضيه قاعدة الاشتغال ، لاحتمال فوات الأربع من الأولى.
ص: 520
(ويستحب رمي) الجمرة (الأولى عن يمينه) أي يمين الرامي ويسارها بالإضافة إلى المستقبل (1) ، (والدعاء) حالة الرمي وقبله بالمأثور ، (والوقوف عندها) بعد الفراغ من الرمي ، مستقبل القبلة ، حامدا مصليا داعيا سائلا القبول ، (وكذلك الثانية) يستحب رميها عن يمينه ويسارها ، واقفا بعده كذلك ، (ولا يقف عند الثالثة) وهي جمرة العقبة مستحبا ، ولو وقف لغرض فلا بأس.
(وإذا بات بمنى ليلتين جاز له النفر في الثاني عشر بعد الزوال) (2) ، لا قبله
______________________________________________________
(1) أما يمين الرامي كما في صحيح إسماعيل بن همّام عن الرضا عليه السلام (ترمي الجمار من بطن الوادي وتجعل كل جمرة عن يمينك) (1) ، وأما يسارها بأن يقف على جانب يسارها كما يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ارم في كل يوم عند زوال الشمس وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن السيل وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله واثن عليه وصلّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ثم تقدم أيضا ، ثم افعل ذلك عند الثانية وأصنع كما صنعت بالأولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها) (2) ، وهي الأصل لكل ما قاله الشارح في أحكام الرمي وسنته هنا.
(2) وهو النفر الأول لمن اجتنب النساء والصيد في إحرامه على المشهور ، لقوله تعالى ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقىٰ ) (3) ، بناء على كون المراد من الاتقاء في الآية هو اتقاء الصيد والنساء كما في النافع والنهاية والوسيلة والمهذب ، كما هو مقتضى الأخبار منها : خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد ، يعني في إحرامه ، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول) (4) ، وخبر محمد بن المستنير عن أبي عبد الله عليه السلام (من أتى النساء في إحرامه فليس له أن ينفر في النفر الأول) (5).
والمراد من اتقاء الصيد حال الإحرام قتله كما في المسالك والمدارك ، وفي كشف اللثام قتله -
ص: 521
إن كان قد اتقى الصيد والنساء) في إحرام الحج قطعا ، وإحرام العمرة أيضا إن كان الحج تمتعا على الأقوى (1). والمراد باتقاء الصيد عدم قتله ، وباتقاء النساء عدم جماعهن ، وفي إلحاق مقدماته وباقي المحرمات المتعلقة بهن كالعقد وجهه. وهل يفرق فيه بين العامد وغيره أوجه (2) ثالثها الفرق بين الصيد والنساء ، لثبوت
______________________________________________________
- وأخذه ، وفي الجواهر أن المنساق منه اصطياده ، ومراد الجميع واحد وهو القتل بالاصطياد ، والمراد من اتقاء النساء جماعهنّ ، وهو الظاهر من الإتيان في خبر محمد بن المستنير ، وأما باقي المحرمات المتعلقة بالقتل والجماع ، كالأكل بالنسبة للأول ، ولمس النساء والتقبيل بالنسبة للثاني ، وكذا العقد والشهادة عليه وجهان ، والأولى عدم الالحاق لعدم صدق الصيد والإتيان الواردين في الخبرين على ما ذكر ، ثم إن العلامة في المختلف حكى عن أبي الصلاح الحلبي قولا بعدم جواز النفر في الأولى للصرورة ، وقال عنه في المدارك (لم نقف على مستنده) ، وعن ابن إدريس أنه يجوز النفر الأول لمن اتقى في إحرامه كل محظور يوجب الكفارة ، ولعل مستنده - كما في المدارك - خبر سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : ومن تأخر فلا إثم عليه ولمن اتقى ، قال عليه السلام : (لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه) (1) ، وهي ضعيفة بجهالة الراوي مع عدم الجابر فلا تصلح لمعارضة ما تقدم ، وذهب ابن سعيد إلى أنه يجوز النفر لمن اتقى كل ما حرّمه الله عليه أوجب الكفارة أو لا ، لهذا الخبر وقد عرفت ما فيه.
هذا والنفر الأول بعد الزوال ، بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، وإن تأخرت إلى آخر أيام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا شي ء عليك أيّ ساعة نفرت ورميت ، قبل الزوال أو بعده) (2).
(1) قال في المدارك : (وقد نص الأصحاب على أن الاتقاء معتبر في إحرام الحج ، وقوّى الشارح اعتباره في عمرة التمتع لارتباطها بالحج ودخولها فيه ، والمسألة قوية الإشكال والله تعالى اعلم بحقيقة الحال).
(2) قال في المسالك : (وهل يفرّق بين العامد والناسي والجاهل في ذلك نظر ، من العموم ، وعدم وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد وعدم مؤاخذته فيه ، ويمكن الفرق بين الصيد فيثبت الحكم فيه مطلقا بخلاف غيره).
ص: 522
الكفارة فيه مطلقا (1) ، دون غيره ، (ولم تغرب عليه الشمس ليلة الثالث عشر بمنى) (2).
(وإلا) يجتمع الأمران الاتقاء ، وعدم الغروب ، سواء انتفيا ، أم أحدهما (وجب المبيت (3) ليلة الثالث عشر بمنى) ، ولا فرق مع غروبها عليه بين من تأهب للخروج قبله فغربت عليه قبل أن يخرج ، غيره ، نعم لو خرج منها قبله ثم رجع بعده لغرض كأخذ شي ء نسيه لم يجب المبيت (4) ، وكذا لو عاد لتدارك واجب بها (5) ، ولو رجع قبل الغروب لذلك فغربت عليه بها ففي وجوب المبيت قولان أجودهما ذلك (6).(و) حيث وجب مبيت ليلة الثالث عشر وجب (رمي الجمرات) الثلاث (فيه (7) ، ثم ينفر في الثالث عشر ، ويجوز قبل الزوال (8) بعد الرمي).
______________________________________________________
(1) أي في الصيد بلا فرق بين العامد والناسي.
(2) بلا خلاف فيه ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت
بمنى ، وليس لك أن تخرج حتى تصبح) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس ، فإن أدركه المساء بات ولم ينفر) (2) ، ومثلها غيرها.
وعن العلامة في التذكرة أنه لو ارتحل فغربت الشمس قبل تجاوز حدود منى لا يجب عليه المبيت لمشقة الحطّ والرجال ، وفيه : إنه يصدق عليه الغروب بمنى فيجب عليه المبيت ، وتعليله ضعيف إذ لا مشقة فيه ترفع الحكم الشرعي.
(3) إما للغروب وإما لعدم الاتقاء.
(4) لعدم صدق الغروب عليه.
(5) أي عاد بعد الغروب.
(6) أي وجوب المبيت لصدق الغروب عليه ، ولم يذهب أحد إلى العدم ولذا جعل الشارح المسألة في المسالك على وجهين لا على قولين.
(7) أي في يومه بلا خلاف فيه ، ويدل عليه خبر الدعائم عن جعفر محمد عليهما السلام (يرمي في أيام التشريق الثلاث الجمرات ، كل يوم يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى) (3).
(8) بلا خلاف فيه ، وقد تقدم دليله.
ص: 523
(ووقته) أي وقت الرمي (من طلوع الشمس إلى غروبها) في المشهور (1) وقيل : أوله الفجر (2) ، وأفضله عند الزوال (ويرمي المعذور) كالخائف والمريض والمرأة والراعي (ليلا (3) ، ...)
______________________________________________________
(1) للأخبار ، منها : صحيح منصور بن حازم وأبي بصير جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (رمي الحجار من طلوع الشمس إلى غروبها) (1) ، وصحيح صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (إرم الحجار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها) (2)، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إنه قال للحكم بن عتيبة : ما حدّ رمي الحجار؟ فقال الحكم : عند زوال الشمس ، فقال أبو جعفر عليه السلام يا حكم أرأيت لو أنهما كانا اثنين فقال أحدهما لصاحبه : احفظ علينا متاعنا حتى أرجع ، أكان يفوته الرمي؟ هو والله ما بين طلوع الشمس إلى غروبها) (3).
نعم أفضله عند الزوال ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إرم في كل يوم عند زوال الشمس) (4) ، المحمول على الندب جمعا.
ومنه تعرف ضعف ما عن الشيخ في الخلاف وابن زهرة من أنه لا يجوز الرمي إلا بعد الزوال.
(2) هذا القول مجهول القائل ، بل لا قائل به إذ لم ينقله أحد في كتب نقل الخلاف ، ولم يذكره الشارح في المسالك ، إذ الأقوال في المسألة ثلاثة ، قول المشهور وقول الشيخ في الخلاف وقد تقدما ، وقول الصدوق في الفقيه أن الرمي ما بين طلوع الشمس إلى الزوال.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل) (5) ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلا) (6)، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال : الحاطبة والمملوك الذي لا يملك من أمره شيئا ، والخائف والمدين والمريض الذي لا يستطيع أن يرمي يحمل إلى الحجار ، فإن قدر على أن يرمي وإلا فارم عنه وهو حاضر) (7) ، وخبره الآخر -
ص: 524
ويقضي الرمي لو فات) (1) في بعض الأيام (مقدما على الأداء) (2) في تاليه ، حتى لو فاته رمي يومين قدم الأول على الثاني ، وختم بالأداء ، وفي اعتبار وقت الرمي في القضاء قولان (3) أجودهما ذلك ، وتجب نية القضاء فيه (4) والأولى الأداء فيه في وقته (5) ، والفرق (6) وقوع ما في ذمته أولا على وجهين (7) ، دون الثاني.
______________________________________________________
- عنه عليه السلام (رخّص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع عليل ، وأن يرموا الجمرة بليل) (1).
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : الرجل ينكس في رمي الحجار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى ، قال : يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد) (2) ، فإيجاب إعادة الرمي لو خالف الترتيب في الغد دال بالأولوية على وجوب الرمي في الغد لو تركه قبلا.
(2) وأن يكون ما يرميه لأمسه غدوة ، وما يرميه ليومه عند الزوال وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس ، قال : يرمي إذا أصبح مرتين ، إحداهما بكرة وهي للأمس ، والأخرى عند زوال الشمس وهي ليومه) (3).
(3) علّق الشارح هنا بقوله : (أي في اعتبار وقت الرمي وهو ما بين طلوع الشمس وغروبها من أيام التشريق في القضاء ، أم يكفي فعله في أي وقت شاء كغيره من قضاء العبادات قولان ، واتفق الجميع على أفضلية ما بعد الزوال) والقول الثاني لم أجده في كتب نقل الخلاف مع أنه جعله في المسالك وجها لا قولا ، على أن صحيح ابن سنان ظاهر في كون القضاء ممتدا مع وقت الأداء.
(4) حتى يتعين.
(5) أي والأولى نية الأداء في الرمي عند الإتيان به في وقته.
(6) دفع وهم ، والوهم هو : لما أوجب نية القضاء وجعل نية الأداء على نحو الأولوية ، والدفع واضح ، إذ على الأول في ذمته واجبان القضاء أولا ثم الأداء فيجب التمييز بينهما ، بخلاف الثاني فإنه يقع أداء سواء نواه كذلك أو لا.
(7) من القضاء والأداء.
ص: 525
(ولو رحل) من منى (قبله) أي قبل الرمي أداء وقضاء (رجع له) (1) في أيامه ، (فإن تعذر) عليه العود (استناب فيه) (2) في وقته فإن فات استناب (في القابل) وجوبا إن لم يحضر ، وإلا وجبت المباشرة (3).(ويستحب النفر في الأخير) (4) لمن لم يجب عليه ، والعود إلى مكة لطواف الوداع استحبابا مؤكدا (5) ،
______________________________________________________
(1) أي من نسي رمي الحجار رجع ورمى مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان الرمي بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : رجل نسي رمي الحجار حتى أتى مكة ، قال : يرجع فيرمها ، يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فاته ذلك وخرج ، قال : ليس عليه شي ء) (1) ، وصحيح الآخر عنه عليه السلام (ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الحجار حتى نفرت إلى مكة ، قال : فلترجع فلترم الحجار كما كانت ترمي ، والرجل كذلك) (2).
وهاتان الروايتان تقتضيان وجوب الرجوع والرمي حتى بعد انقضاء أيام التشريق ولكن لا بد من تقييد اطلاقها بأن الرجوع إنما يجب مع بقاء أيام التشريق وإلا فيقضي في العام المقبل ، لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (من أغفل رمي الحجار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحج رمى عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه ، فإنه لا يكون رمي الحجار إلا في أيام التشريق) (3).
(2) قد مرّ جواز الاستنابة في المريض فجواز الاستنابة هنا أولى وإن لم ترد في خبر إلا أنها لقاعدة الميسور والمعسور.
(3) كل ذلك لخبر عمر بن يزيد المتقدم.
(4) وعلّل بأنه أفضل باعتبار اشتماله على الإتيان بمناسك اليوم الثالث.
(5) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك فودّع البيت وطف اسبوعا) (4).
وهو ليس بواجب عندنا كافة ، للأخبار منها : خبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إليه أهله فقال : لا يضره إذا كان قد قضى من نسكه) (5) ، وخبر علي عن أحدهما عليهما السلام (في رجل لم يودع البيت ، قال : لا بأس به إذا كانت به علة أو كان ناسيا) (6) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كان أبي
ص: 526
وليس واجبا عندنا ووقته عند إرادة الخروج بحيث لا يمكث بعده إلا مشغولا بأسبابه (1). فلو زاد عنه أعاده ، ولو نسيه حتى خرج استحب العود له (2) ، وإن بلغ المسافة (3). من غير إحرام (4) ، إلا أن يمضي له شهر ، ولا وداع للمجاوز (5).
ويستحب الغسل لدخولها (6) ، (والدخول من باب بني شيبة) ، والدعاء كما مر.
______________________________________________________
- يقول : لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة) (1).
ومن الخبر الثاني يفهم شدة الاستحباب ، وعن أحمد والشافعي من العامة وجوبه حتى أوجبا في تركه دما ، وهو قول مردود بما سمعت.
(1) أي بأسباب الخروج ، بحيث يكون وداع البيت آخر شي ء يقوم به الناسك كما يدل عليه خبر الحسن بن علي الكوفي قال : (رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس عشرة ومأتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط ، فلما كان الشوط السابع استلمه واستلم الجمر ومسح بيده ، ثم مسح وجهه بيده ، ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين ، ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ، ثم وقف عليه طويلا يدعو ، ثم خرج من باب الحناطين وتوجه ، قال : ورايته في سنة تسع عشرة ومأتين ودّع البيت ليلا يستلم الركن اليماني والجمر الأسود في كل شوط ، فلما كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الجمر المستطيل ، وكشف الثوب عن بطنه ثم أتى الجمر فقبّله ومسحه وخرج إلى المقام فصلى خلفه ثم مضى ولم يعد إلى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية) (2).
(2) تداركا للمستحب.
(3) مسافة قصر الصلاة.
(4) أي يعود من غير إحرام لما تقدم وسيأتي أن الإحرام يكفيه شهرا ، قال الشهيد في الدروس : (ولو خرج من مكة بغير وداع استحب له العود مع الإمكان ، سواء بلغ مسافة القصر أو لا ، ولا يحتاج إلى إحرام إذا لم يكن مضى له شهر ، وإلا احتاج ، وأطلق الفاضل أنه يحرم إذا رجع).
(5) لانتفاء موضوعه.
(6) أي لدخول مكة وقد تقدم في باب الاغسال المندوبة ، وفي كتاب الحج دليل استحباب -
ص: 527
(ودخول الكعبة) (1) فقد روي أن دخولها في رحمة الله والخروج منها خروج من الذنوب وعصمة فيما بقي من العمر ، وغفران لما سلف من الذنوب (2) ، (خصوصا للصرورة) ، وليدخلها بالسكينة والوقار ، آخذا بحلقتي الباب عند الدخول (3).
(والصلاة بين الاسطوانتين) اللتين تليان الباب (على الرخامة الحمراء) (4).
______________________________________________________
- الغسل لدخولها ، وكذا ما بعده من أحكام.
(1) وهو متأكد في حق الصرورة ، للأخبار منها : صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع ، فإذا دخلته فادخله بسكينة ووقار ، ثم ائت كل زاوية من زواياه ثم قل : اللهم إنك قلت : ومن دخله كان آمنا فآمني من عذابك يوم القيامة ، وصل بين العمودين يليان الباب على الرخامة الحمراء ، وإن كثر الناس فاستقبل كل زاوية في مقامك حيث صليت وادع الله وسله) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار (رأيت العبد الصالح عليه السلام دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين على الرخامة الحمراء ، ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي فرفع يده عليه ولصق به ودعا ، ثم تحول إلى الركن اليماني فلصق به ودعا ، ثم أتى إلى الركن الغربي ثم خرج) (2).
(2) وهو خبر ابن القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (سألته عن دخول الكعبة فقال : الدخول فيها دخول في رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور له من سلف من ذنوبه) (3).
(3) لخبر يونس (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا دخلت الكعبة كيف أصنع؟ قال : خذ بحلقتي الباب إذا دخلت ، ثم امض حتى تأتي العمودين فصل على الرخامة الحمراء) (4).
(4) لخبر يونس وصحيح الأعرج وصحيح معاوية بن عمار المتقدمة ، وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ولا تدخلها بحذاء ، وتقول إذا دخلت : اللهم إنك قلت ومن دخله كان آمنا ، فآمني من عذاب النار ، ثم تصلي ركعتين بين الاسطوانتين على الرخامة الحمراء ، تقرأ في الركعة الأولى حم السجدة وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، وتصلي في زواياه وتقول : اللهم
ص: 528
ويستحب أن يقرأ في أولى الركعتين الحمد وحم السجدة (1) ، وفي الثانية بعدد آيها وهي ثلاث أو أربع وخمسون.
(و) الصلاة (في زواياها) الأربع ، في كل زاوية ركعتين (2) ، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، (واستلامها) أي الزوايا ، (والدعاء) (3) ، والقيام بين ركني الغربي (4)
______________________________________________________
- من تهيأ أو تعبأ أو اعدّ أو استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك ، فلا تخيّب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدّمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكني أتيتك مقرا بالظلم - بالذنوب - والإساءة على نفسي ، فإنه لا حجة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمد وآله وتعطيني مسألتي وتقيلني عثرتي وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ممنوعا ولا خائبا ، يا عظيم يا عظيم يا عظيم ، أرجوك للعظيم ، اسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلا أنت.
قال : ولا تدخلها بحذاء ولا تبزق فيها ولا تمتخط فيها ، ولم يدخلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا يوم فتح مكة) (1).
(1) وهي سورة (فصلت) ، وهي ثلاث أو أربع وخمسون آية بناء على أن (حم) آية مستقلة أو جزء من الآية التي بعدها.
(2) لصحيح معاوية المتقدم (وتصلي في زواياه) ، وخبر الحسين بن العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (ذكرت الصلاة في الكعبة ، قال : بين العمودين تقوم على البلاطة الحمراء ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى عليها ثم أقبل على أركان البيت وكبّر إلى ركن منه) (2) ، وخبر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام (دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكعبة فصلى في زواياها الأربع ، وصلى في كل زاوية ركعتين) (3).
(3) كما في صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع ، فإذا دخلته فأدخله بسكينة ووقار ، ثم ائت كل زاوية من زواياه ثم قل : اللهم إنك قلت : ومن دخله كان آمنا فآمني من عذابك يوم القيامة) (4).
(4) لصحيح معاوية بن عمار (رأيت العبد الصالح عليه السلام دخل الكعبة فصلى ركعتين على -
ص: 529
ثم الركنين الآخرين ، ثم يعود إلى الرخامة الحمراء فيقف عليها ، ويرفع رأسه إلى السماء ، ويطيل الدعاء ، ويبالغ في الخشوع ، وحضور القلب.
(والدعاء عند الحطيم) (1) سمي به ، لازدحام الناس عنده للدعاء واستلام الحجر ، فيحطم بعضهم بعضا (2) ، ...
______________________________________________________
الرخامة الحمراء ، ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي فرفع يده عليه ولصق به ودعا ، ثم تحول إلى الركن اليماني فلصق به ودعا ، ثم أتى الركن الغربي ثم خرج) (1).
وهو لم يذكر إتيان الركنين الأخيرين كما ذكره الشارح متبعا فيه الشهيد في الدروس حيث قال : (والصلاة في الزوايا الأربع ، كل زاوية ركعتين ، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والقيام بين الركن الغربي واليماني رافعا يديه ملصقا به ، والدعاء ثم كذلك في الركن اليماني ، ثم الغربي ثم الركنين الأخيرين ، ثم يعود إلى الرخامة الحمراء فيقف عليها ويرفع رأسه إلى السماء ويطيل الدعاء وليبالغ في الخضوع والخشوع وحضور القلب في دعائه) ، بل إتيان الركنين الأخيرين ثم الوقوف على الرخامة الحمراء فيما بعد مع رفع الرأس والدعاء مما لم اعثر عليه في خبر.
(1) لمرسلة الصدوق في الفقيه (فإذا أردت وداع البيت فطف به اسبوعا ، وصل ركعتين حيث أحببت من الحرم ، وائت الحطيم والحطيم ما بين الكعبة والحجر الأسود فتعلق باستار الكعبة وأنت قائم فاحمد الله واثن عليه ، وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قل : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، حملته على دوابك وسيّرته في بلادك واقدمته المسجد الحرام ، اللهم وقد كان في أملي ورجائي أن تغفر لي ، فإن كنت يا رب قد فعلت ذلك فازدد عني رضى ، وقرّبني إليك زلفى ، وإن لم تكن فعلت يا رب ذلك فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى داري عن بيتك ، غير راغب عنه ، ولا مستبدل به ، هذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي ، اللهم فاحفظني من بين يديّ ومن خلفي ومن تحتي ومن فوقي ، وعن يميني وعن شمالي حتى تقدمني أهلي صالحا فإذا اقدمتني أهلي فلا تتخل منّي ، واكفني مئونة عيالي ومئونة خلقك) (2).
(2) كما في خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الحطيم ، فقال : ما بين الحجر الأسود بين الباب ، وسألته : لم سمي الحطيم؟ فقال : لأن الناسي يحطم بعضهم بعضا هناك) (3).
ص: 530
أو لانحطام الذنوب عنده (1) ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، أو لتوبة الله فيه على آدم (2) ، فانحطمت ذنوبه ، (وهو أشرف البقاع) على وجه الأرض على ما ورد في الخبر عن زين العابدين وولده الباقر (عليه الصلاة والسلام) (3) ، (وهو ما بين الباب والحجر) الأسود ، ويلي الحطيم في الفضل عند المقام (4) ، ثم الحجر ، ثم ما دنا من البيت.
(واستلام الأركان) (5) ...
______________________________________________________
(1) كذا ذكره الشهيد في الدروس والمحقق الثاني في جامعه ، ولم أجد له أثرا في الأخبار ، ولعل هذا التفسير مأخوذ معناه اللغوي.
(2) لمرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (إن تهيأ لك أن تصلي صلاتك كلها الفرائض وغيرها عند الحطيم فافعل ، فإنه أفضل بقعة على وجه الأرض ، والحطيم ما بين باب البيت والحجر الأسود ، وهو الموضع الذي تاب الله فيه على آدم ، وبعده الصلاة في الحجر أفضل ، وبعد الحجر ما بين الركن العراقي وباب البيت ، وهو الذي كان فيه المقام ، وبعده خلف المقام حيث هو الساعة وما أقرب من البيت فهو أفضل) (1).
(3) لم أجد خبرا عنهما ، راجع الوسائل الباب - 53 - من أحكام المساجد.
(4) أي الصلاة عند المقام تلي الفضل للصلاة في الحطيم لما في خبر الحسن بن الجهم قال (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أفضل موضع في المسجد يصلى فيه ، قال : الحطيم ما بين الحجر وباب البيت ، قلت : والذي يلي ذلك في الفضل؟ فذكر أنه عند مقام إبراهيم ، قلت : ثم الذي يليه في الفضل؟ قال : في الحجر ، قلت : ثم الذي يلي ذلك؟ قال : كل ما دنا من البيت) (2) ، ولكن في مرسل الصدوق السابق جعل الصلاة في الحجر أفضل من الصلاة عند المقام.
(5) ففي الجواهر والمدارك جعل الدليل هو صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك ، فودّع البيت وطف بالبيت اسبوعا وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط فافعل وإلا فافتتح به واختم به ، فإن لم تستطع ذلك فموسّع عليك ، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده كما صنعت يوم قدمت مكة وتخيّر لنفسك من الدعاء ، ثم ائت الحجر الأسود ، ثم الصق بطنك بالبيت تضع يدك على الحجر والأخرى مما يلي الباب واحمد الله وأثن عليه وصل على -
ص: 531
كلّها ، (والمستجار ، وإتيان زمزم والشرب منها) (1) ، والامتلاء (2) ، فقد قال النبي (ص): ماء زمزم لما شرب له (3) ، فينبغي شربه للمهمات الدينية ، والدنيوية. فقد فعله جماعة من الأعاظم لمطالب مهمة فنالوها ، وأهمها طلب رضى الله والقرب منه ، والزلفى لديه. ويستحب مع ذلك حمله ، وإهداؤه (4).
(والخروج من باب الحنّاطين) (5) سمّي بذلك لبيع الحنطة عنده ، أو الحنوط ،
______________________________________________________
- النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قل - وعلّمه دعاء إلى أن قال - ثم ائت زمزم فاشرب من مائها ثم اخرج وقل : آئبون تائبون عابدون لربنا ، حامدون إلى ربنا ، راغبون إلى الله ، راجعون إن شاء الله) (1).
(1) لصحيح معاوية بن عمار المتقدم ولخبر أبي إسماعيل (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : هو ذا أخرج - جعلت فداك - فمن أين أودّع البيت؟ قال : تأتي المستجار بين الحجر والباب فتودعه من ثمّ ، ثم تخرج فتشرب من زمزم ، ثم تمضي ، فقلت : أصب على رأسي؟ فقال : لا تقرب الصب) (2).
(2) قال في الدروس (رابعها الشرب من زمزم والإكثار منه ، والتضلع منه ، - أي الامتلاء فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ماء زمزم لما شرب له ، وقد روى حماد أن جماعة من العلماء شربوا منه لمطالب مهمة ما بين تحصيل علم وطلب حاجة وشفاء من علة وغير ذلك فنالوها ، والأهم طلب المغفرة من الله تعالى ، فليسم ولينو بشربه طلب المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وغير ذلك).
(3) هو من طرق العامة (3) ، نعم أرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (ماء زمزم شفاء لما شرب له) (4).
(4) لخبر عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستهدي من ماء زمزم وهو بالمدينة) (5).
(5) لخبر الحسن بن علي الكوفي (رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس عشرة ومائتين ودّع البيت - إلى أن قال - فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ثم وقف عليه طويلا -
ص: 532
وهو باب بني جمع بإزاء الركن الشامي ، داخل في المسجد كغيره ، ويخرج من الباب المسامت له مارا من عند الأساطين إليه على الاستقامة ليظفر به.
(والصدقة بتمر يشتريه بدرهم) (1) شرعي ، ويجعلها قبضة قبضة بالمعجمة وعلّل في الأخبار بكونه كفارة لما لعله دخل عليه في حجه من حكّ أو قملة سقطت ، أو نحو ذلك. ثم إن استمر الاشتباه فهي صدقة مطلقة وإن ظهر له موجب يتأدى بالصدقة فالأقوى (2) إجزاؤها ، لظاهر التعليل كما في نظائره (3) ، ولا يقدح اختلاف الوجه لابتنائه على الظاهر ، مع أنا لا نعتبره (4).
______________________________________________________
- يدعو ثم خرج من باب الحناطين وتوجه) (1).
وعن ابن إدريس أنه باب بني جمح وهي قبيلة من قبائل قريش ، وعن القواعد والدروس أنه بإزاء الركن الشامي على التقريب ، سمّي بذلك لبيع الحنطة عنده أو الحنوط ، وعن الكركي : لم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب فإن المسجد قد زيد فيه فينبغي أن يتحرى الخارج موازاة الركن الشامي ثم يخرج.
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (يستحب للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا فيتصدقا به ، لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزوجل) (2) ، وصحيح معاوية بن عمار وحفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمرا يتصدق به ، فيكون كفارة لما لعله دخل عليه في حجّه من حكّ أو قمّلة سقطت أو نحو ذلك) (3)، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أردت أن تخرج من مكة فاشتر بدرهم تمرا فتصدق به قبضة قبضة ، فيكون لكل ما كان حصل في إحرامك ، وما كان منك في مكة) (4).
(2) قال في الجواهر : (بل جزم الشهيدان وغيرهما بأنه لو تصدق بذلك ثم ظهر له موجب يتأدى بالصدقة أجزأ لظاهر هذه النصوص).
(3) كصوم يوم الشك على أنه ندب من شعبان فيجزي عن الواجب لو كان الواقع هو من شهر رمضان.
(4) أي لا يقدح نية الاستحباب في المأتى به لابتنائه على الظاهر مع أنه نية الوجه لا تجب.
ص: 533
(والعزم على العود) (1) إلى الحج ، فإنه من أعظم الطاعات ، وروي أنه من المنسئات في العمر ، كما أن العزم على تركه مقرّب للأجل والعذاب ، ويستحب أن يضم إلى العزم سؤال الله تعالى ذلك (2) عند الانصراف.
(ويستحب الإكثار من الصلاة بمسجد الخيف) (3) لمن كان بمنى فقد روي
______________________________________________________
(1) لأنه من أعظم الطاعات المعلوم كون العزم عليه من قضايا الإيمان - كما في الجواهر - ولما ورد في أخبار الدعاء بأن لا يجعله آخر العهد به ، وللأخبار منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من خرج من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره) (1) ، ويكره ترك العزم على ذلك ، لمرسلة الحسين بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه) (2)، وفي خبر أبي حذيفة (كنا مع أبي عبد الله عليه السلام ونزلنا الطريق ، فقال : ترون هذا الجبل ثافلا ، إن يزيد بن معاوية لما رجع من حجه مرتحلا إلى الشام انشأ يقول :
إذا تركنا ثافلا يمينا
فلن نعود بعده سنينا
للحج والعمرة ما بقينا
فأماته الله قبل أجله) (3).
(2) أي العود لما تقدم من الأخبار.
(3) ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (صل في مسجد الخيف وهو مسجد منى ، وكان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده عند المنارة التي هي في وسط المسجد وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا وعن يمينها وعن يسارها وخلفها نحوا من ذلك ، قال : فتحرّ ذلك فإن استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل فإنه قد صلى فيه الف نبيّ ، وإنما سمى الخيف لأنه مرتفع عن الوادي ، وما ارتفع عن الوادي سمّى خيفا) (4) ، وهو يدل على استحباب إيقاع الواجبة فيه ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام (صلّى في مسجد الخيف سبعمائة نبيّ) (5)، وخبر أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام (من صلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما ، ومن سبّح الله فيه مائة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة ، ومن هلّل الله فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين
ص: 534
أنه من صلّى به مائة ركعة عدلت عبادة سبعين عاما ، ومن سبّح الله فيه مائة تسبيحة كتب له أجر عتق رقبة ، ومن هلّل الله فيه مائة عدلت إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه مائة عدلت خراج العراقين ينفق في سبيل الله ، وإنما سمّي خيفا ، لأنه مرتفع عن الوادي ، وكل ما ارتفع عنه سمّي خيفا.
(وخصوصا عند المنارة) التي في وسطه ، (وفوقها إلى القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا) ، وكذا عن يمينها ويسارها وخلفها ، روى تحديده بذلك معاوية بن عمار عن الصادق (ع) ، وإن ذلك مسجد رسول الله (ص) ، وأنه صلّى فيه ألف نبي ، والمصنف اقتصر على الجهة الواحدة (1) ، وفي الدروس أضاف يمينها ويسارها كذلك (2) ، ولا وجه للتخصيص (3). ومما يختص به من الصلوات صلاة ست ركعات في أصل الصومعة.
(ويحرم إخراج من التجأ إلى الحرم بعد الجناية) (4) بما يوجب حدا ، أو
______________________________________________________
- يتصدق به في سبيل الله عزوجل) (1) وخبر أبي بصير عن عبد الله عليه السلام (صل ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة) (2).
(1) وهي الجهة القبلية من المنارة.
(2) أي بنحو ثلاثين ذراعا.
(3) من الجهة القبلية أو منها ومن يسارها ويمينها فقط ، لأن الجهة الخلفية مذكورة في صحيح معاوية بن عمار المتقدم.
(4) من أحدث جناية ثم التجأ إلى الحرم لا يخرج منه ، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب وغيرهما حتى يخرج ، وإن أحدثها في الحرم أقيم عليه الحد فيه بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل قتل رجلا في الحلّ ثم دخل الحرم ، فقال : لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد ، قلت : فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال : يقام عليه الحد في الحرم صاغرا إنه لم ير للحرم حرمة ، وقد قال الله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ ) ، فقال : هذا في الحرم ، وقال : ( فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَى الظّٰالِمِينَ ) (3).
ص: 535
تعزيرا ، أو قصاصا ، وكذا لا يقام عليه فيه.(نعم يضيّق عليه في المطعم والمشرب) بأن لا يزاد منهما على ما يسدّ الرمق ببيع ، ولا غيره ، ولا يمكّن من ماله زيادة على ذلك ، (حتى يخرج) فيستوفى منه.(فلو جنى في الحرم قوبل) بمقتضى جنايته (فيه) ، لانتهاكه حرمة الحرم ، فلا حرمة له ، والحق بعضهم به (1) مسجد النبي - ومشاهد الأئمة عليهم السلام ، وهو ضعيف المستند.
(الفصل السادس : في كفارات الإحرام)
اللاحقة بفعل شي ء من محرماته (وفيه بحثان) :
(الأول - في كفارة الصيد (2). ففي النعامة بدنة) (3) وهي من الإبل الأنثى
______________________________________________________
- وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قول الله عزوجل : ومن دخله كان آمنا ، قال : إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فرّ إلى الحرم لم يسغ لأحد أن يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة) (1).
(1) قال في المدارك (ونقل الشارح عن بعض علمائنا أنه ألحق به مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهد الأئمة عليهم السلام محتجا بإطلاق اسم الحرم عليها في بعض الأخبار ، وهو ضعيف لكنه مناسب للتعظيم).
(2) فهو على قسمين تارة فيه كفارة وأخرى لا كفارة فيه ، وعلى الأول فتارة لكفارته بدل على الخصوص وأخرى ما لا بدل له على الخصوص ، فابتدأ فيما لكفارته بدل على الخصوص ، وهو كل ما له مثل من النعم ، والأصل في اعتبار المماثلة قوله تعالى : ( فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (2) والمتبادر من المماثلة - كما في المدارك - ما كان بحسب الصورة ، وهو يتحقق في مثل النعامة فإنها تشابه البدنة ، وبقرة الوحش فإنها تشابه البقرة الأصلية ، والظبي يشابه الشاة ، وهذا لا يتم في البيض مع أنهم عدوّه من ذوات الأمثال وسيأتي الكلام فيه.
(3) بلا خلاف فيه ، لصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : المحرم يقتل نعامة ، قال : عليه بدنة من الإبل) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (في
ص: 536
التي كمل سنها خمس سنين ، سواء في ذلك كبير النعامة وصغيرها ، ذكرها وأنثاها ، والأولى المماثلة بينهما في ذلك (ثم الفضّ) (1) أي فض ثمن البدنة لو
______________________________________________________
- قول الله عزوجل : ( فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) ، قال عليه السلام : في النعامة بدنة) (1) ، ومثلها غيرها.
والبدنة : هي الناقة على ما نصّ عليه الجوهري في الصحاح ، وعن أبي عبيدة الناقة من الإبل بمنزلة المرأة والجمل بمنزلة الرجل ، ومقتضاه عدم إجزاء الذكر ، وعن الشيخ وجماعة الاجزاء لصدق اسم البدنة على الذكر والأنثى كما نص عليه جماعة من أهل اللغة كالفيروزآبادي في القاموس وابن منظور في لسان العرب ، ولخبر أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل في الصيد : من قتل منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ، قال : في الظبي شاة وفي حمار الوحش بقرة ، وفي النعامة جزور) (2).
وأما كونها ما كمل لها خمس سنين فقال في الجواهر : (لما كانت البدنة اسما لما يهدي اعتبر فيها السن المعتبر في الهدي ، نعم مقتضى إطلاق النص والفتوى اجزاؤها معه - أي مع الصيد - وافقت النعامة في الصغر والكبر وغيرهما أم لا خلافا للمحكي عن التذكرة فاعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه ، ففي الصغير من الإبل ما في سنه ، وفي الكبير كذلك ، وفي الذكر ذكر وفي الانثى انثى ، ولم نقف له على دليل سوى دعوى كونه المراد من المماثلة في الآية ، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص المقتضي كون مسمى البدنة مثلا مماثلا للنعامة على كل حال).
(1) أي مع العجز عن البدنة يقوّمها ويفضّ الثمن على البر ، فيتصدق به على كل مسكين مدان ، ولا يلزم الزيادة على ستين مسكينا ، نسب إلى الأكثر ، للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم قتل نعامة ، قال : عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستين مسكينا لم يزد على طعام ستين ، وإن كانت قيمة البدنة أقل من طعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة) (3) ، وصحيح أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم بدراهم ، ثم قوّمت الدراهم طعاما ، لكل مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل -
ص: 537
تعذرت (على البرّ وإطعام ستين) مسكينا ، (والفاضل) من قيمتها عن ذلك (له ، ولا يلزمه الإتمام لو أعوز) ، ولو فضل منه ما لا يبلغ مدا ، أو مدين (1) دفعه إلى مسكين آخر وإن قل (2).
(ثم صيام ستين يوما) (3) إن لم يقدر على الفض ، لعدمه ، أو فقره. وظاهره
______________________________________________________
- نصف صاع يوما) (1) ونصف الصاع مدان ، ويكون الصيام ستين يوما لوجوب التصدق على ستين مسكينا كما سيأتي.
وعن ابن بابويه وابن أبي عقيل الاكتفاء بالمد لكل مسكين ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل ، فإن لم يجد ما يشتري به بدنة وأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) (2)، ومثله غيره ، مع حمل الأخبار المتقدمة على الاستحباب ، لأن الأخبار إما مطلقة وهو الغالب ، وإما ما يدل على المدين وهو صحيح أبي عبيدة المتقدم وخبر الزهري الآتي وإما ما يدل على المد وهو صحيح معاوية المتقدم وخبر أبي بصير (3) ، وخبر ابن سنان (4) وعن أبي الصلاح أنه بعد العجز عن البدنة التصدق بالقيمة ، فإن عجز فضّها على البرّ ، وقال في المدارك (لم نقف له على مستند) ، هذا وفي المدارك (إنه ليس في الروايات تعميم لإطعام البرّ - أي الحنطة - ومن ثمّ اكتفى الشارح وغيره بمطلق الطعام وهو غير بعيد ، إلا أن الاقتصار على إطعام البر أولى ، لأنه المتبادر من الطعام) ، ويشهد للبرّ خبر سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث (أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قلت : لا أدري ، قال : يقوّم الصيد قيمة عدل ، ثم يفضّ تلك القيمة على البر ، ثم يكال ذلك البر أصواعا ، فيصوم لكل نصف صاع يوما) (5).
(1) للخلاف المتقدم في أن المعطى للمسكين مد أو مدان.
(2) أي وإن فضل من العوز ما لا يبلغ مدا أو مدين فيجب دفعه إلى مسكين تمسكا بإطلاق الدفع إلى المساكين كما في صحيح محمد بن مسلم وزرارة المتقدم.
(3) أي إن عجز عن الغضّ لعدم البرّ والطعام أو لفقره فيصوم ستين يوما على المشهور ، للأخبار منها : صحيح أبي عبيدة المتقدم ، وخبر الزهري المتقدم ، ومرسل ابن بكير عن أبي
ص: 538
عدم الفرق (1) بين بلوغ القيمة على تقدير إمكان الفض الستين وعدمه وفي الدروس نسب ذلك إلى قول مشعرا بتمريضه. والأقوى جواز الاقتصار على صيام قدر ما وسعت من الإطعام ، ولو زاد ما لا يبلغ القدر (2) صام عنه يوما كاملا.
(ثم صيام ثمانية عشر (3) يوما) لو عجز عن صوم الستين وما في معناها (4)
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (بثمن قيمة الهدي طعاما ، ثم يصوم لكل مدّ يوما ، فإذا زادت الامداد على شهرين فليس عليه أكثر منه) (1) ، وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (عدل الهدي ما بلغ يتصدق به ، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما) (2).
وذهب ابن بابويه وابن أبي عقيل إلى الاكتفاء بصوم ثمانية عشر يوما مع العجز عن الاطعام مطلقا ، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم (فعليه أن يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) (3)، وصحيح ابن مسكان عن أبي بصير وهو ليث المرادي كما استظهره في المدارك عن أبي عبد الله عليه السلام (عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش ، قال : عليه بدنة ، قلت : فإن لم يقدر؟ قال : يطعم ستين مسكينا ، قلت : فإن لم يقدر على ما يتصدق به ما عليه؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما) (4)، ولا بدّ من حملها على ما لو تعذر عليه صوم الستين جمعا بين الأخبار.
(1) أي يجب صيام الستين سواء بلغت القيمة إطعام ستين مسكينا أو أقل أو أكثر على تقدير إمكان الفض ، وقال عنه الشارح في المسالك بأنه لا شاهد له ، بل يجب صوم ما تسع القيمة على المساكين كما يقتضيه صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن قوله : أو عدل ذلك صياما ، قال عليه السلام : عدل الهدي ما بلغ يتصدق به ، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل طعام مسكين يوما) (5).
(2) أي لو بقي ما لا يبلغ المد أو المدين فهل عليه صوم يوم كامل ، ففي المنتهى أنه كذلك لا نعلم فيه خلافا لأن صيام اليوم لا يتبعض والسقوط غير ممكن لشغل الذمة فيجب صوم يوم كامل ، واحتمل كما في المسالك والمدارك بأن صوم اليوم إنما يجب بدلا عن المد أو المدين وهنا غير متحقق ، والأقوى الأول وهو أحوط.
(3) يعلم مما تقدم.
(4) من فضّ قيمتها على المساكين.
ص: 539
وإن (1) قدر على صوم أزيد من الثمانية عشر (2) ، نعم لو عجز عن صومها (3) وجب المقدور (4) والفرق (5) ورود النص بوجوب الثمانية عشر لمن عجز عن الستين الشامل لمن قدر على الأزيد قلا يجب. وأما المقدور من الثمانية عشر فيدخل في عموم فأتوا منه ما استطعتم (6) ، لعدم المعارض ، ولو شرع في صوم الستين قادرا عليها فتجدد عجزه بعد تجاوز الثمانية عشر اقتصر على ما فعل (7) وإن كان شهرا ، مع احتمال وجوب تسعة حينئذ (8) لأنها بدل عن الشهر المعجوز عنه (9).
(والمدفوع إلى المسكين) على تقدير الفض (نصف صاع) مدّان في المشهور (10) ، وقيل : مد. وفيه قوة ، (وفي بقرة الوحش وحماره بقرة) (11) مسنة
______________________________________________________
(1) وصلية.
(2) لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(3) أي صوم الثمانية عشر يوما.
(4) لقاعدة الميسور والمعسور.
(5) بين العجز عن الستين فينتقل إلى الثمانية عشر يوما وإن كان يقدر على الأزيد ، وبين العجز عن الثمانية عشر يوما فيصوم بحسب القدرة.
(6) فهو حديث نبوي (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (1).
(7) لسقوط التكليف عند عدم القدرة.
(8) أي حين عجزه عن الشهر الثاني.
(9) قال في الجواهر (لأن المعجوز شهر وبدله تسعة وإن قدر على الأكثر كما يؤمى إليه ما تسمعه في البقرة).
(10) قد تقدم الكلام فيه.
(11) على المشهور ، للأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عزوجل : فجزاء مثل ما قتل من النعم ، قال عليه السلام : في النعامة بدنة وفي الحمار الوحشي بقرة وفي الظبي شاة وفي البقر بقرة) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : فإن أصاب بقرة أو حمار الوحش ما عليه؟ قال : عليه بقرة) (3).
ص: 540
فصاعدا (1) ، إلا أن ينقص سن المقتول عن سنها فيكفي مماثله فيه (2) ، (ثم الفض) (3) للقيمة على البر لو تعذر ، (ونصف ما مضى) في الإطعام والصيام مع باقي الأحكام فيطعم ثلاثين ، ثم يصوم ثلاثين (4) ، ومع العجز تسعة.
(وفي الظبي والثعلب والأرنب شاة (5) ، ثم الفض) المذكور لو تعذرت
______________________________________________________
- وأوجب الصدوق في حمار الوحش بدنة لأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش فقال : عليه بدنة) (1).
وعن ابن الجنيد التخيير في حمار الوحش بين البقرة والبدنة جمعا بين الأخبار.
(1) المسنة ما كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة ، وقال في المسالك (والظاهر أن المراد بالبقرة المسنة) وإلا فلا نص عليه بالخصوص ، ولذا قال في المدارك : (والمرجع في البقرة إلى ما يصدق عليه الاسم عرفا).
(2) لإطلاق قوله تعالى : ( فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (2).
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ومن كان عليه شي ء من الصيد فداؤه بقرة ، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد فليصم تسعة أيام) ((3).
(4) على الأكثر ، لصحيح أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوّم جزاؤه من النعم دراهم ، ثم قوّمت الدراهم طعاما ، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) (4)، وهو يشمل بقر الوحش وحماره ، ولما قامت الأدلة على إطعام ثلاثين مسكينا فعند العجز عنه فلا بد من الصوم ثلاثين يوما عن كل مسكين يوما كما هو الظاهر من هذا الخبر وعن المفيد والمرتضى وابن بابويه الاكتفاء بصيام التسعة مطلقا لصحيح معاوية بن عمار المتقدم.
(5) أما في الظبي فلا خلاف فيه ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت فإن أصاب ظبيا قال : عليه شاة ، قلت : فإن لم يقدر ، قال : فإطعام عشرة مساكين فإن لم يجد ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام) (5) ، وإطلاقه دال على الصوم ثلاثة أيام عند العجز عن -
ص: 541
الشاة ، (وسدس ما مضى) فيطعم عشرة ، ثم يصوم عشرة ، ثم ثلاثة ومقتضى تساويها في الفض والصوم أن قيمتها لو نقصت عن عشرة لم يجب الإكمال ، ويتبعها الصوم. وهذا يتم في الظبي خاصة ، للنص. أما الآخران فألحقهما به جماعة تبعا للشيخ ، ولا سند له ظاهرا. نعم ورد فيهما شاة ، فمع العجز عنها يرجع إلى الرواية العامة (1) بإطعام عشرة مساكين لمن عجز عنها ، ثم صيام ثلاثة.
______________________________________________________
الإطعام وهو الذي ذهب إليه سيد المدارك ، وغيره جعل الصوم ثلاثة أيام بعد العجز عن صوم عشرة أيام ، والصوم عشرة بعد العجز عن إطعام العشرة لما تقدم من صحيح أبي عبيدة الدال على الصوم يوما لكل مسكين إذا عجز عن إطعامه.
وأما الثعلب والأرنب ففيهما شاة ، بلا خلاف في ذلك ، لصحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأرنب يصيبه المحرم فقال : شاة هديا بالغ الكعبة) (1) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل قتل ثعلبا فقال : عليه دم ، قلت فأرنبا ، قال : مثل ما في الثعلب) (2)، هذا وقال سيد المدارك : (واختلف الأصحاب في مساواتهما للظبي في الأبدال من الطعام والصيام ، فذهب الشيخان والمرتضى وابن إدريس إلى تساوي الثلاثة في ذلك ، واقتصر ابن الجنيد وابن بابويه وابن أبي عقيل على الشاة ولم يتعرضوا لإبدالهما ، والأصح ثبوت الأبدال فيهما كما في الظبي لقوله عليه السلام في صحيحة أبي عبيدة : إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دارهم ، فإن الجزاء فتناول للجميع ، وفي صحيحة معاوية بن عمار : ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام ، وهي متناولة للجميع أيضا.
وقوّى الشارح عدم إلحاقهما بالظبي في الأبدال ، ثم حكم بالانتقال مع العجز عن الشاة هنا إلى إطعام عشرة مساكين ثم صيام الثلاثة أيام لهذه الرواية ، وقال : إن الفرق بين مدلول الرواية وبين إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة ، وعلى الرواية يجب إطعام العشرة.
ويتوجه عليه أن رواية أبي عبيدة المتضمنة للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناولة للجميع فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا ، مع أن اللازم مما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي وهو بعيد جدا).
(1) وهي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ومن كان عليه شاة فلم يجد -
ص: 542
وهذا هو الأقوى ، وفي الدروس نسب مشاركتهما له إلى الثلاثة (1). وهو مشعر بالضعف. وتظهر فائدة القولين (2) في وجوب إكمال إطعام العشرة وإن لم تبلغها القيمة على الثاني ، والاقتصار (3) في الإطعام على مد.
(وفي كسر بيض النعام لكل بيضة بكرة من الإبل) (4) وهي الفتية ، منها بنت المخاض فصاعدا (5) مع صدق اسم الفتى. والأقوى إجزاء البكر ، لأن مورد النص البكارة وهي جمع لبكر وبكرة (إن تحرك الفرخ) في البيضة ، (وإلا) يتحرك (أرسل فحولة الإبل في إناث) منها (بعدد البيض ، فالناتج هدي) بالغ الكعبة (6) ،
______________________________________________________
- فليطعم عشرة مساكين فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (1).
(1) أي نسب مشاركة الثعلب والأرنب للظبي إلى الثلاثة ، أي الشيخين والمرتضى.
(2) فعلى القول بالإلحاق يقتصر على القيمة فلو نقصت عن العشرة فلا يجب الإكمال ولو زادت عن العشرة فيقتصر على العشرة ، ويتبعها الصوم وعلى القول الثاني الذي قواه الشارح فعليه إطعام عشرة مساكين عند العجز عن الشاة ، سواء بلغت قيمته ذلك أو لا ، وعند العجز عن الإطعام يصوم عشرة أيام للرواية العامة.
(3) من لوازم القول الثاني ، وإطعامه مدا لأنه هو الظاهر من الرواية العامة ، بخلاف القول الأول فيأتي فيه الخلاف المتقدم في النعامة من إطعامه مدا أو مدين.
(4) إن تحرك الفرخ في البيضة بلا خلاف فيه ، لصحيح علي بن جعفر قال (سألت أخي عليه السلام عن رجل كسر بيض نعام ، وفي البيض فراخ قد تحرك ، فقال : عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر) (2) ، وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (في كتاب علي عليه السلام : في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل) (3) ، والبكر هو النقي من الإبل والأنثى بكرة كما عن الجمهرة والقاموس ، بل قال في الجواهر (بل لعله المعروف في اللغة).
(5) وعن ابن الأعرابي : البكر ابن المخاض وابن اللبون والحق والجذع.
(6) ويشترط عدد الإناث بعدد البيض ، وأما الذكور فلا تقدير لها إلا ما احتاجت إليها الإناث عادة ، ثم لا يكفي الإرسال بل لا بد من مشاهدة كل واحدة منها قد طرقها -
ص: 543
لا كغيره من الكفارات. ويعتبر في الأنثى صلاحية الحمل ، ومشاهدة الطرق ، وكفاية الفحل للإناث عادة ، ولا فرق بين كسر البيضة بنفسه ودابته (1) ، ولو ظهرت فاسدة ، أو الفرخ ميتا فلا شي ء (2) ، ولا يجب تربية الناتج (3) ، بل يجوز صرفه من حينه ، ويتخير بين صرفه مصالح الكعبة ومعونة الحاج كغيره من مال الكعبة (4).
(فإن عجز) عن الإرسال (فشاة عن البيضة) الصحيحة (5) ، (ثم) مع العجز عن الشاة (إطعام عشرة مساكين) (6) ...
______________________________________________________
- الفحل مع اشتراط صلاحية الإناث للحمل ، بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الإبل ، فإنه ربما فسد كله وربما خلق كله ، وربما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما ينتج الإبل فهو هدي بالغ الكعبة) (1).
(1) لصحيح أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها ، قال : قضى فيها أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة ، وقال عليه السلام : وما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه) (2).
(2) قال في المدارك : (ولو ظهرت البيضة فاسدة أو الفرخ ميتا لم يلزمه شي ء كما نص عليه في المنتهى لأنه بمنزلة الحجر).
(3) لظهور الأخبار المتقدمة في ذلك.
(4) قال في المدارك : (وليس في الأخبار ولا في كلام أكثر الأصحاب تعيين مصرف هذا الهدي ، والظاهر أن مصرفه مساكين الحرم كما في مطلق جزاء الصيد ، مع إطلاق الهدي عليه في الآية الشريفة ، وجزم الشارح في الروضة بالتخيير بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج كغيره من أموال الكعبة وهو غير واضح).
(5) لأن الفاسدة لا شي ء فيها.
(6) وإن عجز صام ثلاثة أيام على المشهور ، لخبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو محرم ، قال : يرسل الفحل في الإبل على عدد
ص: 544
لكل مسكين مد (1) وإنما أطلق (2) لأن ذلك ضابطه حيث لا نص على الزائد ، ومصرف الشاة والصدقة كغيرهما (3) ، لا كالمبدل ، (ثم صيام ثلاثة) أيام لو عجز عن الإطعام.
(وفي كسر كل بيضة من القطا (4) ...
______________________________________________________
- البيض ، قلت : فإن البيض يفسد كله ويصلح كله؟ قال : ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي ء ، فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام) (1).
وعن الصدوق من لم يجد شاة صام ثلاثة أيام فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في بيضة النعام شاة ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فمن لم يستطع فكفارته إطعام عشرة مساكين إذا أصابه وهو محرم) (2)، وهو ضعيف لاعراض الأصحاب عنه.
(1) كما نص عليه الخبر ، وأطلق القاضي أنه يعطى مدان ولا دليل عليه.
(2) أي المصنف فلم يقيد الإطعام بمد.
(3) من الكفارات فتصرف على الفقراء والمساكين ، والمعنى أن مصرف البدل هنا هو المساكين كمصرف الكفارات ، لا كمثل مصرف البدل في مصالح الكعبة وذلك لعدم تقييد المصرف هنا بالكعبة.
(4) ففيه صغير الغنم إن تحرك الفرخ في البيضة ، لصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (في كتاب علي عليه السلام : في بيض القطا مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل) (3) ، والبكارة جمع لبكر وبكرة ، وهو ما كان صغيرا وفتيا.
وعن الشيخ وابني حمزة وإدريس أنه يجب مخاض من الغنم ، لمضمر سليمان بن خالد (سألته عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه ، قال : يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل ، ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم) (4) ، وحمل ذيله على ما لو تحرك الفرخ ، كما أن صدره على أنه لم يتحرك ، وهذه الرواية قد اشتمل سندها على عدة من الضعفاء كما في المدارك ، وعلى كل فسيأتي أن في قتل القطا حمل فطيم فكيف يجب في بيضها إن تحرك فيه الفرخ مخاض من الغنم وهي -
ص: 545
(والقبج) (1) بسكون الباء وهو الحجل (والدراج (2) من صغار الغنم إن تحرك الفرخ) في البيضة. كذا أطلق المصنف هنا وجماعة ، وفي الدروس جعل في الأولين مخاضا من الغنم ، أي من شأنها الحمل ، ولم يذكر الثالث ، والنصوص خالية عن ذكر الصغير ، والموجود في الصحيح منها أن في بيض القطاة بكارة من الغنم ، وأما المخاض فمذكور في مقطوعة ، والعمل على الصحيح.
وقد تقدم أن المراد بالبكر الفتي ، وسيأتي أن في قتل القطا والقبج والدراج حمل مفطوم ، والفتى أعظم منه ، فيلزم وجوب الفداء للبيض أزيد مما يجب في الأصل ، إلا أن يحمل الفتى على الحمل فصاعدا ، وغايته حينئذ تساويهما في الفداء. وهو سهل.
وأما بيض القبج والدراج فخال عن النص ، ومن ثم اختلفت العبارات فيها ، ففي بعضها اختصاص موضع النص وهو بيض القطا ، وفي بعض ومنه الدروس الحاق القبج ، وفي ثالث إلحاق الدراج بهما ، ويمكن إلحاق القبج بالحمام في البيض ، لأنه صنف منه.
(وإلا) يتحرك الفرخ (أرسل في الغنم بالعدد) (3) كما تقدم في النعام (فإن)
______________________________________________________
- التي بلغت سنا يمكن فيه الحمل كما فسره البعض على ما في المسالك ، وهذا يلزم أن يكون في البيضة أكثر مما يلزم في أصلها ، وكذلك يأتي الإشكال إذا قلنا أن في البيضة بكرا من الغنم وهو الفتي إذ الفتي أعظم من المعظوم وأكبر سنا.
(1) وليس في بيض القبج نص بالخصوص كما نص على ذلك في المدارك والمسالك وغيرهما ، ولكن أكثر الأصحاب ألحق بيض القبج ببيض القطا للمشابهة ، وابن البراج والشارح وسيد المدارك ألحقه ببيض الحمام ، لأن القبج صنف منه ، وفي بيضة درهم كما سيأتي إنشاء الله تعالى.
(2) كما في القواعد والجامع والحاقة بالقطا للمشابهة أيضا.
(3) بلا خلاف فيه ، لصحيح منصور بن حازم وسليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (سألناه عن محرم وطئ بيض القطا فشدخه ، قال : يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل) (1) ، وهو محمول على ما لو لم يتحرك الفرخ جمعا بينه وبين ما تقدم المقتضي لتغاير الموضوع بسبب تغاير الحكم.
ص: 546
عجز) عن الإرسال (فكبيض النعام) (1). كذا أطلق الشيخ تبعا لظاهر الرواية (2) ، وتبعه الجماعة ، وظاهره (3) أن في كل بيضة شاة ، فإن عجز اطعم عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ، ويشكل بأن الشاة لا تجب في البيضة ابتداء (4) ، بل إنما
______________________________________________________
- ويشترط فيه ما اشترط في إرسال الفحل على إناث الإبل في النعامة ، من كون الهدي لبيت الله ، ومن صلاحية الإناث للحمل وغير ذلك.
(1) بمعنى لو عجز عن الإرسال فشاة ، وإن عجز عنها أطعم عشرة مساكين ، وإن عجز عنه صام ثلاثة أيام ، وهذا حكم قد ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط وتبعه عليه جماعة ، وهاهنا بحثان : الأول : في مستند الحكم ، قيل ربما أن يكون مستنده صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (في كتاب علي : في بيض القطا كفارة مثل ما في بيض النعام) (1) ، وفيه : إنه لا يصلح لذلك لأن المماثلة بين أصل الكفارتين ، وليس في الكيفية ، بالإضافة إلى أن في البيض إذا تحرك فيه الفرخ الإرسال الذي قد ينتج حملا فكيف يجب بعد العجز عن الإرسال شاة ، وهي أكبر من الحمل المحتمل تولده من الإرسال ، فلذا صرح جماعة منهم سيد المدارك بل ونقش الشارح في المسالك بعدم المستند لهذا الحكم.
وذهب ابن حمزة إلى أنه إذا تعذر الإرسال يتصدق عن كل بيضة قطاة بدرهم وهو لا مستند له أيضا فالتوقف أمر لا بد منه.
البحث الثاني : ما ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط هو بعد ذكر الإرسال ، قال : (فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام) ، وتابعه المحقق على ذلك في الشرائع ، واختلفوا في تفسير هذه العبارة المجملة ، فذهب ابن إدريس إلى أن مقتضى المماثلة أنه يجب مع العجز عن الإرسال شاة ، فإن عجز عنها أطعم عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وأشكل عليه العلامة في المنتهى بقوله (وعندي في ذلك تردد ، فإن الشاة تجب مع تحرك الفرخ لا غير ، بل ولا يجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيناه ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك ، وإمكان فساده ، وعدم خروج الفرخ فيه ، والأقرب أن مقصود الشيخ بمساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين ، أو الصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من الإطعام) انتهى ، والبحث في تفسير العبارة ساقط بعد عدم مستند حكمها.
(2) وهي صحيح سليمان بن خالد المتقدم وقد عرفت عدم دلالته.
(3) أي ظاهر الإطلاق.
(4) أي قبل العجز عن الإرسال بل يجب الحمل المحتمل من الإرسال.
ص: 547
يجب نتاجها حين تولد على تقدير حصوله ، وهو (1) أقل من الشاة بكثير ، فكيف يجب مع العجز ، وفسره (2) جماعة من المتأخرين منهم المصنف بأن المراد وجوب الأمرين الأخيرين دون الشاة (3) ، وهذا الحكم هو الأجود ، لا لما ذكروه ، لمنع كون الشاة أشق من الإرسال ، بل هي أسهل على أكثر الناس (4) ، لتوقفه على تحصيل الإناث والذكور ، وتحري زمن الحمل ومراجعتها إلى حين النتاج ، وصرفه هديا للكعبة وهذه أمور تعسر على الحاج غالبا أضعاف الشاة ، بل لأن الشاة (5) يجب أن تكون مجزئة هنا (6) بطريق أولى ، لأنها أعلى قيمة وأكثر منفعة من النتاج ، فتكون كبعض أفراد الواجب ، والإرسال أقله. ومتى تعذر الواجب انتقل إلى بدله ، وهو هنا الأمران الآخران من حيث البدل (7) العام ، لا الخاص (8) ، لقصوره عن
______________________________________________________
(1) أي النتاج.
(2) أي التماثل في عبارة الشيخ.
(3) لأن الشاة اشقّ من الإرسال وأكثر قيمة فلا يعقل أن تكون بدلا عن الإرسال الموجب للحمل على تقدير حصوله كما سمعت من عبارة المنتهى.
(4) قال في المسالك : (وقد يمنع من كون الإرسال أسهل مطلقا وإن كان أقل غرامة ، فإنه في الحقيقة تكليف شاق ، وربما كان على بعض الناس أشقّ من إخراج الشاة بكثير ، لأنه يتوقف على تحصيل الفحل المذكور وانتظار الشاة حتى تلد ، وصرف نتاجها في مصالح الكعبة إلى غير ذلك من الأحكام التي تعسر على كثير من الناس بخلاف ذبح الشاة وتفريقها على فقراء الحرم فإنه في الأغلب تكليف سهل).
(5) تعليل لما استجوده من الحكم بسقوط الشاة والاكتفاء بالإطعام ثم الصيام فقط.
(6) أي في صورة العجز عن الإرسال ، لأنه مع القدرة على الإرسال يجب الحمل من الإرسال على تقدير حصول الناتج ، فيقطع بفراغ الذمة لو دفع الشاة الكاملة عند العجز عن الإرسال.
(7) وهو المستفاد من صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ومن كانت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (1).
(8) أي البدل الخاص لما تقدم من عدم الدليل عليه ، وما ادعى من صحيح سليمان بن خالد كمستند للحكم فهو قاصر الدلالة كما تقدم.
ص: 548
الدلالة ، لأن بدليتهما (1) عن الشاة (2) يقتضي بدليتهما عما هو دونها قيمة (3) بطريق أولى.
(وفي الحمامة (4) وهي المطوقة أو ما تعبّ الماء) بالمهملة أي تشربه من غير مصّ كما تعبّ الدواب ، ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير.
وأو هنا يمكن كونه للتقسيم بمعنى كون كل واحد من النوعين حماما وكونه للترديد ، لاختلاف الفقهاء ، وأهل اللغة في اختيار كل منهما ، والمصنف في الدروس اختار الأول خاصة ، واختار المحقق والعلامة الثاني خاصة والظاهر أن التفاوت بينهما قليل ، أو منتف (5) ، وهو يصلح لجعل المصنف كلا منهما معرفا ، وعلى كل تقدير فلا بد من إخراج القطا والحجل من التعريف ، لأن لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام مع مشاركتهما له في التعريف كما صرح به جماعة.
______________________________________________________
(1) أي الإطعام ثم الصيام.
(2) من حيث البدل العام.
(3) وهو النتاج الحاصل من الإرسال على تقدير حصوله ، ولذا صح القول بأنه مع العجز عن الإرسال فالاطعام ثم الصيام ، وفيه : إن إثبات الشاة عند العجز عن الإرسال بالاولوية حكم اعتباري محض لا يمكن الآخذ به.
(4) الحمام هو كل طائر يهدر ويعبّ الماء وقيل هو كل مطوق ، والتعريف الأول قد ذكره الشيخ في المبسوط وجمع من الأصحاب ، وقال في المدارك (لم أقف عليه فيما وصل إلينا من كلام أهل اللغة) وفي الجواهر (ما عن الأزهري من أنه أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنه قال : كلما عبّ وهدر فهو حمام يدخل فيه القماري والدباسي والفواخت ، سواء كانت مطوّقة أو غير مطوقة) ومعنى أنه يهدر تواتر صوته ، ومعنى يعبّ الماء أنه يشربه من غير مصّ ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير.
والتعريف الثاني قد ذكره الشهيدان وغيرهما وهو المحكي عن الصحاح والقاموس وفقه اللغة وشمس العلوم ومصباح المنير قال الأخير : (والحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت والقماري والقطا والدواجن والوراشين واشباه ذلك ، ويقال للواحدة حمامة ، وتقع على الذكر والأنثى).
(5) وأشكل عليه في الجواهر (ضرورة أن جملة مما يهدر ويعبّ لا طوق له وبالعكس) ، والمدار على الصدق العرفي للفظ الحمام وليس على المعنى اللغوي.
ص: 549
وكفارة الحمام بأي معنى اعتبر (شاة على الحرم في الحل (1) ، ودرهم على المحل في الحرم) على المشهور (2) ، وروي أن عليه فيه القيمة ، وربما قيل بوجوب أكثر الأمرين من الدرهم ، والقيمة ، أما الدرهم فللنص وأما القيمة فله (3) ، أو لأنها تجب للمملوك في غير الحرم ففيه أولى ، والأقوى وجوب الدرهم مطلقا في غير الحمام المملوك ، وفيه الأمران معا الدرهم لله ، والقيمة للمالك ، وكذا القول في كل مملوك بالنسبة إلى فدائه وقيمته.
(ويجتمعان) الشاة والدرهم (على المحرم في الحرم) (4) ، الأول لكونه محرما ،
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وإن قتل فراخه ففيها حمل ، وإن وطئ البيض فعليه درهم) (1).
(2) لصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في الحمامة درهم وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم) (2) ، وصحيح صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (من أصاب طيرا في الحرم وهو محلّ فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم) (3).
وفي بعض الأخبار أن عليه قيمته ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة - إلى أن قال - فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها) (4) ، ولذا ذهب العلامة في المنتهى أن الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة ، وقرّب في التذكرة وجوب القيمة لو زادت عن الدرهم ، بل استشكل المحقق الثاني في جامعه بأجزاء الدرهم مطلقا لأن من قتل صيدا مملوكا في غير الحرم فيلزمه القيمة السوقية لمالكه بلغت ما بلغت ، فكيف يجزي الأنقص في الحرم ورده الشارح في المسالك (وهذا الإشكال يتوجه على القول بأن فداء المملوك لمالكه مطلقا ، وسيأتي أن الحق كون فدائه لله تعالى ، وللمالك القيمة السوقية ، ولا يبعد حينئذ أن يجب لله تعالى أقل من القيمة مع وجوبها للمالك).
(3) أي للنص أيضا.
(4) فالشاة لكونه محرما والدرهم لقتله إياها في الحرم وهذا هو مقتضى تعدد المسبب بتعدد -
ص: 550
والثاني لكونه في الحرم ، والأصل عدم التداخل ، خصوصا مع اختلاف حقيقة الواجب.
(وفي فرخها حمل) (1) بالتحريك من أولاد الضأن ما سنه أربعة أشهر فصاعدا (2) ، (ونصف درهم عليه) (3) أي على المحرم في الحرم (4) ، (ويتوزعان على)
______________________________________________________
- السبب ، وعن العماني شاة فقط وهو واضح الضعف كما في الجواهر.
للمحرم في الحل على المشهور ، للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم ، قال : عليه شاة - إلى أن قال - قلت : فمن قتل فرخا من حمام الحرم وهو محرم ، قال عليه السلام : عليه حمل) (1).
(1) وعن الكافي والغنية إن الحمل في فرخ حمام الحرم كما هو مورد الرواية ، وفي فرخ حمام غيره نصف درهم ، وهما محجوجان بأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وإن قتل فراخة ففيه حمل ، وإن وطئ البيض فعليه درهم) (2)وهو مطلق يشمل حمام الحرم وغيره.
(2) كما عن التذكرة والمنتهى والتحرير ، ويؤيده كلام أهل اللغة كما عن ابن قتيبة عن أدب الكاتب : (فإذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه فهو حمل وخروف) نعم يعارضه ما عن الدميري أنه إذا بلغ ستة أشهر.
(3) ونصف درهم في فرخ الحمام على المحل في الحرم ، للأخبار منها : صحيح ابن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا بمكة محلّ ، فقال لي : لم ذبحتهما؟ فقلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أني بالكوفة ولم أذكر الحرم فذبحتهما ، فقال : عليك قيمتها ، قلت : كم قيمتها؟ قال : درهم وهو خير منهما) (3) ، وعليه يحمل صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في الحمامة درهم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيض ربع درهم) (4) ، ومثله صحيح عبد الرحمن الآخر (5).
(4) فالشاة لإحرامه ونصف درهم لكونه في الحرم لتعدد السبب ، بالإضافة إلى أخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم ، قال : عليه شاة وقيمة الحمامة درهم يعلف به حمام الحرم ، وإن كان فرخا فعليه حمل وقيمة الفرخ نصف درهم يعلف به حمام الحرم) (6).
ص: 551
(أحدهما) فيجب الأول على المحرم في الحل ، والثاني على المحل في الحرم بقرينة ما تقدم ، ترتيبا وواجبا ، (وفي بيضها (1) درهم وربع) على المحرم في الحرم.
(ويتوزعان على أحدهما) ، وفي بعض النسخ إحداهما فيهما (2) أي الفاعلين ، أو الحالتين فيجب درهم على المحرم في الحل ، وربع على المحل في الحرم. ولم يفرّق في البيض بين كونه قبل تحرك الفرخ وبعده.
والظاهر أن مراده الأول (3) ، أما الثاني (4) فحكمه حكم الفرخ كما صرح به
______________________________________________________
(1) مع عدم تحرك الفرخ فعلى المحل في الحرم ربع درهم ، لصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في الحمام درهم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم) (1) ، وهو محمول على المحل في الحرم بقرينة صحيح ابن الحجاج المتقدم ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
وعلى المحرم في الحل درهم ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وإن قتل فراخة ففيه حمل ، وإن وطئ البيض فعليه درهم) (2) ، وهو محمول على المحرم في الحل بشهادة خبر أبي بصير المتقدم في قتل فرخ الحمام ويجتمع الأمران من الدرهم والربع على المحرم في الحرم ، فالدرهم لإحرامه والربع للحرم ، لقاعدة تعدد المسببات بتعدد الأسباب.
(2) في الموضعين من كلام الماتن.
(3) أي قبل تحرك الفرخ.
(4) أي بعد تحرك الفرخ ففيه حمل كما عن الشيخ وأكثر الأصحاب ، لصحيح علي بن جعفر (سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل كسر بيض الحمام ، وفي البيض فراخ قد تحرك ، فقال : عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة ، ويتصدق بلحومها إن كان محرما ، وإن كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم) (3) ، بإرادة الحمل من الشاة ، ويشهد له صحيح الحلبي (قال : حرّك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم ، فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال : جديين أو حملين) (4).
ص: 552
في الدروس ، وإن كان الحاقة به (1) مع الإطلاق ، لا يخلو من بعد ، وكذلك لم يفرّق بين الحمام المملوك وغيره ، ولا بين الحرمي وغيره.
والحق ثبوت الفرق كما صرّح به في الدروس وغيره (2) ، فغير المملوك حكمه ذلك (3) ، والحرمي (4) ...
______________________________________________________
- وذهب المحقق والعلامة وسيد المدارك أنه سواء كان محلا أو محرما وسواء كان في الحل أو الحرم.
وصرح الشهيدان وصاحب الجواهر أن الحمل في البيض إذا تحرك الفرخ مخصوص للمحرم في الحل ، وأما المحلّ في الحرم فيجب عليه نصف درهم ، ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم ، وفي المدارك (أن مستنده غير واضح) ، وردّ عليه صاحب الجواهر بأن المحل في الحرم لو قتل نفس الفرخ فعليه نصف درهم كما تقدم ، فلو قتله في داخل البيضة فكذلك ولذا حملت هذه الأخبار - وإن كان عامة - على المحرم في الحلّ فقط ، وأما اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم لتعدد السبب.
(1) أي إلحاق البيض مع تحرك الفرخ بالفرخ ، مع إطلاق عبارة الماتن هنا حيث قال : (وفي بيضها درهم وربع) وهو شامل لما قبل التحرك وبعده ، فهذا الإلحاق هنا نظرا إلى إطلاق عبارة المصنف لا يخلو من بعد.
(2) أي غير المصنف.
(3) أي المذكور في المتن.
(4) أي من غير المملوك ، اعلم أنه لا فرق بين الحمام الأهلي وحمام الحرم في القيمة ، لكن يشتري بقيمة الحرمي علف لحمام الحرم ، ويتصدق بقيمة غير الحرمي على المساكين بلا خلاف في ذلك ، للأخبار منها : خبر حماد بن عثمان (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل أصاب طيرين ، واحدا من حمام الحرم والآخر من حمام غير الحرم ، قال : يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدق بجزاء الآخر) (1) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أهدي له حمام أهلي وجي ء به وهو في الحرم محلّ ، قال : إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) (2) ، وهو دال على التصدق بثمن حمام غير الحرم على المساكين ، ومثله غيره ، وصحيح صفوان بن يحيى عن
ص: 553
منه ، يشترى بقيمته الشاملة للفداء (1) علفا لحمامه ، وليكن قمحا للرواية ، والمملوك كذلك (2) ، مع إذن المالك ، أو كونه المتلف ، وإلا وجب ما ذكر لله وقيمته السوقية للمالك.
(وفي كل واحد من القطا والحجل والدراج حمل مفطوم رعى) (3) قد كمل سنه أربعة أشهر ، وهو قريب من صغير الغنم في فرخها ولا بعد في تساوي فداء الصغير والكبير كما ذكرناه.
______________________________________________________
- أبي الحسن الرضا عليه السلام (من أصاب طيرا في الحرم وهو محلّ فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم) (1) ، وهو محمول على حمام الحرم بشهادة خبر حماد المتقدم المتضمن لحكم حمام الحرم وحكم حمام غيره.
ثم المراد من القيمة الواردة في هذه الأخبار هي ما قابل الفداء المقدّرة بالدرهم ونصفه وربعه كما عن الجواهر والمدارك وغيرهما ، وعن الشارح في المسالك والروضة هنا أن القيمة ما يعم الفداء والدرهم ، أي يشمل الشاة فيما لو كان الجزاء شاة ويشمل الدرهم فيما لو كان الجزاء دفع قيمة الحمام أو بيضه أو فرخه ، وفيه منع واضح كما في الجواهر لأنه لم تنص الأخبار على كون الفداء لحمام الحرم وإنما نصت على الدرهم أنه يشتري به علف لحمام الحرم ، فتبقى الشاة ولا بدّ من صرفها على المساكين هذا من جهة ومن جهة أخرى فالحمام الأهلي في قبال حمام الحرم وكلاهما غير مملوك ، وإما لو كان الحمام الأهلي مملوكا وقد أتلفه بغير إذن مالكه فقد صرح العلامة في المنتهى وتابعه الشارح في المسالك والروضة هنا أنه اجتمع على متلفه القيمة على المساكين والقيمة لمالكه ، قال في المسالك : (وأما الأهلي فقد اطلقوا وجوب الصدقة بقيمته على المساكين ، وينبغي أن يكون في موضع لا يضمنه للمالك وإلا كان فداؤه للمساكين وقيمته للمالك ، فينبغي تأمل ذلك ، فإن النص والفتوى مطلقان) ، وهو قوى جمعا بين أدلة ضمان مال الغير وبين ما دل على قيمة الحمام لو أتلفه في الحرم أو وهو محرم.
(1) وقد عرفت ضعفه.
(2) أي حكمه ما ذكر من غير المملوك بصرف قيمته على المساكين.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (وجدنا في كتاب علي عليه السلام في القطاة - إذا أصابها المحرم - حمل قد فطم من اللبن وأكل من -
ص: 554
وهو أولى من حمل المصنف الخاص الذي اختاره ثمّ (1) على بنت المخاض ، أو على أن فيها (2) هنا مخاضا بطريق أولى ، للإجماع على انتفاء الأمرين.
وكذا مما قيل : من أن مبنى شرعنا على اختلاف المتفقات ، واتفاق المختلفات ، فجاز أن يثبت في الصغير زيادة على الكبير.
والوجه ما ذكرناه (3) ، لعدم التنافي بوجه. هذا على تقدير اختيار صغير الغنم في الصغير (4) كما اختاره المصنف ، أو على وجوب الفتى كما اخترناه ، وحمله على الحمل ، وإلا بقي الأشكال (5).
______________________________________________________
- الشجر) (1) ، وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه السلام (في كتاب أمير المؤمنين علي عليه السلام : من أصاب قطاة أو حجلة أو درّاجة أو نظيرهنّ فعليه دم) (2)، وقد تقدم أن الحمل ما كان له أربعة أشهر ، وقد تقدم أنه في بيض القطا - إن تحرك الفرخ - بكر من الغنم وهو الفتي أو مخاض من الغنم وكلاهما أكبر من الحمل فكيف يجب في فرخ البيضة أكبر مما يجب في نفس الطائر قال في المسالك : (وأجاب في الدروس بإمكان حمل المخاض هناك - أي في بيض القطا إن تحرك الفرخ - على بنت مخاض ، أو أن فيه دليلا على أن فيه القطاة أيضا مخاض بطريق أولى ، ويؤيده ما رواه سليمان بن خالد أن في كتاب علي عليه السلام من أصاب قطاة أو حجلة أو درّاجة أو نظيرهنّ فعليه دم ، أو يجمع بين الأخبار بالتخيير ، وهذه أجوبة كلها مندفعة بالإجماع على نفي مدلولها ، إذ لم يقل احد بوجوب بنت مخاض في قتل هذه - أي في القطاة - ولا ما يزيد على الحمل ، وقد أجيب أيضا بأن مبنى شرعنا على اختلاف المماثلات واتفاق المختلفات فجاز أن يثبت في الصغير أزيد مما يثبت في الكبير في بعض الموارد ، وفي بعض آخر بالعكس ، وإن كان ذلك خلاف الغالب ، وأجود ما هنا ما أسلفناه من أن الواجب في الفرخ إنما هو بكارة من صغار الغنم وهي غير منافية للحمل ، وغايتها المساواة له في جانب القلة ، وهو أمر سائغ عقلا ، فإن مساواة الصغير للكبير في الحكم امر واقع).
(1) أي هناك في فرخ البيضة.
(2) أي في القطاة هنا.
(3) من ثبوت بكر من الغنم في الفرخ وهو غير مناف للحمل في نفس القطا.
(4) أي في الفرخ الموجود في البيضة.
(5) من كون فداء الفرخ أكثر من فداء نفس الطائر.
ص: 555
(وفي كل من القنفذ والضب واليربوع جدي) (1) ، على المشهور. وقيل : حمل فطيم ، والمروي ، الأول ، وإن كان الثاني مجزئا بطريق أولى. ولعل القائل فسّر به الجدي.
(وفي كل من القبّرة) بالقاف المضمومة ثم الباء المشددة بغير نون بينهما ، (والصعوة) وهي عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به (والعصفور) بضم العين وهو ما دون الحمامة ، فيشمل الأخيرين ، وإنما جمعهما تبعا للنص ، ويمكن أن يريد به العصفور الأهلي كما سيأتي تفسيره به في الأطعمة ، فيغايرهما (مد) من (طعام) (2) وهو هنا ما يؤكل من الحبوب وفروعها ، والتمر والزبيب وشبهها.
(وفي الجرادة تمرة) (3) ، وتمرة خير من جرادة.
(وقيل : كف من طعام) وهو مروي أيضا ، فيتخير بينهما جمعا واختاره في
______________________________________________________
(1) هو المشهور بين الأصحاب ، لصحيح مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (في اليربوع والقنفذ والضبّ إذا أصابه المحرم فعليه جدي ، والجدي خير منه ، وإنما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد) (1).
وألحق المفيد والشيخ بهذه الثلاثة ما أشبهها ، وأوجب أبو الصلاح فيها حملا فطيما ، وليس لهما مستند كما في المدارك.
والجدي من حين ما تضعه أمه إلى أن يرعى ويقوى ، كما عن أدب الكاتب ، وعن البعض أنه من أربعة أشهر إلى أن يرعى ، والحق أن الجدي أعم من الحمل الفطيم بحسب الصدق.
(2) على المشهور ، لمرسل صفوان بن يحيى عن عبد الله عليه السلام (القبّرة والصعوة والعصفور إذا قتله المحرم فعليه مدّ من طعام ، لكل واحد منهم) (2).
وأوجب الصدوقان على كل طائر ما عدا النعامة شاة ، لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم ذبح طيرا قال : إن عليه دم شاة يهريقه ، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن) (3) ، وهو مخصص عند المشهور بالخبر الأول.
(3) كما عن الخلاف والمهذب والجامع والسرائر ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي -
ص: 556
الدروس ، (وفي كثير الجراد شاة) (1) ، والمرجع في الكثرة إلى العرف ، ويحتمل اللغة فيكون الثلاثة كثيرا ، ويجب لما دونه في كل واحدة تمرة ، أو كف.
(ولو لم يمكن التحرز) من قتله ، بأن كان على طريقة بحيث لا يمكن التحرز منه إلا بمشقة كثيرة لا تتحمل عادة ، لا الإمكان الحقيقي (فلا شي ء (2). وفي القملة) يلقيها عن ثوبه ، أو بدنه وما أشبههما ، أو يقتلها (كف) من (طعام) (3) ، ولا
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (قلت ما تقول. في رجل قتل جرادة وهو محرم ، قال : ثمرة خير من جرادة) (1) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في محرم قتل جرادة ، قال : يطعم ثمرة ، وثمرة خير من جرادة) (2).
وعن النافع والشرائع والقواعد والغنية والمراسم والمقنعة كف من طعام لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن محرم قتل جرادة ، قال : كف من طعام وإن كان كثيرا فعليه دم شاة (3).
وعن المبسوط والتهذيب والتحرير والمدارك التخيير بينها جمعا بين الأخبار.
(1) بلا خلاف فيه ، لصحيح ابن مسلم المتقدم ، ويرجع في تحديد الكثرة إلى العرف.
(2) أي لا إثم ولا كفارة ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فإن لم يجد بدّا فقتل فلا بأس) (4) ، وصحيح معاوية (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون فكيف يصنعون؟ قال : يتنكبونه ما استطاعوا ، قلت : فإن قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال : لا شي ء عليهم) (5).
(3) ففي قتلها أو إلقائها كف من طعام ، لخبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : فليطعم مكانها طعاما) (6) ، وصحيح الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وإن فعل شيئا من ذلك خطاء فليطعم مكانها طعاما قبضة يده) (7).
وبعضهم كسيد المدارك حمل الكفارة على الاستحباب ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ما تقول في محرم قتل قملة ، قال : لا شي ء في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها) (8)، وحمل عند المشهور على الضرورة.
ص: 557
شي ء في البرغوث (1) وإن منعنا قتله ، وجميع ما ذكر حكم المحرم في الحل (2) ، أما المحل في الحرم فعليه القيمة فيما لم ينص على غيرها ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، ولو لم يكن له قيمة فكفارته الاستغفار (3).
(ولو نفّر حمام الحرم وعاد) إلى محله (فشاة) عن الجميع ، (وإلا) يعد (فعن كل واحدة شاة) على المشهور (4) ، ومستنده غير معلوم ، وإطلاق الحكم يشمل
______________________________________________________
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده) (1) ، وإلقائه لا يجوز لنا قتله ، ولكن قتله لا يوجب شيئا للأصل.
(2) لظهور الأخبار المتقدمة في أنه فداء من جهة إحرامه ، وأما لو قتله المحل في الحرم فعليه ما ذكر في الموارد المنصوصة المتقدمة ، وما لا تقدير لفديته فعليه قيمته ، لصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (في الضبي شاة وفي البقرة بقرة وفي الحمار بدنة وفي النعامة بدنة ، وفيما سوى ذلك قيمته) ((2) وتثبت القيمة بتقويم عدلين عارفين ، وأما لو قتله المحرم في الحرم فيجتمع عليه الأمران لقاعدة تعدد السبب ويدل على الجميع صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة ، وإن اصبته وأنت حرام في الحل فعليك القيمة ، وإن اصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا) (3) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمامة مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها) (4).
(3) لرفع الاثم ولا يجب غيره للأصل بعد عدم القيمة له.
(4) قال الشارح في المسالك : (وإنما نسب ذلك إلى القيل - أي نسبه المحقق في الشرائع - لعدم وقوفه على مستنده ، فإن الشيخ رضوان الله عليه قال : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ولم أجد به حديثا مسندا ، ثم اشتهر بين الأصحاب حتى كاد أن يكون اجماعا ، ولقد كان المتقدمون يرجعون إلى فتوى هذا الصدوق عند عدم النص إقامة لها
ص: 558
مطلق التنفير وإن لم يخرج من الحرم ، وقيده المصنف في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم ، وظاهرهم أن هذا حكم المحرم في الحرم (1) ، فلو كان محلا فمقتضى القواعد وجوب القيمة إن لم يعد ، تنزيلا له منزلة الاتلاف.
ويشكل حكمه مع العود (2) ، وكذا حكم (3) المحرم لو فعل ذلك في الحل ولو كان المنفّر واحدة ففي وجوب الشاة مع عودها وعدمه (4) تساوي الحالتين وهو بعيد.
ويمكن عدم وجوب شي ء مع العود (5) وقوفا فيما خالف الأصل على
______________________________________________________
- مقامه ، بناء على أنه لا يحكم إلا بما دل عليه النص الصحيح عنده ، وحينئذ فلا مجال للمخالفة هنا).
ثم إن هذا الحكم يشمل مطلق التنفير وإن لم يخرج من الحرم بل وإن لم يغب عن العين ، ولكن عن العلامة في التذكرة والشهيد في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم والمراد بعودها رجوعها إلى محلها من الحرم.
(1) قد صرح سيد المدارك بخلافه حيث قال : (وإطلاق كلام المصنف وغيره يقتضي عدم الفرق في المنفّر بين أن يكون محلا أو محرما ، واحتمل بعض الأصحاب وجوب الفداء والقيمة إذا كان محرما في الحرم ، وهو بعيد جدا ، أما مع العود فواضح وأما مع عدمه فلأن مثل ذلك لا يعدّ إتلافا).
بل ظاهر كلام الشارح في المسالك خلاف ما قاله هنا في الروضة حيث قال هناك : (هذا الحكم على إطلاقه لا يناسب القواعد الماضية من وجوب الفداء على المحرم في الحل والقيمة على المحل في الحرم ، والأمرين معا على المحرم في الحرم ، والذي يطابقها منه أن يحمل الحكم المذكور على ما لو نفّرها المحرم في الحل ، فلو كان محلا في الحرم وجبت القيمة ، أو محرما في الحرم وجبت الشاة والقيمة ، خصوصا إذا لم يعد ، فإن ذلك منزل منزلة الإتلاف فيكون في حكم القاتل).
(2) إذ مع العود فلا اتلاف فكيف حكم بالقيمة.
(3) أي يشكل حكمه مع العود إلى مكانه لأنه لا يعتبر إتلافا فلم وجب عليه الفداء.
(4) وجهان مبنيان على أن الحمام اسم جنس أو جمع فعلى الأول يتعلق الحكم المذكور بالواحدة دون الثاني ، وعن العلامة في القواعد وجماعة عدم وجوب الشاة في تنفير الواحدة مع العود حذرا من لزوم تساوي حالتي العود وعدمه مع أن مقتضى أصل الحكم الفرق بينهما.
(5) أي عود الواحدة المنفّرة للأصل بعد كون الحكم المذكور في كلمات الأصحاب ناظرا إلى -
ص: 559
موضع اليقين وهو الحمام ، وإن لم نجعله اسم جنس (1) يقع على الواحدة.
وكذا الإشكال لو عاد البعض خاصة وكان كل من الذاهب والعائد واحدة (2). بل الإشكال في العائد وإن كثر (3) ، لعدم صدق عود الجميع الموجب للشاة ، ولو كان المنفّر ، جماعة ففي تعدد الفداء عليهم ، أو اشتراكهم فيه ، خصوصا مع كون فعل كل واحد لا يوجب النفور وجهان وكذا (4) في إلحاق غير الحمام به (5) ، وحيث لا نص ظاهرا ينبغي القطع بعدم اللحوق ، فلو عاد فلا شي ء ، ولو لم يعد ففي إلحاقه بالاتلاف نظر ، لاختلاف الحقيقتين (6) ، ولو شك في العدد بني على الأقل ، وفي العود (7) على عدمه عملا بالأصل فيهما (8).
(ولو أغلق على حمام وفراخ وبيض (9) فكالإتلاف ، مع جهل الحال ، أو علم)
______________________________________________________
- الحمام بملاحظة قولهم ، ففي كل حمامة شاة من دون فرق بين كون الحمام جمع أو لا ، بل وإن قلنا إنه اسم جنس.
(1) بل وإن جعلناه فالمقصود من الحمام في الحكم المذكور عندهم هو الجمع لقرينة قولهم ففي كل حمامة شاة.
(2) بحيث نفّر اثنتين فذهبت واحدة وعادت الأخرى ، فمع ذهاب الواحدة شاة مع أنه لو عادتا معا شاة أيضا فينشأ الإشكال من أن عدم عود الذاهبة وعودها على حد سواء ، وهو بعيد.
(3) فالحكم المذكور متضمن لوجوب الشاة مع عود الجميع ، ففي عود البعض شاة أو شي ء لعدم النص فيه مع أصالة البراءة ، أو احتمال وجوب جزء من الشاة بنسبة الجميع فلو كان الجميع أربعا وعاد النصف فنصف شاة وهكذا ، وهذه الاحتمالات الثلاثة قد ذكرها الشارح في المسالك.
(4) أي الوجهان.
(5) كالظبي وغير الحمام من الطيور.
(6) من الاتلاف وعدم العود.
(7) أي ولو شك في العود.
(8) قال سيد المدارك وقد أجاد : (والكلام في فروع هذه المسألة قليل الفائدة لعدم ثبوت مستند الحكم من أصله كما اعترف به الشيخ وغيره ، والمطابق للقواعد عدم وجوب شي ء مع العود ، ولزوم فدية التلف على الوجه المقرّر في حكم الإحرام مع عدمه إن نزّلنا التنفير مع عدم العود منزلة الإتلاف ، وإلا اتجه السقوط مطلقا).
(9) والمستند فيه خبر يونس بن يعقوب (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغلق بابه على
ص: 560
التلف) فيضمن المحرم في الحل كل حمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ، والمحل في الحرم الحمامة بدرهم ، والفرخ بنصفه ، والبيضة بربعه ، ويجتمعان على من جمع الوصفين ، ولا فرق بين حمام الحرم وغيره إلا على الوجه السابق (1).
(ولو باشر الإتلاف جماعة أو تسببوا) (2) ، أو باشر بعض وتسبب الباقون (فعلى كل فداء) (3) ، لأن كل واحد من الفعلين موجب له ، وكذا لو باشر واحد أمورا متعددة يجب لكل منها الفداء ، كما لو اصطاد وذبح وأكل ، أو كسر البيض وأكل أو دل على الصيد وأكل ، ولا فرق بين كونهم محرمين ومحلّين في الحرم ، والتفريق فيلزم كلا حكمه ، فيجتمع على المحرم منهم في الحرم الأمران.
______________________________________________________
- حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، فقال : إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، والبيض لكل بيضة ربع درهم ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة ولكل فرخ حملا ، وللبيض نصف درهم) (1).
وظاهر الرواية إن نفس الإغلاق يقتضي الفدية أو الثمن ، وبهذا أفتى الشيخ في النهاية والمبسوط والعلامة في المنتهى ، وقيدها المشهور فيما لو كان الإغلاف سببا للتلف أو جهل الحال كما لو رمى الصيد وجهل حاله فإن عليه كفارة ، أما لو خرج ما أغلق عليه سالما فالمشهور عدم وجوب الكفارة للأصل ولفحوى ما دل على عدم الضمان فيما لو أخذه ثم أرسله.
(1) من أنه إذا كان حماما للحرم فيشتري به علفا لحمامه ، وإلا فيتصدق به على المساكين.
(2) بناء على أن السبب قائم مقام المباشرة.
(3) للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اجتمع قوم على صيد ، وهم محرمون في صيده ، أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته) (2) ، وصحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام (في محرمين أصابا صيدا ، قال : على كل واحد منهما الفداء) (3)، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ قال : على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملا) (4). وظاهر الروايات أن الضمان عليهم إذا كانوا محرمين ، وذكر الشارح أنه لا فرق في هذا الحكم بين المحرمين والمحلين في الحرم ، وقال -
ص: 561
(وفي كسر قرني الغزال (1) نصف قيمته ، وفي عينيه ، أو يديه ، أو رجليه القيمة ، والواحد بالحساب) ففيه نصف القيمة ، ولو جمع بينه وبين آخر من اثنين فتمام القيمة ، وهكذا.
هذا هو المشهور ومستنده ضعيف ، وزعموا أن ضعفه منجبر بالشهرة ، وفي الدروس جزم بالحكم في العينين ، ونسبه في اليدين والرجلين إلى القيل.
والأقوى وجوب الأرش في الجميع ، لأنه نقص حدث على الصيد فيجب أرشه حيث لا معيّن يعتمد عليه.
(ولا يدخل الصيد في ملك المحرم (2) بحيازة ، ولا عقد ، ولا أرث) ، ولا
______________________________________________________
- عنه سيد المدارك (وهو غير واضح) ، ولكن التعميم الذي ذهب إليه الشارح مستندا إلى غير هذه الأخبار ، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرام فقيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد) (1) ، والفداء هنا يراد به القيمة.
(1) على المشهور ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت : فما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل ، قال : عليه ربع قيمة الغزال ، قلت : فإن كسر مر فيه؟ قال : عليه نصف قيمته يتصدق به ، قلت : فإن هو فقأ عينيه؟ قال : عليه قيمته ، قلت : فإن هو كسر إحدى يديه؟ قال : عليه نصف قيمته ، قلت : فإن هو كسر إحدى رجليه؟ قال : عليه نصف قيمته ، قلت : فإن هو قتله؟ قال : عليه قيمته؟ قلت : فإن هو فعل به وهو محرم في الحرم؟ قال : عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم) (2) ، وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية والمبسوط ، ولكن سندها مشتمل على عدة من الضعفاء ، منهم أبو جميلة المفضل بن صالح وهو كان كذابا يصنع الحديث ، كما في الخلاصة ، فلذا ذهب الأكثر إلى ثبوت الأرش في الجميع.
(2) بل يجب عليه إرساله أيضا ، وهو حكم مقطوع به بين الأصحاب لما في المدارك ، لخبر أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحرم أحد ومعه شي ء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه) (3) ، وخبر بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل أصاب ظبيا -
ص: 562
غيرها من الأسباب المملّكة كنذره له. هذا إذا كان عنده.
أما النائي فالأقوى دخوله في ملكه ابتداء اختيارا كالشراء وغيره كالإرث ، وعدم خروجه بالإحرام ، والمرجع فيه إلى العرف.
(ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة (1) بتلك اليد الجانية) ، وليس في العبارة (2) أنه نتفها باليد حتى يشير إليها بل هي أعم (3) ، لجواز نتفها بغيرها ، والرواية وردت بأنه يتصدق باليد الجانية وهي سالمة من الإيراد (4) ، ولو اتفق
______________________________________________________
- فادخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شي ء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء) (1).
وعن ابن الجنيد والشيخ الحكم بدخوله في الملك وإن وجب إرساله كما هو ظاهر الخبرين.
هذا كله إذا كان معه الصيد ، وأما إذا لم يكن معه بل كان في ملكه وكان نائيا لم يزل ملكه ، لصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (الصيد يكون عند الرجل من الوحشي في أهله ومن الطير يحرم وهو في منزله ، قال : وما به بأس) (2) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يحرم وعنده في أهله صيد إما وحش وإما طير ، قال : لا بأس) (3)ومثلها غيرها.
وقال الشارح في المسالك : (هذا هو المشهور وعليه العمل ، وكما لا يمنع الإحرام استدامة ملك العبد لا يمنع ابتدائه ، فلو اشترى ثمة صيدا أو اتهبه أو ورثه انتقل إلى ملكه أيضا ، والمرجع في النائي والقريب إلى العرف).
(1) بلا خلاف فيه ، لخبر إبراهيم بن ميمون المنجبر بعمل الأصحاب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل نتف ريش حمامة من حمام الحرم ، قال : يتصدق بصدقة على مسكين ، ويعطي باليد التي نتف بها ، فإنه قد أوجعه) (4).
(2) أي عبارة المصنف.
(3) أي بل العبارة أعم إذ قد يتحقق النتف بالفم أو بالرجل.
(4) الذي أورده الشارح على الماتن.
ص: 563
النتف بغير اليد جازت الصدقة كيف شاء (1) ويجزئ مسماها (2) ، ولا تسقط (3) بنبأت الريش ، ولا تجزئ بغير اليد (4) الجانية.
ولو نتف أكثر من ريشة (5) ففي الرجوع إلى الأرش عملا بالقاعدة ، أو تعدد الصدقة بتعدده وجهان اختار ثانيهما المصنف في الدروس ، وهو حسن إن وقع النتف على التعاقب ، وإلا فالأول أحسن إن أوجب أرشا (6) ، وإلا تصدق بشي ء ، لثبوته بطريق أولى ، ولو نتف غير الحمامة ، أو غير الريش (7) فالأرش (8) ، ولو أحدث ما لا يوجب الأرش نقصا (9) ضمن أرشه ، ولا يجب تسليمه باليد الجانية للأصل.
______________________________________________________
(1) للأصل.
(2) لتحقق الامتثال بالمسمى بعد عدم التعيين في الرواية.
(3) الصدقة ، خلافا لبعض العامة وذلك لصدق النتف سواء نبت مكانها أو لا.
(4) لظاهر الخبر.
(5) اعلم أن مورد الرواية نتف الريشة الواحدة ، فلو نتف أكثر من ذلك احتمل الأرش كغيره من الجنايات ، واحتمل تعدد الصدقة بتعدد الريش ، والثاني اختيار الدروس ، وقوى العلامة في المنتهى من تكرر الفدية إن كان النتف متفرقا وإلا فالارش إن كان النتف دفعة ، هذا كله بناء على أن الوارد (رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم) كما أوردناه وهو المروي في التهذيب ، وإما المروي في الكافي والفقيه (رجل نتف حمامة من حمام الحرم) وهو يتناول الريشة والأكثر.
(6) أي أوجب نقصا يستدعي الأرش وإلا إن لم يستدع نتف الأكثر نقصا فتجب الصدقة بشي ء لأن ثبوت الصدقة في الواحدة يستلزم ثبوتها في الزائد بطريق أولى كما قاله الشارح في المسالك.
(7) كالوبر من الحمامة.
(8) لأنه الأصل في الجنايات.
(9) قال الشارح في المسالك (ولو أحدث - ما لا يوجب الأرش كالريشة الواحدة - نقصا في الحمامة ضمن أرشه ، والأقوى عدم وجوب تسليمه باليد الجانية كغيره من ضروب الارش لعدم النص المعتبر) ، والمعنى أن نتف الريشة من الحمامة يوجب التصدق للخبر فلو أحدث مع ذلك نقصا فعليه الارش والصدقة ، والصدقة يجب تسليمها باليد الجانية للخبر ، وأما الارش فلا للأصل.
ص: 564
(وجزاؤه) أي جزاء الصيد مطلقا (1) يجب إخراجه (بمنى) إن وقع (في إحرام الحج ، وبمكة في إحرام العمرة) (2) ، ولو افتقر إلى الذبح وجب فيهما (3) أيضا كالصدقة ، ولا تجزئ الصدقة قبل الذبح (4) ، ومستحقه الفقراء والمساكين (5) بالحرم فعلا ، أو قوة كوكيلهم فيه ، ولا يجوز الأكل منه (6) إلا بعد انتقاله إلى المستحق بإذنه (7) ، ويجوز في الإطعام (8) التمليك والأكل.
(البحث الثاني : في كفارة باقي المحرمات -) (في الوطء) عامدا عالما بالتحريم ،
______________________________________________________
(1) مهما كان نوع الصيد ، وسواء كان فداء أو أرشا أو قيمة.
(2) للأخبار ، منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من وجب عليه فداء صيد أصابه محرما ، فإن كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمتن ، وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة) ((1).
(3) أي في مكة ومنى وقد لا يقتصر إلى الذبح ككف من الطعام والصدقة بثمنه والأرش.
(4) بلا خلاف فيه ، وهو المنصرف من أخبار التصدق بالفداء.
(5) فالصدقة للأمر بها في الاخبار ، منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن فداء الصيد يأكل من لحمه ، فقال : يأكل من اضحيته ويتصدق بالفداء) (2) ، وخبر أبي بصير (سألته عن رجل أهدى هديا فانكسر ، فقال : إن كان مضمونا - والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا ، أو جزاء - فعليه جزاؤه ، قلت : أيأكل منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فإن لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء) (3)، وخبر عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه ، وكل هدي من تمام الحج فكل) (4) ، وهي ظاهرة في أن مصرفها الفقراء والمساكين ، وعن العلامة أن مصرفها لفقراء ومساكين الحرم وتبعه عليه جماعة.
(6) فلو أكل ضمن ، ويشهد له خبر حريز (إن الهدي المضمون لا يؤكل منه إذا أعطب ، فإن أكل منه غرم) (5).
(7) أي بإذن المستحق.
(8) أي اطعام المستحق.
ص: 565
(قبلا ، أو دبرا قبل المشعر وإن وقف بعرفة) على أصح القولين (بدنة (1) ، ويتم)
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : إن كان جاهلا فليس عليه شي ء ، وإن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة ، ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ، ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليها الحج من قابل) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) (2)، وصحيح زرارة (سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة ، فقال : جاهلين أو عالمين؟ فقلت : أجبني عن الوجهين جميعا ، قال : إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شي ء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليها عقوبة) (3).
وظاهر الأخبار عدم الفرق في الزوجة بين الدائم والمتمتع بها ، وكذا عدم الفرق في الوطء بين القبل والدبر وعن الشيخ في المبسوط أنه أوجب بالوطء في الدبر بدنة دون الحج من قابل وهو ضعيف ، وعن العلامة في المنتهى الحق بوطء الزوجة الزنا ووطء الغلام ، لأنه أبلغ في هتك الإحرام ، وعن الحلبي أنه أوجب في اللواط البدنة ، وعن البعض - كما في الجواهر - أن وطئ البهيمة حكمه حكم إتيان الدبر ، ولكن في الجميع ضعف لأن النصوص المتقدمة ظاهرة في إتيان الأصل وغشيان امرأته ، وهي لا تشمل هذه الفروع ، ودعوى أن التعبير بإتيان الأهل وغشيان المرأة مبني على الغالب أو المتعارف ممنوعة ، نعم إتيان الأصل يشمل الأمة كما يشمل الحرة ، وكذا عدم الفرق في الحج بين كونه واجبا ومندوبا.
ثم إن صحيح معاوية المتقدم اعتبر وقوع الجماع قبل الوقوف بالمشعر ، وعن المفيد والحلبي وسلار اعتبار قبلية الوقوف بعرفة واحتج لهم العلامة في المختلف بما ورد أن الحج عرفة (4) ، وهو غير صريح في المدعى بخلاف صحيح معاوية المتقدم.
ثم إن صحيح زرارة صريح في أن الأولى هو الواجبة والثانية عقوبة وهذا ما ذهب إليه
ص: 566
حجه ويأتي به من قابل) فوريا إن كان الأصل كذلك (وإن كان الحج نفلا) ، ولا فرق في ذلك بين الزوجة والأجنبية ، ولا بين الحرة والأمة ، ووطء الغلام كذلك في أصح القولين دون الدابة في الأشهر.
وهل الأولى فرضه والثانية عقوبة ، أو بالعكس قولان ، والمروي الأول ، إلا أن الرواية مقطوعة (1) وقد تقدم (2).
وتظهر الفائدة في الأجير لتلك السنة ، أو مطلقا (3) ، وفي كفارة خلف النذر وشبهه لو عينه بتلك السنة ، وفي المفسد المصدود إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته (4) ، أو غيرها.
(وعليها مطاوعة مثله) (5) كفارة وقضاء. واحترزنا بالعالم العامد عن
______________________________________________________
- الشيخ في النهاية والمحقق ، وعن ابن إدريس أن الاتمام عقوبة والثانية فرضه ، لأن الأول حج فاسد فلا يكون مبرئا للذمة ، وصحيح زرارة حجة عليه ، وتظهر الفائدة في هذا النزاع في الأجير للحج في سنته فعلى الأول قد أدى ما عليه وعلى الثاني لا يستحق أجرة ما فعل ، وفي الناذر للحج في سنته فعلى الأول لا خلف للنذر فلا تجب الكفارة بخلاف الثاني ، وفي المفسد المصدود بمعنى من أفسد حجه بالجماع ثم صدّ كان عليه بدنة والحج من قابل للإفساد وكان عليه دم للتحلل لكن وجوب الإتمام ساقط بالصدّ ، ثم على الأول يجب عليه حج الإسلام لأن وجوبه مستقر ثم حج آخر عقوبة لما أفسد ، وعلى الثاني يكفيه حج الإسلام فقط لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها ، ووجوب قضائها منفي بالأصل.
(1) أي مضمرة ، وإضمارها لا يضرها ما دام راويها زرارة ، فشأنه وحاله يفرضان السؤال من المعصوم عليه السلام.
(2) في حج الأسباب.
(3) بناء على أن الإطلاق منصرف إلى التعيين في تلك السنة كما ذهب إليه الشهيد في الدروس ، وقد تقدم الكلام فيه.
(4) فيما لو زال العذر وارتفع الصد في تلك السنة وأمكن له الإتيان بالحج فعلى الأول يجب الحج الإسلام لأنه مستقر ثم حج آخر للإفساد وعلى الثاني لا يجب إلا حج الإسلام وأما حج الإفساد فقد سقط بالتحلل منه.
(5) أي بدنة والحج من قابل وهو المراد من قول الشارح (كفارة وقضاء) ، ويدل عليه صحيح -
ص: 567
الناسي (1) ولو للحكم ، والجاهل (2) فلا شي ء عليهما. وكان عليه تقييده (3) وإن أمكن إخراج الناسي من حيث عدم كونه محرّما في حقه ، أما الجاهل فآثم (4).
(ويفترقان إذا بلغا موضع الخطيئة (5) بمصاحبة ثالث) محترم (في) حج (القضاء) إلى آخر المناسك.
______________________________________________________
- زرارة المتقدم (وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل) (1).
(1) لأنه معذور بالنسيان.
(2) ويدل عليه أيضا صحيحا معاوية وزرارة المتقدمين.
(3) أي وكان على المصنف تقييد الحكم بالعالم العامد.
(4) لتركه التعلم.
(5) في حج القضاء فقط كما هو أحد القولين في المسألة كما في المدارك ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة وعليه الحج من قابل ، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها ، فرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون مهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله) (2)، ولكن ورد الافتراق في إتمام الفاسد ، كما في مضمر زرارة المتقدم (إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل) (3) ، وصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليه الحج من قابل) (4)، ولذا ذهب ابن بابويه إلى وجوب التفريق في الحجة الأولى ، والجمع بين الأخبار يقتضي التفريق في الأولى والثانية وهذا ما ذهب إليه علي بن بابويه ونفى عنه البأس في المختلف واستحسنه في التحرير واستجوده في التذكرة والمنتهى ، وهو الذي يدل عليه خبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله ، قال : قد أتى عظيما ، قلت : أفتني قد ابتلى ، قال : استكرهها أو لم يستكرهها ، قلت : أفتني بهما جميعا ، قال : إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليه بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة ، وعليهما الحج من قابل ، لا بدّ منه ، قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت ، قال : نعم هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا ، فإذا احلا فقد انقضى عنهما ،
ص: 568
(وقيل) : يفترقان (في الفاسد أيضا) من موضع الخطيئة إلى تمام مناسكه وهو قوي مروي وبه قطع المصنف في الدروس ، ولو حجّا في القابل على غير تلك الطريق فلا تفريق (1) ، وإن وصل (2) إلى موضع يتفق فيه الطريقان كعرفة ، مع احتمال وجوب التفريق في المتفق منه (3) ، ولو توقفت مصاحبة الثالث على أجرة ، أو نفقة وجبت عليهما (4).
(ولو كان مكرها) لها (تحمل عنها البدنة لا غير) (5) أي لا يجب عليه القضاء عنها لعدم فساد حجها بالإكراه ، كما لا يفسد حجه لو أكرهته ، وفي تحملها عنه البدنة ، وتحمل الأجنبي لو أكرههما وجهان أقربهما العدم ، للأصل (6) ، ولو تكرر الجماع بعد الإفساد تكررت البدنة لا غير (7) ، سواء كفّر عن الأول أو لا. نعم لو جامع في القضاء لزمه ما لزمه أولا (8) ، سواء
______________________________________________________
- فإن أبي كان يقول ذلك) (1) ، ثم إن التفريق إلى انقضاء المناسك المفسّر في صحيح معاوية المتقدم ببلوغ الهدي محله ، وما ورد من استمرار التفريق إلى قضاء المناسك والربوع إلى المكان الذي أصابا فيه الخطيئة كما في مضمر زرارة المتقدم محمول على الاستحباب.
وثم إن التفريق لا يتحقق إلا بوجود ثالث لو اجتمعا في مكان واحد كما نص عليه صحيح معاوية المتقدم.
(1) لخروجه عن مورد النص.
(2) إن وصلية.
(3) لقاعدة الميسور والمعسور.
(4) من باب المقدمة.
(5) أي عليه بدنتان بلا خلاف فيه ، لخبر علي بن أبي حمزة المتقدم وغيره ، وأما حجها فصحيح للأصل ، ولأن المكره اعذر من الجاهل ، وكذا لو كان هو المكره فعدم فساد حجه كذلك.
(6) ووجه التحمل أن النصوص وإن وردت في الزوج لكن لا خصوصية فيه فيتعدى منه إلى الزوجة.
(7) أما تكرار البدنة فلتعدد السبب الموجب لها ، وأما عدم القضاء فلأن الحج من قابل ثابت فلا معنى لتكرر القضاء عليه ، وهذا على نحو القطع في كلام الأصحاب.
(8) علله في المدارك بقوله (لأن الحج الثاني حج صحيح سواء جعلناه فرضه أو عقوبة ، -
ص: 569
جعلناها فرضه أو عقوبة ، وكذا القول في قضاء القضاء.
(ويجب البدنة) من دون الإفساد بالجماع (بعد المشعر إلى أربعة أشواط من طواف النساء (1). والأولى) بل الأقوى (بعد خمسة) أي إلى تمام الخمسة ، أما بعدها
______________________________________________________
- فيترتب على إفساده ما يترتب على غيره).
(1) الحكم ببطلان الحج وبوجوب البدنة وبالحج من قابل مخصوص بمن جامع دون المشعر ، أما لو جامع بعد المشعر فحجه صحيح وتجب عليه بدنة فقط ، للأخبار منها : مفهوم صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء ، قال : عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلا فلا شي ء عليه) (2) ، بناء على إرادة البدنة من الجزور. والحكم بوجوب الكفارة للجماع يبقى إلى أن ينتهي من طواف النساء كما تقدم ، ولازمه بقاء الكفارة لو شرع في طواف النساء وأكمل منه ثلاثة أشواط ثم جامع ، ويدل عليه صريحا خبر حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا) (3) ، وفساد الحج هنا محمول على نقصان الكمال جمعا بينه وبين ما تقدم.
نعم من جامع بعد إكمال الخمسة فلا كفارة ، لخبر حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته ، قال : يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين ، تمام ما كان بقي عليه من طوافه ويستغفر ربه ولا يعد ، وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه ، وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا) (4) ، وبعضهم كالشيخ في النهاية والعلامة في المختلف اكتفى بمجاوزة النصف المتحققة بالمال أربعة أشواط ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي طواف النساء ، قال : إن زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه ، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف) (5) ، وهي ضعيفة السند
ص: 570
فلا خلاف (1) في عدم وجوب البدنة ، وجعله الحكم أولى يدل على اكتفائه بالأربعة في سقوطها (2) ، وفي الدروس قطع باعتبار الخمسة ، ونسب اعتبار الأربعة إلى الشيخ ، والرواية (3) ، وهي ضعيفة (4). نعم يكفي الأربعة في البناء عليه (5) وإن وجبت الكفارة ، ولو كان قبل إكمال الأربعة فلا خلاف في وجوبها.
(ولكن لو كان قبل طواف الزيارة) (6) أي قبل إكماله وإن بقي منه خطوة ،
______________________________________________________
- بعلي بن أبي حمزة البطائني ، فلذا رجح العمل بالأول مع أنها ضعيفة لأن حمران لم يمدح ولم يذم إلا أن يقال أنها منجبرة بعمل الأصحاب ، ولكن لا تعارض بينهما لأن خبر حمران لم ينص على لزوم الكفارة بعد الأربعة وقبل إكمال خمسة اشواط ، وإنما ذكر خمسة أشواط في السؤال وقد اقتصر الجواب على بيان الحكم المسئول عنه وهو لا يقتضي نفي الحكم عما عداه ، فالأقوى نفي الكفارة بعد مجاوزة النصف.
وعن ابن ادريس ثبوت الكفارة قبل إكمال السبع ، وكأنه ردّ لهذين الخبرين بناء على أصله من عدم العمل بالخبر الواحد وهو ضعيف.
(1) وقد عرفت خلاف ابن إدريس فيه لكنه قال في المسالك : (ويظهر من ابن إدريس وجوبها وإن وقع بعد الخمسة ، والاتفاق على خلافه ، ومن ثمة يخص الجماعة الخلاف في الأربعة).
(2) أي سقوط البدنة.
(3) وهي خبر أبي بصير المتقدم.
(4) كما عرفت ولكن خبر حمران مثلها.
(5) أي البناء على ذلك الطواف لو قطعه ولا يجب الاستئناف وقد تقدم الكلام في ذلك.
(6) أي طواف الحج ، بل بعده قبل طواف النساء ، بل بعد الشروع فيه قبل مجاوزة النصف ، وإنما ذكرت هذه المسألة أعني. قبل طواف الزيارة. بالخصوص مع دخولها في ذلك الاطلاق المتقدم للتنبيه على حكم الإبدال هذا من جهة ومن جهة أخرى فتجب البدنة ، هنا بالخصوص لما تقدم بالإضافة إلى أخبار خاصة منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن متمتع وقع على أهله ولم يزر ، قال : ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي ء ، وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء ، قال : عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلا فليس عليه شي ء) (1) ، وصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت ، قال : يهريق دما) (2).
ص: 571
وعجز عن البدنة تخير بينها وبين بقرة ، أو شاة). لا وجه للتخيير بين البدنة وغيرها بعد العجز عنها ، فكان الأولى أنه مع العجز عنها يجب بقرة أو شاة ، وفي الدروس أوجب فيه بدنة ، فإن عجز فشاة وغيره (1) خيّر بين البقرة والشاة ، والنصوص خالية عن هذا التفصيل لكنه مشهور في الجملة على اختلاف ترتيبه.
وإنما أطلق في بعضها (2) الجزور ، وفي بعضها الشاة (3).
(ولو جامع أمته المحرمة بإذنه (4) محلا فعليه بدنة ، أو بقرة ، أو شاة ، فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة ، أو صيام ثلاثة أيام) (5) هكذا وردت الرواية وأفتى
______________________________________________________
- ومن جهة ثالثة ذهب المحقق إلى أنه لو عجز عن البدنة فمخيّر بين بقرة أو شاة ، وعن العلامة في القواعد أنه مع العجز عن البدنة فبقرة وعند العجز عنها فشاة وقد نسبه الشارح في المسالك إلى كلامهم المشعر بذهاب الأصحاب إليه ، والنصوص خالية عن حكم البدلين تخييرا أو ترتيبا كما اعترف به الشارح في المسالك وغيره ، نعم احتمل أن يكون ذلك للجمع بين الخبرين المتقدمين من صحيح العيص وصحيح معاوية بن عمار ، وهو جمع بعيد لأن صريح صحيح معاوية في الجزور فكيف يمكن حمله على البقرة وإن أمكن حمل الدم في صحيح العيص على الشاة.
(1) وهو على خلاف قوله في المسالك (لكن الموجود في كلامهم أن الشاة مرتبة على العجز عن البقرة ، كما أن البقرة مرتبة على البدنة ، والمصنف هنا خيّر بين الشاة والبقرة ، وما ذكروه أولى).
(2) أي النصوص.
(3) قد عرفت أن صحيح العيص قد صرح بالدم وليس بالشاة.
(4) قيد لإحرامها.
(5) لموثق إسحاق بن عمار (قلت لأبي الحسن عليه السلام : أخبرني عن رجل محل وقع على أمة محرمة ، قال : موسرا أو معسرا؟ قلت : أجبني عنهما ، قال : هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها ، أو أحرمت من قبل نفسها؟ قلت : أجبني عنهما ، قال : إن كان موسرا وكان عالما أنه لا ينبغي له ، وكان هو الذي أمرها بالإحرام ، كان عليه بدنة وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ، وإن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شي ء عليه موسرا كان أو معسرا ، وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام) (1) ، والظاهر أن المراد من إعساره الموجب
ص: 572
بها الأصحاب ، وهي شاملة بإطلاقها ما لو أكرهها ، أو طاوعته ، لكن مع مطاوعتها يجب عليها الكفارة أيضا بدنة ، وصامت عوضها ثمانية عشر يوما (1) مع علمها بالتحريم ، وإلا فلا شي ء عليها (2).
والمراد بإعساره (3) الموجب للشاة ، أو الصيام إعساره عن البدنة والبقرة ، ولم يقيد في الرواية والفتوى الجماع بوقت فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة إليه ، أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق ، فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة والعلم (4) ، واحترز بالمحرمة بإذنه عما لو فعلته بغيره ، فإنه يلغو (5) فلا شي ء عليهما ، ولا يلحق بها الغلام المحرم بإذنه وإن كان أفحش ، لعدم النص ، وجواز اختصاص الفاحش بعدم الكفارة عقوبة كسقوطها عن معاود الصيد عمدا للانتقام (6).
______________________________________________________
- للشاة أو الصيام هو الإعسار عن البدنة أو البقرة ، وأيضا الظاهر من الصيام هو صيام ثلاثة أيام. كما في أبدال الشاة وقد تقدم الكلام في البدل العام.
وإطلاق النص وكلام الأكثر على عدم الفرق في الأمة بين أن تكون مكرهة أو مطاوعة ، وذكر الفاضل في القواعد والتحرير والشهيدان في الدروس والمسالك والروضة هنا أن الحكم كذلك مع الإكراه ، وأما مع المطاوعة فيجب عليها إكمال الحج الفاسد وقضائه من قابل ، ويجب على المولى الاذن لها بالقضاء والقيام بمئونته لاستناد الفساد إلى فعله ، وعليها الكفارة وهي البدنة ولكنها تصوم بدل البدنة ثمانية عشر يوما أو ستين يوما على الخلاف المتقدم في بدل البدنة ، وبناء على هذا القول لو لم نقل بالبدل فيجب الانتظار عليها حتى العتق والمكنة من البدنة ، وقد توقف في هذا الحكم جماعة منهم سيد المدارك لأن الرواية مطلقة لم تصرح بكل هذا.
(1) قد رجح الشارح سابقا أن بدل البدنة صيام ستين يوما فإن عجز فالثمانية عشر يوما.
(2) لمعذورية الجاهل وقد تقدم المستفاد من مفهوم الموثق السابق وغيره ، وكذا لو كان السيد جاهلا فلا شي ء عليه.
(3) المذكور في الموثق السابق لا في عبارة المصنف.
(4) وبعد المشعر عليها بدل البدنة على مختار الشارح وجماعة.
(5) أي الإحرام وقد صرحت الرواية السابقة بأنه لا شي ء عند عدم الاذن.
(6) قال في المسالك : (ففي الحاقة بها وجهان ، من عدم النص وأصالة البراءة من الكفارة ، ومن اشتراكهما في المملوكية وكونه فعله أفحش فيناسب ترتب العقوبة عليه ، واختاره -
ص: 573
(ولو نظر إلى أجنبية فأمنى) (1) من غير قصد له ولا عادة (فبدنة للموسر) أي عليه ، (وبقرة للمتوسط ، وشاة للمعسر) ، والمرجع في المفهومات الثلاث إلى العرف.
وقيل : ينزل ذلك على الترتيب فتجب البدنة على القادر عليها فإن عجز عنها فالبقرة ، فإن عجز عنها فالشاة ، وبه قطع في الدروس ، والرواية تدل على الأول ، وفيها (2) أن الكفارة للنظر ، لا للامناء ، ولو قصده (3) ، أو كان من عادته فكالمستمني (4) وسيأتي.
(ولو نظر إلى زوجته بشهوة فأمنى فبدنة) ، وفي الدروس جزور. والظاهر
______________________________________________________
- بعض المتأخرين ، وهو أحوط).
(1) فعليه بدنة إن كان موسرا ، وبقرة إن كان متوسطا ، وشاة إن كان معسرا على المشهور ، لخبر أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى ، قال : إن كان موسرا فعليه بدنة ، وإن كان وسطا فعليه بقرة ، وإن كان فقيرا فعليه شاة ، ثم قال : أما إني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى ، إنما جعلته عليه لأنه نظر إلى ما لا يحل له) (1).
وعن الفاضل والشهيد في الدروس الترتيب بمعنى أن عليه بدنة فإن عجز فبقرة ، ومع العجز فشاة ، والرواية تدل على الأول.
وعن الصدوق وجماعة التخيير بين الجزور والبقرة مطلقا ، فإن لم يجد فشاة ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة) (2).
واحتمل سيد المدارك الاكتفاء بالشاة مطلقا ، لصحيح معاوية بن عمار (في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : عليه دم لأنه نظر إلى غير ما يحلّ له ، وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد ، وليس عليه شي ء) (3)، وهو غير مناف لمستند المشهور لأنه مطلق فلا بد من حمله على ذلك المقيد.
(2) أي وفي الرواية قد جعلت الكفارة للنظر إلى ما لا يحل وعليه سواء أمنى أو لا فالكفارة ثابتة وهذا على خلاف فتاواهم من جعل الكفارة للنظر الموجب للمني.
(3) أي قصد الاستمناء.
(4) بل هو منه لتحققه بأحد الفردين.
ص: 574
أجزاؤهما ، (وبغير شهوة لا شي ء) (1) وإن أمنى ، ما لم يقصده أو يعتده ، (ولو مسها فشاة إن كان بشهوة وإن لم يمن (2) ، وبغير شهوة لا شي ء) وإن أمنى ، ما لم يحصل أحد الوصفين (3) ، (وفي تقبيلها بشهوة جزور) (4) أنزل ، أم لا ، ولو
______________________________________________________
(1) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أفدى وهو محرم ، قال : لا شي ء عليه ، ولكن ليغتسل ويستغفر ربه ، وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أفدي وهو محرم فلا شي ء عليه ، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أفدى فعليه دم ، وقال : في المحرم ينظر في امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل ، قال : عليه بدنة) (1) ، وخبر مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه السلام (ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور) (2).
(2) للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته ، قال. نعم يصلح عليها خمارها ، ويصلح عليها ثوبها ومحملها ، قلت : أفيمسّها وهي محرمة ، قال : نعم ، قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : يهريق دم شاة ، قلت : قبّل؟ قال : هذا أشدّ ينحر بدنة) (3) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أفدى ، فقال : إن كان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه ، فإن حملها أو مسها بغير شهوة فأمنى أو لم يمن فليس عليه شي ء) (4).
(3) من قصد الامناء ومن اعتياده.
(4) وإن قبلها بغير شهوة فشاة كما عليه الأكثر ، لخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (يا أبا سيّار إن حال المحرم ضيقة ، فمن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه) (5) ، والجزور للتقبيل بشهوة سواء أمنى أو لا كما يشهد له خبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل قبّل امرأته وهو محرم ، قال : عليه بدنة وإن لم ينزل ، وليس له أن يأكل منها) (6) ، وعن الصدوق وجوب البدنة ولم يفصّل ، وفي الفقيه وجوب الشاة من دون تفصيل -
ص: 575
طاوعته فعليها مثله (1) ، (وبغيرها) أي بغير شهوة (شاة) أنزل ، أم لا ، مع عدم الوصفين (2).
(ولو أمنى بالاستمناء ، أو بغيره من الأسباب التي تصدر عنه فبدنة) (3).
وهل يفسد به الحج مع تعمده والعلم بتحريمه قيل : نعم ، وهو المروي من غير معارض. وينبغي تقييده بموضع يفسده الجماع (4) ويستثنى من الأسباب (5) التي عممها ما تقدم من المواضع التي لا توجب البدنة بالإمناء وهي كثيرة.
(ولو عقد المحرم ، أو المحل لمحرم على امرأة فدخل فعلى كل منهما) أي من العاقد والمحرم المعقود له (بدنة) (6) ، والحكم بذلك مشهور ، بل كثير منهم لا ينقل
______________________________________________________
- أيضا ، وعن ابن إدريس أنه إذا قبّل بشهوة فأنزل فجزور وإن لم ينزل فشاة ، وكذا الشاة من غير شهوة.
(1) لأن المستفاد من الأخبار أن التقبيل هو السبب فلو فعلت ذلك كان عليها مثل ما عليه.
(2) من القصد للامناء ولا اعتياده.
(3) من دون خلاف فيه ، وإنما الخلاف في إفساد الحج به ، فذهب الأكثر إلى ذلك لموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى ، قال : أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم ، بدنة والحج من قابل) (1) ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام (عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ما ذا عليها؟ قال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) (2) ، ومنهما تعرف ضعف ما عن ابن إدريس من وجوب الكفارة فقط دون إعادة الحج من قابل ، وهو اختيار الشيخ في الاستبصار.
(4) وهو ما قبل المشعر الحرام.
(5) أي أسباب الاستمناء.
(6) بلا خلاف فيه ، لوثق سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له ، قلت : فإن فعل فدخل بها المحرم ، قال : إن كانا عالمين فإن على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها ، إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم ، فإن كانت
ص: 576
فيه خلافا ، ومستنده رواية سماعة ، وموضع الشك وجوبها على العاقد المحل ، وتضمنت أيضا وجوب الكفارة على المرأة المحلة مع علمها بإحرام الزوج.
(وفيه إشكال) (1) ، لكن هنا (2) قطع المصنف في الدروس بعدم الوجوب عليها.
وفي الفرق نظر (3) ، وذهب جماعة إلى عدم وجوب شي ء على المحل فيهما (4) سوى الإثم ، استنادا إلى الأصل ، وضعف مستند الوجوب أو بحمله على الاستحباب ، والعمل بالمشهور أحوط. نعم لو كان الثلاثة محرمين وجبت على الجميع ، ولو كان العاقد والمرأة محرمين خاصة وجبت الكفارة على المرأة مع الدخول ، والعلم بسببه (5) ، لا بسبب العقد ، وفي وجوبها على العاقد الإشكال (6). وكذا الزوج (7).
(والعمرة المفردة إذا أفسدها) (8) ...
______________________________________________________
- علمت ثم تزوجت فعليها بدنة) (1) ، وهي قد صرحت بالكفارة على العاقد المحل ، فلو كان محرما فأولى ، وقد صرحت بالدخول فلو لم يدخل بها فلا شي ء على العاقد والزوج سوى الإثم للأصل مع عدم النص ، وقد صرحت بوجوب البدنة على المرأة المحلّة إذا كانت عالمة بإحرام الزوج ، وبمضمونها أفتى الشيخ وجماعة ، وجزم الشهيد في الدروس بعدم الكفارة عليها وإن كانت عالمة بإحرام الزوج وتابعه على ذلك جماعة ، لضعف الخبر لأن سماعة كان واقفيا فهو يصلح مستندا للاستحباب لا للوجوب.
وفيه : إنه ثقة وهذا يكفي للعمل بها في الحكم الإلزامي.
(1) لأن الكفارة استدارك للخلل الواقع في الإحرام والحال أنها غير محرمة.
(2) أي في المرأة المحلّة.
(3) أي بين المرأة المحلة والعاقد المحلّ.
(4) أي في المرأة والعاقد.
(5) أي بسبب الدخول.
(6) أي الاشكال المتقدم.
(7) إذا كان محلا فيأتي الإشكال.
(8) من جامع قبل السعي في العمرة فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاؤها لا خلاف فيه سوى
ص: 577
بالجماع قبل إكمال سعيها ، أو غيره (1) (قضاها في الشهر الداخل (2) ، بناء على أنه الزمان بين العمرتين) (3) ، ولو جعلناه (4) عشرة أيام اعتبر بعدها (5) وعلى الأقوى من عدم تحديد وقت بينهما يجوز قضاؤها معجلا بعد إتمامها ، وإن كان الأفضل التأخير وسيأتي ترجيح المصنف عدم التحديد.
(وفي لبس المخيط وما في حكمه (6) ...)
______________________________________________________
- ما نقل عن ابن أبي عقيل حيث نقل عنه العلامة في المختلف قوله (فأما إذا جامع في عمرته قبل أن يطوف ويسعى فلم أحفظ عن الأئمة عليهم السلام شيئا أعرفكم به ، فوقفت عند ذلك ورددت الأمر إليهم).
ويدل على الحكم أخبار ، منها : صحيح بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه ، قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة) (1) ، وخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يعتبر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : قد أفسد عمرته وعليه بدنة ، وعليه أن يقيم بمكة محلّا حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ، ثم يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بلاده فيحرم منه ويعتمر) (2).
ومورد الروايتين العمرة المفردة ، إلا أن الأكثر على عدم الفرق بينها وبين عمرة المتمتع كما يشعر به صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل متمتع وقع على امرأته ولم يقصر ، قال : ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا شي ء عليه) (3) ، فالخوف من تطرق الفساد بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير مشعر بالفساد قبل السعي ، وهو نص في عمرة التمتع.
(1) غير الجماع.
(2) كما هو مقتضى روايتي بريد ومسمع المتقدمتين.
(3) بناء على أن لكل شهر عمرة وسيأتي الكلام فيه.
(4) أي الزمان بين العمرتين.
(5) أبي بعد العشرة وسيأتي الكلام فيه أيضا.
(6) أي ما يشبه المخيط مما أحاط البدن كالدرع المنسوج واللبد المعمول كذلك على ما تقدم -
ص: 578
شاة) (1) وإن اضطر (2) ، (وكذا) تجب الشاة (في لبس الخفين) (3) أو أحدهما ، (أو الشمشك) بضم الشين وكسر الميم ، (أو الطيب (4) ، ...)
______________________________________________________
- توضيحه في بحث الإحرام.
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (1) ، وصحيح سليمان بن العيص عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحرم يلبس القميص متعمدا ، قال : عليه دم) (2)، ويحمل الدم هنا على الشاة لأنها القدر المتيقن ، ولصحيح زرارة الآخر (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : من نتف إبطه أو قلّم ظفره ، أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة) (3).
(2) لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه السلام عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها ، قال : عليه لكل صنف منها فداء) (4).
(3) والشمشك وإن كان مضطرا فعليه شاة كما عن القواعد ، لأن الأصل في تروك الإحرام الفداء إلى أن يظهر المسقط ، ولا دليل على سقوطه هنا ، وعن التهذيب والخلاف والتذكرة عدم الفدية مع الاضطرار ، لأصالة البراءة ، ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان ، فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما) (5) ، ولم يصرح بالفدية مع أنه في وقت الحاجة للبيان على فرض ثبوته.
(4) ففيه شاة بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسيا فلا شي ء عليه ويستغفر الله ويتوب إليه) (6) ، وصحيحه الآخر المتقدم (أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة) (7) ، وصحيح معاوية بن عمار (في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : إن كان -
ص: 579
أو حلق الشعر) (1) وإن قل مع صدق اسمه (2) ، وكذا إزالته بنتف ونورة وغيرهما (3).
(أو قص الأظفار) (4) أي أظفار يديه ورجليه جميعا (في مجلس ، أو يديه)
______________________________________________________
- فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه) (1) ، ومن مجموع الأخبار يستفاد حرمة الطيب استعمالا وأكلا ولو في الطعام ، وكذا لو استعمله صبغة أو طلاء أو بخورا.
(1) ففيه شاة أو إطعام ستة مساكين لكل واحد مدان ، أو صيام ثلاثة أيام على نحو التخيير كما عليه الأكثر ، ويدل عليه مرسل حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كعب بن عجرة ، والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم ، فقال له : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم ، فانزلت هذه الآية : ( فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحلق ، وجعل الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان ، والنسك شاة ، قال أبو عبد الله عليه السلام : وكل شي ء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي ء في القرآن (فمن لم يجد كذا فعليه كذا) فالأولى الخيار) (2) ، أي أن الأول هو المختار والثاني بدل عنه.
وذهب بعضهم كالشهيد في الدروس إلى وجوب إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال الله تعالى في كتابه : ( فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ، قال عليه السلام : فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وإنما عليه واحد من ذلك) (3)، وهي لم تدل على إعطاء المد بل الإشباع ، وهي مخالفة لما عليه الأصحاب من عدم جواز الأكل من الفداء فالترجيح للأولى.
ثم إن الرواية قد علقت الحكم على الحلق مع الأذى وهذا يقتضي الكفارة على الحلق بدونه بطريق أولى.
(2) أي وإن قلّ الشعر مع صدق اسم حلق الرأس ، كما هو مورد الخبر.
(3) مما يصدق عليه الحلق.
(4) ففي كل ظفر مدّ من طعام ، وفي أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد دم ، ولو كان كل -
ص: 580
خاصة في مجلس ، (أو رجليه) كذلك ، (وإلا فعن كل ظفر مد) ، ولو كفّر لما لا يبلغ الشاة ثم أكمل اليدين ، أو الرجلين لم يجب الشاة (1) ، كما أنه لو كفّر بشاة لأحدهما ثم أكمل الباقي في المجلس تعددت (2) والظاهر أن بعض الظفر كالكل (3) ، إلا أن يقصّه في دفعات مع اتحاد الوقت عرفا (4) فلا يتعدد فديته.
(أو قلع شجرة من الحرم صغيرة) (5) غير ما استثني (6) ، ولا فرق هنا بين
______________________________________________________
- منهما في مجلس فدمان على المشهور ، للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل قلّم ظفرا من أظافيره وهو محرم ، قال : عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلّم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة ، قلت : فإن قلّم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال : إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان) (1) ، وعن ابن الجنيد في الظفر مدّ او قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم ، وعن الحلبي في قص الظفر كف من طعام وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وليس لهذين القولين من مستند.
(1) لانصراف الخبر عن هذا مورد إذ الشاة لأصابع اليدين أو الرجلين في مجلس واحد مع عدم التكفير.
(2) أي الشاة لأن مورد الخبر ثبوت الشاة في أظافر اليدين والرجلين في مجلس واحد مع عدم تخلل الكفارة.
(3) أرسل إرسال المسلمات في الكثير من الكتب إلا أن صاحب الجواهر قال : (قد ينقدح الشك في الأخير بعد فرض عدم صدق قص الظفر المفروض كونه عنوانا للحكم).
(4) بحيث يصدق عليه قص ظفر واحد.
(5) ففيها شاة ، ولو كانت كبيرة فبقرة ولو كان القالع محلا ، على المشهور ، لخبر موسى بن القاسم (روى أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه قال : إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإذا أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين) (2) ، وهي محمولة على الشجرة الكبيرة لما رواه ابن عباس من غير طرقنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة) (3) ، وظاهر الخبر الأول أن الكفارة على القلع ولو كان من محلّ.
(6) مما مرّ ذكره في تروك الإحرام كعودي المحالة.
ص: 581
المحرم والمحل ، وفي معنى قلعها قطعها من أصلها ، والمرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف ، والحكم بوجوب شي ء للشجرة مطلقا (1) هو المشهور ، ومستنده رواية مرسلة (2).
(أو ادّهن بمطيّب) ولو لضرورة (3) ، أما غير المطيّب فلا شي ء فيه (4) ، وإن أثم ، (أو قلع ضرسه) (5) مع عدم الحاجة إليه في المشهور والرواية به مقطوعة ،
______________________________________________________
(1) كبيرة أو صغيرة.
(2) وهي خبر موسى بن القاسم المتقدم.
(3) ففيه شاة ، لصحيح معاوية بن عمار (في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان بعمد فعليه دم شاة يهريقه) (1). وإضماره لا يضر ، وعليه فلا داعي لتردد المحقق في الشرائع.
(4) كما عن المفيد وسلار وابن أبي عقيل وأبي الصلاح ، تمسكا بالأصل ، وهو مدفوع بإطلاق الأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك واتق الطيب في طعامك) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ) (3) ، نعم لا تجب الكفارة باستعماله وإن أثم كما نص عليه ابن إدريس والعلامة في المنتهى ، ولعله لأصالة البراءة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجوز استعماله مع الضرورة بلا خلاف فيه ، لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت) (4) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن محرم تشققت يداه ، فقال : يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة) (5).
(5) على المشهور ، لخبر محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان (أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء ، محرم قلع ضرسه فكتب : يهريق دما) (6) وهو محمول على الشاة لأنها القدر المتيقن ، وهو مضمر ومرسل فلذا ذهب ابن -
ص: 582
وفي إلحاق السن به وجه بعيد (1) ، وعلى القول بالوجوب لو قلع متعددا فعن كل واحد شاة (2) وإن اتحد المجلس ، (أو نتف إبطيه) (3) أو حلقهما.
(وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين) (4) ، أما لو نتف بعض كل منهما فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب شي ء (5) ، وهو (6) مستثنى من عموم إزالة
______________________________________________________
- الجنيد والصدوق إلى نفي البأس بقلع الضرس مع الحاجية من دون فدية ويشهد لهما خبر حسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (عن محرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال : نعم لا بأس به) (1).
(1) قال في الجواهر : (إن النص والفتوى به مطلقان ، وثانيا لا بعد في الالحاق ، بل يمكن إرادة ما يعم السن من الضرس).
(2) لتعدد السبب.
(3) بلا خلاف فيه ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم) (2) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (3) ، ولا خصوصية للنتف بل المدار على إزالة الشعر منهما.
(4) لخبر عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم نتف إبطه ، قال : يطعم من ثلاثة مساكين) (4) ، وراويها مجهول ، والسند مشتمل على محمد بن هلال وهو مجهول ، وهو معارض بصحيح زرارة حيث أوجب الشاة في نتف الإبط الصادق على الواحد.
والمشهور على الأول ، وهذا يوجب انجبار ضعف خبر ابن جبلة وهو معتضد بمفهوم صحيح حريز الدال على عدم الدم في نتف الإبط الواحد ، ومنه يعلم أن المراد من الإبط في صحيح زرارة الذي أوجب فيه الدم وهو الابطين.
(5) قال في الجواهر : (ثم إن الظاهر عدم كون بعض الإبط كالكل للأصل ، وإرشاد الفرق بين الواحدة والاثنتين ، وحينئذ فلو نتف من كل إبط شيئا لا يتحقق به صدق اسم نتف الإبط لم تترتب الكفارة ، ولكن مع ذلك لا ينبغي الاحتياط فيه ، والله العالم).
(6) أي بعض الإبط.
ص: 583
الشعر (1) الموجب للشاة ، لعدم وجوبها لمجموعه ، فالبعض أولى.
(أو أفتى بتقليم الظفر فأدمى المستفتي) (2). والظاهر أنه لا يشترط كون المفتي محرما ، لإطلاق النص ، ولا كونه مجتهدا نعم يشترط صلاحيته للافتاء بزعم المستفتي ، ليتحقق الوصف ظاهرا ، ولو تعمد المستفتي الإدماء فلا شي ء على المفتي (3). وفي قبول قوله في حقه (4) نظر ، وقرّب المصنف في الدروس القبول ، ولا شي ء على المفتي في غير ذلك (5) ، للأصل مع احتماله.
(أو جادل) (6) ...
______________________________________________________
(1) قد عرفت أنه مختص بشعر الرأس ، ولا يوجد عموم يشمل البدن.
(2) لزم المفتي شاة ، بلا خلاف لخبر إسحاق الصيرفي عن أبي إبراهيم عليه السلام (إن رجلا أحرم فقلّم أظفاره فكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه ، قال : على الذي أفتى شاة) (1) ، وسنده مشتمل على محمد البزاز وهو مجهول ، وعلى زكريا المؤمن وهو مختلط في حديثه لكنه منجبر بعمل الأصحاب.
وصرح الشهيد في الدروس بأنه لا يشترط إحرام المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد لإطلاق الخبر ، نعم اعتبر الشارح في المسالك صلاحيته للإفتاء بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا.
(3) أرسل ارسال المسلمات عندهم لأن الادماء مستند إلى تعمد المستفتي لا إلى فتوى المفتي.
(4) أي قبول قول المستفتي في حق المفتي بالنسبة للإدماء ، واستقرب في الدروس القبول.
(5) كما لو أفتاه بالحلق مثلا ، فلا شي ء عليه للأصل وعدم النص ، ويحتمل الضمان لما روي (أن كل مفت ضامن) (2).
(6) ففي الكذب منه شاة في المرة الأولى ، وبقرة في المرتين ، وبدنة في الثالثة على المشهور ، ويدل على الأول خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه) (3).
ويدل على الثاني صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الجدال في الحج -
ص: 584
بأن حلف بإحدى الصيغتين (1) ، أو مطلقا (ثلاثا صادقا) من غير ضرورة إليه
______________________________________________________
- فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم ، فقيل له : الذي يجادل وهو صادق ، قال : عليه شاة والكاذب عليه بقرة) (1) ، وهو محمول على المرة الثانية جمعا بينه وبين ما تقدم.
ويدل على الثالث خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا جادل المحرم وهو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور) (2).
وقال سيد المدارك : (إنما يجب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاثة إذا لم يكن كفّر عن السابق ، فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ، أو الاثنتين فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير).
ثم لو جادل صادقا فشاة في الثلاث ، ولا كفارة فيما دونه ، ويدل عليه خبر أبي بصير الأول المتقدم ، وخبره الآخر عن أحدهما عليهما السلام (إذا حلف بثلاثة أيمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل ، وعليه دم ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم) (3)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل ، وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به) (4) ومقتضى هذين الأخيرين تقييد الأيمان الثلاثة بأنها في مقام واحد بلا فصل ، وعليهما يحمل خبر أبي بصير المطلق وإلى المقيّد ذهب ابن أبي عقيل ، ولكن الأصحاب على خلافه - كما في الجواهر - وهذا ما يفيد قوة للمطلق مع حمل المقيد على إرادة بعض الأفراد ليس إلا.
ثم لو اضطر للحلف فلا كفارة لموثق يونس بن يعقوب (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله ، وهو صادق عليه شي ء ، قال : لا) (5)، المحمول على الضرورة جمعا بينه وبين ما تقدم ، وفيه : إنه ناظر إلى ما دون الثلاث ، وهذا لا كفارة إذا كان صادقا ، فالأولى الاستدلال بأصالة البراءة لنفي الكفارة.
(1) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (والجدال : قول الرجل لا والله ، وبلى والله) (6) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (إنما الجدال قول الرجل : لا والله ، وبلى والله) (7) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهم السلام (والجدال قول الرجل : لا والله ، وبلى والله) (8) ، ويستفاد منها الحصر ، وعن المحقق الثاني في جامعه والشهيد في الدروس التعدي إلى كل ما يسمى يمينا للإطلاق في صحيح معاوية بن -
ص: 585
كإثبات حق ، أو دفع باطل يتوقف عليه ولو زاد الصادق عن ثلاث ولم يتخلل التكفير فواحدة عن الجميع (1). ومع تخلله فلكل ثلاث شاة.
(أو واحدة كاذبا ، وفي اثنتين كاذبا بقرة ، وفي الثلاث) فصاعدا (بدنة) إن لم يكفّر عن السابق ، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة ، أو اثنتين فالبقرة والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء ، أو بعد التكفير فللواحدة شاة ، وللاثنتين بقرة ، وللثلاث بدنة.
(وفي الشجرة الكبيرة (2) عرفا بقرة) في المشهور ، ويكفي فيها وفي الصغيرة كون شي ء منها في الحرم سواء كان أصلها أم فرعها (3) ، ولا كفارة في قلع الحشيش (4) وإن أثم (5) في غير الاذخر وما أنبته الآدمي (6) ، ومحل التحريم فيهما (7) الاخضرار ، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا (8) ، لا قلعه إن كان
______________________________________________________
- عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل ، وعليه حد الجدال دم ، يهريقه ويتصدق به) (1) ، وفيه : إن الخبر ليس في مقام بيان المراد من الجدال وإنما في مقام بيان حكمه عند الصدق فلا يعارض الأخبار الدالة على الحصر.
(1) لعدم الكفارة للزيادة غايته يصدق الحلف ثلاثا.
(2) تقدم الكلام في ذلك.
(3) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان أصلها ، قلت فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم ، فقال : حرم أصلها لمكان فرعها) (2).
(4) على المشهور بين الأصحاب للأصل.
(5) لأنه منهي عنه ، نعم تقدم جواز قطع الحشيش اليابس لأنه ميت فلم يبق له حرمة.
(6) هذا من المستثنيات التي يجوز قلعها وهي : الاذخر وما انبته الآدمي ، والفواكه وعودا المحالة ، وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث تروك الإحرام.
(7) في الشجر والحشيش.
(8) وإن لم ينبته الآدمي.
ص: 586
أصله ثابتا (1).
(ولو عجز عن الشاة في كفارة الصيد) التي لا نص على بدلها (2) (فعليه إطعام عشرة مساكين) لكل مسكين مد ، (فإن عجز صام ثلاثة أيام) (3) ، وليس في الرواية التي هي مستند الحكم تقييد بالصيد فتدخل الشاة الواجبة بغيره من المحرمات (4).
(ويتخير بين شاة الحلق لأذى ، أو غيره (5) ، وبين إطعام عشرة) مساكين (لكل واحد مد (6) ، أو صيام ثلاثة) أيام (7). أما غيرها (8) فلا ينتقل إليهما (9) إلا مع العجز عنها ، إلا في شاة وطء الأمة فيتخير بينها وبين الصيام كما مر (10).
(وفي شعر سقط من لحيته ، أو رأسه) قل أم كثر (بمسه كف من طعام (11) ،
______________________________________________________
(1) فلا يجوز القلع لأنه ينبت ثانيا.
(2) كالشاة في قتل الحمام أو تنفيره.
(3) وهو البدل العام ، ومستنده صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (من كانت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (1).
(4) أي فتدخل الشاة الواجبة من غير الصيد في حكم الرواية كما تدخل الشاة الواجبة من الصيد ، لأن الرواية غير مقيدة بالصيد.
(5) كما لو كان متعمدا.
(6) كما عليه الشهيد في الدروس ، وأما المشهور فإطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان.
(7) وقد تقدم الكلام فيه في حلق الشعر.
(8) أي غير شاة الحلق.
(9) أي إلى الاطعام ثم الصيام في البدل العام.
(10) عند قول المصنف (فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة أو صيام ثلاثة أيام).
(11) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان ، قال : يطعم شيئا) (2) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم فسقط شي ء من الشعر -
ص: 587
ولو كان في الوضوء) واجبا أم مندوبا (فلا شي ء) (1) والحق به المصنف في الدروس الغسل وهو خارج عن مورد النص ، والتعليل بأنه فعل واجب فلا يتعقبه فدية يوجب إلحاق التيمم وإزالة النجاسة بهما (2) ولا يقول به (3).
______________________________________________________
- فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق) (1) ، والأخير مطلق يشمل الكثير والقليل.
(1) لصحيح الهيثم بن عروة التميمي (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان ، فقال : ليس بشي ء ، ( مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ) (2)، ومقتضى التعليل فيه عدم الاختصاص بالوضوء بل يشمل الغسل والتيمم وإزالة النجاسة والحك الضروري ، ومنه تعرف ضعف مناقشة الشارح له هنا.
(2) بالوضوء الواجب والمندوب.
(3) بل نقول به تمسكا بالتعليل الوارد في الخبر ، لا بالتعليل من باب أنه مقدمة الواجب.
هذا وبقي من المسائل المشهورة والمنصوصة كما هو ديدن الماتن في الكتاب كفارة التظليل سائرا ، وهي شاة على الأكثر للأخبار منها : صحيح محمد بن إسماعيل (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس ، فقال : أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى) (3) ، وصحيح علي بن جعفر (سألت أخي عليه السلام أظلل وأنا محرم؟ فقال : نعم فعليك الكفارة) (4)، وصحيح إبراهيم بن ابي محمود (قلت للرضا عليه السلام : يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به؟ قال نعم ، قلت : كم الفداء؟ قال : شاة : (5)وهي دالة على وجوب الكفارة مع العذر ، فتدل عليها بدونها بطريق أولى.
ثم إن كل نسك له فدية فلو ظلّل في العمرة وفي الحج فعليه كفارتان لتعدد النسك لخبر أبي علي بن راشد (قلت له : جعلت فداك إنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام ، لأني محرور تشتد عليّ الشمس فقال : ظلّل وأرق دما ، فقلت له : دما أو دمين؟ قال : للعمرة؟ قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحج قال : فأرق دمين) (6).
ومنه تعرف ضعف ما عن ابن الجنيد من أن الفدية هي الصيام أو الصدقة أو النسك كالحلق ، وابن زهرة أنه على المختار لكل يوم شاة وعلى المفطر لجملة الأيام شاة ، وليس لهما مستند على هذا التفصيل كما في الجواهر.
وعن الصدوق أنه مد عن كل يوم ، لخبر أبي بصير (سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال -
ص: 588
(وتتكرر الكفارات بتكرر الصيد عمدا (1) أو سهوا) ، أما السهو فموضع وفاق ، وأما تكرره عمدا فوجهه صدق اسمه الموجب له ، والانتقام منه غير مناف
______________________________________________________
- وهي محرمة؟ قال : نعم ، قلت : فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم؟ قال : نعم إذا كانت به شقيقة ، ويتصدق بمدّ لكل يوم) (1).
(1) قيل : لا تتكرر كما عليه الأكثر والأشهر ، لقوله تعالى : ( وَمَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ ) (2) ، إذ جعل سبحانه الانتقام جزاء للعود بعد أن جعل الفدية جزاءه ابتداء ، وللأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (المحرم إذا قتل الصيد جزاؤه ويتصدق بالصيد على مسكين ، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة) (3) ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة ، قلت : فإن أصاب آخر ، قال : إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله عزوجل : ومن عاد فينتقم الله منه) (4)، ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة ، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة ولم يكن عليه الكفارة) (5).
وذهب ابن الجنيد وابن إدريس والسيد والشيخ في الخلاف والمبسوط إلى التكرر ، لعموم قوله تعالى : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (6)فإنه يتناول المبتدي والعامد ثانيا وثالثا ، وصحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة ، قلت : فإن هو عاد؟ قال : عليه كلما عاد كفارة) (7) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في المحرم يصيب الصيد ، قال : عليه الكفارة في كل ما أصاب) (8)، وأجيب : أما عن الآية فلا عموم فيها بعد التصريح بالانتقام دون الجزاء على العائد ، وأما هذان الخبران فيحملان على الناسي جمعا بينها وبين مرسل ابن أبي عمير ، ومنه يعرف دليل التكرار للناسي ولغير العامد في المرتين فصاعدا.
ص: 589
لها ، لإمكان الجمع بينهما. والأقوى عدمه واختاره المصنف في الشرح (1) ، للنص أحوط. وموضع الخلاف (2) العمد بعد العمد ، أما بعد الخطأ ، أو بالعكس فيتكرر قطعا ، ويعتبر كونه في إحرام واحد (3) ، أو في التمتع مطلقا (4). أما لو تعدد في غيره (5) تكررت.
(وبتكرر اللبس) للمخيط (في مجالس) (6) ، فلو اتحد المجلس لم يتكرر اتحد جنس الملبوس ، أم اختلف ، لبسها دفعة ، أم على التعاقب طال المجلس ، أم قصر ،
(و) بتكرر (الحلق في أوقات) متكثرة عرفا وإن اتحد المجلس (7) ، (وإلا فلا) يتكرر.
______________________________________________________
(1) شرح الإرشاد.
(2) كما صرح به أكثر من واحد أنه العمد بعد العمد في إحرام واحد ، أما بعد الخطأ أو بالعكس فيتكرر قطعا لهذه النصوص السابقة المحمولة على هذه الموارد جمعا بينها.
(3) كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة ، وفي المسالك وهنا ألحق الشارح بالإحرام الاحرامين المرتبطين كحج التمتع وعمرته ، واستحسنه سيد المدارك.
(4) في عمرته أو حجه.
(5) غير الإحرام الواحد إلا ما استثناه من التمتع مطلقا.
(6) فتتكرر الكفارة بتعدد المجالس كما عن النهاية والوسيلة والمهذب والمقنعة والسرائر ، بل في المسالك : هكذا أطلق الأصحاب ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف وجمع من الأصحاب أن الكفارة تتكرر باختلاف الوقت بمعنى تراخي زمان الفعل عادة ، وقال في المدارك عن هذين القولين (أما الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما فلم أقف له على مستند ، وكذا الكلام في الطيب).
نعم ذهب العلامة في المنتهى وسيد المدارك إلى تكرار الكفارة باختلاف صنف الملبوس كالقميص والسروال وإن اتحد الوقت والمجلس ، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب ، قال : عليه لكل صنف منها فداء) (1).
(7) فتتكرر الكفارة ، كمن حلق بعض رأسه غدوة والآخر عشية ، لصدق تعدد الحلق الذي هو السبب فيتعدد المسبب بتعدده ، بلا خلاف فيه إلا من سيد المدارك حيث قال : (بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى ، وما عداه إنما
ص: 590
وفي الدروس جعل ضابط تكررها في الحلق ، واللبس ، والطيب ، والقبلة تعدد الوقت ، ونقل ما هنا (1) عن المحقق ولم يتعرض لتكرر ستر ظهر القدم والرأس.
والأقوى في ذلك كله تكررها بتكرره (2) مطلقا (3) ، مع تعاقب الاستعمال لبسا ، وطيبا ، وسترا ، وحلقا ، وتغطية للرأس وإن اتحد الوقت والمجلس ، وعدمه (4) مع إيقاعها دفعة بأن جمع من الثياب جملة ووضعها على بدنه وإن اختلفت أصنافها.
(ولا كفارة على الجاهل والناسي في غير الصيد) (5) ، أما فيه فتجب مطلقا ،
______________________________________________________
- يستفاد حكمه من باب الفحوى أو من انعقاد الإجماع على تعلق الكفارة به في بعض الموارد ، فلو قيل بالاكتفاء بالكفارة الواحدة في حلق الرأس كله سواء وقع في وقت واحد أو في وقتين كان حسنا).
(1) من اعتبار تعدد المجالس في المخيط وتعدد الوقت في الحلق.
(2) لتعدد السبب الموجب لتعدد المسبب.
(3) أي سواء اتحد المجلس أو لا ، وسواء اتحد الوقت أو لا.
(4) أي عدم تكرر الكفارة ، بل عليه كفارة واحدة لأن لبس جملة من الثياب يعدّ لبسا واحدا ، وهو سبب واحد في الكفارة ، وفيه : إنه على خلاف صحيح ابن مسلم المتقدم.
(5) أما في الصيد فتجب الكفارة حتى على الجاهل والناسي بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فإن عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد) (1) ، وصحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة ، قال : عليه كفارة ، قلت : فإن أصابه خطأ ، قال : وأي شي ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى ، قال : نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة) (2) ومثلها غيرها.
وحكى العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد ، وهو ضعيف كما في المدارك.
وأما سقوط الكفارة عن الناسي والجاهل في غير الصيد فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا كما في المدارك ، ويدل عليه صحيح ابن عمار المتقدم (وليس عليك فداء ما
ص: 591
حتى على غير المكلف (1) بمعنى اللزوم في ماله ، أو على الولي.
(ويجوز تخلية الإبل) وغيرها من الدواب (للرعي في الحرم) (2) ، وإنما يحرم مباشرة قطعه على المكلف محرما وغيره.
(الفصل السابع : في الإحصار والصد) (3)
أصل الحصر المنع والمراد به هنا منع الناسك ...
______________________________________________________
- أتيته بجهالة إلا الصيد) ، وصحيح زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة) (1) ، وخبر عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام (أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي ء عليه) (2).
(1) لو فعل الصبي ما يوجب الكفارة في الصيد لزم ذلك الولي في ماله كما عليه الأكثر على ما في المدارك ، لصحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام (إذا حج الرجل بابنه وهو صغير ، فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ويطاف به ويصلى عنه ، قلت : ليس لهم ما يذبحون؟ قال : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ، ويتقي عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب والطيب ، وإن قتل صيدا فعلى أبيه) (3).
وأما في غير الصيد فلا تجب الكفارة حتى في مال الولي كما عليه سيد المدارك لعدم التكليف في حقه ، وذهب صاحب الجواهر إلى ثبوت الكفارة كالصيد لأن فعل الصبي هنا من قبيل الأسباب الموجبة للكفارة على الولي لأنه هو المخاطب بأن يجنبه ذلك.
وعن ابن إدريس عدم الكفارة مطلقا حتى في الصيد ، لعدم التكليف في حقه ، وهو ضعيف لما تقدم من صحيح زرارة.
(2) للسيرة ، ولصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (تخلّي عن البعير يأكل في الحرم ما شاء) ((4).
(3) الإحصار بالمرض فقط ، والصدّ بالعدو ، وعليه فهما متغايران ، وهو المعروف بين الفقهاء ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار (سمعت أبا عبد الله عليه السلام : المحصور غير
ص: 592
بالمرض (1) عن نسك (2) ...
______________________________________________________
- المصدود ، فإن المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي رده المشركون ، كما ردوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء) (1) ، وإن كان المشهور بين أهل اللغة كقول أهل الجمهور أنهما مترادفان فالحصر سواء كان بالمرض أو العدو لأنه بمعنى المنع وهو معنى الصد ، ولكن مع قيام الدليل الشرعي فيكون منقولا شرعيا.
(1) على نحو الحصر بحيث لو كان بالعدو فيكون صدا.
(2) الحصر هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة في العمرة ، وكذا بالمنع من الإتيان بأفعال العمرة بعد دخول مكة ، وأما إذا كان المنع عن الطواف خاصة أو السعي أو طواف النساء في العمرة المفردة فسيأتي الكلام فيه.
وهو الذي يمنعه المرض عن الموقفين أو أحدهما مما يفوت بفواته الحج ، وأما المنع عن نزول منى خاصة بعد إدراك الموقفين ، أو عن الطوافين والسعي في مكة فقط فسيأتي الكلام فيه.
وعليه فمراد الشارح من النسك هو كلا الموقفين أو أحدهما الذي يفوت بفواته الحج كالمشعر الحرام ، ويعجبني هنا نقل كلام الشارح في المسالك حيث قال في المصدود : (المصدود إما أن يكون حاجا أو معتمرا ، والمعتمر إما أن يكون متمتعا أو مفردا ، فإن كان حاجا تحقق صده بالمنع عن الموقفين معا إجماعا ، وبالمنع من أحدهما مع فوات الآخر ، وبالمنع من المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصة دون العكس ، وبالجملة يتحقق بالمنع مما يفوت بسببه الحج ، وقد تقدم تحرير أقسامه الثمانية ، ومن هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا ، ولم يمكن التأخر عنهم بخوف العدو منهم أو من غيرهم ، فإن التقية هنا لم تثبت ، وأما إذا أدرك الموقفين أو أحدهما على الوجه المتقدم ثم صدّ ، فإن صد عن دخول منى لرمي جمرة العقبة والذبح والحلق ، فإن أمكن الاستنابة في الرمي والذبح لم يتحقق الصد ، بل يستنيب فيهما ثم يحلق ويتحلل ويتمّ باقي الأفعال بمكة ، ولو لم يمكن الاستنابة فيهما أو قدم الحلق عليهما ففي التحلل وجهان ، وقد تقدم مثله في غير المصدود ، ولو صدّ عن دخول مكة ومنى ففي تحلله بالهدى أو إبقائه على الإحرام إلى أن يقدر عليه وجهان ، أجودهما أنه مصدود ، ويلحقه حكمه لعموم الآية والأخبار ، ويحتمل أن يحلق ويستنيب في الرمي والذبح إن أمكن ، ويتحلل مما عدا الطيب والنساء واليد حتى يأتي بالمناسك ، وكذا -
ص: 593
يفوت الحج ، والعمرة (1) بفواته مطلقا (2) كالموقفين (3) ، أو عن النسك المحلل (4) على تفصيل يأتي ، والصد بالعدو (5) وما في معناه (6) ، مع قدرة الناسك بحسب ذاته (7) على الإكمال ، وهما (8) يشتركان في ثبوت أصل التحلل بهما في الجملة ،
______________________________________________________
- الإشكال لو كان صده عن مكة خاصة بعد التحلل في منى ، لكن هنا اختار جماعة منهم الشهيد في الدروس عدم تحقق الصد فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الثلاثة إلى أن يأتي ببقية الأفعال ، وينبغي تقييد ذلك بعدم مضي ذي الحجة وإلا اتجه التحلل ، ولا يتحقق الصد بالمنع من أفعال منى بعد النحر من المبيت والرمي إجماعا ، بل يستنيب في الرمي إن أمكن في وقته وإلا قضاه في القابل ، وإن كان الممنوع معتمرا بعمرة التمتع تحقق صده بمنعه من دخول مكة ، وبمنعه بعد الدخول من الاتيان بالأفعال ، وفي تحققه بالمنع من السعي بعد الطواف خاصة وجهان : من إطلاق النص ، وعدم مدخلية الطواف في التحلل ، وعدم التصريح بذلك في النصوص والفتوى ، والوجهان آتيان في عمرة الإفراد ، مع زيادة إشكال فيما لو صد بعد التقصير عن طواف النساء فيمكن أن لا يتحقق حينئذ الصد ، بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن وأكثر هذه الفروع لم يتعرض لها الجماعة بنفي ولا إثبات ، فينبغي تحقيق الحال) انتهى.
وقال في حاشية أخرى في المحصور (والكلام في المنع عن مكة أو الموقفين ما تقدم في الصد بأقسامه وأحكامه).
(1) عطف على الحج والمعنى : عن نسك تفوت العمرة بفواته سواء كانت العمرة مفردة أو متمتع بها كما لو منعه المرض عن دخول مكة ، فالمراد من النسك هنا مجموع أفعال العمرة لأنه هو الذي تفوت العمرة بفواته.
(2) مفردة أو متمتع بها.
(3) بالنسبة للنسك الذي يفوت الحج بفواته.
(4) كما لو منع من منى فقط من الرمي والذبح والحلق ، أو أعمال مكة من الطوافين والسعي ، أو منع من كليهما.
(5) أي ينحصر الصد بالعدو في قبال حصر الحصر بالمرض.
(6) قد تقدم كلامه في المسالك حيث قال بعد تحقيق معنى الحصر بالعدو (ومن هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا ، ولم يمكن التأخر عنهم بخوف العدو منهم أو من غيرهم ، فإن التقية هنا لم يثبت).
(7) وإنما أتاه المانع من الخارج بخلاف المرض.
(8) أي الحصر والصد.
ص: 594
ويفترقان (1) في عموم التحلل فإن المصدود يحل له بالمحلل كلما حرمه الإحرام (2) ، والمحصر ما عدا النساء ، وفي مكان ذبح هدي التحلل فالمصدود يذبحه ، أو ينحره حيث وجد المانع ، والمحصر يبعثه إلى محله بمكة ومنى (3). وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلل للمحصر ، دون المصدود ، لجوازه (4) بدون الشرط.
وقد يجتمعان (5) على المكلف بأن يمرض ويصده العدو فيتخير في أخذ حكم ما شاء منهما ، وأخذ الأخف من أحكامهما ، لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم ، سواء عرضا دفعة ، أم متعاقبين.
(ومتى أحصر الحاج بالمرض عن الموقفين) معا ، أو عن أحدهما مع فوات الآخر أو عن المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصة ، دون العكس. وبالجملة
______________________________________________________
(1) يفترقان في ستة أمور : 1 : عموم التحلل للمصدود لكل ما حرم عليه حتى النساء بخلاف المحصور الذي يحل له كل شي ء ما عدا النساء ، فيتوقف حلهن له على طوافهن ، 2 : اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود فإن فيه خلافا ، 3 : تعين مكان ذبح هدي المحصور في مكة في إحرام العمرة ، وفي منى إذا كان حاجا بخلاف المصدود الذي يذبح حيث يحصل له المانع ، 4 : افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي بخلاف المصدود فإن فيه قولين ، 5 : تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف ، 6 : فائدة الاشتراط تعجيل التحلل في المحصور دون المصدود لجواز التحلل له بدون الاشتراط.
والشارح لم يذكر إلا ثلاثة منها فقط.
(2) حتى النساء.
(3) بمكة إن كان معتمرا ، وبمنى إن كان حاجا.
(4) أي لجواز التحلل.
(5) ما تقدم من أحكام الحصر أو الصد إنما هو إذا تحقق أحدهما دون الآخر ، وأما لو اجتمعا على المكلف بأن مرض وصده العدو ، ففي التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره وهو مستلزم للاخذ بالأخف من أحكامها لصدق كل من الوصفين على من هذا شأنه فيتعلق به حكمه بلا فرق بين عروضهما دفعة أو متعاقبين وهو اختيار الشارح في المسالك وسيد المدارك ، أو الترجيح للسابق خصوصا إذا عرض الصد بعد بعث المحصر ، أو عرض الحصر بعد ذبح المصدود ولمّا يقصّر وهو خيرة الشهيد في الدروس ، وتظهر الفائدة في الخصوصيات.
ص: 595
متى أحصر عما يفوت بفواته الحج ، (أو) أحصر (المعتمر عن مكة) ، أو عن الأفعال بها وإن دخلها (بعث) كل منهما (ما ساقه) (1) إن كان قد ساق هديا ،
______________________________________________________
(1) لا خلاف في أن المحصور يتحلل بالهدي ، لكن اختلفوا فذهب الأكثر إلى أنه يجب بعثه إلى منى إن كان حاجا ، وإلى مكة إن كان معتمرا ، ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محله لظاهر قوله تعالى : ( وَلٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (1) ، وصحيح محمد بن مسلم ورفاعة عن الصادقين عليهما السلام أنهما قالا : (القارن يحصر وقد قال واشترط فحلّني حيث حبستني ، قال : يبعث بهديه ، قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه) (2) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إذا أحصر بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظنّ أنه يدرك الناس ، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه ولا شي ء عليه ، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة) (3) ، وموثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه ، ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه) (4) ، وموثق زرعة (سألته عن رجل أحصر في الحج ، قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحلّه أن يبلغ الهدي محله ، ومحله من يوم النحر إذا كان في الحج ، وإن كان في عمرة نحر بمكة ، فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى) (5) إلى غير ذلك من الأخبار.
هذا ويدل على جواز الذبح في موضع الحصر صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في المحصور ولم يسق الهدي ، قال : ينسك ويرجع ، قيل : فإن لم يجد هديا؟ قال : يصوم) (6) ، وصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (خرج الحسين عليه السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا ، فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ، ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال علي عليه السلام : ابني ورب الكعبة -
ص: 596
(أو) بعث (هديا ، أو ثمنه) إن لم يكن ساق. والاجتزاء بالمسوق (1) مطلقا هو المشهور ، لأنه هدي مستيسر.
______________________________________________________
- افتحوا له ، وكانوا قد حموا الماء ، فاكبّ عليه فشرب ثم اعتمر بعد) (1) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (المحصور والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه) (2)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي ، قال : يواعد أصحابه ميعادا ، فإن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك ، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار وصول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ ، وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة ، أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة ، وإذا برئ فعليه العمرة واجبة ، وإن كان عليه الحج فرجع إلى أهله أو أقام ففاته الحج فإن عليه الحج من قابل ، وإن الحسين بن علي عليهم السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه السلام ذلك ، وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض بها ، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما برئ من وجعه اعتمر) (3) الحديث ، والسقيا هي البئر التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعذب ماءها فيستقى له منها ، واسم ارضها الفلجان ، لا السقيا التي يقال بينها وبين المدينة يومان كما في الجواهر. ولذا ذهب ابن الجنيد إلى التخيير بين البعث وبين الذبح حيث أحصر ، وعن العماني أنه يذبح الإحصار ما لم يكن قد ساق.
(1) لو كان المحصور سائقا فهل يجزيه ما ساقه كما عليه المشهور لقوله تعالى : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (4) وهذا هدي مستيسر ، وللأخبار المتقدمة المكتفية ببعث الهدي الذي قد ساقه.
وعن الصدوقين أنه يفتقر إلى هدي التحلل مع بعث ما ساقه لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ويشهد لهما ما في الفقه الرضوي (فإذا قرن الرجل الحج والعمرة فأحصر بعث هديا مع هديه ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محله) (5).
ولكن من المظنون أن الفقه الرضوي هو نفس فتاواى ابن بابويه التي يرجع إليها -
ص: 597
والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجبا ولو بالإشعار ، أو التقليد لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدد المسبب ، نعم لو لم يتعين ذبحه كفى ، إلا أن إطلاق هدي السياق حينئذ عليه مجاز (1). وإذا بعث واعد نائبه وقتا معينا (لذبحه) ، أو نحره (2).
(فإذا بلغ الهدي محله ، وهي منى إن كان حاجا ، ومكة إن كان معتمرا) (3) ، ووقت المواعدة (حلق ، أو قصر (4) ...)
______________________________________________________
- الأصحاب عند اعواز النصوص ، لذا قال سيد المدارك (ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما ذكروه من أن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات وهو استدلال ضعيف).
وذهب الشارح في المسالك إلى التفصيل حيث قال : (والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجبا بنذر وشبهه ، أو بالاشعار وما في حكمه ، لاقتضاء إختلاف الاسباب ذلك ، ولو كان مندوبا بمعنى أنه لم يتعين ذبحه لأنه لم يشعره ولم يقلده ، ولا وجد منه ما اقتضى وجوب ذبحه بل ساقه بنية أنه هدي كفى) وهذا ما ذهب إليه هنا ، وفيه : إن إطلاق الأخبار المتقدمة يدفعه ، ومن هنا تعرف أن المراد بالإطلاق في عبارته هنا هو : سواء كان المسوق واجبا أو لا.
(1) لأن هدي السياق هو الذي أشعر أو قلد وأما إذا ساقه بدونهما وإنما بنية أنه هدي فلا يسمى بهدي السياق.
(2) كما دل عليه موثق زرعة المتقدم وغيره.
(3) كما دل عليه موثق زرعة المتقدم أيضا ، وغيره من النصوص.
(4) لظاهر قوله تعالى : ( وَلٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (1) ، ولصحيح معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن الرجل أحصر فبعث بالهدي ، فقال : يواعد أصحابه ميعادا ، فإن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر ، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه ولا يجب عليه حتى يقضي المناسك ، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار وصول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها ، فإذا كانت تلك الساعة قصّر وأحلّ) (2) ، ومثله غيره.
ص: 598
(وتحلل بنيّته (1) إلا من النساء (2) حتى يحج) في القابل ، أو يعتمر مطلقا (3) (إن كان) النسك الذي دخل فيه (واجبا) مستقرا ، (أو يطاف عنه للنساء) مع وجوب طوافهن في ذلك النسك (4) (إن كان ندبا) (5) أو واجبا غير مستقر بأن
______________________________________________________
(1) أي بنية التحلل.
(2) حتى يحج من قابل إذا كان الحج واجبا بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (المصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام الوارد في حصر الإمام الحسين عليه السلام (فقلت : أرأيت حين برأ من وجعه أحلّ النساء؟ فقال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة) (2)، ومرسل المفيد في المقنعة (قال عليه السلام : المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، ثم يحلّ ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل) (3).
(3) سواء كانت مفردة أو متمتع بها ، لإطلاق صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، فالمستفاد منه توقف حل النساء على الطواف والسعي وهو متناول للحج والعمرتين ، وعن الدروس أنه لو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له إذ لا طواف لأجل النساء فيها ، وقواه المحقق الثاني ومال إليه الشارح في المسالك.
(4) بأن كان في الحج مطلقا أو في العمرة المفردة ، وأما في عمرة التمتع فليس فيها طواف النساء فلا موضوع للاستنابة.
(5) فالاستنابة في المندوب قد ادعى عليه العلامة الاجماع في المنتهى ، واعترف صاحب المدارك بعدم النص عليه ، واستدل جمع من المتأخرين منهم الشارح في المسالك بأن الحج لا يجب العود لاستدراكه والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم فاكتفي بالحل بالاستنابة في طواف النساء ، ومثله يأتي في العمرة المفردة المندوبة ، وفيه : إنه على خلاف الاطلاق في صحيح معاوية المتقدم (لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة) (4).
ثم إن الشارح في المسالك ألحق الواجب غير المستقر بالمندوب ، وألحق العلامة في القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عن طواف النساء ، وقد عرفت أن الاطلاق حاكم إلا في الأخير فمع العجز يمكن الاستنابة لأنه عاجز عن طواف النساء.
ص: 599
استطاع له في عامه (1).
(ولا يسقط الهدي) الذي يتحلل به (بالاشتراط) (2) وقت الإحرام أن يحله
______________________________________________________
(1) أي العام الذي حج فيه ، وهو غير مستقر لتبين عدم قدرته على أداء المناسك بسبب المرض الحاصر فلا يجب فيه قضاء الحج ولا أبعاضه فلذا جازت الاستنابة في طواف النساء ، بخلاف الذي وجب عليه من قابل كما في الأخبار فلا بد من حمله على الحج المستقر بأن كان استطاعته لعام سابق ، هذا على تفصيل الشارح ولكن قد عرفت أن إطلاق صحيح معاوية بن عمار المتقدم يقتضي عدم حل النساء له إلا إذا صح من قابل إذا كان واجبا بمعنى بقاء الاستطاعة في ذمته ، وإلا إذا أراد الحج من قابل إذا كان الحج الذي أحصر فيه كان مندوبا.
(2) قد ذكر سابقا في بحث الإحرام أنه يستحب للمحرم أن يشترط في إحرامه على ربه أن يحله حيث حبسه وقد تقدم دليله.
وفائدة هذا الاشتراط مختلف فيها بين الأصحاب ، فقيل : إن فائدته سقوط الهدي مع الإحصار والتحلل بمجرد النية كما ذهب إليه المرتضى وابن إدريس ، لصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ فقال : أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه ، وإن الله أحق من وفّى ما اشترط عليه ، قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا) (1) ، حيث دلت الرواية على التحلل بمجرد الإحصار من غير تعرض لاعتبار الهدي ، ولو كان واجبا لذكر لأنه في مقام البيان ، ومثله غيره. وذهب الاسكافي والشيخ والمحقق والفاضل في بعض كتبهما إلى أن الهدي لا يسقط ، غايته أن فائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ولا ينتظر بلوغ الهدي محله ، أما أن الهدي لا يسقط فلعموم قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (2) ، وأما فائدة الاشتراط ذلك ، فللأخبار ، منها : خبر عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل خرج معتمرا فاعتلّ في بعض الطريق وهو محرم ، فقال : ينحر بدنة ، ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، فإذا برأ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه ، وإن كان -
ص: 600
حيث حبسه كما سلف ، (نعم له تعجيل التحلل) مع الاشتراط من غير انتظار بلوغ الهدي محله. وهذه فائدة الاشتراط فيه (1).
وأما فائدته في المصدود فمنتفية لجواز تعجيله التحلل بدون الشرط (2).
وقيل (3) : أنها سقوط الهدي ، وقيل : سقوط القضاء على تقدير وجوبه بدونه (4)،
______________________________________________________
- قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر) (1) ، وقد نقله صاحب الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب.
وصحيح معاوية بن عمار المتقدم (إن الحسين عليه السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك وهو بالمدينة ، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا وهو مريض بها ، فقال : يا بني ما تشتكي؟ فقال : اشتكي رأسي ، فدعا عليّ ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما برأ من وجعه اعتمر) (2) ، بناء على أنه عليه السلام قد اشترط باعتباره كونه مستحبا فلا يتركه المعصوم ، وفيهما قصور من حيث الدلالة فالعمدة هي الآية الشريفة.
(1) في المحصور.
(2) إذ يجوز للمصدود والذبح في مكان الصد ويتحلل من دون حاجة إلى انتظار وصول الهدي محله كما تدل عليه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه) (3) ، وخبر حمران عن أبي جعفر عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين صدّ بالحديبية قصّر وأحل ونحر ثم انصرف منها) (4) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنه ورجع إلى المدينة) (5) ، وهي عامة تشمل عدم الاشتراط.
(3) كما عن السيد وابن إدريس كما تقدم.
(4) أي بدون الاشتراط وهو متعلق بالوجوب لا بسقوط القضاء ، والمعنى أن فائدة الشرط سقوط الحج في القابل عن المشترط إذا حصر أو صد ، وأما إذا لم يشترط فيجب عليه الحج من قابل ، وهذا الذي ذهب إليه الشيخ في التهذيب لصحيح ضريس بن أعين -
ص: 601
والأقوى (1) أنه تعبد شرعي ، ودعا مندوب ، إذ لا دليل على ما ذكروه من
______________________________________________________
- (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر ، فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشتراط فإن عليه الحج من قابل) (1) ، ومما يدل عليه أيضا صحيح ذريح المحاربي المتقدم (قال عليه السلام : فليرجع إليه أهله حلا لا إحرام عليه ، إن الله أحق من وفّى بما اشترط عليه ، فقلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا) (2) ، ولكنه معارض بخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشترط في الحج أن حلّني حيث حبسني ، عليه الحج من قابل؟ قال : نعم) (3)، وصحيح أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشترط في الحج ، كيف يشترط؟ قال : يقول حين يريد أن يحرم أن حلّني حيث حبستني ، فإن حبستني فهي عمرة ، فقلت له : فعليه الحج من قابل؟ قال : نعم ، وقال صفوان : وقد روى هذه الرواية عدة من أصحابنا كلهم يقول : إن عليه الحج من قابل) (4)، وخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة ، فيحصر هل يجزيه أن لا يحج من قابل؟ قال : يحج من قابل ، والحاج مثل ذلك إذا احصر) (5) ، وخبر حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا يسقط الاشتراط عن الحج من قابل) (6)، ولذا استشكل العلامة في المنتهى على الشيخ بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط ، وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب ، واستحسنه سيد المدارك.
(1) اعلم أن أصل الكلام هو في وقوع الخلاف بين الشيخ والسيد في سقوط الهدي عن المحصور إذا اشترط ، فقد ذهب الشيخ إلى عدم السقوط ، وذهب السيد إلى السقوط ، وتابعه ابن إدريس وأشكل على الشيخ بأن الاشتراط إذا لم يوجب سقوط الهدي على المحصور فما هو فائدته ، وردّ عليه المحقق في الشرائع وغيره بأن فائدته جواز تعجيل التحلل ولذا قال الشارح هنا بعد قول الماتن (نعم له تعجيل التحلل) قال : وهذه فائدة الاشتراط فيه ، وهو ردّ منه على ابن إدريس.
ص: 602
الفوائد (1).
(ولا يبطل تحلله) الذي أوقعه بالمواعدة (لو ظهر عدم ذبح الهدي) (2) وقت المواعدة ولا بعده ، لامتثاله المأمور المقتضي لوقوعه مجزيا يترتب عليه أثره ، (ويبعثه)
______________________________________________________
- هذا من جهة ومن جهة أخرى قد سمعت فائدة الاشتراط من سقوط الحج على المشترط كما هو مختار الشيخ في التهذيب ، إذا عرفت ذلك قال الشارح في المسالك بعد ذكر ما تقدم : (وكل واحدة من هذه الفوائد لا يأتي على جميع الافراد التي يستحب فيها الاشتراط ، أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق إذا لو كان قد ساق هديا لم يسقط ، وأما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود ، وأما كلام التهذيب مخصوص بالمتمتع.
وظاهر أن ثبوت التحلل بالأصل والعارض لا مدخل له في شي ء من الأحكام ، واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج ، ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب) انتهى.
وهو صريح في بيان فائدة الاشتراط في جميع أفراد الحج لا في خصوص المحصور.
(1) أي فوائد الاشتراط بحيث يشمل جميع أفراد الحج ، وأما فوائده المختصة بالمحصور فقط فقد عرفت قيام الدليل عليه بل وتأييد الشارح لها.
(2) بلا خلاف في عدم بطلان تحلله إذا تبين عدم ذبح هديه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شي ء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا) (1) ، وموثق زرعة في حديث فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفّى ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى) (2) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر في حديث (قلت : أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ فأتى النساء ، قال : فليعد وليس عليه شي ء ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث) (3).
وإنما الخلاف فيما إذا بعث فهل يجب عليه الامساك كما عليه المشهور لظاهر هذه الأخبار المتقدمة ، أو لا يجب كما عن الحلي والمقداد والفاضلين في بعض كتبهما والشهيدين للأصل بعد عدم كونه محرما فيحمل الخبران المتقدمان على الندب.
ص: 603
في القابل) لفوات وقته في عام الحصر ، (ولا يجب الإمساك عند بعثه) عما يمسكه المحرم إلى أن يبلغ محله (على الأقوى) ، لزوال الإحرام بالتحلل السابق ، والإمساك تابع له. والمشهور وجوبه لصحيحة معاوية بن عمار ، «يبعث من قابل ويمسك أيضا» ، وفي الدروس اقتصر على المشهور. ويمكن حمل الرواية على الاستحباب كإمساك باعث هديه من الآفاق تبرعا (1).
(ولو زال عذره التحق) وجوبا وإن بعث هديه (فإن أدرك ، وإلا تحلل بعمرة) (2) وإن ذبح أو نحر هديه على الأقوى ، لأن التحلل بالهدي مشروط بعدم
______________________________________________________
(1) للأخبار ، منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إن ابن عباس وعليا كانا يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان ، وإن بعثا به من أفق من الآفاق واعدا أصحابها بتقليدهما واشعارهما يوما معلوما ، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم ، ويجتنبان كل ما يجتنبه المحرم ، إلا أنه لا يلبّي إلا من كان حاجا أو معتمرا) (1) ، وصحيح معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا ، قال : يواعد أصحابه يوما يقلدون فيه ، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه) (2).
والمستفاد من مجموع الأخبار الواردة هنا أن من كان في الآفاق بعث هديا أو ثمنه مع بعض أصحابه ويواعده يوما لإشعاره أو تقليده ، فإذا حضر ذلك الوقت اجتنب ما يجتنبه المحرم فيكون ذلك بمنزلة إحرامه ، لكن لا يلبي ، فإذا كان يوم عرفة اشتغل بالدعاء من الزوال إلى الغروب استحبابا ويبقى على إحرامه إلى يوم النحر حين المواعدة لذبحه فإذا فعل ذلك فيكون بمنزلة الحج له.
(2) لو بعث هديه ثم زال العارض من المرض لحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد الموقفين على وجه يصح حجه فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة مفردة كما هو فرض كل من فاته الحج ، وإن كان قد ذبحوا له ، وعليه في القابل قضاء الواجب المستقر أو المستمر ويستحب قضاء المندوب ، بلا خلاف فيه - كما في الجواهر - ويدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إذا أحصر بعث بهدية فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس ، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ
ص: 604
التمكن من العمرة ، فإذا حصل انحصر فيه (1).
ووجه العدم الحكم بكونه محللا (2) قبل التمكن وامتثال الأمر المقتضي له (3).
(ومن صدّ بالعدو عما ذكرناه) عن الموقفين (4) ومكة (5) (ولا طريق غيره) (6) أي غير المصدود عنه ، (أو) له طريق آخر ولكن (لا نفقة له) (7) تبلغه ، ولم يرج زوال المانع قبل خروج الوقت (8) (ذبح هديه) المسوق ، أو غيره (9) كما تقرر ، (وقصّر ، أو حلق وتحلل حيث صدّ حتى من النساء من غير تربص) (10) ، ولا
______________________________________________________
- من جميع المناسك وينحر هديه ولا شي ء عليه ، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة ، قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة ، قال : يحج عنه إن كانت حجة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي ء عليه) (1) ، بناء على أنه من قدم مكة قبل أن ينحر هديه يستطيع أن يدرك أحد الموقفين ، وعلى أن من قدم مكة وقد نحر هديه فقد فاته الموقفان وبه يفوت الحج.
نعم احتمل الشارح في المسالك عدم الاحتياج إلى العمرة المفردة للتحلل لأن ذبح الهدي عنه يقتضي تحلله.
(1) أي انحصر التحلل بامتثال العمرة.
(2) أي بكون الهدي محللا.
(3) أي امتثال الأمر بالهدي المقتضي للهدي كما في الأخبار التي تقدم الكثير منها في الأبحاث السابقة.
(4) بالنسبة للحج.
(5) بالنسبة للمعتمر.
(6) لأنه مع وجود طريق آخر لا يتحقق الصد.
(7) فهو كالعدم.
(8) فإن رجا الزوال فيجب عليه الانتظار ولا يتحقق الصد.
(9) غير المسوق من بعث هدي أو ثمنه مع المواعدة مع بعض أصحابه على ما تقدم بيانه في المحصور.
(10) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة وربع إلى المدينة) (2) ، وخبر -
ص: 605
انتظار طوافهن ، (ولو أحصر عن عمرة التمتع فتحلل فالظاهر حل النساء أيضا) (1) ، إذ لا طواف لهن بها حتى يتوقف حلهن عليه. ووجه التوقف عليه إطلاق الأخبار بتوقف حلهن عليه من غير تفصيل.
واعلم أن المصنف وغيره أطلقوا القول بتحقق الصد والحصر بفوات الموقفين ومكة في الحج والعمرة ، وأطبقوا على عدم تحققه (2) بالمنع عن المبيت بمنى ورمي الجمار ، بل يستنيب في الرمي في وقته إن أمكن وإلا قضاه في القابل (3). وبقي أمور.
منها : منع الحاج عن مناسك منى يوم النحر (4) إذا لم يمكنه الاستنابة في الرمي والذبح ، وفي تحققهما به (5) نظر. من إطلاق النص (6) وأصالة البقاء. أما لو أمكنه الاستنابة فيهما فعل وحلق ، أو قصر مكانه وتحلل وأتم باقي الأفعال.
ومنها : المنع عن مكة وأفعال منى معا (7) ، وأولى بالجواز هنا لو قيل به
______________________________________________________
- زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (المصدود يذبح حيث شاء ويرجع صاحبه فيأتي النساء) (1) وقد تقدم الكثير منها.
(1) قد تقدم الدليل عليه.
(2) أي تحقق الصد والحصر.
(3) بلا خلاف فيه كما في الجواهر وغيره.
(4) من الرمي والذبح والحلق ، فيستنيب في الرمي والذبح كما في المريض ثم يحلق ويتحلل ، ثم يتمّ باقي الأفعال ، فإن لم يمكنه الاستنابة في الرمي والذبح احتمل بقاؤه على إحرامه كما في المدارك والمسالك تمسكا بمقتضى الأصل ، وقوى صاحب الجواهر التحلل لصدق الصد فيتناوله عمومه واستجوده سيد المدارك.
(5) أي تحقق الصدد الحصر بالصد عن مناسك ومنى يوم النحر.
(6) أي نصوص الصد والحصر حيث لم تقيدهما بفعل من أفعال الحج دون غيره.
(7) جزم العلامة في التذكرة والمنتهى إلى أنه مصدود فيجري عليه حكمه من الذبح في مكان الصد ويحلق ويتحلل من كل شي ء أحرم عليه نظرا إلى أن الصد يفيد التحلل من الجميع فمن بعضه أولى ، واستحسنه سيد المدارك واستجوده الشارح في المسالك ، نعم قال في -
ص: 606
ثم (1). والأقوى تحققه هنا (2) للعموم.
ومنها : المنع عن مكة خاصة (3) بعد التحلل بمنى. والأقوى عدم تحققه فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الصيد والطيب والنساء إلى أن يأتي ببقية الأفعال ، أو يستنيب فيها حيث يجوز (4) ، ويحتمل مع خروج ذي الحجة التحلل بالهدي ، لما في التأخير إلى القابل من الحرج.
ومنها : منع المعتمر عن أفعال مكة بعد دخولها. وقد أسلفنا (5) أن حكمه حكم المنع عن مكة ، لانتفاء الغاية بمجرد الدخول (6).
ومنها : الصد عن الطواف خاصة فيها (7) وفي الحج ، والظاهر أنه يستنيب فيه كالمريض مع الإمكان ، وإلا بقي على إحرامه بالنسبة إلى ما يحلله إلى أن يقدر
______________________________________________________
- المسالك (ويحتمل أن يحلق ويستنيب في الرمي والذبح إن أمكن ، ويتحلل مما عدا الطيب والنساء والصيد حتى يأتي بالمناسك) وردّ عليه صاحب الجواهر بقوله : (ولا يخفى عليك ما في الاحتمال المزبور مع عدم إمكان الاستنابة بعد عدم الدليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه).
(1) فيما لو منع عن منى يوم النحر فقط.
(2) أي تحقق الصد في المنع عن مكة وأفعال منى معا.
(3) اختار جماعة منهم الشهيد في الدروس عدم تحقق الصد فيبقى على إحرامه بالنسبة للطيب والنساء والصيد ، واستوجهه المحقق الثاني في جامع المقاصد فقال : (لأن المحلل من الاحرام إما الهدي للمصدود والمحصور أو الاتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك منى يوم النحر تعيّن عليه الإكمال لعدم الدليل الدال على جواز التحلل بالهدي حينئذ فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك).
وعلّق عليه الشارح في المسالك بقوله (وينبغي تقييد ذلك بعدم مضي ذي الحجة وإلا اتجه التحلل).
(4) وموضع الجواز عند عدم إمكان العود إلى مكة إلا بمشقة عظيمة ، وقد تقدم الكلام في هذا الجواز سابقا.
(5) فقد قال سابقا (أو أحصر المعتمر عن مكة أو عن الافعال بها وإن دخلها).
(6) مع المنع عن الأعمال فهو مساو لعدم الدخول في انتفاء التمكن من أعمال مكة.
(7) أي عن طواف الزيارة في العمرة.
ص: 607
عليه ، أو على الاستنابة (1).
ومنها : الصد عن السعي خاصة ، فإنه محلّل في العمرة مطلقا (2) ، وفي الحج على بعض الوجوه (3) وقد تقدم ، وحكمه كالطواف ، واحتمل في الدروس التحلل منه (4) في العمرة ، لعدم إفادة الطواف شيئا ، وكذا القول في عمرة الإفراد لو صدّ عن طواف النساء. والاستنابة فيه أقوى من التحلل (5) ، وهذه الفروض يمكن في الحصر مطلقا (6) ، وفي الصد إذا كان خاصا (7) ، إذ لا فرق فيه (8) بين العام والخاص بالنسبة إلى المصدود ، كما لو حبس بعض الحاج ولو بحق يعجز عنه ، أو اتفق له في تلك المشاعر من يخافه. ولو قيل بجواز الاستنابة في كل فعل يقبل النيابة حينئذ (9) كالطواف والسعي والرمي والذبح والصلاة كان حسنا ، لكن يستثنى منه ما اتفقوا على تحقق الصد والحصر به كهذه الأفعال للمعتمر (10).
خاتمة : (تجب العمرة على المستطيع) إليها سبيلا (بشروط الحج) (11) وإن
______________________________________________________
(1) وقال سيد المدارك (وكذا الكلام في السعي وطواف النساء في العمرة المفردة).
(2) لجميع ما حرم على المعتمر.
(3) وهو محلل للطيب إن وقع بعد الطوافين.
(4) من السعي المصدود عنه فكان كالمنع من دخول مكة لأن وجود الطواف بدون السعي كعدمه.
(5) لإفادة الطواف والسعي هنا تحليل ما عدا النساء ، فهو قابل للنيابة حينئذ.
(6) عاما أو خاصا.
(7) لأن من البعيد عادة صدّ الجميع عن طواف النساء أو طواف الزيارة أو السعي ، ولكن يشكل عليه أيضا بأنه من البعيد حصر الجميع عن ذلك.
(8) أي في الصد من ناحية أحكامه ، وانطباقها على كل مصدود سواء كان مصدودا مع غيره أو لا ، خلافا للعامة حيث جعلوا أحكام الصد إذا كانت عامة.
(9) حين الصد أو الحصر عاما أو خاصا.
(10) فهذه الأفعال من الطوافين والسعي بالنسبة للمفردة هي تمام أعمال مكة وقالوا بتحقق الصد عنها ، مع أنه يمكن الاستنابة فيها ، لكن لا بد من استثنائها بالنسبة للمعتمر لاتفاقهم على ذلك.
(11) فتجب مرة في العمر بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
ص: 608
استطاع إليها خاصة (1) ، إلا أن تكون عمرة تمتع فيشترط في وجوبها الاستطاعة لهما معا للارتباط كل منهما بالآخر ، وتجب أيضا بأسبابه الموجبة له (2) لو اتفقت لها كالنذر وشبهه (3) ، والاستئجار (4) ، والافساد (5) ، وتزيد عنه (6) بفوات الحج بعد الإحرام (7) ويشتركان أيضا في وجوب أحدهما تخييرا لدخول مكة (8) لغير
______________________________________________________
- ، (1) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع ، لأن الله تعالى يقول : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ ) (2) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، فإن الله تعالى يقول : وأتموا الحج والعمرة لله) (3) ، ومثلها غيرها.
(1) بالنسبة للعمرة المفردة فتجب ، (لا يشترط في وجوب العمرة المفردة الاستطاعة للحج معها ، بل لو استطاع لها خاصة وجبت كما أنه لو استطاع للحج خاصة وجب ، وهو أشهر الأقوال في المسألة وأجودها ، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات دلالة على ارتباطها بالحج ، بل ولا دلالة على اعتبار وقوعهما في السنة ، وإنما المستفاد منها وجوبهما خاصة ، وحكى الشارح قولا بأن كلا منهما لا يجب إلا مع الاستطاعة للآخر ، وفصّل ثالث فأوجب الحج مجردا عنها وشرط في وجوبها الاستطاعة للحج وهو مختار الدروس ، هذا في العمرة المفردة ، أما عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها وللحج ، لدخولها فيه ، وكونها بمنزلة الجزء منه ، وهو موضع وفاق).
(2) أي بأسباب الحج الموجبة له.
(3) لوجوب الوفاء بالنذر وأخويه.
(4) لوجوب الوفاء بعقد الاجارة.
(5) إذا أفسد عمرته بالنكاح قبل السعي ، وقد تقدم الكلام فيه.
(6) أي عن الحج.
(7) أي وتزيد العمرة عن الحج من ناحية وجوبها فيما لو تلبس بإحرام الحج ثم فاته الحج فلا بد من محلّل شرعي ، والمحلّل منحصر بالعمرة وقد تقدم البحث فيه أكثر من مرة.
(8) لا خلاف في أنه لا يجوز لأحد أن يدخل مكة بغير إحرام عدا ما استثنى ، للأخبار -
ص: 609
.................................................................................................
______________________________________________________
- منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال : لا ، إلا أن يكون مريضا أو به بطن) (1) ، وصحيح عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام (أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال : لا ، إلا مريض أو مبطون) (2) ، وعليه فيجب على الداخل أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة ، لأن الإحرام عبادة غير مستقلة ، بل إما أن يكون بحج أو عمرة ويجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام واستثني من الحكم أمور : الأول : العبد إذا لم يأذن له سيده بالتشاغل بالنسك عن خدمته ، ودليله : إذا لم يجب عليه حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام من باب أولى ، الثاني : المتكرر دخوله كالحطّاب والحشاش ، لصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الحطابين والمجتلبة أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه ، فأذن لهم أن يدخلوا حلالا) (3) ، الثالث : أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضى شهر ، لموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق ، أو إلى بعض المعادن ، قال : يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج) (4) ، وصحيح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام في المتمتع (قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام ، ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال : إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما (5) ، ومرسل أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال : إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غيره دخل بإحرام) (6) ، والظاهر منها أن المدار في الشهر على الإهلال لا الإحلال. الثالث : من دخلها لقتال جاز أن يدخلها محلا ، كما دخلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح وعليه المغفر وهو المشهور بين الأصحاب ، ولكن المروي في صحيح معاوية بن عمار (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة : إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى أن تقوم -
ص: 610
المتكرر (1) ، والداخل (2) لقتال (3) ، والداخل عقيب إحلال من إحرام ، ولمّا يمض شهر منذ الإحلال ، لا الإهلال.
(ويؤخرها القارن والمفرد) عن الحج مبادرا بها على الفور وجوبا كالحج (4) وفي الدروس جوّز تأخيرها إلى استقبال المحرم ، وليس منافيا للفور ، (ولا تتعين) العمرة بالأصالة (بزمان مخصوص) واجبة ومندوبة ، وإن وجب الفور بالواجبة على بعض الوجوه (5) ، إلا أن ذلك ليس تعيينا للزمان. وقد يتعين زمانها بنذر وشبهه ،
______________________________________________________
- الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ، ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار) (1).
(1) كالحطاب والحشاش.
(2) عطف على (المتكرر).
(3) مباح.
(4) أما فورية الوجوب في العمرة المتمتع بها فلا إشكال فيه ، لارتباطها بالحج الذي ثبت وجوب فوريته ، وأما العمرة المفردة فلظاهر صحيح معاوية المتقدم (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع) (2) ، وهو يقتضي مساواتها للحج في كيفية الوجوب وشرائطه.
وقد ذكر جمع من الأصحاب وجوب تأخيرها إلى انتفاء أيام التشريق ، لصحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف ، قال يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل ، وعليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم) (3) ، وظاهره النهي عن عمرة التحلل فيكون غيرها أولى بالنهي.
نعم ورد جواز تأخيرها إلى استقبال محرم الحرام ، وهو مرسل الشيخ عن الصادق عليه السلام (المتمتع إذا فاتته العمرة أقام إلى هلال المحرم اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة) (4) ، وبه أفتى العلامة في القواعد والشهيد في الدروس.
(5) كالإتيان بها بعد حج القران والإفراد في نفس العام.
ص: 611
وهي مستحبة مع قضاء الفريضة (1) في كل شهر) (2) على أصح الروايات.
(وقيل : لا حدّ) للمدة بين العمرتين (وهو حسن) ، لأن فيه جمعا بين الأخبار الدال بعضها على الشهر ، وبعضها على السنة ، وبعضها على عشرة أيام
______________________________________________________
(1) أي بعد إتيان الواجب منها.
(2) ذهب ابن أبي عقيل إلى عدم جواز العمرتين في عام واحد ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا يكون عمرتان في سنة) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (العمرة في كل سنة مرة) ((2).
وحملت على عمرة التمتع جمعا بينها وبين ما دل على أن لكل شهر عمرة.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى أن أقل ما يكون بين العمرتين عشرة أيام ، لخبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والأربعة كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا خرج فليخرج محلا ، قال : ولكل شهر عمرة.
فقلت : يكون أقل؟ قال : يكون لكل عشرة أيام عمرة) (3).
وذهب أبو الصلاح وابن حمزة والمحقق في النافع والعلامة في المختلف إلى أن أقله شهر ، لأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كان علي عليه السلام يقول : لكل شهر عمرة) (4) ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (في كتاب علي عليه السلام : في كل شهر عمرة) (5) ، ومثلها غيرها ، والظاهر منها أن المدار في الشهر على الإهلال لا الإحلال.
وعن جماعة منهم المرتضى وابن إدريس والمحقق والشهيدان بل نسب إلى كثير من المتأخرين أنه لا حدّ لأقل الحد بين العمرتين لاختلاف الأخبار المتقدمة المحمولة على مراتب الاستحباب بعد التمسك بإطلاق مشروعيتها الدال على جوازها في أي وقت مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) فقال : هو يوم النحر ، والأصغر هو العمرة) (6) ، ومثله غيره.
وفي الأخير ضعف ظاهر إذ هذه الأخبار مسوقة لبيان الفضيلة وليست في مقام البيان من ناحية تحديد المدة ، وخبر علي بن أبي حمزة المتضمن للفصل بين عشرة أيام ضعيف السند لا يصلح لتخصيص الأخبار الكثيرة الواردة بالفصل بالشهر ، فيتعين العمل بها بعد ما عرفت أن مستند العماني محمول على عمرة التمتع.
ص: 612
بتنزيل ذلك على مراتب الاستحباب.
فالأفضل الفصل بينهما بعشرة أيام ، وأكمل منه بشهر ، وأكثر ما ينبغي أن يكون بينهما السنة ، وفي التقييد بقضاء الفريضة (1) إشارة إلى عدم جوازها ندبا مع تعلقها بذمته وجوبا ، لأن الاستطاعة للمفردة ندبا يقتضي الاستطاعة وجوبا غالبا ، ومع ذلك (2) يمكن تخلفه (3) لمتكلفها (4) حيث يفتقر إلى مئونة لقطع المسافة وهي (5) مفقودة ، وكذا لو استطاع إليها وإلى حجتها ولم تدخل أشهر الحج فإنه لا يخاطب حينئذ بالواجب فكيف يمنع من المندوب ، إذ لا يمكن فعلها واجبا ، إلا بعد فعل الحج. وهذا البحث كله في المفردة (6).
______________________________________________________
(1) في عبارة الماتن.
(2) أي مع هذا التلازم الغالبي.
(3) تخلف المندوب عن الواجب.
(4) أي من لم تجب عليه العمرة لفقدان شرائط الوجوب في حقه ، ومع ذلك تكلف بالإتيان بها ، فإن المأتي به يكون مندوبا.
(5) أي المئونة.
(6) وأما عمرة المتمتع بها فتتبع الحج وجوبا وندبا ووقتا ، هذا ومسائل الحج كثيرة لا يمكن استقصاؤها ، فله الحمد على ما وفق ويسّر ، ففي صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (جعلني الله فداك ، إني أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتني ، فقال : يا زرارة : بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفني مسائله في أربعين عاما) (1).
ص: 613
ص: 614
كتاب الجهاد
ص: 615
ص: 616
(كتاب الجهاد (1)
(وهو أقسام) (2) جهاد المشركين ابتداء. لدعائهم إلى الإسلام ، وجهاد من
______________________________________________________
(1) فهو فعال من الجهد بالفتح بمعنى التعب والمشقة ، أو بالضم بمعنى الوسع والطاقة.
وقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله وآثاره ففي خبر حيدرة عن أبي عبد الله عليه السلام (الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض) (1) ، وخبر أبي حفص الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الله عزوجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين ، فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال ، فالخير في السيف وتحت السيف ، والأمر يعود كما بدأ) (2)، وخبر معمر عن أبي جعفر عليه السلام (الخير كله في السيف وتحت السيف وفي ظل السيف) (3)، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (من قتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئا من سيئاته) (4)، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ ، وفوق كل ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه ، فإذا قتل أحد والديه فليس فوقه عقوق) (5).
(2) الأول : قتال الكفار ابتداء للدعاء إلى الإسلام ، وهو الأصلي والمقصود من كتاب الجهاد ، وهو الذي أنزل فيه قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتٰالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (6).
الثاني : أن يدهم المسلمين عدد من الكفار يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ أموالهم ، وهو ملحق بالقسم الأول إلا أنه بالواقع هو دفاع عن النفس والمال والعرض ، وهو واجب على الذكر والأنثى إن احتيج إليها ، ولا يتوقف على إذن الإمام ولا يختص -
ص: 617
يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلائهم على بلادهم ، أو أخذ مالهم وما أشبهه (1) وإن قلّ ، وجهاد من يريد قتل نفس محترمة ، أو أخذ مال ، أو سبي حريم مطلقا (2) ، ومنه (3) جهاد الأسير بين المشركين للمسلمين دافعا عن نفسه. وربما أطلق على هذا القسم الدفاع ، لا الجهاد ، وهو أولى ، وجهاد البغاة على الإمام ، والبحث هنا عن الأول ، واستطرد ذكر الثاني من غير استيفاء ، وذكر الرابع في آخر الكتاب (4) ، والثالث في كتاب الحدود.
(ويجب على الكفاية) (5) بمعنى وجوبه على الجميع إلى أن يقوم به منهم من
______________________________________________________
- بمن قصدوه من المسلمين ، بل يجب على من علم بالحال النهوض إذا لم يعلم قدرة المقصودين على المقاومة ، بخلاف القسم الأول مشروط بالبلوغ والعقل والحرية والذكورية وإذن الإمام عليه السلام ، ووجوبه على الكفاية.
الثالث : قتال البغاة ابتداء للرجوع إلى الحق.
الرابع : دفع من يريد قتل النفس المحترمة أو أخذ مال أو سبي حريم وإن كان مسلما ، ويلحق به فيما لو كان المسلم أسيرا بين المشركين ويغشاهم العدو ويخشى المسلم على نفسه فيدفع عنها بحسب الإمكان ، وهذا القسم الرابع هو من الدفاع المحض فلذا ذكروه في باب الحدود.
(1) من الاعراض.
(2) أي سواء كان المريد مسلما أو كافرا.
(3) أي من القسم الثالث.
(4) كتاب الجهاد.
(5) أي القسم الأول من أقسام الجهاد ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر للمعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقوله تعالى ( لٰا يَسْتَوِي الْقٰاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ بِأَمْوٰالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، فَضَّلَ اللّٰهُ الْمُجٰاهِدِينَ بِأَمْوٰالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقٰاعِدِينَ دَرَجَةً ، وَكُلًّا وَعَدَ اللّٰهُ الْحُسْنىٰ ) ) (1).
وعن سعيد بن المسيب أنه واجب عيني لقوله تعالى ( انْفِرُوا خِفٰافاً وَثِقٰالاً ) (2) ، وفيه : إنها منسوخة بقوله تعالى - على ما قيل - ( وَمٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ -
ص: 618
فيه الكفاية ، فيسقط عن الباقين. سقوطا مراعى باستمرار القائم به إلى أن يحصل الغرض المطلوب به شرعا ، وقد يتعين بأمر الإمام (1) لأحد على الخصوص وإن قام به من كان فيه كفاية ، وتختلف الكفاية (بحسب الحاجة) بسبب كثرة المشركين ، وقلتهم ، وقوتهم وضعفهم.
(وأقله مرة في كل عام) (2) لقوله تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
______________________________________________________
- فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ ) (1) ، أو أن المراد بها خصوص غزوة تبوك التي استنفرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها ، فتخلف فيها كعب بن مالك وأصحابه فهجرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى تاب الله عليهم ، أو أن المراد بالآية هو الوجوب ابتداء وهذا لا يمنع الواجب الكفائي لأنه كما حرر في الأصول فهو واجب على الجميع وإن كان يسقط بفعل من يقوم به منهم ولذا بعاقب الجميع على تركه ، ويؤيده خبر دعائم الإسلام عن علي صلوات الله عليه (الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتٰالُ ) ، فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلف عنه ، ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد ، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوا حتى يكتفوا ، قال الله عزوجل : ( وَمٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ) (2) ، وإن أدهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلهم ، قال الله عزوجل : ( انْفِرُوا خِفٰافاً وَثِقٰالاً ، وَجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ) (3)) (4).
هذا ومن الواضح أن الكفاية بحسب الحاجة بكثرة المشركين وقلّتهم وضعفهم وقوّتهم.
(1) لأن من استنهضه الإمام فيجب عليه القيام لوجوب إطاعة أمر المعصوم عليه السلام.
(2) كما عن الشيخ والفاضل والشهيدين والكركي ، لقوله تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (5) ، حيث علق وجوبه على الانسلاخ ، وهو لا يتحقق في العام إلا مرة واحدة ، وهو ضعيف لأن بقية الآية ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، فَإِنْ تٰابُوا وَأَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَآتَوُا الزَّكٰاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ، إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (6)، وهي دالة على وجوب مقاتلهم حتى يحصل المقصود وهو اسلامهم ، ولم يتقيد ذلك بوقت دون آخر فتجب المقاتلة حتى يتحقق ، وهذا قد -
ص: 619
الْمُشْرِكِينَ ) أوجب بعد انسلاخها الجهاد ، وجعله (1) شرطا فيجب كلما وجد الشرط ، ولا يتكرر بعد ذلك بقية العام ، لعدم إفادة مطلق الأمر التكرار.
وفيه نظر يظهر من التعليل ، هذا (2) مع عدم الحاجة إلى الزيادة عليها في السنة ، وإلا وجب بحسبها (3) ، وعدم العجز عنها فيها (4) ، أو رؤية الإمام عدمه صلاحا (5) وإلا جاز التأخير بحسبه (6).
وإنما يجب الجهاد (بشرط الإمام العادل (7) ، ...)
______________________________________________________
- يستلزم التكرار والإنصاف : إن كلام الماتن لا ينفي ذلك حيث أوجب المرة ولم ينف الأكثر ، نعم يظهر من استدلالهم أن المرة الأولى تكون عقيب الانسلاخ.
(1) وجعل الانسلاخ.
(2) أي وجوب المرة في العام.
(3) بحسب الحاجة.
(4) أي وعدم العجز عن المرة في السنة.
(5) أي عدم الجهاد كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قريش سنين عدة.
(6) أي وإلا جاز تأخير المرة بحسب العجز أو رؤية الإمام للصلاح في ذلك.
(7) أي بشرط وجود الإمام المعصوم بحيث يكون مبسوط اليدين ، متمكنا من التصرف ، بلا خلاف في ذلك للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفي ء أمر الله عزوجل ، فإنه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدونا في حبس حقنا ، والإشاطة بدمائنا ، وميتته ميتة جاهلية) (1) ، ومرسل ابن شعبة عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون (والجهاد واجب مع إمام عادل ، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ، ولا يحلّ قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ ، وذلك إذا لم تحذر على نفسك ، ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم ، والتقية في دار التقية واجبة) (2) ، وخبر الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث شرائع الدين (والجهاد واجب مع إمام عادل ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد) (3)، وخبر بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إني رأيت في المنام أني قلت لك : إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، فقلت لي : نعم هو كذلك ، فقال عليه السلام : هو كذلك هو كذلك) (4)والأخبار كثيرة.
ص: 620
أو نائبه) الخاص (1) وهو المنصوب للجهاد ، أو لما هو أعم (2) ، أما العام (3) كالفقيه فلا يجوز له توليه حال الغيبة بالمعنى الأول ، ولا يشترط في جوازه (4) بغيره من المعاني (أو هجوم عدوّ) على المسلمين (يخشى منه على بيضة الإسلام) (5) وهي أصله ومجتمعه فيجب حينئذ (6) بغير إذن الإمام أو نائبه.
ويفهم من القيد (7) كونه (8) كافرا ، إذ لا يخشى من المسلم على الإسلام نفسه وإن كان مبدعا ، نعم لو خافوا على أنفسهم وجب عليهم الدفاع (9) ولو خيف على بعض المسلمين وجب عليه ، فإن عجز وجب على من يليه مساعدته ، فإن عجز الجميع وجب على من بعد. ويتأكد على الأقرب فالأقرب كفاية.
(ويشترط) في من يجب عليه الجهاد بالمعنى الأول (البلوغ والعقل (10)
______________________________________________________
(1) وهو الذي نصبه للجهاد ، لأن إطاعته إطاعة للمعصوم عليه عليه السلام ، ولا يجب أن يكون منصوبا للجهاد فقط ، فلو كان منصوبا للجهاد وغيره كالوالي لجاز أيضا وهو المراد من نائبه العام وكلاهما منصوب من قبله بالتعيين.
وأما نائبه العام في زمن الغيبة وهو الفقيه الجامع للشرائط حيث نصبه من ناحية أوصافه ، فلا يجوز له توليه الجهاد حال الغيبة ، بل في الرياض نفي علم الخلاف فيه حاكيا له عن ظاهر المنتهى وصريح الغنية - إلى أن قال - وظاهرهما الاجماع ، مضافا إلى النصوص - التي تقوم بعضها - وهي معتبرة لوجود الإمام المعصوم ، بالإضافة إلى أن أدلة تنصيب الفقيه غير شاملة إلا للقضاء والفتيا كما ستسمعه في باب القضاء.
(2) كالوالي المنصوب من قبله عليه السلام ، فإنه منصوب للجهاد وغيره.
(3) أي النائب العام.
(4) أي ولا يشترط وجوب الإمام في جواز الجهاد بمعنى الدفاع وغيره من بقية أقسام الجهاد.
(5) فلا يشترط إذن الإمام المعصوم للأصل ، ولأن الأخبار التي اشترطت إذنه ووجوده محمولة على الجهاد الابتدائي كما هو ظاهر بعضها ، وبيضة الإسلام : أصله.
(6) أي حين الخوف على بيضة الإسلام.
(7) وهو الخشية على بيضة الإسلام.
(8) أي كون العدو.
(9) من دون إذن المعصوم أو نائبه.
(10) فلا يجب على الصبي ولا على المجنون ، بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم ، ففي خبر -
ص: 621
والحرية (1) والبصر (2) والسلامة من المرض) (3) المانع من الركوب والعدو ،
______________________________________________________
- الأعمش عن ابن ظبيان (أتى عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال علي عليه السلام : أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ) ((1).
(1) فلا يجب على المملوك بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، واستدل عليه العلامة في محكي المنتهى بقوله : (الحرية شرط فلا يجب على العبد إجماعا ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ، والعبد على الإسلام دون الجهاد ، ولأنه عبادة يتعلق بها قطع المسافة فلا تجب على العبد).
ولكن في المختلف جعله مشهورا ، ونسب إلى الاسكافي الخلاف لما روي (أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليبايعه ، فقال : يا أمير المؤمنين أبسط يدك أبايعك على أن ادعوا لك بلساني ، وأنصحك بقلبي ، وأجاهد معك بيدي ، فقال عليه السلام : أحر أنت أم عبد؟ فقال : عبد ، فصفق يده فبايعه) (2) ، وحمله العلامة على الجهاد معه على تقدير الحرية ، أو اذن المولى ، أو عموم الحاجة ، والأقوى عدم وجوبه على العبد ، لخبر الدعائم عن علي عليه السلام (ليس على العبيد جهاد ما استغنوا عنهم ، ولا على النساء جهاد ، ولا على من لم يبلغ الحلم) (3).
(2) فلا يجب على الأعمى ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَلٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ) (4) ، والعمى يتحقق بذهاب البصر من العينين معا ، وهو ساقط عنه وإن وجد قائدا لعموم الآية ، أما الأعور والأعشى فلا ، لعدم صدق الأعمى عليهما بعد إمكان الجهاد لهما.
(3) فلا يجب الجهاد على المريض بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَلٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذٰا نَصَحُوا لِلّٰهِ وَرَسُولِهِ ، مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، وَاللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (5).
وقيّد المرض بكونه المانع عن الركوب والعدو ، لأن القتال مستلزم لهما دائما فإن عجز عنهما فقد عجز عن القتال.
ص: 622
والعرج) (1) البالغ حد الإقعاد ، أو الموجب لمشقة في السعي لا تتحمل عادة ، وفي حكمه الشيخوخة (2) المانعة من القيام به ، (والفقر) (3) الموجب للعجز عن نفقته ونفقة عياله ، وطريقه (4) ، وثمن سلاحه ، فلا يجب على الصبي والمجنون مطلقا (5) ، ولا على العبد وإن كان مبعضا ، ولا على الأعمى وإن وجد قائدا ومطية ، وكذا الأعرج. وكان عليه أن يذكر الذكورية فإنها شرط فلا يجب على المرأة (6).
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( وَلٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ) (1) ، وقيّد العرج بالبالغ حد الإقعاد الذي يسقط معه الجهاد ، بخلاف اليسير منه الذي يمكنه الركوب والمشي فإنه واجب عليه لعموم الأدلة.
(2) أي وفي حكم العرج ، فلا يجب الجهاد على الشيخ الهمّ العاجز عنه بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَلٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (2) ، نعم لو فرض قوة الهمّ عليه ، فلا يسقط وإن كبر سنّه كما وقع من عمار بن ياسر في صفين ومسلم بن عوسجة - رضوان الله عليهما - في كربلاء.
(3) فلا يجب الجهاد على الفقير غير القادر على نفقه عياله لو اشتغل بالجهاد ، وغير القادر على تأمين آلة الحرب التي يستعملها في القتال ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (3).
ومن الواضح أن الفقر يختلف باختلاف الأشخاص وأحوالهم وازمنتهم فمنهم من يعتاد النفقة الواسعة ومنهم من عنده عيال كثيرة فتعتبر النفقة اللائقة والكافية في حقه ، ومنهم من يحسن الضرب بالهم خاصة فيعتبر في حقه بحيث لو وجد غيره من آلات الحرب ولم يجد القدرة على الهم فهو عاجز عن القتال وهكذا.
(4) فيما لو توقف القتال على قطع مسافة ما ، وقطع المسافة متوقف على نفقة ، وهي مفقودة فيكون عاجزا عن القتال.
(5) سواء كان الصبي مميزا أو لا ، وسواء كان المجنون أدواريا أو لا.
(6) بلا خلاف فيه ، لخبر الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام (كتب الله الجهاد على الرجال والنساء ، فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله ، وجهاد المرأة -
ص: 623
هذا في الجهاد بالمعنى الأول (1) ، أما الثاني (2) فيجب الدفع على القادر سواء الذكر والأنثى ، والسليم والأعمى ، والمريض والعبد ، وغيرهم (3).
(ويحرم المقام في بلد المشرك لمن لا يتمكن من إظهار شعائر الإسلام) (4) من
______________________________________________________
- أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته) (1) ، وخبر الدعائم عن علي عليه السلام (ولا على النساء جهاد) (2).
(1) أي الجهاد الابتدائي.
(2) أي الدفاع عن بيضة الاسلام بحيث يدهم المسلمين عدو يريد الاستيلاء على بلادهم.
(3) كالخنثى والمبعّض والصبي ، بلا خلاف فيه لعموم الأدلة ، بل يجوز القتال حينئذ مع الإمام الجائر ، ففي موثق يونس عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قلت له : جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطى السيف والفرس في سبيل الله ، فأتاه فأخذهما منه ، وهو جاهل بوجه السبيل ، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما ، فقال عليه السلام : فليفعل ، قال الراوي : قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له : قد شخص الرجل ، قال عليه السلام : فليرابط ولا يقاتل ، قال الراوي : ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور؟ فقال عليه السلام : نعم ، فقال له الراوي : يجاهد؟ قال عليه السلام : لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين.
فقال الراوي : أر أيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم؟ قال عليه السلام : يرابط ولا يقاتل ، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل ، فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان.
قال الراوي : قلت فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال : يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء ، لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم) (3).
وكذا يجب الدفاع عن النفس والعرض مطلقا ، وعن المال مع غلبة السلامة ، وهذه الأقسام الثلاثة تسمى دفاعا قال في الدروس : (وظاهر الأصحاب عدم تسمية ذلك كله جهادا بل دفاع ، وتظهر الفائدة في حكم الشهادة والفرار وقسمة الغنيمة وشبهها).
(4) فتجب عليه الهجرة بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلٰائِكَةُ ظٰالِمِي -
ص: 624
الأذان ، والصلاة ، والصوم ، وغيرها (1) ، وسمّي ذلك شعارا ، لأنه علامة عليه ، أو من الشعار الذي هو الثوب الملاصق للبدن فاستعير للأحكام اللاصقة اللازمة للدين (2).
واحترز بغير المتمكن ممن يمكنه إقامتها لقوة ، أو عشيرة تمنعه فلا تجب عليه الهجرة (3). نعم تستحب لئلا يكثر سوادهم (4) ، وإنما يحرم المقام مع القدرة عليها (5) ، فلو تعذرت لمرض ، أو فقر ، ونحوه فلا حرج ، وألحق المصنف فيما نقل عنه (6) ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لا يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر
______________________________________________________
- أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ، قٰالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا ، فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَسٰاءَتْ مَصِيراً* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَالنِّسٰاءِ وَالْوِلْدٰانِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلٰا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُولٰئِكَ عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ، وَكٰانَ اللّٰهُ عَفُوًّا غَفُوراً ) (1).
(1) من الأحكام التي اختص الإسلام بها.
(2) ففي الصحاح (شعار القوم في الحرب علامتهم ليعرف بعضهم بعضا) والشعار بمعنى العلامة هنا أولى فهي علامات الإسلام حيث يعرف فاعلها بأنه مسلم.
(3) لانتفاء المانع من عدم التمكن من إظهار شعائر الإسلام.
(4) أي الكفار.
(5) أي على الهجرة ، قال في الجواهر وقد أجاد ، (ومن هنا كان الناس في الهجرة على أقسام ثلاثة ، كما صرح به في المنتهى ، أحدها : من تجب عليه ، وهو من أسلم من بلاد الشرك وكان مستضعفا فيهم لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر له من مرض ونحوه ، والثاني : من تستحب له ، وهو من أسلم في بلاد الشرك ، أو كان فيها ويمكنه إظهار دينه لعشيرة تمنعه أو غير ذلك ، فإنها لا تجب عليه كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا ، للأصل وظاهر الآية أيضا وغيره ، ولكن يستحب له كما صرح به جماعة تجنبا لهم عن تكثير عددهم وعن معاشرتهم ، اللهم إلا أن يكون في بقائه مصلحة للدين.
الثالث : من لا تجب عليه ولا تستحب له ، وهو من كان له عذر يمنعه عنها من مرض ونحوه ، مما أشير إليه بقوله تعالى : ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَالنِّسٰاءِ ) ، الآية ، نعم إذا تجددت له القدرة وجبت).
(6) قال المحقق الثاني في جامع المقاصد : (وهل يجب الخروج من البلاد التي يعجز عن إظهار -
ص: 625
الإيمان ، مع إمكان انتقاله إلى بلد يتمكن فيه منها.
(وللأبوين منع الولد من الجهاد) (1) بالمعنى الأول (مع عدم التعين) عليه بأمر
______________________________________________________
- شعائر الإيمان؟ ينقل عن شيخنا الشهيد ذلك ، وهو حسن ، لكن الظاهر أن هذا إنما يكون حيث يكون الإمام عليه السلام موجودا ، وترتفع التقية بالكلية ، أما مع غيبته وبقاء التقية فهذا الحكم غير ظاهر ، لأن جميع البلاد لا تظهر بها شعائر الإسلام ، ولا يكون إنفاذها إلا بالمساترة وإن تفاوتت في ذلك) انتهى.
وما قاله المحقق متعين للنصوص الكثيرة الواردة في الحث على التقية (1) ، والترغيب فيها ، والنصوص الدالة على معاشرتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم (2) ، وهي دالة على عدم وجوب المهاجرة في زمن الغيبة وزمان الغيبة حتى ظهور صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه زمان تقية ، ففي موثق محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية) (3) ، فلذا قال صاحب الجواهر : (فمن الغريب ما سمعته عن الشهيد ، ولم أعرف ذلك لغيره ، بل ولا له أيضا في كتاب من كتبه المعروفة).
(1) بلا خلاف فيه ، لخبر جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يا رسول الله إني راغب في الجهاد نشيط ، قال : فجاهد في سبيل الله ، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق ، وإن تمت فقد وقع اجرك على الله ، وإن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت ، فقال : يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أقم مع والديك ، فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة) (4) ، وهو ظاهر في حقهما في المنع ، بل في خبر أبي سعيد الخدري - المروي في غوالي اللئالي - أنه يشترط إذنهما ابتداء فضلا عن سلطنة المنع ، ففي الخبر (إن رجلا هاجر من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل لك أحد باليمن؟ فقال : أبوان ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : أذنا لك؟ قال : لا ، قال : ارجع فاستأذنهما ، فإن اذنا لك فجاهد ، وإلا فبرّهما) (5).
ص: 626
الإمام له (1) ، أو بضعف المسلمين عن المقاومة بدونه إذ يجب عليه حينئذ عينا فلا يتوقف على إذنهما كغيره من الواجبات العينية (2).
وفي الحاق الأجداد بهما قول قوي (3) فلو اجتمعوا توقف على إذن الجميع ، ولا يشترط حريتهما على الأقوى (4) ، وفي اشتراط إسلامهما قولان (5) وظاهر المصنف عدمه ، وكما يعتبر إذنهما فيه يعتبر في سائر الأسفار المباحة والمندوبة والواجبة كفاية مع عدم تعينه عليه ، لعدم (6) ...
______________________________________________________
(1) وإلا فلو أمره المعصوم فلا يعتبر اذنهما حينئذ بلا خلاف فيه ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، كما ورد في أكثر من خبر (1).
(2) أي كما يسقط اذنهما في الصلاة والصوم وغيرهما من الواجبات العينية كذلك يسقط الاذن في الجهاد إذا كان واجبا عينيا.
(3) ذهب إليه الفاضل في التذكرة وقواه الشارح في المسالك ، نظرا لإرادة الأب فصاعدا من لفظ الأب الوارد في الأخبار المتقدمة ، وكذا بالنسبة للأم ، وعن فخر المحققين والكركي وصاحب الجواهر وغيرهم عدم الالحاق لعموم أدلة الجهاد المخصّصة بإذن الوالدين فقط للقدر المتيقن بعد انسباق خصوص الوالدين من الأخبار المتقدمة ، ومنه تعرف الحكم بعدم إذن الجدين لو اجتمعوا مع الأبوين.
(4) لعموم أدلة إذن الأبوين الشامل لهما وإن كانا مملوكين ، وهو ظاهر الشيخ وغيره ، وقال في الجواهر : (ولكن في المسالك حكاية قول بالعدم ، ولم أتحققه ، ولعله لكونهما مولى عليهما فلا ولاية لهما ، وفيه : إن الطاعة ونحوها غير الولاية).
(5) يشترط اسلامهما فلو كان كافرين فلا يعتبر إذنهما في الجهاد ولا تحرم مخالفتهما فيه ، كما عن الشيخ والفاضل وغيرهما لما قاله العلامة في المنتهى (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج معه من الصحابة إلى الجهاد من كان له أبوان كافران من غير استئذان كأبي بكر وغيره ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر وأبوه كان رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر ، وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد) ، وأيضا لو كان كافرين فلا ولاية لهما على المسلم ، ولأنه يسوغ قتلهما فترك قبول قولهما أولى.
وقيل : لا يشترط فيعتبر إذنهما ولو كانا كافرين لعموم أدلة الاستئذان ، وهو ضعيف للسيرة القطعية من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته.
(6) تعليل لتعينه عليه ، وكذا يتعين عليه بأمر المعصوم عليه السلام هذا من جهة ومن جهة أخرى -
ص: 627
من فيه الكفاية ، ومنه (1) السفر لطلب العلم ، فإن كان واجبا عينا أو كفاية كتحصيل الفقه ومقدماته مع عدم قيام من فيه الكفاية (2) ، وعدم إمكان تحصيله في بلدهما ، وما قاربه مما لا يعدّ سفرا على الوجه الذي يحصّل مسافرا (3) لم يتوقف على أذنهما ، وإلا توقف ، (والمدين) بضم أوله وهو مستحق الدين (يمنع) المديون (الموسر) القادر على الوفاء (مع الحلول) حال الخروج إلى الجهاد (4) ، فلو كان
______________________________________________________
- قد دلت الأدلة من الآيات والأخبار (1) على حرمة عقوق الوالدين وأذيتهما ولو يقول اف وعليه فلا يشترط إذنهما في كل سفر أو فعل ، نعم إذا منعاه عن ذلك وكانت المخالفة موجبة للأذية فيحرم الفعل حينئذ نعم بعض الأسفار إذا لم يكن بإذنهما يكون موجبا للأذية كالأسفار الطويلة الأمد والوقت ، والأسفار المشتملة على الأخطار فيشترط إذنهما حينئذ وهذا يرجع في تشخيصه إلى العرف ، ومنه تعرف الضعف في كلام الشارح وغيره إلا أن يقال أن جميع الأسفار في زمانه كانت من القسم الثاني وإن تنوعت بين القسمين في زماننا.
(1) أي ومن سائر الأسفار غير سفر الجهاد.
(2) فيجب عينا وإلا فيكون كفائيا.
(3) أي على الوجه الكمالي أو الوجه اللائق واللازم الذي يحصّله في السفر ، ويعجبني قول الشارح في المسالك حيث قال : (وكما يعتبر إذنهما في الجهاد يعتبر في سائر الأسفار المباحة والمندوبة والواجبة الكفائية مع قيام من فيه الكفاية ، فالسفر إلى طلب العلم إن كان لمعرفة العلم العيني كإثبات الصانع وما يجب له ويمتنع عليه والنبوة والإمامة والمعاد لم يفتقر إلى إذنهما ، وإن كان لتحصيل الزائد منه على الفرض العيني كدفع الشبهات وإقامة البراهين المروّجة للدين زيادة على الواجب ، كان فرضه كفاية فحكمه وحكم السفر إلى أمثاله من العلوم الكفائية كطلب الفقه إنه إن كان هناك قائم بفرض الكفاية اشترط إذنهما ، وهذا في زماننا فرض بعيد ، فإن فرض الكفاية في التفقه لا يكاد يسقط مع وجود مائة فقيه مجتهد في العالم.
وإن كان السفر إلى غيره من العلوم الأدبية مع عدم وجوبها توقف على إذنهما).
(4) للمرسل من طرق العامة (إن رجلا جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله : إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عنّي خطاياي ، قال : نعم إلا الدين ، فإن جبرئيل عليه السلام قال في -
ص: 628
معسرا (1) أو كان الدين مؤجلا وإن حلّ قبل رجوعه عادة لم يكن له المنع (2) ، مع احتماله في الأخير.
(والرباط) (3) وهو الارصاد في أطراف بلاد الإسلام للإعلام بأحوال
______________________________________________________
- ذلك) (1). فيجب إرجاع الدين قبل الجهاد وللدائن حق المنع منه حتى يستوفي دينه.
(1) فلا ، لأن الدائن ليس له حق المطالبة لقوله تعالى : ( وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) (2).
(2) لأن الدائن ليس له حق المطالبة حال الخروج إلى الجهاد ، وقال في الجواهر (واحتمل بعضهم جواز المنع إذا كان يحلّ قبل رجوعه لاستلزامه تعطيل حقه).
(3) هو الإرصاد والإقامة والمراقبة لحفظ الثغر من هجوم المشركين ، الذي هو الحد المشترك بين دار الشرك ودار الإسلام كما في التنقيح ، أو هو كل موضع يخاف منه هجوم العدو ، وهو مستحب بلا خلاف فيه ، ولو كان المعصوم عليه السلام غائبا لعدم تضمنه القتال حتى يكون منهيا عنه ، بل وإن استلزم القتال فهو من الدفاع عن بيضة الإسلام الذي قد عرفت جوازه وعدم توقفه على إذن المعصوم عليه السلام لما تقدم من خبر يونس عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قلت له : جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي السيف والفرس في سبيل الله ، فأتاه فأخذهما منه ، وهو جاهل بوجه السبيل ، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز ، وأمروه بردهما ، فقال عليه السلام : فليفعل.
قال الراوي : قد طلب الرجل فلم يجده ، وقيل له : قد شخص الرجل ، قال عليه السلام : فليرابط ولا يقاتل ، قال الراوي : ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور؟ فقال عليه السلام : نعم ، فقال له الراوي : يجاهد؟ قال عليه السلام : لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين.
قال الراوي : أر أيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم؟ قال عليه السلام : يرابط ولا يقاتل ، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان.
وقال الراوي : قلت : فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال : يقاتل عن بيضة الإسلام ، لا عن هؤلاء ، لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم) (3) ، وهو دال على أن الرباط بحسب الأصل مجرد عن القتال ، وعلى استحبابه -
ص: 629
المشركين على تقدير هجومهم (مستحب) استحبابا مؤكدا (دائما) مع حضور الإمام وغيبته ، ولو وطّن ساكن الثغر نفسه على الإعلام والمحافظة فهو مرابط (1) ، (وأقله ثلاثة أيام) (2) فلا يستحق ثوابه ولا يدخل في النذر ، والوقف والوصية للمرابطين بإقامة دون ثلاثة ، ولو نذره وأطلق وجب ثلاثة بليلتين بينها ، كالاعتكاف (3).
(وأكثره أربعون يوما) فإن زاد ألحق بالجهاد في الثواب ، لا أنه يخرج عن وصف الرباط ، (ولو أعان بفرسه ، أو غلامه) لينتفع بهما من يرابط (أثيب) (4) ،
______________________________________________________
- حال قصور يد المعصوم فيشمل زمان الغيبة ، بالإضافة إلى إطلاق الأخبار الدالة على استحباب الرباط ، منها : خبر الغوالي عن سلمان الفارسي قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رباط يوم في سبيل الله خير من قيام شهر وصيامه ، ومن مات مرابطا في سبيل الله كان له أجر مجاهد إلى يوم القيامة) (1) ، والمرسل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من لزم الرباط لم يترك من الخير مطلبا ، ولم يترك من الشر مهربا) (2).
(1) لأنه أتى بغاية المرابطة.
(2) وأكثره اربعون يوما ، متفق عليه كما عن التذكرة ، لصحيح محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (الرباط ثلاثة أيام وأكثره اربعون يوما ، فإن جاوز ذلك فهو جهاد) (3) ، أي أن ثوابه ثواب المجاهدين ، وإن بقي على وصف المرابط.
وعن الاسكافي أن أقله يوم ويؤيده النبوي المتقدم (رباط يوم في سبيل الله خير من قيام شهر وصيامه).
وفي بعض الأخبار أن رباط الشيعة انتظار أمرهم ، ففي خبر أبي عبد الله الجعفي (قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام : كم الرباط عندكم؟ قلت : اربعون ، قال : لكن رباطنا رباط الدهر ، ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ، ووزن وزنها ما كانت عنده ، ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده) (4).
(3) وفيه نظر ناشئ من إطلاق النبوي الدال على فضل الرباط ولو بيوم واحد ، ثم لا يحمل النبوي على المقيّد بثلاثة أيام لعدم حمل المطلق على المقيد في المندوب.
(4) لإعانته على البر لخبر إبراهيم الجعفري (سمعت أبا الحسن عليه السلام : من ربط فرسا -
ص: 630
لإعانته على البر ، وهو في معنى الإباحة لهما (1) على هذا الوجه ، (ولو نذرها) (2) أي نذر المرابطة التي هي الرباط المذكور في العبارة ، (أو نذر صرف مال (3) إلى أهلها وجب الوفاء) بالنذر (وإن كان الإمام غائبا) ، لأنها لا تتضمن جهادا فلا يشترط فيها حضوره وقيل : يجوز صرف المنذور للمرابطين في البر حال الغيبة ، وإن لم يخف الشنعة بتركه ، لعلم المخالف بالنذر ، ونحوه. وهو ضعيف.
______________________________________________________
- عتيقا محيت عنه ثلاث سيئات في كل يوم ، وكتب له إحدى عشرة حسنة ، ومن ارتبط هجينا محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتب له سبع حسنات ، ومن ارتبط برذونا يريد به جمالا أو قضاء حاجة أو دفع عدد محيت عنه في كل يوم سيئة وكتب له ست حسنات) (1).
(1) أي العون بالفرس والغلام وهو أن يبيح لغيره التصرف فيهما في هذا الوجه.
(2) وجبت لوجوب الوفاء بالنذر ، مع وجود الإمام عليه السلام أو غيبته بلا خلاف فيه ، لأنها مستحبة ذاتا كما تقدم فيتعلق بها النذر.
(3) إلى أهل المرابطة فيجب الوفاء بالنذر أيضا لأن المرابطة مستحبة فالعون عليها مستحب ، وعن الشيخ في النهاية يحرم الوفاء بالنذر ويصرفه في وجوه البر إلا مع خوف الشنعة عليه فيفي بالنذر ، لخبر علي بن مهزيار (كتب رجل من بني هاشم إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : إني كنت نذرت نذرا منذ سنين أن اخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا مما يرابط فيه المقطوعة ، نحو مرابطتهم بجدّة وغيرها من سواحل البحر ، أفترى - جعلت فداك - أنه يلزمني الوفاء به ، أو لا يلزمني ، أو افتدي الخروج إلى ذلك بشي ء من أبواب البر لأصير إليه إن شاء الله؟.
فكتب إليه بخطه وقرأته : إن كان سمع منك نذرك احد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته ، وإلا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البر ، وفّقنا الله وإياك لما يجب ويرضى) (2) ، والخبر يمنع انعقاد النذر على نفس المرابطة أيضا ، ولكنه محمول على نذر خصوص مرابطة غير مشروعة ولو باعتبار كونهم جندا للمخالفين.
ص: 631
وهنا فصول. الأول فيمن يجب قتاله
وكيفية القتال وأحكام الذمة
(يجب قتال الحربي) (1) وهو غير الكتابي من أصناف الكفار الذين لا ينتسبون
______________________________________________________
(1) اعلم أنه من يجب قتاله ثلاثة : البغاة على الإمام من المسلمين ، وأهل الذمة وهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلوا بشرائط الذمة ، ومن عدا هؤلاء من أصناف الكفار.
فالباغي يجب قتاله حتى يفي ء إلى أمر الله ، واليهود والنصارى يقاتلوا على الإسلام فإن دفعوا الجزية فهو وإلا فالقتل ، وكذا من له شبهة كتاب وهم المجوس ، والباقي من أصناف الكفار لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.
أما الأول فسيأتي الكلام فيه ، وأما الثالث فلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (1) ، وقوله تعالى : ( فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ ) (2) ، وهما مخصصتان بأهل الكتاب إذا دفعوا الجزية كما ستعرف ، وأما الثاني فلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَلٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ ، وَلٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صٰاغِرُونَ ) (3) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث أميرا له على سرية أمره بتقوى الله عزوجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة - إلى أن قال - وإذا لقيتم عددا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث ، فإن هم اجابوكم إليها فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ، ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ، وادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم - إلى أن قال - فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن اعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فاستعن بالله عزوجل عليهم وجاهدهم في الله حق جهاده) (4) ، المحمول على أهل الكتاب بشهادة الآية المتقدمة.
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى بلا خلاف بين المسلمين ، وكذا المجوس على المشهور إلا من العماني حيث ألحقهم بعبادة الأوثان وغيرهم ممن لا يقبل منهم إلا الإسلام ولكن
ص: 632
إلى الإسلام فالكتابي لا يطلق عليه اسم الحربي ، وإن كان بحكمه على بعض الوجوه (1) ، وكذا فرق المسلمين (2) وإن حكم بكفرهم كالخوارج ، إلا أن يبغوا على الإمام فيقاتلون من حيث البغي وسيأتي حكمهم ، أو على غيره (3) فيدافعون كغيرهم (4). وإنما يجب قتال الحربي بعد الدعاء إلى الإسلام (5) بإظهار الشهادتين
______________________________________________________
- الأخبار على خلافه منها : مرسل الواسطي سئل أبو عبد الله عليه السلام عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال : نعم ، إن بلغك كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكة أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر الف جلد ثور) (1) ، ومرسل المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السلام (المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات ، لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب) (2).
(1) بحيث إذا أخلّ بشرائط الذمة فلا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل كالحربي.
(2) لا يطلق عليهم اسم الحربي.
(3) أي غير الإمام.
(4) ممن عمد إلى القتال ظلما.
(5) يدعوه إلى الشهادتين وما يتبعهما من أصول الدين للنبوي (لا تقاتل الكفار إلا بعد الدعاء إلى الإسلام) (3) ، والمقصود منه الشهادتان فقط كما يشهد بذلك سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وسيأتي بعض ما يدل عليه ، فإن امتنع فالقتل بلا خلاف فيه لخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال : يا علي ، لا تقاتلنّ أحدا حتى تدعوه إلى الإسلام ، وأيم الله لئن يهدي الله عزوجل على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس ، ولك ولاؤه يا علي) (4) ، وخبر أبي عمرة السلمي عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله رجل فقال : إني كنت أكثر الغزو ، وأبعد في طلب الأجر ، وأطيل في الغيبة ، فحجز ذلك عليّ فقالوا : لا غزو -
ص: 633
والتزام جميع أحكام الإسلام ، والداعي هو الإمام (1). أو نائبه ويسقط اعتباره في حق من عرفه (2) بسبق دعائه في قتال آخر. أو بغيره. ومن ثم عزا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني المصطلق ، من غير إعلام واستأصلهم نعم يستحب الدعاء (3) حينئذ كما فعل علي عليه السلام بعمرو (4)، ...
______________________________________________________
- إلا مع إمام عادل ، فما ترى أصلحك الله؟.
فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن شئت أن أجمل لك أجملت ، وإن شئت أن ألخص لك لخّصت ، فقال : بل أجمل ، فقال عليه السلام : إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة - إلى أن قال - فقال الرجل : غزوت فواقعت المشركين ، فينبغي قتالهم قبل أو ادعوهم؟ فقال عليه السلام : إن كانوا غزوا وقوتلوا وقاتلوا فإنك تجتزي بذلك ، وإن كانوا قوما لم يغزوا ولم يقاتلوا فلا يسعك قتالهم حتى تدعوهم) (1).
(1) كما عن النافع والتحرير والتذكرة والتبصرة : والدروس لخبر مسمع المتقدم حيث خصّ الأمر بالدعاء بأمير المؤمنين عليه السلام ، وفيه : إنه لا يدل على الاختصاص ولذا ذهب الشيخ في النهاية وابن إدريس إلى الاستحباب.
(2) لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزا بني المصطلق ، وهم آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء واستأصلهم) (2) ، المحمول على أنهم قد وصلتهم الدعوة ، ويؤيده خبر الدعائم عن عليّ عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يغز قوم حتى يدعوا ، يعني إذا لم يكن بلغتهم الدعوة ، وإن بلغتهم الدعوة وأكدت الحجة عليهم بالدعاء فحسن ، وإن قوتلوا قبل أن يدعوا وكانت الدعوة قد بلغتهم فلا حرج ، وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نبي المصطلق وهم غارّون - يعني غافلون - فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم ، ولم يدعهم في الوقت) (3) ومرسل الغوالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تقاتل الكفار إلا بعد الدعاء إلى الإسلام) (4).
(3) تأكيدا للحجة ولخبر الدعائم.
(4) ففي كتب السير عند ما نزل أمير المؤمنين عليه السلام لعمرو بن عبد ودّ وجرى ما جرى بينهما (فقال علي : دع هذا يا عمرو ، إني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول : لا يعرض عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها ، وأنا اعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة ، فقال : هات يا عليّ ، قال : تشهد أن لا إله إلا
ص: 634
وغيره (1) مع علمهم بالحال ، (وامتناعه) من قبوله. فلو أظهر قبوله ولو باللسان (2) كفّ عنه.
ويجب قتال هذا القسم (حتى يسلم أو يقتل) (3) ، ولا يقبل منه غيره.
(والكتابي) وهو اليهودي والنصراني والمجوسي (كذلك) يقاتل حتى يسلم أو يقتل ، (إلا أن يلتزم بشرائط الذمة) فيقبل منه (4) ...
______________________________________________________
- الله وأن محمدا رسول الله ، قال : نحّ عنّي هذا ، قال : فالثانية أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول الله ، فإن يك صادقا فأنتم أعلى به عينا ، وأن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره ، فقال : إذا تتحدث نساء قريش بذلك وينشد الشعراء في أشعارها أني جبنت ورجعت على عقبي من الحرب وخذلت قوما رأسوني عليهم ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : فالثالثة أن تنزل إليّ فإنك راكب وأنا راجل حتى أنابذك ، فوثب عن فرسه وعرقبه وقال : هذه خصلة ما ظننت أن أحدا من العرب يسومني عليها) (1).
(1) أي غير عمرو.
(2) ففي تفسير علي بن إبراهيم في ذيل قوله تعالى : ( يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَتَبَيَّنُوا وَلٰا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ السَّلٰامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا ) (2) قال : (فإنها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة خيبر ، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام ، وكان رجل من اليهود ويقال له : مرداس بن نهيك الفدكيّ في بعض القرى ، فلما أحسّ نجيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمرّ به أسامة بن زيد فطعنه وقتله ، فلما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ فقال : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا من القتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فلا شققت الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان في نفسه علمت) (3).
(3) قد تقدم الكلام فيه.
(4) قد تقدم الكلام فيه أيضا.
ص: 635
(وهي (1) ...
______________________________________________________
(1) أي شرائط الذمة ، وهي ستة : الأول : بذل الجزية ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صٰاغِرُونَ ) (1) ، وخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام (ولو امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماؤهم وقتلهم) (2).
الثاني : ألا يفعلوا ما ينافي الأمان ، مثل العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين بالمعاونة لهم على حرب المسلمين ، بلا خلاف فيه ، لأنه مقتضى الأمان الواقع بينهم وبين المسلمين فلو فعلوا ما ينافيه فقد نقضوا عهد الذمة سواء اشترط ذلك في العقد أو لا ، ولذا لم يذكر الكثير من الفقهاء واعتبروا الشرائط خمسة.
الثالث : أن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم والسرقة لأموالهم ، وايواء عين المشركين والتجسس لهم ، فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه مشترطا في الهدنة كان نقضا لها ، وذهب البعض إلى أن فعله يوجب نقض العهد وإن لم يكن مشترطا ، وقال عنه في الجواهر : (إنه ليس في شي ء من الأدلة اعتبار ذلك في عقد الذمة ، بل مقتضى الاطلاق خلافه).
وعلى كل إن لم يكن مشتركا كانوا على عهدهم وفعل بهم ما تقتضيه جنايتهم من حد أو تعزير ، بل لو أن أحدا منهم سبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل كغيره من الناس بلا خلاف فيه لعموم الأدلة التي ترد في كتاب الحدود.
الرابع : أن لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات ، وإن لم يشترط تركه في عهد الذمة ، فلو فعلوا ذلك انتقض العهد ، لصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الجزية من أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ، ولا بنات الأخ ، فمن فعل ذلك منهم برئت ذمة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم منه ، وقال : وليست لهم اليوم ذمة) (3) ، ومنه تعرف ضعف ما عن الشيخ في المبسوط والخلاف من أن فعل ذلك لا يوجب نقض العهد وإن اشترط عليهم ، بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الإسلام من حد أو تعزير ، وتعرف ضعف ما ذهب إليه العلامة في التحرير والتذكرة والمنتهى من التفصيل بين الاشتراط فينقض العهد وبين عدمه فلا نقض.
ص: 636
بذل الجزية (1) ، والتزام أحكامنا (2) ، وترك التعرض للمسلمات بالنكاح) (3) وفي حكمهن الصبيان ، (وللمسلمين مطلقا) ذكورا وإناثا (بالفتنة عن دينهم وقطع الطريق) عليهم ، وسرقة أموالهم ، (وإيواء عين المشركين) ، وجاسوسهم ، (والدلالة على عورات المسلمين) وهو ما فيه ضرر عليهم كطريق أخذهم وغيلتهم ولو بالمكاتبة (وإظهار المنكرات (4) في) شريعة (الإسلام) كأكل لحم الخنزير ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ونكاح المحارم (في دار الإسلام).
والأولان لا بد منهما في عقد الذمة ، ويخرجون بمخالفتهما عنها مطلقا (5) وأما باقي الشروط فظاهر العبارة أنها كذلك وبه صرح في الدروس. وقيل : لا يخرجون بمخالفتها إلا مع اشتراطها عليهم ، وهو الأظهر.
(وتقدير الجزية إلى الإمام) (6) ، ويتخير بين وضعها على رءوسهم ،
______________________________________________________
الخامس : أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يطيلوا بناء ، فعن الغنية النقض به وإن لم يشترط مدعيا الاجماع ، وعن غير واحد أنه لا ينقض العهد إلا مع الاشتراط وإلا فمقتضى الأصل وإطلاق الأخبار جواز ما كان جائزا في شرعهم الذي أمرنا بإقرارهم عليه.
السادس : أن تجري عليهم أحكام المسلمين بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم عليهم المسلمون به من أداء حق أو ترك حرام بلا خلاف فيه كما عن المنتهى ، وصرح أكثر من واحد كما في الجواهر أن عدمه موجب لنقض العهد وإن لم يشترط ، وهو مشكل إذ لا دليل صالح يدل عليه ، نعم ينبغي أن يشترط عليهم كل ما فيه نفع ورفعة للإسلام والمسلمين ، وما كان فيه ضعة وصغار عليهم في اللباس والمساكن والكنى والشعور ، وينبغي الاشتراط بما يقتضي رغبتهم في الإسلام أو رهبتهم وأن لا يمارسوا شعائرهم علانية ولا ما يؤيد دينهم.
(1) الأمر الأول المتقدم في الشرح.
(2) الأمر السادس المتقدم في الشرح أيضا.
(3) الأمر الثالث المتقدم في الشرح.
(4) الأمر الرابع المتقدم في الشرح.
(5) أي عن الذمة وإن لم يشترطا في عقد الذمة.
(6) على المشهور شهرة عظيمة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما حدّ الجزية على أهل الكتاب ، وهل عليهم في ذلك شي ء موظف ، ولا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال : ذلك إلى الإمام -
ص: 637
وأراضيهم ، وعليهما على الأقوى (1) ، ولا تتقدّر بما قدره علي عليه الصلاة والسلام ، فإنه منزّل على اقتضاء المصلحة في ذلك الوقت.
______________________________________________________
- يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق ، إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا ، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتى يسلموا ، فإن الله عزوجل قال : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكيف يكون صاغرا ولا يكترث بما يؤخذ منه حتى يجد ذلّا لما أخذ منه ، فيألم بذلك فيسلم) (1) ، وعن الاسكافي تقديرها من جانب القلة بالدينار بحيث لا يجوز الأقل منه ، وأما جانب الكثرة فأمره إلى الإمام عليه السلام لما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (خذ من كل حالم دينارا) (2) ، وهو محمول على اقتضاء المصلحة ذلك في تلك الحال ، وكذلك ما أرسله المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنه جعل على اغنيائهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما ، وجعل على فقرائهم اثنى عشر درهما) (3).
(1) يتخير الإمام في وضع الجزية على الرءوس أو الأراضي ولا يجوز الجمع بينهما ، فعن الشيخين وابن إدريس وابن زهرة أنه لا يجوز لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع ذلك على رءوسهم وليس على أموالهم شي ء ، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رءوسهم شي ء) (4) ، وخبره الآخر (سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم وأموالهم؟ قال : فإن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم ، وأن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم) (5).
وذهب أبو الصلاح الحلبي تبعا للاسكافي ، وتبعهما أكثر من تأخر إلى الجواز ، بحمل الخبرين على أن الإمام إذا قرر الجزية ووضعها على أحدهما فلا يجوز الزيادة فيما بعد بوضعها على الآخر ، وأما إذا أراد أن يقرر أولا مقدار الجزية ، وهذا له كما تقدم فقسّط الجزية على الرءوس والأراضي كان له ذلك بعد كون الجزية غير مقدرة وأمرها بيد الإمام ويؤيده خبر مصعب بن يزيد الأنصاري (استعملني أمير المؤمنين عليه السلام على أربعة رساتيق : المدائن - إلى أن قال - وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا ، وعلى جريب وسط درهما ، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم ، وعلى كل جريب -
ص: 638
(وليكن) التقدير (يوم الجباية) (1) لا قبله ، لأنه أنسب بالصغار ، (ويؤخذ منه صاغرا) فيه إشارة إلى أن الصغار أمر آخر غير إبهام قدرها عليه فقيل : هو عدم تقديرها حال القبض أيضا ، بل يؤخذ منه إلى أن ينتهي إلى ما يراه صلاحا. وقيل : التزام أحكامنا عليهم مع ذلك (2) أو بدونه (3) وقيل : أخذها منه قائما والمسلم جالس ، وزاد في التذكرة أن يخرج الذمي يده من جيبه ويحني ظهره ، ويطاطئ رأسه ، ويصب ما معه في كفة الميزان ، ويأخذ المستوفي بلحيته ويضربه
______________________________________________________
- كرم عشرة دراهم ، وعلى كل جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى كل جريب البساتين التي تجمع النخل والشجر عشرة دراهم ، وأمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى لمارّة الطريق وأبناء السبيل ، ولا آخذ منه شيئا ، وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البزازين ويتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية واربعين درهما ، وعلى أوساطهم والتجار منهم على كل واحد منهم أربعة وعشرين درهما ، وعلى سفلتهم وفقرائهم اثنى عشر درهما ، على كل إنسان منهم) (1) ، بناء على إرادة الجزية في الموضوع على الأراضي والرءوس معا.
(1) لأنه أنسب بالصغار كما عن الشيخ وابن إدريس بل قيل إنه المشهور ، هذا وعن الاسكافي الصغار هو أن يشترط عليهم وقت العقد جريان أحكام المسلمين عليهم في الخصومات بينهم إذا تحاكموا إلينا ، وفي الخصومات بينهم وبين المسلمين ، وأن تؤخذ - أي الجزية - منهم وهم قيام ، وفي التذكرة أن تؤخذ - أي الجزية - منه قائما والمسلم جالس ، وأن يخرج الذمي يده من جيبه ويحني ظهره ، ويطأطئ رأسه ، ويصب ما معه في كفه الميزان ، ويأخذ المستوفي بلحيته ويضرب في لهزمته ، واللهزمتان في اللحيين مجمع اللحم بين الماضغ والاذن ، وزاد في كنز العرفان أنه يقال له : أد الجزية وأنت صاغر ويصفع على قفاه صفعة ، إلى غير ذلك من الاشياء التي أتى بها الفقهاء هنا تحقيقا لمعنى الصغار الموجب لإذلال الذمي وإهانته.
هذا والمراد بقوله تعالى : ( عَنْ يَدٍ ) (2) أن يدفعها الذمي بنفسه لا بنائبه فإنه أنسب بالذلة.
(2) أي مع إبهام قدرها كما عن الشيخ في الخلاف بل قيل : هو المشهور.
(3) أي إن الصغار هو الالتزام بأحكامنا فقط كما عن الشيخ في المبسوط.
ص: 639
في لهزمتيه وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن.
(ويبدأ بقتال الأقرب) (1) إلى الإمام ، أو من نصبه ، (إلا مع الخطر في البعيد) فيبدأ به كما فعل النبي (ص) بالحارث بن أبي ضرار لما بلغه أنه يجمع له وكان بينه وبينه عدو أقرب ، وكذا فعل بخالد بن سفيان الهزلي. ومثله (2) ما لو كان القريب مهادنا.
(ولا يجوز الفرار) من الحرب (إذا كان العدو ضعفا) (3) للمسلم المأمور
______________________________________________________
(1) لقوله تعالى : ( قٰاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّٰارِ ) (1) ، إلا إذا كان الأبعد أشد خطرا وأكثر ضررا بدء به بلا خلاف فيه لله ، كما في الجواهر ، ولذا أغار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحارث بن أبي ضرار مع أنه كان هناك عدو أقرب (2) ، وكذلك فعل بخالد بن سفيان الهذلي (3)، ومنه يعلم الحال في قتال الأقرب فالأقرب التابع لمراعاة المصلحة في ذلك وهي تختلف باختلاف الأحوال ، وعلى كل فهي ترجع إلى نظر المعصوم عليه السلام وهو أدرى بما يراه.
(2) أي وقل الخطر في البعيد.
(3) أو أقل ، بلا خلاف فيه ، بل الفرار من الزحف من جملة الكبائر لقوله تعالى : ( يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلٰا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبٰارَ ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ ، وَمَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (4) ،
وللأخبار الكثيرة ، منها : صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الكبائر فقال : هنّ في كتاب علي عليه السلام سبع : الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة ، فقلت : هذه أكبر المعاصي فقال : نعم) (5) ، وخبر محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في جواب مسائله (حرّم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل ، وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السّبي والقتل وإبطال دين الله عزوجل -
ص: 640
بالثبات أي قدرة مرتين ، (أو أقل إلا لمتحرف لقتال) (1) أي منتقل إلى حالة أمكن
______________________________________________________
- وغيره من الفساد) (1) ، والمدار على رجل لرجلين لقوله تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللّٰهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صٰابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ ) (2) ، وهي ناسخة بالاتفاق لقوله تعالى : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صٰابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (3) ، حيث كان القتال على قاعدة رجل لعشرة ثم نسخ بما سمعت ، ويشهد له خبر إسماعيل بن جابر عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام في حديث - إلى أن قال - : (إن الله تعالى فرض القتال على الأمة فجعل على الرجل أن يقاتل عشرة من المشركين ، فقال : ( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صٰابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) ، الآية ، ثم نسخها سبحانه فقال : ( الْآنَ خَفَّفَ اللّٰهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صٰابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ ) ، فنسخ بهذه الآية ما قبلها ، فصار فرض المؤمنين في الحرب إن كان عدة المشركين أكثر من رجلين لرجل لم يكن فارّا من الزحف ، وإن كانت العدة رجلين لرجل كان فارا من الزحف) (4) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث : (إن الله عزوجل فرض على المؤمن في أول الأمر أن يقاتل عشرة من المشركين ليس له أن يولّي وجهه عنهم ، ومن ولّاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ، ثم حوّلهم عن حالهم رحمة منه لهم ، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عزوجل ، فنسخ الرجلان العشرة) (5) ، وخبر الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (من فرّ من رجلين في القتال في الزحف فقد فرّ ، ومن فرّ من ثلاثة في القتال فلم يفرّ) (6).
(1) كما في الآية الشريفة المتقدمة ، قال في مصباح المنير : (أي إلا مائلا لأجل القتال ، لا مائلا هزيمة ، فإن ذلك معدود من مكايد الحرب ، لأنه قد يكون لضيق المجال فلا يتمكن من الجولان فينحرف للمكان المتسع ليتمكن من القتال).
والمتحرف هو المائل إما لطلب سعة المكان للقتال ، أو مائلا لطلب موارد المياه دفعا لعطشه ، أو مائلا لاستدبار الشمس ، أو لتسوية لامته ، أو لنزع شي ء أو لبسه ، أو -
ص: 641
من حالته التي هو عليها كاستدبار الشمس وتسوية اللامة ، وطلب السعة ، ومورد الماء ، (أو متحيز) أي منضم (إلى فئة) (1) يستنجد بها (2) في المعونة على القتال ، قليلة كانت أم كثيرة مع صلاحيتها له (3) ، وكونها غير بعيدة على وجه يخرج عن كونه مقاتلا عادة ، هذا كله للمختار أما المضطر كمن عرض له مرض ، أو فقد سلاحه فإنه يجوز له الانصراف (4).
(ويجوز المحاربة بطريق الفتح (5) كهدم الحصون والمنجنيق وقطع الشجر) حيث يتوقف عليه (6) (وإن كره) قطع الشجر (7) وقد قطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشجار
______________________________________________________
- للارتفاع عن هابط أو للاستناد إلى جبل إلى غير ذلك مما يحتاجه المقاتل بحيث لا يعد ذلك فرارا وهروبا.
(1) لظاهر الآية الشريفة المتقدمة ، والمعنى أنه مائل إلى جماعة من الناس منقطعة عن غيرها سواء كانت قليلة أو كثيرة ، قريبة أو بعيدة ، بحيث لا يصدق معها الفرار من الحرب.
(2) أي يستعين بتلك الفئة بحيث لو كانت غير صالحة للاستنجاد كما لو كانوا مرضى أو زمنى فلا فائدة في التحيز إليها.
(3) أي مع صلاحية الفئة للاستنجاد.
(4) لأنه مع الضرورة يسقط التكليف ، إلا أن يكون بالانصراف مفسدة على المسلمين بظهور الضعف والوهن وخوف الانكسار وغلبة العدو فلا يجوز.
(5) أي يجوز المحاربة بكل ما يرجى به الفتح بلا خلاف فيه ، لخبر حفص بن غياث (كتب بعض اخواني إليّ أن اسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مدينة من مدائن أهل الحرب ، هل يجوز أن يرسل عليهم الماء أو يحرقون بالنار ، أو يرمون بالمنجنيق حتى يقتلوا ، وفيهم النساء والصبيان والشيخ والأسارى من المسلمين والتجار ، فقال : تفعل ذلك ولا تمسك عنهم لهؤلاء ، ولا دية عليهم ولا كفارة) (1).
(6) أي حيث يتوقف الفتح على القطع.
(7) لصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعا أميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم يقول : سيروا بسم بالله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، لا تضلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها) (2) الخبر.
ص: 642
الطائف (1) ، وحرّق على بني النضير ، وخرّب ديارهم (2).
(وكذا يكره إرسال الماء) عليهم ، ومنعه عنهم ، (و) إرسال (النار (3) وإلقاء السم) على الأقوى (4) إلا أن يؤدي إلى قتل نفس محترمة فيحرم ، إن أمكن بدونه ،
______________________________________________________
(1) قال المجلسي عليه الرحمة : (وذكر الواقدي عن شيوخه قال : شاور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في حصن الطائف ، فقال له سلمان الفارسي : يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله فعمل منجنيق ، ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودبابتين ، ويقال : خالد بن سعيد.
فأرسل عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فأحرقت الدبابة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع أعناقهم وتحريقها ، فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي : لم تقطع أموالنا؟ إمّا إن تأخذها إن ظهرت علينا ، وإما أن تدعها الله والرحم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فإني أدعها لله والرحم فتركها) (1).
(2) وكذا عن الدروس ، وفي البحار : (وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النخل والتحريق فيها ، فنادوه : يا محمد قد كنت تنهى عن الفحشاء ، فما بالك تقطع النخل وتحرقها ، فأنزل الله سبحانه : ( مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا ) (2)) (3).
(3) فاستعمال الماء والنار بالشكل المذكور جائز كما يستفاد من خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا ، ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجار؟ فقال : يفعل ذلك بهم ولا يمسك عنهم لهؤلاء ، ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفارة) (4) ، وهو محمول على الكراهة جمعا بينه وبين النهي عن إغراق الشجر بالماء وحرقه ، كما في صحيح جميل المتقدم ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعا لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه) (5).
(4) قيل يحرم مع عدم الاضطرار إليه وعدم توقف الفتح عليه ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلقى السم في بلاد -
ص: 643
أو يتوقف عليه الفتح فيجب ورجح المصنف في الدروس تحريم القائه مطلقا (1) ، لنهي النبي (ص) عنه ، والرواية ضعيفة السند بالسكوني.
(ولا يجوز قتل الصبيان والمجانين والنساء ، وإن عاونوا (2) إلا مع الضرورة) بأن تترسوا بهم ، وتوقف الفتح على قتلهم ، (و) كذا (لا يجوز) قتل (الشيخ الفاني) (3) إلا أن يعاون برأي ، أو قتال (4) ، (ولا الخنثى المشكل) (5) لأنه بحكم المرأة في ذلك.
(ويقتل الراهب (6) والكبير) وهو دون الشيخ الفاني ، أو هو ، واستدرك
______________________________________________________
- المشركين) (1) ، وعن العلامة في جملة من كتبه بل في المختلف نسبته إلى أصحابنا أنه مكروه حملا للخبر على ذلك لقصور سنده عن إفادة الحرمة ، وفيه : إن السكوني مقبول الرواية بل حكي الاجماع على العمل بأخباره.
(1) وإن توقف الفتح عليه.
(2) لصحيح جميل المتقدم ، ويجوز مع الضرورة لخبر حفص بن غياث المتقدم ، وأما المجنون فلخبر طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام (جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله) (2) ، بناء على أن من لا جزية عليه لا يقتل لخبر حفص بن غياث (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن ورفعت عنهن؟ فقال : لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء في دار الحرب إلا أن يقاتلن ، فإن قاتلن أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا ، فلما نهي عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى ، ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها ، فلما لم يمكن قتالها رفعت الجزية عنها) (3).
(3) لصحيح جميل المتقدم.
(4) قال العلامة في المنتهى (إن دريد بن الصمة قتل يوم خيبر وكان له مائة وخمسون سنة ، وكان له معرفة بالحرب ، وكان المشركون يحملونه معهم في قفص حديد ليعرفهم كيفية القتال ، فقتله المسلمون ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وفي التذكرة قال : (والأصح يوم حنين).
(5) لاحتمال كونه امرأة فلا يقتل.
(6) كما عن الشيخ والعلامة وغيرهما ، لعمومات الأمر بقتل المشركين ، وعن ابن الجنيد أنه ل -
ص: 644
الجواز بالقيد وهو قوله : (إذا كان ذا رأي ، أو قتال) وكان يغني أحدهما عن الآخر.
(و) كذا (يجوز قتل الترس ممن لا يقتل) كالنساء والصبيان (1) (ولو تترسوا بالمسلمين كفّ) عنهم (ما أمكن ، ومع التعذر) بأن لا يمكن التوصل إلى المشركين إلا بقتل المسلمين (فلا قود ، ولا دية) (2) ، للإذن في قتلهم حينئذ شرعا ، (نعم تجب الكفارة) (3) وهل هي كفارة الخطأ ، أو العمد وجهان : مأخذهما كونه في الأصل غير قاصد للمسلم ، وإنما مطلوبه قتل الكافر (4) ، والنظر (5) إلى صورة الواقع ، فإنه متعمد لقتله ، وهو أوجه. وينبغي أن تكون من بيت المال (6) ، لأنه للمصالح وهذه من أهمها ، ولأن في إيجابها على المسلم اضرارا يوجب التخاذل عن الحرب لكثير.
______________________________________________________
- يجوز قتله إلا إذا قتل مسلما لخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (قاتلوا من كفر بالله ، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا متبتّلا في شاهق) (1) وهو ضعيف السند.
(1) قد تقدم.
(2) لخبر حفص بن غياث المتقدم.
(3) لقوله تعالى : ( فَإِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (2) ، بناء على مساواته للمقام لأن المقصود فيهما قتل الكافر لا المؤمن ، وعن المحقق في النافع والعلامة في التحرير التردد.
ولكن هل هي كفارة خطأ أو عمد فالاقوى أنها كفارة عمد لأنه قد عمد إلى قتله.
(4) وجه كفارة الخطأ ولكن كما ترى لا يرفع العمد عن قتله.
(5) وجه كفارة العمد.
(6) ذهب الفاضل والشهيد والمقداد إلى وجوبها على القاتل كما هو الظاهر من الآية المتقدمة ، وذهب الشهيد الثاني في المسالك وهنا إلى أنها من بيت المال ، وقواه في الجواهر لأنه معدّ للمصالح وهذا منها بل من أهمها لأنه جعلت الكفارة على القاتل فيخشى التخاذل على المقاتلين خوف الغرامة.
ص: 645
(ويكره التبييت) (1) وهو النزول عليهم ليلا ، (والقتال قبل الزوال) (2) ، بل بعده ، لأن أبواب السماء تفتح عنده ، وينزل النصر ، وتقبل الرحمة. وينبغي أن يكون بعد صلاة الظهرين (3) ، (ولو اضطر) إلى الأمرين (زالت (4) ، وأن يعرقب) المسلم (الدابة) (5) ، ولو وقفت به ، أو أشرف على القتل ، ولو رأى ذلك صلاحا زالت كما فعل جعفر بمئونة ، وذبحها أجود وأما دابة الكافر فلا كراهة في قتلها ، كما في كل فعل يؤدي إلى ضعفه ، والظفر به.
(والمبارزة) بين الصفين (من دون إذن الإمام) على أصح القولين (6) وقيل :
______________________________________________________
(1) وهو الإغارة عليهم ليلا ، لخبر عبّاد بن صهيب عن أبي عبد الله عليه السلام (ما بيّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدوا قط ليلا) (1) ، نعم إذا اضطر إليه جاز لما قاله في الجواهر (نعم لو دعت الحاجة إلى ذلك جاز بلا كراهة ، ولعل منه ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه شنّ الغارة على نبي المصطلق ليلا) ((2)
(2) ويستحب بعده ، لخبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول : تفتح أبواب السماء وتقبل الرحمة وينزل النصر ، ويقول : هو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقلّ القتل ويرجع الطالب ويفلت المنهزم) (3).
(3) كما صرح به غير واحد ، ولعله - كما في الجواهر - لمخافة الاشتغال عنهما.
(4) أي الكراهة.
(5) وإن وقفت به أو اشرف على القتل ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا حرنت على أحدكم دابته في أرض العدو في سبيل الله فليذبحها ولا يعرقبها) (4) ، نعم إذا اقتضت المصلحة ذلك فلا كراهة ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (لما كان يوم مئونة كان جعفر بن أبي طالب على فرس له ، فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف ، فكان أول من عرقب في الاسلام) (5).
(6) كما عن الشيخ والعلامة والشهيد ، وعن أبي الصلاح أنها حرام ، والأصل فيه خبر عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام ، فقال : -
ص: 646
تحرم ، (وتحرم إن منع) الإمام منها (1) ، (وتجب) عينا (إن ألزم) بها شخصا معينا ، وكفاية إن أمر بها جماعة ليقوم بها واحدة منهم ، وتستحب إذا ندب إليها من غير أمر جازم (2).
(وتجب مواراة المسلم المقتول) في المعركة (3) ، دون الكافر (فإن اشتبه) بالكافر (فليوارى كميش الذكر) (4) أي صغيره ، لما روي من فعل النبي (ص) في قتلى بدر ، وقال : لا يكون ذلك إلا في كرام الناس ، وقيل : يجب دفن الجميع احتياطا. وهو حسن ، وللقرعة وجه أما الصلاة عليه فقيل : تابعة للدفن ، وقيل : يصلّى على الجميع ويفرد المسلم بالنية. وهو حسن.
______________________________________________________
- لا بأس به ، ولكن لا يطلب إلا بإذن الإمام) (1) ، وفي النهج قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام (لا تدعونّ إلى مبارزة وإن دعيت إليها فأجب ، فإن الداعي باغ والباغي مصروع) (2).
(1) بلا خلاف ، لوجوب إطاعة أمر الإمام عليه السلام ؛ ومنه تعرف الحكم فيما إذا الزم المعصوم بها شخصا معينا فتجب عينا ، أو جماعة ليقوم واحد منهم فتجب عليه كفاية.
(2) لعدم وجوب إطاعة هذا الأمر غير الجازم.
(3) قد تقدم في مبحث الدفن.
(4) كما صرح به غير واحد منهم الفاضل والشهيد ، لصحيح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر : لا تواروا إلا من كان كميشا ، يعني من كان ذكره صغيرا ، وقال : لا يكون ذلك إلا في كرام الناس) (3).
ونوقش فيه بأنه يلزم النظر إلى العورة ، وردّ بأنه يجوز عند الضرورة ، وقال الشيخ في المبسوط (فعلى هذا يصلى من هذه صفته - إلى أن قال - وإن قلنا إنه يصلي عليهم صلاة واحدة وينوي بالصلاة على المؤمنين منهم كان قويا ، وعن ابن إدريس رمي الخبر بالشذوذ ، وأوجب القرعة في الدفن لأنها لكل أمر مشكل مع الصلاة على الجميع مع تخصيص نية الصلاة على المسلمين دون الكفار ، وعن المقداد أنه مال إلى دفن الكل احتياطا.
ص: 647
(الفصل الثاني - في تروك القتال ، ويترك)
القتال وجوبا - (لأمور أحدها الأمان) (1) وهو الكلام وما في حكمه الدال
______________________________________________________
(1) لا خلاف في مشروعية الأمان لقوله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (1) ، وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس في مسجد الخيف فقال : نضّر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم يسمعها - إلى أن قال - المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) (2) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسعى بذمتهم أدناهم؟ قال : لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره ، فاعطاه ادناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به) (3) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن عليا عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون ، وقال : هو من المؤمنين) (4)، وخبر حبة العرني (قاله أمير المؤمنين عليه السلام : من ائتمن رجلا على دمه ثم خاس به فأنا من القاتل بري ء وإن كان المقتول في النار) (5) ، وخبر عبد الله بن سليمان (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما من رجل أمن رجلا على ذمة - دمه كما من نسخة أخرى - ثم قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر) (6) ، وهذه الأخبار كما تدل على مشروعية الأمان فتدل أيضا على حرمة القتال مع الأمان ، وهي بإطلاقها تدل على أن الأمان أعم من أن يكون على نفس الكافر وماله بل على كل ما وقع عليه إطلاق الأمان ، فتقييده بالنفس أو المال كما عن الشارح ليس في محله ، وهي دالة على جواز صدور الأمان من غير الإمام بل ومن المملوك.
ثم إن ظاهر النصوص أعم من أن يكون الأمان بلفظ أو غيره ، ولا فرق بين اللفظ العربي وغيره ، ولخبر الدعائم عن أبي عبد الله عليه السلام (الأمان جائز بأي لسان كان) (7) ، وخبره الآخر عن أمير المؤمنين عليه السلام (إذا آوى أحد من المسلمين أو أشار بالأمان إلى أحد من المشركين فنزل على ذلك فهو أمان) (8).
ص: 648
على سلامة الكافر نفسا ، ومالا اجابة لسؤاله ذلك ، ومحله (1) من يجب جهاده (2) ، وفاعله البالغ العاقل المختار (3) ، وعقده ما دل عليه من لفظ ، وكتابة ، وإشارة مفهمة ، ولا يشترط كونه من الإمام (4) بل يجوز : (ولو من آحاد المسلمين لآحاد الكفار). والمراد بالآحاد العدد اليسير. وهو هنا العشرة فما دون (5) ، (أو من الإمام (6) أو نائبه) (7) عاما أو في الجهة التي أذم فيها (للبلد) وما هو أعم
______________________________________________________
(1) أي محل الأمان.
(2) فلو لم يجب جهاده فلا معنى لإعطائه إياه.
(3) أما اشتراط البلوغ والعقل لسلب عبارة الصبي والمجنون كما سيأتي في بحث البيع ، وأما اشتراط الاختيار لظهور الأخبار المتقدمة فيه.
(4) وعن أبي الصلاح اشتراط كونه بإذن الإمام وهو محجوج بإطلاق الأخبار المتقدمة.
(5) كما صرح به جماعة كما في الجواهر اقتصارا فيما خالف عموم الأمر بقتل المشركين على القدر المتيقن ، حيث قد ورد في النصوص أن الأمان من آحاد المسلمين للآحاد من الكفار ، والآحاد من جموع القلة وأكثرها عشرة ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم - إلى أن قال - وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله ، فإن تبعكم فأخوكم في الدين وإن أبى فابلغوه مأمنه واستعينوا بالله) (1) ، وخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام (إذا أومأ أحد من المسلمين أو أشار بالأمان إلى أحد من المشركين فنزل على ذلك فهو في أمان) (2) ، ووقع الخلاف في أنه هل يجوز له أن يذم الواحد الحصن والقرية الصغيرة ، قيل نعم كما أجاز أمير المؤمنين عليه السلام ذمام الواحد لحصن من الحصون كما في خبر مسعدة بن صدقة المتقدم (3) ، وقيل كما عن المحقق في الشرائع لا يجوز بعد حمل فعل أمير المؤمنين أنه قضية في واقعة بعد التمسك بعموم الأمر بقتال المشركين.
(6) فيجوز له أن يذم عاما وخاصا بلا خلاف لأن ولايته عامة.
(7) لأنه له الولاية حينئذ بالتنصيب.
ص: 649
منه (1) ، وللآحاد بطريق أولى.
(وشرطه) أي شرط جوازه (أن يكون قبل الأسر) (2) إذا وقع من الآحاد ، أما في الإمام فيجوز بعده ، كما يجوز له المن عليه (3) ، (وعدم المفسدة) (4).
وقيل : وجود المصلحة (5) كاستمالة الكافر ليرغب في الإسلام ، وترفيه الجند ، وترتيب أمورهم ، وقلتهم ، ولينتقل الأمر منه إلى دخولنا دارهم فنطلع على عوراتهم ، ولا يجوز مع المفسدة (كما لو أمن الجاسوس فإنه لا ينفذ) ، وكذا من فيه مضرة ، وحيث يختل شرط الصحة يردّ الكافر إلى مأمنه (6) ، كما لو دخل بشبهة الأمان مثل أن يسمع لفظا فيعتقده أمانا ، أو يصحب رفقة فيظنها كافية ، أو يقال له : لا نذمك فيتوهم الإثبات ، ومثله الداخل بسفارة (7) ، أو ليسمع
______________________________________________________
(1) كالقطر والجهة.
(2) بلا خلاف فيه ، فلا يجوز لآحاد الناس بعده لظهور الأخبار المتقدمة في صحة الذمام وأمان في غير هذه الحال ، وعن الاوزاعي أنه يجوز بعد الأسر ، لما روي أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجارت العاص بن الربيع فأمضاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، وفيه : إنه صح لإمضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له.
(3) كما سيأتي وإذا جاز اطلاق اسره فيجوز اعطاء الأمان له بطريق أولى.
(4) كما عن القواعد.
(5) كما صرح به بعضهم كما في الجواهر ، وهو الأوفق جمعا بين إطلاق الأدلة وبين اعتبار المصلحة التي بني عليها أصل الأمان ، فلو أمّن جاسوسا أو من فيه مضرة فلا يجوز لعموم الأمر بالقتال بعد انصراف أدلة الأمان إلى غير المذكور.
(6) مثل أن يصطحب رفقة فيتوهمها أمانا ، أو سمع لفظا فاعتقده أمانا ، أو اشتمل عقد الأمان على شرط فاسد والمشرك لا يعلم افساده ، فإنه يردّ إلى مأمنه بلا خلاف ، لخبر محمد بن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام (لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا : لا ، فظنوا أنهم قالوا نعم ، فنزلوا إليهم كانوا آمنين) (2) ، وهو لا خصوصية فيتعدى منه إلى كل ما قطع المشرك بكونه أمانا.
(7) لما روته العامة عن ابن مسعود (إن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسولين لمسيلمة فقال لهما : -
ص: 650
كلام الله (1).
(وثانيهما - النزول (2) على حكم الإمام ، أو من يختاره) الإمام. ولم يذكر شرائط المختار اتكالا على عصمته المقتضية لاختيار جامع الشرائط وإنما يفتقر إليها من لا يشترط في الإمام ذلك (3) (فينفذ حكمه) كما أقر النبي (ص) بني قريظة
______________________________________________________
- اشهدا أني رسول الله فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لو كنت قاتلا رسولا لضربت عنقيكما) (1) ومنه يستفاد الأمان للرسل.
(1) لقوله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (2).
(2) وهو التراضي مع الكفار على أن ينزلوا على حكم حاكم فيعمل على مقتضى حكمه بلا خلاف في مشروعيته ، لما روته العامة (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأجابهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك ، فحكم عليهم بقتل رجالهم وسبّي ذراريهم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لقد حكمت بما حكم الله تعالى به فوق سبعة أرقعة ، أي سبع سماوات) (3) ، وما ورد من طرقنا كخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن يؤمّره على سرية : (وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله عزوجل فلا تنزلهم ولكن أنزلهم على حكمكم ، ثم اقض فيهم بعد ما شئتم ، فإنكم إن أنزلتموهم على حكم الله لم تدروا تصيبوا حكم الله فيهم أم لا ، وإذا حاصرتم أهل حصن فإن آذنوك على أن تنزلهم على ذمة الله وذمة رسوله فلا تنزلهم ولكن أنزلهم على ذممكم وذمم آبائكم وإخوانكم ، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم وإخوانكم كان أيسر عليكم يوم القيامة من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم) (4).
وقد روت العامة مثله (5) ، ولذا ذهب الشيباني منهم إلى عدم جواز إنزال الإمام لهم على حكم الله وهذا يتمشى في أئمتهم ، ولكن عندنا فالأئمة صلوات الله عليهم معصومون كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعالمون بحكم الله الواقعي فيجوز قبول الإمام عليه السلام بنزولهم على حكم الله جل وعلا.
(3) أي العصمة وهم العامة.
ص: 651
حين طلبوا النزول على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بقتل الرجال ، وسبي الذراري ، وغنيمة المال ، فقال له النبي (ص) : لقد حكمت بما حكم الله تعالى به من فوق سبعة أرقعة. وإنما ينفذ حكمه (ما لم يخالف الشرع) (1) بأن يحكم (2) بما لاحظ فيه للمسلمين ، أو ما ينافي حكم الذمة لأهلها.
(الثالث ، والرابع - الإسلام (3) وبذل الجزية) فمتى أسلم الكافر حرم قتاله مطلقا (4) حتى لو كان بعد الأسر الموجب (5) للتخيير بين قتله وغيره ، أو بعد
______________________________________________________
(1) قال في الجواهر : (وبالجملة ينفذ حكمه الموافق لما قرره الشرع فيهم مع ملاحظة مصلحة المسلمين).
(2) تفسير للنفي لا للمنفي.
(3) لأنه إذا أسلم الكافر حرم قتاله ، للأخبار الكثيرة منها : خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن بعثه على سرية من السرايا : (فادعوهم إلى إحدى ثلاث فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ، ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفوا عنهم - إلى أن قال - فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن ابوا فاستعن بالله عزوجل عليهم وجاهدهم في الله حق جهاده) (1).
والنبوي المشهور (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم) (2) ، وخبر الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام (الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئا) ((3).
وهي مطلقة تشمل ما لو أسلم قبل نشوب الحرب وبعد نشوبها وقبل اسره وبعد اسره وقبل تحكيم الحاكم وبعده ، ولا يسقط إلا قتله وأما بقية الأحكام فسيأتي التعرض لها.
(4) كتابيا كان أو غيره.
(5) أي الأسر فإنه موجب لضرب العناق أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف ثم يتركه حتى يتشحط في دمه إذا أخذ الأسير والحرب لم تضع أوزارها ، وإلا فإذا وضعت ( الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا ) فالإمام مخيّر بين المنّ والفداء والاسترقاق كما سيأتي تفصيل ذلك ، وإذا أخذ لا في حال المحاربة فهو مخيّر بين قتله واسترقاقه ، وعليه فعبارة الشارح تحمل على الشق الثالث.
ص: 652
تحكيم الحاكم عليه ، فحكم بعده بالقتل (1) ، ولو كان بعد حكم الحاكم بقتله وأخذ ماله وسبي ذراريه سقط القتل وبقي الباقي ، وكذا إذا بذل الكتابي ومن في حكمه (2) الجزية (3) وما يعتبر معها (4) من شرائط الذمة. ويمكن دخوله في الجزية ، لأن عقدها لا يتم إلا به فلا يتحقق بدونه.
(الخامس - المهادنة) (5) وهي المعاقدة من الإمام (ع) أو من نصبه لذلك مع من يجوز قتاله (على ترك الحرب مدة معينة) بعوض وغيره بحسب ما يراه الإمام قلة ، (وأكثرها عشر سنين) (6) ...
______________________________________________________
(1) أي فحكم الحاكم بعد إسلامه بالقتل.
(2) وهو المجوسي لأن له شبهة كتاب كما تقدم.
(3) حرم قتاله وقد تقدم دليله.
(4) وهو الالتزام ببقية شرائط الذمة ، والواو بمعنى مع هنا ، إن قلت : عبارة المصنف قاصرة إذ جعل ترك القتال ببذل الجزية فقط ، فرد الشارح بأن الالتزام ببقية الشرائط يمكن دخوله في الجزية لعدم تحقق عقد الجزية إلا به.
(5) وهي المعاقدة على ترك الحرب مدة معينة ، سواء كانت المهادنة بعوض أو بغير عوض ، فهي مشروعة بلا خلاف لقوله تعالى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا ) (1) وقوله تعالى : ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلىٰ مُدَّتِهِمْ ) (2) ، وللمقطوع من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مهادنته الكفار يوم الحديبية.
(6) فالهدنة إلى أربعة أشهر فما دون بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (3) ، ويمكن القول إنه امهال لهم على وجه التهديد والتوعد لا أنه عقد هدنة إلى أربعة أشهر.
هذا من ناحية القلة ، وأما من ناحية الكثرة فذهب الاسكافي والشيخ إلى أنها لعشر سنين لمصالحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قريشا قدرها ، فيخرج به عن عموم الأمر بقتال المشركين ، والمشهور على أنه لا تجوز الزيادة على سنة لقوله تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (4) ، والأمر بقتالهم كل سنة يقتضي عدم جواز المهاونة أكثر من سنة -
ص: 653
فلا تجوز الزيادة عنها مطلقا (1) ، كما يجوز أقل من أربعة أشهر إجماعا ، والمختار جواز ما بينهما على حسب المصلحة ، (وهي جائزة مع المصلحة للمسلمين) لقلتهم ، أو رجاء إسلامهم مع الصبر ، أو ما يحصل به الاستظهار. ثم مع الجواز قد تجب مع حاجة المسلمين إليها وقد تباح لمجرد المصلحة التي لا تبلغ حد الحاجة ، ولو انتفت انتفت الصحة.
(الفصل الثالث - في الغنيمة)
وأصلها المال المكتسب (2) ، والمراد هنا ما أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة (3) ، لا باختلاس وسرقة ، فإنه لآخذه (4) ، ولا بانجلاء أهله عنه بغير قتال ، فإنه للإمام (5) ، (وتملك النساء والأطفال بالسبي) (6) وإن كانت الحرب قائمة
______________________________________________________
- وعن العلامة في المنتهى والشارح في المسالك أنه يراعى الأصلح وما تفرضه مصلحة المسلمين لإطلاق أدلة مشروعية المهادنة.
(1) حتى مع مصلحة المسلمين في ذلك.
(2) قال في المسالك : (الغنيمة هي الفائدة المكتسبة ، سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات ، أو بغيره كما يستفاد من دار الحرب ، استطرد البحث عن مفهومها لغة بالمعنى العام مع أن المقصود هنا هو القسم الثاني ، للتنبيه على أن مفهومها العام باق عندنا على أصله ، ومنه يستفاد وجوب الخمس في أرباح التجارات ونحوها لعموم قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ ) ، خلافا للعامة حيث خصوها بالمعنى الثاني ، ونقلوها عن موضوعها اللغوي إلى غنائم دار الحرب خاصة ، أو خصوها به).
(3) للأخبار منها : صحيح ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه) (1) ، وتقسيم البقية بين المقاتلين دليل على أن المأخوذ قد أخذ بالغلبة والقتال.
(4) ويجب فيه الخمس وقد تقدم في باب الخمس.
(5) لأنه من الأنفال كما تقدم بحثه أيضا.
(6) إن ما يؤخذ من الكفار على أقسام ثلاثة : ما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة ، وما لا ينقل كالأرض والعقار ، وما هو سبي كالأطفال والنساء ، وقد ابتدأ بالقسم الثالث -
ص: 654
والذكور البالغون يقتلون حتما ، إن أخذوا والحرب قائمة (1) إلا أن يسلموا) فيسقط قتلهم (2) ، ويتخير الإمام حينئذ بين استرقاقهم والمن عليهم ، والفداء.
وقيل : يتعين المن عليهم هنا ، لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر (3) فمع الإسلام أولى.
______________________________________________________
- وحكمه أن النساء والذراري يملكن بالسبي وإن كانت الحرب قائمة ، بلا خلاف فيه لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء والولدان ، وكان يسترقهم إذا سباهم) (1).
(1) بلا خلاف فيه ، لخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (كان أبي يقول : إن للحرب حكمين ، إذا كانت الحرب قائمة ولم تضع اوزارها ولم يثخن أهلها فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحط في دمه حتى يموت ، وهو قول الله عزوجل : ( إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) ، الآية.
ألا ترى أن المخيّر الذي خيّر الله الإمام على شي ء واحد وهو الكفر ، وليس هو على أشياء مختلفة ، فقلت : قول الله عزوجل : ( أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) ، قال : ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتى يهرب ، فإن اخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وضعت لك) (2).
(2) كما تقدم ، ولكن وقع الخلاف أنه بعد سقوط قتلهم هل الإمام مخيّر بين الفداء والمنّ والاسترقاق ، كما ذهب إليه الشيخ جمعا بين خبر الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام (الاسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئا) (3) أي ملك المسلمين ، وبين المرسل في المنتهى (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فادى أسيرا أسلم برجلين) (4) ، فالأول يدل على الاسترقاق والثاني على الفداء ، والمنّ جائز للإمام وإن لم يسلم الأسير فمع اسلامه من باب أولى.
وقال في الجواهر : (بل قيل - وإن كنا لم نعرف القائل بعينه - : بتعينه - أي المنّ - ، لعدم دليل معتد به على جواز الاسترقاق والفداء بعد عدم جمع الخبرين المزبورين لشرائط الحجية).
(3) لأنه يجب قتله بحسب الفرض لأن الحرب قائمة.
ص: 655
وفيه : إن عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة ومصير إلى ما هو أعظم منه (1) ، لا إكرام فلا يلزم مثله بعد الإسلام ، ولأن الإسلام لا ينافي الاسترقاق ، وحيث يجوز قتلهم (2) يتخير الإمام تخير شهوة بين ضرب رقابهم ، وقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وتركهم حتى يموتوا إن اتفق وإلا أجهز عليهم.
(وإن أخذوا بعد أن وضعت ( الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا ) ) (3) أي أثقالها من السلاح وغيره وهو كناية عن تقضيها (لم يقتلوا ويتخير الإمام) فيهم تخير نظر ومصلحة (4) (بين المن) عليهم (والفداء) لأنفسهم بمال حسب ما يراه من المصلحة ، (والاسترقاق) حربا كانوا أم كتابيين.
وحيث تعتبر المصلحة لا يتحقق التخيير إلا مع اشتراك الثلاثة فيها على
______________________________________________________
(1) وهو القتل.
(2) إذا أخذ والحرب قائمة ولم يسلم فالإمام مخيّر تخيير شهوة بين القتل وبين قطع الأيدي والأرجل من خلاف على ما تقدم بيانه ، لا تخيير مصلحة لأن المطلوب قتلهم فاختيار الوسيلة بنظره كما يرى ، بخلاف تخيير المصلحة فإنه يتخير على حسب ما يراه من المصلحة ، وقد عرفت أن مجال الاختيار غير مفتوح ما دام المطلوب قتلهم على كل حال.
نعم المشهور جعلوا التخيير بين ضرب الأعناق وبين قطع الأيدي والأرجل ، والخبر جعل الطلب قسيما فلذا ذهب القاضي إلى أن الإمام مخيّر بين أنواع القتل لأن ما ذكر في الخبر إنما هو من باب المثال لا على نحو الحصر.
(3) لخبر طلحة بن زيد المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (والحكم الآخر إذا وضعت ( الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا ) وأثخن أهلها ، فكل أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام عليه السلام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا) (1).
(4) قال في الجواهر : (ثم إن ظاهر النص والفتوى إطلاق التخيير - سواء وجدت المصلحة أم لا - لكن الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه وثاني الشهيدين عيّنا الأصلح من الثلاثة ، لكونه الولي للمسلمين المكلف بمراعاة مصالحهم ، ومقتضاه عدم التخيير إلا مع التساوي في المصلحة فحينئذ يتخير تخيّر شهوة ، ولا ريب في كونه أحوط وإن كان اجتهادا في مقابلة إطلاق التخيير من ولي الجميع الذي هو أعلم بالمصالح).
ص: 656
السواء ، وإلا تعين الراجح واحدا كان أم أكثر. وحيث يختار الفداء ، أو الاسترقاق (فيدخل ذلك (1) في الغنيمة) كما دخل من استرق ابتداء فيها من النساء والأطفال.
(ولو عجز الأسير) الذي يجوز للإمام قتله (عن المشي لم يجز قتله) (2) لأنه لا يدرى ما حكم الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل ، ولأن قتله إلى الإمام وإن كان مباح الدم في الجملة كالزاني المحصن. وحينئذ فإن أمكن حمله ، وإلا ترك للخبر.
ولو بدر مسلم فقتله فلا قصاص ، ولا دية ، ولا كفارة وإن أثم (3) ، وكذا لو قتله من غير عجز.
(ويعتبر البلوغ بالانبات) (4) لتعذر العلم بغيره من العلامات غالبا وإلا فلو
______________________________________________________
(1) أي الفداء فيدخل في الغنيمة لصدق المال - الذي أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة - عليه.
(2) كما عن العلامة والشهيد ، لخبر الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام (إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله ، فإنك لا تدري ما حكم الإمام فيه) (1).
وعن البعض أنه يجب إرساله تمسكا بظاهر الخبر ، وردّ بأن القتل يتعين عليه إذا أخذ والحرب لم تضع أوزارها ، فلا يجوز للمسلم تركه بعد حمل الخبر أنك لا تدري ما حكم الإمام فيه من ناحية أنواع القتل ، فلو قيل بقتله حينئذ لأن حكمه ذلك كان أوفق بالقواعد ويؤيده خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (سألته عن رجل اشترى عبدا مشركا وهو في أرض الشرك فقال العبد : لا استطيع المشي ، وخاف المسلمون أن يلحق العبد بالعدو ، أيحلّ قتله؟ قال : إذا خافوا فاقتله) (2).
(3) فلا دية ولا كفارة لأن الكافر مهدور الدم بلا خلاف في ذلك ، وإثمه لتجاوزه الإمام عليه السلام ، وكذا لو قتله من غير عجز.
(4) قد تقدم حكم الأسير البالغ وحكمه إذا كان غير بالغ ، ويعرف البلوغ هنا بالإنبات للشعر الخشن على العانة ، إما باللمس وإما بالنظر بلا خلاف في ذلك كله ، وفي المنتهى أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بقتل رجالهم وسبي ذراريهم وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرضهم على العانات ، ويشهد له خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (إن رسول -
ص: 657
اتفق العلم به بها كفى ، وكذا يقبل إقراره بالاحتلام كغيره ولو ادعى الأسير استعجال إنباته بالدواء فالأقرب القبول ، للشبهة الدارئة للقتل (1).
(وما لا ينقل ولا يحوّل) (2) من أموال المشركين كالأرض والمساكن والشجر (لجميع المسلمين) سواء في ذلك المجاهدون وغيرهم ، (والمنقول) منها (3) (بعد الجعائل) (4) التي يجعلها الإمام للمصالح كالدليل على طريق ، أو عورة ، وما يلحق
______________________________________________________
- الله صلى الله عليه وآله وسلم عرضهم يومئذ على العانات ، فمن وجده أنبت قتله ، ومن لم يجده أنبت ألحقه بالذراري) ((1).
وحصر البلوغ بالإنبات هنا لغلبة عدم معرفة غيره من السنّ وغيره وإلا فلا فرق بين الإنبات وغيره من علامات البلوغ ، ولذا لو علم بلوغه من غير الإنبات لكفى لحجية العلم الذاتية ، بل لو ادعى الاحتلام قيل - كما عن بعضهم على ما في الجواهر - القبول مع إمكان البلوغ في حقه لعموم ما دل على قبول مدعى الاحتلام في غير الكافر ، مع التأمل بأنه خبر كافر فيجب فيه التبين ولازمه عدم القبول.
(1) لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، وعن بعضهم عدم القبول لأنه خبر كافر.
(2) هذا هو القسم الثاني مما يؤخذ من الكفار ، وهو للمسلمين قاطبة بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن السواد ما منزلته؟ قال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ومن لم يخلق بعد) (2) والسواد أرض العراق وقد فتحت عنوة ، ومنه يعرف حكم غيره من الأراضي المفتوحة كذلك.
هذا إذا كانت الأرض محياة حال الفتح ، وأما إذا كانت مواتا فهي للإمام عليه السلام خاصة لأنها في باب الأنفال الخمس ، وستأتي البقية في كتاب إحياء الموات.
(3) من أموال المشركين.
(4) أي المنقول من الغنيمة يقسم بين المقاتلين ومن حضر القتال كما سيأتي ، ولكن يخرج منه الخمس أولا كما دل عليه صحيح ربعي المتقدم وغيره بلا خلاف فيه.
ويخرج منه الجعائل التي يجعلها الإمام عليه السلام أو نائبه للمصالح كالدليل على عورة أو طريق ونحو ذلك لإن له الولاية العامة. -
ص: 658
الغنيمة من مئونة حفظ ونقل وغيرهما ، (والرضخ) والمراد به هنا العطاء الذي لا يبلغ سهم من يعطاه لو كان مستحقا للسهم ، كالمرأة والخنثى والعبد والكافر إذا عاونوا ، فإن الإمام (ع) يعطيهم من الغنيمة بحسب ما يراه من المصلحة بحسب حالهم (والخمس).
ومقتضى الترتيب الذكري أن الرضخ مقدم عليه (1) ، وهو أحد الأقوال في
______________________________________________________
- ويخرج منه ما ينفقه على الغنيمة من حفظها ونقلها ضرورة كونها من مؤنها التي تؤخذ من أصلها.
ويخرج منه الرضخ ، وهو للنساء والعبيد والكفار ، إن قاتلوا بإذن الإمام ، لأنه لا سهم للثلاثة بلا خلاف فيه ، لخبر سماعة عن أحدهما عليهما السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ولم يسهم لهن من الفي ء شيئا ولكن نفلهن) (1) ، وخبر الدعائم عن علي عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ليس للعبد من الغنيمة شي ء وإن حضر وقاتل عليها ، فرأى الإمام أن يعطيه على ملائه إن كان منه ، أعطاه من خراش المتاع ما يراه) (2).
وهذه النصوص تفيد أنه يجوز للإمام أن يرضخ كل من يحتاج إليه في الحرب ممّن لا سهم له في الغنيمة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالرضخ لا تقدير له بل هو موكول إلى نظر الإمام ولكن لا يبلغ سهم الفارس المسلم ولا سهم الراجل المسلم كما لا يبلغ الحد التعزيز كما ذهب إليه العلامة في المنتهى.
(1) أي على الخمس ، ذهب العلامة في المختلف إلى إخراج الخمس أولا ثم إخراج الحبائل والسلب والرضخ وغيره ، عملا بالآية الشريفة : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (3).
وقيل بتقديم السلب والجعائل على الخمس ثم يخرج الرضخ ، أما تقديم السلب والحبائل فلعدم صدق الغنيمة عليها ، وأما تأخير الرضخ فلأنه كالسهم للمقاتل المسلم فلا بدّ من تأخيره وإن كان أنقص منه إلا أن نقصانه لا يخرجه عن الغنيمة.
وقيل : بتقديم السلب والجعائل والرضخ ومؤن الغنيمة ثم يخرج الخمس ، ويؤيده مرسل حماد عن العبد الصالح عليه السلام (للإمام صفو المال ، أن يأخذ من هذه الأموال صفوها ، الجارية الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع ممّا يجب ويشتهي ، وذلك له قبل -
ص: 659
المسألة. والأقوى أن الخمس بعد الجعائل وقبل الرضخ ، وهو اختياره في الدروس ، وعطفه هنا بالواو لا ينافيه ، بناء على أنها لا تدل على الترتيب (1) (والنفل) (2) بالتحريك وأصله الزيادة ، والمراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئا من الغنيمة لمصلحة ، كدلالة ، وإمارة ، وسرية ، وتهجم على قرن (3) ، أو حصن ، وتجسس حال ، وغيرها مما فيه نكاية الكفار.
(وما يصطفيه الإمام لنفسه) (4) من فرس فاره ، وجارية ، وسيف ، ونحوها بحسب ما يختاره ، والتقييد بعدم الاجحاف ساقط عندنا (5). وقد تقدم تقديم الخمس وبقي عليه تقديم السلب (6) ...
______________________________________________________
- القسمة وقبل إخراج الخمس ، وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة وغير ذلك من أصناف ما ينوبه ، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه وقسمه بين أهله ، وقسّم الباقي على من ولي ذلك) (1).
(1) لأنها لمطلق الجمع.
(2) وهو ما يجعله الإمام لبعض المجاهدين بشرط ، مثل أن يقول : من قتل فلانا المشرك أو حمل الراية أو عمل كذا فله كذا ، بحسب ما يراه من مصلحة ، فإنه جائز لأن الإمام له الولاية العامة.
(3) وهو المبارز في ميدان الحرب.
(4) بلا خلاف ، لمرسل حماد المتقدم ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن صفو المال : يأخذ الجارية الورقة ، والمركب الفاره ، والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسم الغنيمة فهذا صفو المال) (2) ومثلها غيرها.
(5) مع أنه على خلاف المنقول عن الكثير من الفقهاء من التقييد بعدم إضرار الجيش قال في المنتهى (ذهب إليه علماؤنا أجمع ما لم يضر بالعسكر).
(6) فالسلب مقدم على الخمس ، للنبوي (من قتل قتيلا فله سلبه) (3) وقد قتل أبو طلحة في غزوة حنين عشرين رجلا فأخذ أسلابهم (4). -
ص: 660
المشروط للقاتل ، وهو (1) ثياب القتيل ، والخفّ ، وآلات الحرب ، كدرع ، وسلاح ، ومركوب ، وسرج ، ولجام ، وسوار ، ومنطقة ، وخاتم ، ونفقة معه ، وجنيبة (2) تقاد معه ، لا حقيبة مشدودة على الفرس بما فيها من الأمتعة ، والدراهم ، فإذا أخرج جميع ذلك
(يقسّم) الفاضل (بين المقاتلة (3) ومن حضر) القتال ليقاتل وإن لم يقاتل
______________________________________________________
- هذا فالسلب للمقاتل إن اشترط الإمام ذلك كما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فيكون كباقي مال الغنيمة بلا خلاف فيه.
(1) أي السلب ، قال في الجواهر : (ثم لا خلاف بل ولا إشكال في اندراج الثياب والعمامة والقلنسوة والدرع والمغفرة والبيضة والجوشن والسلاح كالسيف والرمح والسكين ونحو ذلك ، ممّا يكون معه وله مدخل في القتال ، بل في المنتهى الإجماع عليه ، بل لعل الأقوى اندراج ما كان معه من التاج والسوار والطوق والخاتم ونحوها ممّا يتّخذها للزينة والهميان ونحوه ممّا يتّخذه للنفقة فيه أيضا ، وفاقا للفاضل ، بل عن الشيخ قوّاه أيضا للصدق عرفا خلافا للشافعي.
نعم لا يندرج فيه ما كان منفصلا عنه كالرجل والعبد والدواب التي عليها أحماله والسلاح الذي ليس معه فيبقى حينئذ غنيمة ، أما الدابة التي يركبها فهي منه سواء كان راكبا لها أو نازلا عنها وهي بيده للصدق عرفا ، خلافا لأحمد في الثاني ، بل يتبعها السرج واللجام وجميع آلاتها والحلية ونحو ذلك ، نعم لو لم تكن الدابة أو شي ء من آلاتها معه لم تدخل في السلب).
(2) قال في مصباح المنير (الجنيبة : الفرس تقاد ولا تركب) ، والضابط في أمثلة الشارح أن كل ما أعدّ للحرب أو كان معه غير منفصل فهو من السلب ، أما المنفصل كالحقيبة المشدودة على الفرس فهو خارج عن السلب).
(3) بلا خلاف للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن وهب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم ، قال : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول ، وقسّم بينهم أربعة أخماس) (1) ، ومرسل حماد بن عيسى عن أبي الحسن عليه السلام (يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله له ، ويقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك) (2)، وخبر حفص بن غياث (كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل من السيرة ، فسألته وكتبن بها إليه ، فكان فيما سألت أخبرني ، عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ، ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا -
ص: 661
حتى الطفل) (1) الذكر من أولاد المقاتلين ، دون غيرهم (2) ممن حضر لصنعة ، أو حرفة كالبيطار ، والبقال ، والسائس ، والحافظ إذا لم يقاتلوا (3) (المولود بعد الحيازة وقبل القسمة).
(وكذا المدد الواصل إليهم) ليقاتل معهم فلم يدرك القتال (4) (حينئذ) أي حين إذ يكون وصوله بعد الحيازة وقبل القسمة (للفارس سهمان) في المشهور (5).
______________________________________________________
- إلى دار الإسلام ، هل يشاركونهم فيها؟ قال : نعم) (1) ، وخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (في الرجل يأتي القوم وقد غنموا أو لم يكن ممّن شهد القتال ، فقال : هؤلاء المحرمون ، فأمر أن يقسّم لهم) (2) ، وهم محرمون من ثواب القتال بعد تقسيم الغنيمة عليهم وعلى غيرهم ، ومن هذه الأخبار يعرف حكم مقاسمة الغنيمة بين كل من حضر من المسلمين قبل التقسيم وإن لم يشارك في القتال وإن كان حاضرا ، أو لم يكن حاضرا وقت القتال.
(1) ولو ولد بعد الحيازة وقبل القسمة بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر مسعدة بن صدقة ، عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (إن عليا عليه السلام قال : إذا ولد المولود في أرض الحرب قسّم له مما أفاء الله عليهم) (3) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (إذا ولد المولود في أرض الحرب أسهم له) (4) ، ولما روي (أن النبي أسهم للصبيان بخيبر) (5)
(2) دون غيرهم : أي غير المقاتلين ممّن حصر الحرب لا للقتال كمن حضرها لصفة خاصة أو حزمة وكذا أطفالهم لانصراف الأخبار المتقدمة إلى خصوص المقاتلين بمعنى حضر الحرب للقتال وإن لم يقاتل.
(3) فإذا قاتلوا أو حضروا بنيّة القتال كان لهم سهم المقاتل.
(4) لخبر حفص وخبر أبي البختري المتقدمين.
(5) للأخبار منها : خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل في السير وفيها : كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال : للفارس سهمان وللراجل سهم) (6) ، وما -
ص: 662
وقيل : ثلاثة ، (وللراجل) وهو من ليس له فرس سواء كان راجلا ، أم راكبا غير الفرس (سهم ، ولذي الأفراس) وإن كثرت (ثلاثة) أسهم (1) ، (ولو قاتلوا في السفن) (2) ولم يحتاجوا إلى أفراسهم لصدق الأسهم ، وحصول الكلفة عليهم بها.
(ولا يسهم للمخذّل) وهو الذي يجبن عن القتال ، ويخوف عن لقاء الأبطال ، ولو بالشبهات الواضحة والقرائن اللائحة ، فإن مثل ذلك (3) ينبغي إلقاؤه
______________________________________________________
- روته العامة عن المقداد رضي الله عنه (أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهمين ، سهما لي وسهما لفرسي) (1) ، وعن الإسكافي وأكثر العامة أن للفارس ثلاثة أسهم ، لخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما) (2) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم ، سهمين لفرسه وسهما له ، ويجعل للراجل سهما) (3)، وهي محمولة على التقية.
(1) فيعطي لفرسين له دون ما زاد ، ويعطى ثلاثة أسهم ، سهمان لفرسيه وسهم له ، ولا يزاد وإن كان عنده عشرة أفراس ، بلا خلاف فيه لخبر الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام (إذا كان مع الرجل أفراس في الغزو لم يسهم له إلّا لفرسين منها) (4) ، ولما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس) (5).
(2) ولو وصلية ، والمعنى فللفارس سهمان وللراجل سهم ، ولذي الفرسين ثلاثة ولو استغنوا عن الخيل وقاتلوا في السفن ، لخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام (عن سرية كانوا في سفينة فقاتلوا وغنموا ، وفيهم من معه الفرس ، وإنما قاتلوهم في السفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه ، كيف تقسّم الغنيمة بينهم؟ فقال عليه السلام : للفارس سهمان وللراجل سهم ، قلت : ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم؟ قال : أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدّم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسم بينهم؟ ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهما ، وهم الذين غنموا دون الفرسان) (6).
(3) من الشبهات والقرائن
ص: 663
إلى الإمام ، أو الأمير إن كان فيه صلاح ، لا إظهاره على الناس ، (ولا المرجب) (1) وهو الذي يذكر قوة المشركين وكثرتهم بحيث يؤدي إلى الخذلان والظاهر أنه أخص من المخذل ، وإذا لم يسهم له فأولى أن لا يسهم لفرسه ، (ولا للقحم) (2) بفتح القاف وسكون الحاء وهو الكبير الهرم (والضرع) بفتح الضاد المعجمة والراء وهو الصغير (3) الذي لا يصلح للركوب ، أو الضعيف (4).
(والحطم) بفتح الحاء وكسر الطاء وهو الذي ينكث (5) من الهزل (6) (والرازح) بالراء المهملة ثم الزاء بعد الألف ثم الحاء المهملة قال الجوهري هو الهالك هزالا (7) ، وفي مجمل ابن فارس رزح أعيى. والمراد هنا الذي لا يقوى بصاحبه على القتال ، لهزال على الأول ، وأعياء على الثاني ، الكائن في الأربعة (8) (من الخيل) (9). وقيل : يسهم للجميع ، لصدق الاسم. وليس ببعيد.
(الفصل الرابع - في أحكام البغاة)
(ومن خرج على المعصوم من الأئمة عليهم السلام
فهو باغ (10) ...
______________________________________________________
(1) أي المخوف ، لا ويسهم لهم لعدم صدق المقاتلة عليهما وعدم صدق حضور الحرب لأجل القتال.
(2) وهو الكبير المسنّ الهرم الفاني كما في الجواهر.
(3) كما عن المبسوط وفي المسالك نسبته إلى الفقهاء ، وهو الصغير الذي لا يركب.
(4) كما عن المنتهى ويؤيده ما في الصحاح (الضرع بالتحريك الضعيف) ، وهو الضعيف الذي لا يملك القتال عليه.
(5) أي ينكسر وينهزم.
(6) وعن المصباح أنه المسنّ.
(7) وقال في المنتهى (الذي لا حراك له من الهزال).
(8) أي إن المتّصف بهذه الأوصاف من الأربعة يكون من الخيل.
(9) فعن ابن الجنيد أنه لا يسهم لها لعدم الانتفاع بها في الحرب ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف والحلي واستحسنه المحقق والعلامة وجماعة أنه يسهم له مراعاة للاسم بعد صدق اسم الفرس عليه.
(10) البغي لغة مجاوزة الحد ، والظلم والاستعلاء ، وطلب الشي ء ، وفي عرف المتشرعة الخروج -
ص: 664
واحدا كان) كابن ملجم - لعنه الله - ، (أو أكثر) (1) كأهل الجمل ، وصفين (ويجب قتاله) (2) إذا ندب إليه الإمام (حتى يفي ء) (3) أي يرجع إلى طاعة الإمام ، (أو يقتل) ، وقتاله (كقتال الكفار) (4) في وجوبه على الكفاية ، ووجوب الثبات له ،
______________________________________________________
- عن طاعة الإمام العادل.
(1) ذهب إليه العلامة وغيره للإطلاق ، وذهب الشيخ وابن إدريس وابن حمزة إلى أنه يعتبر فيهم الكثرة والمنعة بحيث لا يمكن تفريقهم أي بتجهيز الجيوش والقتال ، ويؤيده أن الآية - التي سيأتي التعرّض لها - عبّرت عنهم بالطائفة ، والطائفة لا تنطبق على الواحدة ، نعم يجري على الواحد حكم المحارب لأنه من أهل البغي.
(2) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى ( وَإِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ ، فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (1) ، وللأخبار منها : خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (القتل قتلان : قتل كفارة وقتل درجة ، والقتال قتالان : قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا ، وقتال الفئة الكافرة حتى يسلموا) (2) ، وخبر ابن المغيرة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (ذكرت الحرورية عند علي عليه فقال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم) (3)، وخبر ابن شهرآشوب في مناقبه عن أبي جعفر عليه السلام (أنه ذكر الذين حاربهم علي عليه السلام فقال : أما إنهم أعظم جرما ممن حارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قيل له : وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : أولئك كانوا أهل جاهلية ، وهؤلاء قرءوا القرآن وعرفوا أهل الفضل ، فأتوا ما أتوا بعد البصيرة) (4).
(3) لتقييده في آياته ، ولأن سبب قتاله بغيه ، فإن رجع عن بغيه ارتفع سبب قتاله.
(4) للأخبار ، منها : خبر محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يا علي ، إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي ، كما كتب عليهم الجهاد مع المشركين معي ، فقلت : يا رسول الله ، وما الفتنة التي كتب للنبإ فيها الجهاد؟ فقال : فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله وهم مخالفون لسنّتي وطاعنون في ديني ، فقلت : فعلام نقاتلهم يا رسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ -
ص: 665
وباقي الأحكام السالفة ، (فذو الفئة) (1) كأصحاب الجمل ومعاوية (يجهز على جريحهم ، ويتبع مدبرهم ، ويقتل أسيرهم ، وغيرهم) (2) كالخوارج (يفرّقون) من
______________________________________________________
- فقال : على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري ، واستحلالهم دماء عترتي) (1).
وقال في الجواهر : (وكيف كان فقتال البغاة كقتال المشركين في الوجوب وكفائيته ، وكون تركه كبيرة وأن الفرار منه كالفرار منه ، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك ، كما اعترف به في المنتهى ، والنصوص من الطرفين وافية به كعمل علي عليه السلام في قتال الفرق الثلاثة ، والمقتول مع العادل شهيد لا يغسل ولا يكفّن بل يصلّى عليه بلا خلاف أجده).
(1) من كان من أصل البغي له فئة يرجع إليها فيجوز الإجهاز على جريحهم وإتباع مدبرهم وقتل أسيرهم ، ومن لم يكن له فئة فالقصد من محاربتهم تفريق كلمتهم فلا يتبع لهم مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل لهم مأسور بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطائفتين من المؤمنين ، إحداهما باغية والأخرى عادلة ، فهزمت العادلة الباغية ث ، قال : ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يقتلوا أسيرا ، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم يكن فئة يرجعون إليها ، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها فإن أسيرهم يقتل ومدبرهم يتبع وجريحهم يجهز عليه) (2) ، ومرسل تحف العقول عن أبي الحسن الثالث عليه السلام في جواب مسائل يحيى بن أكثم (وأما قولك : إن عليا عليه السلام قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين ، وأجاز على جريحهم ، وأنه يوم الجمل لم يتّبع مولّيا ، ولم يجز على جريح ، ومن ألقى سلاحه آمنه ، ومن دخل داره آمنه ، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين ، ورضوا بالكفّ عنهم ، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا ، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة ، وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف ويسنّى لهم العطاء ، ويهيئ لهم الإنزال ، ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ، ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم ، فلم يساو بين الفريقين في الحكم) (3) ، والخبر صريح بكون أهل الجمل مما لا فئة لهم مع أن الشارح قد صرّح أنهم من أهل الفئة إلّا أن يحمل كلامه على ما قبل قتل إمامهم وهو الزبير وطلحة فلا تنافي حينئذ.
(2) أي غير ذي الفئة ممّن لا إمام لهم ولا رئيس.
ص: 666
غير أن يتبع لهم مدبر ، أو يقتل لهم أسير ، أو يجهز على جريح.
ولا تسبى نساء الفريقين ، ولا ذراريهم في المشهور (1) ، ولا تملك أموالهم
______________________________________________________
(1) قال في الجواهر : (بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه بين أهل العلم ، وعن التذكرة بين الأمة ، لكن عن المختلف والمسالك نسبته إلى المشهور ، ولعلّه لما في الدروس قال : ونقل الحسن أن للإمام عليه السلام ذلك إن شاء ، لمفهوم قول علي عليه السلام : إني مننت على أهل البصرة كما منّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة ، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يسبي فكذا الإمام عليه السلام ، وهو شاذ ، قلت : بل لم نعرفه لأحد منّا) انتهى.
ويمكن حمل كلامه على أن ذلك للإمام لو أراد إلّا أن التقية جعلت الحكم عدم سبي النساء والذراري في زمن الهدنة ، وهي ما قبل ظهور صاحب الأمر عليه السلام وعجّل الله تعالى فرجه ، وهذا ما نطقت به الأخبار الكثيرة وليس فيه خلاف ، ومن جملة هذه الأخبار ، خبر عبد الله بن سليمان (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يروون أن عليا عليه السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم ، فقال : إن دار الشرك يحلّ ما فيها ، وإن دار الإسلام لا يحلّ ما فيها ، فقال : إن عليا عليه السلام إنما منّ عليهم كما منّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة ، وإنما ترك علي عليه السلام لأنه كان يعلم أنه سيكون له شيعة وأن دولة الباطل ستظهر عليهم ، فأراد أن يقتدى به في شيعته ، وقد رأيتم آثار ذلك ، هو ذا يسار بسيرة علي عليه السلام ، ولو قتل عليّ عليه السلام أهل البصرة جميعا واتّخذ أموالهم لكان ذلك له حلالا ، لكنه منّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده) (1) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لو لا أن عليا عليه السلام سار في أهل حربه بالكف عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما ، ثم قال : والله لسيرته كانت خيرا لكم ممّا طلعت عليه الشمس) (2)، وخبر أبي بكر الحضري عن أبي عبد الله عليه السلام (لسيرة علي عليه السلام في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس ، إنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته ، قلت : فأخبرني عن القائم عليه السلام يسير بسيرته؟ قال : لا ، إن عليا عليه السلام سار فيهم بالمنّ ، لما علم من دولتهم ، وإن القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة ، لأنه لا دولة لهم) (3)، ومثلها كثير. هذا وقد ورد في خبر حفص عن جعفر عن أبيه عن جده عليهم السلام عن مروان ابن الحكم قال : (لما هزمنا عليّ بالبصرة ردّ على الناس أموالهم ، من أقام بيّنه أعطاه ، ومن لم يقم بيّنة أحلفه ، فقال له قائل : يا أمير المؤمنين أقسم الفي ء بيننا والسّبي قال : فلمّا أكثروا عليه قال : أيّكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟ فكفلوا) (4)، فهو محمول على إسكات الخصم لأن أكثر جيشه مخالفون كما هو المعلوم من كتب السير والتواريخ ،
ص: 667
التي لم يحوها العسكر (1) إجماعا وإن كانت مما ينقل ويحوّل ، ولا ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام (2). وإنما الخلاف في قسمة أموالهم التي حواها العسكر مع إصرارهم.
(والأصح عدم قسمة أموالهم مطلقا) (3) عملا بسيرة علي عليه السلام في أهل
______________________________________________________
- وإلّا فالحكم ما تضمّنته النصوص السابقة الذي لا يملك البوح به إلا للشيعة فقط من أن السبي وتقسيم المال جائز لكن علم الأمير صلوات الله عليه أن لهم دولة بعده فمنّ عليهم حتى لا تسبى شيعته وهذا الحكم الثانوي تكليف كالأصلي إلى زمن خروج القائم عليه السلام ، بل الأجر في التعبّد به أعظم من الأجر بالعمل بالأول حال عدم التقية فلا تغفل.
(1) بلا خلاف فيه لحقن دمهم ومالهم على نحو التقية كما سمعته من النصوص السابقة.
(2) لارتفاع حكم البغي عنهم حينئذ.
(3) حتى التي حواها العسكر كالسلاح والدواب ، وهو المحكي عن المرتضى وابن ادريس والعلامة والشهيد لظاهر النصوص السابقة من أنه عليه السلام قد منّ عليهم كما منّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة ، لخبر عبد الله بن سليمان المتقدّم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يروون أن عليا عليه السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم ، فقال : إن دار الشرك يحلّ ما فيها ، وإن دار الإسلام لا يحلّ ما فيها) (1) ، وما رواه الشيخ في المبسوط (وروي أن عليا عليه السلام لما هزم الناس يوم الجمل قالوا له : يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم ، قال : لا ، لأنهم تحرّموا بحرمة الإسلام ، فلا يحل أموالهم في دار الهجرة) (2) ، وخبره الآخر (روى أبو قيس أن عليا عليه السلام نادى : من وجد ماله فليأخذه ، فمرّ بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها ، فسألناه أن يصبر حتى ينضج فلم يفعل ، فرمى برجله فأخذها) (3)، وخبر مروان بن الحكم المتقدم.
وعن العماني والإسكافي والشيخ والحلبي وابن حمزة والكركي أن ما حواه العسكر يؤخذ لما رواه الشيخ في المبسوط (روى أصحابنا أن ما يحويه العسكر من الأموال فإنه يغنم) (4) ، وقد حمله الشيخ على عدم رجوعهم إلى طاعة الإمام فإن رجعوا إلى طاعته فهم أحق بأموالهم.
نعم عن الدروس وغيره أن ما حواه العسكر يقسم كما قسّمه أمير المؤمنين عليه السلام أولا ثم ردّه عليهم من باب المنّ ، ويشهد له خبر الدعائم (روينا عن أمير المؤمنين عليه -
ص: 668
البصرة ، فإنه أمر برد أموالهم فأخذت حتى القدر كفاها صاحبها لمّا عرفها ولم يصبر على أربابها.
والأكثر ومنهم المصنف في خمس الدروس على قسمته ، كقسمة الغنيمة عملا بسيرة علي عليه السلام المذكورة ، فإنه قسّمها أولا بين المقاتلين ، ثم أمر بردها ، ولو لا جوازه لما فعله أولا.
وظاهر الحال وفحوى الأخبار أن ردّها على طريق المن ، لا الاستحقاق كما منّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كثير من المشركين ، بل ذهب بعض الأصحاب إلى جواز استرقاقهم لمفهوم قوله : مننت على أهل البصرة كما منّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة (1) ، وقد كان له صلى الله عليه وآله وسلم أن يسبي فكذا الإمام ، وهو شاذ.
(الفصل الخامس - في الأمر بالمعروف (2)
وهو الحمل على الطاعة قولا ، أو فعلا (والنهي عن المنكر) وهو المنع من
______________________________________________________
- السّلام أنه لما هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه في عسكرهم ممّا أجلبوا به عليه فخمّسه وقسّم أربعة أخماسه على أصحابه ومضى ، فلمّا صار إلى البصرة قال أصحابه : يا أمير المؤمنين أقسم بيننا ذراريهم وأموالهم قال : ليس لكم ذلك ، قالوا : وكيف أحللت لنا دمائهم ولم تحلل لنا سبي ذراريهم؟ قال : حاربنا الرجال فقتلناهم ، فأما النساء الذراري فلا سبيل لنا بهن ، لأنهنّ مسلمات وفي دار هجرة فليس لكم عليهنّ من سبيل ، وما أجلبوا به واستعانوا به على حربكم وضمّه عسكرهم وحواه فهو لكم ، وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض الله لذراريهم) (1) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (ما أجلب به أهل البغي من مال وسلاح وكراع ومتاع وحيوان وعبد وأمة وقليل وكثير فهو في ء يخمّس ويقسّم كما تقسم غنائم المشركين) (2) ، وأما الرد عليهم من باب المنّ فهو الظاهر من خبر مروان بن الحكم المتقدّم.
(1) رواه المجلسي في بحاره (3).
(2) عرفه جماعة من الفقهاء بأنه كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه ، إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه ، والمراد بالحسن هو الجائز وهو يشمل الواجب والمندوب والمباح والمكروه ، وعليه فيكون المعروف هو فعل جائز اختص بوصف زائد على جوازه ، وهو -
ص: 669
فعل المعاصي قولا ، أو فعلا.(وهما (1) واجبان عقلا) في أصح القولين ، (ونقلا)
______________________________________________________
- يشمل المكروه فلا بدّ من إخراجه كما عن المسالك لأنه ليس بمعروف ، نعم المباح خارج بقيد زيادة الوصف على جوازه ولا يبقى تحت التعريف إلّا الواجب والمستحب.
وقيد : (إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه) لإدخال الأمر به ، فإن الأمر به متحقّق إما بفعله أو بالدلالة عليه بالقول وبغيره.
وفائدة الأمر بالمعروف حمل الآخرين على فعله ، وأما النهي عن المنكر فهو كل فعل قبيح عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه ، وهو شامل للمحرم والمكروه على إشكال سيأتي.
(1) أما نقلا ، فلقوله تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (1) ، وقوله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (2) ، وقوله تعالى ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَآتَوُا الزَّكٰاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ) (3) ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأما الأخبار فكثيرة منها : خبر أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (4) ، وخبر محمد بن عرفة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر ، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) (5) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله) (6) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له : ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال : نعم وشرّ من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ، قيل له : يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال : نعم وشرّ من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا) (7)، وخبره الآخر عنه عليه السلام (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله عزوجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له ، فقيل : وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر) (8)، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أمر بالمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء -
ص: 670
إجماعا ، أما الأول فلأنهما لطف وهو واجب على مقتضى قواعد العدل ، ولا يلزم
______________________________________________________
- أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك) (1) ، وخبر بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام (أيها الناس : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا ولم يباعدا رزقا) (2)، ومرسل الطوسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء) (3)، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام (أوحى الله إلى شعيب النبي عليه السلام أني معذّب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم ، فقال عليه السلام : يا رب هؤلاء الأشراء ، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزوجل إليه : داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) (4) ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام (يكون في آخر الزمان قوم ، يتبع فيهم قوم مراءون يتقرءون ويتنسّكون حدثاء وسفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصلاة والصيام ، وما لا يكتمهم في نفس ولا مال ، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها ، كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه ، فيهلك الأبرار في دار الفجار ، والصغار في دار الكبار ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين ، فريضة عظيمة ، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم ، وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن اتّعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم ، ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ ) ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم ، وأبغضوهم بقلوبكم ، غير طالبين سلطانا ، ولا باغين مالا ، ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته) (5) ، وأما عقلا فقد ذهب الشيخ والفاضل والشهيدان والمقداد إلى الوجوب العقلي لأن الأمر بالمعروف والنهي -
ص: 671
من ذلك وجوبهما على الله تعالى اللازم منه (1) خلاف (2) الواقع إن قام به ، أو الإخلال بحكمه تعالى إن لم يقم ، لاستلزام القيام به على هذا الوجه الالجاء الممتنع في (3) التكليف ، ويجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه (4) خصوصا مع ظهور المانع (5) فيكون الواجب في حقه تعالى الانذار والتخويف بالمخالفة ، لئلا يبطل التكليف وقد فعل.
وأما الثاني فكثير في الكتاب والسنة كقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (6) ، وقوله عليه السلام : (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطنّ الله شراركم على خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم) (7) ، ومن طرق أهل البيت عليهم السلام فيه ما يقصم الظهور
______________________________________________________
- عن المنكر لطف ، واللطف واجب عقلا ، مع تسليم العدلية بصحة الكبرى ، ومعنى اللطف هو كل ما يقرّب إلى الطاعة ويبعّد عن المعصية من غير أن يصل إلى حد الإلجاء.
وذهب السيد والحلي والحلبي ونصير الدين الطوسي والكركي بل في السراء نسبته إلى جمهور المتكلّمين والمحصلين من الفقهاء أنه غير واجب عقلا نعم وجوبه سمعي وذلك : لو كانا واجبين عقلا من باب اللطف لوجبا على الله تعالى ، لأن كل واجب عقلي يكون واجبا على من جعل فيه وجه الوجوب ، ولو حرجيا على الله للزم عدم ارتفاع المعروف وعدم وقوع المنكر ، أو إخلاله تعالى بالواجب ، فلو فعلهما المولى للزم الأول ولو لم يفعلها للزم الثاني ، واللازم بقسميه ظاهر البطلان.
وردّ بأن الواجب يختلف ، باختلاف الآمرين والناهين ، فهو واجب علينا بالقلب واللسان واليد ، وعلى العاجز منا بالقلب فقط ، وهو واجب على الله تعالى بالإنذار والتخويف عند المخالفة ، وقد وقع ذلك منه تعالى في الكثير من الآيات القرآنية ، ولا دليل على وجوب اللطف عليه تعالى بأزيد من ذلك بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والإنذار والتخويف للعاصي والترغيب والتشويق للمطيع.
(1) أي من وجوبهما على الله تعالى.
(2) وهو ارتفاع المنكر ووقوع المعروف.
(3) وهو على خلاف معنى اللطف.
(4) على الآمرين والناهين.
(5) وهو عدم جواز الإلجاء المبطل للتكليف.
(6) آل عمران آية : 104.
(7) مستدرك الوسائل الباب - - من أبواب الأمر والنهي حديث 17.
ص: 672
فليقف عليه من أراده في الكافي ، وغيره.
ووجوبهما (على (1) الكفاية) في أجود القولين ، للآية (2) السابقة ، ولأن الغرض شرعا وقوع المعروف ، وارتفاع المنكر من غير اعتبار مباشر معين فإذا حصلا ارتفع (3) وهو معنى الكفائي ، والاستدلال على كونه عينيا بالعمومات غير
______________________________________________________
(1) عن الشيخ وابن حمزة وفخر المحققين والشهيد في غاية المراد وغيرهم أن الوجوب عيني لأصالة العينية في الأوامر ، وللعمومات في الآيات والأخبار التي تقدّم بعضها.
وعن السيد والحلبي والقاضي والعلامة والشهيدين أن وجوبه كفائي ، لقوله تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ، ولخبر مسعدة بن صدقة (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا؟ فقال : لا ، فقيل له : ولم قال : إنما هو على القوي والمطاع العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ ، يقول من الحق إلى الباطل ، والدليل على ذلك كتاب الله عزوجل ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (1) فهذا خاص غير عام ، كما قال الله عزوجل ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ولم يقل : على أمة موسى ولا على كل قومه ، وهم يومئذ أمم مختلفة ، والأمة واحد فصاعدا ، كما قال الله عزوجل ( إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ ) يقول : مطيعا الله عزوجل ، وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة) (2) ، ولأن الفرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقق المعروف وارتفاع المنكر وإذا حصلا من البعض فلا بدّ أن يسقط الوجوب ، وليس بمرادين من كل شخص بعينه وعليه فالعمومات السابقة غير منافية لذلك لأن الوجوب الكفائي هو المخاطب به الجميع ويسقط بفعل بعضهم وهذا متحقق هنا فلا بدّ من القول بوجوبهما الكفائي.
نعم على القولين إذا ارتدع العاصي عن معصيته سقط النهي عن المنكر سواء قلنا بكفائيته أو عينيته.
(2) (ولتكن منكم أمة) (3).
(3) أي الوجوب.
ص: 673
كاف للتوفيق ، ولأن الواجب الكفائي يخاطب به جميع المكلفين كالعيني ، وإنما يسقط عن البعض بقيام البعض فجاز خطاب الجميع به ، ولا شبهة على القولين في سقوط الوجوب بعد حصول المطلوب لفقد شرطه الذي منه إصرار العاصي. وإنما تختلف فائدة القولين في وجوب قيام الكل به قبل حصول الغرض وإن قام به من فيه الكفاية وعدمه.(ويستحب الأمر بالمندوب والنهي (1) عن المكروه) ولا يدخلان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأنهما واجبان في الجملة (2) إجماعا ، وهذان غير واجبين فلذا أفردهما عنهما ، وإن أمكن تكلف دخول المندوب في المعروف ، لكونه الفعل الحسن المشتمل على وصف زائد على حسنه من غير اعتبار المنع من النقيض.
أما النهي عن المكروه فلا يدخل في أحدهما ، أما المعروف فظاهر ، وأما المنكر فلأنه (3) الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه ، والمكروه ليس بقبيح.
(وإنما يجبان مع علم) (4) الآمر والناهي (المعروف والمنكر شرعا) لئلا يأمر بمنكر أو ينهى عن معروف ، والمراد بالعلم هنا المعنى الأعم ليشمل الدليل الظني المنصوب عليه شرعا ، (وإصرار الفاعل (5) ، أو التارك) فلو علم منه الإقلاع والندم
______________________________________________________
(1) أما استحباب الأمر بالمندوب للنبوي (الدال على الخير كفاعله) (1) ، وخبر السكوني المتقدّم عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دلّ على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك) (2).
وأما استحباب النهي عن المكروه فكذلك لخبر السكوني المتقدم ، لكن صرح أكثر من واحد أن المنكر مختص بالحرام فالنهي عنه كله واجب ، وكأنه اصطلاح منه في ذلك وإلّا فالمنكر يشمل الحرام والمكروه. كما يشمل المعروف للواجب والمندوب.
(2) سواء قلنا بالعينية أو الكفائية.
(3) أي المنكر وقد عرفت أنه على نحو الاصطلاح بينهم.
(4) بلا خلاف فيه ، لخبر مسعدة بن صدقة المتقدم.
(5) أي إصرار الفاعل للمنكر وإصرار التارك للمعروف ، فلو علم منه الإصرار ولو من -
ص: 674
سقط الوجوب ، بل حرم ، واكتفى المصنف في الدروس وجماعة في السقوط بظهور أمارة الندم ، (والأمن من الضرر) (1) على المباشر ، أو على بعض المؤمنين نفسا ، أو مالا ، أو عرضا فبدونه يحرم أيضا على الأقوى (2) ، (وتجويز (3) التأثير)
______________________________________________________
- الأمارة وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حينئذ ، للأخبار منها : خبر جابر المتقدم (فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم ، وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن اتّعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم ، ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ ) ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم) (1).
ومنه يعلم لو علم الإقلاع عن المعصية ولو من أمارة فيسقط الأمر بالمعروف والنهي لارتفاع موضوعهما ، بل حرم لما فيه من هتك المأمور كما صرّح بذلك غير واحد.
(1) فلو علم توجّه الضرر إليه أو إلى عرضه أو إلى ماله أو إلى غيره من المسلمين سقط الوجوب بلا خلاف فيه ، وكذا لو ظن ذلك لنفي الضرر والضرار والحرج في الدين ، ولخبر الأعمش عن جعفر بن محمد عليهم السلام (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه) (2) ، وخبر مسعدة بن صدقة المتقدّم عن أبي عبد الله عليه السلام (وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة) (3) ، وخبر يحيى الطويل عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ ، أو جاهل فيتعلّم ، فأما صاحب سوط أو سيف فلا) (4) ، وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إذا أمكن ولم يكن خيفة على النفس) (5) ، وخبر مفضل بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (من تعرض لسلطان جائر فأصابته بليّة لم يوجر عليها ، ولم يرزق الصبر عليها) (6).
(2) إذا استلزم الضرر على النفس أو العرض أو المال الذي يلزم من فواته الحرج وإلّا فالأخبار السابقة لا تدل على الحرمة مطلقا بل تدل على عدم الوجوب.
(3) فلو علم أنه لا يؤثر لا يجب بلا خلاف فيه ، لخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله -
ص: 675
بأن لا يكون التأثير ممتنعا ، بل ممكنا بحسب ما يظهر له من حاله.
وهذا يقتضي الوجوب ما لم يعلم عدم التأثير وإن ظن عدمه ، لأن التجويز (1) قائم مع الظن وهو حسن ، إذ لا يترتب على فعله ضرر فإن نجع ، وإلا فقد أدى فرضه ، إذ الفرض انتفاء الضرر ، واكتفى بعض الأصحاب في سقوطه بظن العدم (2) ، وليس بجيد (3) ، وهذا بخلاف الشرط (4) السابق فإنه يكفي في سقوطه (5) ظنه (6) ، لأن الضرر المسوغ للتحرز منه يكفي فيه ظنه (7). ومع ذلك (8) فالمرتفع مع فقد هذا الشرط الوجوب ، دون الجواز ، بخلاف السابق (9).
(ثم يتدرج) المباشر (في الإنكار) فيبتدئ (بإظهار الكراهة) (10) ، والإعراض
______________________________________________________
- عليه السلام (سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ، ما معناه؟ قال : هذا على أن يأمره بعد معرفته ، وهو مع ذلك يقبل منه وإلّا فلا) (1) ، وخبر يحيى الطويل المتقدّم (إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم ، وأما صاحب سوط أو سيف فلا) (2).
وعن الأكثر السقوط إذا غلب الظن بعدم التأثير لحمل الأخبار على هذه الصورة أيضا لتعذّر العلم غالبا بعدم التأثير.
(1) أي احتمال التأثير.
(2) أي ظن عدم التأثير.
(3) تمسك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(4) وهو الأمن من الضرر.
(5) أي سقوط وجوب الأمر بالمعروف.
(6) أي ظن الضرر.
(7) وقد عرفت أن الظن بعدم التأثير كاف إذ حمل الأخبار المتقدمة على صورة العلم بعدم التأثير حمل لها على الفرد النادر.
(8) أي ومع هذا الفارق بين الشرطين.
(9) فمع فقد الشرط السابق يحرم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما تقدم.
(10) مراتب الإنكار ثلاث : القلب ثم اللسان ثم اليد ، ويدل على الأول خبر جابر المتقدم -
ص: 676
.................................................................................................
______________________________________________________
- (فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم) (1) ، وفي تفسير العسكري عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من رأى منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنه لذلك كاره) (2) ، وما روي في النهج عن أمير المؤمنين عليه السلام (إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد ، الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ، ثم بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا قلب ، فجعل أعلاه أسفله) (3) ، وخبر ابن أبي ليلى (سمعت عليا عليه السلام يقول يوم لقينا أهل الشام : أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فانكره بقلبه فقد سلم وبرئ ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين) (4)ومثلها غيرها.
هذا ومعنى الإنكار القلبي اعتقاد الوجوب والحرمة كما عن النهاية ، أو الاعتقاد مع عدم الرضا بالمعصية كما عن القواعد ، أو ذلك مع الابتهال إلى الله في إهداء العاصي كما عن التنقيح ، وفي الكفاية عدم الرضا بالفعل لما ورد في النهج عن أمير المؤمنين عليه السلام (الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه ، وعلى كل داخل في باطل إثمان ، إثم العمل به وإثم الرضا به) (5).
ولكنه عن المنتهى والشرائع وجماعة كثيرة أنه إظهار الكراهة ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة) (6) ، ومرسل الشيخ عن الصادق عليه السلام (أنه قال لقوم من أصحابه : إنه قد حق لي أن آخذ البري ء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحق لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكروه عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يترك) (7) ، وخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (لو أنكم إذا بلغكم عن الرجل شي ء تمشّيتم إليه فقلتم : يا هذا إما أن تعتزلنا وتجتنبنا ، وإما أن تكفّ عن هذا ، -
ص: 677
عن المرتكب متدرجا فيه (1) أيضا ، فإن مراتبه كثيرة ، (ثم القول الليّن) أن لم ينجع الإعراض ، (ثم الغليظ) إن لم يؤثر الليّن متدرجا في الغليظ أيضا ، (ثم الضرب) إن لم يؤثر الكلام الغليظ مطلقا (2) ، ويتدرج في الضرب أيضا على حسب ما تقتضيه المصلحة ويناسب مقام الفعل ، بحيث يكون الغرض تحصيل الغرض.
______________________________________________________
- فإن فعل وإلّا فاجتنبوه) (1) ، ومرسل درست عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلمّا انتهيا إلى المدينة فوجدا فيها رجلا يدعو ويتضرّع - إلى أن قال - فعاد أحدهما إلى الله ، فقال : يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرّع إليك ، فقال : امض لما أمرتك به ، فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط) (2).
فهذه النصوص تدل على أن الإنكار القلبي هو إظهار الكراهة بحيث يبدو على الوجه مع الإعراض عن العاصي ، وأما بقية التفاسير المتقدمة فهي ضعيفة خصوصا الأول ، إذ اعتقاد وجوب المتروك وحرمة النهي المرتكب ليس من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هو من أحكام الإيمان ، وأما عدم الرضا بالمعصية فهو من أحكام الإيمان أيضا ، وأما زيادة الابتهال لهداية العاصي فهو غريب.
هذا وقال الشارح في المسالك (واعلم أن الإنكار القلبي يطلق في كلامهم على معنيين ، أحدهما إيجاد كراهة المنكر في القلب بأن يعتقد وجوب المتروك وتحريم المفعول مع كراهته للواقع ، والثاني الإعراض عن فاعل المنكر وإظهار الكراهة له بسبب ارتكابه.
والمعنى الأول يجب على كل مكلّف لأنه من مقتضى الإيمان وأحكامه سواء كان هناك منكر واقع أم لا ، وسواء جوّز به التأثير أم لا ، إلّا أن هذا المعنى لا يكاد يدخل في معنى الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ، لاقتضائهما طلب الفعل أو الترك ، ولا طلب في هذا المعنى ، فلا يعدّ معتقده آمرا ولا ناهيا ، بخلاف المعنى الثاني ، فإن الإنكار والطلب يتحققان في ضمنه ، ووجوبه مشروط بالشرائط المذكورة ، لأنه يظهر على فاعله حتما ويجري فيه خوف ضرر وعدمه).
(1) في الإعراض بحيث تجب مراعاة الأيسر فالأيسر ، وكذا في اللسان ثم في اليد جمعا بين حرمة إيذاء المؤمن وإضراره وبين عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو يقتضي التدرّج المذكور.
(2) بجميع مراتبه.
ص: 678
(وفي التدرج إلى الجرح والقتل) حيث لا يؤثر الضرب ولا غيره من المراتب (قولان) (1) أحدهما الجواز ، ذهب إليه المرتضى وتبعه العلامة في كثير من كتبه ، لعموم الأوامر ، وإطلاقها. وهو يتم في الجرح دون القتل ، لفوات معنى الأمر والنهي معه (2) ، إذ الغرض ارتكاب المأمور ، وترك المنهي. وشرطه تجويز التأثير وهما منتفيان معه (3) ، واستقرب في الدروس تفويضهما إلى الإمام ، وهو حسن في القتل خاصة.
(ويجب الإنكار بالقلب) وهو أن يوجد فيه إرادة المعروف وكراهة المنكر (على كل حال) سواء اجتمعت الشرائط أم لا ، وسواء أمر أو نهي بغيره من المراتب أم لا ، لأن الإنكار القلبي بهذا المعنى من مقتضى الإيمان ولا تلحقه مفسدة ، ومع ذلك لا يدخل في قسمي الأمر والنهي ، وإنما هو حكم يختص بمن اطلع على ما يخالف الشرع ، بإيجاد الواجب عليه (4) من الاعتقاد في ذلك (5) ، وقد تجوّز كثير
______________________________________________________
(1) قيل لا يجوز ، كما عن الشيخ والديلمي والقاضي وفخر المحققين والشهيد والمقداد والكركي إلّا بإذن الإمام ، بل في المسالك نسبته إلى الأشهر ، للأصل بعد انصراف الأخبار المتقدمة عن هذه الصورة ، ولاشتراط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجويز التأثير المشعر ببقاء المأمور والنهي ، ومع القتل لا يتحقّق بقاؤه ، ولأنه لو لم يشترط إذن المعصوم عليه السلام للزم الهرج والمرج والفساد المعلوم عدمها في الشريعة.
وقيل : نعم ، كما عن السيد والحلي والفاضل في جملة من كتبه ويحيى بن سعيد ، لإطلاق الآيات والأخبار التي تقدم بعضها ، بل في بعضها إشعار بالقتل والجرح مثل خبر جابر المتقدم (هنالك فجاهدوهم بأبدانكم) (1) ، وخبر ابن أبي ليلى المتقدم (ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى) (2).
وذهب الشارح هنا إلى التفصيل بين الجرح فلا يشترط للعمومات ، وبين القتل فيشترط إذن الإمام لما تقدّم.
(2) مع القتل.
(3) مع القتل أيضا.
(4) على المطلع.
(5) أي في القلب.
ص: 679
من الأصحاب في جعلهم هذا القسم من مراتب الأمر والنهي.
(ويجوز للفقهاء حال الغيبة إقامة الحدود مع الأمن من (1) الضرر) على
______________________________________________________
(1) لا يجوز لأي إنسان أن يقيم الحدود لاستلزامه الهرج والمرج والفساد والمعلوم عدمها في الشريعة ، وإنما هي بإذن الإمام المعصوم عليه السلام أو من نصبه لذلك بلا خلاف في ذلك.
ولكن هل يجوز للفقيه إقامة الحدود في زمن الغيبة أو لا ، ذهب المشهور إلى ذلك لمقبولة عمر بن حنظلة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقا ثابتا له - إلى أن قال - فكيف يصنعان؟ قال عليه السلام : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا راد على الله ، وهو على الشرك بالله) (1) ، وخبر أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه) (2) ، وخبره الآخر المروي في التهذيب (بعثني أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابنا فقال : قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شي ء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإني قد جعلته قاضيا ، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر) (3) ، وما ورد في التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (4) بدعوى أنه قد جعله حاكما وليس المراد منه الحكم من دون إنفاذ بل المراد منه إنفاذ الحد الذي يحكم به سيما في مثل حد القذف مع الترافع إليه وثبوته عنده وحكمه بالثبوت على القاذف.
وفيه : أما التوقيع فظاهر في الإفتاء بالنسبة للمسائل المستجدة ، وأما جعله حاكما أو قاضيا فظاهر في فصل التنازع بين المتخاصمين كما هو وظيفة كل قاض ، وأن إقامة الحدود فغير ظاهر من الأخبار ثبوتها خصوصا بعد ملاحظة خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله -
ص: 680
أنفسهم وغيرهم من المؤمنين ، (و) كذا يجوز لهم (الحكم (1) بين الناس) وإثبات الحقوق بالبينة واليمين وغيرهما (مع اتصافهم بصفات (2) المفتي وهي الإيمان والعدالة ومعرفة الأحكام) الشرعية الفرعية (بالدليل) التفصيلي ، (والقدرة على رد الفروع) من الأحكام (إلى الأصول) ، والقواعد الكلية التي هي أدلة الأحكام.
ومعرفة الحكم بالدليل يغني عن هذا ، لاستلزامه له ، وذكره تأكيد ، والمراد بالأحكام العموم بمعنى التهيؤ لمعرفتها بالدليل إن لم نجوّز تجزّي الاجتهاد (3) ، أو الأحكام المتعلقة بما يحتاج إليه من الفتوى والحكم إن جوزناه (4). ومذهب المصنف جوازه وهو قوي.
______________________________________________________
- عليه السلام من يقيم الحدود؟ السلطان أو القاضي؟ فقال : إقامة الحدود إلى من إليه الحكم) (1) وهو ظاهر في أن إقامة الحدود من وظائف السلطان وليس من وظائف القاضي.
ولعلّه لذلك توقف المحقق والعلامة في جملة من كتبه ، بل جزم ابنا زهرة وإدريس بعدم الجواز بعد قصور هذه الأخبار عن مدعى المشهور.
(1) بلا خلاف فيه ويدل عليه مقبولة ابن حنظلة وخبر أبي خديجة المتقدمان وغيرهما.
(2) اعلم أن الحكم غير الفتوى ، فالحكم إنشاء قول في حكم شرعي يتعلّق بواقعة شخصية ، والفتوى حكم شرعي على وجه كلي ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فصفات المفتي التي ذكرها الشارح ثلاثة : الإيمان وهو لا خلاف فيه ، ويدل عليه خبر أبي خديجة الأول (رجل منكم) ، والعدالة بلا خلاف فيها لأن الفاسق لا تقبل شهادته ولا أخباره ، ومعرفة الأحكام لاشتراط معرفة الحلال والحرام ورواية الحديث كما في الأخبار المتقدّمة وهذا ظاهر في اشتراط اجتهاده.
والاجتهاد هو معرفة الأحكام الشرعية الفرعية من أدلّتها التفصيلية كما قرر في علم الأصول ، وأما زيادة القدر على رد الفروع إلى الأصول والقواعد الكلية فهو قيد مستدرك لأنه جزء من معنى الاجتهاد وليس شيئا على حدة.
(3) وقع الخلاف في إمكان التجزي ، وبحثه في محله ولكن الخلاصة أن التجزي لا بدّ منه وإن قلنا أن الاجتهاد ملكة وهي أمر بسيط ، وذلك لأن التجزي هو التبعيض في أفراد الكلي لا التبعيض في أجزاء الكل.
(4) أي التجزي كما هو الحق.
ص: 681
(ويجب) على الناس (الترافع (1) إليهم) في ما يحتاجون إليه من الأحكام فيعصي مؤثر المخالف ، ويفسق ، ويجب عليهم أيضا ذلك (2) مع الأمن (ويأثم الراد عليهم) لأنه كالراد على نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمتهم عليهم الصلاة والسّلام وعلى الله تعالى وهو على حد الكفر بالله على ما ورد في الخبر (3) ، وقد فهم من تجويز (4) ذلك للفقهاء المستدلين (5) عدم (6) جوازه لغيرهم من المقلدين ، وبهذا المفهوم صرح المصنف وغيره قاطعين به من غير نقل خلاف في ذلك سواء قلد حيا أو ميتا. نعم يجوز لمقلّد الفقيه الحي نقل الأحكام إلى غيره ، وذلك لا يعدّ افتاء. أما الحكم فيمتنع مطلقا (7) للإجماع على اشتراط أهلية الفتوى (8) في الحاكم حال حضور الإمام وغيبته.
(ويجوز للزوج إقامة الحد على زوجته (9) دواما ، ومتعة ، مدخولا بها ، وغيره ، حرّين ، أو عبدين ، أو بالتفريق ، (والوالد على ولده) وإن نزل (والسيد)
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه ، للأخبار وقد تقدّم خبر ابن حنظلة وأبي خديجة.
(2) أي الترافع إليهم كما وجب على الفقيه إقامة الحدود مع الأمن.
(3) وهو مقبولة ابن حنظلة وقد تقدمت.
(4) أي تجويز إقامة الحدود.
(5) أي قد عرفوا الأحكام بالاستدلال بأدلّة تفصيلية.
(6) أي عدم جواز إقامة الحد لغير الفقيه ، وهو مما لا خلاف فيه.
(7) سواء استند إلى رأيه ، وهو غير فقيه ، أو استند إلى قول الغير.
(8) كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة ، نعم يكفي التجزي تمسكا بخبر أبي خديجة الأول.
(9) وكذا الوالد على ولده ، والأصل فيه ما قاله الشيخ في النهاية (فأما إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها إلّا لسلطان الزمان المنصوب من قبل الله تعالى أو من نصبه الإمام لإقامتها ، ولا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال ، وقد رخّص في حال قصور أيدي أئمة الحق وتغلب الظالمين أن يقيم الإنسان الحد على ولده وأهله ومماليكه ، إذا لم يخف في ذلك ضررا من الظالمين) (1) ، وبه أفتى القاضي وأول الشهيدين ، وعن المفيد وابني زهرة وإدريس والطبرسي بل نسب إلى المشهور عدم الجواز لعدم ثبوت الرخصة مع أصالة
ص: 682
على عبده (1) بل رقيقه (2) مطلقا ، فيجتمع على الأمة ذات الأب المزوجة ولاية الثلاثة (3) ، سواء في ذلك الجلد والرجم والقطع ، كل ذلك مع العلم بموجبه مشاهدة ، أو إقرارا من أهله لا بالبينة (4) فإنها من وظائف الحاكم.
وقيل يكفي كونها (5) مما يثبت بها ذلك (6) عند الحاكم ، وهذا الحكم في المولى مشهور بين الأصحاب لم يخالف فيه إلا الشاذ ، وأما الآخران فذكرهما الشيخ وتبعه جماعة منهم المصنف. ودليله غير واضح. وأصالة المنع تقتضي العدم. نعم
______________________________________________________
- المنع ، ولأن ما يحكيه الشيخ في النهاية كما يرويه من جهة ومن عدم وصول الخبر إلينا حتى نعرف دلالته من جهة أخرى تردّد المحقق في النافع والشرائع والعلامة في القواعد ، والأقوى المنع لعدم جواز التجزئة على سفك الدماء بخبر لم يثبت.
نعم على القول بالجواز لا فرق في الزوجة بين الدائم والمتمتع بها ، ولا في الزوجين بين الحرّين والعبدين والمتفرقين ، ولا فرق في الحد ما يوجب الجلد أو الرجم أو القتل ، ولا يشترط الدخول لإطلاق لفظ الأهل الوارد في كلام الشيخ المتقدم.
وكذا لا فرق بين الولد وولد الولد لإطلاق لفظ الولد الوارد في رخصة الشيخ على الجميع.
(1) على المشهور ، ولم يخالف إلّا المفيد والديلمي ، والعمدة في الجواز ليس رخصة الشيخ في النهاية بل الأخبار ، منها : النبوي المروي في الدعائم (وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) (1) ، وخبر عنبسة بن مصعب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جارية لي زنت أحدّها؟ قال : نعم) (2) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (إن زنت جارية لي أحدّها؟ قال : نعم ، وليكن ذلك في ستر ، فإني أخاف عليك السلطان) (3).
(2) عبدا أو أمة لإطلاق النبوي ، وهو يشمل ما لو كان السيد ذكرا أو أنثى.
(3) الأبوة والزوجية والمولوية لسيدها.
(4) لأنه من وظائف الحاكم الشرعي كما سيأتي في باب القضاء ، وذهب بعضهم إلى جواز العمل بها كغيرها من الإقرار والمشاهدة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا من باب القضاء.
(5) أي كون البيّنة.
(6) وهو موجب الحد.
ص: 683
لو كان المتولي فقيها فلا شبهة في الجواز ويظهر من المختلف أن موضع النزاع معه (1) لا بدونه.
(ولو اضطره السلطان إلى إقامة حد ، أو قصاص ظلما ، أو) اضطره (لحكم مخال) للمشروع (جاز) لمكان الضرورة (2) ، (إلا القتل فلا تقية فيه (3) ويدخل في الجواز الجرح ، لأن المروي أنه لا تقية في قتل (4) النفوس فهو خارج ، وألحقه (5) الشيخ بالقتل مدعيا أنه لا تقية في الدماء. وفيه نظر (6).
______________________________________________________
(1) أي موضع النزاع في السيد والزوج إذا كان فقهيا ، قال في المسالك : (ويظهر من المختلف أن موضع النزاع ما لو كان الأب والزوج بل المولى فقهيا ، وحينئذ فيتّجه الجواز).
(2) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (التقية في كل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به) (1) ، وصحيح الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام (التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له) (2) ، وخبر عمر بن يحيى بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام (التقية في كل ضرورة) (3) ، وخبر ابن أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا دين لمن لا تقية له) (4) ، وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا إيمان لمن لا تقية له) (5) ، ومثلها غيرها.
(3) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (إنما جعل التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقية) (6) ، وخبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية) (7).
وعن الشيخ الحاق الجرح بالقتل لمقتضى التعليل لأن فيه دما ، وفيه : إن الأخبار المتقدمة منصرفة إلى خصوص القتل.
(4) لم أعثر على رواية تتضمّن قتل النفوس ، بل هي متضمّنة للدم كما سمعت.
(5) أي الجرح.
(6) والتنظير لأن لا تقية في الدماء منصرف إلى خصوص القتل ، وليس التنظّر كما يظهر من الشارح لعدم وجود رواية متضمّنة لوجود الدم ، إذ قد عرفت وجودها ، بل ما ادّعاه من أنه لا تقية في قتل النفوس هو غير موجود فراجع.
ص: 684
الفهرس
کتاب الزكاة
على من تجب عليه الزكاة....................................................... 7
زكاة الأنعام.................................................................. 11
نصب الزكاة................................................................. 15
شروط الأنعام............................................................... 23
زكاة النقدين................................................................. 34
زكاة الغلاة الأربع............................................................. 38
زكاة التجارة................................................................. 43
حكم تأخير دفع الزكاة....................................................... 45
حكم نقل الزكاة............................................................. 45
المستحقون للزكاة............................................................. 51
فيما يشترط في مستحفي الزكاة................................................ 65
زكاة الفطر.................................................................. 76
فيمن تجب عليه زكاة الفطرة................................................... 79
مقدار زكاة الفطرة............................................................ 80
(كتاب الخمس)
فيما يجب فيه الخمس........................................................ 87
الغنيمة..................................................................... 89
ص: 685
المعدن ، الغوص،............................................................ 91
أرباح المكاسب.............................................................. 92
الحلال المختلط بالحرام........................................................ 93
الكنز...................................................................... 95
أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم.............................................. 98
الأنفال................................................................... 119
(كتاب الصوم)
المفطرات.................................................................. 127
شرائط وجوب الصوم وصحته................................................ 148
فيما يعلم به شهر رمضان................................................... 159
قضاء شهر رمضان......................................................... 171
فيمن نسي غسل الجنابة..................................................... 167
كفارة شهر رمضان......................................................... 171
استمرار المرض إلى رمضان آخر.............................................. 173
فيمن تمكن من القضاء ثم مات............................................... 176
صوم المسافر عالماً بوجوب القصر............................................. 180
حكم الشيخين مع العجز عن الصوم......................................... 182
حكم الحامل والمرضعة....................................................... 184
وجوب تتابع الصوم ومستثنياته............................................... 186
فيما يكره للصام فعله....................................................... 190
فيما يستحب صومه من الأيام............................................... 194
في استحباب الإمساك...................................................... 199
صوم الضيف والعبد والزوجة والولد........................................... 200
الصوم المحرم............................................................... 201
حكم من أفطر عمداً....................................................... 207
كيفية معرفة البلوغ......................................................... 209
شرائط صحة الإعتكاف.................................................... 217
ص: 686
أحكام الاعتكاف.......................................................... 221
فيما يفسد الاعتكاف...................................................... 227
(كتاب الحج)
وجوب الحج............................................................... 233
حج الأسباب.............................................................. 259
شروط النيابة في الحج....................................................... 269
أنواع الحج................................................................. 293
المواقيت................................................................... 323
أفعال العمرة المطلقة ، الإحرام................................................ 334
الطواف................................................................... 381
السعي.................................................................... 422
التقصير................................................................... 433
أفعال الحج................................................................ 437
الوقوف بالمشعر.................................................................
مناسك منى............................................................... 462
الذبح..................................................................... 473
الحلق والتقصير............................................................. 502
العود إلى مكة............................................................. 512
العود إلى منى.............................................................. 514
رمي الجمرات.............................................................. 521
النفر إلى مكة.............................................................. 529
آداب مسجد الخيف....................................................... 534
كفارات الإحرام............................................................ 536
الإحصار والصد........................................................... 592
وجوب العمرة.............................................................. 608
ص: 687
(كتاب الجهاد)
أقسام الجهاد.............................................................. 617
شرائط وجوب الجهاد....................................................... 621
فيمن يجب قتاله........................................................... 632
في الجزية.................................................................. 637
آداب الجهاد............................................................... 643
ترک القتال................................................................ 648
الغنمة.................................................................... 657
مختصات الإمام من الغنيمة.................................................. 660
أحكام البغاة............................................................... 664
الأمر بالمعروف............................................................. 669
مراتب الإنكار............................................................. 676
حكم إقامة الحدود في زمن الغيبة............................................. 680
وجوب الترافع إلى الحاكم الشرعي............................................ 682
ص: 688