بطاقة تعريف:ترحيني العاملي، السيّد محمّد حسن
الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة .شرح
عنوان واسم المؤلف:الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهیة المجلد 1/تالیف السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي.
تفاصيل المنشور: قم: دارالفقه للطباعه والنشر، 1427ق.= 1385.
مواصفات المظهر:9 ج.
ISBN:دوره 964-8220-31-X : ؛ 300000 ریال: ج.1، الطبعة الثالثة 964-8220-32-8 : ؛ ج.2 964-8220-33-6 : ؛ ج.3 964-8220-34-4 : ؛ 300000 ریال (ج. 2، الطبعة الثالثة) ؛ 300000 ریال (ج.3، الطبعة الثالثة) ؛ ج.4 964-8220-35-2 : ؛ 300000 ریال (ج.4، الطبعة الثالثة) ؛ ج.5 964-8220-36-0 : ؛ 300000 ریال (ج.5، الطبعة الثالثة) ؛ 30000 ریال (ج.6، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال : ج.6، طبعة رابعة 964-8220-37-9 : ؛ 300000 ریال : ج.7، الطبعة الثالثة 964-8220-38-7 : ؛ 35000 ریال (ج.7، طبعة رابعة) ؛ ج. 8، الطبعة الثالثة 964-8220-39-5 : ؛ 350000 ریال ( ج.8 ، طبعة رابعة ) ؛ 300000 ریال (ج. 9، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال: ج.9، طبعة رابعة 964-8220-40-9 :
حالة الاستماع:برون سپاری(ج.6، الطبعة الثالثة)
لسان:العربية.
ملحوظة:چاپ قبلی: مهدیس، 1383.
ملحوظة:ج. 1، 6(چاپ سوم: 1426ق.=1384).
ملحوظة:ج.6، 7 و 9 (چاپ چهارم 1427ق. = 1385) .
ملحوظة:ج.2 - 9 (چاپ سوم: 1426ق. = 1384).
ملحوظة:چ.8 ( چاپ چهارم : 1427ق. = 1385 )
ملحوظة:الكتاب الحالي شرح لكتاب "روضة الباهية" للشهيد الثاني ، وهو في حد ذاته تعليق على "اللمعان الدمشقية" للشهيد الأول.
ملحوظة:فهرس.
مشكلة:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر
مشكلة:شهید اول، محمد بن مکی، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر
مشكلة:فقه جعفری -- قرن 8ق.
المعرف المضاف:الشهيد الاول، محمد بن مكي، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة. شرح
المعرف المضاف:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة.شرح
ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ل80212 1385
تصنيف ديوي:297/342
رقم الببليوغرافيا الوطنية:1033560
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
- علم الفقه هو أشرف علم بعد علم الكلام ، به يعرف الحلال من الحرام ، وهو علم نشأ في أحضان الحديث حيث كان الفقهاء يكتفون في مقام الفتيا بعرض متن الخبر ، ثم تحرر شيئا فشيئا مع بقاء الحديث من أهم أدلته.
- وقد توزعت جهود العلماء في علم الفقه تارة في إبراز الفقه الشيعي مع ما يتضمن من أدلة وآراء ، وأخرى في كتابة الفقه المقارن المتضمن لعرض آراء الشيعة مع أدلتها ، وعرض رأي المخالف من العامة مع بيان ضعفه.
واستمرت هذه الكتابة بلونيها إلى زمن العلامة ، وانقطعت في عصر الشهيد الأول حيث حاول تركيز الجهود على الفقه الشيعي لإبراز الفتوى بكل ما لها من أدلة إذا كانت وفاقية بينهم ، وإبراز الخلاف الشيعي بأدلة الطرفين مع محاكمة وترجيح ، وإن كان الترجيح غالبا لقول المشهور.
- فالشهيد كتب اللمعة وهي من أواخر ما كتب في الفقه ، وهذا ما يجعل اللمعة تمثّل ذروة نضجه الفقهي ، كتبها مقتصرا فيها على المسائل المشهورة سواء كانت منصوصة أم لا ، وهي أساس الفقه ، فلذا أجاد في هذا الاقتصار لأن الباقي فروع يردّ إليها ويعرف حكمه منها.
- والشهيد الثاني قد شرح اللمعة الدمشقية ، وسماه الروضة البهية ، وهو
ص: 5
آخر ما كتبه وهذا يمثل ذروة نضجه الفقهي أيضا ، وجعله شرحا مزجيا ، وهو أول شرح مزجي يدخل الفقه الشيعي.
وجعل الشرح آية من آيات الفصاحة والبلاغة مع إبقاء الأسلوب العلمي ، فقد جمع بين عذوبة الألفاظ وبلاغة المعاني ، وحصانة الجمل ورقة التعبير ، مع بعد عن التطويل المملّ والإيجاز المخلّ ، وقد ضمنه الكثير من تحقيقاته التي دفعت الفقه إلى طور الكمال ، فكم من مسألة فقهية لم يستطع المتأخرون أن يأتوا بجديد فيها ، وكم من ترجيح جعل الرأي المخالف لا نظير له ولا قائل.
- وبعد هذا وذاك فالشرح ومتنه لهما قدسية خاصة من بين الكتب الفقهية ولعل هذا من زيادة إخلاص مؤلفيها ، لهذه الأسباب المجتمعة أقرّ العلماء إلى يومنا هذا تدريس الروضة في مقام تربية الذهنية الفقهية عند المشتغلين بتحصيل العلوم الشرعية.
- ثم إن الشرح قليل في العبادات ، وغير واف بالكثير من الأدلة في المعاملات ، فرأيت أن أزيده ببيان مدارك الأحكام التي تعرض لها الشهيدان بما فيه نفع وتذكرة ، حتى تتوازن أطرف الشرح المذكور ، ويكون جامعا مغنيا عن غيره.
فأوردت كل الآراء الفقهية أو غالبها ، مع بيان أدلتها ، وهذا - غالبا - ما يشرح ألفاظ الروضة وجملها ، ومع ذلك تدخلت لشرح الكثير من ضمائرها ، وتوضيح الكثير مما يعتقد أنه صعب على الفهم.
وسرت فيه بحذف الإجماع المدركي - كما هو الغالب في المسائل - واقتصرت على الإجماعات التي يحتمل أن تكون تعبدية ، أو هي كذلك.
واكتفيت بالدليل اللفظي عند وجوده ، وإلا فانتقل إلى الأصل العملي ثم إلى الوظيفة العقلية أو الشرعية.
واكتفيت بالخبر والخبرين والثلاثة ، من دون داع لعرض جميع الأخبار الواردة في المسألة - كما هو ديدن جماعة من الفقهاء - لأن الأخبار قد بوّبت وجمعت في الوسائل ومستدركه ، فمن أراد استقصائها فعليه مراجعة هذين الكتابين.
ص: 6
وكان اختيار الخبر والخبرين تبعا لصحة السند أو لكون المتن أكثر دلالة أو فائدة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى بعد ما ثبت عندي أن الحجية لخبر موثوق الصدور كان للعمل بالخبر مجال واسع ، يعرفه كل من جاس خلال الديار ، وقد ثبت أن الترجيح للخبر المعمول به عند مشهور القدماء لوصول القرائن المحتفة بالأخبار ، وسيرة المتشرعة التي كانت تحت مسمع ومرأى المعصوم إليهم فلا محالة يكون معارضه قد صدر تقية كما هو واضح.
ومن جهة ثالثة كل خبر قد ورد في الروضة - وقد أوردناه في شرحنا مع تخريجه - فلا نخرّجه عند ذكره في المتن ، إلا الآيات فقد خرّجناها غالبا وإن ذكرت في شرحنا مع تخريجها.
هذا وقد سميته (الزبدة الفقهية في شرح الروضة البهية) ، وادعوا الله جلّ وعلا أن يعينني على إكماله ، ويجعله خالصا لوجهه بحق محمد وآله الطيبين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
السيد محمد حسن ترحيني
ص: 7
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الّذي شرح صدورنا بلمعة (1) من شرائع الإسلام (2) ، كافية (3) في بيان الخطاب (4) ، ونوّر قلوبنا من لوامع (5) دروس الأحكام (6) بما فيه تذكرة (7) وذكرى (8) لأولي الألباب ، وكرّمنا بقبول منتهى (9) نهاية (10) الإرشاد (11) ، وغاية المراد (12) ،
______________________________________________________
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
(1) كتاب فقهي للشهيد الأول.
(2) كتاب فقهي للمحقق الحلي.
(3) كتاب فقهي لأبي الصلاح الحلبي.
(4) كتاب فقهي لأبي الصلاح الحلبي.
(5) كتاب فقهي لأبي الصلاح الحلبي.
(6) الدروس كتاب فقهي للشهيد الأول.
(7) كتاب فقهي للعلّامة الحلي.
(8) كتاب فقهي للشهيد الأول.
(9) كتاب فقهي للعلّامة الحلي.
(10) كتاب فقهي للشيخ الطوسي.
(11) كتاب فقهي للعلّامة الحلي.
(12) كتاب فقهي للشهيد الأول.
ص: 8
في المعاش والمآب والصلاة على من أرسل لتحرير (1) قواعد (2) الدين وتهذيب (3) مدارك (4) الصواب ، محمد الكامل (5) في مقام الفخار ، الجامع (6) من سرائر (7) الاستبصار (8) للعجب العجاب (9) ، وعلى آله الأئمة النجباء ، وأصحابه الأجلة الأتقياء خير آل وأصحاب ، ونسألك اللهم أن تنوّر قلوبنا بأنوار هدايتك ، وتلحظ وجودنا بعين عنايتك ، إنك أنت الوهاب.
وبعد : فهذه تعليقة لطيفة ، وفوائد خفيفة أضفتها إلى المختصر الشريف ، والمؤلّف المنيف ، المشتمل على أمهات المطالب الشرعية ، الموسوم ب «اللمعة الدمشقية» من مصنفات شيخنا وإمامنا المحقق البدل النحرير المدقق الجامع بين منقبة العلم والسعادة ، ومرتبة العمل والشهادة الإمام السعيد أبي عبد الله الشهيد محمّد بن مكي أعلى الله درجته كما شرّف خاتمته. جعلتها جارية له مجرى الشرح الفاتح لمغلقه ، والمقيّد لمطلقه ، والمتمّم لفوائده ، والمهذّب لقواعده ، ينتفع به المبتدي ، ويستمدّ منه المتوسّط والمنتهي ، تقربت بوضعه إلى ربّ الأرباب ، وأجبت به ملتمس بعض فضلاء الأصحاب أيّدهم الله تعالى بمعونته ، ووفقهم لطاعته ، اقتصرت فيه على بحت الفوائد (10) ، وجعلتهما ككتاب واحد ، وسميته :
______________________________________________________
(1) كتاب فقهي للعلّامة الحلي.
(2) كتاب فقهي للعلّامة الحلي.
(3) كتاب حديثي للشيخ الطوسي وهو شرح المقنعة للشيخ المفيد.
(4) كتاب فقهي للعلامة الحلي (الذريعة : 20 / 239).
(5) كتاب فقهي للقاضي ابن البراج.
(6) كتاب فقهي ليحيى بن سعيد الحلي.
(7) كتاب فقهي لابن إدريس الحلي.
(8) كتاب حديثي للشيخ الطوسي يتضمن بعض آراء الشيخ الفقهية.
(9) علّق الشارح بقوله : (هو ما جاوز حد العجيب ، وفي الصحاح : العجب : الأمر الذي يتعجب منه ، فكذا العجاب بالضم ، والعجاب بالتشديد أكثر منه ، وكذلك الأعجوبة ، وقولهم عجب عاجب كقولهم ليل لائل ، يؤكد به).
وعلّق أيضا بقوله : (اشتملت الفقرات الخمس كل واحدة على اسم أربعة كتب من كتب الفقه).
(10) البحت بالتاء المثناة الفوقانية بمعنى الخالص.
ص: 9
«الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية»
سائلا من الله جلّ اسمه أن يكتبه في صحائف الحسنات ، وأن يجعله وسيلة إلى رفع الدرجات ، ويقرنه برضاه ، ويجعله خالصا من شوب سواه ، فهو حسبي ونعم الوكيل.
قال المصنف قدس الله لطيفه وأجزل تشريفه :
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الباء للملابسة ، والظرف مستقر (1) حال من ضمير ابتدئ الكتاب كما في «دخلت عليه بثياب السّفر» ، أو للاستعانة والظرف لغو كما في «كتبت بالقلم» ، والأول (2) أدخل في التعظيم ، والثاني (3) لتمام الانقطاع ، لإشعاره بأن الفعل لا يتم بدون اسمه تعالى. وإضافته (4) إلى الله تعالى دون باقي أسمائه لأنها معان وصفات ، وفي التبرك بالاسم أو الاستعانة به كمال التعظيم للمسمّى ، فلا يدل (5) على اتحادهما ، بل دلّت الإضافة على تغايرهما.
و «الرّحمن» و «الرّحيم» اسمان بنيا للمبالغة من رحم ، كالغضبان من «غضب» والعليم من «علم» ، والأول (6) أبلغ ، لأن زيادة اللفظ تدل على زيادة
______________________________________________________
(1) علّق الشارح (الظرف المستقر - بفتح القاف - ما كان متعلقه عاما ، واجب الحذف ، كالواقع خبرا أو صفة أو صلة أو حالا ، سمي بذلك لاستقرار الضمير فيه ، والأصل مستقر فيه ، حذف - فيه - تخفيفا أو لتعلقه بالاستقرار العام.
واللغو ما كان متعلقه خاصا ، سواء ذكر أم حذف ، سمي بذلك لكونه فارغا من الضمير فهو لغو ، كذا ذكره جماعة من النحاة ، وبذلك يظهر الفرق بين جعل الباء للملابسة والاستعانة ، لأن متعلق الأول عام واجب الحذف ، والثاني خاص غير معيّن للحالية كما في مقال الكتاب).
(2) للملابسة.
(3) للاستعانة.
(4) أي إضافة الاسم.
(5) التبرك أو الاستعانة.
(6) أي الرحمن.
ص: 10
المعنى ، ومختص به تعالى ، لا لأنه من الصفات الغالبة ، لأنه (1) يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع وليس كذلك ، بل لأن معناه (2) المنعم الحقيقي ، البالغ في الرحمة غايتها. وتعقيبه (3) بالرحيم من قبيل التتميم ، فإنه لما دلّ (4) على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها (5).
(الله أحمد) جمع بين التسمية والتحميد في الابتداء جريا على قضية الأمر في كل أمر ذي بال (6) ، فإن الابتداء يعتبر في العرف ممتدا من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في المقصود ، فيقارنه (7) التسمية والتحميد ونحوهما (8) ، ولهذا يقدّر الفعل المحذوف في أوائل التصانيف «أبتدئ» سواء اعتبر الظرف مستقرا أم لغوا ، لأن فيه (9) امتثالا للحديث لفظا ومعنى ، وفي تقدير غيره (10) معنى فقط (11).
______________________________________________________
(1) لأن الشأن والواقع.
(2) معنى الرحمن لغة.
(3) أي تعقيب الرحمن بالرحيم في البسملة.
(4) من اسم الرحمن.
(5) من النعم وهو صغيرها.
(6) أورد العسكري في تفسيره عن آبائه عن علي عليه السلام حديث (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثني عن الله (عزوجل) أنه قال : كل أمر ذي بال لا يذكر بسم الله فيه فهو أبتر) (1). وفي الجعفريات قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (كل كتاب لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع) (2). هذا بالنسبة للتسمية وأما الابتداء بالتحميد فلم يرد من طرق أصحابنا نعم ورد في الدر المنثور للسيوطي (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع) (3).
(7) أي فيقارن الابتداء.
(8) كتمجيد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه وآله.
(9) أي في الابتداء كفعل محذوف مقدّر.
(10) غير الابتداء.
(11) أي امتثالا للحديث معنى.
ص: 11
وقدّم التسمية (1) اقتفاء لما نطق به الكتاب ، واتفق عليه أولو الألباب ، وابتدأ في اللفظ (2) باسم الله ، لمناسبة مرتبته (3) في الوجود العيني ، لأنه الأول فيه ، فناسب كون اللفظي ونحوه كذلك (4) ، وقدّم ما هو الأهم وإن كان حقه التأخّر باعتبار المعمولية ، للتنبيه على إفادة الحصر على طريقة ( إِيّٰاكَ نَعْبُدُ ) ، ونسب الحمد إليه تعالى باعتبار لفظ «الله» لأنه اسم للذات المقدسة ، بخلاف باقي أسمائه تعالى لأنها صفات كما مر ، ولهذا يحمل عليه (5) ، ولا يحمل على شي ء منها (6). ونسبة الحمد إلى الذات باعتبار وصف ، تشعر بعلّيته (7) ، وجعل جملة الحمد فعلية لتجدّده (8) حالا فحالا بحسب تجدّد المحمود عليه ، وهي خبرية لفظا ، إنشائية معنى للثناء (9) على الله تعالى بصفات كماله ، ونعوت جلاله ، وما ذكر (10) فرد من أفراده (11).
ولما كان المحمود مختارا مستحقا للحمد على الإطلاق اختار الحمد على المدح والشكر(استتماما لنعته) نصب على المفعول له ، تنبيها على كونه (12) من غايات الحمد. والمراد (13) به هنا الشكر ، لأنه رأسه (14) وأظهر أفراده ، وهو
______________________________________________________
(1) أي بسم الله الرحمن الرحيم.
(2) أي في لفظ الكتاب حيث قال : الله أحمد.
(3) أي مرتبة الله جلّ جلاله.
(4) وهو الكتبي.
(5) فيقال : الله رحمان ورحيم.
(6) من الأسماء الباقية.
(7) أي تشعر النسبة بعليّة الوصف للحمد ، فيكون الحمد لأن الله جامع لجميع الصفات الكمالية.
(8) أي لتجدد الحمد.
(9) تعليل لإنشائية المعنى.
(10) من الحمد.
(11) من أفراد الثناء.
(12) أي كون الاستتمام.
(13) بالحمد.
(14) لأن الحمد رأس الشكر.
ص: 12
ناظر (1) إلى قوله تعالى : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) (2) لأن الاستتمام طلب التمام ، وهو (3) مستلزم للزيادة ، وذلك باعث على رجاء المزيد ، وهذه اللفظة مأخوذة من كلام علي عليه السلام في بعض خطبه (4).
و «النعمة» هي المنفعة الواصلة إلى الغير على جهة الإحسان إليه ، وهي موجبة للشكر المستلزم للمزيد ، ووحّدها (5) للتنبيه على أن نعم الله تعالى أعظم من أن تستتمّ على عبد ، فإن فيضه غير متناه كما ولا كيفا ، وفيها (6) يتصور طلب تمام النعمة التي تصل إلى القوابل بحسب استعدادهم.
(والحمد فضله) أشار إلى العجز عن القيام بحق النعمة ، لأن الحمد إذا كان من جملة فضله فيستحقّ عليه حمدا وشكرا فلا ينقضي ما يستحقه من المحامد ، لعدم تناهي نعمه. واللام في «الحمد» يجوز كونه للعهد الذكري وهو المحمود به أولا (7) ، وللذهني الصادر عنه ، أو عن جميع الحامدين ، وللاستغراق لانتهائه (8) مطلقا إليه بواسطة أو بدونها (9) فتكون كل قطرة من قطرات بحار
______________________________________________________
(1) أي قول المصنف : الله أحمد.
(2) إبراهيم الآية : 7.
(3) أي الشكر.
(4) حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام : (أحمده استتماما لنعمته ، واستسلاما لعزته ، واستعصاما من معصيته) (1).
(5) أي المصنف حيث قال : لنعمته ، ولم يقل : لنعمه.
(6) قال الشارح : «أي في توحيد النعمة وهي جعلها واحدة».
(7) في قوله : الله أحمد.
(8) أي انتهاء الحمد.
(9) علّق الشارح بقوله : «اعلم أن العهد الخارجي على ثلاثة أقسام ، الأول : الذكري وهو الذي يتقدم لمصحوبها ذكر ، نحو قوله تعالى : ( كَمٰا أَرْسَلْنٰا إِلىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ) ، الثاني : العلمي وهو أن يتقدم بمضمونها علم ، نحو بالوادي المقدس طوى ، وتحت الشجرة ، لأن ذلك معلوم عندهم ، الثالث : الحضوري وهو أن يكون مصحوبها حاضرا ، نحو اليوم أكملت لكم دينكم ، والمراد من العهد الذهني هنا الثاني».
ص: 13
فضله ، ولمحة من لمحات جوده ، والجنس وهو راجع إلى السابق باعتبار (1).
(وإيّاه أشكر) على سبيل ما تقدّم من التركيب المفيد لانحصار الشكر فيه ، لرجوع النّعم كلّها إليه ، وإن قيل للعبد فعل اختياري ، لأن آلاته وأسبابه التي يقتدر بها على الفعل لا بد أن ينتهي إليه ، فهو الحقيق بجميع أفراد الشكر ، وأردف الحمد بالشكر مع أنه لامح له أولا (2) للتنبيه عليه (3) بالخصوصية ، ولمح تمام الآية(استسلاما) أي انقيادا (لعزّته) وهي غاية أخرى للشكر كما مر ، فإن العبد يستعد بكمال الشكر لمعرفة المشكور ، وهي مستلزمة للانقياد لعزته ، والخضوع لعظمته ، وهو (4) ناظر إلى قوله تعالى : ( وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ ) (5) ، ولما تشتمل عليه الآية من التخويف ، المانع من مقابلة نعمة الله بالكفران ، فقد جمع صدرها وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء ، وقدّم الرجاء لأنه سوط النفس الناطقة المحرّك لها نحو الطماح ، والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.
(والشكر طوله) أي من جملة فضله الواسع ، ومنّه السابغ ، فإن كل ما نتعاطاه من أفعالنا مستند إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وسائر أسباب حركاتنا ، وهي بأسرها مستندة إلى جوده ، ومستفادة من نعمه ، وكذلك ما يصدر عنا من الشكر ، وسائر
______________________________________________________
(1) علّق الشارح بقوله : «ووجه رجوعه إليه باعتبار أن جنس الحمد إذا كان محكوما عليه بكونه فضله اقتضى كون جميع أفراده كذلك ، لأن الجنس - وإن تم في ضمن فرد واحد - إلا أن فردا من أفراد الحمد هنا لو وجد مع غيره وجد الجنس معه أيضا ، فلا يكون مختصا به.
وقد تقدم في كلامه ما يدل على اختصاصه به وانحصاره فيه فيكون الجنس مفيدا هاهنا فائدة الاستغراق بمعونة الكلام السابق المقتضي للاختصاص ، وإن احتاج إلى دليل خارج وهو أن حصر حمده في الله يقتضي حصر حمد غيره لاشتراكهما في المعنى الموجب للحصر».
(2) أي مع أن المصنف ألمح إليه أولا بقوله : الله أحمد.
(3) على الشكر.
(4) أي المصنف.
(5) إبراهيم الآية : 7.
ص: 14
العبادات نعمة منه ، فكيف تقابل نعمته بنعمة ، وقد روي أن هذا الخاطر (1) خطر لداود عليه السلام ، وكذا لموسى عليه السلام فقال : «يا رب كيف أشكرك وأنا لا أستطيع
______________________________________________________
(1) قال الغزالي في الإحياء قريب هذه العبارة (1) ، ونقلها الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء (2) ، وهذا دليل على أن هذه الأخبار قد وردت من طرق العامة.
نعم ورد في جامع السعادات قوله : «ويشهد بذلك ما روي أن الله (عزوجل) أوحى إلى موسى عليه السلام : يا موسى ، اشكرني حق شكري ، فقال : يا رب ، كيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به علي؟ قال : يا موسى ، الآن شكرتني حيث علمت أن ذلك مني ، وكذلك أوحى ذلك إلى داود فقال : يا رب كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك ، وفي لفظ آخر : وشكري لك نعمة أخرى منك ، ويوجب عليّ الشكر لك ، فقال : إذا عرفت هذا فقد شكرتني ، وفي خبر آخر : إذا عرفت أن النعم مني رضيت عنك بذلك شكرا» (3).
وقد ورد في أصول الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام : (أوحى الله (عزوجل) إلى موسى عليه السلام : يا موسى اشكرني حق شكري ، فقال : يا رب فكيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به عليّ ، قال : يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني) (4).
وفي مشكاة الأنوار عن الباقر عليه السلام : (قال الله (عزوجل) لموسى بن عمران : يا موسى اشكرني حق شكري ، قال : يا رب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك ، والشكر عليها نعمة منك؟ فقال الله تبارك وتعالى : إذا عرفت أن ذلك منّي فقد شكرتني حق شكري) (5).
وفي إرشاد القلوب للديلمي : (وأوحى الله إلى داود عليه السلام : أشكرني حق شكري ، قال : إلهي كيف أشكرك حق شكرك وشكري إياك نعمة منك ، فقال الآن شكرتني حق شكري) (6) وفيه أيضا (وقال داود عليه السلام : يا رب وكيف كان آدم يشكرك حق شكرك
ص: 15
أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك؟» وفي رواية أخرى : «وشكري لك نعمة أخرى توجب عليّ الشكر لك» ، فأوحى الله تعالى إليه «إذا عرفت هذا فقد شكرتني» وفي خبر آخر : «إذا عرفت أن النعم مني فقد رضيت بذلك منك شكرا».
(حمدا وشكرا كثيرا كما هو أهله) ، يمكن كون الكاف في هذا التركيب زائدة مثلها في ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ ) (1) ، لأن الغرض حمده بما هو أهله ، لا بحمد يشابه الحمد الذي هو أهله ، و «ما» موصولة ، و «هو أهله» صلتها وعائدها ، والتقدير : الحمد والشكر الذي هو أهله. مع منافرة تنكيرهما لجعل الموصول صفة لهما ، أو نكرة موصوفة بدلا من «حمدا وشكرا» لئلا يلزم التكرار وقد تجعل «ما» أيضا زائدة ، والتقدير : حمدا وشكرا هو أهله.
ويمكن كون الكاف حرف تشبيه ، اعتبارا بأن الحمد الذي هو أهله لا يقدر عليه هذا الحامد ولا غيره ، بل لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (2) ، وفي التشبيه حينئذ سؤال أن يلحقه الله تعالى بذلك الفرد الكامل من الحمد ، تفضلا منه تعالى ، مثله في قولهم : «حمدا وشكرا مل ء السّماوات والأرض ، وحمدا يفوق حمد الحامدين» ، ونحو ذلك.
واختار الحمد بهذه الكلمة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «من قال : الحمد لله كما هو أهله شغل كتّاب السماء فيقولون : اللهم إنا لا نعلم الغيب ، فيقول تعالى : اكتبوها كما قالها عبدي وعليّ ثوابها» (3).
(وأسأله تسهيل ما) أي الشي ء ، وهو العلم الذي (يلزم حمله وتعليم ما لا)
______________________________________________________
وقد جعلته أبا أنبيائك وصفوتك وأسجدت له ملائكتك؟ فقال : إنه عرف أن ذلك من عندي فكان اعترافه بذلك حق شكري) (4).
(1) الشورى الآية : 11.
(2) مستدرك الوسائل الباب - 43 - من أبواب الذكر حديث 2.
(3) خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام ، الوسائل الباب - 20 - من أبواب الذكر حديث1.
====
1. نقلا عن بحار الأنوار ج 14 ص 40.
ص: 16
(يسع) أي لا يجوز(جهله) وهو العلم الشرعي الواجب.
(وأستعينه على القيام بما يبقى أجره) على الدوام ، لأن ثوابه في الجنة ( أُكُلُهٰا دٰائِمٌ وَظِلُّهٰا ) (1) ، (ويحسن في الملأ الأعلى ذكره). أصل الملأ : الأشراف والرؤساء الذين يرجع إلى قولهم ، ومنه قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ ) (2) ، قيل لهم ذلك لأنهم ملاء بالرأي والغنى ، أو أنهم يملئون العين والقلب ، والمراد بالملإ الأعلى الملائكة ، (وترجى مثوبته وذخره) ، وفي كلّ ذلك إشارة إلى الترغيب فيما هو بصدده من تصنيف العلم الشرعي وتحقيقه ، وبذل الجهد في تعليمه.
(وأشهد أن لا إله إلّا الله) تصريح بما قد دلّ عليه الحمد السابق ، بالالتزام من التوحيد ، وخصّ هذه الكلمة ، لأنها أعلى كلمة (3) ، وأشرف لفظة نطق بها في التوحيد ، منطبقة على جميع مراتبه ، و «لا» فيها هي النافية للجنس ، و «إله» اسمها ، قيل والخبر محذوف تقديره «موجود» ، ويضعّف بأنه لا ينفي إمكان إله معبود بالحق غيره تعالى ، لأن الإمكان أعمّ من الوجود وقيل : «ممكن» ، وفيه أنه لا يقتضي وجوده بالفعل وقيل : «مستحق للعبادة» وفيه أنه لا يدل على نفي التعدد مطلقا.
وذهب المحققون إلى عدم الاحتياج إلى الخبر وأنّ «إلّا الله» مبتدأ وخبره «لا إله» ، إذ كان الأصل «الله إله» ، فلما أريد الحصر زيد «لا وإلّا» ومعناه «الله إله ، ومعبود بالحق لا غيره» ، أو أنها نقلت شرعا إلى نفي الإمكان والوجود عن إله سوى الله ، مع الدلالة على وجوده تعالى وإن لم تدل عليه لغة(وحده لا شريك له) تأكيد لما قد استفيد من التوحيد الخالص ، حسن ذكره في هذا المقام لمزيد الاهتمام.
(وأشهد أنّ محمدا نبيّ أرسله) ، قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد ،
______________________________________________________
(1) الرعد الآية : 35.
(2) البقرة الآية : 246.
(3) قال الشارح «لأن المعترف بوحدانيته إذا اعترف بهذه الكلمة عند الموت وجبت له الجنة لحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله فله الجنة».
ص: 17
لأنها بمنزلة الباب لها ، وقد شرّف الله نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم بكونه لا يذكر إلا ويذكر معه ، وذكر الشهادتين في الخطبة لما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : من أن «كلّ خطبة ليس فيها تشهّد فهي كاليد الجذماء» (1).
و «محمد» علم منقول من اسم مفعول المضعّف ، وسمي به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلهاما من الله تعالى ، وتفاؤلا بأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة. وقد قيل لجده عبد المطلب - وقد سمّاه في يوم سابع ولادته لموت أبيه (2) قبلها. : لم سمّيت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك فقال : «رجوت أن يحمد في السماء والأرض» (3) وقد حقّق الله رجاءه.
و «النبي ء» بالهمز من النبأ وهو الخبر ، لأن النبي مخبر عن الله تعالى ، وبلا همز وهو الأكثر إمّا تخفيفا من المهموز بقلب همزته ياء ، أو أن أصله من النّبوة بفتح النون وسكون الباء أي الرفعة ، لأن النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق ، ونبّه بقوله : «أرسله» على جمعه بين النبوة والرسالة والأول أعم مطلقا ، لأنه إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر بذلك فرسول أيضا ، أو أمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله كيوشع عليه السلام ، فإن كان له ذلك فرسول أيضا.
وقيل هما بمعنى واحد ، وهو معنى الرسول على الأول (على العالمين) جمع «العالم» ، وهو اسم لما يعلم به كالخاتم ، والقالب غلّب فيما يعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثّر واجب لذاته تدلّ على وجوده ، وجمعه ليشمل ما تحته من الأجناس
______________________________________________________
(1) صرح سيد المدارك وصاحب مفتاح الكرامة في شرائط صلاة الجمعة بالنسبة لأجزاء الخطبة «لم أقف على مصرّح بوجوب الشهادة بالتوحيد» ، وهذا كاشف عن أن الخبر من مرويات العامة.
(2) تعليل لتسمية جده له صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) ففي السيرة النبوية من تاريخ ابن عساكر «أنه لما كان اليوم السابع من ولادته ذبح عنه ودعا قريشا ، فما أكلوا قالوا : يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته؟ قال : سميته محمدا ، قالوا : فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض».
ص: 18
المختلفة ، وغلّب العقلاء منهم ، فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم.
وقيل : اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين ، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع. وقيل : المراد به الناس هاهنا ، فإن كلّ واحد منهم «عالم أصغر» ، من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في «العالم الأكبر» ، من الجواهر والأعراض التي يعلم بها الصانع ، كما يعلم بما أبدعه في العالم الأكبر(اصطفاه) أي اختاره (وفضّله) عليهم أجمعين.
(صلّى الله عليه) من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى : ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (1) ، وأصلها الدعاء ، لكنها منه تعالى مجاز في الرحمة (2). وغاية السؤال بها عائد إلى المصلي ، لأن الله تعالى قد أعطى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثّر فيه صلاة مصلّ ، كما نطقت به الأخبار ، وصرح به العلماء الأخيار (3). وكان ينبغي اتباعها بالسلام عملا بظاهر الأمر (4) ، وإنما تركه للتنبيه على عدم تحتمإرادته من الآية ، لجواز كون المراد به الانقياد ، بخلاف الصلاة.
(وعلى آله) وهم عندنا «عليّ وفاطمة والحسنان» ، ويطلق تغليبا على باقي
______________________________________________________
(1) الأحزاب الآية : 56.
(2) قال الشارح «وإنما عدل عن التعريف المشهور بأنها من الله الرحمة ، ومن غيره طلبها ، ومن الملائكة استغفار ومن المؤمنين الدعاء ، لاستلزامه الاشتراك ، والمجاز خير منه كما حقق في الأصول.
ويرد عليهما معا قوله تعالى : ( أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) ، فإن عطفها على الصلاة يشعر بمغايرتهما ، حتى جعل بعضهم بمعنى الرضوان لذلك.
والأمر على ما ذكرناه أسهل ، لأن التصريح بالحقيقة بعد إرادة المجاز يفيد تقوية المقصود ، مع أن العطف لا يدل على المغايرة مطلقا ، فإن من أقسامه عطف الشي ء على مرادفه ، وقد ذكر بعضهم منه الآية ، وقوله تعالى : ( إِنَّمٰا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّٰهِ ) ، وقوله تعالى : ( لٰا تَرىٰ فِيهٰا عِوَجاً وَلٰا أَمْتاً ) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (ليلبّني منكم ذوو الأحلام والنهى).
(3)
(4) في الآية المتقدمة.
ص: 19
الأئمة ، ونبّه على اختصاصهم عليه السلام بهذا الاسم بقوله : (الذين حفظوا ما حمله) - بالتخفيف - من أحكام الدين ، (وعقلوا عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما عن جبريل عقله) ، ولا يتوهم مساواتهم له بذلك في الفضيلة ، لاختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بمزايا أخر تصير بها نسبتهم إليه كنسبة غيرهم عليه السلام من الرعية إليهم ، لأنهم عليه السلام في وقته صلى الله عليه وآله وسلم من جملة رعيته.
ثم نبّه على ما أوجب فضيلتهم ، وتخصيصهم بالذكر بعده صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : (حتى قرن) الظاهر عود الضمير المستكن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه قرن(بينهم وبين محكم الكتاب) في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (1) الحديث.
ويمكن عوده إلى الله تعالى ، لأن إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك مستند إلى الوحي الإلهي ، لأنه ( مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ ) (2) ، وهو الظاهر من قوله : (وجعلهم قدوة لأولي الألباب) فإن الجاعل ذلك هو الله تعالى ، مع جواز أن يراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا ، و «الألباب» العقول ، وخصّ ذويهم لأنهم المنتفعون بالعبر ، المقتفون لسديد الأثر(صلاة دائمة بدوام الأحقاب) جمع «حقب» بضم الحاء والقاف ، وهو الدهر ، ومنه قوله تعالى : ( أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ) (3) أي دائمة بدوام الدهور. وأما «الحقب» بضم الحاء وسكون القاف - وهو ثمانون سنة - فجمعه «حقاب» بالكسر ، مثل قفّ وقفاف نص عليه الجوهري.
(أما بعد) الحمد والصلاة ، و «أما» كلمة فيها معنى الشرط ، ولهذا كانت الفاء لازمة في جوابها ، والتقدير «مهما يكن من شي ء بعد الحمد والصلاة فهو كذا» فوقعت كلمة «أما» موقع اسم هو المبتدأ ، وفعل هو الشرط ، وتضمنت معناهما (4) فلزمها لصوق الاسم اللازم للمبتدإ للأول إبقاء له بحسب الإمكان ،
______________________________________________________
(1) حديث الثقلين متواتر بين الفريقين راجع هامش إحقاق الحق ج 9 ص 310 ، فقد ذكر الكثير من روايات العامة.
(2) آل عمران الآية : 53.
(3) الكهف الآية : 61.
(4) معنى الابتداء والشرطية.
ص: 20
ولزمها الفاء للثاني. و «بعد» ظرف زمان ، وكثيرا ما يحذف منه المضاف إليه وينوى معناه ، فيبنى على الضم.
(فهذه) إشارة إلى العبارات الذهنية التي يريد كتابتها ، إن كان وضع الخطبة قبل التصنيف ، أو كتبها إن كان بعده ، نزّلها منزلة الشخص المشاهد المحسوس ، فأشار إليه ب «هذه» الموضوع للمشار إليه المحسوس(اللّمعة) بضم اللام ، وهي لغة : البقعة من الأرض ذات الكلأ إذا يبست وصار لها بياض ، وأصله (1) من «اللمعان» وهو الإضاءة والبريق ، لأن البقعة من الأرض ذات الكلأ المذكور كأنها تضي ء دون سائر البقاع. وعدّي ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه ، لاستنارة الأذهان به ، ولتميّزه عن سائر الكلام ، فكأنه في نفسه ذو ضياء ونور(الدّمشقيّة) بكسر الدال وفتح الميم ، نسبها إلى «دمشق» المدينة المعروفة ، لأنه صنفها بها في بعض أوقات إقامته بها(في فقه الإمامية) الاثني عشرية أيدهم الله تعالى ، (إجابة) منصوب على المفعول لأجله ، والعامل محذوف ، أي صنفتها إجابة(لالتماس) وهو طلب المساوي من مثله ولو بالادعاء ، كما في أبواب الخطابة(بعض الدّيانين) أي المطيعين لله في أمره ونهيه.
وهذا البعض هو شمس الدين محمد الآوي من أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك خراسان وما ولاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده «تيمور لنك» فصار معه قسرا إلى أن توفي في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة بعد أن استشهد المصنف قدس سره بتسع سنين.
وكان بينه وبين المصنف قدس سره مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ، ثم إلى الشام. وطلب منه أخيرا التوجه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطف والتعظيم والحث للمصنف رحمه الله على ذلك ، فأبى واعتذر إليه ، وصنّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمد ، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكن أحد من نسخها منه لضنته بها ، وإنما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول
______________________________________________________
(1) أصل الاشتقاق.
ص: 21
تعظيما لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثم أصلحه المصنف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايرا للأصل بحسب اللفظ ، وذلك في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة.
ونقل عن المصنف رحمه الله أن مجلسه بدمشق ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور لخلطته بهم وصحبته لهم ، قال : «فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليّ أحد منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفي الألطاف» ، وهو من جملة كراماته قدس الله روحه ونور ضريحه.
(وحسبنا الله) أي محسبنا وكافينا.
(ونعم المعين) عطف إما على جملة «حسبنا الله» ، بتقدير المعطوفة خبرية ، بتقدير المبتدأ مع ما يوجبه ، أي «مقول في حقه ذلك» ، أو بتقدير المعطوف عليها إنشائية ، أو على خبر المعطوف عليها خاصة فتقع الجملة الإنشائية خبر المبتدأ ، فيكون عطف مفرد متعلقه جملة إنشائية. أو يقال : إن الجملة التي لها محل من الإعراب لا حرج في عطفها كذلك ، أو تجعل الواو معترضة لا عاطفة ، مع أن جماعة من النحاة أجازوا عطف الإنشائية على الخبرية وبالعكس ، واستشهدوا عليه بآيات قرآنية ، وشواهد شعرية (1).
______________________________________________________
(1) قال الشارح : «الآيات التي استدلوا بها هي قوله تعالى : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ) - في سورة البقرة ، ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) في سورة الصف ، ذكر ذلك ابن هشام في المغني ، ونقله عن ابن عصفور.
قال أبو حيان : وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو العاقلان ، على أن يكون العاقلان خبرا لمحذوف ، قال : ويؤيده قوله :
وإن شفائي عبرة مهراقة
وهل عند رسم دارس من معوّل
وقوله :
تناغي غزلا عند باب ابن عامر
وكحّل أماقيك الحسان بإثمد
واستدل الصفار أيضا بقوله :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم.
فإن تقديره عند سيبويه هذه خولان ، وأوضح من ذلك دلالة قوله تعالى : ( إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ
ص: 22
(وهي مبنية) أي مرتبة ، أو ما هو أعم من الترتيب(على كتب) بضم التاء وسكونها جمع كتاب ، وهو فعال من «الكتب» بالفتح وهو الجمع ، سمّي به المكتوب المخصوص لجمعه المسائل المتكثرة ، والكتاب أيضا مصدر مزيد مشتق من المجرد لموافقته له في حروفه الأصلية ومعناه.
______________________________________________________
- ( الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) ، وناهيك بقوله تعالى : ( حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ، وباب التأويل من الجانبين متسع».
ص: 23
كتاب الطهارة
ص: 24
كتاب الطهارة (1)
(الطهارة) مصدر «طهر» بضم العين وفتحها ، والاسم الطّهر (2) بالضم(وهي لغة النظافة) (3) والنزاهة من الأدناس (4) (وشرعا) (5) - بناء على ثبوت
______________________________________________________
(1) أي هذا كتاب الطهارة ، فهو خبر لمبتدإ محذوف ، وقال سيد المدارك «وقد عرّفه - أي الكتاب - شيخنا الشهيد (رحمه الله) في بعض فوائده بأنه اسم لما يجمع به المسائل المتحدة بالجنس المختلفة بالنوع ، قال : والمقصد اسم لما يطلب فيه المسائل المتحدة في النوع المختلفة في الصنف ، ومثله الباب والفصل ، والمطلب هو المائز بين المسائل المتحدة في الصنف المختلفة في الشخص ، وما ذكره (رحمه الله) غير مطرد ، والحق أن هذه أمور اصطلاحية ومناسبات اعتبارية لا ينبغي المشاحة فيها» انتهى.
(2) المصدر ما دل على الحدث ، واسم المصدر ما دل على الهيئة الحاصلة بسببه كالتوضؤ والوضوء.
(3) فيقال : ثياب طاهرة أي نظيفة من الوسخ والقذر.
(4) قال تعالى : ( إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) ، والطهارة في الآية تأكيد لإذهاب الرجس بمعنى الذنب.
(5) ظاهره أنه بالحقيقة الشرعية ، والغالب من الأصحاب أنها بالحقيقة المتشرعية فلذا شكك الشارح.
ص: 25
الحقائق الشرعية - (استعمال طهور مشروط بالنية) (1) فالاستعمال بمنزلة الجنس (2) ، والطهور مبالغة في الطاهر (3) ، والمراد منه هنا (4) «الطاهر في نفسه المطهر لغيره» جعل بحسب الاستعمال متعديا وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما (5) ، كالأكول (6).
وخرج بقوله : «مشروط بالنية» إزالة النجاسة عن الثوب والبدن وغيرهما ، فإن النية ليست شرطا في تحققه ، وإن اشترطت في كماله (7) ، وفي نرتب الثواب على فعله (8) ، وبقيت الطهارات الثلاث (9) مندرجة في التعريف ، واجبة ومندوبة ، مبيحة وغير مبيحة ، إن أريد بالطهور مطلق الماء والأرض كما هو الظاهر (10).
______________________________________________________
(1) اختلف الأصحاب في تعريف الطهارة ، فعن الشيخ أبي علي في شرح النهاية أنها الطهر من النجاسات ورفع الأحداث ، وتابعه الفاضل العجلي. والأكثر خصّها بالمبيح للعبادة دون إزالة الخبث ففي نهاية الشيخ ومنتهى العلامة الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ، ثم مع أخذ قيد الاستباحة للصلاة في مفهوم الطهارة يقسمونها إلى واجبة ومندوبة ، والمندوب ما يرفع الحدث وما لا يرفعه ، وإلى ما يبيح وما لا يبيح ، فيدخلون في الأقسام ما هو خارج عن المقسم ، ولذا عمم بعضهم الطهارة إلى المبيح وغيره.
(2) الجنس عند أهل الميزان مختص بالماهيات الخارجية ، وأما القدر الجامع في الاعتباريات والأفعال فمنزل منزلته.
(3) لأنه من صيغ المبالغة على وزن فعول.
(4) أي من الطهور في مقام الاستعمال.
(5) لأن باب فعل - بضم العين - لازم ، والطهور من طهر بضم العين.
(6) التمثيل باعتبار اختلاف الوضع والاستعمال ، فالطهور وصفا لازم واستعمالا متعد ، والأكول وصفا متعد كما هو واضح ، واستعمالا لازم لأنه يستعمل بمعنى كثير الأكل من غير ملاحظة المأكول.
(7) أي كمال التطهير فيما لو أراد المكلف جعله عباديا.
(8) لأن الأعمال بالنيات.
(9) الغسل والوضوء والتيمم.
(10) لأن الطهور استعمال للماء في الغسل والوضوء أو استعمال للأرض في التيمم ، ومن ثمّ كان الطهور مطلق الماء والأرض.
ص: 26
وحينئذ ففيه اختيار أن المراد منها (1) ما هو أعم من المبيح للصلاة (2) وهو خلاف اصطلاح الأكثرين (3) ومنهم المصنف في غير هذا الكتاب ، أو ينتقض (4) في طرده بالغسل المندوب (5) ، والوضوء غير الرافع منه (6) ، والتيمم بدلا منهما (7) إن قيل به (8) ، وينتقض في طرده أيضا (9) بأبعاض كل واحد من الثلاثة
______________________________________________________
(1) من الطهارة.
(2) كتيمم النائم ووضوء الحائض والاغسال المندوبة ، فهي استعمال للماء والأرض مشروط بالنية مع أنها غير مبيحة للصلاة.
(3) حيث خصوا الطهارة بالمبيح فقط.
(4) عطف على قوله : اختيار ، والمعنى إن أريد بالطهور المعنى العام من الماء والأرض فيلزم خلاف مصطلح الأكثرين ، وإن أريد بالطهور المعنى الخاص من أنه طاهر بنفسه مطهر لغيره فهو وإن وافق الأكثر لأنه لا يشمل غير المبيح باعتبار أن غير المبيح لا يطهّر الغير إلا أنه يلزم عليه ثلاثة إشكالات:
الأول : الغسل المندوب لا يكون مبيحا للصلاة لاحتياجه إلى الوضوء ، ومع ذلك يصدق عليه تعريف المصنف من أنه استعمال طهور مشروط بالنية ، فلا يكون مانعا عن الأغيار.
الثاني : تعريف المصنف صادق على أجزاء الوضوء والغسل والتيمم ، لأن كل جزء استعمال طهور مشروط بالنية ولو النية الضمنية ، مع أن الجزء لا يسمى بالطهارة المبيحة للصلاة.
الثالث : لو نذر تطهير ثوب بشرط التقرب لصدق عليه تعريف المصنف ، مع أنه لا يستباح به فعل الصلاة.
(5) الإشكال الأول.
(6) من المندوب ، كوضوء النائم والحائض ، ولمّا قيّد الشارح الوضوء بغير الرافع فيدل على أن الغسل المندوب عنده بتمامه غير رافع ، ولذا جعله مادة للنقض بخلاف الوضوء المندوب فبعضه غير رافع كوضوء النائم ، وبعضه رافع كالوضوء للصلاة المندوبة.
(7) من الغسل والوضوء المندوبين غير الرافعين.
(8) قال الشارح : «أي قيل بأن التيمم يشرّع بدلا من الغسل المندوب مطلقا ومن الوضوء المندوب وإن لم يرفع».
(9) الإشكال الثاني.
ص: 27
مطلقا (1) ، فإنه (2) استعمال للطهور مشروط بالنية مع أنه لا يسمى طهارة ، وبما لو نذر تطهير الثوب ونحوه من النجاسة ناويا (3) ، فإن النذر منعقد لرجحانه. ومع ذلك فهو (4) من أجود التعريفات ، لكثرة ما يرد عليها (5) من النقوض في هذا الباب (6).
(والطهور) (7) بفتح الطاء(هو الماء والتراب) (8).
______________________________________________________
(1) سواء أريد بالطهور معناه العام أو الخاص.
(2) فإن البعض من كل واحد من الثلاثة.
(3) ناويا التقرب إلى الله وهو الإشكال الثالث.
(4) تعريف المصنف للطهارة.
(5) على تعريفات الطهارة عند الفقهاء.
(6) لفظ الطهارة لم يرد في آية أو رواية متعلقا للأمر ، حتى يتنازع في مفهومه ، وإنما تعلق الأمر بمصاديق الطهارة من الغسل والوضوء والتيمم ، وهذه المصاديق واضحة المعنى عند المتشرعة ، فلا معنى للبحث في مفهوم الطهارة حينئذ ، ولذا حذف من كتب المتأخرين.
(7) الطهور من صيغ المبالغة ، ومعناه الطاهر المطهر لغيره ، بلا خلاف فيه بيننا كما عن الخلاف ، وهو المنقول عن أئمة أهل اللغة.
وعن أبي حنيفة والأصمّ وأصحاب الرأي إنكار ذلك ، وجعل الطهور بمعنى الطاهر فقط بدعوى أن (فعول) للمبالغة فلا يكون متعديا وللاستعمال كقوله تعالى : ( وَسَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً ) (1) وقول الشاعر : وريقهن طهور ، والريق لا يكون مطهرا للغير ، مردود بما هو منقول عن أهل اللغة.
(8) الطهور بمعنى الطاهر المطهر منحصر في الماء والأرض ، أما الماء لقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً ) (2)وقوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (3) وما يتطهر به لا بد أن يكون طاهرا في نفسه.
وإذا ثبت طهورية ماء السماء ثبت طهورية جميع أقسام المياه ، لأن الجميع من ماء -
ص: 28
(قال الله تعالى) :
( وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً ) وهو دليل طهورية الماء. والمراد بالسماء هنا جهة العلو ، (وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : جعلت لي (1) الأرض مسجدا وطهورا) وهو
______________________________________________________
- السماء لقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنّٰا عَلىٰ ذَهٰابٍ بِهِ لَقٰادِرُونَ ) (1).
وفي السنّة أخبار كثيرة منها : صحيح ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام (كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض ، وجعل لكم الماء طهورا) (2).
فما عن سعيد بن المسيب أنه لا يجوز التوضي بماء البحر ، وعن عبد الله بن عمران التيمم أحبّ إليه فلا يكون ماء البحر مطهرا للغير مردود بما سمعت ، ولخصوص قوله عليه السلام في خبر المعتبر عند ما سئل عن الوضوء بماء البحر: (هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته) (1).
وأما الأرض فلقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (2) وللأخبار.
منها : خبر أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فضّلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأيّما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا) (3).
ومما يدل على حصر الطهور بالماء والأرض خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: (في الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة؟ قال عليه السلام : لا ، إنما هو الماء والصعيد(4).
(5) لأن غيره من أنبياء بني إسرائيل لا يجوز لهم الصلاة إلا في محاريبهم ، ففي الخبر (إن الله كان فرض على بني إسرائيل الغسل والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ، ولم يحلّ لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس والمحاريب) (7).
ص: 29
دليل طهورية التراب (1) ، وكان الأولى إبداله بلفظ «الأرض» كما يقتضيه الخبر ، خصوصا على مذهبه من جواز التيمم بغير التراب من أصناف الأرض.
فالماء بقول مطلق (2) (مطهر من الحدث) (3) ، وهو الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه (4) عند عروض أحد أسباب الوضوء ، والغسل ، المانع (5) من الصلاة ، المتوقّف رفعه على النية ، (والخبث) (6) وهو النّجس - بفتح الجيم - مصدر قولك : «نجس الشي ء» بالكسر ينجس فهو نجس بالكسر (7) (وينجس) الماء مطلقا (8)
______________________________________________________
(1) قال الشارح : «هذا الحديث أورده الأكثر كما ذكره المصنف ، وعليه لا يطابق ما أسلفه من جعل أحد الطهورين هو التراب ، لأن الأرض أعم منه لشمولها الحجر والرمل وغيرهما من أصنافها ، وزاد بعض الرواة فيه : وترابها طهورا ، وكان الأولى للمصنف ذكره كذلك ليوافق مطلوبه ، أو تبديل التراب أولا بالأرض ليطابق ما رواه كما لا يخفى).
أقول : ففي خبر جابر بن عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قال الله (عزوجل) : جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا)(1)وفي آخر (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا) (2).
(2) من غير قيد فيخرج ماء الورد والدمع والعرق ، وأما ماء البحر وما البئر فيصدق عليه لفظ الماء من غير تقييد ، لأن القيد غالبي.
(3) الحدث إما نفس الأمور الموجبة لفعل الطهارة من النوم والبول والغائط والمني ، وإما الأثر الحاصل منها ، فجزم الشارح بأن الحدث هو الأثر ليس في محله بعد إطلاق الحدث على نفس المذكورات عند المتشرعة.
(4) ليشمل الصبي والنائم والسكران.
(5) صفة للأثر ، وهو قيد لإخراج موجبات الطهارة المستحبة ، كدخول الجمعة فهو موجب لغسل الجمعة مع أنه ليس بمانع من الصلاة.
(6) وهو النجاسة ، وفرق بين الحدث والخبث بأن الأول لا يدرك بالحس بخلاف الثاني ، وأن الأول يتوقف رفعه على النية بخلاف الثاني.
(7) قال الشارح : «ويجوز ضم العين فيهما ككرم يكرم ، نص عليه في القاموس».
(8) بجميع أقسامه حتى الجاري المعتصم بالكرية.
ص: 30
(بالتغير بالنجاسة) (1) في أحد أوصافه الثلاثة : - اللون ، والطعم ، والريح - دون غيرها من الأوصاف (2).
واحترز بتغيره بالنجاسة عما لو تغير بالمتنجس خاصة (3) ، فإنه لا ينجس بذلك (4) ، كما لو تغير طعمه بالدبس المتنجس من غير أن تؤثر نجاسته فيه (5) ، والمعتبر من التغير الحسي لا التقديري على الأقوى (6).
______________________________________________________
(1) بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : ما رواه المحقق في المعتبر قال عليه السلام : (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه) (1) وخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام (في الماء الجاري يمرّ بالجيف والعذرة والدم يتوضأ منه ويشرب منه ما لم يتغير أوصافه طعمه ولونه وريحه) (2) وخبر الغوالي عن مجموعة ابن فهد (وروي متواترا عنهم عليهم السلام قالوا : الماء طهور لا ينجسه إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه) (3).
(2) كالخفة والثقل والكدورة والغلظة والرقة ، لحصر الأخبار المتقدمة من كون التغير بالأوصاف الثلاثة هو مناط التنجس.
(3) لانصراف أخبار التغير إلى نجس العين كالميتة والدم والعذرة.
(4) أي فالمعتصم لا ينجس بملاقاة المتنجس.
(5) وإلا لو أثرت لصدق التغير بملاقاة النجس فتشمله أخبار التغير المتقدمة ، وإن كانت الملاقاة بواسطة ملاقاة المتنجس.
(6) المراد من الحسي هو الفعلي وعليه المشهور ، ودليلهم بأن التغير الوارد في الأخبار كغيره من العناوين لا بد من حمله على الفعلية ، وعن العلامة والمحقق الثاني الاكتفاء بالتقديري لأن التغير فيه حقيقي ، غير أنه مستور لم يظهر لمانع ، بل في الحدائق نسبته إلى قطع المتأخرين من دون خلاف ظاهر معروف بينهم ، وهو الحق لأن التغير مقطوع به فيندرج تحت إطلاق أخبار التغير ، وعدم ظهوره للحس للمانع لا لعدم وجوده.
وإليه يرجع تفصيل المحقق الخونساري بين الصفات العارضة على الماء كالمصبوغ بالأحمر فيما لو لاقى مقدارا من الدم فيعتبر فيه التقدير ، وبين الصفات الأصلية كالمياه الكبريتية ذات الألوان فيما لو لاقت مقدارا من الدم فلا يعتبر فيها التقدير لاحتمال عدم -
ص: 31
(ويطهر بزواله) أي زوال التغير ولو بنفسه أو بعلاج(إن كان) الماء(جاريا) (1) وهو (2) النابع من الأرض مطلقا (3) غير البئر (4) على المشهور (5).
واعتبر المصنف في الدروس فيه دوام نبعه (6) ،
______________________________________________________
- تأثرها بالنجاسة واقعا ، بخلاف الشق الأول فإنه متأثر بالنجاسة واقعا ولم يظهر التأثر للمانع.
هذا وقد علّق الشارح بقوله : «والمراد من التغيّر التقديري أنه لو وقعت في الكر أو في الجاري نجاسة مسلوبة الأوصاف ، وجب اعتبارها مخالفة في الصفات فإن كانت هي بحيث لو قدرت مخالفة الصفات لكانت متغيرة بأحد أوصافه (كذا) (1) حكم بنجاسة الماء ، وإنما قلنا وجب التقدير حينئذ لأن عدم وجوبه يؤدي إلى جواز استعماله وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا ، وهو ظاهر البطلان ، ويحتمل عدم التنجيس على هذا التقدير لعموم النص».
(1) طهارة الماء الجاري بزوال التغير للتعليل الوارد في صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة) (2).
(2) أي الجاري.
(3) سواء جرى أم لا ، والجاري هو المتقوم بالنبع وبالجريان بحسب طبعه وإن لم يجر في بعض الحالات.
(4) هو الماء النابع من الأرض إلا أنه لا يجري بحسب الطبع وإن جرى في بعض الحالات خصوصا عند غزارة المطر ، وهو المسمى بالعين في بلادنا في هذه الأزمنة.
(5) قيد للحكم بطهارة الجاري لو زال بالتغير ، وفي قباله قول العلامة باشتراط كرية الجاري ، وقول الشهيد باشتراط دوام النبع.
(6) أي في الجاري ، هذا وقال الشارح في روض الجنان : «لا فرق في الجاري بين دائم النبع صيفا وشتاء وبين المنقطع أحيانا لاشتراكهما في اسم النابع والجاري حقيقة - إلى أن قال - وفرّق الشهيد في الدروس بين دائم النبع وغيره» ، والحق مع الشهيد الأول لأنه إذا انقطع النبع فلا تكون له مادة حتى يتمسك بالتعليل الوارد في صحيح ابن بزيع المتقدم.
ص: 32
وجعله (1) العلامة وجماعة كغيره (2) ، في انفعاله بمجرد الملاقاة مع قلّته (3) ، والدليل النقلي يعضده (4) ، وعدم طهره (5) بزوال التغير مطلقا (6) ، بل بما نبّه عليه بقوله (أو لاقى كرّا) (7) ، والمراد (8) أن غير الجاري لا بد في طهره مع زوال التغير من ملاقاته كرّا طاهرا بعد زوال التغير ، أو معه (9) ، وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد وهو (10)
______________________________________________________
- وبعد بيان الشهيد الثاني لمراد الأول من دوام النبع لا داعي للخلاف الواقع بين الفقهاء في تحديد المراد حتى قال صاحب الجواهر : «وليته اتضح لنا ما يريده بهذه العبارة».
(1) أي جعل الجاري.
(2) كغير الجاري.
(3) إذا كان الجاري دون الكر وإن دام نبعه.
(4) اشترط العلامة في أكثر كتبه والشارح في المسالك والروض أيضا اعتبار الكرية في اعتصام الجاري تمسكا بعموم ما دل على انفعال القليل ، مثل صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي ء) (1) ومفهومه نجاسة القليل إذا لاقته النجاسة ، وهو يشمل الجاري. ولم يشترط المشهور في الجاري كريته تمسكا بالتعليل الوارد في صحيح ابن بزيع المتقدم (لأن له مادة) (2) وهو شامل للجاري سواء كان كرا أم لا ، والحق مع المشهور لأن ظهور التعليل في العموم أقوى من ظهور العام في أفراده خصوصا إذا كان العام مستفادا من المفهوم.
(5) أي عدم طهر الجاري القليل وإن دام نبعه على قول العلّامة.
(6) بنفسه أو بعلاج.
(7) فيطهر لما دل على عدم انفعال الكر بملاقاة النجس فضلا عن المتنجس ، وسيأتي بحثه إنشاء الله تعالى.
(8) من عطف ملاقاة الكر على طهارة الماء الجاري بزوال التغير.
(9) أي مع زوال التغير.
(10) أي غير المراد.
ص: 33
طهره (1) مع زوال التغير ، وملاقاته الكر كيف اتفق (2) ، وكذا الجاري على القول الآخر (3). ولو تغير بعض الماء وكان الباقي كرا (4) طهر المتغير (5) بزواله (6) أيضا كالجاري عنده (7) ، ويمكن دخوله (8) في قوله : «لاقى كرا» لصدق ملاقاته للباقي (9) ونبّه بقوله : «لاقى كرا» على أنه (10) لا يشترط في طهره (11) به (12) وقوعه عليه (13) دفعة (14) كما هو المشهور بين المتأخرين ، بل تكفي ملاقاته له
______________________________________________________
(1) طهر غير الجاري.
(2) ولو كانت الملاقاة قبل زوال التغير ، مع أنه يشترط في تطهير القليل ملاقاته للكر بعد زوال التغير أو معه لا قبله.
(3) وهو قول العلامة ، فلا يطهر الجاري القليل بملاقاة الكر قبل زوال التغير ، مع أن عبارة الماتن تشمله.
(4) بحيث لو تغيّر طرف من الحوض فينجس إلا أن الباقي من الحوض لو كان كرا فمع زوال التغير لا بد من الحكم بطهارة الجميع ، لأن الطرف المتنجس متصل بالكر والكر لا يحمل خبثا.
(5) أي الطرف المتغير من الماء.
(6) بزوال التغير.
(7) عند المصنف ، غايته الجاري يطهر عند المصنف بعد زوال التغير لأن له مادة ، ومقامنا يطهر لأنه متصل بالكر.
(8) أي دخول الطرف المتغير من الماء لو زال تغيره.
(9) أي لصدق ملاقاة الكر للباقي.
(10) أن الشأن والواقع.
(11) في طهر القليل.
(12) بالكر.
(13) أي وقوع الكر على القليل.
(14) اتفق الجميع على أن الماء الواحد له حكم واحد لا حكمان ، وعليه فلو اتصل الكر بالباقي المتنجس بعد زوال التغير فيكون الجميع ماء واحدا ، وله حكم واحد وهو الاعتصام فلا بد أن يطهر القليل حينئذ.
إلا أنهم اختلفوا في ما يحقق الوحدة بين الماءين ، فذهب المشهور إلى اشتراط وقوع الكر على القليل دفعة ، وإلى اشتراط الامتزاج حتى تصدق الوحدة والمراد بالدفعة الدفعة العرفية لا العقلية المتحققة في زمن واحد لتعذرها لامتناع ملاقاة أجزاء الكر -
ص: 34
مطلقا (1) ، لصيرورتهما بالملاقاة ماء واحدا ، ولأن الدفعة لا يتحقق لها معنى ، لتعذّر الحقيقة ، وعدم الدليل على العرفية (2) ، وكذا لا يعتبر ممازجته له (3) ، بل يكفي مطلق الملاقاة لأن ممازجة جميع الأجزاء لا تتفق ، واعتبار بعضها دون بعض تحكّم ، والاتحاد (4) مع الملاقاة حاصل.
ويشمل إطلاق الملاقاة (5) ما لو تساوى سطحاهما (6) واختلف ، مع علو المطهّر على النجس وعدمه (7) ، والمصنف(رحمه الله) لا يرى الاجتزاء بالإطلاق في باقي كتبه (8) ، بل يعتبر الدفعة ، والممازجة ، وعلو المطهر ، أو مساواته (9) ، واعتبار الأخير ظاهر (10) دون الأولين (11) إلا مع عدم صدق الوحدة عرفا (12).
(والكرّ) المعتبر في الطهارة (13)
______________________________________________________
- للماء المتنجس في زمن واحد.
وذهب البعض منهم الشهيد الأول في الذكرى إلى عدم اشتراط الدفعة وعدم اشتراط الامتزاج ، بل يكفي مطلق الاتصال بين الماءين حتى تصدق الوحدة قضاء للمعنى العرفي لها وهو الحق.
(1) أي تكفي ملاقاة الكر للقليل سواء كان دفعة أو لا.
(2) إذ لم يرد لفظ الدفعة في خبر ، بل اشتراط الدفعة العرفية عند المشهور من أجل تحقيق الوحدة بين الماءين ، وقد عرفت تحقيقها بالاتصال.
(3) أي ممازجة الكر للقليل في التطهير.
(4) بين الماءين.
(5) في قول المصنف : أو لاقى كرا.
(6) سطح الكر وسطح القليل.
(7) عدم العلو.
(8) كيف ، وفي الذكرى لم يشترط الدفعة أصلا.
(9) باعتبار أن الأعلى لا يتقوم بالأسفل فلو كان القليل أعلى من الكر فلا يطهر القليل ولو اتصل به ، وفيه : إن الاتحاد بين الماءين معنى عرفي والعرف حاكم بالاتحاد في جميع الصور بشرط الاتصال بينهما.
(10) أي اعتبار علو المطهر أو مساواته.
(11) من الدفعة والممازجة.
(12) فيشترط حينئذ الدفعة والامتزاج حتى تصدق الوحدة.
(13) في تطهير القليل.
ص: 35
وعدم الانفعال بالملاقاة (1) هو : (ألف ومائتا رطل) (2) بكسر الراء على الأفصح ، وفتحها على قلة(بالعراقي) ، وقدره (3) مائة وثلاثون درهما على المشهور فيهما (4) ،
______________________________________________________
(1) مع عدم تغيّر أحد أوصافه.
(2) لمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (الكر من الماء الذي لا ينجسه شي ء ألف ومائتا رطل) (1).
واختلف الأصحاب في تعيين الرطل ، فالمشهور أنه بالعراقي ، وذهب الصدوقان والمرتضى أنه بالمدني ، ودليل المشهور أن الرطل العراقي كان شائعا في البلاد فلذا يحمل الخبر عند إطلاقه عليه ، ويدل على الشيوع خبر النسابة الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عند ما سأله عن الشن الذي ينبذ فيه التمر للشرب والوضوء (قلت : وكم كان يسع الشن ماء؟ قال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك ، فقلت : بأي الأرطال؟ فقال : أرطال مكيال العراق) (2) فلو لم يسأله السائل فقد أطلق الرطل وأراد منه العراقي ، وهذا دليل على شيوعه.
وحمله على العراقي هو مقتضى الجمع بين مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة وبين صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (الكر ستمائة رطل) (3) ، وإذا عرفت أن العراقي نصف المكي فيتعين حمل الرطل في مرسلة ابن أبي عمير على العراقي وحمله في صحيح ابن مسلم على المكي.
ودعوى أن الرطل في المرسلة لا بد من حمله على المدني باعتبار عرف المتكلم الذي هو المعصوم في المقام كما هو مستند غير المشهور ليس في محلها ، لأن عرف المخاطب أولى بالتقديم بالإضافة إلى عدم إحراز صدور الخبر من الإمام وهو بالمدينة فلعله قد صدر منه وهو بالعراق.
(3) أي قدر الرطل العراقي وهو مائة وثلاثون درهما على المشهور ، وعن العلّامة في التحرير والمنتهى أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم.
(4) في العراقي وقدره ، وقال الشارح في الهامش «مقابل المشهور أمران :
أحدهما : أنه بالمدني وهو مائة وخمسة وتسعون درهما.
ص: 36
وبالمساحة (1) ما بلغ مكسره اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر مستو الخلقة على المشهور (2) ، والمختار عند المصنف ، وفي الاكتفاء بسبعة وعشرين قول قوي (3).
______________________________________________________
- الثاني : إن العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وقد اختاره العلامة في التحرير في تقدير نصاب زكاة الغلة».
(1) هذا هو التحديد الثاني للكر.
(2) ومستندهم خبر أبي بصير : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكر من الماء ، كم يكون قدره؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذلك الكر من الماء) ((1).
وخبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : وكم الكر؟ قال عليه السلام : ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها) (2).
ونوقش بأن الأول ضعيف لاشتماله على أحمد بن محمد بن يحيى وهو مجهول ، وعلى عثمان بن عيسى وهو واقفي ، وعلى أبي بصير وهو مشترك بين الثقة وغيره.
وردّ : بأن أحمد بن محمد بن يحيى من مشايخ الرواية وهو في غنى عن التوثيق كما في المستند ، وعثمان بن عيسى وإن كان واقفيا إلا أنه ثقة كما عن الكشي ، ونقل الشيخ في العدة الإجماع على العمل بروايته ، وأبو بصير هو ليث المرادي الثقة بدليل رواية ابن مسكان عنه ، فالخبر موثق فضلا عن اعتماد المشهور عليه في مقام العمل الجابر لضعف سنده ، نعم الثاني ضعيف لاشتماله على الثوري وهو ضعيف بلا كلام.
ونوقش الخبران بعدم ذكر البعد الثالث وهو الطول ، فيتعين حملهما على المدوّر حيث لم يذكر الإمام إلا العمق والعرض بمعنى السعة فيكون مكسرة ثلاثة وثلاثين شبرا ، وخمسة أثمان الشبر ونصف ثمنه ، بالإضافة إلى أن المربع نادر الوقوع في الأوعية لأن الغالب فيها هو المدوّر.
وردّ النقاش بأن الحمل على المدوّر حمل على ما لا يعرفه إلا علماء الهيئة مع أن المقصود هو معرفة غالب الناس وهم لا يجهلون المربع ، وعدم ذكر البعد الثالث لا يضر لتعارف حذفه.
(3) لخبر إسماعيل بن جابر : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال : كر ، فقلت : وما الكر؟ فقال : ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار) (3) وقد وصف الخبر -
ص: 37
.................................................................................................
______________________________________________________
- بالصحة من زمن العلّامة كما عن الشيخ البهائي ، وذلك لأن الشيخ قد رواه في الاستبصار عن عبد الله بن سنان ، ورواه في التهذيب تارة عن عبد الله وأخرى عن محمد بن سنان ، والكليني قد رواه عن ابن سنان ، واستظهر أنه محمد الضعيف لا عبد الله الثقة الممدوح ، مع أنه لو سلم أنه محمد فهو ثقة كما نصّ عليه غير واحد منهم الوحيد البهبهاني فهو موثق أو صحيح ولخبر المقنع (روي أن الكر ذراعان وشبر في ذراعين وشبر) (1) والذراع شبر بحسب الوجدان.
وإليه ذهب القميون والصدوق والعلّامة في المختلف والمحقق الثاني والعلامة المجلسي والشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي وغيرهم ، بل نقل عن كاشف الغطاء : الإنصاف ترك الأنصاف.
وذهب جماعة منهم سيد المدارك إلى أن الكر ما يكون مكسره ستة وثلاثين شبرا لصحيح إسماعيل بن جابر : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته) (2) بعد حمل السعة على العرض ولم يذكر الطول لأنه مواز للعرض بعد تعارف حذف أحدهما عند تساويهما فيكون مربعا ، والمجموع ما ذكرنا.
وبعضهم حمل الخبر على المدوّر بقرينة السعة ، إذ السعة هو قطر الدائرة بعد تعارف وغلبة المدور في أوعية الماء فيكون المكسر ثمانية وعشرين شبرا واثنين من سبعة من الشبر ، وهو قريب من قول السبعة والعشرين.
وذهب القطب الراوندي إلى أن الكر ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصف ولم يعتبر التكسير بل جمع الطول مع العرض مع العمق ، وهو ضعيف إذ ظاهر الخبر في الضرب لا في الجمع.
وذهب ابن الجنيد إلى أن الكر ما بلغ مائة شبر ، وقد صرح أكثر من واحد بعدم الوقوف له على مأخذ ، وذهب ابن طاوس إلى الاكتفاء بكل ما روي ، وهو راجع إلى تحقق الكر بسبعة وعشرين شبرا وبحمل الزائد على الندب.
والتحقيق يقتضي أن الكر قد حدّد في الأخبار بحدين ، بالوزن وبالمساحة ، وهما غير -
ص: 38
.................................................................................................
______________________________________________________
- متفقين فحكي عن الأمين الأسترآبادي أنه وزن ماء المدينة فبلغ ستة وثلاثين شبرا تقريبا ، وعن المجلسي في مرآة العقول أنه وزنه فوافق ثلاثة وثلاثين شبرا تقريبا ، وعن بعض الأعاظم كما في المستمسك أنه وزن ماء النجف فبلغ ثمانية وعشرين شبرا ، وفي التنقيح للسيد الخوئي أنه وزنه مرارا فبلغ سبعة وعشرين شبرا.
فلا بد من كون أحد الحدين حقيقيا والآخر تقريبيّا ، والحقيقي هو الوزن لضبطه ، واعتمد على التقريبي لسهولة معرفة المساحة عند غالب الناس.
وتحمل أخبار المساحة المختلفة على كون الإمام عليه السلام بصدد تقريب الكر للسامع فإن كان شبره قصيرا حدده له بثلاثة أشبار ونصف ، وإن كان شبره متعارفا حدده بثلاثة أشبار ، ولذا اختلفت أخبار المساحة عنهم عليهم السلام وإلا فالأقوى العمل بأخبار الأشبار الثلاثة لموافقتها للوزن بالجملة خصوصا إذا حملنا صحيح إسماعيل بن جابر على المدور فإنه قريب من السبعة والعشرين شبرا.
فائدة : الكر الف ومائتا رطل ، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما فالحاصل مائة وستة وخمسون ألف درهم.
وكل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعية ، لأن الدرهم نصف مثقال وخمسه ، فيكون الكر بالمثاقيل الشرعية : مائة ألف وتسعة آلاف ومائتي مثقال شرعي.
والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فالكر بالصيرفي واحد وثمانون ألف وتسعمائة مثقال صيرفي.
والمثقال الصيرفي يساوي أربعة وعشرين حبة حمص ، والحمصة وزنها (2 و 0) من الغرام ، أي كل خمس حبات تساوي غراما ، فالمثقال الصيرفي 8 و 4 غرامات والكر يساوي (120 و 393) كيلوغرام حاصلة من ضرب 81900 مثقال صيرفي في 8 و 4 غرامات وزن كل مثقال.
ومن هنا تعرف اشتباه الكثير في وزن الكر ، فعن بعضهم أنه (384) كيلوغرام إلا عشرين مثقالا ، وعن آخر أنه (419 و 377) كيلوغرام ، وعن ثالث أنه (377) كيلوغرام تقريبا.
ومن جهة أخرى إن معرفة وزن الدينار والدرهم الشرعيين أمر لا بد منه في هذه الأزمنة لدخالتهما في باب الديات وكفارة الحيض ومهر السنة واللقطة وغير ذلك.
فالدينار الشرعي هو المثقال الشرعي الذي يساوي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فإذا كان -
ص: 39
(وينجس) الماء(القليل) (1) وهو ما دون الكر ، (والبئر) وهو مجمع ماء
______________________________________________________
- الصيرفي (8 و 4) غرامات فالشرعي (6 و 3) غرامات ، وعن السيد الأمين في الدرة البهية أن الليرة العثمانية المتعارفة تعادل مثقالين شرعيين ، ولا بد من التجربة لاختلاف الوزن في المسكوكات الذهبية في هذه الأعصار.
والدرهم الشرعي هو (52 و 2) غراما ، لأن نسبة الدرهم إلى الدينار هي سبعة من عشرة ، والدرهم الصيرفي هو (2 و 3) غراما لأن كل مثقال صيرفي درهم ونصف.
هذا وقد علّق الشارح في هامش الروضة بقوله : «للكر عند أصحابنا تقديران ، وزنا ومساحة ، أما الأول فادعى الاتفاق جماعة على ما ذكره المصنف ، وإنما الخلاف في المراد من الرطل ، أهو العراقي أو المدني ، والأصل فيه رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه.
وحجة معتبر العراقي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أن الكر ستّمائة رطل والمراد منه رطل مكة للإجماع على عدم إرادة العراقي والمدني من هذا القدر ، والمكي رطلان.
وأما الثاني فللأصحاب فيه أقوال ، ذكر الشيخ (قدس سره) أن المشهور اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر كذا استفيد».
ثم علّق على مكسر الكر بقوله : «وطريقه أن تأخذ الطول ثلاثة أشبار ونصفا فنضربها في الثلاثة من العمق تبلغ عشرة ونصفا ، ثم نضرب النصف المتخلف من العمق في ثلاثة ونصف تبلغ (شبرين) (1) إلا ربعا ، فتكمل اثني عشر وربعا ، فنضربها في ثلاثة من العرض تبلغ ستة وثلاثين شبرا وثلاثة أرباع شبر ، ثم نضرب النصف الباقي من العرض في اثني عشر وربع تبلغ ستة وثمنا ، فإذا أضفتها إلى المرتفع يبلغ الجميع اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر».
(1) ينجس القليل بملاقاة النجس وإن لم تتغير أوصافه ولم يخالف في ذلك إلا ابن أبي عقيل من القدماء ، والكاشاني والفتوني من المتأخرين ، والأخبار على تنجسه بالملاقاة كثيرة حتى ادعى صاحب المعالم والعلّامة المجلسي والبهبهاني تواترها ، بل في الرياض (جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث) ، وعن بحر العلوم في مجلس بحثه أنها تزيد على ثلاثمائة رواية.
ص: 40
نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ، ولا يخرج عن مسماها عرفا (1) (بالملاقاة) على
______________________________________________________
- منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء) (1) ، ومفهومها : إذا لم يكن قدر كر وهو القليل فينجسه شي ء ، ويكفي الإيجاب الجزئي في مقابلة السلب الكلي كما هو قول غير المشهور.
ومنها : حسنة البزنطي (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ، قال : يكفئ الإناء) (2) وهذا كناية عن نجاسته.
ومنها : خبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن فضل الهرة والشاة والبقرة وغيرها حتى انتهى إلى الكلب ، فقال عليه السلام : رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء) (3) واستدل غير المشهور بأخبار إما مطلقة قابلة للتقييد وإما بما هو ظاهر في الكر وإما بما لا بد من تأويله وإما بما لا بد من رده إلى أصله.
فمن الأول قوله عليه السلام : (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه) ((4).
ومن الثاني خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة ، قال : إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبّها ، وإن كان غير متفسخ فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء) (5) ومن الثالث خبر أبي مريم الأنصاري (كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في حائط له ، فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة ، فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي) (6).
(1) أشكل على القيد الأخير بأنه ما المراد منه؟ هل عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكون حقيقة شرعية ، أو عرف زمانه فقط ، أو العرف الشامل لكل زمن ومكان ، والظاهر الأخير لأنه المقصود من العرف عند الإطلاق ، ومنه تعرف ضعف ما عن بعضهم من حصر أحكام -
ص: 41
المشهور فيهما (1) ،
______________________________________________________
- البئر بما يطلق عليه لفظ البئر في الحجاز والعراق فقط.
وقيد النابع لإخراج ما يسمى بالآبار في البلاد الشامية وهي غير نابعة ، بل مجمع لمياه المطر ، وقيد عدم التعدي لإخراج الآبر في النجف الأشرف حيث الآبار فيها يتعدى الماء من بعضها إلى بعض تحت الأرض ، وقيد عدم الخروج عن المسمى عرفا لإخراج ما يطلق عليه لفظ البئر مع أن ماءه جار في الكثير من الأحوال فهو من أفراد الجاري.
(1) في القليل والبئر ، أما الأول فقد تقدم الكلام فيه ، وأما الثاني فهل ينجس بالملاقاة مع عدم تغيّر أوصافه؟ قد وقع الخلاف فيه على أقوال.
القول الأول : النجاسة وهو المشهور بين القدماء ومستندهم الأخبار الآتية والدالة على وجوب النزح بالملاقاة ، فهي دالة على تنجسه بالملاقاة.
القول الثاني : الطهارة واستحباب النزح ، وإليه ذهب ابن أبي عقيل والحسين بن الغضائري والعلامة وشيخه مفيد الدين بن جهم وولده فخر المحققين وعليه مشهور المتأخرين للأخبار.
منها : صحيح ابن بزيع عن الإمام الرضا عليه السلام : (ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأن له مادة) (1) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟ قال عليه السلام : لا بأس) (2) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر ، إلا أن ينتن فإن أنتن غسّل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر) (3).
بالإضافة إلى أن ماء البئر نابع فيأخذ حكم الجاري لأن عدم جريانه لا يجعله قسما على حدة ، وإلى أن ماء البئر لو كان أكثر من كر لوجب أن لا ينجس بالملاقاة ، ونبع ماءه ليس بفارق بل يؤكد اعتصامه فلم حكم بعدم نجاسة الكر وحكم بنجاسة البئر عند الملاقاة؟ هذا فضلا عن أن البئر لو كان ينجس بمجرد الملاقاة وكان تطهيره بالنزح لوجب إعلام المكلفين بمقدار الدلو والتعرض لأحكام تطهيره وتطهير الرشاء والنازحين وغير ذلك مما هو واقع في محل الابتلاء على فرض النزح مع أنه لا يوجد في -
ص: 42
بل كاد يكون إجماعا ، (ويطهر القليل بما ذكر) وهو (1) ملاقاته الكر على الوجه السابق.
وكذا يطهر بملاقاة الجاري مساويا له أو عاليا ع(1)، وإن لم يكن (3) كرا عند المصنف ومن يقول بمقالته فيه (4) ، وبوقوع الغيث عليه إجماعا (5).
______________________________________________________
- الأخبار عين ولا أثر لذلك ، مع ضميمة أن أخبار النزح متعارضة وبعضها مجملة من دون تعيين عدد خاص من الدلاء عند النزح وهذا أمارة الاستحباب في غيره من الأبواب فلم لا يكون أمارة للاستحباب هنا؟.
القول الثالث : الطهارة مع وجوب النزح تعبدا وإليه ذهب العلّامة في المنتهى ، أما الطهارة فلما مرّ ، وأما وجوب النزح فلأن الأمر بالنزح حقيقة في الوجوب.
القول الرابع : طهارة ماء البئر إن نبع كرا وإلا فالنجاسة وإليه ذهب أبو الحسن محمد بن محمد البصري من المتقدمين للجمع بين الأخبار بحمل أخبار الطهارة على ما لو كان كرا ويؤيد هذا الجمع موثق عمار (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال عليه السلام : لا بأس إذا كان فيها ماء كثير) (1).
وفيه : إن لفظ الكثير لم يثبت له معنى خاص عند الشارع وإنما له معنى عرفي وهو يشمل الكر وغيره ، وتقييد الماء بالكثرة لا من أجل الكرية وإنما من أجل عدم تغيره بأوصاف النجاسة بمجرد الملاقاة.
القول الخامس : ما عليه متأخرو المتأخرين من الطهارة والنزح إرشادي إلى ما في ماء البئر من الاستقذار العرفي لو وقعت فيه النجاسة ، ولذا اختلفت أخبار النزح ، لا أن النزح أمر على نحو الوجوب أو الاستحباب ، وهو الحق.
(1) ما ذكر.
(2) باعتبار عدم تقوّم الأعلى بالأسفل وقد عرفت ما فيه.
(3) الجاري.
(4) في الجاري من عدم اشتراط كريته ، لأنه بمجرد الملاقاة يصير الماءان ماء واحدا وله حكم واحد وهو حكم الجاري فلا بد من الحكم بطهارة القليل.
(5) ماء المطر حال تقاطره من السماء كالجاري حكما للأخبار.
منها : صحيح هشام بن سالم (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن السطح يبال عليه فتصيبه -
ص: 43
(و) يطهر(البئر) بمطهّر غيره (1) مطلقا (2) ، (وبنزح جميعه (3) للبعير) وهو من الإبل بمنزلة الإنسان (4) يشمل الذكر والأنثى ، الصغير والكبير (5) ، والمراد من نجاسته المستندة إلى موته (6) ، (و) كذا(الثور) (7) قيل هو ذكر البقر (8) ،
______________________________________________________
- السماء فيكف فيصيب الثوب ، فقال عليه السلام : لا بأس به ، ما أصابه من الماء أكثر منه) (1) ومرسلة الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام (كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر) (2).
(1) وغيره القليل والذي يطهره هو الجاري وإلقاء الكر عليه ووقوع الغيث فكذلك ماء البئر ، وقد عرفت أن ماء البئر له مادة فيطهر بمجرد زوال التغير ولو بنفسه أو بعلاج لاتصاله بالمادة.
(2) قيد لغيره ، والمعنى : إن القليل المتنجس سواء كان مع التغير أو لا فما يطهّره يطهّر ماء البئر ، والأولى جعله قيدا لمطهّر ، والمعنى : إن المطهر لغير ماء البئر يطهر ماء البئر سواء كان جاريا أو كرا أو ماء مطر ، وهذا على المشهور في قبال المحقق حيث خصّ تطهير ماء البئر بالنزح فقط ، وفي قبال العلامة في المنتهى حيث خصّ المطهّر بالجاري وفي قبال الشهيد في الدروس حيث اقتصر على الجاري والكر.
(3) جميع ماء البئر ، والدال عليه أخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمرا فلتنزح) (3) ، ويعارضها خبر عمرو بن سعيد بن هلال : (حتى بلغت الحمار والجمل فقال عليه السلام : كر من ماء) (4)وهو مع ضعف سنده لا يصلح للمعارضة للإعراض.
(4) باتفاق أهل اللغة كما في كشف اللثام ، وقيل : إن البعير من الإبل كالذكر من الإنسان والناقة كالمرأة فيكون مختصا بالذكر والعرف على الأول.
(5) للإطلاق.
(6) أي والمراد من نجاسة البئر المستندة إلى موت البعير فيه ، وهو الظاهر من صحيح الحلبي المتقدم ، فلو مات خارج البئر ثم ألقي فيه لكان خارجا عن الحكم.
(7) كما عن الأكثر لصحيح ابن سنان : (فإن مات فيها ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله) (5) وخالف ابن إدريس فاكتفى للثور بنزح كر.
(8) الأكثر على إلحاق البقرة بالثور لصحيح ابن سنان المتقدم (ثور أو نحوه) ، ولما عن -
ص: 44
والأولى اعتبار إطلاق اسمه عرفا مع ذلك (1) ، (والخمر) (2) قليله وكثيره (3) ، (والمسكر المائع) بالأصالة (4) ، (ودم الحدث) وهو الدماء الثلاثة على المشهور (5) (والفقاع) (6) بضم الفاء ، وألحق به المصنف في الذكرى عصير
______________________________________________________
- صاحب الصحاح من إطلاق البقرة على الثور ، وفيه : إن الثور هو ذكر البقر لغة وعرفا ولذا اكتفى الشيخان للبقرة بكر.
(1) أي الأولى اعتبار إطلاق اسم الثور مع كونه ذكرا حتى يخرج الصغير من الذكور ، لأنه لا يقال له ثور.
(2) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (في البئر يبول فيها الصبي ، أو يصب فيها بول أو خمر فقال : ينزح الماء كله) (1) ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلتنزح) (2).
(3) كما عليه الأكثر لإطلاق الأخبار المتقدمة ، وخالف الصدوق فأوجب في القطرة من الخمر عشرين دلوا وقوّاه في الذخيرة لخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر ، قال : الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ، ينزح منه عشرون دلوا ، فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب) (3) ، وفيه مع ضعف السند فالحكم في غير الخمر لم يقل به أحد فالرواية معرض عنها بين الأصحاب.
(4) وألحق المسكر بالخمر لما ورد عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام (ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر) (4) واستشكل فيه المحقق في المعتبر من ناحية أن الإطلاق أعم من الحقيقة والمجاز.
(5) هو قول للشيخ وأتباعه ، وقد اعترف جماعة بعدم النص عليه ، ولذا خالف سيد المدارك وغيره وجعلوه كبقية الدماء حكما.
(6) قال في القاموس : الفقاع كرمّان سمي بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد ، وهو شراب متخذ من الشعير.
وينزح له ماء البئر بتمامه كما عن الشيخ وأتباعه باعتبار أنه خمر فيأخذ حكمه ، ففي مكاتبة الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (أسأله عن الفقاع ، فكتب : حرام وهو خمر) (5) -
ص: 45
العنب بعد اشتداده بالغليان قبل ذهاب ثلثيه ، وهو بعيد. ولم يذكر هنا المني (1) مما له نفس سائلة (2) ، والمشهور فيه ذلك ، وبه قطع المصنف في المختصرين (3) ، ونسبه في الذكرى إلى المشهور ، معترفا فيه (4) بعدم النص. ولعله (1) السبب في تركه هنا ، لكن دم الحدث كذلك (2) ، فلا وجه لإفراده ، وإيجاب الجميع (7) لما لا نص فيه يشملهما (8).
والظاهر هنا حصر المنصوص بالخصوص (9).
(ونزح كرّ للدابة) (10)
______________________________________________________
- وخبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام سأله عن الفقاع فقال : (لا تشربه فإنه خمر مجهول) (1) وخبر الوشاء : (خمر استصغرها الناس) (2) وألحق الشهيد الأول العصير العنبي قيل ذهاب الثلثين بالفقاع.
وفيه : إن الحكم بنجاسة العصير العنبي لا يقتضي إلحاقه بالفقاع ، نعم لا بد من نزح الجميع للعصير العنبي باعتبار أن ما لا نص فيه ينزح له الجميع كم سيأتي ، فنزح الجميع للعصير العنبي ليس لإلحاقه بالمنصوص بل لأنه حكم ما لا نص فيه.
(1) أي فيما ينزح له الجميع.
(2) قليلا وكثيرا من إنسان وغيره ، وقيل : ولم يعرف قائله أنه مختص بمنيّ الإنسان ، غير أن الكثير قد اعترف بعدم النص عليه ، ولذا ألحق بما لا نص فيه ، والقاعدة فيما لا نص فيه وإن اقتضت نزح الجميع لكن لا بما هو منصوص.
(3) البيان والدروس.
(4) في الذكرى.
(5) أي لعل عدم النص.
(6) لا يوجد فيه نص.
(7) أي إيجاب نزح الجميع.
(8) يشمل المني ودم الحدث.
(9) فكان عليه عدم ذكر دم الحدث.
(10) على المشهور ولا مستند لهم ، بل في صحيح الفضلاء زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام : (في البئر تقع فيها الدابة والفأرة -
ص: 46
وهي الفرس (1). (والحمار (2) والبقرة) (3) ، وزاد في كتبه الثلاثة البغل (4) ، والمراد من نجاستها المستندة إلى موتها ، هذا هو المشهور والمنصوص منها (5) مع ضعف طريقه (6) «الحمار والبغل» ، وغايته أن يجبر ضعفه بعمل الأصحاب ، فيبقى إلحاق الدابة (7) والبقرة بما لا نص فيه أولى.
(ونزح سبعين دلوا معتادة) (8)
______________________________________________________
- والكلب والخنزير والطير فيموت قال : يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ، ثم اشرب منه وتوضأ) (1) ، والأصحاب لم يعملوا بها في خصوص الدابة ، والمحقق في المعتبر جعلها في ما لا نص فيه بالخصوص.
(1) لفظ الدابة موضوع لكل ما يدب على الأرض إلا أنه معنى مهجور ، ويطلق على كل ذي حافر ، ويطلق على كل ما يركب ، ويطلق على خصوص الفرس والبغل ، بل بعضهم جعله مختصا بالفرس ، فالفرس قدر متيقن من الدابة.
(2) لرواية عمرو بن سعيد بن هلال : (سألت أبا جعفر عليه السلام عما يقع في البئر ما بين الفارة والسنّور إلى الشاة فقال : كل ذلك نقول سبع دلاء ، قال : حتى بلغت الحمار والجمل فقال : كر من ماء) (2).
(3) لا نص فيها ، ومع ذلك الحقها جماعة بالحمار ، منهم ابنا زهرة وحمزة ، ورد عليهم المحقق في المعتبر بقوله : (فإن قالوا هي مثل الحمار والبغل طالبناهم بدليل التخطي من أين عرفوه ، ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور ، والجاموس كالجمل) ولذا ألحقها بما لا نص فيه.
(4) أي وزاد المصنف في البيان والدروس والذكرى البغل ، لخبر عمرو بن سعيد بن هلال كما في التهذيب (حتى بلغت الحمار والجمل والبغل ، فقال : كر) (3).
(5) من المذكورات.
(6) لأن الخبر عن عمرو بن سعيد بن هلال وهو مجهول.
(7) لأن المنصوص فيها نزح دلاء كما تقدم ، وهو مبتلى بإعراض الأصحاب عنه.
(8) بحسب الاستعمال ، وفي المدارك نقل عن بعضهم أن المراد بالدلو الهجرية التي وزنها ثلاثون رطلا أو أربعون ، وهو ضعيف لعدم ثبوت نص ولا عرف على ذلك.
ص: 47
على تلك البئر ، فإن اختلفت (1) فالأغلب(للإنسان) (2) أي لنجاسته المستندة إلى موته (3) سواء في ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير ، والمسلم والكافر (4) ، إن لم نوجب الجميع لما لا نص فيه ، وإلا اختص بالمسلم(وخمسين) دلوا(للدم الكثير) (5) في نفسه عادة (6) كدم الشاة المذبوحة ، غير الدماء الثلاثة لما تقدم (7).
وفي إلحاق دم نجس العين بها (8) وجه مخرج (9) ،
______________________________________________________
(1) الدلاء فالأغلب ، وإن تساوت استعمالا فالأصغر مجز والأكبر أفضل.
(2) لخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا) (1) ، وسنده مشتمل على جماعة من الفطحية إلا أن عمل الأصحاب جابر لوهنه.
(3) أي لنجاسة البئر المستندة إلى موت الإنسان ، فلو مات الإنسان خارج البئر ثم ألقي فيها لكان مما لا نص فيه.
(4) لأن الإنسان الوارد في الرواية محلى باللام وهو يفيد العموم ، وخالف ابن إدريس فخصّ السبعين بالمسلم ، لأن ملاقاة الكافر لماء البئر توجب نزح الجميع ، لأنه مما لا نص فيه فالموت إن لم يزد البئر نجاسة فلا ينقصها.
(5) كما عن الشيخ وأتباعه وهو مما لا نص عليه بالخصوص ، وذهب الصدوقان والمحقق في المعتبر والعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى وغيرهم إلى أنه ينزح له ما بين الثلاثين إلى الأربعين لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام : (في رجل ذبح شاة فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ من ذلك البئر؟ قال عليه السلام : ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا) (2).
(6) وذهب الراوندي والعلامة إلى أن الكثير بالنسبة لماء البئر ولا شاهد له.
(7) من نزح الجميع كما هو مختار المصنف للدماء الثلاثة.
(8) بالدماء الثلاثة.
(9) لأن دم نجس العين والدماء الثلاثة فيهما تغليظ النجاسة بحيث لا يعفى عن قليلهما في الصلاة فيناسب اتحاد حكمهما هنا.
وقال الشارح : «وجه التخريج : أنه ملحق بالدماء الثلاثة في تغليظ حكمه حيث لا -
ص: 48
(والعذرة الرطبة) (1) وهي فضلة الإنسان (2) ، والمروي اعتبار ذوبانها ، وهو تفرّق أجزائها ، وشيوعها في الماء ، أما الرطوبة فلا نص على اعتبارها ، لكن ذكرها الشيخ وتبعه المصنف وجماعة ، واكتفى في الدروس بكل منهما (3) ، وكذلك تعين الخمسين (4) ، والمروي أربعون ، أو خمسون ، وهو (5) يقتضي التخيير. وإن كان اعتبار الأكثر أحوط (6) ، أو أفضل (7) (وأربعين) دلوا(للثعلب والأرنب والشاة والخنزير والكلب والهر وشبه ذلك) (8) والمراد من نجاسته المستندة إلى موته كما
______________________________________________________
- يعفى عن قليله ولا كثيره في الصلاة ، فإذا استثنى الدماء الثلاثة هاهنا من مطلق الدماء لقوة نجاستها استثنى معها دم نجس العين لما ذكر ، وفيه منع كل من الحكمين ، فإن الدم في النص مطلق وإخراج الدماء الثلاثة أيضا في محل النظر حيث لا نص ، ولو سلم فإلحاق غيرها بها ممنوع ، وأيضا فإنهم لم يلحقوه بها في نزح الجميع مع وجود العلة ، فالأولى أن لا يلحق بها هاهنا ، والقول بإلحاقه بها ثمة كما قال المصنف في الذكرى : شك في شك».
(1) على المشهور لخبر ابي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن العذرة تقع في البئر فقال : ينزح منها عشر دلاء فإذا ذابت فأربعون أو خمسون) (1).
(2) كما نص عليه جماعة من أهل اللغة كما في تهذيب اللغة ، وعن المحقق في المعتبر أن العذرة تشمل فضلة كل حيوان وهو ضعيف.
(3) من الذوبان والرطوبة ، وخصّها المحقق في الشرائع بالذوبان.
(4) لأنها الأكثر للشك في تحصيل الطهارة بالأقل ، وقد حكم بتعين الخمسين الشيخ وجماعة.
(5) أي المروي.
(6) إذا كان الترديد من الراوي.
(7) إذا كان الترديد من المعصوم عليه السلام.
(8) بحسب الحجم لخبر الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن علي عن أبي عبد الله عليه السلام (والسنّور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا ، والكلب وشبهه) (2) وظاهره الترديد ، ولكن رواه المحقق في المعتبر مقتصرا على الأربعين (3) ، وشبه الكلب -
ص: 49
مر ، والمستند ضعيف (1) ، والشهرة جابرة على ما زعموا(و) كذا (2) في (بول الرجل) (3) سندا وشهرة (4). وإطلاق الرجل (5) يشمل المسلم والكافر ، وتخرج المرأة (6) والخنثى (7) ، فيلحق بولهما بما لا نص فيه ، وكذا بول الصبيّة (8) ، أما الصبي فسيأتي. ولو قيل فيما لا نص فيه بنزح ثلاثين أو أربعين (9) وجب في بول الخنثى أكثر الأمرين منه (10) ومن بول الرجل ، مع احتمال الاجتزاء بالأقل (11) ، للأصل. (و) نزح(ثلاثين) دلوا(لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلب) في المشهور ، والمستند رواية مجهولة الراوي (12).
______________________________________________________
- الخنزير والغزال والثعلب وشبه السنور الأرنب ، ولا فرق في السنور بين الأهلي وغيره للإطلاق ، ولا فرق في الكلب بين البري والبحري للمماثلة كما في روض الجنان.
(1) لاشتمال الخبر على القاسم بن محمد الجوهري وهو واقفي وعلى عليّ بن أبي حمزة البطائني وهو أحد عمد الواقفية.
(2) أي ينزح له أربعون دلوا.
(3) لخبر علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت : بول الرجل ، قال : ينزح منها أربعون دلوا) (1).
(4) بمعنى أن المستند ضعيف والشهرة جابرة على ما زعموا.
(5) في الخبر.
(6) ألحق ابن إدريس وجماعة بول المرأة ببول الرجل ، وعن جماعة اندراجه فيما لا نص فيه.
(7) فيجب أكثر الأمرين من الأربعين ومن موجب ما لا نص فيه للاحتياط.
(8) لعدم اندراجه تحت عنوان بول الرجل ، فيلحق بولها ببول المرأة والخنثى فيما لا نص فيه.
(9) كل منهما قول في مسألة ما لا نص فيه ، وفيها قول ثالث بنزح الجميع.
(10) من موجب ما لا نص فيه.
(11) وهو ثلاثون دلوا للشك في وجوب الزائد والأصل عدمه.
(12) وهي رواية كردويه : (سألت أبا الحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب ، قال عليه السلام : ينزح منها ثلاثون -
ص: 50
وإيجاب خمسين للعذرة (1) ، وأربعين لبعض الأبوال (2) ، والجميع للبعض كالأخير (3) منفردا لا ينافي وجوب ثلاثين له (4) مجتمعا مخالطا للماء ، لأن مبنى حكم البئر على جمع المختلف ، وتفريق المتفق (5) فجاز إضعاف (6) ماء المطر لحكمه (7)
______________________________________________________
- دلوا) (1) وأشكل بأن كردويه مجهول وردّ بأنه مسمع بن عبد الملك وهو ثقة.
(1) إشكال وحاصله بأن العذرة لها خمسون فإذا انضم إليها غيرها من النجاسات فتجب الزيادة فكيف يجتزئ بالثلاثين.
ويزداد الإشكال تعقيدا بأن الرواية قد ساوت في الحكم بين البول وخرء الكلب والعذرة في نزح الثلاثين ، مع أن المقدّر لكل واحد يختلف عن الآخر ففي العذرة خمسون وفي البول أربعون وفي خرء الكلب نزح الجميع أو الثلاثين أو الأربعين على الاختلاف فيما لا نص فيه.
وأجاب المحقق الثاني بحمل ماء المطر المذكور في الرواية على ماء المطر المخالط لهذه النجاسات وليس فيه أعيانها بل هو متنجس بها فقط لأنها مستهلكة فيه ، وردّ بأن فيه تكلفا لأنه على خلاف ظاهر الرواية.
وأجاب الشهيد الثاني بأن استناد تخفيف النجاسة من أجل أن هذه المذكورات قد صاحبت ماء المطر وهذا ما يخفف نجاستها فلذا كان النزح أقلّ.
(2) وهو بول الرجل.
(3) وهو خرء الكلب.
(4) لما ذكر.
(5) فقد تساوى حكم الهرة والخنزير في النزح وهو نزح أربعين دلوا مع أن الخنزير نجس العين دون الهرة ، وافترق حكم الكافر عن الكلب مع أنهما نجس العين ففي الكلب أربعون وفي الكافر سبعون أو الجميع على الخلاف المتقدم فلذا شاع بينهم أن حكم البئر قائم على جمع المتباينات وتفريق المتماثلات وفاتهم أن هذا أمارة استحباب النزح أو أنه إرشادي لرفع الاستقذار العرفي ، والقذارة العرفية أدون رتبة من النجاسة الشرعية.
(6) بمعنى الضعف والتخفيف لا التضعيف والزيادة.
(7) لحكم ما ذكر منفردا.
ص: 51
وإن لم تذهب أعيان هذه الأشياء (1). ولو خالط أحدها كفت الثلاثون (2) إن لم يكن له مقدّر ، أو كان وهو أكثر ، أو مساو. ولو كان أقل اقتصر عليه (3). وأطلق المصنف أن حكم بعضها كالكل ، وغيره بأن الحكم (4) معلق بالجميع ، فيجب لغيره (5) مقدره ، أو الجميع (6) ، والتفصيل أجود (7) ، (ونزح عشر) دلاء(ليابس العذرة) (8)
______________________________________________________
(1) رد على جواب المحقق الثاني.
(2) لو خالط ماء المطر واحدا من المذكورات كالبول فقط فقد وقع الخلاف ، فذهب الشهيد الأول إلى أن حكم ماء المطر المخالط لبعضها كحكم المخالط للجميع وهو نزح الثلاثين.
(3) وذهب بعضهم إلى أن البعض المخالط لماء المطر إن كان له مقدّر منفردا كبول الرجل الذي فيه أربعون فكذا مع مخالطته لماء المطر لإن ماء المطر إن لم يخفف النجاسة لا يزيدها ، وإن لم يكن له مقدر منفردا كخرء الكلب فينزح له الجميع لكونه مما لا نص فيه سواء كان منفردا أو مخالطا لماء المطر.
(4) وذهب الشهيد الثاني إلى التفصيل بأن البعض إن كان له مقدّر عند الانفراد وكان المقدّر أكثر من ثلاثين دلوا كفت الثلاثون مع الاختلاط ، لأن ماء المطر المصاحب لأكثر من نجاسة فيه ثلاثون دلوا فماء المطر المصاحب لبعضها فيه ثلاثون من باب أولى. ولو كان المقدّر أقل من الثلاثين فيكتفي بهذا المقدر عند الاختلاط لأن ماء المطر إن لم يخفف النجاسة لا يزيدها ، ولو كان البعض لا تقدير له وكان ملحقا فيما لا نص فيه فيكفي فيه الثلاثون لأن ماء المطر المصاحب للجميع فيه ثلاثون فلو صاحب بعضها كانت الثلاثون هنا أولى.
(5) وكما ترى أن الجميع استحسان من دون دليل شرعي.
(6) على الأقل.
(7) وهو نزح الثلاثين.
(8) لغير الجميع وهو ماء المطر المصاحب للبعض.
(9) لأنه مما لا نص فيه وقد تقدم شرحه.
(10) الذي أتى به الشارح أولا.
(11) لخبر أبي بصير : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العذرة تقع في البئر ، فقال : ينزح منها عشر دلاء ، فإذا ذابت فأربعون أو خمسون) (1) ومقتضى المقابلة مع الذوبان هي اليابسة -
ص: 52
وهو غير ذائبها (1) ، أو رطبها (2) أو هما على الأقوال (3) ، (وقليل الدم) (4) كدم الدجاجة المذبوحة في المشهور والمروي دلاء يسيرة وفسرت بالعشر لأنه أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع (5) ، أو لأنه أقل جمع الكثرة (6) ، وفيهما نظر (7).
______________________________________________________
- كما عن بعض أو الجامدة كما عن البعض الآخر.
(1) لأن الذائبة يجب لها خمسون أو أربعون كما في الخبر المتقدم.
(2) لأن الرطبة يجب لها خمسون كما عليه الشيخ وجماعة منهم المصنف في هذا الكتاب.
(3) لأن الذائبة أو الرطبة لها حكمها المخالف لحكم اليابسة كما عليه الشهيد في الدروس.
(4) لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام (سأله عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها؟ قال عليه السلام : ينزح منها دلاء يسيرة) (1).
(5) وهذا قول الشيخ في التهذيب فقال : «وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب أن يؤخذ به إذ لا دليل على ما دونه».
وفيه : إنه لا دليل على تعيين أكثره.
(6) وهو قول العلامة في المنتهى حيث جعله جمع كثرة وحمله على أقله وهو العشرة.
وفيه : إن أقل مراتب جمع الكثرة هو ما زاد عن مراتب جمع القلة بواحد وهذا يقتضي أحد عشر دلوا.
(7) قال الشارح : «القائل بأن العشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع الشيخ في التهذيب ، فإنه جعله جمع قلة وحمله على أكثره وهو العشرة ، وعكس العلامة في المنتهى فجعله جمع كثرة وحمله على أوله وهو العشرة وإليه أشار بقوله : لأنه أقل جمع الكثرة.
ووجه النظر فيهما : أما في الأول فلفساد كونه جمع قلة ، لأن جمع القلة خمس مشهورة ، وهذا ليس منها ، وعلى تقدير صحته لا يصح حمله على أكثره ، بل مع اطلاقه يحمل على أقله كنظائره اتفاقا ، خصوصا مع وصفه باليسيرة.
ووجه النظر في الثاني : أنه أصاب في جعله جمع كثرة لكنه أخطأ في جعل أقل جمع الكثرة عشرة ، بل هو ما زاد عن أكثر جمع القلة بواحد ، فيكون أقله أحد عشر. هذا مع أن الحق لا يفرق فيه بين الأمرين في أمثال هذه الأحكام المبنية على العرف الذي لا يفرّق بينهما ، وهم قد اعترفوا به في مواضع كثيرة.
وقد تنبّه في المختلف لكونه أقل جمع الكثرة أحد عشر ، وأن هذا جمع كثرة كما هو الحق فيهما ، لكن حمله على العشرة محتجا بأصالة البراءة من الزائد ولا يخفى فساد هذا التعليل أيضا ، -
ص: 53
(و) نزح(سبع) دلاء(للطير) (1) وهو الحمامة (2) فما فوقها ، أي لنجاسة موته. (والفأرة مع انتفاخها) في المشهور والمروي (3) ، وإن ضعّف اعتبار تفسخها (4). (وبول الصبي) (5)
______________________________________________________
- وأنه لو تم لكان حمله على الثلاثة أوفق بالقواعد الشرعية والبراءة الأصلية كما لا يخفى».
وقال الشارح في روض الجنان : «فتأمل هذه الاختلافات الغريبة الواقعة بينهم ، بل بين الواحد ونفسه».
(1) للأخبار منها : خبر علي بن أبي حمزة البطائني : (سألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر؟ قال عليه السلام : سبع دلاء) (1) ومثله مضمرة سماعة 2.
(2) لأن العصفور له حكم خاص وسيأتي إنشاء الله ، وهو مخالف لحكم الطير المنصوص هنا فلذا قيّد الطير هنا بالحمامة والنعامة وما شابهها.
(3) ففي خبر أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلخت فانزح منها سبع دلاء) (2) وفي رواية : فتفسخت ، وفي خبر أبي بصير : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقع في الآبار ، فقال : أما الفأرة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء) (3) ، وروي ثلاث دلاء (4) ، وروي خمس (5) ، وروي نزح الجميع (7) ، والأخيران لم يعمل بهما ، وقد حملت الثلاث على عدم التفسخ والسبع على التفسخ لخبر أبي سعيد المكاري المتقدم ، وخبر أبي عيينة : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر قال : إذا خرجت فلا بأس ، وإذا تفسخت فسبع دلاء) (8).
(4) فأبو عيينة مجهول ، وأبو سعيد المكاري واقفي ، والتفسخ مروي كما تقدم إلا أن المفيد في المقنعة والعلامة وابن إدريس وابن زهرة وجماعة ألحقوا به الانتفاخ ، وفي المعتبر : أنه لم نقف له على مستند.
(5) لخبر منصور بن حازم عن عدة من الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام : (ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيه الصبي) (9) وهو ضعيف إلا أنه منجبر بعمل الأصحاب ، وعن السيد المرتضى ينزح ثلاث دلاء وقال المحقق في المعتبر «إن في رواية ثلاثا لم نعثر عليها».
ص: 54
وهو الذكر الذي زاد سنة عن حولين (1) ولم يبلغ الحلم ، وفي حكمه (2) الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه ، أو يساويه (3) (وغسل الجنب) (4) الخالي بدنه من نجاسة عينية (5) ،
______________________________________________________
(1) لأن الرضيع له حكم سيأتي إنشاء الله تعالى.
(2) أي حكم الصبي.
(3) لأن الرضيع المستثنى منصرف إلى الرضيع المعتمد على الرضاع.
(4) للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء) (1) وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام إذا دخل الجنب في البئر نزح منها سبع دلاء) (2).
وقد وقع الخلاف في موجب النزح هل وقوع الجنب في البئر أو اغتساله منها أو ارتماسه فيها.
فذهب سيد المدارك إلى الأول تمسكا بظاهر صحيح الحلبي المتقدم ، وذهب ابن إدريس إلى الثالث مدعيا عليه الإجماع وهو ضعيف ، إذ كيف ينعقد الإجماع والمشهور على خلافه فضلا عن عدم ظهور الأخبار في الارتماس.
والمشهور إلى الثاني تمسكا بظاهر خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب يدخل في البئر فيغتسل منها قال : ينزح منها سبع دلاء) (3) ، وغيره من الأخبار مطلق فيحمل عليه ، ويؤيده خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد ، فإن رب الماء رب الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم) (4).
وأشكل على خبر أبي بصير باشتمال سنده على عبد الله بن بحر وهو ضعيف مع أن أبا بصير مشترك بين الثقة وغيره ، وقيد : (فيغتسل منها) واقع في كلام السائل وجواب الإمام لا ينفي عما عداه.
ثم لا فرق في الجنب بين المرأة والرجل للإطلاق ، ولا بين كونه محدثا بغير الجنابة معها أو لا كذلك للإطلاق.
(5) هذا الشرط عند الأصحاب ليصح الاكتفاء بالسبع ، إذ لو كان على البدن نجاسة كالمني -
ص: 55
ومقتضى النص نجاسة الماء بذلك (1) لا سلب الطهورية ، وعلى هذا (2) فإن اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ، ونجس بالخبث (3).
وإن اغتسل مرتّبا (4) ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأول مع اتصاله به (5) ، أو وصول الماء إليه (6) ، أو توقفه على إكمال الغسل وجهان (7) ولا يلحق
______________________________________________________
- فيجب مقدرها وهو نزح الجميع ، وتوقف العلامة في المنتهى حيث قال : «ونحن لما لم يقم عندنا دلالة على وجوب النزح للمني توقفنا عن هذا الاشتراط».
(1) باغتسال الجنب ، قد وقع الخلاف في أن النزح لغسل الجنب هل لنجاسة الماء أو لكونه مسلوب الطهورية أو للتعبد شرعا؟.
ذهب إلى الأول الشهيد الثاني في كتبه ، وأشكل عليه بأنه حكم من غير دليل ، مع أن ماء البئر ليس أسوأ حالا من القليل ، والقليل لا ينجس باغتسال الجنب منه ، وردّه الشهيد الثاني بأن الحكم بالنجاسة للنص بالنزح ، وفيه : إن النص بالنزح لا يدل على النجاسة إذ لعله تعبدي أو إرشادي لما في الوقوع في البئر من تغيّر الماء بسبب ثوران الحمأة كما عليه سيد المدارك.
وذهب إلى الثاني المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف ، وسلب الطهورية معناه أن الماء لا يرفع حدثا لأنه مستعمل في رفع الحدث ، وأشكل عليهما أن وجوب النزح أعم من سلب الطهورية مع أن المستعمل في رفع الحدث ولا يرفع حدثا هو القليل لا الجاري والكر والبئر له نبع كمادة الجاري وهو معتصم بالكرية غالبا.
وذهب إلى الثالث جماعة منهم الشيخ صاحب الجواهر تبعا للشيخ في التهذيب.
(2) من نجاسة ماء البئر.
(3) فنجاسة البدن لأن الماء نجس بعد الاغتسال بدليل وجوب النزح منه.
(4) فلا يخلو إما أن يكون خارج الماء أو داخله ، فإن كان خارجه أجزأ ما وقع من غسله قبل وصول الماء إلى البئر ، وإن كان داخله أجزأ ما وقع مقارنا للنية فقط كما عن جماعة ، واحتمل البعض أن نجاسة البئر المستكشفة من وجوب النزح متعلقة على تحقق الاغتسال بتمامه ، هذا مع اعتراف الكثير بأن هذا الفرع من المشكلات والله أعلم بحقيقة الحال.
(5) أي اتصال الجنب بالماء بأن كان داخله.
(6) أي وصول ماء الغسل إلى البئر بعد أن كان الجنب خارجه.
(7) بل ثلاثة.
ص: 56
بالجنب غيره (1) ممن يجب عليه الغسل عملا بالأصل مع احتماله ، (وخروج الكلب) من ماء البئر(حيا) (2) ، ولا يلحق به الخنزير (3) بل بما لا نص فيه.
(ونزح خمس لذرق الدجاج) مثلث الدال في المشهور (4) ، ولا نص عليه
______________________________________________________
(1) مما كان محدثا بالأكبر كالحائض والنفساء ، لأن الحكم قد علّق على الجنب ، وذهب الشهيد في الذكرى إلى أن وجوب النزح إن كان لاعتبار الطهورية فالأقرب إلحاق الحائض والنفساء للاشتراك في المانع ، وهو استعمال ماء البئر في رفع الحدث فلا يرفع حدثا ، وإن جعلناه للتعبد فلا إلحاق.
(2) لخبر أبي مريم (إذا مات الكلب في البئر نزحت ، وقال عليه السلام : إذا وقع فيها ثم خرج حيا نزح منها سبع دلاء) (1).
ولم يعمل ابن إدريس بها وأوجب أربعين دلوا ، لأن الأربعين لموت الكلب فيها فلو خرج حيا لكان أولى.
(3) لعدم النص مع عدم إسقاط خصوصية الكلب في الخبر لعدم القطع بكون الحكم معلقا على نجس العين بما هو نجس العين ليسرّى إلى الخنزير.
(4) مطلقا سواء كان جلالا أم لا كما عن الشيخ في جملة من كتبه ، وعن المفيد وسلّار وابن إدريس تخصيصه بالجلال وهو الذي تغذى بعذرة الإنسان ، ووجه التخصيص لأن غير الجلال كذرقه طاهران فلا موجب للنزح ، مع اعتراف جماعة منهم العلامة في المختلف وسيد المدارك والشهيد الثاني بعدم وجود نص فيه سواء كان جلالا أم لا.
وقال العلامة في المختلف : «ويمكن الاحتجاج على وجوب النزح لذرق الجلال بصحيحة إسماعيل بن بزيع عن الإمام الرضا عليه السلام : (في البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي ء من عذرة كالبعرة ونحوها ، ما الذي يطهرها؟ فوقّع عليه السلام : ينزح دلاء منها) (2) ، ثم قال : والاحتجاج به بعيد لعدم دلالته على التقدير ، وإنما يستدل به على أنه لا يجزي أقل من خمس من حيث إنه جمع كثرة» انتهى.
وقال المحقق في المعتبر : «ويقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشر ، وإذا ذاب فأربعون أو خمسون ، ويحتمل أن ينزح له ثلاثون لحديث كردويه» (3) انتهى. -
ص: 57
ظاهرا ، فيجب تقييده بالجلّال كما صنع المصنف في البيان ليكون نجسا.
ويحتمل حينئذ وجوب نزح الجميع إلحاقا له بما لا نص فيه إن لم يثبت الإجماع على خلافه ، وعشر (1) إدخالا له في العذرة ، والخمس (2) للإجماع على عدم الزائد إن تمّ. وفي الدروس صرح بإرادة العموم (3) كما هنا (4) ، وجعل التخصيص بالجلّال قولا.
(وثلاث) دلاء(للفأرة) مع عدم الوصف (5) (والحية) على المشهور (6) والمأخذ فيها ضعيف ، وعلل بأن لها نفسا فتكون ميتتها نجسة. وفيه مع الشك في ذلك عدم استلزامه للمدعى (7)
______________________________________________________
- وأشكل عليه بعدم اندراج ذرق الدجاج تحت عنوان العذرة لأنها مختصة بفضلة الإنسان ، وقال الشارح في روض الجنان : «ويمكن أن يستدل على نفي الزيادة عن الخمس بالإجماع على نفي وجوب الزائد» وفيه : إن الإجماع غير متحقق مع مخالفة المحقق في المعتبر.
(1) عطف على الجميع.
(2) عطف على الجميع.
(3) أي بعموم الدجاج جلالا وغيره.
(4) لم يصرح ، نعم لفظ الدجاج هنا محلى باللام وهو ظاهر في العموم.
(5) أي مع عدم التفسخ كما هو المروي وعليه جماعة ، أو عدم التفسخ وعدم الانتفاخ كما عليه بعض آخر ، وقد تقدم النص في الفأرة.
(6) ولا نص فيه ، ولذا قال سيد المدارك : «واعترف الأصحاب بعدم ورود النص فيها على الخصوص» ، واستدل بعضهم بأن الحية كالفأرة والدجاجة لكونها لا تزيد على قدرهما ، وردّ بأنه مأخذ ضعيف كما في روض الجنان للشارح. وقال المحقق في المعتبر :«ويمكن أن يستدل على الحية بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء) (1) ، فينزل على الثلاثة لأنها أقل محتملاته» واحتج أيضا بأن لها نفسا سائلة فميتتها نجسة ، وعن ابن بابويه أن في الحية سبع دلاء كما عن المختلف ، وعنه أن فيها دلوا واحدا كما في المنتهى والمعتبر.
(7) لأن كون ميتتها نجسة لا تستلزم ثلاث دلاء ، وأيّ تلازم بينهما.
ص: 58
(و) ألحق بها(الوزغة) (1) بالتحريك ولا شاهد له (2) كما اعترف به المصنف في غير البيان (3) ، وقطع بالحكم فيه كما هنا (4). (و) ألحق بها(العقرب) (5). وربما
______________________________________________________
(1) كما عن الشيخين المفيد والطوسي لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الفأرة والوزغة تقع في البئر قال : ينزح منها ثلاث) (1).
وعن العلامة والمحقق حمل الخبر على الاستحباب لعدم كونها من ذوات النفس السائلة فلا تنجس بالموت ، أو لأن النزح من أجل سمّها فيكره عدم النزح لذلك.
(2) للإلحاق ، وقد عرفت أنه للخبر ولذا قال الشارح في الروض : «وألحق الشيخان بها - أي الحية - العقرب والوزغة بالتحريك للرواية».
(3) أي في الذكرى والدروس ، وهذا اشتباه من الشارح لأن المصنف في الذكرى اعترف بعدم الشاهد على إلحاق العقرب قال في الذكرى : «وللوزغة عند الصدوق والشيخين وأتباعهما لقول الصادق عليه السلام ، وللعقرب عند الشيخ وأتباعه ولا نص صريحا فيه».
واعترف المصنف في الدروس بعدم الشاهد على الحية حيث قال : «وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين وروي خمس ، وللحية ولا شاهد له ، وللوزغة والعقرب ، وقيل : يستحب لهما».
(4) أي قطع بالحكم في البيان كما في اللمعة.
(5) أي بالحية كما عن الشيخ وأبي الصلاح ، وقد تقدم عن الشهيد الأول في الذكرى عدم النص ، نعم في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا ، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال : يسكب منه ثلاث مرات ، قليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه) (2).
وهي محمولة على ما فيه من السم كما عن الصدوق جمعا بينها وبين رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (كل شي ء وقع في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس) (3) ورواية الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس به) (4) ومرفوعة محمد بن يحيى عن أبي -
ص: 59
قيل بالاستحباب لعدم النجاسة ، ولعله لدفع وهم السم(ودلو للعصفور) (1) بضم عينه (2) وهو ما دون الحمامة (3) سواء كان مأكول اللحم أم لا (4). وألحق به المصنف في الثلاثة (5) بول الرضيع قبل اغتذائه بالطعام في الحولين (6) ، وقيّده في البيان بابن المسلم (7) وإنما تركه هنا لعدم النص مع أنه في الشهرة كغيره مما سبق.
واعلم أن أكثر مستند هذه المقدرات ضعيف لكن العمل به مشهور (8) بل
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام : (لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة) (1).
أو تحمل رواية هارون على الاستحباب بقرينة بقية الأخبار كما عن المحقق والعلامة.
(1) لخبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن أقل ما يقع في البئر فيموت فيه العصفور فينزح منها دلو واحد) (2).
(2) قيل ولا يخفى لطفه على من فتح عينه.
(3) جمعا بين ما ورد في العصفور وبين ما ورد في الحمامة مع تغاير الحكم.
(4) لإطلاق الاسم خلافا للراوندي حيث خصه بمأكول اللحم ، وعلى الإطلاق فيشمل الخفاش.
(5) أي الحق بالعصفور المصنف في الذكرى والدروس والبيان.
(6) كما عن الشيخ وجماعة لرواية علي بن أبي حمزة : (سألته عن بول الصبي الفطيم ، قال : دلو واحد) (3) فإذا كان الدلو في بول الفطيم ففي بول الرضيع أولى ، وأشكل بأن المنطوق غير معمول به عند الأصحاب إذ جعلوا في بول الفطيم سبع دلاء ، وذهب أبو الصلاح وابن زهرة إلى ثلاث دلاء في بول الرضيع وليس لهما مستند كما في المدارك.
(7) لأن ابن الكافر يأخذ حكم أبيه ، أو على الأقل يكون بوله أشد نجاسة من بول ابن المسلم.
(8) لأحد أمرين إما لعمل الأصحاب وإما لو لم يعمل بها لكانت هذه المذكورات مما لا نص فيه وهذا لا قائل به.
ص: 60
لا قائل بغيره على تقدير القول بالنجاسة ، فإن اللازم من اطّراحه كونه مما لا نصّ فيه.
(ويجب التراوح بأربعة) (1) رجال كل اثنين منهما يريحان الآخرين(يوما)
______________________________________________________
(1) قد عرفت أن بعض المذكورات تقتضي نزح جميع ماء البئر ، فإن أمكن فهو ، وإن تعذر أو تعسر لتجدد نبعه يتراوح أربعة على النزح يوما كاملا من أول الفجر إلى الليل بلا خلاف فيه ، ولذا قال العلامة في المنتهى : «ولا يعرف فيه مخالف بين القائلين بالتنجيس» ، والمستند رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ، قال عليه السلام : ينزف كلها ، فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ، ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت) (1).
ونوقشت بأن عمار واقفي وردّ بأنه ثقة وبأن السند منجبر بعمل الأصحاب ، ونوقشت أيضا بأن فيها خللا حيث حكم بالنزف يوما ثم حكم بالتراوح فهي دالة على النزف مرتين وهذا ما لم يقله أحد ، وردّ بأن لفظ - ثم - للترتيب الذكري فيكون ما بعدها مفسرا لما قبلها فلا تعدد في النزف ، ونوقشت بأنها توجب نزح الجميع للفأرة والكلب والخنزير وهذا مخالف لما عليه المشهور فيجب طرحها ، ورد بأن إعراض المشهور عن صدرها لا يوجب الإعراض عن ذيلها.
هذا والتراوح تفاعل من الراحة ، لأن كل اثنين يريحان صاحبيهما ، ثم هل يختص التراوح بالرجال أو يعم النساء والصبيان والخناث ، يظهر من المنتهى الاجتزاء بالنساء والصبيان لصدق القوم الوارد في الرواية عليهم ، وهو المنقول عن المحقق بشرط عدم قصور نزحهم عن نزح الرجال ، وردّ بأن لفظ القوم الوارد مختص بالرجال لنص أهل اللغة ، ففي الصحاح : (القوم : الرجال دون النساء)
وعن ابن الأثير (إن القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ، ثم غلب على الرجال دون النساء ، ولذا قابلهن به في قوله تعالى : ( لٰا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلٰا نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ ) ) وعن الكشاف «القوم : الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء» ولقول زهير «أقوم آل حض أم نساء» ولذا لا بد من الاقتصار على الرجال.
ثم إن المشهور ذهب إلى عدم الاجتزاء بأقل من أربعة ، لأنه أقل عدد يتراوح اثنان بعد اثنين كما في الرواية ، واستقرب العلامة في المنتهى أقل من الأربعة في التراوح إن -
ص: 61
كاملا من أول النهار إلى الليل ، سواء في ذلك الطويل والقصير(عند) تعذّر نزح الجميع بسبب(الغزارة) المانعة من نزحه.
(ووجوب نزح الجميع) (1) لأحد الأسباب المتقدمة ، ولا بد من إدخال جزء من الليل متقدما ومتأخرا من باب المقدمة ، وتهيئة الأسباب قبل ذلك ولا يجزئ مقدار اليوم من الليل ، والملفّق منهما ، ويجزي ما زاد عن الأربعة دون ما نقص وإن نهض بعملها (2) ، ويجوز لهم الصلاة جماعة (3) لا جميعا بدونها (4) ولا
______________________________________________________
- علم مساواتهم بالنزح للأربعة ، وردّ بمخالفة النص ، نعم يجوز أكثر من أربعة إذا تراوح كل اثنين منهم في كل واقعة.
ثم إن المشهور على أن يقوم اثنان يتجاذبان الدلو ويرميانه في البئر إلى أن يتعبا فيقوم الآخران ، وذهب الشهيد الثاني في الروض إلى أن يكون أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو ، والآخر في البئر يمليه ، وردّ بأنه لا مأخذ له مع أن مقتضى كلامه الاجتزاء بالواحد من فوق إذا استغني عن الآخر عند عدم الحاجة لإملاء الدلو ثم المراد من اليوم هو يوم الصوم الممتد من الفجر إلى الليل لأنه المفهوم من لفظ اليوم كما ذهب إليه جماعة ، وذهب الشيخ والصدوق والسيد وابن حمزة أنه من الغدوة إلى العشاء ، والغدوة أول النهار لأن المفهوم من اليوم الوارد في الرواية هو يوم الأجير ، نعم لا فرق في اليوم بين الطويل والقصير لصدق الاسم ، ولا يجزي الليل ولا الملفق منه ومن النهار بمقدار اليوم اقتصارا على مورد النص ، ولما يعتري في الليل من الفتور عن العمل ، ولأن غالب أحكام البئر يغلب عليها جانب التعبد.
وبما أن النزح يجب أن يستوعب اليوم إلى الليل على التحقيق لقوله عليه السلام : (فينزفون يوما إلى الليل)
فلا بد من العمل قبل الفجر أو الغدوة كمقدمة علمية ولا بد من تهيئة أسباب النزح قبل أول اليوم حتى يتحقق النزح من أوله.
(1) الواو حالية أي بسبب الغزارة حال وجوب نزح الجميع.
(2) أي وإن نهض ما نقص بعمل الأربعة.
(3) استثنى بعضهم للأربعة الصلاة جماعة والأكل مجتمعين ، وفي استثناء الثاني نظر ، لأن حصول الأكل إنما يكون حال الراحة لأنه من تتمتها بخلاف الصلاة التي لا تتم فضيلتها إلا بالجماعة.
(4) أي لا يجوز لهم الصلاة جميعا بدون جماعة وترك التراوح ، لأن الأمر بالتراوح مع الأمر بالصلاة بدون الجماعة يقتضي أن يصلي كل واحد منهم مع استمرار التراوح بينهم.
ص: 62
الأكل كذلك (1) ، ونبّه بإلحاق التاء للأربعة على عدم إجزاء غير الذكور (2) ولكن لم يدل (3) على اعتبار الرجال (4) ، وقد صرّح المصنف في غير الكتاب باعتباره (5) وهو حسن ، عملا بمفهوم القوم في النص خلافا للمحقق حيث اجتزأ بالنساء والصبيان.
(ولو تغير ماء البئر) (6) بوقوع نجاسة لها مقدّر(جمع بين المقدّر وزوال)
______________________________________________________
(1) أي ولا الأكل جميعا سواء كانوا مشتركين في المأكول ووعائه أو لا.
(2) لأن الأربعة وصف للمذكر فيخرج المؤنث.
(3) أي المصنف.
(4) بحيث يأتي بوصف مختص بالرجال ليخرج الصبيان ، لأن الذكور تعم الرجل والصبي.
(5) باعتبار الرجل.
(6) لو تغير ماء البئر بأحد أوصافه الثلاثة ينجس إجماعا وإنما الكلام في مطهّره فعلى القول بعدم نجاسة البئر بمجرد الملاقاة فإنه يطهر بزوال التغيّر بنفسه أو بعلاج لصحيح إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة) (1).
ووجوب النزح في الخبر شرطي لذهاب الريح ، فلو ذهب بنفسه فلا يجب النزح فالمدار على زوال التغيّر.
وعلى القول بنجاسة ماء البئر بالملاقاة كما هو رأي المتقدمين ، فقد وقع بينهم الخلاف على أقوال :
القول الأول : موافقة القائلين بالطهارة إسماعيل بن بزيع وغيرها ، وأشكل عليه بأنه لو زال التغير قبل استيفاء مقدّر النجاسة التي غيرت أحد أوصاف البئر لوجب الحكم بالطهارة فكيف يتنزل عن المقدّر حينئذ.
القول الثاني : وجوب نزح أكثر الأمرين من المقدّر الشرعي ومما يحقق التغير جمعا بين النصوص الموجبة لاستيفاء المقدّر وبين النصوص الدالة على الاكتفاء بزوال التغير.
القول الثالث : التفصيل بين النجاسة المنصوص على مقدرها فيجب نزح أكثر الأمرين من المنصوص ومما يحقق التغير ، وبين النجاسة غير المنصوص على مقدرها فيجب نزح الجميع لأنه مما لا نص فيه ويجب له نزح الجميع كما هو أحد الأقوال في -
ص: 63
(التغير) (1) بمعنى وجوب أكثر الأمرين (2) ، جمعا بين النصوص وزوال التغيّر المعتبر في طهارة ما لا ينفعل كثيره (3) فهنا أولى (4) ، ولو لم يكن لها مقدّر ففي الاكتفاء بمزيل التغير (5) ، أو وجوب نزح الجميع ، والتراوح مع تعذره (6) قولان
______________________________________________________
- المسألة ، ومع التعذر فيجب التراوح ، وهو اختيار ابن إدريس واستحسنه العلامة في المختلف والشهيد الثاني في الروض.
القول الرابع : التفصيل بين وجوب النزح لما يحقق التغير ثم وجوب نزح المقدّر إذا كان للنجاسة مقدر خاص وإلا فيجب نزح الجميع فإن تعذر فالتراوح ، وهو اختيار المحقق وذلك لعدم تداخل الأسباب بين ما يزيل التغير وبين المنصوص.
القول الخامس : التفصيل بين ما له مقدر فيجب أكثر الأمرين من المقدر ومما يحقق التغير ، وبين ما لا مقدر له فيرجع إلى زوال التغير فقط ، وإليه مال صاحب الحدائق.
القول السادس : وجوب نزح الجميع سواء كان للنجاسة مقدر أو لا ، وهو اختيار جماعة منهم الصدوق والمرتضى والشيخ وسلّار للأخبار الآمرة بنزح الجميع.
منها : رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر) (1) وهو مطلق يشمل ما لو كان للنجاسة مقدر أم لا ، نعم اختلفوا عند تعذر نزح الجميع بين التنزل إلى التراوح يوما وبين النزح حتى يزول التغير فذهب الشيخ إلى الثاني والباقي إلى الأول.
القول السابع : نزحها أجمع ومع التعذر لغلبة الماء يعتبر أكثر الأمرين من زوال التغير والمقدّر ، وهو اختيار الشهيد في الدروس.
(1) كما هو القول الثاني والثالث والخامس ، إلا أنه في الثاني مطلق وفي الثالث والخامس في خصوص المنصوص المقدّر.
(2) لا بمعنى وجوبهما معا كما هو القول الرابع.
(3) بمجرد الملاقاة.
(4) وجه الأولوية أن الماء الذي لا ينجس إلا على وجه واحد وهو الذي لا ينفعل كثيره بمجرد الملاقاة فتطهيره بزوال التغير ، فالماء الذي ينجس على أكثر من وجه وهو الذي ينفعل قليله وكثيره بالملاقاة فتطهيره بزوال التغير أولى.
(5) كما هو القول الخامس وأحد شقي السادس.
(6) كما هو الشق الثاني للسادس والقول الثالث والرابع.
ص: 64
أجودهما الثاني (1) ، ولو أوجبنا فيه (2) ثلاثين أو أربعين اعتبر أكثر الأمرين فيه (3) أيضا(4).
(مسائل : الأولى) :
(الماء المضاف ما) (5) أي الشي ء الذي (لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه) مع صدقه عليه (6) مع القيد كالمعتصر من الأجسام ، والممتزج بها مزجا يسلبه
______________________________________________________
(1) أي وجوب نزح الجميع وذلك لأنه مما لا نص فيه ، هذا واعلم أن ما لا نص فيه قد اختلف في مقدار النزح على أقوال ثلاثة :
الأول : نزح الجميع لأن تحصيل الطهارة بعد ثبوت النجاسة لا يتحقق إلا بنزح الجميع ، لأن نزح البعض تحكم مع أن الاكتفاء بالبعض موجب للشك في حصول الطهارة فلا بد من نزح الجميع حتى يحكم بثبوت الطهارة. وهذا أشهر الأقوال كما في المدارك.
الثاني : وجوب نزح الثلاثين وذهب إليه البعض استنادا إلى حديث كردويه المتقدم (1) والوارد في ماء المطر المخالط للعذرة وخرء الكلب والبول ، وفيه أنه لا دلالة في الرواية عليه.
الثالث : نزح الأربعين ، وإليه ذهب العلامة في جملة من كتبه وحكي عن ابن حمزة والشيخ في المبسوط واحتج بقوله عليه السلام : (ينزح منها أربعون دلوا وإن كانت مبخرة) (2).
وهذه الرواية لم ترد في الأصول ، نعم ذكرها الشيخ في المبسوط مع عدم العلم بصدرها بحيث يجعلها مجملة.
(2) في غير المقدّر.
(3) في غير المقدر من زوال التغير والثلاثين أو الأربعين.
(4) كالمقدّر.
(5) هو كل ماء يحتاج إلى قيد حتى يصدق عليه لفظ الماء ، أو يصح سلب الماء عنه.
(6) أي مع صدق الماء على المضاف.
ص: 65
الإطلاق كالأمراق ، دون الممتزج على وجه لا يسلبه الاسم وإن تغير لونه كالممتزج بالتراب ، أو طعمه كالممتزج بالملح ، وإن أضيف إليهما (1).
(وهو) أي الماء المضاف(طاهر) في ذاته بحسب الأصل (2) (غير مطهّر) لغيره (مطلقا) من حدث ، ولا خبث اختيارا واضطرارا (3) (على) القول
______________________________________________________
(1) فيقال : ماء الملح وماء التراب ولكن يبقى اسم الماء صادقا من دون قيد.
(2) أي لقاعدة الطهارة ، ثم إذا كان معتصرا من جسم طاهر فيحكم بالطهارة للاستصحاب.
(3) تفسير للإطلاق ، وهو قول المشهور ، أما عدم رفعه الحدث سواء كان أكبر أم أصغر فلقوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1) حيث وجب التيمم عند فقدان الماء وهذا دليل على عدم جواز رفع الحدث في حالتي الاختيار والاضطرار بغير الماء من المائعات.
ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منها للصلاة؟ قال: لا إنما هو الماء والصعيد (2) وخبر عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين عليهم السلام : (إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضأ باللبن ، إنما هو الماء أو التيمم (3) والحصر بهما دليل على نفي رفع الحدث بغيرهما.
وذهب الصدوق إلى جواز الوضوء بماء الورد وكذا غسل الجنابة لخبر يونس عن أبي الحسن عليه السلام (قلت له : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة ، قال : لا بأس بذلك) (3).
وفي السند محمد بن عيسى عن يونس وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس ، وقال الشيخ في التهذيب : «إنه خبر شاذ شديد الشذوذ ، وإن تكرر في الكتب والأصول ، فإنما أصله يونس عن أبي الحسن عليه السلام ولم يروه غيره ، وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره» وعن ابن أبي عقيل جواز استعمال المضاف في مطلق الطهارة عند الاضطرار ، وقال في الجواهر : «لم نعثر لابن أبي عقيل على مستند».
وأما عدم رفع المضاف للخبث للأخبار :
منها : خبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام : (ولا يجزي من البول إلا الماء) (4) -
ص: 66
(الأصح) ، ومقابله قول الصدوق بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد ، استنادا إلى رواية مردودة ، وقول المرتضى (1) برفعه مطلقا (2) الخبث.
(وينجس) المضاف (3) وإن كثر (4)
______________________________________________________
- وقوله عليه السلام فيمن أصاب ثوبا نصفه دم أو كله (إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه) (1) وفي ثالث (في رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال عليه السلام : يتيمم ويصلي فإذا أصاب ماء غسله) (2) إلى غير ذلك من النصوص التي حصرت رفع الخبث بالماء فقط.
وذهب المفيد والمرتضى إلى رفع الخبث بالمضاف ، واحتج السيد بالإجماع وهو عجيب مع مخالفة المشهور له ، واحتج بقوله تعالى : ( وَثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ ) (3) وبالأخبار الآمرة بالغسل ، مع أن التطهير والغسل يحصل بالمائعات ، لأن المقصود إزالة عين النجاسة وهي تتحقق بالمائع ، وفيه : إن مفهوم التطهير والغسل وإن تحقق بالمائعات إلا أن الأخبار قيدته بالماء فقط.
(1) والمفيد.
(2) بجميع أصنافه لا خصوص ماء الورد.
(3) للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة؟ قال : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل) (4) وخبر زكريا بن آدم عن أبي الحسن عليه السلام : (عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله) (5).
والمرق وإن كان حقيقة أخرى غير المضاف ، إلا أنه كالمضاف في الميعان الموجب لسراية النجاسة.
(4) وكان بمقدار ألف كر أو أزيد كآبار النفط فإنه ينجس ولو كان النجس بمقدار رأس إبرة ، وفيه : عدم السراية عرفا في مثله خصوصا إذا كان فيه كثرة مفرطة.
ص: 67
بالاتصال (بالنجس) (1) إجماعا ، (وطهره إذا صار) ماء(مطلقا) (2) مع اتصاله بالكثير المطلق (3) لا مطلقا (4) (على) القول (الأصح) ، ومقابله طهره بأغلبية الكثير المطلق عليه وزوال أوصافه (5) ، وطهره بمطلق الاتصال به وإن بقي الاسم (6).
ويدفعهما (7) مع أصالة بقاء النجاسة أن المطهّر لغير الماء شرطه وصول الماء إلى كل جزء من النجس ، وما دام مضافا لا يتصوّر وصول الماء إلى جميع أجزائه النجسة ، وإلا لما بقي كذلك (8) ، وسيأتي له تحقيق آخر في باب الأطعمة.
______________________________________________________
(1) وكذا المتنجس ، لأنه كالنجس في التنجيس.
(2) بحيث يمتزج بالمعتصم سواء كان كرا أو ذا مادة ، بشرط زوال إضافته وصيرورته ماء مطلقا فيحكم بطهارته لطهارة الماء المعتصم ، لأن الماء الواحد حكم واحد بعد خلو الأخبار عن كيفية تطهير المضاف فلا بد من الرجوع إلى القواعد وهذا ما عليه المشهور ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى أن تطهير المضاف متقوم بأمرين ، غلبة الماء الكثير عليه وزوال أوصاف المضاف وإن بقي اسمه ، والماء الكثير الذي هو أزيد من الكر هو سبب في تطهير المضاف عند اتصاله به ، وتظهر الثمرة بين هذا القول وقول المشهور فيما لو كان الدبس متنجسا ومزجناه بأزيد من الكر بحيث لم تتغير أوصاف المطلق ثم تركناه حتى استقرت أجزاء الدبس تحت الماء فهو طاهر على قول الشيخ دون قول المشهور المشترط لصيرورته مطلقا حتى يطهر.
وذهب العلامة إلى أن تطهير المضاف إنما يتم بمطلق الاتصال بالماء الكثير من دون اشتراط الاستهلاك وإن بقي اسم المضاف وأوصافه ، وفيه : إنه لا دليل عليه.
(3) الذي هو أزيد من الكر.
(4) فلو اتصل بالقليل فيبقى المضاف على نجاسته بل ينجس الماء القليل لسريان نجاسة المضاف إليه.
(5) وإن بقي اسمه عند تفرق الأجزاء وهو قول الشيخ.
(6) والأوصاف وهو قول العلامة.
(7) أي يدفع القولين الأخيرين ، والدفع لاستصحاب النجاسة ولأن التطهير متقوم بوصول الماء إلى كل جزء من أجزاء المتنجس ، وما دام اسم المضاف صادق عليه يقطع بعدم وصول الماء إلى كل أجزائه ، فكيف يحكم بطهارته؟.
(8) أي وإن وصل الماء إلى كل جزء من أجزائه لما بقي المضاف مضافا بل يصير مطلقا.
ص: 68
(والسّؤر) (1) وهو الماء القليل (2) الذي باشره جسم حيوان(تابع للحيوان الذي باشره) في الطهارة (3)
______________________________________________________
(1) وهو بقية الماء التي يبقيها الشارب من الماء القليل كما عن جماعة من أهل اللغة ، أو بقية المشروب كما في المعتبر ، بل عن الأزهري اتفاق أهل اللغة على أن سائر الشي ء باقيه قليلا كان أو كثيرا.
هذا فما عن جماعة من الفقهاء منهم الشارح هنا من أنه ماء قليل لاقى جسم حيوان ليس في محله لأن السؤر هو البقية الملاقي لفم الحيوان.
ودعوى أن حكم الملاقي للفم هو حكم الملاقي لغيره من بقية أجزاء جسم الحيوان فلذا صح إطلاق السؤر على الجميع غير مسموعة لأنها تصلح لتعميم الحكم ولا تصلح لإرادة غير المعنى الحقيقي أو توسعته من لفظ السؤر.
(2) لعدم إطلاق السؤر على ماء البحر بعد الشرب منه عرفا.
(3) فإذا كان الحيوان طاهر العين فسؤره طاهر وإن كان الحيوان غير مأكول اللحم كما عليه المشهور للأخبار.
منها : خبر معاوية بن شريح : (سأل عذافر أبا عبد الله عليه السلام - وأنا عنده - عن سؤر السنّور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع ، يشرب منه أو يتوضأ منه؟ فقال عليه السلام : نعم ، اشرب منه وتوضأ قال : قلت له : الكلب؟ قال عليه السلام : لا ، قلت : أليس هو سبع؟ قال عليه السلام : لا والله إنه نجس ، لا والله إنه نجس) (1) وهي صريحة في دوران السؤر مدار الحيوان الذي باشره طهارة ونجاسة. وعن الشيخ في المبسوط وابن إدريس نجاسة سؤر ما يمكن التحرز منه من حيوان الحضر إذا كان غير مأكول اللحم لمرسل الوشاء عن أبي عبد الله عليه السلام : (أنه كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه) (2) بدعوى أن الكراهة في الخبر بمعنى الحرمة لمفهوم موثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عما تشرب منه الحمامة ، فقال عليه السلام : كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب) (3) ومفهومه : ما لا يؤكل لحمه لا يتوضأ من سؤره ولا يشرب وهو يفيد النجاسة ، إلا أن هذه الأخبار قد حملت على الكراهة عند المشهور جمعا بينها وبين ما تقدم.
ص: 69
والنجاسة والكراهة (1) ، (ويكره سؤر الجلّال) (2) وهو المغتذي بعذرة الإنسان محضا (3) إلى أن ينبت عليها لحمه ، واشتدّ عظمه ، أو سمي في العرف جلّالا (4)
______________________________________________________
(1) المشهور على كراهة سؤر مكروه اللحم كالخيل والبغال والحمير ، وليس لهم دليل ظاهر ، ولذا أنكر جماعة من الأصحاب الضابطة بين كراهة اللحم وكراهة السؤر ، نعم هناك موارد يكره سؤر محرم اللحم أو مأكوله قد ذكرها المصنف في المتن.
(2) الجلّال يحرم أكل لحمه على المشهور لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تأكلوا لحوم الجلّالة ، فإن أصابك من عرقها فاغسله (1) إلا أن الشيخ قد ذهب إلى كراهة أكله وليس له مستند ظاهر.
فهو وإن حرم لحمه إلّا أنه طاهر العين وإن وقع الكلام في عرقه فالمشهور بين المتقدمين على النجاسة والمتأخرون على الطهارة.
وأما سؤره فقد ذهب الشيخ في المبسوط والسيد وابن الجنيد والعلامة إلى نجاسته مع كونه طاهر العين استنادا إلى رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سئل عما تشرب منه الحمامة ، فقال عليه السلام : كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب) (2) والجلال لا يؤكل لحمه فيحرم سؤره إلا أن المشهور حملوه على الكراهة كما تقدم ، نعم عن سيد المدارك أن الحكم بالكراهة ينبغي تعميمه إلى كل ما لا يؤكل لحمه سواء كان جلالا أو غيره وهو الحق.
(3) على المشهور لمرسل موسى بن أكيل عن أبي جعفر عليه السلام : (في شاة شربت بولا ثم ذبحت ، فقال عليه السلام : يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة ، والجلّالة هي التي يكون ذلك غذاؤها (3) والعذرة هي غائط الإنسان ولا أقل من الانصراف إلى ذلك ، وعن الحلبي أن الجلّال هو ما اغتذى بمطلق النجس ولا دليل له.
(4) اعترف أكثر من واحد بعدم تعرض النصوص لتعيين المدة التي يحصل بها الجلل ، فما عن بعضهم من تقدير المدة بيوم وليلة ، وعن آخر بما يظهر النتن في لحمه وجلده ، وعن ثالث بما ينمو في البدن وتصير العذرة جزءا منه كما عليه الشارح لا دليل عليه ، فالمرجع هو العرف ولذا أحال عليه الشارح أخيرا.
ص: 70
قبل أن يستبرأ بما يزيل الجلل ، (وآكل الجيف (1) مع الخلوّ) أي خلوّ موضع الملاقاة للماء(عن النجاسة) (2) وسؤر(الحائض المتهمة) (3) بعدم التنزّه عن النجاسة ، وألحق بها المصنف في البيان كل متهم بها (4) وهو حسن ، (وسؤر البغل والحمار) (5) وهما داخلان في تبعيته (6) للحيوان في الكراهية ، وإنما خصّهما لتأكد الكراهة فيهما (7) ، (وسؤر الفأرة (8) والحية) (9) ، وكل ما لا يؤكل
______________________________________________________
(1) ذهب الشيخ في النهاية والعلامة في المختلف إلى نجاسة سؤره ، وقال في الجواهر: «لا نعرف له وجها» والمشهور إلى الكراهة ولا دليل لهم.
(2) لأنه مع عدم الخلو ينجس الماء بملاقاة النجاسة.
(3) لموثق ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام : (في الرجل يتوضأ بفضل الحائض؟ قال عليه السلام : إذا كانت مأمونة فلا بأس) (1).
(4) أي بالنجاسة ، لأن المدار على الائتمان وعدمه كما هو مفاد الخبر المتقدم.
(5) والمراد به الأهلي ، وألحق بهما الخيل ، وقد تقدم أنه لا دليل على كراهية سؤر مكروه اللحم.
(6) أي تبعية السؤر.
(7) وقد أستفيد تأكد الكراهة من مفهوم مضمرة سماعة (هل يشرب سؤر شي ء من الدواب ويتوضأ منه؟ فقال : أما الإبل والبقر والغنم فلا بأس) (2) ففي غيرها الشامل للبغل والحمير بأس ، وهو محمول على الكراهة جمعا بينها وبين ما تقدم على طهارة سؤر غير نجس العين.
(8) فعن الشيخ في التهذيب والمفيد في المقنعة الحكم بنجاسة سؤرها ، والمشهور على الكراهة جمعا بين خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت ثم تخرج منه حيا ، قال : لا بأس به) (3) وخبر علي بن جعفر عن أخيه (عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أيصلى فيها؟ قال : اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره انضحه بالماء) (4).
(9) لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (في حية دخلت حبا فيه ماء وخرجت منه ، -
ص: 71
لحمه (1) إلا الهر (2) ، (وولد الزنا) (3) قبل بلوغه (4) ، أو بعده مع إظهاره للإسلام(5).
(الثانية):
يستحبّ التباعد بين البئر والبالوعة) (6)
______________________________________________________
- قال : إذا وجد ماء غيره فليهرقه) (1) وهو ظاهر في الكراهة.
(1) قد تقدم الكلام فيه.
(2) ويشهد له صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (في كتاب علي عليه السلام أن الهر سبع ، ولا بأس بسؤره ، وإني لأستحي من الله أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه) (2).
(3) لمرسلة الوشاء عن أبي عبد الله عليه السلام : (أنه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك ، وكل من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب) (3).
وذهب الصدوق والسيد وابن إدريس إلى نجاسة سؤره ، لأنه نجس العين كافر.
(4) لأنه محكوم بالطهارة ، غايته يكره سؤره للنص.
(5) بل الحكم مع إنكاره للإسلام أو لضرورة منه ، وإلا فمع إظهاره فهو مسلم.
(6) المشهور على استحباب البعد بين البئر والبالوعة بخمس أذرع إذا كانت الأرض صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة ، وبسبع أذرع إذا كانت الأرض سهلة أو كانت البالوعة مساوية أو أعلى من البئر.
وحجتهم الجمع بين مرسلة قدامة عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته كم أدنى ما يكون بين البئر بئر الماء والبالوعة؟ فقال عليه السلام : إن كان سهلا فسبع أذرع ، وإن كان جبلا فخمس أذرع) (4) بناء على كون أرض الجبل صعبة كما هو الغالب.
وبين خبر الحسن بن رباط عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن البالوعة تكون فوق البئر ، قال عليه السلام : إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع ، وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة -
ص: 72
التي يرمى فيها ماء النزح (1) (بخمس أذرع في) الأرض(الصّلبة) بضم الصاد وسكون اللام ، (أو تحتية) قرار(البالوعة) (2) عن قرار البئر ، (وإلا يكن) (3) كذلك بأن كانت الأرض رخوة والبالوعة مساوية للبئر قرارا ، أو مرتفعة عنه (4) (فسبع) أذرع.
وصور المسألة على هذا التقدير ست (5) يستحب التباعد في أربع منها بخمس (6) ، وهي الصّلبة مطلقا (7)
______________________________________________________
- أذرع من كل ناحية ، وذلك كثير) (1).
وذهب ابن الجنيد إلى سبع أذرع إذا كانت الأرض صلبة أو كانت البئر أعلى ، وإلى اثني عشر ذراعا إذا كانت الأرض سهلة أو كانت البالوعة أعلى لخبر محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البئر ويكون إلى جنبها الكنيف ، فقال لي : إن مجرى العيون كلها مع مهب الشمال - وفي نسخة : من مهب الشمال. ، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع ، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا ، وإن كانت تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع) (2) ، والرواية ضعيفة بمحمد فهو ضعيف كما في رجال النجاشي ، وبأبيه سليمان فكان غاليا ، بالإضافة إلى قصور دلالتها على جميع ما أفاده ابن الجنيد.
(1) ليس المراد من البالوعة خصوص ما يرمى فيها ماء النزح ، بل الأعم منها ومن مجمع النجاسات كما في رواية الديلمي حيث عبّر بالكنيف.
(2) التحتية والفوقية بالنسبة إلى قرار البئر وقرار البالوعة ، ولا عبرة بالجهة الفوقية من البئر والبالوعة.
(3) أي وإن لم تكن الأرض صلبة ، أو كانت سهلة ولم يكن قرار البئر أعلى.
(4) عن قرار البئر.
(5) لأن الأرض إما صلبة وإما رخوة وعلى التقديرين فقرار البئر إما أعلى وإما مساو وإما أدنى فالصور ست.
(6) أي بخمس أذرع.
(7) سواء كان قرار البئر أعلى أو مساو أو أدنى.
ص: 73
والرّخوة مع تحتية البالوعة ، وبسبع (1) في صورتين وهما مساواتهما (2) ، وارتفاع البالوعة في الأرض الرّخوة ، وفي حكم الفوقية المحسوسة الفوقية بالجهة (3) بأن يكون البئر في جهة الشمال ، فيكفي الخمس مع رخاوة الأرض وإن استوى القراران ، لما ورد من أن «مجاري العيون مع مهب الشمال».
(ولا ينجس) البئر(بها) أي بالبالوعة وإن(تقاربتا (4) إلا مع العلم بالاتصال) أي اتصال ما بها من النجس بماء البئر ، لأصالة الطهارة وعدم الاتصال (5).
(الثالثة) :
(النجاسة) أي جنسها(عشرة : البول (6) ،
______________________________________________________
(1) أي بسبع أذرع.
(2) أي مساواة البالوعة والبئر قرارا في الأرض الرخوة.
(3) أي بجهة الأرض حيث إن الشمال أعلى من الجنوب كما في خبر الديلمي المتقدم.
(4) لقاعدة الطهارة ، ولخبر محمد بن القاسم عن أبي الحسن عليه السلام (في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال : ليس يكره من قرب ولا بعد ، يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء) (1).
(5) عند الشك فيه والأصل العدم.
(6) أما بول الإنسان فللأخبار :
منها : صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (سألته عن البول يصيب الثوب ، فقال عليه السلام : اغسله مرتين) (2) وهو ظاهر في بول الإنسان بلا فرق بين بول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ، وخالف الشافعي فحكم بطهارة بول النبي صلى الله عليه وآله وسلم استنادا إلى رواية عندهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأم أيمن عند ما شربت بوله (إذن لا تلج النار بطنك) (3) ، وهو على فرض التسليم بسنده لا يدل على الطهارة إذ لعل الثواب لانقيادها ومحبتها لا لطهارة البول.
وعن الإسكافي طهارة بول الرضيع قبل أن يغتذي بالطعام لخبر السكوني عن أبي -
ص: 74
(والغائط (1) من غير المأكول) لحمه بالأصل ، أو العارض(ذي النفس) أي الدم
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام : (ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ، ولا بوله قبل أن يطعم) (1) وهو محمول على عدم اعتبار الغسل المعتبر في بول البالغ ، لا على طهارة بول الرضيع.
وأما بول الحيوان فما يؤكل لحمه طاهر ، وما لا يؤكل لحمه نجس للأخبار.
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) ((2).
(1) أما غائط الإنسان فللأخبار :
منها : خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها - يعني المقعدة - وليس عليه أن يغسل باطنها) (3) وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء؟ قال : لا ، ولكن يغسل ما أصابه) (4).
وأما عذرة الحيوان الذي لا يؤكل لحمه فللأخبار :
منها : صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد) (5) وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (عن الدقيق يقع فيه خرء الفأرة هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق؟ قال : إذا لم تعرفه فلا بأس ، وإن عرفته فلتطرحه) (6) ثم لا فرق في نجاسة بول وغائط ما لا يؤكل لحمه بين كونه بريا أو بحريا للإطلاق ، ولا فرق بين كونه صغيرا أو كبيرا ، ولا بين أن تكون حرمته أصلية كالسباع أو عارضية للإطلاق ، بالإضافة إلى صحيح هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تأكلوا لحوم الجلّالة ، فإن أصابك من عرقها فاغسله) (7) وهو دال على حرمة أكل الجلال فيندرج تحت عموم قوله عليه السلام : (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (8).
وفي موطوء الإنسان خبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (إن أمير المؤمنين عليه السلام -
ص: 75
.................................................................................................
______________________________________________________
- سئل عن البهيمة التي تنكح فقال عليه السلام : حرام لحمها وكذلك لبنها) (1) وفي الغنم الذي شرب لبن الخنزيرة موثق حنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن جدي رضع من لبن خنزيرة حتى شبّ وكبر واشتد عظمه ، ثم إن رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل ، فقال عليه السلام : أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه ، وأما ما لم تعرفه فكله) (2).
نعم استثني أمران :
الأول : ما لا نفس له سائلة بدعوى انصراف الأخبار المتقدمة الواردة في بول وأرواث ما لا يؤكل لحمه إلى خصوص ما له نفس سائلة ، ووجه الانصراف إما لأن ما لا نفس له لا لحم له كالذباب ، وإما له لحم ويسمى روثه بالرجيع ، وتوقف المحقق فيه ، ثم إن المراد بذي النفس السائلة هو ما كان له دم يجتمع في العروق ويخرج عند قطعها بقوة ودفق ، وقد نسبه الفيومي في المصباح إلى أهل اللغة والأصحاب.
الثاني : بول الطير وخرؤه وإن كان مما لا يؤكل لحمه ، كما ذهب إليه العماني والجعفي والصدوق والشيخ وجماعة من المتأخرين لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (كل شي ء يطير فلا بأس ببوله وخرئه) ((3).
والمشهور أعرضوا عن هذا الخبر وتمسكوا بعموم صحيح ابن سنان المتقدم (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (4) ، قال العلامة في التذكرة : (وقول الشيخ (رحمه الله) في المبسوط بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير ضعيف ، لأن أحدا لم يعمل بها) وقال ابن إدريس في السرائر : (ورويت رواية شاذة لا يعوّل عليها أن ذرق الطير طاهر سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكوله ، والمعوّل عليه عند محققي أصحابنا والمحصلين منهم خلاف هذه الرواية ، لأنه هو الذي تقتضيه أخبارهم المجمع عليها).
وفيه : إن خبر أبي بصير صحيح السند وهو مؤيد بأخبار :
منها : خبر غياث عن جعفر عن أبيه عليهم السلام (لا بأس بدم البراغيث والبق وبول -
ص: 76
.................................................................................................
______________________________________________________
- الخشاشيف) (1) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام (عن الرجل يرى في الثوب خرء الطير أو غيره هل يحكّه وهو في الصلاة؟ قال عليه السلام : لا بأس) (2) وخبر الجعفريات عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام (إن عليا سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفاش ودماء البراغيث فقال : لا بأس بذلك) (3).
هذا فضلا عن أن الطير فاقد البول ولذا قال في المستند : (إن الطير إما فاقد للبول كما هو الظاهر في أكثر الطيور حيث لم يطلع أحد على بول له ، ويستبعد وجوده وعدم الاطلاع عليه سيما في المأنوسة) ، وعن السيد المقدس البغدادي : العلم بعدم البول لغير الخفاش.
ويؤيده ما في توحيد المفضل : (تأمل - يا مفضل - جسم الطائر وخلقته ، فإنه حين قدّر أن يكون طائرا في الجو خفّف جسمه وأدمج خلقه ، فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين ، ومن الأصابع الخمسة على أربع ، ومن منفذين للزبل والبول على واحد يجمعهما - إلى أن قال - خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع ، وهو لذوات الأربع أقرب ، وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين ولسان ووبر ، وهو يلد ولادا ويرضع ويبول ، ويمشي إذا مشى على أربع. وكل هذا خلاف صفة الطير) وهو صريح بعدم وجود بول للطير إلا الخفاش.
وعلى ما تقدم فلا عموم في صحيح ابن سنان : (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (4) يشمل الطير لخروجه تخصصا ، هذا بالنسبة للبول ، وأما بالنسبة للغائط فلا يوجد دليل لفظي عام أو مطلق حتى يتمسك به لإثبات نجاسة خرء الطير ، غاية ما يوجد أخبار خاصة بالعذرة وخرء الفأرة وهذا لا يمكن تعميمه إلى ما يخرج من الطير لأنه يسمى بالرجيع مع أن العذرة مختصة بفضلة الإنسان ، نعم لا بد من الحكم بكراهة بول الخشاف جمعا بين ما دل على طهارة بول الخشاف وقد تقدم وبين رواية داود الرقي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال عليه السلام : اغسل ثوبك) (5).
ص: 77
القوي الذي يخرج من العرق عند قطعه ، (والدم (1) والمنيّ (2) من ذي النفس)
______________________________________________________
- وقيل : بأن جمعا من أهل الخبرة اختبروا الخفاش فوجدوه مما ليس له نفس سائلة فيخرج عن عموم ابن سنان المتقدم تخصصا ، ثم اعلم أن المصنف والشارح حكما بنجاسة بول الطير وخرئه لعدم استثنائهما من بول وغائط غير مأكول اللحم.
(1) بلا خلاف فيه ، ويدل عليه قوله تعالى : ( إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) (1) بناء على ظهور الرجس في النجاسة ، وللأخبار :
منها : صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال في الدم يكون في الثوب : إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته) (2). وخصّ الدم بما له نفس سائلة لخبر عبد الله بن أبي يعفور : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في دم البراغيث ، قال : ليس به بأس ، قلت : إنه يكثر ويتفاحش ، قال : وإن كثر) (3) وخبر غياث المتقدم (لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف) (4) وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام : (إن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل ، يعني دم السمك) (5) بناء على أن ما لم يذك أي غير قابل للتذكية هو الذي لا نفس له سائلة.
(2) للأخبار منها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه شي ء فليغسل الذي أصابه ، فإن ظنّ أنه أصابه شي ء ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء) (6) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (ذكر المنيّ وشدده وجعله أشدّ من البول) (7) ، وهو عام يشمل منيّ الإنسان والحيوان ، بريا كان الحيوان أو بحريا ، وخصّص بذي النفس السائلة لأن ما لا نفس سائلة له لا مني له ، ولا أقل من الشك في ذلك ، وعلى فرض وجود منيّ لما لا نفس سائلة فأصالة الطهارة محكمة بعد كون الأخبار المتقدمة منصرفة إلى مني ما له نفس سائلة بل إلى خصوص منيّ الإنسان.
ص: 78
آدميا كان أم غيره ، برّيا أم بحريا ، (وإن أكل لحمه ، والميتة (1) منه) أي من ذي النفس وإن أكل ، (والكلب (2) والخنزير (3)
______________________________________________________
(1) أما ميتة الإنسان فللأخبار منها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته على الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال : يغسل ما أصاب الثوب) (1) وخبر إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت فقال : إن كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه) (2).
ويستثنى منه المعصوم والشهيد ومن شرع له الغسل قبل موته كالمرجوم وسيأتي الكلام في هذه المستثنيات إنشاء الله تعالى.
وأما ميتة الحيوان فللأخبار أيضا ، وهي كثيرة منها : خبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة) (3) وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس) (4).
(2) للأخبار منها : رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام : (سئل عن سؤر الكلب يشرب منه أو يتوضأ ، قال : لا ، قلت : أليس هو سبع؟ قال : لا والله إنه نجس ، لا والله إنه نجس) (5) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل ، قال : يغسل المكان الذي أصابه) (6).
(3) لقوله تعالى : ( إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) (7) بناء على كون الرجس بمعنى النجس كما هو الظاهر.
وخبر خيران الخادم : (كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صل فيه فإن الله إنما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصل فيه ، فكتب عليه السلام : لا تصل فيه فإنه رجس) (8).
ص: 79
البريان (1) ، وأجزاؤهما (2) وإن لم تحلها الحياة ، وما تولّد منهما (3) وإن باينهما في الاسم (4). أما المتولّد من أحدهما وطاهر (5) فإنه يتبع في الحكم الاسم ولو لغيرهما ، فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته وإن حرم لحمه ، للأصل فيهما (6).
(والكافر) أصليا ، ومرتدا (7) : وإن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضرورياته (8):
______________________________________________________
(1) لأن البري هو المتبادر من الأخبار المتقدمة ، وذهب ابن إدريس إلى نجاسة الكلب البحري تمسكا بالإطلاق ، وردّ بأنه يلزمه الحكم بنجاسة الخنزير البحري بالإضافة إلى عدم إحراز الإطلاق مع التبادر السابق.
(2) سواء كان الجزء مما تحله الحياة كاللحم أم مما لا تحله الحياة كالشعر والعظم ، لكون الجميع أجزاء للكلب والخنزير ، بعد ثبوت النجاسة لعينهما فلا محالة تكون الأجزاء نجسة لأن المركب عين الأجزاء.
وذهب السيد المرتضى إلى طهارة الجزء الذي لا تحله الحياة لصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال عليه السلام : لا بأس) (1).
وفيه : عدم ظهوره في ظهارة شعر الخنزير إذ لعل السؤال من ناحية احتمال تقاطر الماء من الحبل على ما في الدلو.
(3) من الكلب والخنزير فهو محكوم بالنجاسة إن صدق عنوان الكلبية أو الخنزيرية عليه.
(4) بحيث لم يصدق عليه عنوان أحدهما وكان حقيقة ثالثة ، هذا ما ذهب إليه الشهيدان ، وفيه : إن الأحكام تابعة للأسماء ، فإن لم يصدق عليه عنوان أحدهما فهو محكوم بالطهارة لقاعدة الطهارة.
(5) كما لو نزى كلب على حيوان فأولده ، روعي في ذلك اسمه ، فإن صدق عليه عنوان أحدهما فله حكمه وإلا فهو طاهر لقاعدة الطهارة.
(6) في الطهارة وأكل اللحم ، أما الطهارة فالأصل هو قاعدة الطهارة وأما أكل اللحم فالأصل فيه الحرمة ما لم يقم دليل على حلّه بالتذكية.
(7) لإطلاق الأخبار الآتية.
(8) هل إنكار الضروري موجب للكفر بما هو سبب مستقل ، أو بما هو راجع إلى إنكار -
ص: 80
.................................................................................................
______________________________________________________
- النبوة ، وظاهر الأصحاب على الأول لنصوص منها : مكاتبة عبد الرحيم القصير (قال عليه السلام : ولم يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال ، بأن يقول للحلال هذا حرام ، وللحرام هذا حلال) (1) وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام) (2) وصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا ، قال عليه السلام : من قال للنواة أنها حصاة وللحصاة أنها نواة ، ثم دان به) (3).
وهذه الأخبار لم تقيد المجحود بكونه ضروريا فتحمل على إنكار ما ثبت أنه من الدين سواء كان ضروريا أو لا ، ليستلزم جحوده إنكار النبوة التي هي الأصل الثاني من أصول الدين ، وإنكار النبوة موجب للكفر ، وهذا ما عليه جماعة وهو المتعين.
ثم إن الكافر بجميع أصنافه نجس على المشهور ، ولم يعرف الخلاف في غير الكتابي ، بل أدعي الإجماع في التهذيب والتذكرة ، وعليه فالكافر بجميع أصنافه غير الكتابي نجس للإجماع ، ولقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (4) ولا يوجد خبر يدل على نجاسته ، وكأنه لمعروفية الحكم بينهم.
وأما الكتابي من اليهود والنصارى والمجوس بناء على أن للأخير كتابا قد حرّفوه فالمشهور على نجاستهم ، وذهب ابن الجنيد والعماني والشيخ في باب الأسآر من النهاية والمفيد في العزية وسيد المدارك وجماعة من المتأخرين إلى الطهارة ، مع العلم أن العامة إلا القليل منهم قائلون بالطهارة.
واستدل للنجاسة بقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا ) (5).
ونوقش بأن النجس مصدر لا يمكن حمله على الأعيان إلا بتقدير لفظ (ذو) ، فتكون نسبة النجاسة للمشركين باعتبار عدم انفكاك ظاهر جسدهم من النجاسات العرضية كالخمر والخنزير ، وهذا لا يدل على نجاستهم الذاتية.
وردّ كما في المعتبر وغيره بأنه يصح حمل المصدر على العين مبالغة كما تقول : زيد -
ص: 81
.................................................................................................
______________________________________________________
- عدل ، هذا فضلا عن أن النجس بالفتح وصف كالنجس بالكسر ، وهو ضد الطاهر كما عن القاموس.
ونوقش أيضا بأن الدليل أخص من المدعى ، لأن الآية مختصة بالمشركين دون غيرهم من أصناف الكفار ، وردّ بالإجماع على عدم الفصل ، وبأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَرُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ ) (1).
ونوقش أيضا بأن النجس لم يثبت كون المراد منه هو النجاسة ، لأن النجس بالفتح ظاهر في الخباثة النفسانية كما عليه العامة ، أو أنه ظاهر في المستقذر العرفي وهو غير النجاسة بحسب الحقيقة المتشرعية ، وردّ بأن النجس بالفتح مستعمل ضد الطاهر كما عن القاموس ، ولذا فرّع عليه عدم دخولهم المسجد الحرام ، وتخصيص المسجد الحرام لأن من عاداتهم الجاهلية الدخول إليه وإقامة بعض الشعائر فيه.
واستدل للنجاسة بأخبار منها : خبر سعيد الأعرج : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي والنصراني فقال عليه السلام : لا) (2) وخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام : (في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال عليه السلام : من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك) (3) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام : (عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه ، قال عليه السلام : لا) (4) ، ورواية هارون بن خارجة : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أخالط المجوس فآكل من طعامهم ، قال عليه السلام : لا) (5) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (في رجل صافح مجوسيا فقال : يغسل يده ولا يتوضأ) (6) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام : (عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام ، قال : إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل) (7).
واستدل للطهارة بقوله تعالى : ( وَطَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) (8) وردّ الاستدلال بأن المراد من الطعام هو الحبوب كما في الأخبار ولنص أهل -
ص: 82
وضابطه (1) : من أنكر الإلهية ، أو الرسالة (2) ، أو بعض ما علم ثبوته من الدين
______________________________________________________
- اللغة ، قال في المصباح المنير : «إذا أطلق أهل الحجاز الطعام عنوا به البر خاصة».
وللأخبار منها : صحيح العيص : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى والمجوس فقال عليه السلام : إذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس) (1) وصحيح إسماعيل بن جابر : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكله ، ثم سكت هنيهة ثم قال : لا تأكله ، ثم سكت هنيهة ثم قال : لا تأكله ولا تتركه تقول إنه حرام ، ولكن تتركه تتنزه عنه ، إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير) (2) ورواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه يهودي ، فقال : نعم ، فقلت : من ذلك الماء الذي شرب منه ، قال : نعم) (3).
بل أخبار الطهارة بشهادة جماعة من الفقهاء هي أكثر عددا وأصح سندا ، وأظهر دلالة بحمل أخبار النجاسة على نجاستهم العرضية من وجود الخمر والخنزير عندهم ، إلا أن المشهور قدموا أخبار النجاسة مع الإعراض عن أخبار الطهارة بحملها على أنها للتقية لموافقتها للعامة القائلين بالطهارة.
والإنصاف يقتضي تقديم أخبار الطهارة لأن فيها الجمع الدلالتي بين الطائفتين ، وإعراض المشهور لا يوجب وهنها كإعراضهم عن أخبار طهارة ماء البئر ، وموافقتها للعامة لا توجب حملها على التقية بعد عدم ثبوت التعارض بينها وبين أخبار النجاسة التي يلوح من أخبار الطهارة أن نجاستهم عرضية والاجتناب عنهم من باب التنزه.
(1) أي ضابط الكفر.
(2) لأن الإسلام متوقف على الإيمان بهما ويدل عليه سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قبول إسلام من يتشهد بالشهادتين فضلا عن الأخبار منها : رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام : (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس) (4) وخبر جميل بن دراج : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإيمان فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله) (5).
ص: 83
ضرورة (1).
(والمسكر) (2)
______________________________________________________
(1) بل كل ما ثبت بعلم أو علمي أنه من الدين ، وكان إنكاره مستلزما لإنكار النبوة ، وهذا لا يتحقق إلا في الملتفت.
ثم إن الشارح لم ينص على كفر الناصبي والخارجي والغلاة وقد وردت النصوص بكفرهم ونجاستهم ، وكفرهم لإنكار ما ثبت أنه من الدين كوجوب حب أهل البيت عليهم السلام وكوجوب طاعتهم وأنهم بشر ، ومنكر الأول ناصبي والثاني خارجي والثالث غال.
(2) خمرا كان أو غيره على المشهور للأخبار منها : خبر ابن حنظلة : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره فقال عليه السلام : لا والله ، ولا قطرة قطرت في جب إلا أهريق ذلك الجب) (1) وخبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (ولا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل) (2) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في النبيذ ما يبلّ الميل ينجس حبا من ماء قالها ثلاثا) (3).
وذهب الصدوق وأبوه والعماني والجعفي وجماعة من المتأخرين إلى طهارته لأخبار منها : صحيح الحسن بن موسى الحناط : (عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي ، فقال عليه السلام : لا بأس) (4) وخبر الحسن بن أبي سارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت : إنا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمرّ ساقيهم فيصبّ على ثيابي الخمر ، فقال عليه السلام : لا بأس به إلا أن تشتهي أن تغسله لأثره) (5).
والترجيح لأخبار النجاسة لرواية خيران الخادم : (كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صل فيه فإن الله إنما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصل فيه ، فكتب -
ص: 84
المائع بالأصالة (1) ، (والفقّاع) (2) بضم الفاء ، والأصل فيه أن يتّخذ من ماء الشعير (3) ، لكن لمّا ورد الحكم فيه معلقا على التسمية ثبت لما أطلق عليه
______________________________________________________
- عليه السلام : لا تصل فيه فإنه رجس) (1) ومثله خبر علي بن مهزيار (2).
(1) لانصراف الأخبار المتقدمة بل ظاهرها على ذلك ، فيبقى المسكر الجامد كالحشيشة طاهرا لقاعدة الطهارة.
(2) نص في القاموس أنه كرمّان ، ونجاسته للأخبار منها : خبر ابن جميلة : (كنت مع يونس ببغداد ، وأنا أمشي في السوق ففتح صاحب الفقّاع فقّاعه فقفز فأصاب يونس ، فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس ، فقلت : يا أبا محمد ألا تصلي فيه؟ قال : ليس أريد أن أصلي حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي ، فقلت له : هذا رأي رأيته أو شي ء ترويه؟ فقال : أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق عليه السلام عن الفقّاع فقال : لا تشربه ، فإنه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله) (3).
وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الفقّاع فقال عليه السلام : هو خمر) (4) ومثله موثق ابن فضال (5).
(3) ففي مجمع البحرين : «أنه شراب متخذ من ماء الشعير فقط» ، وعن الانتصار : «أنه شراب متخذ من الشعير أو من القمح» وعن مقداريات الشهيد : «كان قديما يتخذ من الشعير غالبا ويصنّع حتى يحصل فيه النشيش والقفزان ، وكأنه الآن يتخذ من الزبيب ويحصل فيه هاتان الخاصتان» وعن كشف الغطاء : «يتخذ من الشعير غالبا ، وأدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة ، ودونهما ما يكون من الزبيب ، ودونهما ما يكون من غيرها».
وفي سؤال المهنّأ بن سنان للعلامة : (إن أهل بلاد الشام يعملون من الشعير ومن الزبيب ومن الرمان ومن الدبس ويسمون هذا الجميع فقاعا) ولذا قال المحقق الخونساري في حاشيته على الروضة : «وبالجملة فحقيقة الفقاع لم تظهر لنا» ، ولقد أجاد الشارح في روض الجنان حيث قال : «لكن لما ورد النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك عمل منه - أي من الشعير - أم من غيره ، إذا حصل فيه خاصته وهو النشيش ، وما يوجد في الأسواق يسمى فقاعا يحكم بتحريمه تبعا للاسم إلا أن يعلم -
ص: 85
اسمه مع حصول خاصيته ، أو اشتباه حاله (1).
ولم يذكر المصنف هنا من النجاسات العصير العنبي (2)
______________________________________________________
- انتفاؤه قطعا».
ويدل على خاصيته خبر ابن أبي عمير عن مرازم : (كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقّاع في منزله ، قال ابن أبي عمير ولم يعمل فقّاع يغلي) (1) فالمدار على غليانه فيكون فقاعا وإلا فهو ماء الشعير الطبي الذي يستعمل في العلاج.
(1) من حصول الخاصية لكن يسمى فقاعا فلا بد من الحكم بالحرمة تبعا للاسم.
(2) المشهور على حرمته ونجاسته لخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف ، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال عليه السلام : خمر لا تشربه ، قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟
قال : نعم) (2).
هذا على رواية التهذيب فيكون الخبر دالا على النجاسة والحرمة لأنه صرح بكونه خمرا ، وفي رواية الكافي من دون لفظ الخمر فتدل على حرمة الشرب فقط دون النجاسة ، وباعتبار أن الكليني أثبت فترجح روايته المعتضدة بقاعدة الطهارة فلذا ذهب جماعة إلى حرمة شربه بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين ، ولكنه طاهر.
وقال الشارح في المسالك : «والقول بنجاسة العصير هو المشهور بين المتأخرين ومستنده غير معلوم ، بل النص إنما دل ع لى التحريم ، وفي البيان : لم أقف على نص يقتضي نجاسته» وفيه : إن لحن الأخبار الكثيرة أن العصير العنبي من أقسام الخمر منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يحرم العصير حتى يغلي) (3) وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن شرب العصير قال : تشرب ما لم يغل فإذا غلا فلا تشرب ، قلت : أي شي ء الغليان؟ قال : القلب) (4) وخبر ذريح : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا نشّ العصير أو غلا حرم) (5) والنشيش هو الصوت والصفير الحاصل قبل الغليان بقليل ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله -
ص: 86
إذا غلا واشتدّ (1) ولم يذهب ثلثاه ، لعدم وقوفه على دليل يقتضي نجاسته كما اعترف به في الذكرى والبيان. ولكن سيأتي أن ذهاب ثلثيه مطهّر ، وهو يدل على حكمه بتنجسه فلا عذر في تركه. وكونه في حكم المسكر كما ذكره في بعض كتبه لا يقتضي دخوله فيه حيث يطلق (2) ، وإن دخل في حكمه حيث يذكر (3).
(وهذه) النجاسات العشر(يجب إزالتها) لأجل الصلاة(عن الثوب والبدن) (4)،
______________________________________________________
- عليه السلام : (كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (1).
فالمستفاد أن العصير العنبي سواء غلى بنفسه أم بالنار يحرم عند الغليان أو النشيش ولا يطهر إلا بذهاب ثلثيه باعتبار أنه من أقسام الخمر ، ولذا قال أبو الحسن الشعراني في هامش الوسائل : «إن الشارع جعل أخذ العصير في الغليان بنفسه أو بالنار حدا شرعيا فاصلا بين الحرمة والحلية ، يعرف به وجوب الاجتناب من العصير ، إذ لو لم يجعل له حد في الشرع ربما شربوا العصير المنبوذ للتخمر بعد مضي زمان باستصحاب الحلية وأصالة عدم حصول صفة الإسكار ووقعوا في الحرام الذي لا يرضى الشارع بوقوع الناس فيه حال الشك ، ولم يحل حصول الإسكار على العرف حسما للفساد» (2).
(1) الاشتداد أن يحصل له ثخانة وكثافة ، وقد اعتبر في القواعد الغليان أو الاشتداد ، واكتفى العلامة في التحرير والمختلف بالغليان فقط ، وفي المعتبر أنه يحرم عند الغليان ولا ينجس إلا مع الاشتداد ، والمدار على الأخبار ، وقد اكتفت بالغليان فقط ففي مرسل ابن الهيثم : (إذا تغير عن حاله وغلا فلا خير فيه) (3) وفي خبر حماد المتقدم : (لا يحرم العصير حتى يغلي) (4) ، ومثله غيره.
(2) لفظ المسكر.
(3) أي حيث يذكر العصير العنبي بقولهم : المسكر وما يلحق به ، مع أنك قد عرفت أنه من أقسام المسكر لا أنه ملحق به.
(4) يشترط في صحة الصلاة إزالة النجاسة عن البدن والثوب للأخبار الكثيرة منها : خبر -
ص: 87
ومسجد الجبهة (1) ، وعن الأواني لاستعمالها فيما يتوقف على طهارتها (2) ، وعن المساجد (3) ، والضرائح المقدسة ، والمصاحف المشرفة (4) (وعفي) في الثوب
______________________________________________________
- الحسن بن زياد : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله ، ثم يذكر بعد أنه لم يغسله قال : يغسله ويعيد الصلاة) (1) وصحيح زرارة : (قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منيّ فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله) (2).
بلا فرق في الثوب بين الساتر وغيره ، ولا فرق في البدن بين ما تحله الحياة وغيره ، ولا فرق في الصلاة بين الواجبة وغيرها للإطلاق.
(1) لصحيح ابن محبوب عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : كتب إليه يسأله (عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب عليه السلام إليه بخطه : إن الماء والنار قد طهراه) (3).
ووجه الاستدلال : أن الإمام أقرّ السائل على اعتقاده من أن النجاسة في مسجد الجبهة مانعة عن صحة الصلاة ، وإن وقع البحث في ذيله معنى واستدلالا.
(2) أي عن الأواني التي تستعمل فيما يتوقف الاستعمال على طهارة الأواني في المأكول والمشروب والغسل والوضوء.
(3) للنبوي : (جنبوا مساجدكم النجاسة) (4) ولخبر محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت له : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى ، قال عليه السلام : فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا) (5).
(4) بلا خلاف فيه كما في المستمسك لوجوب تعظيمها لقوله تعالى : ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (6) ، بل يجري هذا الدليل في كل ما حرم إهانته كالتربة الحسينية والضرائح المقدسة وما اخذ من طين وتراب قبور المعصومين عليهم السلام للتبرك.
ص: 88
والبدن(عن دم الجرح والقرح مع السيلان) دائما أو في وقت لا يسع زمن فواته الصلاة (1). أما لو انقطع وقتا يسعها (2) فقد استقرب المصنف(رحمه الله) في الذكرى وجوب الإزالة لانتفاء الضرر ، والذي يستفاد من الأخبار عدم الوجوب مطلقا حتى يبرأ ، وهو قوي.
(وعن دون الدرهم (3)
______________________________________________________
(1) بل الصلاة مع تطهير الثوب فيكون الجرح والقرح مع هذا القيد بحكم السيلان الدائم ، ويدل على العفو أخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال عليه السلام : يصلي وإن كانت الدماء تسيل) (1) وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم) ((2).
(2) يسع الصلاة مع إزالة النجاسة عن الثوب والبدن ، فقد ذهب المحقق والعلامة والشهيد إلى وجوب الإزالة ، وذهب الصدوق والمحقق الثاني وثاني الشهيدين وسيد المدارك إلى عدم وجوب الإزالة سواء كانت الفترة تسع الصلاة والإزالة أم لا ، وسواء كانت الإزالة بمشقة أو لا ، إلى أن يبرأ الجرح أو القرح تمسكا بإطلاق الأخبار.
وفيه : إنه لا بد من تحكيم القواعد والنصوص التي أوجبت الطهارة في الثوب والبدن حال الصلاة عند وجود وقت يسع الصلاة مع التطهير.
(3) أي ويعفى في الصلاة عما دون الدرهم من الدم في الثوب والبدن للأخبار منها : صحيح إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام : (قال : في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته) (3) وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ، ثم يذكر بعد ما صلى ، أيعيد صلاته؟ قال عليه السلام : يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (4).
والأخبار وإن اقتصرت على الثوب لكن يتعدى منه إلى البدن لأن ظهورها على العفو عن الأقل من الدرهم أينما كان هذا من جهة ومن جهة أخرى فلو كان الدم بمقدار
ص: 89
البغلي (1)
______________________________________________________
- الدرهم فقد ذهب الأكثر إلى عدم العفو وتجب الإزالة لقوله عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور المتقدم : (إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (1) ولمرسل جميل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام : (فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم) (2) ولخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام : (إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولا تصل فيه حتى تغسله) (3) والدينار بسعة الدرهم تقريبا كما في الوسائل.
وذهب السيد المرتضى وسلّار إلى العفو لخبر محمد بن مسلم : (قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة - إلى أن قال - : وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه) (4) حيث جعل عدم العفو للأزيد من الدرهم فيكون مقدار الدرهم معفوا.
وفيه : إن الأخير قد دل على العفو عما يوازي الدرهم سعة بالمفهوم وهو لا يقاوم.
ما دل على عدم العفو عما يوازي الدرهم بالمنطوق من الأخبار المتقدمة.
(1) الأخبار خالية عن هذا القيد ، والمتقدمون على تقييده بالدرهم الوافي الذي وزنه درهم وثلث كما في السرائر ، والكثير من الفقهاء على تقييده بالبغلي ، وعن كشف الحق نسبته إلى الإمامية ، والظاهر أنهما واحد لما قاله المحقق في المعتبر : «والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ويسمى بالبغلي» واختلفوا في هذه النسبة ، ففي الذكرى للشهيد : «إن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية ، وزنه ثمانية دوانيق ، والبغلية تسمى قبل الإسلام بالكسروية ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام والوزن بحاله ، وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانق ، فلما كان في زمان عبد الملك جمع بينهما واتخذ درهما منهما ، واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق ، وهذه التسمية ذكرها ابن دريد ، وقيل : منسوب إلى بغل قرية بالجامعين ، كان يوجد فيها دراهم يقرب سعتها من أخمص الراحة لتقدم الدراهم على الإسلام ، قلنا : لا ريب في تقدمها وإنما التسمية حادثة فالرجوع إلى المنقول أولى».
وأشار بلفظ قيل إلى ما قاله ابن إدريس في السرائر : «وهو منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل ، قريبة من بابل ، بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين ، -
ص: 90
سعة ، وقدّر بسعة أخمص الراحة (1) وبعقد الإبهام العليا (2) ، وبعقد السّبابة (3) ولا منافاة ، لأن مثل هذا الاختلاف يتفق في الدراهم بضرب واحد (4) ، وإنما يغتفر هذا المقدار(من) الدم(غير) الدماء(الثلاثة) (5).
______________________________________________________
- تجد فيها الحفرة ، والنباشون دراهم واسعة ، شاهدت درهما من تلك الدراهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد ، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة ، وقال لي بعض من عاصرناه ممن له علم بأخبار الناس والأنساب : إن المدينة والدراهم منسوبة إلى ابن أبي البغل ، رجل من كبار أهل الكوفة ، اتخذ هذا الموضوع قديما ، وضرب هذا الدرهم الواسع فنسب إليه الدرهم البغلي ، وهذا غير صحيح لأن الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل الكوفة».
والمهم معرفة سعتها لأن الدم المعفو هو بمقدار السعة للانصراف.
(1) وهو ما انخفض من باطن الكف ، وهذا ما قدره الكثير من الأصحاب ومستندهم شهادة ابن إدريس في عبارته السابقة أنه شاهده بهذه السعة.
(2) كما عن الإسكافي.
(3) كما عن بعض ، وعن بعض آخر بعقد الوسطى ، وعن ابن أبي عقيل بسعة الدينار ويشهد له خبر علي بن جعفر المتقدم.
(4) قال الشارح في روض الجنان : «إنه لا تناقض في هذه التقديرات لجواز اختلاف الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع ، وقد أخبر كل واحد بما رآه».
وفيه : مع الاختلاف لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو الأقل ، والباقي لا يعفى عنه لقاعدة الاشتغال ، والأقل من هذه التقديرات ما كان بعقد السبابة.
(5) الحيض والنفاس والاستحاضة ، ففي خبر أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام : (لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلا دم الحيض ، فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء) (1).
والأصحاب ألحقوا به دم النفاس والاستحاضة لاشتراك الجميع في الغسل المشعر بغلظة حكمها ، ولأن النفاس حيض محتبس كما سيأتي والاستحاضة مشتقة من الحيض ، وهذا استحسان لا يؤخذ به ، نعم ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع على الإلحاق فإن تم فهو الحجة ، وهو غير تام لضعف إجماعات الخلاف ولذا ذهب المحقق البحراني إلى إلحاق دم النفاس والاستحاضة بالمعفو عنه.
ص: 91
وألحق بها (1) بعض الأصحاب دم نجس العين (2) لتضاعف النجاسة ، ولا نصّ فيه. وقضية الأصل تقتضي دخوله في العموم (3) والعفو عن هذا المقدار مع اجتماعه موضع وفاق ، ومع تفرّقه أقوال (4) : أجودها إلحاقه بالمجتمع ، ويكفي في الزائد عن المعفو عنه إزالة الزائد خاصة (5). والثوب والبدن يضمّ بعضهما إلى بعض على أصح القولين(6).
______________________________________________________
(1) بالدماء الثلاثة.
(2) وهو دم الكلب والخنزير كما عن الراوندي وجماعة ، وعن قواعد العلامة وإرشاده إلحاق دم الكافر والميتة لأن الدم المستثنى قد عفي عنه من حيث هو دم ، ولا دليل على العفو من جهة نجاسة العين.
(3) فقاعدة الاشتغال تقتضي دخول دم نجس العين تحت عموم وجوب إزالة النجاسة عن البدن والثوب حال الصلاة.
(4) ذهب الشهيد والعلامة والمحقق الثاني إلى عدم العفو ونسبه في كشف الالتباس إلى الشهرة لذيل خبر ابن أبي يعفور المتقدم : (يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (1) بناء على أن لفظ - مجتمعا - خبر ثان ، فيكون العفو مشروطا بأمرين : أن يكون الدم بمقدار الدرهم وأن يكون مجتمعا ، وإذا انتفى أحد الشرطين فينتفى العفو.
ونسب إلى جماعة منهم الشيخ في النهاية وسلار وابنا حمزة وإدريس والمحقق البحراني العفو ، لأن لفظ - مجتمعا - حال ، والمعنى : إلا أن يكون الدم حال كونه مجتمعا مقدار درهم ، فالعفو غير مشروط بالاجتماع وهو الظاهر من الخبر خصوصا أن صدره صريح في تفرق الدم : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ، ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ويعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (2).
وذهب الشيخ والمحقق في المعتبر إلى عدم العفو مع التفاحش ، وإلى العفو مع عدمه ، وفيه : عدم الدليل عليه مع عدم انضباطه.
(5) فيبقى الباقي وهو معفو عنه بحسب الفرض.
(6) قال الشارح في روض الجنان : «هذا الحكم في الدم المتفرق في الثوب الواحد وأما المتفرق في الثياب المتعددة ، أو فيها وفي البدن ، فهل الحكم فيها كذلك ، بمعنى -
ص: 92
ولو أصاب الدم وجهي الثوب فإن تفشّى من جانب إلى آخر فواحد وإلا فاثنان (1). واعتبر المصنف في الذكرى في الوحدة مع التفشي رقّة الثوب ، وإلا تعدّد (2) ، ولو أصابه مائع طاهر (3) ، ففي بقاء العفو عنه وعدمه قولان للمصنف في الذكرى والبيان (4) ، أجودهما الأول. نعم يعتبر التقدير بهما (5).
وبقي مما يعفى عن نجاسته شيئان : أحدهما ثوب المربية للولد (6) ، والثاني ما لا يتمّ صلاة الرجل فيه وحده لكونه لا يستر عورتيه (7) ، وسيأتي
______________________________________________________
- تقدير جميع ما فيها؟ أو لكل واحد من الثوب والبدن حكم بانفراده ، أو لا يضمّ أحدهما إلى الآخر ، أو لكل ثوب حكم كذلك فلا يضمّ بعضها إلى بعض ولا إلى البدن ، أوجه واعتبار الأول أوجه وأحوط» ولم أجد من قال بالباقي من هذه الاحتمالات.
(1) كما هو قضية التشخيص العرفي.
(2) اعتبر المصنف في الذكرى والبيان بأن الدم لو تفشى وكان الثوب رقيقا فواحد وإن كان الثوب صفيقا فاثنان والتشخيص العرفي للوحدة يدفعه.
(3) فلو أصاب الدم مائع طاهر فينجس المائع فهل يعفى عنه أو لا؟ ذهب الشهيد في الذكرى إلى العفو ، لأن المتنجس بشي ء لا يزيد عليه نجاسة لعدم زيادة الفرع على أصله ، وتبعه جماعة في هذا الحكم ، وفيه : إن أخبار العفو قد اقتصرت على الدم فغيره باق تحت أدلة وجوب إزالة النجس والمتنجس عن الثوب والبدن في الصلاة.
وذهب الشهيد في البيان والعلامة في المنتهى وجماعة إلى عدم العفو ، وهو الحق وقد تقدم دليله.
(4) على نحو اللف والنشر المرتبين فذهب إلى العفو في الذكرى وإلى عدمه في البيان.
(5) بالماء والمائع الذي أصابه على تقدير القول بالعفو بأن لا يبلغ المجموع قدر الدرهم.
(6) وسيأتي إن شاء الله في لباس المصلي.
(7) فيعفى عن نجاسته في الصلاة للأخبار منها : مرسل حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر ، فقال عليه السلام : إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس) (1) ومرسل عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده ، فلا بأس أن يصلي -
ص: 93
حكم الأول في لباس المصلي ، وأما الثاني فلم يذكره لأنه لا يتعلق ببدن المصلي ، ولا ثوبه الذي هو شرط في الصلاة مع مراعاة الاختصار.
(ويغسل الثوب مرتين (1)
______________________________________________________
- فيه وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك) (1).
(1) أي يغسل الثوب المتنجس بالبول مرتين بالماء القليل ، كما عليه المشهور ، ونسبه في المعتبر إلى علمائنا للأخبار منها : حسنة الحسين بن أبي العلاء : (سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن البول يصيب الجسد ، قال : صب عليه الماء مرتين ، فإنما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين ، وسألته عن بول الصبي يبول على الثوب قال : تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره) (2).
وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام : (في البول يصيب الثوب؟ قال : اغسله مرتين) ((3).
وذهب الشهيد في البيان إلى الاكتفاء بالمرة فقال : «لا يجب التعدد إلا في إناء الولوغ» ، وفي الذكرى نسبه إلى الشيخ ، وهو ظاهر كلام العلامة في جملة من كتبه استنادا إلى بعض الأخبار الآمرة بمطلق الغسل مثل قوله عليه السلام : (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (4) ومطلق الغسل يتحقق بالمرة. وفيه : بأن هذه الأخبار مقيّدة بالأخبار الموجبة للتعدد ، ولذا اعترف أكثر. من واحد بعدم وجود مستند صالح لهذا القول إلا ما في الكافي من قوله : «وروي أنه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة أو وغيره» (5) وهو بالإضافة إلى كونه مرسلا لا يقاوم تلك الأخبار الصحيحة الموجبة للتعدد.
وذهب العلامة في القواعد إلى الاكتفاء بالمرة إذا كان المحل جافا ، ويستدل له برواية الحسين بن أبي العلاء المتقدمة على ما رواها في المعتبر والذكرى بزيادة قوله : (مرة
ص: 94
بينهما عصر) (1) وهو كبس الثوب بالمعتاد (2) لإخراج الماء المغسول به (3) ،
______________________________________________________
- للإزالة ومرة للإنقاء) بعد قوله عليه السلام : (اغسله مرتين).
فإذا كان المحل جافا فقد زال البول فلا داعي للأولى فيكتفي بالثانية التي هي للإنقاء. وفيه : إن هذه الزيادة غير موجودة في كتب الحديث ، ولذا قال الشيخ حسن ابن الشارح : «ولم أر لهذه الزيادة أثرا في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التصفح بقدر الوسع».
ثم لا خصوصية في البدن والثوب بل لا بد من التعدد في كل عين متنجسة بالبول ، وذهب سيد المدارك وصاحب المعالم إلى اختصاص التعدد في الثوب فقط لكون الصحيح من الأخبار واردا في الثوب وما ورد في البدن ضعيف السند ، وقيل : يختص التعدد في الثوب والبدن دون غيرهما لأنهما مرويان ، وكلا القولين ضعيف لأن المدار على التنجس بالبول مهما كانت ماهية المتنجس ، هذا كله في التطهير بالماء القليل ، وأما لو كان بالماء الجاري وغيره من أفراد المعتصم فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
(1) أي العصر ، اعلم أن الغسل والصب مفهومان متغايران ويدل على ذلك بالإضافة إلى التبادر بعض النصوص منها : رواية أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فصب عليه الماء) (1) ورواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين ، وسألته عن الصبي يبول على الثياب ، قال : تصب عليه الماء قليلا) (2).
فالصب هو إلقاء الماء على الشي ء ، والغسل هو إزالة القذر عن الشي ء ، وإزالة القذر لا تتحقق إلا بإخراج ماء الغسالة ، وإخراج ماء الغسالة لا يتحقق إلا بالعصر ونحوه كالتغميز أو التثقيل أو الدلك بالأرجل.
فالعصر شرط في الغسل لإخراج ماء الغسالة وهذا ما عليه الأكثر لا أنه جزء من مفهوم الغسل.
(2) باليد أو بتغميز الكف أو بوضع شي ء ثقيل عليه.
(3) أي الثوب ، ولو قال : لإخراج ماء الغسالة لكان أولى.
ص: 95
وكذا يعتبر العصر بعدهما (1) ، ولا وجه لتركه ، والتثنية منصوصة في البول. وحمل المصنف غيره عليه (2) ، من باب مفهوم الموافقة ، لأن غيره أشدّ نجاسة ، وهو ممنوع (3) ، بل هي (4) إما مساوية أو أضعف حكما ، ومن ثمّ عفي عن قليل الدم
______________________________________________________
(1) بعد الغسلتين لإخراج ماء الغسالة في كل منهما ويدل على العصر عقيب كل غسل بالإضافة إلى ما تقدم خبر الدعائم عن علي عليه السلام : (قال : - في المني يصيب الثوب - يغسل مكانه فإن لم يعرف مكانه وعلم يقينا أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات ، يفرك في كل مرة ويغسل ويعصر) (1) فلا وجه لما فعله المصنف من ترك العصر بعد الغسلتين.
(2) أي غير البول على البول من وجوب تعدد الغسل وإليه ذهب الشهيد والمحقق الثاني ، وذهب العلامة في المنتهى والتحرير إلى التعدد فيما له ثخانة وقوّام كالمني ، وذهب المشهور إلى التعدد في البول وإلى المرة في غيره مطلقا ، ومستند المشهور بأن الأخبار الآمرة بالغسل في سائر النجاسات مطلقة فتحمل على المرة مثل قوله عليه السلام : في الثوب الذي أصاب جسد الميت : (يغسل ما أصاب الثوب) (2) وقوله عليه السلام في الثوب الذي أصابه خمر أو نبيذ : (فاغسله) (3) ، وقوله عليه السلام في المني : (إن عرفت مكانه فاغسله) (4).
ويستدل للقائل باعتبار المرتين بالاستصحاب ، وبأن الأخبار التي دلت على التعدد في البول تدل على التعدد في غيره من باب أولى لأن البول أهون النجاسات ، ففي رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام : (في البول يصيب الجسد قال : صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء) (5) والتعليل يدل على أهونية البول ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (أنه ذكر المنيّ وشدّده وجعله أشدّ من البول) (6) ولخصوص الأخير جعل العلامة ما له ثخانة وقوام مما يجب فيه التعدد من غير البول.
(3) أي مفهوم الموافقة.
(4) أي النجاسات ما عدا البول.
ص: 96
دونه (1) ، فالاكتفاء بالمرة في غير البول أقوى عملا بإطلاق الأمر ، وهو اختيار المصنف في البيان جزما ، وفي الذكرى والدروس بضرب من التردد.
ويستثنى من ذلك بول الرضيع (2) ، فلا يجب عصره ، ولا تعدد غسله وهما ثابتان في غيره (3) ، (إلا في الكثير والجاري) (4)
______________________________________________________
(1) دون البول وهذا بيان وجه الأضعفية.
(2) فيكفي فيه صب الماء عليه من دون عصر ولا تعدد للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن بول الصبي قال : تصب عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا ، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء) (1) وللذيل ذهب الصدوقان والمحقق البحراني إلى عدم الفرق في الرضيع بين الذكر والأنثى ، إلا أن المشهور قد أعرضوا عنه أو حملوه على الاستواء في الغسل بدليل ما روته العامة عن زينب بنت جحش : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نائما فجاء الحسين عليه السلام ، فجعلت أعلله لئلا يوقظه ، ثم غفلت عنه فدخل - إلى أن قالت - : فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبول على صدره ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : دعي ابني حتى يفرغ من بوله ، وقال : لا تزرموا بول ابني ، ثم دعا بماء فصب عليه ثم قال : يجزئ الصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية) (2).
(3) غير بول الرضيع من بول الصبية وبول الكبير وبول الصبي الفطيم.
(4) بل في مطلق المعتصم فيكفي مرة من دون تعدد أو عصر ، فيكفي وضع الثوب في الماء حتى يستولي الماء المعتصم على جميع أجزائه ففي صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الثوب يصيبه البول قال عليه السلام : اغسله في المركن مرتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة) (3) وفي المرسل عن أبي جعفر عليه السلام مشيرا إلى غدير ماء : (إن هذا لا يصيب شيئا إلا طهره) (4) وفي مرسل الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام : (كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر) (5) وفي خبر ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء) (6). فهذه الإطلاقات الواردة في هذه -
ص: 97
بناء على عدم اعتبار كثرته (1) فيسقطان فيهما (2) ، ويكتفى بمجرّد وضعه فيهما مع إصابة الماء لمحلّ النجاسة ، وزوال عينها. (ويصبّ على البدن مرتين في غيرهما) (3) بناء على اعتبار التعدد مطلقا (4) وكذا ما أشبه البدن مما تنفصل الغسالة عنه بسهولة كالحجر والخشب (5) ، (و) كذا(الإناء) (6) ، ويزيد (7)
______________________________________________________
- الأخبار سواء كان مما له مادة أم كان كرا أم كان مطرا تدل على عدم اعتبار التعدد ولا العصر.
(1) أي كثرة الجاري كما عليه المشهور في قبال قول العلامة الذي اشترط الكرية في اعتصام الجاري.
(2) أي يسقط التعدد والعصر في الكثير والجاري.
(3) أي غير الكثير والجاري.
(4) في البول وغيره كما هو اختيار الماتن.
(5) وكل الأجسام الصلبة التي لا تختزن ماء الغسالة في أجزائها ، فيكفي فيها الصب ، بخلاف ما تختزن ماء الغسالة فلا بد فيها من الغسل المشروط بالعصر.
(6) وقع الخلاف فيما لو تنجس الإناء بغير الولوغ ، فذهب الشيخ في غير المبسوط وابن الجنيد والشهيد في الذكرى والدروس والمحقق الثاني وجماعة إلى غسله ثلاث مرات إذا كان الماء قليلا لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (سئل عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال عليه السلام : يغسل ثلاث مرات ، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر) (1).
وعن جماعة منهم المحقق والعلامة في أكثر كتبه والشارح في روض الجنان وسيد المدارك إلى الاكتفاء بالمرة استضعافا للموثق أو لحمله على الاستحباب بقرينة المرسل المروي في المبسوط : (وقد روي غسلة واحدة).
وفيه : إن الموثق أوثق بالاعتبار ، وعن الشهيد الأول في الألفية واللمعة إلى اعتبار المرتين استضعافا للموثق والمرسل معا
مع إلحاق الأواني بالثوب والبدن من وجوب التعدد.
وفيه : قد عرفت أن التعدد مختص بالبول فلا يمكن إلحاق غيره به.
(7) يزيد الإناء على غيره.
ص: 98
أنه (1) يكفي صبّ الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه (2) ولو بآلة لا تعود إليه ثانيا إلا طاهرة سواء في ذلك المثبت وغيره ، وما يشقّ قلعه وغيره.
(فإن ولغ فيه) أي في الإناء(كلب) (3) بأن شرب مما فيه بلسانه (قدّم)
______________________________________________________
(1) أن الشأن والواقع.
(2) أي إفراغ ماء الغسالة من الإناء وهو صريح موثق عمار المتقدم ، وإخراج ماء الغسالة إنما يكون بقلب الإناء إذا كان منقولا وكذا بآلة ما ، وخصّ بعضهم الإخراج بالآية فيما لو كان الإناء مثبتا وهو لا وجه له.
وإذا كان مثبتا فيتعين الإخراج بالآلة ، فإن قلنا أن ماء الغسالة نجس كما ذهب إليه الشارح فلا بد من تطهير الآلة قبل إرجاعها إلى الإناء وإن قلنا أن ماء الغسالة طاهر إذا تعقبه طهارة المحل فيجب غسل الآلة بعد الإفراغ الأول والثاني دون الثالث.
(3) يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب على المشهور لصحيح البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الكلب فقال : رجس نجس لا يتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، ثم اغسله بالتراب أول مرة ، ثم بالماء مرتين) (1) هكذا رواه في المعتبر مع أنه في كتب الأحاديث خال عن ذكر (مرتين) والجميع أفتى بالتعدد حتى الشيخ الذي روى الرواية ، وهذا يقوّي الاحتمال بسقوط الزيادة من قلم النساخ.
وعن ابن الجنيد وجوب الغسل سبعا أولاهن بالتراب لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال عليه السلام : تغسله سبع مرات وكذلك الكلب (2).
وللنبوي المروي من طرق العامة : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ، أولاهن بالتراب) (3).
وفيه : أما النبوي فلم يثبت من طرقنا ، وأما موثق عمار فهو بالإضافة إلى خلوه عن الغسلة الترابية محمول على الاستحباب لأن الحكم في النبيذ ثلاثا والاستحباب على السبعة.
هذا ولا بد من التنبيه على أمور :
الأول : اختلف المقتصرون على التثليث في الغسلة الترابية ، فذهب مشهورهم إلى أنها -
ص: 99
.................................................................................................
______________________________________________________
- أولى الغسلات ويدل عليه صحيح البقباق المتقدم ، وعن المفيد في المقنعة أنها وسطاهن ، وعن الشيخ في الخلاف والسيد في الانتصار والصدوق في الفقيه بأنها إحدى الثلاث من دون تعيين وهما ضعيفان لعدم المستند.
الثاني : في كيفية الغسلة الترابية ، فعن ابن إدريس والعلامة في المنتهى أن يجعل في التراب شي ء من الماء ثم يمسح به الإناء تحصيلا لحقيقة الغسل ، لأن الغسل جريان المائع على المحل المغسول وهذا لا يتحقق إلا إذا مزجنا التراب بشي ء من الماء بشرط أن لا يخرج التراب عن اسمه وحقيقته.
وذهب المشهور إلى وجوب خلوص التراب من الماء ، لأن الغسل بالتراب الممزوج لا يسمى غسلا بالتراب.
الثالث : لا فرق بين أقسام التراب سواء كان رملا أو غيره وهذا ما عليه المشهور ، وعن كشف الغطاء أن الرمل ليس من التراب ، ثم اشترط طهارة التراب قبل الاستعمال إما للانصراف إليه وإما لأن المناسب للتطهير هو الطاهر من التراب. ثم لو فقد التراب ووجد ما يشبهه كالجص والنورة فهل يجزي؟ قطع الشيخ والعلامة في بعض كتبه والشهيد في البيان به ، وعن ابن الجنيد الإجزاء اختيارا حتى مع وجود التراب ، وكلا القولين ضعيف لعدم المستند إلى التعدي حيث إن النص على التراب فقط ومع عدمه يبقى الإناء على النجاسة.
الرابع : ذهب المشهور إلى اختصاص التثليث بالولوغ ، وذهب الصدوق والمفيد إلى أن الحكم لمطلق مباشرة الكلب للإناء ، وإن كان بغير لسانه ، ومستند المشهور الاقتصار على النص حيث ورد في صحيح البقباق المتقدم : (رجس نجس لا تتوضأ بفضله)
وهو ظاهر في بقية الماء من مشروب الكلب ، وقد اعترف سيد المدارك عدم المأخذ لقول الصدوق والمفيد.
نعم استقرب العلامة في النهاية تعميم الحكم لمطلق مباشرة الكلب بدعوى أن فمه أنظف من بقية أعضائه ، ولذا كانت نكهته أطيب من بقية الحيوانات ، وفيه : إنه استحسان محض.
الخامس : اختلفوا في معنى الولوغ ، فهل هو الشرب كما في المصباح المنير ، أو هو الشرب بطرف اللسان كما في الصحاح ، أو هو إدخال اللسان في الماء وتحريكه فيه كما في القاموس. -
ص: 100
(عليهما) أي على الغسلتين بالماء(مسحه بالتراب) الطاهر دون غيره مما أشبهه ، وإن تعذّر (1) أو خيف فساد المحل. وألحق بالولوغ لطعه الإناء دون مباشرته له بسائر أعضائه.
ولو تكرّر الولوغ (2) تداخل كغيره من النجاسات المجتمعة وفي الأثناء يستأنف (3). ولو غسله في الكثير كفت المرة بعد التعفير (4) (ويستحب السبع) بالماء(فيه) في الولوغ ، خروجا من خلاف من أوجبها (5).
(وكذا) يستحبّ السبع(في الفأرة) (6)
______________________________________________________
- والذي ورد في النص المتقدم : (لا تتوضأ بفضله) ، وهو ظاهر في بقية مشروب الكلب سواء كان بطرف لسانه أو باللطع. هذا مع عدم الفرق بين الولوغ في إناء الماء أو إناء مائع آخر إذ لا خصوصية للماء حينئذ.
(1) «إن» وصلية.
(2) قال الشيخ في الخلاف : «جميع الفقهاء لم يفرقوا بين الواحد والمتعدد إلا من شذّ من العامة فأوجب لكل واحد العدد بكماله» ، ووجه التداخل أن تكرار الولوغ يسمى ولوغا فيندرج تحت الخبر في وجوب غسله ثلاثا أولاهن بالتراب.
(3) لأن الولوغ الجديد يستدعي تثليث الغسلات بما فيها التعفير ، والباقي من الغسل للولوغ الأول ليس بثلاث غسلات حتى يجتزى به فلا بد من الاستئناف.
(4) لأن صحيح البقباق المتقدم الدال على التثليث منصرف إلى القليل.
(5) أي أوجب السبع وهو ابن الجنيد وقد تقدم الكلام فيه.
(6) ذهب المشهور إلى وجوب غسل الإناء سبعا إذا مات فيه الفأر لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات) (1) ، وبعضهم اقتصر على الجرذ اقتصارا على النص ، والأولى التعميم لكون الحكم ثابتا للجرذ بما هو فأر ولما رواه في المبسوط مرسلا : (في الفأرة سبع إذا ماتت في الإناء) (2).
وعن جماعة منهم المحقق والعلامة كفاية التثليث لموثق عمار المتقدم : (عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل وكم مرة يغسل؟ قال عليه السلام : يغسل ثلاث مرات) (3) -
ص: 101
والخنزير (1)) للأمر بها في بعض الأخبار التي لم تنهض حجة على الوجوب ، ومقتضى إطلاق العبارة (2) الاجتزاء فيهما (3) بالمرتين كغيرهما (4). والأقوى في ولوغ الخنزير وجوب السبع بالماء لصحة روايته ، وعليه المصنف في باقي كتبه.
(و) يستحبّ الثلاث(في الباقي) من النجاسات (5) للأمر به في بعض الأخبار(6).
(والغسالة) (7)
______________________________________________________
- وفيه : لا بد من تقديم خبر السبع بعد وروده في خصوص الجرذ بخلاف خبر التثليث فإنه عام.
(1) ذهب العلامة في جملة من كتبه والمحقق الثاني والشارح إلى وجوب غسل الإناء سبعا إذا شرب منه الخنزير لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام : (سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال عليه السلام : يغسل سبع مرات) (1).
وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط إلحاقه بالكلب لأن الخنزير كلب ، وفيه : بأن اللفظ لا يحمل عليه إلا بقرينة وهذا آية المجاز.
وذهب المشهور إلى كفاية التثليث كبقية النجاسات لإعراض مشهور القدماء عن هذا الصحيح أو حمله على الاستحباب ، وفيه : لا بد من تقييد خبر التثليث به جمعا بين العام والخاص ولم يثبت إعراض القدماء عنه الموجب لوهنه.
(2) أي عبارة المصنف.
(3) في موت الفأرة وشرب الخنزير.
(4) من النجاسات بناء على وجوب التعدد في كل النجاسات كما هو اختيار المصنف هنا.
(5) بالنسبة للإناء.
(6) وهو موثق عمار المتقدم : (عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل وكم مرة يغسل؟
قال عليه السلام : يغسل ثلاث مرات) (2) وقد عرفت لأبدية العمل به ما لم يأت المخصص.
(7) ماء الغسالة نجس إذا كان متغيرا بأوصاف النجاسة وهو مما لا خلاف فيه ، وإذا لم -
ص: 102
وهي الماء المنفصل عن المحلّ المغسول بنفسه (1) ، أو بالعصر (2) (كالمحل قبلها) (3) أي قبل خروج تلك الغسالة ، فإن كانت من الغسلة الأولى وجب غسل
______________________________________________________
- يكن متغيرا فقد اختلف فيه على أقوال :
الأول : النجاسة مطلقا بلا فرق بين الإناء وغيره ولا بين الغسلة الأولى وغيرها وإليه ذهب المحقق والعلامة في بعض كتبه بل قيل هو المشهور بين المتأخرين ، لأنه ماء قليل لاقى نجسا فلا بد أن يتنجس ، ولما رواه المحقق في المعتبر عن العيص بن القاسم : (سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء فقال : إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه ، وإن كان من وضوء الصلاة فلا بأس) (1).
الثاني : الطهارة مطلقا ، وفي جامع المقاصد أنه الأشهر بين المتقدمين ، واحتج السيد على ما نقل عنه بأنه لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك إلى أن المتنجس لا يطهر إلا بإلقاء الكر عليه والتالي باطل للمشقة المنفية.
الثالث : التفصيل بين الغسلة الأولى فالنجاسة وبين غيرها فالطهارة ، أما الأولى فهي قليل لاقى نجاسة فلا بد أن ينجس ، وأما الثانية فهي طاهرة لقاعدة الطهارة ولعدم الدليل على النجاسة ، ولأنه لو كان ماء الغسالة مطلقا نجسا لما طهر المحل بعدها لملاقاته للمحل قبل الانفصال.
هذه أهم الأقوال في المسألة وكثرت التوجيهات والمناقشات في أدلة الأقوال ، والحق هو النجاسة مطلقا وإن تعقبه طهارة المحل لخبر العيص المتقدم ولقاعدة انفعال الماء القليل إذا لاقى نجسا وهي قاعدة متصيدة أو مأخوذة من مفهوم قوله عليه السلام : (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء) (2).
(1) الضمير راجع للماء ، وهذا يتم في الأجسام الصلبة التي لا تختزن ماء الغسالة.
(2) كما في الأجسام التي تختزن ماء الغسالة كالثياب والفرش.
(3) وقع النزاع بينهم على تقدير القول بنجاسة ماء الغسالة ، فهل هو كالمحل قبل الغسل فيجب في ماء الغسالة التعدد فيما يجب في المحل التعدد وإليه ذهب العلامة في القواعد والنهاية والإرشاد ، ويستدل له بأن ماء الغسالة نجس لم يعرف له مقدار فالاستصحاب ثابت ولا يتيقن بالطهارة إلا مع التعدد.
أو أن ماء الغسالة كالمحل قبل الغسالة فلو كان من الغسالة الأولى فيشترط فيه ما -
ص: 103
ما أصابته تمام العدد (1) ، أو من الثانية فتنقص واحدة ، وهكذا. وهذا يتم فيما يغسل مرتين لا لخصوص النجاسة (2).
أما المخصوص كالولوغ فلا ، لأن الغسالة لا تسمى ولوغا ، ومن ثمّ لو وقع لعابه في الإناء بغيره (3) لم يوجب حكمه (4) ، وما ذكره المصنف أجود الأقوال في المسألة (5) ، وقيل : إن الغسالة كالمحل قبل الغسل مطلقا (6) ، وقيل : بعده (7) فتكون طاهرة مطلقا ، وقيل : بعدها (8).
ويستثنى من ذلك (9) ماء الاستنجاء فغسالته طاهرة مطلقا (10) ما لم تتغير
______________________________________________________
- يشترط في المحل ، وإن كان من الثانية فتنقص واحدة تبعا للمحل لأن الفرع لا يزيد على الأصل وإليه ذهب الشهيد وأكثر من تأخر عنه كما في الروض أو أن ماء الغسالة مطلقا يكفي فيه المرة الواحدة ولم ينقل إلا عن صاحب المعالم لأصالة البراءة عن الزائد ، وإطلاق خبر العيص المتقدم ، وهو الحق كما أنه هو المشهور في هذه العصور.
(1) الثابت للمحل.
(2) بل لمطلق النجاسة إذا قلنا بالتعدد كما هو مبنى المصنف ، أو في خصوص البول كما هو المشهور ، نعم لو كانت للنجاسة خصوصية كالولوغ فلا يأتي هذا الكلام لأن ماء الغسالة لا يسمى فضلة الكلب الذي هو مورد النص حتى يجب غسله ثلاثا مع التعفير.
(3) بغير الولوغ.
(4) أي حكم الولوغ.
(5) أما من ناحية نجاسة ماء الغسالة فنعم ، وأما من ناحية أن حكم ماء الغسالة كالمحل قبلها فلا ، بل حكم ماء الغسالة حكم بقية النجاسات من الاكتفاء بالمرة.
(6) وهو قول العلامة في النهاية والإرشاد والقواعد فيجب في ماء الغسالة التعدد إذا وجب التعدد في المحل.
(7) أي بعد الغسل مطلقا فتكون كالمحل بعد الغسل وعليه فهي طاهرة مطلقا وهو قول مشهور القدماء.
(8) بعد الغسالة ، فإن كانت الغسلة الأولى فنجسة لأن المحل نجس ، وإن كانت الثانية فطاهرة لأن المحل قد طهر.
(9) من ماء الغسالة.
(10) من البول والغائط للأخبار منها : صحيح محمد بن النعمان : (قلت لأبي عبد الله -
ص: 104
بالنجاسة أو تصب بنجاسة خارجة عن حقيقة الحدث (1) المستنجى منه ، أو محله (2).
(الرابعة) :
(المطهّرات عشرة : الماء) (3) وهو مطهّر(مطلقا) من سائر النجاسات (4) التي تقبل التطهير (5) ، (والأرض) (6) تطهّر(باطن النعل) وهو أسفله الملاصق
______________________________________________________
- عليه السلام : أخرج من الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، فقال : لا بأس به) (1) وخبر الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجس ذلك ثوبه؟ قال : لا) (2) واشترط الأصحاب في طهارته أن لا يتغير بالنجاسة لما دل على نجاسة المتغير بها حتى لو كان كثيرا ، وأن لا تلاقيه نجاسة أخرى لأن أدلة ماء الاستنجاء الدالة على نفي البأس عنه إنما هي دالة من ناحية حدث المستنجى منه فقط.
(1) كالدم المخلوط بالحدث.
(2) أي محل الحدث وهو نفس المخرجين.
(3) بلا إشكال ولا خلاف لقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً ) (3) ولقوله عليه السلام : (خلق الله الماء طهورا) (4) وفي خبر ثان : (وجعل لكم الماء طهورا) (5).
(4) والمتنجسات.
(5) لإخراج النجاسات العينية التي لا تقبل التطهير كالكلب والخنزير ، وتطهيرها يتم بتغيير صورتها النوعية بالاستحالة إلى جسم آخر.
(6) فالأرض تطهر باطن القدم للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها؟ فقال عليه السلام : لا يغسلها إلا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي) (6) وحسنة المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء ، أمرّ عليه حافيا ، فقال عليه السلام : أليس وراءه -
ص: 105
للأرض ، (وأسفل القدم) مع زوال عين النجاسة عنهما بها (1) بمشي ودلك وغيرهما (2). والحجر والرمل من أصناف الأرض (3) ، ولو لم يكن للنجاسة جرم ولا رطوبة كفى مسمّى الإمساس (4). ولا فرق في الأرض بين الجافة
______________________________________________________
- شي ء جاف؟ قلت : بلى ، قال عليه السلام : فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا) (1) وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال عليه السلام : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى ، قال عليه السلام : فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا) (2).
ولعموم التعليل : (إن الأرض يطهر بعضها بعضا) يثبت الحكم في النعل بل في خشبة الأقطع لصدق الوطء بهما دون أسفل عصا الأعمى وكعب الرمح لعدم صدق الوطء والمشي عليهما.
ولذا ورد في صحيح محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا ، فقال عليه السلام : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك) (3) ، ومنه تعرف أن المدار على الوطء أو المشي كما في الخبر المتقدم فلو تنجس من الأرض وطئا فيطهر بالأرض وطئا.
(1) بالأرض.
(2) كالضرب على الأرض وقد صرح بالمسح في صحيح زرارة المتقدم ، وعن الشيخ في الخلاف أنه لا يطهر بالمسح ولم يعرف مستنده ، واشترط ابن الجنيد المشي خمسة عشر ذراعا لصحيح ابن النعمان المتقدم ، وحمل على ما لو كانت النجاسة لا تزول إلا بذلك لإطلاق النصوص الأخرى.
(3) خصّ المفيد الحكم بالتراب ، وكذا المحقق والعلامة في التحرير للنبوي : (إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فطهورهما التراب) (4) والنبوي الآخر : (إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب) (5) ، وفيه : إن النصوص السابقة قد صرحت بالأرض وهي أعم من التراب والنبويان عاميان لا يصلحان للتقييد.
(4) لعموم التعليل : (الأرض يطهر بعضها بعضا) أو مسمى المشي كما في بعض الأخبار المتقدمة.
ص: 106
والرطبة (1) ، ما لم تخرج عن اسم الأرض (2). وهل يشترط طهارتها (3)؟ وجهان وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدمه (4). والمراد بالنعل ما يجعل أسفل الرجل للمشي ، وقاية من الأرض ونحوها (5) ، ولو من خشب (6) ، وخشبة الأقطع كالنعل.
(والتراب في الولوغ) فإنه جزء علة للتطهير ، فهو مطهّر في الجملة (7) (والجسم الطاهر) (8)
______________________________________________________
(1) لإطلاق النصوص ، وذهب الإسكافي والمحقق الثاني والشارح في المسالك وجماعة إلى اشتراط الجفاف لحسنة الحلبي المتقدمة : (أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة) وحسنة المعلى المتقدمة : (أليس ورائه شي ء جاف) وهو المتعين.
(2) اكتفى العلامة في الإرشاد بالوحل وفيه : إنه يشترط الجفاف في الأرض كما تقدم بالإضافة إلى عدم صدق الأرض على الوحل.
(3) ذهب ابن الجنيد والشهيد الأول والمحقق الثاني إلى طهارتها لصحيح ابن النعمان المتقدم : (ثم يطأ بعده مكانا نظيفا) ، ولأن المطهّر لا بد أن يكون طاهرا كما يشهد له الارتكاز الشرعي.
وذهب سيد الرياض والشارح إلى عدم الطهارة لإطلاق بعض الأخبار وإطلاق فتاوى الأكثر ، وفيه : إن النص معتبر كما سمعت والأكثر لم يتعرض لهذا الفرع فلا إطلاق.
(4) يقتضي عدم اشتراط الطهارة.
(5) كالأشواك.
(6) أي ولو كان النعل من خشب.
(7) قد تقدم الكلام فيه.
(8) هو كل جسم قالع للنجاسة سواء كان حجرا أم خشبا أم قطنا أم قماشا فإنه مطهّر للمحل من الغائط للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (سألته عن التمسح بالأحجار فقال : كان الحسين بن علي يمسح بثلاثة أحجار) (1) وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه السلام : (كان الحسين بن علي عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل) (2) وخبر عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام : (قلت له : للاستنجاء -
ص: 107
غير اللزج ، ولا الصيقل في (غير المتعدي من الغائط (1) والشمس (2) ما جفّفته)
______________________________________________________
- حدّ؟ قال : لا ، ينقّى ما ثمة ، قلت : ينقي ما ثمة ويبقى الريح ، قال : الريح لا ينظر إليها) (1) فالمدار على الإنقاء بأي جسم ينقى ما هنالك.
ويشترط في الجسم أن يكون طاهرا لمرسل أحمد بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام : (جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء) (2) ، ويشترط فيه أن لا يكون لزجا لأنه مع اللزوجة يكون رطبا فينجس بمجرد الملاقاة وقد اشترط طه ارته ، ويشترط فيه أن لا يكون صيقلا وهو المالس لأن ملاسته لا تزيل النجاسة مع أنه يجب أن يكون قالعا لها ، فلو اتفق القلع به لأجزأ وعن العلامة في النهاية عدم الإجزاء وهو ضعيف.
(1) لأنه مع التعدي يتعين التطهير بالماء ففي خبر زرارة المروي في الغوالي عن أبي جعفر عليه السلام : (يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محل العادة) (3) وللمروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (كنتم تبعرون بعرا ، وانتم اليوم تثلطون ثلطا ، فاتبعوا الماء الأحجار) (4) والثلط بالفتح هو الرقيق من الرجيع والغائط ورقته موجبة لتعدي المحل بحسب الغالب.
(2) فالشمس تطهر الأرض للأخبار منها : صحيح زرارة وحديد : (قلنا لأبي عبد الله عليه السلام السطح يصيبه البول ، أو يبال عليه ، أيصلّى في ذلك المكان؟ فقال عليه السلام :إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا بأس به ، إلا أن يكون يتخذ مبالا) (5) وفيه تنبيه على أن الريح مع الشمس غير ضائر لكون التجفيف غالبا بهما ، وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال عليه السلام : لا يصلي عليه وأعلم موضعه حتى تغسله ، وعن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال عليه السلام : إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا تجوز الصلاة حتى يبس ، وإن -
ص: 108
بإشراقها عليه وزالت عين النجاسة عنه من(الحصر والبواري) (1) من المنقول ،
______________________________________________________
- كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس ، وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك) (1) وعن ابن الجنيد والراوندي وابن حمزة والمحقق في المعتبر عدم التطهير وإن جاز السجود عليه لكونه جافا لصحيح ابن بزيع : (سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال عليه السلام : كيف يطهر من غير ماء) (2) وفيه : إن الخبر لم ينف مطهرية الشمس بل أضاف إليها الماء فيحمل على ما لو كان الموضع جافا فيصب عليه الماء حتى ييبس بإشراق الشمس عليه جمعا بين الأخبار.
وكذا تطهر الشمس ما لا ينقل عادة كالحيطان والأبنية وما يتصل بها من الأبواب والأخشاب وكذا الأشجار وما عليها من أوراق وثمار والخضراوات والنباتات ما لم تقطع وإن بلغت أوانها على المشهور شهرة عظيمة لخبر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام : (يا أبا بكر ، ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر) (3) ، و (كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر) (4) والخبر عام يشمل المنقول وغيره ، لكن حمل غير المنقول بقرينة قوله عليه السلام : (كل ما أشرقت عليه الشمس)
لأن المنقول يقال عنه : إنه وضع في الشمس ولا يقال : إنه مما أشرقت عليه الشمس وذهب المشهور إلى أنها تطهر الحصر والبواري وإن كانت من المنقولات لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام : (عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال عليه السلام : نعم لا بأس) (5) وصحيحه الآخر : (عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أيصلّى عليه؟ قال عليه السلام : إذا يبست فلا بأس) (6) والصحيحان لم يصرحا بالجفاف بالشمس لكن لا بد من حملهما على ذلك جمعا بينهما وبين ما تقدم مع القطع بعدم الطهارة بمجرد اليبس.
وعن جماعة حمل الخبرين على كون السؤال عن جواز الصلاة عليها ، وليس عن الحكم بطهارتها فهما أجنبيان عن المدعى وهو المتعين من ظاهرها.
(1) الحصر ما يعمل من الخصوص أو العلف ، والبواري ما يعمل من القصب.
ص: 109
(وما لا ينقل) عادة مطلقا (1) ، من الأرض وأجزائها (2) ، والنبات والأخشاب ، والأبواب المثبتة ، والأوتاد الداخلة ، والأشجار ، والفواكه الباقية عليها وإن حان أوان قطافها ، ولا يكفي تجفيف الحرارة (3) لأنها لا تسمى شمسا ، ولا الهواء المنفرد (4) بطريق أولى (5). نعم لا يضرّ انضمامه إليها (6) ، ويكفي في طهر الباطن (7) الإشراق على الظاهر مع جفاف الجميع ، بخلاف المتعدد المتلاصق إذا أشرقت على بعضه (8).
(والنار) (9)
______________________________________________________
(1) أمكن النقل أو لا ، وسواء شق نقله أم لا على تقدير إمكانه.
(2) من التراب والأحجار.
(3) أي ولا يكفي تجفيف الرطوبة بالحرارة لأنها لا تسمى شمسا.
(4) أي ولا يكفي تجفيف الرطوبة بالهواء المنفرد.
(5) وجه الأولوية أن الشمس لازمها الحرارة ومع ذلك فالحرارة وحدها لا تكفي وهي لازمة للشمس فالهواء لا يكفي وهو غير لازم للشمس.
(6) انضمام الهواء إلى الشمس وهذا ما دل عليه خبر زرارة وحديد المتقدم.
(7) لإطلاق خبر الحضرمي المتقدم.
(8) أي بعض المتعدد فلا يصدق أنها أشرقت على الأسفل مع تغايره عن الأعلى بخلاف الباطن والظاهر فهما أجزاء شي ء واحد وقد أشرقت الشمس عليه بحسب الفرض وإن لم تشرق إلا على ظاهره.
(9) كل شي ء من الأعيان النجسة أو المتنجسة تحيله النار رمادا أو دخانا فهو طاهر على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم ينقل الخلاف من أحد وإنما تردد المحقق في المعتبر ، والتردد غير ثابت كما فهمه غير واحد وهو الحق حيث قال : «دواخن الأعيان النجسة طاهرة عندنا ، وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا أو فحما على تردد» والظاهر رجوع التردد إلى الفحم فقط.
واستدل الشيخ على الطهارة بصحيح ابن محبوب : (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : إن الماء والنار قد طهراه) (1). -
ص: 110
(ما أحالته رمادا أو دخانا) لا خزفا وآجرا في أصح القولين (1) ، وعليه المصنف في غير البيان ، وفيه (2) قوّى قول الشيخ بالطهارة فيهما.
(ونقص البئر) بنزح المقدّر منه (3) ، وكما يطهر البئر بذلك (4) فكذا حافاته (5) ، وآلات النزح ، والمباشر (6) وما يصحبه حالته (7) (وذهاب ثلثي العصير) (8) مطهّر للثلث الآخر على القول بنجاسته ، والآلات والمزاول (9).
______________________________________________________
- وجه الاستدلال : أن الجص قد اختلط بالرماد والدخان الحاصل من تلك الأعيان النجسة فلولا كون النار مطهرة لها لما ساغ الحكم بطهارة المسجد.
ويستدل له بقاعدة الطهارة بعد استحالة النجس رمادا أو دخانا فموضوع عين النجاسة منتف والموجود موضوع جديد فلا يجري استصحاب النجاسة لتغير الموضوع وتجري قاعدة الطهارة من دون معارض.
وكذا لو أحالت النار النجس إلى بخار فالمعروف الطهارة ، بل ظاهر البعض أنه لا كلام فيه لقاعدة الطهارة وللسيرة على عدم التوقي منه كما في بخار الحمامات وبخار البول أيام الشتاء.
(1) إذا استحال الطين النجس بالنار إلى الخزف والآجر فهو طاهر كما عن الشيخ في المبسوط والخلاف والعلامة في المنتهى والنهاية والشهيد الأول في البيان بل نسب إلى الأكثر ، لقاعدة الطهارة ولخبر الحسن بن محبوب المتقدم لكون الطين قد طبخ بالنار فيطهر كما طهرت العذرة وعظام الموتى ، وعن فخر المحققين والشهيد الثاني القول بالنجاسة لاستصحاب النجاسة وتوقف العلامة في القواعد لعدم تغير الموضوع الأول إلى موضوع جديد.
(2) أي في البيان.
(3) قد تقدم الكلام فيه.
(4) أي بالنزح.
(5) أي جدرانه.
(6) أي المباشر للنزح.
(7) أي ما يصحب المباشر حال النزح من ثياب وعدة ودلو ، والحكم بطهارتها تبعا لطهارة البئر ، وقد تقدم الكلام أن النزح إرشادي فلا معنى للتبعية.
(8) بناء على القول بنجاسته وقد تقدم الكلام فيه.
(9) للتبعية.
ص: 111
(والاستحالة) (1) كالميتة والعذرة تصير ترابا ودودا ، والنطفة والعلقة تصير حيوانا ، غير الثلاثة (2) والماء النجس بولا لحيوان مأكول ولبنا ونحو ذلك(وانقلاب الخمر خلا) (3) وكذا العصير بعد غليانه واشتداده (4).
(والإسلام) مطهّر لبدن المسلم من نجاسة الكفر (5) وما يتصل به من شعر ونحوه ، لا لغيره (6) كثيابه (وتطهر العين والأنف والفم باطنها وكلّ باطن) كالأذن
______________________________________________________
(1) وهي تبدل حقيقة الشي ء وصورته النوعية إلى حقيقة وصورة أخرى فيكون له اسم آخر ، والحكم بالطهارة بالاستحالة لقاعدة الطهارة مع عدم جريان الاستصحاب لتبدل الموضوع ، والتأمل يعطي أن النار مطهرة باعتبار الاستحالة لا لخصوصية في النار ، نعم قد تجعل قسيما للاستحالة لاختصاص النار ببعض النصوص الدالة عليها كخبر ابن محبوب المتقدم بخلاف الاستحالة ، هذا وقد توقف العلّامة والمحقق في مطهرية العذرة والميتة إذا استحالا ترابا وحكم الشيخ في المبسوط بالنجاسة وهو مما لا وجه له.
(2) أي الكافر والكلب والخنزير.
(3) للأخبار منها : خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الخمر العتيقة تجعل خلا ، قال عليه السلام : لا بأس) (1) بلا فرق بين كون الانقلاب بنفسه أو بعلاج وخصّ الانقلاب بالمائعات والاستحالة بالجامدات ، وإلا فالانقلاب من مصاديق الاستحالة بالمعنى العام ، فالقول أن الانقلاب ليس فيه تبدل للحقيقة النوعية بخلاف الاستحالة اعتمادا على أن الخمر والخل كلاهما مائع فلم تتبدل الحقيقة النوعية غير مسموع.
(4) على القول بنجاسته فهو من أقسام الخمر ، وقد تقدم الكلام فيه.
(5) بلا خلاف ولا إشكال لتبدل الاسم من الكافر إلى المسلم والمسلم طاهر بالضرورة ، بلا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد ، وذهب المعظم إلى بقاء نجاسة المرتد الفطري لو أسلم لأنه لا تقبل توبته ، وسيأتي أن عدم القبول إنما هو ظاهرا لوجوب قتله ، وأما واقعا فلا وإلا يلزم التكليف بغير المقدور.
(6) أي لا يطهر الإسلام غير بدن الكافر كثيابه والمائعات الموجودة في بيته إذا كانت متنجسة بملاقاته حال الكفر ، وذهب جماعة إلى الطهارة للتبعية وللسيرة القائمة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم يأمر أحدا من الكفار الذين أسلموا بتطهير ما عنده من المائعات -
ص: 112
والفرج(بزوال العين) (1) ، ولا يطهر بذلك ما فيه من الأجسام الخارجة عنه (2) ، كالطعام والكحل ، أما الرطوبة الحادثة فيه (3) كالريق والدمع فبحكمه وطهر (4) ما يتخلّف في الفم من بقايا الطعام ونحوه بالمضمضة مرتين على ما اختاره المصنف من العدد ، ومرة في غير نجاسة البول على ما اخترناه.
(ثم الطهارة) على ما علم من تعريفها(اسم للوضوء والغسل والتيمم) (5)
______________________________________________________
- والثياب مع عموم البلوى بذلك ، وقد تقدم الحكم بطهارته إذا كان كتابيا ولعله لذلك لم يأمر أحدا من أهل الكتاب بتطهير ما عنده لأنه طاهر ، نعم السيرة على التبعية قائمة في غير الكتابي.
(1) عين النجاسة ، بلا خلاف فيه ويدل عليه أخبار منها : موثق عمار الساباطي : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الأنف؟ قال عليه السلام : إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه) (1) وخبر عبد الحميد بن أبي الديلم : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل يشرب الخمر فبصق فأصاب ثوبي من بصاقه قال : ليس بشي ء) (2).
(2) عن الباطن.
(3) في الباطن.
(4) مبتدأ.
(5) الأكثر على تعريفها مع قيد استباحة الصلاة فهي اسم للوضوء والغسل والتيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.
وقيد - اسم - للدلالة على أنه تعريف لفظي من قبيل تبديل الاسم بالاسم.
وبقيد - الوضوء والغسل والتيمم - تخرج إزالة النجاسة.
وبقيد - له تأثير في استباحة الصلاة - يخرج وضوء الحائض للكون في مصلاها ذاكرة فإنه لا يسمى طهارة ، والوضوء التجديدي والأغسال المندوبة ووضوء الجنب والتيمم للنوم.
واختصاص الاستباحة للصلاة مع أن الطهارة قد تبيح غيرها من العبادات لعموم البلوى بالصلاة ، ولأن ماهية الصلاة متوقفة على الطهارة واجبة ومندوبة بخلاف غيرها من العبادات. -
ص: 113
الرافع للحدث (1) أو المبيح للصلاة (2) على المشهور ، أو مطلقا (3) على ظاهر التقسيم(فهنا فصول ثلاثة) :
______________________________________________________
- وعن جماعة أنها اسم لما يرفع الحدث ، وبينه وبين التعريف المتقدم عموم مطلق ، إذ ليس كل مبيح رافعا للحدث فالتيمم للمضطر بناء على جواز البدار مبيح للصلاة غير رافع للحدث ولذا لو زال عذره في الوقت فتجب الإعادة.
وعن جماعة منهم المصنف أنها استعمال لأحد الطهورين من الماء والتراب مشروط بالنية وهو يشمل المبيح وغيره والرافع وغيره ، لأن وضوء الحائض والوضوء التجديدي استعمال مشروط بالنية مع أنهما غير مبيحين وغير رافعين للحدث.
(1) كما عن جماعة.
(2) كما عليه الأكثر ولذا قال الشارح : «على المشهور».
(3) كما عليه المصنف ولذا قال الشارح : «على ظاهر التقسيم».
ص: 114
(الأول : في الوضوء) (1)
بضم الواو : اسم للمصدر فإن مصدره التوضّؤ ، على وزن التعلم وأما الوضوء بالفتح ، فهو الماء الذي يتوضّأ به. وأصله من الوضاءة ، وهي النظافة والنضارة من ظلمة الذنوب(وموجبه) (2)
______________________________________________________
(1) بضم الواو مأخوذ من الوضاءة بالمد ، وهي النظافة والطهارة ، وهو اسم مصدر لأن المصدر هو التوضؤ كالتعلم والتكلم ، وتقول : توضأت بالهمز ويجوز على قلة توضيت ، والوضوء بفتح الواو اسم للماء الذي يتوضأ به كالفطور والوقود والسحور.
(2) وهو السبب ، ويعبر عنه بالناقض وبالموجب ، أما كونه سببا فلأنه مؤثر مطلوبية الطهارة لقوله عليه السلام : (إنما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك) (1).
وأما كونه ناقضا فباعتبار طروه على الطهارة فينقضها لقوله عليه السلام : (ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين) (2) وقول أبي الحسن الرضا عليه السلام في خبر زكريا بن آدم : (إنما ينقض الوضوء ثلاث : البول والغائط والريح) (3) وأما كونه موجبا نظرا إلى ترتب الوجوب على الوضوء عند وجوب غايته لقوله عليه السلام : (لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول) (4) الحديث.
فالسبب أعم من الموجب والناقض ، لأن الناقض لا يكون إلا بعد طهارة سابقة ، ولأن الموجب لا يكون إلا عند وجوب غاية الوضوء ، فلذا كان الحدث بعد الحدث في غير -
ص: 115
(البول والغائط والريح) (1) من الموضع المعتاد (2) ، أو من غيره مع انسداده (3). وإطلاق الموجب على هذه الأسباب باعتبار إيجابها الوضوء عند التكليف بما هو شرط فيه ، كما يطلق عليها الناقض باعتبار عروضها للمتطهّر ، والسبب أعم منهما مطلقا (4) كما أن بينهما عموما من وجه ، فكان التعبير بالسبب أولى (5). (والنوم (6)
______________________________________________________
- وقت الصلاة سبب لأنه مؤثر في مطلوبية الطهارة ولا ينطبق عليه عنوان الناقض ولا الموجب.
وبين الناقض والموجب عموم من وجه لتصادقهما على الحدث بعد الطهارة في وقت صلاة واجبة ، فهو ناقض للطهارة السابقة وموجب للطهارة من أجل الصلاة الواجبة.
ويفترق الموجب عن الناقض بالحدث بعد الحدث في وقت الصلاة فهو موجب وليس بناقض لعدم الطهارة السابقة.
ويفترق الناقض من الموجب بالحدث بعد الطهارة في غير وقت الصلاة فهو ناقض وليس بموجب.
(1) فإنها موجبات للوضوء بلا خلاف فيه ويدل عليه أخبار كثيرة منها : خبر زكريا بن آدم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (إنما ينقض الوضوء ثلاث البول والغائط والريح) (1) وصحيح زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام : (ما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر والدبر من الغائط والبول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل) (2).
(2) لتقييد الأخبار به كقوله عليه السلام : (من طرفيك).
(3) أي من غير المعتاد مع انسداد المعتاد ، بلا خلاف فيه ، لانطباق الاسم عليه عرفا والمدار على خروجه ، والتقييد في الأخبار بكونه من الطرفين غالبي.
(4) أي ليس من وجه.
(5) لعمومه ، وفي هذا تعريض بالمصنف حيث عبّر بالموجب.
(6) بلا خلاف فيه للأخبار ، وقد تقدم بعضها ، وأيضا منها : خبر عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه السلام : (من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه -
ص: 116
(الغالب) غلبة مستهلكة(على السّمع والبصر) (1) ، بل على مطلق الإحساس ، ولكن الغلبة على السمع تقتضي الغلبة على سائرها (2) فلذا خصّه أما البصر فهو أضعف من كثير منها ، فلا وجه لتخصيصه. (ومزيل العقل) (3) من جنون ،
______________________________________________________
- الوضوء) (1) وصحيح ابن الحجاج : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفقة والخفقتين؟ فقال عليه السلام : ما أدري ما الخفقة والخفقتين ، إن الله تعالى يقول : ( بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، إن عليا عليه السلام كان يقول : من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء) (2) ومضمرة زرارة : (قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء) (3).
هذا والأخبار بعضها عبّر بالنوم ، وبعضها عبّر بالنوم الموجب لذهاب العقل كما في صحيح زرارة المتقدم ، وبعضها عبّر بالنوم الغالب على القلب والأذن كما في مضمرة زرارة والحاصل منها أن الناقض هو النوم المستولي على القلب الموجب لتعطيل الحواس وعلامته نوم الأذن لا نوم العين ولذا ورد في مضمرة زرارة : (قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن).
ونسب للصدوق عدم ناقضية النوم إذا كان قاعدا لرواية عمران بن حمران : (سمع عبدا صالحا عليه السلام يقول : من نام وهو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه) (4) ومرسل الصدوق في فقيهه : (سئل موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال عليه السلام : لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج) (5) ولا بدّ من حملهما على عدم تحقق النوم المستولي على القلب جمعا بينها وبين ما تقدم.
(1) عرفت أن نوم العين ليس علامة على نوم القلب بخلاف نوم الأذن فإنه علامة ولذا يشكل على عبارة المصنف بأنه لا
داعي لذكر البصر بعد السمع ما دام نومه ليس بعلامة ويردّ بأن التعبير تبعا لمضمرة زرارة المتقدمة : (فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء).
(2) سائر الحواس.
(3) لإناطة ناقضية النوم للوضوء بزوال العقل كما في صحيح زرارة المتقدم : (والنوم حتى -
ص: 117
وسكر ، وإغماء. (والاستحاضة) (1) على وجه يأتي تفصيله.
(وواجبه) أي واجب الوضوء(النية) (2) وهي القصد إلى فعله (مقارنة لغسل)
______________________________________________________
- يذهب العقل) (1) الموجب لكون العلة هي زواله من أي سبب كان ، ومثله خبر عبد الله بن المغيرة ومحمد بن عبد الله عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (سألناه عن الرجل ينام على دابته ، فقال : إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء) (2) ، ويؤيده خبر الدعائم عن جعفر بن محمد عليهما السلام : (إن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدب أو ينم ، أو يجامع ، أو يغم عليه) (3).
(1) للأخبار منها : خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء) (4) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (- إلى أن قال - ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كل صلاة بوضوء) (5) وسيأتي تفصيل ذلك في بابه.
(2) النية عرفا ولغة هي الإرادة والعزم والقصد ، والنية تجعل الفعل اختياريا والفاعل مختارا ، ولم يثبت لها معنى خاص في الشرع لعدم وجود خبر أو أثر يدل عليه قال في الجواهر : «وكيف كان لا نعرف لها معنى جديدا شرعا». ثم ليس المأخوذ في العبادات مطلق القصد والإرادة بل قصد خاص وإرادة خاصة وهي الإرادة والقصد مع قصد التقرب بحيث يكون قصد التقرب من متعلقات الإرادة. هذا ولا بد من البحث في جهات.
الجهة الأولى : إذا كانت النية قصدا وإرادة فموطنها القلب ولا يجب فيها التلفظ ، وهو اتفاقي كما عن أكثر من واحد ، بل ولا يستحب ، وعن التبيان أن التلفظ مكروه وناقشه المقداد بعدم الدليل على الكراهة.
أقول : قد يبطل التلفظ بالنية العمل كما لو تلفظ بنية ركعة الاحتياط ، نعم قد ورد الاستحباب بالتلفظ بنية الحج وسيأتي الكلام فيها في بابه.
الجهة الثانية : هل النية إخطارية بمعنى لا بد من تصورها في البال كما عليه المشهور -
ص: 118
.................................................................................................
______________________________________________________
- وقال في المستمسك : «ولا دليل لهم ظاهرا عليه ، إذ الثابت بالإجماع كون الوضوء عبادة ، ومن المعلوم من بناء العقلاء أنه يكفي في تحقق العبادة كون الفعل اختياريا صادرا عن إرادة الفاعل بداعي تعلق الأمر به» ، ولأنه لو كانت إخطارية لوجب أن تبقى في الذهن إلى آخر العمل مع أنهم لا يلتزمون بذلك وإنما يشترطون بقاءها حكما بمعنى أن لا يعرض عنها.
وذهب جماعة وهو المشهور بين المتأخرين إلى كون النية هي الداعي إلى الفعل ، والداعي موجود في القلب لا في الذهن بحسب الوجدان. ولقد أجاد صاحب الجواهر عند ما تكلم عن آثار الإخطارية بقوله : «فلا يكتفي بدون الإخطار بالبال للقصد مع ما يعتبر معه من القربة والوجه وغيرهما مقارنا لأول العمل ، فبسببه يحصل بعض أحوال لهم تشبه أحوال المجانين ، وليت شعري أليست النية في الوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات كغيرها من سائر أفعال المكلفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم ، فإن كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا مع قصد ونية سابقة عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة على ذلك الفعل ، بل هو أمر طبيعي وخلق جبلي ، ومع هذا لا ترى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يعتريه شي ء من تلك الوسوسة وذلك الإشكال ، بل هو بالنسبة إلى العبادات الأخر من الزيارات والصدقات وعيادة المرضى وقضاء الحوائج والأدعية والأذكار وقراءة القرآن ونحو ذلك لا يعتريه شي ء من تلك الأحوال ، بل هو فيها على حسب سائر أفعال العقلاء ، فما أعرف ما ذا يعتريه في مثل الوضوء».
الجهة الثالثة : قد عرفت أن النية هي الإرادة مع قصد التقرب وتقدم معنى الإرادة ، أما قصد التقرب فهو الإتيان بالفعل تحصيلا للقرب إلى الله تعالى الذي هو ضد البعد تشبيها بالقرب المكاني ، وقصد التقرب بهذا المعنى يتحقق بقصد امتثال الأمر ، ويتحقق بقصد إتيان الفعل لكونه محبوبا عند الله (جل جلاله).
وقصد الامتثال والمحبوبية المحقق لقصد التقرب تارة يكون لأن الله أهل للطاعة وأخرى يكون لأجل تحصيل الثواب الأخروي وثالثة لأجل الفرار من العذاب الأبدي ، وهو على نحو الداعي في الداعي ، والأول أعلاها لما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : (ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) (1)-
ص: 119
.................................................................................................
______________________________________________________
- والثاني والثالث أدناها ، ونسب إلى المشهور فساد العبادة عند قصدهما ، واحتج السيد ابن طاوس على ما في الروض : «بأن قاصد ذلك إنما قصد الرشوة والبرطيل ولم يقصد وجه الرب الجليل وهو دال على أن عمله سقيم وأنه عبد لئيم».
والصحيح صحة العبادة بهما للسيرة ولما ورد في الكتب والسنة ، قال تعالى : ( تَتَجٰافىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضٰاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ) (1) وقال تعالى : ( وَيَدْعُونَنٰا رَغَباً وَرَهَباً ) (2) ، وفي النهج : «إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار» (3) وهذا التقسيم ظاهر في صحة الأقسام الثلاثة للعبادة.
الجهة الرابعة : باعتبار أن النية هي الإرادة الخاصة ، وهي الإرادة مع قصد التقرب فمن نظر إلى الإرادة قال عنها إنها في غاية السهولة إذ لا ينفك فعل العاقل المختار عنها ولذا قيل : لو كلفنا الله الفعل من غير نية لكان تكليفا بالمحال.
ومن نظر إلى قصد القربة وحصول أعلى مراتب الداعي وخلوصه من الرياء قال عنها إنها في غاية الصعوبة.
الجهة الخامسة : ادعى جماعة الإجماع على اعتبار النية في الوضوء وفي كل طهارة من الحدث ، ولم يخالف إلا ابن الجنيد حيث جعلها مستحبة وهو لم يثبت حيث نقل المحقق في المعتبر عنه خلاف ذلك.
واستدل على اعتبار النية بقوله تعالى : ( وَمٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ ) (4) وفيه : إنها أجنبية عن المدعى لأنها ظاهرة في التوحيد كما فسرها جماعة وجزم به الشيخ البهائي ، ويشهد له عطف الصلاة والزكاة على العبارة حيث التتمة ( وَيُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكٰاةَ وَذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ، بالإضافة إلى لزوم تخصيص الأكثر وهو مستهجن إذ الأمر يعمّ العبادات والتوصليات ، فإخراج التوصلي عن اشتراط الإخلاص موجب لذلك.
ويستدل لاعتبار النية في الوضوء بالأخبار منها : خبر أبي حمزة الثمالي عن علي بن -
ص: 120
(الوجه) (1)
______________________________________________________
- الحسين عليهما السلام : (لا عمل إلا بنية) (1) وفي آخر : (إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله (عزوجل) ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى) (2).
وفيه : إنها ظاهرة في ترتب الثواب بالإضافة إلى لزوم تخصيص الأكثر بالبيان المتقدم. وعليه فلم يثبت إلا الإجماع المدعى عن الشيخ في الخلاف والعلامة في المختلف والمحقق الثاني في جامع المقاصد وسيد المدارك في كتابه بالإضافة إلى السيرة العملية بين المتشرعة المأخوذة يدا بيد إلى زمن الأئمةعليهم السلام.
(1) ذهب المشهور إلى أن وقت النية عند غسل اليدين قبل غسل الوجه لكون الغسل من جملة الوضوء الكامل فتصح النية عنده استحبابا أو جوازا ، وردّ بأنه لو جاز النية عند أول أجزائه المستحبة لجاز تقديمها عند المضمضة والاستنشاق مع أنه لا يصح إجماعا كما في الروض بالإضافة إلى أن غسل اليدين مع استحبابه لم تثبت جزئيته للوضوء فتكون النية قبل العمل وهذا لا يصح إلا أنهم اتفقوا على أنها تتضيق عند غسل الوجه ولا يجوز تأخيرها عنه لاستلزام وقوع بعض أجزاء الواجبة من دون نية.
والذي يخفف الخطب أن البحث بتمامه مبني على كون النية إخطارية وقد عرفت أنها من قبيل الداعي فلا ينفك العمل عنها فيجوز تقديمها حينئذ لأنها تبقى إلى حين العمل ما لم يعرض عنها.
أما غسل الوجه فلا خلاف فيه ويدل عليه قوله تعالى : ( إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (3) والأخبار الكثيرة.
والمراد من الوجه هو ما بين قصاص الشعر إلى الذقن طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا وهو مما لا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله (عزوجل) ، فقال عليه السلام : الوجه الذي قال الله وأمر الله (عزوجل) بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ، ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه ، فقال له : الصدغ من الوجه؟ فقال عليه السلام : -
ص: 121
المعتبر شرعا (1) ، وهو (2) أوّل جزء من أعلاه ، لأن ما دونه لا يسمى غسلا شرعا ، ولأن المقارنة تعتبر لأول أفعال الوضوء والابتداء بغير الأعلى لا يعدّ فعلا (3) (مشتملة) على قصد(الوجوب) (4) إن كان واجبا بأن كان في وقت عبادة
______________________________________________________
- لا) (1).
ثم يجب غسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل على المشهور للأخبار منها : صحيح زرارة قال : (حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ثم مسح بيده الجانبين جميعا) (2) الحديث ، وقال العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى بعد ذكر هذا الصحيح : (وروي أنه قال بعد ما توضأ : إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به).
واختار جماعة منهم السيد وابنا إدريس وسعيد والشهيد والشيخ البهائي وصاحب المعالم إلى جواز النكس في الوجه فيجوز الابتداء من الأسفل إلى الأعلى لأن الأخبار لم تحصر الغسل بهذه الكيفية ، لأنها غير واردة في بيان كيفية الغسل وإنما هي واردة في كيفية غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا لا يدل على عدم جواز كيفية أخرى.
(1) وهو ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا من قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولا.
(2) أي المراد من الوجه عند المقارنة.
(3) من أفعال الوضوء بناء على وجوب الابتداء من الأعلى.
(4) هل يعتبر في النية نية الوجوب أو الندب وصفا أو غاية ، والمراد بالأول كأن ينوي الاتيان بالوضوء الواجب أو المندوب ، والمراد بالثاني كأن ينوي الاتيان بالوضوء لوجوبه أو ندبه.
وقد نسب إلى المشهور اعتبار نية الوجوب أو الندب وصفا أو غاية ، وعن التذكرة الإجماع عليه لوجوب إيقاع الفعل على وجهه وهذا لا يتم إلا بذلك.
وذهب المفيد والشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر ومشهور المتأخرين إلى عدم اعتبار نية الوجوب أو الندب لأن إيقاع الفعل على وجهه أن يكون الفعل مشتملا على شرائطه وأجزائه وهذا لا يفيد المدعى لأن كون نية الوجوب شرطا في النية أول الكلام ثم هل يعتبر قصد وجه الوجوب بناء على اشتراط قصد الوجوب بأن ينوي الاتيان -
ص: 122
واجبة مشروطة به ، وإلا نوى النّدب ، ولم يذكره (1) لأنه خارج عن الغرض (2).
(والتقرّب) به إلى الله تعالى ، بأن يقصد فعله (3) لله امتثالا لأمره أو موافقة لطاعته (4) ، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته (5) ، تشبيها بالقرب المكاني ، أو مجردا عن ذلك ، فإنه تعالى غاية كل مقصد (6).
______________________________________________________
- بالوضوء الواجب مع قصد وجه الوجوب ، ظاهر السرائر والتذكرة الاشتراط وضعفه ظاهر إذ لا دليل ثابت إلا على وجوب النية فقط.
ثم قد ذهب الشيخ إلى لزوم نية الرفع وعن السيد لزوم نية الاستباحة وعن جماعة منهم الشيخ في المبسوط وبنو إدريس وحمزة وزهرة والعلامة في جملة من كتبه إلى الاكتفاء بنية أحدهما لقوله تعالى : ( إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (1) ولا معنى لفعل الغسل لأجل الصلاة إلا إرادة استباحتها أو إرادة رفع الحدث.
وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع ومشهور المتأخرين إلى العدم لعدم دليل يدل على ذلك ، ولذا قال ابن طاوس في البشرى : «إني لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، لكن علمنا أنه لا بد من نية القربة ، وإلا لكان هذا من باب اسكتوا عما سكت الله عنه» وقال الشارح في روض الجنان : «وبالجملة فمشخصات النية غير القربة لم يرد فيها نص على الخصوص فلا بدّ لمثبت شي ء منها من دليل صالح».
(1) أي الندب.
(2) لأن الكتاب مبني على الاختصار فلا يوافقه إلا ذكر الواجبات فقط.
(3) أي فعل الوضوء.
(4) فسرت الطاعة بالإرادة لأن الشارح في الروض قال : «بمعنى موافقة إرادته» ، والحق إن الطاعة والامتثال مفهومان مترادفان ، فيشترط فيهما الأمر وهو أعم من الواجب والمندوب ، فما عن بعضهم من جعل الطاعة للأعم من الواجب والمستحب واختصاص الامتثال بالواجب فقط ليس في محله.
(5) أي بواسطة الوضوء لكونه محبوبا عند الله.
(6) قال الشارح في الروض : «ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد».
ص: 123
(والاستباحة) مطلقا (1) ، أو الرفع حيث يمكن ، والمراد رفع حكم الحدث ، وإلا فالحدث (2) إذا وقع لا يرتفع ولا شبهة في إجزاء النية المشتملة على جميع ذلك. وإن كان في وجوب ما عدا القربة نظر ، لعدم نهوض دليل عليه.
أما القربة فلا شبهة في اعتبارها في كل عبادة ، وكذا تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون الفعل مشتركا ، إلا أنه لا اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب والندب ، لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلا واجبا ، وبدونه (3) ينتفي (وجري الماء) (4) بأن ينتقل كلّ جزء من الماء عن محله ، إلى غيره بنفسه (5)
______________________________________________________
(1) سواء رفع الوضوء الحدث أو لا.
(2) بما هو من بول وغائط.
(3) أي بدون وقت العبادة الواجبة فينتفي وجوب الوضوء.
(4) لأن الغسل لا يتحقق إلا بالجريان وإلا فلا فرق بينه وبين المسح ، وللأخبار منها: صحيح زرارة : (كل ما أحاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ، ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجرى عليه الماء) (1) وصحيح ابن مسلم الوارد في الغسل : (فما جرى عليه الماء فقد طهر) (2) بناء على عدم الفرق بين الغسل والوضوء في الغسل ، نعم الجريان قد يكون بنفسه وقد يكون بإعانة اليد.
وذهب البعض إلى العدم لعدم ثبوت الجريان في مفهوم الغسل ولأن الأخبار المتقدمة ناظرة إلى الغالب في الغسل ، ولذا ورد في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم من يطيعه ومن يعصيه ، وإن المؤمن لا ينجسه شي ء إنما يكفيه مثل الدهن) (3) وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في الوضوء : (إذا مسّ جلدك الماء فحسبك) (4) وهي محمولة على عدم احتياج الوضوء إلى الماء الكثير.
(5) أي بنفس الماء.
ص: 124
أو بمعين (1) (على ما دارت عليه الإبهام) بكسر الهمزة(والوسطى) من الوجه (عرضا وما بين القصاص) - مثلث القاف - وهو منتهى منبت شعر الرأس(إلى آخر الذّقن) بالذال المعجمة والقاف المفتوحة منه (طولا) (2) مراعيا في ذلك مستوى الخلقة في الوجه (3) واليدين(4).
ويدخل في الحدّ مواضع التحذيف (5) ، وهي ما بين منتهى العذار والنزعة المتصلة بشعر الرأس والعذار والعارض ، لا النزعتان بالتحريك ، وهما البياضان المكتنفان للناصية.
(وتخليل خفيف الشعر) (6) وهو ما ترى البشرة من خلاله في مجلس
______________________________________________________
(1) ولو بإعانة اليد.
(2) قد تقدم الكلام فيه.
(3) فلا عبرة بالأنزع ولا الأغم ، والأول من انحسر شعره عن الحد المتعارف والثاني من نبت شعره على الجبهة.
(4) فلا عبرة بقصير اليد وعريض الوجه وكذا العكس بل المدار على الوجه المتعارف للإنسان مع يده المتعارفة بينهم فما يدخل من وجهه تحت يده فيجب على الجميع غسله من وجوههم وإلا فلا.
(5) لا بد من توضيح معاني بعض المفردات ، النزعتان وهي تثنية النزعة بالتحريك ، وهي ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا في جانبي الرأس ، ويعبر عنهما بالبياضين المكتنفين بالناصية ، والنزعتان خارجتان عن حد الوجه الذي يجب غسله بالاتفاق.
والعذار هو ما حاذى الأذن يتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض فهو الشعر النابت على العظم الناتئ الذي هو سمت الصماخ وما انحط إلى وتد الأذن.
والصدغ بالضم هو الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الأذن ، ومواضع التحذيف وهي ما بين انتهاء العذار والنزعة المتصلة بشعر الرأس ، سميت بذلك لحذف النساء المترفين ما ينبت عليها من الشعر الخفيف.
والعارض ففي الصحاح عارضة الإنسان صفحتا خديه ، وإليه يرجع تفسير الفقهاء ففي المنتهى أنه ما نزل عن حد العذار وهو النابت على اللحيتين وقريب منه ما في الدروس.
(6) إذا كان الشعر كثيفا فلا يجب غسل البشرة تحته بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (قلت له : أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال عليه السلام : كل -
ص: 125
التخاطب ، دون الكثيف وهو خلافه ، والمراد بتخليله إدخال الماء خلاله لغسل البشرة المستورة به ، أما الظاهرة خلاله فلا بدّ من غسلها. كما يجب غسل جزء آخر مما جاورها من المستورة من باب المقدمة (1).
والأقوى عدم وجوب تخليل الشعر مطلقا (1) وفاقا للمصنف في الذكرى والدروس وللمعظم ، ويستوي في ذلك شعر اللحية والشارب ، والخدّ والعذار والحاجب ، والعنفقة (2) والهدب (4).
(ثم) غسل اليد(اليمنى من المرفق) (5) بكسر الميم وفتح الفاء أو بالعكس
______________________________________________________
- ما أحاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء) (1) وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (سألته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟ قال : لا) (2) وإذا كان خفيفا فقد نسب إلى المشهور عدم وجوب غسل البشرة تحته تمسكا بإطلاق الأخبار المتقدمة ، وردّ بأن الأخبار ظاهرة في الشعر الكثيف لأنها ظاهرة في الشعر الذي أحاط على الموضع وهو لا يحيط إلا إذا كان كثيفا.
(1) أي المقدمة العلمية حتى يعلم بتحقق غسل البشرة.
(2) كثيفا أو خفيفا.
(3) شعرات بين الشفة السفلى والذقن.
(4) بضمتين أو بضمة واحدة ، شعرات أشفار العين.
(5) المرفق على وزن منبر ، وعن التذكرة أنه مجمع عظمي الذراع والعضد وعن المشهور أنه رأس عظمي الذراع والعضد وهو المتبادر عرفا ، ثم إن غسل اليدين من المرافق أمر ضروري ويدل عليه الكتاب والسنة ويكفينا قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ) (3).
وغسل المرفق واجب ولم يخالف في ذلك إلا زفر من العامة ، نعم وقع الخلاف بينهم في أن غسله أصلي كما ذهب إليه المشهور أو أنه مقدمي كما ذهب إليه العلامة وسيد المدارك ، قال في المدارك : «وقد قطع الأصحاب بوجوب غسل المرفقين إما لأن (إلى) في قوله تعالى : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ) ، بمعنى مع كما ذكره السيد المرتضى -
ص: 126
وهو مجمع عظمي الذّراع والعضد ، لا نفس المفصل (إلى أطراف الأصابع) (1)
______________________________________________________
- وجماعة أو لأن الغاية إذا لم تتميز وجب دخولها في المغيّا ويرد على الأول : إنه مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة وهي منتفية هنا ، وعلى الثاني : إن الحق عدم دخول الغاية في المغيّا مطلقا كما حقق في محله ، ولقد أجاد الشيخ أبو علي الطبرسي (رحمه الله) في تفسيره جوامع الجامع حيث قال : لا دليل في الآية على دخول المرافق في الوضوء إلا أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى وجوب غسلها وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام. - ومن هنا ذهب العلامة في المنتهى وجمع من المتأخرين إلى أن غسلهما غير واجب بالأصالة ، وإنما هو من باب المقدمة ولا بأس به لأنه المتيقن» انتهى كلامه.
ولا ثمرة بعد وجوب غسل المرفق على كل حال.
(1) فيجب الابتداء بالأعلى فلو غسل منكوسا لم يجز على الأكثر ، خلافا للمرتضى وابن إدريس حيث جوزا النكس على كراهة تمسكا بإطلاق الآية لأن لفظ (إلى) يأتي بمعنى مع.
ومستند المشهور أخبار منها : ما رواه العياشي في تفسيره عن صفوان : (سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ) - إلى أن قال - : قلت : فإنه قال : فاغسلوا أيديكم إلى المرافق ، فكيف الغسل؟ قال : هكذا ، أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثم يفيضه على المرفق ثم يمسح إلى الكف) (1) وصحيح زرارة : (قال أبو جعفر عليه السلام : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقلنا : بلى.
فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال : هكذا إذا كانت الكف طاهرة ، ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته ثم قال : بسم الله ، وسدله على أطراف لحيته ، ثم أمرّ يده على وجهه وظاهر جبهته مرة واحدة ، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمرّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه) (2) ومثله غيره من الأخبار البيانية.
ولا يمكن التمسك بالآية الشريفة على جواز النكس كما تفعله العامة بدعوى أن لفظ -
ص: 127
(ثم) غسل (اليسرى كذلك) (1) ، وغسل ما اشتملت عليه الحدود (2) من لحم زائد ، وشعر ويد وإصبع ، دون ما خرج (3) وإن كان يدا ، إلا أن تشتبه الأصلية فتغسلان معا من باب المقدمة (4).
(ثم مسح مقدّم الرأس) (5) ،
______________________________________________________
- (إلى) بمعنى مع ، أو يتمسك بها على وجوب النكس لأن الآية في مقام بيان كيفية الغسل و (إلى) للانتهاء.
وذلك لأن الآية في مقام تحديد مكان المغسول لا في مقام بيان كيفية الغسل للسياق حيث لم تتعرض الآية لكيفية الغسل في الوجه وإنما تعرضت لبيان حدود المغسول وهي ما واجه به الغير المسمى بالوجه فكذلك في اليدين قضاء لحق العطف.
(1) أي من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وغسل اليسرى ضروري ويدل عليه الكتاب والسنة ، وأما تقديم اليمنى على اليسرى بلا خلاف للأخبار الكثيرة منها الأخبار البيانية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم بعضها ، ولصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال عليه السلام : يغسل اليمين ويعيد اليسار) (1).
(2) أي حد الوجه وحد اليدين ، لأنه يصدق عليه وجه أو يد عرفا فيدخل تحت إطلاق أدلة وجوب غسل الوجه واليدين.
(3) أي ما خرج عن الحدود فلا يصدق أنه وجه أو يد فلا يجب غسله ، حتى لو كان الخارج يدا عرفا فيقطع بأنها زائدة والأدلة منصرفة عنها لأنها مختصة باليد الأصلية.
وذهب العلامة في المنتهى والإرشاد والمختلف إلى وجوب غسل الخارج إن سمى يدا سواء كانت فوق المرفق أم دونه وسواء قطعنا بكونها زائدة أم مشتبهة للاحتياط بعد صدق اسم اليد عليها فيشملها إطلاق أدلة وجوب الغسل ، وفيه : إنها منصرفة إلى الأصلية.
(4) أي المقدمة العلمية حتى يقطع بغسل الأصلية.
(5) فهو مما لا خلاف فيه ، ويدل عليه الكتاب والسنة ، ويكفينا قوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (2).
ص: 128
.................................................................................................
______________________________________________________
- ويجب المسح ببلة يده اليمنى على المشهور للأخبار منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك) ((1).
وذهب ابن الجنيد إلى جواز المسح بماء جديد تمسكا بإطلاق الآية ويشهد له طائفة من الأخبار منها : خبر جعفر بن عمارة : (سألت جعفر بن محمد عليهما السلام : أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال عليه السلام : خذ لرأسك ماء جديدا) (2) وهي محمولة على التقية لموافقتها العامة.
نعم إذا جفت بلّة اليد اليمنى جاز أخذ الماء من بقية أعضاء الوضوء ثم مسح مقدم الرأس به لمرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام (إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك) (3).
ثم المسح يجب أن يكون على مقدم الرأس الذي هو ربع الرأس تقريبا للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (مسح الرأس على مقدمه) (4) ومرسل حماد عن أحدهما عليهما السلام : (في الرجل يتوضأ وعليه العمامة ، قال عليه السلام : يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه) (5).
فما ورد من جواز أو وجوب مسح تمام الرأس فلا بد من طرحه مثل خبر الحسين بن أبي العلاء : (قال أبو عبد الله عليه السلام : أمسح الرأس على مقدمه ومؤخره) (6).
ثم إنه يكفي مسمى المسح لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (قلت له : ألا تخبرني من أين علمت أن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك عليه السلام فقال : يا زرارة ، قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل به الكتاب من الله (عزوجل) ، لأن الله (عزوجل) قال : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) ، فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ، ثم قال : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ) ، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أنه ينبغي لهما -
ص: 129
أو شعره الذي لا يخرج بمدّه عن حدّه (1) ، واكتفى المصنف بالرأس تغليبا لاسمه على ما نبت عليه (بمسماه) أي مسمّى المسح ، ولو بجزء من إصبع ، ممرا له على الممسوح ليتحقق اسمه لا بمجرد وضعه (2) ، ولا حدّ لأكثره. نعم يكره الاستيعاب (3) ،
______________________________________________________
- أن يغسلا إلى المرفقين ، ثم فصل بين الكلام فقال : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) ، فعرفنا حين قال : ( بِرُؤُسِكُمْ ) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ، فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها) (1) وصحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك) (2).
وعن السيد والشيخ والصدوق من وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة لخبر معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السلام : (يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل) (3) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها(4).
وذهب الشيخ في النهاية إلى الاكتفاء بمقدار الأصبع عند الضرورة لمرسل حماد المتقدم : (في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال عليه السلام : يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه) (5).
وذهب ابن الجنيد إلى أن المسح بإصبع للرجل وبثلاث للمرأة لهذه الأخبار المتقدمة ، لكن حملت هذه الأخبار عند المشهور على الاستحباب جمعا بينها وبين ما دل على كفاية مسمى المسح.
(1) أي لا يخرج بمد الشعر عن حد الرأس ، وهو الشعر النابت على المقدم لأن المسح عليه مسح على المقدم ، نعم لو مسح على الزائد عنه لكان مسحا على غير المقدم فلا يجوز.
(2) لأن الوضع لا يسمى مسحا عرفا.
(3) استيعاب الرأس بالمسح قال في الجواهر : «أما لو مسح جميع الرأس فلا إشكال في -
ص: 130
إلا أن يعتقد شرعيّته فيحرم (1) ، وإن كان الفضل في مقدار ثلاث أصابع.
(ثم مسح) بشرة ظهر الرّجل (اليمنى) من رءوس الأصابع إلى الكعبين (2).
______________________________________________________
- عدم الحرمة حيث يكون قصد الامتثال بالبعض ، ووقع الباقي لا بقصد شي ء من الوضوئية ، وما يظهر من بعضهم من الحكم بالكراهة لم نقف له على مستند ولعله من جهة التشبه بالعامة ونحوه والأمر سهل».
(1) لأنه بدعة.
(2) وجوب مسح الرجلين في الوضوء متفق عليه عند الإمامية ، بل هو من ضروريات مذهبهم كما في الجواهر ، والأخبار به متواترة من طرقنا ، بل روته العامة ، بل هو المنقول عن ابن عباس وعكرمة وأنس وأبي الغالبة والشعبي ، وعن أبي الحسن البصري وابن جرير الطبري والجبائي التخيير بينه وبين الغسل وعن داود الظاهري وجوب الغسل والمسح معا وباقي علمائهم على إيجاب الغسل.
ودليلنا الكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (1) بناء على قراءة الجر في الأرجل كما عن ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر ويؤيدها خبر غالب بن الهذيل : (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) ، على الخفض هي أم على النصب؟ فقال عليه السلام : بل هي على الخفض) (2).
وجرها يوجب أخذ حكم الرأس وهو المسح ، ويدل على هذا بالنص صحيح زرارة المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام : (ثم فصل بين الكلام فقال : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فعرفنا حين قال : ( بِرُؤُسِكُمْ ) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ، فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها) (3).
وقد نقل عن نافع وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية حفص أنها على النصب ، ويكون حكمها المسح بناء على عطفها على محل الرءوس. -
ص: 131
.................................................................................................
______________________________________________________
- ومن أوجب غسلها من العامة ادعى أنها منصوبة وأنها معطوفة على الأيدي فتأخذ حكمها من الغسل ، وهو من غرائب الاستعمال فلا يحمل كلام الله عليه لأن الانتقال من جملة إلى أخرى قبل إكمال الأولى موجب للإيهام ومخل بالفصاحة.
وأما السنة فمنها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن) (1) وخبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام : (إنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة ، قلت : كيف ذلك؟ قال : لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه) (2) وعن ابن عباس : (إن كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل) (3) وعن أمير المؤمنين عليه السلام : (ما نزل القرآن إلا بالمسح) (4) وعن ابن عباس أيضا عن الوضوء أنه : (غسلتان ومسحتان) (5).
ثم المسح على ظاهر البشرة فلا يجزي المسح على خف أو حائل خلافا للعامة حيث جوزوا المسح على الخف ، ومستندنا الأخبار منها : صحيح زرارة : (قلت له : في مسح الخفين تقية؟ فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج) (6) وخبر النسابة الكلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت له ما تقول : في المسح على الخفين؟ فتبسم ، ثم قال : إذا كان يوم القيامة وردّ الله كل شي ء إلى شيئه ، وردّ الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم) (7) وخبر حبابة الوالبية عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إنا أهل بيت لا نمسح على الخفين ، فمن كان من شيعتنا فليقتد بنا وليستن بسنتنا) (8) وفي خبر سليم بن قيس الهلالي : (خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدين لخلافه ، ولو حملت الناس على تركها لتفرق عني جندي ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي كان فيه - إلى أن قال - : وحرّمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم - إلى أن قال - : إذا لتفرقوا عني) (9).
ثم إن المشهور ذهب إلى عدم الترتيب بين الرجلين فيجوز مسح اليسرى قبل اليمنى -
ص: 132
وهما قبّتا القدمين على الأصح (1) وقيل : إلى أصل السّاق ، وهو مختاره في الألفية.
______________________________________________________
- تمسكا بإطلاق الآية ، وعن ابن الجنيد وابني بابويه والشيخ في الخلاف وفخر المحققين والشهيدين وسيد المدارك وجماعة إلى وجوب تقديم اليمنى لصحيح ابن مسلم المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام : (امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن) (1) وخبر ابن أبي رافع عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده) (2).
ونقل عن جماعة جواز مسحهما معا وإلا بدأ باليمين للتوقيع الصادر عن الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري حيث سأله عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا فأجاب عليه السلام : (يمسح عليهما جميعا معا فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين) (3) وهو المتعين.
ثم لا بد من الاستيعاب الطولي من رءوس الأصابع إلى الكعبين لدلالة الآية عليه فضلا عن النصوص منها : صحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك) (4) واحتمل في الذكرى عدم الاستيعاب الطولي وجزم به في المفاتيح ونفى عنه البعد في الرياض لخبر جعفر بن سليمان عن أبي الحسن عليه السلام : (قلت : جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أيجزيه ذلك؟ قال : نعم) (5) وفيه : إنه غير صريح في عدم الاستيعاب الطولي.
واستدل لمدعاهم بخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (توضأ علي عليه السلام فغسل وجهه وذراعيه ثم مسح على رأسه وعلى نعليه ولم يدخل يده تحت الشراك) (6) وصحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام المتقدم : (تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك) (7) وفيه : إن مقعد الشراك على الكعبين فعدم دخول اليد تحته لانتهاء محل المسح.
(1) المشهور على ذلك ، وفي المعتبر نسبته إلى مذهب فقهاء أهل البيت عليهما السلام ، قال ابن -
ص: 133
(ثم) مسح ظهر(اليسرى) كذلك (1) (بمسماه) في جانب العرض (2) (ببقيّة البلل) (3)
______________________________________________________
- الأثير في نهايته : «ذهب قوم إلى أنهما العظمان النابتان في ظهر القدم وهو مذهب الشيعة».
وذهبت العامة إلى أنهما العقدتان اللتان في أسفل الساقين على يمين الساق وشماله في كل قدم ، ووافقنا منهم سائر الحنفية وبعض الشافعية ، ولقد صنف العلامة اللغوي عميد الرؤساء كتابا في معنى الكعب وأنه قبة القدم ، وقال فيه : «إن العقدتين في أسفل الساقين اللتين يسميان كعبا عند العامة يسميان عند العرب الفصحاء وغيرهم جاهليهم وإسلاميهم منجمين بفتح الميم والجيم ، والرهرهين بضم الراءين».
ومستندنا الأخبار منها : خبر ميسر عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في الوضوء البياني : (ثم مسح رأسه وقدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال : هذا هو الكعب ، قال : وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال : هذا هو الظنبوب) (1) ، وما تقدم من أخبار عدم وجوب استبطان الشرك لإن معقده عند ظهر القدم وذهب العلامة في جملة من كتبه إلى أنه هو المفصل بين الساق والقدم وتبعه عليه الشهيد في الألفية مع أنه أنكره عليه في البيان ، واستدل عليه بخبر زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام : (فقلنا : أين الكعبان؟ قال عليه السلام : هاهنا ، يعني المفصل دون عظم الساق) (2).
(1) من رءوس الأصابع إلى الكعبين.
(2) على المشهور شهرة عظيمة لصحيح زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام المتقدم : (وإذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك) (3) ولخبر زرارة المتقدم أيضا عن أبي جعفر عليه السلام : (فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما) (7) ونسب إلى الشيخ اعتبار المسح بمقدار إصبع ولا دليل له ، وفي التذكرة عن بعضهم اعتبار المسح بمقدار ثلاث أصابع لخبر معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السلام : (يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجلين) (5) وحملت على الاستحباب عند المشهور.
وعن الحلبي وابن زهرة اعتبار إصبعين ولا يعرف لهما دليل.
(3) قد تقدم الكلام فيه عند مسح الرأس.
ص: 134
الكائن على أعضاء الوضوء من مائه (فيهما) (1) أي في المسحين ، وفهم من إطلاقه المسح (2) أنه لا ترتيب فيهما (3) في نفس العضو فيجوز النكس فيه دون الغسل ، للدلالة عليه (4) ب «من» و «إلى» ، وهو كذلك فيهما (5) على أصحّ
______________________________________________________
(1) في مسح الرأس ومسح الرجلين.
(2) أي إطلاق المصنف ، فيفهم منه جواز النكس كما هو المشهور لصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا) (1) ، وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا) (2) وخبر يونس قال : (أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا ، فإنه من الأمر الموسع إن شاء الله) (3).
وعن المفيد والصدوق والسيد وابن زهرة وابن إدريس والشهيد في البيان والألفية وجوب المسح من أطراف الأصابع إلى الكعبين ولا يجوز النكس لظهور لفظ (إلى) الوارد في الآية بالانتهاء ، ولصحيح أحمد بن محمد البزنطي سألت أبا الحسن عليه السلام : (عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين) (4).
وفيه : إن الآية ليست في مقام بيان كيفية المسح بل في مقام بيان حد الممسوح ، والخبر لا يفيد الحصر.
(3) في المسحين.
(4) أي على الترتيب في الغسل حيث قال المصنف في الوجه : «ما بين القصاص إلى آخر الذقن» ، وقال في اليدين : «من المرفق إلى أطراف الأصابع» ، ولم يحدد بذلك في المسح.
(5) أي في المسح والغسل ، أما الغسل فقد تقدم الكلام عليه وأنه لم يخالف إلا ابن إدريس والمرتضى فجوزا النكس في غسل اليدين على كراهته ، وخالف جماعة منهم السيد وابن إدريس في الوجه فجوزوا النكس فيه.
وأما المسح فقد تقدم الكلام في مسح الرجلين وأما مسح الرأس فيجوز النكس على -
ص: 135
القولين ، وفي الدروس رجّح منع النّكس في الرأس دون الرجلين وفي البيان عكس ، ومثله في الألفية(مرتّبا) (1) بين أعضاء الغسل والمسح : بأن يبتدئ بغسل الوجه ، ثم باليد اليمنى ، ثم اليسرى ، ثم بمسح الرأس ، ثم الرّجل اليمنى ، ثم اليسرى ، فلو عكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب مع بقاء الموالاة. وأسقط المصنف في غير الكتاب الترتيب بين الرجلين(مواليا) في فعله (2)
______________________________________________________
- المشهور منهم الشهيد في البيان ، ويستدل لهم بإطلاق الآية وبصحيح حماد المتقدم : (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا) (1).
وذهبت جماعة منهم الشهيد في الذكرى والدروس ونسبه في الأول إلى الشهرة وفي الثاني إلى الأكثر على عدم جواز النكس للأخبار المتضمّنة للوضوءات البيانية حيث اقتصرت على المسح مقبلا في الرأس ، بل في بعضها : (إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) (2) ، وصحيح حماد المتقدم محمول على خبره الآخر الذي خصّ النكس بمسح القدمين (3) فقط بل من المظنون قويا وحدة الخبرين لاتحاد الراوي والمروي عنه ، خصوصا أن أبا الحسن عليه السلام كما في خبر يونس جعل الأمر الموسع في خصوص القدمين فقط.
(1) الترتيب بين الأعضاء مما لا خلاف فيه للأخبار منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (تابع بين الوضوء كما قال الله (عزوجل) ، ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ، ولا تقدمن شيئا بين يدي شي ء تخالف ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل) (4).
(2) الموالاة في الوضوء واجبة وهي مما لا خلاف فيها ، وإنما الخلاف في معناها على أقوال :
الأول : مراعاة الجفاف مطلقا فلو أخّر متابعة الأعضاء على وجه لا يحصل معه جفاف فلا إثم ولا إبطال ، نعم لو جفت الأعضاء السابقة بطل الوضوء وعليه الإعادة وإليه -
ص: 136
(بحيث لا يجفّ السابق) من الأعضاء (1) على العضو الذي هو فيه مطلقا (2) ، على أشهر الأقوال ..
والمعتبر في الجفاف الحسيّ لا التقديري (3) ،
______________________________________________________
- ذهب الأكثر ، ويشهد له موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا توضأت بعض وضوئك وعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك ، فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعّض) (1) وصحيح معاوية : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فابطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي ، فقال عليه السلام : أعد) (2).
الثاني : وجوب المتابعة بين الأعضاء اختيارا بحيث إذا فرغ من عضو شرع في الآخر فإن أخلّ أثم ولا يبطل الوضوء إلا مع الجفاف ، وهو المحكي عن الخلاف والمعتبر والتحرير ومصباح السيد لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (أتبع وضوءك بعضه بعضا) (3) وخبر الحكم بن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن الوضوء يتبع بعضه بعضا) (4) ، ولكن المراد من المتابعة هو الترتيب بين الأعضاء كما يشهد بذلك صدرهما ، فالأخير هو : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس قال عليه السلام : يعيد الوضوء إن الوضوء يتبع بعضه بعضا).
القول الثالث : مراعاة أحد الأمرين من التتابع والجفاف ، فلو تابع لا يبطل الوضوء وإن جفت الأعضاء ، ولو لم تجف لا يبطل الوضوء وإن لم يتابع للجمع بين الأخبار السابقة ، وهو المحكي عن الصدوق وجماعة من المتأخرين.
القول الرابع : المدار على جفاف العضو السابق لا على جفاف جميع الأعضاء كما هو القول الأول وإليه ذهب السيد في الناصريات وابن البراج في المهذب وجماعة لحمل أخبار الجفاف المتقدمة على جفاف العضو السابق فقط ، وفيه : إن الظاهر من الأخبار المتقدمة جفاف جميع الأعضاء.
القول الخامس : لو جف بعض العضو السابق لبطل الوضوء وإليه ذهب ابن الجنيد ، وهو مما لا دليل عليه ، والمتعين الأول.
(1) أي كل سابق لا خصوص العضو السابق ، وهذا هو مفاد القول الأول.
(2) سواء تابع بين الأفعال أم لا.
(3) بحيث لو كان الهواء رطبا ولم يتابع بين الأعضاء بحيث بقي البلل فلا يضرّ ، وإن كان -
ص: 137
ولا فرق فيه (1) بين العامد والناسي والجاهل (2).
(وسننه (3) السّواك) وهو دلك الأسنان (4) بعود ، وخرقة ، وإصبع ، ونحوها (5) ، وأفضله الغصن الأخضر (6) ، وأكمله الأراك (7) ، ومحله قبل غسل الوضوء الواجب والندب(8)
______________________________________________________
- عدم التتابع موجبا لجفاف الأعضاء إذا كان الهواء حارا لأن المعتبر هو الحسي الفعلي كما هو الظاهر من النصوص المتقدمة.
(1) في الجفاف.
(2) لإطلاق النصوص المتقدمة.
(3) أي سنن الوضوء ، بلا خلاف فيه ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وعليك بالسواك عند كل وضوء) (1).
(4) قال في المصباح : «سكت الشي ء أسوكه سوكا إذا دلكته».
(5) للإطلاق في أكثر من خبر ، بل صرح أكثر من خبر بوقوعه بغير الأراك لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : التسوك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك) (2) ومرسل علي بن إبراهيم : (أدنى السواك أن تدلكه بإصبعك) (3).
(6) استدل الشهيد في الذكرى على ذلك بمرسل الفقيه : (إن الكعبة شكت إلى الله ما تلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله إليها قرّي يا كعبة فإني مبدّلك بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر ، فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم نزل عليه الروح الأمين جبرئيل عليه السلام بالسواك) (4) وفيه : إنه لا يدل على اعتبار الخضرة ولذا قال الخونساري في حاشيته المشهورة : (لم أقف فيما رأينا على ما يدل على أفضلية الخضرة لا في الروايات ولا في كلام الأصحاب).
(7) لمرسل الطبرسي في مكارم الأخلاق : (وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستاك بالأراك ، أمره بذلك جبرئيل عليه السلام) (5) ، ولما في الرسالة الذهبية لأبي الحسن الرضا عليه السلام وقد كتبها للمأمون وفيها : (واعلم يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك ، فإنه يجلو الأسنان ويطيب النكهة ويشدّ اللثة ويسمنها ، وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال (6).
(8) أي قبل الغسلات الواجبة في الوضوء والمندوبة ، والمضمضة تمثيل للمندوب ، بل -
ص: 138
كالمضمضة ، ولو أخّره عنه أجزأ (1).
واعلم أن السّواك سنة مطلقا (2) ، ولكنه يتأكد في مواضع منها : الوضوء (3) والصلاة (4) ،
______________________________________________________
- الظاهر أنه قبل غسل اليدين المستحب ، ففي خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمّرا فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي ، ثم قال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (1).
ومرسلة الصدوق عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا قمت من فراشك فانظر في أفق السماء وقل : الحمد لله - إلى أن قال - : وعليك بالسواك ، فإن السواك في السحر قبل الوضوء من السنة ثم توضأ)(2)(3).
(1) لخبر المعلّى بن خنيس : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السواك بعد الوضوء ، فقال عليه السلام : الاستياك قبل أن يتوضأ ، قلت : أرأيت إن نسي حتى يتوضأ؟ قال : يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات) (4).
(2) أي مستحب في كل وقت للأمر به في الأخبار منها : خبر أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام : (من سنن المرسلين السواك) (4) وخبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أوصاني جبرئيل بالسواك حتى خفت على أسناني) (5) وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى ظننت أنه سيجعله فريضة) (6) وقال في مفتاح الكرامة : «استحباب السواك في الجملة مجمع عليه كما في الخلاف والمنتهى والتذكرة والذكرى وغيرها ، وبه قال جميع الفقهاء إلا داود فإنه أوجبه».
(3) وقد تقدم الدليل عليه.
(4) لخبر محمد بن مروان عن أبي جعفر عليه السلام : (في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : قال : عليك بالسواك لكل صلاة) (7) وخبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام : (ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) (8) وفي الخبر : (قال -
ص: 139
وقراءة القرآن (1) ، واصفرار الأسنان (2) وغيره (3).
(والتّسمية) (4) وصورتها : «بسم الله وبالله» ، ويستحب إتباعها بقوله : «اللهمّ
______________________________________________________
- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو لا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) (1).
(1) للأخبار منها : خبر إسماعيل بن أبان الخياط عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نظفوا طريق القرآن ، قيل : يا رسول الله وما طريق القرآن؟ قال : أفواهكم ، قيل : بما ذا؟ قال: بالسواك) (2) ومرسل الصدوق : (قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك) (3)(4).
(2) للأخبار منها : خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (في السواك اثنتا عشرة خصلة : هو من السنة ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ويرضي الرب ، ويذهب بالغمّ - بالبلغم - ، ويزيد في الحفظ ، ويبيّض الأسنان ويضاعف الحسنات ويذهب بالحفر ويشدّ اللثة ويشهّي الطعام وتفرّح به الملائكة) (5). ومثله غيره.
(3) من شدّ اللثة وإزالة الحفر وإزالة البخر وغير ذلك مما تقدم في خبر ابن سنان.
(4) فهي من سنن الوضوء وقال في مفتاح الكرامة : «هذا مذهب العلماء» وأوجبها ابن حنبل ويدل عليها أخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (يا أبا محمد من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع جسده ، ومن لم يسم لم يطهر من جسده إلا ما أصابه الماء) (5) ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله ، وإذا لم تسمّ لم يطهر من جسدك إلا ما مرّ عليه الماء) (6) وخبر ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام : (من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل) (7).
وهي مستحبة عند وضع اليد في الماء لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمين) (8) ولكن في حديث الخصال أن التسمية قبل وضع الماء على اليد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (لا يتوضأ الرجل حتى يسمّي يقول - قبل أن يمسّ الماء - : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين-
ص: 140
اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين» (1) ولو اقتصر على «بسم الله» أجزأ (2) ، ولو نسيها ابتداء تداركها حيث ذكر ، قبل الفراغ (3) كالأكل (4) ، وكذا لو تركها عمدا (5).
(وغسل اليدين) (6) من الزّندين (7) (مرّتين) من حدث النوم والبول
______________________________________________________
- واجعلني من المتطهرين ، فإذا فرغ من طهوره قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فعندها يستحق المغفرة) (1).
(1) كما في الأخبار المتقدمة.
(2) لما ورد في أكثر من خبر من الأمر بالتسمية وهي مطلقة.
(3) لأن ذكر الله حسن على كل حال.
(4) ففي خبر العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا توضأ أحدكم ولم يسمّ كان للشيطان في وضوئه شرك ، وإن أكل أو شرب أو لبس ، وكل شي ء صنعه ينبغي له أن يسمّي عليه فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك) (2).
(5) فيستحب أن يأتي بها في الأثناء لأن ذكر الله حسن على كل حال.
(6) يستحب غسل اليدين من الزندين قبل الاغتراف من الإناء للوضوء مرة للنوم والبول ومرتين للغائط على المشهور لصحيح الحلبي : (سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول واثنتان من حدث الغائط وثلاثا من الجنابة) (3) وفي صحيح حريز عن أبي جعفر عليه السلام : (يغسل الرجل يده من النوم مرة ومن الغائط والبول مرتين ومن الجنابة ثلاثا) 4 ، والحكم بالمرتين في البول والغائط في صحيح حريز مبني على ما لو كان محدثا بالبول والغائط معا وإلا فلو كان محدثا بالبول فقط فمرة لصحيح الحلبي المتقدم ، ولم يخالف في الحكم المذكور إلا الشهيد في اللمعة والنفلية ، ففي اللمعة أطلق المرتين وفي النفلية أطلق المرة ، وقال في الجواهر : «وهو مع عدم دليل عليه بالنسبة للنوم في الأول وللغائط في الثاني ضعيف لمخالفته لما سمعته من الأدلة».
(7) نسبه في الحدائق إلى الأصحاب والروايات خالية عن هذا التحديد ، ولذا قال في -
ص: 141
والغائط (1) ، لا من مطلق الحدث كالريح (2) على المشهور (3). وقيل : من الأولين مرة (4) ، وبه قطع في الذكرى ، وقيل : مرة في الجميع (5) ، واختاره المصنف في النفلية ، ونسب التفصيل إلى المشهور وهو الأقوى ، ولو اجتمعت الأسباب تداخلت إن تساوت ، وإلا دخل الأقل تحت الأكثر. وليكن الغسل (قبل إدخالهما الإناء) (6) الذي يمكن الاغتراف منه ، لدفع النجاسة الوهمية (7) ، أو تعبدا (8). ولا يعتبر كون الماء قليلا (9) لإطلاق النص ، خلافا للعلامة حيث
______________________________________________________
- الجواهر : «ولعل ما سمعت من الإجماعات المنقولة تكفي في الدلالة على استحباب ما ذكره الأصحاب من غسل اليدين وإلا فاستفادته من الروايات لا يخلو من تأمل».
وفي المدارك تبعا للنفلية وجامع المقاصد أن غسلهما من المرفقين لما ورد من غسل اليدين كذلك من حدث الجنابة ففي خبر ابن أبي نصر : (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن غسل الجنابة فقال : تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك) (1) الحديث ومثله غيره ، ولعل هذا مختص بالجنابة دون الوضوء.
(1) وهذا ما انفرد به المصنف هنا.
(2) اقتصارا على مورد النص ، وإجراء الحكم على الريح قياس لا نقول به.
(3) قيد من الزندين.
(4) وهو قول المشهور ما عدا الشهيد.
(5) وهو قول المصنف في النفلية.
(6) كما هو مورد النص المتقدم.
(7) كما عن العلّامة في النهاية ويشهد له خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل - إلى أن قال - : قلت : فإن استيقظ من نومه ولم يبل ، أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : لا ، لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها) (2) وعليه فلو كان الغسل للنجاسة المتوهمة فلا استحباب عند الاغتراف من الماء الكثير لأنها ستطهر بمجرد الملاقاة على فرض نجاستها.
(8) كما عن العلّامة في المنتهى وجماعة بل نسب إلى فتوى الأصحاب ، وعليه فاستحباب الغسل ثابت للأمر به في الأخبار سواء كان الماء قليلا أم كثيرا.
(9) يشكل عليه بأنه بعد ما تردد في العلة لا يحسن منه الجزم بعدم الاعتبار لأن الغسل إذا كان للنجاسة الموهومة فلا يعتبر إذا كان الماء كثيرا.
ص: 142
اعتبره (1).
(والمضمضة) وهي إدخال الماء الفم ، وإدارته فيه (والاستنشاق) وهو جذبه إلى داخل الأنف (2) (وتثليثهما) (3) بأن يفعل كلّ واحد منهما ثلاثا ، ولو بغرفة
______________________________________________________
(1) فالعلامة في المنتهى اعتبر كون استحباب الغسل إذا كان الماء قليلا ، والعجب منه أنه جعل الغسل تعبديا وهذا لا يفرق فيه بين القليل والكثير.
(2) لا بد من الرجوع إلى العرف في تحديد معنى المضمضة والاستنشاق ، بعد ما لم يرد من الشارع لهما تحديد خاص ، فالمضمضة كما عن أكثر من واحد هي إدارة الماء في الفم ، نعم قال الشارح في الروض عنها : «أن يدير الماء في فيه إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات ممرا مسبحته وإبهامه عليها لإزالة ما هنالك من الأذى» وقال في الجواهر : «الظاهر أنه لا يعتبر إدارة الماء في جميع الفم».
وفي التذكرة والذكرى اشتراط مجّ الماء في المضمضة مع أنه عرفا لا يشترط ذلك فلو بعله بعد الإدارة فقد امتثل كما عليه جماعة.
وأما الاستنشاق فهو اجتذاب الماء بالأنف ولا يشترط فيه الاستنشار كما وقع من بعضهم.
ثم إنهما من سنن الوضوء ومستحباته للأخبار منها : خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (المضمضة والاستنشاق مما سنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (1) وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في المضمضة والاستنشاق قال : هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد) (2).
وذهب ابن أبي عقيل إلى أنهما ليس بفرض ولا سنة لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة ، إنما عليك أن تغسل ما ظهر) (3).
وعن ابن أبي ليلى وإسحاق من العامة أنهما واجبان في الغسل والوضوء ، وعن أبي حنيفة والثوري أنهما واجبان في الغسل مسنونان في الوضوء ، وعن أحمد بن حنبل أن الاستنشاق واجب فيهما دون المضمضة.
(3) المضمضة والاستنشاق مستحبان مرة للإطلاقات السابقة ، وتثليثهما مستحب فهو مستحب في مستحب ويدل عليه خبر أبي إسحاق الهمداني عن أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمحمد بن أبي بكر لمّا ولاه مصرا قال : (وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام -
ص: 143
واحدة ، وبثلاث أفضل ، وكذا يستحبّ تقديم المضمضة أجمع على الاستنشاق (1) ، والعطف بالواو لا يقتضيه (وثنية الغسلات) (2) الثلاث بعد تمام
______________________________________________________
- الصلاة تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا) (1).
وكون التثليث بثلاث غرف فقد قال عنه في الجواهر : «لم أقف له على مستند» ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى كون التثليث بغرفة واحدة.
(1) كما عن جماعة ، واستقرب العلامة في النهاية جواز الجمع بينهما بأن يتمضمض ثم يستنشق مرة وهكذا ثلاثا ، لأن العطف بالواو الوارد في الأخبار لا يفيد الترتيب.
(2) المراد من الغسلات غسل الوجه واليدين ولذا جمعت الغسلة ، ثم الواجب من الغسلات مرة واحدة ونسبه في المنتهى إلى علماء الأمصار إلا ما نقل عن الأوزاعي وسعيد بن المسيب من التثليث ، ويدل على المدعى إطلاق الأمر بالغسل في الآية والأخبار الكثيرة وهو يتحقق بالمرة الواحدة مضافا إلى النصوص منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في بيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته ثم قال : بسم الله ، وسدله على أطراف لحيته ، ثم أمرّ يده على وجهه وظاهر جبهته مرة واحدة ، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمرّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه) (2) الحديث.
نعم الغسلة الثانية مستحبة على المشهور شهرة عظيمة للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (الوضوء مثنى مثنى ، من زاد لم يوجر عليه) (3) ومرسل أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام : (فرض الله الوضوء واحدة واحدة ، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : للناس اثنتين اثنتين) (4) ومرسل عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله عليه السلام : (إني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين ، وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتين اثنتين) (5).
وذهب الصدوق والكليني والبزنطي أنه ما زاد عن الواحدة لا يؤجر عليه ، واختاره -
ص: 144
الغسلة الأولى (1) في المشهور (2) ، وأنكرها الصدوق. (والدعاء عند كلّ فعل) من الأفعال الواجبة والمستحبة المتقدمة بالمأثور (3).
______________________________________________________
- الفاضل الهندي ، ويدل لهم مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة) (1) وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام : (اعلم أن الفضل في واحدة ومن زاد على الاثنتين لم يؤجر) (2).
والثاني غير دال على مدعاهم ، بل هو على جواز الثنتين أدل ، والأول محمول على عدم الأجر إذا اعتقد وجوب الثنتين كما في خبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام : (من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين) (3).
نعم الغسلة الثالثة بدعة بل هي محرمة لمرسل ابن أبي عمير المتقدم (والثالثة بدعة) (4) ، ولخبر داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام : (توضأ مثنى مثنى ولا تزدن عليه فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك) (5) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (من تعدى في الوضوء كان كناقصه) (6).
وعن ابن الجنيد أن الثالثة زيادة غير محتاج إليها وعن ابن أبي عقيل أنه لا يؤجر عليها ، وعن المفيد أنها تكلف ، وكلامهم غير ظاهر في تحريمها والأخبار السابقة ظاهرة في التحريم.
ثم إن المراد من التثنية أو التثليث هو الغسلة الثانية بعد إتمام الغسلة الأولى أما الغرفة فلا ، بحيث لو تحقق الغسل الأول بغرفتين لكان غسلة واحدة ويشهد له حديث زرارة وبكير عن أبي عبد الله عليه السلام : (أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع؟ فقال عليه السلام : نعم إذا بالغت فيها ، واثنتان تأتيان على ذلك كله) (7).
(1) لئلا يتوهم أن الاستحباب للغرفة الثانية.
(2) قيد للتثنية.
(3) كما في رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام : (بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع محمد بن الحنفية إذ قال له : يا محمد آتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء فأكفاه فصبّه بيده اليسرى على يده اليمنى ثم -
ص: 145
(وبدأة الرّجل) في غسل اليدين(بالظهر وفي) الغسلة(الثانية بالبطن ، عكس المرأة). فإن السّنة لها البدأة بالبطن ، والختم بالظهر - كذا ذكره الشيخ وتبعه عليه المصنف هنا وجماعة (1) ، والموجود في النصوص بدأة الرجل بظهر الذراع ، والمرأة بباطنه ، من غير فرق فيهما بين الغسلتين وعليه الأكثر (2) ، (ويتخيّر الخنثى) (3) بين البدأة بالظهر والبطن على المشهور (4) وبين الوظيفتين على المذكور (5).
______________________________________________________
- قال : بسم الله وبالله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، ثم استنجى فقال : اللهم حصّن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمني على النار ، قال : ثم تمضمض فقال : اللهم لقّني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكراك ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرّم عليّ ريح الجنة واجعلني ممن يشمّ ريحها وروحها وطيبها ، قال : ثم غسل وجهه فقال : اللهم بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيضّ فيه الوجوه ، ثم غسل يده اليمنى فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ، ثم غسل يده اليسرى فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطّعات النيران ، ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشّنى برحمتك وبركاتك وعفوك ، ثم مسح رجليه فقال : اللهم ثبتني على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ، ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال : يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدّسه ويسبحه ويكبّره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيامة) (1).
(1) واعترف أكثر من واحد بعدم الوقوف على مستند لهذا التفصيل.
(2) يدل عليه الأخبار منها : خبر محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة أن يبتدئن بباطن أذرعهن ، وفي الرجل بظاهر الذراع) ولفظ الفرض هنا محمول على الاستحباب اتفاقا كما عن المنتهى.
(3) والتخيير عقلي.
(4) أي قول الأكثر.
(5) أي على قول المصنف.
ص: 146
(والشاكّ فيه) أي في الوضوء(في أثنائه يستأنف) (1) والمراد بالشك فيه نفسه في الأثناء الشك في نيته ، لأنه إذا شك فيها فالأصل عدمها ، ومع ذلك (2) لا يعتدّ بما وقع من الأفعال بدونها ، وبهذا صدق الشك فيه في أثنائه ، وأما الشك في أنه هل توضأ أو هل شرع فيه أم لا؟ فلا يتصوّر تحققه في الأثناء. وقد ذكر المصنف في مختصريه (3) الشكّ في النية في أثناء الوضوء وأنه يستأنف ، ولم يعبّر بالشك في الوضوء إلا هنا (4). (و) الشاك فيه بالمعنى المذكور (5) (بعده) أي بعد الفراغ(لا يلتفت) كما لو شك في غيرها من الأفعال (6) (و)
______________________________________________________
(1) إذا شك في جزء أو شرط من أجزاء الوضوء وشرائطه فلا يخلو إما أن يكون الشك في أثناء الوضوء وإما أن يكون بعد الفراغ منه.
فإن كان في الأثناء يرجع ويأتي بالمشكوك وبما بعده للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه) (1) ومنه تعرف حكم الشك بعد الفراغ وأنه لا يعتنى.
ثم إن عبارة المصنف في المتن هي : والشاك فيه في أثنائه يستأنف ، أي الشاك في الوضوء في أثناء الوضوء يستأنف ، وهذه العبارة تحمل على أحد معنيين :
الأول : إنه لو شك في النية وهو في أثناء الوضوء فعليه الاستئناف.
الثاني : لو شك وهو في أثناء الوضوء أنه هل شرع في الوضوء أم لا فعليه الاستئناف ، وباعتبار عدم معقولية المعنى الثاني لأنه إذا علم أنه في أثناء الوضوء فكيف يشك في شروعه في الوضوء ، فلا بد من حمل عبارة المصنف على المعنى الأول.
(2) أي ومع كون الأصل عدمها.
(3) البيان والدروس.
(4) أي اللمعة حيث عبّر هناك عن الشك في النية بلفظها لا بلفظ الوضوء.
(5) أي يكون المراد منه النية.
(6) أفعال الوضوء.
ص: 147
الشاك(في البعض يأتي به) (1) أي بذلك البعض المشكوك فيه إذا وقع الشك(على حاله) أي حال الوضوء ، بحيث لم يكن فرغ منه ، وإن كان قد تجاوز ذلك البعض(إلا مع الجفاف) (2). للأعضاء السابقة عليه (3) (فيعيد) لفوات الموالاة. (ولو شكّ) في بعضه (بعد انتقاله) عنه وفراغه منه (4) (لا يلتفت) والحكم منصوص متّفق عليه.
(والشاك في الطهارة) مع تيقّن الحدث(محدث) (5) ، لأصالة عدم الطهارة ، (والشاك في الحدث) مع تيقن الطهارة(متطهّر) (6) أخذا بالمتيقن ، (والشاك فيهما) أي في المتأخر منهما مع تيقن وقوعهما(محدث) (7) لتكافؤ
______________________________________________________
(1) أي بالبعض المشكوك وبما بعده من الأفعال.
(2) لأنه مع الجفاف تفوته الموالاة وهي شرط في صحة الوضوء.
(3) أي على العضو المشكوك.
(4) أي فراغه من الوضوء.
(5) اتفاقي بل عن الأسترآبادي أنه من الضروريات ، للاستصحاب.
(6) اتفاقي أيضا للاستصحاب ولصحيح زرارة : (فإن حرك إلى جنبه شي ء ولم يعلم به؟ قال : لا ، حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بين ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ، وإنما تنقضه بيقين آخر) (1) وموثق بكير عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ ، وإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت) (2).
(7) من تيقن الأمرين من الحدث والطهارة وشك في المتقدم والمتأخر منهما يتطهر كما عليه الأكثر خصوصا المتقدمين كما في المدارك ، لتعارض أصالة تأخر الحدث عن الطهارة مع أصالة تأخر الطهارة عن الحدث فيتساقطان ، ولا بد أن يتطهر حتى يحرز الطهارة.
وعن المعتبر وجامع المقاصد أن هذا ثابت إذا جهل الحالة السابقة على الحالتين ، أما لو علم بها فيأخذ بضدها لأنه إذا كان متطهرا سابقا قبل الحالتين فقد وقع منه حدث ولا يدرى أن الطهارة بعد هذا الحدث أو قبله فيستصحب الحدث وإذا كان محدثا سابقا قبل الحالتين فقد وقع منه طهارة ولا يدرى أن الحدث كان قبلها أو بعدها -
ص: 148
الاحتمالين ، إن لم يستفد من الاتحاد والتعاقب حكما آخر (1) هذا هو الأقوى والمشهور. ولا فرق بين أن يعلم حاله قبلهما بالطهارة ، أو بالحدث ، أو يشك.
وربما قيل (2) بأنه يأخذ مع علمه بحاله ضدّ ما علمه ، لأنه إن كان متطهّرا فقد علم نقض تلك الحالة وشك في ارتفاع الناقض ، لجواز تعاقب الطهارتين ، وإن كان محدثا فقد علم انتقاله عنه (3) بالطهارة وشك في انتقاضها بالحدث ، لجواز تعاقب الأحداث. ويشكل بأن المتيقّن حينئذ ارتفاع الحدث السابق ، أما اللاحق المتيقّن وقوعه فلا (4) ، وجواز تعاقبه لمثله (5) متكافى (6) ، لتأخره عن
______________________________________________________
- فتستصحب الطهارة.
ويشكل على هذا القول بأنه لو كانت الحالة السابقة على الحالتين هي الحدث فقد ارتفعت على كل حال لوقوع الطهارة فيما بعد ، لكن استصحاب تأخر الطهارة المشكوك زمانها والمتيقن وقوعها لتكون الطهارة واقعة بعد تعاقب الأحداث معارض باستصحاب تأخر الحدث المشكوك زمانه والمتيقن وقوعه لتكون الطهارة واقعة بين حدثين ، ولا مرجح في البين ، ومثله يجري فيما لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة.
وذهب العلامة في القواعد إلى أنه مع الجهل بالحالة السابقة على الحالتين فالحكم كما هو المشهور ، ولو علم بالحالة السابقة على الحالتين فيبني عليها لا على ضدها لأنه إذا كان متطهرا ثم وقعت الحالتان ولم يعلم المتقدم منها والمتأخر فتستصحب الطهارة الأولى للشك في ارتفاعها.
ولو كان محدثا ثم وقعت الحالتان من طهارة وحدث وشك في المتقدم فيستصحب الطهارة الأولى للشكل في ارتفاعها.
ولو كان محدثا ثم وقعت الحالتان من طهارة وحدث وشك في المتقدم فيستصحب الحدث للشك في ارتفاعه.
ويشكل عليه بأن الحالة السابقة قد انتقضت على كل حال فكيف تستصحب مع القطع بارتفاعها.
(1) سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(2) القائل هو المحقق الأول في المعتبر والمحقق الثاني في جامع المقاصد.
(3) أي انتقال الشاك عن الحدث.
(4) فلم يعلم ارتفاعه.
(5) أي تعاقب الحدث لمثله وتكون الطهارة بعد الحدثين وذلك عند استصحاب تأخر الطهارة عن الحدث.
(6) أي معارض باستصحاب الحدث عن الطهارة وتكون الطهارة واقعة بين الحدثين.
ص: 149
الطهارة ، ولا مرجح (1).
نعم لو كان المتحقّق طهارة رافعة (2) ، وقلنا بأن المجدّد لا يرفع (3) ، أو قطع بعدمه (4) توجه الحكم بالطهارة في الأول (5) ، كما أنه لو علم عدم تعاقب الحدثين (6) بحسب عادته ، أو في هذه الصورة (7) تحقق الحكم بالحدث في الثاني (8) ، إلا أنه خارج عن موضع النزاع (9) ، بل ليس من حقيقة الشك في شي ء إلا بحسب ابتدائه (10). وبهذا يظهر ضعف القول باستصحاب الحالة السابقة
______________________________________________________
(1) هذا إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث ، ومثله يجري فيما لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة.
(2) استثناء صورتين عن محل النزاع ، الأولى : ما لو كان متطهرا سابقا قبل الحالتين وعلم أن الطهارة المشكوك زمانها هي رافعة للحدث ، فيقطع بكونها واقعة عقيب الحدث وأنه متطهر فعلا.
وعلمه بكونها رافعة ناشئ من اعتقاده أن الوضوء التجديدي غير رافع وكان لا يعتاد التجديد ، أو ناشئ من عدم وقوع التجديدي منه في هذا الفرض.
(3) ولا بد من تقييده مع عدم اعتياده للتجديد كما فعل في الروض ، ثم النافع هو اعتقاده بذلك لا علمنا نحن.
(4) أي بعدم التجديدي وهو إشارة إلى السبب الثاني للعلم بكون الطهارة رافعة.
(5) أي الصورة الأولى وهي ما لو كان متطهرا سابقا قبل الحالتين.
(6) الصورة الثانية المستثناة وحاصلها ما لو علم بكونه محدثا قبل الحالتين مع العلم بعدم تعاقب الحدثين بحسب عادته فيعلم أن الطهارة قد وقعت بين الحدثين فلا بد من الحكم بكونه محدثا.
(7) وإن لم يكن معتادا ذلك.
(8) أي الصورة الثانية وهي ما لو كان محدثا سابقا قبل الحالتين.
(9) وهو ما لو علم بالطهارة والحدث وشك في المتقدم والمتأخر ، لأن الشك في هذين الاستثناءين شك بدوي وقد زال بعد ما التفت إلى أن العادة أوجبت تقدم الحدث على الطهارة في الصورة الأولى ، وتقدم الطهارة على الحدث في الصورة الثانية.
(10) وبعد هذا البيان تعرف معنى عبارته المتقدمة : إن لم يستفد من الاتحاد والتعاقب حكما آخر ، فيعلم من الاتحاد أي استواء الحدث والطهارة في العدد كطهارة وحدث أو طهارتين وحدثين ، ويعلم من التعاقب أي تعاقب الطهارة للحدث لعدم تعاقب الحدثين بحسب عادته حكما آخر فيما لو علم بالحالة السابقة كما تقدم بيانه مفصلا.
ص: 150
بل بطلانه (1).
(مسائل) :
(يجب على المتخلي ستر العورة) (2) قبلا ودبرا (3) عن ناظر محترم (4) ،
______________________________________________________
(1) رد على قول العلامة المتقدم ، وظهر وجه البطلان لأن الحالة السابقة قد انتقضت على كل حال عند تعاقب الحالتين فلا بد من استصحاب ضدها فكيف يحكم باستصحابها.
(2) بل يجب عليه ستر عورته في كل الأحوال عن الناظر المحترم للأخبار منها : ما في حديث المناهي عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا اغتسل احدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته) (1) ومرسل الصدوق : (سئل الصادق عليه السلام عن قول الله (عزوجل) : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ ) ، فقال عليه السلام : كل ما كان في كتاب الله تعالى من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع فإنه للحفظ من أن ينظر إليه) (2) ورواية تحف العقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (يا علي ، إياك ودخول الحمام بغير مئزر ، ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه) (3). وعليه فيجب الستر ولو باليد.
(3) العورة في الرجل القبل والدبر والبيضتان ، وفي المرأة القبل والدبر على المشهور ، ويدل عليه مرسل الواسطي عن أبي الحسن الماضي عليه السلام : (العورة عورتان ، القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة) (4) ومرسل الكافي : (فأما الدبر فقد سترته الأليتان وأما القبل فاستره بيدك) (5).
وعن المحقق الثاني إلحاق العجان بالعورة ولكن لا دليل عليه كما عن جماعة ، وعن القاضي ابن البراج أن العورة ما بين السرة والركبة ويدل عليه خبر الحسين بن علوان : (إذا زوج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة إلى الركبة) (6) ومثله غيره ، وتحمل على الاستحباب والأكملية جمعا بين الأخبار.
(4) فيخرج الجماد ومن ليس له بصر كالأعمى ، ويخرج غير المميز والحيوان ، وذلك لانصراف الأدلة المتقدمة. -
ص: 151
(وترك استقبال القبلة) بمقاديم بدنه (1) ، (ودبرها) كذلك (2) في البناء وغيره (3) ،
______________________________________________________
- وكان عليه أن يستثنى أيضا الزوج والزوجة والأمة ، ثم لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر على المشهور ، وذهب الحر العاملي وجماعة إلى تخصيص الحرمة بعورة المسلم ، أما عورة الكافر فيجوز النظر إليها لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار) (1) ونحوه مرسل الصدوق (2) ، وهما مع ضعف السند مهجوران بين الأصحاب.
(1) أي ترك الاستقبال حال التخلي بمقاديم بدنه للأخبار منها : مرسل علي بن إبراهيم : (خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه السلام وأبو الحسن موسى عليه السلام قائم وهو غلام ، فقال له أبو حنيفة : يا غلام ، أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال عليه السلام : أجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزّال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبك وضع حيث شئت) (3) ومرفوعة محمد بن يحيى : (سئل أبو الحسن عليه السلام ما حد الغائط؟ قال عليه السلام : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها) (4).
ثم المراد بمقاديم البدن هي اليدان والصدر والبطن والركبتان ، ويظهر من المقداد في التنقيح أن المحرم هو الاستقبال بالفرج فقط دون بقية الأعضاء ، فمن بال مستقبلا وحرف ذكره عنها لم يكن به بأس اعتمادا على قوله عليه السلام : (ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول) ، وفيه : إن المستفاد من بقية النصوص النهي عن استقبال القبلة ببدن المتخلي ، على أنه لا يمكن أن يكون مستدبرا للقبلة ببدنه دون غائطه فالنهي عن استدبارها بغائطه نهي عن استدبارها ببدنه حال التغوط.
(2) بمقاديم بدنه.
(3) على المشهور لإطلاق النصوص المتقدمة ، وخالف ابن الجنيد والمفيد وسلّار ، فلم يتعرض الأول للاستدبار في الصحراء مع الحكم بكراهة الاستقبال في الصحراء وذهب الثاني إلى جواز الاستقبال والاستدبار في البناء إذا كان مقعد الحائط عليها ، وحكم الثالث بكراهة الاستقبال والاستدبار في البنيان ، لخبر محمد بن إسماعيل : (دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة ، وسمعته يقول : من بال حذاء القبلة ، ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من مقعده -
ص: 152
(وغسل البول بالماء) مرتين (1) كما مر ، (و) كذا يجب غسل (الغائط) بالماء(مع)
______________________________________________________
- ذلك حتى يغفر له) (1) وفيه : إن بناء الكنيف مستقبل القبلة لا يعني أن محل التغوط وكيفيته تجوزان في حال الاستقبال على أنه قضية في واقعة لا يمكن الاستدلال به ، مع أن ذيله لو لم يدل على المنع فلا يدل على الجواز في خصوص الأبنية.
تنبيه : قال السيد الحكيم في المستمسك نقلا عن والده : «وإذا قد عرفت أن الشارع المقدس أمرك بالانحراف عن القبلة وتجنبها في الحالتين تعظيما لها وإجلالا لقدرها لنسبتها إليه سبحانه ، فإذا لم يرض جل جلاله بمواجهة بيته الحسيّ المركب من الأحجار والأخشاب بالنجاسات مع ما بينها وبينه من المسافات ، فكيف يرضى أن يكون بيته المعنوي ومحل معرفته وفيوضاته وينبوع حكمته وموضع محبته ملطخا بأدناس المعاصي وأرجاس الكبائر؟
كما قال الله (جل جلاله) : لم تسعن سمائي ولا أرضي ولا عرشي ولا كرسيّ ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ، فجعل سبحانه قلب المؤمن أجلّ وأوسع من العرش والكرسي فينبغي لمن أراد الوقوف بين يدي الملك الجليل (جل جلاله) أن يطهّر بيته الشريف بماء التوبة ويظهر الحياء منه حيث تركه قذرا نجسا ، ولم يهيئه لحضوره وإقباله (جل جلاله) عليه» انتهى كلامه زيد في علو مقامه.
(1) ينحصر التطهير من البول بالماء للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (لا صلاة إلا بطهور ، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما البول فلا بدّ من غسله) (2) وصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا انقطعت درّة البول فصب الماء) (3).
وأما كونه مرتين فهو المحكي عن الصدوق والكركي والشهيدين وجماعة للأخبار السابقة في المطهرات ، ولرواية نشيط
بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال عليه السلام : مثلا ما على الحشفة من البلل) (4) بناء على أن المراد بالمثلين الغسلتين.
وعن العلامة وجماعة أنه يكفي الغسل مرة بمثلي ما على الحشفة من البلل حملا للخبر -
ص: 153
(التعدّي) (1) للمخرج ، بأن تجاوز حواشيه وإن لم يبلغ الألية ، (وإلا) أي وإن لم يتعدّ الغائط المخرج(فثلاثة أحجار) (2)
______________________________________________________
- المتقدم على ذلك مؤيدا بمرسل الكافي : (وروي أنه يجزي أن يغسله بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة وغيره) (1).
(1) للأخبار منها : ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام : (إنكم كنتم تبعرون بعرا واليوم تثلطون ثلطا ، فاتبعوا الماء الأحجار) (2) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محل العادة) (3).
والتعدي هو تجاوز الغائط محل المخرج ، وخالف الشافعي حيث اكتفى بالأحجار وإن وصل إلى الأليتين ولا دليل له.
(2) للأخبار منها : صحيح زرارة المتقدم : (ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار) (4) وخبر بريد عن أبي جعفر عليه السلام : (يجزي من الغائط المسح بالأحجار) (5) وموثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (سألته عن التمسح بالأحجار فقال : كان الحسين بن علي عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار) (6).
وعلى المشهور يجب المسح بالثلاثة وإن حصل النقاء بالأقل للأخبار المتقدمة ، وذهبت جماعة منهم العلامة في المختلف وابنا زهرة وحمزة والقاضي إلى الاكتفاء بما حصل به النقاء وإن كان واحدا لخبر يونس بن يعقوب : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ، قال عليه السلام : يغسل ذكره ويذهب الغائط) (7) الحديث ، وهو ظاهر بكفاية إذهاب الغائط ولو بحجر واحد ومثله غيره ، مع حمل أخبار التثليث على الأفضلية أو على أن النقاء لا يحصل إلا بها غالبا.
ويجزي الماء للأخبار منها : خبر عمار : (إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها) (8) يعني المقعدة ، وصحيح إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه السلام في الاستنجاء : (يغسل -
ص: 154
طاهرة (1) جافة (2) قالعة للنجاسة (3) (أبكار) لم يستنج بها بحيث تنجست به ، (أو بعد طهارتها) إن لم تكن أبكارا وتنجست. ولو لم تنجس - كالمكملة للعد بعد نقاء المحل - كفت من غير اعتبار الطهر (4) (فصاعدا) عن الثلاثة (5) إن لم ينق المحل بها(أو شبهها) (6) من ثلاث خرق ، أو خزفات ، أو أعواد ونحو ذلك من
______________________________________________________
- ما ظهر منه على الشرج) (1).
والغسل بالماء أفضل ففي صحيح هشام عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا معشر الأنصار ، إن الله قد أحسن إليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا : نستنجي بالماء) ((2).
والجمع بينهما أكمل للمرسل عن أبي عبد الله عليه السلام : (جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء) (3).
(1) بلا خلاف للمرسل المتقدم : (بثلاثة أحجار أبكار).
(2) لأنها إن كانت رطبة تنجس بمجرد الملاقاة قبل استعمالها مع أنه يشترط أن تكون طاهرة قبل الاستعمال.
(3) تحقيقا لمعنى الاستنجاء لأنه هو إزالة ما يبقى على المخرجين من أحد الخبثين.
(4) لأنها طاهرة فلا داعي لتطهيرها.
(5) لأن الاستنجاء إن لم يتحقق بالثلاثة فلا بد من الزيادة حتى يذهب الغائط ويحصل النقاء.
(6) أي شبه الحجارة ، وهو كل جسم قالع للنجاسة لصحيح زرارة : (كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق) (4) وصحيحه الآخر : (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كان الحسين بن علي عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل) (5) نعم يستثنى العظم والروث لما في خبر ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود ، قال : أما العظم والروث فطعام الجن ، وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : لا يصلح بشي ء من ذلك) (6).
ص: 155
الأجسام القالعة للنجاسة غير المحترمة (1). ويعتبر العدد في ظاهر النص ، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة ، فلا يجزي ذو الجهات الثلاث (2). وقطع المصنف في غير الكتاب بإجزائه ، ويمكن إدخاله (3) على مذهبه في شبهها (4).
واعلم أن الماء مجز مطلقا (5) ، بل هو أفضل من الأحجار على تقدير إجزائها (6). وليس في عبارته هنا ما يدلّ على إجزاء الماء في غير المتعدّي نعم يمكن استفادته من قوله سابقا الماء مطلقا (7) ، ولعله اجتزأ به.
(ويستحبّ التباعد) عن الناس بحيث لا يرى تأسّيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (8) ، فإنه
______________________________________________________
(1) قال الشارح في الروض : «المحترم أقسام ، ما كتب عليه شي ء من كلام الله تعالى أو العلم كالحديث والفقه والتربة الحسينية - إلى أن قال - : ومن المحترم المطعوم لأن له حرمة تمنع من الاستهانةبه».
(2) لتقييد الأخبار بالثلاثة ، ونسب الشارح في الروض إلى الشهرة الاكتفاء باستعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات لأن الظاهر من المسح بثلاثة أحجار هو ثلاثة مسحات ، وهي تتم باستعمال الحجر من جهاته الثلاثة ويؤيده النبوي : (إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات) كما في الجواهر ، وهو غير موجود بحسب التتبع من طرقنا ولعله من طرق العامة ، نعم ورد في غوالي اللآلي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (وليستنج بثلاث مسحات) (1) إلا أنه محمول على أن ذلك بثلاثة أحجار لما تقدم وللنبوي الآخر الوارد في الغوالي أيضا (وليستنج بثلاثة أحجار أبكار(2) ).
(3) أي ذي الجهات الثلاث.
(4) هنا في اللمعة.
(5) مع التعدي وغيره ، ومع التعدي متعين وقد تقدم الكلام فيه.
(6) وذلك عند عدم التعدي.
(7) عند الكلام في المطهرات.
(8) والتباعد هو استتار الشخص بحيث لا يرى وذلك يتم إما بالابتعاد عن أعين الناظرين أو أن يلج حفيرة أو يدخل بناء ، وذلك للأخبار منها : خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال لقمان لابنه : إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم - إلى أن قال - : وإن -
ص: 156
لم ير قط على بول ولا غائط. (والجمع بين المطهّرين) (1) الماء والأحجار مقدما للأحجار في المتعدي وغيره (2) مبالغة في التنزيه ولإزالة العين والأثر على تقدير إجزاء الحجر ، ويظهر من إطلاق المطهّر (3) استحباب عدد من الأحجار مطهر (4) ، ويمكن تأديه بدونه (5) لحصول الغرض.
(وترك استقبال) جرم(النّيرين) الشمس والقمر بالفرج (6) ، أما جهتهما فلا
______________________________________________________
- أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض) (1) وللمرسل عن أبي عبد الله عليه السلام : (من أتى الغائط فليستتر) (2) وفي شرح النفلية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (أنه لم ير على بول ولا غائط) (3).
(1) قد تقدم الكلام في الدليل ، والجمع لما في الأحجار من إزالة العين وما في الماء من إزالة الرائحة.
(2) الأكثر على تخصيص الجمع في غير المتعدي ، وفي المعتبر الاستحباب وإن تعدى ، والأخبار ظاهرة في غير المتعدي.
(3) في عبارة المصنف حيث قال : والجمع بين المطهرين.
(4) وهو الثلاثة كما تقدم.
(5) أي تأدي التطهير بدون العدد المخصوص وهو الثلاثة إذا حصل النقاء بالأقل لتحقق معنى الاستنجاء.
وفيه : إن الأخبار قد قيدته بالثلاثة فلا بد منها.
(6) ذهب المشهور إلى كراهة استقبال النيرين بالفرج للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول) (4) وخبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به) (5) وخبر الفقيه المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر) (6) ، وذهب المفيد والصدوق إلى الحرمة تمسكا بهذه الأخبار والمشهور حملوها على الكراهة.
وأما الاستدبار فقد ادعى فخر المحققين الإجماع على عدم كراهته ومال إليه في الذكرى وروض الجنان وجزم به سيد المدارك ، وعن جماعة تعميم حكم الكراهة للاستدبار -
ص: 157
بأس ، وترك استقبال (الرّيح) واستدبارها بالبول والغائط لإطلاق الخبر (1) ، ومن ثم (2) أطلق المصنف ، وإن قيّد في غيره بالبول. (وتغطية الرأس) (3) إن كان
______________________________________________________
- لمرسل الفقيه قال : (وفي خبر آخر : لا تستقبل الهلال ولا تستدبره) (1) ويتم الحكم في الشمس لعدم الفصل.
ثم إن الكراهة لاستقبال عين الشمس والفرج كما هو الظاهر من الأخبار ، لا لجهة القمر وحمل القمر على جهته مجاز بحاجة إلى قرينة وهي مفقودة ، ولذا يرتفع الحكم بالكراهة مع وجود الحائل مثل البناء واليد ونحو ذلك.
(1) بل الأخبار منها : مرفوعة محمد بن يحيى : (سئل أبو الحسن عليه السلام ما حد الغائط؟ قال : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها) (2) وخبر الأربعمائة المروي في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام : (لا يبولنّ أحدكم في سطح في الهواء - إلى أن قال - : وإذا بال أحدكم فلا يطمحنّ ببوله ولا يستقبل ببوله الريح) (3).
وباعتبار أن الأخير اقتصر على البول في حال الاستقبال لذا قصر الشيخ والعلامة والمحقق الحكم بالكراهة على استقبال الريح بالبول فقط دون استدبارها ودون الغائط ، مع أن مرفوعة ابن يحيى المتقدمة وغيرها تقتضي كراهة الاستقبال والاستدبار للريح في حالتي البول والغائط ، ولذا قال في الجواهر : «وما ذكرناه من رواية الخصال لا تقتضي التقييد ولو لم يكن الحكم مكروها لكان متابعة الأصحاب لازمة».
(2) أي من إطلاق الخبر للبول والغائط.
(3) يستحب تغطية الرأس لمرسل ابن أسباط عن أبي عبد الله عليه السلام : (كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه ويقول سرا في نفسه : بسم الله وبالله) (4) وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر عليه الرحمة : (يا أبا ذر ، أستحيي من الله فإني والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي) (5).
وهذه الأخبار ظاهرة في التقنع ، والقناع للوجه لا للرأس نعم ورد في مقنعة الشيخ المفيد قوله : (إن تغطية الرأس إن كان مكشوفا عند التخلي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (6) ، وليأمن بذلك من عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه ، وفيه إظهار الحياء من الله تعالى لكثرة نعمه على العبد وقلة الشكر منه).
ص: 158
مكشوفا ، حذرا من وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه ، وروي التقنع معها (1) (والدخول) بالرجل (اليسرى) (2) إن كان ببناء ، وإلا جعلها آخر ما يقدّمه (والخروج) بالرجل (اليمنى) كما وصفناه (3) عكس المسجد.
(والدعاء في أحواله) (4) التي ورد استحباب الدعاء فيها ، وهي عند الدّخول (5) ، وعند الفعل (6) ، ورؤية الماء (7) ،
______________________________________________________
(1) أي مع التغطية ، وقال في روض الجنان : «وروي التقنع فوق العمامة أيضا» وفيه : إن الموجود في الأخبار هو التقنع ولم يرد النص في التغطية إلا في المقنعة ولعله قد فهم الشيخ المفيد ذلك من أخبار التقنع.
(2) والخروج بالرجل اليمنى على المشهور كما في المدارك ، ولا دليل لهم ولذا قال في المعتبر : «ولم أجد به حجة غير أن ما ذكره الشيخ وجماعة من الأصحاب حسن».
وعلّل للفرق بينه وبين المسجد فكما أن الدخول بالرجل اليمنى والخروج باليسرى بالنسبة للمسجد وهو من المواضع الشريفة فيناسب الكنيف العكس.
(3) فيخرج بالرجل اليمنى إذا كان ببناء وإلا كانت أول ما يقدمها.
(4) أي أحوال التخلي.
(5) ففي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام : (إذا دخلت الغائط فقل : أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم) (1) ومثله مرفوعة سعد بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (2) ، نعم في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا دخلت المخرج فقل : بسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم) (3) وفي مرسل. الصدوق عن علي عليه السلام : (كان إذا دخل الخلاء يقول : الحمد لله الحافظ المؤدي) (4).
(6) لمرسل الصدوق : (وإذا تزهر قال : اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية) (5).
(7) لخبر عبد الرحمن بن كثير الهاشمي : (بسم الله وبالله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا) (6).
ص: 159
والاستنجاء (1) ، وعند مسح بطنه (2) إذا قام من موضعه ، وعند الخروج (3) بالمأثور. (والاعتماد على) الرجل (اليسرى) ، وفتح اليمنى (4).
(والاستبراء) (5) وهو طلب براءة المحلّ من البول بالاجتهاد الذي هو مسح ما بين المقعدة وأصل القضيب ثلاثا (6) ،
______________________________________________________
(1) لخبر عبد الرحمن المتقدم : (ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرّمني على النار) (1).
(2) ففي مرسل الفقيه عن علي عليه السلام : (فإذا خرج مسح بطنه وقال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه وأبقى فيّ قوته ، فيا لها من نعمة لا يقدّر القادرون قدرها) (2).
(3) ففي رواية القداح عن علي عليه السلام : (كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذته ، وأبقى قوته في جسدي ، وأخرج عني أذاه ، يا لها نعمة ثلاثا) (3).
(4) كما ذكره جملة من الأصحاب كما في الحدائق ، وأسنده في الذكرى إلى الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال العلامة في النهاية في مقام تعليل الحكم : «لأنه عليه السلام علّم أصحابه الاتكاء على اليسار».
(5) ذهب الشيخ في الاستبصار وابن زهرة إلى وجوبه لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (رجل بال ولم يكن معه ماء ، قال : يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث مرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول) (4) وخبر حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يبول قال : ينتره ثلاثا ، ثمّ إن سال حتى بلغ الساق فلا يبالي) (5).
والمشهور على أن الأمر فيهما للإرشاد إلى أن البلل الخارج المشتبه لا يعتنى به بعد الاستبراء.
(6) ويدل عليه خبر نوادر الراوندي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام : (من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثم ليسلها ثلاثا) (6) وخبر عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يبول ثم يستنجي ، ثم يجد بعد ذلك بللا ، قال -
ص: 160
ثم نتره ثلاثا (1) ، ثم عصر الحشفة ثلاثا (2). (والتّنحنح ثلاثا) (3) حالة الاستبراء ، نسبه المصنف في الذّكرى إلى سلّار ، لعدم وقوفه على مأخذه (والاستنجاء باليسار) (4) لأنها موضوعة للأدنى ، كما أن اليمين للأعلى كالأكل والوضوء. (ويكره باليمين) مع الاختيار (5) ، لأنه من الجفاء.
(ويكره البول قائما) (6) حذرا من تخييل الشيطان(ومطمّحا به) في الهواء
______________________________________________________
- عليه السلام : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والانثيين ثلاث مرات) (1) الحديث.
(1) أي نتر القضيب بمعنى مسحه من أصله إلى رأسه ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم المتقدم.
(2) ويدل عليه خبر البختري المتقدم : (ينتره ثلاثا) ، هذا مر في المنتهى أن الرجل والمرأة في ذلك سواء وهو مما لا دليل عليه ولذا قال في المستمسك : «غير ظاهر المراد ولا ظاهر المستند».
(3) قبل الاستبراء كما في التذكرة والدروس ، وقال في الحدائق : «لم نقف فيه على خبر ولا في كلام القدماء على أثر».
(4) بلا خلاف فيه للمرسل عن أبي عبد الله عليه السلام : (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستنجي الرجل باليمين) (2) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (الاستنجاء باليمين من الجفاء) (3) ، وكذا الاستبراء لمرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه) (4).
وعن المفيد وابن البراج والعلامة تحريم الاستنجاء باليمين لهذه الأخبار.
(5) ومع عدمه يجوز لمرسل الصدوق : (الاستنجاء باليمين من الجفاء وروي : لا بأس إذا كانت اليسار معتلّة) (5).
(6) للأخبار منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (من تخلى على قبر أو بال قائما ، أو بال في ماء قائما ، أو مشى في حذاء واحد ، أو شرب قائما ، أو خلا في بيته وحده وبات على غمر فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله ، وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات) (6) ولمرسل حكم عن -
ص: 161
للنهي عنه (1) ، (وفي الماء) جاريا وراكدا (2) للتعليل في أخبار النهي بأن للماء أهلا فلا تؤذهم بذلك.
(والحدث في الشارع) (3) وهو الطريق المسلوك. (والمشرع) (4) وهو طريق
______________________________________________________
- أبي عبد الله عليه السلام : (قلت له : أيبول الرجل وهو قائم؟ قال : نعم ، ولكن يتخوف عليه أن يلبس به الشيطان أي يخبله) (1) ومرسل الصدوق (البول قائما من غير علة من الجفاء) (2).
(1) لخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال أمير المؤمنين عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يكره للرجل أو ينهى الرجل أن يطمح ببوله من السطح في الهواء) (3) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطمح الرجل ببوله من السطح ، ومن الشي ء المرتفع في الهواء) (4).
(2) لمرسل حكم عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت له : يبول الرجل في الماء؟ قال : نعم ولكن يتخوف عليه من الشيطان) (5) ومرسل الصدوق : (وروي أن البول في الماء الراكد يورّث النسيان) (6) وخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة وقال : إن للماء أهلا) (7) وفي حديث المناهي للصدوق عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ونهى أن يبول أحد في الماء الراكد فإنه يكون منه ذهاب العقل) (8).
(3) الشارع هو الطريق الأعظم كما في الصحاح ، والمراد به الطريق النافذة كما عن جماعة ويدل عليه صحيح عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رجل لعلي بن الحسين عليه السلام أين يتوضأ الغرباء؟ قال : يتقي شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن ، فقيل له : وأين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور) (9) وحديث المناهي : (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق) (10).
(4) لصحيح عاصم بن حميد المتقدم : (ويتقى شطوط الأنهار) وغيره.
ص: 162
الماء للواردة(والفناء) (1) بكسر الفاء ، وهو ما امتدّ من جوانب الدار ، وهو حريمها خارج المملوك منها (2) (والملعن) (3) وهو مجمع الناس (4) ، أو منزلهم (5) ، أو قارعة الطريق (6) ، أو أبواب الدور (7) (وتحت) الشجرة(المثمرة) (8) وهي ما من شأنها أن تكون مثمرة وإن لم تكن كذلك بالفعل (9) ، ومحلّ الكراهة ما يمكن أن تبلغه الثمار عادة (10) وإن لم يكن تحتها. (وفي ء النزّال) (11) وهو موضع الظلّ المعدّ لنزولهم ، أو ما هو أعظم منه (12) كالمحل
______________________________________________________
(1) لخبر عاصم بن حميد المتقدم : (أين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور) والفناء هو المتسع أمام الدار كما عن القاموس والنهاية الأثيرية.
(2) أما المملوك فلا يجوز الحدث فيه لأنه تصرف في مال الغير فيحتاج إلى إذن المالك.
(3) هو كل مكان يوجب اللعن.
(4) كما عن جامع المقاصد والذكرى.
(5) أي المكان المعدّ لنزولهم عند السفر.
(6) لأن الحدث فيها موجب للعن الناس له.
(7) كما في خبر عاصم المتقدم ، وعمم الحكم لكل مكان يوجب اللعن لأنه لا خصوصية لأبواب الدور إلا ذلك.
(8) لخبر عاصم بن حميد المتقدم ، ومثله غيره.
(9) بناء على كون المشتق موضوعا للأعم ، وقد حرر في محله أنه موضوع لخصوص المتلبس.
(10) لمرفوعة علي بن إبراهيم عند ما خرج أبو حنيفة وسأل أبا الحسن الكاظم - إلى أن قال - : (ومساقط الثمار) (1).
(11) لخبر إبراهيم بن أبي زياد الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ثلاث ملعون من فعلهن : المتغوط في ظل النزّال ، والمانع الماء المنتاب ، وسادّ الطريق المسلوك) (2) وخبر علي بن إبراهيم: (اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال) (3).
(12) من الظل.
ص: 163
الذي يرجعون إليه وينزلون به من فاء يفي ء إذا رجع(والجحرة) (1) بكسر الجيم ففتح الحاء والراء المهملتين جمع «جحر» بالضم فالسكون ، وهي بيوت الحشار. (والسّواك حالته) (2) ، روى أنه يورث البخر. (والكلام إلا بذكر الله تعالى) (3) (والأكل والشرب) (4) لما فيه من المهانة ، وللخبر.
______________________________________________________
(1) جمع جحر أي ثقب الحيوان في الأرض لما روته العامة : (نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبال في الجحر) ((1).
(2) لخبر الحسن بن أشيم : (السواك في الخلاء يورّث البخر) (2).
(3) يكره الكلام حال التخلي للأخبار منها : حسنة صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ) (3) وخبر أبي بصير : (لا تتكلم على الخلاء فإن من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة) (4).
ويستثنى منه ذكر الله لخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس بذكر الله وأنت تبول ، فإن ذكر الله حسن على كل حال) (5) وصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام : (مكتوب في التوراة التي لم تغيّر أن موسى سأل ربه فقال : إلهي إنه يأتي عليّ مجالس أعزّك وأجلّك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى إن ذكري حسن على كل حال) (6) ، وهناك موارد أخرى سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
(4) وعلّل المحقق في المعتبر ذلك بالمهانة فقال : «إنما كره الأكل والشرب لما يتضمن من الاستقذار الدال على مهانة النفس» ويشعر به مرفوعة الصدوق : (دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه ، فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلما خرج قال عليه السلام للمملوك : أين اللقمة؟ فقال : أكلتها يا بن رسول الله ، فقال عليه السلام : إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر ، فإني أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنة) (7) ومثلها رواية عيون الأخبار عن الإمام السجاد عليه السلام (8) ، ووجه الاستدلال أن تعليق الأكل على الخروج يشعر بمرجوحية الأكل في تلك الحال.
ص: 164
(ويجوز حكاية الأذان) (1) إذا سمعه ، ولا سند له ظاهرا على المشهور ، وذكر الله لا يشمله أجمع ، لخروج الحيّعلات منه ، ومن ثمّ حكاه المصنف في الذكرى بقوله وقيل : (وقراءة آية الكرسي) (2) ، وكذا مطلق حمد الله وشكره (3)
______________________________________________________
(1) لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (قال : يا محمد بن مسلم ، لا تدعنّ ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالآذان وأنت على الخلاء فاذكر الله (عزوجل)
وقل كما يقول) (1) وخبر سليمان بن مقبل المديني : (قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : لأي علة يستحب للإنسان إذا سمع الآذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول والغائط؟ فقال : لأن ذلك يزيد في الرزق) (2).
وقال سيد المدارك : «ومن هنا يظهر أن ما ذكره جدي (قدس سره) في روض الجنان من إبدال الحيعلات بالحوقلة لكونها ليست ذكرا ، وعدم النص على استحباب حكايته على الخصوص غير جيد» ونقول مثله هنا.
(2) لخبر عمر بن يزيد : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن ، قال عليه السلام : لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي وبحمد الله وآية الحمد لله رب العالمين) (3).
والمراد بآية الكرسي الآية المشتملة على لفظ الكرسي إلى قوله تعالى : وهو العلي العظيم ، وهو المقرر بحسب الرسم القرآني المتعارف ، وعن مجمع البيان أنها خمسون كلمة وذلك لا ينطبق إلا عليها.
وعن ابن حمزة في الوسيلة أنه لا يقرأها إلا فيما بينه وبين نفسه لأنه يفوت شرف فضيلتها ، وقال في الجواهر : «لم نقف له على مستند».
نعم في رواية الحلبي جواز مطلق القراءة في حال التخلي ، والخبر عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط القرآن؟ قال عليه السلام : يقرءون ما شاءوا) (4) ولم يفت أحد بمضمونه فيحمل على بيان أصل الجواز لا على رفع الكراهة.
(3) لخبر عمر بن يزيد المتقدم.
ص: 165
وذكره (1) ، لأنه حسن على كل حال. (وللضرورة) (2) كالتكلم لحاجة يخاف فوتها لو أخّره إلى أن يفرغ.
ويستثنى أيضا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3) عند سماع ذكره ، والحمدلة عند العطاس(4) منه ومن غيره (5) ، وهو من الذكر (6) وربما قيل باستحباب التّسميت منه أيضا (7) ولا يخفى وجوب ردّ السلام (8) وإن كره السلام عليه (9) ، وفي كراهة
______________________________________________________
(1) لخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس بذكر الله وأنت تبول ، فإن ذكر الله حسن على كل حال ، فلا تسأم من ذكر الله) (1).
(2) لما في الامتناع من الضرر والحرج المنفيين.
(3) لإطلاق الأخبار الآمرة بالصلاة عليه عند سماع ذكره منها : خبر عبيد الله بن عبد الله عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فلم يغفر الله له) (2) وخبر عبد الله بن علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه عن جده : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ) (3).
(4) لرواية مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : (كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على خلاء فليحمد الله في نفسه) (4).
(5) أي يستحب الحمد حال التخلي عند عطاس غيره ، لأن الحمد ذكر الله والذكر حسن على كل حال ، ولم أجد من أفتى بذلك قبله.
(6) أي الحمد عند عطاسه أو عطاس غيره.
(7) قال العلامة في النهاية والمنتهى : «يستحب حمد العاطس وتسميته» أما الحمد فقد تقدم ، وأما تسميت المتخلي للعاطس فقد اعترف أكثر من واحد بعدم وجود خبر يدل على ذلك ، نعم استدل له بأن التسميت من جملة أفراد الذكر ، وهو ليس منها واقعا ولذا منعه جماعة من الفقهاء.
(8) لإطلاق أدلته الشاملة للمتخلي.
(9) لخبر مصدّق بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام : (لا تسلموا على اليهود ولا النصارى - إلى أن قال - : ولا على المصلي ، وذلك لأن المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ، لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة ، ولا على آكل الربا ولا على -
ص: 166
ردّه مع تأدّي الواجب برد غيره وجهان (1).
واعلم أن المراد بالجواز في حكاية الأذان وما في معناه (2) معناه الأعم (3) ، لأنه (4) مستحب لا يستوي طرفاه ، والمراد منه (5) هنا الاستحباب (6) ، لأنه عبادة (7) لا تقع إلّا راجحة وإن وقعت مكروهة (8) ، فكيف إذا انتفت الكراهة (9).
______________________________________________________
- رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام) (1).
(1) من أن الرد ليس بذكر الله مع أنه غير واجب عليه تعيينا فيبقى تحت كراهة الكلام للمتخلي ، ومن أنه واجب وإن كان كفائيا فلا يتصف بالكراهة.
(2) من الموارد المستثناة من كراهة الكلام للمتخلي.
(3) أي ما ليس بحرام ، لا المعنى الاخص وهو متساوي الطرفين.
(4) أي المذكور من حكاية الأذان وما في معناه.
(5) من الجواز بالمعنى الأعم.
(6) وهو الدليل على إرادة الاستحباب من الجواز بالمعنى الأعم.
(7) تعليل لكون المذكور السابق مستحبا.
(8) بمعنى نقصان الثواب لا بمعنى المرجوحية.
(9) فتكون هذه المذكورات مستحبة بدون نقصان.
ص: 167
(الفصل الثاني - في الغسل) (1)
(وموجبه) (2) ستة (3) (الجنابة) (4) بفتح الجيم(والحيض والاستحاضة مع غمس القطنة) ، سواء سال عنها أم لا ، لأنه موجب حينئذ في الجملة (5) (والنفاس (6) ، ومسّ الميت النجس) (7) في حال كونه (آدميا) (8) فخرج الشهيد والمعصوم (9) ،
______________________________________________________
(1) بالضم اسم مصدر ، وبالفتح مصدر.
(2) أي سببه.
(3) بلا خلاف فيه إلا من السيد حيث ذهب إلى استحباب غسل مسّ الميت ، وزاد سلّار غسل من تعمد ترك صلاة الكسوف وقد انكسف القرص كله ، وزاد بعضهم غسل من ذهب لرؤية المصلوب بعد ثلاثة أيام.
(4) مصدر جنب وأجنب واجتنب ، وهو في اللغة البعد وفي الشرع البعد عن أحكام الطاهرين.
(5) لأنه مع السيلان يتعدد الغسل وإلّا فغسل كل يوم.
(6) بكسر النون ، وهو الولادة ، وسميت بالنفاس لتنفس الرحم أو الولد أو لأن النفاس من النفس بمعنى الدم فالولادة مستلزمة لخروج الدم.
(7) التقييد بالنجس ليخرج المعصوم والشهيد الذي لا يجب غسله والذي قدّم غسله قبل قتله فلا يوجب مسّه غسلا.
(8) ليخرج ميتة الحيوانات.
(9) لكونه طاهرا ميتا وحيا لآية التطهير ولرواية الحسين بن عبيد : (كتبت إلى الصادق
ص: 168
ومن تمّ غسله الصحيح (1) وإن كان متقدما على الموت ، كمن قدّمه ليقتل فقتل بالسبب الذي اغتسل له ، وخرج بالآدميّ غيره من الميتات الحيوانية ، فإنها وإن كانت نجسة إلّا أن مسّها لا يوجب غسلا ، بل هي كغيرها من النجاسات في أصح القولين ، وقيل : يجب غسل ما مسها وإن لم يكن برطوبة (2) (والموت) المعهود شرعا (3) وهو موت المسلم ومن بحكمه غير الشهيد (4)
(وموجب الجنابة) شيئان : أحدهما(الإنزال) (5) للمني يقظة ونوما (و)
______________________________________________________
- عليه السلام هل اغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غسّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند موته؟ فأجابه : النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين عليه السلام وجرت به السنّة) (1).
والمسألة قليلة الجدوى لأنهم هم المكلفون بتغسيل بعضهم البعض ، على أن هذا الفرع لم يذكره أحد قبل الشارح على ما نقله المحقق الخونساري في حاشيته.
(1) فيخرج الذي تم غسل بعض أعضائه ، ويخرج أيضا الميمّم ولو عن بعض الأغسال فلذا قال الشارح في روض الجنان : (وخرج به - أي بالغسل الواجب - المتيمم ولو عن بعض الأغسال فيجب الغسل بمسه لفقد المطهر الحقيقي). وفيه : إن هذا على خلاف كون التيمم طهورا ولذا نقل عن كاشف الغطاء كفاية التيمم في سقوط غسل مس الميت.
(2) والقائل هو العلّامة في أكثر كتبه وسيأتي التعرض له في بحث غسل مسّ الميت.
(3) أي الموت الذي حكم الشارع بكونه سببا للغسل ، وهو موت المسلم ومن بحكمه من أطفاله ومجانين المسلمين ومن وجد في بلاد المسلمين ميتا.
(4) فيبقى المعصوم ، فيجب غسله ولو تعبدا لأنه طاهر مطهر كما تقدم في الخبر.
(5) والمراد به مطلق الخروج سواء كان بدفق أم لا ، وخروجه موجب للجنابة بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام : (كان علي عليه السلام يقول : لا يرى في شي ء الغسل إلّا في الماء الأكبر) (2) وخبر الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام : (كان علي عليه السلام يقول : إنما الغسل من الماء الأكبر) (3) ومرسل ابن -
ص: 169
الثاني (غيبوبة الحشفة) (1)
______________________________________________________
- رباط عن أبي عبد الله عليه السلام : (يخرج من الإحليل المني والمذي والودي والوذي ، فأما المني فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل) (1).
والأخبار مطلقة تشمل الإنزال حال اليقظة والنوم بالإضافة إلى نصوص منها خبر سماعة : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم فوجد في ثوبه وعلى فخذه الماء ، هل عليه غسل؟ قال : نعم) (2).
كما لا فرق بين الرجل والمرأة على المشهور لأخبار منها : صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة ، هل عليها غسل؟ قال عليه السلام : نعم) (3) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن المرأة ، ترى في المنام ما يرى الرجل ، قال : إن أنزلت فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس عليها الغسل) (4).
وذهب الصدوق في المقنع إلى عدم الغسل على المرأة إذا أنزلت لأخبار منها : صحيح ابن أذينة : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم ، قال عليه السلام : ليس عليها غسل) (5) وصحيح عمر بن يزيد : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فإن أمنت هي ولم يدخله؟ قال عليه السلام : ليس عليها الغسل) (6). وحملت عند المشهور على التقية أو ردها إلى أهلها.
هذا مع أننا نرى بالوجدان عدم وجود مني للمرأة كما ثبت ذلك علميا ، فلذا ذهب البعض إلى أن جنابة المرأة تتحقق بالشهوة ، وقد عبّر عنها بالإنزال من باب المجاز لأن الشهوة عند الرجل مستلزمة للماء ويؤيده حديث سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء ، قال : يعيد الغسل ، قلت : فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل ، قال : لا تعيد ، قلت : فما الفرق فيما بينهما؟ قال : لأن ما يخرج من المرأة إنما هو من ماء الرجل) (7).
(1) وإن لم ينزل ، بلا خلاف في كونها سببا للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر -
ص: 170
وما في حكمها (1) كقدرها من مقطوعها(قبلا (2) أو دبرا) (3) من آدمي (4) وغيره (5) ، حيا وميتا ، فاعلا وقابلا ، (أنزل) الماء(أو لا). ومتى حصلت الجنابة
______________________________________________________
- عليه السلام (جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعلي عليه السلام : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال علي عليه السلام : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء ، إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار) (1).
وصحيح ابن بزيع : (سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان ، متى يجب الغسل؟ فقال عليه السلام : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال عليه السلام : نعم) (2).
(1) وهو مقدارها من مقطوع الحشفة ، وقال في مفتاح الكرامة : «إنه المعروف من مذهب الأصحاب» ، وعن شرح الدروس : «الاتفاق عليه لظهور النصوص أن التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة ففي مقطوعها يكون الالتقاء بدخول مقدارها».
(2) وهو القدر المتيقن من النصوص.
(3) على المشهور ويدل عليه مرسل حفص بن سوقة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال عليه السلام : هو أحد المأتيين ، فيه الغسل) (3).
وذهب الشيخ والصدوق والكليني وجماعة إلى العدم لمرفوعة البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها) (4) ومرسل ابن الحكم عنه عليه السلام : (في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال عليه السلام : لا ينقض صومها وليس عليها غسل) (5).
(4) متعلق بغيبوبة الحشفة.
(5) غير الآدمي وهو الحيوان ، قال في الجواهر : «أما لو كانت - أي الدابة - فاعلة فلم أعرف أحدا من الأصحاب نصّ عليه عدا الشهيد الأول في الذكرى ، والثاني في -
ص: 171
لمكلّف بأحد الأمرين تعلّقت به الأحكام المذكورة(فيحرم عليه قراءة العزائم) (1) الأربع وأبعاضها حتى البسملة. وبعضها (2) إذا قصدها لأحدها (3). (واللّبث في المساجد) (4)
______________________________________________________
- الروضة ، فإنه يظهر منهما تساوي الحكم في المقامين» ثم استظهر عدم الغسل لاستصحاب الطهارة.
(1) أي سور العزائم على المشهور وهي سورة السجدة وفصّلت والنجم والعلق للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : نعم ما شاءا إلا السجدة) (1) وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلّا السجدة) (2).
والخبران نصا على آية السجدة لا على السورة المشتملة عليها ، ولذا قال سيد المدارك : «وليس في هاتين الروايتين مع قصور سندهما دلالة على تحريم قراءة ما عدا نفس السجدة ، إلّا أن الأصحاب قاطعون بتحريم السورة كلها ونقلوا عليه الإجماع».
وقال المحقق في المعتبر : «يجوز للجنب والحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلّا سور العزائم الأربع ، وهي اقرأ باسم ربك والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة ، روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام» (3) وهو ظاهر في وجود خبر يدل على تحريم السورة ، فالأحوط تحريم السورة لذلك لاحتمال أن يكون المشهور قد اعتمد على هذا الخبر الواصل إليهم ، ولم يصل إلينا.
(2) أي بعض البسملة.
(3) أي إذا قصد البسملة لإحدى العزائم.
(4) على المشهور ، وذهب سلّار إلى الكراهة ، ومستند المشهور قوله تعالى : ( لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَأَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ ، وَلٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ ) (4) والمراد بالنسبة للجنب مواضع الصلاة وهي المساجد بقرينة قوله تعالى : ( إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ ) ، ويؤيده ما في مجمع البيان عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : ( وَلٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ ) (أن معناه : لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب إلّا -
ص: 172
مطلقا (1) ، (والجواز في المسجدين) (2) الأعظمين بمكة والمدينة ، (ووضع شي ء فيها) (3) أي في المساجد مطلقا (4) ، وإن لم يستلزم الوضع اللّبث بل لو طرحه من خارج ، ويجوز الأخذ منها (5). (ومسّ خطّ المصحف) (6) وهو كلماته وحروفه
______________________________________________________
- مجتازين) (1).
وللأخبار منها : صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال : لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
واعتمد سلّار على خبر محمد بن القاسم عن أبي الحسن عليه السلام (عن الجنب ينام في المسجد ، فقال : يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه) (3) وهو لا يعارض الأخبار المتقدمة لأنها أصح سندا وأكثر عددا.
(1) سواء كان مسجد الحرام أو مسجد الرسول أو غيرهما.
(2) أي المرور في مسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأخبار ، وقد تقدم خبر صحيح جميل.
(3) للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال عليه السلام : نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا) (4).
(4) بلا فرق بين مسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهما.
(5) لصحيح ابن سنان المتقدم وغيره.
(6) على المشهور لقوله تعالى : ( لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (5) ، وللأخبار منها : خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام (المصحف لا تمسه على غير طهر ، ولا جنبا ، ولا تمس خطه ولا تعلقه ، إن الله تعالى يقول : ( لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (6) ) ومرسل حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لابنه إسماعيل : (يا بنيّ اقرأ المصحف ، فقال : إني لست على وضوء ، فقال عليه السلام : لا تمسّ الكتابة ومس الورق فاقرأه) (7) ، وذهب ابن الجنيد إلى الكراهة ، وإذا ثبت حرمة مسّ المكتوب -
ص: 173
المفردة ، وما قام مقامها كالشدّة والهمزة ، بجزء من بدنه (1) تحله الحياة. (أو اسم الله تعالى) (2) مطلقا (3) ، (أو اسم النبي ، أو أحد الأئمة عليهم السلام) (4) المقصود بالكتابة (5) ، ولو على درهم أو دينار (6) في المشهور (7).
(ويكره له الأكل والشرب) (8)
______________________________________________________
- فتثبت الحرمة للحروف والتشديد والمدّ ، وألحق الإعراب أيضا لأنه مكتوب ، ولكن قيل : إن الإعراب ليس من القرآن ولذا لم يكن في المصاحف القديمة وإنما أول من وضعها أبو الأسود الدؤلي.
(1) فعن التذكرة اختصاصه بالكف لأن المسّ لا يكون إلّا به ، وعن جماعة اختصاص المسّ بما تحله الحياة ، لأن الحدث من توابع الحياة فلا يتعلق بما لا تحله الحياة كالسن والظفر ، وذهب ثالث إلى حرمة المسّ بكل الأجزاء لصدق المسّ عليها حقيقة.
(2) لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله) (1) نعم يعارضه خبر أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الجنب يمسّ الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله ، قال عليه السلام : لا بأس ، ربما فعلت ذلك) (2) وحمل على الضرورة.
(3) على الدرهم أو الدينار كما في الروض ، وفي المصحف وغيره كما عن سلطان العلماء ، وسواء كان اسم علم أو غيره من الأسماء الحسنى كما عن بعض.
(4) كما عليه المشهور وادعى عليه الإجماع في الغنية ، واستدل له بوجوب تعظيم شعائر الله ، وعن المحقق في المعتبر : (ولا أعرف المستند) ولذا خص الحكم باسم الله تعالى وتبعه على ذلك جماعة.
(5) فلو كتب اسما ولم يقصد به النبي أو أحد الأئمة فيجوز حينئذ.
(6) من الممكن إرجاعه إلى خصوص اسم النبي أو أحد الأئمة ، ومن الممكن إرجاعه إلى اسم الله وما بعده ، والأولى أولى لأنه أطلق بعد اسم الله تعالى.
(7) لاسم الله واسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة عليهم السلام.
(8) لحديث المناهي : (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأكل على الجنابة وقال : إنه يورّث الفقر) (3) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض فإنه يخاف منه الوضح) (4).
ص: 174
حتى يتمضمض ويستنشق) (1) أو يتوضّأ (2) ، فإن أكل قبل ذلك خيف عليه البرص ، وروي أنه يورث الفقر ، ويتعدّد بتعدّد الأكل والشرب مع التراخي عادة ، لا مع الاتصال.
(والنوم إلّا بعد الوضوء) (3) ، وغايته (4) هنا إيقاع النوم على الوجه الكامل (5) ، وهو غير مبيح (6) ، إما لأن غايته الحدث أو لأن المبيح للجنب هو الغسل خاصة.
(والخضاب) (7) بحنّاء وغيره. وكذا يكره له أن يجنب وهو مختضب (8).
______________________________________________________
(1) لخبر السكوني المتقدم ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب) (1). وفي كلا الخبرين ترك الاستنشاق ، نعم في الفقه الرضوي: (إذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثم كل) (2).
(2) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ) (3).
(3) لموثق سماعة : (سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم ، قال : إن أحب أن يتوضأ فليفعل ، والغسل أحبّ إليّ وأفضل من ذلك ، وإن هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شي ء إن شاء الله تعالى) (4) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الرجل أينبغي أن ينام وهو جنب؟ فقال : يكره ذلك حتى يتوضأ) (5).
(4) أي الوضوء.
(5) من دون كراهة.
(6) أي هذا الوضوء غير مبيح للصلاة.
(7) لخبر كردين عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يختضب الرجل وهو جنب ، ولا يغتسل وهو مختضب) (6) وهو مطلق يشمل الخضاب بحناء وغيره ، ويشمل ما لو كان الخضاب لليد أو لغيرها.
(8) لخبر كردين المتقدم ولخبر أبي سعيد : (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : أيختضب الرجل -
ص: 175
(وقراءة ما زاد على سبع آيات) (1) في جميع أوقات جنابته (2) وهل يصدق العدد بالآية المكررة سبعا؟ وجهان (3) ، (والجواز في المساجد) (4) غير المسجدين ، بأن يكون للمسجد بابان فيدخل من أحدهما ويخرج من الآخر (5) ، وفي صدقه بالواحد من غير مكث وجه. نعم ليس له التردّد في جوانبه (6) بحيث يخرج عن المجتاز.
______________________________________________________
- وهو جنب؟ قال : لا ، قلت : فيجنب وهو مختضب؟ قال : لا ، ثم سكت قليلا ثم قال : يا أبا سعيد ألا أدلّك على شي ء تفعله؟ قلت : بلى ، قال : إذا اختضبت بالحناء وأخذ الحناء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع) (1) أي أثر لونه.
(1) على المشهور لموثق سماعة : (سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : ما بينه وبين سبع آيات) (2) وعن ظاهر المهذب وبعض المتقدمين حرمة الزيادة ، وهو مردود لأنه قد تقدم ما يدل على جواز القراءة ما عدا العزائم والجماع يقتضي الحكم بكراهة ما زاد عن السبع.
(2) لأن المكروه ما وقع زائدا عن السبع وإن كان متفرقا في جميع أوقات جنابته.
(3) من صدق السبع لو كرر الآية الواحدة سبع مرات ، ومن انصراف أخبار السبع إلى سبع آيات متمايزات.
(4) أي المرور فيها بحيث يدخل من باب ، ففي صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال عليه السلام : لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) (3) وهو يدل على جواز المرور بدون كراهة ، وقد اعترف المحقق الخونساري في حاشيته بعدم النص على الكراهة فقال : (هذا مما لم نقف فيه على نص ، ولم يذكره كثير من الأصحاب ومنهم المصنف في الدروس وعلّله في الذكرى بالتعظيم ، وإثبات الحكم به لا يخلو عن إشكال ، مع ورود روايات كثيرة بجواز الجواز في غير المسجدين من غير إشعار بالكراهة).
(5) تحقيقا لصدق المرور والعبور.
(6) لأنه لبث في المسجد وليس عبورا ومرورا.
ص: 176
(وواجبه النية) (1) وهي القصد إلى فعله متقربا. وفي اعتبار الوجوب والاستباحة ، أو الرفع ما مرّ. (مقارنة) (2) لجزء من الرأس ومنه الرقبة (3) إن كان مرتبا ، ولجزء من البدن إن كان مرتمسا ، بحيث يتبعه الباقي (4) بغير مهلة (5) (وغسل الرأس والرّقبة) أولا (6) ولا ترتيب بينهما ، لأنهما فيه (7) عضو واحد ، ولا ترتيب في نفس أعضاء الغسل (8) ، بل بينها (9)
______________________________________________________
(1) قد عرفت أن النية هي القصد مع التقرب ، وما زاد ليس من ماهيتها.
(2) بناء على كونها إخطارية وقد عرفت أنها على نحو الداعي لا تنفك عن العمل من أوله إلى آخره.
(3) أي من الرأس ، ويدل عليه صحيح زرارة : (كيف يغتسل الجنب؟ فقال : إن لم يكن أصاب كفه شي ء غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ، ثم صبّ على رأسه ثلاث أكف ، ثم صبّ على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين ، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه) (1) فالصب على المنكب بعد الرأس ظاهر في كون الرقبة من الرأس.
وعن الحلبي غسل الرقبة مع البدن فنصفها الأيمن مع الجانب الأيمن ، والأيسر مع الأيسر لعدم صدق الرأس على الرقبة ، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن غسل الجنابة؟ فقال : تصب على يديك الماء فتغسل كفّيك ، ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ثم تتمضمض وتستنشق وتصبّ الماء على رأسك ثلاث مرات وتغسل وجهك وتفيض على جسدك الماء) (2) الظاهر بعدم دخول الوجه في الرأس فيدل على عدم دخول ما تحته وهو الرقبة.
(4) أي يتبع الجزء المقارن للنية.
(5) وإلّا لا يكون الغسل ارتماسيا.
(6) وقد تقدم الكلام فيه.
(7) في الغسل.
(8) فلا يجب الابتداء من الأعلى كما عليه المشهور ، وعن الحلبي وجوب الابتداء من الأعلى ، وظاهر الأخبار يدل على قول المشهور.
(9) أي أن الترتيب واجب بين الأعضاء لا في نفس الأعضاء ، فيجب تقديم الرأس ثم -
ص: 177
كأعضاء مسح الوضوء (1) ، بخلاف أعضاء غسله (2) فإنه فيها وبينها (3) (ثم) غسل الجانب(الأيمن ثم الأيسر) كما وصفناه (4) ، والعورة تابعة للجانبين (5) ، ويجب
______________________________________________________
- الأيمن ثم الأيسر ويدل عليه صحيح زرارة المتقدم حيث عطف بثم ، وهي تفيد الترتيب.
وعن جماعة أن الترتيب واجب بين الرأس والبدن للعطف بثم في صحيح زرارة ، وأما بين الجانبين فلا ، لأن العطف بينهما في صحيح زرارة بالواو وهي لا تفيد الترتيب بل لمطلق الجمع.
ويرده ما ورد عن العامة : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا اغتسل بدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر) (1) وما ورد في غسل الميت كخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا أردت غسل الميت - إلى أن قال - ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن) (2) وخبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام بعد ما سأله عن غسل الميت : (ثم تغسله تبدأ بميامنه) (3) مضافا إلى ما ورد إلى أن غسل الميت كغسل الجنابة كخبر الديلمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن رجلا سأل أبا جعفر عليه السلام عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ قال : إذا خرجت الروح من البدن خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه ، كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى ، فلذلك يغسل غسل الجنابة) (4).
(1) فيجب الترتيب بينها فيقدم مسح الرأس على مسح الرجلين ، ولكن لا يجب الترتيب فيها فلا يجب ابتداء المسح من الأعلى بل جاز النكس.
(2) أي غسل الوضوء.
(3) أي فإن الترتيب فيها فيجب من الأعلى ، وبينها فيجب تقديم الوجه على اليمنى ، واليمنى على اليسرى.
(4) أي من دون ترتيب في نفس العورة.
(5) بمعنى أن يغسل نصفها مع الجانب الأيمن ، والنصف الآخر مع الأيسر ، وقال في المستمسك عنه : (لعله ظاهر الأصحاب) أخذا بإطلاق النصوص ، هذا مع احتمال أن تكون عضوا مستقلا كما يمكن أن تكون من الأيمن أو من الأيسر فالاحتياط يقتضي غسلها مع كل جانب.
ص: 178
إدخال جزء من حدود كل عضو (1) من باب المقدمة كالوضوء.
(وتخليل مانع وصول الماء) (2) إلى البشرة ، بأن يدخل الماء خلاله إلى البشرة على وجه الغسل.
(ويستحبّ الاستبراء) (3)
______________________________________________________
(1) من الأعضاء المشتركة لا مطلقا.
(2) فيجب مقدمة لحصول غسل البشرة لأن الواجب في الجنابة غسل بشرة البدن بلا خلاف فيه لما في الفقه الرضوي : (وميّز الشعر بأناملك عند غسل الجنابة فإنه نروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تحت كل شعرة جنابة ، فبلّغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها ، وخلّل أذنيك بإصبعيك ، وانظر إلى أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلا وتدخل تحتها الماء) (1) ولذا حكموا بعدم وجوب غسل الشعر إذا وصل الماء إلى أصوله ، قال المحقق في المعتبر : «لا تنقض المرأة شعرها إذا بلّ الماء أصوله وهذا مذهب الأصحاب» بخلاف الوضوء فلا يجب أن يطلب ما تحت الشعر وقد تقدم.
وعن المقدس الأردبيلي التشكيك في ذلك والاكتفاء بغسل ظاهر الشعر من دون إيصال الماء إلى البشرة لأن الصب ثلاث مرات كما في صحيح زرارة المتقدم لا يوجب وصول الماء إلى أصول الشعر بالإضافة إلى خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها) ((2).
(3) الاستبراء من المني بالبول للأخبار منها : صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن غسل الجنابة ، قال : تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول ثم تدخل يدك في الإناء) (3) الحديث ، وخبر أحمد بن هلال : (سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : أن الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل) (4) وخبر الحلبي : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا ، وقد كان بال قبل أن يغتسل؟ قال : ليتوضأ ، وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل) (5) وهذه الأخبار ظاهرة في أن البول لكي لا يبطل الغسل إذا خرج منه بلل مشتبه بعد الغسل فلذا حملت على الاستحباب ، فالقول -
ص: 179
للمنزل (1) لا لمطلق الجنب بالبول ، ليزيل أثر المني الخارج ، ثم بالاجتهاد بما تقدم من الاستبراء (2) وفي استحبابه به للمرأة قول (3) ، فتستبرئ عرضا ، أما بالبول فلا ، لاختلاف المخرجين. (والمضمضة والاستنشاق) (4)
______________________________________________________
- بوجوب الاستبراء بالبول كما عن الشيخ في المبسوط والاستبصار وابني حمزة وزهرة والكيدري وأبي الصلاح ليس في محله.
(1) أي للذي أمنى لظاهر الأخبار ولمناسبة الحكم والموضوع.
(2) وهو الخرطات التسع للاستبراء من البول وهو واضح ، وذهب جماعة منهم المحقق الخونساري في حاشيته على الروضة أن المراد هو الاجتهاد المعبّر عنه بالخرطات التسع إن لم يقدر على البول ، وبهذا صرح جماعة من الفقهاء مع أن النصوص خالية عن استحباب الاجتهاد إن لم يكن قادرا على البول.
(3) أي في استحباب الاستبراء بالبول للمرأة قول ، وهو قول الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة ، وأشكل عليهما بأنه لا يفيد لتغاير مخرجي البول والمني في المرأة ، وأجاب عنه الشهيد في الذكرى بأنه قد يؤثر خروج البول في خروج المني وإن تغايرا مخرجا كما يؤثر خروج الغائط في دفع البول وإن اجتهد في حفظه.
وحمل البعض عبارة الشارح على الاستبراء من المني بالاجتهاد ، مع أن النظر في الأقوال يدفعه هذا من جهة ومن جهة أخرى ذهب المشهور إلى اختصاص الاستبراء من المني بالرجل وهذا دليل على عدم وجود مني عند المرأة كما استقربناه سابقا والعجب منهم حيث حكموا بعدم استبرائها من المني هنا وحكموا بوجود مني لها هناك عند البحث في موجبات الجنابة.
(4) للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (في غسل الجنابة فقال : تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثم تمضمض واستنشق) (1) وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في غسل الجنابة فقال : (تصب على يديك الماء فتغسل كفيك ثم تدخل يدك فتغسل فرجك ، ثم تتمضمض وتستنشق ، وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات) (2).
ويستحب تثليثهما كما عن ابني حمزة وإدريس والعلّامة والشهيد الأول لما في الفقه الرضوي : (وقد نروي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا ، وروي مرة مرة يجزيه ، وقال : الأفضل الثلاثة) (3).
ص: 180
كما مر (1) (بعد غسل اليدين ثلاثا) (2) من الزّندين (3) ، وعليه المصنف في الذكرى ، وقيل من المرفقين ، واختاره في النفلية ، وأطلق في غيرهما كما هنا ، وكلاهما مؤدّ للسنّة (4) وإن كان الثاني أولى.
(والموالاة) بين الأعضاء (5) ،
______________________________________________________
(1) من معناهما وتثليثهما في الوضوء.
(2) أما استحباب غسل اليدين فلما مرّ من صحيح زرارة وموثق أبي بصير.
والتثليث لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال عليه السلام : واحدة من حدث البول واثنتان من حدث الغائط وثلاث من الجنابة) (1). وخبر حريز عن أبي جعفر عليه السلام : (يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ومن الجنابة ثلاثا) (2).
(3) على المشهور لخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (سألته عن غسل الجنابة؟ فقال : تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك) (3) وموثق أبي بصير المتقدم : (تصب على يديك الماء فتغسل كفيك) (4).
وعن الجعفي استحباب الغسل إلى المرفقين لصحيح يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام : (يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين) (5) ونقل عنه استحباب الغسل إلى ما دون المرفقين ، أي إلى نصف الذراع لموثق سماعة : (فليفرغ على كفيه وليغسلهما دون المرفق) (6).
وأثبت العلّامة استحباب غسل اليدين مطلقا سواء كان الغسل ترتيبيا أو ارتماسيا ، وسواء كان بالقليل أو بالكثير ، وسواء كان بالاغتراف أو بالصب لإطلاق الأخبار المتقدمة ، وخص المحقق غسل اليدين فيما لو كان الغسل ترتيبيا من ماء قليل بالاغتراف كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة فيقتصر عليه.
(4) لصدق غسل اليدين في الكيفيتين.
(5) لا تجب الموالاة بين أعضاء الغسل ، كما لا تجب في غسل العضو الواحد ، فيجوز -
ص: 181
بحيث كلما فرغ من عضو شرع في الآخر ، وفي غسل نفس العضو لما فيه (1) من المسارعة إلى الخير (2) ، والتحفظ من طريان المفسد (3) ولا تجب في المشهور (4) إلّا لعارض ، كضيق وقت العبادة المشروطة به ، وخوف فجأة الحدث للمستحاضة ، ونحوها (5). وقد تجب بالنذر لأنه راجح (6). (ونقض)
______________________________________________________
- غسل بعض الأعضاء وإرجاء البعض الآخر كما يجوز غسل جزء الوضوء وإرجاء بقية الأجزاء للأخبار
منها : خبر حريز : (قلت : وكذلك غسل الجنابة ، قال : هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك ، قلت : وإن كان بعض يوم؟ قال : نعم) (1) وخبر إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن عليا عليه السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة) (2) ومرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس بتبعيض الغسل ، تغسل يدك وفرجك ورأسك ، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك) (3). وعن جماعة استحباب الموالاة وإن لم تجب لعموم قوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ ) (4) وقوله تعالى : ( وَسٰارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (5).
نعم لو عرض للموالاة عارض يوجبها كالنذر فتجب بلا إشكال ، وكذا عند ضيق وقت الصلاة ، وكذا لو خيف الحدث كالمستحاضة والمسلوس والمبطون.
(1) في التوالي.
(2) إشارة إلى دليل الاستحباب.
(3) وهو الحدث ، بناء على أن الحدث الأصغر مفسد للغسل.
(4) قال المحقق الخونساري في حاشيته : (ظاهره وجود قول بالوجوب ، أو عدم وضوح مستند المشهور ، ولم ينقل فيما رأيناه من الكتب قول بالوجوب ، بل صرح كثير منهم بعدم وجوب الموالاة وظاهر الشيخ في التهذيب والعلّامة في المنتهى والمصنف في الذكرى الإجماع على ذلك).
(5) كالمسلوس والمبطون.
(6) فمتعلق النذر وهو التوالي راجح فينعقد النذر.
ص: 182
المرأة الضفائر) (1) جمع ضفيرة ، وهي العقيصة المجدولة من الشعر ، وخصّ المرأة لأنها مورد النص ، وإلّا فالرجل كذلك ، لأن الواجب غسل البشرة دون الشعر ، وإنما استحبّ النقض للاستظهار (2) ، والنص (3). (وتثليث الغسل) (4)
______________________________________________________
(1) من الضفر بمعنى نسج الشعر ، وهو جمع ضفيرة بمعنى العقيصة ، وقال في المصباح : (هو الشعر الذي يلوى).
ولا يجب نقضها لأنه لا يجب غسل الشعر كما تقدم ففي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة) (1).
وأما استحباب نقضه لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (كانت أشعار نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرون رءوسهن مقدم رءوسهن ، فكان يكفيهن من الماء شي ء قليل ، فأما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء) (2) والخبر لا يدل على نقض الشعر بل على استحباب المبالغة بالماء حتى يصل إلى البشرة ، فالاستدلال به على استحباب نقض الشعر كما في الذكرى للشهيد الأول وتبعه الشارح عليه ، وعلّق الشارح بقوله : (قال في الذكرى : ولو توقف الوصول إلى البشرة على حلّ الضفائر وجب وإلّا فلا ، وقد سلفت الرواية ، وقال المفيد : إن كان الشعر مشدودا أحلّته ، وحمله الشيخ في التهذيب على توقف حصول الماء عليه لأن الواجب غسل البشرة ، والشعر لا يسمى بشرة ، ولا فرق بين الرجل الجنب والحائض في عدم وجوب نقض الصغائر إذا وصل الماء إلى البشرة ، لأن الواجب في الغسلتين بالبشرة لا بالواجب).
(2) أي طلب الغسل زيادة على الواجب ليقطع بتحقق الواجب من غسل البشرة.
(3) وهو خبر محمد بن مسلم المتقدم وقد عرفت عدم دلالته.
(4) كما عن جماعة ، ويستدل له بكونه إسباغا ، وبأنه يستحب الغسل بصاع وهذا يقتضي التثليث ولأخبار الصب على الرأس ثلاث مرات ، منها : خبر زرارة المتقدم (ثم صبّ على رأسه ثلاث أكف) (3).
وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (ثم تصب على رأسك ثلاثا) (4) ، ومثلها غيرها لما ورد في الصب مرتين على المنكبين.
وفي هذه الأدلة نظر ، أما الإسباغ فهو المبالغة في إتمام الغسل الأول لا تكراره ، وأما كون الغسل بصاع فهو غير موجب للتثليث وإلا فلا يكفي وجدانا ، وأما الأخبار فهي -
ص: 183
لكلّ عضو من أعضاء البدن الثلاثة ، بأن يغسله ثلاث مرات.
(وفعله) أي الغسل بجميع سننه ، الذي من جملته تثليثه (بصاع) (1) لا أزيد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : «الوضوء بمدّ ، والغسل بصاع ، وسيأتي أقوام بعدي يستقلّون ذلك فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس».
(ولو وجد) المجنب بالإنزال (بللا) مشتبها (2)
______________________________________________________
- دالة على تثليث الأكف ليتحقق الغسل الواحد للرأس لا تثليث الغسل ، ولذا ذهبت جماعة إلى عدم الدليل على استحباب التثليث.
(1) للأخبار ، منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (من انفرد بالغسل وحده فلا بدّ له من صاع) (1) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يغتسل بصاع) (2) ومرسل الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الوضوء مد والغسل صاع ، وسيأتي أقوام من بعدي يستقلون ذلك ، فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس) (3)
واعلم أن الصاع أربعة أمداد ، والمد رطلان وربع بالعراقي ، فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي ، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما كما تقدم فيكون الصاع (1170) درهما.
وكل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعية فيكون الصاع (819) مثقالا شرعيا ، والمثقال الشرعي يساوي ثلاثة أرباع الصيرفي فيكون الصاع (25 ، 614) مثقالا صيرفيا ، والمثقال الصيرفي يساوي 8 ، 4 غرامات فيكون الصاع (4 ، 2948) غراما.
(2) لو وجد المجنب بالإنزال بعد ما اغتسل بللا ، فإن علم أنه مني فلا إشكال في وجوب الغسل ، لأن إنزال المني موجب للغسل ، وإن علم أنه بول خالص فلا إشكال في وجوب الوضوء خاصة ، ولو علم أنه من غيرهما فلا إشكال في عدم وجوب شي ء عليه ، وإذا لم يعلم شيئا ففيه صور :
الصورة الأولى : ما لو كان المغتسل قد بال ثم استبرأ بعد البول بالخرطات التسع ، فلا إشكال في عدم وجوب شي ء عليه من الغسل والوضوء ، ويحكم على البلل بأنه ليس -
ص: 184
(بعد الاستبراء) بالبول (1)
______________________________________________________
- بمني ولا بول. وهذا مما لا خلاف فيه.
الصورة الثانية : لو كان المغتسل قد بال وترك الاستبراء بعد البول فلا يجب عليه الغسل بالاتفاق ويجب عليه الوضوء فقط ويدل عليه أخبار منها : صحيح الحلبي : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل ، قال : ليتوضأ ، وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل) (1) وخالف الشيخ في التهذيب والاستبصار والصدوق فلم يوجبا عليه شيئا لصحيح ابن أبي يعفور : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بال ثم توضأ ثم قام إلى الصلاة ثم وجد بللا ، قال : لا يتوضأ إنما ذلك من الحبائل) (2) حيث ترك الاستبراء من البول فلم يحكم عليه بإعادة الوضوء.
الصورة الثالثة : لو كان المغتسل قد ترك البول والاستبراء بالخرطات فوجد بللا فعليه إعادة الغسل لصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء ، قال : يعيد الغسل) (3) ومثله غيره ويظهر من الصدوق الاكتفاء بالوضوء لأنه قال عقيب صحيح الحلبي المتقدم : (وروي في حديث آخر : إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل) ((4).
الصورة الرابعة : انتفاء البول مع إمكانه وقد أتى بالاجتهاد المسمى بالخرطات فعليه إعادة الغسل تمسكا بإطلاق صحيح سليمان بن خالد المتقدم وغيره ، ويظهر من المحقق كما في المدارك وجوب الوضوء فقط.
الصورة الخامسة : انتفاء البول مع عدم إمكانه مع إتيانه بالاجتهاد المسمى بالخرطات ، وفيه قولان ، عدم الإعادة لخبر جميل بن دراج : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ، ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال عليه السلام : لا ، قد تعصرت ونزل من الحبائل) (5) وقيل بالإعادة تمسكا بإطلاق الأخبار الآمرة بالغسل عند عدم البول سواء تعذر البول أو لا.
(1) والخرطات التسع ، وهذه الصورة الأولى فلا يلتفت.
ص: 185
أو الاجتهاد مع تعذره (1) (لم يلتفت ، وبدونه) أي بدون الاستبراء بأحد الأمرين (2) (يغتسل). ولو وجده بعد البول من دون الاستبراء بعده (3) وجب الوضوء خاصة ، أما الاجتهاد بدون البول مع إمكانه (4) فلا حكم له (5) (والصلاة السابقة) على خروج البلل المذكور(صحيحة) (6) ، لارتفاع حكم السابق ، والخارج حدث جديد وإن كان قد خرج عن محله إلى محل آخر. وفي حكمه ما لو أحسّ بخروجه فأمسك عليه فصلى ثم أطلقه.
(ويسقط الترتيب) (7) بين الأعضاء الثلاثة(بالارتماس) وهو غسل البدن أجمع
______________________________________________________
(1) أي مع تعذر البول ولكن أتى بالخرطات التسع ، وهذه الصورة الخامسة فلا يلتفت على قول.
(2) فقد ترك البول وترك الخرطات ، وهذه هي الصورة الثالثة.
(3) أي بعد البول ، فهو قد بال ولم يستبرئ بالخرطات وهذه هي الصورة الثانية.
(4) أي إمكان البول ، فهو قد استبرأ بالخرطات التسع ولم يبل مع إمكان البول ، وهذه هي الصورة الرابعة.
(5) أي لا حكم لهذا الاجتهاد ، لأن الاستبراء من المني بالبول لا بالخرطات ولذا وجب عليه إعادة الغسل.
(6) فالصلاة السابقة أي التي سبقت خروج البلل يحكم بصحتها ، لأن هذا البلل على فرض كونه منيا أو بولا فهو حدث جديد ، فالصلاة الواقعة قبله مستجمعة للشرائط فلا بدّ من الحكم بصحتها وهذا مما لا إشكال فيه ، ونقل الخلاف عن بعضهم ولذا قال في الجواهر : (نعم نقل في المنتهى قولا عن بعض علمائنا بالإعادة ولم نعرفه ، ولعل مستنده ما في صحيح ابن مسلم : (عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء؟ قال : يغتسل ويعيد الصلاة) (1) انتهى ما في الجواهر ، وتحمل الرواية على أنه صلى ما بعد خرج البلل.
(7) ما تقدم من ترتيب أعضاء الغسل بتقديم الرأس على الأيمن ، وهو على الأيسر يسقط في الارتماس للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (لو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأ ذلك وإن لم يدلك جسده) (2) وصحيح الحلبي -
ص: 186
.................................................................................................
______________________________________________________
- عنه عليه السلام : (إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله) (1)
وعن الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا أن الارتماس يترتب حكما ، وبه قال الشيخ في الاستبصار ، وفسر الترتيب الحكمي بأحد وجوه ثلاثة :
الأول : إن المرتمس لا بدّ أن ينوي الترتيب في الغسل ، وهذا ما فسره المحقق في المعتبر ، وفيه : إن نية الترتيب في الارتماس لا معنى لها بعد ما لم يتحقق الترتيب خارجا.
الثاني : إن المرتمس يحكم له بالترتيب بعد ما يخرج من الماء لمكان خروج رأسه أولا ثم سائر جسده ، وفيه : إن هذا الترتيب الحكمي لا معنى له لعدم تحققه بين الأيمن والأيسر بناء على اشتراطه بينهما.
الثالث : إن المرتمس بعد ما يخرج يحكم بأن غسله ترتيبي بمعنى لو بقيت لمعة في ظهره مثلا ، فإن كانت في الأيسر غسلها ، وإن كانت في الأيمن غسلها مع الأيسر.
والترتيب الحكمي لا دليل عليه بعد اختصاص الترتيب في الترتيبي ، وأما الارتماسي فأدلته مطلقة بحيث كلما صدق الارتماسي صدق الغسل من دون اشتراط الترتيب ، قال سيد المدارك : «وإنما المستفاد من الروايات الاجتزاء في الغسل بالارتماسة الواحدة الشاملة للبدن وسقوط الترتيب فيه مطلقا ، وإثبات ما عدا ذلك زيادة لم تعلم من النص ، وقد أطنب المتأخرون في البحث في هذه المسألة بما لا طائل تحته».
وأما لو بقيت لمعة في ظهره فيتبين أن الغسل لتمام البدن دفعة واحدة لم يتحقق فلا بدّ من إعادته ، هذا واعلم أن الخلاف قد وقع في كيفية الغسل الارتماسي على وجوه ، بل أقوال :
الأول : هو استيلاء الماء على جميع أجزاء البدن في آن واحد حقيقة ، وعن المحقق الثاني نسبته إلى بعض الطلبة ، وفي مفتاح الكرامة : «إنه يتوهم من عبارة الشهيد في الألفية».
الثاني : غمس الأعضاء متواليا فيكون أول الغسل عند غمس أول جزء من البدن ، وآخره عند غمس آخر الأجزاء البدنية ، وهو المنسوب إلى المشهور فيكون الغسل تدريجيا.
الثالث : إنه غمس الأعضاء ولو في آنات متعددة بحيث لا تصدق معه الدفعة بحيث لو -
ص: 187
دفعة واحدة (1) عرفية (2) ، وكذا ما أشبهه (3) كالوقوف تحت المجاري [المجرى] والمطر الغزيرين لأن البدن يصير به (4) عضوا واحدا (5).
______________________________________________________
- غمس عضوا في الماء في ساعة وغمس الآخر في ساعة أخرى فيكون غسلا ارتماسيا فهو غسل تدريجي بدون الدفعة ، وقد اختاره صاحب الحدائق ومال إليه في كشف اللثام.
والظاهر من الأخبار الثاني.
(1) فيخرج الاحتمال الثالث.
(2) فيخرج الاحتمال الأول.
(3) أي أشبه الارتماسي ، كالوقوف تحت المطر والمجرى الغزيرين ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والعلامة والشهيدان لصدق الارتماس عليه ، ولصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) : (أنه سأله عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ فقال عليه السلام : إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك) (1) وصحيحه الآخر عنه عليه السلام : (عن الرجل تصيبه الجنابة ولا يقدر على الماء فيصيبه المطر أيجزيه ذلك أو عليه التيمم؟ فقال عليه السلام : إن غسله أجزأه وإلا تيمم) (2) ومرسل ابن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام : (في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده ، أيجزيه ذلك من الغسل؟ قال عليه السلام : نعم) (3).
وذهب المحقق في المعتبر وابن إدريس وهو ظاهر الكثير من القدماء الى عدم سقوط الترتيب في المطر والمجرى ، لظهور الأخبار المتقدمة في الغسل الترتيبي ، فقوله عليه السلام : (إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك) كما في صحيح علي بن جعفر المتقدم ظاهر فيما قلنا.
نعم لو كان النهر كبيرا جاريا من فوق على نحو يستوعب الماء جميع بدنه بحيث يكون البدن بتمامه تحت الماء دفعة واحدة عرفية لصدق الارتماسي حينئذ ولكن هذا لا يمكن تحققه تحت المطر ولو كان غزيرا.
(4) أي بالارتماسي.
(5) ولذا سقط وجوب الترتيب فيه.
ص: 188
(ويعاد) غسل الجنابة(بالحدث) الأصغر(في أثنائه على الأقوى) (1) عند المصنف وجماعة ، وقيل لا أثر له مطلقا ، وفي ثالث يوجب الوضوء خاصة ، وهو الأقرب. وقد حقّقنا القول في ذلك برسالة مفردة.
______________________________________________________
(1) لو وقع الحدث الأصغر في أثناء الغسل الترتيبي أو الارتماسي ففيه أقوال :
الأول : أنه يعيد الغسل كما عن الصدوق في الهداية والفقيه والشيخ في المبسوط والعلامة والشهيد بل عن المحقق الثاني نسبته إلى الأكثر ، لمرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس بتبعيض الغسل ، تغسل يدك وفرجك ورأسك ، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة ، ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك ، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو منيّ بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله) (1) ومثله ما عن الفقه الرضوي (2)
الثاني : وذهب جماعة منهم ابن إدريس والمحقق الثاني وابن البراج والمحقق الداماد والفاضل الخراساني إلى أنه لا أثر لهذا الحدث فيقتصر على إتمام الغسل فقط ، ودليلهم بأن الحدث الأصغر غير موجب للغسل فلا معنى للإعادة ، والوضوء منفي مع غسل الجنابة كما في الأخبار الكثيرة منها : خبر عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام : (الوضوء بعد الغسل بدعة) (3)
الثالث : وذهب المحقق والشهيد الثاني وسيد المدارك والمقدس الأردبيلي والكاشاني والبهائي ووالده والفاضل الهندي وجماعة إلى إتمام الغسل مع وجوب الوضوء للصلاة أما وجوب إتمام الغسل فلأن الحدث الأصغر ليس موجبا للغسل ولا لبعضه قطعا فيسقط وجوب الإعادة ، وأما وجوب الوضوء فلأن الحدث المتجدد لا بدّ له من رافع ، وهو إما الغسل بتمامه وإما الوضوء ، والأول منتف لتقدم بعضه فيتعين الثاني وهو الوضوء ، وأما ما ورد من أن غسل الجنابة لا وضوء معه وأنه بدعة فهو بلحاظ رفع الحدث السابق على الشروع في الغسل ، ولا يدل على رفع ما يكون في أثنائه كما لا يدل على رفع ما يكون بعده وهذا القول الأخير متين لو لا مرسلة الصدوق المتقدمة ، والعمل عليها لأنه لا يجوز تركها بعد كون الحجية على خبر موثوق الصدور ، وعمل الصدوق والشيخ وجماعة بها موجب لوثاقة صدورها.
ص: 189
أما غير غسل الجنابة من الأغسال (1) فيكفي إتمامه مع الوضوء قطعا ، وربما خرّج بعضهم بطلانه كالجنابة (2) ، وهو ضعيف جدا.
(وأما الحيض (3) - فهو ما) أي الدم الذي (تراه المرأة بعد) إكمالها(تسع) (4)
______________________________________________________
(1) سواء كان واجبا كغسل الحيض أم مستحبا كغسل الجمعة ، فإن قلنا بإجزاء هذه الأغسال عن الوضوء كغسل الجنابة - كما هو الحق - فيأتي فيها النزاع المتقدم في غسل الجنابة.
وإن قلنا بعدم إجزائها عن الوضوء ، ولا بد من الوضوء مع هذه الأغسال ، فيكفي إتمام هذه الأغسال مع الوضوء بغير إشكال لرفع الحدث الأصغر الواقع في أثناء الغسل بالحدث الأصغر فيما بعد ، ونفس الحدث الأصغر ليس مبطلا للغسل ، لأنه ليس من موجباته.
(2) وهو الحق ، لأن الأصغر سبب في بطلان غسل الجنابة لمرسل الصدوق فكذا هو سبب في بطلان غيره من الأغسال ، إذ الجميع مشترك في إجزائها عن الوضوء.
(3) الحيض لغة هو السيل ، قال في القاموس : «حاضت المرأة تحيض حيضا - إلى أن قال - سال دمها».
وهو الدم الذي يخرج من رحم المرأة في أيام مخصوصة من كل شهر ، ومعناه واضح لدى الأذهان فلا داعي لتعريفه وللنقض عليه طردا أو عكسا.
(4) فكل دم تراه قبل التسع فليس بحيض للأخبار منها : موثق عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام : (ثلاث يتزوجن على كل حال - إلى أن قال - والتي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : ومتى يكون كذلك؟ قال : ما لم تبلغ تسع سنين فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض) (1) وخبره الآخر عنه عليه السلام - وهو صحيح السند - : (ثلاث يتزوجن على كل حال ، وعدّ منها التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدها؟ قال عليه السلام : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدها؟ قال عليه السلام : إذا كان لها خمسون سنة) (2).
ص: 190
سنين هلالية (1) ، (وقبل) إكمال (ستين) سنة (2) (إن كانت المرأة قرشيّة) وهي المنتسبة بالأب إلى النّضر بن كنانة (3) وهي أعم من الهاشمية ، فمن علم انتسابها
______________________________________________________
(1) لأن ذلك هو الأصل في الشهور والسنين لقوله تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَالْحَجِّ ) (1).
(2) كل دم تراه المرأة بعد سن اليأس ليس بحيض ويدل عليه صحيح ابن الحجاج المتقدم : (والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض) وأما حد اليأس ففيه خلاف ، فعن الشيخ في النهاية وابن إدريس في السرائر وابن البراج في المهذب وجماعة إلى أن حد اليأس مطلقا هو خمسون سنة ، ويدل عليه صحيح ابن الحجاج المتقدم : (قلت : فما حدها؟ قال عليه السلام : لها خمسون سنة) وصحيحه الآخر عنه عليه السلام المروي في الكافي (حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة) (2) ومرسل ابن أبي نصر عن أبي عبد الله عليه السلام : (المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة) (3).
وذهب المحقق في طهارة الشرائع والعلامة في المنتهى ومال إليه في المختلف إلى أن حدّ اليأس مطلقا هو ستون سنة لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام المروي في التهذيب (قلت : التي قد يئست من الحيض ومثلها لا تحيض؟ قال : إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض) (4) ومرسل الكليني قال : (وروي ستون سنة) (5) وذهب المشهور إلى أن حدّ اليأس هو خمسون سنة في غير القرشية ، وفي القرشية إلى الستين لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا بلغت المرأة خمسين لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش) (6) ومرسل المفيد في المقنعة (روي أن القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة) (7) ، وألحق ابن حمزة في الوسيلة النبطية بالقرشية بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب.
(3) فآباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (عبد الله بن عبد المطلب - واسمه شيبة الحمد - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد مناف - واسمه المغيرة - بن قصيّ - واسمه زيد - بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن عدنان).
وقريش هو النضر بن كنانة كما في الجواهر وطهارة الشيخ ، والحدائق والمستند ، وفي -
ص: 191
إلى قريش بالأب (1) لزمها حكمها ، وإلا فالأصل عدم كونها منها (2) ، (أو نبطيّة) (3) منسوبة إلى النّبط (4) ، وهم - على ما ذكره الجوهريّ - قوم ينزلون البطائح بين العراقين ، والحكم فيها مشهور ، ومستنده غير معلوم (5) ، واعترف المصنف بعدم وقوفه فيها على نص (6) ، والأصل يقتضي كونها كغيرها ،
______________________________________________________
- النفحة العنبرية لابن أبي الفتوح : «ومن ولد كنانة النضر وهو الملقب بقريش» وقيل : قريش هو الفهر بن مالك ، كما عن سبائك الذهب والعقد الفريد ومختصر أخبار البشر والسيرة النبوية لابن دحلان ، وفي السيرة الحلبية : «فهر اسمه قريش قال الزبير بن بكار : أجمع النسابون من قريش وغيرهم أن قريشا إنما تفرقت عن فهر» وفي المستمسك : إنه يظهر من غير واحد أنه قصي.
(1) ذهب المحقق الثاني وسيد المدارك إلى احتمال الاكتفاء بانتساب المرأة إلى قريش بالأم لأن المعتبر في الحيض تقارب الأمزجة ، ومن ثمّ اعتبر العمات والخالات وبناتهن في المبتدئة إذا اختلف عليها الدم.
(2) بالاتفاق ، للاستصحاب إذ قبل وجودها لم تكن قرشية فبعد الوجود والشك في قرشيتها فالأصل العدم.
وفيه : إن عدم قرشيتها قبل وجودها من باب السالبة بانتفاء الموضوع وهو غير مفيد في يقين الاستصحاب ، إذ المفيد السالبة التي يتيقن موضوعها ، واستدل على الحكم بقاعدة الأعم الأغلب ، وفيه : لا دليل على حجية هذه القاعدة من عقل أو نقل في الموضوعات الشرعية.
(3) على المشهور كما في جامع المقاصد.
(4) قال في جامع المقاصد : «إن الذي كثر في كلام أهل اللغة أنهم جيل كانوا ينزلون البطائح بين الكوفة والبصرة» وقال في المصباح : «إنهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، وقيل : من كان أحد أبويه عربيا والآخر عجميا ، وقيل : عرب استعجموا أو عجم استعربوا».
(5) قد عرفت مرسل المفيد الوارد في إلحاق النبطية ، ولذا قال الشارح في روض الجنان : «وأما النبطية فذكرها المفيد برواية ، وتبعه جماعة بحيث صار إلحاقها بالقرشية هو المشهور ، لكن لم يوجد بها خبر مستند ، ومن ثمّ تركها المحقق في المعتبر وخصّ الحكم بالقرشية» فمراده هنا من المستند المنفي هو الخبر المسند حينئذ.
(6) قال المصنف في الذكرى عن : «وأما النبطية فذكره المفيد رواية ومن تابعه ، ولم أجد به خبرا مسندا».
ص: 192
(وإلا) يكن كذلك(فالخمسون) سنة مطلقا (1) غاية إمكان حيضها.
(وأقلّه ثلاثة أيام متوالية) (2) فلا يكفي كونها في جملة عشرة على الأصح.
______________________________________________________
(1) في العبادة والعدة قال الشارح في الروض : «وما يوجد في بعض القيود من الحكم باليأس بالخمسين بالنسبة للعبادة مطلقا ، وبالستين بالنسبة إلى العدة مطلقا ليس له مرجع يجوز الاعتماد عليه ، ولا فقيه يعوّل على مثله يستند إليه ، واشتماله على نوع من الاحتياط غير كاف في الذهاب إليه ، وربما استلزم نقيض الاحتياط في بعض موارده».
(2) وأكثره عشرة أيام للأخبار الكثيرة منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام) (1) وصحيح صفوان : (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون الحيض ، فقال عليه السلام : أدناه ثلاثة وأبعده عشرة) (2).
والتوالي في الأيام الثلاثة على المشهور لما في الفقه الرضوي : (وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر الدم ثلاثة أيام متواليات) (3) وعن الشيخ في النهاية والاستبصار وابن البراج في المهذب أنه يكفي كون الثلاثة في جملة العشرة لمرسل يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض ، وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام ، فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض) (4) وهو ضعيف لإرساله وجهالة بعض رجاله وهو إسماعيل بن مرار وقال في الجواهر : (ورجوع الشيخ عنه في غير النهاية) ، فهذا كله موجبات لعدم العمل بهذا المرسل.
ثم على المشهور من اعتبار التوالي فما معناه؟
فهل يراد منه استمرار الدم ولو في باطن الرحم بحيث كلما وضعت الكرسف تلوث ، وإليه ذهب الحلبي وابنا زهرة وإدريس والمحقق الثاني لأنه هو المتبادر من التوالي ، -
ص: 193
(وأكثره عشرة) أيام ، فما زاد عنها ليس بحيض إجماعا(وهو أسود ، أو أحمر (1) حار (2) له دفع) وقوة (3)
______________________________________________________
- أم يكفي وجود الدم في كل يوم آنا ما كما نسب إلى الأكثر ، أم أنه يشترط رؤيته في أول اليوم الأول وآخر اليوم الثالث وفي أيّ وقت من اليوم الثاني وإليه ذهب معاصر الشارح وهو السيد حسن بن جعفر ، ومال إليه الشيخ البهائي في الحبل المتين ، والأول أقوى.
(1) صرح البعض كالمحقق في الشرائع بكونه أسودا غليظا في الأغلب ، وبعض منهم الشيخ المفيد في المقنعة وابن زهرة بكونه أحمر ، وثالث بكونه أحمر أو أسود ، وهو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص ففي خبر حفص البختري : (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم ، فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ قال : فقال لها : إن دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة ، قال : فخرجت وهي تقول : والله لو كان امرأة ما زاد على هذا) (1) ومرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن دم الحيض أسود يعرف) (2).
وفي مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش) (3) وفي المرسل عن محمد بن مسلم : (إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء) (4) إلا أن يقال ليس المراد من السواد هو السواد الحالك الأحمر شديد الاحمرار بحيث يميل إلى السواد بقرينة مقابلته للأصفر في النصوص ، فيكون المراد من كل منهما ما يعم الآخر.
(2) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ، إن دم الاستحاضة بارد وإن دم الحيض حارّ) (5) وقد تقدم في خبر حفص : (إن دم الحيض حار) (6).
(3) لخبر حفص المتقدم : (له دفع وحرارة) وموثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه السلام : (دم الحيض ليس به خفاء ، هو دم حارّ تجد له حرقة) (7).
ص: 194
عند خروجه (غالبا) (1) قيّد بالغالب ليندرج فيه (2) ما أمكن كونه حيضا (3) ، فإنه يحكم به (4) وإن لم يكن كذلك (5) كما نبّه عليه بقوله : (ومتى أمكن كونه) (6) أي
______________________________________________________
(1) للتنبيه على أنه قد يجي ء بغير هذه الصفات في أيام العادة ومع ذلك يكون حيضا ، وقد يجي ء في هذه الصفات في أيام طهرها يحكم عليه بالاستحاضة.
(2) في الحيض الموصوف بالصفات السابقة.
(3) هو الدم المحكوم عليه بالحيضية لقاعدة كل دم أمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
(4) بكونه حيضا.
(5) أي وإن لم يكن بهذه الصفات المعروفة.
(6) هذه هي قاعدة الإمكان والبحث فيها من جهتين تارة من ناحية معناها وأخرى من ناحية الدليل عليها.
أما الجهة الأولى : فليس معنى الإمكان هنا هو الاحتمال المقابل للظن ولا الإمكان الخاص ، بل المراد هو الإمكان العام بمعنى سلب الضرورة عن الطرف المقابل ، فيكون المعنى : كل دم لا يسلب عنه الحيض بالضرورة فهو حيض.
وأما الجهة الثانية : فاستدل على هذه القاعدة بالأصل بمعنى أن الغالب في النساء هو الدم الطبيعي المخلوق فيهن لتغذية الولد بخلاف الاستحاضة وغيرها فلا تكون إلا لآفة ، بل الأصح أن هذه القاعدة مما قد دلت عليها الأخبار منها : خبر يونس بن يعقوب : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ، قال : تدع الصلاة) (1) وخبر سماعة : (سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت) (2) وخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام : (أيّ ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر) (3) وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : - إلى أن قال - : وفي المرأة ترى الدم في أول النهار في شهر رمضان أتفطر أم تصوم؟ قال عليه السلام : تفطر ، إنما فطرها من الدم) (4) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على التحيض بمجرد الدم ، فهي تدل على أن كل دم يمكن أن يكون حيضا شرعا بلا أي محذور فهو حيض ، وعليه فالقاعدة متصيّدة.
ص: 195
الدم(حيضا) بحسب حال المرأة (1) بأن تكون بالغة غير يائسة ، ومدّته بأن لا
______________________________________________________
(1) شروع في قيود إمكان كون الدم حيضا ، وهذه القيود تارة بحسب المرأة وأخرى بحسب حال الدم ، أما بحسب المرأة فأن تكون بالغة غير يائسة لما تقدم من كون الدم فيما دون التسع ليس بحيض ولما تقدم أن اليائسة لا ترى حيضا. وأما بحسب الدم فهو تارة بحسب مدته وأخرى بحسب دوامه وثالثة بحسب أوصافه ورابعة بحسب محل خروجه.
أما مدته : فأن لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة وقد تقدم.
وأما دوامه : فيشترط فيه التوالي في الأيام الثلاثة الأولى وقد تقدم الخلاف فيه.
وأما صفاته : فهو أن يكون بصفات الحيض من كونه أسود أو أحمر يخرج بدفق وله حرارة وقد تقدم الكلام فيه.
وأما محله ، فهو خروجه من الجانب الأيسر ولذا ذهب المشهور لو اشتبه دم الحيض بدم القرحة فتستلقي على قفاها وتدخل إصبعها في الفرج فإن خرج الدم من الطرف الأيسر فهو حيض وإلا فمن القرحة اعتمادا على رواية الشيخ في التهذيب عن محمد بن يحيى مرفوعا عن أبان : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل ، لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة؟ فقال عليه السلام : مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة) (1).
وذهب ابن الجنيد والشهيد في الذكرى والدروس إلى عكس ذلك فلو خرج من الأيسر فهو من القرحة ومن الأيمن فهو حيض اعتمادا على نفس الرواية المروية في الكافي حيث قال عليه السلام : (فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة) (2) بل عن الذكرى أنه وجد كثيرا من نسخ التهذيب موافقا للكافي ، بل نقل عن ابن طاوس أنه وجد في بعض نسخ التهذيب الجديدة أن الحيض من الجانب الأيسر وقطع بأنه تدليس.
وذهب المحقق والشهيد الثاني والمقدس الأردبيلي وسيد المدارك إلى عدم اعتبار الجانب أصلا ، لإرسال الخبر واضطرابه ، ولجواز كون القرحة في الجانبين ، ولأن الحيض من الرحم وليس من جانب معيّن فيه ، وعن النراقي أن كل امرأة رأيناها
ص: 196
ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ، ودوامه كتوالي الثلاثة ، ووصفه كالقوي مع التمييز (1) ، ومحلّه كالجانب إن اعتبرناه ، ونحو ذلك (2)
______________________________________________________
وسألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج ، مع أن في الجواهر قال : «بل المحكي عن كثير من النساء العارفات أن الحيض مخرجه من ذلك» أي من الجانب الأيسر ، والله العالم بذلك. ومما تقدم فلو اعتبرنا الجانب فلا بدّ من أن يكون الدم من الجانب المعتبر حتى يحكم بكونه حيضا.
(1) بالصفات.
(2) من مضيّ أقل الطهر على الحيضة السابقة وعدم كونها حاملا ، أما الأول : فأقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد ، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم) (1) ومرسل يونس : (أدنى الطهر عشرة أيام - إلى أن قال : ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام) (2).
ولا حدّ لكثيرة بالاتفاق إلا من أبي الصلاح فإنه لا يتجاوز ثلاثة أشهر ، وقال عنه العلامة في المنتهى أنه شاذ.
وأما الثاني : وهو اجتماع الحيض مع الحمل ففيه أقوال :
أنه يجتمع وفي المدارك أنه مذهب الأكثر وعن جامع المقاصد أن المشهور للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ فقال عليه السلام : نعم ، إن الحبلى ربما قذفت بالدم) (3) وصحيح ابن الحجاج : (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل ، كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر ، هل تترك الصلاة؟ قال عليه السلام : تترك الصلاة إذا دام) (4) وصحيح صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام ، تصلي؟ قال عليه السلام : تمسك عن الصلاة) (5) وعن الشيخ في النهاية والاستبصار والمحقق في المعتبر وسيد المدارك وجماعة أنه يمكن الاجتماع بشرط أن يكون الحيض في زمن عادتها ، أو مع التقدم قليلا ، أما إذا تأخر الدم عن عادتها عشرين يوما فهو استحاضة لصحيح الحسين بن نعيم الصحاف : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن أم ولدي ترى الدم وهي حامل ، كيف تصنع بالصلاة؟ فقال عليه السلام لي : إذا رأت الحامل -
ص: 197
(حكم به) (1). وإنما يعتبر الإمكان (2)
______________________________________________________
- الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصلي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنه من الحيضة) (1). وهذا الشرط مما يجب العمل به لصحة الخبر.
وعن ابن الجنيد والمفيد والمحقق والبهبهاني منع اجتماع الحيض مع الحمل مطلقا لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل ، يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة) (2) وصحيح حميد بن المثنى : (سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين ، فقال عليه السلام : تلك الهرّاقة ليس تمسك هذه عن الصلاة) (3). والأخير ظاهر في الاستحاضة لأن الحيض لا يكون دفقة أو دفقتين ، وأما خبر السكوني فلا يقاوم هذه الأخبار الكثيرة فلا بد من حمله على التقية أو رده لأهله وعن الشيخ في الخلاف وابن إدريس منع الحيض مع الحمل إذا استبان وادعى عليه الشيخ الإجماع ولخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (سألته عن الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة من الدم ، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء) (4) وخبر أبي المغراء : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة ، إن كان دما كثيرا فلا تصلّين ، وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين) (5).
واشتراط الاستبانة لم تقع في كلام المعصوم حتى يؤخذ به وإنما وقع في كلام السائل وهو لا يدل على كونه شرطا في الحكم.
(1) أي بكونه حيضا.
(2) قد تقدم أن كل دم أمكن أن يكون حيضا بحيث يكون مستجمعا لشرائط الحيضية مع -
ص: 198
بعد استقراره (1) فيما يتوقف عليه (2) كأيام الاستظهار (3) فإن الدم فيها (4) يمكن كونه حيضا ، إلا أن الحكم به (5) موقوف على عدم عبور العشرة ، ومثله القول في أول رؤيته (6) مع انقطاعه قبل الثلاثة.
______________________________________________________
- ارتفاع الموانع عنه لا بدّ أن يحكم بكونه حيضا ، إلا إذا احتمل حصول كاشف فيما بعد يدل على أنه ليس بحيض ، فلا يحكم عليه بالحيضية بل لا بدّ من التربص إلى ظهور الكاشف فإن ظهر وإلا حكم عليه بأنه حيض ، وهذا له موردان.
الأول : إذا تجاوز الدم عن أيام العادة وكان بصفات الحيض فلا يحكم عليه بالحيضية لاحتمال أن يكون استحاضة إذا تجاوز العشرة ، فلا بد من التربص إلى ظهور الكاشف وهو تجاوزه عن العشرة ، وهذا التربص يسمى بأيام الاستظهار فإن تجاوز فلا يحكم على الزائد عن أيام العادة بأنه حيض وإلا فيكون حيضا.
الثاني : عند أول رؤية الدم للمبتدئة فيحتمل أن لا يتوالى في الأيام الثلاثة الأولى ، فلا بد من التربص إلى ظهور الكاشف وهو عدم التوالي ، فإن لم يتوال فليس بحيض وإلا فيكون حيضا.
(1) أي بعد استقراره في نفس الأمر ، وإلا فما قبل ظهور الكاشف فهو احتمال ليس إلا.
(2) أي فيما يتوقف الإمكان المستقر عليه وهو عدم ظهور الكاشف على أنه ليس بحيض.
(3) تمثيل للموصول.
(4) في أيام الاستظهار.
(5) أي بكونه حيضا.
(6) بالنسبة للمبتدئة فقط ، هذا واعلم أن الأصحاب قد اختلفوا في أيام الاستظهار فمن انقضت أيام عادتها واستمر معها الدم ، فنسب إلى عامة المتأخرين استحباب الاستظهار ، وعن مجمع الفائدة والمعتبر والذخيرة التخيير بين الاستظهار وعدمه ، وعن الشيخ وابن إدريس والسيد وابن حمزة والعلامة وجوب الاستظهار ، ثم اختلفوا في الاستظهار أنه بيوم أو يومين أو ثلاثة أو إلى تمام العشرة ، كل ذلك تبعا لاختلاف الأخبار.
فمن الأخبار الدالة على الاستظهار مرسل ابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر ، فإذا كانت أقلّ استظهرت) (1) وخبر يونس بن
ص: 199
.................................................................................................
______________________________________________________
- يعقوب : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : تجلس النفساء أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلي) (1).
ومن الأخبار الدالة على الاستظهار بيوم واحد موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها ، قال عليه السلام : إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ، ثم هي مستحاضة) (2) ومرسل داود مولى أبي المغراء عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم ، فقال : تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيام ، فإن استمرّ الدم فهي مستحاضة ، وإن انقطع الدم اغتسلت وصلت) (3) ومن الأخبار الدالة على الاستظهار بيومين صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (قلت له : النفساء متى تصلي؟ قال عليه السلام : تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت) (4).
ومن الأخبار الدالة على الاستظهار بثلاثة أيام موثق سماعة : (فإن كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها) (5) ومن الأخبار الدالة على الاستظهار بيوم أو يومين خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال : تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة) (6).
ومن الأخبار الدالة على الاستظهار بيومين أو ثلاثة صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال عليه السلام : تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي) (7).
ومن الأخبار الدالة على الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام : (سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال : تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة) (8).
ومن الأخبار الدالة على الاستظهار إلى تمام العشرة موثق يونس بن يعقوب : (قلت -
ص: 200
.................................................................................................
______________________________________________________
- لأبي عبد الله عليه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها ، متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال : تنتظر عدتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة) (1).
واختلاف الأخبار في مدة الاستظهار دليل على استحبابه بيوم أو يومين أو ثلاثة أو إلى تمام العشرة ، هذا مع أن أخبار تمام العشرة يمكن حملها على الاستظهار بثلاثة أيام باعتبار أن الغالب في عادة النساء هي سبعة أيام.
وهذه الأخبار محمولة على ما لو ظنت انقطاع الدم على العشرة فما دون ، أما لو علمت بتجاوز العشرة فتقتصر على أيام عادتها حائضا والباقي مستحاضة جمعا بين أخبار الاستظهار وأخبار الاقتصار على العادة وهي كثيرة منها : موثق إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه السلام : (في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها ، قال عليه السلام : إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة ، قالت : فإن الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال عليه السلام : تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين) (2). وموثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (المرأة المستحاضة التي لا تطهر تغتسل؟ قال عليه السلام : المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر - إلى أن قال - : ولا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلا أيام حيضها) (3).
هذا واعلم أن الحائض إن علمت بالنقاء بعد انقضاء عادتها اغتسلت وصلت ، وإن احتملت بقاء الدم يجب عليها الاستبراء واستعلام الحال بأن تدخل قطنة وتصبر عليها قليلا فإن خرجت وهي نقية فتغتسل وتصلي وإلا فإن احتملت الانقطاع إلى العشرة فما دون فتستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة وإن لم تحتمل الانقطاع فتعمل عمل المستحاضة.
والأخبار الدالة على الاستبراء كثيرة منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئا فلتغتسل) (4) ، ظاهر في كون الاستبراء للإرشاد في تحصيل -
ص: 201
(ولو تجاوز) الدم(العشرة فذات العادة الحاصلة باستواء) الدم(مرتين) (1) أخذا وانقطاعا (2) ، سواء أكان في وقت واحد (3) ، بأن رأت في أول شهرين سبعة مثلا ، أم في وقتين (4) كأن رأت السبعة في أول شهر وآخره ، فإن السبعة تصير عادة وقتية وعددية في الأول ، وعددية في الثاني ، فإذا تجاوز عشرة (5) (تأخذها) أي العادة فتجعلها حيضا(6).
______________________________________________________
- النقاء لئلا يظهر الدم فيلغى الاغتسال ، فما عن البعض من وجوب الاستبراء ليس في محله.
(1) العادة تتحقق برؤية الدم مرتين متماثلتين بلا خلاف معتد به للأخبار منها : موثق سماعة : (سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض - إلى أن قال - : فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها) (1) ومرسلة يونس : (فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا ، تعمل عليه وتدع ما سواه ، وتكون سنتها فيما يستقبل إن استحاضت - إلى أن قال - : وإنما جعل الوقت أن توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للتي تعرف أيامها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول : دعي الصلاة أيام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا) (2) فما عن بعضهم ولم يعرف الاكتفاء بالمرة ضعيف جدا.
(2) أي استوى الدم أخذا وانقطاعا بحسب العدد ، وهذا يشمل الوقتية العددية والعددية
(3) فهي الوقتية العددية.
(4) فهي العددية فقط.
(5) تكرار لقول الماتن ، أعاده لطول الفصل ليرتبط الكلام بعضه ببعض.
(6) ما تراه المرأة من الدم أيام عادتها أو قبلها بقليل ولم يتجاوز العشرة فالمجموع حيضا بلا خلاف للأخبار منها : موثق سماعة : (فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة) ((3) وموثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام : (المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيام) (4) وإذا تجاوز فتأخذ عادتها حيضا والباقي استحاضة للأخبار منها : مرسلة داود العجلي عن أبي -
ص: 202
والفرق بين العادتين الاتفاق على تحيّض الأولى برؤية الدم (1) ، والخلاف في الثانية (2) فقيل : إنها فيه كالمضطربة لا تتحيض إلا بعد ثلاثة والأقوى أنها كالأولى (3).
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام : (سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم فقال : تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيام فإن استمر الدم فهي مستحاضة) (1) ومرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام : (وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض) (2) وقد تقدم الكثير من الأخبار في الاستظهار.
(1) أي تتحيض الوقتية بمجرد رؤية الدم وإن لم يكن بصفات الحيض للأخبار منها : صحيح الحسين بن نعيم الصحاف عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة) (3) وموثق سماعة : (عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، قال عليه السلام : فلتدع الصلاة ، فإنه ربما تعجل بها الوقت) (4). وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، فقال عليه السلام : لا تصل حتى تنقضي أيامها) (5) ومرسلة يونس : (لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض - إذا عرفت - حيضا) (6).
(2) أي في العادة العددية ، فعن جماعة منهم المحقق في الشرائع أنها تتحيض بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الحيض لأخبار الصفات منها : خبر حفص البختري : (إن دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة) (7) ولقاعدة الإمكان المتقدمة.
وذهبت جماعة منهم السيد وابن الجنيد إلى أن علمها بالعدد فقط مما لا تأثير له في الحكم بالتحيض فلا بد أن تكون كالمضطربة والمبتدئة.
(3) كالوقتية لأخبار الصفات ، هذا وقد ألحقها الشارح بالمضطربة عند البحث في أحكام -
ص: 203
ولو اعتادت (1) وقتا خاصا - بأن رأت في أول شهر سبعة ، وفي أول آخر ثمانية -
______________________________________________________
- الحيض كما سيأتي ، ثم إن المضطربة هي الناسية للعادة بحيث كانت لها عادة ثم اضطرب عليها الدم وقد نسيت عادتها كما عن المحقق في الشرائع والعلامة وتبعه من تأخر ، وفسرها في المعتبر بمن لم تستقر لها عادة وجعل الناسية للعادة قسيما لها وهي تتحيض بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الحيض لأخبار الصفات المتقدمة ، فما عن الشهيد الاكتفاء بالظن فإن ظنت تحيضت وإلا فلا لأصالة عدم الحيض لا معنى له بعد كون أخبار الصفات حاكمة في البين. وأما المبتدئة فتتحيض بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الدم على المشهور للأخبار منها : مضمرة سماعة : (سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء ، قال عليه السلام : فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة) (1) وموثق ابن بكير : (في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة ، إنها تنظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة) (2).
وعن جماعة منهم الكليني والحلي في السرائر والمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة التفصيل بين الأيام الثلاثة الأولى فلا تتحيض ، وبين ما بعدها فتتحيض للقطع بكونه حيضا ، والأخبار السابقة حجة عليهم.
هذا واعلم أن الأخبار غير صريحة في تقسيم الحائض إلى ذات العادة وغيرها ، وأن ذات العادة تارة تكون عادتها وقتية وأخرى عددية وثالثة وقتية عددية وأن غيرها إما مضطربة وإما مبتدئة وإنما الموجود يدل على ذات العادة الوقتية وعلى المبتدئة وعلى المضطربة وأما العددية فلا يوجد خبر ظاهر في ذلك.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالوقتية تتحيض بمجرد رؤية الدم وإن لم يكن بصفات الحيض إذا دخل وقتها ، بل وكذا لو تعجل عليها بيوم أو يومين للأخبار التي تقدم بعضها ، وأما غيرها فتتحيض سواء كانت عددية أو مضطربة أو مبتدئة برؤية الدم إذا كان بصفات الحيض لأخبار الصفات وقد تقدم بعضها ، ولذا ترى أن الشارح ألحق المضطربة بالعددية كما هنا ، وبالمبتدئة كما في أحكام الحيض.
(1) أي المضطربة ، اعلم أن المضطربة بناء على تفسيرها بمن لم تستقر لها عادة إما أن -
ص: 204
فهي مضطربة العدد لا ترجع إليه (1) عند التجاوز (2) ، وإن أفاد الوقت تحيّضها برؤيته فيه (3) بعد ذلك (4) كالأولى (5) إن لم نجز ذلك للمضطربة (6).
(وذات التمييز) (7) وهي التي ترى الدم نوعين أو أنواعا(تأخذه) بأن تجعل القويّ حيضا ، والضعيف استحاضة(بشرط عدم تجاوز حدّيه) قلة وكثرة (8) ، وعدم قصور الضعيف (9) ، وما يضاف إليه (10) من أيام النقاء عن أقلّ الطهر ، وتعتبر القوة بثلاثة (11) : «اللون» فالأسود قويّ الأحمر ، وهو قويّ الأشقر ، وهو قويّ
______________________________________________________
- تكون مضطربة في الوقت والعدد وإما أن تكون مضطربة في الوقت فقط وإما أن تكون مضطربة في العدد فقط ، والأخيرة تتحيض بمجرد رؤبة الدم وإن لم يكن بصفات الحيض لأنها صاحبة عادة وقتية بخلاف القسمين السابقين فإنها تتحيض برؤية الدم إن كان بصفات الحيض لأخبار الصفات.
(1) إلى العدد.
(2) أي تجاوز الدم عشرة أيام ، ولا ترجع إليه لعدم ضبطه.
(3) أي برؤية الدم في ذلك الوقت.
(4) أي بعد هذا الشهر من الأشهر المقبلة فتكون ذات عادة وقتية لتكرره شهرين فصاعدا.
(5) أي تكون المضطربة حينئذ كذات العادة الوقتية تتحيض بمجرد رؤية الدم وإن لم يكن بصفات الحيض.
(6) أي لم نجز التحيض للمضطربة بمجرد رؤية الدم ، بناء على إلحاقها بالمبتدئة وبناء على أن حكم المبتدئة لا تتحيض إلا بعد ثلاثة أيام كما هو قول جماعة وقد تقدم.
(7) أي صاحبة الدم المتميز بأن رأت نوعين من الدم أو أكثر كل واحد متميز عن الآخر ولم تكن ذات عادة ، فما شابه دم الحيض من صفاته الثابتة له فهو حيض ، وما شابه دم الاستحاضة في صفاته الثابتة له فهو استحاضة ، لأخبار الصفات التي تقدم بعضها.
(8) أي بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على العشرة.
(9) بحيث كان القوي أولا ثم ضعف الدم ثم صار قويا فيحكم بحيضيّة القوي في كلا الطرفين بشرط عدم قصور الضعيف عن العشرة لأنها أقل الطهر.
أما لو كان القوي ثلاثة أيام ثم صار أصفر يومين ثم صار قويا كما كان ثلاثة أيام فلا يحكم بحيضية الطرفين لقصور الضعيف عن أقل الطهر بل يحكم على الجميع بأنه حيض لعدم زيادة ما رأته عن أكثر الحيض.
(10) إلى الضعيف.
(11) باللون والرائحة والقوام ، وفيه : إن الأخبار لم تذكر الرائحة كما صرح بذلك غير -
ص: 205
الأصفر ، وهو قويّ الأكدر. و «الرائحة» فذو الرائحة الكريهة قويّ ما لا رائحة له ، وماله رائحة أضعف. و «القوام» فالثخين قويّ الرقيق ، وذو الثلاث (1) قويّ ذي الاثنين ، وهو قويّ ذي الواحد ، وهو قويّ العادم. ولو استوى العدد (2) وإن كان مختلفا فلا تمييز(3).
(و) حكم(الرّجوع) ، إلى التمييز ثابت(في المبتدأة) (4) بكسر الدال
______________________________________________________
- واحد ، نعم ذكرت الخروج دفقا والحرارة فكان على الشارح ذكرهما.
(1) أي الدم ذي اللون والرائحة والقوام أقوى من الدم الفاقد لواحد منها.
(2) بأن كان في أحد الدمين وصف وفي الآخر وصف آخر.
(3) قال في الجواهر عن هذه الترجيحات : «وفي اعتبار شي ء من ذلك مما لا يرجع إلى النصوص نظر وتأمل» وعليه فالمدار على اللون والحرارة والدفق.
(4) المبتدئة بكسر الدال اسم فاعل بمعنى التي ابتدأت الحيض ، ويجوز الفتح ليصير اسم مفعول بمعنى أن الحيض ابتدأ فيها ، والمبتدئة هل تختص بمن رأت الدم مرة واحدة ، أو تشمل كل من لم يستقر لها عادة ، ذهب المحقق في المعتبر إلى الأول وعليه فتكون المضطربة هي الأعم ممن لم يستقر لها عادة ومن الناسية لعادتها.
وذهب غيره إلى الثاني فتكون المضطربة هي خصوص الناسية للعادة ، وذهب سيد المدارك إلى أن الخلاف لفظي باعتبار أن حكم الجميع هو التحيض بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الحيض.
ويرده أن غير المستقرة وهي التي رأت الدم شهورا أو سنين ولم يستقر لها عادة تأخذ حكم المضطربة من الرجوع إلى الصفات ، ومع فقدها ترجع إلى الروايات بناء على قول المحقق في المعتبر.
وهي تأخذ حكم المبتدأة فترجع إلى الصفات ومع فقدها فترجع إلى عادة نسائها فإن اختلفن فترجع إلى عادة أقرانها على قول ، وإن اختلفن فترجع إلى الروايات على المشهور.
ثم إن المبتدئة قد عرفت تحيضها بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الحيض ، فإذا توقف على العشرة فما دون فالكل حيض ، وإن استمر الدم وتجاوز العشرة فما كان بصفات الحيض فهو حيض وما كان بصفات الاستحاضة فهو استحاضة لأخبار الصفات وهذا هو مقصود الشارح عند قوله بالرجوع إلى التمييز ، بشرط أن لا ينقص ما جعلته حيضا عن ثلاثة أيام ولا يزيد على العشرة ، وبشرط عدم قصور الضعيف مع النقاء عن أقل الطهر إذا كان المحكوم بالحيضية على حاشيتي الضعيف. -
ص: 206
.................................................................................................
______________________________________________________
فإن فقدت الصفات بأن كان الدم كله لونا واحدا ، أو اختلف اللون إلا أن الواجد للصفات لم يحرز شرطي الحيض المتقدمين ، فترجع إلى عادة أقاربها في عدد الأيام لمضمرة سماعة : (سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها؟ فقال : أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة) (1) وخبر زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم) ((2).
بلا فرق بين الحيّة منهن والميتة ولا بين المساوية في السن وغيرها ، ولا بين البلدية وغيرها للعموم ، وخالف الشهيد في الذكرى واعتبر اتحاد البلد محتجا بأن للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة.
كما أنه لا فرق بين أقارب الأب وأقارب الأم لصدق نسائها الوارد في الخبر على الجميع ، وذهب الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والمحقق في الشرائع والمعتبر إلى اشتراط اتفاق جميع النساء في العادة حتى ترجع إليهن ، وعن الشهيد في الذكرى الاكتفاء بالغالب فيهن لتعذر اتفاق الجميع.
ثم إن اختلفت عادة أقاربها ترجع إلى عادة أقرانها ممن هنّ في سنها على المشهور ، وقد اعترف أكثر من واحد بعدم الدليل عليه إلا الظن بالمساواة بينهن ، ويؤيده مرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم ، فيكون حيضها عشرة أيام فلا تزال كل ما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام) (3) وهي ظاهرة في توزيع الأيام على الأعمار.
ولما يوجد في بعض النسخ من تبديل الهمزة في أقرائها ، بالنون في رواية زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ، فيكون اللفظ (فتقتدي بأقرانها) ، وكذا تبديل الهمزة بالنون في موثق سماعة فيكون اللفظ : (أقراؤها مثل أقران نسائها).
مع أن الظن هنا لا يفيد حكما ، وتبديل اللفظ في خبر زرارة وابن مسلم وموثق سماعة لا يلتفت إليه ما دام السياق وأكثر النسخ خصوصا المصححة على أقرائها. -
ص: 207
وفتحها ، وهي من لم يستقر لها عادة ، إما لابتدائها (1) ، أو بعده مع اختلافه (2) عددا ووقتا(والمضطربة) وهي من نسيت عادتها وقتا ، أو عددا ، أو معا. وربّما أطلقت على ذلك (3) وعلى من تكرر لها الدم مع عدم استقرار العادة (4) ، وتختص المبتدأة على هذا (5) بمن رأته أول مرة ، والأول أشهر (6).
وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم الثاني من المبتدأة (7) إلى عادة أهلها (8) وعدمه (9). (ومع فقده) أي فقد التمييز بأن اتحد الدم المتجاوز لونا وصفة ، أو اختلف ولم تحصل شروطه (تأخذ المبتدأة عادة أهلها) وأقاربها من الطرفين ، أو أحدهما كالأخت والعمة والخالة وبناتهن ، (فإن اختلفن) في العادة وإن غلب بعضهن(فأقرانها) وهنّ من قاربها في السن عادة. واعتبر المصنف في كتبه الثلاثة (10) فيهن وفي الأهل اتحاد البلد لاختلاف الأمزجة باختلافه ، واعتبر في الذكرى أيضا الرجوع إلى الأكثر عند الاختلاف وهو أجود ، وإنما اعتبر في الأقران الفقدان دون الأهل لإمكانه فيهن دونهن (11) ، إذ لا أقلّ من الأم لكن قد
______________________________________________________
- ثم على القول بالرجوع إلى أقرانها فقد اشترط الشهيد اتحاد البلد أيضا لأن للبلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة ، وفيه إنه استحسان ظني لا يصلح أن يكون مستندا للحكم.
ثم على القول بالرجوع إلى أقرانها فإن اختلفن فترجع إلى الروايات ، وكذا على القول بعدم الرجوع إليهن فترجع إلى الروايات وسيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.
(1) أي ابتدائها برؤية الدم.
(2) اختلاف الدم.
(3) أي على الناسية.
(4) وهو قول المحقق في المعتبر.
(5) أي هذا الإطلاق الأخير.
(6) مع أنه لم ينقل الشارح في الروض خلافا إلا عن المحقق ، فالأولى القول : والأول مشهور.
(7) وهي التي لم يستقر لها عادة وهي المسماة بالمتحيرة.
(8) على قول المشهور.
(9) أي عدم الرجوع على قول المحقق.
(10) الذكرى والدروس والبيان.
(11) أي لإمكان الفقدان في الأقران بحيث كانت تعيش في بلاد نائية ، مع أنه لا يمكن -
ص: 208
يتفق الفقدان بموتهن وعدم العلم بعادتهن ، فلذا عبّر في غيره (1) بالفقدان ، والاختلاف فيهما.
(فإن فقدن) الأقران ، (أو اختلفن فكالمضطربة في) (2) الرجوع إلى
______________________________________________________
- الفقدان في الأهل إذ كل بنت لها أم على الأقل فترجع إلى أمها ، ولذا رتب أكثر من واحد الاختلاف على الأهل والفقدان على الأقران ، ومنهم المصنف هنا.
وفيه : المدار على العلم بعادة أهلها فقد يموت الجميع قبل وعيها ولا تستطيع أن تعلم بعادتهن فالفقدان الحكمي متحقق في الأهل كما يتحقق الفقدان في الأقران ، ولذا رتب الفقدان عليهما كل من الشيخ في المبسوط والعلامة في القواعد وابني حمزة وإدريس وجماعة.
(1) أي فلذا عبّر المصنف في غير الأهل بالفقدان ، وعبّر بالاختلاف في الأهل والأقران.
(2) قد عرفت أن المضطربة تتحيض بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الحيض لأخبار الصفات ، فإن لم يتجاوز العشرة فكله حيض ، وإن تجاوز فما كان من صفات الحيض فهو حيض وما كان من صفات الاستحاضة فهو استحاضة لأخبار الصفات ، بشرط أن يكون ما جعلته حيضا حائزا على شرائط الحيض من عدم نقصه على الثلاثة وعدم تجاوزه العشرة ، وكون الوسط أو النقاء المتخلل بين الدمين مع ما أضيف إلى الدم لا يتجاوز العشرة إذا كان محفوفا بالدم من جانبيه.
وعن أبي الصلاح أنها ترجع إلى النساء ثم إلى التمييز بالصفات ، وعن ابن زهرة أنها لا تلتفت إلى شي ء بل تتحيض بعشرة أيام ، وهما ضعيفان كما في الجواهر إذ لا دليل لهما.
ثم على القول المشهور من التحيض بالتمييز فإن فقدته ترجع إلى الروايات ففي موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة؟ إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثم صلت فمكثت تصلي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام) (1) ومثله موثقه الآخر (2) وهي تدل على أنها تأخذ عشرة أيام من شهر وثلاثة أيام من شهر آخر وهكذا ، وفي مرسلة يونس الطويلة عن أبي عبد الله عليه السلام : (تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة -
ص: 209
الروايات ، وهي (أخذ عشرة) أيام(من شهر ، وثلاثة من آخر) مخيرة في الابتداء بما شاءت منهما ، (أو سبعة سبعة) من كل شهر ، أو ستة ستة مخيرة في ذلك (1) ، وإن كان الأفضل لها اختيار ما يوافق مزاجها (2) منها ، فتأخذ ذات المزاج الحار السبعة ، والبارد الستة ، والمتوسط الثلاثة والعشرة ، وتتخير في وضع ما اختارته حيث شاءت من أيام الدم (3) ، وإن كان الأولى الأول (4) ، ولا اعتراض للزوج في ذلك (5). هذا في الشهر الأول ، أما ما بعده (6) فتأخذ ما يوافقه وقتا.
وهذا إذا نسيت المضطربة الوقت والعدد معا ، أما لو نسيت أحدهما خاصة ، فإن كان الوقت (7)
______________________________________________________
- أيام - إلى أن قال «للتي اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون.» : ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون) (1) وبعضهم قال بالتخيير بين هذه الرواية وبين الروايات السابقة ، والذي يترجح في النظر هو حمل هذه على من استمر معها الدم وكانت مضطربة وتلك على المبتدئة كما هو ظاهرها ، وهناك أقوال كثيرة في المبتدئة والمضطربة أنهاها في كشف اللثام إلى أربعة عشر قولا ، وفي طهارة الشيخ إلى عشرين.
(1) للجمع بين الأخبار المتقدمة.
(2) ذهب العلامة في النهاية إلى الوجوب ، وذهب المحقق والشهيد وجماعة إلى التخيير وإن لم يوافق المزاج وقد عرفت حمل الأخبار المتقدمة فلا نعيد.
(3) ولا يشترط وضعه في أول الشهر كما ذهب إليه الشارح في الروض وجماعة ، وعن الأكثر وجوب وضعه في أول أيام الدم لظهور الروايات في ذلك.
(4) أي أول أيام الدم.
(5) لأن التخيير بيدها ، فلو اختارت لكانت حائضا ، ومع تحقق عنوان الحيض لا يجب عليها إطاعة الزوج في المواطأة.
(6) أي بعد الشهر الأول.
(7) فتكون ذاكرة للعدد ، فذهب المشهور إلى أنها تتخير في وضع عدد عادتها في أي وقت تشاء من الشهر ، وذهب الشيخ في المبسوط والعلامة في الإرشاد إلى أنها تعمل -
ص: 210
أخذت العدد كالروايات (1) أو العدد (2)
______________________________________________________
- في الزمان كله عمل المستحاضة وتغتسل للحيض في كل وقت تحتمل انقطاع الحيض فيه وتقضي بعد ذلك صوم عادتها ، للاحتياط لعدم تشخيصها الحيض في وقت خاص. وفيه : إن الناسية للوقت فقط ليست أسوأ حالا من الناسية للوقت والعدد ، مع أن الثانية ترجع إلى الصفات أو الروايات ولا يجب عليها الاحتياط فلم وجب الاحتياط على الأولى ، على أن هذا الاحتياط موجب للعسر والحرج المنفيين في الشريعة.
(1) أي تجعل عدد أيامها حيث شاءت من أيام الدم كما تتخير عند الأخذ في الروايات.
(2) بحيث تكون ذاكرة للوقت ، وهنا أربع مسائل :
الأولى : أن تذكر وقت أول الحيض بحيث تعلم أن أول الشهر هو أول حيضها ، فقد ذهب الشيخ في المبسوط وابن حمزة والشهيد في البيان والمحقق في المعتبر وجماعة إلى اكمال ما تذكره ثلاثة أيام لأنه أقل الحيض والباقي على الاستحاضة لأصالة شغل ذمتها بالعبادة.
وعن الشيخ في الخلاف أنها ترجع إلى الروايات فتكمل ما ذكرته بعدد مروي وهو السبعة فقط.
وعن الشهيد الثاني وجماعة أنها تتخير بإكمال ما ذكرته بعدد مروي من الستة أو السبعة أو العشرة والثلاثة لصدق الاضطراب والنسيان في حقها فتشملها أخبار المضطربة.
الصورة الثانية : أن تذكر وقت آخر الحيض فتجعله نهاية الثلاثة التي هي حيض قطعا وما قبل الثلاثة تعمل عمل المستحاضة كما عن جماعة ، وعن الشهيد أنها تكمل ما علمت آخره بعدد مروي من الستة أو السبعة أو العشرة والثلاثة.
الصورة الثالثة : أن تعلم وقت وسط الحيض وتعلم أنه محفوف بما قبله وبما بعده بالحيض ، فيكون ما قبله بيوم وما بعده بيوم مع ضميمته حيضا قطعا ويقتصر عليه كما عن جماعة ، أو يكمل بعدد مروي كما عن الشهيد الثاني. وعن البعض أنها لو اختارت الإكمال بإحدى الروايات فلا بد من اختيارها السبعة أو الثلاثة ليوافق الوسطية المحفوفة بالحيض من كلا الجانبين على نحو التساوي.
وفيه : إن المراد بالوسط هو ما بين الأول والأخير لا الوسط الحقيقي بحيث يكون هناك التساوي بين طرفيه.
الصورة الرابعة : أن تعلم أن هذا اليوم من أيام حيضها من غير معرفة أوليته أو وسطيته أو آخريته للحيض ، فتجعله حيضا مع إكماله بيومين فيكون المجموع حيضا على نحو القطع ويجري فيه الخلاف المتقدم.
ص: 211
جعلت ما تيقن من الوقت حيضا أولا (1) ، أو آخرا (2) ، أو ما بينهما (3) وأكملته بإحدى الروايات على وجه يطابق ، فإن ذكرت أوله أكملته ثلاثة متيقنة وأكملته بعدد مروي ، أو آخره تحيّضت بيومين قبله متيقنة وقبلهما تمام الرواية ، أو وسطه المحفوف بمتساويين ، وأنه يوم حفّته بيومين واختارت رواية السبعة لتطابق الوسط ، أو يومان حفّتهما بمثلهما ، فتيقنت أربعة واختارت رواية الستة فتجعل قبل المتيقن يوما وبعده يوما ، أو الوسط بمعنى الأثناء مطلقا حفّته بيومين متيقنة ، وأكملته باحدى الروايات متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق. ولا فرق هنا (4) بين تيقن يوم وأزيد ، ولو ذكرت عددا في الجملة (5) فهو المتيقّن خاصة ، وأكملته بإحدى الروايات قبله أو بعده أو بالتفريق ، ولا احتياط لها (6) بالجمع بين التكليفات (7) عندنا (8) ، وإن جاز فعله (9).
(ويحرم عليها) أي على الحائض مطلقا (10) (الصلاة) (11)
______________________________________________________
(1) الصورة الأولى.
(2) الصورة الثانية.
(3) الصورة الثالثة.
(4) في الوسط بمعنى مطلق الأثناء.
(5) الصورة الرابعة.
(6) إشارة إلى خلاف الشيخ والعلامة المتقدم بالنسبة لناسية الوقت من حكمهما بالاحتياط عليها فتعمل عمل المستحاضة وتغتسل للحيض في كل وقت تحتمل فيه انقطاع دم الحيض مع قضاء صوم عادتها.
(7) تكليف تروك الحائض وتكليف عمل المستحاضة.
(8) لأنها ليست بالأسوإ حالا من الناسية للوقت والعدد معا.
(9) أي الجمع.
(10) سواء كان حيضها يقينا أو بحكم الحيض ، وسواء كان حيضها باعتبار العادة أو التمييز أو الرجوع إلى أهلها أو أقرانها أو الروايات.
(11) بل كل ما يشترط فيه الطهارة كالصلاة والصوم والطواف والاعتكاف ، ويدل عليه أخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة) (1) وخبر الفضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (إذا حاضت المرأة -
ص: 212
واجبة ومندوبة (1) (والصوم وتقضيه) دونها (2) ، والفارق النص ، لا مشقتها بتكررها (3) ولا غير ذلك (4).
______________________________________________________
- فلا تصوم ولا تصلي) (1) وخبر علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : (في امرأة اعتكفت ثم إنها طمثت قال عليه السلام : ترجع ليس لها اعتكاف) (2).
(1) لإطلاق الخبر.
(2) أي وتقضي الصوم دون الصلاة للأخبار منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (سأله عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصيام ، فقال عليه السلام : ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان) (3) وخبر الحسن بن راشد : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الحائض تقضي الصلاة؟ قال عليه السلام : لا ، قلت : تقضي الصوم؟ قال عليه السلام : نعم ، قلت : من أين جاء هذا؟ قال عليه السلام : إن أول من قاس إبليس) (4) وحديث ابن شبرمة : (إن أبا عبد الله عليه السلام قال لأبي حنيفة : أيّما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال : الصلاة قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! فاتق الله ولا تقس) (5).
(3) أي مشقة الصلاة بتكرارها دون الصوم فإنه في السنة مرة.
(4) من الوجوه ، وقال الشارح في المسالك بعد ما أورد خبر ابن راشد المتقدم : (فلا معنى لتحمل الفرق بعد ذلك) وظاهر كلامه أن الفارق تعبدي كما صرّح بذلك في روض الجنان ، ولذا قال في الروض : «وقد تمحل للفرق بعضهم بأشياء مدفوعة بما أوردناه».
وفيه : إن الأخبار ، صرحت بأن الفارق هو المشقة كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قال : لأن الصوم إنما هو في السنة شهر ، والصلاة في كل يوم وليلة عليها ، فأوجب الله قضاء الصوم ولم يوجب عليها قضاء الصلاة لذلك) (6) وخبر علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري : (قال الفضل بن شاذان : إن سأل سائل فقال : أخبرني هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده -
ص: 213
(والطواف) الواجب والمندوب (1) ، وإن لم يشترط فيه (2) الطهارة لتحريم دخول المسجد مطلقا (3) عليها(ومسّ) كتابة(القرآن) (4)
______________________________________________________
- فعلا من الأفاعيل بغير علة ولا معنى ، قيل له : لا يجوز ذلك لأنه حكيم غير عابث ولا جاهل.
ثم سئل عن علل كثير من الأحكام وأجاب ببيانها.
ومنها : فإن قال : فلم صارت - أي الحائض - تقضي الصوم لا الصلاة؟ قيل : لعلل شتى : فمنها : ان الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها وإصلاح بيتها والقيام بأمورها والاشتغال بمرمة معيشتها والصلاة تمنعها من ذلك كله ، لأن الصلاة قد تكون في اليوم والليلة مرارا فلا تقوى على ذلك والصوم ليس كذلك.
ومنها : إن الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الأركان وليس في الصوم شي ء من ذلك ، وإنما هو الإمساك عن الطعام والشراب فليس فيه اشتغال الأركان.
ومنها : إنه ليس من وقت يجي ء إلا وقد تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها ، وليس الصوم كذلك ، لأنه ليس كلما حدث عليها يوم وجب الصوم ، وكلما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة - إلى أن قال - : سأله السائل عن هذه الوجوه من أين أخذها؟ فقال الفضل : ما كنت أعلم مراد الله تعالى مما فرض ولا مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما شرّع وسنّ ، ولا أعلّل من ذات نفسي ، قد سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام مرة بعد مرة والشي ء بعد الشي ء فجمعتها ، فقلت : فأحدث بها عنك عن الرضا عليه السلام؟ فقال : نعم) (1).
(1) لا خلاف في اشتراط الطهارة في الطواف الواجب ، وأما المندوب فقد ذهب الشهيدان إلى عدم اشتراطها فيه ، ومع ذلك يحرم عليها الطواف المندوب لحرمة دخولها المسجد الحرام مطلقا ولو للاجتياز.
وذهب العلامة في النهاية إلى اشتراط المندوب بالطهارة فيحرم عليها الطواف لفقدان شرطه ، وتتمة الكلام موكولة إلى محله إن شاء الله تعالى.
(2) في المندوب.
(3) ولو للاجتياز.
(4) على المشهور لقوله تعالى : ( لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (2) ، وذهب ابن الجنيد إلى الكراهة.
ص: 214
وفي معناه (1) اسم الله تعالى ، وأسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام كما تقدم.
(ويكره حمله) (2) ولو بالعلاقة (3) (ولمس هامشه) وبين سطوره (4) (كالجنب) (5).
(ويحرم) عليها(اللّبث في المساجد) (6) غير الحرمين (7) ، وفيهما يحرم
______________________________________________________
(1) معنى القرآن ، وكانت المذكورات الآتية في معناه من ناحية وجوب التعظيم ، ولذا ذهب جماعة منهم العلامة والشهيدان والمحقق الثاني إلى ذلك لوجوب التعظيم ، ولأن الحيض أعظم حدثا من الجنابة كما في خبر سعيد بن يسار ، الوارد في المرأة ترى الدم وهي جنب فقال عليه السلام : (قد أتاها ما هو أعظم من ذلك) (1) وعليه فكل ما يحرم على الجنب يحرم على الحائض.
(2) ذهب الأكثر إلى كراهة حمله لخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام : (المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ولا تمسّ خطه ولا تعلّقه ، إن الله تعالى يقول : ( لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (2). المحمول على الكراهة بالنسبة للتعليق للإجماع المدعى في المعتبر ، وذهب السيد المرتضى إلى الحرمة وهو ضعيف.
(3) ذهب العلامة إلى عدم الكراهة بالعلّاقة ، ورد عليه الشارح في الروض بأن ظاهر النص يتناوله.
(4) فذهب المشهور إلى الكراهة لخبر إبراهيم بن عبد الحميد المتقدم بدعوى أن مسّ ذلك مندرج في قوله : (لا تمسّه على غير طهر) وذهب السيد المرتضى إلى الحرمة.
(5) لم يذكر الماتن هذا الحكم سابقا في الجنب فلذا استدركه هنا بالتشبيه ، مع أن عموم النص السابق يشمله والخلاف جار فيه كما يجري في الحائض بين المشهور وعلم الهدى.
(6) لصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (قلنا له : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين ، إن الله تبارك وتعالى يقول : ( وَلٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ) (3) وذهب سلّار إلى ندبية اعتزالها للمسجد وهو ضعيف.
(7) المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : -
ص: 215
الدخول مطلقا كما مرّ ، وكذا يحرم عليها وضع شي ء فيها (1) كالجنب ، (وقراءة العزائم) (2)
______________________________________________________
- (الجنب والحائض يدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ، ولا يقربان المسجدين الحرمين) (1) وهو دال على حرمة الدخول ولو بالاجتياز.
(1) أي في المساجد وإن جاز الأخذ لصحيح ابن سنان : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال عليه السلام : نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا) (2).
(2) للأخبار منها : لصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : نعم ما شاءا إلا السجدة) (3) والأخبار لم تذكر إلا السجدة وهي ظاهرة في آية السجدة إلا أن الأصحاب قطعوا بتحريم السورة لما في المعتبر : (يجوز للجنب والحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع وهي : اقرأ باسم ربك والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة ، روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام) (4).
ولو قرأت أو سمعت آية السجدة فيجب عليها السجود على الأشهر لصحيح أبي عبيدة الحذاء : (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة؟ فقال : إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها) (5) وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (والحائض تسجد إذا سمعت السجدة) (6).
وعن المفيد والشيخ وابن زهرة وابن البراج عدم جواز السجود لصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ فقال عليه السلام : تقرأ ولا تسجد) (7) وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة) (8) وهما محمولان على التقية.
ص: 216
وأبعاضها(وطلاقها) (1) مع حضور الزوج أو حكمه (2) ودخوله بها (3) وكونها حائلا (4) ، وإلّا صح ، وإنما أطلق لتحريمه في الجملة ، ومحل التفصيل باب الطلاق ، وإن اعتيد هنا إجمالا.
(ووطؤها قبلا) (5)
______________________________________________________
(1) أي يحرم طلاقها ، ولو وقع لا يصح ، والحكم مختص بالحاضر أو من بحكمه وهو الزوج القريب منها بحيث يمكنه استعلام حالها أو الغائب من دون أن يعلم انتقالها عن الطهر الذي فارقها فيه بحسب عادتها الغالبة ، أو الغائب عنها دون الشهر كما عن الشيخ أو دون الثلاثة أشهر كما عن ابن الجنيد ، وسيأتي الكلام في هذه الأقوال في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى.
(2) حكم الحضور.
(3) وإلا فغير المدخول بها يصح طلاقها وإن كانت حائضا.
(4) أي غير حامل ، وإلا فلو كانت حاملا لصح طلاقها وإن كانت حائضا.
(5) أي يحرم وطؤها للأخبار منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (سألته عن الرجل أتى المرأة وهي حائض؟ قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي وسطه نصف دينار ، قلت : جعلت فداك يجب عليه شي ء؟ قال : نعم ، خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني لأنه أتى سفاحا) (1) وموثق هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض؟ قال عليه السلام : لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع) (2) وخبر عبد الملك بن عمرو : (سألت أبا عبد الله عليه السلام : ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال عليه السلام : كل شي ء ما عدا القبل منها بعينه) (3).
فما عن السيد من تحريم الاستمتاع بما بين السرة والركبة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سأله عن الحائض وما يحلّ لزوجها منها؟ فقال عليه السلام : تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ، ثم له ما فوق الإزار) (4) ولكن لا بد من حمله على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدم.
وإطلاق الأخبار يقتضي تحريم الوطء ولو بإدخال الحشفة وتحريم الوطء بين الدائمة والمتمتع بها والحرة والأمة ، وسواء كان الحيض قطعيا أم بحكم الحيض.
ص: 217
(عامدا عالما (1) فتجب الكفارة) (2) لو فعل (احتياطا) (3) لا وجوبا على الأقوى ، ولا كفارة عليها مطلقا (4) ، والكفارة(بدينار) أي مثقال ذهب خالص مضروب(في الثلث الأول ، ثم نصفه في الثلث الثاني ، ثم ربعه في الثلث الأخير) (5)
______________________________________________________
(1) أما مع عدم التعمد فلا يصدق أنه قد أتاها فلا تشمله الأخبار المتقدمة. وأما مع عدم العلم فلأن الجهل معذّر عقلا وشرعا.
(2) لخبر ابن مسلم المتقدم وخبر داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام : (في كفارة الطمث أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار وفي وسطه نصف دينار وفي آخره ربع دينار ، قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال عليه السلام : فليتصدق على مسكين واحد ، وإلا استغفر الله تعالى ولا يعود ، فإن الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة (1).
ولذا ذهب شهور القدماء إلى وجوب الكفارة ، إلا أن الشيخ في النهاية والمبسوط والعلامة والمحقق والشهيدان والمحقق الثاني وجماعة ذهبوا إلى الاستحباب جمعا بينها وبين صحيح العيص : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث؟ قال عليه السلام : لا يلتمس فعل ذلك ، وقد نهى الله تعالى أن يقربها ، قلت : فإن فعل ذلك أعليه كفارة؟ قال عليه السلام : لا أعلم فيه شيئا ، يستغفر الله) (2) وموثق زرارة عن أحدهما عليهما السلام : (عن الحائض يأتيها زوجها ، قال عليه السلام : ليس عليه شي ء يستغفر الله ولا يعود) ((3).
(3) قال الشارح في الروض : «ولا ريب أن الاحتياط طريق اليقين ببراءة الذمة».
(4) لا وجوبا ولا احتياطا سواء قيل بوجوب الكفارة على الزوج أم لا ، لأن الأخبار خصت الكفارة بالرجل ففي خبر ابن مسلم المتقدم : (يجب عليه في استقبال الحيض دينار) وفي خبر ابن فرقد المتقدم : (أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار).
(5) لخبر ابن فرقد المتقدم ، وهذا التقدير لكفارة مذهب المشهور ، وعن الصدوق في المقنع جعل الكفارة ما يشبع مسكينا لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يقع على امرأته وهي حائض ما عليه؟ قال عليه السلام : يتصدق على مسكين بقدر شبعه) (4) ، وهو محمول عندهم على ما لو عجز عن الكفارة بالتقدير الأول ويشهد له -
ص: 218
ويختلف ذلك (1) باختلاف العادة وما في حكمها من التميز والروايات ، فالأولان (2) أول لذات الستة ، والوسطان وسط والأخيران آخر ، وهكذا. ومصرفها مستحق الكفارة (3) ، ولا يعتبر فيه (4) التعدّد.
(ويكره لها قراءة باقي القرآن) (5)
______________________________________________________
ذيل خبر ابن فرقد المتقدم ، أما كون الدينار مثقالا شرعيا من الذهب الخالص فقد تقدم الكلام فيه في مبحث الكر وستأتي له تتمة في كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى.
ثم هل تجزي القيمة أم لا بد من صرف نفس الدينار ، ذهب جماعة منهم العلامة والشهيدان والمحقق الثاني إلى الاقتصار على نفس الدينار جمودا على ظاهر النص كما في سائر موارد الكفارات ، وعليه فلا عبرة بالقيمة ولا بغيرها لعدم تناول الاسم لهما ، وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن زهرة في الغنية إلى جواز الاكتفاء بالقيمة لأنه عند صدور النصوص لم يكن مضروبا إلا نفس الدينار ، أما نصفه وربعه فلا ، فكما جازت القيمة في النصف والربع فتجوز فيه.
(1) أي أول الحيض ووسطه وآخره.
(2) أي اليوم الأول والثاني.
(3) لأن مصرفها مصرف غيرها من الكفارات من أنها تعطي للفقراء والمساكين من أهل الإيمان بلا خلاف في ذلك كما في الجواهر ، كما أنه لا يشترط تعدد المعطى لإطلاق النصوص السابقة.
(4) أي في مستحق الكفارة.
(5) على المشهور لخبر السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام : (سبعة لا يقرءون القرآن - وعدّ منها - الجنب والنفساء والحائض) (1) وخبر الدعائم عن علي عليه السلام : (لا تقرأ الحائض قرآنا ولا تدخل مسجدا) (2) المحمول على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدم من النصوص الدالة على الجواز كخبر زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (الحائض والجنب ... هلي يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : نعم ما شاءا إلا السجدة) (3).
وعن ابن البراج تقييد الكراهة بالزائد عن السبع ، وعن سلّار القول بالحرمة.
ص: 219
غير العزائم من غير استثناء للسبع (1) (وكذا) يكره له (الاستمتاع بغير القبل) مما بين السّرّة والرّكبة (2) ، ويكره لها إعانته عليه (3) إلا أن يطلبه فتنتفي الكراهة عنها لوجوب الإجابة. ويظهر من العبارة كراهة الاستمتاع بغير القبل مطلقا (4) ، والمعروف ما ذكرناه.
(ويستحبّ) لها(الجلوس في مصلاها) (5) إن كان لها محل معد لها وإلا
______________________________________________________
(1) إشارة إلى خلاف ابن البراج ، حيث ألحقها بالجنب مع أن النص قد ورد في الجنب فقط وقد تقدم ، فإلحاق الحائض به قياس.
(2) قد تقدم.
(3) بناء على أن مقدمة المكروه مكروهة.
(4) سواء كان بين السرة والركبة أم لا.
(5) بل يستحب للحائض أن تتنظف وتبدل القطنة وتتوضأ في أوقات الصلاة وتقعد في مصلاها ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (وكنّ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقضين الصلاة إذا حضن ولكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة ويتوضأن ، ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن الله (عزوجل)) (1).
وصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ، ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله (عزوجل) وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها ، ثم تفرغ لحاجتها) (2) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القرآن وذكرت الله (عزوجل)) (3).
وعن الصدوق وجوب الوضوء عليها لظاهر الأخبار المتقدمة ، ولكن لا بد من الحمل على الاستحباب للسيرة ولما ورد بلفظ ينبغي كما في خبر زيد الشحام : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ، ثم تستقبل القبلة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلي) (4).
نعم قد ورد في صحيح الحلبي (5) المتقدم أن الجلوس بالقرب من مسجدها أي مسجد صلاتها وبهذا أفتى الشيخ المفيد ، وغيره جعل الاستحباب بالجلوس في مصلاها.
ص: 220
فحيث شاءت (1) (بعد الوضوء) المنوي به التقرب دون الاستباحة (2) (وتذكر الله تعالى بقدر الصلاة) (3) لبقاء التمرين على العبادة ، فإن الخير عادة.
(ويكره لها الخضاب) (4) بالحنّاء وغيره كالجنب ، (وتترك ذات العادة) المستقرة وقتا وعددا أو وقتا خاصا(العبادة) المشروطة بالطهارة(برؤية الدم) (5). أما ذات العادة العددية خاصة ، فهي كالمضطربة في ذلك كما سلف (6) (وغيرها) من المبتدأة والمضطربة(بعد ثلاثة) أيام احتياطا ، والأقوى جواز تركهما برؤيته أيضا (7) خصوصا إذا ظنّتاه حيضا ، وهو اختياره (8) في الذكرى ، واقتصر في الكتابين على الجواز مع ظنه خاصة (9).
______________________________________________________
(1) لإطلاق الأخبار ، ولكن يستحب أن تكون مستقبلة القبلة.
(2) لوجود الحدث المستمر المانع من دخول الصلاة.
(3) عند وقت الصلاة لا مطلقا.
(4) على المشهور لخبر للجمع بين خبر عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام : (سمعته يقول : لا تختضب الحائض ولا الجنب) (1) وخبر أبي جميلة عن أبي الحسن الأول عليه السلام : (لا تختضب الحائض) (2) وبين رواية سماعة : (سألت العبد الصالح عليه السلام عن الجنب والحائض أيختضبان؟ قال عليه السلام : لا بأس) (3) ومثله غيره فما عن الصدوق في الفقيه بعدم الجواز ليس في محله ، وعن المفيد في المقنعة تخصيص الحكم في اليد والرجل ، لا بشعورهن ، وعن المراسم تخصيص الحكم بالحناء ، والكل مدفوع بإطلاق الأخبار.
(5) قد تقدم أن ذات العادة الوقتية تتحيض بمجرد رؤية الدم وإن لم يكن بصفات الحيض.
(6) ما قد سلف هو إلحاق العددية بالوقتية لا بالمضطربة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فالحق أن غير الوقتية سواء كانت عددية أو مضطربة أو مبتدئة تتحيض بمجرد رؤية الدم إن كان بصفات الحيض ، وقد تقدم الكلام فيه مع الكلام على أدلة بقية الأقوال.
(7) أي جواز ترك المبتدئة والمضطربة العبادة برؤية الدم كذات العادة.
(8) أي التحيض بمجرد رؤية الدم.
(9) أي مع ظن الحيض.
ص: 221
(ويكره وطؤها) قبلا(بعد الانقطاع قبل الغسل على الأظهر) (1) خلافا
______________________________________________________
(1) بل على المشهور شهرة عظيمة للأخبار منها : موثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء) (1) وموثق علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام : (سألته عن الحائض ترى الطهر ، أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال عليه السلام : لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ إليّ) ((2).
ونسب للصدوق القول بالحرمة ، مع أن مراجعة قول الصدوق في الفقيه والهداية والمقنع يفيد أنه منع من الوطء قبل الغسل مع أنه قال : «إن كان زوجها شبقا أو مستعجلا وأراد وطأها قبل الغسل أمرها أن تغسل فرجها ثم يجامعها».
واستدل للمنع بالكتاب قال تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ ، فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (3) فعلى قراءة التخفيف كما عليه القراء السبعة كما في المدارك فيكون المعنى : حتى يخرجن من الحيض.
وعلى قراءة التشديد فلا يجوز المقاربة إلا بعد التطهير وهو الاغتسال ويؤيده قوله تعالى : ( فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) الظاهر في تعليق الإتيان بالاغتسال.
وردّ بأن التفعّل قد يأتي بمعنى فعل كقولهم : تبين وتبسم وتطعم أي بان وبسم وطعم ، ومن هذا الباب المتكبر من أسماء الله تعالى فإنه بمعنى الكبير ، وأما ذيل الآية فيحمل على تطهير الفرج لا على التطهير بمعنى الاغتسال ويؤيده الأخبار.
منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيامها ، قال عليه السلام : إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل) ((4).
واستدل للمنع بأخبار منها : موثق سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضأ من غير أن تغتسل ، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال عليه السلام : لا حتى تغتسل) (5) وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : لا حتى تغتسل) (6).
ص: 222
للصدوق - رحمه الله - حيث حرّمه ، ومستند القولين الأخبار المختلفة ظاهرا ، والحمل على الكراهة طريق الجمع ، والآية ظاهرة في التحريم (1) قابلة للتأويل (2).
(وتقضي كلّ صلاة تمكّنت من فعلها قبله) (3) بأن مضى من أول الوقت مقدار فعلها وفعل ما يعتبر فيها مما ليس بحاصل لها طاهرة (4) ، (أو فعل ركعة مع الطهارة) (5) وغيرها من الشرائط المفقودة(بعده).
(وأما الاستحاضة) (6) -
______________________________________________________
- وهذه الأخبار محمولة على الكراهة عند المشهور جمعا بينها وبين ما تقدم ، نعم استثنى الصدوق الحكم بالجواز إذا كان شبقا لصحيح ابن مسلم المتقدم ، وهو محمول على ارتفاع الكراهة عند المشهور في حال الشبق.
(1) بناء على التشديد أو بحسب ذيلها كما عرفت.
(2) بحمل التفعل على معنى فعل وحمل الذيل على تطهير الفرج لا البدن.
(3) أي قبل الحيض ، للاشتغال اليقيني بثبوت الصلاة في ذمتها فلا بد من قضائها فضلا عن الأخبار منها : موثق يونس عن أبي عبد الله عليه السلام : (في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهرة فأخرت الصلاة حتى حاضت ، قال عليه السلام : تقضي إذا طهرت) (1).
(4) حال لقوله (تمكنت).
(5) بمعنى أنها طهرت من الحيض قبل خروج الوقت ، وهي تدرك ركعة من الصلاة مع إحراز شرائطها فيجب عليها الأداء ، ويدل عليه خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرّطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها) (2) ومثله غيره ، مع ضميمة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها كما سيأتي بحثه إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة.
(6) فهي في الأصل استفعال في الحيض ، يقال : استحيضت - للمجهول - فهي تستحاض ، إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة ، وقد يطلق لفظ الاستحاضة على نفس -
ص: 223
(فهي ما) أي الدم الخارج من الرّحم (1) الذي (زاد على العشرة) (2) مطلقا (3) (أو العادة مستمرا) إلى أن يتجاوز العشرة ، فيكون تجاوزها كاشفا عن كون السابق عليها بعد العادة استحاضة(أو بعد اليأس) (4) ببلوغ الخمسين أو الستين على التفصيل (أو بعد النفاس) (5) كالموجود بعد العشرة أو فيها بعد أيام العادة مع تجاوز العشرة ، إذا لم يتخلله نقاء أقل الطّهر (6) أو يصادف أيام العادة (7) في الحيض ، بعد مضيّ عشرة فصاعدا من أيام النفاس ، أو يحصل (8) فيه تمييز
______________________________________________________
- الدم إما مجازا وإما حقيقة اصطلاحية كما في الجواهر. ولذا أطلق المشهور الاستحاضة على كل دم يخرج من الرحم وليس بحيض ولا نفاس ولا قرح ولا جرح سواء اتصل بالحيض كالمتجاوز لأكثره أو لا ، كالذي تراه الصغيرة قبل البلوغ وإن لم يوجب لها أحكام المستحاضة ، لأن أحكام المستحاضة مختصة بالبالغة.
(1) ليخرج الدم الخارج من غيره ، كدم القروح والجروح الخارج من الفرج لا من الرحم.
(2) كما تقدم في باب الحيض.
(3) سواء كانت ذات عادة أو لا.
(4) قد تقدم في باب الحيض.
(5) حكم النفساء حكم الحائض كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(6) إن الدم بعد النفاس يحكم عليه بالاستحاضة ما لم يتحقق أحد شروط ثلاثة وإلا فمع تحقق واحد منها فيكون الدم حيضا.
الشرط الأول : ما لم يتخلل بين النفاس وهذا الدم نقاء بمقدار أقل الطهر ، وإلا لو تخلل ذلك لحكم على هذا الدم بأنه حيض لقاعدة الإمكان.
الشرط الثاني : ما لم يصادف هذا الدم المستمر بعد النفاس أيام العادة ، وكان بين العادة والنفاس عشرة أيام وهو أقل الطهر ، وإلا لو تحقق هذا الشرط لحكم على هذا الدم بأنه حيض ، لأن ذات العادة تتحيض في أيام عادتها كما مضى.
الشرط الثالث : ما لم يكن هذا الدم المستمر بعد النفاس جامعا لصفات الحيض مع تحقق فصله عن النفاس بأقل الطهر ، وإلا لو تحقق ذلك لحكم على هذا الدم بأنه حيض لوجود صفات الحيض فيه ، هذا وقد أشار الشارح بقوله : «إذا لم يتخلله نقاء أقل الطهر» إلى الشرط الأول.
(7) إشارة إلى الشرط الثاني.
(8) إشارة إلى الشرط الثالث.
ص: 224
بشرائطه (1).
(ودمها) أي الاستحاضة(أصفر بارد (2) رقيق (3) فاتر) (4) أي يخرج بتثاقل وفتور لا بدفع(غالبا) (5) ، ومقابل الغالب ما تجده في الوقت المذكور (6) فإنه يحكم بكونه استحاضة ، وإن كان بصفة دم الحيض لعدم إمكانه (7).
______________________________________________________
(1) بشرائط الحيض.
(2) على المشهور لخبر حفص المتقدم في باب الحيض : (دم الاستحاضة أصفر بارد) (1) وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن دم الاستحاضة بارد) (2) وخبر إسحاق بن جرير : (دم الاستحاضة دم فاسد بارد) (3).
وعن الشيخ في المقنعة عدم التعرض للصفرة في صفات دم الاستحاضة.
(3) ذكره جماعة كثيرة ويدل عليه خبر سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام : (في المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها؟
فقال : تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي) (4) وخبر الدعائم : (دم الاستحاضة دم رقيق) (5) وصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في النفساء (فإذا رقّ وكان صفرة اغتسلت وصلت) (6).
وعن الشيخ في المبسوط عدم التعرض له ، وعن المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى التردد فيه.
(4) من الفتور ، أي لا يخرج بدفق ودفع ، ويدل عليه ما دل على اعتبار الدفع في دم الحيض ، وفي المدارك : «لم أقف على مستند له».
(5) قيد اتفاقي ، لأنه قد يتفق أن يكون دم الاستحاضة بصفات الحيض مع عدم إحراز شرائط الحيض فيحكم عليه بالاستحاضة ، كما قد يتفق أن يكون دم الحيض بصفات الاستحاضة فيما لو كان في أيام العادة.
(6) أي مذكور سابقا وهو ما زاد على العشرة وما زاد على عادتها إن تجاوز العشرة وما تراه بعد اليأس وما تراه قبل البلوغ.
(7) أي لعدم إمكان كونه حيضا.
ص: 225
ثم الاستحاضة تنقسم إلى قليلة وكثيرة ومتوسطة (1) : لأنها إما أن لا تغمس القطنة أجمع ظاهرا وباطنا (2) ، أو تغمسها كذلك (3) ولا تسيل عنها بنفسه (4) إلى غيرها ، أو تسيل (5) عنها إلى الخرقة ، (فإن لم تغمس القطنة تتوضأ لكلّ صلاة مع تغييرها) (6) القطنة لعدم العفو عن هذا الدم مطلقا (7) وغسل ما
______________________________________________________
(1) المراتب الثلاثة في الاستحاضة على المشهور شهرة عظيمة ، وهذا هو المستفاد من الأخبار الآتية ، وعن ابن أبي عقيل إنكار القسم الأول فلم يوجب له وضوءا ولا غسلا والأخبار حجة عليه.
(2) وهذه هي القليلة ، وقد عبّر البعض عنها بعدم الثقب.
(3) ظاهرا وباطنا.
(4) بنفس الغمس وهذه هي المتوسطة.
(5) عطف على قوله : (لا تسيل) وعليه فمع الغمس والسيلان فهي كبيرة.
(6) أما تغيير القطنة لكل صلاة لعدم العفو عن هذا الدم في الصلاة قليله وكثيره ، وقال في كشف اللثام : «لم يذكره الصدوقان والقاضي ولا ظفرت بخبر يدل عليه» ، وأشكل عليه بأنه قد ورد تغيير القطنة في المتوسطة في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المستحاضة - إلى أن قال - : ولتستدخل كرسفا فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي) (1) ، وفيه : إن تغيير الكرسف هنا إما لبلله بالماء بعد الغسل وإما لأنها استغنت عنه بعد إخراجه وأما الوضوء لكل صلاة على المشهور للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإن كان الدم لا يثقب الكرسف ، توضأت ودخلت المسجد ، وصلت كل صلاة بوضوء) (2) وموثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال عليه السلام : تستظهر بيوم أو يومين ، ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلت) (3).
وذهب ابن أبي عقيل إلى عدم وجوب الوضوء واستدل له باستصحاب الطهارة ، وبالتمسك بإطلاق حصر نواقض الوضوء بغير الاستحاضة ، وهما محكومان بالأخبار المتقدمة.
(7) قليلا كان أو كثيرا.
ص: 226
ظهر من الفرج (1) عند الجلوس على القدمين ، وإنما تركه لأنه إزالة خبث قد علم مماسلف(وما يغمسها بغير سيل تزيد) على ما ذكر (2) في الحالة الأولى (الغسل للصبح) (3) إن كان الغمس قبلها ، ولو كانت صائمة قدّمته على الفجر (4) ، واجتزأت به للصلاة ، ولو تأخّر الغمس عن الصلاة فكالأول (5) (وما يسيل) يجب له جميع ما وجب في الحالتين (6) وتزيد عليهما(أنها تغتسل أيضا)
______________________________________________________
(1) كما عن المفيد والشهيدين والمحقق الثاني والمقدس الأردبيلي ، لوجوب غسل ما تنجس بملاقاة الدم ، إذا علم ملاقاة الدم لهذا المكان ولذا قال الشارح في الروض : «إن أصابه الدم».
(2) من تبديل القطنة والوضوء لكل صلاة ، أما تبديل القطنة فقد تقدم الكلام فيه ، وأما الوضوء لكل صلاة فيدل عليه موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة) (1) وعن الشيخ في المبسوط والخلاف عدم وجوب الوضوء لصلاة الصبح والاكتفاء بالغسل فقط ، والخبر عام يشمل صلاة الصبح.
(3) بل الغسل لكل يوم ويدل عليه موثق سماعة المتقدم ، ومثله غيره ، إلا أن الأخبار لم تصرح بكون الغسل لصلاة الصبح ولكن لا بد من إيقاعه قبل صلاة الصبح إذا كانت متوسطة لأن الغسل شرط في صحة عباداتها كما هو ظاهر الخبر المتقدم.
نعم لو لم تكن متوسطة عند صلاة الصبح ثم صارت متوسطة قبل الظهرين فهل يجب عليها الغسل أو لا؟ قال في الجواهر : «ظاهر كلام الأصحاب العدم كما صرح به في جامع المقاصد في مبحث الغايات والشهيد في الروضة ، بل لعل المتأمل يمكنه تحصيل الإجماع على ذلك لتخصيصهم الغسل بكونه للغداة».
إلا أن سيد الرياض وجماعة ذهبوا إلى أن ظاهر الأخبار كون الغسل شرطا لصحة الصلوات ووجوبه لصلاة الغداة ليس لخصوصية فيها بل لكونها متوسطة قبل الصلاة ولازمه وجوب الغسل لو حدثت المتوسطة بعد الغداة.
(4) لكون الغسل شرطا في صحة عباداتها.
(5) أي لا يجب عليها إلا الوضوء لكل صلاة وقد عرفت ما فيه.
(6) من تبديل القطنة والوضوء لكل صلاة والغسل لصلاة الصبح ، أما تبديل القطنة فقد تقدم الكلام فيه ، وأما الوضوء لكل صلاة فعلى المشهور ذلك واستدل له بعموم قوله -
ص: 227
(للظّهرين) تجمع بينهما(ثم العشاءين) كذلك (1) (وتغيير الخرقة فيهما) (2) أي في الحالتين الوسطى والأخيرة ، لأن الغمس يوجب رطوبة ما لاصق الخرقة من القطنة ، وإن لم يسل إليها فتنجس ، ومع السيلان واضح ، وفي حكم تغييرها تطهيرها. وإنما يجب الغسل في هذه الأحوال (3) ،
______________________________________________________
- تعالى : ( إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (1) الآية ، ورده في المعتبر بقوله : «وظن غالط من المتأخرين أنه يجب على هذه مع هذه الأغسال وضوء مع كل صلاة ولم يذهب إلى ذلك أحد من طائفتنا».
ولذا ذهب جماعة منهم الصدوقان والشيخ والسيد وبنو زهرة وحمزة والبراج إلى عدم وجوب الوضوء أصلا لعدم تعرض نصوص الباب للوضوء أصلا مع تعرضها للوضوء في المتوسطة والقليلة.
وذهب جماعة منهم المفيد والمحقق في المعتبر إلى الوضوء مع كل غسل لا عند كل صلاة لعموم قوله عليه السلام : (مع كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة) وفيه : إنه غير ظاهر في ذلك بل هو ظاهر في كون غسل الجنابة مجزيا عن الوضوء.
(1) أي تجمع بينهما ويدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (فإذا جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ، ثم صلت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد) (2) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجّل هذه ، وتغتسل للصبح) (3).
(2) أي في المتوسطة والكبيرة ، لأن الخرقة ملاصقة للقطنة فإذا غمست القطنة وسرى الدم في الكثيرة تنجس الخرقة للملاقاة ، وإذا غمست القطنة ظاهرا وباطنا وإن لم يسر الدم في المتوسطة تنجس الخرقة أيضا بالملاقاة ، فيجب تغييرها لأن هذا الدم لا يعفى عنه في هذه الصلاة مطلقا.
(3) هل المعتبر وجود الدم قلة أو كثرة في أوقات الصلاة أو أن المعتبر حدوث الدم ولو قبل الوقت كغيره من الأحداث بحيث متى ما حصل يجب موجبه على التفصيل المتقدم في أقسام الاستحاضة. -
ص: 228
مع وجود الدم الموجب له (1) قبل فعل الصلاة ، وإن كان في غير وقتها (2) ، إذا لم تكن قد اغتسلت له (3) بعده (4) كما يدلّ عليه خبر الصّحاف ، وربما قيل باعتبار وقت الصلاة ولا شاهد له.
(وأما النّفاس) (5) - بكسر النون(فدم الولادة معها) (6)
______________________________________________________
- ذهب الشهيد الأول في الدروس والذكرى إلى الأول والمشهور إلى الثاني ، وقال في الدروس : «والاعتبار بكمية الدم بأوقات الصلاة في ظاهر خبر الصحاف».
وخبر الصحاف هو عن أبي عبد الله عليه السلام : (فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر وتصلي الظهر والعصر ثم لتنظر ، فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة) (1). وقال في الذكرى : «هذا مشعر بأن الاعتبار بوقت الصلاة فلا أثر لما قبله».
مع أن الظاهر منه خلاف ذلك لأن المفروض أنها صلت الظهرين فيكون المراد نفي الغسل لصلاة المغرب إذا لم يسل الدم قبل الغروب ، ومفهومه أنه إذا سال قبل الغروب وجب الغسل للمغرب ، وهذا هو مستند المشهور ولذا قال في المدارك عن استدلال الشهيد بخبر الصحاف : «وهو غير واضح».
(1) للغسل.
(2) بحيث كان كبيرا قبل الصلاة ثم قلّ عند دخول وقت الصلاة.
(3) أي للدم.
(4) أي بعد خروج الدم.
(5) بكسر النون ، ولغة ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء كما في الصحاح وغيره ، وهو إما لتنفس الرحم بالدم أو من النفس بمعنى الولد أو من النفس بمعنى الدم لاستلزام الولادة الدم.
وفي عرف الفقهاء أطلق على الدم الذي يقذفه الرحم بسبب الولادة في أيام مخصوصة.
(6) أي مع الولادة ، فالدم الخارج مع ظهور أول جزء من البدن يكون نفاسا للأخبار منها : خبر زريق عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الحامل ترى الدم ، ... قال عليه السلام : تصلي حتى يخرج رأس الصبي فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة - إلى أن قال - : وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس) (2). -
ص: 229
بأن يقارن (1) خروج جزء وإن كان منفصلا (2) ، مما يعدّ آدميا (3) أو مبدأ نشوء آدمي (4) ، وإن كان مضغة مع اليقين. أما العلقة - وهي القطعة من الدم الغليظ - فإن فرض العلم بكونها مبدأ نشوء إنسان ، كان دمها نفاسا إلا أنه بعيد (5) (أو بعدها) (6) بأن يخرج الدم بعد خروجه (7) أجمع. ولو تعدّد الجزء منفصلا أو الولد ، فلكلّ نفاس (8) وإن اتصلا ، ويتداخل منه ما اتفقا فيه (9).
______________________________________________________
- وعن ابني حمزة وزهرة وجماعة أن النفاس هو الدم عقيب الولادة فقط ويشهد له موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يومين فترى الصفرة أو دما ، قال عليه السلام : تصلي ما لم تلد) (1). وهو محمول على عدم الولادة بمعنى عدم خروج جزء من المولود.
(1) أي الدم.
(2) أي منقطعا.
(3) سواء كان تام الخلقة أو لا ، وسواء كان قد ولجته الروح أو لا لصدق الولادة على الجميع.
(4) كالمضغة والعلقة ، قال في مصباح المنير : «المني ينتقل بعد طوره فيصير دما غليظا متجمدا ، ثم ينتقل طورا آخر فيصير لحما وهو المضغة ، سميت بذلك لأنها مقدار ما يمضغ» فأما المضغة فالدم المقارن لخروجها نفاس ، بلا خلاف فيه لأنه دم جاء عقيب الحمل ، وأما العلقة فهي الدم المتجمد فكذلك وادعى عليه العلامة في التذكرة الإجماع ، وتوقف المحقق الثاني بإلحاقها بالمضغة ، وفيه : أنه لا داعي للتوقف مع القطع واليقين بكون الخارج هو مبدأ نشوء الآدمي.
(5) أي العلم بكونها مبدأ نشوء الآدمي.
(6) أي بعد الولادة ، بلا خلاف فيه ، وهو القدر المتيقن من النصوص.
(7) خروج الولد.
(8) بلا خلاف فيه ، وعن الانتصار : «أنه لم يجد نصا صريحا في هذه المسألة» ومثله ما عن السرائر.
(9) أي ويتداخل من النفاس ما اتفقا فيه ، ومثاله : ما لو ولد أحدهما في أول الشهر والثاني في الخامس منه ، فالخمسة الأولى نفاس الأول والخمسة الثانية نفاس مشترك ، والخمسة الثالثة نفاس الثاني.
ص: 230
واحترز بالقيدين (1) عما يخرج قبل الولادة فلا يكون نفاسا (2) ، بل استحاضة إلا مع إمكان كونه حيضا (3).
(وأقلّه مسماه) (4) وهو وجوده في لحظة ، فيجب الغسل بانقطاعه بعدها ، ولو لم تر دما فلا نفاس عندنا(وأكثره (5) قدر العادة في الحيض) للمعتادة على
______________________________________________________
(1) مع الولادة أو بعدها.
(2) بلا خلاف فيه ويدل عليه النصوص منها : موثق عمار المتقدم : (تصلي ما لم تلد).
(3) بحيث يكون بينه وبين النفاس أقل الطهر.
(4) بل يمكن أن يكون لحظة ويدل عليه خبر ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن النفساء كم حد نفاسها حتى تجب عليها الصلاة وكيف تصنع؟ فقال عليه السلام : ليس لها حد) (1). فلو لم تر الدم فليس لها نفاس أصلا وبعض العامة أوجب الغسل بمجرد خروج الولد وإن لم تر الدم ، وبعضهم جعله حدثا أصغر يوجب الوضوء.
(5) اختلفوا في مقدار أكثره ، فعن المشهور أنه عشرة أيام ويدل عليه مرسلة المفيد المحكية في السرائر : (أنه سئل كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة وكم مبلغ أيام ذلك؟ فقد رأيت في كتاب أحكام النساء أحد عشر يوما ، وفي رسالة المقنعة ثمانية عشر يوما ، وفي كتاب الإعلام أحد وعشرين يوما ، فعلى أيهما العمل؟ فأجاب : الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيام - إلى أن قال - : وعملي في ذلك على عشرة أيام لقول الصادق عليه السلام : لا يكون النفاس لزمان أكثر من زمان الحيض) وقال المفيد في المقنعة : «وقد جاءت أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام وعليها أعمل لوضوحها عندي»(2).
وخبر مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام : (عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ، قال عليه السلام : نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها) (3) وقال الشيخ في التهذيب : «وهذا الحديث يدل على أن أكثر أيام النفساء مثل أكثر أيام الحيض».
وما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر -
ص: 231
تقدير تجاوز العشرة (1) ، وإلا فالجميع نفاس (2) ، وإن تجاوزها (3) كالحيض (4) (فإن لم تكن) لها عادة(فالعشرة) أكثره (على المشهور). وإنما يحكم به نفاسا
______________________________________________________
- مما كانت ترى ، قال عليه السلام : فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام) (1).
وعن السيد والصدوق والإسكافي وجماعة أن أكثر النفاس ثمانية عشر يوما لخبر حنان بن سدير : (لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما ولم تعط أقل ولا أكثر؟ فقال عليه السلام : لأن الحيض أقله ثلاثة وأوسطه خمسة وأكثره عشرة فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره) (2) ومثله غيره.
وعن العلامة في المختلف أن ذات العادة ترجع إلى عادتها في الحيض والمبتدئة تصبر ثمانية عشر يوما جمعا بين النصوص المتقدمة لاختصاص الأولى بالمعتادة فتحمل الثانية على المبتدئة.
وعن العماني أن أكثر النفاس أحد وعشرون يوما ، وقال في المعتبر بعد حكايته هذا القول : «وقد روى ذلك البزنطي في كتابه عن جميل عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام) وقال عنه بعد ذلك : «فإنه متروك والرواية به نادرة».
وتقدم القول أن أكثره أحد عشر يوما كما في كتاب أحكام النساء ولم يعرف له مستند.
(1) على المشهور للأخبار الآمرة بالرجوع إلى عادتها والباقي استحاضة كخبر مالك بن أعين المتقدم : (عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ، قال عليه السلام : نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها) ورواية زرارة : (تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين) (3) وعن المحقق في المعتبر والنافع أنها تجلس عشرة أيام لا بمقدار العادة لخبر يونس عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى ، قال : فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام) (4) وهو على قول المشهور أدل ، إذ الاستظهار يعني أن نفاسها بمقدار عادتها والباقي ليس نفاسا إذا تجاوز عن العشرة.
(2) بلا خلاف ولا إشكال.
(3) أي تجاوز العادة.
(4) من الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أو إلى تمام العشرة.
ص: 232
في أيام العادة (1) ، وفي مجموع العشرة (2) مع وجوده فيهما (3) أو في طرفيهما (4). أما لو رأته في أحد الطرفين خاصة ، أو فيه (5) وفي الوسط فلا نفاس لها في الخالي عنه متقدما (6) ومتأخرا ، بل في وقت الدم (7) أو الدمين (8) فصاعدا (9) وما بينهما (10) ، فلو رأت أوله لحظة وآخر السبعة لمعتادتها فالجميع نفاس ، ولو رأته آخرها خاصة فهو النفاس ، ومثله رؤية المبتدأة والمضطربة (11) في العشرة ، بل المعتادة على تقدير انقطاعه عليها (12). ولو تجاوز (13) فما وجد منه في العادة ، وما قبله (14) إلى زمان الرؤية نفاس خاصة. كما لو رأت رابع الولادة مثلا وسابعها لمعتادتها (15) واستمر إلى أن تجاوز العشرة ، فنفاسها
______________________________________________________
(1) لخبر زرارة المتقدم وغيره.
(2) باعتبار أن النفاس أكثره عشرة.
(3) في العادة والعشرة.
(4) طرفي العادة والعشرة.
(5) أي في أحد الطرفين.
(6) أي الخالي لأنه يمكن أن لا يخرج الدم عند الولادة أو بعدها مباشرة.
(7) أي فالنفاس في وقت الدم فقط.
(8) كما لو رأته في طرفي العادة وطرفي العشرة.
(9) أو الدماء الثلاثة.
(10) إذا كان الدمان وما بينهما في أيام العادة أو في العشرة.
(11) أي ومثل ما تقدم حكم المبتدئة والمضطربة ، بل ما تقدم كان شاملا لهما ولم يكن مختصا بذات العادة بدليل جعل العشرة في قبال العادة غايته مع تجاوز الدم عن العشرة فذات العادة ترجع إلى عادتها فتجعلها نفاسا والباقي استحاضة وغيرها يكون تمام العشرة لها نفاسا والباقي استحاضة ، لقاعدة التسوية بين النفساء والحائض المستفادة من النصوص وقد تقدم بعضها كخبر يونس وخبر زرارة وخبر مالك بن أعين.
(12) أي أن الحكم المتقدم يشمل المعتادة إذا انقطع الدم على العشرة ، وأيضا لا معنى لهذا الاستدراك لأن السابق يشمل هذه الصورة صراحة.
(13) أي تجاوز الدم العشرة.
(14) الضمير لا يرجع إلى الدم ، بل إلى الزمان الذي رأت فيه الدم والمعنى : إن الذي وجد من الدم في العادة وفي الزمان الذي قبل ذلك.
(15) أي لمعتادة السبعة.
ص: 233
الأربعة الأخيرة من السبعة خاصة ، ولو رأته في السابع خاصة فتجاوزها (1) فهو (2) النّفاس خاصة ، ولو رأته من أوله والسابع وتجاوز العشرة - سواء كان بعد انقطاعه أم لا (3) - فالعادة خاصة نفاس ، ولو رأته أولا وبعد العادة وتجاوز ، فالأول خاصة نفاس ، وعلى هذا القياس (4).
(وحكمها كالحائض) (5) في الأحكام الواجبة (6) والمندوبة (7)
______________________________________________________
(1) أي فتجاوز العشرة.
(2) أي السابع.
(3) أي سواء كان بعد انقطاع الدم قبل العشرة ثم رأته وتجاوز العشرة ، أم لم ينقطع.
(4) اعلم أن ذات العادة لو تجاوز الدم العشرة فترجع إلى عادتها والباقي استحاضة على المشهور ، وخالف المحقق وجعل العشرة بتمامها نفاسا والباقي استحاضة وقد تقدم الكلام فيه.
وغير ذات العادة من المبتدئة والمضطربة فإن تجاوز الدم العشرة فيكون النفاس عشرة أيام والباقي استحاضة ، وخالف الشهيد في البيان والذكرى وحكم برجوع المبتدئة إلى التمييز ثم إلى عادة أهلها ، والمضطربة إلى التمييز ثم إلى الروايات واستدل بقاعدة التسوية بين النفاس والحيض وبخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (- إلى أن قال : وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها) (1) والمشهور لم يعمل به لضعف سنده بعد تخصيص قاعدة التسوية بين النفساء والحائض في ذات العادة كما هو مورد الأخبار المتقدمة ، فغيرها من المبتدئة والمضطربة يرجع بها إلى أخبار النفاس وان أكثره عشرة أيام.
(5) ففي المعتبر أنه مذهب أهل العلم وعن البعض أنه قول الأصحاب وعن ثالث أنه مذهبهم ، لما اشتهر أن النفاس حيض محتبس ، ولقاعدة التسوية بين الحائض والنفساء كما استفيد ذلك من بعض النصوص المتقدمة في النفساء ذات العادة ومن النصوص المتقدمة في حرمة وطء الحائض وفي سقوط العبادة عنها.
(6) من وجوب الغسل بعد الانقطاع أو بعد العادة أو بعد العشرة في غير ذات العادة. ومن وجوب قضاء الصوم دون الصلاة ، ووجوب تركها للعبادة.
(7) من استحباب الوضوء لها في أوقات الصلاة والجلوس في المصلى والاشتغال بذكر الله بقدر الصلاة.
ص: 234
والمحرمة (1) والمكروهة (2) ، وتفارقها في الأقلّ والأكثر (3).
والدلالة على البلوغ (4) فإنه (5) مختص بالحائض لسبق دلالة النفاس بالحمل وانقضاء العدة (6) بالحيض دون النفاس غالبا ، ورجوع الحائض (7) إلى عادتها وعادة نسائها ، والروايات والتمييز (8) دونها. ويختص النّفاس (9) بعدم اشتراط أقلّ
______________________________________________________
(1) من حرمة دخولها المساجد للمكث فيها ودخول المسجدين الحرمين ، وقراءة سور العزائم ، ومس اسم الله وكتابة القرآن وعدم جواز طلاقها وعدم جواز وطئها.
(2) من كراهة الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل ، وكراهة الخضاب وكراهة حمل القرآن ولمس هامشه وقراءة باقي القرآن ما عدا العزائم ، والاستمتاع بغير القبل مما بين السرة والركبة ، واعلم أن غسلها كغسل الجنابة بالاتفاق.
(3) تفارق النفساء الحائض في عدة فوارق :
الأول : إن الحيض أقله ثلاثة ولا حدّ لأقل النفاس.
الثاني : إن الحيض أكثره عشرة بالاتفاق وقد وقع الخلاف في أكثر النفاس.
الثالث : الحيض دليل على البلوغ بخلاف النفاس لأنه مسبوق بالحمل.
الرابع : العدة تنقضي بالحيض دون النفاس غالبا ، وخرج بالغالب ما لو طلقها بعد الوضع وقبل رؤية الدم فإنها تجعل النفاس حيضا ويحسب من الأقراء فيكون له مدخلية في انقضاء العدة.
الخامس : رجوع الحائض إلى عادتها عند التجاوز بخلاف النفساء فإنها ترجع إلى عادتها في الحيض لا في النفاس.
السادس : المبتدئة ترجع إلى التمييز ثم إلى عادة أهلها ثم إلى الروايات والمضطربة ترجع إلى التمييز ثم إلى الروايات بخلاف النفساء فلا ترجع إلى ذلك بل إلى العشرة عند التجاوز.
السابع : لا يشترط بين النفاسين أقل الطهر كالتوأمين بخلاف الحيضتين كما تقدم في باب الحيض.
(4) الفارق الثالث.
(5) أي فإن الاستدلال على البلوغ.
(6) الفارق الرابع.
(7) الفارق الخامس.
(8) الفارق السادس.
(9) الفارق السابع.
ص: 235
الطّهر بين النفاسين كالتوأمين ، بخلاف الحيضتين.
(ويجب الوضوء مع غسلهنّ) (1) متقدّما عليه (2) أو متأخرا (3) (ويستحب)
______________________________________________________
(1) هل يجب الوضوء مع كل غسل واجب ما عدا الجنابة بل والمندوب أو لا ، ذهب المشهور إلى الوجوب لعدم إجزاء الغسل عن الوضوء ، وقال الصدوق : «من دين الإمامية الإقرار بأن في كل غسل وضوء في أوله» ويدل عليه مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة) (1) وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه السلام : (إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ ثم اغتسل) (2).
وذهب السيد والمقدس الأردبيلي وسيد المدارك وجماعة إلى الإجزاء لأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل) (3) وموثق عمار : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال عليه السلام : لا ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد ، قد أجزأها الغسل) (4) ومكاتبة محمد بن عبد الرحمن الهمذاني إلى أبي الحسن الثالث : (لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره) (5) ومرسل حماد عن أبي عبد الله عليه السلام : (في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : وأيّ وضوء أطهر من الغسل) (6) وعليه فتحمل الأخبار السابقة على استحباب الوضوء.
(2) ذهب الصدوقان والمفيد إلى وجوب التقديم لظاهر المرسل من اشتراط القبلية وكذا خبر ابن يقطين.
(3) ذهب المشهور إلى التخيير لمرسل ابن أبي عمير عن حماد أو غيره عن أبي عبد الله عليه السلام : (في كل غسل وضوء إلا الجنابة) (7) ولأن تأخر الوضوء ليس ناقضا للغسل ولا تقديم الغسل موجبا لنقض الوضوء بالاتفاق ، نعم يستحب التقديم لمرسل ابن أبي عمير وخبر ابن يقطين.
ص: 236
(قبله) وتتخيّر فيه (1) بين نية الاستباحة والرفع مطلقا (2) على أصح القولين ، إذا وقع بعد الانقطاع (3).
(وأما غسل المسّ) (4) للميت الآدمي (5)
______________________________________________________
(1) في الوضوء.
(2) سواء كان قبل الغسل أو بعده بناء على أن الوضوء والغسل لهما مدخلية في رفع الحدث الأكبر والأصغر معا لا أن الغسل للأكبر والوضوء للأصغر.
وذهب ابن إدريس إلى أن الوضوء لو تقدم على الغسل فلا يجوز نية الرفع به ، لأن الحدث الأكبر لا يرتفع إلا بالغسل ، وردّ بأن الحدث يرتفع بهما فلا فرق في المتقدم والمتأخر ، ثم لو سلم ما ذكره لزم أن لا يصح نية الرفع بالغسل أيضا على تقدير تقدمه لأنه لا يرفع الحدث بمفرده ، والرد عليل لأنه مبني على كون الغسل والوضوء يشتركان معا في رفع الحدث الأكبر وهو واضح البطلان.
(3) أي إذا وقع الوضوء بعد انقطاع الدم ، أما إذا استمر وحكمنا عليه بأنه استحاضة فلا بد من كون الوضوء بنية الاستباحة فقط ولا يصح فيه رفع الحدث لبقاء حدث الاستحاضة.
(4) يجب الغسل بمسّ ميت الإنسان على المشهور للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (قلت : الرجل يغمض الميت أعليه الغسل؟ قال عليه السلام : إذا مسه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسه بعد ما برد فليغتسل) (1) وصحيح عاصم بن حميد : (سألته عن الميت إذا مسه الإنسان ، أفيه غسل؟ فقال : إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل) (2) وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (يغتسل الذي غسّل الميت ، وإن قبّل الميت إنسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ، ولكن إذا مسه وقبّله وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس أن يمسه بعد الغسل ويقبّله) (3).
وعن السيد المرتضى في الجمل والمصباح الاستحباب لخبر زيد بن علي عن علي عليه السلام : (الغسل من سبعة من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميت وإن تطهرت أجزأك) (4) فجعله في قبال الواجب دليل على استحبابه ، وفيه : إنه لا يقاوم الأخبار المتقدمة.
(5) دون الميتة بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (في رجل مسّ ميتة هل عليه الغسل؟ قال عليه السلام : لا ، إنما ذلك من الإنسان) (5) ومثله غيره.
ص: 237
النجس (1) (فبعد البرد وقبل التطهير) بتمام الغسل (2) ، فلا غسل بمسّه قبل البرد وبعد الموت. وفي وجوب غسل العضو اللّامس قولان (3) أجودهما ذلك خلافا
______________________________________________________
(1) احتراز عن المعصوم والشهيد ، أما المعصوم فقد تقدم الكلام فيه ، وأما الشهيد فقد حكم بسقوط غسل مسه كل من المحققين والشهيدين والعلامة وجماعة واستدل له بأن الأخبار الدالة على سقوط تغسيله تفيد أنه طاهر فتدل حينئذ باللازم على عدم وجوب غسل مسه ، لأن الأخبار ظاهرة في وجوب غسل المس بالنسبة للميت الذي يجب تغسيله لا مطلقا ، بل قال في الجواهر : «لم أجد فيه خلافا».
نعم وقع الخلاف فيمن قدم غسله قبل قتله كالمرجوم ، فقد ذهب جماعة منهم العلامة في جملة من كتبه إلى. سقوط غسل مسه لأنه قد اغتسل غسل الميت فيكون طاهرا ، وذهب ابن إدريس إلى وجوب غسل مسه لاندراجه تحت عموم الأخبار المتقدمة ، وتوقف فيه العلامة في المنتهى.
(2) أي الغسل المعتبر للميت وهو الأغسال الثلاثة وعليه فلو تم غسل رأسه بالأغسال الثلاثة ولم يتم الغسل الثالث لبقية البدن فهل مس رأسه حينئذ موجب للغسل أو لا؟ فقد ذهب الشارح وسيد المدارك وجماعة إلى وجوب غسل المس لصدق المس قبل الغسل أي الغسل الكامل لتمام البدن بالأغسال الثلاثة ، وذهب العلامة في القواعد والتذكرة والشهيد في الذكرى والدروس والبيان إلى عدم الوجوب لصدق كمال الغسل المعتبر بالنسبة للعضو الممسوس ، ولذا لو كان منفصلا فلا يجب لمسه الغسل لو تم غسله بالأغسال الثلاثة فكذا مع الاتصال لعدم تعقل الفرق.
(3) قد تقدم في باب النجاسات أن الميتة من ذوات النفس السائلة نجسة ولو كان آدميا بلا خلاف فيه ولكن مخصوص بصورة ما بعد البرد وقبل الغسل ، أما ما قبل البرد فهل يوجب النجاسة أو لا كما لم يوجب الغسل؟ ذهب الشيخ والعلامة وجماعة إلى أن مجرد خروج الروح يوجب نجاسته لإطلاق صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت ، قال عليه السلام : يغسل ما أصاب الثوب) (1).
وذهب الأكثر إلى العدم للاستصحاب ، وللمنع من تحقق الموت قبل البرد وللتلازم بين غسل المسّ وغسل العضو اللامس مع أن الأول لا يكون إلا بعد البرد فكذا الثاني ولصحيح إبراهيم بن ميمون : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد -
ص: 238
للمصنف (1) ، وكذا لا غسل بمسه بعد الغسل ، وفي وجوبه بمسّ عضو كمل غسله قولان: اختار المصنف عدمه. وفي حكم الميت جزؤه المشتمل على عظم (2) والمبان منه (3) من حيّ والعظم المجرّد عند المصنف ، استنادا إلى دوران الغسل معه وجودا وعدما ، وهو ضعيف.
(ويجب فيه) أي في غسل المسّ(الوضوء) قبله أو بعده ، كغيره من أغسال الحي غير الجنابة (4).
______________________________________________________
- الميت؟ قال عليه السلام : إن كان غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه ، يعني إذا برد الميت) (1).
(1) حيث ذهب إلى عدم وجوب غسل العضو اللامس قبل البرد ، وأما بعد البرد فهو موطن اتفاق.
(2) مسّ القطعة المبانة من الميت والمشتملة على العظم توجب الغسل على المشهور شهرة عظيمة لمرسل أيوب بن نوح عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه) (2) والخبر وإن كان واردا في الحي إلا أن الحكم يثبت للميت بالأولوية ، ومنه تعرف حكم القطعة المبانة من الميت وإذا كانت غير مشتملة على عظم.
وتوقف المحقق في المعتبر وسيد المدارك لضعف الخبر وردّ بانجباره بالشهرة.
ثم لو مس العظم المجرد عن اللحم فعن الشهيد الأول والشارح في المسالك وجماعة وجوب الغسل لدوران غسل المس مدار وجود العظم في الفرع السابق.
وعن العلامة في التذكرة والمنتهى وجماعة عدم الغسل للأصل ، ولخروجه عن موضوع الخبر إذ الخبر مختص باللحم المشتمل على عظم لا بخصوص العظم ، ولأن العظم ممّا تحله الحياة فهو طاهر بالاتفاق فلا يوجب مسه نجاسة أو حدثا.
ثم إن العظم لا يشمل السن والظفر فلو مس اللحم وفيه سن فلا يجب الغسل كما في كشف الغطاء.
(3) أي من الجزء المشتمل على العظم.
(4) وقد تقدم الكلام فيه.
ص: 239
و «في» في قوله : «فيه» للمصاحبة كقوله تعالى : ( ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ ) (1) و ( فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) (2) إن عاد ضميره إلى الغسل ، وإن عاد إلى المس فسببية.
(القول في أحكام الأموات (3) - وهي خمسة)
______________________________________________________
(1) الأعراف الآية : 38 ، أي ادخلوا مع أمم.
(2) القصص الآية : 79 ، أي مع زينته.
(3) المناسب هو البحث عن غسل الميت لأنه عبادي ، وإنما بحث عن الاحتضار وغيره هنا تقليلا للأبواب ، ثم إن العادة جارية على ذكر أمرين :
الأول : ما يجب أو يستحب للمحتضر فعله.
الثاني : ما يجب أو يستحب أن يفعله الغير بالمحتضر.
أما الأول : فتجب عليه التوبة ، بل لا يختص الوجوب به لأنه يشمل كل مسلم عن صغيرة أو كبيرة ، ويدل عليه قوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (1) وقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (2) ، فتدل على وجوب التوبة عند الذنب ولا تختص بالمرض ولا بغيره ، وأما النصوص فكثيرة جدا.
وحقيقتها الندم ولا يكفي قوله (أستغفر الله) ، بل لا حاجة إليه مع الندم القلبي ويدل عليه أخبار منها : صحيح ابن أبي عمير عن علي الأحمسي عن أبي جعفر عليه السلام : (كفى بالندم توبة) (3) ، ويعتبر فيها العزم على ترك العود إلى المعصية بل عن البحار المفروغية عنه.
ويجب على المريض أيضا عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة ورد الودائع والأمانات مع الإمكان ، وإلا فيجب عليه الوصية بها ، كل ذلك لأداء الواجب عليه من ردّ حقوق الغير لأصحابها.
ويجب عليه الوصية بالواجبات العبادية كالصلاة والصوم والحج إذا كان عنده مال ، وكذا بالصلاة والصوم إذا كان على الأكبر قضاؤه ، بل لو احتمل وجود متبرع فيجب عليه الوصية للاحتياط. -
ص: 240
.................................................................................................
______________________________________________________
- ويستحب للمريض أن يحمد الله ويشكره في حال المرض كحال الصحة ، بل مرضه من أكبر النعم عليه ، ففي الخبر : (أنه تبسم صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل له : ما لك يا رسول الله تبسمت؟ فقال : عجبت من المؤمن وجزعه من السقم ، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحبّ أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه (عزوجل)) (1) وفي ثان : (أنين المؤمن تسبيح ، وصياحه تهليل ، ونومه على الفراش عبادة ، وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله) (2) وفي ثالث : (تتناثر الذنوب منه كورق الشجر) (3) وفي رابع : (إذا مرض المؤمن أوحى الله تعالى إلى صاحب الشمال : لا تكتب على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ذنبا ، ويوحي إلى صاحب اليمين : أن أكتب لعبدي ما كنت تكتب له في صحته من الحسنات) (4) وفي خامس : (إذا أحب الله عبدا نظر إليه ، فإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث : إما صداع وإما حمى وإما رمد) (5).
بل يستحب له كتمان المرض وترك الشكاية ، ففي خبر بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال الله (عزوجل) : أيما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك عواده ثلاثا ، أبدلته لحما خيرا من لحمه ، ودما خيرا من دمه وبشرا خيرا من بشره ، فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له ، وإن مات مات إلى رحمتي). (6) وحمل على عدم الشكوى لا على كتمان المرض كما ورد في الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سئل عن حد الشكاية للمريض : (فقال : إن الرجل يقول : حممت اليوم وسهرت البارحة وقد صدق ، وليس هذه شكاة ، وإنما الشكوى أن يقول : لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، ويقول : أصابني ما لم يصب أحد ، وليس الشكوى أن يقول : سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا) (7).
ويستحب له إعلام إخوانه المؤمنين بالمرض ففي الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام : (ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه فيؤجر فيهم ، ويؤجرون فيه. قال : فقيل له : نعم فهم يؤجرون فيه بممشاهم إليه ، فكيف يؤجر فيهم؟ قال : فقال عليه السلام : باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات ويمحى بها عنه عشر سيئات) (8).
وأما الأمر الثاني فقد ذكر الماتن والشارح أكثره.
ص: 241
الأول - (الاحتضار) (1) وهو السّوق ، أعاننا الله عليه ، وثبّتنا بالقول الثابت لديه. سمّي به لحضور الموت أو الملائكة الموكّلة به ، أو إخوانه وأهله عنده.
(ويحب) كفاية(توجيهه) (2) أي المحتضر المدلول عليه بالمصدر(إلى القبلة) في المشهور بأن يجعل على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إليها(بحيث لو جلس استقبل) ولا فرق في ذلك بين الصغير والكبير (3) ، ولا يختص الوجوب
______________________________________________________
(1) وهو افتعال من الحضور ، والمراد به سوق الروح وإخراجها من البدن ، وسمي السوق بالاحتضار إما لحضور الملائكة عنده أو لحضور أمير المؤمنين عليه السلام عنده فقد ورد في الخبر : (ما يموت شخص في شرق الأرض أو غربها إلا ويحضره أمير المؤمنين عليه السلام فالمؤمن يراه حيث يحب والكافر حيث يكره) (1) أو لحضور المؤمنين عنده ليشيعوه ، أو لاستحضار عقله ما قبل الموت من أجل الوصية كما ورد في الحديث أو لحضور الموت عند المريض كما ذكره الشارح وجماعة.
(2) بوضعه على وجه لو جلس كان وجهه إلى القبلة على المشهور ويدل عليه موثق معاوية بن عمار : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الميت؟ فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة) (2) ومرسل الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام : (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق ، وقد وجّه لغير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل الله (عزوجل) عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض) (3) وخبر سليمان بن خالد : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة) (4).
وذهب جماعة منهم السيد المرتضى والشيخ في الخلاف والنهاية والمحقق في المعتبر وجماعة من المتأخرين إلى الاستحباب استضعافا لهذه الأخبار ، فقال في المعتبر : «إن الأخبار المنقولة من أهل البيت عليهم السلام ضعيفة السند لا تبلغ حد الوجوب» ، بل المرسل مشعر بالاستحباب للتعليل ، وفيه : إن التعليل لا يفيد دائما حمل الأمر على الاستحباب وضعف السند منجبر بكثرتها وعمل المشهور بها مع أن ظاهر الأمر الوجوب.
(3) لإطلاق الأخبار المتقدمة كما لا فرق بين الرجل والمرأة ، نعم يشترط إسلامه لأن توجيهه إكرام له وتهيئة له للرحمة والكافر غير صالح لذلك.
ص: 242
بوليّه (1) ، بل بمن علم باحتضاره (2) وإن تأكّد فيه (3) وفي الحاضرين (4).
(ويستحب نقله إلى مصلاه) (5) وهو ما كان أعده للصلاة فيه أو عليه (6) ، إن تعسّر عليه الموت واشتدّ به النزع كما ورد به النص ، وقيّده به المصنف في غيره (7) (وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة عليهم السلام) (8) والمراد بالتلقين
______________________________________________________
(1) ظاهر كلام العلامة في النهاية اختصاص التوجيه بالولي ، وفيه : أن الأخبار مطلقة بل مشعرة بأنه واجب كفاية على كل مسلم.
(2) خصّه بالعلم لأنه شرط تنجز التكليف.
(3) في وليه ، لأنه أولى به بعد موته.
(4) لئلا يموت قبل التوجيه انتظارا بمن هو عالم وغائب.
(5) وهو الموضع الذي كان يكثر الصلاة فيه ، أو كان قد أعدّه للصلاة ، ولكنه مخصوص بما إذا اشتد النزع لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا عسر على الميت موته ونزعه قرّب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه) (1) ومضمرة زرارة : (إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه) (2) وخبر حريز : (كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل : إن أخي منذ ثلاثة أيام في النزع وقد اشتدّ عليه الأمر فادع له ، فقال : اللهم سهّل عليه سكرات الموت ثم أمره وقال : حوّلوا فراشه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فإنه يخفف عليه إن كان في أجله تأخير ، وإن كانت منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه) (3).
فإطلاق استحباب نقله إلى مصلاه مطلقا كما عن المحقق والعلامة ليس في محله.
(6) كسجادة كان يكثر الصلاة عليها ولم يتخذ موضعا خاصا ، فيستحب أن تبسط ويوضع عليها استنادا لمضمرة زرارة المتقدمة.
(7) في غير هذا الكتاب.
(8) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله) (4) وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام : (أما إني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ، ولكني أدركته وقد وقعت النفس موقعها ، قلت : جعلت فداك وما ذاك الكلام؟ قال : هو والله ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند -
ص: 243
التفهيم ، يقال «غلام لقن» أي سريع الفهم ، فيعتبر إفهامه ذلك (1) ، وينبغي للمريض متابعته (2) باللسان والقلب ، فإن تعذّر اللسان اقتصر على القلب.
(وكلمات الفرج) (3) وهي لا إله إلّا الله الحليم الكريم إلى قوله : وسلام
______________________________________________________
- الموت شهادة أن لا إله إلا الله والولاية) (1) ولعموم (ما أنتم عليه) يستحب تلقين سائر الاعتقادات الحقة ، وإن كان ذيله ظاهرا في كون المراد من لفظ (ما أنتم عليه) خصوص الولاية ، فإثبات غيرها يحتاج إلى دليل.
وخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام : (ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - رسول الله حتى يموتوا) (2) وفيه استحباب التكرار إلى حين الموت.
(1) بحيث يكون بلطف ومداراة.
(2) لأن التلقين من أجل أن يقولها المحتضر ، ولذا ورد في خبر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام : (والله لو أن عابد وثن وصف ما تصفون عند خروج نفسه ما طمعت النار من جسده شيئا أبدا) (3).
وفي النبوي : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» (4).
(3) للأخبار منها : خبر زرارة : (إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين) (5) وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قل : لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين ، فقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الحمد لله الذي استنقذه من النار) (6) وذكر المفيد وجمع من الأصحاب أنه يقول قبل التحميد : وسلام على المرسلين ، وأخبار كلمات الفرج لا تخلو عن اختلاف فالجمع بينها يقتضي التخيير بينها.
ص: 244
على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين وينبغي أن يجعل خاتمة تلقينه (لا إله إلّا الله) ، فمن كان آخر كلامه (لا إله إلا الله) دخل الجنة (1) (وقراءة القرآن عنده) (2) قبل خروج روحه وبعده للبركة ، والاستدفاع (3) خصوصا يس والصافات (4) ،
______________________________________________________
(1) للنبوي المتقدم.
(2) كما عن المعتبر والذكرى ويدل عليه ما في الفقه الرضوي : «فإذا حضر أحدكم الموت ، فاحضروا عنده بالقرآن وذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» (1).
(3) أي استدفاع الشياطين المضللين المشككين.
(4) لخبر الجعفري : (رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك ( الصَّافّٰاتِ صَفًّا ) حتى تستتمها ، فقرأ فلما بلغ ( أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنٰا ) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده ( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) فصرت تأمرنا ب (الصافات) فقال : يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته) (2) ويستفاد منه استحباب قراءة يس أيضا.
وفي كشف اللثام : (روي أنه يقرأ عند النازع آية الكرسي وآيتان بعدها ، ثم آية السخرة : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ ) إلى آخرها (3) ، ثم ثلاث آيات من البقرة : ( لِلّٰهِ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَمٰا فِي الْأَرْضِ ) إلى آخرها (4) ثم يقرأ سورة الأحزاب) (5). وعنه أيضا : (من قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت أو قرأت عنده جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاها إياه وهو على فراشه فيشرب فيموت ريّان ويبعث ريّان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء عليهم السلام) (6) وعنه أيضا : (أيّما مسلم قرأ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه -
ص: 245
قبله (1) لتعجيل راحته (2). (والمصباح إن مات ليلا) في المشهور (3) ، ولا شاهد له بخصوصه ، وروي ضعيفا دوام الإسراج (4).
(ولتغمض عيناه) (5) بعد موته معجّلا ، لئلا يقبح منظره (6).
______________________________________________________
- ويشهدون دفنه) (1).
وفي النبوي : (من دخل المقابر فقرأ يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات) ((2).
وقال في الجواهر : «ولم أقف على دليل خاص لما هو المتعارف في بلادنا وغيرها من القراءة على قبر الميت ثلاثة أيام بلياليها فصاعدا بغير فتور».
(1) قبل خروج الروح.
(2) بالنسبة للصافات كما ورد في خبر الجعفري ، وبالنسبة ل (يس) كما ورد في خبري كشف اللثام.
(3) استدل له بخبر عثمان بن عيسى عن عدة من أصحابنا : (لما قبض أبو جعفر عليه السلام أمر أبو عبد الله عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله عليه السلام ، ثم أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه السلام حتى أخرج به إلى العراق ثم لا أدري ما كان) (3).
وناقشهم المحقق الثاني بأن الحديث لا يدل على المدعى فلا يبقى إلا اشتهار الحكم وهو كاف في إثبات الحكم للتسامح في أدلة السنن.
(4) في البيت الذي كان يسكنه الميت في حال الحياة ، لا الإسراج عند قبره.
(5) بلا خلاف كما عن المنتهى لرواية أبي كهمش : (حضرت موت إسماعيل ، وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده ، فلما حضره الموت شدّ لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة) (4) وكما في الإرشاد للمفيد من قول الحسن لأخيه الحسين عليهما السلام : (فإذا قضيت نحبي فغمضني وغسلني) (5).
(6) كذا ذكره البعض ولعدم دخول الهوام فيها.
ص: 246
(ويطبّق فوه) (1) كذلك ، وكذا يستحب شدّ لحييه بعصابة (2) لئلا يسترخي (وتمدّ يداه إلى جنبيه) (3) وساقاه إن كانتا منقبضتين ، ليكون أطوع للغسل وأسهل للدّرج في الكفن ، (ويغطّي بثوب) (4) للتأسي ، ولما فيه من الستر والصيانة. (ويعجّل تجهيزه) (5) فإنه من إكرامه (إلا مع الاشتباه) فلا يجوز التعجيل فضلا عن رجحانه (فيصبر عليه ثلاثة أيام) (6)
______________________________________________________
(1) قال الشارح في الروض : «للاتفاق عليه ، ولئلا يقبح منظره بدونه ، ويدخل الهوام إلى بطنه».
(2) لرواية أبي كهمش المتقدمة ، واستشكل بعضهم من أن الشدّ بالعصابة لم يذكر في الرواية إذ لعل المراد من (شدّ لحييه) الوارد في الخبر هو عين تطبيق الفم ، هذا ولكن قد لا يستطيع الحي إطباقه إلا بالشد فلذا قال في الجواهر : «ولعل مراد الجميع عند التأمل واحد».
(3) بلا خلاف في استحبابه كما في الجواهر ، مع أن المحقق في المعتبر قال : (لم أعلم أن في ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم السلام ولعل ذلك ليكون أطوع للغاسل وأسهل للدرج في الكفن).
وبنفس هذا التعليل يستحب أيضا مدّ ساقيه إن كانتا منقبضتين.
(4) للتأسي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في خبر الحارث بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده : (قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فستر بثوب ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلف الثوب وعلي عليه السلام عند طرف ثوبه) (1) وللتأسي بأبي عبد الله عليه السلام لما سجّى ابنه إسماعيل كما تقدم في رواية أبي كهمش المتقدمة ، ولخبر سليمان بن خالد المتقدم : (إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة) ولخبر الجعفري المتقدم : (قضى الفتى فلما سجي وخرجوا).
(5) بلا خلاف فيه ، لمرسل الفقيه : (كرامة الميت تعجيله) (2) وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا معشر الناس لا ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ، ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجّلوا بهم إلى مضاجعهم) (3).
(6) حتى يتيقن موته ، إلا أن التقييد بالثلاثة لما ورد في المصعوق والغريق ونحوهما ففي -
ص: 247
إلا أن يعلم قبلها لتغير وغيره من أمارات الموت (1) ، كانخساف صدغيه وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخلاع كفه من ذراعه ، واسترخاء قدميه ، وتقلّص أنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة (2) (ونحو ذلك) (3).
(ويكره حضور الجنب والحائض عنده) (4) لتأذي الملائكة بهما ، وغاية الكراهة تحقق الموت ، وانصراف الملائكة(وطرح حديد على بطنه) في المشهور (5) ، ولا شاهد له من الأخبار ، ولا كراهة في وضع غيره للأصل ، وقيل يكره أيضا (6).
______________________________________________________
- خبر هشام بن الحكم عن أبي الحسن عليه السلام : (في المصعوق والغريق؟ قال : ينتظر به ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل ذلك) (1). وخبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام : (خمس ينتظر بهم إلا أن يتغيروا : الغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن) (2) ومثلها غيرها ، وهي تقتضي عموم الحكم لكل مشتبه ، وذكر ثلاثة أيام لأنها توجب العلم بالموت غالبا.
(1) ذكر في الجواهر أنه لم يذكر شي ء منها في الأخبار ، وإنما هي مشهورة فالمدار على حصول العلم بالموت لا على مجرد حصول أمارات الموت.
(2) أي جلدة الأنثيين.
(3) كزوال النور من بياض العين وسوادها وزوال النبض وذهاب النّفس.
(4) عند المحتضر لخبر يونس عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا تحضر الحائض الميت ، ولا الجنب عند التلقين) (3) وفي علل الشرائع : (لا يحضر الحائض والجنب عند التلقين لأن الملائكة تتأذى بهما) (4).
(5) يكره طرح حديد على بطن الميت بعد موته ، وقال في التهذيب : «سمعناه مذاكرة من الشيوخ» ، وعن ابن الجنيد أنه يضع على بطن الميت شيئا يمنع من ربوها.
(6) كما عن العلامة في المنتهى والتذكرة.
ص: 248
(الثاني - الغسل)
(ويجب تغسيل كلّ) ميّت(مسلم (1) أو بحكمه) كالطفل والمجنون المتولّدين من مسلم (2) ، ولقيط دار الإسلام ، أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولّده منه (3) ، والمسبي بيد المسلم على القول بتبعيته في الإسلام (4) ، كما هو مختار المصنف وإن كان المسبي ولد زنا (5) وفي المتخلّق من ماء الزاني المسلم
______________________________________________________
(1) لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام : (غسل الميت واجب) (1) ومضمر أبي خالد : (اغسل كل الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شي ء إلا ما قتل بين الصفين) (2).
وذهب المفيد والشيخ في التهذيب والمحقق في المعتبر وابنا زهرة والبراج وسيد المدارك إلى عدم وجوب تغسيل العامي لأن المخالف كافر كما صرح بذلك في التهذيب والحدائق ، وفيه : ما تقدم أن الكافر هو المنكر لما ثبت من الدين ضرورة كمنكر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
ولا يجوز تغسيل الكافر أو من حكم بكفره كالغلاة والنواصب والخوارج لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت ، قال عليه السلام : لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وإن كان أباه) (3).
(2) فحكمهما حكم المسلم بالتبعية للسيرة القطعية ، ويدل عليه في الصبي خبر أبي النمير مولى الحارث بن المغيرة : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حدثني عن الصبي الى كم تغسله النساء؟ فقال عليه السلام : إلى ثلاث سنين) (4).
(3) لأن الأصل وجوب تغسيل كل ميت ما لم يخرج بالدليل أنه كافر ، ومع احتمال تولده من مسلم فيجب تغسيله لعدم القطع بخروجه.
(4) على المشهور ، وليس لهم دليل ظاهر كما في المستمسك ، بل الاستصحاب يقتضي خلاف ذلك.
(5) إن وصلية.
ص: 249
نظر من انتفاء التبعية شرعا (1) ، ومن تولده منه حقيقة (2) وكونه ولدا لغة فيتبعه في الإسلام (3) كما يحرم نكاحه.
ويستثنى من المسلم من حكم بكفره من الفرق كالخارجيّ والناصبي والمجسم ، وإنما ترك استثناءه لخروجه عن الإسلام حقيقة وإن أطلق عليه ظاهرا.
ويدخل في حكم المسلم الطفل (ولو سقطا إذا كان له أربعة أشهر) (4) ولو كان دونها لفّ في خرقة (5) ودفن بغير غسل (6) (بالسّدر) (7) أي بماء مصاحب
______________________________________________________
(1) دليل لعدم الإلحاق.
(2) لأنه من مائه.
(3) بحيث إذا كان ولده حقيقة فنثبت له جميع الأحكام عدا ما خرج بالدليل الشرعي من انتفاء الميراث والبنوة ، والباقي على ما هو عليه ول ذا يحرم على الزاني نكاحه لو كان بنتا.
(4) لخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غسّل) (1).
(5) ففي المعتبر نسبته إلى العلماء ، وفي الحدائق إلى الأصحاب ، وقال في المعتبر : (لم أقف على مستنده).
(6) لخبر محمد بن الفضيل : (كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب إليّ : السقط يدفن بدمه في موضعه) (2).
(7) يجب تغسيله بثلاثة أغسال للأخبار منها : صحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن غسل الميت؟ فقال عليه السلام : اغسله بماء وسدر ، ثم اغسله على أثر ذلك غسلة أخرى بماء وكافور وذريرة إن كانت ، واغسله الثالثة بماء قراح ، قلت : ثلاث غسلات لجسده كله ، قال عليه السلام : نعم) (3).
وخالف سلار فاعتبر وجوب غسل واحد بالقراح لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (غسل الميت مثل غسل الجنب) (4) وخبر زرارة : (قلت لأبي جعفر عليه السلام : -
ص: 250
لشي ء من السدر. وأقله ما يطلق عليه اسمه (1) ، وأكثره أن لا يخرج به (2) الماء عن الإطلاق (3) ، في الغسلة الأولى (ثم) بماء مصاحب لشي ء من(الكافور) كذلك (4)
______________________________________________________
- ميت مات وهو جنب كيف يغسل ، وما يجزيه من الماء؟ قال عليه السلام : يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة ولغسل الميت) (1) وفيه : إن الأول وارد مورد التشبيه للكيفية ، والثاني في مقام التداخل بين السببين من الموت والجنابة. ويعتبر في الغسل الأول خلط الماء بقليل من السدر ، وفي الثاني بقليل من الكافور كما هو المشهور ويدل عليه صحيح ابن مسكان المتقدم ، وصحيح يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام : (إلى أن قال - ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات - إلى أن قال - ويجعل في الماء شي ء من السدر وشي ء من كافور) (2).
وعن ابني حمزة وسعيد نفي اعتبار الخليطين السدر والكافور لإطلاق ما دل على أنه كغسل الجنابة وهو ضعيف لأنك عرفت وروده مورد التشبيه للكيفية.
ويجب أيضا الترتيب بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح على المشهور ويقتضيه النصوص المتقدمة ، وعن ابن حمزة نفي اعتبار الترتيب لإطلاق خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (يغسل الميت ثلاث غسلات ، مرة بالسدر ومرة بالماء يطرح فيه الكافور ومرة أخرى بالماء القراح) (3) وفيه لو سلم إطلاقه فهو مقيد بالنصوص المتقدمة.
(1) بحيث يصدق ماء ومعه شي ء من السدر لصحيح ابن مسكان المتقدم وغيره ، وفي الشرائع : «قيل : مقدار السدر سبع ورقات» وفي الجواهر : «لم نعرف قائله ولا من نسب إليه».
(2) أي بالسدر.
(3) فظاهر النصوص المتقدمة اعتبار صدق الماء حقيقة حين الغسل ، وعن المفيد تقدير السدر برطل وعن البر ابن البراج تقديره رطل ونصف.
(4) أي أقله ما يطلق عليه ماء معه شي ء من الكافور وأكثره ما لا يخرج به عن الإطلاق ، وعن الصدوق والمفيد تقديره بنصف مثقال ، وقال البعض : (لم نقف له على وجه) -
ص: 251
(ثم) يغسل ثالثا بالماء(القراح) (1) وهو المطلق الخالص من الخليط ، بمعنى كونه غير معتبر فيه (2) لا أن سلبه عنه معتبر (3) وإنما المعتبر كونه ماء مطلقا (4).
وكلّ واحد من هذه الأغسال (كالجنابة) يبدأ بغسل رأسه ورقبته أولا ، ثم بميامنه ، ثم مياسره (5) ، أو يغمسه في الماء دفعة واحدة عرفية (6) ، (مقترنا) في
______________________________________________________
- نعم في موثق عمار تقديره : (بنصف حبة) (1) وفي المرسل عن يونس : (حبات كافور) (2) وفي رواية المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام : (غسل علي بن أبي طالب عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدأه بالسدر والثانية ثلاثة مثاقيل من كافور) (3) ولم يعرف القول بالجميع من أحد.
(1) بفتح القاف وهو الذي لا يشوبه شي ء ، وعن السرائر اشتراط عدم شوبه بشي ء حتى التراب ، ولا وجه له إلا التمسك بلفظ القراح ، وعن جماعة أن المراد بالقراح هو خلوه من السدر والكافور وإن كان مخلوطا بقليل من التراب وذلك للمقابلة بينه وبين ماء السدر والكافور في الأخبار.
(2) أي بمعنى كون الخليط غير معتبر في الماء القراح.
(3) أي لا أن سلب الماء القراح عن الماء الخليط معتبر في وصفه بالقراح.
(4) والماء المطلق لا يضره القليل من التراب.
(5) بلا خلاف للأخبار.
منها : موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (ثم تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتى تنقيه ثم تبدأ بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر إلى أن قال - يجعل في الجرة من الكافور نصف حبة ثم يغسل رأسه ولحيته ثم شقه الأيمن ثم شقه الأيسر) (4).
(6) كما عليه العلامة وولده والشهيدان باعتبار الإطلاق في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (غسل الميت مثل غسل الجنب) (5) ، والإطلاق أعم من الترتيبي والارتماسي ، وعن العلامة في التذكرة الإشكال فيه ، بل عن جماعة منهم صاحب الجواهر وكاشف اللثام عدم الجواز لأن نصوص الترتيب حاكمة ومخصصة لهذا الإطلاق.
ص: 252
أوله (بالنية) (1) وظاهر العبارة - وهو الذي صرح به في غيره - الاكتفاء بنية واحدة للأغسال الثلاثة (2) ، والأجود التعدّد بتعددها (3).
ثم إن اتحد الغاسل تولى هو النية (4) ، ولا تجزي من غيره ، وإن تعدّد واشتركوا في الصبّ نووا جميعا (5) ، ولو كان البعض يصبّ والآخر يقلّب نوى الصابّ لأنه الغاسل حقيقة ، واستحب من الآخر ، واكتفى المصنف في الذكرى بها منه أيضا (6). ولو ترتبوا - بأن غسل كلّ واحد منهم بعضا - اعتبرت (7) من كل واحد عند ابتداء فعله.
(والأولى بميراثه أولى بأحكامه) (8) ، بمعنى أن الوارث أولى ممن ليس
______________________________________________________
(1) اشتراط النية فيه على المشهور وعن الخلاف الإجماع عليه ، واستدل له : (لا عمل إلا بنية) (1) (وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) (2) وهو لا يدل على اشتراط التقرب في خصوص غسل الميت ، فالعمدة هو الإجماع أو السيرة العملية ، وعن السيد المرتضى والعلامة في المنتهى عدم الاشتراط لأن الغسل تطهير للميت من نجاسة الموت فيكون توصليا كغسل الثوب.
(2) أما ظاهر العبارة ذلك حيث اكتفى بالنية ولم يشر إلى تعددها ، كظاهر كلام جماعة آخرين من الاكتفاء بنية واحدة لظهور الأدلة في كون الأغسال عملا واحدا يعبر عنه بغسل الميت فيحتاج إلى نية واحدة.
وذهب الشهيد الثاني وسيد الرياض وجماعة إلى وجوب تعدد النية لوضوح أن كل غسل عمل مستقل ، وهو الأحوط.
(3) أي بتعدد الأغسال.
(4) لعدم صدق المغسل على غيره كما هو واضح.
(5) لأنهم بمنزلة المغسّل الواحد.
(6) أي الاكتفاء بنية المقلّب لأن الصاب كالآلة وهو ضعيف لعدم صدق المغسّل عليه.
(7) أي النية لوضوح أن كل واحد عليه نية الفعل الذي يصدر منه.
(8) أي أن أولى الناس بميراث الميت أولى بأحكامه من غسل وتحنيط وتكفين وصلاة ودفن وغيرها بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام : (يغسل الميت أولى الناس به) (3) ومرسل ابن -
ص: 253
بوارث وإن كان قريبا (1) ، ثم إن اتحد الوارث اختص ، وإن تعدّد فالذكر أولى (2) من الأنثى ، والمكلف من غيره (3) ، والأب من الولد (4) والجد (5). (والزوج أولى) بزوجته (مطلقا) (6) في جميع أحكام الميت ، ولا فرق بين الدائم والمنقطع (7).
(ويجب المساواة) بين الغاسل والميت(في الرّجولية والأنوثية) (8) فإذا كان
______________________________________________________
- أبي عمير : (يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب) (1) وخبر السكوني : (إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه وليّ الميت وإلا فهو غاصب) (2).
(1) كالأخ بالنسبة للابن فالثاني أولى.
(2) بلا خلاف ، وقال في المدارك : «جزم بهذا التعميم المتأخرون» ، وقال المحقق الخونساري في حاشيته على الروضة : «ومستنده غير ظاهر» وقيل : إن الأولوية للذكر هنا ناشئة من كثرة نصيبه.
(3) لأن غير البالغ أو المجنون لا ولاية له على نفسه فعلى غيره من باب أولى.
(4) قال في المدارك إنه : «مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا».
(5) لأنه أولى من الجد بالميراث.
(6) سواء كان غسلا أم لا ، ويدل عليه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن المرأة تموت من أحق أن يصلي عليها؟ قال عليه السلام : الزوج ، قلت : الزوج أحق من الأب والأخ والولد؟ قال عليه السلام : نعم) (3) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (والزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها) (4).
(7) وكذا لا فرق بين كونها حرة أو أمة لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(8) بلا خلاف ويدل عليه جملة من النصوص منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء ، قال عليه السلام : تدفن كما هي بثيابها ، وعن الرجل يموت وليس معه إلا النساء ليس معهن رجال قال عليه السلام : يدفن كما هو بثيابه) (5) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله -
ص: 254
الولي مخالفا للميت أذن للمماثل (1) لا أن ولايته تسقط ، إذ لا منافاة بين الأولوية وعدم المباشرة. وقيّد بالرجولية لئلا يخرج (2) تغسيل كلّ من الرجل والمرأة ابن ثلاث سنين وبنته (3) ، لانتفاء وصف الرّجولية في المغسّل الصغير ، ومع ذلك لا يخلو من القصور (4) كما لا يخفى.
وإنما يعتبر المماثلة(في غير الزوجين) فيجوز لكل منهما تغسيل صاحبه اختيارا (5)،
______________________________________________________
- عليه السلام : (سألته عن امرأة ماتت مع رجال؟ قال عليه السلام : تلف وتدفن ولا تغسّل) (1) ويستثنى من ذلك موارد سيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.
(1) جمعا بين ما دل على أن أحكام الميت للولي مع ما دل على اشتراط المماثلة.
(2) لا ضير فيه لأنه سينص على إخراجه فيما بعد.
(3) فيجوز للرجل تغسيل البنت والمرأة تغسيل الصبي إذا لم يتجاوزا ثلاث سنين ، ويدل عليه خبر أبي النمير مولى الحارث بن المغيرة المتقدم : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال عليه السلام : إلى ثلاث سنين) (2).
(4) اعلم أن المصنف اشترط الرجولية والأنوثية ، وغيره اشترط الذكورية والأنوثية ، فقيد الرجولية وإن أخرج المغسّل الصغير بخلاف قيد الذكورية ، إلا أن قيد الأنوثية الموجود في كلا التعريفين لا يخرج المغسّلة الصغيرة ، فكل من التعريفين غير دقيق.
(5) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل أيصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت ، أو يغسلها إن لم يكن عنده من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال عليه السلام : لا بأس بذلك ، إنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي ء يكرهونه منها) (3) والمشهور على أن الحكم حتى مع وجود المماثل لخبر محمد بن مسلم : (سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال عليه السلام : نعم ، إنما يمنعها أهلها تعصبا) (4).
وعن الشيخ في التهذيب وابن زهرة وجماعة اشتراط فقد المماثل لخبر أبي حمزة عن أبي -
ص: 255
فالزوج بالولاية (1) ، والزوجة معها (2) أو بإذن الولي (3) والمشهور أنه من وراء الثياب (4) وإن جاز النظر (5) ويغتفر العصر هنا (6) في الثوب كما يغتفر في الخرقة الساترة للعورة مطلقا (7) ، إجراء لهما مجرى ما لا يمكن عصره.
ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة ، والمدخول بها وغيرها (8) ،
______________________________________________________
- جعفر عليه السلام : (لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة) (1) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : (يغسل الزوج امرأته في السفر والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل) (2) وهي لا تقاوم الأخبار الدالة على الجواز مطلقا.
(1) كما عرفت.
(2) أي مع الولاية إذا انحصر الإرث بها.
(3) عند وجود وارث غيرها وكان ذكرا فهو المقدّم لما تقدم من تقديم الذكور على الإناث.
(4) لصحيح ابن مسلم : (في الرجل يغسل امرأته؟ قال عليه السلام : نعم ، من وراء الثياب) (3) وخبر الحلبي : (وفي المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها) (4) وخبر عبد الرحمن : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء ، هل تغسله النساء؟ فقال عليه السلام : تغسله امرأته وذات محرمه ، وتصب عليه النساء الماء صبا من فوق الثياب) (5) ومثلها غيرها. وعن الأشهر كما في الرياض أنه يصح مع التجرد ويدل عليه صحيح منصور : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته ، أيغسلها؟ قال عليه السلام : نعم ، وأمه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة) (6) وصحيح ابن سنان المتقدم.
(5) للاستصحاب ولإطلاق خبر ابن سنان المتقدم.
(6) في غسل أحد الزوجين الآخر من وراء الثوب.
(7) سواء تماثل الغاسل والمغسول أم لا ، وذلك لأن الثوب والخرقة قد تنجسا بمباشرة بدن الميت ، وظاهر النصوص عدم التعرض للعصر وهذا دال على أنهما يطهران عند تمامية غسل الميت من دون العصر إجراء لهما مجرى ما لا يمكن عصره.
(8) كل ذلك لإطلاق الأخبار المتقدمة.
ص: 256
والمطلّقة رجعية زوجة (1) ، بخلاف البائن (2). ولا يقدح انقضاء العدة في جواز التغسيل عندنا (3) ، بل لو تزوّجت جاز لها تغسيله وإن بعد الفرض ، وكذا يجوز للرّجل تغسيل مملوكته (4) غير المزوّجة وإن كانت أم ولد ، دون المكاتبة وإن كانت مشروطة ، دون العكس(5)
______________________________________________________
(1) لأن زوجها أحق بها من غيره ما دامت في العدة.
(2) فإنها أجنبية قطعا.
(3) قد تقدم أن المطلقة الرجعية بحكم الزوجة فلو مات الزوج في أثناء عدتها فعدة الطلاق تنهدم ولا عبرة بها لأنه عليها عدة الوفاة ، فلو انقضت عدة الوفاة ولم يغسّل الزوج سواء تزوجت بغيره بعد الانقضاء أم لا فهل يجوز لها تغسيله؟
ذكر الشهيد في الذكرى ومثله في جامع المقاصد من جواز التغسيل لها بعد انقضاء العدة ، بل نسب الحكم إلى الجميع كما عبّر بذلك الشارح هنا ، خلافا لبعض العامة حيث منع من تغسيلها بعد انقضاء عدتها ومال إليه بعض المتأخرين لأنها بحكم الأجنبية بعد عدة الوفاة.
وردّ بأنها لو كانت أجنبية بعد انقضاء عدة الوفاة لكانت الزوجة كذلك مع أن اسم الزوجة متحقق عليها ولو بعد انقضاء عدة الوفاة ، غايته الفرض بعيد وقد قال في الجواهر : «تعارف في عصرنا إبقاء الميت مدة طويلة جدا بسبب إرادة دفنه في أحد المشاهد» وأيضا يمكن فرضه فيما لو دفن الميت بغير غسل ثم أخرج الميت من قبره لغرض الشهادة عليه أو أخرجه السيل ولم يتغير ولم يتلاش فيجب حينئذ تغسيله وقد كانت زوجته أو مطلقته قد تزوجت بعد انقضاء عدتها ، ويمكن فرضه على مذهب ابن أبي عقيل من أن عدة الوفاة تنقضي بالوضع بالنسبة للحامل ، فلو كانت زوجته أو مطلقته حاملا وقد وضعت بعد موته بلحظة فقد انقضت عدتها فلو تزوجت قبل تغسيله لم يمنع ذلك من تغسيلها له.
(4) المورد الثاني من موارد استثناء وجوب المماثلة بين الغاسل والميت ، فيجوز للمولى تغسيل مملوكته لأنه يجوز له وطؤها فيجوز له تغسيلها ، سواء كان قد وطأها أم لا ، وسواء كانت أم ولد أم لا ، بشرط أن لا تكون مزوجة ولا في عدة الغير ، لأنها حينئذ زوجة لغير المولى فزوجها أحق بها ، وبشرط أن لا تكون مكاتبة مشروطة أو مطلقة وبشرط أن لا يكون بعضها معتقا لأنه لا يجوز له وطؤها في حياتها فلا يجوز له الغسل بعد وفاتها.
(5) أي تغسيل المملوكة لمولاها ، فإن كانت أم ولد فقد منع من الجواز سيد المدارك -
ص: 257
لزوال ملكه عنها (1) ، نعم لو كانت أمّ ولد غير منكوحة لغيره عند الموت جاز (2).
(ومع التعذّر) للمساوي في الذكورة والأنوثة(فالمحرم) (3) وهو من يحرم
______________________________________________________
- وجماعة لارتفاع الملك بالموت ، لأنها تصير حرة من نصيب ولدها ، وغيرهم ذهب إلى الجواز لخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام : (إن علي بن الحسين عليه السلام أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته) (1). وهو معارض بما دل على أن الصدّيق لا يغسله إلا صدّيق مثله (2) مع ما في الفقه الرضوي : (نروي أن علي بن الحسين عليه السلام لما مات قال أبو جعفر عليه السلام : لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك ، فأدخل يده وغسل جسده ثم دعا أم ولد له فأدخلت يدها فغسلت) الحديث ؛ (3) فلا بد من حمل هذه الأخبار على مساعدتها للإمام الباقر عليه السلام في الغسل.
وإن كانت غير أم ولد فقد ذهب جماعة منهم سيد المدارك إلى المنع لارتفاع الملك بالانتقال إلى الوارث ، وجماعة منهم العلامة إلى الجواز لاستصحاب إباحة اللمس والنظر.
(1) تعليل لعدم جواز تغسيل المملوكة لمولاها لانتقالها إلى الوارث بالموت.
(2) تخصيص الحكم بأم الولد للرواية المتقدمة وإلا فقد عرفت بحسب القواعد خروجها عن ملكه بموته.
(3) هذا المورد الثالث المستثنى من المساواة ، وهو المحارم بنسب أو رضاع بلا خلاف فيه ويدل عليه أخبار منها : خبر عبد الرحمن بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء ، هل تغسله النساء؟ فقال : تغسله امرأته أو ذات محرمه ، وتصب عليه النساء الماء صبا من فوق الثياب) (4).
وذهب جماعة منهم العلامة في المنتهى والفاضل الهندي في كشفه إلى عدم اشتراط فقدان المماثل لإطلاق صحيح منصور بن حازم : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال عليه السلام : نعم ، وأمه وأخته ونحو هذا يلقي -
ص: 258
نكاحه مؤبّدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، يغسّل محرمه الذي يزيد سنّه عن ثلاث سنين(من وراء الثوب (1) ، فإنّ تعذّر) المحرم والمماثل (فالكافر) (2) يغسّل المسلم والكافرة تغسّل المسلمة بتعليم المسلم على المشهور. والمراد هنا
______________________________________________________
- على عورتها خرقة). (1)
ومستند المشهور باشتراط المماثل خبر عبد الله بن سنان : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول : إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته ، وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهنّ به وتلف على يدها خرقة) (2) فإذا كانت الزوجة مقدمة على النساء فالمماثل الذكر أولى بالتقديم ، لأن المماثل الذكر يجوز له تغسيله من غير خلاف وبدون اشتراط بخلاف الزوجة فتغسيلها له مما قد وقع الخلاف فيه بالنسبة لاشتراط فقد المماثل وعدمه وهو مشروط بكونه من وراء الثياب على قول.
(1) كما عليه المشهور ويدل عليه أخبار منها : خبر عبد الرحمن المتقدم ، وعن جماعة منهم ابن زهرة وأبو الصلاح والشهيد في الذكرى الاستحباب لصحيح منصور بن حازم المتقدم : (نعم ، وأمه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة).
(2) فيأمر المسلم الكتابية بأن تغتسل أولا ثم تغسل المسلمة ثانيا ، وكذلك بالنسبة للكتابي إذا أراد أن يغسل المسلم على المشهور لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة؟ قال عليه السلام : يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد أضطر ، وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ومعها نصرانية ورجال مسلمون وليس بينها وبينهم قرابة؟ قال عليه السلام : تغتسل النصرانية ثم تغسلها) (3) وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام : (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفر فقالوا : إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : كيف صنعتم؟ فقالوا : صببنا عليها الماء صبّا ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا : لا ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : أفلا يممتموها) (4).
وذهب المحقق في المعتبر وجماعة إلى سقوط الغسل لأن غسل الميت مفتقر إلى النية ، وهي لا تصح من الكافر ، مع أن الخبر الأول ضعيف لأن رواته فطحية خصوصا عمار -
ص: 259
صورة الغسل ولا يعتبر فيه النية ، ويمكن اعتبار نية الكافر كما يعتبر نيته في العتق. ونفاه المحقق في المعتبر لضعف المستند وكونه ليس بغسل حقيقي لعدم النية. وعذره (1) واضح (2).
(ويجوز تغسيل الرجل ابنة ثلاث سنين مجردة وكذا المرأة) يجوز لها تغسيل ابن ثلاث مجردا وإن وجد المماثل (3) ،
______________________________________________________
- الساباطي بالإضافة إلى أن الكافر نجس في المشهور فكيف يفيد غيره الطهارة وردّ بأن الأخبار وإن كانت ضعيفة إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب ، والنية لا لزوم لها هنا لأن المراد هو الغسل الصوري ، أو يقال بالاكتفاء بها هنا كالاكتفاء بها في العتق إذا صدرت من الكافر ، أو يتولى المسلم الآمر النية عن الكافر فيكون الكافر كالآلة كما احتمله كشف اللثام ، وأما نجاسة الكافر فلا تضر لإلزامه عدم مس بدن الميت إن أمكن وإلا يكون قد تحقق تطهير الميت من الحدث وإن تنجس بالخبث.
(1) أي عذر المحقق.
(2) لقوة أدلته.
(3) هذا هو المورد الرابع المستثنى من لزوم التماثل بين الغاسل والميت ، أما تغسيل المرأة للصبي دون الثلاث ولو كان مجردا بالاتفاق لخبر أبي النمير المتقدم : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال عليه السلام : إلى ثلاث سنين) (1).
والمشهور قيدوا الصبي بثلاث فما دون وعن المقنعة والمراسم إذا كان ابن خمس فما دون غسلته النساء مجردا ، وإن كان أكثر من خمس يصببن عليه الماء صبا وأما تغسيل الرجل للصبية دون الثلاث فمتفق عليه كعكسه إلا من المحقق حيث توقف فيه في المعتبر وقال : (والأولى المنع والأصل حرمة النظر).
وعن الصدوق تحديد الجواز للصبية بما إذا كانت دون الخمس لما رواه في الفقيه عن جامع محمد بن الحسن : (في الجارية تموت مع الرجال في السفر قال : إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسّل ، وإن كانت بنت أقل من خمس سنين غسلت) (2). -
ص: 260
ومنتهى تحديد السن الموت (1) فلا اعتبار بما بعده وإن طال ، وبهذا يمكن وقوع الغسل لولد الثلاث تامّة من غير زيادة. فلا يرد ما قيل إنه يعتبر نقصانها ليقع الغسل قبل تمامها.
(والشهيد) (2) وهو المسلم ومن بحكمه الميت في معركة قتال أمر به النبيّ
______________________________________________________
- هذا والمشهور لم يشترطوا فقد المماثل كما هو ظاهر خبر أبي النمير المتقدم ، وعن ابني إدريس وحمزة اشتراط فقد المماثل لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (سئل عن الصبي تغسله امرأة؟ قال عليه السلام : إنما يغسل الصبيان النساء ، وعن الصبية تموت ولا تصاب امرأة تغسلها ، قال عليه السلام : يغسلها رجل أولى الناس بها) (1) حيث قيّد تغسيل الرجل للصبية بفقد المرأة ، وفيه : إن القيد وارد في كلام السائل مع أنه بالنسبة لتغسيل المرأة للصبي مطلق.
(1) فالمعيار في تحديد عمر الصبي أو الصبية هو الموت كما هو الظاهر من النصوص ، وذهب المحقق الثاني إلى أن المعيار هو الغسل فلو كان الميت عمره أكثر من ثلاث وقت الغسل فلا يجوز تغسيله لغير مماثله وإن كان عمره عند الموت أقل من ثلاث سنين.
وفيه : إن المدار في العمر على حال الحياة المنتهية بالموت لا بالغسل.
(2) لا يغسّل بالاتفاق للأخبار منها : صحيح أبان بن تغلب : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط؟ قال عليه السلام : يدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمق ، فإن كان به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه) (2) وخبره الآخر : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه لا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد فإنه يغسّل ويكفن) (3) وخبر زرارة وإسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام : (قلت له : كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه ، قال : نعم في ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل ويدفن كما هو) (4) وخبر أبي خالد (اغسل كل الموتى ، الغريق وأكيل السبع وكل شي ء إلا ما قتل بين الصفين ، فإن كان به رمق غسّل وإلا فلا) (5) وصحيح أبان دال على أنه المقتول في سبيل الله بلا فرق بين من قتل بين يدي الإمام المعصوم أو نائبه أو قتل في عصر -
ص: 261
صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام أو نائبهما الخاص ، وهو في حزبهما (1) بسببه (2) ، أو قتل في جهاد مأمور به حال الغيبة ، كما لو دهم على المسلمين من يخاف منه على بيضة الإسلام ، فاضطروا إلى جهادهم بدون الإمام أو نائبه ، على خلاف في هذا القسم (3). سمّي بذلك لأنه مشهود له بالمغفرة والجنة(لا يغسّل ولا يكفّن بل يصلّى عليه) ويدفن بثيابه ودمائه ، وينزع عنه الفرو (4) والجلود (5) كالخفّين وإن أصابهما الدم.
ومن خرج عما ذكرناه يجب تغسيله وتكفينه وإن أطلق عليه اسم الشهيد في بعض الأخبار (6) ، كالمطعون (7) والمبطون والغريق ، والمهدوم عليه والنّفساء
______________________________________________________
- الغيبة في مقام الدفاع عن بيضة الإسلام والمسلمين ، فما عن الشيخين في المقنعة والمبسوط والنهاية من اشتراط قتله بين يدي إمام عادل أو من نصبه ليس في محله ، ولذا قال في المعتبر : «فاشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم تعلم من النص».
وصريح النصوص على أن المدار على عدم إدراكه حيا بلا فرق بين كونه رجلا أو امرأة ، صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا ، ولا فرق بين أسباب القتل بالحديد أو الخشب أو الصدم أو اللطم أو غيرها.
(1) ليخرج المقتول من الطرف الآخر.
(2) أي موته بسبب القتال وهذا احتراز عمن مات حتف أنفه وهو في المعركة.
(3) وقد خالف فيه الشيخان كما تقدم.
(4) بالاتفاق لأن الفرو لا يسمى ثوبا وقد أمرنا بدفنه بثيابه وللخبر الآتي.
(5) بل كل ما ليس بثوب ينزع عنه ، بل أوجب النزع عنه في الحدائق لأن دفنه إسراف للمال وتضييع له ، وكذا نزع الخاتم ، وقد ورد في خبر زيد بن علي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا أن يكون أصابه دم ، فإن أصابه دم ترك) (1)ولضعف سند الخبر لم يعملوا به ، فلم يكن المدار على ما أصابه الدم بل المدار على ثيابه فيدفن بها ، وغيرها تنزع.
(6) فيكون مساويا للشهيد في الفضيلة لا في لحوق أحكام الشهيد عليه ، إذ أحكام الشهيد مختصة بمن قتل بين الصفين.
(7) من مات بمرض الطاعون.
ص: 262
والمقتول دون ماله وأهله من قطّاع الطريق وغيرهم (1).
(ويجب إزالة النجاسة) العرضية(عن بدنه أوّلا) (2) قبل الشروع في غسله.
(ويستحبّ فتق قميصه) (3) من الوارث أو من يأذن له (ونزعه من تحته) لأنه مظنة النجاسة ، ويجوز غسله فيه (4) ،
______________________________________________________
(1) كمن مات غريبا وفي يوم الجمعة ومن مات في سبيل تحصيل العلم ، وستأتي الإشارة إلى بعض الأخبار في الأبواب الآتية.
(2) ففي المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب وفي المنتهى نفي الخلاف عنه للأخبار منها : خبر العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام : (بعد ما سأله عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله ، قال عليه السلام : إذا قتل في معصيته يغسل أولا منه الدم ثم يصب عليه الماء صبا) (1) وصحيح الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الميت فقال عليه السلام : أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا ثم طهره من غمز البطن) (2).
(3) وينزع من تحته وتستر به عورته ، أما فتقه ونزعه من قبل رجليه لأن إخراج القميص على هذا الوجه أسهل على الميت ، ولئلا تكون فيه نجاسة فينجس أعالي البدن ، ولخبر عبد الله بن سنان : (ثم يخرق القميص إذا غسّل وينزع من رجليه) (3).
وفتق القميص مشروط بإذن الورثة لأنه مال لهم ، فالتصرف في مالهم متوقف على إذنهم ، فلو تعذر الإذن لصغر الورثة أو غيبتهم فلا يجوز حينئذ.
وأما ستر العورة به لوجوب ستر العورة عن الناظر المحترم ولمرسل يونس : (فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص وأجمع القميص على عورته) (4).
(4) ذهب المشهور كما في المختلف إلى استحباب غسله عاريا مستور العورة لأنه أمكن في التطهير ، وعن جماعة منهم ابن أبي عقيل والصدوق وسيد المدارك إلى استحباب غسله في قميصه لصحيح ابن مسكان : (إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسله من تحته) (5) وصحيح ابن يقطين : (لا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه) (6) ولخبر عبد الله بن سنان المتقدم : (ثم يخرق القميص إذا غسّل وينزع من رجليه) بل ادعى ابن أبي عقيل تواتر الأخبار على ذلك.
ص: 263
بل هو أفضل عند الأكثر (1) ، ويطهر بطهره (2) من غير عصر ، وعلى تقدير نزعه تستر عورته وجوبا به أو بخرقة (3) ، وهو أمكن للغسل (4) إلا أن يكون الغاسل غير مبصر أو واثقا من نفسه بكفّ البصر فيستحبّ استظهارا (5).
(وتغسيله على ساجة) (6) وهي لوح من خشب مخصوص والمراد وضعه عليها أو على غيرها مما يؤدي فائدتها ، حفظا لجسده من التّلطّخ. وليكن على مرتفع ومكان الرجلين منحدرا(مستقبل القبلة) (7) وفي الدروس يجب الاستقبال
______________________________________________________
(1) قد عرفت أنه المشهور ولذا قال المحقق الخونساري في حاشيته : (كون هذا مذهب الأكثر غير ظاهر).
(2) أي يطهر القميص بطهر الميت من غير اشتراط العصر لخلو النصوص عن ذلك.
(3) لوجوب ستر العورة عن الناظر المحترم ، فلو كان المغسّل أعمى أو واثقا من نفسه عدم النظر فلا يجب ستر العورة حينئذ.
(4) أي نزع القميص.
(5) ليأمن النظر غلطا أو سهوا منه أو من غيره ، هذا بالنسبة للعورة.
(6) قال في كشف اللثام : (الساج خشب أسود يجلب من الهند ، والساجة الخشبة المربعة منها). ويستحب وضع الميت على ساجة أو سرير بلا خلاف كما في المنتهى ، بل على كل ما يرفعه عن الأرض لأنه أحفظ لبدن الميت من التلطخ ، ولمرسل يونس : (إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل) (1) ، ونصّ بعضهم على تقديم الساج على الخشب ، والخشب على غيره ، وبعضهم على أن يكون مكان الرجلين منحدرا عن موضع الرأس ليسهل خروج ماء الغسل ولا يجتمع تحته ، والأخبار خالية عن هذه التفاصيل.
(7) أي على هيئة المحتضر فيستقبل بباطن قدميه ووجهه القبلة ، بلا خلاف فيه لخبر ذريح عنأبي عبد الله عليه السلام : (وإذا وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة ولا تجعله معترضا كما يجعل الناس) (2) ومرسل يونس : (إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة) (3). ومثلها غيرها من الأخبار وحمل الأمر في هذه الأخبار على -
ص: 264
به ، ومال إليه في الذكرى ، واستقرب عدمه في البيان(وتثليث الغسلات) (1) بأن يغسل كلّ عضو من الأعضاء الثلاثة ثلاثا ثلاثا في كل غسلة(وغسل يديه) (2) أي يدي الميت إلى نصف الذراع ثلاثا(مع كل غسلة) وكذا يستحبّ غسل الغاسل يديه (3) مع كل غسلة إلى المرفقين(ومسح بطنه في) الغسلتين(الأوليين) قبلهما (4) تحفظا من خروج شي ء بعد الغسل لعدم القوة الماسكة ، إلا الحامل
______________________________________________________
- الاستحباب جمعا بينها وبين صحيح يعقوب بن يقطين : (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة ، أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال عليه السلام : يوضع كيف تيسر ، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره) (1).
وذهب الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى ورجحه المحقق الثاني وجماعة إلى أن استقبال القبلة واجب بعد حمل خبر ابن يقطين على التعذر.
(1) أي يستحب تغسيل كل عضو من الميت ثلاث مرات في كل غسلة لخبر الكاهلي : (قال : استقبل ببطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ، ثم تلين مفاصله ، فإن امتنعت عليك فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر - إلى أن قال - واغسله غسلا ناعما ثم أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ، ثم اغسله من قرنه إلى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات ، ثم رده على جانبه الأيمن) (2) إلى آخر الخبر.
(2) أي يدي الميت هذا إذا خلت عن النجاسة وإلا فيجب غسلها ، ويدل على الاستحباب مرسل يونس : (ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع) (3).
(3) لمرسل يونس فإنه قال عليه السلام بعد الغسل الأول : (ثم صب ذلك الماء من الإجانة ، واغسل الإجانة بماء قراح واغسل يديك إلى المرفقين ، ثم صب الماء في الآنية وألق فيه حبات كافور - إلى أن قال - ثم اغسل يديك إلى المرفقين والآنية) (4).
(4) قبل الغسلتين حذرا من خروج شي ء بعد الغسل ولخبر الكاهلي : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الميت - إلى أن قال - وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقا ثم -
ص: 265
التي مات ولدها ، فإنها لا تمسح حذرا من الإجهاض (1) (وتنشيفه) (2) بعد الفراغ من الغسل (بثوب) صونا للكفن من البلل (وإرسال الماء في غير الكنيف) (3) المعدّ للنجاسة ، والأفضل (4) أن يجعل في حفيرة خاصة به (وترك ركوبه) (5) بأن
______________________________________________________
- تحوّل إلى رأسه وابدأ بشقه الأيمن - إلى أن قال - وامسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا) (1).
وأما المسح قبل الغسلة الثالثة فالأخبار خالية عنه ، بل ادعّي الإجماع على عدم الاستحباب بل عن الخلاف كراهية المسح.
(1) لخبر أم أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدءوا ببطنها فلتمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى ، فإن كانت حبلى فلا تحركيها) (2) وظاهره الحرمة وهو الظاهر من جماعة منهم المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في جامعه ، بل ذهب المحقق الثاني تبعا للشهيد إلى أنها لو أجهضت فعشر دية أمه ، وعن جماعة الكراهية لعدم كون المسح الرفيق موجبا للإجهاض بحسب العادة.
(2) بثوب بعد الفراغ من الأغسال الثلاثة لمرسل يونس : (واغسله بماء القراح كما غسلت في المرتين الأولتين ثم نشفه بثوب طاهر) (3).
(3) الكنيف هو الموضع المعدّ لقضاء الحاجة ، والبالوعة ما يعدّ لإراقة الماء وغيره وقد ورد في صحيح محمد بن الحسن الصفار كتبت إلى أبي محمد عليه السلام : (هل يجوز أن يغسّل الميت ، وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ ... فوقّع : يكون ذلك في بلاليع) (4).
(4) لخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة) (5).
(5) شروع في مكروهات الغسل ، فيكره للغاسل ركوب الميت بأن يجعله بين رجليه لخبر عمار : (ولا يجعله بين رجليه في غسله ، بل يقف في جانبه) (6) وهو محمول على -
ص: 266
يجعله الغاسل بين رجليه (وإقعاده (1) وقلم ظفره وترجيل شعره) (2) وهو تسريحه ، ولو فعل ذلك دفن ما ينفصل من شعره وظفره معه وجوبا (3).
(الثالث - الكفن)
(والواجب منه) ثلاثة أثواب (4) ،
______________________________________________________
- الكراهة لخبر ابن سيابة : (لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك وأن تقوم فوقه) (1).
(1) أي ويستحب ترك إقعاده بمعنى يكره إقعاده لخبر الكاهلي : (إياك أن تقعده) (2) المحمول على الكراهة لصحيح الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام : (اقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا) (3).
(2) أي ويستحب ترك التقليم والترجيل بمعنى يكره تقليم أظفاره وترجيل شعره لخبر غياث : (كره أمير المؤمنين عليه السلام أن يحلق عانة الميت إذا غسّل أو يقلم له ظفر أو يجز له شعر) (4) وخبر طلحة بن زيد : (كره أن يقصّ من الميت ظفر ، أو يقصّ له شعر ، أو يحلق له عانة ، أو يغمز له مفصل) (5) ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يمسّ من الميت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه) (6) والأخبار لم تصرح بكراهة التسريح ، نعم ذهب الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية إلى عدم جواز قص الظفر وأن القص محرم وكذا يحرم تسريح الشعر وتبعهما ابنا حمزة وسعيد في الوسيلة والجامع ، وظاهر الأخبار الكراهة.
(3) لدلالة المرسل المتقدم عليه : (وإذا سقط منه شي ء فاجعله في كفنه) (7).
(4) اتفاقي كما عن جماعة إلا سلار فاكتفى بثوب واحد ، ويدل على الأول أخبار منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة والخرقة) (8) وموثق سماعة : (سألته عما يكفن به الميت ، قال عليه السلام : ثلاثة أثواب) (9).
ص: 267
(مئزر) (1) بكسر الميم ثم الهمزة الساكنة ، يستر ما بين السرّة والرّكبة (2). ويستحبّ أن يستر ما بين صدره وقدمه (3).
______________________________________________________
- واعتمد سلار على صحيح زرارة المروي في التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام : (العمامة للميت من الكفن هي؟ قال عليه السلام : لا ، إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه) (1).
وهذه الرواية لا تصلح للمعارضة لكثرة الطائفة الأولى ، ولأن الكليني قد روى هذا الخبر في الكافي بالواو : (إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام) ، ولأن نسخ التهذيب مختلفة ففي بعضها بأو كما تقدم ، وفي بعضها بالواو كما في الكافي ، وفي أكثرها إسقاط (أو ثوب تام) كما في الروض فلا يبقى مجال للاعتماد عليه.
(1) على المشهور ، وفي المدارك : «وأما المئزر فقد ذكره الشيخان وأتباعهما وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة ، ولم أقف في الروايات على ما يعطي ذلك ، بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد أو الأثواب الثلاثة ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه - إلى أن قال - وقريب منه عبارة الصدوق». واستدل للمشهور بصحيح ابن سنان : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف أصنع بالكفن؟ قال عليه السلام : تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه ، قلت : فالإزار؟ قال عليه السلام : إنها لا تعدّ شيئا ، إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شي ء) (2) بدعوى أن المراد من الإزار هو المئزر ولذا توهم السائل إغناء أحدهما عن الآخر ، ولذلك نفس الكلام في موثق عمار : (تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثم تذرّ عليها من الذريرة ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر والرجلين ، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ثم القميص) (3).
(2) نسبه في الحدائق إلى الأصحاب ، وعن جامع المقاصد وجوب ستر السرة والركبة بالمئزر ، وفي المقنعة والمراسم من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه ، وعن مختصر المصباح من سرته إلى حيث يبلغ ، وقال في الجواهر : «والجميع غير ظاهر» لصدق المئزر بدون ذلك.
(3) كما عن الشيخ في النهاية والشهيدين ، ويشهد له موثق عمار المتقدم : (ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر والرجلين) (4).
ص: 268
(وقميص) (1) يصل إلى نصف الساق (2) ، وإلى القدم أفضل (3) ويجزئ مكانه ثوب ساتر لجميع البدن على الأقوى (وإزار) (4) بكسر الهمزة ، وهو ثوب شامل لجميع البدن.
______________________________________________________
(1) على المشهور ويدل عليه أخبار منها : حسنة حمران عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به - إلى أن قال - قلت : فالكفن؟ فقال : يؤخذ خرقة فيشدّ بها سفله ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك وما يصنع من القطن أفضل ، ثم يكفن بقميص) (1) الخبر.
وعن الإسكافي والمحقق في المعتبر والشهيد الثاني وجماعة التخيير بينه وبين ثوب شامل للبدن لخبر محمد بن سهل عن أبيه : (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال عليه السلام : أحبّ ذلك الكفن يعني قميصا ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال عليه السلام : لا بأس به والقميص أحبّ إليّ) (2).
(2) أي من المنكبين إلى نصف الساق كما عن المحقق والشهيد الثاني ، وعلّل بأنه المتعارف في ذلك الزمان.
(3) كما عن البعض ، وفي الجواهر : «أنه لم يثبت».
(4) وهو ثوب يشمل جميع البدن طولا وعرضا ، بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : حسنة حمران المتقدمة : (ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن) (3) ، ولكن يجب أن يكون أطول من البدن حتى يمكن أن يشدّ طرفاه ، وفي العرض بحيث يوضع أحد الجانبين على الآخر كما في جامع المقاصد وروض الجنان والرياض ، لعدم تبادر غير ذلك من الإزار الذي يجمع فيه الكفن.
وعن البعض استحباب هذه الزيادة طولا وعرضا ، وجمع الكفن فيه كما ورد في الرواية متحقق ولو بالشد بالخيوط ونحوه.
هذا واعلم أنه لا يجب في التكفين نية القربة كما نصّ عليه غير واحد ، وقال في الجواهر : «ينبغي القطع به» لأنه مما يعلم أن غرض الشارع إيجاده فقط من دون أي لحاظ آخر.
ص: 269
ويستحبّ زيادته على ذلك طولا بما يمكن شدّه من قبل رأسه ورجليه ، وعرضا بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر. ويراعى في جنسها (1) القصد (2) بحسب حال الميت ، فلا يجب الاقتصار على الأدون (3) وإن ماكس الوارث ، أو كان غير مكلف.
ويعتبر في كلّ واحد منها (4) أن يستر البدن بحيث لا يحكي ما تحته (5) وكونه من جنس ما يصلي فيه الرجل (6) ، وأفضله القطن الأبيض (7).
______________________________________________________
(1) جنس الأثواب الثلاثة.
(2) أي الوسط.
(3) لم يرد من الشارع تحديد لذلك ، والعرف لا يرى وجوب الاقتصار على الأدون فيجوز الوسط وإن ماكس الوارث أو كان غير مكلف ، لأن الولي حينئذ مأذون.
(4) من هذه الأثواب الثلاثة.
(5) كما عن البعض وعلّل بأنه المتبادر من الثوب ، وفيه : إن المدار على ستر العورة بمجموع الكفن لخبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام : (إنما أمر أن يكفن الميت ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه ، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره) (1).
(6) سواء كان الميت طفلا أو امرأة ، وادعى عليه الإجماع كما في الغنية ، ولذا قال في مجمع البرهان : «وأما اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يصلي فيه وكونه غير جلد فكأن دليله الإجماع» واستدل له برواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تجمروا الأكفان ، ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور فإن الميت بمنزلة المحرم) (2) مع ضميمة ما دل على عدم جواز الإحرام بما لا تجوز فيه الصلاة ، وفيه : إنه لو سلم فالصلاة تجوز في الجلد بالإضافة إلى أن التشبيه الوارد بين الميت والمحرم ظاهر في خصوص التطيب.
(7) ففي المعتبر والتذكرة : «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفن بالقطن الأبيض» ولخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام : (الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به ، والقطن لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم) (3) -
ص: 270
وفي الجلد (1) وجه بالمنع (2) مال إليه المصنف في البيان وقطع به في الذكرى (3) ، لعدم فهمه من إطلاق الثوب ، ولنزعه عن الشهيد (4) وفي الدروس (5) اكتفى بجواز الصلاة فيه للرجل كما ذكرناه.
هذا كله (مع القدرة) ، أما مع العجز فيجزى من العدد ما أمكن (6) ولو ثوبا واحدا ، وفي الجنس يجزى كل مباح (7) لكن يقدّم الجلد على الحرير (8).
وهو على غير المأكول (9) من وبر وشعر وجلد ، ثم النجس (10) ويحتمل -
______________________________________________________
وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : البسوا البياض ، فإنه أطيب وأطهر ، وكفنوا فيه موتاكم) (1) وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام : (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ليس من لباسكم شي ء أحسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم) (2).
(1) جلد مأكول اللحم.
(2) لعدم صدق الثوب عليه.
(3) وكذا المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة والمحقق الثاني في جامع المقاصد والشارح في المسالك.
(4) فلا يصدق عليه أنه ثوب لأن الشهيد يدفن بثيابه.
(5) وكذا في الغنية لابن زهرة ، فيجوز التكفين به لجواز صلاة الرجل فيه.
(6) بلا خلاف لقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور.
(7) فلا يجوز التكفين بالمغصوب للنهي عن التصرف فيه ، وهو مما لا خلاف فيه.
(8) إذا دار الأمر في حال الاضطرار بين الجلد وغيره الممنوع في الكفن ، قدّم الجلد على الجميع ، وعلّله في الذكرى بأن النهي في الجلد غير صريح لأن المنع نشأ من دعوى عدم صدق الثوب عليه بخلاف غيره فإن النهي فيه صريح.
(9) أي ويقدم الحرير على غير المأكول باعتبار أن الحرير مما يجوز في صلاة النساء بخلاف غير المأكول فلا تجوز فيه الصلاة مطلقا بالنسبة للرجل والمرأة ، فتكون مانعية الحرير أقل من مانعية غير المأكول ، وناقش المحقق الثاني بأن ذلك يتم في الصلاة وهذا لا يقتضي جواز التكفين به لعدم الملازمة بينهما.
(10) فإن عدم الجلد والحرير وغير المأكول يكفن بالنجس ، وعلّل بأنه لا تجوز الصلاة فيه إلا للضرورة ، وهي هنا متحققة.
ص: 271
تقديمه على الحرير وما بعده (1) ، وعلى غير المأكول خاصة (2) ، والمنع من غير جلد المأكول مطلقا (3).
(ويستحبّ) أن يزاد للميت(الحبرة) (4) بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة ،
______________________________________________________
(1) من غير المأكول ، كما ذهب إليه في الذكرى لأن المانع في النجس عرضي وفي الحرير وغير المأكول ذاتي ، فيقدم العرضي على الذاتي.
(2) بدعوى أن الحرير مما لا تجوز الصلاة فيه للنساء فيقدم على النجس الذي لا تجوز فيه الصلاة مطلقا ، بخلاف النجس وغير المأكول فقد عرفت أن مانع النجس عرضي ومانع غير المأكول ذاتي.
(3) أي ولو في حال الضرورة ، فيدفن عاريا كما عن الإسكافي ويدل عليه موثق عمار : (الكفن يكون بردا فإن لم يكن بردا فاجعله كله قطنا) (1) وفيه : إن الحصر إضافي ولذا جاز التكفين بالصوف والكتان.
(4) ضرب من برود اليمن تصنع من القطن أو الكتان ، سميت بذلك من التحبير وهو التزيين والتحسين.
وتوصف بعبرية كما عن الشيخ والمحقق وجماعة نسبة إلى العبر إما بلد في اليمن وإما بمعنى جانب الوادي.
وقد ورد لفظ الحبرة في أخبار منها : خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام : (كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين) (2) ومضمر سماعة : (إنما كفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة) (3).
وقال في المدارك : «وأنت خبير بأن هذه الروايات إنما تدل على استحباب كون الحبرة إحدى الأثواب الثلاثة ، لا على استحباب جعلها زيادة على الثلاثة كما ذكرها المتأخرون ، وبما ذكرناه صرح ابن أبي عقيل في كتابه المستمسك على ما نقل عنه».
هذا ويشترط أن لا تكون مطرزة بالذهب وقال في المعتبر : «لأنه تضييع غير مأذون فيه» وليست من الحرير لعدم جواز التكفين فيه.
والاستحباب للرجل بل عن ابن حمزة اختصاص ذلك بالرجل ، وعن غيره أنه يعم المرأة لأصالة الاشتراك ولمرسل سهل : (كيف تكفن المرأة؟ فقال : كما يكفن الرجل) (4).
ص: 272
وهو ثوب يمني ، وكونها عبريّة - بكسر العين نسبة إلى بلد باليمن - حمراء ، ولو تعذّرت الأوصاف أو بعضها سقطت ، واقتصر على الباقي (1) ولو لفافة بدلها (2).
(والعمامة) للرجل (3) ، وقدرها (4) ما يؤدي هيئتها المطلوبة شرعا ، بأن
______________________________________________________
(1) من أجزاء الكفن المستحب.
(2) كما صرح بذلك الكثير من الأصحاب ، وربما ظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه قال في الجواهر عنه : «ولعل ذلك كاف فيه وإلا فهم أكثر على ما يدل عليه في شي ء من الأدلة» وظاهر السرائر استحبابها من غير اشتراط تعذر الحبرة.
(3) اتفاقي كما في المعتبر للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (- إلى أن قال - ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف ، وعمامة يعصب بها رأسه ، ويردّ فضلها على رجليه) (1) وقال في المنتقى والصحيح : (ويردّ فضلها على وجهه) وخبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام : (وعمامة يعتم بها ويلقى فضلها على وجهه) (2) والعمامة مستحبة لصحيح زرارة : (قلت لأبي جعفر عليه السلام : العمامة للميت من الكفن هي؟ قال عليه السلام : لا ، إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب ، - إلى أن قال - والعمامة سنة ، وقال : أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعمامة وعمّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (3).
(4) قد ورد استحباب التعمم كصحيح زرارة المتقدم ، ويكفي فيها المسمى طولا وعرضا ، إلا أن هناك روايات قد دلت على كيفية خاصة بأن يحنك الميت بها لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام في العمامة للميت قال : (حنكه) (4) وخبر عثمان النوا عن أبي عبد الله عليه السلام : (وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي ، قلت كيف أصنع؟ قال عليه السلام : خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفيها على صدره) (5) والمراد بعمة الأعرابي كما في الحدائق هي العمة من غير حنك.
ثم يخرج طرفها من تحت الحنك ويلقيان على الصدر ويدل عليه خبر النوا المتقدم ، بل يستحب أن يلقى فضل الشق الأيمن من العمامة على جانب صدره الأيسر وفضل الأيسر منها على جانب الأيمن من صدره لخبر يونس عنهم عليهم السلام : (ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ، ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر -
ص: 273
تشتمل على حنك وذؤابتين من الجانبين تلقيان على صدره ، على خلاف الجانب الذي خرجتا منه. هذا بحسب الطول ، وأما العرض فيعتبر فيه إطلاق اسمها.
(والخامسة) (1) وهي خرقة طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض نصف ذراع (2)
______________________________________________________
- والأيسر على الأيمن ثم يمدّ على صدره) (1) بل في الجواهر : «لا نعرف في ذلك خلافا».
(1) وهي خرقة لفخذيه ، واستحباب زيادتها متفق عليه للأخبار منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة والخرقة يشد بها وركيه لكيلا يبدو منه شي ء ، والخرقة والعمامة لا بدّ منهما وليستا من الكفن) (2) ومرسل يونس : (وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه ، وضمّ فخذيه ضمّا شديدا ولفّها في فخذيه ، ثم اخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ، واغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة ، وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا) (3).
وهذه الخرقة تسمى بالخامسة لأنها خامس قطعة بعد الحبرة في الكفن وبعد الأثواب الثلاثة الواجبة.
إن قلت : إنها السادسة لأن العمامة قطعة من الكفن أيضا.
قلت : هي الخامسة من قطع الكفن الواجب والمستحب بالنسبة للرجل والمرأة ، وأما العمامة فتختص بالرجل كما تختص المرأة بالقناع وبدلا عنها وتختص أيضا بلفافة لثدييها.
أو أن يقال بأن الكفن ما لفّ الجسد والعمامة ليست منه اصطلاحا لخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (كتب أبي في وصيته - إلى أن قال - وعممني بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن ، إنما يعد ما يلفّ به الجسد) (4).
(2) ففي خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا -
ص: 274
إلى ذراع ، يثفر بها الميت (1) ذكرا أو أنثى ، ويلفّ بالباقي حقويه وفخذيه ، إلى حيث ينتهي ثم يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه ، سميت خامسة نظرا إلى أنها منتهى عدد الكفن الواجب ، وهو الثلاث ، والندب وهو الحبرة والخامسة ، وأما العمامة فلا تعدّ من أجزاء الكفن اصطلاحا وإن استحبت.
(وللمرأة القناع) (2) يستر به رأسها(بدلا عن العمامة) ويزاد عنه لها
______________________________________________________
- وعرضها شبرا ونصفا) (1) وفي خبر يونس المتقدم : (وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه) (2) والشبر هو نصف ذراع تقريبا ، ولم يوجد في الأخبار تحديد عرضها بذراع أو شبرين بل بشبر ونصف كما في خبر عمار وهذا ما نص عليه الشارح في الروض ، فجعل العرض ذراعا كما في الروضة مما لم يدل عليه خبر ولم يوافقه أحد من الأصحاب كما صرح بذلك المحقق الخونساري في حاشيته.
(1) لخبر الكاهلي : (تذفره به إذفارا) (3) قال الشارح في الروض : «وعبارات الأصحاب أكثرها مشتملة على أنه يلفّ بها فخذاه من غير تفصيل ، والذي عليك استفادته من الرواية الأولى - أعني خبر الكاهلي - إن كان المراد من الإذفار هو الإثفار - كما ذكره الشهيد - أن يربط أحد طرفي الخرقة على وسطه إما بشق رأسها ، أو بأن يجعل فيها خيطا ونحوه يشدها ، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه ويضم بها عورته ضما شديدا ويخرجها من الجانب الآخر ويدخلها تحت الشداد الذي هو على وسطه ، وهذا هو المراد من الإثفار كما تقدم بيانه في المستحاضة ، ثم تلف حقويه وفخذيه بما بقي منها لفا شديدا ، فإذا انتهيت أدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهى عنده منها» انتهى.
أقول : ويدل على ذلك مرسل يونس المتقدم وأن اللف إلى عند الركبة.
(2) أي الخمار ويدل عليه الأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين) (4) وفسر الدرع بالقميص ، والمنطق بكسر الميم لفافة تشد على ثدييها كما في المدارك أو هو المئزر كما في الذكرى ، ويدل على الخمار أيضا خبر عبد الرحمن -
ص: 275
(النّمط) (1) وهو ثوب من صوف فيه خطط تخالف لونه ، شامل لجميع البدن فوق الجميع ، وكذا تزاد عنه خرقة أخرى يلفّ بها ثدياها وتشدّ إلى ظهرها على المشهور (2). ولم يذكرها المصنف هنا ولا في البيان ولعله لضعف المستند ، فإنه خبر مرسل مقطوع (3) ، ورواية سهل بن زياد (4).
(ويجب إمساس مساجده السبعة بالكافور) (5) وأقله مسماه على مسماها.
______________________________________________________
- عن أبي عبد الله عليه السلام : (في كم تكفن المرأة؟ قال : تكفن في خمسة أثواب أحدها الخمار). والخمار ما يخمر به الرأس أي يستر.
(1) قال في المصباح عنه : «ثوب من صوف ذو لون من الألوان ، ولا يكاد يقال للأبيض : نمط».
وقد قطع الأصحاب باستحبابه للمرأة كما في المدارك واستدل عليه بصحيح ابن مسلم المتقدم بناء على أن المراد من المنطق هو المئزر فتبقى اللفافتان فواحدة إزار والأخرى هي النمط ، وفي المدارك إنكار هذه الدلالة لأن المنطق هو الخرقة التي تشد على الثديين واللفافتان هما الإزار والمئزر.
وعن ابن إدريس جعل النمط هو الحبرة وليس شيئا زائدا.
(2) قال في الجواهر : «لم أجد فيه خلافا من أحد» ويدل عليه مضمر سهل بن زياد : (سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال : كما يكفن الرجل غير أنه نشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر ونشد على ظهرها) (1).
(3) فقد رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعن بعض أصحابنا رفعه قال : (سألته) إلى آخر الخبر المتقدم.
(4) فقد اختلف العلماء في توثيقه وتضعيفه ، فقد ضعّفه النجاشي وابن الغضائري وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري ونهى الناس عن السماع عنه وكان يعتمد المجاهيل ويروي المراسيل.
هذا مع أن الشيخ في رجاله قد وثقه وكذا ابن طاوس في التحرير والعلامة المجلسي والوحيد البهبهاني وجماعة وذلك لأنه من مشايخ الإجازة لأن التضعيف بغالبه من جهة الغلو مع أن غالب ما رواه هو الآن من ضروريات الإمامية ولم يشهد بكذبه إلا ابن الغضائري وهو لا يعتمد عليه في ذلك ، ولذا قيل : إن الأمر في سهل سهل. -
ص: 276
(ويستحبّ كونه ثلاثة عشر درهما وثلثا) (1) ودونه في الفضل أربعة دراهم ،
______________________________________________________
على المشهور شهرة عظيمة ، وعن المراسم الاستحباب وأنكر الفاضل الجواد في مفتاحه نسبة الاستحباب إليه وأنه قائل بالوجوب ، ومستند المشهور أخبار كثيرة.
منها : موثق عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحنوط للميت ، فقال عليه السلام : اجعله في مساجده) (1) وحسنة حمران عن أبي عبد الله عليه السلام : (يوضع في منخره وموضع سجوده) (2) فالوضع في هذا الخبر ونظائره محمول على المسح لمصحح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (فامسح به آثار السجود) (3) وصحيح زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام : (عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود) (4) وغالب الأخبار خالية عن المنخر فما دل منها عليه محمول على الاستحباب إلا أن جماعة منهم ابن أبي عقيل والمفيد والحلبي والقاضي والعلامة في المنتهى قد ذهبوا إلى كونه أحد المساجد ويدل عليه حسنة حمران المتقدمة وخبر الدعائم : (وجعل الكافور والحنوط في مواضع سجوده : جبهته وأنفه ويديه وركبتيه ورجليه) (5).
(1) يكفي في مقدار الكافور مسماه على المشهور ، ويدل عليه إطلاق الكثير من الأخبار هذا بالإضافة إلى أن موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قد ذكر القطن ومقداره وطول الخرقة وعرضها والإزار ولكنه ذكر الكافور ولم يتعرض لتقديره وهو ظاهر في عدم اعتبار القدر فيه ، وعن الشيخين والصدوق أن أقله مثقال وأوسطه أربعة دراهم لخبر عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام : (أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال) (7) وخبر الكاهلي وحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام : (القصد من الكافور أربعة مثاقيل) (8) وفسّر ابن إدريس المثاقيل هنا بالدراهم وطالبه ابن طاوس بالمستند ، إذ الدرهم نصف مثقال وخمسه.
وعن الجعفي أقله مثقال وثلث وليس له مستندا إلى خبر عبد الرحمن الآخر عن بعض -
ص: 277
ودونه مثقال وثلث ، ودونه مثقال (ووضع الفاضل) منه عن المساجد(على صدره) (1) لأنه مسجد في بعض الأحوال (2). (وكتابة اسمه (3) وأنه يشهد الشهادتين (4) ،)
______________________________________________________
- رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام : (أقل ما يجزي من الكافور للميت مثقال ونصف) (1) وهو غير مطابق لدعوى الجعفي.
والجمع بين الأخبار يقتضي أنه يكفي المسمى وأقل الفضل مثقال ثم مثقال ونصف بناء على الرواية أو مثقال وثلث بناء على قول الجعفي ثم أربعة مثاقيل أو دراهم بناء على تفسير ابن إدريس ثم أكثره ثلاثة عشر درهما وثلث لمرفوع إبراهيم بن هاشم : (السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره) (2) وللأخبار الدالة على أن الحنوط الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أربعين مثقالا وقد قسّمه بينه وبين أمير المؤمنين وسيدة النساء أثلاثا فيكون نصيب كل واحد ثلاثة عشر درهما وثلثا.
منها : مرسل الصدوق : (إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأوقية من كافور من الجنة ، والأوقية أربعون درهما ، فجعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أثلاث : ثلثا له ، وثلثا لعلي ، وثلثا لفاطمة) (3).
(1) كما في الفقه الرضوي : (تبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به ، وتلقي ما بقي منه على صدره) (4).
(2) كسجدة الشكر ففي خبر يحيى بن عبد الرحمن : (رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق جؤجؤه وصدره وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك ، فقال : كذا يجب) (5) ومثله خبر ابن أبي عمير عن جعفر بن علي في السجود بعد الصلاة (6).
(3) أي اسم الميت ، وعن سلّار والصدوق واسم أبيه وقال في الجواهر : «لم أقف ما على يدل عليه» ، فيستحب كتابة اسمه على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين كما عن جماعة التصريح به ، وعن الشيخ في المبسوط والشهيد في الدروس زيادة العمامة ، وعن بعضهم أن الكتابة على الأكفان بقول مطلق.
(4) لخبر أبي كهمس : (قال : حضرت موت إسماعيل ، وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده ، -
ص: 278
وأسماء الأئمة) (1) بالتربة الحسينية (2) ،
______________________________________________________
- فلما حضره الموت شدّ لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة ، ثم أمر بتهيئته فلما فرغ من أمره دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله) (1) ، وخبر عبد الله بن عقيل : (لما حضرت فاطمة الوفاة دعت بماء فاغتسلت ثم دعت بطيب فتحنطت به - إلى أن قال - فقلت : هل شهد معك أحد؟ قال : نعم شهد كثير بن عباس وكتب في أطراف كفنها فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
(1) نسب إلى الأصحاب كما في الجواهر وعن الخلاف والغنية الإجماع عليه وقال في الجواهر : «فلا يقدح حينئذ ما ذكره جماعة من متأخري المتأخرين من عدم الوقوف له على نص وأنه شي ء ذكره الأصحاب).
ويستشهد له بخبرين الأول : ما عن السيد ابن طاوس في فلاح السائل : (وكان جدي ورّام بن أبي فارس (قدس الله جل جلاله روحه) - وهو ممن يقتدى بفعله - قد أوصى أن يجعل في فمه بعد وفاته فص عقيق عليه أسماء أئمته عليهم السلام فنقشت أنا فصا عقيقا عليه : الله ربي ومحمد نبي وعليّ وسميت الأئمة عليهم السلام أئمتي ووسيلتي ، وأوصيت أن يجعل في فمي بعد الموت ليكون جواب الملكين عند المسائلة في القبر سهلا إن شاء الله) (3).
الثاني : ما عن غيبة الشيخ عن أبي الحسن القمي أنه : (دخل علي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) وهو من النواب الأربعة فوجده وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها آيات من القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها ، قلت : يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال : لقبري تكون فيه وأوضع عليها ، أو قال أسند إليها) (4) ومنه يستدل على استحباب كتابة القرآن على الكفن أيضا.
(2) كما عن الاحتجاج في أجوبة مسائل الحميري لصاحب الأمر عليه السلام : (أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب عليه السلام : توضع مع -
ص: 279
ثم بالتراب الأبيض (1) (على العمامة والقميص والإزار والحبرة.) (والجريدتين) (2) المعمولتين(من سعف النخل) (3)
______________________________________________________
- الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى ، وسأله : روي لنا عن الصادق عليه السلام أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله ، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟ فأجاب عليه السلام : يجوز ذلك) (1).
(1) ليس فيه نص بالخصوص ، وإنما ذكره الأصحاب كراهيته الكتابة بالسواد ، وعلّله في المعتبر بأن فيه نوع استبشاع ونسبه للشيخ.
(2) الكتابة على هذه المذكورات مما قد ادعى عليه ابن زهرة في الغنية الإجماع ، وزاد الشيخ في المبسوط والشهيد في الدروس العمامة وقد تقدم خبر أبي كهمس في كتابة أبي عبد الله عليه السلام على أطراف كفن إسماعيل وخبر عبد الله بن عقيل في كتابة ابن عباس على أطراف كفن الزهراء ، وهما ظاهران في الكتابة على أطراف الإزار أو الحبرة لا على كل قطعة من قطع الكفن.
(3) يستحب وضع الجريدتين مع الميت للأخبار منها : صحيح زرارة : (قلت لأبي جعفر عليه السلام : أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال عليه السلام : يتجافى عنه الحساب والعذاب ما دام العود رطبا ، إنما العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل في القبر ويرجع القوم ، وإنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله) (2).
وخبر الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام : (توضع للميت جريدتان واحدة في اليمين وأخرى في الأيسر) (3).
ويعتبر فيها أن تكون رطبة لخبر محمد بن علي بن عيسى عن أبي الحسن الأول : (سأله عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت أن توضع معه في حفرته؟ قال عليه السلام : لا يجوز اليابس) (4).
وتثنية الجريدة هو المشهور وعن ابن الجنيد الاكتفاء بالجريدة الواحدة مع أن ظاهر النصوص على التثنية.
ثم إن لفظ الجريدة والسعفة الوارد في الخبر ظاهر في كونها من النخل لأن الجريدة -
ص: 280
أو من السّدر (1) ، أو من الخلاف ، أو من الرّمان (2) (أو) من(شجر رطب) (3) مرتبا في الفضل كما ذكر ، يجعل إحداهما من جانبه الأيمن ، والأخرى من الأيسر(فاليمنى عند التّرقوة) (4) واحدة التراقي ، وهي العظام المكتنفة لثغرة النّحر(بين القميص وبشرته ، والأخرى بين القميص والإزار من جانبه الأيسر) ، فوق التّرقوة ولتكونا خضراوتين ليستدفع عنه بهما العذاب ، ما دامتا كذلك. والمشهور أن قدر كل واحدة طول عظم ذراع الميت (5) ، ثم قدر شبر ، ثم أربع أصابع.
______________________________________________________
- هي سعف النخل كما في المصباح المنير وإنما تسمى جريدة إذا جرّد عنها خوصها بالإضافة لمكاتبة علي بن بلال كتب إلى أبي الحسن الثالث : (الرجل يموت في بلاد وليس فيها نخل ، فهل يجوز مكان الجريدة شي ء من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائك عليهم السلام أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وأنها تنفع المؤمن والكافر؟ فأجاب عليه السلام : يجوز من شجر آخر رطب) (1).
(1) لمضمر سهل : (قالوا : قلنا له : جعلنا الله فداك ، إن لم يقدر على الجريدة؟ فقال : عود السدر ، قيل : فإن لم نقدر على السدر؟ فقال : عود الخلاف) (2) والخلاف هو الصفصاف كما في مصباح المنير.
(2) لما في الكافي : (روى علي بن إبراهيم قال : يجعل بدلها - أي الجريدة - عود الرمان) (3).
(3) لمكاتبة علي بن بلال المتقدمة.
(4) الترقوة هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين ، ففي خبر جميل بن دراج : (الجريدة قدر شبر ، توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت مما يلي الجلد ، والأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص) (4).
(5) لمضمر يونس : (وتجعل له قطعتين من جريدة النخل رطبا قدر ذراع) (5) وخبر يحيى بن عبادة عن أبي عبد الله عليه السلام : (تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع) (6) بناء على أنه المراد منه قدر عظم الذراع المقدّر بالشبر تقريبا وجدانا.
وأما التقدير بالشبر فلخبر جميل المتقدم : (الجريدة قدر شبر) وإليه ذهب الصدوق وإذا حمل خبر الذراع على عظم الذراع فلا خلاف بين المشهور والصدوق.
وأما التقدير بأربع أصابع فقد نسب للعماني واستدل له بخبر يحيى بن عبادة عن أبي -
ص: 281
واعلم أن الوارد في الخبر من الكتابة ما روي (1) : أن الصادق عليه السلام كتب على حاشية كفن ابنه إسماعيل : «إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله» ، وزاد الأصحاب الباقي كتابة (2) ، ومكتوبا عليه (3) ، ومكتوبا به (4) للتبرك ، ولأنه خير محض مع ثبوت أصل الشرعية. وبهذا اختلفت عباراتهم فيما يكتب عليه من أقطاع الكفن وعلى ما ذكر لا يختص الحكم بالمذكور (5) بل جميع أقطاع الكفن (6) في ذلك سواء ، بل هي (7) أولى من الجريدتين ، لدخولها (8) في إطلاق النص (9)
______________________________________________________
- جعفر عليه السلام : (وما التخضير؟ قال : جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة) (1) وهو غير ظاهر في أربع أصابع لأن الحد الفاصل بين أصل الترقوة المبتدأ من ثغرة النحر إلى أصل اليدين المنتهى عند المنكبين هو بمقدار الشبر تقريبا ، فالأخبار غير متعارضة بل كلها تدل على الشبر.
ثم إن الشارح قد نسب للمشهور الأصابع الأربعة كما جعل الذراع بذراع الميت وهو ليس في محله أما الأصابع الأربعة فهي منسوبة للعماني فقط وأما تقييد الذراع بالميت فقد قال في الجواهر عنه : «ومن العجيب ما في الروضة من نسبة ذلك إلى الشهرة - إلى أن قال - والتتبع أعدل شاهد مع أنا لم نعرف غيره ذكر التقييد بالميت».
(1) وهو خبر أبي كهمس المتقدم.
(2) من الشهادة بالنبوة وأسماء الأئمة عليهم السلام.
(3) قد عرفت أن الأخبار ظاهرة في الكتابة على طرف الإزار أو الحبرة ، فالكتابة على كل أجزاء الكفن مما لا نص عليه.
(4) وهو الكتابة بالتربة الحسينية.
(5) من الكتابة على العمامة والقميص والإزار والحبرة والجريدتين.
(6) بما فيها المئزر والخرقة ، ولعل استثنائهما لأن الكتابة عليهما كتابة على أسافيل البدن ، وهذا فيه منافاة للأدب.
(7) أي أقطاع الكفن كلها.
(8) لدخول قطع الكفن ، وهذا بيان وجه الأولوية.
(9) وهو خبر أبي كهمس المتقدم من أنه كتب على حاشية كفن ابنه إسماعيل.
هذا ويستحب زيادة على ما تقدم كتابة دعاء الجوشن الكبير لما رواه الكفعمي في جنة -
ص: 282
بخلافهما.
(وليخط) الكفن إن احتاج إلى الخياطة(بخيوطه) مستحبا (1) (ولا تبلّ بالريق) (2) على المشهور فيهما ، ولم نقف فيهما على أثر.
(ويكر ، الأكمام المبتدأة) (3) للقميص ، واحترز به عما لو كفّن في قميصه ، فإنه لا كراهة في كمّه بل تقطع منه الأزرار(وقطع الكفن بالحديد) (4) قال الشيخ : سمعناه مذاكرة من الشيوخ ، وعليه كان عملهم. (وجعل الكافور في سمعه وبصره على الأشهر) (5) خلافا للصدوق حيث استحبّه استنادا إلى رواية
______________________________________________________
- الأمان عن السجاد عن أبيه عن جده عليهم السلام : (نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل ، آلمه ثقله فقال : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول لك : اخلع هذا الجوشن ، واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولأمتك - إلى أن قال - ومن كتبه على كفنه استحى الله أن يعذبه بالنار - وساق الحديث إلى أن قال - قال الحسين عليه السلام : أوصاني أبي بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه وأن أكتبه على كفنه وأن أعلّمه أهلي وأحثهم) (1).
(1) قال في الجواهر : «بلا خلاف أجده بين الأصحاب ، بل نسبه في الذكرى وجامع المقاصد إلى الشيخ وإليهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه ولعله الحجة - إلى أن قال - وإلا فلم نقف على ما يدل عليه في شي ء من الأدلة».
(2) قال في المعتبر بعد ما نسبه إلى الشيخ في المبسوط والنهاية : (ورأيت الأصحاب يجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم).
(3) للمرسل عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت له : الرجل يكون له القميص أيكفن فيه؟ فقال : اقطع أزراره ، قلت : وكمه؟ قال : لا ، إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما ، فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا أزراره) (2) وعن ابن البراج أنه لا يجوز الاعتماد على الخبر لإرساله ، وفيه : إنه منجبر بعمل الأصحاب.
(4) لا نص فيه وإنما شي ء ذكره الشيخ وقال : «سمعناه مذاكرة من الشيوخ وعليه كان عملهم».
(5) للأخبار منها : مضمر يونس : (ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه ولا على -
ص: 283
معارضة بأصح منها وأشهر.
(ويستحبّ اغتسال الغاسل قبل تكفينه) (1) غسل المسّ إن أراد هو التكفين(أو الوضوء) الذي يجامع غسل المسّ للصلاة ، فينوي فيه (2) الاستباحة أو الرفع
______________________________________________________
- وجهه قطنا ولا كافورا) (1) وخبر عبد الرحمن : (لا تجعل في مسامع الميت حنوطا) (2) ، وذهب الصدوق في الفقيه إلى جعل الكافور على بصره وأنفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها استنادا على صحيح ابن سنان : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف أصنع بالحنوط؟ قال : تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه) (3) ورواية سماعة : (يجعل شيئا من الحنوط على مسامعه ومساجده) (4) وخبر عمار : (واجعل الكافور في مسامعه) (5) وصحيح زرارة : (إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه) (6) وقد حملت هذه الطائفة على التقية لموافقتها للعامة ، أو تحمل على الكراهة جمعا بينها وبين ما تقدم.
(1) أو يتوضأ على المشهور ، وفي الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، وفي الجواهر : «لم أقف له على مستند» ، وعلله في المعتبر بأن الاغتسال أو الوضوء على من مسّ ميتا واجب أو مستحب والأمر به على الفور فيكون التعجيل به أفضل. وفيه : إن تعجيل الغسل أو الوضوء مناف لتعجيل تجهيز الميت بالإضافة إلى ورد أخبار بتأخير الغسل - غسل المس - عن التكفين. منها : خبر يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام : (ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات ، ثم إذا كفنه اغتسل) (7) وخبر أبي بصير وابن مسلم عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين عليهما السلام : (من غسل منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه) (8) مع أن النصوص خالية عن استحباب الوضوء قبل التكفين ، نعم هي صريحة في غسل اليدين إلى المنكبين.
(2) في الوضوء.
ص: 284
أو إيقاع التكفين على الوجه الأكمل ، فإنه (1) من جملة الغايات المتوقّفة على الطهارة. ولو اضطر لخوف على الميت. أو تعذّرت الطهارة غسل يديه من المنكبين ثلاثا (2) ثم كفّنه ، ولو كفنه غير الغاسل فالأقرب استحباب كونه متطهرا ، لفحوى (3) اغتسال الغاسل أو وضوئه.
(الرابع - الصلاة عليه)
(وتجب) الصلاة (4) (على كلّ من بلغ) أي أكمل (ستا (5)) ممن له حكم
______________________________________________________
(1) أي إيقاع التكفين على الوجه الأكمل.
(2) على المشهور للأخبار المتقدمة وقد حملت عندهم على صورة تعذر الطهارة ، أو على صورة الخوف على الميت لو تأخر مع أنها آبية عن هذا التنزيل.
(3) وفيه : أنه لا استحباب للغاسل أن يكون متطهرا حال التكفين كما سمعت فالأولوية ليست في محلها.
(4) تجب الصلاة على كل مسلم بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام : (صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله) (1) وخبر غزوان السكوني عنه عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : صلوا على المرجوم من أمتي ، وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة) (2).
وعن المفيد وابني حمزة وإدريس وأبي الصلاح تخصيص الصلاة بالمؤمن المعتقد بالحق بدعوى كفر غير المؤمن ، وعن ابن إدريس تخصيص الصلاة بغير ولد الزنا لدعوى كفر ولد الزنا وكلا القولين ضعيف لما تقدم من إسلام الجميع.
فتجب الصلاة على كل مسلم بلا فرق بين العادل منهم والفاسق ، ولا بين مرتكب الكبائر وغيره لعموم الأخبار المتقدمة ، نعم لا تجوز الصلاة على الكافر لتقييد الصلاة بأهل القبلة وبأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأخبار المتقدمة ، بلا فرق بين كون الكافر دهريا أو مشركا من أهل الكتاب أو لا ، حتى المرتد ومن حكم بكفره من فرق المسلمين كالغلاة والخوارج والنواصب.
(5) لا تجب الصلاة على أطفال المسلمين إلا إذا بلغوا ست سنين على المشهور لصحيح زرارة والحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى -
ص: 285
الإسلام) من الأقسام المذكورة في غسله ، عدا الفرق المحكوم بكفرها من المسلمين.
(وواجبها القيام) (1) مع القدرة ، فلو عجز عنه صلى بحسب المكنة كاليومية. وهل يسقط فرض الكفاية عن القادر بصلاة العاجز؟ نظر : من صدق الصلاة الصحيحة عليه (2) ، ومن نقصها عنه (3) مع القدرة على الكاملة ، وتوقف في الذكرى لذلك.
(واستقبال) المصلي (القبلة) (4) ،
______________________________________________________
- عليه؟ قال عليه السلام : إذا عقل الصلاة ، قلت : متى تجب الصلاة عليه؟ فقال عليه السلام : إذا كان ابن ست سنين) (1) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (أما أنه لم يكن يصلى على مثل هذا - وكان ابن ثلاث سنين - كان علي عليه السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله ، قال : قلت : فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال عليه السلام : إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين) (2) وعن ابن أبي عقيل عدم وجوب الصلاة عمّن من لم يبلغ ، لأن الصلاة استغفار للميت ودعاء ، ومن لم يبلغ لا يحتاج إلى ذلك ولموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال عليه السلام : لا ، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم) (3).
وعن ابن الجنيد وجوب الصلاة على المولود إذا استهل للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ... وإذا استهلّ فصلّ عليه) (4) فتحمل على التقية أو الاستحباب.
(1) يجب القيام في صلاة الأموات مع القدرة للأخبار التي سيأتي بعضها في الوقوف عند الوسط أو الصدر ، غايته أن القيام شرط مع الإمكان ، ومع العجز يصلي بحسب الإمكان كاليومية لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
(2) أي على ما أتى به العاجز ، وهذا وجه السقوط.
(3) أي نقص صلاة العاجز عن فرض الكفاية وهذا وجه عدم السقوط.
(4) بلا خلاف للأخبار ، منها : ما ورد في الجنائز المتعددة كمرسل ابن بكير عن أبي -
ص: 286
وجعل رأس الميت إلى يمين المصلي) (1) مستلقيا على ظهره (2) بين يديه (3) ، إلا أن يكون مأموما فيكفي كونه (4) بين يدي الإمام ومشاهدته له (5) ، وتغتفر الحيلولة بمأموم مثله ، وعدم تباعده عنه (6) بالمعتدّ به عرفا ، وفي اعتبار ستر عورة المصلي وطهارته من الخبث في ثوبه وبدنه وجهان (7).
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام : (توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم ، والرجال مما دون ذلك ، ويقوم الإمام مما يلي الرجال) (1).
(1) بلا خلاف فيه ويدل عليه موثق عمار : (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن ميت صلي عليه فلما سلّم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه؟ قال عليه السلام : يسوّى وتعاد الصلاة عليه ، وإن كان قد حمل ما لم يدفن ، فإن دفن فقد مضت الصلاة عليه ولا يصلّى عليه وهو مدفون) (2).
(2) بلا خلاف فيه كما في الجواهر.
(3) أي بين يدي المصلي فلا يجوز التباعد كثيرا ، وعن الصدوق وجوب القرب بحيث إن هبت الريح فرفعت ثوبه أصاب الجنازة ، وقال في كشف اللثام : «لم أظفر بخبر ينص على الباب».
ولا فرق في المصلي بين كونه منفردا أو إماما أو مأموما ، غايته إن كان مأموما فلا يجوز له التباعد بغير الصفوف.
(4) كون الميت.
(5) أي مشاهدة المأموم للإمام ، وهذا اشتراط لعدم الحيلولة بين الإمام والمأموم إلا بمأموم آخر ، وسيأتي إن شاء الله في صلاة الجماعة أن هذا مختص بغير المرأة ، أما فيها فلا بأس بالحائل مع علمها بأفعال الإمام التي تجب فيها المتابعة.
(6) أي عدم تباعد المصلي عن الميت.
(7) أما بالنسبة للحدث سواء كان صغيرا أو كبيرا فهو ليس شرطا في صلاة الميت للأخبار منها : خبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر ، قال عليه السلام : فليكبر معهم) (3) وخبر يونس بن يعقوب : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال : نعم ، إنما -
ص: 287
(والنية) (1) المشتملة على قصد الفعل ، وهو الصلاة على الميت المتحد
______________________________________________________
- هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء) (1) وخبر محمد بن مسلم : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال : نعم ولا تقف معهم) (2).
ثم كما لا يشترط إزالة الحدث فكذا لا يشترط إزالة الخبث من دون خلاف كما في الجواهر ، وإن تردد الشهيد في الذكرى بعد اعترافه بعدم وقوفه على نص أو فتوى في ذلك.
ودليل عدم اشتراط إزالة الخبث إطلاق الإذن في الحائض مع عدم انفكاكها عن النجاسة غالبا ، ولإرشاد التعليل في خبر يونس بن يعقوب المتقدم : (إنما هو تكبير - إلى قوله - كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء) ومن الواضح عدم توقف التكبير في البيت على إزالة الخبث.
وتردد الشهيد ناشئ من كون صلاة الميت صلاة ، واشتراط وجوب الطهارة من الخبث فيها من الواضحات ، وفيه : إن إطلاق الصلاة عليها مجاز ، ولذا لا يشترط فيها الطهور مع قوله عليه السلام : (لا صلاة إلا بطهور) (3) ولم يكن فيها ركوع ولا سجود مع أن الصلاة متقدمة بهما فلذا ورد في رواية الفضل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (إنما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود ، وإنما هي دعاء ومسألة ، وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أيّ حال كنت ، وإنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود) (4) وقد سمعت خبر يونس أنها دعاء وتكبير.
وأما ستر العورة فقد ذهب الشهيد في الذكرى إلى اشتراط جميع ما يعتبر في الصلاة اليومية إلا ما خرج بالدليل كالطهارة من الحدث بدعوى اندراجها تحت الصلاة فيجب فيها الستر ومراعاة صفات الساتر كما أنه ينبغي عدم فعل شي ء من الموانع كالضحك والكلام واستشكل فيه بعدم الإطلاق الحقيقي للفظ الصلاة عليها لأنها دعاء ومسألة وتكبير وتهليل ليس إلا.
(1) بلا خلاف ولا إشكال لدعوى الإجماع على أن صلاة الميت من العبادات فيجب فيها -
ص: 288
أو المتعدّد ، وإن لم يعرفه ، حتى لو جهل ذكوريته وأنوثيته ، جاز تذكير الضمير وتأنيثه مؤولا بالميت والجنازة (1) متقربا. وفي اعتبار نية الوجه من وجوب وندب - كغيرها من العبادات - قولان للمصنف في الذكرى مقارنة للتكبير (2) مستدامة الحكم إلى آخرها.
(وتكبيرات خمس) (3)
______________________________________________________
- القصد مع التقرب ، نعم لا يجب التعرض للوجه وإن احتمله في الذكرى ، ولا يشترط تعيين الميت ومعرفته وعن جامع المقاصد ينبغي ذلك.
(1) على نحو اللف والنشر المرتبين فإن ذكّر الضمائر نوى بها الميت ، وإن أنثها ينوي بها الجنازة.
(2) حتى يقع أول فعل من الصلاة عن نية ، وهو مبني على كون النية إخطارية ، وقد عرفت أنها على نحو الداعي فلو وجدت قبل العمل فتبقى إلى حين الانتهاء منه.
(3) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (التكبير على الميت خمس تكبيرات) (1) وصحيح أبي ولّاد : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير على الميت ، فقال عليه السلام : خمسا) (2).
وخبر سليمان الجعفري عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تبارك وتعالى فرض الصلاة خمسا ، وجعل للميت من كل صلاة تكبيرة) (3) وخبر أبي بكر الحضرمي : (قال أبو جعفر عليه السلام : يا أبا بكر ، تدري كم الصلاة على الميت؟ قلت : لا ، قال : خمس تكبيرات فتدري من أين أخذت الخمس؟ قلت : لا ، قال : أخذت الخمس تكبيرات من الخمس صلوات ، من كل صلاة تكبيرة) (4).
وفي الأخبار أيضا وجه آخر للخمس تكبيرات وهو : أن الله فرض على الإنسان خمس فرائض من الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية فجعل لكل فريضة تكبيرة ، ففي خبر الحسين بن النضر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (إن الله فرض على العباد فرائض الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة ، فمن قبل الولاية كبّر خمسا ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعا ، فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا) (5) ومثلها غيرها من النصوص. هذا وأكثر العامة ذهبوا إلى أنها أربع تكبيرات ، وعن حواشي الشهيد - كما في الجواهر وغيره - أن -
ص: 289
إحداها تكبيرة الإحرام (1) في غير المخالف (2) (يتشهّد الشهادتين عقيب الأولى (3) ،)
______________________________________________________
- محمد بن علي بن عمران التميمي قال في كتابه الموسوم بفوائد مسلم : «إن زيدا كبّر خمسا وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان كذلك يكبّرها ، ولكن ترك هذا المذهب لأنه صار علما على القول بالرفض» (انتهى)
(1) وهي الأولى سميت بذلك لأن تحريم الصلاة بالتكبير ، وليست هي ركنا فقط ، بل التكبيرات الخمس أركان كما سيأتي ، ولكن الشارح ذكرها هنا لرفع توهم أن تكبيرة الافتتاح خارجة عن التكبيرات الخمس.
(2) وعلى المخالف أربع تكبيرات كما عن الحلبي وابني حمزة وسعيد والفاضل والشهيدين لقاعدة الإلزام له بمذهبه وللأخبار منها : صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (سألته عن الصلاة على الميت فقال : أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق فأربع) (1) وصحيح حماد بن عثمان وهشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكبر على قوم خمسا وعلى قوم آخرين أربعا ، فإذا كبّر على رجل أربعا اتهم - يعني بالنفاق) (2).
وعن الصدوق في الهداية وابن زهرة في الغنية وجماعة أنها خمس تمسكا بما دل على أن صلاة الميت خمس تكبيرات.
وعن بعضهم التخيير بين الأربع والخمس على المخالف مع الدعاء عليه بعد الرابعة جمعا بين ما يدل على أن المنافق يكبر عليه أربعا وبين كون صلاة الميت خمس تكبيرات مع الدعاء على المنافق وسيأتي الكلام في هذه الطائفة.
(3) ذهب المشهور إلى وجوب أصل الدعاء بين التكبيرات ، وعن المحقق في الشرائع أن الدعاء بين التكبيرات غير لازم استنادا لما دل على أن صلاة الميت خمس تكبيرات من دون التنصيص على الدعاء ، ولاختلاف الأخبار في كيفيات الدعاء الموجب لحمله على الاستحباب.
ومستند المشهور أخبار منها : صحيح محمد بن مهاجر عن أمه أم سلمة : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى على ميت كبّر وتشهد ، ثم كبّر وصلى على الأنبياء ودعا ، ثم كبّر ودعا للمؤمنين ، ثم كبّر الرابعة ودعا للميت ، ثم الخامسة كبّر وانصرف) (3) وخبر إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام : (قال أبو عبد الله -
ص: 290
ويصلي على النبي وآله عقيب الثانية) (1) ويستحبّ أن يضيف إليها الصلاة على باقي الأنبياء (2) (ويدعو للمؤمنين والمؤمنات) بأيّ دعاء اتفق وإن كان المنقول أفضل (عقيب الثالثة (3) ، و) يدعو (للميت) المكلّف المؤمن(عقيب الرابعة (4) ، وفي المستضعف) (5) وهو الذي لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا
______________________________________________________
- عليه السلام : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جنازة فكبر عليه خمسا ، وصلى على أخرى فكبر عليه أربعا ، فأما الذي كبّر عليه خمسا فحمد الله ومجّده في التكبيرة الأولى ، ودعا في الثانية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، ودعا في الرابعة للميت ، وانصرف في الخامسة ، وأما الذي كبّر عليه أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى ودعا لنفسه وأهل بيته في الثانية ، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة وانصرف في الرابعة ، ولم يدع له لأنه كان منافقا) (1).
فاستفاد المشهور الشهادتين عقيب الأولى من خبر ابن مهاجر المتقدم : (إذا صلى على ميت كبر فتشهد) بناء على إرادة الشهادتين منه ، وعن جماعة منهم الشيخ وابنا إدريس والبراج الاقتصار على الشهادة الأولى.
(1) لخبر إسماعيل المتقدم وفيه : (ودعا في الثانية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن قال - ودعا لنفسه وأهل بيته في الثانية).
(2) لخبر ابن مهاجر المتقدم : (ثم كبر فصلى على الأنبياء ودعا).
(3) لخبر ابن مهاجر المتقدم : (ثم كبر ودعا للمؤمنين) ولخبر إسماعيل المتقدم : (ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات).
(4) لخبر ابن مهاجر المتقدم : (ثم كبر الرابعة ودعا للميت) ولخبر إسماعيل المتقدم : (ودعا في الرابعة للميت).
(5) لحسنة فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء وإن كان واقفا مستضعفا فكبّر وقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (2) والمستضعف من لم يتمكن من الإيمان إما لضعف العقل وإما لعدم اطلاعه على اختلاف الناس في المذاهب.
واعلم أن ترتيب هذه الأدعية هو المشهور ، وعن العلامة في التبصرة والمختلف وسيد المدارك وجماعة عدم لزوم الترتيب في هذه الأدعية لأخبار منها : خبر محمد بن مسلم -
ص: 291
بعينه (بدعائه) وهو : «اللهمّ اغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم». (ويدعو) في الصلاة(على الطفل) المتولّد من مؤمنين(لأبويه) (1) أو من مؤمن له (2) ، ولو كانا غير مؤمنين دعا عقبيها (3) بما أحبّ (4) ، والظاهر حينئذ عدم وجوبه أصلا (5). والمراد بالطفل غير البالغ ، وإن وجبت الصلاة عليه.
(والمنافق) وهو هنا المخالف مطلقا (6) (يقتصر) في الصلاة عليه (على أربع) تكبيرات(ويلعنه) عقيب الرابعة (7) ، وفي وجوبه وجهان ، وظاهره هنا وفي
______________________________________________________
- وزرارة ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام : (ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت ، تدعو بما بدا لك ، وأحق الموتى أن يدعا له المؤمن ، وأن يبدأ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) وصحيح أبي ولّاد : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير على الميت فقال : خمس تكبيرات تقول في أوّلهنّ : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، اللهم صلى على محمد وآل محمد ثم تقول : اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه ، اللهم إنا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته ، اللهم إن كان محسنا فضاعف حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة) (2).
(1) لخبر عمر بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام في الصلاة على الطفل أنه كان يقول : (اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا) (3).
(2) أي كان الطفل متولدا من مؤمن وغيره ، فيدعا للمؤمن من أبويه فقط.
(3) أي عقيب الرابعة.
(4) ولا يدعو لأبويه لأنهما ليسا بمؤمنين.
(5) أي عدم وجوب الدعاء عقيب الرابعة إذا كان أبواه غير مؤمنين.
(6) من أي الفرق الإسلامية كان.
(7) وإن لم يكن بعدها تكبير ، هذا وذهب المشهور إلى وجوب لعنه للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا صليت على عدو الله فقل : إن فلانا لا -
ص: 292
البيان الوجوب ، ورجّح في الذكرى والدروس عدمه.
والأركان من هذه الواجبات سبعة أو ستة (1) : النية ، والقيام للقادر ، والتكبيرات(ولا يشترط فيها الطهارة) من الحدث إجماعا (2). (ولا التسليم) (3) عندنا ، إجماعا ، بل لا يشرع بخصوصه إلا مع التقية ، فيجب لو توقفت عليه (4).
(ويستحبّ إعلام المؤمنين به) (5) أي بموته ليتوفروا على تشييعه وتجهيزه ،
______________________________________________________
- نعلم منه إلا أنه عدو لك ولرسولك ، اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجّل به إلى النار ، فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك ، اللهم ضيق عليه قبره ، فإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكه) (1).
وعن الشهيد في الذكرى والدروس والمحقق الثاني والفاضل الميسي وجماعة عدم وجوب اللعن لأن التكبير عليه أربع وبها يخرج من الصلاة.
(1) الترديد ناشئ من أن الصلاة إن كانت على المؤمن فالتكبيرات خمسة وتكون الأركان سبعة مع ضميمة القيام والنية ، وإن كانت على المخالف فالتكبيرات أربعة وتكون الأركان ستة.
والركن كما سيأتي هو ما أوجب تركه عمدا وسهوا وكذا زيادته البطلان ، وهذا غير ظاهر من الأخبار ، وأكثر الأصحاب لم يتعرض لركنية أجزاء صلاة الميت.
(2) قد تقدم الكلام فيه.
(3) غير مشروع عندنا للأخبار منها : صحيح ابن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (سألته عن الصلاة على الميت ، فقال : أما المؤمن فخمس تكبيرات ، وأما المنافق فأربع ولا سلام فيها) (2) وما ورد في بعض الأخبار من التسليم فهو محمول على التقية لأنه مذهب العامة.
(4) أي توقفت التقية على التسليم.
(5) لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته ، فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار ، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار) (3) ومثله غيره.
ص: 293
فيكتب لهم الأجر وله المغفرة بدعائهم ، وليجمع فيه (1) بين وظيفتي التعجيل (2) والإعلام ، فيعلم منهم من لا ينافي التعجيل عرفا ، ولو استلزم المثلة حرم (3).
(ومشي المشيّع خلفه (4) ، أو إلى أحد جانبيه) (5) ويكره أن يتقدّمه لغير تقية(والتربيع) (6)
______________________________________________________
(1) في الاستحباب.
(2) تعجيل تجهيز الميت.
(3) كتعفن الميت وغير ذلك من المنفرات.
(4) أما أصل المشي فمستحب ويكره الركوب في تشييع الجنائز لما ورد : (مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازته يمشي ، فقال له بعض أصحابه : ألا تركب يا رسول الله ، فقال : إني لأكره أن أركب والملائكة يمشون)(1).
والمشي خلف الجنازة لخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها) (2) وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام : (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم ، خالفوا أهل الكتاب) (3).
(5) لخبر سدير عن أبي جعفر عليه السلام : (من أحبّ أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين فليمش جنبيّ السرير) (4).
(6) لا خلاف في استحباب التربيع بمعنييه وعليه الأخبار منها : خبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام : (السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع) (5).
والتربيع له معنيان :
الأول : حمل السرير بأربعة رجال ويحتمله خبر جابر المتقدم وكذا مرسلة الصدوق عن أبي جعفر عليه السلام : (والسنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة وما كان بعد ذلك فهو تطوع) (6).
ص: 294
وهو حمله بأربعة رجال من جوانب السرير الأربعة كيف اتفق (1) ، والأفضل التناوب (2) ، وأفضله أن يبدأ في الحمل بجانب السرير الأيمن ، وهو الذي يلي يسار الميت ، فيحمله بكتفه الأيمن ، ثم ينتقل إلى مؤخّره الأيمن فيحمله بالأيمن كذلك ، ثم ينتقل إلى مؤخّره الأيسر ، فيحمله بالكتف الأيسر ، ثم ينتقل إلى مقدّمه الأيسر ، فيحمله بالكتف الأيسر كذلك(3).
(والدعاء) حال الحمل (4) بقوله : «بسم الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات» ، وعند مشاهدته (5) بقوله : «الله أكبر ،
______________________________________________________
- المعنى الثاني : أن يحمل الواحد كلا من الجوانب الأربع للجنازة والأخبار فيه متظافرة منها : خبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام : (من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة) (1) ومرسلة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام : (من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة ، وإذا ربّع خرج من الذنوب) (2). وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا حملت جوانب السرير ، سرير الميت ، خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك) (3).
(1) وهو المعنى الأول للتربيع.
(2) هذا هو المعنى الثاني للتربيع.
(3) لخبر ابن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام : (السنة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن ، ثم تمرّ عليه إلى الجانب الآخر ، وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك) (4).
(4) لرواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال : يقول بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) (5).
(5) لرواية عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من استقبل -
ص: 295
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، اللهمّ زدنا إيمانا وتسليما ، الحمد لله الّذي تعزّز بالقدرة ، وقهر العباد بالموت ، الحمد لله الّذي لم يجعلني من السّواد المخترم» ، وهو الهالك من الناس على غير بصيرة ، أو مطلقا (1) ، إشارة إلى الرضا بالواقع كيف كان ، والتفويض إلى الله تعالى بحسب الإمكان.
(والطهارة (2) ولو تيمما مع) القدرة على المائية مع(خوف الفوت) وكذا بدونه (3) على المشهور(والوقوف) أي وقوف الإمام ، أو المصلي وحده (عند وسط الرّجل وصدر المرأة على الأشهر) (4) ومقابل المشهور قول الشيخ في
______________________________________________________
- جنازة أو رآها فقال : الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله ، اللهم زدنا إيمانا وتسليما ، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت ، لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته) (1) وخبر أبي حمزة قال : (كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا رأى جنازة قد أقبلت قال : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم) (2).
(1) أي لم يجعله من الموتى من غير تقييد بأنه على غير هدى.
(2) يستحب للمصلي على الميت أن يكون على طهارة بلا خلاف للنصوص.
منها : خبر عبد الحميد بن سعد عن أبي الحسن عليه السلام : (عن الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة ، أيجزي لي أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال عليه السلام : تكون على طهر أحبّ إليّ) (3).
وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها ، قال عليه السلام : يتيمم ويصلي) (4).
(3) أي بدون خوف الفوت لإطلاق موثق سماعة المضمر : (سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال : يضرب بيديه على الحائط اللبن فيتيمم به) (5).
وعن ابن الجنيد جواز التيمم إلا للإمام إن علم أن خلفه متوضيا اعتمادا على كراهية ائتمام المتوضي بالمتيمم ، ورده العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى بأن ذلك في الصلاة الحقيقية لا في صلاة الأموات التي هي دعاء ومسألة.
(4) بل على المشهور ، لأن المقابل آراء جماعة لم تصل إلى حد الشهرة بين الأصحاب ولذا عدل الشارح عن الأشهر إلى المشهور.
ومستند المشهور أخبار منها : مرسلة ابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال أمير -
ص: 296
الخلاف : إنه يقف عند رأس الرجل وصدر المرأة. وقوله في الاستبصار : إنه عند رأسها وصدره ، والخنثى هنا كالمرأة (1).
(والصلاة) في المواضع(المعتادة) (2) لها للتبرك بها بكثرة من صلّى فيها ، ولأن السامع بموته يقصدها(ورفع اليدين بالتكبير (3) كلّه على الأقوى)
______________________________________________________
- المؤمنين عليه السلام : من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها ، وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه) (1) وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم من الرجال بحيال السرة ، ومن النساء دون ذلك قبل الصدر) (2).
وعن الشيخ في الخلاف أنه يقف عند رأس الرجل وصدر المرأة وادعى عليه الإجماع ، وعن الشيخ في الاستبصار أنه يقف عند صدر الرجل ورأس المرأة ويدل عليه خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام : (إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره) (3).
وعن الصدوق في الفقيه والهداية الوقوف عند الرأس مطلقا ، وعن الشيخ والصدوق في المقنع الوقوف عند الصدر مطلقا.
(1) علّله المحقق الثاني في جامعه بأنه تباعد عن موضع الشهوة وتبعه عليه جماعة منهم الشارح في روضه ، وردّ بأنه تعليل مستنبط لا يصلح مستندا للحكم الشرعي.
(2) أي يعتاد صلاة الميت فيها نسبه في الذكرى للشيخ والأصحاب ، إما للتبرك بهذه المواضع لكثرة من صلى فيها وإما لأن السامع بموت الميت يقصد هذه المواضع للصلاة عليه فيسهل الأمر ويكثر المصلون وهو أمر مطلوب ، ففي الخبر عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم إنّا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، قال الله تبارك وتعالى : قد أجزت شهاداتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون) (4) وفي خبر ثان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفّعهم الله فيه) (5).
(3) وقع الاتفاق على رفع اليدين في التكبيرة الأولى ، وإنما الخلاف في الباقي فقد ذهب -
ص: 297
والأكثر (1) على اختصاصه بالأولى ، وكلاهما مروي ولا منافاة فإن المندوب قد يترك أحيانا (2) وبذلك يظهر وجه القوة.
(ومن فاته بعض التكبير) مع الإمام (3)
______________________________________________________
- الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد والمرتضى بل نسب إلى الأكثر ومشهور القدماء إلى عدم استحباب رفع اليدين في البقية لخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام : (أنه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة ، يعني في التكبير) (1) وخبر إسماعيل بن إسحاق عن جعفر عن أبيه عليهما السلام : (كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يرفع يده في أول التكبير على الجنازة) (2).
ومشهور المتأخرين إلى استحباب رفع اليدين في البقية للأخبار منها : خبر عبد الرحمن بن العرزمي : (صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام على جنازة فكبّر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة) (3) وخبر محمد بن عبد الله بن خالد : (صلى خلف جعفر بن محمد على جنازة فرآه يرفع يديه في كل تكبيرة) (4) وخبر يونس عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (جعلت فداك ، إن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك ، فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال عليه السلام : ارفع يدك في كل تكبيرة) (5).
وحملت الطائفة الأولى على التقية لخبر إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه - إلى أن قال - : (دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين يفتتح الصلاة فإن الناس قد شهروكم بذلك ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله) (6).
(1) عند القدماء.
(2) فالخبر الدال على اختصاص الرفع بالتكبيرة الأولى هو خبر غياث وخبر إسماعيل بن إسحاق الدالان على فعل أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا يعقل أن تكون سيرة الأمير عليه السلام قائمة على ترك المندوب ، فلذا لا بد من حملها على التقية خصوصا لدلالة رسالة أبي عبد الله عليه السلام لأصحابه في خبر إسماعيل بن جابر.
(3) من أدرك الإمام في أثناء صلاة الميت كان له الدخول معه في الصلاة بلا خلاف فيه -
ص: 298
.................................................................................................
______________________________________________________
- لخبر الدعائم عن علي عليه السلام أنه قال : (من سبق ببعض التكبير في صلاة الجنازة فليكبر وليدخل معهم ويجعل ذلك أول صلاته فإذا انصرفوا لم ينصرف حتى يتم ما بقي عليه ، ثم ينصرف) (1).
وعن بعض العامة وجوب الانتظار إلى حين تكبير الإمام حتى يجوز للمأموم أن يدخل وهو ضعيف ، ثم إذا دخل المأموم جعل التكبير أول صلاته ويتابع الإمام في التكبير لا في الدعاء لذيل الخبر المتقدم.
ثم إذا فرغ الإمام أتمّ المأموم ما بقي عليه من التكبيرات بلا خلاف فيه ويدل عليه فضلا عن الخبر المتقدم صحيح العيص : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة فقال عليه السلام : يتم ما بقي) (2) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا) (3).
نعم ذهب الشيخ والصدوق وجماعة بل قيل إنه المشهور أنه يأتي بباقي التكبيرات ولاء من غير دعاء لصحيح الحلبي المتقدم : (فليقض ما بقي متتابعا) ، وخبر علي بن جعفر سأل أخاه عليه السلام : (عن الرجل يدرك تكبيرة أو ثنتين على ميت كيف يصنع؟ قال :يتمّ ما بقي من تكبيره ويبادر برفعه ويخفف) (4) وذهب العلامة في بعض كتبه وابن فهد والصيمري والشهيد الثاني وجماعة أنه يجب عليه الدعاء بين التكبيرات إذا لم يخف الفوت ، فإذا خاف الفوت من وقوع الصلاة من البعد والانحراف وغير ذلك فيأتي بالتكبيرات متتابعا لخبر علي بن جعفر المتقدم : (يتم ما بقي من تكبيرة ويبادر رفعه ويخفف) بناء على أن المراد من التخفيف هو التخفيف في الدعاء.
وعليه أن يتم التكبير لو رفع الميت بل ولو دفن لخبر القلانسي عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام : (يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين فقال : يتم التكبير وهو يمشي معها فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر) (5) وعن الشهيد في الذكرى أنه مشعر بالاشتغال بالدعاء بين التكبيرات الباقية ، إذ لو والى بين -
ص: 299
(أتمّ الباقي (1) بعد فراغه) (2) ولاء من غير دعاء(ولو على القبر) على تقدير رفعها ووضعها فيه (3) ، وإن بعد الفرض.
وقد أطلق المصنف وجماعة جواز الولاء (4) حينئذ عملا بإطلاق النص (5) ، وفي الذكرى لو دعا كان جائزا ، إذ هو نفي وجوب (6) لا نفي جواز ، وقيّده بعضهم (7) بخوف الفوت على تقدير الدعاء ، وإلا وجب ما أمكن منه (8) ، وهو أجود.
(ويصلّي على من لم يصلّ عليه يوما وليلة) (9)
______________________________________________________
- التكبيرات لم يبلغ الحال إلى المشي فضلا عن الدفن ، وقال الشارح في الروض : «وهو حسن ، لكن يجب تقييده بما لو كان مشيهم لا يخرج عن سمت القبلة ولا يفوت به شرط الصلاة من البعد وإلا تعين موالاة التكبير».
(1) من التكبيرات.
(2) أي بعد فراغ الإمام.
(3) أي وضع الجنازة في القبر ، والجنازة بالفتح هي الميت ، وبالكسر هي السرير.
(4) مع خوف الفوت وعدمه ، وهذا ما عليه الصدوق والشيخ بل قيل إنه المشهور.
(5) وهو صحيح الحلبي المتقدم.
(6) أي القول بالتكبير ولاء ليس فيه نفي جواز الدعاء بل نفي وجوب الدعاء فصحيح الحلبي : (فليقض ما بقي متتابعا) مع ضميمة خبر القلانسي الدال على قضاء التكبيرات والدعاء يدل على أن نفي الدعاء في صحيح الحلبي هو نفي الوجوب لا نفي الجواز.
(7) كالعلامة وابن فهد والصيمري فقد قيدوا الولاء بالتكبير.
(8) من الدعاء.
(9) من لم يدرك الصلاة على الميت حتى دفن جاز له أن يصلي على قبره ما لم يمض على الدفن يوم وليلة ، ذهب لذلك الشيخان وابن إدريس والمحقق بل نسب إلى المشهور بل إلى الأكثر كما في المدارك ويدل عليه أخبار منها : صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن) (1) وخبر مالك مولى الحكم : (إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن) (2) وخبر عمرو بن جميع : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة -
ص: 300
على أشهر القولين (1) (أو دائما) (2) على القول الآخر (3) ، وهو الأقوى (4) والأولى (5) قراءة «يصلّي» في الفعلين مبنيا للمعلوم ، أي يصلّي من أراد الصلاة على الميت ، إذا لم يكن هذا المريد قد صلّى عليه ، ولو بعد الدفن المدة المذكورة أو دائما سواء كان قد صلّى على الميت أم لا (6). هذا هو الذي
______________________________________________________
- صلى على القبر) (1) وفي الذكرى : (روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر مسكينة دفنت ليلا) (2).
وقيده الأكثر بيوم وليلة وادعى عليه في الغنية الإجماع ، ولا شاهد له في النصوص.
وذهب الشيخ في الخلاف وسلّار إلى تحديده بثلاثة أيام وعن الخلاف : «قد روي ثلاثة أيام»(3).
وعن ابن الجنيد جواز الصلاة عليه ما لم تتغير صورته ولا دليل عليه ، وعن المختلف عدم التحديد وهو خيرة الشهيد في البيان والمحقق الثاني في جامع المقاصد والفاضل الميسي وجماعة ، وقال المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى : بعدم الوقوف في هذه التقديرات على مستند.
(1) وهو قول الأكثر.
(2) كما عن الشهيد في البيان والمحقق الثاني والفاضل الميسي وجماعة.
(3) وهناك قولان آخران أيضا.
(4) أي عدم التحديد وإليه ذهب في المسالك أيضا.
(5) وجه الأولوية لأنه هو المطابق لقول الماتن في بقية كتبه ، إذ على قراءته مبنيا للمجهول فيكون المعنى : من دفن بغير صلاة عليه يصلى عليه يوما وليلة بعد الدفن مع أن الماتن قد ذهب إلى وجوب الصلاة عليه دائما لبقاء وقتها.
(6) من دفن بغير صلاة فتجب الصلاة عليه وهو في القبر من دون نبش وذهب إليه المشهور وقد خالف المحقق في المعتبر والعلامة في القواعد والإرشاد ومستند المشهور إطلاق وجوب الصلاة على الميت مثل قوله عليه السلام : (لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة) (4).
ص: 301
اختاره المصنف في المسألة ويمكن قراءته مبنيا للمجهول ، فيكون الحكم مختصا بميت لم يصلّ عليه (1).
أما من صلّى عليه فلا تشرع (2) الصلاة عليه بعد دفنه ، وهو قول لبعض الأصحاب جمعا بين الأخبار ، ومختار المصنف أقوى.
(ولو حضرت جنازة في الأثناء) (3) أي في أثناء الصلاة على جنازة أخرى
______________________________________________________
- وذهب المحقق في المعتبر إلى منع الصلاة على المدفون مطلقا سواء صلي عليه أو لا للأخبار منها : موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (ولا يصل عليه وهو مدفون) (1).
وذهب العلامة إلى الجمع بين النصوص فحمل أخبار المنع على من صلي عليه وأخبار الجواز على من دفن بغير صلاة ويستدل له بخبر محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة قلت : لأبي الحسن الرضا عليه السلام : (يصلى على المدفون بعد ما يدفن؟ قال عليه السلام : لا ، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(2).
(1) وخالف المحقق في المعتبر فقد منع من الصلاة مطلقا بعد الدفن.
(2) وهو مذهب العلامة في بعض كتبه.
(3) إذا شرع في الصلاة على جنازة ثم حضرت أخرى كان المصلي مخيّرا بين قطع الأولى واستئناف الصلاة عليهما معا ، وبين أن يكمل الصلاة الأولى ثم يستأنف صلاة للجنازة الثانية.
ذهب إلى ذلك العلامة وغيره ، بل نسبه الكركي إلى المعظم والبحراني إلى المشهور ، اعتمادا على صحيح علي بن جعفر عن أخيه : (في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو اثنتين ووضعت معها أخرى كيف يصنعون ، قال عليه السلام : إن شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة ، وإن شاءوا رفعوا الأولى وأتموا ما بقي على الأخيرة ، كل ذلك لا بأس به) (3).
وأشكل عليهم المصنف في الذكرى بأن الرواية قاصرة عن مدعاهم من حيث إنها لا تدل على قطع الصلاة على الجنازة الأولى هذا فضلا عن تحريم قطع العبادة الواجبة ، بل الرواية تدل على تشريك الجنازتين بالتكبيرات الباقية ، فإذا أنهى التكبير بالنسبة -
ص: 302
(أتمّها ثم استأنف) الصلاة(عليها) أي على الثانية ، وهو الأفضل (1) مع عدم الخوف على الثانية (2) ، وربما قيل بتعينه (3) إذا كانت الثانية مندوبة لاختلاف الوجه ، وليس بالوجه (4).
وذهب العلامة وجماعة من المتقدمين والمتأخّرين إلى أنه يتخير بين قطع الصلاة على الأولى واستئنافها عليهما ، وبين إكمال الأولى وإفراد الثانية بصلاة ثانية ، محتجين برواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها أخرى؟ قال عليه السلام : «إن شاءوا تركوا الأولى (5) حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وإن شاءوا رفعوا الأولى (6)
______________________________________________________
- للجنازة الأولى فهم بالخيار بين تركها حتى يكملوا التكبير على الجنازة الثانية وبين رفعها ودفنها مع إكمال بعضهم للتكبير على الجنازة الثانية.
والرواية وإن لم تنص على التشريك بين الجنازتين إلا أن صريحها بين ترك الأولى أو رفعها لازم له.
(1) أي الإتيان بصلاتين لكل جنازة صلاة أفضل من التشريك بين الجنازتين لأن في التعدد تعدد الذكر مع تخصيص الدعاء لكل ميت بخلاف التشريك ففيه صلاة واحدة مع تعميم الدعاء لهما.
وهذا الإتيان المتعدد أفضل من قطع الأولى واستئناف الصلاة عليهما لما في القطع ، من قطع العبادة الواجبة وهو محرم.
(2) وإلا إذا خيف على الثانية فالتشريك هو الأولى.
(3) ذهب العلامة في التذكرة ونهاية الأحكام إلى تعيّن إتمام الأولى على الأولى واستئناف ثانية على الثانية بشرط أن تكون الصلاة الثانية مندوبة فيما لو كان الميت دون ست سنين بدعوى اشتراط قصد الوجه من وجوب أو ندب ، وهذا مما لا يمكن اجتماعه في صلاتين فلذا وجب التعدد.
(4) أي لا يصلح ما تقدم من دليل العلامة أن يكون دليلا وذلك لأن التشريك في باقي التكبيرات لو كان ممنوعا لاختلاف الوجه لوجب عدم جواز الإتيان بصلاة واحدة ابتداء لاختلاف الوجه أيضا مع أنه قائل بالجواز في الثاني ، بالإضافة إلى أنه لا دليل على اعتبار قصد الوجه كما تقدم سابقا في مبحث الوضوء.
(5) بدعوى ترك الصلاة الأولى وقطعها.
(6) بدعوى إتمام الصلاة الأولى ، مع أن الرواية ظاهرة في كون المراد من الأولى هو الجنازة لا الصلاة فيتعين كلام المصنف في الذكرى.
ص: 303
وأتموا التكبير على الأخيرة ، كل ذلك لا بأس به».
قال المصنف في الذكرى : والرواية قاصرة عن إفادة المدّعي ، إذ ظاهرها أن ما بقي من تكبير الأولى محسوب للجنازتين ، فإذا فرغوا من تكبير الأولى تخيّروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة ، وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأولى بوجه. هذا مع تحريم قطع الصلاة الواجبة (1). نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثم استأنف عليها لأنه قطع لضرورة ، وإلى ما ذكره أشار هنا بقوله :
(والحديث) الذي رواه علي بن جعفر عليه السلام(يدلّ على احتساب ما بقي من التكبير لهما ثم يأتي بالباقي للثانية ، وقد حققناه في الذكرى) بما حكيناه عنها. ثم استشكل بعد ذلك الحديث بعدم تناول النية أولا للثانية فكيف يصرف باقي التكبيرات إليها ، مع توقف العمل على النية.
وأجاب بإمكان حمله (2) على إحداث نية من الآن لتشريك باقي التكبير على الجنازتين. وهذا الجواب لا معدل عنه ، وإن لم يصرح بالنية في الرواية ، لأنها أمر قلبي (3) يكفي فيها مجرّد القصد إلى الصلاة على الثانية ، إلى آخر ما يعتبر فيها.
وقد حقق المصنف في مواضع أن الصدر الأول ما كانوا يتعرّضون للنية لذلك (4) ، وإنما أحدث البحث عنها المتأخرون ، فيندفع الإشكال. وقد ظهر من ذلك أن لا دليل على جواز القطع ، وبدونه يتّجه تحريمه (5).
وما ذكره المصنف من جواز القطع - على تقدير الخوف على الجنائز - غير واضح ، لأن الخوف إن كان على الجميع ، أو على الأولى فالقطع يزيد
______________________________________________________
(1) بخلاف المندوبة فيجوز قطعها وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.
(2) أي حمل الحديث.
(3) فأمرها سهل لا يحتاج إلى تجشم ، والرواية بصدد بيان أفعال الجوارح لا الجوانح.
(4) لأنها أمر قلبي.
(5) أي بدون الدليل على جواز القطع يحرم القطع حينئذ.
ص: 304
الضرر على الأولى ولا يزيله ، لانهدام ما قد مضى من صلاتها الموجب لزيادة مكثها ، وإن كان الخوف على الأخيرة فلا بد لها من المكث مقدار الصلاة عليها وهو يحصل مع التشريك الآن والاستئناف.
نعم يمكن فرضه (1) نادرا بالخوف على الثانية ، بالنظر إلى تعدّد الدعاء مع اختلافهما فيه (2) ، بحيث يزيد ما يتكرر منه (3) على ما مضى من الصلاة ، وحيث يختار التشريك بينهما فيما بقي ينوي بقلبه على الثانية ، ويكبّر تكبيرا مشتركا بينهما ، كما لو حضرتا ابتداء ، ويدعو لكلّ واحدة بوظيفتها من الدعاء مخيرا في التقديم إلى أن يكمل الأولى ، ثم يكمل ما بقي من الثانية.
ومثله ما لو اقتصر على صلاة واحدة على متعدّد ، فإنه يشرّك بينهم فيما يتحد لفظه (4) ويراعي في المختلف (5) - كالدعاء لو كان فيهم مؤمن ومجهول ومنافق وطفل - وظيفة كل واحد ، مع اتحاد الصنف يراعي تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه ، أو يذكر مطلقا مؤولا بالميت ، أو يؤنث مؤوّلا بالجنازة ، والأول أولى (6).
(الخامس - دفنه) (7)
______________________________________________________
(1) فرض تقدير الخوف.
(2) أي مع اختلاف الجنازتين في الدعاء.
(3) أي من الدعاء ، فيكون الاستئناف أخف من التشريك ، مع الإتيان بدعاء يعمهما عند الاستئناف ، وهذا هو مراد المصنف في الذكرى ولا يضره أنه فرض بعيد.
(4) كالتكبير والشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأنبياء والدعاء لجميع المؤمنين.
(5) وهو الدعاء لهما أو عليهما أو لأحدهما وعلى الآخر ، أو لأبوي أحدهما.
(6) أي مراعاة تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه ويحتمل إرجاعه إلى أن التذكير أولى من التأنيث باعتبار إطلاق الميت فإنه أكثر شيوعا من إطلاق الجنازة.
(7) وهو مما لا خلاف فيه بين المسلمين ، وعن الفاضلين أنه ضروري ، ويدل عليه قوله تعالى : ( مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَفِيهٰا نُعِيدُكُمْ ) (1) وقوله تعالى : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفٰاتاً ) -
ص: 305
(والواجب مواراته في الأرض) (1) ، على وجه (2) يحرس جثّته من السباع ، ويكتم رائحته عن الانتشار ، واحترز بالأرض عن وضعه في بناء ونحوه (3) وإن حصل الوصفان (4) (مستقبل القبلة) (5) بوجهه ومقاديم بدنه (على جانبه الأيمن) (6) مع الإمكان.
(ويستحب) أن يكون(عمقه) أي الدفن مجازا ، أو القبر المعلوم بالمقام(نحو قامة) معتدلة ، وأقل الفضل إلى الترقوة (7)
______________________________________________________
- أَحْيٰاءً وَأَمْوٰاتاً ) (1) وفي خبر الفضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (إنما أمر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغيّر ريحه ، ولا يتأذى الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد ، وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدو ولا يحزن صديق) (2).
(1) الدفن هو المواراة في الأرض لغة ، قال في المصباح : «الدفن : أخفيته تحت أطباق الثرى» ، والمواراة تكون بأن يحفر له حفيرة فيدفن فيها ، وقد قطع بذلك الأصحاب كما في المدارك.
(2) الوضع في الحفيرة لا بد أن يحقق وصفين :
الأول : ستر رائحته عن الإنس.
والثاني : ستر بدنه عن السباع ، وهما وصفان متلازمان غالبا ، وقد ذكر الوصف الأول في خبر الفضل المتقدم.
(3) كتابوت من صخر.
(4) كتم الرائحة وحفظ البدن ، كل ذلك تمسكا بمعنى الدفن وللتأسي بعمل النبي والمسلمين في كل عصر.
(5) على المشهور لخبر الدعائم عن علي عليه السلام : (شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة رجل من بني عبد المطلب فلما أنزلوه قبر قال : أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكبوه لوجهه ولا تلقوه لظهره) (3) وعن ابن حمزة في الوسيلة أنه مستحب ، وظاهر الأمر الوجوب.
(6) لخبر الدعائم المتقدم.
(7) ويدل عليه مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (حد القبر إلى الترقوة ، -
ص: 306
(ووضع الجنازة) (1) عند قربها من القبر بذراعين ، أو بثلاث عند رجليه (2) (أولا ونقل الرّجل) بعد ذلك(في ثلاث دفعات) حتى يتأهب للقبر وإنزاله في الثالثة (3) -
______________________________________________________
وقال بعضهم : إلى الثدي ، وقال بعضهم : قامة الرجل حتى يمدّ الثوب على رأس من في القبر ، وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس) (1) والظاهر كما عن غير واحد أنه من كلام ابن أبي عمير ويكون المراد بالبعض هو بعض الأصحاب ويؤيده خبر الكليني عن سهل بن زياد قال : (روى أصحابنا أن حد القبر إلى الترقوة ، وقال بعضهم إلى الثدي ، وقال بعضهم قامة الرجل) (2) وتعدد الأقوال المستندة إلى الأخبار موجب للتخيير بين الثلاثة إلا أن الفقهاء اقتصروا على القامة والترقوة من دون دليل ظاهر على ذلك.
(1) للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيهة ثم واره) (3).
ويستحب أن يكون ذلك دون القبر بذراعين أو ثلاثة لخبر محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا جئت بالميت إلى قبره فلا تفدحه بقبره ، ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ، ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به) (4).
(2) لخبر ابن عجلان الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تفدح ميتك بالقبر ، ولكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه حتى يأخذ أهبته) (5) والأسفل هو أسفل القبر وهو مما يلي الرجلين.
بالإضافة إلى ما ورد في الخبر (أن لكل بيت بابا إن باب القبر من قبل الرجلين) (6).
(3) لخبر الصدوق في العلل : (إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به ، فإن للقبر أهوالا عظيمة وتعوذ من هول المطلع ولكن ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ، ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير القبر) (7) والخبر دال على تثنية الوضع ، ولكن يثلّث بإيصال الجنازة إلى شفير القبر المتعقب بالنزول في الحفرة.
وخالف ابن الجنيد وجماعة فذهبوا إلى أنه هو الوضع دون القبر هنيئة ثم دفنه اعتمادا على خبر ابن عجلان وصحيح ابن سنان المتقدمين.
وهذه الأخبار مطلقة تشمل الرجل والمرأة فتخصيص الحكم بالرجل دون المرأة كما فعله الشهيدان وجماعة ليس في محله.
ص: 307
(والسّبق برأسه) (1) حالة الإنزال. (والمرأة) توضع مما يلي القبلة وتنقل دفعة واحدة (2) وتنزل (عرضا) ، هذا هو المشهور ، والأخبار خالية عن الدفعات (3).
(ونزول الأجنبي معه) (4) لا الرحم ، وإن كان ولدا ، (إلا فيها) (5) فإن نزول
______________________________________________________
(1) إن كان رجلا ، وإن كانت امرأة فترسل عرضا مما يلي القبلة بلا خلاف فيه لمرفوع عبد الصمد بن هارون عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلا ، والمرأة تؤخذ عرضا فإنه أستر) (1) وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام : (يسلّ الرجل سلا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها) (2) وخبر الأعمش المروي في الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام : (والميت يسلّ من قبل رجليه سلا والمرأة تأخذ بالعرض من قبل اللحد) (3) واللحد في داخل الحفرة مما يلي القبلة ، وعن جامع المقاصد والروض أن ذلك قاله الأصحاب وكفى به حجة لمثله.
(2) قد عرفت ما فيه.
(3) وفيه : إن خبر الصدوق قد دل على تثنية الوضع.
(4) أي مع الميت ، فيكره نزول الأقارب ، وعن الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، وإثباته من الأخبار مشكل ففي خبر ابن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام : (الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر ولده) (4) وخبر محمد بن عجلان عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإذا أدخلته في قبره فليكن أولى الناس به عند رأسه وليحسر عن خده وليلصق خده بالأرض وليذكر اسم الله) (5) وهي دالة على دخول بعض الأرحام قبور أرحامهم ولذا مال صاحب البحار إلى عدم الكراهة ، نعم يكره نزول الوالد إلى قبره ولده لخبر ابن راشد.
(5) أي في المرأة فنزول الرحم معها أفضل لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال أمير المؤمنين عليه السلام : مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها) (6).
ص: 308
الرحم معها أفضل ، والزوج أولى بها منه (1) ، ومع تعذّرهما فامرأة صالحة ثم أجنبي صالح.
(وحلّ عقد الأكفان) (2) من قبل رأسه ورجليه (ووضع خدّه) الأيمن على التراب خارج الكفن (3) (وجعل) شي ء من(تربة الحسين عليه السلام معه) (4) تحت
______________________________________________________
(1) أي من الرحم لخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها) (1) وظاهر الخبر أن الزوج أولى من الأرحام ، وبالنسبة للرحم فالظاهر ترتيب الأولياء الأقرب فالأقرب ، والجميع أولى من النساء وإن كنّ أرحاما خلافا لأحمد بن حنبل حيث جعل النساء أولى ، وهو ضعيف لاحتياج الدفن إلى مباشرة تضعف عنها النساء غالبا.
(2) لخبر إسحاق بن عمار : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ... إذا وضعته في قبره فحلّ عقده) (2) وخبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام : (ويجعل له وسادة من تراب يجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي ، ويحلّ عقد كفنه كلها ، ويكشف عن وجهه ويدعى له) (3).
(3) لخبر محفوظ : (وليكشف عن خده الأيمن حتى يفضي به إلى الأرض) (4).
(4) لخبر الحميري : (كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب عليه السلام - وقرأت التوقيع ومنه نسخت - توضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله) (5).
وخبر جعفر بن عيسى عن أبي الحسن عليه السلام : (ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين ولا يضعها تحت رأسه) (6) وقد روى العلامة في المنتهى (إن امرأة كانت تزني وتضع أولادها وتحرقهم بالنار خوفا من أهلها ولم يعلم به غير أمها ، فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الأرض فنقلت عن ذلك الموضع إلى غيره فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصادق عليه السلام وحكوا له القصة فقال لأمها : ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها ، فقال الصادق عليه السلام : إن الأرض لا تقبل هذه لأنها كانت تعذب خلق -
ص: 309
خدّه ، أو في مطلق الكفن ، أو تلقاء وجهه ، ولا يقدح في مصاحبته لها احتمال وصول نجاسته إليها لأصالة عدمه ، مع ظهور طهارته الآن.
(وتلقينه) (1) الشهادتين والإقرار بالأئمة واحدا بعد واحد ممن نزل معه إن كان وليا ، وإلا استأذنه ، مدنيا فاه إلى أذنه قائلا له : «اسمع» ثلاثا قبله (والدعاء له) (2) بقوله : «بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلّى الله عليه
______________________________________________________
- الله بعذاب الله ، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السلام ففعل ذلك بها فسترها الله تعالى) (1).
هذا واعلم أن الأصحاب اختلفوا في موطن وضع التراب ، فعن المبسوط والقواعد والمنتهى الاكتفاء بمطلق استصحاب الميت لتربة القبر ويدل عليه خبر الحميري وما رواه العلامة ، وذهب المحقق في المعتبر إلى وضع التربة في الأكفان ويدل عليه الفقه الرضوي : (ويجعل معه في أكفانه شي ء من طين القبر وتربة الحسين عليه السلام) (2).
وعن الشيخ المفيد الوضع تحت خدّ الميت وقال عنه في الجواهر : «لم نقف له على مأخذ». فضلا عن النهي عنه كما في خبر ابن عيسى المتقدم.
وعن ابن إدريس وجماعة أنها توضع في قبال وجهه كما يدل عليه خبر ابن عيسى المتقدم ، وعن العلامة في المختلف التخيير بين الوضع تحت الخد أو تلقاء الوجه أو غير ذلك.
(1) بلا خلاف للأخبار الكثيرة منها : خبر محفوظ الإسكاف عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا أردت أن تدفن الميت - إلى أن قال : ويدني فمه إلى سمعه ويقول : اسمع وافهم ثلاث مرات ، الله ربك ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيك والإسلام دينك وفلان إمامك) (3) وخبر سالم بن مكرم : (وتقول : يا فلان ابن فلان ، الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وعلي وليّك وإمامك وتسمّي الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا إلى آخرهم ، أئمتك أئمة هدى أبرار) (4).
(2) لخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : (إذا وضع الميت في لحده فقل : بسم الله -
ص: 310
وآله ، اللهمّ عبدك نزل بك ، وأنت خير منزول به ، اللهمّ افسح له في قبره ، وألحقه بنبيّه ، اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا وأنت أعلم به منّا» (والخروج من قبل الرجلين) (1) لأنه باب القبر ، وفيه احترام للميت. (والإهالة) للتراب من الحاضرين غير الرحم(بظهور الأكفّ (2) مسترجعين) أي قائلين : ( إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ ) حالة الإهالة (3) ، يقال رجع واسترجع : إذا قال ذلك. (ورفع القبر) عن وجه الأرض مقدار(أربع أصابع) (4) مفرّجات إلى شبر لا أزيد ليعرف فيزار
______________________________________________________
- وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم أفسح له في قبره ، وألحقه بنبيه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به) (1).
(1) لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (لكل شي ء باب ، وباب القبر مما يلي الرجلين) (2) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (من دخل القبر فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين) (3).
(2) لمرسل محمد بن الأصبغ (رأيت أبا الحسن عليه السلام وهو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفه) (4).
وأن يكون ذلك من غير أولي الرحم لخبر عبيد بن زرارة : (مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ولد فحضر أبو عبد الله عليه السلام فلما ألحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب ، فأخذ أبو عبد الله عليه السلام بكفيه وقال : لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب.
فقلنا يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسا قلبه بعد من ربه) (5).
(3) عليه فتوى الأصحاب كما في المدارك وقال في الجواهر : (وإلا فلم نعثر على خبر مشتمل على تمام هذه الكيفية).
(4) للأخبار منها : خبر قدامة بن زائدة عن أبي جعفر عليه السلام : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع -
ص: 311
ويحترم ، ولو اختلفت سطوح الأرض اغتفر رفعه عن أعلاها وتأدت السنة بأدناها (1).
(وتسطيحه) (2) لا يجعل له في ظهره سنم لأنه من شعار الناصبة وبدعهم المحدثة مع اعترافهم بأنه خلاف السنة مراغمة للفرقة المحقة ، (وصبّ الماء عليه من قبل رأسه) إلى رجليه (دورا) إلى أن ينتهي إليه ، (و) يصبّ(الفاضل على وسطه) (3)
______________________________________________________
- قبر إبراهيم) (1) وخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (ويرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع) (2) وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات) (3) وخبر إبراهيم بن علي عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أن قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع شبرا من الأرض) (4).
وذهب المحقق في المعتبر وسيد المدارك إلى التخيير في أربع أصابع بين المضمومة والمفرجة بل نسب إلى الأكثر ، واقتصر المفيد وابنا إدريس وحمزة وسلّار والشيخ على المنفرجات ، وذهب العلامة في التذكرة وابن أبي عقيل إلى المضمومة.
(1) أي بالشبر من الجانب المنخفض.
(2) بمعنى أن لا يسنّم للأخبار منها : عن أبي هريرة : (السنة التسطيح إلا أن الشيعة استعملته فعدلنا عنه إلى التسنيم) (5) وخبر الأعمش المروي في الخصال : (والقبور تربع ولا تسنم) (6) والشافعية وافقونا على استحباب التسطيح وكذا في الجهر بالبسملة.
(3) بلا خلاف للأخبار منها : خبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإذا سوي قبره فصب على قبره الماء وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل القبلة ، وتبدأ بصب الماء عند رأسه وتدور به على قبره من أربع جوانبه حتى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء ، فإن فضل من الماء شي ء فصبه على وسط القبر) (7).
وخبر ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام : (في رش الماء على القبر قال : يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب) (8).
ص: 312
وليكن الصابّ مستقبلا(ووضع اليد عليه) (1) بعد نضحه بالماء ، مؤثّرة في التراب ، مفرّجة الأصابع.
وظاهر الأخبار أن الحكم مختصّ بهذه الحالة فلا يستحبّ تأثيرها بعده. روى زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا حثي عليه التراب وسوّي قبره فضع كفّك على قبره عند رأسه وفرّج أصابعك واغمز كفّك عليه ، بعد ما ينضح بالماء» ، والأصل عدم الاستحباب في غيره (3) ، وأما تأثير اليد في غير التراب فليس بسنة مطلقا (4) ، بل اعتقاده سنة بدعة(مترحّما) (5) عليه بما شاء من
______________________________________________________
(1) أي على القبر بحيث تكون اليد مفرجة الأصابع غامزا بها عند رأسه تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث وضع يده عند رأس إبراهيم غامزا بها حتى بلغت الكوع وقال : (بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك) (1) وحسنة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا فرغت من القبر فانضحه ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز كفك عليه بعد النضح) (2).
(2) في الصحيح وهو خبر آخر غير ما تقدم - الوسائل الباب - 33 - من أبواب الدفن حديث 1.
(3) أي في غير حال الدفن ، إلا أن الشهيد في الذكرى ذهب إلى استحباب وضع اليد ولو عند الزيارة فيما بعد ويستدل له بخبر محمد بن أحمد : (كنت بفيد فمشيت مع علي بن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع فقال لي ابن بلال : قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا عليه السلام : من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع) (3).
(4) أي وضع اليد في الرمل ونحوه سواء كان بعد النضح حال الدفن أو في حال الزيارة لعدم شمول صحيح زرارة ، لغير التراب ، وفيه : إن حسنة زرارة مطلقة تشمل غير التراب.
(5) أي يستحب الترحم على الميت وأفضله ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (أنه بعد ما حتى الإمام على قبر رجل من أصحابنا مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ثم قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد إليك روحه ولقّه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك) (4).
ص: 313
الألفاظ ، وأفضله «اللهمّ جافّ الأرض عن جنبيه وأصعد إليك روحه ولقّه منك رضوانا وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك» وكذا يقوله كلما زاره مستقبلا (1).
(وتلقين الوليّ) (2) ، أو من يأمره (بعد الانصراف) بصوت عال إلا مع التقية (3) (ويتخير) الملقّن(في الاستقبال (4) والاستدبار) (5) لعدم ورود معيّن.
(ويستحبّ التعزية (6)) لأهل المصيبة ، وهي تفعلة من العزاء وهو الصبر ،
______________________________________________________
(1) أي القبلة ، لأن الاستقبال حسن على كل حال.
(2) لخبر يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام : (ما على أهل الميت أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير ، قلت : كيف نصنع؟ قال : إذا أفرد الميت فليستخلف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلى صوته : يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان ، هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله سيد النبيين وأن عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم حق وأن الموت حق والبعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، فيقول منكر لنكير : انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجته) (1)
(3) لإنكار الجمهور هذا التلقين مع وروده في رواياتهم إلا جماعة من الشافعية فإنهم استحبوه ويمكن أيضا أن تكون التقية باعتبار ذكر الأئمة عليهم السلام.
(4) لأن الاستقبال خير المجالس وإليه ذهب جماعة كابن إدريس والعلامة.
(5) فيتوجه نحو القبر فقط ، وهو أدخل في مقابلة الميت والخطاب معه كما ذهب إليه أبو الصلاح وابن البراج ، والذهاب إلى التخيير رد لكلا القولين.
(6) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر إسماعيل الجزريّ عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من عزّى حزينا كسي في الموقف حلّة يحبى بها) (2).
وخبر وهب عن أبي عبد الله عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من عزّى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شي ء) (3).
وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : التعزية تورث الجنة) (4).
ص: 314
ومنه «أحسن الله عزاءك» أي صبرك «وسلوك» يمدّ ويقصر (1) ، والمراد بها الحمل على الصبر والتسلية عن المصاب بإسناد الأمر إلى حكمة الله تعالى وعدله ، وتذكيره بما وعد الله الصابرين ، وما فعله الأكابر من المصابين ، فمن عزّى مصابا فله مثل أجره (2) ، ومن عزّى ثكلى كسي بردا في الجنة (3) ، وهي مشروعة(قبل الدفن) إجماعا (4) (وبعده) عندنا (5).
(وكلّ أحكامه) أي أحكام الميت(من فروض الكفاية) (6) إن كانت واجبة(أو ندبها) (7) إن كانت مندوبة.
ومعنى الفرض الكفائي (8) مخاطبة الكل به ابتداء على وجه يقتضي وقوعه
______________________________________________________
(1) فيقال : العزاء والعزى.
(2) إشارة إلى خبر وهب المتقدم ؛
(3) رواه الشهيد الثاني في مسكن الفؤاد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، والجمع بين الخبرين إشارة إلى أنه لا فرق بين أهل المصيبة رجلا كان أو امرأة ، نعم يكره تعزية الشابة خوف الفتنة.
(4) بين المسلمين.
(5) ووافقنا عليها الكثير من العامة عدا سفيان الثوري فإنه كره التعزية بعد الدفن لأن الدفن خاتمة أمر الميت ، وفيه : إن الدفن خاتمة أمره لا خاتمة أمر أهله فضلا عن الأخبار منها : خبر هشام بن الحكم : (رأيت موسى بن جعفر عليهم السلام يعزي قبل الدفن وبعده) (2).
ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام : (التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن) (3) ومرسل خالد عن أبي عبد الله عليه السلام : (التعزية الواجبة بعد الدفن) (4).
(6) أي الواجبات الكفائية.
(7) أي المندوبات الكفائية ، واعلم أن هذا بالنسبة لأكثرها ، وإلا فبعضها مستحب عيني كالتشييع والدعاء له والتعزية.
(8) ثبت في محله أن الكفائي كالعيني في توجيهه إلى جميع المكلفين ولذا يعاقب الجميع عند تركه ، ويفترق عن العيني بسقوطه بقيام من به الكفاية.
ص: 315
من أيهم كان وسقوطه بقيام من فيه الكفاية ، فمتى تلبّس به من يمكنه القيام به سقط عن غيره سقوطا مراعى بإكماله ، ومتى لم يتفق ذلك (1) أثم الجميع في التأخر عنه (2) ، سواء في ذلك الوليّ وغيره ، ممن علم (3) بموته من المكلفين ، القادرين عليه.
(الفصل الثالث - في التيمم)
(وشرطه (4) : عدم الماء) بأن لا يوجد (5) مع طلبه على الوجه المعتبر (6)
______________________________________________________
(1) إما التلبس وإما الإكمال.
(2) عن الفرض الكفائي.
(3) لأن الجاهل معذور لجهله.
(4) ابتدأ بشرط التيمم ضرورة عدم مشروعية التيمم على الإطلاق بل هي مشروطة بثلاثة شرائط وهي : عدم وجدان الماء وعدم الوصول إليه وعدم الخوف من استعماله كما عن جماعة منهم المحقق والشهيد ، وفي المنتهى جعل الشروط ثمانية وهي : فقد الماء والخوف من اللص والاحتياج للماء للعطش والمرض والحرج المانعان عن استعماله وفقد الآلة التي يتوصل بها إليه والضعف عن الحركة وخوف الزحام يوم الجمعة وعرفة وضيق الوقت.
وعن جماعة جعل شرط التيمم واحدا وهو العجز عن استعمال الماء عقلا أو شرعا ، وكل ما ذكر سابقا راجع إليه.
(5) إشارة من الشارح على أن الشرط هو عدم وجدانه للماء لا عدم الماء واقعا ويدل عليه قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1)ولأخبار منها : خبر داود الرقي : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال إن الماء قريب منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟ قال عليه السلام : لا تطلب الماء ولكن تيمم ، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع) (2).
(6) شرعا وهو مقدار غلوة سهم أو سهمين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ص: 316
(أو عدم الوصلة إليه) (1) مع كونه موجودا. إما للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله ، لكبر (2) ، أو مرض ، أو ضعف قوة ، ولم يجد معاونا ولو بأجرة مقدورة ، أو لضيق الوقت (3) بحيث لا يدرك منه معه بعد الطهارة ركعة أو لكونه
______________________________________________________
(1) وعدم الوصول إلى الماء إما لتوقف الماء على ثمن لشرائه ويتعذر عليه تحصيل الثمن فيتيمم بالاتفاق كما في التذكرة وإما لفقد الآلة التي يتوصل بها إليه كما إذا كان على شفير نهر أو بئر فيتيمم أيضا. ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال عليه السلام : ليس عليه أن يدخل الركية ، لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم) (1) وصحيح ابن أبي يعفور وعنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد ، فإن رب الماء رب الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم) (2).
وإما أن يكون عدم الوصول إلى الماء للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة ولم يجد معاونا ولو بأجرة مقدورة فيتيمم لسقوط تكليف تحصيل الماء لأنه متعذر.
وإما أن يكون عدم الوصول إلى الماء لأن الماء موجود في محل يخاف من السعي إليه سواء كان الخوف على نفس أو عضو أو مال أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل ولو كان الخوف بسبب الجبن فالتكليف بتحصيل الماء في هذه الحالات عسري أو حرجي فيسقط ويتيمم ، ويدل عليه خبر يعقوب بن سالم : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك ، قال عليه السلام : لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لص أو سبع) (3).
(2) تعليل للعجز عن الحركة.
(3) لو كان الماء موجودا ولكن لا يمكن له استعماله لأنه لا يدرك الفريضة في وقتها ولو ركعة منها فإن من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت كله كما سيأتي بيانه في مواقيت الصلاة ، فيتيمم كما عن العلامة في المنتهى والتذكرة وتبعه عليه جماعة بل عن الرياض أنه الأشهر.
وذهب المحقق في المعتبر والمحقق الثاني في جامعه والفاضل الهندي في كشفه وسيد المدارك إلى أن ضيق الوقت ليس من مسوغات التيمم ، لأن التيمم مشروط -
ص: 317
في بئر بعيد القعر يتعذّر الوصول إليه بدون الآلة وهو عاجز عن تحصيلها ولو بعوض ، أو شق ثوب نفيس (1) ، أو إعارة ، أو لكونه (2) موجودا في محل يخاف من السعي إليه على نفس ، أو طرف (3) ، أو مال محترمة (4) أو بضع أو عرض (5) أو ذهاب عقل ولو بمجرد الجبن ، أو لوجوده بعوض يعجز عن بذله لعدم أو حاجة (6) ولو في وقت مترقب.
ولا فرق في المال المخوف ذهابه والواجب بذله عوضا حيث يجب حفظ الأول (7)
______________________________________________________
- بعدم وجدان الماء وهو واجد له بحسب الفرض فلا بد أن يتطهر ويصلي ولو كانت الصلاة قضاء في خارج الوقت.
(1) عطف على العوض ، والمعنى أنه عاجز عن تحصيل الآلة ولو كانت الآلة هي شق ثوبه النفيس أو إعارته.
(2) أي لكون الماء.
(3) المراد به عضو البدن.
(4) وصف للمذكورات السابقة.
(5) المراد بالأول هو الكناية عن التعرض للنساء بالفحشاء ، وبالثاني هو الكناية عما يمسّ كرامة الإنسان حسبا ونسبا ، فتحصيل الماء المستوجب لذلك فيه غضاضة وحزازة لا تتحمل.
(6) بحيث هو يحتاج إلى العوض حالا أو في زمن مترقب فلا يجب بذله لشراء الماء ، نعم لو كان غير عاجز عن دفعه ولا محتاجا إليه فيجب عليه شراء الماء للوضوء لصحيح صفوان : (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال عليه السلام : لا ، بل يشتري)(1).
(7) فيسقط الوضوء مع الخوف على المال سواء كان المال قليلا أو كثيرا ، يضر بحاله أو لا ، وإليه ذهب العلامة في النهاية وتبعه الشهيد الثاني ويستدل له برواية يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام : (عن الرجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك ، قال عليه السلام : لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لص أو -
ص: 318
وبذل الثاني (1) - بين القليل والكثير ، والفارق النص (2) لا أن الحاصل بالأول (3) العوض على الغاصب (4) وهو منقطع ، وفي الثاني (5) الثواب وهو دائم ، لتحقق الثواب فيهما (6) مع بذلهما (7) اختيارا طلبا للعبادة لو أبيح ذلك ، بل قد يجتمع -
______________________________________________________
سبع) (1) والظاهر أن الخوف من اللص بالنسبة للمال سواء كان قليلا أو كثيرا.
ويستشعر من كلام الذكرى عدم سقوط الوضوء إذا كان الخوف على المال القليل الذي لا يضرّ بحاله تمسكا بعمومات الوضوء.
(1) أي المال الواجب بذله عوضا فإن كان بثمن المثل وبزيادة يسيرة فلا خلاف على ما نقله العلامة في المنتهى ، وإن كان بزيادة كثيرة فذهب الأكثر إلى وجوب الشراء ما لم يتضرر لصحيح صفوان المتقدم (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ فقال عليه السلام : لا ، بل يشتري)(2).
وذهب ابن الجنيد إلى عدم وجوب بذله والانتقال إلى التيمم لأن زيادة الثمن ضرر وهو منفي ، وبأنه لو خاف لصا على ماله لساغ له التيمم ولو كان المال المخوف ذهابه بقدر هذه الزيادة.
وأجاب العلامة في المنتهى بأن بذل الزائد في قبال الثواب ليس ضررا ، بخلاف ما لو تركه للص فلا ثواب له ، وقال في الذكرى عن كلام ابن الجنيد أنه خيال ضعيف وإنما الفارق النص فيجب البذل مهما بلغ الثمن لصحيح صفوان المتقدم ويجب حفظ المال لرواية يعقوب بن سالم المتقدمة.
(2) إشارة إلى جواب الذكرى.
(3) المراد بالأول هو المال المخوف ذهابه.
(4) أي ثبوت الضمان على الناصب مع أن الضمان أمر دنيوي منقطع فلذا جاز لصاحب المال حفظه وإنه استلزم ترك الوضوء.
(5) أي المال الواجب بذله عوضا.
(6) رد من الشارح على العلامة في جوابه المتقدم وحاصل الرد أن الثواب متحقق في كليهما لأن ترك المال وإن سرق طلبا للماء تقربا إلى الله موجب للثواب أيضا.
(7) أي بذل المالين لأن ترك المال للص بذل له وأما في الصورة الثانية فواضح.
ص: 319
في الأول (1) العوض والثواب (2) بخلاف الثاني (3).
(أو الخوف من استعماله لمرض) (4) حاصل يخاف زيادته ، أو بطؤه أو عسر علاجه ، أو متوقّع (5) ، أو برد شديد يشقّ تحمله (6) ، أو خوف عطش حاصل ، أو متوقّع (7) في زمان لا يحصل فيه الماء عادة ، أو بقرائن الأحوال لنفس محترمة ولو حيوانا (8).
______________________________________________________
(1) أي المال المخوف ذهابه.
(2) أما العوض فلضمان اللص الغاصب وأما الثواب فللتقرب.
(3) وهو المال الواجب بذله عوضا فلا عوض فيه لأنه ثمن في قبال الماء ، فلا يترتب إلا الثواب ، فلو كان المدار في جواز الوضوء هو الثواب على البذل لجاز الوضوء في الصورتين لتحقق الثواب فيهما بل لكان الثواب في المال المخوف ذهابه لأن فيه العوض.
(4) بالاتفاق لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ ) - إلى قوله تعالى - ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1) وللأخبار الواردة في مشروعية التيمم لمجروح والمقروح والمكسور والمبطون ومن يخاف على نفسه البرد كصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد ، فقال عليه السلام : لا يغتسل ويتيمم) (2) ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة) (3) بالإضافة إلى أدلة نفي الضرر والحرج.
(5) عطف على قوله : (لمرض حاصل).
(6) لصحيح البزنطي المتقدم.
(7) لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلا ماء قليل ، ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش ، قال : إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد ، فإن الصعيد أحبّ إليّ) (4) وصحيح الحلبي : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ فقال عليه السلام : بل يتيمم ، وكذلك إذا أراد الوضوء) (5) ، ومثلها غيرها.
(8) لإطلاق موثق سماعة قال : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في -
ص: 320
(ويجب طلبه) (1) مع فقده في كل جانب (2) (من الجوانب الأربعة غلوة سهم) - بفتح الغين - وهي مقدار رمية من الرامي بالآلة معتدلين (3) (في) الأرض(الحزنة) - بسكون الزاء المعجمة - خلاف السّهلة. وهي المشتملة على نحو
______________________________________________________
- السفر فيخاف قلته ، قال عليه السلام : يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء ، فإن الله (عزوجل) جعلهما طهورا الماء والصعيد) (1) سواء خاف قلته على نفسه أو على أولاده أو عياله أو بعض متعلقيه أو صديقه ورفيقه في السفر أو حيوانه ، بالإضافة إلى أدلة نفي الضرر والحرج ، فاقتصار البعض على عطش نفسه كما في الشرائع ليس في محله ، نعم بعضهم اقتصر على الرفيق المسلم وبعضهم عممه لكل رفيق ولو كان كافرا الذي يضر بالمسلم تلفه أو ضعفه أو تخصيص الكافر بالذمي والمعاهد كما في التذكرة ، والمدار على أن عطشه موجب للضرر والحرج على المكلف فينتقل إلى التيمم ويصرف الماء في رفع العطش.
(1) بلا إشكال وأنه كان ظاهر قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً ) (2) الاكتفاء بعدم الوجدان مطلقا إلا أنه مقيد بالطلب والبحث عنه لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام : (يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين ، لا يطلب أكثر من ذلك) (3) هذا بناء على إفادة البحث في هذا المقدار اليأس عن وجود الماء وإلا فلو ظن بوجود الماء أو اطمأن في ما هو الأبعد فيجب عليه ، لمصحح زرارة المروي في الكافي وأحد طريقي التهذيب عن أحدهما عليهما السلام : (إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ) (4).
والبحث عن الماء ليس منحصرا في السفر ، بل يجب طلبه في الحضر حتى اليأس لأن شرط التيمم هو عدم القدرة على الماء.
(2) على المشهور والخبر المتقدم وإن لم يذكر الجهات الأربعة إلا أنه محمول عليها لعدم المرجح لبعضها على بعض ، وعن ابن حمزة في الوسيلة الاقتصار على اليمين واليسار ، وعن المفيد والحلبي ترك الجهة الخلفية فهو مما لا شاهد له.
(3) أي مع اعتدال الآلة من القوس والسهم واعتدال الرامي ، وزاد بعضهم وسكون الهواء.
ص: 321
الأشجار والأحجار ، والعلوّ والهبوط المانع من رؤية ما خلفه (و) غلوة(سهمين في السّهلة). ولو اختلفت في الحزونة والسهولة توزّع بحسبهما.
وإنما يجب الطلب كذلك مع احتمال وجوده فيها (1) ، فلو علم عدمه مطلقا (2) ، أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقا (3) ، أو فيه (4) كما أنه لو علم وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت (5) ، وتجوز الاستنابة فيه (6) ، بل قد تجب (7) ولو بأجرة مع القدرة (8). ويشترط عدالة النائب (9) إن كانت اختيارية (10) ، وإلا فمع إمكانها (11). ويحتسب لهما على التقديرين (12). ويجب طلب التراب (13)
______________________________________________________
(1) في الجهات الأربع.
(2) في كل الجهات.
(3) في كل الجهات فيما لو علم بعدمه في كل الجهات.
(4) أي في البعض الذي يقطع بعدم الماء فيه.
(5) ويدل عليه مصحح زرارة المتقدم.
(6) في الطلب ، لأن الغرض من الطلب هو حصول اليأس من وجود الماء ، وهو متحقق عند طلبه وطلب غيره بشرط أن يكون الغير موثوقا بأخباره.
(7) أي الاستنابة فيما لو كان هو عاجزا عنها.
(8) على بذل الأجرة.
(9) وقد وقع اشتراط العدالة من جماعة ، وفيه : ما دام المدار على حصول الظن من إخباره فهو حاصل من خبر الثقة فلا يشترط العدالة.
(10) أي الاستنابة.
(11) أي وإن كانت استنابة اضطرارية لأن المنوب عنه عاجز عن الطلب فيشترط العدالة في النائب مع إمكان تحققها فيه ، وإلا فلو انحصر النائب في غير العادل فتجوز الاستنابة حينئذ لأن تحصيل الظن منحصر به ، هذا وقد عرفت أن المدار على حصول الظن بعدم وجود الماء من كلام النائب سواء كان عادلا أوثقه أو كان كلامه محتفا بقرائن تفيد صدقه.
(12) أي وإن كانت الاستنابة اختيارية أو اضطرارية فالطلب الحاصل من النائب يكفي للنائب والمنوب عنه أن يعتمد عليه في مقام تحصيل الظن بعدم وجود الماء.
(13) بل مطلق ما يتيمم به من الأرض.
ص: 322
(كذلك (1) لو تعذر ، مع وجوبه (2).)
(ويجب) التيمم(بالتراب (3) الطاهر والحجر) لأنه من جملة الأرض إجماعا ،
______________________________________________________
(1) أي كالماء.
(2) أي مع وجوب التيمم ، فيجب طلب ما يتيمم به وتجوز الاستنابة في الطلب إلى آخر الشروط التي ذكرها الشارح أو التي عرفت أنها الحق.
(3) بالاتفاق ، بل بكل ما يطلق عليه اسم الأرض على المشهور لقوله تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1) بناء على أن الصعيد اسم لمطلق وجه الأرض كما هو المشهور بين أهل اللغة بل عن الزجاج : لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك. وللأخبار الكثيرة منها : النبوي المشهور والمروي في الوسائل بعدة طرق : (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) (2).
وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم) (3).
وخبر ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض)(4).
وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام : (سئل عن التيمم بالجص فقال عليه السلام : نعم ، فقيل : بالنورة؟ فقال عليه السلام : نعم ، فقيل : بالرماد؟ فقال عليه السلام : لا ، إنه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر) (5).
وعن السيد وأبي علي والحلبي وابن زهرة المنع عن غير التراب ، بل في الغنية الإجماع عليه لما ورد من تفسير الصعيد بالتراب كما عن بعض أهل اللغة ، وللنبوي الوارد في الخصال العلل : (جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا) (6).
ولصحيح محمد بن حمران وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام : (إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا) (7)، وفيه : إنها لا تقاوم الأخبار المتقدمة هذا فضلا عن أنها لا تنفي التيمم عن غير التراب.
ص: 323
والصّعيد المأمور به هو وجهها ، ولأنه تراب (1) اكتسب رطوبة لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادته استمساكا. ولا فرق بين أنواعه من رخام ، وبرام (2) ، وغيرهما ، خلافا للشيخ حيث اشترط في جواز استعماله فقد التراب ، أما المنع منه مطلقا (3) فلا قائل به (4).
ومن جوازه (5) بالحجر يستفاد جوازه بالخزف بطريق أولى (6) ، لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب ، كما لم يخرج الحجر مع أنه أقوى (7) استمساكا منه ، خلافا للمحقق في المعتبر محتجا بخروجه (8) مع اعترافه بجواز السجود عليه. وما يخرج عنها بالاستحالة يمنع من السجود عليه (9) ،
______________________________________________________
(1) أي الحجر وهو دليل ثان على جواز التيمم به ، والاستمساك لا يخرجه عن كونه أرضا.
(2) الرخام هو الحجر الأبيض الرخو والبرام هو الحجر الصلد الذي يعمل منه القدور.
(3) أي المنع من الحجر سواء فقد التراب أو لا.
(4) قد عرفت أن أبا علي الجنيد والسيد والحلبي وابن زهرة قد منعوا من التيمم به مطلقا كما في الجواهر.
(5) أي جواز التيمم.
(6) ذهب المحقق في المعتبر إلى منع التيمم به لخروجه عن الأرض بالإحراق ، ونسبه إلى ابن الجنيد وقال : (ولا يعارض بالسجود عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ).
ومال سيد الرياض إلى عدم التيمم به للشك في الخروج وعدمه ، واستشكل العلامة في المنتهى وتوقف الشهيد في الدروس.
وعن جماعة جواز التيمم به لعدم خروجه عن اسم الأرض بالإحراق وإن خرج عن اسم التراب بل هو أولى من الحجر لقوة استمساكه دون الحجر فإنه مستمسك من دون هذه الزيادة.
(7) أي مع أن الخزف أقوى استمساكا من الحجر.
(8) أي بخروج الخزف عن الأرض بالإحراق.
(9) لما سيأتي من الإجماع المنقول من أن ما خرج عن الأرض بالاستحالة لا يجوز السجود عليه والخزف بحسب دعوى المحقق منه فكيف يجوز السجود عليه.
ص: 324
وإن كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى غيره (1) (لا بالمعادن) (2) كالكحل ، والزرنيخ ، وتراب الحديد ، ونحوه (3) (و) لا(النّورة) والجصّ بعد خروجهما عن اسم الأرض بالإحراق (4) ، أما قبله فلا (5).
(ويكره) التيمم(بالسبخة) (6) بالتحريك (7) فتحا وكسرا والسكون وهي الأرض المالحة النشاشة (8) على أشهر القولين (9) ما لم يعلها ملح (10) يمنع إصابة بعض الكف للأرض فلا بدّ من إزالته ، (والرّمل) (11) لشبههما بأرض
______________________________________________________
(1) غير السجود كالتيمم إذ يجوز السجود على النبات وعلى الورق إلا أن الخزف يمنع من السجود عليه.
أولا : لكونه مستحالا عن الأرض وما استحال لا يجوز السجود عليه.
وثانيا : لعدم صدق النبات أو الكاغذ عليه حتى نجوّز السجود عليه ، فما ادعاه المحقق من عدم جواز التيمم عليه لعدم صدق الأرض مع جواز السجود عليه بدعوى أن دائرة السجود أوسع لا ينفعه.
(2) ففي المنتهى : «هو مذهب علمائنا أجمع» لخروجهما عن مفهوم الصعيد ، وعن اسم الأرض ، وعن ابن عقيل جواز التيمم بها وهو ضعيف.
(3) كالملح.
(4) كما عن الأكثر وفي المعتبر والتذكرة ومجمع البرهان الجواز وهو ضعيف.
(5) أي فلا يمنع التيمم بهما قبل الإحراق ، بل عن مجمع البرهان : «أنه لا ينبغي النزاع فيه» لصدق الأرض ، وعن السرائر المنع في النورة لكونها من المعادن وفيه : إنه لو سلم كونها من المعادن فلا ينافيه صدق الأرض عليها كالرمل.
(6) للإجماع المدعى عن جماعة ، وإلا فجوازه مما يشهد له إطلاق الأدلة ، فما عن ابن الجنيد من المنع غير ظاهر الوجه.
(7) بالنسبة للباء فتفتح وتكسر وتسكّن ، وأما السين فهي مفتوحة على كل حال.
(8) وهي التي تغلي بالملح.
(9) لم يخالف إلا ابن الجنيد.
(10) فإن علاها ملح فلا يجوز التيمم لأن الملح من المعادن.
(11) كالأرض السبخة ولم يخالف هنا ابن الجنيد وما ورد (أن بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ : لا تصلّ على الزجاج وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل -
ص: 325
المعدن ، ووجه الجواز بقاء اسم الأرض.
(ويستحبّ من العوالي) (1) ، وهي ما ارتفع من الأرض للنص ، ولبعدها من النجاسة ، لأن المهابط تقصد للحدث ، ومنه سمي الغائط لأن أصله المنخفض ، سمّي الحالّ باسمه لوقوعه فيه كثيرا.
(والواجب) في التيمم(النية) (2) وهي القصد إلى فعله ، وسيأتي بقية ما يعتبر فيها (3) ، مقارنة لأول أفعاله (4) (و) هو (5) (الضرب على الأرض بيديه) معا (6) ،
______________________________________________________
- وهما ممسوخان) (1) لكنه ضعيف في نفسه ولم يعمل به أحد من الأصحاب.
(1) يستحب أن يكون التيمم من ربى الأرض وعواليها ، كما أنه يكره التيمم من مهابطها للإجماع في الخلاف ، ولبعد العوالي عن النجاسات وزوالها عنها غالبا بالسيول والرياح ، وقد ورد تفسير الصعيد بالموضع المرتفع في الفقه الرضوي : (الصعيد الموضع المرتفع عن الأرض ، والطيب الذي ينحدر عنه الماء) (2).
(2) المشتملة على قصد الفعل مع التقرب ، إجماعي بل عن المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد والروض دعوى إجماع علماء الإسلام ، ويقتضيه مرتكزات المتشرعة فإن رافع الحدث عبادة عندهم بخلاف رافع الخبث.
(3) من قصد البدلية والاستباحة والوجه.
(4) بناء على أن النية إخطارية كما تقدم في بحث نية الوضوء ، وقد عرفت أنها على نحو الداعي فيمكن إيجادها قبل الفعل وتستمر إلى انتهائه.
(5) أي التيمم.
(6) فيضرب باطن اليدين معا دفعة على الأرض ونسب إلى المشهور بل في الذكرى نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب للأخبار منها : خبر عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله عليه السلام : (أنه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على جبينه وكفيه مرة واحدة)(3).
وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما -
ص: 326
وهو وضعهما بمسمى الاعتماد (1) ، فلا يكفي مسمى الوضع على الظاهر ، خلافا للمصنف في الذكرى فإنه جعل الظاهر الاكتفاء بالوضع ، ومنشأ الاختلاف تعبير النصوص بكلّ منهما (2) ، وكذا عبارات الأصحاب ، فمن جوّزهما (3) جعله (4) دالا على أن المؤدى واحد (5) ، ومن عيّن الضرب حمل المطلق على المقيد (6). وإنما يعتبر اليدان معا مع الاختيار (7) ، فلو تعذّرت إحداهما - لقطع أو مرض أو ربط - اقتصر على الميسور (8) ومسح الجبهة به وسقط مسح اليد (9).
ويحتمل قويا مسحها بالأرض (10)
______________________________________________________
- وجهك ويديك) (1).
ويجب حمل ما دل من النصوص على الوضع على الضرب جمعا بين الأخبار كما في خبر زرارة : (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وذكر التيمم وما صنع عمار ، فوضع أبو جعفر عليه السلام كفيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشي ء) (2) ومثله غيره ، وعن ظاهر الشرائع والقواعد وحكي عن الشهيد في الذكرى والدروس واختاره المحقق الثاني في حاشية الإرشاد وجامع المقاصد من كفاية الوضع وهو ليس في محله إلا أن يكون مرادهم من الوضع هو الضرب.
(1) حتى يتحقق مفهوم الضرب.
(2) من الضرب والوضع.
(3) أي جوّز الضرب والوضع.
(4) أي جعل اختلاف النصوص.
(5) وهو الضرب.
(6) بحمل الوضع على الضرب ، إذ الوضع أعم.
(7) كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة.
(8) لقاعدة أن الميسور لا يسقط بالمعسور.
(9) أي اليد السليمة فيسقط مسح ظهرها ، وأما اليد الأخرى فإن كانت مقطوعة فينتفي الموضوع ، وإن كانت موجودة فيجب مسح ظهرها حينئذ.
(10) أي مسح اليد السليمة بعد ضرب باطنها ومسح الجبهة بها لقاعدة الميسور ، بعد الاتفاق على وجوب التيمم به والعمدة في كيفية قاعدة الميسور وهي غير ظاهرة في -
ص: 327
كما يمسح الجبهة بها (1) لو كانتا مقطوعتين (2) ، وليس كذلك لو كانتا (3) نجستين ، بل يمسح بهما كذلك (4) مع تعذّر التطهير (5) إلا أن تكون متعدية ، أو حائلة فيجب التجفيف (6) وإزالة الحائل (7) مع الإمكان ، فإن تعذر (8) ضرب بالظهر (9) إن خلا منهما (10) ، وإلا (11) ضرب بالجبهة في الأول (12) ، وباليد النجسة في الثاني (13) ، كما (14) لو كان عليها جبيرة (15).
______________________________________________________
- كيفية مخصوصة فيحتمل مسح الكف السليم بالأرض ويحتمل الضرب بالذراع بدلا عن الكف المقطوعة ويحتمل الاستنابة وتعيين واحد من هذه الاحتمالات مشكل.
(1) بالأرض.
(2) لقاعدة الميسور والمعسور ، ادعى الاتفاق على وجوب التيمم بالنسبة لمقطوع اليدين إلا من الشيخ في المبسوط فادعى سقوط التيمم عنه ، ثم على فرض وجوب التيمم فقاعدة الميسور هي المحكمة وهي لا تدل على كيفية خاصة فيحتمل مسح الجبهة بالأرض ويحتمل ضرب الذراع في كلتا اليدين بالأرض ومسح الجبهة بهما ويحتمل الاستنابة وتعيين واحد منها مشكل فالاحتياط هو المتعين.
(3) اليدان ، واشتراط الطهارة في الماسح والممسوح مما ادعى عليه جماعة الإجماع منهم الشهيد في حواشيه على القواعد وعن جامع المقاصد القطع به لكن في الجواهر : «لم أعثر على مصرح بشي ء منه من قدماء الأصحاب».
(4) مع النجاسة.
(5) وإلا فإن أمكن التطهير وجب.
(6) لئلا تسري النجاسة.
(7) حتى يصدق ضرب باطن اليدين بالأرض.
(8) أي تعذر التجفيف وإزالة الحائل.
(9) لصدق اليد على الظهر ، وفيه : فيجوز حينئذ ضرب اليد بظهرها على الأرض حال الاختيار إلا أن يدعى الانصراف للباطن ، ويسقط مع التعذر.
(10) من النجاسة والحائل.
(11) فإن لم يخلو الظهر من النجاسة أو الحائل.
(12) أي في النجاسة المسرية.
(13) أي مع وجود الحائل.
(14) تنظير لجواز الضرب باليد النجسة.
(15) فكما جاز الضرب باليد التي عليها جبيرة لقاعدة الميسور فكذا إذا كانت اليد نجسة مع عدم السراية.
ص: 328
والضرب(مرة للوضوء) (1) أي لتيممه الذي هو بدل منه ، (فيمسح بهما)
______________________________________________________
(1) ذهب المشهور كما في المنتهى وكشف اللثام أنه يكفي الضرب مرة واحدة فيما لو كان التيمم بدلا عن الوضوء ويجب تعدد الضرب ضربة للوجه وضربة لليدين فيما لو كان التيمم بدلا عن الغسل ، بل عن جماعة أنه من دين الإمامية وعن التهذيب والتبيان ومجمع البيان أنه مذهب الشيعة.
وعن السيد المرتضى أنه يكفي ضربة واحدة في الجميع وحكي عن المفيد في العزية والقديمين وابن الجنيد وابن أبي عقيل ، وعن علي بن بابويه أنه ضربتان في الجميع وحكي عن جماعة من القدماء.
ومستند المشهور الجمع بين الأخبار فبعضها دال على الاكتفاء بضربة واحدة كموثق زرارة : (سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده إلى الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه وكفيه مرة واحدة) (1) ومثله خبر عمرو بن أبي المقدام (2) وخبر زرارة (3) وغيرها.
وبعضها دال على الضربتين منها : صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين) (4).
والشاهد على جمع المشهور ما رواه العلامة في المنتهى : (أنه روى الشيخ في الصحيح عن الصادق عليه السلام أن التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتين) (5) وكذا صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (قلت له : كيف التيمم؟ قال عليه السلام هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين) (6).
بل عن كتاب جمل العلم والعمل للسيد المرتضى (وقد روي أن تيممه إن كان عن جنابة أو ما أشبهها ثنّى ما ذكرناه من الضربة) (7).
وأشكل على هذا الشاهد للجمع بأن صحيح المنتهى لا وجود له في كتب الأخبار ، وقد توهم العلامة وجوده لأن الشيخ في التهذيب بعد ما جمع الأخبار بالحمل على -
ص: 329
(جبهته) (1)
______________________________________________________
- التفصيل المذكور قال : «مع أنا أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، والآخر عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : إن التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان» ، وخبر زرارة قد تقدم وأما خبر ابن مسلم فهو : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال : هذا التيمم على ما كان فيه الغسل ، وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد) (1) ، وهذا الخبر محمول على التقية لاشتماله على مسح اليدين إلى المرفقين وعلى مسح الوجه ، فلا يبقى إلا صحيح زرارة المتقدم وهو غير ظاهر في التفصيل لأنه عليه السلام حكم بكونه التيمم ضربا واحدا في الوضوء والغسل معا وأنه تضرب بيديك مرتين نفضة للوجه ونفضة لليدين ، إلا أن يقال : إن قوله عليه السلام : (هو ضرب واحد للوضوء) جملة مستقلة ، وقوله عليه السلام : (والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين) جملة استئنافية وهذا ما فهمه المحقق في المعتبر ، بل والشيخ في التهذيب حيث جعله شاهدا على الجمع المذكور ، بل وكذا السيد في جمل العلم والعمل حيث لا يوجد إلا هذا الصحيح وخبر ابن مسلم المتقدم ، وهذا الفهم من صحيح زرارة متعين وإلا لزم تعارض صدره مع ذيله لو حمل الضرب في صدره على النوع والجنس ، نعم يعارضه موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء ، فقال : نعم) (2) إلا أن يحمل على التسوية في الممسوح لا في عدد الضربات فيرتفع التعارض وهو لا بدّ منه لأنه أولى من الطرح. فالعمل على ما عليه المشهور وعلّله العلامة في المنتهى بأن الحدث الأصغر والأكبر حدثان مختلفان في المبدل من الوضوء والغسل فيختلفان في البدل أعني التيمم بضربة واحدة أو بضربتين ومنه يظهر ضعف القول بوحدة الضرب في الجميع وبتعدد الضرب في الجميع.
(1) إجماعي كما عن جماعة بل في المستند : «هو محل الوفاق بين المسلمين بل هو ضروري الدين» ويدل عليه موثق زرارة المروي في التهذيب عن المفيد عن أبي جعفر -
ص: 330
(من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى) (1) بادئا بالأعلى (2) كما أشعر به «من» و «إلى» ، وإن احتمل غيره (3). وهذا القدر من الجبهة متّفق عليه ، وزاد
______________________________________________________
- عليه السلام عن التيمم : (فضرب بيده الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبهته) (1) ، لكن في الكافي وفي التهذيب أيضا الرواية (ثم مسح بها جبينه).
(1) إجماعي كما عن الانتصار والغنية والروض والروضة وغيرها ، وعن أمالي الصدوق أنه من دين الإمامية ، وهو مقتضى تحديد الجبهة والجبين الواجب مسحهما كما ورد في النصوص.
نعم عن رسالة ابن بابويه وجوب استيعاب الوجه للأخبار الكثيرة البالغة أحد عشر خبرا أو أزيد الآمرة بمسح الوجه ففي خبر زرارة : (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر عليه السلام كفيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفّيه ولم يمسح الذراعين بشي ء) (2) ، وفي خبره الآخر عنه عليه السلام أيضا في التيمم : (تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك) (3) ، وصحيح إسماعيل بن همّام عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : (التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين) (4). لكن لا بد من حمل الوجه هنا على الجبهة والجبين لقوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) (5) مع ظهور الباء بالتبعيض ففي صحيح زرارة أنه قال لأبي جعفر عليه السلام : (ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين - إلى أن قال - : إن المسح ببعض الرأس لمكان الباء - إلى أن قال - : فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال : ( بِوُجُوهِكُمْ ) ، ثم وصل بها ( وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) أي من ذلك التيمم ، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه) (6).
(2) على المشهور للإجماع المدعي من جماعة ، وعن الأردبيلي عدم الوجوب من الأعلى عملا بإطلاق أوامر التيمم وكذا عن كشف اللثام لأصالة العدم.
(3) لاحتمال أن تكون القيود قيودا للممسوح لا للمسح.
ص: 331
بعضهم مسح الحاجبين (1) ، ونفى عنه المصنف في الذكرى البأس ، وآخرون مسح الجبينين (2) - وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصدغين ، وفي الثاني قوة لوروده في بعض الأخبار الصحيحة ، أما الأول (3) فما يتوقف عليه منه من باب المقدمة لا إشكال فيه وإلا فلا دليل عليه.
(ثم) يمسح(ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزّند) بفتح الزاي ، وهو موصل طرف الذراع في الكتف(إلى أطراف الأصابع. ثم) (4) مسح ظهر
______________________________________________________
(1) ذهب الصدوق إلى وجوب مسحهما وتبعه في الذكرى وجامع المقاصد ، وقد نقل المحقق الثاني في جامعه عن الصدوق أن به رواية ، والآخرون على عدم وجوب مسحهما لعدم ثبوت الرواية عن الصدوق ولخروجهما عن مسمى الجبهة والجبينين ، نعم يجب مسح شي ء منهما من باب المقدمة.
(2) كما عن جامع المقاصد والمسالك والمدارك وشرح المفاتيح وغيرها ، ويدل على ذلك موثق زرارة - على رواية الكافي والتهذيب - عن أبي جعفر عليه السلام عن التيمم : (فضرب بيده إلى الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه وكفيه مرة واحدة) (1) ، وخبر ابن أبي المقدام عن أبي عبد الله عليه السلام : (ثم مسح على جبينه وكفّيه مرة واحدة) (2) ، وخبر زرارة الآخر عن أبي جعفر عليه السلام (ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى) (3) وكذا غيرها.
وعن الفاضلين والشهيدين وجماعة عدم الوجوب للاقتصار على الجبهة في بعض الأخبار كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رواية التهذيب : (ثم مسح بهما جبهته) (4) ، وصحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (ثم مسح بهما وجهه) (5) ، بناء على أن المراد منه ومن غيره المقتصر على الوجه أنه الجبهة فقط.
(3) وهو مسح الحاجبين.
(4) فمسح اليدين ثابت بالاتفاق ، وعلى المشهور المسح من الزند إلى أطراف الأصابع ، وعن علي بن بابويه وجوب مسح الذراعين أيضا لصحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله -
ص: 332
(اليسرى) ببطن اليمنى (كذلك) مبتدئا بالزند إلى الآخر كما أشعر به كلامه (ومرتين للغسل) (1) إحداهما يمسح بها جبهته والأخرى يديه (2).
______________________________________________________
- عليه السلام الوارد في التيمم : (فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع) (1) ، وصحيح ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام : (وتمسح بهما وجهك وذراعيك) (2) ، وموثق سماعة : (فمسح بها وجهه وذراعيه) (3) ، لكنها محمولة على التقية لموافقتها للعامة ولمعارضتها لجملة من الأخبار منها : صحيح زرارة : (سمعت أبا جعفر عليه السلام - إلى أن قال - : ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشي ء) (4).
وصحيحه الآخر عنه عليه السلام : (ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك) ((5).
وعن السرائر عن قوم من أصحابنا أن المسح من أصول الأصابع ويشهد له مرسل حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام : (فامسح على كفيك من حيث موضع القطع) (6) ، وإرساله ومعارضة الأخبار المتقدمة له يمنعان من العمل به.
والمسح بباطن كل منهما لظهر الأخرى للأخبار التي تقدم بعضها ومنها : حسنة الكاهلي : (ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى) (7).
وموثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (ثم مسح كفيه كل واحدة على الأخرى) (8).
وتقديم اليمنى بالاتفاق ويشهد له موثق زرارة المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام : (فمسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى) (9).
(1) قد تقدم الكلام وهو الحق.
(2) للأخبار منها : صحيح إسماعيل بن همام عن الرضا عليه السلام : (التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين) (10).
ص: 333
(ويتيمم غير الجنب) ممن عليه حدث يوجب الغسل عند تعذّر استعمال الماء مطلقا (1) (مرتين) (2) إحداهما بدلا من الغسل بضربتين (3) ، والأخرى بدلا من الوضوء بضربة. ولو قدر على الوضوء خاصة وجب ، وتيمم عن الغسل كالعكس (4) ، مع أنه (5) يصدق عليه أنه محدث غير جنب ، فلا بدّ في إخراجه (6) من قيد ، وكأنه تركه (7) اعتمادا على ظهوره.
(ويجب في النية) قصد(البدليّة) (8) من الوضوء ، أو الغسل إن كان التيمم بدلا عن أحدهما كما هو الغالب ، فلو كان تيممه لصلاة الجنازة (9) أو للنوم على -
______________________________________________________
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث وقد تقدم : (والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين) (1).
(1) في الوضوء أو الغسل.
(2) مرة بدلا عن الغسل ومرة بدلا عن الوضوء باعتبار أن غسل غير الجنابة لا يسقط الوضوء وقد تقدم ضعف المبنى سابقا.
(3) لما ثبت أن التيمم عن الغسل لا بد فيه من ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين.
(4) وهو فيما لو قدر على الغسل دون الوضوء فيغتسل ويتيمم للوضوء.
(5) أي أن القادر على الاغتسال دون الوضوء مع أنه محدث بحدث غير الجنابة.
(6) من عموم قوله بوجوب التيمم مرتين.
(7) ترك الإخراج ، هذا واعلم أن أدلة تشريع التيمم تقتضي بدلية التيمم عن الوضوء والغسل لا بدلية التراب عن الماء وعليه فإذا كان عليه غسل واحد أو وضوء واحد فيكفي له تيمم واحد ، وإذا كانت متعددة فلا بد من تعدد التيمم ، وإذا كان بعض الاغسال كافيا عن الوضوء كان التيمم بدلا عنه مغنيا عن الوضوء إجراء لحكم الأصل على البدل قضاء لحق البدلية بل في الجواهر : «قد يشعر كشف اللثام بعدم خلاف فيه».
(8) لاختلاف التيمم باختلاف المبدل عنه ، فحقيقة التيمم الذي هو بدل عن الغسل تكون بضربتين بخلاف التيمم الذي هو بدل عن الوضوء فإنه بضربة واحدة ، والتيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة يسقط الوضوء بخلاف التيمم الذي هو بدل عن الوضوء فإنه امتثال له ، فلا بد من قصد البدلية حتى تتعين ماهية التيمم البدلي.
(9) أما التيمم لصلاة الجنازة بالاتفاق لموثق سماعة : (سألته عن رجل مرت به جنازة وهو -
ص: 334
طهارة (1) ، أو لخروجه جنبا من أحد المسجدين (2) - على القول باختصاص
______________________________________________________
- على غير وضوء كيف يصنع؟ قال عليه السلام : يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم به) (1) ، ومرسل حريز عن أبي عبد الله عليه السلام : (الطامث تصلي على الجنازة لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود والجنب يتيمم ويصلي على الجنازة) (2) ، ولكن عن جماعة الاقتصار على صورة ما لو خاف الفوت كما وقع التصريح به في خبر الحلبي : (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها ، قال عليه السلام : يتيمم ويصلي) (3).
(1) وأما التيمم للنوم على طهارة لمرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام : (من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده ، فإن ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر الله) (4) ، وهو ظاهر في التيمم عن الحدث الأصغر فقط وفي خصوص حال النسيان مع أن المشهور عمموا الحكم للأكبر وفي حال التعمد وعدم النسيان مع أنه ورد بالنسبة للأكبر عدم مشروعية التيمم إلا عند فقدان الماء كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام : (لا ينام المسلم وهو جنب ، ولا ينام إلا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد) (5).
(2) وأما التيمم للخروج جنبا من أحد المسجدين لصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام : (إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلا متيمما ، ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد ولا يجلس في شي ء من المساجد) (6) ، وظاهره الاقتصار على المحتلم فلا يعم من حدثت له جنابة في المسجد. ولو عمدا أو كان جنبا فدخل كما عن جماعة.
ففي هذه المواطن الثلاثة يشرع التيمم وإن وجد الماء كما عليه المشهور ، وإن كان الحق أن مشروعية التيمم للمحتلم في المسجدين لأن اللبث من أجل الغسل حتى -
ص: 335
التيمم بذلك (1) - كما هو أحد قولي المصنف - لم يكن (2) بدلا من أحدهما (3) مع احتمال بقاء العموم (4) بجعله فيها (5) بدلا اختياريا.
(و) يجب فيه (6) نية(الاستباحة) (7) لمشروط بالطهارة(والوجه) من وجوب ، أو ندب ، والكلام فيهما (8) كالمائية(والقربة) ولا ريب في اعتبارها في كل عبادة مفتقرة إلى نية ليتحقق الإخلاص المأمور به (9) في كل عبادة.
(و) تجب فيه (الموالاة) (10) بمعنى المتابعة بين أفعاله بحيث لا يعدّ مفرّقا
______________________________________________________
- يخرج على فرض وجود الماء في داخله هو أكثر من اللبث للتيمم ، مع أن اللبث محرم فيكون ممنوعا شرعا من استعمال الماء فلذا شرّع التيمم في حقه ، وكذا مشروعية التيمم لمن خاف فوت صلاة الجنازة فالعذر عن استعمال الماء هو خوف الفوت فلا يبقى إلا التيمم للنوم لمن تذكر أنه على غير وضوء وهو في فراشه.
(1) بالخروج جنبا من أحد المسجدين إذا كان محتلما ، أما لو كانت جنابته عمدية أو كان جنبا خارج المسجد ودخل فلا يشرّع التيمم في حقه.
(2) أي التيمم في هذه الصور الثلاثة.
(3) من الغسل أو الوضوء.
(4) في كلام المصنف من قصد البدلية.
(5) أي يجعل التيمم في هذه المواطن الثلاثة.
(6) أي في التيمم.
(7) ذهب العلامة في المنتهى إلى وجوب نية الاستباحة ولا يجوز نية رفع الحدث لأنه غير رافع بإجماع علمائنا ، ومتى لم يرفع لم تصح نيته شرعا ، ولذا يجب على المتيمم الطهارة لو وجد الماء بالنسبة للحدث السابق وهذا أكبر دليل على عدم رفعه الحدث ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا) (1).
(8) أي في الاستباحة والوجه وأنه لا دليل ينهض على وجوبهما.
(9) في قوله تعالى : ( وَمٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (2).
(10) إجماعي كما عن الغنية والتذكرة والمنتهى وجامع المقاصد والروض والحدائق وغيرها ، -
ص: 336
عرفا. وظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوبها ، وهل يبطل بالإخلال بها أو يأثم خاصة وجهان (1). وعلى القول بمراعاة الضيق فيه مطلقا (2) يظهر قوّة الأول (3) وإلا فالأصل يقتضي الصحة (4).
(ويستحبّ نفض اليدين) بعد كلّ ضربة (5) بنفخ ما عليهما من أثر
______________________________________________________
- وهو العمدة في وجوبها لا أدلة البدلية ولا أخبار التيمم لقصور الأولى وإجمال الثانية. نعم استدل عليه العلامة في المنتهى بالفاء في قوله تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا ) ، واستدل المحقق الثاني في جامعه بالفاء في قوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) ، ومقتضى الإطلاق في معاقد الإجماعات عدم الفرق بين ما هو بدل عن الوضوء وما هو بدل عن الغسل ، وقد ذهب الشهيد في الدروس إلى عدم اعتبارها في الثاني اعتمادا على دليل البدلية وعن النهاية للعلامة احتماله.
(1) مبنيان على أن الإخلال هل يوجب انتفاء اسم التيمم لانتفاء ماهيته بالتفريق فيحكم بالبطلان ، أو لا يوجب ذلك بل يأثم بترك الموالاة الواجبة ليس إلا.
(2) سواء توقع زوال العذر أم لا.
(3) لأنه مع ضيق الوقت تجب الموالاة في التيمم وإلا لزم وقوع شي ء من العبادة المشروطة به في خارج الوقت ، فيكون الإخلال في الموالاة منهيا عنه ، والنهي في العبادات مفسد ، وفيه : أنه مبني على المضايقة بالمعنى الحقيقي بحيث يقتصر على واجبات الصلاة مع أن مرادهم من المضايقة هو المعنى العرفي الشامل للصلاة بواجباتها ومندوباتها ، فلو أخلّ بالموالاة حينئذ على نحو يضر بمندوبات الصلاة دون واجباتها لوجب أن لا يكون مبطلا لعدم النهي عنه حينئذ.
(4) وفيه بعد ثبوت وجوب الموالاة ولو بالإجماع فتكون الموالاة شرطا في التيمم والإخلال بها موجب للإخلال بالتيمم لفقد المشروط عند فقدان شرطه.
(5) ففي المدارك أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، وعن المختلف أنه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد ، ويشهد له صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين) (1) ، وخبر ليث : (تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما) (2) ، وخبر زرارة : (تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما) (3). -
ص: 337
الصعيد ، أو مسحهما ، أو ضرب إحداهما بالأخرى) (وليكن) التيمم(عند آخر الوقت) (1) بحيث يكون قد بقي منه (2)
______________________________________________________
- ويظهر من المقاصد العلية القول بوجوبه وهو ضعيف لما قاله في المدارك : «وقد أجمع الأصحاب على عدم وجوبه ، قاله في التذكرة» ولخلو بعض الأخبار الواردة في التيمم عنه وهذا دليل على استحبابه في هذه الأخبار الآمرة به.
(1) ذهب إليه المشهور مطلقا أو عند المتقدمين للأخبار منها : خبر زرارة عن أحدهما عليهم السلام : (إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل) (1).
وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض) (2).
وموثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام : (فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض) (3).
وعن جماعة منهم العلامة والشهيد وسيد المدارك أنه يجوز التيمم في سعة الوقت وإن احتمل ارتفاع عذره أو ظن ذلك للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال عليه السلام : تمت صلاته ولا إعادة عليه) (4) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت ، فقال عليه السلام : ليس عليه إعادة الصلاة) (5).
وصحيح محمد بن مسلم : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء ، قال عليه السلام : لا يعيد ، إن رب الماء رب الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين) (6).
وعن جماعة كالمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة والنهاية والمختلف والشهيد هنا بل في جامع المقاصد نسبته إلى أكثر المتأخرين أنه يجوز التقديم مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه وبه يجمع بين النصوص المتقدمة.
(2) من الوقت.
ص: 338
مقدار فعله (1) مع باقي شرائط الصلاة المفقودة والصلاة (2) تامة الأفعال علما أو ظنّا ، ولا يؤثر فيه (3) ظهور الخلاف (4) (وجوبا مع الطمع في الماء) ورجاء حصوله ولو بالاحتمال البعيد(وإلا (5) استحبابا) على أشهر الأقوال (6) بين المتأخرين ، والثاني - وهو الذي اختاره المصنف في الذكرى وادعى عليه المرتضى والشيخ الإجماع - مراعاة الضيق مطلقا (7) ، والثالث جوازه مع السعة مطلقا (8) ، وهو قول الصدوق. والأخبار (9) بعضها دال على اعتبار الضيق مطلقا وبعضها غير مناف له (10) ، فلا وجه للجمع بينها (11) بالتفصيل. هذا في التيمم المبتدأ.
أما المستدام - كما لو تيمّم لعبادة عند ضيق وقتها ولو بنذر ركعتين في وقت معين يتعذّر فيه الماء ، أو عبادة راجحة بالطهارة ولو ذكرا - جاز فعل غيرها به (12) مع السعة (13).
______________________________________________________
(1) أي مقدار فعل التيمم.
(2) عطف على قوله : فعله.
(3) في علمه أو ظنه بضيق الوقت.
(4) بحيث تبين سعة الوقت ، لأن المدار على ما يعلم لا على الوجود الواقعي.
(5) فمع اليأس عن وجود الماء فيجوز التيمم.
(6) وهو القول الثالث المتقدم في الشرح.
(7) سواء طمع في الماء أم لا وسواء علم بزوال عذره أم لا وهو القول الأول المتقدم في الشرح.
(8) سواء طمع في الماء أم لا وسواء علم بزوال عذره أم لا ، وهذا هو القول الثاني المتقدم في الشرح.
(9) قد تقدم بعضها.
(10) بل تدل على التوسعة فتنافي وجوب اعتبار الضيق.
(11) بل له وجه قد تقدم.
(12) بهذا التيمم السابق.
(13) بالنسبة للصلاة الجديدة ، فصريح كلام جماعة من الأصحاب أن محل الخلاف في جواز البدار وعدمه لغير المتيمم ، أما المتيمم فهو خارج عن مفاد النصوص الدالة على المضايقة وهذا ما أفتى به الشيخ في المبسوط مع أنه من القائلين بالمضايقة. -
ص: 339
(ولو تمكّن من) استعمال (الماء انتقض) تيممه (1) عن الطهارة التي تمكن منها ، فلو تمكن من عليه غير غسل الجنابة من الوضوء خاصة (2) ، انتقض تيممه خاصة (3) ، وكذا الغسل (4). والحكم بانتقاضه بمجرد التمكن (5) مبنيّ على الظاهر.
وأما انتقاضه مطلقا (6) فمشروط بمضيّ زمان يسع فعل المائية متمكنا منها (7) ، فلو طرأ بعد التمكن مانع قبله (8) كشف عن عدم انتقاضه (9) ، سواء شرع فيها (10)
______________________________________________________
- وعن السيد في المصباح عدم جواز الصلاة بهذا التيمم مع سعة وقتها ، وتابعه على ذلك الشهيد في البيان لأن نصوص المضايقة ظاهرة في عدم جواز الصلاة بالتيمم في سعة الوقت لا مجرد عدم جواز التيمم ، وفيه منع ذلك بالإضافة إلى إطلاق جملة من الأخبار منها : صحيح حماد : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال عليه السلام : لا ، هو بمنزلة الماء) (1).
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال عليه السلام : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء) (2).
(1) بالاتفاق ويدل عليه الأخبار الكثيرة منها : صحيح زرارة المتقدم (قلت لأبي جعفر عليه السلام : يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال عليه السلام : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء) (3).
(2) قيد الغسل بغير الجنابة لأن بقية الأغسال تحتاج إلى الوضوء على مبناه كما تقدم.
(3) أي التيمم الذي هو بدل عن الوضوء.
(4) ولو تمكن من الغسل سواء كان جنابة أو غيره فينتقض التيمم الذي هو بدل عنه.
(5) أي عند أول التمكن.
(6) ظاهرا وباطنا.
(7) من المائية.
(8) أي قبل التمكن من المائية.
(9) أي انتقاض التيمم.
(10) في المائية.
ص: 340
أم لا. كوجوب الصلاة (1) بأول الوقت ، والحج للمستطيع بسير القافلة مع اشتراط استقرار الوجوب بمضيّ زمان يسع الفعل ، لاستحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها (2) ، مع احتمال انتقاضه مطلقا (3) ، كما يقتضيه ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب (4).
وحيث كان التمكن من الماء ناقضا ، فإن اتفق (5) قبل دخوله في الصلاة انتقض إجماعا على الوجه المذكور (6) وإن وجده بعد الفراغ (7) صحت (8) ، وانتقض بالنسبة إلى غيرها(ولو وجده في أثناء الصلاة) ولو بعد التكبير(أتمّها) (9) مطلقا
______________________________________________________
(1) أي انتقاض التيمم مشروط بمضي زمان يسع المائية كما أن وجوب الصلاة عند أول الوقت مشروط بمضي زمان يسع فعلها ، وكما أن الحج بالنسبة للمستطيع إذا سارت القافلة مشروط بمضي زمان يسع فعله.
(2) لأنه محال وهو قبيح عقلا.
(3) عند مجرد التمكن سواء تمكن من فعل المائية فيما بعد أم لا لإطلاق الأخبار المتقدمة ، وفيه : إن الأخبار ظاهرة في إصابة الماء بحيث كان قادرا على استعماله ويؤيده خبر أبي أيوب : (إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم) (1).
(4) بل صرح المحقق الثاني ونفس الشارح في المسالك وغيرهما بكون المراد من إصابة الماء هو التمكن من استعماله.
(5) أي التمكن من الماء.
(6) أي التمكن من الماء ومن استعماله.
(7) من الصلاة.
(8) للأخبار الكثيرة منها : خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : (سأله عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء قال : يتيمم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة) (2).
وخبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : (إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل ، فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى) (3).
(9) ذهب الشيخ في النهاية والصدوق والسيد والجعفي والأردبيلي وجماعة إلى أنه إذا وجد -
ص: 341
(على الأصح) عملا بأشهر الروايات وأرجحها سندا (1) ، واعتضادا بالنهي الوارد
______________________________________________________
- الماء قبل الركوع من الركعة الأولى فقد بطل تيممه فعليه الوضوء واستئناف الصلاة وإن كان بعد الركوع فلا يبطل ويتم الصلاة للأخبار منها : صحيح زرارة : (قلت لأبي جعفر عليه السلام : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال عليه السلام : فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته ، فإن التيمم أحد الطهورين) (1).
وخبر عبد الله بن عاصم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال عليه السلام : إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته) (2).
وذهب المشهور إلى أنه يمضي إذا تلبس بتكبيرة الإحرام ولم يركع ولم يقرأ لخبر محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام : (قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال عليه السلام : يمضي في الصلاة) (3) ، وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا لأبي جعفر عليه السلام : (في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال عليه السلام : لا ، ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم) (4) ، والأخير وإن كان مورده إصابة الماء بعد الركعتين إلا أن التعليل فيه دال على عدم نقض الصلاة إذا دخلها بتيمم ولو وجد الماء قبل الركوع من الركعة الأولى ، وقد حملت النصوص السابقة عند المشهور على الاستحباب.
وفيه : إن مستند المشهور مطلق فلا بد من حمله على الأخبار المقيدة بالركوع من باب حمل المطلق على المقيد.
وعن سلّار أنه ينقض الصلاة إلا إذا قرأ فلا ينقض وهو مما لا شاهد له كما اعترف بذلك جماعة.
وعن ابن حمزة في الوسيلة من وجوب القطع مطلقا عند سعة الوقت وإلا فلا وهو أيضا مما لا شاهد له كما اعترف بذلك جماعة أيضا.
(1) لصحة خبر زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم ، وفيه أن خبر زرارة المقيد بالركوع صحيح أيضا.
ص: 342
عن قطع الأعمال (1) ولا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة (2).
وحيث حكم بالإتمام فهو للوجوب على تقدير وجوبها (3) ، فيحرم قطعها والعدول بها إلى النافلة ، لأن ذلك (4) مشروط بأسباب مسوّغة (5) والحمل على ناسي الأذان (6) قياس ، ولو ضاق الوقت (7) فلا إشكال في التحريم (8).
وهل ينتقض التيمم بالنسبة إلى غير هذه الصلاة على تقدير عدم التمكن منه (9) بعدها؟ (10) الأقرب العدم (11) ، لما تقدم من أنه مشروط بالتمكن ولم
______________________________________________________
(1) وهو قوله تعالى : ( وَلٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ ) (1) ، وفيه إنه ظاهر في إحباط الثواب لا إبطال الأجزاء والشرائط.
(2) لإطلاق الأخبار المتقدمة.
(3) أي على تقدير وجوب الصلاة لحرمة قطعها كما سيأتي بحثه إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة.
(4) من قطع الفريضة والعدول بها إلى النافلة.
(5) كإدراك فضيلة الجماعة من أولها أو خوف فوتها ونحو ذلك كما سيأتي ذكره.
(6) فيما لو نسي الأذان وتذكر بعد الصلاة فيجوز له قطعها والعدول بها إلى النافلة.
(7) ولو عن إدراك ركعة مع الطهارة المائية.
(8) بل هو من باب عدم التمكن من الطهارة المائية فلا ينتقض التيمم.
(9) من الماء.
(10) بعد هذه الصلاة.
(11) بل الأقرب التفصيل من أنه إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع أو بعد التلبس فإن كان زمان الوجدان غير كاف للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة فلا ينتقض تيممه لعدم تمكنه من المائية ، وإن كان زمان الوجدان كافيا للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة فالظاهر انتقاض تيممه وبه جزم الشيخ ومال إليه العلامة في التذكرة والمنتهى لإطلاق الأخبار الدالة على انتقاض التيمم بوجدان الماء ، ومجرد الحكم بالصحة بالنسبة للصلاة لا يقتضي الحكم بالصحة بالنسبة لغيرها. وعن المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس والبيان والذكرى والمحقق الثاني في جامعه والشارح في مسالكه أيضا كما هنا وسيد المدارك عدم الانتقاض لأن المانع -
ص: 343
يحصل ، والمانع الشرعي كالعقلي.
ومقابل الأصح أقوال : منها الرجوع ما لم يركع ، ومنها الرجوع ما لم يقرأ ، ومنها التفصيل بسعة الوقت وضيقه ، والأخيران لا شاهد لهما ، والأول مستند إلى رواية معارضة بما هو أقوى منها (1).
______________________________________________________
- الشرعي وهو إتمام الصلاة هنا كالمانع العقلي وهذا كاشف عن عدم تمكنه من الطهارة المائية والأحوط الأول.
(1) بل مستند المشهور ومستند غيره متساويان في عدد الروايات وفي كون الصحيح في كل منهما فالترجيح لأحدهما ليس في محله فضلا عن أن الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيد يقتضي ترجيح أخبار الركوع لا أخبار التلبس.
ص: 344
فهرس الجزء الاول من الزبدة الفقهية
مقدمة المصنف.................................................................. 5
كتاب الطهارة................................................................... 8
تعريف الطهارة................................................................. 24
تعريف الحديث والخبث.......................................................... 27
كيفية تطهير الماء............................................................... 31
مقدار الكر.................................................................... 33
تنجس الماء القليل.............................................................. 37
تنجس البئر.................................................................... 43
كيفية تطهير البئر.............................................................. 45
الماء المضاف وأحكامه........................................................... 65
كيفية تطهير المضاف........................................................... 67
تعريف السؤر وحكم............................................................ 69
استحباب التباعد بين البئر والبالوعة.............................................. 73
نجاسة البول والغائط............................................................ 75
نجاسة الكلب والخنزير........................................................... 79
نجاسة الكافر.................................................................. 81
نجاسة المسكر والفقاع........................................................... 85
حكم العصير العنبي............................................................. 87
ص: 345
المعفو عند في النجاسات في الصلاة............................................... 89
مقدار الدرهم البغلي............................................................ 91
حكم الدم الزائد عن المعفو....................................................... 93
وجوب تعدد الغسلات في البول وغيره............................................. 95
تطهير الثوب في الكثير والجاري................................................... 97
غسل الإناء من ولوغ الكب..................................................... 99
الغسالة وأحكامها............................................................. 103
مطهرية الماء والأرض........................................................... 105
مطهرية التراب................................................................ 107
مطهرية الشمس.............................................................. 109
النزح وذهاب الثلثين.......................................................... 111
الطهارة ؛ الوضوء والغسل والتيمم............................................... 113
الوضوء...................................................................... 115
موجبات الوضوء.............................................................. 117
النية في الوضوء............................................................... 119
قصد القرية في النية........................................................... 123
غسل الوجه.................................................................. 125
تعريف المرفق................................................................. 127
مسح مقدم الرأس............................................................. 129
مسح الرجلين................................................................ 131
النكس في المسح.............................................................. 135
المولاة في الوضوء.............................................................. 137
سنن الوضوء ؛ السواك......................................................... 139
الشك في الوضوء............................................................. 147
وجوب ستر العورة............................................................. 151
الاستنجاء................................................................... 153
بالأحجار.................................................................... 155
الاستبراء..................................................................... 161
ص: 346
مكروهات التخلي............................................................. 163
حكاية الأذان في الخلاء........................................................ 165
الغسل....................................................................... 168
ما يحرم على الجنب............................................................ 171
واجبات الغسل............................................................... 177
مستحبات غسل الجنابة........................................................ 179
إذا أحدث بالأصغر أثناء الغسل................................................ 189
الحيض...................................................................... 190
المرأة القرشية.................................................................. 191
أقل الحيض.................................................................. 193
أوصاف دم الحيض........................................................... 195
قيود إمكان كون الدم حيضا................................................... 197
عدد أيام الاستظهار........................................................... 199
الفرق بين الوقتية العددية والعددية.............................................. 203
رجوع المبتدئة إلى التمييز....................................................... 205
رجوع المبتدئة إلى عادة أقاربها................................................... 207
حكم المضطربة الناسية للوقت.................................................. 211
حرمة الصوم على الحائض...................................................... 213
حكم اللبث في المساجد....................................................... 215
حرمة طلاق الحائض.......................................................... 217
حرمة العزائم وكراهة باقي القرآن................................................. 219
كراهة الخضاب للحائض...................................................... 221
الاستحاضة.................................................................. 223
صفات دم الاستحاضة........................................................ 225
أقسام المستحاضة وأحكامها.................................................... 227
النفاس...................................................................... 229
أقل النفاس وأكثره............................................................ 231
أحكام النفساء............................................................... 235
ص: 347
مس الميت................................................................... 237
الوضوء قبل غسل المس........................................................ 239
أحكام الأموات............................................................... 240
مستحبات الاحتضار.......................................................... 243
متسحبات ما بعد الموت....................................................... 245
غسل الميت.................................................................. 249
اعتبار المماثلة في غير الزوجين................................................... 255
تغسيل الرجل زوجته ومملوكته.................................................... 257
تغسل الكافر للمسلم والكافرة للمسلم........................................... 259
عدم وجوب تغسيل الشهيد.................................................... 261
مستحبات تغسيل الميت....................................................... 263
الكفن....................................................................... 267
مستحبات التكفين............................................................ 273
المسح بالكافور............................................................... 277
مستحبات الكفن............................................................. 279
وضع الجريدتين............................................................... 281
استحباب اغتسال الغاسل قبل التكفين.......................................... 285
صلاة الميت.................................................................. 286
كيفية صلاة الميت............................................................ 290
مستحبات التشييع والصلاة.................................................... 295
الدخول في صلاة الجماعة على الميت............................................ 299
جواز من لم يصل على الميت................................................... 301
الصلاة على المدفون........................................................... 303
الدفن....................................................................... 306
مستحبات الدفن............................................................. 309
استحباب تعزية أهل المصيبة.................................................... 315
التيمم....................................................................... 317
مسوغات التيمم ؛ العجز عن الماء............................................... 319
ص: 348
مسوغات التيمم ؛ الخوف من استعمال الماء...................................... 321
وجوب طلب الماء............................................................. 323
ما يجوز التيمم به............................................................. 325
ما يستحب التيمم به.......................................................... 327
وجوب الضرب باليدين معا..................................................... 329
كفاية الضربة للوضوء.......................................................... 331
وجوب مسح ظهر اليدين...................................................... 333
وجوب الموالاة................................................................ 337
التيمم آخر الوقت............................................................ 339
انتقاض التيمم................................................................ 341
وجدان الماء أثناء الصلاة....................................................... 343
تم الفهرس وله الحمد وحده
ص: 349