سند العروة الوثقی (كتاب الاجتهاد و التقلید) المجلد 2

هوية الكتاب

سرشناسه:سند، محمد، 1962- م.

عنوان قراردادی:العروة الوثقی.شرح

عنوان و نام پدیدآور:سندالعروةالوثقی (كتاب الاجتهاد والتقلید)/ تقریرا لابحاث محمد السند؛ بقلم زهیربن الحاج علی الحكیم.

مشخصات نشر:تهران: دارالكوخ، 2015 م.= 1394.

مشخصات ظاهری:2 ج.

شابك:دوره 978-600-6701-13-4 : ؛ ج.1 978-600-6701-14-1 : ؛ ج.2 978-600-6701-12-7 :

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 2015 م. = 1394).

یادداشت:كتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران متفاوت منتشر شده است.

یادداشت:عنوان دیگر: كتاب الاجتهاد والتقلید (سندالعروةالوثقی).

یادداشت:كتاب حاضر شرحی بر كتاب «العروةالوثقی» تالیف عبدالكاظم یزدی است.

یادداشت:كتابنامه.

عنوان دیگر:كتاب الاجتهاد والتقلید.

عنوان دیگر:كتاب الاجتهاد والتقلید (سندالعروةالوثقی).

موضوع:یزدی، سیدمحمدكاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق. العروه الوثقی-- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفري -- قرن 14

موضوع:*Islamic law, Ja'fari -- 20th century

موضوع:اجتهاد و تقلید

موضوع:*Ijtihad and taqlid

شناسه افزوده:حكیم، زهیر

شناسه افزوده:یزدی، سیدمحمد كاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق. عروه الوثقی. شرح

رده بندی كنگره:BP183/5/ی4ع402153 1394

رده بندی دیویی:297/342

شماره كتابشناسی ملی:4885843

ص :1

اشارة

سندالعروةالوثقی (كتاب الاجتهاد والتقلید)

تقریرا لابحاث محمد السند

بقلم زهیربن الحاج علي الحكیم

ص: 2

(مسألة 22) : یشترط في المجتهد أمور :

البلوغ(1)

المسألة الثانية والعشرون: الشروط المعتبرة في تصدي المجتهد:

اشارة

(1) الصحیح أنها شروط في تصدي المجتهد للفتوی لا في أصل الاجتهاد والفقاهة وإلا فغیر المتصدي لا یشترط فیه البلوغ ولا الرجولیة ولا العدالة... فیجوز له أن یعمل برأیه...

الشرط الأول: البلوغ، وأدلته:

الدلیل الأول: حدیث رفع القلم وما فیه:

ویستدل علیه برفع القلم عن الصبي حتی یبلغ فهو لیس بمكلف بارادة تكلیفیة تامة مع بقاء أصل التشریع إلا أن فعلیته غیر تامة وإذا لم یكلف فكیف یكون الصبي متقلدا منصبا شرعیا له مسؤلیات وهو غیر مسؤول وغیر مدان فلابد من أن یكون بالغاً لكي یصح له أن یكون مرجعاً للتقلید.

ویرد علی هذا ثبوت النبوة والامامة قرآنیا في سن مبكر و هذا یدل علی أن الصغر لا ینافي النبوة والامامة فكیف بما هو دون ذلك كالفقاهة وأیضاً الذي یری أن مقام الفتیا أمارة وكاشف فلا فرق عنده بین البالغ وغیره بخلاف من یراه سلطة وقدرة ومنصب وزعامة ونیابة عن المعصوم (علیه السلام).

وفیه: أن ثبوت النبوة والامامة لفرض حصول الكمال بإرادة إلهیة في

ص: 3

الصغر فیمن یصطفیه الباري تعالی لذلك بخلاف ما نحن فیه مما هو مقام غیر اصطفائي والشاهد علی ذلك أن مقام النبوة والامامة یقتضي كمالاً ورشداً فوق الكمال والرشد الحاصل بطبیعة الامتداد الزمني في طبیعة بقیة البشر فإنه قد یقتضي رشداً لدنّیّا وهبیاً اصطفائیاً، وقد مرّ أن مقام الفتیا مقام سلطة وقدرة كما مرَّ ولیس إماریة محضة.

وأما بحسب الأدلة العامة : كأخبار رفع القلم فإن الصبي غیر مكلف فكیف یتحمل هذه المسؤولیة، هذا علی المشهور وأما علی ما ذهبنا إلیه من كونه مخاطبا ومكلفا وفاقاً للشهید الأول وجملة من الأعلام من أنه مكلف ومخاطب بالاحكام الشرعية وإن لم یعاقب، و هذا یستلزم قصورا فیه وفي كونه حقیقاً بهذه المناصب محل تأمل؛ إذ حدیث الرفع سواء رفع قلم التشریع أو قلم المؤاخذة فإن وجه المبنیین أي مبنی رفع قلم التشریع أو مبنی رفع المؤاخذة یمنع من صلوح أهلیة غیر البالغ لمنصب المسؤولیة.

وبهذه الأحادیث فغیر البالغ غیر مسؤول وغیر مدان فكیف یتولی وتكون له مسؤولیة علی هذه المناصب الخطیرة وقد رفع الشارع عنه المسؤولیات والتقلید من أعظم المسؤولیات فمطلقات أدلة التقلید لا تنسجم مع من لا مسؤولیة له كغیر البالغ الذي رفعت عنه المسؤولیة.

فالتمسك بالاطلاق فرع تحدید معنی المطلق حتی یتمسك به فیما

ص: 4

ینسجم مع معناه ولیس الاطلاق أمر عشوائي استرسالي من دون نظر إلی المعنی الذاتي للمطلق.

وبناء علی كون الاجتهاد والمرجعیة زعامة لا تنسجم مع رفع القلم عن الصبي لعدم مسؤولیته، نعم علی مسلك أن الفتیا أمارة محضة خالیة من أي سلطة ومنصب لا یتنافی - علی هذا المسلك - مع خصوص حدیث رفع القلم ولكنه یتنافی مع غیره من الأدلة كما سیأتي....

الدلیل الثاني : قاعدة سلب الارادة التامة عن الصبي:

اشارة

وقد استدل بأمور:

منها صحیحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «عمد الصبي وخطأه واحد»(1). وغیره من الاخبار وقد استفاد مشهور القدماء من هذه القاعدة أن الصبي مسلوب العبارة، وقد اعترض متأخرو الاعصار علیه بعدم الدلیل علی هذه القاعدة؟.

والصحیح أن اخبار : «عمد الصبي وخطأه واحد» و «عمد الصبي وخطأه تحمله العاقلة» تدل علی سلب العبارة فیما یصلح منه التصدي لو أعتبر! إذ كیف یتصدی وهو مسلوب العبارة! فإن مسلوب العبارة لا تقبل رویاته ولا قوله ولا شيء منه فمعنی مسلوب العبارة أنه لا ارادة تامة له

ص: 5


1- وسائل الشیعة: ج29 أبواب القصاص، ب 11 ص 400 ح 2.

بل ارادة ناقصة لا أنه لا ارادة له بالمرة خلافاً لبعض المشهور من أنه مثل البهائم بل له ارادة ناقصة ولهذا تصح تصرفاته من عقود أو ایقاعات برعایة ولیه، فهذه القاعدة مهمة.

وقد أشكل بعض الأعاظم (قدس سره) وتلامیذته علی هذه القاعدة بأن هذا تعبد خاص في باب القتل والدیات فلا یعمم إلی غیرهما كباب التقلید.

والجواب: أن الشارع لیس في مقام تأسیس قاعدة تحمل العاقلة دیة القتل بل هذه قاعدة مفروغ عنها في رتبة سابقة علی حكم الدیة والقصاص فإن الخطأ - بعد تقرره - یترتب علیه تحمّل العاقلة الدیة والقاعدة الثانية - هي تنزیل عمد الصبي وخطأه منزلة واحدة - ثابتة بأخبار متعددة. فالقاعدة الاولی لا تخص الصبي بل تعم البالغ الكبیر، وإنما الشارع بصدد إثبات القاعدة الثانية التي تنقح موضوع القاعدة العامة المفروغ عنها وهي تحمل العاقلة الفعل الخطئي، فإن الامور الخطئیة تتحملها العاقلة فعندنا قاعدتان الاولی تحمل العاقلة الفعل الخطئي.

قاعدة عمد الصبي خطأ:

بصدد اثبات أن أفعال الصبي العمدیة خطؤ تعبدأً وهذه القاعدة لا دخل لها بالقتل ولا بغیره بل القتل من مصادیقها؛ ولهذا الشارع لم یعبر بالقتل بل عبر بالعمد وهو أعم ومورد القتل تطبیق لهذه القاعدة فعندنا

ص: 6

قاعدتان الأولی أن عمد الصبي خطأ والقاعدة الثانية مباینة للأولی وهي تحمل العاقلة للدیة في الأفعال الخطئیة المستفادة من أخبار كثیرة أخری والشارع المقدس لیس في مقام التعبد بتشریع قاعدة تحمل العاقلة بل بصدد بیان و جعل أن عمد الصبي خطأ ولا علاقة له بخصوصیة القتل أو بغیره فالخطأ صفة للأرادة بالذات فإن الارادة هي التي تخطأ أو تتعمد فهذه صفات للإرادة. نعم هي صفة للفعل بالتبع.

فاخبار «عمد الصبي خطأ» أي إرادته ناقصة فتطبیقه علی مورد قتل الصبي لكونه فعل خطأ تعبداً وإذا كان فعلا خطئیا فتتحمله العاقلة.

ولهذا لا تشمل هذه القاعدة الاثار المترتبة علی طبیعة مطلق الفعل غیر المقید بالعمد ولا المقید بصفة الخطئیة، مثل ضمان الاتلاف فإنه

مترتب علی نفس مطلق الفعل لا بصفة العمد ولا بصفة الخطأ.

الدلیل الثالث: قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی)

قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ).

ولیس هذا العموم خاصا بالیتامی بل مطلق الصغیر فإنه لا یدفع إلیه المال لیتصرف فیه إلا بعد أن یبلغ رشده، فتدل علی أن معاملاته الخاصة غیر نافذة فإذا كانت معاملاته الفردية غیر معتبرة وغیر نافذة فكیف بما هو أخطر وإذا كان محجورا في معاملاته الفردية فكیف لا

ص: 7

والعقل(1)..........................................................................................

یكون محجورا في الأموال العامة الحظیرة للامة.

وكل ما استدل به من روایات وآیات - مذكورة في محلها علی حجر الصبي في معاملاته وایقاعاته وعدم استقلاله في أقواله وتصرفاته - یدل علی ما نحن فیه بطریق أولی فإذا كان محجوراً وممنوعاً في الاموال الخاصة فكیف بالمال العام فتدل علی الحجر والمنع في الثاني بالأولویة القطعیة.

إلا أن هذا لا یعني أنه مسلوب العبارة بل له ارادة إلا أنها إرادة ناقصة یمكن أن تتمم بالتوكیل مثلاً كما لو وكل فقط في انشاء العقود أو الایقاعات فهذه الارادة تتمم من البالغ، و هذا البحث أیضا یجري في القاضي إذ القضاء أحد شؤون المرجعیة والفقاهة.

الشرط الثاني: العقل، وأدلته:

اشارة

(1) الشرط الثاني العقل، واستدل علیه بأمور :

1- حدیث الرفع:

والمجنون ممن رفع القلم عنه.

2- أدلة الفقاهة:

فإنها تدل علی اعتبار العقل فإذا زال عقله لا یقال له فقیه ولا یقال: الكلام أنه لو استدل واستنبط المجنون قبل طرو الجنون وفرغ ثم عرض

ص: 8

علیه الجنون فهل یجوز الرجوع له نظیر باب الرجوع إلی المیت فإنه یقال: قد تقدم أن الفتیا نوع تولیة وسلطة ومنصب إلهي لا یصح أن یناله المجنون إذ لا ولایة له بل لغیره الولایة علیه.

والمجنون الأدواري المستمر لا یبعد الحاقه بالمجنون المستمر إذ لا أهلیة له و للتأمل عقلائیا وعقلیا في شمول الأدلة له بناءا علی أن المرجعیة زعامة وولایة كما هو الصحیح فإنها إنما تشمل الشخص الذي له الارضیة والقابلیة والأهلیة المستفادة منالأدلة للقیام بشؤون الولایة وتحمل مسؤولیتها.

3- الرشد والكفاءة في المرجعیة:

فإذا كان الرشد شرطا في نفوذ واستحقاق التصرفات الفردية في أقواله وأفعاله، فما بالك بشرطیة العقل عند العقلاء ولا سیما في هذه المناصب الخطیرة التي ترجع إلی التصرفات العامة والأموال والاعراض والدماء وبهذا یتبین اشتراط الرشد أیضا بل یمكن أن یستدل علی اعتبار الرشد بصحیحة عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمالك الاشتر (قدس سره) : قوله (علیه السلام) «اختر للحكم بین الناس أفضل رعیّتك في نفسك... »، والأفضل هو صاحب الكفائة والرشد ولا یخفی أن الرشد في وظیفة المرجعیة وسدة الفتیا أكبر من الرشد في السلوك الفردي فإنه في السلوك والفعل الاجتماعي والجماعي.

ص: 9

4- أدلة القضاء:

والقضا شعبة من شعب المرجعیة والفتیا والبعض یفكك بین الفتیا والقضاء فیبني أن علی الفتیا إخبار محض، والقضاء منصب، والحال أن في لسان الشارع والادلة الدالة علی نصب الفقیه أنهما منصب واحد له صلاحیات متعددة، والكثیر یهون من خطب الفتیا فینظر إلیها كمجرد إخبار محض بخلاف القضاء.

و هذا مسامحة في التدبر وإعمال النظر أو غفلة... إذ الواقع عكس ذلك فإن مقام الفتیا أشد خطورة من مقام القضاء المختص بالنزاعات لا سما الفردية؛ و ذلك لما تقدم مجملاً ونذكره هنا بشيء من التفصیل :

وهو أن الفتیا باعتبار أنها منصب تشریعي بمعنی ابراز التشریع وبیانه ونطقه الرسمي وبصلاحیة من الشرع للفقیه كمنصب یكون الناطق الرسمي وصلاحیة النطق النیابي عنه تكون له سلطة تشریعیة والسلطة التشریعیة تهیمن علی السلطة القضائیة لا أنها دونها و ذلك لأنه بفتوی المفتي تتحدد صلاحیات القاضي والقضاء وتتحدد طبیعة النظام القضائي وموازینه بل علی فقهائهم محاكمة القضاة فكیف تكون الفتوی أهون من القضاء فإن الفتوی سلطة تشرعیة ولو بمعنی النطق الرسمي وهي ترسم كل أنظمة الدولة أو نظام الاجتماع التي منها نظام القضاء فخطب الفتیا أخطر من القضاء لكون حجیة الفتوی شاملة لحجیة القضاء وبغیر الفتیا لا

ص: 10

یقرر للقضاء قرار فلا مباینة بین القضاء والفتیا.

ولتوضیح هذا المطلب بمثال وهو أن المحكمة الدرستویة - وهي محكمة قضائیة، والتي تسمی في بعض الدول بالمحكمة الدستوریة، وهي أعلی المناصب القضائیة - یهیمن علیها القانون التشریعي فالتشریع یحكم علیها فضلا عن محكمة القضاة التي یحاكم فیها القضاة فإنها أیضا تنظم وتدار بالتقنین والقانون والتشریع فالسلطة التشریعة لها هیمنة واشراف تشریعي وحججي علی كل ناظم القضاء وعلیه فسلطنة القضاء دون حجیة الفتیا.

ومن ثم تكون دعوی عدم ارتباط الأدلة الواردة في القضاء بالفتیا محل تأمل إذا لم ترجع تلك الأدلة إلی خصوصیات موازین التطبیق في القضاء كما في قوله (صلی اللّه علیه و آله) : «إنما أقضی بینكم بالبینات»، فإنه خاص بآلیات تحدید موضوع القضاء لا بالفتیا.

وأما إذا كانت تلك الأدلة ترجع إلی الجهة الاستنباطیة العامة فهو أمر مشترك بین القضاء والفتیا كقوله (علیه السلام) في صحیحة الاشتر (قدس سره) قوله (علیه السلام) : «اختر للحكم بین الناس أفضل رعیّتك في نفسك ممّن لا تضیق به الأمور - إلی أن قال - أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرّماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم علی تكشّف الأمور، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم »، یدل علی اعتبار الرشد في حكم الفتیا

ص: 11

أیضاً لعدم اختصاصه بالقضاء، فالرشد والكفاءة لیس لجهة خاصة بالقضاء بل للمنصب الالهي، وبهذا یزاد في اعتبار شروط التقلید الكفاءة والرشد فالفتیا لیست مجرد إخبار بل هي منصب وزعامة إلهیة وتربیة للامة واقامة لأغراض الشرع وملاكاته.

5- الساسیة التربوية في الفتیا:

فلیس الفتوی صرف إخبار ولذلك تجد كثیرا من آكابر الفقهاء قد یتوصل في حكم مسألة إلی الجواز بحسب الادلة ومع ذلك لا یفتي به و ذلك لعلمه بأن إعلام عامة الناس بالجواز یوجب تعدیهم من الحلال إلی الحرام و هذا ما یسمی بالسیاسة القانونیة وهي أن یكون المقنن عنده سیاسة تدبیر وتربیة في كیفیة النطق بالقانون وبأي صیغة یصاغ القانون وقد ورد فیالروایات الاشارة إلی ذلك مثل قوله (صلی اللّه علیه و آله) : «أن العالم من لا یطمع الناس في معاصي» بأن لا یقربهم من المعاصي أو یزینها لهم. فقد ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «ألا أنبئكم بالعالم كل العالم من لم یزین لعباد اللّه معاصي اللّه ولم یؤمنهم مكره ولم یؤیسهممن روحه»(1).

ص: 12


1- مستدرك نهج البلاغة : ص 169، عن العقد الفرید (لابن عبد ربّه) : ج ص.

وفي محسنة اسماعیل بن مهران، عن أبي سعید القماط، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «ألا أخبركم بالفقیه حق الفقیه؟ من لم یقنط الناس من رحمة اللّه، ولم یؤمنهم من عذاب اللّه، ولم یرخص لهم في معاصي اللّه، ولم یترك القرآن رغبة عنه إلی غیره، ألا لا خیر في علم لیس فیه تفهم، ألا لا خیر في قراءة لیس فیها تدبر، ألا لا خیر في عبادة لیس فیها تفكر». وفي روایة أخری: «ألا لا خیر في علم لیس فیه تفهم، ألا لا خیر في قراءة لیس فیها تدبر، ألا لا خیر في عبادة لا فقه فیها، ألا لا خیر في نسك لا ورع فیه»(1).

وعن علي بن جعفر، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) أنه قال : «الا أخبركم بالفقیه كل الفقیه قالوا بلی یا رسول اللّه، قال : من لم یقنط الناس عن رحمة اللّه ومن لم یؤمنهم مكر اللّه ومن لم یرخص لهم في معاصي اللّه ومن لم یدع القرآن رغبة إلی غیره لأنه لا خیر في علم لا تفهم فیه ولا عبادة لا تفقه فیها ولا قراءة لا تدبر....» الخبر(2).

ص: 13


1- الكافي: ج 1 كتاب فضل العلم، باب صفة العلماء، ص 36 ح 3.
2- مستدرك الوسائل: ج 4 أبواب قراءة القرآن ولو في غیر الصلاة، ب 3 ص 241 ح 9.

فإن دور الفتیا ومسؤولیتها لیس صرف إخبار بل هي تربیة الناس علی الطاعة والبعد عن المعصیة ولهذا تری لسان الائمة (علیهم السلام) وبیاناتهم للأحكام لیس بلسان وبیان أنه حرام أو مكروه فقط بل بلسان تربوي وباعث أو رادع، فتراه لما یبین حكم صلة الرحم - مثلا - والتي هي من الواجبات - یبینها بلسان یقرب منها ویبعد عن تركها فلسان الاخبار في بیان الأحكام الشرعية لسان تربوي یقرب الناس إلی الطاعة ویبعدهم عن المعصیة بل حتی المكروهات، وأما المتن الفقهي الجاف كمتن قانوني تجریدي فهو بیان یختلف عن بیانات أهل العصمة (علیهم السلام) الذي یحتوي علی طراوة ونداوة.

فانظر - مثلا - إلی حكم صوم شهر رجب، ففي جملة من المتون أنه مستحب أو من المستحبات بلسان تجریدي قانونی، وانظر إلی بیانه في لسان قول أبي الحسن موسی بن جعفر (علیه السلام) : «رجب نهر في الجنة أشد بیاضا من اللبن، وأحلی من العسل، فمن صام یوما من رجب سقاه اللّه من ذلك النهر»(1).

وفي خبر آخر عنه (علیه السلام) قال : «رجب شهر عظیم یضاعف اللّه فیه الحسنات، ویمحو فیه السیئات، ومن صام یوما من رجب تباعدت

ص: 14


1- وسائل الشیعة: ج10 أبواب الصوم المندوب، ب 26 ص 472 - 473 ح 3.

عنه النار مسیرة سنة، ومن صام ثلاثة أیام وجبت له الجنة»(1).

وكان بامكانه أن یقول: (صوم یوم من رجب مستحب ومندوب)، إلا أنه یعبّر بصیاغة قانونیة تربوية تقرّب الناس من الطاعة وتبعدهم عن

المعصیة و هذا في الحقیقة هو أصل هدف القانون وهو سلوك الناس الصراط المستقیم. واللازم مراعاة ذلك في اسلوب التبلیغ في بیان الأحكام الشرعية فمثلا كون الفعل عندما یقترن غالباً بمحرم فلا یصح بیان الحكم بأن یقول: (یجوز إذا لم یؤدٍ إلی الحرام) مع أن طبعه یودي إلی الحرام نظیر المسائل المتعلقة بالجنس والاثارات الجنسية والریبة.

فالمفروض في أسلوب بیان حكمها أن یقال: (إنه شبهة أو فتنة)، ویبین مضارها ومساوئها ؛ لكونه في أغلب الموارد مرتبط بالحرام أو یوؤدي إلی الحرام فتشخیص الصغری یحتاج إلی صیاغة تربوية وهو ما یحتاج إلی مهارة واحاطة بالظروف الخاصة والنباهة لما یحوم بالفتاوی من الخصوصیات التي قد یكون ذكر الفتوی بصیاغتها الأولیة تضییعا للغرض وهو دفع الناس عن المفاسد وجلبهم للمصالح، ولهذا جاء في الخبر عن المفضل عن أبي عبد اللّه الصادق (علیه السلام) : «العالم بزمانه لا تهجم علیه اللوابس»(2). وعلیه فلابد من الرشد والكفائة والحداقة....

ص: 15


1- المصدر نفسه، ص 473 ح 4.
2- الكافي: ج 1 باب العقل والجهل، ص 27 ح 29.

والإیمان(1)،.....................................................................................

فمع التسلیم باشتراطها في الامور الشخصية الفردية فبالأولویة القطعیة تشترط في الامور العامة كالفتیا فإنها مسؤولیة عامة ورئاسة في الدین فكیف لا یشترط فیها الرشد والكفائة.

ویمكن أیضا التمسك باطلاق قوله تعالی:(وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) فإنها تشمل حتی الحقوق وغیرها من الأموال العامة وما هو أخطر منها كالدماء فالآیة شاملة للأموال الفردية والعامة. والرشد هو بحسب موقعیة المجتهد في تدبیره بحیث یكون له اطلاع ومراس وبصیرة بما هو نافع بهذا المنصب وما هو مضر فهو رشد لا بحسب الامور الشخصية الفردية بل فیما هو من وظائف منصبه وغیرها وهو یرجع إلی الكفاءة. وهناك أدلة غیر ما تقدم علی اعتبار الرشد والكفاءة.

الشرط الثالث: الایمان وأدلته:

اشارة

(1) الشرط الثالث: الایمان:

الدلیل الاول: الاخبار الواردة في نصب الفقیه:

1- منها: ما ورد وفیه «انظروا إلی رجل منكم» كما في معتبرة أبي خدیجة(1) وكمصححة عمر بن حنظلة: «ینظران من كان منكم»(2)، ومن

ص: 16


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 13 ح 5.
2- المصدر نفسه، ب 11 ص 248 ح 36.

الواضح أن «منكم» تعني من المؤمنین ابتاع أهل البیت (علیهم السلام).

وأیضا مكاتبة علي بن سوید - والظاهر أنها معتبرة؛ لإمكان استحسان حال محمد بن اسماعیل الرازي وعلي بن حبیب المدایني - قال : كتب إلی أبو الحسن (علیه السلام) وهو في السجن : «و أما ما ذكرت یا علي ممن تأخذ معالم دینك، لا تأخذن معالم دینك عن غیر شیعتنا، فإنك إن تعدیتهم أخذت دینك عن الخائنین، الذين خانوا اللّه ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا علی كتاب اللّه، فحرفوه وبدلوه فعلیهم لعنة اللّه ولعنة رسوله ولعنة ملائكة، ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتی ولعنة شیعتي إلی یوم القیامة... » الحدیث(1).

وواضح أنها خاصة بأخذ الاحكام عن خصوص المؤمنین.

2- منها: روایة أحمد بن حاتم بن ماهویه: قال: كتبت إلیه - یعني أبا الحسن الثالث (علیه السلام) - أسأله عمن آخذ معالم دینی؟ وكتب أخوه أیضا بذلك، فكتب إلیهما: «فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دینكما علی كل مسن في حبنا، وكل كثیر القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء اللّه تعالی»(2).

ص: 17


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 150 ح 42.
2- المصدر نفسه، ص 151 ح 45.

3- منها: معتبرة محمد بن صالح قال: كتبت إلی صاحب الزمان (علیه السلام) : إن أهل بیتي یقرعوني بالحدیث الذي روی عن آبائك (علیهم السلام) أنهم قالوا: «خدامنا وقوامنا شرار خلق اللّه»، فكتب : «ویحكم ما تقرؤون ما قال اللّه تعالی: (وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی التي بارَكْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً) فنحن - و اللّه - القری التي بارك فیها، وأنتم القری الظاهرة»(1).

فبین الائمة (علیهم السلام) وعموم الناس القری الظاهرة وهم علماء الشیعة.

4- ومنها: مرسلة الطبرسي عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (علیه السلام) في حدیث أنه قال للحسن البصري: «نحن القری التي بارك اللّه فیها، و ذلك قول اللّه عز وجل، لمن أقر بفضلنا حیث أمرهم اللّه أن یأتونا فقال: (وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی التي بارَكْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً) والقری الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلی شیعتنا و [فقهاء] شیعتنا إلی شیعتنا وقوله: (وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ) فالسیر مثل للعلم یسیر به لیالي وأیاما مثلا لما یسیر به من العلم في اللیالي والأیام عنا إلیهم في الحلال والحرام والفرائض، آمنین فیها إذا أخذوا عن معدنها الذي أمروا أن یأخذوا عنه، آمنین من الشك والضلال والنقلة إلی الحرام من الحلال

ص: 18


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 151 ح 46.

،فهم أخذوا العلم عمن وجب لهم بأخذهم عنهم المغفرة لأنهم أهل میراث العلم من آدم إلی حیث انتهوا ذریة مصفاة بعضها من بعض، فلم ینته الاصطفاء إلیكم بل إلینا انتهی، ونحن تلك الذریة، لا أنت وأشباهك یا حسن»(1).

وأیضا الباب الاول من أبواب صفات القاضي وهو باب مستفیضیة أخباره كلها علی اعتبار الایمان وخصوصا خبر أبي خدیجة.

فكون المراد من حكام الجور غیر شیعتهم أمرا واضح الدلالة لا سترة تعتریه من الاخبار المستفیضة وأیضا المراد من أهل الایمان كذلك واضح الدالالة.

5- ومنها: صحیح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال :«أیما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی علیه بغیر حكم اللّه فقد شركه في الاثم»(2).

6- ومنها: صحیحة أبي بصیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال في رجل كان بینه وبین أخ له مماراة في حق فدعاه إلی رجل من إخوانه لیحكم بینه وبینه فأبي إلا أن یرافعه إلی هؤلاء : «كان بمنزلة الذين قال اللّه عز

ص: 19


1- وسائل الشیعة: 27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 152 ح 47.
2- المصدر نفسه، ب 1 ص 11 ح 1.

وجل : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ) (1).

7- منها محسنة أبي بصیر قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : قول اللّه (عز وجل) في كتابه : (وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُكّامِ) ؟ فقال: «یا با بصیر، إن اللّه (عز وجل) قد علم أن في الأمة حكاما یجورون أما أنه لم یعن حكام أهل العدل ولكنه عنی حكام أهل الجور، یا با محمد انه لو كان لك علی رجل حق فدعوته إلی حكام أهل العدل فأبی علیك إلا أن یرافعك إلی حكام أهل الجور لیقضوا له لكان ممن حاكم إلی الطاغوت وهو قول اللّه (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ) »(2).

8- ومنها: صحیحة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة في دین أو میراث فتحاكما إلی السلطان أو إلی القضاة أیحل ذلك ؟ فقال : «من تحاكم إلیهم في حق أو

ص: 20


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 12 ح 2.
2- المصدر نفسه، ص 11 ح 3.

باطل فإنما تحاكم إلی طاغوت وما یحكم له فإنما یأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن یكفر به قال اللّه تعالی : (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ) (1) » الحدیث(2).

9- معتبرة أبي خدیجة قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینكم فأني قد جعلته قاضیا فتحاكموا إلیه»(3).

10- ومنها مرسل محمد بن مسلم وهي كالمعتبرة قال : مر بي أبو جعفر (علیه السلام) أو أبو عبد اللّه (علیه السلام) و أنا جالس عند قاض بالمدینة، فدخلت علیه من الغد فقال لي : «ما مجلس رأیتك فیه أمس ؟ » قال : فقلت : جعلت فداك، إن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست إلیه. فقال لي : «و ما یؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم من في المجلس»(4).

ص: 21


1- سورة النساء، الآیة 60.
2- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 13 ح 4.
3- المصدر نفسه، ص 13 ح 5.
4- المصدر نفسه، ص 15 ح 10.

11- منها صحیحة الحلبي قال : قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : ربما كان بین الرجلین من أصحابنا المنازعة في الشيء فیتراضیان برجل منا، فقال : «لیس هو ذاك إنما هو الذي یجبر الناس علی حكمه بالسیف والسوط»(1).

فهذه الاخبار المستفیضة تبین أن المراد من (أهل الجور) الذين هم في قبال أهل العدل هم غیر المؤمنین كما هو صریح بعضها وظاهر البعض الآخر.

والغریب من بعض الأعلام اشكاله علی دلالة هذه الروایات بحمل أهل العدل علی من یحكم بمیزانه وإن كان من المخالفین وأهل الضلالة! وهو مخالف لظاهر الأدلة إذ العدل فیها لیست صفة للحكم بل هو صفة لنفس الشخص الحاكم أي حكم من كان من أهل وأصحاب العدل وهم أهل الایمان.

ولهذا یقول الفقهاء من أخذ حقه من أهل الجور وإن كان حقا فهو سحت مع أن أخذه بالعدل إلا أنه لا یكفي في حلیة الأخذ كونه بمیزان العدل فقط بل لابد أن یكون أخذ المال بتوسط أصحاب العدل والایمان إلا ما استثنی من انحصار الطریق في استخلاصه عن طریقهم.

ص: 22


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 15 ح 8.

فالاخبار دالة بوضوح علی أن المراد من أهل العدل لیس من حكم بالعدل بل أهل القول بالعدل وأهل الجور هم أهل القول بالجور.

إشكال آخر:

وحاصله: أن هذه روایات مختصة بباب القضاء فما ربطها بباب المفتي والجواب قد اسلفناها مرارا من جهة أن الشرائط المأخوذة في القاضي ولا سیما من جهة فقاهته وعلمیته وغیرها هي مأخوذة أیضا في المفتي فإن هذه الخصوصیات لا ترجع إلی خصوصیة قضائیة حتی تلغی في الجهة الفتوائیة إذ القضاء فتوی وزیادة فالقاضي مفتي.

الدلیل الثاني الأولویة القطعیة :

اشارة

وهو دلیل الأولولیة القطعیة و ذلك لأن الشاهد في القضاء یشترط فیه الایمان والعدالة وكذا امام الجماعة یشترط فیه الایمان والعدالة وهما منصبان یسیران في الشرع ومع ذلك یشترط فیهما العدالة... فكیف بما هو أعظم منها منصبا وخطرا كمقام النیابة الالهیة حیث یتولی الفقیه النائب عن المعصوم في العلم والعمل فهي أولی بأخذ العدالة فیها قطعا.

وأیضاً أن المرجعیة زعامة ومنصب ولیست مجرد إخبار وواضح أنها لا تعطی لغیر المؤمن إذ العقل یقضي بخطورتها ولزوم الحیطة فیها.

وقد اشكل علی ذلك بأن الفتوی اخبار محض مثل خبر الثقة فإن المخبر غیر مؤمن ومع ذلك قبلت روایاته في الحكم في الشبهة الحكمیة

ص: 23

فما الفرق بینه وبین الاخبار في الفتوی بل لعل قبول الخبر أعظم خطورة لأنه مصدر الاستنباط لاحكام كثیرة فالفتیا والروایة من باب واحد لكونهما طریق للحكم والعمدة فیه أنه من باب الوثاقة وأما الادلة اللفظیة فهي قاصرة.

والجواب أن هذا تقریب واهي و ذلك لأن الفتوی لیست اخباراً محضاً كالروایة بل هي منصب وزعامة وولایة وقیادة فهي لیست كالروایة.

ومع قطع النظر عن هذا الوجه فإن الاخبار والأدلة المتقدمة لیست بقاصرة بل تامة: مثل " انظروا إلی رجل منكم" وغیر ذلك... وأما مسألة اختصاصها بالقضاء فقد ذكرنا جوابه.

وأیضا أن روایة الثقة وإن كانت حجة إلا أنها عند المجتهد البصیر الذي یطابق بین مضمون هذه الموثقة والاحكام الأخری و هذا بخلاف عامة الناس والمؤمنین الذين لایمكنهم أن یمیزوا مضمون الفتیا وعلی أي حال فمقایسة الفتوی بالروایة في غیر محلها لأن الروایة محل ابتلاء المجتهد دون المقلد فكیف یؤمن علی عموم المؤمنین من فقهاء العامة فإنهم یخرجونهم من النور إلی الظلمات.

وأما الاخبار الدالة علی أختصاص التنصیب والزعامة بفقهاء المؤمنین - زیادة علی ما تقدم - فكثیرة :

ص: 24

1- منها: صحیحة اسحاق بن یعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري أن یوصل لي كتابا قد سألت فیه عن مسائل أشكلت علی، فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الزمان (علیه السلام) : «أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبتك - إلی أن قال - وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتی علیكم و أنا حجة اللّه...»(1).

2- ومنها: مرسلة الطبرسي عن أبي محمد العسكري (علیه السلام) في قوله تعالی : (فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ یَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَیْدِیهِمْ ثُمَّ یَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّه) (2) قال : هذه لقوم من الیهود - إلی أن قال - وقال رجل للصادق (علیه السلام) : إذا كان هؤلاء العوام من الیهود لا یعرفون الكتاب إلا بما یسمعونه من علمائهم، فكیف ذمهم بتقلیدهم والقبول من علمائهم؟ و هل عوام الیهود إلا كعوامنا یقلدون علماءهم ؟ - إلی أن قال - فقال (علیه السلام) : بین عوامنا وعوام الیهود فرق من جهة وتسویة من جهة، أما من حیث الاستواء فان اللّه ذم عوامنا بتقلیدهم علماءهم كما ذم عوامهم، وأما من حیث افترقوا فإن عوام الیهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وأكل الحرام والرشاء وتغییر الأحكام

ص: 25


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 140 ح 9.
2- سورة البقرة، الآیة 79.

واضطروا بقلوبهم إلی أن من فعل ذلك فهو فاسق لا یجوز أن یصدق علی اللّه ولا علی الوسائط بین الخلق وبین اللّه فلذلك ذمهم، وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبیة الشدیدة والتكالب علی الدنیا وحرامها، فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل الیهود الذين ذمهم اللّه بالتقلید لفسقة علمائهم، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدینه مخالفا علی هواه، مطیعا لأمر مولاه، فللعوام أن یقلدوه، و ذلك لا یكون إلا بعض فقهاء الشیعة لا كلهم، فان من ركب من القبایح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شیئا ولا كرامة، وإنما كثر التخلیط فیما یتحمل عنا أهل البیت لذلك، لأن الفسقة یتحملون عنا فیحرفونه بأسره لجهلهم ویضعون الأشیاء علی غیر وجهها لقلة معرفتهم، و آخرون یتعمدون الكذب علینا...» الحدیث(1).

مقدار اعتبار تفسیر الامام العسكري (علیه السلام) :

و هذا الخبر من التفسیر المنسوب للامام العسكري (علیه السلام)، وهو معتبر لدینا ؛ لأن الصدوق (قدس سره) یرویه عن المفسر محمد بن القاسم الاسترآبادي الذي یترضی علیه الصدوق (قدس سره) وقال عنه: خطیب من خطباء الأمامیة

ص: 26


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 10 ص 130 ح 20.

فی الاسترآباد وفاضل..، ومدحه بالوجاهة وترضی علیه، وقد اعتمده في روایة تفسیر العسكري - واعتمده فحول المتأخرین في الحدیث كالمجلسي والفیض الكاشاني والحر العاملي والسید هاشم البحراني - وهو یروی أیضاً عن الراویین الابنین التلمیذین للامام العسكري (علیه السلام) یوسف بن محمد بن زیاد وعلي بن محمد بن سیار.

والصدوق (قدس سره) ملأ كتبه من هذا التفسیر مثل الفقیه وعیون أخبار الرضا فكل كتبه نقل فیها من هذا التفسیر، نعم من یعتبر أن التوثیق والتضعیف صلاحیة حصریة في النجاشي فلا یعتبره إلا أن اعتماد الصدوق مقدم علی ما یذكره النجاشي (قدس سره) و ذلك لكون الصدوق (قدس سره) عارف بالمصادر وناقد للأخبار ومتتبع لأحوال الرجال والمصادر، فأین النجاشي (قدس سره) من الصدوق (قدس سره).

وقد ذكر صاحب القاموس (قدس سره) طعوناً كثیرة علی التفسیر، أجبنا عنها كلها بتفصیل في كتاب الرجال.

فالصحیح هو الاعتماد علی هذا التفسیر، غایة الأمر أن الاعتماد علیه حاله حال بقیة الكتب المعتمدة الروائیة إذ قد یبتلی بمعارض واجمال أو ختلاف النسخ وغیرها وهو یحتوي علی مضامین من الاحكام والمعارف العظیمة التي لا توجد في غیره من المصادر.

3- ومنها : غیرها من الأخبار أیضاً، فقوله (علیه السلام) : «جعلته علیكم».

ص: 27

والعدالة(1).....................................................................................................

وقوله:«الراد علیه كالراد علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) ». وقوله: (وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی التي بارَكْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً) (1) دالة علی المنصب والنیابة.

الشرط الرابع: اعبتار العدالة:

اشارة

(1) الشرط الرابع: العدالة، وأدلته:

وهي جملة من الأخبار المعتبرة، كقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا»(2)، وأیضا روایة العسكري (علیه السلام) : «مخالفاً لهواه مطیعا لأمر مولاه»(3)، فإنها تدل بوضوح علی اعتبار العدالة بل قیل أنها تدل علی ما یزید علیها. وأیضا یمكن أن یستدل بما في التوقیع المبارك: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتي علیكم و أنا حجة اللّه»(4)، فإن مقام الحجیة لا یتصف به فاسق وأیضا بالأولیة القطعیة علی اعتبارها في الامور الیسیرة كصلاة الجماعة فمن باب أولی أعتبارها في النیابة عن المعصوم (علیه السلام) ومن الواضحات بمكان تناسب مقام الحجیة وأتساقه مع مقام العادلة...

ص: 28


1- سورة سبأ، الآیة 18.
2- (2) وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 246 ح 27.
3- المصدر نفسه، ص 131ح 20.
4- المصدر نفسه، ص 240 ح 9.

وأیضا مصححة عمر بن حنظلة: «الحكم ما حكم به أعدلهما...»(1)، تدل علی المفروغیة من اعتبار العدالة إلا أنه في الترجیح یأخذ بمن تزید درجة عدالته.

وأما الاشكال علی اختصاصها بالقضاء وهو لا یعم الفتوی والافتاء فالجواب هو الجواب المتقدم وهو أن القضاء متقوم بالفتیا والاستنباط فما أخذ في القضاء إن كان یتناسب مع خصوصیات میزان القضاء فهو خاص به وأما ما كان مرتبطا بأصل استنباط الحكم الكلي كحیثیة الفقاهة والاستنباط في القاضي فهو عام للفقیه والقاضي.

وهناك روایات مستفیضة أخری، حیث سُئل (علیه السلام) إلی من یرجع قال : (إلی حاكم أهل العدل) وهو في قبال أهل الجور، وقد مر بنا سابقاً(2) أن المراد من أهل العدل هم أهل القول بالعدل، و هذا یتناسب مع وصفه بأهل القول بالعدل وأهل العمل به في قبال أهل الجور في القول والعمل به، وأیضا مثل ما جاء في صحیح عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه اللّه) : «أختر للحكم بین الناس أفضل رعیتك»(3)، وواضح أنه یشمل العدالة وغیرها.

ص: 29


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 9 ص 106 - 107 ح 1.
2- ما تقدم في اخبار شرطیة الایمان.
3- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 8 ص 224 ح 9.

ولو یتصفح الباحث الباب التاسع والباب العاشر والحادي عشر یجد أخبارا كثیرة علی اعتبار العدالة وما ذكرناه فیه الكفایة.

ملاحظة ودفعها:

وقد أشكل علی أن المراد بالعدالة هي الوثاقة لا العدالة المصطلحة باعتبار ان الفتیا اخبار كما في الرواي فغایة ما یشترط الوثاقة اللسانیة لا الوثاقة في الدین والعمل المعبر عنها بالعدالة، و مما یؤید ذلك وجود اخبار أخذت لفظ الوثاقة بدل العدالة....

والجواب عن هذ الاشكال: هو أنه كما مر أن الفتیا منصب وزعامة ولیست اخبار محض بل هي ولایة نیابیة وقدرة وسلطة فالوثاقة في هذا المنصب هي الأمانة العامة والوثاقة بالقیام بالمسؤولیات الدینية والدنیویة علی الوجه المطلوب شرعا وظاهر أنها لیست بوثاقة في اللسان فحسب بل هي وثاقة في كل المسؤولیات وهي عبارة أخری عن العدالة، ولذلك ورد في ما تقدم من الاخبار في حق زكریاء ابن آدم فقال (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا»، وكل ذلك لأنه زعامة لیست في مجرد استنباط الاحكام بل مرتبط بالامور المعاشیة باشراف التشریع الدیني في نظم أمور المعاش ولذلك لم یقتصر علی كونه (مأموناً علی الدین) فقط بل قال (علیه السلام) : «علی الدین والدنیا».

ص: 30

فالصحیح لهذه المناصب عدم الاكتفاء بصرف الوثاقة اللسانیة.

و هذا بخلاف الراوي فإنه لیس له منصب حتی یؤخذ منه الدین كله بل یؤخذ منه الخبر في مسألة وفرع من الفروع وأما أن یؤخذ منه باب كامل قد تفرد به فلا؛ و ذلك لأن الروایة لیست بمنصب یؤخذ منها الدین وأیضاً أغلب ما یرویه في الأبواب له شواهد من المعتبرات والحسان.

فیفترق باب الروایة عن باب الفتیا لأن الفتیا استحفاظ للدین بتبع استحفاظ الانبیاء لأنه نیابة الهیة عن الانبیاء والاوصیاء كما دل علیه الآیة قوله تعالی: (إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُدیً وَ نُورٌ یَحْكُمُ بِهَا النبيونَ الذينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِینَ هادُوا وَ الرَّبّانِیُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّه وَ كانُوا عَلَیْهِ شُهَداءَ) (1)، فنفس الاستحفاظ یتطلب الأمانة وهي لیست فقط في الإخبار بل في كل أداء المسؤولیات التي هي عبارة أخری عن العدالة.

و هل یشترط في العدالة الورع وعدم منافاة المروة أي التحرز عن منافي المروة؟

الصحیح أن العدالة معناها واحد إلا أنها ذات درجاتها و ذلك لأختلاف المسؤلیات فكل بحسبه فكلما تكثرت المسؤولیات والواجبات

ص: 31


1- سورة المائدة، الآیة 44.

والرجولیة(1).................................................................................................

والمحرمات اتسعت دائرة العدالة وكلما عظم المنصب كانت المسؤولیة أعظم وأكبر بحیث تراعی حتی جنبة نفس المنصب الذي ینافیه ما ینافي المروءة.

الشرط الخامس: الرجولة:

صلاحیات المرأة في النظام الدیني:

(1) قد تقدم ما في هذه العبارة من المسامحة فإن هذا شرط في تصدي الفقیه وإلا فالمرأءة لها أن تكون مجتهدة وإن لم یكن لها الافتاء، و هذا الكلام سنبحثه بشكل مفصل في بحث صلاحیات المرأة في النظام الدیني وإن لم یكن بشكل مسهب إلا إنا سنذكره بشكل منقط ومفهرس:

فالبحث لا یقع في منصب الافتاء فقط - نعم جملة من الاعلام تناولوا البحث وإن كانوا یجزمون باشتراط الرجولة إلا أنه في البحث یخوضون فیها بشكل تردیدی في دلالة الأدلة وفي الحقیقیة مقدار ما خاضوه من البحث مقتضب جداً - بل یقع فیه وفي منصب القضاء ومنصب الولایة، وعدم تقلدها هذا المنصب عند الامامیة أمر متسالم علیه في القضاء والفتیا والولایة، فالسلطة التنفیذیة والولایة التشریعة والسلطة القضائیة كلها مندرجة في منصب الفتیا فالفتیا جامعة لهذه السلطات.

ص: 32

وقد نقل في المستمسك قولا عن متأخری علمائنا بجواز افتاء المرأة(1) إلا أنه خلاف المسلم عندنا.

فالمناصب العلیا لهذه السلطات والمناصب التي هي رأس الهرم قد حصل التسالم علی عدم تولیها لها وهي محل بحثنا.

وأما الطبقات المتوسطة لهذه السلطات - وهي المراتب الدونیة من مراتب القضاء والفتیا مثل استنطاق الشهود وغیرها فالقاضي والفقیه یستنطق الشهود واستنطاق المتخاصمین وتحریر مورد الدعوی والنزاع وتحدید المدعي من المنكر - فهل هذه المقدمات من أعمال القضاء تشارك المرأة الرجل أم لا؟

هذا أمر آخر، فإن كثیراً من القضاة لیسوا بقضاة في الأصل بل بالنیابة عن الفقیه - فیقضون بفتاوی الفقیه وسیأتي أن القضاء بالفتوی أو بالصلح - فهو بمنزلة النائب والید للفقیه فهو یحرر موضوع الدعوی - بحسب فتاوی الفقیه - ویقضي فهو لیس قاضیاً مستنبطاً بل هو من أعوان القاضي والقاضي في الحقیقة هو الفقیه والكثیر ممن یتولی القضاء الآن لیس بمجتهد أصلا ومع ذلك یتولی القضاء بفتاوی الفقیه نعم له فضل لأنه یحرر محل الدعوی بضوابط وموازین وما أن یستعصي علیه جانب یرجع فیه إلی المجتهد الفقیه.

ص: 33


1- مستمسك العروة ج1 ص43.

فادوار الفقیه كثیرة جداً ولیست خاصة بالمرجعیة العلیا بل لها تشعبات كثیرة جداً والفضلاء بدورهم یملؤون هذه الحاجات والتشعبات نیابة عنه ومن هنا أنبثق عند الأعلام بحث في المسائل المستحدثة في القضاء من أن القضاء وحل الخصومة خاص بالفقیه أو یوجد قضاء بالنیابة وقضاء بالفتوی وقضاء بالصلح وحل النزاع بالتراضي وتولي الفضلاء لهذه الأدوار نیابة عن الفقیه لاینافي اختصاص القضاء بالفقیه فهم في الحقیقة تابعون لما یراه الفقیه.

و هذا شبیه بالقاضي في محكمة كبیرة یدیر فیها جمیع شؤون البلد الكبیر فهو في منصبه الأعلی لا یحرر جمیع القضایا بل یوجد عنده من یقوم بهذه الامور المقدمیة من مراهقین فیحرروا موضع النزاع علی وفق موازین قاضي المحكمة ثم هو بعد ذلك یقوم بالاشراف علی ما فعلوه، وأما في الاشیاء التي لا یعلمونها فیرجعون إلیه ویعبر عن هذا بالتوكیل في مقدمات القضاء وكذا أیضا في المسائل والاستفتاءات من المقلدین الذين لا یمكنهم الوصول إلی مرجع التقلید فبواسطة المراهقین للاجتهاد ولاحاطتهم بمباني الفقیه والمجتهد یوصلون الاحكام بتحدید موضوعاتها للناس وهكذا تترام القدرات التي هي في طول قدرة الفقیه العلیا حتی تغذي كافة المجتمعات في كافة المجالات.

وقد تبین أن هذه المناصب الثلاثة لها مراتب علیا ومتوسطة ودنیا

ص: 34

وموقع البحث یختلف بحسب هذه المراتب.

وقبل الخوض في البحث نذكر بعض أقوال الخاصة والعامة...، ویمكن تحصیل الاجماع عند الخاصة بالنسبة إلی المرتبة العلیا أما بقیة المراتب فتحصیل الاجماع غیر واضح من عبائرهم ولاسیما في القطاع الخاص، فمن باب المثال: كانت ابنة الشیخ الطوسي (قدس سره) مجتهدة وكذا ابنة العلامة الحلي (قدس سره) وابنة الشهید الأول (قدس سره) وكانت تسمی بسیدة النسوان، وكانت تدرّس من وراء حجاب، و كانوا یستجیزونها، وكذا ابنة المجلسي (قدس سره) الأول - زوجة الملا صالح المازندراني (قدس سره) - كانت مجتهدة، بل إن السیدة حكیمة (علیها السلام) كانت نائبة عن الامام الحجة (علیه السلام)، وكذا العقیلة زینب (علیها السلام) كانت نائبة عن الامام زین العابدین (علیه السلام)، وكذا أم سلمة فقد استودعها الامام الحسین (علیه السلام) ودائع النبوة، و هذا لیس بالامر الیسیر.

فبحسب سیرة علماء الأمامیة - فضلا عن سیرة المعصومین (علیهم السلام) - نری أنه یُقرُّ للمرأة دوراً في غیر المناصب العلیا سواء في جانب السلطة التشرعیة أوالقضائیة ولا یستفاد من أقوال الامامیة منع المرأة من الشعب النازلة ولا من سیرتهم العملیة فالقدر المتیقن من المتسالم علیه في المنع عند الامامیة هي المناصب العلیا.

نعم، توجد في الشعب النازلة ضوابط مرعیة إذا لم تراع تفقد المرأة

ص: 35

صلاحیاتها كما لو استلزم ذلك فقد حجابها ولو علی مستوی التعامل بحیث امتنع الحجاب أو العفة في التعامل فإنها تفقد تلك صلاحیات، وإلا ففرق بین أن نقول لا أهلیة للمرأة أصلاً لهذه المناصب وبین أن نقول لها تلك الأهلیة ولكن بشروط مرعیة إذا فقدتها فقدت تلك الصلاحیات ولابد من إیقاع البحث علی حسب تدرج هذه المناصب.و هذا بالنسبة إلی أقوال الخاصة :

وأما أقوال العامة: فقال في ابن قدامة: (إن المتسالم لدیهم في الامامة العظمی بل عند المسلمین وحتی الولایة في البلدان عدم تولي المرأة)(1).

وأما في الافتاء فمتسالم عندهم جواز تصدی المرأة اللافتاء وأما تصدیها في للقضاء فالمشهور شهرة كبیرة عندهم جوازه إلا من ابن جریر وأما أبو حنیفة فیجوّز لها القضاء أیضاً عدا الحدود.

هذا مع اعترافهم أن الفتیا منصب ومن ثم لدیهممنصب (مفتي الدیار)، ومع ذلك یتعاملون مع الفتیا معاملة الامارة المحضة. والصحیح أنها ولایة وسلطة تشریعة فكما أنها ممنوعة من منصب الولایة فهي ممنوعة من منصب الافتاء.

ص: 36


1- المغني: ج 11 ص380.

الآیات والأخبار الدالة علی عدم تولي المرأة:

والاستدلال بالآیات أو الأخبار علی منع المرأة من تولي هذه المناصب لا یقتصر فیه علی الدلالة المطابقیة والحرفیة بل یستدل علیه بما تدل علیه الآیات بالدلالة الالتزامية كما هو منهج الاستدلال بصناعة التحلیل.

الآیات المستدل بها علی طوائف:

الطائفة الأولی :ما یدل علی ضعف المرأة ولیونتها:
اشارة

فما تدل علی ضعف المرأة ولیونتها المانع من تولیها هذه المناصب عدة آیات:

منها : (أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثی) (1).

ومنها : (إِنَّ الذينَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَیُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِیَةَ الْأُنْثی) (2).

ومنها : (إِنْ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَ إِنْ یَدْعُونَ إِلاّ شَیْطاناً مَرِیداً) (3).

ومنها : (فَلَمّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثی وَ اللّه أَعْلَمُ بِما

ص: 37


1- سورة النحم، الآیة 21.
2- سورة النجم، الآیة 27.
3- سورة النساء، الآیة 117.

وَضَعَتْ وَ لَیْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثی) (1).

ومنها : (أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِیماً) (2).

ومنها : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَیَقُولُونَ * وَلَدَ اللّه وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ * ما لَكُمْ كَیْفَ تَحْكُمُونَ) (3).

ومنها : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ) (4).

ومنها : (وَ یَجْعَلُونَ للّه الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ * وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِیمٌ * یَتَواری مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِكُهُ عَلی هُونٍ أَمْ یَدُسُّهُ في التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْكُمُونَ * لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ للّه الْمَثَلُ الْأَعْلی وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَكِیمُ) (5).

ص: 38


1- سورة آل عمران، الآیة 37.
2- سورة الإسراء، الآیة 40.
3- سورة الصافات، الآیات 149 - 154.
4- سورة الطور، الآیة 39.
5- سورة النحل، الآیات 57 - 60.
إشكالیة استحقار الاسلام للمرأة:

هذه الآیات تشیر وتدل علی ضعف المرأة ولیونتها ونقصان قوتها لا علی سبیل ونهج ذمها واستحقارها فقبل الاستدلال بهذه الآیات الكریمة علی المطلوب نبین بعض ما أورد علی النصوص والتشریعات الأسلامیة منتقلیلها من شأن المرأة ووصفها بالضعف واللیونة المستوجب لذمها واستحقارها ولا یخفی أن منشأ هذه الاشكالیات قصور النظر وعدم القراءة الصحیحة للشریعة المقدسة كما یتبین.

فمِن قائل: إن الأسلام یستحقر المرأة ویستنقصها ولا یبالي بحقوقها و أن القرآن كتاب تاریخي خاص بحقبة زمنیة قد انقضت وتصرمت وغیرها من الترهات.

والجواب عن هذا: أن الاسلام جاء مربیاً ومعلماً ومخرجاًللناس من الظلمات إلی النور فلیست وظیفته التعییر والذم والاستحقار فمثله مثل الطبیب لما یبین مرض المریض أو خواص بدن ومزاج الشخص الذي هو نقص في الواقع لكي یتفادي المریض ما یزید في مرضه ونقصه أو یفعل ما یزیل ذلك النقص والمرض أو یبیّن خواص الطبیعة لما لها من نظام تعامل خاص یمكن استثماره إیجابیا من جهات ضعفه ونقصه إذ كل طبیعة لها جانب ایجابي وقوة ولها جانب سلبي وضعف فالشارع في مقام الناصح الشفیق والمرشد المربي.

ص: 39

فالقرآن والشارع المقدس یستعمل لفظ المرأة والانوثة بما هو مظهر للضعف واللیونة والعطوفة والرحمة من جانبین و ذلك في قبال صفة الرجولة فإنها مظهر قوة وشدة وقساوة وجفاف قال بعض الحكماء : (الخالق رجل والمخلوقات إناث)، یقصد أنه ذو قوة وغنیً بالذات وكل ما یذب فیه النقص فهو منفعل فسمي بالأنثی ؛ لأن الأنوثة في اللغة العربیة وبقیة اللغات بمعنی الضعف والنقص.

و هذا لا یعنی استحقار المرأة وتنقیصها وتعییرها و ذلك لعدم الملازمة بین النقص والضعف وبین الاستحقار لاسیما و أن هذه الصفة لطبیعة المرأة هي ملازمة لصفة أخری إیجابیة عظیمة هي صفة الرحمة والعطف فبالنظر إلی مفاد سورة النحل فمع بیانها لضعف المرأة ولیونتها فهي تصرح أیضاً بعدم قبول استحقارها والنهی عن التبرم والتشائم منها وتذم الخجل منها حتی تدس في التراب.

فذمهم في هذه السورة علی ما یفعلونه عندما یبشرون بالأنثی فقال تعالی: :(أَلا ساءَ ما یَحْكُمُونَ). فالقرآن یدین ما یفعلونه في الجاهلیة إلا أنه یبین أن المرأة ضعیفة من جانب البنیة البدنية مثلاً مع أن القرآن والسنة یبینان أنها أقوی من الرجل من جهة الحنان والعطف والرحمة.

فالنقص والضعف شيء والذم شيء آخر فانظر إلی الكمال في قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «كفی بي عزا أن أكون لك عبداً»، فحدد الكمال

ص: 40

في عبودیة المخلوق للخالق وفي الحقیقة أن النقص خاضع للقابلیات والذم راجع للتقصیر والتمرد و هذا یغایر ما یتوهمه الحداثویون والعلمانیون بل حتی من تأثر بهذه الشبهة من الباحثین في العلوم الدینية.

فإن الشریعة قائمة علی الموازین والمعادلات الدقیقة في نظامها واحكامها فتراها تجعلوتصب أحكاماً خاصة بالرجل تارة وأحكاماً خاصة بالمرأة تارة أخری وأحكاماً مشتركة بینهما أخری، و ذلك لقیام الاختلاف بین طبیعة المرأة وطبیعة الرجل فكما یوجد مشتركات بینهما توجد أیضاً خصوصیات وممیزات مختصة بكل منهما واحكام الشریعة تنصب علیهما بما یتناسب مع طبیعتهما.

ولابد في فهم حقیقة الشریعة المقدسة من خلال قوانینها أن ینظر إلی جمیع أحكامها حتی تتضح الموازنة والمعادلة ولا یكفي في الحكم بالحسن أو القبح علی شيء من قوانینها إلا بعد معرفة منظومتها القانونیة كلها حتی یعرف مقدار حكمتها من عدمها فهل الشارع حكیم في تصرفاته أم تنظیمه تنظیماً عشوائیاً.

النصوص الشرعية في مكانة المرأة:

فلابد من النظر إلی جمیع مایتعلق بالمرأة عند الشارع حتی یعرف مدی احاطة الشارع بخصائصها الروحیة والجسدیة فكما أنه قد تعرض للمرأة في جوانب الادارة والقیادة فقد تعرض لها في جوانب أخری...

ص: 41

كما تشیر إلیه النصوص المستفیضة بالتصریح أو التلمیح في عظمة وفضل المراءة بأصنافها كبنت وأخت وزوجه وأم وأمرة، ونذكر بعض ما یدل علی مكانتها :

منها أنه(صلی اللّه علیه و آله) أبو البنات، ومنزلة وفضل البیت الذي فیه بنات:

منها: روایة حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أبا بنات»(1).

ومنها: ما رواه القطب الراوندي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) أنه قال: «رحم اللّه أبا البنات البنات مباركات محببات والبنون مبشرات وهن الباقیات الصالحات»(2).

ومنها: روایة الراوندي أیضاً عنه (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من كان له ابنة فاللّه في عونه ونصرته وبركته ومغفرته»(3).

ومنها: ما روایته أیضاً عنه (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من كانت له ابنة واحدة كانت خیرا له من ألف حجة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضیافة»(4).

ص: 42


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 4 ص 361 ح 2.
2- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 3.
3- المصدر نفسه، ح 5.
4- المصدر نفسه، ح 7.

ومنها: ما رواه في الصدوق عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من كن له ثلاث بنات فصبر علی لأوائهن وضرائهن وسرائهن كن له حجابا یوم القیامة»(1).

ومنها: ما رواه في جامع الاخبار عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قال: «ما من بیت فیه البنات إلا نزلت كل یوم علیه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء ولا تنقطع زیارة الملائكة من ذلك البیت یكتبون لأبیهم كل یوم ولیلة عبادة سنة»(2).

وصیته(صلی اللّه علیه و آله) بالاحسان للأنثی وتقدیمها علی الابن :

منها: ما رواه في العوالي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من كان له أنثی فلم یبدها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها أدخله اللّه الجنة»(3).

ومنها: روایة السكوني، قال دخلت علی أبي عبد اللّه (علیه السلام) وانا مغموم مكروب فقال لي: «یا سكوني مما غمك». قلت: ولدت لي ابنة. فقال لي : «یا سكوني، علی الأرض ثقلها وعلی اللّه رزقها، تعیش في غیر اجلك وتأكل من غیر رزقك». فسری و اللّه عني فقال (لي) : «ما

ص: 43


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 4 ص 362 ح 6.
2- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 3 ص 116 ح 12.
3- المصدر نفسه، ب 5 ص 118 ح 2.

سمیتها». قلت: فاطمة. فقال: «آهٍ آه»، ثم وضع یده علی جبهته - إلی أن قال - «أما إذا سمیتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها»(1).

منها ما رواه في العوالي، عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من كان له اختان أو بنتان فأحسن إلیهما كنت أنا وهو في الجنة كهاتین وأشار بإصبعیه السبابة والوسطی»(2).

منها: ما رواه في العوالي، عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من ابتلی بشيء من هذه البنات فأحسن إلیهن كن له سترا من النار»(3).

منها: ما رواه في العوالي عن الصادق (علیه السلام) قال: «إذا أصاب الرجل ابنة بعث اللّه عز وجل إلیها ملكا فأمر جناحه علی رأسها وصدرها وقال ضعیفة خلقت من ضعف المنفق علیها معان»(4).

ومنها: ما رواه الطبرسي - من كتاب نوادر الحكمة - عن ابن عباس عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من دخل السوق فاشتری تحفة فحملها إلی عیاله كان كحامل صدقة إلی قوم محاویج، ولیبدأ بالأناث قبل الذكور

ص: 44


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 87 ص 482 ح 1.
2- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 5 ص 118 ح 3.
3- المصدر نفسه، ح 4.
4- المصدر نفسه، ح 5.

فإنه من فرح ابنته فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعیل ومن أقر عین ابن فكأنما بكی من خشیة اللّه ومن بكی من خشیة اللّه أدخله اللّه جنات النعیم»(1).

قوله(صلی اللّه علیه و آله) : «مباركات» و «مؤنسات» و «ریحانة» :

منها: ما رواه في الجعفریات - كما في نسخة الشهید - بإسناده عن علی (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات باكیات مباركات»(2).

ومنها: روایة السكوني عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مباركات مفلیات»(3).

ومنها: روایة الجارود بن المنذر قال: قال لي أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخطها وما علیك منها، ریحانة تشمها وقد كفیت رزقها وقد كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أبا بنات»(4).

ومنها: روایة القطب الراوندي عن النبي (علیه السلام) قال: «نعم الولد البنات

ص: 45


1- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 5 ص 118 ح 1.
2- المصدر نفسه، ب 3 ص 115 ح 2.
3- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 4 ص 362 ح 4.
4- المصدر نفسه، ب 5 ص 364 ح 3.

ملطفات مؤنسات ممرضات مبدیات»(1).

ومنها: ما رواه في الصدوق، عن إبراهیم بن هاشم، عن البرقي رفعه قال : «بشر النبي (صلی اللّه علیه و آله) بابنة، فنظر في وجوه أصحابه فرأی الكراهة فیهم فقال: مالكم ! ریحانة أشمها ورزقها علی اللّه (عز وجل) »(2).

ومنها: ما في الجعفریات بإسناده عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) إذا بشر بجاریة قال: ریحانة ورزقها علی اللّه»(3).

ومنها: ما رواه الكلیني عن إبراهیم الكرخي عن ثقة حدثه من أصحابنا قال: تزوجت بالمدینة فقال لي أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «كیف رأیت؟». قلت: ما رأی رجل من خیر في امرأة إلا وقد رأیته فیها ولكن خانتني. فقال: «و ما هو؟». قلت: ولَدَت جاریة. قال: «لعلك كرهتها !! إن اللّه (عز وجل) یقول: (آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) (4)»(5).

ص: 46


1- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 8.
2- المصدر نفسه، ب 4 ص 117 ح 4.
3- المصدر نفسه، ب 3 ص 114 - 115 ح 1.
4- سورة النساء، الآیة 11.
5- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 5 ص 363 ح 1.
عظمة ادخال السرور علی المرأة:

منها: روایة سلمان الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إن اللّه (تبارك وتعالی) علی الإناث أرأف منه علی الذكور، وما من رجل یدخل فرحة علی امرأة بینه وبینها حرمة إلا فرحه اللّه تعالی یوم القیامة»(1).

البنات حسنات وجهات فضلهن علی الابناء:

منها: روایة أحمد بن عبد الرحیم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «البنات حسنات والبنون نعمة فإنما یثاب علی الحسنات ویسأل عن النعمة»(2).

ومنها: روایة أحمد بن الفضل، عن الصادق (علیه السلام) قال: «البنون نعیم والبنات حسنات، و اللّه یسأل عن النعیم و یثیب علی الحسنات»(3).

ومنها: روایة الكلیني عن الحسین بن سعید اللخمي، قال: ولد لرجل من أصحابنا جاریة فدخل علی أبي عبد اللّه (علیه السلام) فرآه متسخطا فقال له أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «أرأیت لو أن اللّه (تبارك وتعالی) أوحی إلیك أن

ص: 47


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 7 ص 367 ح 1.
2- المصدر نفسه، ح 2.
3- المصدر نفسه، ح 3.

أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟». قال: كنت أقول: یا رب تختار لي. قال: «فإن اللّه قد اختار لك». قال: ثم قال: «إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسی (علیه السلام) وهو قول اللّه (عز وجل) : (فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً) (1) أبدلهما اللّه به جاریة ولدت سبعین نبیا»(2).

ومنها: ما رواه الطبرسي، عن حذیفة الیماني قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «خیر أولادكم البنات»(3).

ومنها: ما رواه في روضة الواعظین، قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «نِعْمَ الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها اللّه له سترا من النار ومن كانت عنده اثنتان أدخله اللّه بهما الجنة ومن كانت له ثلث أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة»(4).

عظمة كفالتهن:

منها: ما رواه الصدوق، عن یعقب بن یزید یرفعه إلی أحدهما

ص: 48


1- سورة الكهف، الآیة 81.
2- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 4 ص 117 ح 2.
3- المصدر نفسه، ب 3 ص 116 ح 11.
4- المصدر نفسه، ص 117 ح 10.

الإمامین الباقر أو الصادق (علیهما السلام) قال: «إذا أصاب الرجل ابْنَةً بعث اللّه إلیها ملكا فأمر جناحه علی رأسها وصدرها وقال : ضعیفة خلقت من ضعف المنفق علیها معان إلی یوم القیامة»(1).

ومنها: ما رواه الراوندي، عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال : «من عال ابنتین أو ثلاثا كان معي في الجنة»(2).

ومنها: ما رواه الشریف الزاهد في كتاب التعازي، عن أصحابه، عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أنه قال في حدیث : «و من عال واحدة أو اثنتین من البنات جاء معي یوم القیامة كهاتین وضم إصبعیه»(3).

ومنها: ما رواه الراوندي، عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «من ابتلی من هذه البنات باثنتین كن له براءة من النار ومن كانت له ثلاث بنات فأعینوه وأقرضوه وارحموه»(4).

ومنها: ما رواه الرواندي، عن الصادق (علیه السلام) قال: «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتين حجبتاه عن النار»(5).

ص: 49


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 7 ص 368 ح 5.
2- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 4.
3- المصدر نفسه، ب 3 ص 116 ح 13.
4- المصدر نفسه، ح 9.
5- جامع أحادیث الشیعة: ج أبواب أحكام الأولاد والاستیلاد، ص ح 12.

ومنها: ما روایة عمر بن یزید، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقیل یا رسول اللّه، واثنتین ؟ فقال: (واثنتین) فقیل: یا رسول اللّه وواحدة ؟ فقال: وواحدة»(1).

ومنها: ما رواه في عدة الداعي، النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من عال بنات أو مثلهن من الأخوات وصبر علی ایوائهن حتی یبن إلی أزواجهن أو یمتن فیصرن إلی القبور كنت أنا و هو في الجنة كهاتین وأشار بالسبابة والوسطی». فقیل: یا رسول اللّه واثنتین ؟ و ذكر نحوه(2).

ومنها: ما رواه الراوندي، عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من عال ثلاث بنات یعطی ثلاث روضات من ریاض الجنة كل روضة أوسع من الدنیا وما فیها»(3).

حق المرأة كأم ومكانتها:

منها: ما رواه الحسین بن سعید، عن علي بن الحسین (علیهما السلام)

ص: 50


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 4 ص 361 ح 3.
2- المصدر نفسه، ص 362 ح 7.
3- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 6.

قال : «جاء رجل إلی النبي (صلی اللّه علیه و آله) فقال : یا رسول اللّه، ما من عمل قبیح إلا قد عملته، فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : فهل من والدیك أحد حی؟». قال: أبي، قال : «فاذهب، فبره»، قال: فلما وليّ، قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «لو كانت أمة ! »(1).

ومنها: ما رواه الصدوق في (فقه الرضا) (علیه السلام) قال : «واعلم أن حق الأم أ لزم الحقوق وأوجب، لأنها حملت حیث لا یحمل أحد أحدا، ووقت بالسمع والبصر وجمیع الجوارح، مسرورة مستبشرة بذلك، فحملته بما فیه من المكروه الذي لا یصبر علیه أحد، ورضیت بأن تجوع ویشبع، وتظمأ ویروی، وتعری ویكتسي، وتظله وتضحي، فلیكن الشكر لها والبر والرفق بها علی قدر ذلك، وان كنتم لا تطیقون بأدنی حقها الا بعون اللّه»(2).

ومنها: مارواه أبو القاسم الكوفي في (كتاب الأخلاق) قال: قال رجل لرسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إن والدتي بلغها الكبر، وهي عندي الآن، أحملها علی ظهري، وأطعمها من كسبي، وأمیط عنها الأذی بیدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحیاء منها واعظاما لها، فهل كافأتها ؟ قال : «لا ؛ لأن

ص: 51


1- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 70 ص 179 ح 1.
2- المصدر نفسه، ص 180 ح 2.

بطنها كان لك وعاء، وثدیها كان لك سقاء، وقدمها لك حذاء، ویدها لك وقاء، وحجرها لك حواء، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنی حیاتك، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(1).

ومنها: ما رواه القطب الراوندي، عن النبي (صلی اللّه علیه و آله)، أنه قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات». وقال (صلی اللّه علیه و آله) : «تحت أقدام الأمهات، روضة من ریاض الجنة». وقال (صلی اللّه علیه و آله) : «إذا كنت في صلاة التطوع، فان دعاك والدك فلا تقطعها، وان دعتك والدتك فاقطعها»(2).

ومنها: مارواه الفتّال عن الباقر (علیه السلام) قال: «قال موسی بن عمران (علیه السلام) : یا رب، أوصني، قال: أوصیك بي، قال: فقال: رب أوصني قال: أوصیك بي، ثلاثا. قال: یا رب أوصني، قال: أوصیك بأمك، قال: رب أوصني، قال: أوصیك بأمك، قال: رب أوصني قال: أوصیك بأبیك، قال: (فكان یقال) لأجل ذلك أن للأم ثلثی البر وللأب الثلث»(3).

منها: ما رواه الطبرسي في (المشكاة) عن الصادق (علیه السلام)، قال : «جاء رجل فسأل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله)، عن بر الوالدین، فقال: أبرر أمك، أبرر

ص: 52


1- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 70 ص 180 ح.
2- المصدر نفسه، ص 180 - 181 ح 4.
3- المصدر نفسه، ص 181 ح 5.

أمك، أبرر أمك، أبرر أباك، أبرر أباك، أبرر أباك، وبدأ بالأم»(1).

ومنها: ما رواه قال : قلت للنبي (صلی اللّه علیه و آله) : یا رسول اللّه، من أبرر ؟ قال : «أمك» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قلت: ثم من ؟ قال : «ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب»(2).

ومنها: ما رواه في (العوالي) في حدیث عنه (صلی اللّه علیه و آله)، قیل: یا رسول اللّه، ما حق الوالد؟ قال (صلی اللّه علیه و آله) : «أن تطیعه ما عاش» فقیل: وما حق الوالدة؟ فقال : «هیهات هیهات، لو أنه عدد رمل عالج، وقطر المطر أیام الدنیا، قام بین یدیها، ما عدل ذلك یوم حملته في بطنها»(3).

ومنها: ما رواه (العوالي) أیضاً عنه (صلی اللّه علیه و آله) قال له رجل : یا رسول اللّه، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : «أمك». قال : ثم من ؟ قال : «أمك» قال : ثم من ؟ قال : «أبوك». وفي روایة أخری أنه جعل ثلاثاً للأم، والرابعة للأب(4).

ومنها: ما رواه الكراجكي : أنّ رجلا قال للنبي (صلی اللّه علیه و آله) : یا رسول اللّه،

ص: 53


1- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ص 181 ح 6.
2- المصدر نفسه، ح 7.
3- المصدر نفسه، ص 182 ح 8.
4- المصدر نفسه، ح 9.

أي الوالدین أعظم ؟ قال : «التي حملته بین الجنبین، وأرضعته بین الثدیین، وحضنته علی الفخذین، وفدته بالوالدین»(1).

ومنها: ما رواه في (المستدرك) : وقیل للامام زین العابدین (علیه السلام) : أنت أبر الناس، ولا نراك تواكل أمك ! قال : «أخاف أن أمد یدي إلی شئ، وقد سبقت عینها علیه، فأكون قد عققتها»(2).

مكانة وشأن المرأة كزوجة وترك ضربها والعفو عن ذنبها:

منها: ما رواه عبد الرحمن بن كثیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «في رسالة أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی الحسن (علیه السلام) : لا تملك المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترك واكففها بحجابك ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیك من شفعت له علیك معها واستبق من نفسك بقیة فإن إمساكك نفسك عنهن وهن یرین أنك ذو اقتدار خیر من أن یرین منك حالا علی انكسار»(3).

ص: 54


1- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ص 182 ح 10.
2- المصدر نفسه، ح 11.
3- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 87 ص 361 ح 1.

ومنها: ما رواه الصدوق: سئل النبي (صلی اللّه علیه و آله) عن الرجل یقبّل امرأته وهو صائم ؟ قال : «هل هي إلا ریحانة یشمها»(1).

ومنها: ما رواه الصدوق: وقال (صلی اللّه علیه و آله) : «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة» قیل: یا رسول اللّه واثنتین، قال: «واثنتین»، قیل : یا رسول اللّه وواحدة ؟ قال : «وواحدة»(2).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق (علیه السلام) : «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتين حجبتاه من النار»(3).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق (علیه السلام) : «إذا أصاب الرجل ابنة بعث اللّه (عز وجل) إلیها ملكا فأمرّ جناحه علی رأسها وصدرها، وقال: ضعیفة خلقت من ضعف، المنفق علیها معان»(4).

ومنها: ما رواه الصدوق : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) في وصیته لابنه محمد بن الحنفیة : «یا بني إذا قویت فاقو علی طاعة اللّه، وإذا ضعفت فاضعف عن معصیة اللّه (عز وجل)، وإن استطعت أن لا تملك من

ص: 55


1- المصدر نفسه، أبواب وجوب الصوم، ب 33 ص 98 ح 4.
2- من لا یحضره الفقیه، ج 3 ص 482 ح 1501.
3- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحكام الأولاد، ب 12 ص 527 ح 1.
4- المصدر نفسه، ب 7 ص 368 ح 5.

أمرها ما جاوز نفسها فافعل فإنه أدوم لجمالها وأرخی لبالها وأحسن لحالها، فإن المرأة ریحانة ولیست، بقهرمانة فدارها علی كل حال، وأحسن الصحبة لها لیصفو عیشك»(1).

استحباب اكرام الزوجة وترك ضربها:

منها: روایة أبي مریم، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أیضرب أحدكم المرأة ثم یظل معانقها ! »(2).

ومنها: روایة السكوني، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا یضیعها»(3).

ومنها: روایة سماعة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «اتقوا اللّه في الضعیفین یعني بذلك الیتیم والنساء»(4).

ومنها: روة ایة عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «أكثر أهل الجنة من المستضعفین النساء علم اللّه ضعفهن فرحمهن»(5).

ص: 56


1- من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 556 ح 4911.
2- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 86 ص 167 ح 1.
3- المصدر نفسه، ح 2.
4- المصدر نفسه، ص 167 - 168 ح 3.
5- المصدر نفسه، ص 168 ح 4.

ومنها: ما رواه الصدوق، وصیة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لولده محمد بن الحنفیة، قوله : «ولیست بقهرمانة، فدارها علی كل حال، وأحسن الصحبة لها لیصفو عیشك»(1).

ومنها: روایة اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : ما حق المرأة علی زوجها الذي إذا فعله كان محسنا ؟ قال : «یشبعها ویكسوها وان جهلت غفر لها»، وقال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «كانت امرأة عند أبي (علیه السلام) تؤذیه فیغفر لها»(2).

ومنها: روایة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أوصاني جبرئیل بالمرأة حتی ظننت انه لا ینبغي طلاقها إلا من فاحشة مبینة»(3).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق (علیه السلام) : «رحم اللّه عبدا أحسن فیما بینه وبین زوجته فإن اللّه (عز وجل) قد ملكه ناصیتها وجعله القیم علیها»(4).

ص: 57


1- من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 556 ح 4911.
2- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 88 ص 169 ح 1.
3- المصدر نفسه، ص 170 ح 4.
4- المصدر نفسه، ح 5.

ومنها: ما رواه الصدوق قال : قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «ملعون ملعون من ضیع من یعول»(1).

ومنها: ما رواه الصدوق قال : قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «خیركم خیركم لأهله و أنا خیركم لأهلي»(2).

ومنها: ما رواه الصدوق قال : وقال (صلی اللّه علیه و آله) : «عیال الرجل اسراؤه وأحب العباد إلی اللّه عز وجل أحسنهم صنعا إلی اسرائه»(3).

وغیرها من الاخبار الدالة علی موضوعیة المرأة في نفس المنظومة الدینية بما هي أم وبما هي بنت وبما هي أخت وبما هي زوجة وبما هي مرأة. فلابد من الناظر والباحث أن لا ینظر نظرة دونیة وتجزئیة بدون الاطلاع علی تمامیة الاحكام المتعلقة بالمرأة وعظمتها وعدم الاطلاع علی خصائص المرأة التكوینیة.

فالآیات التي تذكر المرأة أو الأنثی لیست ذات نظرة دونیة ومنطلقة من نزعة ذكوریة تغالبیة ولا بصدد الذم والتنقیص والإزراء بل هي بصدد بیان طبیعة تركیبة المرأة واختلافها عن تركیبة وفسلجة وطبیعة الرجل

ص: 58


1- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 88 ص 171 ح 6.
2- المصدر نفسه، ح 8.
3- المصدر نفسه، ح 9.

وعلیه یكون تكامل كل نوع بحسب اختلاف طبیعته وبیئته ولیست الآیات بصدد بیان ذم واستحقار المرأة ومدح الرجل علی نحو الاطلاق كي یقال أن التشریع الاسلامي ذو نزعة دونیة ذكوریة.

و هذا مثل الطبیب یقول للرجل: أنت فیك الطبیعة المعینة أو المرض الفلاني أو طبیعتك ومزاجك حار لا یناسبك بعض الأغذیة وأنك تستطیع أن تتجنب الامراض مثلا بتركك كذا وكذا فإن الطبیب لیس في مقام الذم وإنما هو في مقام النصیحة التوصیة باراءة خصائص الواقع وزوایا الحقائق وبیان طبیعة هذا الانسان لأجل أن یتفادي الارتطام بالعوائق ولیس في مقام الذم والتقریع.

فمثلاً قوله (علیه السلام) : «إن النساء نواقص الایمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول»(1)، لیس بمعنی لا عقل لها بل لها أصل وطبیعة العقل إلا أن اللّه زود المرأة بعاطفة جیّاشة وحیث إن ظروف الحیاة فیها الشدة والضعف والجانب الروحي والجانب الجسدي تمیز الرجل في طبیعته بخصائص جسدیة وروحیة وتمیزت المرأة أیضا بخصائص جسدیة وروحیة، ولهذا عبر عنها النبي(صلی اللّه علیه و آله) أنها «ریحانه»(2).

والریحانة لابد منها في نظام الحیاة الأسري والاجتماعي، ولهذا تبتلی

ص: 59


1- نهج البلاغة، الخطبة 80.
2- مستدرك الوسائل: ج 15 أبواب أحكام الأولاد، ب 3 ص 117 ح 4.

الأسرة التي لا مرأة فیها بصلافة الاخلاق والخشونة الشدیدة والبعد عن الحنان والعاطفة، بخلاف الأسرة التي یتواجد فیها إناث أكثر تتوفر فیها نعومة الأخلاق وكثرة العاطفة و ذلك لأن المرأة ینبوع الرحمة والعاطفة والحنان والشفقة فهي تفیض من رحمتها وعاطفتها وشفقتها علی الأولاد ومن في البیت فتارة تزیل اتعاب الرجل حینما یأتي للبیت مع ماله من التعب الجسدي وعلیه ما علیه من أتعاب نفسیة وروحیة مما یلقاه خارج المنزل فبنعومة وعطوفة المرأة تزیل هذا كله عنه و هذا لیس في الاسرة فقط بل في المجتمع فإنها تجعل المجتمع متعادل حیث أن الطفل الذي لا یترعرع في أحضان الأم ینشأ وحشي ومیهئ للاجرام و ذلك لما عنده من نقص في الجانب العاطفي وهذه الآن بحوث وظواهر أصبحت مسلمة.

فهذ الآیات تبین وتكشف عن أن المرأة منبع روحي وعاطفي و أن جانب الصرامة والحسم والشدة فیها ضعیف فالشارع یقول للنساء والرجال بما أن طبیعة المرأة معبئة بطاقة روحیة عاطفیة فلابد أن توازن بین هذه الامور وبین العقل وكذا یقال للرجل أنه إنسان صلب شزر إذا استمر بهذا الحال فسیكون ذا أخلاق خشنة فلابد من التوازن ولا یكون التوازن إلا بأن تكون المرأة مستندة فیما هو ناقص من طبیعتها للرجل وهو یستند لها فیما هو ناقص من طبیعته لها فعن الصادق (علیه السلام) : «العبد

ص: 60

كلما ازداد للنساء حبا ازداد في الایمان فضلا»(1).

فمفاد الطائفة الأولی التي ذكرناها هو ضعف المرأة وأنها لیست بمظهر قوة ولا مظهر صلابة فلا یناسبها مظاهر السلطة العلیا التي تحتاج إلی طبیعة الصلابة والقوة والشدة والحزم.

ویدل علی هذه الحقیقة :

قوله تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا في الْحِلْیَةِ وَ هُوَ في الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ) (2) فإن الآیة تصرح بأن من یتربی في الحلیة والزینة یعني النساء لا یصلح للخصام والشدة والمجادلة فهي ضعیفة البیان فهذه الأیة واضحة الدلالة علی أن المرأة ترعرعها في الدلال والنعومة یسلبها قوة المخاصمة والمجادلة و الحجاج والاحتجاج.

وقد ورد في الاخبار عند الفریقین وبعضها صحیح، منها : «إنما النساء عي وعورة، فاستروا العورة بالبیوت، واستروا العي بالسكوت»(3)، أي ضعیفة البیان عند الفریقین، والبعض یخدش فیها سندا أومضمونا، والحال أنه مضمون القرآن الكریم.

فالآیة تفید : أن النساء علی الدوام اهتمامهن في الزینة والجمال

ص: 61


1- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 3 ص 23 - 24 ح 10.
2- سورة الزخرف، الآیة 18.
3- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 24 ص 65 - 66 ح 4.

الجسدي فعقلهن منشد اهتمامه في الجمال البدني كما ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم »(1). فكل مناشئها ماضمین قرآنیة وهو نفس مضموم الآیة (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا في الْحِلْیَةِ)، أي طبیعتها - دوما إلی أن تهرم - میّالة للزینة والحلیة وهو في الخصام غیر مبین یعنی أن عیاء المرأة یمتد إلی المنطق وهذه صفة غالبة لا صفة دائمة.

فهذه الطائفة دالة علی ضعف المرأة حیث قرر القرآن ذلك في قوله تعالی: (أَمِ اتَّخَذَ مِمّا یَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِینَ) (2)، وتشیر إلی ضعف المرأة و أن البنات مظهر الضعف، وكذا قوله تعالی: (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِیمٌ) (3) وغیرها من الآیات المتقدمة.

وقال بعضهم: إن هذا المضمون لیس مراداً للقرآن وإنما هو مجاراة لأعراف العرب أو أعراف البشریة الخاطئة آنذك، لا أنه یرید أن یبین أن المرأة ضعیفة واقعاً وحقیقة.

ص: 62


1- الأمالي - الشیخ الصدوق - ص 298.
2- سورة الزخرف، الآیة 16.
3- سورة الزخرف، الآیة 17.

والبعض الآخر قال: إن القرآن یجادل العرب آنذاك بمنطقهم وبما یعتقدونه أو لأنه یجاریهم علی ما عندهم من اعراف فاسدة و هذا كله شطط من القول و ذلك لأن القرآن یعلل قوله: (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِیمٌ) بأمور تكوینیة فیقول تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا في الْحِلْیَةِ وَ هُوَ في الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ) فأن المرأة موضعها ومعیشتها علی الدوام في النعومة والرقة واللیونة والدلال وبالتالي تكون عیاً في المنطق والخطاب.

و هذا كله بحسب الغالب لا العموم الاستقصائي لتمام أفراد النساء وسیأتي توجیهه وهو خلاف نظرة الحداثویین إلی هذه الآیات بأن القرآن نظرته للمرأة دونیة واستحقاریة والصحیح أنه غیر ما ذهبوا إلیه بل الآیات في وادي آخر وقد عزف بعض المحققین عن هذه الروایات واستنكرها أو شكك في سندها أو مضمونها مع أنها كلها مضامین قرآنیة ففي الأحادیث المرأة عي وعورة" فالعي تثبته سورة الزخرف بقوله تعالی: وهو في الخصام غیر مبین وأما أنها عورة فسیأتي في طائفة أخر من الآیات تدل علی أن المرأة عورة لا بمعنی القباحة بل الإثار الجنسية فهي كتلة ومنشأ لانشداد الغریزة الجنسية.

فدعوة ونظرة القرآن تغایر النظرة الجاهلیة باجحاف المرأة كما یأتیك زیادة بیان والغریب من أهل التحصیل والبصیرة ترجلوا في هذا البحث

ص: 63

وتنكروا لهذه المضامین مع أنها مضامین قرآنیة إلا أن هناك من تجرأ وقال: إن القرآن یجاري الاعراف الفاسدة أو من باب الجدل وهذه أجوبة وتفسیرات زائغة عن الحقیقة والحق وغیر صحیحة و أن التفسیر الصحیح غیر هذا كما سیأتي مفصلا وكون القرآن یثبت أن من یعمل من ذكر وأنثی له جزاءه لا یتنافي مع هذه الأخبار.

فالطائفة الأولی من الآیات القرآنیة بما أنها من أصول القانون أو روح الشریعة تدل علی أن المرأة لیست مظهر القوة والبسالة والشدة بل مظهر الضعف والنقص واللیونة والنعومة فضعف في جهات عدیدة، و هذا لا یعني الدونیة للمرأة كما في حدیث النبي (صلی اللّه علیه و آله) «المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة»(1)، فإنه تعبیر دقیق - وهذه الطائفة من الآیات لا تدل علی عدم تولي المراة بالمطابقة وإنما تدل علیه بالالتزام، لأن المواقع الخطیرة في النظام السیاسي أو الاجتماعي او القضائي أو النظام الفتوائي أو النظام الولائي تحتاج إلی ارادة وعزیمة وصلابة وشجاعة وجرأة وقوة شخصیة ومظهر اللیونة والرقة والنعمومة واللطافة والضعف لا یتناسب مع هذه المناصب.

ص: 64


1- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 87 ص 361 ح 1.
الطائفة الثانية من الآیات التي ذكرت أن المرأة عورة وآیات الحجاب:
اشارة

أما الطائفة الثانية من الآیات التي تعرضت لكون النساء عورة فآیات

الحجاب وغیرها من الاحادیث التي تأمر بستر المرأة و ذلك لما مرّ من أن الاسلام قائم علی نظام ومنظومة المعادلات فتارة ینظر إلی الصفات الروحیة للمرأة والرجل وتارة ینظر إلی صفاتهما البدینة فتراه یبین أحكام كل منهما بحسب ما لدیه من خصائص جسدسة وهو - كما تقدم - كبیان الطبیب للمریض خصائصه الجسدیة لیرتب علیها بعض العلاجات البدنية أو یتفادي العوائق المرضیة وبالوجدان الذي لا ینكر أن طبیعة جسد المرأة جذاب وملفت ومغري فلا تكاد امرأة تبرز جسدها إلا أخذت بالانظار والافكار فجسدها بطبیعته فریسة، وهذه الآیات تبین أن المرأة عورة فیجب أن تحتجب فمجموع آیات الحجاب دالة علی ذلك و أن المرأة محل الافتراس.

ولهذا تكون الروایات - المصرحة بأن خیر للمرأة أن لا تری الرجال ولا الرجال یروها وغیرها من الاخبار - وإن كانت ضعیفة السند إلا أن مضمونها قرآني مثل قوله تعالی: (یا نِساءَ النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً)

ص: 65

(مَعْرُوفاً * وَ قَرْنَ في بُیُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی) (1).

و هذا یبین شكل المرأة ومظهرها عورة ولیس العوار بمعنی القبح فی

المرأة - وقد تقدم دفع شبهة العلمانیین والحداثویین - بل بمعنی أنها معرضیة للافتراس لذوي الشهوات النزویة فلذا قال: فلا تخضعن بالقول فیطمع الذي في قلبه مرض فإذا كان صوتها یطمع إلی هذه الدرجة فما بالك بجسدها فالعورة هي بمعنی وجود موجبات الانجذاب نحو المرأة من جهة صوتها أو جسدها لهجوم أو تعدي ذوي الافتراس علیها، فالاسلام وضع حجاب الرؤیة وحجاب السمع علیها لحفظها من كل ما یسوء لها فقال: (وَ قَرْنَ في بُیُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی).

فإذا كانت المرأة بهذه الموضعیة من الصون والحجاب فیجب علیها غض الصوت ویجب علیها القرار في البیت فمع هذا كیف تقلد زمام الامامة العامة أو القضاء أو الزعامة حتی تتحاور وترتبط بالقاعدة الشعبیة الجماهریة... فطبیعة جسدها عائق لها عن ذلك. والقرار في البیت هو حالة طبیعیة للمرأة و هذا لیس معنی حرمانها عن التعلم و رفع مستوي كفائتها وما اشبه ذلك، بل معنی أن المرأة وظیفتها الكبری هي تربیة الاسرة وبث روح العطف والحنان في الاسرة، فالقرار في البیت یمثل أن

ص: 66


1- سورة الأحزاب، الآیة 33.

دورها الأساسي هو الأسرة و هذا لا یعني حرمانها من العلم والمواهب الأخری وإنما دورها الاساسي الاسرة فالبیوت هي الخلایا الأولیة التي ینتشر منها مكوّنات المجتمع.

وأیضا قوله: (لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی)، فالبروز وخفض الصوت والحجاب الجید موانع تحول عن ارتباط المرأة مع الرعیة بینما الرئس والمفتي یخوض المیادین ویبرز في المجالات المختلفة فلا تتناسب مع أدلة الاحتجاب بالنسبة إلی المرأة.

فخفض الصوت وعدم التبرج والبروز والقرار في البیت تدل علی عدم تناسب المرأة مع تلك الوظائف المقررة لمنصب الافتاء.

وقوله تعالی: (وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ) (1). فإذا كان السؤال والتعاطي بالحدیث من وراء حجاب مع النساء فلا یتناسب مع تلك المقامات بل احتجاب النساء عن الرجال موجب لطهارة القلوب من النزوات والإثارات الجنسية.

وهذه الآیات لیست خاصة بنساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) باعتبار أنهن نساء زعیم الدین، والبعض أراد أن یخص هذه الآیات بنساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) باعتبارهن زوجات خلیفة اللّه في ارضه دون باقي النساء.

ص: 67


1- سورة الأحزاب، الآیة 53.

وهو غیر تام باعتبار أن تشریع اللّه لنساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) قدوة لبقیة النساء في الأخذ به فقوله تعالی : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ) فهذه التشریع تشریع قدوة لا انكن تختلفن عن بقیة النساء بل أولویة تقیدهن بالتشریع فالتشریع للجمیع وهن أولی بالتقید به لا أن هذه الآیات خاصة بهن دون غیرهن وفرق بین المقامین، فنفس التشریع التحریمي أو الالزامي في قوله: (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ) ثابت لجمیع النساء إلا أن نساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) یتقرر علیهم التعامل مع التشریع بموجب أولویة أخذهن به لاضافتهن للنبي (صلی اللّه علیه و آله) بالمصاهرة ولهذا یختلف عقابهن قال تعالی: (یا نِساءَ النبي مَنْ یَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَیْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَی اللّه یَسِیراً) (1). مع أن هذا ثابت لغیر لنساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) إلا أنه في نساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) فیه یضاعف أجرهن وعقابهن لا أن هذا التشریع خاص بنساء النبي (صلی اللّه علیه و آله) ولا یشمل غیرهن.

وأیضاً قوله تعالی: (یا أَیُّهَا النبي قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ كانَ اللّه غَفُوراً رَحِیماً) (2).

ص: 68


1- سورة الأحزاب، الآیة 30.
2- سورة الأحزاب، الآیة 59.

فالآیة تأمر بوضع اللباس وما شابهه لإقامة الجدار العازل بینهن وبین الرجال فكل هذه التشریعات للحجاب في موارد عدیدة دالة علی عدم امكان تولي المرأة مناصب الزعامة لممانعة الحجاب لها؛ و أن وظائف الأمهات الأصلية في المنزل كما یبینه قوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً...) (1).

مضامین أخبار النساء عي وعورة مضامین قرآنیة وبیان عدم كونه نقصا وازدراءا:

فهذه الآیات وغیرها من آیات الحجاب دالة علی عدم تولی المرأة بالدلالة الالتزامية، فالطاعن في مضمون أخبار أن النساء (عي) و (عورة) یطعن في القرآن لأنها مضامین قرآنیة وأما مسألة أن القرآن یتأثر بالتاریخ فهو تاریخي ومراده من كون أن القرآن تاریخي أن الوحي لما یتنزل ببئیة یتأرخ ویفقد وحیانیته ویتلون بلون تلك البئیة التاریخیة بما هي علیه من علاتها، وحیث كانت تلك البئیة آنذاك تحتقر المرأة فكذا القرآن حیث إنه عبر عن اغراضه بتلك اللغة المبنیة علی تلك الثقافة بعلاتها.

فجوابه هو ما تقدم من أن المرأة عورة لیس نقصاً فضلا عن كونه إذماً بل إن هذه الخطابات الشرعية لبیان حقیقة أن جسم المراة طبیعته مثیرة للطرف الآخر فهو یسبب فتنة وغیرها... فالقرآن یبین أهمیة

ص: 69


1- سورة الأحقاف، الآیة 15.

قیمة جسد المراة فالشارع بصدد أن لجسد المرأة قیمة، حتی جاء أن أكثر جند الشیطان المرأة و ذلك باعتبار أن بدن المرأة بما له من خصوصیات تفتن به بحیث یجعل النفس تنجدب وتمیل إلیه ولهذا تجد الدول الاجنبیة تروج لبضائعها بواسطة المرأة بإبداء محاسنها، فالمرأة لدیهم سمسار یعرض بها البضائع ویسوق به كل ما یراد تسویقه بل حتی ثقافاتهم یروجونها بجسد المرأة، فالغرب لا یقرر حقوق المرأة حقیقة بل هو في الواقع استغلال المرأة وجهل بقیمة بدنها حتی جعله مبتذل یروج به ما یرید ترویجه. وإذا ما هرمت وكبرت تعزل جانباً ولاقیمة لها لا في الاسرة ولا في المجتمع وما ذلك إلا لأنهم یتعاملون مع جسد المرأة معاملة الجسد بلا روح فإذا ما ذهب جمال جسدها انتهت صلاحیتها وبار سوقها وكسدت تجارتها، وبخلافهذا، الحضارة الأسلامیة فإن الاسلام كرم الانسان وأعطی كل ذي حق حقه فیتعامل مع المرأة بما لها من روح وجسد وبما هي بنت وأخت وزوجة وأم بل وبما هي أمرة ذات خصائص تكوینیة... ولا یستغل جسدها لأشباع الملذات بل یحترمها ویقدرها بما لها من روح وجسد بحیث یحافظ علی جسدها من الأجانب الذين همهم من المرأة اشباع غرائزهم فقط وفقط ویبیح لها إشباع غرائزها بما یتناسب مع طبیعتها بنحو منظم مقنن بدون إنفلات فالأمر بالحجاب والتحجب هو صون وحفظ لها وللمجتمع من

ص: 70

الانحطاط لما لبدنها من التأثیر الكبیر في زلق المجتمع ولهذا یبین أن طبیعة المرأة عورة - لا ذمّا لها- إذ إثارة جسد المرأة للفتنة والریبة من الأمور الوجدانية التي لا ینكرها جملة العقلاء.

وبعد ذهاب زهرة بدنها وكبرها یزداد وقارها واحترامها فتحترم أكثر فأكثر فإنها تكون أم البیت وجدة الأسرة وغیرها من عناوین الافخام والاجلال والاعظام فالمرأة كل ما تزداد سنا تزداد شخصیتها أو قیمتها بروحیتها وكمالها لا بجسدها بینما في الغرب إذا ما كبرت كأنها علك عُلٍكَ ویُتفَل؛ وما ذلك إلا لأنهم جعلوا قیمتها في جسدها، ولیس لها كوافل أسریة بل هي تتكفل نفسها بنفسهاوبشأنها.

وأما عند الاسلام فلیس من وظیفتها ودورها الكوافل الأمالية بل دورها الكوافل الروحیة فالمتكلف بالتوازن الروحي والعاطفي في البیت فالشارع جعل وظیفتها بما یتناسب مع طبیعتها فالاسلام قائم علی الدقة في توزیع الوظائف، فتری وظائف المرأة هي كل ما یتناسب مع طبیعتها من الحنان فكل ما یوجب الهدوء والروحیة والعاطفیة فهو من وظائفها الأولیة فقد جاء عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «جهاد المرأة حسن التبعل»(1)، وأیضا كل ما یوجب الشدة والكلفة والحزم كحفظ الأسرة وإیجاد الأمان فهو من وظائف الرجل، وما ذلك إلا لأن الاسلام یتعاطی مع الطبائع البشریة

ص: 71


1- وسائل الشیعة: ج 15 أبواب جهاد العدو، ب 4 ص 23 ح 2.

بحسبها لا بحسب الملذات التي هي لطرف علی حساب طرف آخر.

وقد صدر تقریر عن نساء انجلترا أنهن أعلنَّ بأن المسؤولیة علیهن تزداد و ذلك لأنهن یتولین مسؤولیة الدار وخارجه، و هذا ما قضی به النبي (صلی اللّه علیه و آله) وأخذته سیدة النساء فاطمة الزهراء الحجة علی الخلق سلام اللّه علیها: كما في أكثر من خبر بهذا المضمون، فعن أبي جعفر ع(علیه السلام) قال: «إن فاطمة (علیها السلام) ضمنت لعلي (علیه السلام) عمل البیت والعجین والخبز وقم البیت وضمن لها علی (علیه السلام) ما كان خلفالباب من نقل الحطب و أن یجئ بالطعام»(1).

فدور المرأة في البیت دور آخر فهو دور تربوي، وأما هؤلاء الغرب ومن حدا حدوهم باسم المراة سلبوها حقوقها حتی استعملت كدابةٍ تمتطئ وسلعة تشتری وتباع إلی أن تكسد وتبور فأعطوها دور الحمل ودور البیت ومع ذلك أعطوها دور الخارج فتكون لعبة بأیدي الأجانب من الرجال فیهتكون سترها ویتلاعبون بشرفها، فالقرآن حینما یعبر عنها بألفاظ متعددة مضمونها أنها عي وعورة فلیس بصدد ذم المرأة بل بصدد اثارة الحفظیة لحمایة المرأة وللاهتمام بها.

ص: 72


1- مستدرك الوسائل: ج 13 أبواب مقدمات (التجارة)، ص 25 ح 11.

فهذه الطوائف من الآیات لیست بصدد تنقیص المراة أو النظرة الدونیة والتحقیر أبدا بل هي بصدد تشخیص طبیعة المراة وفسلجتها وهندستها التكوینیة لتتعاطی مع ما یناسبها، ولهذا أمرها بعدم التشبه بالرجال كما نهی الرجل عن التشبه بها فذم الرجل المتخنث وهو من یتشبه بالنساء.

وكما مرّ أن هذه الاخبار لا تقتضی التنقیص والازدراء والتحقیر والسخریة بالمرأة بل هي لبیان طبیعتها الفسلوجیة مثل نصیحة وارشاد الطبیب لما یحدد ویبین مزاجك و هذا هو ما یقتضیه اختلاف الطبائع والوظائف فانظر في هذه الأزمنة التي بدأ فیها تعین الوظائف الصناعیة بحسب أمزجة البشر فالطیار لابد أن من تتوفر فیه بعض الخصوصیات وكذا الطبیب وكذا مطفئ الحریق وأیضا مجری للعملیات الجراحیة وقیادة الجیوش فإنهم لا یولونها المرأة فلا یقوم بها إلا الرجال لما تحتاجه من قسوة وشدة وجسارة لا تتناسب مع عاطفتها وروحیتها وطبیعتها بل تتناسب مع طبیعة الرجل و هذا لا یعني أن المرأة مذمومة ومحقرة.

فالشارع لو لم یبیّن هذه الفوارق الطبیعیة بین الجنسين لما كان هادیاً ومرشداً لأتباعه كما أن الطبیب لو لم یخبر مرضاه بطبائعهم التي یتعرفون من خلالها علی ما ینفعهم ویضرهم لكان مقصرا في وظیفته، فبیان طبایع

ص: 73

البشر لمعرفة خواصها لا یعني الذم مثل بیان أقسام وأنواع الدم التي بعضها لا یتناسب مع بعض أنواع الدم الأخری وأیضا مثل معرفة المعادن وأنواعها لمعرفة قیمتها وآثارها كلها معادن إلا أن الذهب لیس بالحدید وغیرها من الخصوصیات التي هي ثمرة معرفة طبائع الاشیاء مع أن ذلك لا یعني التنقیض والحط من شأنها.

و هذا نظیر ما جاء عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال : «المرأة شر كلها وشر ما فیها أنه لا بد منها»(1).

فكونها شر أي كل ممیزاتها یمكن أن تستغل وتستخدم للشر بحیث تكون من حبائل الشیطان وجهة الشر أن التي تحتوي علی هذه الصفات لابدّ منها فالحاجة إلی المرأة ضروریة لا یستغني عنها بحال ولها هذه الصفات وبسبب الاضطرار والحاجة إلیها یمكن أن یسیطر أصحاب السوء علی الانسان فلابد من الحذر فإن الهدایة والتوصیة الدینية مربیة و هذا في مقام التحذیر لا في مقام التنقیص والذم، فإن قوله: (یا أَیُّهَا الذينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (2)، لیس في مقام الاغراء بالزوج علی معاداة زوجته وأولاده، وإنما الاسلام

ص: 74


1- نهج البلاغة : ص 53، الخطبة 238.
2- سورة التغابن، الآیة 14.

في مقام بیان الوظیفة التي یتفادی بها عداوة الزوجة والأولاد وتحثه علی حسن التدبیر والادارة كي لا یؤدي الحال بالاسرة إلی التفكك والطلاق وضیاع الأولاد، و هذا ما یفصح عنه ذیل قوله تعالی: (وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِیمٌ) (1).

فلابد من أن ننظر إلی توجیه الدین كمربي مثل قوله (صلی اللّه علیه و آله) : «من زوج ابنته شارب خمر فقد قطع رحمه»(2) فهو لیس في مقام ذم وتنقیص وازدراء بل في مقام تعلیم وتربیة. ولهذا لما تراه یأمر المرأة بالستر فلسفته هو تعقیم الجو العام عن الامراض الاخلاقیة. ومن هذا حین یأمر بالستر عن الفواحش وعدم اشاعة الفحشاء فهو تعقیم للجو العام أیضا عن مثل هذه الامراض لأنها تسقط بالفرد وبالمجتمع فتسقط الفرد بالفضیحة والرذیلة وتسقط المجتمع في الكادورات وعدم صفاءه من المظاهر السیئة التي تقود المجتمع إلی السوء والنقص بحیث یتفشی وینتشر ذلك الوباء ولهذا تراه یأمر بالعفو وهو شيء وبالصفح وهو شيء آخر وبالغفران وهو شيء ثالث وهذه الآیة یمكن الاستدلال بها علی ولایة الزوج علی الزوجة أیضاً.

وأما أن في المرأة صفات خیر وكمال فهذا لا تنكره الشریعة و أن كل

ص: 75


1- سورة التغابن، الآیة 14.
2- وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الأشربة المحرمة، ب 11 ص 312 ح 7.

صفاتها یمكن أن تستخدم للخیر فهي خیر كله إلا أن الشارع إذا كان في مقام التحذیر لابد له من أن یبین الجانب السلبي الذي یحذر منه وإذا كان في مقام الاغراء والبعث إلی الجانب الایجابي تراه یقول: أحب من دنیاكم ثلاث منها النساء وغیرها من الاخبار المادحة.

مسألة غلبة طابع الذكوریة في القوانین الالهیة وعدم مساوة المرأة للرجل:

وأما مسألة أن الغرب والعلمانیین فهم لایفقهون مثل هذه الحقائق إلا أن هذا لا یسبب مشكلة في المبادئ وإنما هو نقص التوجیه الاعلامي الذي ینصب علی بیان الحقائق الطبیعیة الخاضة للموازین العقلیة والعقلائیة، فهذا البیان للطبائع لیس تنقیصاً بل هو لتكامل الادوار فكون المرأة ناقصة للعقل لزیادة العاطفة لدیها لا لخلل في أصل العقل فیها فلابد أن تُكمِّله بالرجل وكما أن الرجل عنده نقص في العاطفة فیتكامل بالمرأة فتجد التكافل بین الجنسين.

والعجیب من الغرب الذي یدعي بأنه رائد المجتمعات وهو ینتكس ویتردی في حضارته فتراه یقرأ القوانین الدینية بتشویش والخطأ عند من یتأثر به في قراءته لهذه العناوین بدون تفهم لحقیقة النظرة الدینية، فقوله تعالی : (وَ لَیْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثی) - مثلاً - أمر واقعي وجداني من وجود

ص: 76

الاختلافات بین الرجل والمرأة بحیث یتمیز كل منهما عن الآخر والاسلام یتعامل مع هذه الخصوصیات بنظام دقیق وعادل لا یشوبه أي خلل وتخلخل في نفس النظام الطبیعي.

والدلیل الواضح - الذي یرد مزاعم الغرب المدعي لانفتاح المرأة علی كل شيء وأنها تصلح لمنصب الوزارات وكل شيء ویترنمون بهذا الانفتاح - أنك تری أن عدّة النساء اللواتي یشغلن هذه المناصب فعلاً بالنسبة للوظائف الوزاریة لا تصل خمسة في المائة من تلك الوظائف بل غالبا یشغلها الرجال و ذلك لأنهم بوجدانياتهم یدركون عدم تناسب هذ المناصب مع العنصر النسوي بل یتولها العنصر الذكوري لما له من الحزم والشدة فانظر إلی جمیع الوزارات - التي تتكون أفرادها مثلا من العشرات أو المئات - لا تجد إلا امرأة واحدة أو امرأتین یشغل منصب وزیر في تلك الوزارات وبقیة مناصب الورزاء یشغلها رجال وما ذلك إلا لأن طبیعة ادارة الولایات والشوؤن یحتاج إلی حزم وربط لا تتوفر في طبیعة المرأة العاطفیة والروحیة.

فأین من ینادني بالمساواة - لا بالعدل - بین الرجل والمراة ؟ ولماذا لا یجعل نصف الوزراء نساء ونصف البرلمان ونصف مجلس النواب أو المجلس البلدي الذي هو أقل بكثیر؟ فإنك لم تجد ولا تجد بل ولن تجد حتی خمسة بالمائة فضلاً عن النصف.

ص: 77

وقد جاء في عدة من التقریرات الاستراتیجیة الأمنیة أن المرأة أكبر خطراً وطعمة للأختراق الأمني فهذه بحوثهم تؤید ما یذكره القرآن الذي هو یناغي الطبیعة والوجدان السلیم فالاسلام یعین ویحدد ما هو صالح للمرأة وأنها لو جعلت في غیر موضعها ومكانها ستكون طعمة وضحیة وسلعة مبتدلة.

فتشریعات الغرب دائماً تصب في ابتذال وحط وإزراء واثقال واشقاء المرأة، بینما تشریعات الدین رحمة وعنایة وحمایة وكرامة للمرأة.

القول بتاریخیة القرآن:

فقول الحداثیین بأن القرآن تاریخي بمعنی أن الوحي حینما ینزل یفقد ما هو علیه فیكون مواكباً وجاریاً لتلك الحقبة الزمنية فحسب، فیتأثر القرآن بالبیئة التاریخیة فیفتقد روحانیته ویتكیف بتلك البئیة بعلاتها، فتكون صیاغته صیاغة تابعة لتلك الثقافات بعلاتها كما لو كانت معلوماتها خاطئیة فالنبي یصیغ القرآن علی حسب تلك الثقافة بما هي وعلی علاتها واخطائها إذ الغرض یتحقق و أن كانت تلك المفاهیم خاطئة مادام الناس یعتقدون صحتها إذ الغرض هو التمثیل لبیان الغرض الالهیة فیمكن أیبرز ذلك الغرض كبیان قدرة اللّه بقوله (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ

ص: 78

لَحْماً) (1) فإنه یصح علی حسب اعتقادهم السائد آنذاك وإن كان في نفسه خطأ، و هذا النظریة الغربیة هي التي تفسر النبوة بأنها تجربة بشریة مثلها مثل بقیة التجارب استهلكت وأكل علیها الدهر وشرب، فالأسلام خاص بتلك الحقبة الزمنية لا یتعداها. و هذا غیر صحیح لأن هذا مصادم لأصول ثابتة قام علیها الدلیل بأن الوحي شامل لكل البیئات ولیست الأعراف التاریخیة تكبله ببیئاتها وثقافتها بعلاتها و ذلك لأن الوحي شيء شفاف لا ینحبس بظرف خاص، فمن باب المثال لدفع هذه الشبهة في توجیه هذه الآیات - و هذا القول ینظر لقدسیة القرآن - فالثابت فرضه لیس بمحال والبشریة دوماً في البحث والسیرة العلمیة لكافة العلوم في السعي للوصول إلیه كمعادلات ثابتة إلا أنها لم تصل إلیه لقصورها وعدم اطلاعها علی حقائق الاشیاء الجسمیة والروحیة.

إلا أننا لو فرضنا أن آخر جیل بشري تكاملت فیه مسیرة العقل البشري ولدیه النوابغ بحیث یحمل جمیع الجهود البشریة والاكتشافات

ص: 79


1- وكل الاشكالات الموجهة تجاه القرآن من جهة علمیة كلها ناتجة من الخلط بین الحقیقة العلمیة وبین النظریة العلمیة والفرضیة العلمیة بل والخیال العملي فیشكل بالنظریة أو الفرضیة مع انها لیست حقیقة حتی تصلح للاشكال بها أو للخلط في الفهم كفهم العظام في قوله تعالی: «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» غیر المراد القرأني.

والعلوم عبر التاریخ باعتباره آخر جیل وبالتالي یتوصل إلی قوانین عامة ومعادلات كلیة شاملة ومعالجات لجمیع الامور ولجمیع البیئات لفرض أنه توصل إلی كل ما یمكن أن یتوصل إلیه البشر فإذا كان هذا حال القدرة البشریة فكیف بك باللّه خالق الخلق!!

وعلیه فاللّه خالق الكون بما یحوي من اسرار مادیة وروحیة محیط بتلك الامور و تلك الأسس وخواصها بحیث یقدر علی أن یوحیها إلی أحد من خلقه فتكون هذه الأسس التابعة لواقعیة الاشیاء عامة لجمیع الاجیال فلا قصور فیها عن الشمولیة والعمومیة ولا تتغیر بل هي ثوابت لكل المتغیرات إذ الواقعيات العامة ثابتة لا تغیّر ولاتبدل فیها.

والبشریة - كما مرَّ - في حالة سعی في مسیرة العلوم حتی تصل إلی ثابت تندرج تحته المتغیرات إذ المتغیر قیمته وقتیة فقط وفقط وبحث البشر وتنقیبه في البحث العلمي في كل علم في كل مسألة عن الثابت و هذا یدل بوضوح علی ما هو في قرار وجدانهم وبدیهیة عقلهم من وجود ثابت شمولي وعلیه كیف یستنكرون علی الدین من ثبات قوانینه وأنها لا تتغیر. ففطرة البشریة في كل مساراتها العلمیة لأجل الوصول للمعادلة العلمیة الثابتة فالقول بامتناع كون القرآن ثابتاً لكل الأزمان ساقط. فالذي تبنته النظرة الغربیة - حول الدین والذي یترجمه جملة من الحداثویین والعلمانیین بكون القرآن تاریخي - خاطئ بل هو عام ومعالج

ص: 80

للجمیع الأزمنة إذ هو لیس بولید التاریخ حتی یفقد شفافیته الوحیانیة بتصرم تلك الحقبة من الزمن.

قول بتوجیه هذه الآیات التي تضع الفوارق بین الرجل والمرأة وما فیه:

حاصله: أن القرآن لا یقر تلك الفوارق بین الرجل والمرأة ولكن بیئة البشر في ذلك الزمان كانت قائمة علی التفریق والتمییز، والشرع یجادلهم

بمرتكزاتهم من باب المجاراة فهذه الآیات التي تذكر تلك الخصوصیات للمرأة مثل كونها عورة وغیرها بأن الشارع استعمل هذه الامور مجاراة لتلك البیئة البشریة آنذاك القائمة علی التفریق والاستحقار والتمییز فالقرآن یخاطبهم علی حسب اعرافهم من أن المرأة نقص وعورة وغیرها فهو یخاطبهم بحسبما یعتقدونه لا أنه في الواقع یقر ذلك فهو من باب الجدال بالتي هي أحسن.

ولیس هذا بصحیح لأن جملة من الآیات تعلل نقص المرأة مثلاً بأمور تكوینیة ولیست مرتبطة بالاعراف مثل قوله تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا في الْحِلْیَةِ وَ هُوَ في الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ). فالذي یكون ناشئاً في الدلال والعاطفة والنعومة لا یتناسب مع الصلابة والجسارة.

وجاء في (الشافي) : فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «هلكت الرجال حیث أطاعت النساء».

ص: 81

ومن طرق القوم ألسنةٌ متعددة عنه (صلی اللّه علیه و آله) : «لا یفلح قوم تملكهم امرأة»(1)، أو «و لوا أمرهم امرأة»(2)، أو «یلی أمرهم إلی امرأة»(3).

واضح أن القیادة لا تتناسب مع العطوفة والرأفة والحنان وكذا قوله تعالی: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّه بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ) (4).

والتفضیل منه تعالی ههنا یشیر إلی المیزان التكویني في الخلقة مما یتناسب مع الصفات المطلوبة في القیادة لا مطلق الصفات الأخری.

الطائفة الثالثة الآیة التي تجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل:

ما دلت علی أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل وعللت ذلك بامكان نسیان المرأة أي أن قدرتها علی الضبط تقل عن ضبط الرجل قال تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ یَكُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْری).

ص: 82


1- صحیح البخاري ج8 ص97.
2- سنن الترمیذي ج3 ص360.
3- مسند أحمد ج5 ص50.
4- سورة النساء، الآیة 34.

جعلت هذه الآیة شهادة المرأة نصف شهادة الرجل - في غیر الحدود وإلا فالحدود لا تقبل شهادتها أصلا - معللا بالنقص التكویني البدني و هذا مؤید للاستدلال بالطائفة الاولی التي مرت من أن الضعف التكویني منشأ لعدم اعطاء الصلاحیات الخطیرة للمرأة وقد علل بالنسیان أو الغفلة إذ في الغالب المرأة تركیزها غیر تركیز الرجل و ذلك لطبیعتها التي لا تتناسب مع الامور الجافة مثل الأمور النظریة التي تخلو من روح العاطفة والتي لا تتناسب مع طبیتعها من النعومة والرأفة فلا تضبط تلك الموارد بخلاف الرجل وتخلف عدم النسیان في غیر موارد الغالب لا یسمح بتنصیب المرأة باعتباره علة تشریع لا علة حكم.

ووجه الاستدلال بهذه الطائفة أنه إذا كانت المرأة كمستند توثیق لا یجعلها الشارع في الوثاقة والضبط بمنزلة الرجل بل اثنتین بمنزلة الرجل الواحد فهو یدل علی عدم اسناد واستناد الصلاحیات الخطیرة للمرأة لأنها تحتاج إلی ضبط أكثر، طبعا هذا في غیر الحدود وأما فیها فلا یقبل منها أصلاً فإذا كان لا یعول علیها في الشهادة بمفردها فكیف بالمناصب الخطیرة كالزعامة والمرجعیة والقضاء والولایة العامة؟

وقد استدل لعدم صلاحیتها للقضاء بعدم قبول شهادتها في الحدود أصلا - مع عدم الاضطرار - فكیف تكون قاضیة.

ص: 83

الطائفة الرابعة: الآیات الدلالة علی ولایة الرجل علی المرأة :
اشارة

منها: قوله تعالی: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّه بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّه وَ اللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ في الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّه كانَ عَلِیًّا كَبِیراً) (1).

ومنها: قوله تعالی: (وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّه في أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ یُؤْمِنَّ بِاللّه وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّه عَزِیزٌ حَكِیمٌ) (2).

ومنها: قوله تعالی: (وَ لَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِیلُوا كُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّه كانَ غَفُوراً رَحِیماً) (3).

ومنها: قوله: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ

ص: 84


1- سورة النساء، الآیة 34.
2- سورة البقرة، الآیة 228.
3- سورة النساء، الآیة 129.

أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ لا تَتَّخِذُوا آیاتِ اللّه هُزُواً وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَیْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ یَعِظُكُمْ بِهِ وَ اتَّقُوا اللّه وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّه بِكُلِّ شيء عَلِیمٌ) (1).

ومنها: قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ یُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ یُؤْمِنُ بِاللّه وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكی لَكُمْ وَ أَطْهَرُ وَ اللّه یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (2).

ومنها: قوله تعالی: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّی شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللّه وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ) (3).

ومنها: قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِیكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَیْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا یَعْصُونَ اللّه ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ) (4).

ص: 85


1- سورة البقرة، الآیة 232.
2- سورة البقرة، الآیة 233.
3- سورة البقرة، الآیة 223.
4- سورة التحریم، الآیة 6.

فهذه الآیات كلها تدل علی قیومیة الرجل علی المرأة فكونه قواما علیها وكونه یمسكها أو یسرحها وكونها حرث له كأن یملك بضعها وما أشبه ذلك وكونه مامورا بوقایتها وحفظها فللرجل ولایة علیها ولو علی سلطنة البضع ولهذا استدل كثیر بالمنع من تزویج الكافر بالمسلمة بقوله

تعالی: (وَ لَنْ یَجْعَلَ اللّه لِلْكافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً) باعتبار أن النكاح سلطنة وولایة من الزوج علی زوجته. بل یستفاد من قوله تعالی : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ)، أن عنوان الرجل طبیعته سواء كان زوجاً أو غیره قوام علی عنوان النساء ولذلك لم یأخذ عنوان الزوج والزوجة بل لو كانت خاصة بالزوج والزوجة فإذا كان هذا حال المرأة في الامور المحدودة وهي خصوص الجو الأسري وإذا كانت المرأة في المجتمع الصغیر وهو الاسرة لا قوامیة لها فكیف بالمناصب العظیمة والخطیرة فبالاولویة القطعیة لا تتسنم ذلك المنصب الخطیر الذي هو أكبر وأعظم من ادارة ذلك المجتمع الصغیر وإن كان لها دور في جوانب أخری. و هذا لیس معناه ازدراء بالمرأة بل هي معادلة فسیلوجیة وهو بما یتناسب وطبیعتها ومع أن هذه المناصب بحسب القوانین في الغرب مفتوحة ومع ذلك لا یولون المرأة تلك المناصب إلا أقل من خمسة في المائة.

ووجه عدم كونه ازدراء بها هو أن الرئاسة لیست فضیلة بل هی

ص: 86

خدمة في المنطق الدیني و أن القیمة والفضیلة للتقوی نعم هي في منطق الغرب فضیلة لكونها قوة للبطش والفتك.

فهذه الآیات تدل علی منع المرأة من تولی تلك المناصب بالالتزام أو بالمطابقة كما في آیة (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) وإن سلمت أنها خاصة بالزوجین أو الاسرة فیتعدی إلی المناصب العظمیة بالأولویة القطعیة وإن تنزلنا بدون أولویة وحصرناها في الاسرة فإن هذه المناصب لا تتناسب مع المراة المولی علیها تربیة الرجل لها بالتأدیب والهجران والحجر من الخروج من البیت بحیث تكون إرادتها مبتزة ومسلوبة ومتخلخلة بحیث لا تتناسب مع هذه المناصب الخطیرة.

تناسب طبیعة الأحكام مع الطبیعة التكونیة للمرأة والرجل:

فطبیعة وفسلجة المرأة روحا وبدنا تحتاج إلی حام یحمیها لا أنها تحمي نفسها بنفسها فمثلاً بمجرد أن تترك المرأة في المنزل بدون رجل یختل أمن المنزل فالمرأة بدون رجل لا آمان لها بخلاف طبیعة الرجل فإنه بنفسه أمان لنفسه ولغیره و هذا أمر عقلائي تكوني فالمرأة كطبیعة فریسة أي طبیعتها أن تكون فریسة إلا أن تحمی، و هذا یقر به حتی دعاة الحداثة من الغرب وغیرهم و أنهم یطالبون بحمایة المرأة ولو إدعاءاً إلا أنهم یختلفون مع النظام الاسلامي في نفس ما هو المحقق لحمایتها ولهذا ینادون بحمایة المرأة بالاسالیب المتطورة مع أن الاسلام لا یمنع

ص: 87

من التطور والرقي بل یحث ویشجع علیه كما قال تعالی: (أَنِّي لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی) (1)، و أن أكرمكم عند اللّه أتقاكم لیس هو الرجل بل التقي سواء امرأة أو رجل، أما التسویة في البدن والنزعات الروحیة وما یناسبها وما یلائمها فالاسلام عادل یعطي كلاً حسب طبیعته وفسلجته مع مراعاة كلا الجانبین ولا ینظر الاسلام إلی المتطلبات الذاتية التي تكون علی حساب النظام القائم بین الرجل والمرأة ولأجل التفریط في طبیعة تركیب وتوازن الأسرة نری أغلب البلدان الاوربیة مهددة حالیاً بالشیخوخة ومستقبلاً بالانقراض بعد عقود من الزمن وكل ذلك لعدم النظم في الأسرة و ذلك لكون الهم الأكبر عندهم التركیز علی ملذات الذات فإن الحمل وتربیة الاطفال عبأ وثقل وبتقنیاتهم لا یحافظون علی المسؤولیة تجاه المجتمع بقدر التركیز علی افراط ملذات الذات بقطع النظرعن المجتمع فإن الحمل وتربیة الأولاد والمسؤولیة الزوجیة یعیق عن افراط تلذذ المرأة بالرجل وبالعكس فالمنطق المحكم هو منطق الشهوة والذاتية فالجیل الراهن لا یضحی لأجل الأجیال الآتیة وبذلك أن یتهدد النسل البشري عندهم بالانقراض وسبب ذلك هو عدم معرفتهمبالطبیعة البشریة.

ص: 88


1- سورة آل عمران، الآیة 195.

وكلامنا لیس مع الشرق والغرب بل الكلام مع النظام الغربي وفي الوقت الحاضر تشیر احصایئات في العالم الأعم من الشرقي والغربي تبین أن تسعین بالمائة من النساء اللواتي یعملن في القطاعات العامة والخاصة یتعرض لتحرش الرجال بالعین أو بالید إلی أن یصل إلی ما یصل إلیه و هذا مؤشر برهاني دامغ دال علی تكوینیة قانون قوله تعالی: (وَ قَرْنَ في بُیُوتِكُنَّ) (1)، فإن قیمتها في روحها ونفسها وعاطفتها وبدنها أما غیر النظام الأسلامي فقیمتها عندهم في بدنها وجمالها فقط وعندما یذهب جمال بدنها تسقط قیمتها لدیهم من رأس.

بینما الشارع یعادل في توزیعه للوظائف كل حسب فسلجته وطبیعته، وإلی هذا یشیر أمیر المؤمنین (علیه السلام) بقوله: «خیار خصال النساء شرار خصال الرجال : الزهو والجبن والبخل فإذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخیلة حفظت مالها ومال بعلها. وإذا كانت جبانة فرَّت من كل شيء یعرض لها»(2).

فانظر إلی هذه الصفات التي یختلف موطنها في الرجل عنه في المرأة وما ذلك إلا بحسب ما یناسب طبیعة الرجل والمرأة فتری الاسلام یعین الجهاد للرجل في الحروب وأما المرأة، فجهادها هو حسن التبعل

ص: 89


1- سورة الأحزاب، الآیة 33.
2- نهج البلاغة: ص 52 الخطبة 234.

لزوجها وأما جهاد الرجل یختلف موطنه وموضوعه بحسب طبیعته وفسلجته، وأحد الاخطاء المصیریة هو الخلط بین طرق تحصیل الكمالات لكل صنف فأن طرق الكمالات للمرأة تختلف عن طرق وشاكلة العمل الذي یصل به الرجل إلی كمالاته ومن الخطأ الفاضح أن یجعل طریقهما واحد مع اختلاف طبیعتهما فالخطأ الذي یقع فیه المشرع والمقنن الغربی هو أنه یجعل كل صفة للرجل والمرأة تجعل بشكل وزيٍّ واحد، فارد فیجعل اظهار قوة المرأة بمظهر قوة الرجل ویجعل مظهر كمالات المرأة بمظهر كمالات الرجل و هذا خطأ واضح بعد معرفة اختلاف الطبیعتین وأما الاسلام فتراه یجعل الجبن في المرأة من الكمالات ومن النقائص في الرجل والبخل للمرأة من كمالاتها ومن نقائص الرجل وهكذا كل تكامله علی حسب وظیفته و هذا مثل اللباس فإن وظیفة اللباس هو ستر البدن إلا أنه یختلف زیه عن زین الآخر فالهدف واحد إلا أن الصورة تختلف وتفترق بین الرجل والمرأة. فمن الغلط الفاضح هو مساواة وجعلهما نسخة طبق الاصل في توحید ازیاء الرجال والنساء فإنه هذا لیس منالمساواة الموصلة كل إلی كماله في شيءإذ المساواة والعدل هو بأن یخالف كل صاحبه علی حسب طبیعته في السلوك العملي لا أن تشابه وتطابق.

ص: 90

فبیان ضعف المرأة لبیان صورة ما یناسبها في التكامل بأنه یختلف عن صورة ما یتكامل به الرجل، فهذه الاخبار تفسر وتبین فلسفة الطائفة الأولی والطائفة الثانية.

منها: موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «إنما المرأة لعبة، من اتخذها فلا یضیعها»(1).

وروی الكلیني بثلاثة طرق مسندة و هذا یوجب الوثوق بصدورها - عن عبد الرحمن بن كثیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «في رسالة أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی الحسن (علیه السلام) : لا تملك المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترك واكففها بحجابك ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیك من شفعت له علیك معها واستبق من نفسك بقیة فإن إمساكك نفسك عنهن وهن یرین أنك ذو اقتدار خیر من أن یرین منك حالا علی انكسار»(2).

فقوله (علیه السلام) هذا جامع من جومع الكلم یبین فلسفة منظومة التشریع في الاسلام، فالاسلام في مقام بیان نعومتها ورحمتها ولیس في مقام التنقیص والحط من شأنها، والبیان النبوي یفلسف كل منظومة التشریعفی

ص: 91


1- وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النكاح وآدابه، ب 86 ص 167ح 2.
2- المصدر نفسه، ب 87 ص 168 ح 1.

تلك الجملتین فإذا كانت المرأة ریحانة من النعومة والخضوع فالولایة والسیطرة تتنافي مع أصل خلقتها إذ خلقتها ریحانیة حتی قال (صلی اللّه علیه و آله) : «رفقا بالقواریر»(1)، فالقاروریة بمعنی ظرافة الخلقة لما فیها من النعومة والنزاكة فلیس نظرة الاسلام نظرة منطلقة من اضطهاد المرأة أو الازراء بها بل هو نوع من الحمایة للمرأة لأنها موجود ذو نعومة وریحانیة فهي مثل الوردة التي لیست لها خشونة الغصون فضعفها لیس بمعنی الازراء بل لزوم الصیانة والحمایة والوقایة بأن لا تستهدف وتبتز وتكسر فانظر كیف اختلاف حمایة الورد عن حمایة الاشجار الصلبة فالورود تحتاج إلی حمایة أكثر وأشد عنایة وجهد.

فانظر إلی دقة التعبیر النبوي وإعجازه فإنه ینظر بنظرة اكرام واعزاز واحترام وعنایة بحالها لا بمثل النظرة الیهودیة المنحرفة والمسیحیة المنحرفة من أن المرأة نجسة أو أنها شؤم أو أنها قاذورة أو یتطیر منها ویتشائم بل المرأة ریحانیة فینظر لها نظرة احترام وعنایة.

الطائفة الخامسة الآیات الدالة علی أنهن نواقص حظوظ:

قوله تعالی: (یُوصِیكُمُ اللّه في أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) فهذه الآیة تدل علی أن المرأة حقها أنقص من حق الرجل فلامعنی لرد

ص: 92


1- المجازات النبویة ص30.

الاخبار التي تدل علی أن النساء نواقص حظوظ ونواقص إیمان أو دین إذ أن كونها ناقصة حظ ودین مضامین قرآنیة كما هو في آیات الارث وآیات اسقاط الصلاة عن النساء في الحیض، والسبب عند هؤلاء المعترضین أو المشتبهین هو عدم فهمهم لما یصبو إلیه القرآن الكریم من بیان طبیعة المرأة والرجل واعطاء كل علی حسب طبیعته كما تقدم بیان ذلك في طوائف الآیات المتقدمة، ولیس هو في مقام الازدراء والتشنیع والذم بل هو دائما في مقام التربیة والتهذیب، فلا معنی لرد الأخبار بعد تضمنها هذه المضامین القرآنیة.

ومن خطبة لأمیر المؤمنین (علیه السلام) بعد حرب الجمل: «معاشر الناس إن النساء نواقص الإیمان، نواقص الحظوظ نواقص العقول. فأما نقصان إیمانهن فقعودهن عن الصلاة والصیام في أیام حیضهن. وأما نقصان حظوظهن فمواریثهن علی الانصاف من مواریث الرجال. وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتین كشهادة الرجل الواحد. فاتقوا شرار النساء. وكونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن في المعروف حتی لا یطمعن في المنكر»(1).

فأمیر المؤمنین (علیه السلام) یرجع هذه المضامین إلی مضامین قرآنیة.

ص: 93


1- نهج البلاغة: ص 129 - 130 الخطبة 80.

والصلاة اطلق علیها (ایمان) في القرآن: (وَ ما كانَ اللّه لِیُضِیعَ إِیمانَكُمْ) (1)، ولیس المقصود أن الرجل لا یفعل المعروف بل یفعله ولكن بدون أن یكون فعله للمعروف مستنداً إلی أمر المرأة وطلبها وتحكیم سلطنة المرأة وسیطرتها لكي لا تطمع في أمره بالمنكر.

ویمكن أن یقرب الاستدلال بهذه الطائفة بأن المرأة إذا كانت ناقصة حظ في المجتمع الأسري الصغیر فكیف بها في المجتمع الكبیر الذي هو أكبر بكثیر فنقصان حظها بطریق أولی فلا ترقي إلی درج حظ الرجل من تلك المناصب بحسب طبیعتها.

وبتقریب آخر إذ كان حظ المرأة أنقص من الرجل لكونها مكفولة للرجل في الجانب الأسری فكیف تكون كافلة للجوانب العظیمة والخطیرة. فهي لم تولَّ مسؤولیة الكفالة الخاصة بل كانت مكفولة لما تحتاجه فالكفالة من الوظائف التي لا تتناسب مع طبیعة المرأة فكیف تتولی كفالة المجتمعات ذات المسؤلیات الخطیرة التي تحتاج إلی حزم وشدة وقوة لا یستهان بها.

وأیضا من جهة أنها ناقصة إیمان ودین بمعنی أن مسؤولیتها أخف من الرجل باعتبار طبیعتها فكیف تولی المناصب ذات المسؤلیات الثقیلة

ص: 94


1- سورة البقرة، الآیة 143.

والخطیرة وهذه مثل غیر البالغ الذي لا ذمة له فكیف یسلم المناصب التي تحتاج إلی تحمل وذمة، خصوصاً أن هذه الرئاسة وظیفة وخدمة لا

أنها سلطنة تجبر وتكبر وبطش حتی یتهافت علیها ذو القابلیة وغیره حتی تعرض هذه الولایة علی الجمیع فیقال: إن للمرأة نصیب كما للرجل نصیب.

الطائفة السادسة: الآیات التي تعرض لملكة سبأ:

قوله تعالی: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِیَتْ مِنْ كُلِّ شيء وَ لَها عَرْشٌ عَظِیمٌ * وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّه وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ) (1).

وتقریب الاستدلال أن القرآن صور وقرر ما جری بین الهدهد وبین النبي (علیه السلام) حیث ركز تقریره عن قوم سبأ بالاهم والغریب وهو أن امرأة تملكهم وقدم المرأة لما في ذلك من الغرابة والعجب والاستنكار فترك تقدیم خبر الشرك باللّه وركز علی ما هو عجیب ومستنكر فطریاً من أن المرأة تملك أمر القوم.

ویؤید ما ذكرناه ما جاء عن الامام الحسین (علیه السلام) : «ولقیه أبو هرة الأسدي فسلم علیه ثم قال : یا ابن رسول اللّه، ما الذي أخرجك عن

ص: 95


1- سورة النمل، الآیتان 23 - 23.

حرم جدك محمد (صلی اللّه علیه و آله). فقال (علیه السلام) : ویحك یا أبا هرة إن بني أمیة اخذوا مالي وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمي، فهربت وأیم اللّه لتقتلني الفئة الباغیة ولیلبسنهم اللّه ذلا شاملا وسیفا قاطعا ولیسلطن اللّه علیهم من یذلهم حتی یكونوا أذل من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(1).

وبلسانها ما جاء عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) في ذم من خرج مع عائشة من أهل البصرة : «كنتم جند المرأة. وأتباع البهیمة»(2).

وقد أشكل البعض علی هذا : بأنه مجرد سرد خبري لا یستفاد منه تنقیص وحط لولایة المرأة بل هو حكایة عما هو موجود في الخارج.

وفیه: أنه تقریر لكلام الهدهد وإن كان سردا خبریاً إلا أن التقریر لصاحب الشأن یركز فیه علی الجوانب ذات الأهمیة والحساسة والغریبة وأكثر هذه الجوانب غرابة هو ما قدمه علی جمیع الاخبار والحوادث التي صادفها من كون المرأة تملكهم وهو جانب ازدراء وتنقیص وذم لتولیة المرأة علیهم و هذا مثل ما جاء في الخبر: «ما ولی قوما امرأة إلا ذلوا». وسنبین أن هذا الخبر یوجد بطریق صحیح.

ص: 96


1- اللّهوف في قتلی الطفوف: ص43، مثیر الأحزان : ص 33.
2- نهج البلاغة : ص 44 الخطبة 13.

والقرآن حینما نقل الاحداث والمشاهد البشریة لا یستعرض كل ما هب ودب بل یركز علی الأمور المهمة التي فیها حكمة وعبرة فلا یقتطع مقطوعة من تلك الأحداث إلا لما لها من الخصوصیة والأهمیة في بیان الحكمة التي یرید إیصالها.

ولهذا ینقل القرآن بعض أقوال أهل النار و ذلك لما في تلك الأقوال من حكمة وعبرة للغیر و هذا لا یدل علی أن أهل النار أناس معتبرون حتی یقال هل كلام الهدهد معتبر أم لا؟ فتركیز القرآن الكریم علی ما قیل لا علی من قال!. ولم یفند القرآن ما ذكره الهدهد أو أقوال أهل النار فهذا یدل علی أن القرآن یعتبرها.

وهنا نكتة لابد من الالتفات إلیها حاصلها أن غیر المعصوم لیس المیزان علی شخصه بل علی الدلائل بحیث یخضع كلامه للموازین والأدلة بخلاف المعصوم فإن المیزان في حجیة كلامه هو شخصه.

فالهدهد كان بصدد تحفیز سلیمان (علیه السلام) علی اقامة الحق في القضیة التي یذكرها له بذكر الموجبات لقیامه قبال بلقیس وقومها باعتبار أن وظیفة النبي سلیمان (علیه السلام) الاصلاح واقامة النظام العادل ومن تلك الامور التي توجب له الخروج : كون المالك لأمر هؤلاء امرأة، ولكونه (علیه السلام) بصدد العلاج واقامة الحق، لذا (قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِینَ).

ص: 97

والقرینة أخری أن الولایة لو كانت للرجل والمراة سیان فلم التعجب

الدال علی أن ولایتها من الامور غیر الطبیعیة.

ومع رجحان عقلها وجزالته ومع ذلك لم یرتضها لهذه المنصب.

فانظر إلی ما یدل علی رجحان عقلها من خلال ما تعرضه الآیات المباركة: (قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَیَّ كِتابٌ كَرِیمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ * أَلاّ تَعْلُوا عَلَیَّ وَ أْتُونِي مُسْلِمِینَ * قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي في أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتّی تَشْهَدُونِ) (1).

فمن رجحان عقلها - مع كون الادارة بیدها فقط كملكة وحاكمة - إلا أنها تستشیر قومها - و ذلك لأن الاستشارة لا تنافي الامارة بل هي صاحبة الأمر الأول - لتكامل النظرة والحصول علی الرأي الجامع الجازل فالاستشارة هي مداولة الرأي للوصول للقول الصائب فهذا معنی الاستشارة عند الامامیة وأما عند العامة فهي تحكیم رأی الأكثر وإن كان خلاف الواقع ولهذا جعلوا شق عصا الجماعة مخالفة للدین وإن كان خلاف الواقع بل خلاف الدین نفسه. فهذه ثمرة من ثمار وفوائد الاستشارة.

ص: 98


1- سورة النمل، الآیات 29 - 33.

ومن فوائدها أیضا غیر الوصول والاستكشاف، بل تأثر المستشارین لیتفاعلوا مع قائدهم، فهكذا كان یستشیر النبي (صلی اللّه علیه و آله) لا أنه یستشیر إلی الوصول للصواب، وأیضا متعلق الشوری هو الفعل لا الفاعل والحكم لا الحاكم فیستشار في الفعل وفي الحكم ولا یستشار في الحاكم وتحدیده وتحدید ارادته و ذلك لكونه صاحب الاردة والعزم فالشوری لا تحد الارادة، ولهذا قال تعالی: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّه لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَی اللّه إِنَّ اللّه یُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِینَ) (1).

و مما یدل علی رجحان عقلها أیضا أنه لما استفتتهم عرضوا لها قوتهم وشدتهم فلم تسمع بكلامهم وإنما تعاملت بحنكة ورجحان لمعرفة أحوال النبي سلیمان (علیه السلام) وارسلت طعماً - كما هو مضمون الأخبار - لكي تستكشف إن كان ملكاً أو نبیاً (قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي في أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتّی تَشْهَدُونِ * قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِیدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَیْكِ فَانْظُرِی ما ذا تَأْمُرِینَ * قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ كَذلِكَ یَفْعَلُونَ * وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِمْ بِهَدِیَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (2).

ص: 99


1- سورة آل عمران الآیة 159.
2- سورة النمل، الآیات 32 - 35.

فلما عرضوا علیها الشدة والقوة لم تتسرع بل ذكرت لهم ما هو أنفع ومع هذا القرآن لم یرتض ولایتها ولهذا عد من المؤاخذات علی قوم سبأ تولی امرأة علیهم بحیث خصه بالذكر في بدایة كلامه بطریقة تعجبیة وأنه أمر غیر طبیعی حتی قدمه علی محذور الشرك وعبادة الشمس وغیره والقرآن الكریم إذا لم یرد ولم یدفع ما جاء به الهدهد من تعجبه واستغرابه فهو یُقرُّه ویثبته، ولیس الأمر أنه من باب سرد الأمر الواقع في الخارج فحسب.

وأیضاً ما یدل علی رجحان عقلها في جوابها للنبي سلیمان (علیه السلام) لما أوهم لها قصرها فأجابت بالایهام. فالقرآن مع مایراه من عدم تولی المرأة لهذه المناصب بمقتضی طبیعتها إلا أنه لا ینكر رشادتها ورجحانها بل یقر صفات الكمال فیها - لو وجدت - ولا ینكرها بل یشید بها.

والبعض یشكل بأن القرآن مع اقراره برشادتها وحنكتها لماذا ینكر ولایتها وقیادتها.

والجواب: أن القیادة لا تحتاج إلی العلم والرشادة فقط بل تحتاج إلی صفات أخری من الحزم والشدة والصلابة وعدم اللیونة.

وقد أشكل البعض: بأن هناك أخبار تدل علی أن النبي سلیمان (علیه السلام) أقرّ بلقیس علی ولایتها ولم یعزلها، و هذا یدل علی جواز تولی المرأة

ص: 100

لهذه المناصب.

وفیه : أن هذه الاخبار لم تثبت ذلك وإنما الثابت منها أنه (علیه السلام) تزوجها وكان یذهب إلیها، و هذا لایدل علی عدم عزلها.

خلاصة ما تقدم من هذه الطوائف:

أن الطائفة الأولی من الآیات تدل علی أن فسلجة وطبیعة المرأة من الضعف والنعومة واللیونة والرقة لا تتناسب مع تولی هذه المناصب التي تحتاج إلی القوة والبأس والحزم والشدة التي تتنافی مع طبیعتها فشأن المرأة لیس شأن الولایة والسلطة بحسب ما یتناسب ویتناغم مع طبیعتها.

والطائفة الثانية وهي آیات الحجاب والتستر وهي دالة علی وضع السیاج بین اختلاط المرأة بالرجال و أن المرأة طبیعتها من جهة بدنها وروحها فریسة وطعم تحتاج إلی حمایة وعزل عن الرجال فلا یناسبه المناصب التي تحتاج إلی مباشرة الأمور والاطلاع علیها فالقرآن یجدر الأعراف التي تتناسب مع طبیعتها حفاظاً علیها مع أنه لا یمنعها من المشاركة في القطاعات الأهلیة مثل التجارة بأموالها لأنه أمر خاص بها بخلاف السلطنة العامة علی المجتمع.

والطائفة الثالثة وهي الدالة علی عدم مساواة شهادة المرأة لشهادة الرجل وإنها في التوثیق الخبري لا كفاءة لها بمفردها فكیف تكون لها الكفاءة في ادارة الأمور الخطیرة التي تقوِّم مصیر الأمة.

ص: 101

والطائفة الرابعة وهي الآیات الدالة علی قیومیة الرجل علی المرأة في غیر الاسرة بل أنه لو دلت علی عدم قیومیتها علی الرجال في الاسرة فنفي ولایتها علیه في غیرها بالأولویة القطعیة في الامور الخطیر.

والطائفة الخامسة الدالة علی أن النساء نواقص حظوظ وإیمان: فهي تدل علی أنها مكفولة فكیف تكفل غیرها ؟ وأیضا تدل علی أن مسؤولیتها ضعیفة فكیف تولی المناصب ذات المسؤویات الخطیرة كالقیادة والسلطنة.

والطائفة السادسة وهي ما تقدم قریباً في سورة سبأ.

و هذا ما توصلنا إلیه بحسب استقرائنا من الآیات القرآنیة، ولعل الباحث یصل إلی بعض آیات أخر لم نقف علیها.

وقد قلنا: إن هذه الطوائف لا تدل علی تنقیص المرأة وتحقیرها وإنما هو بیان طبیعتها التي لا تتناسب مع هذه المناصب وإلا فالقرآن لا یمنع من تكامل المرأة بل هي مع الرجل في التكامل علی حد سواء.

قال تعالی: (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالذينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ أُوذُوا في سَبِیلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّه وَ اللّه

ص: 102

عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (1).

وقوله تعالی: (وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ نَقِیراً) (2).

وقوله تعالی: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا یَعْمَلُونَ) (3).

وقوله تعالی: (مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزی إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ) (4).

وقوله تعالی: (یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّه عَلِیمٌ خَبِیرٌ) (5).

فهي دالة علی أن التكامل - بالنسبة للرجل والمرأة - علی حد سواء ولا یتمیز الرجل عن المرأة ولا هي تتمیز علیه في التكامل في شيء، بل

ص: 103


1- سورة آل عمران الآیة 195.
2- سورة النساء، الآیة 124.
3- سورة النحل، الآیة 97.
4- سورة غافر، الآیة 40.
5- سورة الحجرات، الآیة 13.

كلیهما سواء إلا أن طریق التكامل بالنسبة للرجل یختلف عنه بالنسبة للمرأة وهو مقتضی العدل ووضع الشيء في موضعه بأن ینصب لكل طریق یتناسب ویتناغم مع طبیعته البدنية والروحیة ومن هنا یتضح قوله تعالی: (وَ لَیْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثی) (1)، و هذا حتی لو كان من قول مریم علیها السلام فالقرآن أقره ولم یرده وهو ناظر إلی الاختلاف الطبیعي الذي تختلف لأجله الوظائف الملقاة علی عاتق الرجل والمرأة من خدمة المعبد إذ النساء تمنع من الدخول في أوقات طمثها دون الرجال.

طوائف الاخبار:

اشارة

وهي أحادیث مستفیضة عند الفرقین ومتواترة تواترا اجمالیا أو معنویاً وهي علی طوائف مثل طوائف الآیات المباركة المتقدمة فمنها ما یدل علی ضعف المرأة ومنها ما یدل علی صون المرأة بالحجاب والحفاظ ومنها ما یدل علی عدم ضبط المرأة مثل شهادة امرأتین بمنزلة شهادة رجل ومنها ما یدل علی أن الرجال قوامون علی النساء ومنها ما یدل علی أنهن نواقص حظوظ ونواقص دین ومنها ما یدل علی ذم تولي المرأة لهذه المناصب الموافقة للطائفة السادسة.

ص: 104


1- سورة آل عمران الآیة 36.

وحیث إن مضامین الاخبار مضامین آیات قرآنیة ومع تعددها وتعاضدها فلا معنی للبحث عن صحة وضعف السند لكون مضامینها مضامین قرآنیة والاخبار بمنزلة الشرح للمتن القرآني ولهذا قدمنا بحث الآیات ثم عقبناه بالاخبار لكي یتنبه لما في الأخبار إذ الشرح لا یوقف علی مفاده الصحیح والدقیق إلا بعد ملاحظة المتن الذي هو بصدد بیانه.

الطائفة الأولی: الموافقة للطائفة الرابعة من الآیات الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة :
أنها لا تتولی القضاء:

1- ما رواه الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد، عن آبائه (علیهم السلام) في وصیه النبي (صلی اللّه علیه و آله) لعلي (علیه السلام) - قال: «یا علي، لیس علی النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا عیادة مریض، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولي القضاء، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبیة، ولا تقیم عند قبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولی التزویج بنفسها، ولا تخرج من بیت زوجها إلا بإذنه، فان خرجت بغیر اذنه لعنها اللّه (عز وجل) وجبرئیل ومیكائیل، ولا تعطي من بیت زوجها

ص: 105

شیئا إلا باذنه، ولا تبیت وزوجها علیها ساخط وإن كان ظالما لها»(1).

و هذا الخبر فیه جملة غیر موثقین وهو یدل علی أن المرأة إذا لم تول القضاء لم تول ما هو أعظم منه مثل الفتیا بالأولویة القطعیة، وهذه الطائفة موافقة لطائفة آیات : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) (2).

وأما مسألة إن كان ظالماً لها، فلابد من الالتفات إلی أن الإسلام علاجاته حیثیة فمنبع الفساد هو ما یغلق لا أنه یسقط حقوق الزوج بمجرد ظلم الزوج لزوجته كما أن حقوق المرأة لا تسقط بمجرد ظلم المرأة لزوجها، فحین تراه یؤكد علی طاعة المرأة لزوجها یؤكد علی معاملة الزوج لزوجته كما في الآیات والروایات إلا أنها تدل علی أن حق الزوج أعظم من حق الزوجة علی زوجها باعتبار مسؤولیته تجاهها.

2- مارواه الكلیني بثلاثة طرق عن كل من عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر (علیه السلام)، وعن عبد الرحمن بن كثیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: في رسالة أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی الحسن (علیه السلام). وعن الاصبغ بن نباته، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «لا تملك المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة

ص: 106


1- الخصال للصدوق : وضع عن النساء تسعة عشر شیئا ص511 ح2.
2- سورة النساء، الآیة 34.

ریحانة ولیست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترك واكففها بحجابك ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیك من شفعت له علیك معها واستبق من نفسك بقیة فإن إمساكك نفسك عنهن وهن یرین أنك ذو اقتدار خیر من أن یرین منك حالا علی انكسار»(1).

و هذا الخبر له ثلاثة طرق متباینة تماماً وهو موجب للوثوق بالصدور لتعاضدها وهو نص في المطلوب وأیضا لتشاهد مضمونه مع روایات أخری ولوجود هذا المضمون فیها، ووجه الاستدلال أن المرأة إذا كانت لا تملك من الامر ما یجاوز نفسها فلا تملك أمر غیرها فمن باب أولی أن لا تولي الامور العامة، فهي مثل الاخبار التي وردت في القضاء.

فهذه الاخبار تدرج في الطائفة الرابعة من الآیات القرآنیة التي هي نص في المطلوب وهي كون الرجال قوامون علی النساء ولا یخفی أن استدلال أمیر المؤمنین (علیه السلام) بقول النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «المرأة ریحانة ولیست بقهرمانیة» هو استدلال بضعف المرأة ولیونتها علی عدم تولیها هذه المناصب فهو استدلال بلسان الطائفة الأولی علی الرابعة، وأیضا یحتوي هذا الخبر علی الاستدلال بطائفة الحجاب علی مفاد الطائفة الرابعة ایضاً فهذا الخبر فیه استدلال بطوائف من الاخبار علی الطائفة الرابعة.

ص: 107


1- الكافي للكلیني أبواب المتعة باب حق المرأة علی الزوج ح3.

3- ما جاء في صحیحة سلیمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) : «أن قوماً أتوا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فقالوا : یا رسول اللّه إنا رأینا أناسا یسجد بعضهم لبعض فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : لو أمرت أحدا أن یسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»(1).

فهذه یمكن أن تعد نصاً في المطلوب لكونها مأمورة بطاعة زوجها فهو ولیها وهي تابعة له في أمورها.

ولا یخفی أن طرق الاستدلال علی المطلوب تارة بالآیات والروایات الدالة مطابقةً بالمباشرة وحرفیة النص، وتارة بالملازمات والتحلیل كما في (الخلاف) حیث قال : (لا یجوز أن تكون المرأة قاضیة في شئ من الأحكام، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنیفة: یجوز أن تكون قاضیة فیما یجوز أن تكون شاهدة فیه، وهو جمیع الأحكام إلا الحدود والقصاص. وقال ابن جریر: یجوز أن تكون قاضیة في كل ما یجوز أن یكون الرجل قاضیا فیه، لأنها تعد من أهل الاجتهاد. دلیلنا : أن جواز ذلك یحتاج إلی دلیل، لأن القضاء حكم شرعي، فمن یصلح له یحتاج إلی دلیل شرعي.

وروی عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «لا یفلح قوم ولیتهم امرأة»(2).

ص: 108


1- الكافي للكلیني أبواب المتعة باب حق المرأة علی الزوج ح6.
2- المستدرك علی الصحیحین (الحاكم النیسابوري) : ج 4 ص 39.

وقال (صلی اللّه علیه و آله) : «أخروهن من حیث أخرهن اللّه»(1) فمن أجاز لها أن تلي القضاء فقد قدمها وأخر الرجل عنها. وقال : من فاته شئ في صلاته فلیسبح، فإن التسبیح للرجال والتصفیق للنساء، فإن النبي (صلی اللّه علیه و آله) منعها من النطق لئلا یسمع كلامها، مخافة الافتتان بها، فبأن تمنع القضاء الذي یشتمل علی الكلام وغیره أولی)(2) أنتهی كلامه.

4- منها ما جاء بالفاظ متعددة عند الفریقین :

عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «لن یفلح قوم یدبر أمرهم امرأة»(3).

وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «كل امرئ تدبره امرأة فهو ملعون»(4).

وعنه (علیه السلام) قال : «طاعة المرأة ندامة»(5).

وروی أحمد بن حنبل، عن أبي بكرة بكار بن عبد العزیز ابن أبي بكرة قال : سمعت أبي یحدث عن أبي بكرة انه شهد النبي (صلی اللّه علیه و آله) أتاه بشیر یبشره بظفر جند له علی عدوهم ورأسه في حجر عائشة، فقام فخر ساجدا، ثم أنشأ یسائل البشیر فأخبره فیما أخبره أنه ولی أمرهم

ص: 109


1- عمدة القاري: ج ص، المصنف (لعبد الرزاق) ج ص.
2- الخلاف (للشیخ الطوسي) : ج 6 ص 213 - 214.
3- مستدرك سفینة البحار (للشیخ النمازي) : ج 5 ص 99.
4- المصدر نفسه، وأیضاً ج 3 ص 255.
5- بحار الأنوار: ج 100 ص 227 ح 22.

امرأة فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «الآن هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، هلكت الرجال إذا أطاعت النساء ثلاثا»(1).

وما رواه البخاري عن أبي بكرة قال: لقد نفعني اللّه بكلمة سمعتها من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أیام الجمل بعد ما كدت ان الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أن أهل فارس قد ملكوا علیهم بنت كسری قال: «لن یفلح قوم ولوا امرهم امرأة»(2).

وما رواه الترمیذی عن أبي بكرة قال : عصمنی اللّه بشئ سمعته من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله)، لما هلك كسری قال: «من استخلفوا ؟» قالوا: ابنته. فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». قال فلما قدمت عائشة - یعني البصرة - ذكرت قول رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فعصمني اللّه به. هذا حدیث صحیح(3).

وهذه الطائفة من الطائفة الرابعة من طوائف الآیات ومفادها نص في المقام ولها طرق متعددة عند الفریقین وقد وقفت علی طریق معتبر في الوسائل لم یذكره الأعلام ولا الشیخ.

ص: 110


1- المسند: ج 5 ص 45.
2- صحیح البخاري: ج 5 ص 136 وأیضاً ج 8 ص 97.
3- سنن الترمذي: ج 3 ص 360.

5- صحیحة عبد الصمد قال: دخلت امرأة علی أبي عبد اللّه (علیه السلام) فقالت: أصلحك اللّه إني امرأة متبتلة فقال : «و ما التبتل عندك ؟». قالت: لا أتزوج، قال : «و لم ؟» قالت : ألتمس بذلك الفضل، فقال : «انصرفي، فلو كان ذلك فضلا لكانت فاطمة (علیها السلام) أحق به منك إنه لیس أحد یسبقها إلی الفضل»(1).

و هذا الخبر یدل أن من كمال المرأة أن یكون علیها ولایة من الزوج.

6- موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إنما المرأة لعبة، من اتخذها فلا یضیعها»(2).

وهذه أیضا تدرج في الطائفة الاولی والطائفة الرابعة، ولیس المراد من قوله: «المرأة لعبة» وصف عقلها وروحها بل بدنها وهذه حقیقة یثبتها الشارع فهو یبین جسد المرأة وكیفیته فالمراد باللعب ببدنها كونه بطبعه جذاباً وموضوع لاستلذاذ الزوج ؟ فالشارع لایستهین بها بل المراد أن بدنها ینفس به الزوج ویرتاح إلیها ویستلد بها ویلهو بها ولهذا ورد لهو المؤمن في ثلاثة حتی تحضره الملائكة إذا جاءها... في أخبار متعددة :

ص: 111


1- الكافي للشیخ الكلیني باب اكرام الزوجة ج5 ص509 ح3.
2- الكافي للشیخ الكلیني باب حق المرأة علی الزوج ج5 ص510 ح2.

7- ما رواه الشیخ الصدوق بسنده عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «لهو المؤمن في ثلاثة أشیاء: التمتع بالنساء ومفاكهة الاخوان والصلاة باللیل. من اجتمعت له ثلاث خصال فكأنما حیزت له الدنیا»(1).

8- مرفوعة علي بن اسماعیل عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) - في حدیث قال : «كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث : في تأدیبه الفرس، ورمیه عن قوسه، وملاعبته امرأته فإنهن حق»(2).

9- محسنة أبي بصیر عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «لیس شيء تحضره الملائكة إلا الرهان وملاعبة الرجل أهله»(3).

فالمدابع أهله له من الأجر ما له لأنه في طاعة اللّه فیلتذ كل بالآخر وبه یبتعد عن الحرام ولیس كما یفعله الغرب من التلاعب بالمراة بحیث یجعلها رخیصة كآلة النفایات یروج بها سلعاته وثقافته، ولهذا جاء أن لهو المؤمن في التمتع بالنساء وملاعبتهن وهو من الحق لا من الباطل، وتحضره الملائكة و ذلك لما فیه من حالة نورانیة فیها اقبال علی حلال اللّه وابتعاد وصد عن حرامه.

ص: 112


1- الخصال للصدوق ص161 ح 2210.
2- الكافي للكلیني باب ارباض الخیل ج5 ص50 ح13.
3- نفسه ح 10.

10- معتبرة ضریس الكناسي - علی الأصح - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «إن امرأة أتت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) لبعض الحاجة فقال لها : لعلك من المسوفات، قالت : وما المسوفات یا رسول اللّه؟ قال : المرأة التي یدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوفه حتی ینعس زوجها وینام فتلك لا تزال الملائكة تلعنها حتی یستیقظ زوجها»(1).

وقد عقد الكلیني (قدس سره) باباً في حق المراة علی زوجها : وهیتبین حقوق المولی علیه للولي وذكر فیه أخباراً:

11- موثقة إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : ما حق المرأة علی زوجها الذي إذا فعله كان محسنا ؟ قال : «یشبعها ویكسوها وإن جهلت غفر لها»، وقال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «كانت امرأة عند أبي (علیه السلام) تؤذیه فیغفر لها»(2).

12- مارواه الكلیني بسنده عن عمرو بن جبیر العزرمي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «جاءت امرأة إلی النبي (صلی اللّه علیه و آله) فسألته عن حق الزوج علی المرأة، فخبرها، ثم قالت: فما حقها علیه؟ قال: یكسوها من العری ویطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فلیس لها علیه

ص: 113


1- الكافي للكلیني باب كراهة أن تمنع النساء أزواجهن ج5 ص508 ح2.
2- نفسه باب حق المرأة علی الزوج ج5 ص510 ح1.

شيء غیر هذا ؟ قال : لا، قالت : لا و اللّه لا تزوجت أبدا، ثم ولت، فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : ارجعي فرجعت، فقال : إن اللّه (عزّ وجل) یقول : (وَ أَنْ یَسْتَعْفِفْنَ خَیْرٌ لَهُنَّ) (1) »(2).

وظاهرأن لسان هذین الخبرین لسان حق المولی علیه للولي فهي ترجع إلی الطائفة الرابعة وأما الاستعفاف فهو مطلوبلكن لا بالاعتزال عن الزواج. وقد عقد الشیخ الكلیني (قدس سره) بابا بعنوان : (ما یجب عن طاعة الزوج علی المرأة) وذكر أخباراً من هذه الطائفة.

14- معتبرة عبد اللّه بن سنان -علی الأصح - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «إن رجلا من الأنصار علی عهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلی امرأته عهدا ألا تخرج من بیتها حتی یقدم قال : وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلی النبي (صلی اللّه علیه و آله) فقالت : إن زوجي خرج وعهد إلی أن لا أخرج من بیتي حتی یقدم وإن أبي قد مرض فتأمرني أن أعوده ؟ فقال : رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : لا اجلسي في بیتك وأطیعي زوجك، قال: فثقل فأرسلت إلیه ثانیا بذلك، فقالت: فتأمرني أن أعوده؟ فقال: اجلسي في بیتك وأطیعي زوجك، قال: فمات أبوها

ص: 114


1- سورة النور، الآیة 60.
2- الكافي للكلیني باب حق المرأة علی الزوج ج5 ص510 ح1.

فبعثت إلیه أن أبي قد مات فتأمرني أن أصلی علیه ؟ فقال : لا اجلسي في بیتك وأطیعي زوجك، قال : فدفن الرجل فبعث إلیها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) إن اللّه قد غفر لك ولأبیك بطاعتك لزوجك»(1).

و هذا محمول علی الاستحباب أو أن الرجل كان متشدداً وبمخالفته تحصل فتنة، وإلا فلیس للزوج أن یمنع المرأة من صلة الأرحام وهو من العشرة بالمعروف نعم فیما لا ینافي حقه.

15- معتبرة أبي بصیر قال : سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول : «خطب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) النساء فقال : (یا معاشر النساء تصدقن ولو من حلیكن ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أكثر كن حطب جهنم إن كن تكثرن اللعن وتكفرن العشیرة، فقالت امرأة من بني سلیم لها عقل : یا رسول اللّه ألیس نحن الأمهات الحاملات المرضعات، ألیس منا البنات المقیمات والأخوات المشفقات فرق لها رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله) فقال : حاملات والدات مرضعات رحیمات، لولا ما یأتین إلی بعولتهن ما دخلت مصلیة منهن النار) »(2).

والطریق وإن أشتمل علی البطائني إلا أن روایته هذه قبل انحرافه

ص: 115


1- الكافي للكلیني باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص513 ح1.
2- الكافي للكلیني باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص513 ح2.

لأنه في أیام انحرفه قاطعته الشیعة وكون الرواي عنه أحد الأجلاء مثل علي بن الحكم الامامي دلیل علی أن الروایة عنه قبل انحرافه.

فمع هذا الدور الانساني العظیم لولا ما یأتین من المعاصي، فیلاحظ أن نظرة الشارع العظیمة مجانبة للنظرة الدونیة للمرأة فهي نظرة منصفة تبین القوة في المرأة كما تبیّن جهات الضعف فیها وكل ذلك للحذر عن استغلالها في الشرور أو انزلاقها فیه و هذا مخالفلمن یتعامل مع المرأة باسم حریة المرأة بحیث جعل قیمتها في بدنها لا في عقلها ولهذا تری المرأة مثلاً في الفضائیات والأعلام لا یستعمل عقلها لأنه لا یشتریه أحد من تلك الشعوب بفلس فهو غیر تجاري وغیر مربح إذ المربح فیها - بنظرتهم الدونیة - هو بدنها وجمالها وما إن تذهب نظارتها تلقی في الحضیض.

16- موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : (أیما امرأة خرجت من بیتها بغیر إذن زوجها فلا نفقة لها حتی ترجع) »(1).

وهذه لیست بصدد حق الزوج من الجانب الجنسي بأنه إذا لم تنافِ استمتاعاته الجنسية فإنه یصح لها الخروج ؛ إذ إن عقد النكاح الذي یقرّه

ص: 116


1- الكافي للكلیني باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص514 ح5.

العرف والعقلاء والشرع لیس مقتصرا في الحقوق علی الاستمتاع الجنسي بل لأمر آخر كسكون النفس إذ وجود المرأة في بیتها سكون نفسي للزوج ولهذا یستوحش الزوج بدون زوجته.

فنفس الكون في المنزل بل حتی لو لم یكن الزوج في البیت إذ بمجرد كون المرأة في بیته یوجب قرار نفسي له، هذا لو سلمنا صغرویاً أن الخبر بلحاظ المنافع وإلا فالخبر مطلق.

17- منها صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «لیس للمرأة أمر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبیر ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في زكاة أو بر والدیها أو صلة قرابتها»(1).

وقد اختلف في مفادها الفقهاء هل یشترط في هذه الامور أذن الزوج وممانعته تنفسخ أو فیما زاحم حقه وعلی أي فهو یدل علی قیمومة الزوج علی تصرفات زوجته.

18- ومنها ما رواه الشیخ الكلیني عن الجعفی، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «خرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) یوم النحر إلی ظهر المدینة علی جمل عاري الجسم فمر بالنساء فوقف علیهن، ثم قال : (یا معاشر النساء،

ص: 117


1- نفسه ح4.

تصدقن و أطعن أزواجكن فإن أكثركن في النار فلما سمعن ذلك بكین، ثم قامت إلیه امرأة منهن فقالت : یا رسول اللّه في النار مع الكفار ؟ ! و اللّه ما نحن بكفار فنكون من أهل النار، فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إنكن كافرات بحق أزواجكن) »(1).

وهذه الاخبار من الطائفة الرابعة الدالة علی أن قیمومة الزوج علی زوجته.

19- صحیح ابن أبي عمیر، عن غیر واحد، عن الصادق، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام)، قال: «شكا رجل من أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) نساءه، فقام (علیه السلام) خطیبا، فقال : (معاشر الناس، لا تطیعوا النساء علی حال، ولا تأمنوهن علی مال، ولا تذروهن یدبرن أمر العیال، فإنهن إن تركن وما أردن أوردن المهالك، وعدون أمر المالك، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند شهوتهن، البذخ لهن لازم وإن كبرن، والعجب بهن لا حق وإن عجزن، لا یشكرن الكثیر إذا منعن القلیل، ینسین الخیر ویحفظن الشر، یتهافتن بالبهتان، ویتمادین بالطغیان، ویتصدین للشیطان، فداروهن علی كل

ص: 118


1- الكافي للكلیني باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج5 ص514 ح3.

حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن یحسن الفعال) »(1).

والخبر صحیح أعلائي؛ لأن المراد من «وغیر واحد» : مشایخ ابن أبي عمیر وجلهم أجلاء ولیست هذه من مراسیله، وهو نص في عدم ولایتهن وقد تقدم جملة من الاخبار الصحیحة السند المعتبرة و ذلك لأن من خصائص القضاء والطاعة ثبوت الولایة وقد نهینا عن طاعتهن.

وفیها نهی بقوله (علیه السلام) : «معاشر الناس لا تطیعوا النساء علی حال» وبقوله: «و لا تأمنوهن علی مال، ولا تذروهن یدبرن أمر العیال»، فالنهي عن ادارتهن للبیت وشؤونه فیكون النهي عن ادارتهن لما هو أخطر كادارة المجتمع من باب أولی. فقوله: «وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عن شهوتهن، البذخ لهن لازم وإن كبرن، والعجب بهن لاحق وإن عجزن، لا یشكرن الكثیر إذا منعن القلیل، ینسین الخیر ویحفظن الشر، یتهافتن بالبهتان، ویتمادین بالطغیان، ویتصدین للشیطان، فداروهن علی كل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن یحسن الفعال» تعلیل للطائفة الرابعة بالطائفة الأولی الدالة علی ضعفهن ولیونتهن مما یوجب علیهن الحذر لكي لا یقعن في هذه المهالك.

ص: 119


1- الأمالي ص 274، علل الشرائع ج 2 - ص 512.

والغریب من بعض المعاصرین أنه ذهب إلی عدم تسریة احكام باب النكاح إلی باب الفقه السیاسي مع أنه إذا كانت الولایة الضعیفة لم تجعل للمرأة كولایة التدبیر في الأسرة والأحوال الشخصية بل جعلت مولی علیها ومدبر أمرها فلا تولاها لضعفها وغیره من خصائصها الطبیعیة فلئن لا تولی الامور السیاسیة الاجتماعية مما لا شك فیه ولا ریب.

هذا لو فرضنا أن مسألة الرجال قوامون علی النساء خاصة بالازواج وإلا فالدلالة مطابقیة علی المطلوب فهي عامة بلفظ المرأة والرجل أو النساء.

وقوله: «یردن المهالك» موافق للطائفة الثالثة من ضعف رأیهن.

وكما قلنا إن الشارع لما كانت وظیفته تربوية فإنه حینما یبین هذه الخصائص والنقائص لكي یتفاداها المبتلی بها وهكذا ما ورد في الاكراد وغیرهم فإنه یبین أن هذه الخصائص لابد من ملاحظتها والحذر منها وكل ذلك لأن الشارع لیس بصدد الإزدراء والذم وإنما هو بصدد حث هؤلاء القوم علی معالجة تلك الامور ببیان مقتضیاتها فإن لسان الشارع لسان الطبیب المرشد الذي لا یعلاج إلا بعد تشخیصه حالة المریض.

فالشارع بصدد أن البیئة المعینة تحمل هذا الموروث فیجب علی المبتلی مراعاتها حتی لا ینزلق في مهاویها، فالخطأ في الفهم عند بنی

ص: 120

البشر إنهم إذا رأوا نقصا اعتقدوا أنه التقدیر الذي لا یتغیر كما قد یتوهم ذلك أیضاَ من ما ورد من أن المرأة مثل الضلع الأعوج إن أقمته أنكسر وهكذا وما ورد : شر لابد منه، فإنه محمول علی طبیعة المرأة العاطفیة فلا یمكن ازالة أصل طبیعتها ومعنی أنها شر لابد منه أي أن خیرها أكثري و ذلك لأن الشر أكثریاً لا یكون لابد منه وإنما الذي لابد منه هو الخیر الأكثري غایة الأمر یلازم ویصاحب شر قلیل وإلا لو كان شرها أكثر فالمفروض تبعد وتقصي، فخیرها كثیر نظیر كونها ریحانه ومراح ومنها النسل وبها سكون النفس وغیر ذلك من المصالح والمنافع العظیمة.

فبیانات الشارع بیان لطبیعتها التكوینیة لما لها من تداعیات لابد من تفادیها من جهة الرجل والمرأة فالشارع في مقام العلاج وتفادي هذه السلبیات، وإلا فإنه قد ورد علی لسان الشارع: «حُبب لي من دنیاكم ثلاث»(1)، وورد: «كلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(2) وغیرها. فیعرف أن الشارع بصدد بیان الجهات القلیلة من الشر التي یجب تفادیه علی المرأة والرجل.

قوله: «العجب لهن لاحق» هو عدم الاتزان في الصفات العملیة.

ص: 121


1- وسائل الشیعة: ج أبواب آداب الحمام والتنظیف، ب 89 ص 144 ح 12.
2- المصدر نفسه، ج 20 أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ب 3 ص 21 - 22 ح 1.

وقوله: «لا یشكرن الكثیر إذا منعن القلیل» عد الاتزان في الصفات العملیة والعلمیة

وقوله: «ینسین الخیر ویحفظن الشر» و هذا من ضعف الرأي الموافق لطائفة الشهادة.

وقوله: «یتهافتن بالبهتان» فإذا تفادین هذه الظواهر نجینَ.

وقوله: «ویتصدین للشیطان» یعني سریعات للانزلاق لأبواب المعاصي.

وقوله: «داروهن علی كل حال» هذا العلاج فلا یتشدد معهن، لأن الشدة قسوة علیها فإن لهذه الطبائع السلبیة تداعیات فإذا لم تدبر ولم تنظم تنشط هذه التداعیات ولهذا یأتي العلاج بقوله (علیه السلام) : «وداروهن» واحسنوا إلیهن الفعال لا تحتدوا معهن في القول، و هذا موافقة للطائفة الرابعة (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ)، والنتیجة ایجابیة ولعلهن یحسن الفعال.

و هذا الخبر جمعَ كل الطوائف وهو لا یقصر عن لسان الاخبار النبویة: «لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»(1) بل لعل هذا الخبر أصرح فلا معنی لأشكال بعضهم : بأن هذا ارشاد إلی عدم حسن تولیة المرأة

ص: 122


1- صحیح البخاري ج5 ص136.

للأمور لا أنه منع وتحریم.

وإن كان هذا الاشكال غیر صحیح لان المفروض في الوالي أن یجعل وینصب بغایة تحصیل مصلحة الولایة والتدبیر فإذا كانت نتائجه سلبیة لم تؤهله سلبیاته لذلك.

و هذا الخبر یمكن أن یعترض علی دلالته بما ذكر بل أن ما تقدم من الاخبار التي منها لا تطیعوا النساء علی حال وغیرها أصرح منه.

وواضح أن من آثار الحاكمیة الطاعة فإذا لم تطع فكیف تقلد منصب الطاعة، أو قوله: ولا تأمنوهن علی مال " فإن الوالي من وظائفه حفظ الأمور فإذا لم تأمن علی الاموال كیف تدبر الأمور. وهذه أكثر نصوصیة ووضوحا.

وعدم ذكر الاعلام هذه الاخبار لعدم نقل صاحب الوسائل لها في باب القضاء وذكرها في باب العشرة والتتبع لازم في الفقه والاستنباط إذ الاعتماد علی تبویب صاحب الوسائل وتتبعه فیه مخاطر كثیرة لأن هذا كله اجتهاده واستنباطه ولایصح متابعته في استنباطاته إقتصاراً.

20- معتبرة أبي الجارود - الذي وإن كان زیدیا ملعونا إلا أن له وثاقة لسانیة - عن أبي جعفر، عن أبیه، عن جده (علیه السلام) قال : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «اتقوا شرار النساء وكونوا من خیارهن علی حذر،

ص: 123

إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن كیلا یطمعن منكم في المنكر»(1).

21- صحیح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «ذكر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) النساء فقال : اعصوهن في المعروف قبل أن یأمرنكم بالمنكر وتعوذوا باللّه من شرارهن وكونوا من خیارهن علی حذر»(2).

ومفادهما یدل علی عدم ولایتها وآمریتها لأنه لا یؤمن جانب المنكر منها فهذه من الاخبار التي بینت أن من خصوصیات النساء ما یتنافی مع الولایة وهذه الطائفة تندرج في لسان الطائفة الرابعة والثالثة وهو عدم متانة رأیهن.

22- موثقة مسعدة بن صدقة، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبیه (علیهما السلام) قال: «من اتخذ نعلا فلیستجدها، ومن اتخذ ثوبا فلیستنظفه، ومن اتخذ دابة فلسیتفرهها، ومن اتخذ امرأة فلیكرمها، فإنما امرأة أحدكم لعبته فمن اتخذها فلایضعها...» الحدیث(3).

فلیس إكرام المرأة بأن تجعل ادوارها كأدوار الرجل فهذه توصیات من الشارع بمعنی أن نعومتها ولیونتها العاطفیة تذهب بالتعكیر في الخلق

ص: 124


1- الأمالي (للصدوق) : ص282 ح 483.
2- وسائل الشیعة: ج أبواب مقدمات النكاح، باب 94 ص ح 1.
3- وسائل الشیعة: ج 5 أبواب أحكام الملابس، باب 32 ص 61 ح 4.

فبلیونتها تمتص اعباء التعب واللعبیة هي ما یسبب سرور الخاطر فهي تشارك في ترویح الرجل من هذه الزاویة فالمرأة فیها كمالات یحتاج إلیها الرجل وفي الرجل كمالات تحتاج إلیها المرأة، فالحزم من شؤون الرجل وفي موضوع الحزم یحتاج إلی الرجل فمن الوهم الكبیر أن نصور المرأة بأنها رجل تماماً أو الرجل امرأة تماماً أونتصور أن طبیعتهما واحدة حتی نجری ونوحد الاحكام بینهما و هذا غفلة وخلط بین هاتین الطبیعتین.

و هذا المفاد یندرج في الطائفة الرابعة من ولایة الرجل علی المرأة. ومن جهة أنها لعبة بمعنی ضعیفة ورقیقة فتندرج في الطائفة الأولی.

23- موثقة مسعدة، عن جعفر، عن آبائه (علیهم السلام) : «إن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قال: أصناف لا یستجاب لهم: منهم من ادان رجلا دینا إلی اجل فلم یكتبعلیه كتابا ولم یشهد علیه شهودا، ورجل یدعو علی ذي رحم ورجل تؤذیه امرأته بكل ما تقدر علیه، وهو في ذلك یدعو اللّه علیهاویقول: اللّهم أرحني منها. فهذا یقول اللّه له: عبدي، أوما قلدتك أمرها، فإنشئت خلیتها، وإن شئت أمسكتها...» الحدیث(1).

فقوله: «قلدتك أمرها» دال علی أن المرأة مولی علیها وتقلید أمرها

ص: 125


1- وسائل الشیعة: ج 7 أبواب الدعاء، باب 50 ص 127 ح 7.

بید الرجل، فبیده الطلاق وغیره من شؤونها فهي تندرج في الطائفة الرابعة.

24- ما رواه الشیخ بسنده: أن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال : «إن أكمل المؤمنین إیمانا أحسنهم خلقا، وخیاركم خیاركم لنسائه»(1).

فمفاده رعایة الزوج أي ولایة الزوج علی زوجته.

25- موثقة غیاث، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «إن المرأة خلقت من الرجل وإنما همتها في الرجال فأحبوا نساءكم، وإن الرجل خلق من الأرض فإنما همته في الأرض»(2).

و هذا المضمون مستفیض في الاخبار وهو یدل علی تبعیة المرأة للرجل ومنشأ كون الرجال قوامین علی المرأة.

26- ومنها ما رواه الشریف الرضي، عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) إنه قال: «معاشر الناس، إن النساء نواقص العقول، فأما نقصان إیمانهن فقعودهن عن الصلاة والصیام في أیام حیضهن، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتین منهن كشهادة الرجل واحد، وأما نقصان حظوظهن فمواریثهن علی الانصاف من مواریث الرجال، فاتقوا شرار النساء

ص: 126


1- الأمالي (للطوسي) : ص393 ح 227.
2- علل الشرائع باب 245 ح1.

وكونوا من خیارهن علی حذر، ولا تطیعوهن في المعروف حتی لا یطمعن في المنكر»(1).

ومضمونه مطابق للطائفة الثالثة وهي نواقص عقول ومضمون الطائفة الخامسة وهي نقص الحظوظ فإنه (علیه السلام) جعل هاتین الطائفتین تفید مضمون الطائفة الرابعة فقال (علیه السلام) : «فاتقوا شرار النساء وكونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن في المعروف فیطمعن في المنكر».

27- مصحح خلد بن نجیح عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : تذاكروا الشوم عند أبي عبد اللّه (علیه السلام) فقال: «الشوم في ثلاث: في المرأة والدابة والدارفأما شوم المرأة فكثرة مهرها وعقم رحمها»(2).

فثبوت عقوق الزوجة لزوجها دال اقتضاءا علی أن له ولایة علیها وهو مفاد الطائفة الرابعة.

28- روایة أنس بن محمد، عن أبیه، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (علیهم السلام)قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) في وصیته لي: یا علي، أربعة من قواصم الظهر: إمام یعصي اللّه ویطاع أمره، وزوجة یحفظها زوجها وهي تخونه، وفقر لا یجدصاحبه له

ص: 127


1- سائل الشیعة: ج 2 أبواب الحیض، ب 39 ص 344 ح 4.
2- سائل الشیعة: ج 2 أبواب مقدمات النكاح، باب 51 ص 53 ح 2.

مداویا،وجار سوء في دار مقام) »(1).

وهي دالة أیضا علی أن حفظ الزوجة وتدبیر شؤونها من مسؤولیة الزوج فهو مولی علیها.

29- موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : من أطاع امرأته أكبه اللّه علی وجهه في النار، قیل: وما تلك الطاعة؟ قال: تطلب منه الذهاب إلی الحمامات والعرسات والعیدات والنیاحات والثیاب الرقاق»(2).

وهذه لها عدة طرق في هذا الباب.

ولا یتوهم حمل الطاعة في الروایات التي تقدمت بالنهي عن طاعة المرأة خاصة بهذه الأمور فیحمل المطلق علی هذا المقید؟ و ذلك للتصریح في كثیر منها بعدم طاعتهن في المعروف فضلاً عن مطلق المنكر لا خصوص الأربعة.

30- روایة الحسین بن یزید، عن الصادق عن أبائه (علیهم السلام) أن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «ونهی أن تخرج المرأة من بیتها بغیر إذن زوجها، فإن خرجت لعنها كل ملك في السماء وكل شئ تمر علیه من الجن والإنس حتی

ص: 128


1- الخصال للصدوق باب الاربعة ح24.
2- الكافي للكلیني باب ترك طاعتهن ج5 ص517 ح3.

ترجع إلی بیتها. ونهی أن تتزین المرأة لغیر زوجها، فإن فعلت كان حقا علی اللّه عز وجل أن یحرقها بالنار. ونهی أن تتكلم المرأة عند غیر زوجها وغیر ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لابد لها منه. ونهی أن تحدث المرأة بما تخلو به مع زوجها»(1).

و ذلك باعتبار أنها فریسة یطمع في أنوثتهاحتی في حدیثها فإن كثرة الحدیث یسقط جدار الحشمة كما في قوله تعالی :«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ».

31- ما رواه الصدوق عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «ونهی أن یدخل الرجل حلیلته إلی الحمام»(2).

32- ما رواه الصدوق عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «أیما امرأة آذت زوجها بلسانها لم یقبل اللّه منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتی ترضیه وإن صامت نهارها وقامت لیلها وأعتقت الرقاب وحملت علی جیاد الخیل في سبیل اللّه وكانت أول من یرد النار، وكذلك الرجل إذا كان لها ظالما»(3).

ص: 129


1- الأمالي (للصدوق) : ص 510 في حدیث المناهي.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.

33- ما رواه الصدوق عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «ألا ومن صبر علی خلق امرأة سیئة الخلق واحتسب في ذلك الاجر أعطاه اللّه ثواب الشاكرین في الآخرة، ألا وأیما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته علی ما لا یقدر علیه وما لا یطیق لم تقبل منها حسنة وتلقی اللّه وهو علیها غضبان»(1).

34- مصحح علي بن جعفر، عن أخیه (علیه السلام) قال :«سألته عن المرأة العاصیة لزوجها هل لها صلاة وما حالها ؟ قال : لا تزال عاصیة حتی یرضي عنها»(2).

34- مصحح علي بن جعفر، علی عن أخیه (علیه السلام) قال : وسألته عن المرأة هل لها أن تعطی من بیت زوجها بغیر إذنه ؟ قال : «لا، إلا أن یحلها»(3).

فهذه كلها تدل علی أن المرأة مولی علیها فتندرج في الرابعة.

35- معتبرة ضریس، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «إن اللّه (تبارك وتعالی) جعل الشهوة عشرة أجزاء تسعة منها في النساء وواحدة فی

ص: 130


1- الأمالي (للصدوق) : ص 510 في حدیث المناهي.
2- قرب الإسناد: ص 226 ح 884.
3- المصدر نفسه، ح 885.

الرجال، ولولا ما جعل اللّه (عزّ وجل) فیهن من أجزاء الحیاء علی قدر أجزاء الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به»(1).

36- مارواه الراوندي باسناده، عن موسی بن جعفر، عن آبائه (علیهم السلام) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : (اضربوا النساء علی تعلیم الخیر) » (2).

37- صحیح محمد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام) قال : «جاءت امرأة إلی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فقالت : یا رسول اللّه، ما حق الزوج علی المرأة ؟ فقال لها : تطیعه ولا تعصیه ولا تتصدق من بیته بشيء إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا باذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیته إلا باذنه، فان خرجت بغیر إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها. فقالت: یا رسول اللّه، من أعظم الناس حقا علی الرجل؟ قال: والده، قالت: فمن أعظم الناس حقا علی المرأة؟ قال: زوجها. قالت: فما لي علیه من الحق مثل ما له علی؟ قال: لا، ولا من كل مائة واحد. فقالت : والذي بعثك بالحق لا یملك رقبتیي رجل أبدا»(3).

ص: 131


1- الخصال للصدوق باب العشرة ح28.
2- نوادر الراوندي ص118.
3- الكافي للكلیني باب حق الزوج علی المرأة ج5 ص507 ح1.

38- ما رواه العلامة المجلسي وقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : «إني أتعجب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولی منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فیه القصاص، ولكن اضربوهن بالجوع والعري حتی تربحوا في الدنیا والآخرة، وأیما رجل تتزین امرأته وتخرج من باب دارها فهو دیوث ولا یأثم من یسمیه دیوثا. والمرأة إذا خرجت من باب دارها متزینة متعطرة والزوج بذلك راض یبنی لزوجها بكل قدم بیت في النار. فقصروا أجنحة نسائكم ولا تطولوها فإن في تقصیر أجنحتها رضی وسرورا ودخول الجنة بغیر حساب، احفظوا وصیتی في أمر نسائكم حتی تنجوا من شدة الحساب، ومن لم یحفظ وصیتي فما أسوء حاله بین یدي اللّه». وقال (صلی اللّه علیه و آله) : «النساء حبائل الشیطان»(1).

39- ما رواه الصدوق، قال: خطب النبي (صلی اللّه علیه و آله) فقال : «یا أیها الناس، إن النساء عندكم عوار لا یملكن لأنفسهن ضرا ولا نفعا أخذتموهن بأمانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمات اللّه، فلكم علیهن حق، ولهن علیكم حق، ومن حقكم علیهن أن لا یوطؤوا فرشكم ولا یعصینكم في معروف، فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا

ص: 132


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 249.

تضربوهن»(1).

40- منها مارواه الصدوق بسند معتبر علی الأصح، عن أبي عبد اللّه عن آبائه (علیهم السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «جهاد المرأة حسن التبعل»، وقال : «لتطیب المرأة المسلمة لزوجها»(2).

41- معتبرة عبد العظیم الحسنی، عن محمد بن علي الرضا، عن أبیه الرضا، عن أبیه موسی بن جعفر، عن أبیه جعفر بن محمد، عن أبیه محمد بن علي، عن أبیه علي بن الحسین، عن أبیه الحسین بن علي، عن أبیه أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام) قال: «دخلتُ أنا وفاطمة علی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فوجدته یبكی بكاءً شدیدا، فقلت: فداك أبي وأمي یا رسول اللّه ! ما الذي أبكاك ؟ فقال: یا علي، لیلة أسری بي إلی السماء رأیت نساء من أمتي في عذاب شدید فأنكرت شأنهن فبكیت لما رأیت من شدة عذابهن، ورأیت امرأة معلقة بشعرها یغلی دماغ رأسها، ورأیت امرأة معلقة بلسانها والحمیم یصب في حلقها، ورأیت امرأة معلقة بثدییها، ورأیت امرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها، ورأیت امرأة قد شد رجلاها إلی یدیها وقد سلط

ص: 133


1- الخصال: ص468.
2- الخصال: ص621 في حدیث الاربعمائة

علیها الحیّات والعقارب، ورأیت امرأة صمّاء عمیاء خرساء في تابوت من نار یخرج دماغ رأسها من منخرها، وبدنها متقطع من الجذام والبرص، ورأیت امرأة معلقة برجلیها تنور من نار، ورأیت امرأة تقطع لحم جسدها من مقدمها ومؤخرها بمقاریض من نار، ورأیت امرأة تحرق وجهها ویداها وهي تأكل أمعائها، ورأیت امرأة رأسها رأس الخنزیر وبدنها بدن الحمار وعلیها ألف ألف لون من العذاب، ورأیت امرأة علی صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فیها و الملائكة یضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار فقالت فاطمة (علیها السلام): حبیبي وقرّة عیني، أخبرني ما كان عملهن وسیرتهن حتی وضع اللّه علیهن هذا العذاب!! فقال: یا بنیتي، أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال، وأما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها، وأما المعلقة بثدییها فإنها تمتنع من فراش زوجها، وأما المعلقة برجلیها فإنها كانت تخرج من بیتها بغیر اذن زوجها، وأما التي تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزین بدنها للناس، والتي شد یداها إلی رجلیها وسلط علیها الحیّات والعقارب فإنها كانت قذرة الوضوء قذرة الثیاب وكانت لا تغتسل من الجنابة والحیض ولا تتنظف وكانت تستهین بالصلاة، وأما الصماء العمیاء

ص: 134

الخرساء فإنهاكانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها وأما التي تقرض لحمهابالمقاریض فإنها كانت تعرض نفسها علی الرجال وأما التي كانت تحرق وجههاوبدنها وتأكل أمعائها فإنها كانت قوّادة وأما التي كان رأسها رأسالخنزیر وبدنها بدن الحمار فإنها كانت نمامة كذابة وأما التي كانت علی صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فیها فإنها كانت قینة نواحة حاسدة ثم قال (علیه السلام): ویل لامرأة أغضبت زوجها وطوبی لامرأة رضی عنهازوجها»(1).

42- معتبرة سعد الجلاب، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «إن اللّه تعالی لم یجعل الغیرة للنساء، إنما تغار المنكرات منهن، فاما المؤمنات فلا، وإنما جعل اللّه تعالی الغیرة للرجال لأن اللّه قد أحل تعالی له أربعا، وما ملكت یمینه ولم یجعل للمرأة إلا زوجها وحده، فان بغت معه غیره كان زانیة»(2).

43- ما في تفسیر القمي: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّه بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (3)، یعني فرض اللّه

ص: 135


1- عیوان أخبار الرضا(علیه السلام) : ج1 ص13 ح24.
2- علل الشرائع: ب272 ح1.
3- النساء: 34.

علی الرجال أن ینفقوا علی النساء ثم مدح النساء فقال: (فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّه)، یعني تحفظ نفسها إذا غاب عنها زوجها، وفي روایة أبي الجارود، عن أبي جعفر (علیه السلام) في قوله (قانِتاتٌ) «أي مطیعات»(1).

44- منها صحیح الولید بن صبیح، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «أي امرأة تطیبت ثم خرجت من بیتها فهي تلعن حتی ترجع إلی بیتها متی رجعت»(2).

45- موثقة أو قویة موسی بن بكر، عن أبي إبراهیم (علیه السلام) قال: «جهاد المرأة حسن التبعل»(3).

46- معتبرة سلمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) : «أن قوما أتوا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فقالوا: یا رسول اللّه إنا رأیناأناسا یسجد بعضهم لبعض فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : لو أمرت أحدا أن یسجد لأحد لأمرتالمرأة أن تسجد لزوجها»(4).

ص: 136


1- تفسیر القمي: ص137.
2- ثواب الأعمال للصدوق عقاب الشك والمعصیة ص259.
3- الكافي: كتاب الجهاد ج5 ص9 ب وجوب الجهاد ح1.
4- الكافي: باب حق الزوج علی المرأة ج5 ص 506 ح 6.

47- ما رواه الطبرسي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من صبر علی سوء خلق امرأته أعطاه اللّه من الاجر ما أعطاه داود (علیه السلام) علی بلائه، ومن صبرت علی سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسیة بنت مزاحم»(1).

و هذا الباب هو مضمون روایات الكافي ومعزز ومثبّت لاستفاضتها فكون بعض ما مر ضعیف السند یجبره تكاثرها ویعضد بعضها بعضا فتولد وثوق بالصدور وتصب في الدلالة علی قیمومة الزوج للزوجة.

48- صحیحة معاویة بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول: «انصرف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) من سریة قد كان أصیب فیها ناس كثیر من المسلمین، فاستقبلته النساء یسألنه عن قتلاهن، فدنت منه امرأة. فقالت: یا رسول اللّه، ما فعل فلان؟ قال: وما هو منك؟ قالت: أبي قال: احمدي اللّه واسترجعي فقد استشهد، ففعلت ذلك، ثم قالت: یا رسول اللّه ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منك؟ فقالت أخي، فقال: احمدي اللّه واسترجعي فقد استشهد، ففعلت ذلك، ثم قالت: یا رسول اللّه، ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منك؟ فقالت: زوجي، قال: احمدي اللّه واسترجعي فقد استشهد، فقالت : واویلی. فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : ما

ص: 137


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 247 ح 30.

كنت أظن أن المرأة تجد بزوجها هذا كله حتی رأیت هذه المرأة»(1).

49- ما رواه الطبرسي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «كان إبراهیم أبي غیورا و أنا أغیر منه، وأرغم اللّه أنف من لا یغار من المؤمنین»(2).

50- ما رواه المجلسي عن جامع الأخبار عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من قذف امرأته بالزنا خرج من حسناته كما تخرج الحیة من جلدها، وكتب له بكل شعرة علی بدنه ألف خطیئة»(3).

51- ما رواه الطبرسي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «لا تقذفوا نساءكم بالزنا فإنه شبه بالطلاق، وإیاكم والغیبة فإنها شبه بالكفر، و اعلموا أن القذف والغیبة یهدمان عمل مائة سنة»(4).

52- ما رواه الطبرسي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال: «من قذف امرأته بالزنا نزلت علیه اللعنة ولا یقبل منه صرف ولا عدل»(5).

53- ما رواه الطبرسي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال : «لا یقذف امرأته إلا

ص: 138


1- الكافي: ج5 باب حق الزوج علی المرأة ص 506 ح 1.
2- بحار الأنوار: ج 100 ص 248 ح 33.
3- المصدر نفسه، ح 34.
4- المصدر نفسه، ح 35.
5- المصدر نفسه، ح 36.

ملعون أو قال : منافق، فإن القذف من الكفر والكفر في النار، لا تقذفوا نساءكم فإن في قذفهن ندامة طویلة وعقوبة شدیدة»(1).

و هذا المفاد بمثابة تحذیر الرجل عن التمادي في استغلال موقعه ومقامه لظلم المرأة.

54- ما رواه المجلسي عن نوادر الراوندي باسناده عن موسی بن جعفر، عن آبائه (علیهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : (اضربوا النساء علی تعلیم الخیر) »(2).

فمن شعب القیّومیة هو تولیته تربیتها اخلاقیاً في محیط الجو الأسري.

55- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد نفسه، قال: «إن فاطمة دخل علیها علي بن أبي طالب (علیه السلام) وبه كآبة شدیدة فقالت فاطمة (علیها السلام) : یا علي ما هذه الكآبة ؟ فقال علی (علیه السلام) سألنا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) عن المرأة ما هي ؟ فقلنا عورة، فقال فمتی تكون أدنی من ربها ؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلي (علیه السلام) : ارجع إلیه فأعلمه أن أدنی ما تكون من ربها أن تلزم قعر بیتها، فانطلق فأخبر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) ما

ص: 139


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 249 ح 37.
2- المصدر نفسه، ح 39.

قالت فاطمة (علیها السلام)، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إن فاطمة بضعة مني»(1).

و هذا مفاد آیة الحجاب الذي تقدم تقریب دلالتها وأما قوله (علیه السلام) : «فلم ندر» فبحسب ظاهر الحال وحال الآخرین وبغیة ظهور شأن فاطمة سلام اللّه علیها و أن حالهم (علیهم السلام) علی حسب مراتب أبدانهم ونفوسهم النازلة یختلف عن شأنهم بحسب مراتب نورهم (علیهم السلام) والاشارة إلی هذا الاختلاف كثیر في الروایات.

56- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد نفسه: قال علي (علیه السلام) : «أقبلت امرأة إلی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فقالت : یا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) إن لي زوجا وله علی غلظة وإنی صنعت به شیئا لأعطفه علي فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أفٍّ لك كدرت دینك، لعنتك الملائكة الأخیار، لعنتك ملائكة السماء (لعنتك) ملائكة الأرض فصامت نهارها وقامت لیاليها ولبست المسوح ثم حلقت رأسها فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إن حلق الرأس لا یقبل منها إلا أن یرضی الزوج»(2).

ص: 140


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 40.
2- المصدر نفسه، ح 41.

57- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد نفسه: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «إنما المرأة لعبة فمن اتخذها فلیبضعها»(1).

والاتخاذ دال علی تملكه أمرها في الجملة.

58- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد نفسه: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله): «النساء عورة احبسوهن في البیوت و استعینوا علیهن بالعري»(2).

و هذا مما یقتضي قیمومته علیها.

59- روایة أبي عبیدة الحذاء، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، قال: «أتی النبي (صلی اللّه علیه و آله) بأساری فأمر بقتلهم خلا رجل من بینهم، فقال الرجل: بأبي أنت وأمي - یا محمد - كیف أطلقت عني من بینهم؟ فقال: أخبرني جبرئیل عن اللّه (عزّ وجل) أن فیك خمس خصال یحبها اللّه عز وجل ورسوله : الغیرة الشدیدة علی حرمك، والسخاء، و حسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم و حسن إسلامه، وقاتل مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قتالا شدیدا حتی استشهد»(3).

وفي روایة قال (صلی اللّه علیه و آله) : «إن الغیرة من الایمان»(4).

ص: 141


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 42.
2- المصدر نفسه، ح 43.
3- الأمالي (للصدوق) : ص 435 ح 417.
4- من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 444 ح 4541.

وفي روایة: «غیرة المرأة كفر وغیرة الرجل إیمان»(1).

فغیرة الرجل علی امرأته تقتضي اشرافه علیها وتولّیه تدبیر شؤونها.

60- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد المتقدم: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «كتب اللّه الجهاد علی رجال أمتي والغیرة علی نساء أمتي فمن صبر منهم واحتسب أعطاه أجر شهید»(2).

وكتب بمعنی ابتلی واختصاص الرجل بالجهاد الذي هو من الشأن العام دون المرأة.

61- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد نفسه: قال علي (علیه السلام) : «أتی النبي (صلی اللّه علیه و آله) رجل من الأنصار بابنة له فقال: یا رسول اللّه إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري فضربها فأثر في وجهها فأقیده لها ؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : لك ذلك فأنزل اللّه تعالی قوله: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أردت أمرا وأراد اللّه تعالی غیره»(3).

واختلاف الارادتین اشارة إلی تعدد مراتب الارادة الالهیة نظیر

ص: 142


1- خصائص الأئمة: ص100.
2- بحار الأنوار: ج 100 ص 251 ح 45.
3- المصدر نفسه، ص 252 ح 46.

القضاء والقدر وحصول البداء أو البداء الأعظم.

62- ما رواه المجلسي عن الراوندي بالاسناد المتقدم: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «أیما رجل رأی في منزله شیئا من الفجور فلم یغیر بعث اللّه تعالی طیرا أبیض یظل علیه أربعین صباحا فیقول كلما دخل وخرج غیر غیر فإن غیر وإلا مسح رأسه بجناحیه علی عینیه، فإن رأی حسنا لم یستحسنه وإن یری قبیحا لم ینكره»(1).

وتولیة الرجل التغییر تقتضي قیمومته في الاسرة علی المرأة.

63- صحیحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : النساء عي وعورة فاستروا العورات بالبیوت واستروا العي بالسكوت»(2).

ومفاده مطابق لمفاد الطائفة الأولی من الآیات.

64- روایة أبي المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «سألَتْ أم سلمة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقال (صلی اللّه علیه و آله) : ما من امرأة رفعت من بیت زوجها شیئا من موضع إلی موضع ترید به صلاحا إلا نظر اللّه إلیها، ومن نظر اللّه إلیه لم یعذبه. فقالت

ص: 143


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 251 ح 47.
2- الكافي: ج 5 باب الغیرة ص 535 ح 4.

أم سلمة: زدني في النساء المساكین من الثواب بأبي أنت وأمي. فقال: یا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت كان لها من الاجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبیل اللّه (عزّ وجل)، فإذا وضعت قیل لها: قد غفر لك ذنبك فاستأنفي العمل، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحریر رقبة من ولد إسماعیل»(1).

و هذا النوع من الاخبار فیه دلالة واضحة علی أن منشأ ولایة الرجل علی المرأة هو ضعف المرأة وكون بدنها فتنة.

65- روایة تحف العقول: من وصیة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لابنه الامام الحسن المجتبی (علیه السلام) : «وإیاك ومشاورة النساء فإن رأیهن إلی أفن وعزمهن إلی وهن واكفف علیهن من أبصارهن بحجبك إیاهن فإن شدة الحجاب خیر لك ولهن ولیس خروجهن بأشد من إدخالك من لا یوثق به علیهن وإن استطعت أن لا یعرفن غیرك فافعل ولا تمك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها و أرخی لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فتمیل مغضبة علیك معها، ولا تطل

ص: 144


1- الأمالي (للطوسي) : ص 612 ح9.

الخلوة مع النساء فیملنك أو تملهن. واستبق من نفسك بقیة من إمساكك فان إمساكك عنهن وهن یرین أنك ذو اقتدار خیر من أن یظهرن منك علی انتشار وإیاك والتغایر في غیر موضع غیرة فإن ذلك یدعو الصحیحة منهن إلی السقم ولكن أحكم أمرهن، فإن رأیت ذنبا فعاجل النكیر علی الكبیر والصغیر...»(1).

ومضمون هذا الخبر یحوي مفاد عدة طوائف متقدمة فقوله (علیه السلام) : «واكفف علیهن من أبصارهن بحجابك إیاهن فان شدة الحجاب أبقی علیهن، ولیس خروجهن بأشد من إدخالك من لا یوثق به علیهن، وإن استطعت أن لا یعرفن غیرك فافعل».

و هذا مضمون طائفة الحجاب وهو یبیّن كونها فریسة تنتهز وتصطاد برمق العین بنظرة تخدع توقع في هتك عرضها فالحجاب هو أن لا توضع أمام الرجال لأنها دوماً فریسة وضحیة ولهذا قال (علیه السلام) : «إن شدة الحجاب أبقی علیهن» والمراد بالخروج هو الذي تكون فیه المرأة في معرض الرجال لا صرف الخروج و هذا لیس سجناً وحبساً بل المرأة لها أن تنطلق في مجالاتها النسویة أومع مراعاة الحجاب فهو لا مانع منه فالتشریع الأسلامي لا یحضر علی المرأة التواجد الحیوي في مجال

ص: 145


1- تحف العقول: ص 86 - 87.

السیاسة والعلم كما فعلته السیدة خدیجة (سلام اللّه علیها) من الاتجار وغیره والادوار السیاسیة التي قامت بها سید النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام) وابنتها زینب (سلام اللّه علیها) وإنما یحضر ویمنع من البئیة الإثاریة الجنسية التي تهدم الاسرة وتفسد الأولاد فالشراع علی الدوام ینهی عن التبرج ونحوه ویأمر بالحجاب ولیس حبساً لها كما یصورها العلمانیون والحداثویون لأنهم نظروا إلی المرأة كجسد یتمتع بها ویأخذ منه اللذات ولم یرع فیها الجانب الروحي والفكري بخلاف نظرة الشارع لها وللمجتمع فهو یقیها وینشلها من البیئة الجنسية الهدامة التي همها الإنفلاتيالارتباط ببدنها وجمالها بل یراعي بدنها ویوفر له الأمان أولاً وثانیا لا یحصر دورها بالارتباطات البدنية بل یقیّمها بالارتباط العلمي... فالشارع یرفعها عن الانزلاق في البیئة المثیرة الجنسية الهدامة ویقرر ویثبت البیئة النظیفة الطاهرة.

وقوله (علیه السلام) : «رأیهن إلی أفن» مضمون الطائفة الثالثة، وهذه الخطابات إلی الرجل فهو المولی علیها والقائم بشؤونها، وهو مضمون الطائفة الرابعة وكذا قوله (علیه السلام) : «و لا تملك من أمرها ما یجاوز نفسها».

66- مصحح یونس بن یعقوب، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه، وسعیدة سعیدة امرأة تكرم زوجها

ص: 146

ولا تؤذیه وتطیعه في جمیع أحواله»(1). ومفاده من الطائفة الرابعة:

67- روایة الكراجكي: من كلام أمیر المؤمنین (صلوات اللّه علیه وآله) في ذكر النساء : «إیاك ومشاورة النساء إلا من جربت بكمال عقلها فإن رأیهن یجر إلی الأفن وعزمهن إلی وهن وقصر علیهن أجنحتهن فهو خیر لهن ولیس خروجهن باشد علیك من دخول من لا یوثق به علیهن وان استطعت ان لا یعرفن غیرك فافعل لا تملك المراة امرها ما یجاوز نفسها فإن ذلك أنعم لبالها وبالك وإنما المراة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تطعها ان تشفع لغیرها ولا تطیلن الخلوة مع النساء فیمللنك وتملهن واستبق من نفسك بقیة وإیاك والتغایر في غیر موضع غیره فإن ذلك یدعو الصحیحة إلی السقم وان رأیت منهن ریبة فعجل النكیر وأقل الغضب علیهن الا في عیب أو ذنب».

وقال: «لا تطلعوا النساء علی حال ولا تأمنوهن علی مال ولا تثقوا بهن في الفعال فإنهن لا عهد لهن عند عامدهن ولا ورع لهن عند حاجتهن ولا دین لهن عند شهوتهن یحفظن الشر وینسین الخیر فالطفوا لهن علی كل حال لعلهن یحسن الفعال»(2).

ص: 147


1- كنز الفوائد(للكراجكي) : ص63.
2- كنز الفوائد: ص66.

والاستثناء بقوله: «إلا في عیب أو ذنب» دال علی عدم امتناع تكامل المرأة رغم أن طبیعتها في الخلقة الاولیة مفطورة لوظائفها الخاصة في التربیة وخدمة الاسرة داخلیاً.

68- روایة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أوصاني جبرئیل (علیه السلام) بالمرأة حتی ظننت أنه لا ینبغی طلاقها إلا من فاحشة مبینة»(1).

فالطلاق الذي بید الرجل فرع تملك أمرها.

69- روایة شهاب بن عبد ربه قال: قلت له: ما حق المرأة علی زوجها؟ قال: «یسد جوعتها ویستر عورتها ولا یقبح لها وجها فإذا فعل ذلك فقد و اللّه أدی إلیها حقها». قلت : فالدهن؟ قال: «غبا یوما ویوما لا». قال: قلت: فاللحم ؟ قال : «في كل ثلاثة أیام مرة، في الشهر عشر مرات لا أكثر من ذلك»، قلت: فالصغ؟ قال: «في كل ستة أشهر، ویكسوها في كل سنة أربعة أثواب ثوبین للشتاء وثوبین للصیف، ولا ینبغي أن تقفر بیتك من ثلاثة أشیاء: الخل والزیت ودهن الرأس، وقوتهن بالمد فاني أقوت عیالي بالمد، ولیقدر كل انسان

ص: 148


1- الكافي: ج 5 باب حق المرأة علی الزوج، ص 512 ح 6.

منهم قوته فان شاء اكله وان شاء وهبه وان شاء تصدق به، ولا یكون فاكهة عامة إلا أطعم عیاله منها، ولا یدع أن یكون للعیدین من عیدهم فضلا من الطعام ان ینیلهم من ذلك شیئا لا ینیلهم في سائر الأیام»(1).

ومفاده تولیه شأن المرأة، وهذه تصب في مفاد الطائفة الرابعة وهي ولایة الرجل علی المرأة.

وقد أورد المجلسي (قدس سره) باباً تحت عنوان (جوامع احكام النساء ونوادرها) وذكر أخباراً، منها:

70- روایة جابر بن یزید الجعفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (علیهم السلام) یقول : «لیس علی النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة، ولا جماعة، ولا عیادة المریض، ولا اتباع الجنائز، ولا إجهار بالتلبیة، ولا الهرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر الأسود، ولا دخول الكعبة، ولا الحلق إنما یقصرن من شعورهن، ولا تولي المرأة القضاء، ولا تولي الامارة، ولا تستشار، ولا تذبح إلا من اضطرار، وتبدء في الوضوء بباطن الذراع و الرجل بظاهره، ولا تمسح كما یمسح الرجال بل علیها أن تلقي الخمار من موضع مسح

ص: 149


1- تهذیب الأحكام: ج 7 ص 457 - 458 ح 38.

رأسها في صلاة الغداة والمغرب، وتمسح علیه وفي سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح علی رأسها من غیر أن تلقی عنها خمارها فإذا قامت في صلاتها ضمت رجلیها و وضعت یدیها علی صدرها، وتضع یدیها في ركوعها علی فخذیها، وتجلس إذا أرادت السجود سجدت لاطئة بالأرض، وإذا رفعت رأسها من السجود جلست ثم نهضت إلی القیام، وإذا قعدت للتشهد رفعت رجلیها وضمت فخذیها، وإذا سبحت عقدت بالأنامل لأنهن مسؤولات، وإذا كانت لها إلی اللّه عز وجل حاجة صعدت فوق بیتها وصلت ركعتین وكشفت رأسها إلی السماء فإنها إذا فعلت ذلك استجاب اللّه لها ولم یخبها، ولیس علیها غسل الجمعة في السفر، ولا یجوز لها تركه في الحضر، ولا یجوز شهادة النساء في شئ في الحدود، ولا یجوز شهادتهن في الطلاق، ولا في رؤیة الهلال، وتجوز شهادتهن فیما لا یحل للرجل النظر إلیه، ولیس للنساء من سروات الطریق شيء ولهن جنبتاه، ولا یجوز لهن نزول الغرف، ولا تعلم الكتابة، ویستحب لهن تعلم المغزل، وسورة النور، ویكره لهن تعلم سورة یوسف، وإذا ارتدت المرأة عن الاسلام استتیبت، فإن تابت وإلا خلدت في السجن، ولا تقتل كما یقتل الرجل إذا ارتد، ولكنها تستخدم خدمة شدیدة، وتمنع من

ص: 150

الطعام والشراب إلا ما تمسك به نفسها، ولا تطعم إلا جشب الطعام ولا تكسی إلا غلیظ الثیاب وخشنها، وتضرب علی الصلاة و الصیام، ولا جزیة علی النساء، وإذا حضر ولادة المرأة وجب إخراج من في البیت من النساء كیلا یكن أول ناظر إلی عورتها، ولا یجوز للمرأة الحائض ولا الجنب الحضور عند تلقین المیت لان الملائكة تتأذی بهما، ولا یجوز لهما إدخال المیت قبره، و إذا قامت المرأة من مجلسها فلا یجوز للرجل أن یجلس فیه حتی یبرد، وجهاد المرأة حسن التبعل وأعظم الناس حقا علیها زوجها، وأحق الناس بالصلاة علیها إذا ماتت زوجها، ولا یجوز للمرأة أن تنكشف بین یدي الیهودیة والنصرانیة، لأنهن یصفن ذلك لأزواجهن، ولا یجوز لها أن تتطیب إذا خرجت من بیتها، ولا یجوز لها أن تتشبه بالرجال لان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) لعن المتشبهین من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولا یجوز للمرأة أن تعطل نفسها ولو أن تعلق في عنقها خیطا، ولا یجوز أن تری أظافیرها بیضاء، ولو أن تمسحها بالحناء مسحا، ولا تخضب یدیها في حیضها لأنه یخاف علیها الشیطان، وإذا أرادت المرأة الحاجة وهي في صلاتها صفقت بیدیها والرجل یومي برأسه وهو في صلاته ویشیر بیده و یسبح، ولا یجوز

ص: 151

للمرأة أن تصلي بغیر خمار إلا أن تكون أمة فإنها تصلی بغیر خمار مكشوفة الرأس، و یجوز للمرأة لبس الدیباج والحریر في غیر صلاة وإحرام، وحرم ذلك علی الرجال إلا في الجهاد، ویجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فیه، وحرم ذلك علی الرجال [إلا في الجهاد]، قال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : (یا علي لا تتختم بالذهب فإنه زینتك في الجنة، ولا تلبس الحریر فإنه لباسك في الجنة)، ولا یجوز للمرأة في مالها عتق ولا بر إلا بإذن زوجها، ولا یجوز لها أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا یجوز للمرأة ان تصافح غیر ذي محرم إلا من وراء ثوبها، ولا تبایع إلا من وراء ثوبها، ولا یجوز أن تحج تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا یجوز للمرأة أن تدخل الحمام فان ذلك محرم علیها، ولا یجوز للمرأة ركوب السرج إلا من ضرورة، أو في سفر، ومیراث المرأة نصف میراث الرجل، ودیتها نصف دیة الرجل وتقابل المرأة الرجل في الجراحات حتی تبلغ ثلث الدیة فإذا زادت علی الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة، وإذا صلت المرأة وحدها مع الرجل قامت خلفه ولم تقم بجنبه، وإذا ماتت المرأة وقف المصلي علیها عند صدرها ومن الرجل إذا صلی علیه عند رأسه، وإذا دخلت المرأة القبر وقف زوجها في موضع یتناول وركها، ولا شفیع للمرأة أنجح عند ربها من

ص: 152

رضا زوجها، ولما ماتت فاطمة (علیها السلام) قام علیها أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقال : (اللّهم إني راض عنه ابنة نبیك، اللّهم إنها قد أوحشت فأنسها، اللّهم إنها قد هجرت فصلها، اللّهم إنها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خیر الحاكمین) »(1).

فقوله: «و لا تولي القضاء ولا تستشار» صریح في المطلوب وهي من الطائفة الرابعة والمقصود بالمشاورة لیس مطلق المشورة بل المشورة في المواضع التي تحتاج إلی صلابة وجرأة وشجاعة و ذلك لضعفها وعدم حزمها، نعم لو جربت وعرف فهمها ودقتها فلا مانع من الاسشتارة ففي الاخبار أن النبي (صلی اللّه علیه و آله) كان یستشیر خدیجة (علیها السلام) في أمور مهمة في الإسلام وقبوله مشورة أم سلمة (علیها السلام) في قضیة عصیان وتمرد الصحابة في صلح الحدیبیة في حلق الرؤوس والتحلل من إحرام العمرة... ونفس الاستشارة من المعصوم لا یدل علی نقص فیه كما حققناه في موراد كثیرة....

ویوجد في هذا الخبر عدة سنن منها ما هو بلسان الطائفة الثالثة كقوله: «و لا تجوز شهادة النساء في شئ من الحدود ولا یجوز شهادتهن في الطلاق، ولا في رؤیة الهلال».

ص: 153


1- الخصال: ص 585 ح 12.

ومنها بلسان الطائفة الرابعة كقوله: : «وجهاد المرأة حسن التبعل وأعظم الناس حقا علیها زوجها، وأحق الناس بالصلاة علیها إذا ماتت زوجها». وقوله: «و لا یجوز للمرأة في مالها عتق ولا بر إلا بإذن زوجها، ولا یجوز أن تخرج من بیتها إلا بإذن زوجها، ولا یجوز لها أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

ومنها بلسان الطائفة الثانية كقوله (علیه السلام) : «و لا یجوز للمرأة أن تصافح غیر ذي محرم إلا من وراء ثوبها، ولا تبایع إلا من وراء ثوبها، ولا یجوز لها أن تحج تطوعا إلا بإذن زوجها».

71- ما رواه الصدوق، عن أنس بن محمد أبي مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) عن النبي (صلی اللّه علیه و آله) أنه قال في وصیته له: «یا علي، لیس علی النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا عیادة مریض، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولي القضاء، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبیة، ولا تقیم عند قبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولی التزویج، ولا تخرج من بیت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت بغیر إذنه لعنها اللّه وجبرئیل ومیكائیل ولا تعطي من بیت زوجها شیئا إلا بإذنه، ولا تبیت وزوجها علیها

ص: 154

ساخط وإن كان ظالما لها»(1).

قوله (علیه السلام) : «و لا تولی القضاء، ولا تستشار» فإنه من لسان الطائفة الرابعة».

72- منها ما في تفسیر الإمام العسكري (علیه السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) في قوله (عز وجل) : (فَإِنْ لَمْ یَكُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ) (2) قال: «عُدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد، فإذا كان رجلان، أو رجل وامرأتان، أقاموا الشهادة قضی بشهادتهم. قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : كنا نحن مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) وهو یذاكرنا بقوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِكُمْ)، قال: أحراركم دون عبیدكم فان اللّه تعالی قد شغل العبید بخدمة موالیهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها، ولیكونوا من المسلمین منكم فان اللّه (عز وجل) إنما شرف المسلمین العدول بقبول شهاداتهم، و جعل ذلك من الشرف العاجل لهم، ومن ثواب دنیاهم قبل أن یصلوا إلی الآخرة إذ جاءت امرأة، فوقفت قبالة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) وقالت: بأبي أنت وأمي یا رسول، اللّه أنا وافدة النساء إلیك، ما من امرأة یبلغها مسیري هذا إلیك إلا سرها ذلك، یا رسول

ص: 155


1- الخصال: ص 511 ح 12.
2- سورة البقرة، الآیة 282.

اللّه، إن اللّه (عز وجل) رب الرجال والنساء، وخالق الرجال والنساء، ورازق الرجال والنساء، وإن آدم أبو الرجال والنساء، وإن حواء أم الرجال والنساء، وإنك رسول اللّه إلی الرجال والنساء. فما بال امرأتین برجل في الشهادة والمیراث ؟ فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : یا أیتها المرأة إن ذلك قضاء من ملك عدل، حكیم لا یجور، ولا یحیف، ولا یتحامل، لا ینفعه ما منعكن، ولا ینقصه ما بذل لكن، یدبر الامر بعلمه، یا أیتها المرأة لأنكن ناقصات الدین والعقل. قالت: یا رسول اللّه وما نقصان دیننا؟ قال: إن إحداكن تقعد نصف دهرها لا تصلي بحیضة، وإنكن تكثرن اللعن، وتكفرن النعمة تمكث إحداكن عند الرجل عشر سنین فصاعدا یحسن إلیها، وینعم علیها، فإذا ضاقت یده یوما، أو خاصمها قالت له: ما رأیت منك خیرا قط. فمن لم یكن من النساء هذا خلقها فالذي یصیبها من هذا النقصان محنة علیها لتصبر فیعظم اللّه ثوابها، فأبشري...»(1).

و هذا التفسیر معتمد عندنا اجمالاً، ومفاد هذه الروایة هو اعتبار تكامل طبیعة المرأة بالرجل فهي مندرجة في الطائفة الرابعة.

ص: 156


1- تفسیر الإمام العسكري(علیه السلام) : ص 658 - 659 ح 374.

73- روایة عبد اللّه بن سلیمان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : لیأتین علی الناس زمان یظرف فیه الفاجر ویقرب فیه الماجن ویضعف فیه المنصف، قال : فقیل له : متی ذاك یا أمیر المؤمنین ؟ فقال : إذا اتخذت الأمانة مغنما. والزكاة مغرما. والعبادة استطالة. والصلة منا، قال : فقیل : متی ذلك یا أمیر المؤمنین ؟ فقال : إذا تسلطن النساء وسلطن الإماء وأمر الصبیان»(1).

و هذا ظاهر في الطائفة الرابعة من ذم تولي المرأة وسلطنتها.

74- صحیحة حمران، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «فإذا رأیت الحق قد مات وذهب أهله، ورأیت الجور قد شمل البلاد، ورأیت القرآن قد خلق واحدث فیه ما لیس فیه ووجه علی الأهواء، ورأیت النساء وقد غلبن علی الملك وغلبن علی كل أمر لا یؤتی إلا ما لهن فیه هوی»(2).

فهذا من لسان الطائفة الرابعة وهو ذم غلبة النساء «علی الملك» وأیضا اللسان الثالث وهو قوله: «لا یؤتی إلا ما لهن فیه هوی» یعني رأیهن تابع للشهوة والعاطفة لا للحذر والجزم. ومثلها الروایة الآتیة:

ص: 157


1- الكافي: ج 8 ص 69 ح 25.
2- الكافي: ج 8 ص 36 ح 7.

75- روایة عطا بن أبي رباح، عن عبد اللّه بن عباس قال: حججنا مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علینا بوجهه فقال : «ألا أخبركم بأشراط الساعة؟»، وكان أدنی الناس منه یومئذ سلمان (رحمة اللّه علیه)، فقال: بلی یا رسول اللّه، فقال (صلی اللّه علیه و آله) : «إن من اشراط القیامة إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، والمیل إلی الأهواء وتعظیم أصحاب المال، وبیع الدین بالدنیا، فعندها یذوب قلب المؤمن في جوفه كما یذاب الملح في الماء مما یری من المنكر فلا یستطیع أن یغیره»، قال سلمان وإن هذا لكائن یا رسول اللّه؟ قال أي والذي نفسي بیده - إلی قوله - یا سلمان، فعندها تكون امارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبیان علی المنابر...»(1).

وتوجد أخبار كثیرة ومستفیضة بهذه المضامین فالقول بعدم صحة السند إما للغفلة عن استفاضتها بل لا یكون مجازفا من ادعی تواترها مع وجود الصحاح أو للغفلة عن دلالة النص القرآني بمضمون هذه الطوائف الست.

والأخبار كثیرة موزعة في الأبواب، ومن تلك: ما جاء في أبواب مقدمات النكاح.

ص: 158


1- تفسیر القمي: ج 2 ص 303.

76 - معتبرة محمد بن سنان قال: إن أبا الحسن علي بن موسی الرضا (علیه السلام) كتب إلیه فیما كتب من جواب مسائله قال: «علة المهر ووجوبه علی الرجال ولا یجب علی النساء أن یعطین أزواجهن، قال: لان علی الرجال مؤنة المرأة، لأن المرأة بایعة نفسها، والرجل مشتري، ولا یكون البیع بلا ثمن ولا شراء بغیر اعطاء الثمن مع النساء محظورات عن التعامل والمتجر مع علل كثیرة»(1).

وكون المرأة بایعة نفسها هو لسان الطائفة الرابعة بأن له الولایة علیها ویمتلك بعض شؤون المرأة، وقوله مع أن النساء محظورات عن التعامل والمتجر هو اللسان الثاني وهو الحجاب والقرار في البیوت.

77- مرسلة یعقوب بن یزید، عن رجل من أصحابنا (یكنی أبا عبداللّه)، رفعه إلی أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : في خلاف النساء البركة»(2).

فما تبدیه المرأة من آراء - باعتبار ما فیها من العواطف - مشوب بالضعف والعجز.

78- وبالاسناد المتقدم أیضاً عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال أمیر

ص: 159


1- علل الشرائع: ج 2 ص 500، ورواه عنه في عیون أخبار الرضا بأكثر من طریق.
2- الكافي: ج 5 باب التستر، ص 517 ح 9.

المؤمنین (صلوات اللّه علیه) : كل امرء تدبره امرأة فهو ملعون»(1).

ومفادها نفي تولیتة المرأة أمر الرجل، فكیف بتولیتها أمر الرجال؟!

79- صحیحة معاویة بن عمار، عن الحسن بن عبد اللّه عن آبائه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) قال : «جاء نفر من الیهود إلی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) فسأله اعلمهم عن مسائل، فكان فیما سأله ان قال له: ما فضل الرجال علی النساء؟ فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : كفضل السماء علی الأرض، وكفضل الماء علی الأرض، فالماء یحیی الأرض، وبالرجال تحیی النساء لولا الرجال ما خلقت النساء یقول اللّه (عز وجل) : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّه بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)، قال الیهودي: لأي شئیء كان هكذا ؟ فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : خلق اللّه تعالی آدم من طین، ومن فضلته وبقیته خلقت حواء، وأول من أطاع النساء آدم، فأنزله اللّه تعالی من الجنة، وقد بین فضل الرجال علی النساء في الدنیا ألا تری إلی النساء كیف یحضن ولا یمكنهن العبادة من القذارة والرجال لا یصیبهم شيء من الطمث، قال الیهودي: صدقت یا محمد»(2).

ص: 160


1- الكافي: ج 5 باب التستر، ص 517 ح 10.
2- علل الشرائع: ج 2 ص 512 ح 1.

ففي الروایة دلالة واضحة علی أن النساء لا تطاع ولاویة لها علی الرجل وهي تندرج في الطائفة الربعة وهي تبین الوجه في كون الرجل قوام علی المرأة وهي العلة التكونیة وهي كونها مخلوقة من الرجل.

80- قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «یأتي علی الناس زمان لا یقرب فیه إلا الماحل، ولا یظرف فیه إلا الفاجر، ولا یضعف فیه إلا المنصف، یعدون الصدقة فیه غرما، وصلة الرحم منا، والعبادة استطالة علی الناس، فعند ذلك یكون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبیان وتدبیر الخصیان»(1).

ومن الاخبار التي یستدل بها علی المطلوب مباشرة: أخبار عدم امامة المرأة في الصلاة، فإنها وإن كانت من المناصب الیسیرة إلا أنهاتدل علی أن الرجل یؤم المرأة وهي لا تؤمه ففیه بیان القوامیة و أن المرأة لا یمكن أن تكون في عرض الرجل.

وأیضا یستدل بالاخبار الدالة علی قصور المرأة عن ولایة الصبي والمجنون، فكیف بالولایة العظمی؟! فهذه كأصول مسلّمة في عدم امامة المرأة للرجل.

هذا مضافا إلی الروایات الدالة بالنص علی المطلوب:

ص: 161


1- نهج البلاغة ص 22 الخطبة 102.
روایات ضعف المرأة المعبر عنها بالطائفة الأولی:

ومن هذه الطائفة اخبار غیرة النساء وحسدها، وقد عقد لها الشیخ الكلیني (قدس سره) بابا مستقلاً، منها:

1- مرسلة یوسف بن حماد: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمد بن الحسن، عن یوسف بن حماد، عمن ذكره، عن جابر قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «غیرة النساء الحسد والحسد هو أصل الكفر، إن النساء إذا غرن غضبن وإذا غضبن كفرن إلا المسلمات منهن»(1).

ودلالتها بتقریب عدم توازن قرار رأیها لنشوّه من هیجان العاطفة المنافي لشأن التوازن المطلوب في الولایة.

2- مرسلة عثمان بن عیسی عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «لیس الغیرة إلا للرجال وأما النساء فإنما ذلك منهن حسد والغیرة للرجال ولذلك حرم اللّه علی النساء إلا زوجها وأحل للرجال أربعا وإن اللّه أكرم أن یبتلیهن بالغیرة ویحل للرجال معها ثلاثا»(2).

وهذه الاخبار تدل اجمالاً علی بیان فسلجة وطبیعة المرأة بنقص

ص: 162


1- الكافي: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 4.
2- المصدر نفسه، ص 504 ح 1.

عقلها بسبب هیجان العواطف والغرائز ولیس هذا بذم كما تقدم مرارا وتكرارا بل بیان حالها من عدم التوازن في العاطفة ولهذا تخرج عن ضبط العقلاء انفسهم.

3- مرفوعة عبد الرحمن بن الحجاج قال : «بینا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قاعد إذ جاءت امرأة عریانه حتی قامت بین یدیه، فقالت: یا رسول اللّه إني فجرت فطهرني قال: وجاء رجل یعد وفي إثرها وألقی علیها ثوبا، فقال: ما هي منك؟ فقال: صاحبتي یا رسول اللّه، خلوت بجاریتي فصنعت ما تری، فقال: ضمها إلیك، ثم قال: إن الغیراء لا تبصر أعلی الوادي من أسفله»(1).

وهذه الاخبار تبین ضعف المرأة فلم تخاطب بالغیرة كما خاطب الرجل ولم یجعل للمراة زوجاً إلا زوجها.

4- معتبرة أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «إن اللّه (عز وجل) لم یجعل الغیرة للنساء وإنما تغار المنكرات منهن، فأما المؤمنات فلا، إنما جعل اللّه الغیرة للرجال؛ لأنه أحل للرجال أربعا وما ملكت یمینه ولم یجعل للمرأة إلا زوجها، فإذا أرادت معه غیره كانت عند اللّه زانیة»، ورواه القاسم بن یحیی عن جده الحسن بن راشد

ص: 163


1- الكافي: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 3.

عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) إلا أنه قال : «فإن بغت معه غیره»(1).

والجعل للرجل بمعنی تملّكه شأنهن بخلافهن و جعل الغیرة له بنفس المفاد.

5- مصححة خالد القلانسي قال: ذكر رجل لأبي عبد اللّه (علیه السلام) امرأته فأحسن علیها الثناء فقال له أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «أغَرْتَهَا؟» قال: لا، قال: «فأغرها»، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : إني قد أغرتها فثبتت، فقال : «هي كما تقول»(2).

ومفاده أن حسن المرأة في التسلیم للرجل لا التمرد علیه، فإن هذا الخبر یدل علی أن طبیعة المرأة هي الغیرة غیر المتّزنة وإن كان منشأ هذه الغیرة هو الحب كما جاء في موثق اسحاق بن عمار، قال : قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : «المرأة تغار علی الرجل تؤذیه، قال : ذلك من الحب»(3).

ص: 164


1- الكافي: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 2.
2- المصدر نفسه، ح 5.
3- المصدر نفسه، ص 506 ح 6.
حسد المرأة وحق الزوج علیها:

وقد عقد الشیح الكلیني (قدس سره) باباً آخر في حسد المرأة وباباً في حق الزوج علی المرأة، وهذه الطوائف من الاخبار لا تدل علی ذم المرأة وإنما تدل علی اختلاف الأدوار علی حسب اختلاف طبیعة كل من الرجل والمرأة. منها:

1- صحیحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «جاءت امرأة إلی النبي (صلی اللّه علیه و آله) فقالت: یا رسول اللّه، ماحق الزوج علی المرأة؟ فقال لها: أن تطیعه ولا تعصیه ولا تصدق من بیته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیتها إلا بإذنه وإن خرجت من بیتها بغیر إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها، فقالت: یا رسول اللّه من أعظم الناس حقا علی الرجل؟ قال والده، فقالت: یا رسول اللّه، من أعظم الناس حقا علی المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فمالي علیه من الحق مثل ماله علی؟ قال: لا، ولا من كل مائة واحدة، قال: فقالت: والذي بعثك بالحق نبیا لا یملك رقبتي رجل أبدا»(1).

ص: 165


1- الكافي: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة، ص 506 ح 1.

ومفاده جامع لأكثر مضامین الطوائف المتقدمة كما لا یخفی.

2- معتبرة سعد بن أبي عمرو الجلاب قال: قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «إیما امرأة باتت وزوجها علیها ساخط في حق لم تقبل منها صلاة حتی یرضی عنها وأیما امرأة تطیبت لغیر زوجها لم تقبل منها صلاة حتی تغتسل من طیبها كغسلها من جنابتها»(1).

والمتأخرون یحملون هذه الاخبار علی الاستمتاع وأما المتقدمون فیحملونها علی حسن العشرة بما تداریه وكذا الرجل مأمور بحسن العشرة لها مع الحفاظ علی قیمومته الاداریة للأمر.

مدارة المرأة:

وقد عقد الكلیني (قدس سره) في الكافي بابا في مداراة الزوجة، منها:

1- موثقة أو صحیحة اسحاق بن عمار - علی الاختلاف في الصیرفي الامامي أو السباطي الفطحي - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن تركته انتفعت به وإن أقمته كسرته. وفي حدیث آخر : استمتعت به»(2).

ص: 166


1- الكافي: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة، ص 507 ح 2.
2- الكافي: ج 5 باب مداراة الزوجة، ص 513 ح 1.

ولیس المراد الذم والاستنقاص من المرأة بل بیان هندسة المرأة وطبیعتها من أنها مشتملة علی تجاذبات متعاكسة.

2- روایة محمد الواسطي قال: قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «إن إبراهیم (علیه السلام) شكا إلی اللّه (عز وجل) ما یلقی من سوء خلق سارة، فأوحی اللّه تعالی إلیه: إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن أقمته كسرته وإن تركته استمتعت به، اصبر علیها»(1).

فالمقصود أن المرأة طبیعتها وفسلجتها التكوینیة لها تداعیات سلبیة وتجاذبات متعددة فإذا استطاع الزوج أن یتفادی هذه التداعیات السلبیة یستطیع أن یحصل علی التوفیق بین تلك الجهات والجانب الایجابي في المرأة، و هذا مثل قوله: «شر لابد منه» أي نقصها لابد منه لیكمل الرجل ما عنده من الجانب العاطفي فلابد منه لأن المرأة عنصر ضروری وكمال للرجل إلا أنها تحوي علی نقائص فالمراد من الاعوجاج هو الخاصیات الایجابیة في المرأة لها تداعیات سلبیة فتستغل من أجل عاطفیتها وتستثمر من قبل الشیطان ومن قبل أصحاب الاغراض السیئة كاصحاب الشركات الدعائیة والافلام وغیرها فتستعمل المرأة كطعم وسلعة تروّج بها بضاعتها وترویج ثقافات الدول وسیاساتها

ص: 167


1- الكافي: ج 5 باب مداراة الزوجة، ص 513 ح 2.

ذلك لسبب ما للمرأة من جذابیة من جهة بدنها وروحها وعطفها وحنانها... فالقرآن والتشریع الأسلامي لا یستغل جانب الشر وإنما ینبه علیه ویحذر منه فینبه المرأة ویحذرها لكي لا تنساق مع تلك التداعیات ولهذا بیَّن طبیعة المرأة حتی بالنسبة إلی طبیعة سارة تلك المرأة التي هي زوجة نبي ومن بنات الانبیاء وأم الانبیاء.

وهذه الطائفة تندرج في الطائفة الأولی من كون المرأة ضعیفة لابد من مراعاتها.

3- معتبرة اسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «من أخلاق الأنبیاء (صلی اللّه علیهم) حب النساء»(1).

4- روایة عمر بن یزید، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال :«ما أظن رجلا یزداد في هذا الامر خیرا إلا ازداد حبا للنساء»(2).

5- روایة حفص البحتري، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «ما أحب من دنیاكم إلا النساء والطیب»(3).

6- روایة الراوندي : قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «أعطینا أهل البیت سبعة

ص: 168


1- الكافي: ج 5 باب حب النساء، ص 320 ح 1.
2- المصدر نفسه، ح 5.
3- المصدر نفسه، ص 321 ح 6.

لم یعطهن أحد كان قبلنا ولا یعطاهن أحد بعدنا: الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والعلم والحلم والمحبة للنساء»(1).

7- في الجعفریات: أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا محمد، حدثني موسی قال: حدثنا أبي، عن أبیه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده علي بن الحسین، عن أبیه، عن علي (علیهم السلام)، قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : كلما ازداد العبد إیمانا، ازداد حبا للنساء»(2).

8- وبالاسناد المتقدم قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أعطینا أهل البیت سبعة لم یعطهن أحد قبلنا ولا یعطاها أحد بعدنا: الصباحة، والفصاحة والسماحة، والشجاعة، والحلم، والعلم، والمحبة من النساء»(3).

9- قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: «المرأة عقرب حلوة اللبسة»(4).

وهي تدل علی أن المرأة فیها نزعات لابد من أن یحذر منها ویجب علیها أن تحذر من نفسها لئلا تستثمر في غیر الخیر.

ص: 169


1- النوادر: ص 123.
2- مستدرك الوسائل: ج 14 ص 157 ح1.
3- المصدر نفسه، ح 2.
4- نهج البلاغة، الخطبة ح 61.
قلة الصلاح في المرأة:

وقد عقد الكلیني (قدس سره) باباً آخر تحت عنوان قلة الصلاح في النساء، وهذه الطائفة من الروایات تندرج في الطائفة الاولی التي تبین جهات ضعف في المرأة، منها:

1- روایة الثمالي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «الناجي من الرجال قلیل ومن النساء أقل وأقل، قیل: ولم یا رسول اللّه ؟ قال: لأنهن كافرات الغضب مؤمنات الرضا»(1).

أي حین الغضب یكفرن و حین الرضا یؤمنًّ إذ عند الغضب ینكرن حق اللّه أو حق الزوج فهن عند الغضب لایمسكن انفسهن اندفاعیات علی الدوام، و هذا یدل علی عدم تماسك المرأة نتیجة الجانب العاطفي.

2- معتبرة سعد الجلاب، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) أنه قال لامرأة سعد: «هنیئا لك یا خنساء، فلو لم یعطك اللّه شیئا إلا ابنتك أم الحسین لقد أعطاك اللّه خیرا كثیرا، إنما مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم في الغربان وهو الأبیض إحدی الرجلین»(2).

وهو یدل علی الأقلة و أن تكامل المرأة لیس ممتنعاً بل صعباً.

ص: 170


1- الكافي: ج 5 باب قلة الصلاح في النساء، ص 514 ح 1.
2- المصدر نفسه، ص 515 ح 2.

3- صحیحة حفص البختري، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «مثل المرأة المؤمنة مثل الشامة في الثور الأسود»(1).

وهو یدل علی قلة الصلاح الكامل في النساء.

4- معتبرة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام): «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «إنما مثل المرأة الصالحة الغراب الأعصم الذي لا یكاد یقدر علیه، قیل: وما الغراب الأعصم الذي لا یكاد یقدر علیه؟ قال: الأبیض إحدی رجلیه»(2).

5- مرسلة الواسطي، عن أبي جعفر (علیه السلام) : «إن المرأة إذا كبرت ذهب خیر شطریها وبقي شرهما، ذهب جمالها وعقم رحمها واحتد لسانها»(3).

وهي تدل علی ضعف المرأة وعدم تماسكها وخصوصاً إذا كبرت.

6- صحیحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: ذكر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) النساء فقال: «اعصوهن في المعروف قبل أن یأمرنكم بالمنكر وتعوذوا باللّه من شرارهن وكونوا من خیارهن علی حذر»(4).

ص: 171


1- الكافي: ج 5 باب قلة الصلاح في النساء، ص 515 ح 3.
2- المصدر نفسه، ص 518 ح 4.
3- المصدر نفسه، ح 6.
4- المصدر نفسه، ح2.

و هذا اللسان یندرج في الطائفة الأولی ویندرج في طائفة شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فإن هذا یدل علی ضعف قول المرأة وتصرفاتها و هذا لیس بذم وإنما هو لأجل بیان مواطن الضعف عند المرأة لكي تكون المرأة والرجل علی حذر.

تأدیب النساء:

عقد الكلیني (قدس سره) باباً بعنوان (تأدیب النساء)(1)، وهو نوع من التعالیم للمرأة، وتندرج في الطائفة الرابعة وتندرج في الأولی باعتبار ضعف طبیعتها لدلاتها علی مواقع الضعف في المرأة وكذا الطائفة الثانية.

ترك طاعة النساء:

وقد عقد الشیخ الكلیني باباً في ترك طاعتهن:

1- منها موثق اسحاق بن عمار، قال : قلت لأبي الحسن (علیه السلام) وسألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام فتقول لزوجها : أحجني من مالي، أله أن یمنعها؟ قال : «نعم، و یقول : حقي علیك أعظم من حقك علی في هذا»(2).

ص: 172


1- الكافي: ج 5 ص 515.
2- الكافي: ج 5 باب ترك طاعتهن، ص 516 ح 1.

2- وموثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «من أطاع امرأته أكبه اللّه علی وجهه في النار، قیل: وما تلك الطاعة ؟ قال: تطلب منه الذهاب إلی الحمامات والعرسات والعیدات والنیاحات و الثیاب الرقاق»(1).

فهذه الاخبار تبین أن لا طاعة للمرأة في المعاصي - والنهي عن الطاعة في المعاصي لا یدل علی سلب وعدم الطاعة إن لم یدل علی ثبوت الطاعة - ومفادها النهي عن طاعتها في المعاصي ولا دلالة فیها علی النهي مطلقا لأن هذا اللسان ورد في قوله تعالی في طاعة الأبوین علی المعاصي: ولا تطعهما وقل لهما قولا معروفا.

3- منها موثقة السكوني بإسناده قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «طاعة المرأة ندامة»(2).

وهذه الروایة مطلقة فلا تجعل لها الولایة. وهي أیضاً من الاخبار التي هي نص في المطلوب.

4- مرسلة الحسین بن المختار - بارسالة خفیف - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) في كلام له : اتقوا شرار النساء

ص: 173


1- الكافي: ج 5 باب ترك طاعتهن، ص 516 ح 3.
2- المصدر نفسه، ح 4.

وكونوا من خیارهن علی حذر وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن كیلا یطمعن منكم في المنكر»(1).

5- مرفوعة أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «ذكر عند أبي جعفر (علیه السلام) النساء فقال: لا تشاوروهن في النجوی ولا تطیعوهن في ذي قرابة»(2).

لأن النجوی إشارة إلی الأمور الخطیرة التي من شأنها أن تكتم فلا تشاور النساء فیها لأنهن تفشین السر ولا تمسكن ألسنتهن.

6- مرفوعة المطلب بن زیاد، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «تعوذوا باللّه من طالحات نسائكم وكونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن في المعروف فیأمرنكم بالمنكر»(3).

7- روایة سلمان بن خالد - وهي قابلة للاعتبار - قال: سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول: «إیاكم ومشاورة النساء فإن فیهن الضعف والوهن والعجز»(4).

8- مرفوعة محمد بن یحیی قال : «كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) إذا أراد

ص: 174


1- الكافي: ج 5 باب ترك طاعتهن، ص 517 ح 5.
2- المصدر نفسه، ح 6.
3- المصدر نفسه، ح 7.
4- المصدر نفسه، ح 8.

الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن»(1).

و ذلك لأن موطن الحرب مورد قوة وشدة لا یتناسب مع لیونة طبیعة المرأة.

9- مرسلة عمرو بن عثمان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «استعیذوا باللّه من شرار نسائكم وكونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن في المعروف فیدعونكم إلی المنكر»، وقال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : النساء لا یشاورن في النجوی ولا یطعن في ذوی القربی، إن المرأة إذا أسنت ذهب خیر شطریها وبقي شرهما و ذلك أنه یعقم رحمها ویسوء خلقها ویحتد لسانها و أن الرجل إذا أسن ذهب شر شطریه وبقي خیرهما و ذلك أنه یؤوب عقله ویستحكم رأیه ویحسن خلقه»(2).

وبهذه الاخبار یتضح أن النهي عن استشارة المرأة مقیدة بالامور الخطیرة ویدل علیه قوله : «في النجوی» أي الأمور التي تحتاج إلی الكتم والمواطن التي تتطلب القوة والشدة وهي الامور الخطیرة الهامة.

فهذا الباب یندرج في الطائفة الاولی لدلالتها علی ضعف المرأة وفي الطائفة الثالثة وهي عدم الاعتداد بقولها خصوصاً في الموارد الخطیرة

ص: 175


1- الكافي: ج 5 باب ترك طاعتهن، ص 518 ح 11.
2- المصدر نفسه، ح 12.

والتي تتطلب قوة وشدة و ذلك لأن هذه الموارد لیست من شؤونها ولا من طبیعتها بل هو خلاف طبیعتها.

10- منها روایة غیاث بن إبراهیم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده (علیهم السلام)، قال: «قال علي بن أبي طالب (علیه السلام) : عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم»(1).

هذا بیان الخاصیة في طبیعة الجنسين وهو أن من خصوصة المرأة أن یكون إهتمامها في الجمال فتجعل هذه الروایة في الطائفة الأولی الدالة علی ضعف المرأة أو تضاف إلی الطائفة الثالثة من عدم متانة رأي المرأة فیما لها من عقل إلا أنها تركزه في جانب الجمال دون غیره.

11- روایة الحسین بن علوان، جعفر الصادق، عن أبیه قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : اتقوا اللّه، اتقوا اللّه في الضعیفین : الیتیم، والمرأة، فإن خیاركم خیاركم لأهله»(2).

ومفادها قصور المرأة علی حذو قصور الیتیم في الولایة.

12- موثقة سماعة - لورود علي بن السندي فیها، وهو وإن لم یرد فیه توثیق إلا أنه یمكن اعتباره - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «اتقوا اللّه

ص: 176


1- الأمالي (للصدوق) : ص 298 ح 9.
2- قرب الاسناد: ص 92ح 306.

في الضعیفین یعني بذلك الیتیم والنساء»(1).

وهذه الاخبار مرت عن الكافي وهي تندرج في الطائفة الأولی بل یمكن من جهة القصور أن تندرج في الطائفة الرابعة.

13- معتبر الاصبغ بن نباته قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : الفتن ثلاث: حب النساء وهو سیف الشیطان، وشرب الخمر وهو فخ الشیطان وحب الدینار والدرهم وهو سهم الشیطان، فمن أحب النساء لم ینتفع بعیشه، ومن أحب الأشربة حرمت علیه الجنة، ومن أحب الدینار والدرهم فهو عبد الدنیا، وقال: قال عیسی بن مریم (علیه السلام) : الدینار داء الدین، والعالم طبیب الدین فإذا رأیتم الطبیب یجر الداء إلی نفسه فاتهموه، واعملوا أنه غیر ناصح لغیره»(2).

وكیف یكون حب النساء هو سیف الشیطان مع أنه ورد عنه (صلی اللّه علیه و آله) : «حبب لي من دنیاكم ثلاث»(3)، وورد: «كلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(4) وغیرها، فلیس مثل هذا مناقضاً لما تقدم و ذلك لأن المقصود ان حب النساء سیف الشیطان هو ما كان من طریق الحرام وأما

ص: 177


1- الخصال: ص 37 ح 13.
2- الخصال: ص 113 ح 91.
3- وسائل الشیعة: ج أبواب آداب الحمام والتنظیف، ب 89 ص 144 ح 12.
4- المصدر نفسه، ب 3 ص 21 - 22 ح 1.

من طریق الحلال أو لأجله فهو من علامات الایمان ویمكن أن المراد بالحب هنا هو اتباع المرأة في نزعاتها العاطفیة التي تكون صد له عن أهله وارحامه، وأما حبها لدفع الحرام عن نفسه فهو من الایمان والمقرب للّه تعالی فهذا هو الجمع بین هذه الطوائف.

14- مرفوعة البرقي الأب إلی أبي عبد اللّه (علیه السلام) أنه قال: «خمس من خمسة محال: النصیحة من الحاسد محال، والشفقة من العدو محال، والحرمة من الفاسق محال، والوفاء من المرأة محال، والهیبة من الفقیر محال»(1).

وهذه أیضاً تندرج في الطائفة الأولی وهي بیان ضعف المرأة المنافي لقوة شخصیة الولي.

15- موثقة السكوني، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (علیه السلام) أو قال أمیر المؤمنین (صلوات اللّه علیه) : «النساء أربع : جامع مجمع وربیع مربع وكرب مقمع وغل قمل»(2).

وقال الصدوق (قدس سره) : «جامع مجمع» أي كثیر الخیر مخصبة، و «ربیع مربع» التي في حجرها ولد وفي بطنها آخر، و «كرب مقمع» أي سیئة

ص: 178


1- الخصال: ص 269 ح 5.
2- الكافي: ج 5 باب أصناف النساء ص 322 ح1.

الخلق مع زوجها، و «غل قمل» أي هي عند زوجها كالغل القمل، وهو غل من جلد یقع فیه القمل فیأكله فلا یتهیأ أن یحل منه شيء، وهو مثل للعرب(1).

وهذه تدل علی أن النساء یستطعن أن یتغلبن علی تلك صفات ونزعات النقص التي یحملنها وتبلغ درجات الكمال.

وقد ذكر صاحب البحار باباً في صفات النساء بحاره یبین دور المرأة في الأسرة وتصنیف انماط النساء فجل ما في هذا الباب یندرج في الطائفة الأولی والثانية فلا حاجة لاستعراضه وتفسیره وهو الباب الثالث من أبواب النساء.

16- روایة مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبیه (علیهما السلام) قال : «إن اللّه (تبارك وتعالی) جعل للمرأة صبر عشرة رجال، فإذا حملت زادها قوة صبر عشرة رجال أخری»(2).

17- منها موثقة اسحاق بن عمار- عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «سمعته یقول : إن اللّه (عز وجل) جعل للمرأة صبر عشرة رجال فإذا هاجت كان لها قوة عشرة رجال»(3).

ص: 179


1- الخصال: ص 241 - 242 ح 92.
2- الخصال: ص 439 ح 31.
3- الخصال: ص 439 ح 32.

و هذا بیان لجهات القوة في المرأة تتمیز بها علی الرجل فإن هذه الاخبار تبین مدی تحمل المرأة وأنها أقوی من الرجل في تحمل آلام البدن بل هي أقوی من عشرین رجل فإن الولادة والحمل شبیه بنزع الروح من شدته وأما مسألة الولادة بالسقوط - فما بالك بالاسقاط - كما یقال إنه یعادل عشر ولادات من شدته - لعن اللّه الظالمین لك یا فاطمة - لأنه ینزع من الجوف نزعا وقلعا، فهذه من الاخبار المادحة والمبینة لكمال من كمالات المرأة.

تكامل الرجل والمرأة بالآخر:

فالمرأة أعطیت قوة في الدور الذي وظفت له بینما لم تعط القوة في الادوار التي وظف لها الرجل كما أن الرجل عنده قوة في الادارة التي وظف لها وهو ضعیف في الأدوار التي وظفت لها المرأة.

ولا یخفی أن هذه القوة تدریجیة لا دفعیة ولنمثل لتنوع نماذج القوي في الاصناف فإن سرعة النمر كما یقولون تقارب خمسین أو ستین كیلو متر في الساعة ولكنها لا تستمر إلا دقائق وبعدها تنهار وتضعف وأما الجمل فإنه لا سرعة له ولكن له قوة علی تحمل قطع المسافات تدریجیة أقوی بكثیر من النمر فقوة النمر في السرعة قوة وهي أقوی من الجمل ولكنها دفعیة. وأما الجمل فقوته الدفعیة ضعیفة إلا أن قوته

ص: 180

التدریجیة أقوی بكثیر من النمر فكذا قوة المرأة علی تحمل المتاعب بالاستمرار والتدرج أقوی بكثیر من الرجل فإن قوة الرجل الدفعیة أقوی بكثیر من المرأة فكل بحسب فسلجته وطبیعته.

والبیانات الشرعية تبین التوازن بین الرجل والمرأة و ذلك لأن الشارع المقدس صاحب منظومة متكاملة ومتوازنة فلابد من النظر إلی جمیع الجوانب وعلیه فلیس من الصحیح النظر إلی جنبة واغفال الآخری..

18- روایة عنبسة عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «فی كتاب علي (علیه السلام) الذي املي رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) (إن كان الشوم في شئ ففي النساء) »(1).

وهذه تندرج في الطائفة الأولی وهي الضعف فالخوف یكون من جهة المرأة فهي نافذة من نوافذ تخویف وتهدید الرجل أي یمكن اختراقه والنفوذ إلی استهدافه من خلالها.

الطائفة الثالثة: ضعف الرأي:

1- محسنة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام): «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إن أول ما عصی اللّه (عز وجل) به ست: حب الدنیا، وحب الرئاسة وحب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة، وحب النساء»(2).

ص: 181


1- بصائر الدرجات: ص 185 ح 15.
2- الكافي ج 2 باب في أصول الكفر وأركانه ص 289 ح 3.

والمراد من «حب النساء» هو ما یودي إلی المعصیة لا ما یودي إلی العفاف والطهارة فإنه زیادة في الایمان.

2- روایة أبي المجبر قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «أربع مفسدة للقلوب: الخلوة بالنساء، والاستماع منهن، والأخذ برأیهن، ومجالسة الموتی»، فقیل له: یا رسول اللّه وما مجالسة الموتی؟ قال: «مجالسة كل ضال عن الإیمان وجائر في الأحكام»(1).

وهي تندرج في الطائفة الأولی والثالثة وهي ضعف الرأي.

3- منها موثقة سماعة - وعلي بن السندي وإن لم یرد فیه توثیق إلا أنه یمكن اعتباره - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «اتقوا اللّه في الضعیفین یعني بذلك الیتیم والنساء»(2).

و هذا الخبر یندرج في الطائفة الأولی - وهي ضعف المرأة - والثانية والرابعة باعتبار أنها مولی علیها من الرجل.

4- مصحح عمر بن یزید، قال: قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «جاءت امرأة من أهل البادیة إلی النبي (صلی اللّه علیه و آله) ومعها صبیان حاملة واحدا و آخر یمشي، فأعطاها النبي (صلی اللّه علیه و آله) قرصا ففلقته بینهما، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله)

ص: 182


1- الأمالي (للشیخ المفید) : ص 315.
2- الخصال: ص 37 ح 13.

:الحاملات الرحیمات لولا كثرة لعبهن لدخلت مصلیاتهن الجنة»(1).

فإنها من الاخبار الدالة علی خصائص المرأة الایجابیة من كونها من ینابیع الرحمة.

5- ما رواه في مستطرفات السرائر: عن أبي عبد اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قال: «كل من اشتد لنا حبا، اشتد للنساء حبا وللحلواء»(2).

فحبها موجب للعفاف والطهارة وهو نوع من المدارة والحنان علیها.

6- مرفوعة اسحاق بن عمار قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن»(3).

وهي تندرج في الطائفة الثالثة الدالة علی ضعف رأیهن.

7- معتبرة المحاربي، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام) عن علي (علیه السلام) قال: «قال النبي (صلی اللّه علیه و آله) : ثلاث یحسن فیهن الكذب : المكیدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بین الناس. وثلاث یقبح فیهن الصدق: النمیمة، وإخبارك الرجل عن أهله بما یكرهه. وتكذیبك الرجل عن الخبر. قال: وثلاثة مجالستهم تمیت القلب :

ص: 183


1- علل الشرائع: ج 2 ص 598 ح 47.
2- السرائر: ص 635 - 636.
3- الكافي ج 5 باب التستر، ص 518 ح 11.

مجالسة الأنذال والحدیث مع النساء، ومجالسة الأغنیاء»(1).

و هذا لیس خاصا بالمرأة بل یشمل الاغنیاء والانذال فهذه الروایة تندرج في الطائفة الثالثة بأن رأیها غیر حازم وأنها ذات انجذاب إلی الحرص المادي أیضا باعتبار أن كثرة الحدیث معهن تدخله الأمور العاطفیة حتی ینجر إلی شؤونها وخواصها من ضعف الرأي.

8- موثق بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبیه (علیهما السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «أربع یُمتْن القلب : الذنب علی الذنب، وكثرة مناقشة النساء - یعني محادثتهن - ومماراة الأحمق تقول و یقول ولا یرجع إلی خیر أبدا، ومجالسة الموتی، فقیل له : یا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) وما الموتی ؟ قال كل غني مترف. لا تخلو الأرض من أربعة من المؤمنین»(2).

9- معتبرة عامر بن عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : إن امرأتي تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم في الاستطاعة وتری رأیهما ؟ فقال : «ما للنساء وللرأي والقول لها (أو بهما أو بقولهما)، انهما لیسا بشيء في ولایة، قال : فجئت إلی امرأتي فحدثتها، فرجعت عن ذلك

ص: 184


1- الخصال: ص 87 ح 20.
2- الخصال: ص 228 ح 65.

القول»(1).

و هذا الخبر قابل للاعتبار وهو مما یندرج في اللسان الثالث بعدم الاعتبار بقولها.

10- موثقة مسعدة بن صدقة بن زیاد قال: سمعت أبا الحسن (علیه السلام) یقول لأبیه: «یا أبة، إن فلانا یرید الیمن، أفلا أزود ببضاعة لیشتري لي لها عصب الیمن؟ فقال له: یا بني، لا تفعل. قال: ولم؟ قال: لأنها إن ذهبت لم تؤجر علیها ولم تخلف علیك، لان اللّه (تبارك وتعالی) یقول: (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ التي جَعَلَ اللّه لَكُمْ قِیاماً) فأي سفیه أسفه - بعد النساء - من شارب الخمر ؟! »(2).

11- موثقة السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «المرأة لا یوصی إلیها لأن اللّه تعالی یقول : (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) ».

قال محمد بن الحسن: هذا الخبر محمول علی ضرب من الكراهیة

ص: 185


1- اختیار معرفة الرجال: ج 1 ص 392 ح 282.
2- قرب الاسناد: ص 314 ح 1222.

لأنا قد بینا فیما تقدم جواز الوصیة إلی النساء. أنتهی كلامه(1).

قال الشیخ الصدوق: وفي خبر آخر: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن قول اللّه (عز وجل) : (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) قال: «لا تؤتوها شارب الخمر ولا النساء، ثم قال: وأي سفیه أسفه من شارب الخمر». قال: إنما یعني كراهة اختیار المرأة للوصیة، فمن أوصی إلیها لزمها القیام بالوصیة علی ما تؤمر به ویوصی إلیها فیه إن شاء اللّه تعالی. أنتهی(2).

وهي محمولة علی الكراهة عند المشهور وإن عمل بظاهرها جماعة وعلی كلا التقدیرین فهي دالة علی المطلوب لأن الكراهة في تولیتها الأمور الشخصية یلزم منه الكراهة في الأمور العامة.

12- ما قاله الشیخ الحویزي: اختلف في المعنی بالسفهاء علی أقوال، أحدها: انهم النساء والصبیان، رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (علیه السلام). وثالثها: انه عام في كل سفیه من صبي أو مجنون أو محجور علیه للتبذیر وقریب منه ما روی عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) أنه قال : «إن السفیه شارب الخمر، ومن جری مجراه»(3).

ص: 186


1- تهذیب الأحكام: ج 9 ص 245 - 246 ح 953.
2- من لا یحضره الفقیه: ج 4 ص 226 ح 5534.
3- تفسیر نور الثقلین: ج 1 ص 442 ح 54.

وهاتان الموثقتان تندرجان في الطائفة الثالثة الدالة علی ضعف الرأي.

13- ما في روایة أبي الجارود عن أبي جعفر (علیه السلام) في قوله (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) قال: «فالسفهاء النساء والولد، إذا علم الرجل ان امرأته سفیهة مفسدة وولده سفیه مفسد لا ینبغي له یسلط واحدا منهما علی ماله الذي جعله اللّه له»(1).

و هذا بمقتضی سعة اطلاع الرجل وتجاربه وطبیعته وأما قوتها وحنكتها فدونه.

و هذا الخبر مسند في الكافي إلا أنه مقتطع متنه وهو یدل علی أن ضعف الرأي من طبیعة الولد والمرأة إلا أن یزول عن الطفل بكبره وعن المرأة بكمالها.

14- قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و إن النساء همهن زینة الحیاة الدنیا والفساد فیها»(2).

وقد تقدم أن هذا لیس بلسان ذم بل تحذیر لكي لا تقع النساء في تداعیات سلبیة لطبیعتها.

ص: 187


1- تفسیر القمي: ج 1 ص 131.
2- نهج البلاغة، من الخطبة رقم 153 ص 43.

15- عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و أما فلانة فأدركها رأي النساء»(1).

16- روایة الشیخ الطبرسي، عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و أما عائشة فأدركها رأي النساء، ولها بعد ذلك حرمتها الأولی والحساب علی اللّه یعفو عمن یشاء، ویعذب من یشاء»(2).

وهو یدل علی أن طبیعة النساء رأیهن ضعیف لا اعتبار به.

17- عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «و لا تهیجوا النساء بأذی وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم، فإنهن ضعیفات القوي والأنفس والعقول، إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات. وإن كان الرجل لیتناول المرأة في الجاهلیة بالفهر أو الهراوة فیعیر بها وعقبه من بعده»(3).

فإنه (علیه السلام) یعلل بأمور تكوینیة في المرأة موجبة لمراعاتها، فالشارع المقدس یحذر تحذیراً شدیداً من الاعتداء الجسدي علی المرأة وإنما هو بالتسییس والتدبیر ومع ذلك یأمره بأن لایحكم صفات المرأة في الأسرة والمجتمع فأنظر أي حمایة للمرأة وأي صیانیة لها وللمجتمع والتشریع الأسلامي ینظم كل ذلك لها مع ما مرّ منه (صلی اللّه علیه و آله) من بیان جهات

ص: 188


1- نهج البلاغة، خطبة رقم 156 ج2 ص47 في كلامه لأهل البصرة.
2- الاحتجاج: ج 1 ص 248.
3- نهج البلاغة، باب المختار من كتبه ورسائله، ج3 ص15 ح14.

النقص فإن الدین یحمل الزوج أعباء المرأة ونفقتها ویأمره بأن لا یتعدی علیها.

الطائفة الثانية: الآمرة بالحجاب:
ستر المرأة:

1- موثقة الصدوق بالاسناد قال قال علي (علیه السلام) : «للمرأة عشر عورات فإذا زوجت سترت لها عورة واحدة وإذا ماتت سترت عوراتها كلها»(1). وهذه تندرج في الطائفة الثانية أیضاً وقد مر أن العورة هنا لیس معناها الازدراء والقباحة بل هي مواضع الضعف والانتهاز من الآخرین لهاوفریسة لابد من الحفاظ علیها.

2- موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «لا تنزلوا النساء بالغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسورة النور»(2).

والمراد ب(الغرف) أماكن الفتنة كما هو الحال في الطابق الثاني من البناء للاستشراف، فهذه دالة علی مسألة الحجاب وان النساء موراد للفتنة الجنسية.

ص: 189


1- عیون أخبار الرضا: ج 1 ص 42 ح 116.
2- الكافي: ج 5 باب في ترك طاعتهن، ص 516 ح 1.

3- مرفوعة یعقوب بن سالم قال : قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «لا تعلموا نساءكم سورة یوسف ولا تقرؤوهن إیاها فإن فیها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فیها المواعظ»(1).

4- روایة ابن القداح عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «نهی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أن یركب سرج بفرج»(2).

ومفاده في محدودیة حركة المرأة جسمانیاً.

5- منها روایة الحارث الأعور قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : «لا تحملوا الفروج علی السروج فتهیجوهن للفجور»(3).

وهذه تدل علی حرمة الاستمناء بالأولویة لكون النهي عن الركوب للتهییج فما بلك بالاستمناء.

وهي دالة علی ولایة الرجل علی المرأة بسلطنته علیها بحیث لا یركَّبها السروج فالروایة من الاخبار الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة إذ هو الذي یقوم بمنعها عن هذه الأمور و أن أمرها بیده.

6- منها مرسلة ابن سنان عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) :

ص: 190


1- الكافي: ج 5 باب في ترك طاعتهن، ص 516 ح 2.
2- المصدر نفسه، ح 3.
3- المصدر نفسه، ح 4.

«ما لإبلیس جند أعظم من النساء والغضب»(1).

و هذا لیس بتنقیص للمرأة وإنما هو باعتبار ما لها من جذابیة في جمال بدنها وصوتها وروحیتها من مصیدة قد تستغل ویوقع الشیطان الآخرین فهذه الاخبار من باب التحذیر وفهذا الخبر یندرج في الطائفة الثانية. وقد عقد الشیخ الكلیني باباً في التستر، وهو موافق للطائفة الثانية وهي الحجاب والعزلة، منها:

7- صحیح الولید بن صبیح عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : لیس للنساء من سروات الطریق شيء ولكنها تمشي في جانب الحائط والطریق»(2).

8- صحیحة الولید بن صبیح، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : أي امرأة تطیبت ثم خرجت من بیتها فهي تلعن حتی ترجع. إلی بیتها متی ما رجعت»(3).

ومفادها النهي عن الخروج التبرجي لا مطلق الخروج حتی العبادي.

ص: 191


1- الكافي: ج 5 باب في ترك طاعتهن، ص 516 ح 5.
2- الكافي: ج 5 باب في التستر، ص 518 ح 1.
3- المصدر نفسه، ح 2.

9- موثق ابن بكیر عن رجل، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «لا ینبغي للمرأة أن تجمر ثوبها إذا خرجت من بیتها»(1).

10- منها صحیحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «لیس للنساء من سراة الطریق ولكن جنبیه»(2). ومعنی سراة : وسط.

11- صحیحة حفص البحتري، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «لا ینبغي للمرأة أن تنكشف بین یدي الیهودیة والنصرانیة فإنهن یصفن ذلك لأزواجهن»(3).

وهذه تندرج في الطائفة الثانية الدالة علی حجاب المراة المانع من اتصالها المجتمعي.

12- معتبرة مسمع أبي سیار، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «فیما أخذ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) من البیعة علی النساء أن لا یحتبین ولا یقعدن مع الرجال في الخلاء»(4).

ص: 192


1- الكافي: ج 5 باب في التستر، ص 519 ح 3.
2- المصدر نفسه، ح 4.
3- المصدر نفسه، ح 5.
4- المصدر نفسه، ح 5.

ومفاده دال علی ما ذهبنا إلیه من أن الخلوة المحرمة خلوة التعداد القلیل من الرجال بالنساء كخلوة ثلاثة رجال أجانب بنساء أو رجلین بنساء خلوة منقطعة فإنه یشكل الحال فإنها تلحق بخلوة الرجل والمرأة الواحدة. فإن جملة من أدلة حرمة الخلوة لا تحصر الخلوة بالرجل والمرأة منفردين بل حتی إذا كان ثلاثة رجال ونساء في موضع مریب.

مصافحة النساء:

ویدل علی مضمون الطائفة الثانية أیضا ما رواه الكلیني (قدس سره) تحت عنوان مصافحة النساء، منها:

1- موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن مصافحة الرجل المرأة، قال: «لا یحل للرجل أن یصافح المرأة إلا امرأة یحرم علیه أن یتزوجها : أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها فأما المرأة التي یحل له أن یتزوجها فلا یصافحها إلا من وراء الثوب ولا یغمز كفها»(1).

2- صحیحة أبي بصیر قال : قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : «هل یصافح الرجل المرأة لیست بذي محرم ؟ فقال: لا، إلا من وراء الثوب»(2).

ص: 193


1- الكافي: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 1.
2- المصدر نفسه، ح 2.

3- روایة سیعدة وآمنة ابنتا أبي عمید بیاع السابري قالتا: دخلنا علی أبي عبد اللّه (علیه السلام) فقلنا: تعود المرأة أخاها؟ قال:«نعم»، قلنا: تصافحه؟ قال: «من وراء الثوب»، قالت إحداهما: إن أختي هذه تعود إخوتها !! قال : «إذا عدت إخوتك فلا تلبسي المصبغة»(1).

كیفیة مبایعة النبي(صلی اللّه علیه و آله) للنساء:

وعقد بابا لروایات بعنوان (صفة مبایعة النبي (صلی اللّه علیه و آله) النساء)، منها:

1- معتبرة سعدان بن مسلم: قال : قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «أتدری كیف بایع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) النساء ؟»، قلت: اللّه أعلم وابن رسوله أعلم، قال: «جمعهن حوله ثم دعا ب(تور برام)(2) فصب فیه نضوحا ثم غمس یده فیه، ثم قال : اسمعن یا هؤلاء أبایعكن علی أن لا تشركن باللّه شیئا ولا تسرقن ولا تزنین ولا تقتلن أولادكن ولا تأتین ببهتان تفترینه بین أیدیكن وأرجلكن ولا تعصین بعو لتكن في معروف، أقررتن؟ قلن : نعم. فأخرج یده من التور. ثم قال لهن : اغمسن

ص: 194


1- الكافي: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 3.
2- التور: اناء یشرب فیه. و ویرام جبل في بلاد بني سلیم عند الحرة من ناحیة البقیع. (المراصد).

أیدیكن، ففعلن فكانت ید رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) الطاهرة أطیب من أن یمس بها كف أنثی لیست له بمحرم»(1).

فقوله : «و لا تعصین بعو لتكن في معروف» واضح في ولایة الزوج.

النهي عن الدخول علی النساء:

وقد عقد الشیخ الكلیني (قدس سره) باباً في الدخول علی النساء:

1- روایة جعفر بن عمر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «نهی رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) أن یدخل الرجال علی النساء إلا بإذنهن»(2).

2- منها بالاسناد المتقدم: «أن یدخل داخل علی النساء إلا بإذن أولیائهن»(3).

وهي تندرج في الطائفة الثانية، إذ أن هذه الاخبار دلت علی أن الدخول علی النساء لیس كیفما كان بل له مقدمات لتأخذ المرأة حجابها.

السلام علی النساء:

وقد عقد الشیخ الكلیني بابا في التسلیم علی المرأة بروایات، منها :

ص: 195


1- الكافي: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 1.
2- الكافي: ج 5 باب الدخول علی النساء، ص 528 ح 1.
3- المصدر نفسه، ح 2.

1- موثقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : لا تبدؤوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلی الطعام فإن النبي (صلی اللّه علیه و آله) قال : النساء عي وعورة فاستروا عیهن بالسكوت واستروا عوراتهن بالبیوت»(1).

فالعي هو الضعف عن منطق الاحتجاج والحجة والسكوت والستر هوالحجاب، و هذا الخبر فیه دلالة علی الطائفة الأولی والثالثة.

2- موثقة غیاث بن ابراهیم، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «لا تسلم علی المرأة»(2).

المیزان في درجات حكم الاختلاط:

3- صحیحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) یسلم علی النساء ویرددن علیه وكان أمیر المؤمنین (علیه السلام) یسلم علی النساء وكان یكره أن یسلم علی الشابة منهن ویقول: أتخوف أن یعجبني صوتها فیدخل علی أكثر مما طلبت من الاجر»(3).

ص: 196


1- الكافي: ج 5 باب التسلیم علی المرأة، ص 534 ح 1.
2- المصدر نفسه، ح 2.
3- المصدر نفسه، ص 535 ح 3.

و هذا الصحیح یشیر إلی أن الخلطة والاختلاط بالنساء علی درجات بحسب درجات الاثارة و الفتنة وبحسب عمر المرأة وبحسب الملابسات الأخری فالحكم یختلف بحسب ذلك ولیس علی نمط واحد، و هذا میزان عام في باب العلاقة بین الجنسين.

4- صحیحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : النساء عيٌّ وعورة، فاستروا العورات بالبیوت واستروا العيَ بالسكوت»(1).

وهي تندرج في الطائفة الثانية.

5- ما رواه المجلسي عن الراوندي عن جعفر الصادق (علیه السلام) عن أمه (رضي اللّه عنها) : «إن فاطمة (علیها السلام) دخل علیها علي بن أبي طالب (علیه السلام) وبه كآبة شدیدة فقالت فاطمة (علیها السلام) : یا علي ما هذه الكآبة ؟ فقال علي (صلوات اللّه علیه) : سألنا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) عن المرأة ما هی؟ فقلنا: عورة، فقال: فمتی تكون أدنی من ربها؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلي (علیه السلام) : ارجع إلیه فأعلمه أن أدنی ما تكون من ربها أن تلزم قعر بیتها. فانطلق فأخبر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) بما قالت فاطمة (علیها السلام) : فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : «إن فاطمة بضعة

ص: 197


1- الكافي: ج 5 باب التسلیم علی المرأة، ص 535 ح 4.

مني»(1).

وقد تقدم مفاد هذه الروایة، وهي تندرج في الطائفة الثانية.

6- موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال :«اتقوا اللّه في الضعیفین - یعني بذلك الیتیم والنساء - وإنما هن عورة»(2).

و هذا الخبر له لسانان الأول وبیان ضعف المرأة واللسان الثاني بكون المرأة عورة لا بمعنی النقص وإنما لكون طبیعتها فریسة للرجال فهي موضوع طمع لهم.

7- ما رواه الشیخ الطبرسي: قال (صلی اللّه علیه و آله) : «صلاة المرأة وحدها في بیتها كفضل صلاتها في الجامع خمسا وعشرین درجة»(3).

بعض الأدلة التي استدل بها علی ولایة المرأة:
1- منها: الاطلاقات:

والجواب أولا بالاجمال وهو أنه لو وجدت اطلاقات دالة علی تولي هذه المناصب للأعم من الرجل والمرأة فهذه الطوائف الست مقیدة لها

ص: 198


1- بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 40.
2- الكافي: ج 5 باب حق المرأة علی الزوج، ص 511 ح 3.
3- مكارم الأخلاق ص 233.

وإن كانت الأدلة هي الاخبار الخاصة علی فرض وجودها فتصل النوبة إلی التعارض والتنافي والترجیح لجانب تلك الطوائف الست لتواترها.

2- منها: الأصل العملي:

إذ الأصل عدم التقیید بالذكورة.

و هذا التقریر خاطئ جداً لأنه یوجد فرق بین جریان الاصل العملي في الاحكام التكلیفية وبین جریانه في الاحكام الوضعیة كالاسباب والمسببات

فالشك في الشرط في باب الواجبات التكلیفية مثل الأقل والأكثر الارتباطي فتجري البراءة في الزیادة أما في الاسباب والمسبابات الوضعیة كالعقود والایقاعات فالشك في أخذ شيء في السبب یوجب الشك في المسبب وجریان البراءة في أخذه شيء في السبب لا یثبت وجود المسبب إلا بالأصل المثبت.

فمثلا الشك في اشتراط عقد البیع بالعلم بالعوض فلو اجرینا البراءة في هذا الشرط لا یرفع الشك في تحقق البیع المسبب والنقل والانتقال.

فالبیع غیر محرز وجوده لا بدلیل لفظي لكونه خلاف فرض الشك لعدم الدلیل اللفظي إذ لا تأتي النوبة للأصل معه ومجری الاصل العملي هو العقد اللفظي السبب وهو لاثبت البیع المسبب إلا بالأصل المثبت فجریان الاصول في الأسباب لا یوجب ثبوت المسببات إلا علی القول

ص: 199

بالأصل المثبت.

فالشك في نفوذ ولایة تصرف المرأة یحتاج إلی دلیل في النفوذ

والاصل الجاري هو عدم النفوذ.

وجریان البراءة في فعل المرأة لا یثبت نفوذ تصرفاتها إلا بالاصل المثبت.

3- منها: الأخبار الواردة:

وقد استدل علی ذلك بما جاء في صحیحة عمر بن حنظلة من قوله الصادق (علیه السلام) : «انظروا إلی رجل منكم روی حدیثنا»(1).

وما في معتبرة أبي خدیجة قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینكم فأني قد جعلته قاضیا فتحاكموا إلیه»(2).

ووجه الاستدلال بقوله «انظروا إلی رجل منكم» أن تخصیصه بلفظ الرجل مثبت ولیس فیه نفي، واثبات شيء لشيء لا ینفي ما عداه فإن قوله (علیه السلام) : «رواة حدیثنا» یشمل النساء إلا أن التذكیر للتغلیب، وأیضا

ص: 200


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 13 ح 7.
2- المصدر نفسه، ح 5.

قوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا...) (1) یشمل النساء. فمع وجود هذه المطلقات لا تصلح كلمة رجل في هذه الاخبار للتقیید.

فطائفة من الأدلة تبین صلاحیة الرجل وطائفة آخری تبین صلاحیة كل من یكون فقیها ولا تنافي بینهما و هذا موافق للدلیل الأول.

والجواب: أنه توجد أدلة كثیرة مخصصة ونافیة لولایة المرأة كما تقدم من الطائفة الرابعة.

4- منها: الاستدلال بآیة ملك بلقیس لقوم سبأ

والجواب قد تقدم من أن ذكر الخبر الفظیع والعجیب الذي قدمه الهدهد حتی علی الشرك باللّه تعالی هو قوله تعالی: (وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) (2).

وأما مدح القرآن الكریم لها بما یدل علی رجحان عقلها فهذا أدل دلیل علی عدم تولیها هذه المناصب وسلب صلاحیة الملك فإنه مع رجحان عقلها ومع ذلك ذم أولئك القوم الذين خالفوا السیر الفطریة العقلائیة وأمّروا امرأة علیهم.

ص: 201


1- سورة التوبة، الآیة 122.
2- سورة النمل، الآیة 23.

وأما أن النبي سلیمان (علیه السلام) قد أثبتها في الملك، فهذا لم یثبت بدلیل

معتبر من طرقنا.

5- منها: الاستدلال بمواقف السیدة الزهراء (علیها السلام)

فموقفها (علیها السلام) ومواقف أمها السیدة خدیجة (سلام اللّه علیها) وابنتها عقلیة الطالبیین زینب (علیها السلام) وما صدر منهن من الوقوف ضد الظالمین.

والجواب:

أولاً: أن هذا خاص بهذه النساء الكاملات فالتعدي إلی غیرهن یحتاج إلی احراز درجة كمال وعقل في المرأة لا عموم المرأة.

وثانیاً: أن الزهراء (سلام اللّه علیها) لم تتقلد منصب الأمامة السیاسیة وإن كان لها ولایة الأمر الالهي كما نص القرآن فمع حجیتها حتی علی جمیع الانبیاء كما نصت علیه الروایات بل وآیات أیضا إلا أني ذهبت إلی أكثر من ذلك وهو أن الزهراء علیها السلام لها ولایة وحقیبة وزاریة في حكومة الرسول الأعظم (صلی اللّه علیه و آله) بدلیل آیة الفيء وآیة الخمس وسورة الروم وسورة الاسراء: (وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ) (1)، وقد ذكرت ذلك في كتاب (مقامات فاطمة (علیها السلام))، ولیس هذا بمقام الامامة السیاسیة

ص: 202


1- سورة الإسراء، الآیة 26.

والرئاسة وإن كان في بعص المناصب الثانویة التبعیة للمرأة كبعض الادوار السیاسیة كسیرة بعض النساء مثل الزهراء (سلام اللّه علیها) وأمها خدیجة وأبنتها زینب وآسیا ومریم (علهن السلام) فإنه قد یجب كما لو وصل الامر إلی ضعف المسلمین وتوقف ذلك علی تصدي النساء وجب كما هو فتوی الفقهاء حتی علی الصغار فالمقصود أن القیام بالدور السیاسي أو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وصل إلی دور المرأة وجب علیهن مع الاحتفاظ والاحتشام فإن هذا أحد الموارد التي للمرأة فیه صلاحیة غیر صلاحیة الفتیا والتشریع والولایة العامة بل هو من قبیل المناصب الحسبیة الثانویة التي أشرنا إلیها مثل دور التبشیر الدیني.

6- منها: الاخبار الدالة علی تولي المراة هذه المناصب:

1- معتبرة حمران بن أعین، عن أبي جعفر (علیه السلام) أنه قال: «كأنني بدینكم هذا لا یزال متخضخضا یفحص بدمه، ثم لا یرده علیكم إلا رجل منا أهل البیت فیعطیكم في السنة عطاءین، ویرزقكم في الشهر رزقین، وتؤتون الحكمة في زمانه حتی أن المرأة لتقضي في بیتها بكتاب اللّه تعالی وسنة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) »(1).

ص: 203


1- كتاب الغیبة (للنعماني) : ص 244 ح 30.

وفیه:

أولاً: أن التعبیر بأن المرأة تقضی في بیتها لا یدل إلا علی أهلیتها للقضاء، والمحتمل أن المراد هو علو مقام المرأة العلمی بحیث تصل إلی علم القضاء وكون لها علم بالقضاء لا یعني نفوذ حكمها وإمضاءه.

وثانیاً: یحتمل كما ذكره بعضهم أن المراد بالقضاء هنا هو قضاء التحكیم وهو من باب الصلح إذ لیس فیها اجبار وارغام علی الأخذ بحكمه وقد ذكر بعضهم أیضا أن قاضي التحكیم لا یشترط فیه الاجتهاد - وقد یدعی أن هذا هو قول الأكثر - بل یعمل ویفصل بین الناس بمیزان شرعي وإن كان عن تقلید وثبوت هذه الأنماط والصلاحیات للمرأة لا مانع منه.

والذي یؤید أنها من باب الصلح: أن كون قضاءها في بیتها بُعْدُه فردي غیر عام بخلاف ولایة الفتیا والقضاء التي ترجع للشؤون العامة. و أن دلالة هذا الخبر خاص بما بعد الظهور لا قبله.

2- روایة مصادف، قال : سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) : «أتحج المرأة عن الرجل ؟ قال نعم، إذا كانت فقیهة مسلمة، وكانت قد حجت، رب امرأة خیر من رجل»(1).

ص: 204


1- وسائل الشیعة ج 11 أبواب النیابة في الحج، باب 8 ص177 ح7.

وفیه دلالة علی امكانیة تكامل المرأة وتفوقها علی الرجل وإن نذر ذلك.

3- صحیحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : جعلت فداك إني لما قضیت نسكي للعمرة أتیت أهلي ولم اقصّر، قال: «علیك بدنة»، قال: قلت: إني لما أردت ذلك منها ولم یكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: «رحمها اللّه كانت أفقه منك، علیك بدنة ولیس علیها شيء»(1).

وفیه:

أن هذین الخبرین یدلان علی وصول المرأة إلی مرتبة الفقاهة ولا دلالة علی تولیها مقام ومنصب الفقاهة، فكونها تصل لمقام الفقاهة شيء وأنها تتولی هذه المناصب شيء آخر ولیس ما ذكرناه یمنع من وصولها إلی مرحلة الفقه والفقاهة تكویناً نعم من الصلاحیات الثابتة للمرأة أنها إذا وصلت إلی مرحلة الفقاهة یحرم علیها التقلید ویجب علیها العمل علی وفق رأیها لأنها عالمة ولیست جاهلة كي ترجع إلی غیرها.

وأیضا لها مقام ومنصب حجیة الروایة فإنها مع وثاقتها یؤخذ بخبرها و هذا كله بخلاف ما نحن فیه من تولي منصب القضاء والفتیا.

ص: 205


1- وسائل الشیعة ج 13 أبواب كفارات الاستمتاع في الاحرام، باب 5 ص508 ح7.

4- مصححة أحمد بن إبراهیم، قال: دخلت علی حكیمة بنت محمد بن علي الرضا، أخت أبي الحسن صاحب العسكر (علیهم السلام) في سنه اثنتین وستین ومائتین فكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دینها فسمّت لي من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن بن علی، فسمته. فقلت لها: جعلني اللّه فداك، معاینة أو خبرا؟ فقالت: خبرا عن أبي محمد (علیه السلام) كتب به إلی أمه. فقلت لها : فأین الولد ؟ فقالت : مستور. فقلت : إلی من تفزع الشیعة ؟ فقالت: إلی الجدة أم أبي محمد (علیه السلام). فقلت لها: أقتدی بمن وصیته إلی امرأة ؟! فقالت: اقتداءً بالحسین بن علي (علیهما السلام) فإن الحسین بن علي (علیهما السلام) أوصی إلی أخته زینب بنت علي في الظاهر، فكان ما یخرج عن علي بن الحسین (علیهما السلام) من علم ینسب إلی زینب سترا علی علي بن الحسین (علیهما السلام)، ثم قالت: إنكم قوم أصحاب أخبار، أما رویتم أن التاسع من ولد الحسین بن علي (علیهما السلام) یقسم میراثه وهو في الحیاة...(1).

وأیضا ما في باب الحجج، فقد وردت عدة نصوص قابلة للاعتبار :

8- صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) :

إن معنا صبیا مولودا فكیف نصنع به ؟ فقال: «مر أمه تلقی حمیدة

ص: 206


1- كمال الدین وتمام النعمة : باب 45 ص 507 ح 36 ومثله في ص 501 ح 27.

فتسألها كیف تصنع بصبیانها»، فأتیتها فسألتها كیف تصنع، فقالت : إذا كان یوم الترویة فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما یجرد المحرم وقفوا به المواقف فإذا كان یوم النحر فارموا عنه وأحلقوا عنه رأسه ومری الجاریة أن تطوف به بین الصفا والمروة. قال : وسألته عن رجل من أهل مكة یخرج إلی بعض الأمصار ثم یرجع إلی مكة فیمر ببعض المواقیت أله أن یتمتع ؟ قال : «ما أزعم أن ذلك لیس له لو فعل وكان الاهلال أحب إلي»(1).

فقولها : (إلی الجدة أم أبي محمد) تعني أم الامام العسكري (علیه السلام).

وقد ورد عن حكیمة (علیها السلام) أنها كذلك تجیب المسائل.

وكذا ما یروی عن فاطمة المعصومة (علیها السلام) بنت الامام الكاظم (علیه السلام) كما هو مسموع وإن لم نتتبع الوقوف علی مصدره.

وفی بعض الروایات أن فاطمة الزهراء (علیها السلام) كانت تفتي الناس، وقد ذكرنا مفصلاً في كتاب (مقامات فاطمة (علیها السلام)) أنه قد ثبت لها ما هو أعظم من ذلك وأنها حجة علی الائمة (علیهم السلام) فإن لها مقام الحجیة والعصمة وولایة التشریع بعد اللّه ورسوله ووصیه.

وأما بالنسبة للاخبار الدالة علی أن الجدة والدة الامام العسكري (علیه السلام)

ص: 207


1- الكافي: ج 4 باب كیفیة حج الصبیان والحج بهم، ص 300 ح 5.

أو حكمیة أو زینب (علیهما السلام) فهذه مناصب خاصة بل ورد أن أم سلمة (رضوان اللّه علیها) قد أوصاها الامام الحسین (علیه السلام) بمواریث الامامة أي أنه أودعها عندها فهذه مناصب خاصة لبعض النساء دل علیها الدلیل ولا ننكرها وما مر في الأدلة لیس امتناع عقلي بل هو شرعي وتطابقه مع الحكمة التكونیة غالباً.

بل إن بعض النساء یتكاملن إلی مقامات عالیة كأن تكون من الأوتاد والاركان كتكامل خدیجة وزینب (علیهما السلام)، فإن هذه الاستثناءات لا ننكرها إلا أنه لا یستفاد منها دلیل عام.

و مثل هذا ما جاء أن من اصحاب الامام العسكري (علیه السلام) خمسون امرأة. و هذا أیضا استثناء خاص مثل بقیة الاستثناءات، وزیادة علی ذلك أن هذه الموارد - عدا فاطمة الزهراء (علیها السلام) - لیست من موارد المناصب بل هي ولایات خاصة من قبیل التبشیر بالایمان وغیرها من المناصب الخاصة المندرجة تحت ولایة الامام العامة.

وقد حملت هذه الاخبار علی الروایة أي ثبوت حجیة روایة النساء.

والصحیح أنها مناصب خاصة دون الفتیا والقضاء عدا مقام فاطمة الزهراء وابنتها زینب الكبری (علیهما السلام).

ص: 208

والحریة، علی قول(1).......................................................................................

8- منها: الاستدلال بالسیرة وما فیه:

والجواب: أنه لا توجد سیرة في تلك الأمور العلیا. نعم توجد سیرة في الصلاحیات المتوسطة، أي دون تلك الولایات العامة.

الشرط السادس: الحریة :

(1) شرط الحریة وأكثر من علق علی العروة لم یرتضها إذ لا دلیل علی اعتبارها فمع امكان أن یكون العبد فقیها وأعلم ولا یوجد ما یمنع منه، مع قیام اطلاق السیرة العقلائیة وكذا اطلاق الأدلة اللفظیة كقوله تعالی : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا...) (1).

والصحیح - خلافا للمحشین (قدس اللّه اسرارهم) - أنه یعتبر فیه الحریة و ذلك لأن منصب الفتیا والولایة هي قدرة تصرف وسلطنة وصلاحیة فكیف تعزی إلی شخص محجور علیه فإذا كان هو محجور علیه وتحت ولایة مولاه فكیف یكون والیاً علی مولاه وغیره مثل ما تقدم في الزوجة.

نعم تقبل روایته لأن الروایة أخبار محض وأما الفتیا فلیست اخبارا محضا كما تقدم مرارا بل هي منصب وزعامة وولایة وسلطنة وإلا لو كانت اخبارا محضا لكانت المرأة كذلك.

ص: 209


1- سورة التوبة، الآیة 122.

وكونه مجتهدا مطلقا، فلا یجوز تقلید المتجزی(1)..................................

الشرط السابع: الاجتهاد المطلق:

اشارة

صلاحیة القضاء والفتیا للمتجزئ وفیه أقوال:

(1) وفیه ثلاثة أقوال:

القول الأول: اشتراط الاجتهاد المطلق:

فلا یكفي تقلید المتجزئ وهو قول صاحب العروة.

القول الثاني: كفایة تقلید المتجزئ مطلقا:

اشارة

وهو مختار صاحب الجواهر (قدس سره) حیث یصر علی اجزاء قضاء المتجزئ وفتیاه.

القول الثالث: كون المدار علی صدق عنوان الفقیه:

فسواء كان متجزءا أو مطلقا ولو لم یتصف بالفقاهة لما صح تقلیده والمراد بالفقیه هو من له ممارسة في الاستنباط وقد استنبط فعلا.

أدلة القول الأول والثاني:
الدلیل الأول ظهور الأدلة في اختصاصها بالمجتهد المطلق:

فظاهر الأدلة اختصاصها بالمجتهد المطلق مثل: «انظروا إلی رجل نظر في حلالنا وحرامنا» ظاهرة فیمن نظره مستوعب للنظر في حلالهم وحرامهم فالنظر مسند إلی مطلق ما یصدق علیه حلالنا وحرامنا من دون

ص: 210

تخصیص بالبعض أو من نظر إلی غالب حلالنا وحرامنا فیكون رجوعه واجتهاده إلیهم مطلق ولیس خاصا بباب دون باب.

الدلیل الثاني: عدم شمول الدلیل لتقلید المتجزئ وما فیه:

لعدم ما یدل علی شمول هذه الادلة للمتجزئ ولیس فیها اطلاق والقدر المتیقن منها هو كون المجتهد مطلقا وهو مقتضی الأصل العملي في الدوران بین التعیین والتخییر.

الاشكال علی اختصاص الادلة بالمجتهد المطلق دون المتجزئ:

وقد أجیب:

أولاً: بأن أختصاص بعض الأدلة بالمطلق لا یعني اختصاص الأدلة الأخری به فإن بعض الأدلة اللفظیة والسیرة العملیة مطلقة لشمولها لمن كان متجزئا متخصصاً في بابه فهو أقدر من غیره بل قد یكون أقدر من المجتهد المطلق الذي لم یكن له ذلك الاختصاص فالمتخصص في باب قد یستند إلیه أكثر من استنادهم إلی المجتهد المطلق؛ و ذلك لأن المتخصص لدیه تركیز فیما هو متخصص أكثر من غیره.

وثانیاً: الأدلة اللفظیة الدالة علی ذلك وهي اطلاقات بعض الأدلة مثل:

معتبرة أبي خدیجة قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینكم فأني قد جعلته

ص: 211

قاضیا فتحاكموا إلیه»(1).

وقد اختلف الأعلام في مفادها فقال بعضهم: «شیئا من قضایانا» نص في التجزّي، وأما القائلون باشتراط الاطلاق في الاجتهاد وعدم الاكتفاء بالتجزي فقالوا : بأن هذه الروایة لا دلالة فیها علی التجزي؛ لأن قضایاهم لا یدركها ولا یحیط بها إلا هم (علیهم السلام) وما ذلك إلا لكون علمهم وقضایاهم بحر لا ینزف فالمطلق لایكاد یسمی بأنه عرف شیئا من قضایاهم.

فهذا صاحب الجواهر (قدس سره) عند وفاته سمع منادیا أو عبر الرؤیا أن هذا الرجل یعلم شیئا یسیرا من علم جعفر بن محمد الصادق(علیهم السلام) مع أن الجواهر كما یقال فیه أثنان وستین ألف فرع فقهي. فبملاحظ علم أهل البیت (علیهم السلام) لا یكون العالم إلا المجتهد المطلق العالم بأغلب الاحكام إذ لا یصدق علی المتجزئ أنه یعلم شیئا من قضایانا.

وأیضا یمكن أن یراد من قوله: «شیئا من قضایانا» أن «من» بیانیة حیث إن المتوهم یتوهم أنها تدل علی التبعیض فذهب إلی أن «شیئا من قضایانا» تعنی بعض قضایانا، و هذا لیس متعینا بل یحتمل أن «من» في المقام بیانیة أي شیئا من جنس علم هو قضایانا وعلیه فلا احتمال

ص: 212


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب1 ص13 ح 5.

للتبعیض أو الاجمال فیقتصر علی المتیقن من تعین الرجوع إلی المجتهد المطلق.

وأجیب: أنه هذا یسلم لو كان تعبیر الروایة كما ذكره إلا أن التعبیر هو: «شیئا من قضائنا» كما هو روایة الشیخ الكلیني وعلیه فلا یأتي هذا الاشكال؛ لأن ما رواه الكلیني (قدس سره) هو «شیئا من قضائنا»، وباب القضاء محدود ولیس ببحر طمطام، فإذا باب القضاء یكفي فیه التجزئ فما بالك بغیره من الأبواب فالتجزئ في أكثر من باب كباب الصوم والصلاة والخمس وغیرها من باب أولی.

ارتباط القضاء بالفتوی:

وفي هذا الجواب تأمل ونظر؛ و ذلك لأن باب القضاء یعتبر من أجمع وأصعب أبواب الفقه فلا یكفي فیه الاحاطة ببعض مسائلة بل لابدّ من الوصول إلی جمیع مسائله و ذلك لأن باب القضاء یحتاج إلیه كل باب من أبواب الفقه فإن القضاء یتوقف علی معرفة جمیع أبواب الفقه ولهذا قال (صلی اللّه علیه و آله) : «اقضاكم علی» (علیه السلام) ؛ لان القاضي لابد له من معرفة جمیع موازین الأبواب الفقهية لكي یتمكن من صغرویات القضاء وتشخیصها، فلو أراد أن یقضي في المعاملات لابد له من معرفة موازینها من كون الأصل مع من أو الظاهر مع من، وكي یحدد المدعي من المنكر

ص: 213

مثلاً وغیرها من القواعدة التي یحتاج إلیها الفقیه في نفس أبواب العبادات والمعاملات.

وللسید الكلبیكاني (قدس سره) نكتة من نفائس النكات - وقد أشار إلیها صاحب الجواهر (قدس سره) - وهي أن الأصل الأولی في باب القضاء أن یقضي بعموم أدلة حجیة الفتوی إلا أن یأتي دلیل حكم قضائي خاص یعدل به عن هذا الأصل، ففي كل مورد في القضاءیحتاج إلی المیزان القضائي والفتوائي، فالمیزان الفتوائي له عمومیة وشمولیه لجیمع أبواب الفقه.

ومثله لو تنازع الزوج والزوجة في الدخول وعدمه فهو یتوقف علی تحقیق الخلوة هل هي أمارة علی الدخول أو لا؟ وعلیه فلابد من مراجعة الاخبار والأدلة في الحكم في المسألة الفتوائیة في النزاع والشك الموضوعي لكي علی طبقها یفتی ویقرر وإلا لما أستطاع أن یقضي مع عدم ملاحظة الاخبار والمعارضة بینهما.

هذا في الشبهة الموضوعیة وأما لو كان في الشبهات الحكمیة فواضح أن المیزان في القضاء فتوائي. ففصّل باب القضاء عن الأبواب الفقهية غیر معقول بل هو مرتبط بها ومتوقف علیها. وكما لو مات الزوج قبل الدخول فهل یثبت لها نصف المهر أو كله وعلیه لو تنازع ورثة الزوج مع الزوجة إلی الحاكم فإنه لایقضي إلا بالموازین الفتوائیة في حكم ما یثبت للمراة المتوفي عنها زوجها قبل الدخول.

ص: 214

........

وكذا لو اختلف جماعتان في زید من الناس أو سعد للصلاة جماعة فهل یثبت أن الامام الراتب استحقاق أو لا؟ وما هو الفرق بین الامام الراتب وغیره؟ فالنتیجة القضائیة تختلف علی وفق تحدید هذه الموازین الفتوائیة قبل القضاء. فالقضاء مرتبط بجمیع أبواب الفقه، ولهذا قالوا : إن أصعب الأبوابباب القضاء ؛ و ذلك لارتباطه بجمیع أبواب الفقه.

ما استدل به للقول الثالث:

الصحیح أن هذه الاخبار تدل علی اجزاء تقلید المتجزئ ولكن لیس المتجزئ مطلقا بل المتجزئ الفقیه فالرجوع إلیه من حیث الفقاهة فحتی لو كان مجتهدا مطلقا ولم یمارس الفقه والاستنباط فإنه لایصح تقلیده.

فمعتبرة أبي خدیجة تدل علی ذلك، فإن قوله (علیه السلام) : «من علم شیئا من قضایانا» هو من استنبط بالفعل وإلا لولم یستنبط شیئا لا یقال له : «علم شیئاً من قضایانا»، وأیضا فإن نفس التعبیر بالفقیه لا یختص بالمجتهد المطلق فإنه ینطبق علی من مارس الاستنباط ولو في عدة من الابواب فیصدق علیه أنه فقیه و هذا شبه التحلیل العقلي للعنوان في لسان الشارع وهو أن المجتهد إذا لم یستنبط فهو غیر عالم وإذا لم یكن عالما بالفعل كیف یفتی؟!

فالتعبیر في الروایة: «نظر في حلالنا وحرامنا» النظر في الشيء یغایر

ص: 215

والحیاة(1)............................................................................................................

النظر إلی الشيء، والتعبیر في الآیة الكریمة: (لِیَتَفَقَّهُوا في الدِّینِ) أي لیفهموا باعمال النظر والتفقه والتدبر وإمعان التحلیلوهو غیر الروایة. ولا یمكن الاعتماد علی مجرد السیرة و ذلك لأن السیرة ناظرة إلی الطریقیة المحضة ومقامنا لیس بطریق محض بل هو منصب والمنصب لا یعتمد فیه علی السیرة إذ السیرة لیست لها صلاحیة التنصیب والولایة فلابد من الرجوع إلی من له صلاحیة التنصیب والولایة وهو المعصوم (علیه السلام) ویتعبد بمقدار ما نصب.

والحاصل أنه لا یكفي في التقلید صرف الاجتهاد - وهو الملكة - بل لابد من الفقاهة التي هي الممارسة العملیة لاستنباط الاحكام... والفقاهة لا تتقید بالاطلاق بل تتحقق في التجزئ أیضاً بعد فرض تحقق بقیة الشرائط والممارسة فعلا للاستنباط.

الشرط الثامن: الحیاة:

(1) مر البحث مفصلا في عدم جواز تقلید المیت ابتدءا وقد ذكر بعض الأعلام تنبیهاً حاصله أنه مع اشتراط الحیاة لو فرض عدم وجود الفقیه الحي أو عدم التمكن من الوصول إلیه فهل یبقی اعتبار الحیاة في هذه الفروض أو یتعین علیه تقلید المیت ابتداء.

هناك جملة من الأعلام قالوا بسقوط شرطیة الحیاة، فیصح له تقلید

ص: 216

المیت ابتداءاً غایة الامر ینظر أعلم الأموات وإن لم یحرز الأعلم یحتاط.

وفی الحقیقة أن هذا نوع من الاحتیاط في التقلید ولیس احتیاطاً ابتداءا وخصوصا إذا لم یستطع أن یشخص الأعلم من الأموات فإنه یجمع بین أقوال الأموات ویعمل بأحوطها وهو نمط من الاحتیاط في التقلید ولیس فیه اسقاط لشرطیة الحیاة في التقلید.

وتصویر وتقریب عدم سقوط شرطیة الحیاة - مع أنه باطلاق شرطیة الحیاة یسقط التقلید عن الاعتبار ویتعین الاحتیاط - بأن الأدلة المطلقة في حجیة التقلید قیدت بأمور جملة منها مقیدات عقلیة وهي في ظرف امكان ذلك القید وأما في ظرف عدم امكانه وتعذره فتبقی تلك الأدلة علی اطلاقها. إلا أن هذا التصویر والتقریب الصحیح في المقام غیر ما ذكر من تصویر وتقریب حرفي بل لنا تصویر وتقریب تحلیلي لمفاد الأدلة وهو أنه إذا ما نظرنا إلی حقیقة الفتوی وحللناها وجدناها مشتملة علی حیثیات عدیدة كحیثیة الاماریة وحیثیة الولایة وإن كانت متلازمة غیر منفكة كما لا یخفی فأما بالنسبة إلی أدلة اماریة الفتوی فهي غیر مقیدة بالحیاة كحجیة الروایة وأما بالنسبة إلی حیثیة الولایة والسلطة التشریعیة وهي سلطة لا تكون إلا للحي.

وعلیه، فإذا تعذرت جنبة الولایة لا دلیل علی سقوط جنبة الاماریة والكاشفیة، فلا مانع من الرجوع إلی فتوی الاموات من هذه الجنبة مع

ص: 217

فلا یجوز تقلید المیت ابتداء، نعم یجوز البقاء كما مرو أن یكون أعلی فلا یجوز علی الأحوط تقلید المفضول مع التمكن من الأفضل(1)، و أن لا یكون متولدا من الزنا(2).......................................................................

تعذر جنبة الولایة التي لا بد فیها من الحیاة فالجنبة التي تعالج الكشف عن الحكم الشرعي لا یشترط فیها الحیاة وأما الجنبة التي تعالج الجنبة الولایة والسلطة التشرعیة فهي مقیدة بالحیاة فتعذر قید هذه الجنبة لا یسقط جنبة الكاشفیة ففي الاموات تبقی جنبة الحجیة الاماریة علی ما هي علیه. فهذا معنی أن بعض الأدلة مطلق شامل لصورة التعذر وبعضها مقید. نعم قد یقرر ذلك بتحقق بقیة الشرائط مع الاختلاف.

الشرط التاسع: الرجوع للأفضل :

(1) الاحتیاط في مورد الوفاق لتمامیة أدلة الحجیة بالنسبة للجمیع لیس علی نحو الاستغراق فحسب بل علی نحو العموم المجموعي بحیث تتشكل حجیة أقوی للفتوی مكونها من حجج متعددة وله أیضا آثار عملیة في مسألة البقاء علی تقلید المیت والاستئذان وأما في مورد المخالفة فیتعین الرجوع إلی الأعلم كما تقدم.

الشرط العاشر: أن لا یكون متولداً من الزنی:

(2) ما ورد من أدلة مانعیة التصدیة لابن الزنا خاصة بصلاة الجماعة ولم یرد في المقام شيء منها، إلا أنه من باب الأولویة القطعیة تسریتها

ص: 218

و أن لا یكون مقبلا علی الدنیا وطالبا لها، مكبا علیها، مجدا في تحصیلها ففي الخبر: «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدینه، مخالفا لهواه، مطیعا لأمر مولاه فللعوام أن یقلدوه»(1).

إلی المقام من حیث أنه إذا كان هذا المنصب فما بالك بالمنصب الذي هو أوقع مكانا منه إلا أن الصحیح أنه یمكن أن یستدل علی شرطیتها أیضاً بما مورد من اخبار في بیان شأن ابن الزنا فإن فیها دلالة عامة لعدم تولي ابن الزنا للمناصب الدینية هذا مع قطع النظر عن البحث الكلامي من كونه حرمانا ومخالفا للعدل الالهي، إذ مثله ابن الحلال الذي فقد بعض الكفاءات المأخوذة في الزعامة الدینية... ونستطیع أن نستدل أیضا علی ذلك بما ورد في مقامات الأمامة الالهیة العظمی دلیلا علی اعتبار الطهارة والنجابة في هذه المناصب الالهیة.

الشرط الحادي عشر: أن لا یكون مقبلا علی الدنیا:

اشارة

(1) ظاهر الماتن (قدس سره) أن المقصود بهذا الشرط غیر العدالة بل المقصود به الحرص والعكوف علی الدنیا وإلا فالائمة (علیهم السلام) ممن اشتغلوا بالتجارة وكذا اصحابهم كصفوان الجمال والحلبيون الذين هم كوفيون إلا أنهم لتجارتهم سموا بالحلبيین لتجارتهم.

وقد استظهر منه الماتن وبعض المحشین علی العروة انه یشترط ما هو زائد عن العدالة كالسید الخمیني في تحریر الوسیلة والسید الخوانساري كالورع وما شابهة ذلك، زائدا علی أصل اعتبار العدالة.

ص: 219

وقد ناقش جملة آخرون في هذا الاشتراط تارة بعدم اعتبار هذا الخبر من جهة السند وأخری من جهة الدلالة لعدم كونه مغایراللعدالة.

أما السند فإن هذا الخبر وارد في تفسیر الامام العسكري (علیه السلام) و هذا التفسیر تام سنده اجمالاً وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في بحث علم الرجال من جهة ما وصلنا إلیه من توثیق الصدوق (قدس سره) له وأیضا اعتماد الراویین الأخوین بعد اعتماد نفس المفسر واعتماد الصدوق (قدس سره).

اختلاف العدالة سعة وضیقاً باختلاف حجم المسؤولیة:

وأما الدلالة فالعدالة تتفاوت علی حسب سعة وضیق المسؤولیات فكلما زادت واتسعت المسؤولیات زادت التكالیف نحوها فتحتاج إلی عدالة بشكل أشد بل حتی في الأمر الواحد تختلف العدالة باختلاف مرتبة ذلك الموضوع فإن مرتبة العدالة المطلوبة في إمام الجماعة لقریة تختلف عنها بما إذا كانت لمدینة فالعدالة لم تختلف إلا أن مقوماتها ومحققاتها تختلف بالنسبة من شخص إلی آخر فإمام الجماعة لحي مؤنة العدالة عنده أشد من أحد أهل الحي ومؤنة إمام الجماعة لمدینة أكثر من مؤنة امام جماعة تلك القریة الصغیرة إذ المطلوب یكثر ویشتد، فنفس اشكال من اشكل علی هذه الروایة (بأنها لا تزید شیئاً علی معنی العدالة) فیه اعتراف ضمني علی أن العدالة المعتبرة في الزعامة والادارة

ص: 220

الدینية تستلزم صفات أخر ملازمة معها كالورع والعفة وصون النفس فإن تلك الصفات لو لم تكن مصاحبة أو متوفرة لم تتحق العدالة في مقام الزعامة الدینية فبقاء العدالة بنفس بقاء هذه الصفات فإذا اردنا معرفة توفر العدالة في الزعیم فعلینا بمعرفة وجود هذه المؤشرات التي هي صون النفس والعفة وعدم الحرص علی الدنیا وغیرها مما یلازم العصمة....

وعلیه فكلما أزدادت المسؤلیات زادت القیود المعتبرة في العدالة فإن المؤمن العادي الذي لا مسؤلیة له إلا علی نفسه لا یحتاج إلی هذه الأمور من عدم الحرص علی الدنیا وصون النفس و ذلك لعدم ابتلاءه بمسؤولیات كثیرة حتی یطالب بأن یرسم لنا نظام اقتصادي عادل أو قضائي وغیرهما من الامور التي خارجة عن محل ابتلاءه وهي تستلزم أمور لا تستلزمها عدالة المؤمن صاحب المسؤولیة الخفیفة.

تنبیهات:

التنبیه الأول: اعتبار شروط الفقیه حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط؟:

وقد ذكر هذا التنبیه بعض الأعلام وحاصله أن هذه الشروط غیر شرطیة الحیاة هل هي شروط في مرحلة الحدوث والبقاء أو في مرحلة الحدوث فقط، والمراد بالحدوث هو أنه حین استنباط المجتهد وافتاءه

ص: 221

وتقلید الملكف له - سواء عرف التقلید بالأخذ أو بالالتزام أو غیرها من التعاریف التي تقدمت - لا بد من توفرها في ذلك الحین فقط ولا یشترط بقاءها بعدُ أو یشترط؟ ولا ریب من اعتبار توفرها حدوثا أما اعتبارها بقاءا بحیث لو انتفی شیئا منها فهل یختل التقلید أم لا؟

فمبدئیا لتصورها حدوثا فقط وجه و ذلك لو بنینا علی حجیتها من باب الأمارة لكان للحجیة بقاء بعد فقد شرط من شروط المجتهد نظیر حجیة روایة الراوي فإن أخذ الروایة منه یشترط فیه توفر شروط مقررة وأما بعد الأخذ لا یشترط بقاءها كالأخذ بروایة علي بن حمزة البطائني لعنه اللّه قبل انحرافه وكذا أحمد العبرتائي.

فلو بنینا هنا علی حجیة الفتوی من باب الامارة فلا أثر لتخلف الشرط أما لو بنینا علی أن الفتوی لیست بأمارة محضة بل أمارة ممتزجة بالولایة والصلاحیة كما هو الصحیح فالصحیح اعتبار الشرائط حدوثا وبقاءا لأنها ولایة ومنصب فینتفی بانتفاء أحد تلك الشروط.

التنبیه الثاني: في اختصاص منشأ اعتبار علم الفقیه بخصوص الكتاب والسنة أو غیرهما :

إن فقاهة الفقیه التي هي منشأ لحجیة الفتاوی والزعامة هي التي یستقی علمها من الكتاب والسنة ولا عبرة بالذي یستنبط علمه من الجفر

ص: 222

والمكاشفات و هذا هو مفاد الآیات (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ...) فلا بدّ من كون مصدر علمه هم أهل العصمة (علیهم السلام) إذ هم مصدر التشریع والتفقه حتی لو قطع بتلك الامور من دونهم لأن حجیة القطع كما بیّناه في محله لیست بذاتیة بل هي تابعة لمنشأه. هذا علی مبني الانفتاح وأما علی مبني الانسداد بأنه لم یثبت للفقیه الاعتماد علی طرق مثبة للكتاب والسنة فهل هذا یعد فقیها ویقلد أم لا؟

فالصحیح جوازه و ذلك ؛ لان قوله : (بالانسدد) لا یعني تركه للكتاب والسنة ورفضهما بل مبناه یشملهما فهو یستند إلی حجیة الامارات الكاشفة عن دلالة الكتاب لا من دلیلها الخاص بل من جهة اعتبار مطلق الظن وهو الدلیل العام فالاستشكال علیه بأن الفقیه الانسدادي یعترف بأنه جاهل بالاحكام فكیف یسوغ للجاهل الرجوع له فهو من رجوع الجاهل للجاهل» لا محل له، لأن الفقیه الانسدادي حینما یقول بالانسداد فهو لا یقتصر علی نفسه بل یعممه لكل العلماء فإذا كان هو الأعلم فهو یخطأ الانفتاحي فیتعین تقلیده هذا شيء والشيء الآخر أنه حینما یقول: « لا طریق للاحكام» یقصد به لا دلیل خاص، لا أنه لا دلیل أصلا حتی الدلیل العام وهو الظن المعتبر بالانسداد.

فعدم الدلیل عنده أي الدلیل الخاص لا أنه ینكر أصل الدلیل حتی الدلیل العام سواء كان باعتبار كشف العقل عن اعتبار الطرق علی الحكم

ص: 223

الشرعي وهو الانسداد علی الكشف أو حكم العقل باجزاء العمل بالظنون وهو المعبر عنه بالانسداد الحكمي.

التنبیه الثالث: شبهة العلمانین بوصف الفقیه بالعلم مع أنه ظان لا علم له؟ :

وذكروا تنبیها آخر لدفع شبهة العلمانیین وحاصله: أن العالم بالدین منشأ علمه كله ظنون وأمارات ظاهریة فمستقی علمه ظنون التي یعبرون عنها بالتراث البشري وجهد بشري لا تراث وحیاني.

وعلیه فإذا كان مستقی الفقیه الظنون كیف یعبر عن الفقیه بالعالم بالاحكام وهو غیر عالم بل ظان بالاحكام و هذا خاص بمن فسر الحجیة بجعل الحكم المماثل أو جعل المؤدي أو التنجیز والتعذیر وأما لو فسرناها بجعل الطریقیة وهو العلم التعبدي فلا یرد الاشكال.

و هذا البحث بحث في الاجتهاد والتقلید في الاصول.

الاجتهاد منهج علمي للحقیقة أم تراث ومنتج بشري:

وقد أجاب عنها الآخوند الخرساني والمحقق الاصفهاني :

الجواب الأول: وهو أن العالم بالحكم بمعنی العالم بالحجة علی الحكم الشرعي فالفقیه مهمته تحصیل المؤمّن الشرعي باعتبار أن الانسان مخلوق ومملوك فلابد من تحصیل المؤمّن من مخالفة مولاه، فمن ثم

ص: 224

نحن ملزمین باستنباطات علم الفقه.

والجواب الثاني: أن الفقیه لیس جمیع ما لدیه ظنون بل توجد ضروریات وبدیهیات في الفقه لا یلتفت إلیها إلا الفقیه و ذلك لوجود كثرة التواتر والاستفاضة وغیرها من الامور التي لا یطلع علیها عموم المسلمین بل هي خاص بمن خاض في الفقه فالفقیه والباحث یطلع علی أمور مستفیضة أو آیات الاحكام الموجبة للیقین لم یطلع علیها غیره وهكذا فعند الفقیه كثیر من الامور القطعیة الحاصلة له بأدلة نظریة ولهذا یعبر عن بعض الضرورات بالضرورات الخاصة كالضرورة عند المفسرین أو المحدثین أو الفقهاء و ذلك لعدم اطلاع غیرهم علیها.فالفقیه لدیه خاصیة علم وجداني لا یمكن أن یحصل عند غیره. فكثیر

من الضرورات الفقهية عند الفقیه نعم لا نسلم أنها ضرورات عند عامة المكلفین لكنها ضرورات خاصة باصحاب العلوم بل القدماء یقولون بأن الفقه مبني علی خصوص العلم وإن خالفهم المتأخرون فقالوا بجواز ابتناءه علی الظن وهو لا یدل علی أن الفقه كله أو جله مبتنی علیه فعلاً.

والجواب الثالث: أن كل العلوم البشریة علی أقسام منها ما هو في دائرة البدیهات وقسم منها في دائرة قریبة من البدیهیات وقسم منها متوسط ومنها نظري فالعلم الواحد له هذه التقسیمات فقسم البدیهات منه أكثر من النظریات ثم هذا لا یختص بعلم الفقه بل كل العلوم

ص: 225

المنسوبة إلی الحقیقة الكونیة(1).

ص: 226


1- أقول: الجواب الرابع أنه لابد من اعتبار الموازنة بین الكاشف ومن المنكشف أي بین الإراءة والواقع فجمیع المنظومات ذات القوانین الوضعیة والالزامية بعد الفراغ من اثبات تلك القوانین واعتبارها یأتي دور اعتبار الكاشف عنها فإن واضعي القانون لا یخلو أما أن یعتبروا القطع والیقین طریقا لقانوانینهم وأما أن یعتبروا الاطمئنان وأما أن یعتبروا الظن أو یعتبر الجمیع مطلقا أو علی تفصیل في بعضها....ولا یخفی أن القطع لا یصح أن یكون بمفرده هو الطریق إلی تلك القوانین و ذلك لأن القطع مع قلته وسعت القوانین تكون دائرته ضیقة من جهة كشفه عن الواقع هذا مع ملاحظة أن القطع لیس دائما مصیب في نفسه للواقع و أن كان مصیبا دائما بنظر القاطع... فلو اعتبر القطع لكان اخلالا بالمنظومة القانونیة لعدم امكان الوصول إلیها بالقطع ومعه لا یثبتها علی نحو الدوام.... وأما أن نعتبر الاطئمنان فهو لا یخلو أما الاطمئمنان الشخصي أو النوعي والاول قلیل أیضا بالنسبة إلی المنظومة الدینية والثاني بانضمامه إلی القطع والإطمئنان الشخصي یفي بأغلب القانونین الوضعیة.... ویمكن للواضع أن یعتبر بعض الطرق التي یراها تودي للوصول إلی اغلب أحكامه ولها منافع أخری كالتسهیل وغیره و أن كان یفوت منها بعض مصالح الواقع... إلا أن یتدارك... و هذا ما یذكر من الوجوه في الجمع بین الحكم الظاهري والواقعي... فیكون الواضع والمقنن قد وازن بین مصالحه والحفاظ علی قوانینه وبین الطرق إلیها وهذه طرق متبعة عند العقلاء... والمخالف لها خارج عن السیر والمرتكزات العقلائیة... فلیس عدم قطعیة الطریق تعني الجهل وضیاع المنظومة القانوین بل العكس هو الصحیح فإن اعتبار قطعیة الطریق فقط وفقط یؤدي إلی ضیاع المنظومة القانوینیة بحجة عدم القطع بها فاعتبار الطرق غیر القطعیة اعبتار عقلائیة قائم علیها العقلاء وله مناشئ ومنطلقات في مرتكزاتهم فالمشكل بذلك أما جاهل أو غافل عن المرتكزات العقلائیة. من المقرر.

(مسألة 23) : العدالة عبارة عن ملكة إتیان الواجبات وترك المحرمات، وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علما أو ظنا وتثبت بشهادة العدلین، وبالشیاع المفید للعلم(1).

المسألة الثالثة والعشرون: حقیقة العدالة وما قیل في تعریفها:

اشارة

(1) في تعریف العدالة أقوال:

التعریف الأول: هي ملكة اتیان الواجبات وترك المحرمات.

و هذا تعریف المشهور ومرادهم لیس الاقتصار علی صرف الملكة بدون عمل، بل بما هي داعیة فعلا لإتیان الواجبات وداعیة فعلاً لترك المحرمات. فلیس المراد الملكة المجردة عن العمل.

التعریف الثاني: هي الاستقامة في العمل وكون الاعمال علی جادة الشریعة.

و هذا التعریف یركز علی العمل.

التعریف الثالث: هي حسن الظاهر، وظاهر هذا القول أن المراد من حسن الظاهر هو حسن السلوك المعلن للأنسان هو العدالة. ویرد علیه أن من كان في سلوكه العملي الخفي الباطني خبث یتصف بالعدالة.

و هذا التعریف كما تری.

ص: 227

التعریف الرابع: هي الاسلام أو الایمان مع عدم احراز الفسق أو عدم احراز الآخرین العمل المخالف للشریعة. ونسب السید الخوئي (قدس سره) هذا إلی الشیخ الطوسي والعلامة الحلي (رحمهما اللّه)، وقد بیّنّا في مباحث الرجال عدم تمامیة هذه النسبة، وبیّنّا أن مسلك الشیخ والعلامة هو القول الثالث لكن لا في حقیقة العدالة، بل في احرازها بالقول الثالث.

الفرق بین التعریفین الثالث والرابع:

أن الثالث لابد فیه من احراز حسن السلوك الظاهري وأما في القول الرابع فلا یشترط فیه إلا عدم احراز الفسق لا احراز عدمه.

و هذا نظیر الشروط والموانع فالأولی یجب احرازها لكونها شروط وجودیة والثانية یكفي عدم الاحراز لكونها أموراً عدمیة.

فیُتأمل في عد القول الرابع قولاً في العدالة إذ لعله وسیلة لاحراز العدالة، بل حتی القول الثالث یوجد من یتبني أنه وسیلة احراز في قبال من یتبني أنه بنفسه عدالة.

ولنذكر من باب الاجمال بعض الاعتراضات، وبعد ذلك ننطلق من معطیات لابد من التوفیق بینها.

فهناك ثوابت تتنافی مع هذه الأقوال فلابد لكل قول من هذه الأقوال من التوفیق بینه وبین تلك الثوابت :

ص: 228

فمن تلك الثوابت: أنه إذا ارتكب المؤمن كبیرة من الكبائر ولو مرة واحدة فإنه یخرج من العدالة مع بقاء الملكة فاصحاب القول بالملكة كیف یوافقون بأن العدالة هي الملكة مع ارتكاب الكبیرة.

ومن تلك المعطیات التي یعترض بها علی القول الثاني أنه لو حصلت الاستقامة من دون الوثوق بالاستقامة المعلنة لا تتحقق العدالة، فمن قال: بأن العدالة هي الاستقامة فإنه مع تحقق الاستقامة من دون الوثوق النوعي السلوكي في البیئة الظاهرة لا یوجب العدالة، فالوثوق باستقامة الشخص وراء استقامته.

و هذا ما ذكر في بعض الصحاح مثل: «لا تصلِّ إلا خلف من تثق بدینه»(1)، وما في صحیحة عبد العزیز بن المهتدي: فممن آخذ معالم دیني؟ قال: «من زكریا بن آدم المأمون علی الدین والدنیا»(2)، وكذا «العمري وابنه ثقتان...»(3) وأیضا «خذ عن یونس بن عبد الرحمن»(4).

وقد یقال : إن مجرد صرف السلوك - من دون انبعاثه عن ملكة بارزة في الظاهر وموجبة للوثوق - لا یحقق الائتمان المأخوذ في العدالة

ص: 229


1- وسائل الشیعة: ج 8 أبواب صلاة الجماعة، ب 12 ص 319 ح 1.
2- وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 246 ح 27.
3- المصدر نفسه، ص 236 ح 4.
4- المصدر نفسه، ص248 ح 34.

فصرف السلوك لا یوجب العدالة.

فهاتان نقطتان ثابتتان موجبتان لتعدیل القول الأول والثاني.

وأیضا هناك ثوابت لابد أن تعالج مع هذه الأقوال مثل أن العدالة تنقطع بالمعصیة وتعود بالتوبة فما هو تعریف العدالة الذي یتناسب مع هذه الثوابت.

فالتعریف الثاني وهو الاستقامة لا توجد عند أحد في طول عمره... وعلیه فلا یمكن تعریف العدالة بالاستقامة علی جادة الشرع بقول مطلق إذ یلزم منه عدم وجود العادل إلا النادر بحیث لا ینحرف عنها أصلاً.

فالجواب: أن العدالة بهذه الدرجة غیر مطلوبة وإنما یكفي أنها تذهب وتعود هذا ما ذكره الأعلام ویمكن أن نجیب بجواب آخر وهو أن العدالة علی درجات.

والمستفاد من الاخبار أن العدالة هي تحقق الاستقامة من الانسان في السلوك الظاهري. ومن تلك الاخبار:

معتبرة علقمة قال: قال الصادق (علیه السلام) وقد قلت له : یا ابن رسول اللّه أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل فقال : «یا علقمة، كل من كان علی فطرة الإسلام جازت شهادته». قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب ؟ فقال : «یا علقمة، لو لم تقبل شهادة المقترفین للذنوب لما

ص: 230

قبلت إلا شهادة الأنبیاء والأوصیاء (علیهم السلام)، لأنهم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعینك یرتكب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة اللّه، داخل في ولایة الشیطان»(1).

و هذا الاستدلال من المعصوم (علیه السلام) عقلي أي أنه لو كان معنی العدالة عدم اقتراف الذنوب لما قبلت شهادة أحد قط إلا المعصومین (علیهم السلام)، فقوله: «من أهل العدالة والستر» یدل علی أنها السلوك الظاهري لأن العادلة تارة بلحاظ البیئة العامة وتارة بلحاظ البیئة الخاصة الأسریة وتارة بلحاظ الشخص ونفسه فالعدالة علی درجات فالمتهتك حتی في البیئة الظاهرية یفقد العدالة في البیئة العامة فالمحافظة علی العدالة في البیئة الظاهرية العامة هي درجة من الملكة ودرجة من الاستقامة ودرجة من البناء وتكوین الشخصية لا أنها أمارة علی العدالة الخاصة فقط فلیس السلوك الظاهري مجرد امارة بل هو ملكة في حدودها العام فالانسان الذي یستطیع أن یحافظ علی توازنه في البیئة الظاهرية عنده نوع من القدرة والملكة لا تنكر.

ص: 231


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 349 ح 13.

فإذا عرفنا أن للعدالة درجات منها عدم مخالفة الشارع قط حتی سهوا وغفلة ولو جهلاً في جمیع البیئات العامة والخاصة وهي المساویة للعصمة ومنها عدم معصیته في الامور المنجزة وهي مع الالتفات وتارة عدالة في أكثر شؤون حیاته لا یعصي - إلا نادرا وإذا عصی تاب - وفي جمیع البیئات الاجتماعية العامة والاسریة والفردية وتارة عدالة في البیئة العامة والاسریة فقط دون الفردية فهذه نمط من العدالة فهي درجة من الاستقامة وقدر من قدرات العدالة فحفاظه علی شخصیته في هذه البئیة العامة والاسریة قد یكفي في قبول الشهادة منه وهو ما عبر عنه (علیه السلام) : «فمن لم تره بعینك یرتكب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة اللّه، داخل في ولایة الشیطان».

فقوله (علیه السلام) : «فشهادته مقبولة» فسرّها المشهور بالقبول الظاهري لا الواقعي وإن كان ظاهر الروایة هي القبول الواقعي.

وقوله (علیه السلام) : «و من اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة اللّه، داخل في ولایة الشیطان» أي ما دام قد بنی علی عدالته الظاهرية وحافظ علی طهارة شحصیته في البیئة الظاهرة فلا یجوز هدمها. فالروایة تنفي العدالة بالمعنی الأول والثاني ولكن لا تعیّن المعنی الثالث.

ص: 232

وقد اشكل علی سندها من جهة أحمد بن محمد العطار ومحمد العطار من مشایخ الكلیني وأما أحمد فهو ممن استجازه الصدوق ومراجع الطائفة في الكتب المهمة فكیف یستجیزه كبار الطائفة مع عدم وثاقته لا معنی له وهو ابن أحد الكبار فله موقعیة ومعروفیة، ویكفي في سلوكهم العملي باعتمادهم علیه تدلیلا علی موقفهم منه ونحن بنینا علی أن الاعتماد العملي من المتقدمین أقوی من توثیق النجاشي والشیخ الطوسي لأنهم معاصرون ومطالسون لهم من دون اسناد ووسائط والاعتماد العملي علی الشخص غیر الروایة عنه كالاعتماد علیه في مهمات كتب الاصحاب فلا یقبل القدح من المتأخرین مع اعتماد المتقدمین فمثلا الحسن بن محبوب یعتمد بكثرة الروایة وفي ابواب مهمة علی راوٍ ما، بینما الشیخ النجاشي یضعفه فیكون هذا تعارض بین اعتماد الحسن بن محبوب المعاصر له والجهبذ الركن من فقهاء الرواة وبین تضعیف النجاشي وأین هذا من ذاك و هذا المبني هو مبني المتقدمین.

فعلی كل حال لابد من الصیاغة المأخوذة للعدالة التي تنظر إلی نوع من المعالجة لهذه الثوابت التي منها ارتكاب الكبیرة فحین الارتكاب یتحقق الخروج عن العدالة؟ مثل عدة من الذنوب عبر عنها في القرآن بأنها فسق وعلیه لا یمكن الاقتصار علی تجرید الملكة، مع أنه لا یمكن

ص: 233

الاقتصار علی السیرة العملیة بلحاظ أن مجرد السیرة العملیة - مع عدم الوثوق في الدین كما في جملة من الاخبار - لا تكفي وعلیه فلا یمكن الاقتصار علی صرف الاستقامة فالأوفق أنها ملكة ذات تأدیة فعلیة علی الاستقامة علی جادة الشریعة.

وهناك ثابت آخر غیر هذین الثابتین وهو أن عدم ارتكاب الذنب وعدم العصیان قط، لا یمكن أخذه في العدالة المعتبرة فضلا عن عدم المخالفة غیر المعلومة نعم هذه رتبة من العدالة ولكنها منصب للمعصوم (علیه السلام) وهي عدم مخالفة غیر المعلوم فضلا عن العصیان.

فالمراد مرتبة من العدالة وهي المرتبة الرابعة أو الثالثة وهي التستر والحفاظ علی الاعتدال والاتزان في البیئة الاجتماعية فهي في ذاتها عدالة لا أن أخذها علی أنها كاشفة عن رتبة من العدالة النفسیة بل هي في نفسها رتبة من العدالة فالعدالة ماهیة واحدة ولكنها مشككة تختلف باختلاف الرتب بحسب اختلاف البیئات والامتحانات وغیرها من الأسباب.

فلابد من أن یقع البحث عن أي درجة اعتبرت من العدالة في هذه المقامات، هل هي علی درجة واحدة أو علی درجات؟ إذ في الامامة العظمی اعتبرت تلك العدالة الكبری وهي عدم ارتكاب مخالفة قط فضلا عن الذنب.

ص: 234

و مما تقدم ثبتت شواهد علی القول الثالث و أن الاشكال علیه بلزومه اجتماع الفسق والعدالة كما لو ارتكب كبیرة في الباطن وهو مع ذلك عادل لاتصافه بحسن الظاهر فیلزم اجتماعهما وعلیه لا یكون حسن الظاهر إلا كاشفا وامارة علی العدالة الباطنية.

والجواب: هو أنهم ذكروا أنهم لا یعتبرون العدالة المطلقة التي لا یقع معها ذنب بل العدالة التي یمكن أن یقع معها الذنب ولو وقع منه ذنب ثم تاب فإنه لا یتصف بالعدالة في حالة وقوع الذنب منه ولكنه یتصف بالفسق ویصدق علیه أنه فاسق ولكنه صدق مقید بوقت وهو لا یتنافی مع العدالة الموقتة بغالب الأوقات فإنهما اجتمعا في محل واحد ولكن بقید ظرفین من الأوقات وإن كان هذا الفسق الموقت الذي صدق مع العدالة المؤقتة لا یصدق مع العدالة المطلقة. فهكذا یمكن أن یقرب المعنی الثالث بأن العدالة بقول مطلق غیر صادقة وغیر معتبرة إلا أن الفسق بلحاظ الباطن یجتمع مع العدالة التي هي ستر العیوب بلحاظ الظاهر و هذا یتم إذا لم یجعل حسن الظاهر أمارة.

ومنها صحیحة ابن أبي یعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتی تقبل شهادته لهم وعلیهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج والید واللسان ویعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه علیها النار من شرب الخمر، والزنا والربا

ص: 235

وعقوق الوالدین، والفرار من الزحف، وغیر ذلك، والدلالة علی ذلك كله أن یكون ساترا لجمیع عیوبه، حتی یحرم علی المسلمین ما وراء ذلك من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلك، ویجب علیهم تزكیته وإظهار عدالته في الناس، ویكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب علیهن وحفظ مواقیتهن بحضور جماعة من المسلمین، و أن لا یتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبیلته ومحلته قالوا: ما رأینا منه إلا خیرا مواظبا علی الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك یجیز شهادته وعدالته بین المسلمین، و ذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب، ولیس یمكن الشهادة علی الرجل بأنه یصلی إذا كان لا یحضر مصلاه ویتعاهد جماعة المسلمین، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلی الصلاة لكي یعرف من یصلی ممن لا یصلي، ومن یحفظ مواقیت الصلاة ممن یضیع، ولولا ذلك لم یمكن أحد أن یشهد علی آخر بصلاح، لأن من لا یصلي لا صلاح له بین المسلمین، فان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) همّ بأن یحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمین، وقد كان فیهم من یصلي في بیته فلم یقبل منه ذلك، وكیف یقبل شهادة أو عدالة بین المسلمین ممن جری الحكم من اللّه (عز وجل) ومن رسوله (صلی اللّه علیه و آله) فیه الحرق في جوف بیته بالنار، وقد كان یقول : لا صلاة لمن لا یصلی في المسجد مع المسلمین إلا

ص: 236

من علة»(1).

وفي هذه الصحیحة قوله (علیه السلام) : «أن تعرفوه بالستر والعفاف» فإن هذه الفقرة دالة علی أن نفس ستر العیوب هو نفس متن العدالة ویحتمل أن تكون أمارة علی العدالة الباطنية وأما قوله (علیه السلام) بعد ذلك : «والدلالة علی ذلك كله أن یكون ساتراً لجمیع عیوبه» فظاهر في الأماریة إلا أن قوله (علیه السلام) : «و ذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب» ظاهرة أن نفس الصلاة و هذا المظهر یكفر الذنوب الباطنية فنفس الستر الظاهر رتبة من العدالة تمحي ما بطن من الذنوب فالساتر لظاهره یسبب ارعواء عن الذنوب وواعزاً لاستقامة المرئ في الباطن لأن هذه الملكة في الظاهر موجبة لتوبة الانسان.

فالقول الثالث له عدة تفسیرات :

التفسیر الأول: المشهور أنه امارة.

التفسیر الثاني: ان الستر الظاهري هو درجة من درجات العدالة.

التفسیر الثالث: أن یقال أن الستر في الظاهر ماحي لما قد یقع في الباطن من الفسق فحكمة كون العدالة هي الستر في الظاهر لأنه موجب لمحو الذنوب الباطنية.

ص: 237


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 391 ح 1.

التفسیر الرابع: أن الفسق في الباطن لا أثر له ما لم یبرز لا من جهة الاثبات، فحسب بل لأن المقدار اللازم من العدالة المأخوذة في الشاهدین أو أمام الجماعة أوغیرها، هي تلك الدرجة من العادلة التي في الظاهر. نعم لو برز شیئ من الباطن للظاهر أخل بالعدالة لأنه تجاوز سطح الباطن إلی الظاهر وأما لو لم یتجاوزه فلا أثر له إلا إذا برز، فالفسق غیر مخل ما لم یبرز.

وربما یتوهم دلالة صحیحة عبد اللّه بن المغیرة علی القول الرابع، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام) : رجل طلق امرأته وأشهد شاهدین ناصبین، قال :«كل من ولد علی الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»(1).

و هذا التوهم مدفوع باعتبار أنه قید بقوله :" وعرف بالصلاح" فلیس المعیار هو أن یولد علی الفطرة فحسب بل لابد من معرفته بالصلاح فاعتبار حسن الظاهر لابد منه كما هو في صحیحة ابن أبي یعفور.

تفسیر الفسق:

وأما مقتضی التعریف اللغوي للعدالة - وهو شاهد أیضا للقول الثالث - فقد یقال في تعریفها أنها تقابل الظلم والفسق، والفسق في اللغة

ص: 238


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 393 ح 5.

هو الخروج یقال فسد الرطبة إذا خرجت عن قشرها فكأنما یقال الفاسق للذي یخرج عن ستر عیوبه فالفسق هو الجهار بالمعصیة لا مجرد نفس ارتكاب المعصیة.

قال الزبیدي: الفسق - بالكسر - الترك لأمر اللّه عز وجل والعصیان والخروج عن طریق الحق سبحانه، قاله اللیث. أو هو الفجور، كالفسوق بالضم. وقیل: هو المیل إلی المعصیة... ویقع بالقلیل من الذنوب والكثیر... (1).

إلا أن ما یظهر من بعض الآیات أن نفس ارتكاب الكبیرة فسق كشرب الخمر وأكل المیتة قوله:(إِلاّ أَنْ یَكُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) (2)، وقوله تعالی: (وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) (3)، فالفسق ظاهر بلحاظ نفس فعل الكبیرة وإن لم یرتكبه في الظاهر وقوله: (وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللّه عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ) (4)، وقد یخدش في دلالة هذه الآیة بارتباطها بالعقیدة وهي ذكر غیر اسم اللّه علیها.

ص: 239


1- تاج العروس: ج 13 ص 401 مادة (فسق).
2- سورة الانعام، الآیة 145.
3- سورة المائدة، الآیة 3.
4- سورة الانعام، الآیة 121.

وما جاء في تحف العقول في تفسیره (علیه السلام) للفسق : (صفة الخروج من الایمان)(1)، وقد یخرج من الایمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات: الكفر والشرك والضلال والفسق وركوب الكبائر...، ومعنی الفسق فكل معصیة من المعاصي الكبار فعلها فاعل، أو دخل فیها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب فهو فسق وفاعله فاسق خارج من الایمان بجهة الفسق فإن دام في ذلك حتی یدخل في حد التهاون والاستخفاف فقد وجب أن یكون بتهاونه واستخفافه كافرا.

فإنه (علیه السلام) فسر الفسق بكل معصیة من الكبائر فعلها فاعل أعم من كونها في الظاهر أو في الباطن فحاصل هذا الخبر أنه حدُّ وتعریف شرعي مؤید بالآیات التي جعلت الفسق نفس ارتكاب المعاصي.

فالتقریب اللغوي مناف لظاهر الشرع ففي اللغة فسق فجر والفجور هو البزوغ والظهور ففجر عن أمر ربه أي خرج إلا أنه یمكن أن یجاب أن الفسق قد استخدم كثیرا في الآیات مقابلاللایمان لا في مقابل العدالة بینما العدل في مقابل الظلم أو یكون المراد من الفسق في الآیات هو عدم المحافظة علی السلوك الایماني في الظاهر و هذا كله محتمل.

وعلیه فالفسق هو البروز والظهور للمعصیة وعلیه فتحمل الآیات

ص: 240


1- تحف العقول: ص 330 - 331.

علی عدم المحافظة علی السلوك الایماني في الظاهر، فلو كنا والمعنی اللغوي فإنه قابل لتقریب المعنی الثالث إذ إن الفسق هو ظهور المعصیة.

المتحصل من الوجوه في تعریف العدالة وبیان المختار:

فالمحصل مما استعرضناه من الوجوه أن العدالة ذات درجات ویمكن أن یقرب المعنی الثالث بأخذ الشارع بعض درجات العدالة كحسن الظاهر وقد یأخذ ما هو أعلی درجة... إلا أن اطلاق الأدلة القرآنیة والروائیة مثبتة للأعم.فالقول الثالث له تقریب وتوجیه وشواهد لا أنه غیر قابل للتوجیه فلو اعتبرت هذه الدرجة من العدالة فیكون الفسق بحسب الباطن غیر مؤثر في عدالة الشهود مثلا.

والصحیح - كما مر بنا - من هذه الاقوال لا القول الثاني ولا الثالث ولا الاستقامة العملیة ولا الملكة بل هو خصوص الملكة المؤدیة للاستقامة العملیة فعلا كما هو الحال في بقیة الصفات العملیة التي هي هیئات نفسانیة تؤدي إلی حسن السلوك العملي فلا السلوك العملي من دون الملكة، ولا الملكة من دون السلوك العملي لما مرّ من أن جملة من الروایات آخذة للوثوق كقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدنیا والدین» فصفة الأمان تكون من الهیئة النفسانیة الباعثة والزاجرة ولیس من السلوك العملي فقط فأخذ الوثوق بالایمان - في قوله (علیه السلام): «المأمنون علی الدین والدنیا» یدل علی اعتبار الهیئة والملكة، ووجود الملكة مع ارتكاب

ص: 241

ارتكاب الكبیرة یدل علی أن الملكة فحسب لیست هي العدالة بل لابد من الاستقامة العملیة ولا یكفي وجود الملكة الباعثة علی السلوك العملیة.

فتحصل أن اختلال السلوك في الظاهر مخل بالعدالة و أن الاطلاقات الشرعية بأن الفسق ظاهرا وباطنا مانع من العدالة. ولكنه حیث ثبت بأن العدالة ذات درجات فلا مانع من أخذ العدالة في بعض الأبواب بدرجة نازلة كما لا یمنع أخذها في بعض آخر بدرجة عالیة، فالعدالة لها معنی وحداني ولكنه مشكك فیه قوة وضعف فاعتبارها مثلا في الفقیه لیس كاعتبارها في امام الجماعة وهكذا ولا یمتنع أخذ الشارع بعض الدرجات في بعض المناصب دون بعض.

فالعدالة هي ملكة وصفة نفسانیة ثابتة اجمالاً باعثة فعلا علی الاستقامة علی جادة الشریعة فلا ینافي ثبوتها الجواد قد یكبو والسیف قد ینبو.

تاثیر الصغائر في العدالة وعدمه والتحقیق في أصل وجودها:

المشهور علی عدم أخذ ترك الصغائر في العدالة فما لم یصر علی الصغیرة فهو عادل وهومخالف لمشهور المعاصرین.

وقد استدل مشهور المتقدمین علی عدم أخذ اجتناب الصغائر في العدالة للآیات الدالة علی العفو عن الصغائر، هذا دلیلهم اجمالاً.

ص: 242

و هذا البحث فیه جدل صناعي عمیق إلا أن الالتزام بعدم أخذ ترك الصغایر في العدالة من مؤیدات القول الثالث - لا من أدلته - لأن الصغائر غالباً تكون خفیة غیر ظاهرة.

وقد وقع الخلاف في وجود ذنوب صغائر وكبائر أو كلها كبائر فذهب الشیخ الصدوق (قدس سره) إلی عدم وجود الصغائر: انظر إلی من تعصي ومعصیة العظیم عظیمة.

إلا أن الاخبار مستفیضة بوجود الصغائر وكذا الآیات وهي دالة علی العفو عن الصغائر وهي دالة علی اعتبار تركها في العدالة قال تعالی: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَیِّئاتِكُمْ) (1)، وقوله تعالی: (الذينَ یَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ) (2).

فاللمم غیر كبائر الاثم وغیر الفواحشن - مع أن حقیقة هذه المفرادت لم تبحث ولم تحقق لا عند علماء الاخلاق والتفسیر إذ القرآن والسنة تارة یعبر بالسیئة وأخری بالمعصیة وتارة بالاثم وتارة بالذنب وتارة بالتبعة وتارة بالخطیئة وتارة بالفسق وتارة بالكبائر وتارة بكبائر الأثم فهذه أقسام عدیدة من تجسم الأعمال فلم تحقق معاني هذه الاقسام، إذ لكل مفردة من هذه تشخیص خاص وعلاج خاص -.

ص: 243


1- سورة النساء، الآیة 30.
2- سورة النجم، الآیة 32.

نعم الجرأة علی اللّه من الكبائر بل أعظم لأنها تفضي إلی الكفر الخفي ولهذا جاء في الكافي الفرق بین ترك الصلاة وإنه كفر - وهو سلب الایمان - وبین الزنی وأنه لیس بكفر لما في ترك الصلاة من استخفاف وتجرؤ علی اللّه بخلاف الزنا فإنه بداعي غلبة الشهوة والمیول وقد جاء في الدعاء: «اِلهی لَمْ اعْصِكَ حینَ عَصَیْتُكَ وَاَنَا بِرُبُوبِیَّتِكَ جاحِدٌ... لكِنْ خَطیئَةٌ عَرَضَتْ وَسَوَّلَتْ لي نَفْسي»(1)، فارتكاب الانسان الصغیرة وهو مستخف سالب للایمان.

وقضیة الجمع بین ما تقدم من الآیتین وبین قوله: « فلا صغیرة مع الاصرار ولا كبیرة مع استغفار » فإن الاصرار هو عدم الاستغفار فإذا لم یستغفر من الصغیرة كان اصرارا وهو من الكبائر.

اشكال في كلام المفسرین وجوابه:

وعلیه فالعفو عن الصغائر مع اجتناب الكبائر من دون الاستغفار أین مورده؛ لأنه بالاستغفار تغفر الذنوب لا باجتناب الكبائر؟

وقد أجیب بجوابین والجواب الأول ذكر في الجواهر:

بأن الصغائر مع عدم الاستغفار لا نسلم أنها تكون اصرارا لأن الاصرار هو أما أن یعاود أو ینوی المعاودة.

ص: 244


1- لاحظ دعاء أبي حمزة الثمالي في أعمال أسحار شهر رمضان.

أما إذا ارتكب الصغائر ولم یصر بحیث لم ینوِ المعاودة فالصغیر التي ارتكبها بداعي شهوي ومیل أو غضب حتی غفل عنها ولم یستغفر منها فباجتنابه الكبائر تغفر له الصغائر.

شرطیة التوسل بالنبي(صلی اللّه علیه و آله) في الغفران والتوبة:

والجواب الثاني هو أن لغفران الذنوب أسباب ومن اسبابها الاجتناب عن الكبائر: أن هذا لا یعني أنه لا یستغفر بل الاستغفار من أسباب الغفران ولكن بشرط توسط شفاعة النبي(صلی اللّه علیه و آله) لقوله: (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّه....) (1)، ولم ینبه علی ذلك فقهاؤنا، وقد حققنا هذا المطلب في كتاب (التوسل) وبعد ذلك وقفت في كلمات الآلوسي علی كلام ینقله عن بعض العلماء: (أنه یلتزم أن من شرائط التوبة التوسل بالنبي (صلی اللّه علیه و آله) وإلا فلا تصح التوبة).

وتوجد روایات صحیحة في باب الصلاة تصرح بأن الدعاء لا یرتفع حتی یصلي علی النبي وآله (صلوات اللّه علیه وعلیهم أجمعین) وهو نمط من التوسل والاستغفار.

والآیات القرآنیة دالة علی ذلك أیضاً فمنها قوله تعالی: (إِنَّ الذينَ كَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا یَدْخُلُونَ

ص: 245


1- سورة النساء، الآیة 64.

اَلْجَنَّةَ حَتّی یَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِیاطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِینَ) (1)، فلاستكبارهم علی آیات اللّه وقطیعتهم وجفائهم لأهل البیت (علیهم السلام) لا یغفر اللّه لهم بل لا یقبل منهم شیئا حتی عقائدهم ولهذا ذهبنا بأن التوسل من شروط الایمان.

وحاصل هذا الجواب أن اجتناب الكبائر احد اسباب غفران الذنوب وحتی تغفر الذنوب من هذه الجهة لابد من اجتناب جمیع الكبائر ولا یخفی أن لاجتنابه إیاها شیئا فشیئا آثاراً عظیمة فإنها وإن لم توجب النجاة إلا أنها تخفف العذاب أو توجب عدم الخلود في النار وغیرها فیوجد ترابط بین التوبة وغفران الذنوب فأي خطوة حسنة توجب التخفیف و هذا البحث لم یتعرض له الفقهاء لأنه بحث كلامي.

وفي الجملة أن مشهور المتقدمین لم یأخذوا اجتناب الصغائر قیدا في العدالة للآیتین المتقدمتین.

اشكالان علی عدم تأثیر الصغائر في العدالة وما فیهما:

وقد اشكل مشهور المتأخرین علی الاستدلال بهاتین الآیتین:

الإشكال الأول: أن غایة هذا الدلیل القرآني هو العفو عن الذنوب لا نفي كونها ذنوبا فغایة هذا الدلیل هو العفو والتكفیر أما أنها لیست

ص: 246


1- سورة الأعراف، الآیة 40.

بمعاصيوأنها لا تعتبر خروجاً عن الجادة فهذا أمر آخر والحاصل أن العفو أمر والخروج عن طاعة المولی أمر آخر.

والاشكال الثاني: اثباتي وحاصله أن مرتكب الصغائر من أین یُعلم أنه لا یرتكب الكبائر كي یحرز أنها معفو عنها وغیر مخلة بالعدالة؟ فلا طریق لاثبات العدالة.

وهذان الاشكالان غیر تامین:

أما الاول: فلإنه مع وجود العفو لا ذنب ومع عدم الذنب كیف یكون فاسقا من لا ذنب له فثبوت العفو عنه له مدخل في الاستقامة فإن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" فنفس التوبة صمام أمان من الانزلاق فكذلك عفو اللّه صمام أمان من الانزلاق وخصوصا بأن الآیة وصفته من الذين أحسنوا الحسنی.

ووصف مجتنبي الكبائر إلا اللمم بأنهم أحسنوا بالحسنی مع ما عندهم من الصغائر واللمم یدل علی عدم تأثرهم وبقاءهم علی ما هم علیه قبل الارتكاب.

وأما الثاني: فإن وجود حسن الظاهر باجتنابه الكثیر من الصغائر وعدم اصراره علی ما ارتبكه منها موجب للاطمئنان بعدم عمله للكبائر.

وانقلاب الصغیرة إلی كبیرة بالاصرار له مصادیق منها عدم التوبة ومنها المعاودة علیها بشكل متكرر، وفُسّر بأنه تكرار الصغائر وإن لم

ص: 247

تكن من نوع واحد، ومنها ارتكاب الصغیرة مع الاستخفاف والتجري.

ولا یخفی وجود أسباب أخری لمغفرة الذنوب منها الشفاعة والتوبة واجتناب الصغائر منها ولا یخفی أن كل معصیة إذا قیست إلی العظیم تكون عظیمة إلا أن الكبائر في المقام هي لبیان وتمییز بین التكالیف الشرعية من أن بعضها رئیسیة ولها من الخطورة ما لها وبعضها غیر رئیسیة ولیس له تلك المرتبة من الخطورة.

فالاستدلال بالآیات تام إجمالا وإن خدش فیه أعلام العصر. هذا كله مع عدم صدق الكبیرة علی الصغیرة وإلا فهو خارج عما نحن فیه.

الاستدلال بالاخبار علی عدم اعتبار الصغایر :

إن جمیع ما صرحت به الروایات من مصادیق الكبائر ولم تذكر للصغائر مصداقاً و هذا یدل اجمالا علی عدم اخلال الصغائر بالعدالة.

منها صحیحة ابن أبي یعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتی تقبل شهادته لهم وعلیهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج والید واللسان ویعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه علیها النار من شرب الخمر، والزنا والربا وعقوق الوالدین والفرار من الزحف، وغیر ذلك، والدلالة

ص: 248

علی ذلك كله...»(1). فإنه (علیه السلام) خص اجتناب الكبائر بالذكر ولهذا التخصیص بالكبائر دون الصغائر مفهوم وهو أن ارتكاب الصغائر ما دامت صغائر لا تكون مخلة بالعدالة، و هذا تقریب الاستدلال اجمالا.

وقد أشكل علی هذا الاستدلال بعدة صیاغات:

الصیاغة الاولی: بأن هذا المفهوم من قبیل مفهوم اللقب وهو محل كلام في دلالته.

و هذا الاشكال مدفوع لأنه لیس من الاستدلال بمفهوم اللقب بل هو من أقوی المفاهیم وهو مفهوم التحدید وهو ما یكون النص فیه بصدد بیان تحدید وتعریف حقیقة الشيء فكل ما یؤخذ في هذا المقام من قیود له مفهوم بل هو أقوی من مفهوم التعلیل ومفهوم الشرط ویعبر عنه بأنه أقوی المفاهیم لأنه في مقام ذكر القیود الجامعة والمانعة.

والثانية: عدم صحة دعوی عدم ذكر الصغائر في صحیحة ابن أبي یعفور؟ باعتبار قوله (علیه السلام) بأنه ساتراً لجمیع عیوبه وهو یشمل حتی الصغائر و ذلك لأن الستر هو ستر لكل المخالفات الشرعية التي منها الصغائر.

و هذا الاشكال أیضا مدفوع بأمرین:

ص: 249


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص391 ح 1.

الأول: أن العمدة في صدق هذه العناوین والصفات كما في تقریب الآیتین هو اجتناب الكبائروتعبیر الخبر أیضا عند قوله(علیه السلام):«ویعرف باجتناب الكبائر» وإلا لقال(علیه السلام): «ویعرف باجتناب المعاصي»، نعم صدقها علی درجات. فهذه القرینة لفظیة لمنع التمسك بالاطلاق.

والثاني: أن كل ما ذكر في الروایات أو في جلها من المعاصي هي مصادیق الكبائر مثل الخیانة والكذب وشرب الخمر والزنی وهذه أمثلة لاجنتاب الكبائر لا الصغائر فلو كان ملتزما بترك الكبائر تصدق علیها العدالة وهذه القرینة اللفظیة صالحة لمنع الاطلاق الشامل للصغائر، فاختلال العدالة بصدور صغیرة منه مرة واحدة مع بقاء عنوان الصغیرة علیها فیه تأمل واضح.

وقد نُسب إلی المحقق الهمداني (قدس سره) تقریب بتفصیل من عدم أخذ الصغائر في العدالة، وحاصله:

أن الصغائر تارة ترتكب عن غفلة وسهواً وشهوة وغیرها من الاعذار العرفية وتارة ترتكب عن استخفاف واصرار ومكابرة وعن عمد ففرق بین النمطین فإن الأول لا یعده عرف المتشرعة مخلا بالعدالة ولا موجبا للخروج عن جادة الاستقامة بخلاف النمط الثاني فلو صدرت عن استخفاف وتجرّي فإنها تعد مخلة بالعدالة بحسب ارتكاز المتشرعة.

ص: 250

وقد اشكل علیه بأن هذا هو مقصودكم: «من صدورها عنه بعذر» فإن كان العذر ینتهي إلی الشرع فهو جائز ولا موضوع للمعصیة وإن لم ینته إلیه فهو حرام ولیس بعذر بل هو تذرع بالعذر فالتفصیل لا یرجع إلی محصل.

إلا أن الصحیح الذي یرومه المحقق الهمداني شیئاً آخر - وإن كانت عبارته قاصرة عن تأذیته - وهو أن الصغیرة من حیث هي غیر مخلة بالعدالة كصدورها عن شهوة وغفلة فهي لا تخل بكونه مأمونا علی دینه ولا بكونه ذا عفاف وستر وغیرها من العناوین الواردة في الاخبار ما دامت صغیرة نعم تخل بالعدالة لو اقترنت بالاستخفاف والاستهزاء والتجري والتحدي بحیث لم تبق علی كونها صغیرة.

فتفصیل الهمداني (قدس سره) لیس تفصیلا في الحقیقة بین الصغائر بل هو یشیر إلی ما أشارت إلیها الروایات(1) الدالة علی أن الزنا تارة یؤتی به عن شهوة جامحة وملحة لیس فیها مكابرة ومعاندة فإن هذه الروایات یستفاد منها أن الاستخفاف والعناد هو بنفسه عنوان یزید الكبیرة كبیرة فكیف بالصغیرة ومع عدم وجود الاستخفاف یخفف الكبیرة، فإن الاستخفاف

ص: 251


1- وسائل الشیعة: ج أبواب جهاد النفس، باب 45 ص ح 7 وغیره، وهي في كتاب الكافي المجلد الثاني في كتاب الایمان والكفر.

عنوان من عناوین الكبائر وقد ذكر هذا في باب التجري في علم الاصول.

ویستدل للمشهور أیضاً بذیل صحیحة ابن أبي یعفور قال (علیه السلام) : «ویكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب علیهن وحفظ مواقیتهن بحضور جماعة من المسلمین، و أن لا یتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبیلته ومحلته قالوا : ما رأینا منه إلا خیرا مواظبا علی الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك یجیز شهادته وعدالته بین المسلمین، و ذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب...». فإن الصلاة ماحیة لذنوبه فهو كمن لا ذنب له فإن الصلاة ترجعه إلی جادة الشرع لانحرافه عن جادة الشرع بما صدر منه. وهذه موافقة لمفاد آیة نكفر عنه سیئاته فالصلاة امارة توجب الرجوع والأوبة إلی جادة الشرع.

وبتقریب أخر لهذا الذيل : أن الاتیان بالصلاة من ترك الكبائر الذي هو یكفر الذنوب ویرجع إلی جادة الشرع وهو مفاد الآیة.

فهذا مجمل استدلال المشهور وهو وجیه متین؛ لعدم اخذ اجتناب الصغائر في العدالة وإن كان الأحوط اعتباره فیها إما من جهة الشبهة

ص: 252

الموضوعیة إذ كثیر من الصغائر تتلبس بعنوان من عناوین الكبائر فیحصل الاشتباه و إما من جهة الشبهة الحكمیة فإن أخذ الاجتناب عن الصغائر في العدالة ممكن، فإن منع أطلاق المعصیة - وشمولها لصغیرة لوجود المقیدات - لا یرفع احتمال اعتبار الاجتناب عن الصغائر فمورد الاحتیاط متحقق في الشبهة الموضوعیة والحكمیة.

اعتبار المروءة في العدالة:

اشارة

ویقع الكلام في أن عدم المروءة هل یتنافي مع العدالة أم لا؟

الدلیل الاول: اعتبارها في مفهوم العدالة:

اشارة

فقد ذهب مشهور المتقدمین إلی أخذ موجبات المروة في مفهوم العدالة بخلاف غالب المتأخرین فإنهم ذهبوا إلی عدم أخذها في مفهوم العدالة فتجتمع العدالة مع منافیات المروة.

ویمكن الاستدلال علی ذلك بنفس الروایات الواردة في باب41 كصحیحة أبي یعفور فقوله (علیه السلام) : «ساترا لجمیع عیوبه» بتقریب أن العیوب عامة وشاملة للعیوب الشرعية والعرفية، مع ملاحظة أن المراد من العرفية خصوص العیوب العرفية التي لا تتقاطع ولا تتنافی مع المقررات الشرعية كما لو كانت في منطقة المباحات، فإن هذا العیب العرفي مندرج في الروایة لصدق العیب علیه.

وقد ناقش كثیر من الأعلام بأن العیب العرفي ما دام لیس بعیب عند

ص: 253

الشارع فلا یعتنی به؛ لأن المدار علی ما هو موجود عند الشرع أما ما هو المرجوح عند العرف فقط فلا یعتد به، وواضح أن الامام (علیه السلام) الذي هو ناطق عن الشرع لا عن العرف یرید بالعیوب بنظر الشارع لا بنظر غیره.

وحاصل الجواب عن هذا: هو أن الخدشة اجمالاً مبنیة علی نقاش موضوعي حول حقیقة منافیات المروة وهو أن القبیح العرفي الذي لا یتقاطع ولا یتنافی مع الشرع هل یقتصر وینحصر حكمه في العرف أو مآله إلی شيء آخر؛ إذ في الحقیقیة القبیح العرفي - إذا لم یتقاطع مع الشرع - یندرج تحت أحد العناوین العامة الشرعية.

وبعبارة أخری أن ما عرف من وجود منطقة المباحات هي في النظرة الاولی مباحة أما مآلاً فهي تندرج تحت أحد العناوین الراجحة لزوما أو ندبا أو المرجوحة شرعا.

ضابطة حاكمیة العرف في الموضوعات:

ففي الحقیقة الحسن والقبح - في هذه الموضوعات أو المصادیق العرفية للحسن والقبح - یرجع إلی منطلقات واسس أولیة للمحاسن والقبائح فتنزل هذه العناوین علی المصادیق شیئا فشیئا بحسب الآلیات المستخدمة عند العرف فإذا لم یهدم الشارع هذه الآلیات والتطبیقات العرفية لعناوین الحسن والقبح تظل هذه التطبیقات علی هذه المصادیق

ص: 254

متبعة ومعول علیها شرعا، ففي الحقیقیة الاعراف العقلائیة التي لا تتنافی ولا تتقاطع مع الحدود الشرعية ترجع مآلا إلی تطبیقات أسس فطریة - التي هي نفس الشریعة التي هي الفطرة التي فطر اللّه الناس علیها - و هذا بحثناه بحثا مفصلاً في علم أصول الفقه في أصول القانون وقلنا إن كثیرا من العمومات الفوقیة لا یتصرف الشارع فیها ویترك تطبیقها بید العرف فالعرف یستحدث لها مصادیق وآلیات تنطبق علیها تلك العمومات.

فهنا نكتة مهمة وهي أن طبیعة كل عموم شرعي إذا لم یتكفل الشارع بتحدید آلیات مصادیقه بحدوده الخاصة له فإنه یعد ترخیص من الشارع للعرف بأن یطبق ذلك العموم بحسب سعة طبیعته.

ومثال هذا احترام الوالدین فإن عموم أو اطلاق (وَ صاحِبْهُما في الدُّنْیا مَعْرُوفاً)، ولم یحدده الشارع المصاحبة و جعل التطبیق بید العرف، فتری في زمن یكون الاحترام بالقیام لهما وتارة بتقبیل یدیهما وغیر ذلك...، وكذا ما جاء في صلة الرحم فالعرف تارة یراه بارسال هدیة وأخری بالزیارة وتارة بكذا... وغیرها من المصادیق و هذا لیس ببدعة بل هو كما عبرنا عنه في الشعائر الحسینة بالعناوین الثانویة في الموضوعات فإن الحكم أولی والموضوع العام أولی أیضا ولكن تعنون المصادیق الخاصة بذلك العنوان العام ثانوي، فإرسال الهدیة للرحم بعنوانها الاولی هي ارسال هدیة، وأیضا یصدق علیها عنوان صلة الرحم

ص: 255

وحكمه الاستحباب وبلحاظ انطباق عنوان صلة الرحم علیه بالعنوان الثانوي فهو من مصادیق القضیة الواجبة فانطباق عنوان صلة الرحم علی ارسال الهدیة من العناوین الثانویة في الموضوعات إلا أن هذه العنوان الثانوی في نفسه عنوان أولیلقضیة أولیة نعم مصادیق هذا العنوان الأولی ثانویة أي مستجدة ومستحدثة ولذلك إذا لم یحدد الشارع حدود المصداق بل تركه للعرف فهذا ترخیص من الشارع للعرف في تحدید آلیات ومصادیق ذلك العنوان العام ولیس هو من الأمر البدعي في شيء لأنه بترخیص الشارع نعم لو حدد الشارع حدود المصداق مثل باب الصلاة تری الشارع حددها من المبتدأ إلی المنتهی وغیرها من الامور العبادیة.

تطبیق بعض العناوین بید العرف أم بید الفقهاء ورجحان أو مرجوحیة منطقة المباحات:

كثیر من العمومات الشرعية لم یحددها الشارع بل جعل للعرف الرخصة في تطبیق تلك العمومات علی المصادیق مثل آلیات الحزن ومصادیقه في الاخبار الصحیحة الآمرة بالحزن علی مصائب أهل البیت (علیهم السلام) لم یعین الشارع لها مصادیق... فتعین هذه المصادیق لا صلة له لا بالفقهاء، ولا بالاطباء، ولا بالفلاسفة، ولا المتكلمین ولا غیرهم، وإنما لها

ص: 256

صلة بالأعراف فالاعراف تستحدث مصادیقها فتارة تطبیقها علی آلیات مثل البكاء تارة أو لبس السواد أخری أو اللطم أو اظهار الكآبة وأخری بالرثاء وغیرها ما دامت تلك المصادیق والآلیات مباحة...

فمعنی عدم تحدید الشارع خصوصیة لهذه العناوین هو أن هذا عنوان مرسل من الشارع تطبیقه علی مصادیقه تخییرا عقلیا و هذا مثل اقیموا الصلاة فإن عدم تحدید الشارع لها من جهة المكان مرسل ومطلق بید المكلف تطبقه في أي مكان فله أن یطبقه في المسجد أو في البیت أو في البر أو بالسفینة في البحر أو بهذا اللباس أو بذلك اللباس.

فلا یقال كیف أن هذا العموم ینطبق علی مصادیق جدیدة ومستجدة فیشكل بالبدعة؟(1)

و هذا ما أخطأ فیه كثیرون - كالسلفیة - وكل ذلك للاشتباه بین ما هو

ص: 257


1- أقول: من الغریب جدا الاشكال بالبدعیة علی بعض الافعال أو العادات أنها لم تكن في زمن النبي(صلی اللّه علیه و آله) أو أحد المعصومین(علیه السلام) مع أن هذا یناسب الاستدلال بسیرة العقلاء أو المتشرعة لانها هي التي یشترط فیها المعاصرة وإلا فان الادلة علی مثل هذه العادات وغیرها مثل سفرة أم البنین علیها السلام بالعمومات والاطلاقات كاطعام الطعام واهداء ثوابه للاموات والتحلیلات الموضوعیة لبعض موضوعات ومتعلقات الادلة الاجتهادیة والفقاهتیة كتحلیل حقیقة المودة في آیة المودة مثلا وبیان اندراج سفرة أم البنین مثلا فیها... فالاشكال بالبدعیة بعدم وجود الفعل في زمن المعصوم(علیه السلام) ناشئ من جهل أو غفلة. من المقرر

ترخیص في المطلق والمرسل وبین غیره من الامور المحدودة التي إذا تجوزت تكون بدعة.

فإذا لم یحدد الشارع تلك المصادیق كما لو رتب الحكم علی هذا الموضوع بسعته فمعناه ترخیصه بتطبیقه علی أي مصداق من مصادیقه ولا یخفی أن بعض العناوین تكوینیة مثل شرب الخمر فلا دخل للعرف في تطبیقها وأما بعض العناوین فهي في طبیعتها انشائیة بید المكلف یطبقها مثل صلة الرحم والحزن و مثل النفقة علی الزوجة مثل لباسها ومطعمها فهو مخیر في تطبیقه علی أي آلیة ومصداق فنفس تعمیم الشارع وارساله هو ترخیص شرعي في التطبیق، و مثل قوله تعالی (وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسی بِآیاتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَیّامِ اللّه إِنَّ في ذلِكَ لَآیاتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ) (1)، فأیام اللّه تطبق علی كل ما تنطبق علیه الأیام ذات المشهد والحدث الإلهي.

فمن أعظم أیام اللّه یوم عاشورا یوم شهادة سید الشهداء (علیه السلام) و یوم وفاة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) و یوم مولده فأحیاء هذه الذكری بأسالیب متعددة ومتنوعة من الألیات المباحة التي یتفاعل بها المجتمع مثل انشاء قرص أو برنامج وغیرها من الآلیات.

ص: 258


1- سورة إبراهیم، الآیة 5.

عود إلی أنه لیس هناك منطقة مباحة بل كل منطقة للمباحات تندرج بشكل وبآخر تحت عناوین فوقیة موجبة لرجحانها أو مرجوحیتها.

فقوله (علیه السلام) : «ساترا لعیوبه» كیف تندرج منافیات المروة فیه بصدق العیوب علیها، ففي الحقیقة أن المروة تعني نوع من اندراج الطریقة المعیشیة السلوكیة للفرد تحت ضوابط عامة سواء عقلیة كانت أم شرعیة بحیث المصادیق المستجدة وإن لم یرد دلیل فیها بخصوصیها إلا أنها تندرج بشكل أو بآخر تحت عمومات فوقانیة عقلیة أو شرعیة راجحة لزوما أو ندبا أو مرجوحة كذلك بحیث إن الذي یحرز كیفیة انطباقها واندراجها هو العرف.

و هذا مرتكز حتی عند المتأخرین ولهذا قالوا: إن منافیات المروة لو كانت شدیدة بحیث توجب الهتك والمهانة العرفية لأخلت بالعدالة مع أن هذا الهتك لیس بشرعي خصوصي.

إذن، نلاحظ أن آلیات المروة ومصادیقها تؤول إلی ادراج الأفعال بتواضع العرف تحت عناوین الزامية فالقبائح المنافیة للمروة أو المحاسن الموجبة لها وإن لم تكن هي موارد خاصة بتحدید الشارع لها بعنوانها الأولی إلا أنها تندرج تحت عناوین آخری والمحدد لذلك الاندراج هو العرف.

فمنافیات المروءة الشدیدة منافیة للعدالة، وأما إذا كانت یسیرة فهی

ص: 259

داخلة في الصغائر أو في العیوب المرجوحة فلا مانع من تحدید العیوب في الروایة للعیوب الشرعية وإن كان الناطق والمتكلم هو الناطق الشرعي فهو لا ینافي دخول المصادیق العرفية.

الدلیل الثاني: الاخبار الدالة علی اعتبار المرؤة:

اشارة

1- روایة محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي، عن الرضا، عن آبائه، عن علي (علیهم السلام) قال : «قال رسول (صلی اللّه علیه و آله) : من عامل الناس فلم یظلمهم، وحدثهم فلم یكذبهم، ووعدهم فلم یخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت اخوته، وحرمت غیبته»(1).

2- معتبرة عبد اللّه سنان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «ثلاث من كن فیه أوجبت له أربعا علی الناس : من إذا حدثهم لم یكذبهم، وإذا وعدهم لم یخلفهم وإذا خالطهم لم یظلمهم: وجب أن یظهروا في الناس عدالته، وتظهر فیهم مروءته و أن تحرم علیهم غیبته، و أن تجب علیهم اخوته»(2).

3- ما روی بعدة طرق: تذاكر الناس عند الصادق (علیه السلام) أمر الفتوة فقال: «تظنون ان الفتوة بالفسق والفجور إنما الفتوة والمروة طعام موضوع

ص: 260


1- وسائل الشیعة: ج 27 كتاب الشهادات، ب41 ص 396 ح 15.
2- المصدر نفسه، ح 16.

ونائل مبذول بشيء معروف، وأذی مكفوف، وأما تلك فشطارة وفسق»، ثم قال: «ما المروة؟» فقال الناس: لا نعلم، قال: «المروءة و اللّه أن یضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروءة مروءتان : مروءة في الحضر، ومروءة في السفر، فأما التي في الحضر تلاوة القرآن، ولزوم المساجد، والمشي مع الاخوان في الحوائج، والنعمة تری علی الخادم أنها تسر الصدیق، وتكبت العدو، وأما التي في السفر، فكثرة زاد وطیبه وبذله لمن كان معك، وكتمانك علی القوم أمرهم بعد مفارقتك إیاهم وكثرة المزاح في غیر ما یسخط اللّه (عز وجل) »، ثم قال (علیه السلام) : «والذي بعث جدي (صلی اللّه علیه و آله) بالحق نبیا، إن اللّه (عز وجل) لیرزق العبد علی قدر المروءة، وإن المعونة تنزل علی قدر المؤنة، وإن الصبر ینزل علی قدر شدة البلاء»(1).

4- ما روی بأكثر من طریق: قال الصادق (علیه السلام) : «لیس من المروءة أن یحدث الرجل بما یلقی في السفر من خیر أو شر»(2).

5- روایة عمرو بن عثمان التمیمي، قال: خرج أمیر المؤمنین (علیه السلام) علی أصحابه وهم یتذاكرون المروءة، فقال : «أین أنتم من كتاب اللّه !!»

ص: 261


1- وسائل الشیعة: ج 11 أبواب آداب السفر إلی الحج وغیره، ب 49 ص 432 ح1.
2- المصدر نفسه، ص 433 ح2.

قالوا: یا أمیر المؤمنین، في أي موضع ؟ فقال: «في قوله : (إِنَّ اللّه یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ) فالعدل الانصاف، والاحسان التفضل»(1).

6- مرفوعة عبد الرحمن (بن العباس) : سأل معاویة الحسن بن علي (علیه السلام) عن المروءة فقال (علیه السلام) : «شح الرجل علی دینه، وإصلاحه ماله، وقیامه بالحقوق»(2).

7- روایة علي بن حفص، عن رجل قال: سئل الحسن (علیه السلام) عن المروءة، فقال: «العفاف في الدین، و حسن التقدیر في المعیشة والصبر علی النائبة»(3).

8- روایة الحارث الاعور: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) للحسن ابنه (علیه السلام) : «یا بني ما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المال»(4).

9- روایة أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : المروءة استصلاح المال»(5).

ص: 262


1- المصدر نفسه، ص 434 ح 5.
2- المصدر نفسه، ص 435 ح 6.
3- المصدر نفسه، ح 9.
4- المصدر نفسه، ح 8.
5- المصدر نفسه، ص 436 ح 10.

10- مرفوعة عبد اللّه بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «تعاهد الرجل ضیعته من المروءة»(1).

11- روایة عبد اللّه النهدي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «المروءة مروءتان: مروءة في السفر، ومروءة في الحضر، فأما مروءة الحضر، فتلاوة القرآن وحضور المساجد وصحبة أهل الخیر والنظر في الفقه،

وأما مروءة السفر فبذل الزاد والمزاح في غیر ما یسخط اللّه (عز وجل)، وقلة الخلاف علی من صحبك وترك الروایة علیهم إذا أنت فارقتهم»(2).

12- روایة أبي قتادة، رفعه إلی أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «ما المروءة؟» فقلنا: لا نعلم. فقال: «المروءة أن یضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروءة مروءتان...» وذكر نحو الحدیث الذي تقدم(3).

13- ما رواه الصدوق بأسانیده عن الرضا، عن آبائه (علیهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : ستة من المروءة، ثلاثة منها في الحضر، وثلاثة منها في السفر، فأما التي في الحضر، فتلاوة كتاب اللّه، وعمارة مساجد اللّه

ص: 263


1- المصدر نفسه، ح 11.
2- المصدر نفسه، ح 12.
3- المصدر نفسه، ح 13.

واتخاذ الاخوان في اللّه، وأما التي في السفر فبذل الزاد، و حسن الخلق، والمزاح في غیر المعاصي»(1).

14- روایة حماد بن عیسی، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمحمد بن الحنفیة: واعلم أن مروءة المرء المسلم مروءتان: مروءة في حضر، ومروءة في سفر، فأما مروءة

الحضر، فقراءة القرآن، ومجالسة العلماء، والنظر في الفقه والمحافظة علی الصلوات في الجماعات، وأما مروءة السفر، فبذل الزاد، وقلة الخلاف علی من صحبك، وكثرة ذكر اللّه في كل مصعد ومهبط ونزول وقیام وقعود»(2).

15- روایة حفص بن غیاث، قال: سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول : «لیس من المروءة أن یحدث الرجل بما یلقی في سفره من خیر أو شر»(3).

16- روایة الحسن بن الحسین العلوي، قال: قال أبو الحسن (علیه السلام) : «من مروءة الرجل أن تكون دوابه سمانا، قال : وسمعته یقول : ثلاث

ص: 264


1- المصدر نفسه، ح 14.
2- المصدر نفسه، ص 437 ح 15.
3- المصدر نفسه، ح 16.

من المروءة: فراهة الدابة، و حسن وجه المملوك، والفرس السري»(1).

17- عن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، قال : «قدر الرجل علی قدر نعمته، وصدقه علی قدر مروءته، وشجاعته علی قدر أنفته، وعفته علی قدر غیرته»(2).

18- روایة زیاد بن أبي سلمة، قال: دخلت علی أبي الحسن موسی (علیه السلام) فقال لي: «یا زیاد إنك لتعمل عمل السلطان؟»، قال: قلت: أجل، قال لي : «ولم؟» قلت: أنا رجل لي مروءة وعلی عیال ولیس وراء ظهري شيء. فقال لي: «یا زیاد، لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة أحب إلی من أن أتولي لاحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا لماذا ؟ قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: إلا لتفریج كربة عن مؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دینه...» الحدیث(3).

19- روایة عبد اللّه بن سلیمان النوفلي، عن الصادق(علیه السلام) قال: «یا عبد اللّه... حدثني أبي، عن آبائه، عن علي (علیه السلام) أنه قال: (من قال في مؤمن ما رأت عیناه وسمعت أذناه ما یشینه ویهدم مروءته فهو من

ص: 265


1- وسائل الشیعة: ج 11 أبواب أحكام الدواب في السفر وغیره، ب 6 ص 472 ح 1.
2- وسائل الشیعة: ج 15 أبواب جهاد النفس، ب 24 ص 215 ح 1.
3- وسائل الشیعة: ج 17 أبواب ما یكتسب به، ب 46 ص 215 ح 9.

الذين قال اللّه (عز وجل) : (إِنَّ الذينَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ في الذينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ) (1) »(2).

20- روایة النوفلي عن الصادق (علیه السلام) قال: «یا عبد اللّه... وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي (علیه السلام) قال: من روی عن أخیه المؤمن روایة

یرید بها هدم مروءته وثلبه أوبقه اللّه بخطیئته حتی یأتي بمخرج مما قال، ولن یأتي بالمخرج منه أبدا...» الحدیث(3).

21- روایة سلیمان بن جعفر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : من لم یحسن وصیته عند الموت كان نقصا في مروءته وعقله، قیل: یا رسول اللّه كیف یوصی المیت؟ قال: إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إلیه قال: (اللّهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغیب والشهادة الرحمن الرحیم، اللّهم إني أعهد إلیك في دار الدنیا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شریك لك، و أن محمداً عبدك ورسولك...» الحدیث(4).

ص: 266


1- سورة النور، الآیة 19.
2- وسائل الشیعة: ج 17 أبواب ما یكتسب به، ب 49 ص 211 ح 1.
3- المصدر نفسه.
4- وسائل الشیعة: ج 19 كتاب الوصایا، ب3 ص 260 ح1.

22- ما روی باسانید متعددة، عن الصادق (علیه السلام) قال: «مدمن الخمر كعابد وثن یورثه الارتعاش، ویذهب بنوره، ویهدم مروءته، ویحمله علی أن یجسر علی المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا، ولا یؤمن إذا سكر ان یثب علی حرمه وهو لا یعقل ذلك، والخمر لا یزداد شاربها الا كل ش»(1).

مفاد الاخبار في العلاقة بین المروءة والعدالة:

فمن هذه الروایات یتبین أنه یوجد تلازم بین المروءة وبین العدالة وهو إما تلازم ثبوتي أو إثباتي فإن كان ثبوتيا كأن تأخذ المروءة في العدالة بحیث یكون من لا مروءة له لا عدالة له، وإن كان اثباتيا - كما هو أحد وجوه أخذ المروءة في العدالة- هو من باب أن المروءة أمارة علی العدالة ومنافیات المروءة أمارة علی نفي العدالة.

و هذا توجیه أخر للمشهور خلاصته أن المروءة وإن لم تكن دخیلة في العدالة لكنها جعلت امارة شرعیة نفیا وأثباتا علیها.

فهذه الاخبار التي تدل علی التلازم بین العدالة وبین موجبات المروءة إما أن تدل علی التلازم الثبوتي فیكون للمروءة دخالة في العدالة و إما تدل علی التلازم الاثباتي فهو أیضا نافعا في المقام لاعتبارها حینئذٍ

ص: 267


1- وسائل الشیعة: ج 24 أبواب الاطعمة المحرمة، ب 1 ص 100 ح1.

في الاماریة الاثباتية للعدالة.

و هذا المفاد في الواقع یقرّب ویحقق لنا دلیل آخر غیر الدلیل الروائي وهو أن العرف عندما یشاهدون شخصاً متهتكاً في القیود العرفية لا یكون لدیهم وثوق باستقامته واتزانه وثباته علی الجادة فهذا البیان إما اثباتي أو ثبوتي.

فهذا التقریب هو مفاد الروایات وهو یفتح الوجه العقلي بأن من لا مروءة له لا یحصل الوثوق به وما ذلك إلا لكون مرتكب منافیات المروءة یعتبره العرف رذیئا ومهینا وهاتكا لنفسه فلا یؤمن شره.

وبهذا نستطیع أن نستدل علی اعتبار المروءة بالروایات الواردة في الجماعة وهي (أن تثق بدینه)(1) أي مأمونا علی دینه، ومرتكب منافیات المروءة لیس بمأمون.

أو ما ورد في أبواب صفات القاضي بباب 9 و 11، وهي: «المأمون علی الدنیا والدین»، وأیضا ما مر من مرسلة یونس - وهي كالصحیحة - قال: سألته عن البینة إذا أقیمت علی الحق، أیحل للقاضي أن یقضي بقول البینة؟ فقال: «خمسة أشیاء یجب علی الناس الأخذ فیها بظاهر الحكم : الولایات، والمناكح، والذبایح، والشهادات، والأنساب، فإذا

ص: 268


1- وسائل الشیعة: ج 8 أبواب صلاة الجماعة، ب 10 ص 309، و ب 12 ص 319.

كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا، جازت شهادته، ولا یسأل عن باطنه»(1).

وأیضا یمكن الاستدلال بما ورد في أبواب الشهادة من أن بعض الافعال التي توجب اسقاط النفس واهانتها تمنع من قبول الشهادة ولا وجه له إلا لأنها تخل بالمروءة أو أمارة كاشفة عن إثبات العدالة أو نفیها ومن ثم نستطیع أن نستدل باخبار ما في صفات القاضي، ومنها:

1- ما عن العسكري (علیه السلام) : «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه»(2).

2- موثقة أبي بصیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال :«لا بأس بشهادة الضیف إذا كان عفیفا صائنا الحدیث»(3).

فإن صون النفس هو جعل الوقار لها بحیث لا یفعل مع ما یتنافی مع وقاره، فهذه وإن كانت واردة في باب الشهادة إلا أنها من جهة كشفها عن العدالة لا الشهادة فلیست أجنبیة عما نحن بصدده.

3- صحیح العلاء بن سیابة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) أن أبا جعفر (علیه السلام) قال : «لا تقبل شهادة سابق الحاج، لأنه قتل راحلته، وأفنی زاده، وأتعب نفسه، واستخف بصلاته قلت : فالمكاري والجمال والملاح؟

ص: 269


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب 41 ص 392 ح 3.
2- المصدر نفسه، ب 10 ص 131 ح 20.
3- المصدر نفسه، ب 41 ص 395 ح 10.

فقال: وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(1).

4- موثق محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «رد رسول اللّه (علیه السلام) شهادة السائل الذي یسأل في كفه»، قال أبو جعفر (علیه السلام) : «لأنه لا یؤمن علی الشهادة، و ذلك لأنه إن أعطی رضي، وإن منع سخط»، ورواه الشیخ عن أحمد بن محمد بن خالد، إلا أنه قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : شهادة السائل الذي یسأل في كفه لا تقبل...» الحدیث(2).

فروایة (سابق الحاج) من جهة أن الذي لا یؤتمن علی حیوان بحیث یعذبه فإنه لا یؤتمن علی غیره، وأما الخبر الثاني واضح بأن هذه الامور تؤثر في عدم الوثوق بالعدالة.

فالصحیح - وفاقاً للمشهور - هو اعتبار بعض مراتب المروءة في العدالة إما ثبوتا أو اثباتا.

خلاصة ما تقدم في المسألة 23 أمور:

الأمر الأول: تعریف العدالة والصحیح أنها ملكة باعثة علی الاستقامة العملیة فعلاً لا صرف الملكة ولا صرف الاستقامة العملیة.

ص: 270


1- المصدر نفسه، ب 34 ص 381 ح 1.
2- المصدر نفسه، ب 35 ص 382 ح 2.

الأمر الثاني: أن ترك الصغائر لم یؤخذ في ماهیة العدالة وإن كان أحوط، هذا إذا لم تتبدل الصغیرة إلی كبیرة.

الأمر الثالث: هو أن ترك منافیات المرؤة الشدیدة أخذت في العدالة إما ثبوتا أو اثباتا وفاقا للمشهور لنكتة مرّ ذكرها.

الأمر الرابع - وهو ما نبحثه - : اعتبار حسن الظاهر في العدالة، و هل هو معتبر فیها ثبوتا أو اثباتاً بحیث یكون كاشفا عن العدالة.

اعتبار حسن الظاهر في العدالة:

توجد جملة من الروایات أخذت حسن الظاهر مثل قوله (علیه السلام) «إذا سئل عنه في محلته قالوا ما رأینا منه إلا خیرا»، فقوله : «رأینا» أي ما ظهر لنا منه «إلا خیرا».

وقوله (علیه السلام) : «مواظبا علی الصلوات متعاهدا لأوقاتها» وبعضها الستر والعفاف وغیرها... وفي صحیحة ابن أبي یعفور قال (علیه السلام) : «والدلالة علی ذلك كله أن یكون ساترا لجمیع عیوبه... ».

و هذا معناه حسن الظاهر.

وأیضا توجد أخبار متعددة أخری وقوله (علیه السلام) : «فهو مما كملت مروءته وظهرت عدالته» فظهور العدالة بهذه العلامات ومعناه كون حسن الظاهر من أمارات العدالة كما في أبواب الشهادات، ومنها : «فهو

ص: 271

من أهل العدالة والستر»(1).

ومصححة یونس: «إذا كان ظاهرا مأمونا جازت شهادته»، فجملة من الاخبار دالة علی كفایة حسن الظاهر.

بحث حس الظاهر في مقامین:
المقام الأول: في اعتبار المعاشرة في حسن الظاهر أم لا؟ :

فجملة من الأعلام بل الكثیر منهم بنوا علی اعتبار العشرة وبعبارة أخری أن البحث عن اعتبار العشرة هو لأجل أن حسن الظاهر هوالظاهر البیئي في السلوك فالعشرة هي الموضوع لتواجد وتحقق حسن الظاهر.

وفي قبال هذا القول قول السید الخوئي (قدس سره) الذي لا یشترط العشرة بل یكفي عنده أنهم یقولون أنه لم یظهر منه سوء فیفسر حسن الظاهر بعدم بروز سوء منه فحسن الظاهر عنده أمر عدمي لا وجودي ومن ثمّ أشكل علی الشیخ الطوسي والعلامة في ذهابهم إلی أصالة العدالة حیث فسروها بعدم احراز الفسق منه، مع أن السید الخوئي (قدس سره) لم یكتف في الرجال بعدم احراز الفسق بل شدّد علی اعتبار احراز الوثاقة فهو ممن یراها أمرا وجودیاً فیشترط فیه احرازها باحراز الوثاقة التي هي شعبة من شعب العدالة مع أنه في باب الشهادة والتقلید هنا لا یشترط عنوانا

ص: 272


1- وسائل الشیعة: ج 27 كتاب الشهادات، ب 41 ص 395 ح 13.

وجودیا لكي یحرز بالعشرة بل یكفي العنوان السلبي وهو عدم احراز السوء منه. و هذا المعنی هو الوارد في الصحیحة بقوله (علیه السلام) «لا نعلم منه إلا خیرا» أي لیس لنا علم بسوءه.

هكذا بنی في باب الشهادة والقضاء مع أنه یصر في الرجال علی لابدیة احراز الجنبة الوجودیة في سلوكیاته وهنا یكفي عنده العنوان السلبي أي عدم العلم لا العلم بالعدم. فلا یشترط العشرة مع أنا نشترطها ولا نوافقه ونتأمل في ما نسبه للشیخ الطوسي والعلامة الحلي من أنهما بنیا علی أصالة العدالة بالمعنی الذي یفسره ب(أن تثبت اسلامه وایمانه ولم نعلم منه سوء) و هذا مسلك موجود إلا أنه لیس بمسلك للعلامة الحلي والشیخ الطوسي بل العلامة الحلي یشترط في أصالة العدالة (أنه بعد احراز شخصیة الراوي من أنه أمامي وأنه لیس بشخصیة نكرة في البیئة الروائیة بین الرواة وفحصنا ولم نحرز الطعن علیه) فمعناه احرازنا سلوكیاته الثبوتية و هذا المقدار السید الخوئي في الرجال لا یقبله مع أنه قَبل ما دونه في باب الشهادة والقضاء.

فأصالة العدالة - وهي امارة علی العدالة - تفسر تارة بأنهاعدم احراز السوء من المسلم والمؤمن وتفسر أخری بأنهااحراز سلوكیات وجودیة وثبوتية للمسلم والمؤمن فیشترط الفحص في بیئته بحیث لا یری طعنا فیه، ولا یشترط القطع بعدم الطعن بل الفحص في حدود بیئته الروائیة،

ص: 273

فلیس قول العلامة (قدس سره) باصالة العدالة علی اطلاقه بل یشترط أولا احراز شخصیة الراوي وأنه أمامی و أن لا یكون نكرة في البئیة الروائیة واحراز عدم الطعن فیه الذي یتحقق بمقدار الفحص في بیئته الروائیة.

فحسن الظاهر بهذه الدرجة - كما في علم الرجال - لا یقبله السید الخوئي (قدس سره)، فهو یشترط العلم بالقرائن الموجبة للعلم حسا بعدالته كالمعاشرة مثلاً وهذه درجة أخری شدیدة من درجات احراز الوثاقة فحسن الظاهرة تارة یكتفي فیه بالدرجة الاولی وهي عدم احراز الفسق والسوء منه والثانية كفایة احراز العدالة عن طریق الفحص في بیئته الروائیة وعدم وجود ما یطعن به علیه وثالثة بما ذهب إلیه السید الخوئي(قدس سره) في الرجال وهو مغایر تماما لما التزم به هنا علی ما قرره المیرزا علی الغروي (قدس سره) في باب التقلید.

و هذا بخلاف ما التزم به المشهور من الاكتفاء بحسن الظاهر - الذي تقدم ذكره بأن المحافظة علی حسن الظاهر هو درجة من العدالة - سواء بمعاشرة نفس الموثق مباشرة للرواي أو بالامارة المعاشرة للراوي فالمراد من اثبات حسن الظاهر بالمعاشرة هو أن یكون مستند الاحراز هو المعاشرة لنفس الموثق أو بالامارة المعاشرة - بالكسر - ففي جمیع الابواب - كباب الشهادة وغیرها بخلاف باب الجماعة - حیث وردت روایات في التخفیف من الاكتفاء بأدنی ظن في امام الجماعة.

ص: 274

فالصحیح أن حسن الظاهر هو أمر وجودي عشروي لابد في احرازه من الفحص بمقدار أنه لا یكون في بیئته متهتكاً وهذه النكتة مهمة في باب العدالة ومهمة أیضا في علم الرجال وهي أن وثاقة الراوي تحرز بهذا المقدار فاحراز أن الراوي امامي له تعاطي علمي ودیني وأحراز هذا المقدار میسور باحراز أنه شیخ اجازة و أن له كتاباً و أن الروایة عنه كثیرة وأنه ممن لم یطعن علیه في بیئته الروائیة و هذا المقدار یثبت الآثار في التعامل الدیني والعلمي مع هذا الراوي... ولیس ما یدرك بالمعاشرة غیر هذا !!

فحقیقة حسن الظاهر لا افراط ولا تفریض فیه معناه فلیس كالقول الأول الذي یكتفي فیه بعدم العلم بالسوء وهو ما نسبه للعلامة (قدس سره) ولا القول الثالث الذي یشترط العلم الوجداني أو التعبدي باحراز الوثاقة بل هو القول الثاني وهو احراز عدم السوء بالفحص في بئیته العملیة والمعیشیة بحیث لا یوجد فیها علیه طعن.

مثل أحمد بن محمد بن یحیی العطار الذي هو شیخ الصدوق ووالده شیخ الكلیني وهو واقع في كثیر من كتب الاصحاب، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوالید وهو شیخ المفید ووالده شیخ الصدوق فابنه أحمد شیخ إجازة مع أنه لم یرد فیه توثیق مثل أحمد بن محمد بن یحیی العطار، فكثیر من الرواة وشیوخ الاجازة، والطرق للشیخ الطوسي

ص: 275

وغیرهم لكتب الاصحاب مثل جعفر المؤدب فإنه عالم بالنحو والأدب وله مكانته العلمیة ولكن لا توثیق له بخصوصه والسیرة السلوكیة لیست بأزید من هذا.فهو لیس بشخص نكرة بل هو معروف وله مكانته ولم یطعن علیه أحد فهذا هو معنی حسن السیرة وهو ما رأینا منه إلا خیراً أي لم نری منه سوء. فهذا من امارات الوثاقة وهو ظن معتبر بالعدالة وقد ذكرنا هذ المطلب في بحث الرجال في الجزء الأول بأن الخبر الحسن أو الشخص الممدوح الذي لم یطعن علیه یلحق تعبداً باماریة حسن الظاهر فیندرج تحت الخبر الصحیح وهو الحاق صغروي تعبدي باعتبار أن حسن الظاهر امارة علی العدالة. ومن ثم نبني علی حجیة خبر الحسن كما یذهب إلیه السید الخوئي (قدس سره) أیضا وهو ما یعبر عنه بالخبر المعتبر - إذ في الاصطلاح یعبر عن الخبر الحسن بالمعتبر في قبال الخبر الصحیح والموثق - وهو ما قامت الامارة التعبدية علی حجیته. وحجیته لكون حسن الظاهر امارة علی العدالة. فالعشرة في حسن الظاهر لیست بشرط ولكن الشرط هو رجوع حسن الظاهر إلی العشرة ولا یعتبر لابدیة العلم الوجداني في اثباتها أو اشتراط المباشرة للمعاشرة.وإنما اللازم أن ینتهي إلی العشرة ولا یبرز منه في بئیته السلوكیة سوء، ولیس هو صرف عدم العلم بالسوء كالقول الأول، و هذا المبحث مهم جداً في احراز العدالة في الابواب الفقهية وفي التوثیقات الرجالیة.

ص: 276

المقام الثاني: هل یعتبر في حسن الظاهر افادته الظن أو الاطمئنان؟

وهذ أیضاً موجود في بعض الروایات كما في صحیحة ابن أبي یعفور، قال (علیه السلام) : «والدلالة علی ذلك كله أن یكون ساترا لجمیع عیوبه، حتی یحرم علی المسلمین ما وراء ذلك من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلك»(1)، فهي ظاهرة بأن المدار علی ظاهر حاله لا علی الاطلاع علی واقعة. وقوله (علیه السلام) : «فإذا كان ظاهر الرجل مأمونا جازت شهادته ولا یسئل عن باطنه»(2)، إذ جعل المعول علی الظاهر لا الباطن فلا عبرة بالعلم، فالظاهر من الاخبار عدم اشتراط العلم بالباطن بل یكتفي بحسن الظاهر، فالعدالة إما أن تعرف بالاستقامة في الاعمال وهي الأعم من الظاهرة والباطنة فإذا قلنا أن حسن الظاهر أمارة علی العدالة فهو امارة علی الاستقامة الباطنة والظاهرية فالذي أحرز وجداناً هو الظاهر ولیس هو كل العدالة، ولا یشترط العلم بالعدالة بدائرتها الوسیعة حتی العلم بالاستقامة في الباطن، وهذه الروایات تنفي اشتراط العلم بالاستقامة الباطنية، فلا حاجة للعلم بالعدالة بهذا المقدار وإلا لكان

ص: 277


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 391 ح 1.
2- المصدر نفسه، ح 3.

اشترط فیها العلم بالاستقامة الباطنية، وكذا لو عرفت العدالة بالملكة في الظاهر والباطن فالعلمبذلك أیضا غیر لازم كما هو مفاد الروایات.

ویؤید ذلك : روایة علقمة بل یمكن اعتبارها أیضاً : «كل من كان علی فطرة الاسلام جازت شهادته... فمن لم تره بعینك یرتكب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر»(1).

فكلمة الستر قرینة علی حسن الظاهر لیس بأمر عدمي بل هو أمر وجودي أي یشترط احراز الستر باستقامته الظاهرية ولیست بصدد تفسیر العدالة بعدم الاحراز وإن كان صدر الروایة یوهم تفسیر العدالة بعدم العلم بالسوء إلا أن كلمة الستر قرینة علی ما ذكرناه.

وتوجد أخبار في أبواب صلاة الجماعة وباب 10 وباب 11 من أبواب صفات القاضي إلا أن عمدتها هي هذه الاخبار التي وردت في أبواب الشهادات. وهي تامة الدلالة علی عدم اعتبار العلم الشخصي أو الظن الشخصي بل الاكتفاء بالظن النوعي.

مناقشة السید الخوئي في اعتباره كفایة حسن الظاهر في ثبوت مرجع التقلید، وعدم عتباره في توثیق الرواة؟

إلا أن الكلام مع السید الخوئي (قدس سره) الذي اكتفی بالظن النوعي أیضا

ص: 278


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب الشهادات، ب 41 ص 396 ح 13.

إلا أنه في علم الرجال وفي تطبیقاته لم یكتف بالظن به بل یقید اعتبار حسن الظاهر بالموجب للعلم ومن ثم في موراد عدیدة من علم الرجال لم یعتبر قرائن عدیدة من قرائن حسن الظاهر المفیدة للظن النوعي و ذلك باعتبارها لم توجب العلم بالوثاقة والعدالة بل ذهب إلی أن بعضهاموجب للمدح وبعضها وإن كانت صفة صلاح إلا أنها لا دلالة علی التوثیق أو المدح بالمرة. و هذا تدافع بین ما التزم به هنا وبین ما التزم به في علم الرجال والأبواب الفقیه، وهذه ملحوظة كبرویة...،

وملحوظة أخری في صغرویات حسن الظاهر فإنه في علم الرجال وأبواب الفقه یفند القرینة الواحدة تلو الأخری بأنها لا تفید حسن الظاهر والحال أن حسن الظاهر لیس شيء آخر وراء هذه الأمور فصغرویاً حسن الظاهر لیس وراء كونه شیخ اجازة وصاحب كتاب ومتتلمذا علی الأكابر ووكیلاً لمعصوم ومعروفاً غیر نكرة في بیئته الدینية والعلمیة ولم یقدح ویطعن علیه...، وهو لا یقبل أي شيء من ذلك حتی بدرجة قلیلة مع أن حسن الظاهر لیس وراء هذه الامور فمثلا عمرو بن شمر فأهل العامة كالذهبي وغیرها قالوا : عنه أنه رافضي مع أنه من المختصین بجابر بن یزید الجعفي الذين تعاطوا روایاته ولم یطعن علیه بشيء، وأیضا قالوا عنه: (كان أمام مسجد النخع صاحبته ثلاثین أو عشرین عاماً فما سبقته إلی المسجد ولم أخرج من المسجد بعده).

ص: 279

والسید الخوئي (قدس سره) لا یقبل شيء من ذلك، إلا أن یحصل العلم بذلك، أو یعتمد علی مثل الشیخ النجاشي (قدس سره) التي توثیقاته بحسب مسلكه المتشدد ضدّ روایات المعارف وخلاف مسلك المشهور الموافق للاخبار الصحیحة المتقدمة فحسن الظاهر امارة قویة فلا یعتبر معه العلم الشخصي. نعم لا نشترط التسیب إلا أنا لا نتشدد بحیث یصل إلی الافراط باشتراط العلم أو التفریط بحیث یكتفي باصالة العدالة حتی یعلم بصدور السوء منه مع ما تقدم منا.

والصحیح أن هذه القرائن تؤخذ علی نحو الحجج الانضمامیة ومن مجموع هذه القرائن یثبت المطلوب لا بنحو القرینة المستقلة في اثبات الوثاقة فمثلا مع ورود اسمه بكثرة في البیئة الروائیة ومع كونه یدخل المسجد قبل الفجر ویخرج آخر الناس وكونه صاحب كتاب وكونه مثلا وجه أصحابنا وكونه المقدم من اصحابنا في علم الكلام ولسان اصحابنا في الخصومة مع أهل الخلاف وكثیر الروایة التي تعني التبادل العلمي مع الأكابر ومع عدم العلم بصدور السوء منه فإن هذه كلها لا تدل علی حسن الظاهر عند السید الخوئي (قدس سره) ومن تبعه مع أن حسن الظاهر لیس شیئاً آخرا وراء هذه الأمور. فبون كبیر بین ما اختاره هنا السید الخوئي ومعظم من جاء بعده وبین ما اختاروه في علم الرجال وفي الأبواب الفقهية، حتی عبروا في علم الرجال عن هذا المسلك ب(مسلك

ص: 280

المتساهل في التوثیق)، مع أنه هنا أعظم فإنه مقام مرجعیة ونیابة وولایة فهو منصب إلهي بخلاف الروایة وعلی الأقل یكون مساویا لمقام الروایة ومع ذلك قبلوا حسن الظاهر هنا ولم یقبلوه في قبول الروایة.

ثبوت العدالة بالبینة وخبر الواحد:

تثبت العدالة بشهادة العدلین ویدل علی حجیتها مضافا إلی التسالم بین المسلمین هو ماورد من النبوي المستفیض في القضاء عند الفریقین :«إنما اقضی بینكم بالبینات والأیمان» فالبینة لها استعمال سابق علی استعمالها في القضاء لا أن البینة كانت معتبرة لاعتبارها في باب القضاء بل البینة التي هي في نفسها بینة والمفروغ عن كونها بینة وحجة في القضاء... نعم قد أعطیت صلاحیة زائدة في باب القضاء من حیث الحكم علی وفقها مع وجود المنافي لها فلسان النبوي هو اعطاء البینة اعتبارا في باب القضاء زائداً علی اعتبارها في نفسها وفي كل الابواب و ذلك لأن باب القضاء موضوع تصادم الأدلة وتزاحمها ومع ذلك قد اعتبرت البینة في موضع النزاع والتصادم زائدة علی اعتبارها في نفسها.

وبعض الأعلام قال بأنه لا ینحصر في البینة بل یكفي في ثبوت العدالة أو في الشاهد خبر العدل بل خبر الثقة لقیام السیرة العقلائیة علی حجیته في الموضوعات. إلا أن الصحیح أن خبر العدل الواحد أو الثقة لیس حجة في الموضوعات في كل الابواب وإنما هو حجة فیما لم یكن

ص: 281

في معرض النزاع وبعبارة أخری في غیر الموضوعات التي یترتب علیها حق لشخص علی شخص آخر لو لم یكن في المقام نزاع، و ذلك لأن ترتب الآثار لطرف علی طرف آخر یتشدد فیه عند العقلاء نعم ورد لدینا من خصائص مذهب أهل البیت (علیهم السلام) التي هي سیرة الرسول (صلی اللّه علیه و آله) التي سنّها أنه ورد عنه (صلی اللّه علیه و آله) أنه «یقضي في الاموال بشهادة العدل الواحد ویمین المدعي».

فتثبت بخبر العدل إلا أنه غیر مستقل، والصحیح أن خبر العدل الواحد لم یقبل مستقلاً مطلقاً خلافاً للسید الخوئي (قدس سره) ومن بعده فلا یقبل خبر العدل الواحد في التحاقّ أي اثبات حق لطرف علی طرف.

والصحیح أن خبر الواحد لا یقبل في الموضوعات مطلقا وعلیه فلا تثبت العدالة بخبر الواحد. نعم قد یقال: إلا أنه لا ربط لها في موراد التحاقّ أي اثبات حق لشخص علی آخر بل هو ثبوت تلك العدالة التي تثبت بحسن المعاشرة فاثبات العدالة شيء واثبات التحاق شيء آخر.

ثبوت العدالة بالشیاع:

من المتسالم علیه الاعتداد بالشیاع في اثبات موضوعات عدیدة من موارد عدیدة؛ لكونه وسیلة من الوسائل التي یحصل بها الاطمئنان، ویعبرون عنه ب(الاطمئنان المستند إلی الشیاع)، وهو من أبرز مناشيء

ص: 282

الاطمئنان المعتبر والشیاع تارة مباشرة مثل الشیاع علی نفس رؤیة الهلال أي شیاع بنفس الرؤیة أي بتعدد الرؤیة علی نحو الشیاع وتارة شیاع بالاخبار عن وقوع الرؤیة عند من یكتفي به.

الشیاع من مناشئ غیر مستقلة في الحجیة وقیمة الخبر الضعیف:

ولابد في ثبوت البینة بالشیاع من تحدید معقد اعتبار الشیاع هل هو نفس الموضوعات أو علی الامارة علی الموضوعات أو علی الامارة علی الامارة علی الموضوعات؟

فهنا لابد من الاشارة إلی نكتة تفید في علم الرجال وهي تفسیر المراد من الشیاع والاطمئنان في قبال الظن الخاص المعتبر كالامارات الخاصة المعتبرة وقد بسطنا البحث عن هذا مفصلا في حجیة خبر الواحد من علم الاصول وهو خبر الثقة الذي هو في قبال الخبر الموثوق به وكلاهما حجة.

والفرق هو أنه یوجد تارة منشأ نوعي منضبط یسمی بالظن الخاص كخبر الثقة والظهور وقاعدة الید وهي امارات منضبطة نوعیة وهي تفید ظناً عند نوع العقلاء وتسمی بالظن الخاص أي الظن المعتبر.

وتارة تكون هناك مناشئ للظن متعددة كل واحد من تلك المناشئ ضعیفة غیر معتبرة في نفسها إلا أنه إذا انضم إلی مناشئ أخری بضم بعضها إلی بعض یعتد بها؛ لأن قیمة الاحتمال هنا تتصاعد كمّاً وكیفاً إلی

ص: 283

درجة الاطمئنان... فإن تلك الظنون لیست خاصة ولیست معتبرة في نفسها إلا أنها لا تلغی بل تتراكم حتی تولد العلم و هذا هو ما یشیر إلیه من قال بتراكم الاحتمالات كالمحقق التستري وتابعه الشیخ الأعظم الانصاری (قدس سره) علیه في الرسائل قال: إن الاجماع المنقول لیس بحجة إلا أنه جزء حجة بمعنی أنه إذا انضم إلی غیره من القرائن یفید الاطمئنان. و هذا نفس التواتر فإنه أقوی من خبر الثقة وهو یتولد وینشأ من أخبار كثیرة وإن كانت ضعافا، فالكثیر یُخطئ ویظن أن التواتر لا یحصل إلا من تراكم اخبار صحیحة أو علی الأقل من أنضمام أخبار صحیحة وغیر صحیحة، والصحیح أن التواتر یحصل حتی من ضعاف الاخبار ولیس هو من ضم اللاحجة إلی الحجة. نعم هو من ضم اللاحجة إلی اللاحجة المستقلة بل هو من ضم الحجة غیر المستقلة إلی الحجة غیر المستقلة فهذا برهان ریاضي وهي نظریة قدیمة في بحث الریاضیات والمقصود علی أي حال أنّ النتیجة تابعة لأخس المقدمتین لا ینطبق علی ما نحن فیه لأن ما نحن فیه النتیجة تابعة لمجموع المقدمات فیتصاعد الظن حتی یتولد الوثوق أو الاستفاضة أو التواتر.

ومن هنا نعرف أهمیة الاخبار الضعاف وما یترتب علیها ؛ إذ یحصل من جمعها الخبر المتواتر المفید للقطع والخبر المستفیض والخبر الموثوق الذي قد لا یحصل من الخبر الصحیح، فالخبر الذي بهذه المثابة

ص: 284

لا یمكن الاستغناء عنه لا كما یقول بعض من هو في غفلة عن البحوث العلمیة: لابد من تصفیة كتبنا من الاخبار الضعاف!!

وقد ذكرنا أن لهذا الخبر الضعیف فوائد كثیرة لا یستهان بها وأقلها أنه یفید الاحتمال، ونفس الاحتمال موجب للفحص، كما أنه یوجب للباحث التصور وهو من الفوائد العظیمة لدی الباحث إذ بالتصور یرتفع عنده الجهل المركب، ولا یخفی وجود الخلط بین الخبر الضعیف وبین الخبر المكذوب والمدسوس والموضوع، فالمراد من الخبر الضعیف هو الذي لم یُعلم دسه ووضعه، وإنما هناك كلام في سنده، وهذه الخاصیة موجودة في الخبر الصحیح أیضا، إذ یحتمل فیه الوضع، فالاحتمال لا یوجب نعته بالدس، لأن المدسوس هو ما علم دسه ووضعه.

ومن ثم یجب أن لا نفرط في الظنون غیر المعتبرة استقلالا و ذلك لاعتبارها انضماماً ومن هنا تعرف المؤاخذة علی متأخری هذه العصر من عدم قبولهم الظنون ذات القیمة الاحتمالیة في التوثیق ككون الرواي شیخ اجازة وصاحب كتاب وكونه وكیلا وكونه كثیر الروایة وغیرها من القرائن التي لیست بحجة مستقلة إلا أنها بانضمام بعضها لبعض تولد التواتر أو الاستفاضة أو الاطمئنان بالوثاقة فهذه الغفلة الخطیرة المطبقة من كثیر اعلام العصر في التوثیق الرجالي.

ص: 285

منهج الحجیة الانضمامیة:

والحاصل أن كون هذه القرینة غیر حجة مستقلة لا ینفی كونها ذات قیمة احتمالیة فبانضمامها إلی غیرها تولد القطع أو الاطمئنان. والشیاع من هذه القبیل فإن من ثبت عنده الشیاع الذي لایثبت من واحد واحد من الناقلین بمعنی عدم اعتبار الخصوصیات بما هي مفردة بل یعتمد علیها بما هي مجموع خصوصیات الناقلین بما یحمله كل واحد من قیمة احتمالیة.

فكون هذا النمط من الشیاع یقبل هنا ولا یقبل في الرجال فیه تأمل وكذا الشهرة. نعم في طیات كلمات السید الخوئي(قدس سره) في علم الأصول قال بأن الشهرة مثلاً لیست بحجة إلا إذا افادت الاطمئنان و هذا یرجع إلی تراكم الاحتمالات و هذا بعینه المفروض یجریه في علم الرجال، و أن ما نقاشه به من الظنون بأنها لیست بظنون خاصة ولم یقم دلیل علی اعتبارها بما هي مستقلة عن بعضها وأما لو لاحظها منضمة مع بعضها البعض وولدت الاطمئنان لكانت حجة لافادتها الاطمئنان و هذا هو مراد المتقدمین الذين اعتمدوا علی هذه الظنون لا بعنوان أنها ظنون خاصة بل بمجموعها، فكلام المتأخرین وأهل هذا العصر في وادٍ وبحث القدماء في وادٍ آخر إذ مراد القدماء لیس أنها قرائن خاصة بل المراد بها قرائن لا یُعتد بها في كل مجال بما هي حجج غیر مستقلة إلا بانضمامها

ص: 286

(مسألة 24) : إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط یجب علی المقلد العدول إلی غیره(1).

إلی بقیة الظنون كما ذكرنا عن صاحب المقابس والشیخ الأعظم من أن الاجماع المنقول لیس بحجة بل جزء حجة، أي الحجة الانضمامیة وما تحمله من قیمة احتمالیه، ولابد من وزن القیمة الاحتمالیة التي تحمله تلك القرینة حتی یعرف قدر ما یحتاج إلیه من القرائن المولدة للاعتبار.

المسألة الرابعة والعشرون: اعتبار الشروط حدوثا وبقاءا أو حدوثا؟

(1) تقدم في (المسألة 22) أن هذه الشروط مأخوذة حدوثا وبقاء.

نعم لو كانت الفُتیا صرف أمارة كالروایة لكفت تلك الشروط حدوثا دون البقاء إلا أنها لیست كذلك لأن الفتیا والمرجعیة والفقاهة لیست امارة محضة بل هي منصب وزعامة وولایة وسلطة تشریعیة وقد بینا أن الولایة والسلطة التشریعة یلزمها أخذ الشرائط حدوثا وبقاء، و هذا بیان عام.

والبیان الخاص: هو أنا قد بینا في كل دلیل دلیل من الأدلة بوجود قرائن علی أن تلك الشرائط شرائط استمراریة - كما ذكرنا في الموت من أن الأصل انقطاع الولایة إلا أن المجتهد یعتمد بعض الأدلة، كالاستصحاب في اثبات خصوص مسألة البقاء علی تقلیده - هذا إذا لم

ص: 287

(مسألة 25) : إذا قلد من لم یكن جامعا، ومضی علیه برهة من الزمان كان كمن لم یقلد أصلا، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصر(1).

یدل الدلیل الاجتهادی علی أخذها حدوثا وبقاءا والصحیح أن بعضها كذلك مثل قوله (علیه السلام) «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفاً لهواه مطیعا لأمر مولاه»، وقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا»، وقوله (علیه السلام) : «انظروا إلی رجل نظر في حلالنا وحرامنا»، وقوله (علیه السلام) - في مرسلة الاحتجاج والمسند في غیبة الشیخ الطوسي - : «و أما الحوادث فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا فإنهم حجتي علیكم و أنا حجة اللّه»، وقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) في عهده لمالك الأشتر (قدس سره) : «فانظر للحكم أفضل رعیتك» وغیرها من الأدلة الواضحة في الاستمرار، فكونه مخالفا لهولاه وكونه مطیعا لمولاه وكونه مأمونا علی الدین والدنیا وكونه عارفاً وناظراً للحلال والحرام وكونه الحجة علیكم وله الولایة وكونه افضل الرعیة دال علی أخذ هذه القیود حدوثا وبقاء.

المسألة الخامسة والعشرون حكم التقلید بدون مراعاة الشروط :

(1) و ذلك لأن رجوعه إلی غیر الواجد للشرائط باطل كمن لم یقلد، نعم بالنسبة إلی شرطیة الأعملیة غیر معتبر إلا في مورد تخالف الفتاوی أما في مواردها فالرجوع إلی الجمیع بل إلی المجموع ولا معنی لاستناده

ص: 288

لواحد دون الآخر؛ لأن التقلید هو الأخذ والتعلم للفتوی فإذا أخذها وهو عالم بالاتفاق علیها فهو أخذ بقول الجمیع لا بقول دون آخر.

ویترتب علی هذا ثمرات عملیة:

منها: أنه في بعض الامور لابد أن یتعاطی فعلا مع مقلده، فإذا قلنا یصح الرجوع للجمیع صح له التعاطي مع أي واحد منهم مثلاً فیعطي الخمس لأیِّهم وإن منعنا فلا یعطیه إلالواحد وهو من قلده.

ومنها: أنه یفید عند من یری التقلید صرف الالتزام وقد رجع له فی

مسألة البقاء فیصح الرجوع - إذا مات الجمیع - إلی أیهم مع تعذر فتوی البقیة لعدم افتاءهم مثلاً فلا یكون من التقلید الابتدائي.

فلا معنی لتخصیص التقلید بواحد دون الآخر في صورة الموافقة مع شمول الدلیل للجمیع علی حد سواء مثل الاستناد في الاستنباط إلی الاخبار المتوافقة فهو استناد إلی المجموع دون الفرد لأن المجموع هو درجة عالیة ومتینة من الحجیة ومع وجود الدرجة العالیة منها لا معنی للاستناد إلی الأقل لأن الاستناد إلی الأعلم - في حال انضمام غیره له - أقوی وأمتن من الاستناد له فقط.

وتوجد أیضاً مضامین أخبار بهذا المعني، كقول الراوي: (ذهبت إلی أصحابنا في الكوفة وكلهم أجابوني بكذا وكذا).

ص: 289

(مسألة 26) : إذا قلد من یحرم البقاء علی تقلید المیت فمات، وقلد من یجوز البقاء، له أن یبقی علی تقلید الأول في جمیع المسائل إلا مسألة حرمة البقاء(1).

المسألة السادسة والعشرون: البقاء علی المیت الذي لا یجوز البقاء

(1) الوجه في ذلك هو أن فتاوی الأول في نفسها لیست بحجة وإنما حجیتها بواسطة فتوی الحي وفتوی الحي تكون امارة علی ابقاء كل فتاوی المیت السابقة علی حجیتها عدا مسألة حرمة البقاء وعدم شمول فتوی الحي لهذه المسألة للتناقض؛ و ذلك لأنه یلزم من نفس مسألة جواز البقاء علی تقلید المیت عدم جواز البقاء علی تقلیده وما یلزم من وجوده عدمه غیر مشمول للدلیل.

وقد تقدم منا في أصل مسألة تقلید المیت أن هذا الاشكال یرد علی جمیع مسائل المیت المخالفة للحي و ذلك لأن من سوَّغ البقاء علی تقلید المیت حتی في المسائل التي تخالفه والتي یفتي بنقیضها یلزم منه هذا المحذور، فشمول مسألة الحي لمسائل المیت المخالفة لفتاواه تهافت لأن تقلید الحي في البقاء علی من یخالف رأیه تناقض.

والجواب عنه: أنه عندما یفتی بتقلید المیت فهو لا یعین مصداق المیت ومن هو الأعلم ومن هو غیر أعلم فلا تكون فتاواه حجة في بقیة

ص: 290

الأبواب إلا إذا كان هو الأعلم بتشخیص المكلف وأما لو كان المیت هو الأعلم بتشخیص نفس الحي ففتاوی الحي - غیر مسألة جواز أو وجوب البقاء - الخلافیة لا تفعّل وما یفعّل هو خصوص فتواه بالبقاء علی تقلید المیت ففتوی الحيهي الفتوی التي لا مانع یعارضها ویناقضها وأما بقیة فتاواه فمشروطة بأن لا تتعارض مع فتاوی غیره الأعلم، نعم فتوی الأعلم المیت في مسألة البقاء علی تقلید المیت لا یمكن الرجوع فیها إلی المیت الأعلم لأنه یلزم منه الدور.

وأما بقیة الأبواب فبمسألة جواز البقاء علی تقلیده یدخل المیت في دائرة المقلدین الذين منهم الأحیاء وفي مورد المخالفة یتعین الرجوع إلی أعلم من یصح تقلیده في دائرة المقلدین فتوجد طولیة - بالنسبة إلی المكلف المقلد لا بلحاظ الثبوت فلابد من لحاظ الحیثیات والجهات لمعرفة التراتب بین شؤون الاحكام الشرعية فإن باب الفتاوی مثلا في حكم القاضي مقدم علی حكم القاضي هذا بالنسبة إلی القاضي نفسه لأن قضاءه یتولد من الفتاوی وأما بالنسبة للمكلفین فحكم القاضي مقدم رتبة علی باب الفتاوی - بین البقاء علی تقلیده وبین بقیة الأبواب فمسائل التقلید لیست في عرض بقیة الأبواب الفقهية و ذلك نظیر تأخر باب القضاء والحكم القضائي علی الفتاوی في الأبواب الأخری فالفتاوی في باب التقلید متقدمة رتبة علی الفتاوی في الأبواب الأخری، فأولاً یجب

ص: 291

(مسألة 27) : یجب علی المكلف العلم بأجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدماتها، ولو لم یعلمها لكن علم إجمالا أن عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صح وإن لم یعلمها تفصیلا(1).

اعتبار الاستناد في الاحكام إلی باب التقلید ثم بعد ذلك یستند إلی الأبواب الأخری. وتسمی هذه الحالة بالورود والتوارد یعنی أن فتوی الحی في مسألة تقلید المیت الأعلم تسد باب تقلید الحي في بقیة الأبواب لأن الفتوی الأولی تدخل المیت في دائرة المقلدین ویتعین تقلیده باعتبار أعلمیته.

والحاصل أن التشخیص لیس بید المجتهد بل هو من صلاحیات المقلد فهو یطبق مسألة البقاء فیرجع إلی الحي في جواز تقلید المیت وبهذه الفتوی یدخل المیت في دائرة التقلید ویتعین تقلیده إذا كان هو الاعلم.

المسألة السابعة والعشرون: وجوب تعلم اجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدماتها

اشارة

(1) هذه الفتوی مخالفة لمشهور الفقهاء سیما المتقدمین من عدم صحة العبادة إلا بالعلم التفصیلي باجزاءها وشرائطها وقد عبّر المتأخرون عن هذا بقصد الوجه وقصد التمییز إلا أن المتقدمین لهم وجه آخر...

ص: 292

وقد نقل الشیخ الانصاري (قدس سره) بأن السید الرضي سأل أخاه: هل أن عمل تارك تعلّم المسائل باطل؟

هذا، فكیف من قصر في مورد التمام وأتم في مورد القصر!! فقد أفتوا بصحة صلاته مع أن العبادة إذا لم تعلم كیف تصح و هذا مما یدل علی اعتبار العلم التفصیلي.

كفایة العمل بالاحتیاط عن تعلم اجزاء العبادات وشرائطها

وقد أشرنا إلی هذا المطلب في الاحتیاط مع التمكن من الاجتهاد والتقلید وقلنا إن الاحتیاط علی ستة أقسام:

والأول منها: الاحتیاط الكبیر وهو ما وقع عدلا للاجتهاد والتقلید، و هذا ما استشكله المتقدمون والمتأخرون في أنه هل في عرض الإجتهاد والتقلید أو في طولهما، وقد افتی بذلك بعض المتأخرون ومنهم المیرزا القمي (قدس سره) والمیرزا النائیني (قدس سره)، من أن الاحتیاط المطلق ولا سیما في العبادة لیس في عرض الاجتهاد والتقلید وعبارتهم في ذلك: (تارك الاجتهاد والتقلید عمله باطل أو احتیاطه باطل). نعم الاحتیاط الذي هو تابع للتقلید لا اشكال فیه لأنه تابع للتقلید أو الاجتهاد فالتقلید والاجتهاد الاحتیاطیان لا اشكال فیهما.

الوجوه التي اشكل بها علی قیام الاحتیاط مقام التعلم :

اشارة

وإنما الاشكال یقع في الاحتیاط الكبیر وهو الذي لیس بتابع طولی

ص: 293

لهما بل هو في عرضهما وقد ذكر لذلك وجوه:

الوجه الأول: أن الفراغ الیقیني یقتضي الفراغ الیقیني وجوابه:

إن الفراغ الیقیني یقتضي الفراغ الیقیني ولا یتحقق الفراغ الیقیني إلا بالامتثال الیقیني والامتثال الاجمالي لا یقین بتحقیقه للفراغ فكما یلزم العقل بأصل الامتثال فإنه أیضا یلزم باحراز الطاعة وهذه من مراحل الحكم التي هي متأخرة عن مرحلة التنجیز والامتثال إذ ربما یمتثل الانسان ویطیع ویسقط الامر إلا أنه لم یحرزه فالعقل حاكم بوجوب الاحراز فیمكن التفكیك بین أصل الطاعة وبین احرازها.

وفیه: أن احرازها كما یتحقق بالامتثال التفصیلي یتحقق بالامتثال الاجمالي فهذا الوجه غیر تام لأن احراز الامتثال لا یتوقف علی الامتثال التفصیلي بل یتحقق حتی بالامتثال الاجمالي فلا یثبت المطلوب.

الوجه الثاني: أن العلم التفصیلي مقدمة وجودیة للامتثال وجوابه:

إن العلم التفصیلي مقدمة وجودیة لتحقق الامتثال فبدون العلم تفصیلاً لا یوجد الامتثال، فمثلا من لم یتعلم حروف سورة

الفاتحة وكیفیة النطق بها أو بقیة ما یجب قراءته في الصلاة فإنه لا یمكنه أن یحقق الصلاة فالتعلم مقدمة وجودیة للصلاة.

ص: 294

وفیه أنه أخص من المدعي إذ كثیر من الأمور لا یكون العلم التفصیلي بها مقدمة وجودیة إذ یمكن تحققه بالعلم الاجمالي بل هو مقدمة علمیة لا وجودیة لأن كل عمل یأتي به یحتمل موافقته للواقع وعلیه فیمكن أن یوجد الواقع بدون تعلم نعم لا یمكن العلم بالتحقق إلا بالتعلم.

الوجه الثالث: عموم أدلة التعلم:

عموم أدلة التعلم وأنه الحجة البالغة له تعالی وما أورده الصدوق في باب البیان وأنه الحجة البالغة للّه حیث یسئل المكلف یوم القیامة لما لم تعمل فیقول لم أعلم فیقال هلا تعلمت. فقال هذه الحجة البالغة للّه تعالی وتوجد أدلة متعددة من آیات وروایات قد أستدل بها علی وجوب التعلم وهذه الأدلة مبنائیة. فمنهم من ذهب إلی أنها وجوب ارشادي أو وجوب تكلیفي طریقي أي لیس المدار علیه بل المدار علی المطروق والمنكشف.

ولا یخفی الفرق بین الحكم الطریقي والحكم الظاهري فالطریقي لیس بمعنی الظاهري إذ قد یكون حكم واقعي إلا أنه طریقي إلی غیره وهو قد یتشابه مع الحكم الظاهري من حیث الخواص إلا أنه قد یكون واقعیا وقد یكون ظاهریاً.

ص: 295

فملاك الحكم الطریقي في غیره لا في نفسه, والبحث في أدلة وجوب التعلم مبنائیاً فمنهم من یستفید الوجوب النفسي ومنهم الوجوب الطریقي ومنهم من یستفید الغیري... فالاستدلال علی وجوب التعلم نفسیا بهذه الأدلة النقلیة أول الكلام وإن كنا نحن نبني علی أنه حكم واقعي ونفسي طریقي ولیس بارشادي وقد ذكرناه في محله.

الوجه الرابع: عدم تحقق الامتثال والطاعة:

إنه یشكل في أصل الامتثال ونفس الطاعة لا احرازهما بدون علم تفصیلي فالاشكال لا من حیثیة الاحراز ولا من حیثیة فوات قصد الوجه والتمییز بل من باب أن الامتثال والطاعة عبارة عن مثول العبد أمام ارادة مولاه والمثول وهو نوع حضور - والحضور بالنسبة إلی الباري لیس بحضور جغرافي وجسماني - وإنما هو حضور بتوسط العلم بارادته.

و إما الامتثال الاجمالي هو عزوب وانصراف عن ارادة المولی فالحضور أمام ارادة مولاه یتحقق بالعلم بارادته والعلم بسبیل ربه فالحضور یتحقق بنفس العلم بالارادة وهو مقابل للتجري لأنه ابتعاد عن ساحته تعالی، فالطوعانیة لیست صرف هذه الطقوس بل هو مثول وحضور وهو لا یتحقق إلا بالعلم بارادة المولی والاكتفاء بالامتثال الاحتمالي بالعلم الاجمالي مع التمكن من الامتثال بالعلم بالتفصیلي نوع

ص: 296

من التجري والتمرد والابتعاد عن ساحته تعالی. نعم، لو لم یتمكن من الحضور كما لو عجز عن العلم التفصیلي اكتفی بالامتثال الاحتمالي للعلم الاجمالي. و هذا ما ذكرناه من عدم الاكتفاء بالاحتیاط الكبیر الذي لا علم فیه بتوسط الاجتهاد أو التقلیدوإنه لیس في عرض الاجتهاد والتقلید فلابد من التعلم تفصیلاً باجزاء وشرائط العبادات.

فماهیة الامتثال والطاعة تقتضي بنفسها أن یطلع الممتثل علی ارادة مولاه فعدم الاطلاع فیه نوع من الابتعاد عن ارادته والتمرد علیه والدلیل هو أن ماهیة الامتثال عقلا وعقلائیا قوامها في فرض التمكن بالمثول والحضور المتحقق بالاطلاع علی ارادة المولیفتحقق الامتثال والطاعة التي یترتب علیها الثواب بنفس العلم والاطلاع علی ارادة المولی، وأما مسألة الاكتفاء بدون علم تفصیلي لا یحقق الامتثال والطاعة سواء في العبادات أو التوصلیات إلا أنه في التوصلیات لم یلزم الشارع بالامتثال ولهذا في التوصلیات إذا لم یقصد الامر لا یتحقق الامتثال ولكن یتحقق ترك المعصیة بالاداء ولو بنیة غیر قصد الأمر فیتحقق الأمر التوصلي بصرف ترك الترك یعنی بصرف الأداء ولهذا یفرق بین عنوان الاداء والامتثال إذ الامتثال لابد من قصد الامر والثواب مترتب علی الامتثال لا علی الأداء فالثواب مترتب علی الامتثال في العبادیات والتوصلیات.

نعم، سقوط العقوبة في التوصلیات علی نفس الأداء وهو صرف ترك

ص: 297

ترك المأمور به مثل النفقة علی الزوجة والوالدین فإنه نفق لا بقصد الأمر فإنه وإن لم یكن عاصیاً إلا أنه لیس بممتثل ففرق بین الاداء والامتثال فالاداء یعدم المعصیة ولكن لا یحقق الامتثال لأنه یحتاج إلی قصد الأمر.

ففی التوصلیات لدینا دلیل علی الاكتفاء بصرف ترك المعصیة وهو الاداء وأما في العبادیات فلا یكتفی بالأداء فلو افترضنا أمكان التفكیك بین الأداء والامتثال لما كفی الاداء عن الامتثال بل لابدّ في العبادیات من قصد الأمر لأجل حصول الامتثال وعنوان الامتثال وماهیته متقومه بمثول العبد وحضوره أمام ارادة مولاه وهو لا یحصل إلا بالعلم والعلم بحكم المولی وارادته هو نفس الوصول إلی ارادته.

ومثال تقریبی أنه لو قیل لعبد أن مولاك في القصر یرید شیئا منك فقال أنا لا أذهب إلیه وإنما أحقق مطلوبه لأنه اجمالا یرید هذا أو هذا وبخلافه عبد آخر قیل له أن مولاك یرید منك شیئا فتوجه العبد إلی مولاه - مع علمه الاجمالي بمراده - فنفس الحضور للتعلم والاكتشاف والاطلاع علی ارادته القاهرة نفس التعلم والحضور انقهار وامتثال وخضوع وطوعانیة فهو دخیل في نفس الطاعة بخلاف الأول فإنه وإن أدی الفعل إلا أنه عنده نوع من التمرد وجموح وانفلات، ولهذا أخذ المتأخرون في المذهب الكلامي في النیة قصد الوجه وإن كنا لا نوافق علیه إلا أن ارجاع قصد الوجه والتمییز إلی المثول هو ما نعتمده.

ص: 298

(مسألة 28) : یجب تعلم مسائل الشك والسهو بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالبا، نعم لو اطمأن من نفسه أنه لا یبتلی بالشك والسهو صح عمله وإن لم یحصل العلم بأحكامهما(1).

ولهذا ذهبنا إلی اشتراط العلم التفصیلي باجزاء وشرائط العبادات ولا یكفي الامتثال الاجمالي بدون تعلم أصلا فإنه امتثال ناقص للمتمكن من التعلم فلا یساوي الامتثال مع العلم فضلاً عن كونه أكثر امتثالاً لأنه تمرد علی طاعة المولی فنفس المثول والحضور أمام ارادة المولی داخل في نفس عنوان الامتثال والطاعة للمتمكن منه، نعم الامتثال الاجمالي مع العلم التفصیلي من الاجتهاد والتقلید لا مانع منه وهو الاحتیاط المتولد من الاجتهاد والتقلید وقد تقدم تفصیل ذلك في المسائل الاولی.

المسألة الثامنة والعشرون: وجوب تعلم مسائل السهو والشك وماذكره الشیخ الأعظم(قدس سره)

(1) و هذا هو البحث المتقدم في مسألة 27 - ولعل سبب فرد هذه المسألة عن المسألة السابقة هو ما ذكره الشیخ الانصاري (قدس سره) من أن ترك تعلم مسائل الشك والسهو في الصلاة موجب للفسق - غایة الأمر أن البحث هنا في الشرائط والأجزاء حال الشك والتردید بالكیفیة. والتقیید بمحل الابتلاء غالبا باعتبار ما یكلف به فلابد أن یتعلم وظیفته حال الشك والسهو.

ص: 299

والوجه عندنا هو ما قدمناه في المسألة السابقة من أن عدم التعلم والاكتفاء بالامتثال الاجمالي عزوف وتمرد أمام ارادة المولی.

نعم لو غفل ودخل في الصلاة وشك، فعلی ما نبني علیه من حرمة قطع الصلاة - للخبر الصحیح تحریمها التكبیر وتحلیلها التسلیم أنه قبل السلام یحرم علیه قطعها - فیدور الأمر بین الحرمة وبین الاتیان بالامتثال الاجمالي فهو غیر متمكن من الامتثال التفصیلي لوجود المانع الشرعي وهو حرمة قطع الصلاة فینتقل للامتثال الاجمالي أما ولو دخل الصلاة وهو ملتفت ومتعمد ویعلم بابتلائه بالوظیفة والشكفیشكل الاكتفاء بهذه الصلاة لأنه من الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصیلي.

وما ذكره الشیخ الاعظم (قدس سره) في رسالته العملیة من (أن تارك مسائل الشك والسهو في الصلاة فاسق وإن لم یبتلِ)، لا یختص بالصلاة بل یشمل الصیام والحج وغیرها من العبادات ولا بمسائل الشك!.

وقول الشیخ (قدس سره) بفسق تارك التعلم - لو بنینا علی عدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالي - واضح، وكذا لو بنینا علی أن وجوب التعلم وجوب نفسي طریقيكما بنینا علیه فیكون تارك التعلم فاسقا و هذا لا اشكال فیه، إلا أنه قد یوجه كلامه (قدس سره) - حتی مع اكتفاءه بالامتثال الاجمالي وكون وجوب التعلم لیس بنفسي - بوجهین آخرین:

ص: 300

الوجه الأول: أن تارك التعلم متجري والتجري محرم شرعاً وقد نسب إلی الشیخ الانصاری(قدس سره) حتی من تلامذته عدم القول بحرمة التجري وهو غیر صحیح فإن ما أنكره هو حرمته العقلیة لا الشرعية وإلا لو بادر علی مقدمات الفعل المحرم الأولیة فهو حرام بحسب الجمع بین الروایات الواردة في باب التجري فیمكن الحكم بالفسق لارتكاب هذا المحرم الشرعي.

الوجه الثاني: أن التجري قبیح عقلاً وإن لم یكن معصیة علی القول بعدم حرمته مطلقاً إلا أنه لا یحقق الوثوق بدینه فلا یصدق علیه أنه عادل، هكذا ذكره السید الخوئي (قدس سره) مع أنه في باب المروءة استغرب من المشهور بأن الصغائر غیر خادشة في العدالة للعفو عنها مع أن المروءة التي هي لیست بتكلیف الزامي تخدش بالعدالة وتوجب الفسق.

وقد قال: إن هذه من الغرائب إذ كیف یكون الشيء موجباً للفسق وهو غیر الزامي، وهنا نفس السید یلتزم بعدم حرمة التجري مع أنه خادش في العدالة ولهذا التزم بفسق حالق اللحیة فقد التزم في مسألة حلق اللحیة احتیاطاً وجوبيا ولو حلقها شخص یعتبر فاسق مستدلا علیه بأن التجري وإن لم یكن معصیة - أي أمر غیر الزامي - إلا أنه یوجب الفسق لأنه مأخوذ في العدالة والوثوق بالدین وبهذا یندفع ما استشكله السید الخوئي (قدس سره) في المروءة في (المسألة 23) علی المشهور؛ لأن ما

ص: 301

(مسألة 29) : كما یجب التقلید في الواجبات والمحرمات یجب في المستحبات والمكروهات والمباحات بل یجب تعلم حكم كل فعل یصدر منه، سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العادیات(1).

ذكره هنا هو ما ذكره المشهور.

وأیضا یرد علی أعلام العصر - من قبولهم أن التجري لا ینسجم مع الاستقامة علی جادة الشریعة - : أنه كیف ینسجم مع العبادة أي أن الفعل الصادق علیه عنوان التجري كیف یصدق علیه أنه عبادة ومثول وخضوع وحضور أمام ارادة المولی، وقد تبین أن اعلام العصر ارتكازا یبنون علی ما یبنی علیه القدماء وإن لم یقروه صریحاً.

المسألة التاسعة والعشرون: وجوب التقلید في الاحكام الالزامية وغیر الالزامية

(1) فیجب التقلید في كل الافعال سواء الالزامية أو غیر الالزامية وبعبارة أخری الاحكام إما أن یعلم بها بالضرورة فلا تقلید فیها أو لا یعلم بها فلا محالة لابد في بنائه الالتزامي علی الاباحة أو الحرمة أوغیرها من الاحكام من توسط التقلید. كما یمكن أن یستدل علی وجوب التقلید في جمیع هذه الامور باطلاقات أدلة وجوب التعلم، وبالعلم الاجمالي بوجود الاحكام الالزامية في كل باب فیلزمه أن یتعلم مسائل ذلك الباب لینحل العلم بجمیع الالزاميات.

ص: 302

وأیضا یستفاد من كلمات الأعلام وجهان آخران :

قال السید الگلپایگاني (قدس سره) تعلیقا علی هذه المسألة: وجوبه (التقلید) فیما احرز عدم وجوبه وعدم حرمته غیر معلوم، نعم یجب احراز ذلك عند احتماله كما یحرم التشریع مع الجهل. فعنده یجب التقلید لأمرین:

الأول: ما یحتمل كون الحكم الزامياً.

والثاني: فیما لا یحتمل كونه حكما الزامياً لكنه یرید البناء الالتزامي علی ذلك.

فالأول: ما یحتمل كون الحكم الزاميا فهنا یجب علیه أن یؤمن نفسه من احتمال العقوبة بالتقلید ولا تجري البراءة قبل الفحص والفحص عن الدلیل الاجتهادي بالنسبة إلی العامي هو التقلید وفتاوی المجتهد. فحاصل هذا الوجه أنه یجب علی المكلف التقلید من جهة تأمین العقوبة في العمل.

والثاني: ما لا یحتمل كونه الزاميا فإنه من جهة العمل لا یحتاج إلی تقلید لعلمه بعدم لزومه والعلم بعدم لزومه علم بنوع الحكم ولكنه لو أراد أن یبنی علی أن هذا الفعل حكمه مستحب أو مكروه أو مباح فهو راجع إلی مسألة الالتزام البنائي كأن یرید أن یبنی علی أن الفعل الفلاني حكمه كذا - مثلا - فهو غیر مرتبط بجهة العمل، بل من جهة البناء علی

ص: 303

الحكم واسناده إلی المولی فلابد من التقلید لأن البناء تشریع وهو محرم.

إلا أن الكلام في تحصیل العلم بعدم الحكم الالزامي فإنه لو استند إلی السرعة والعفویة فإنه لیس بمعذر و ذلك لما نبني علیه من أن حجیة القطع لیست ذاتیة وإنما الحجیة للیقین والیقین لیس عبارة عن حالة جزمیة وإنما الیقین هو نفس المقدمات المنتجة سواء حصلت الجزم أو لم تحصله؟ فلنفرض شخصاً حصلت عنده مقدمات منتجة ولكنه لم یحصل له الجزم لعارض كمرض أو تشتت بال او حالة غضب فإنه ملزم بالأخذ بمؤدي المقدمات المنتجة وغیر معذور أو بالعكس فإنه لو جزم من منشأ غیر منتج فإنه لا یعذر، فالصحیح أن القطع لیست حجیته ذاتیة وإنما الحجیة لنفس الیقین والیقین هو نفس المقدمات المنتجة لا الجزم.

نعم لو كان جزمه من مقدمات عن قصور فهو معذور ولكنه لا من جهة جزمه بل من جهة قصوره.

ص: 304

(مسألة 30) : إذا علم أن الفعل الفلاني لیس حراما، ولم یعلم أنه واجب أو مباح أو مستحب أو مكروه، یجوز له أن یأتي به، لاحتمال كونه مطلوبا وبرجاء الثواب، وإذا علم أنه لیس بواجب، ولم یعلم أنه حرام أو مكروه أو مباح، له أن یتركه لاحتمال كونه مبغوضا(1).

المسألة الثلاثون: الاتیان بالافعال غیر المحرمة مع احتمال الأمر بها:

(1) هذه المسألة مغایرة لفرض المسألة السابقة فإن المسألة السابقة فرضها العلم بعدم الالزامين الوجوب والحرمة وأما هذه المسألة فهي عدم العلم بأحد الالزامين واحتمال الالزام الآخر.

فتارة ینظر إلیها بالنسبة للمكلف غیر المقلد وتارة ینظر إلیها بالنسبة إلی فتوی الفقیه بالنسبة لمقلدیه لو صادفتهم مثل هذه المسالة فبالنسبة إلی الأول فإن المتعین هو الاحتیاط بالاتیان علی المكلف غیر المقلد وبالنسبة للثاني - كما هو ظاهر الماتن - هو جواز الفعل رجاءاً و ذلك لفتوی الفقیه بالجواز... وبهذا یكون استشكال المیلاني (قدس سره) محمولاً علی هذا الفرع بالنسبة للمكلف غیر المقلد فإن وظیفته الاحتیاط بالاتیان رجاءا لا جوازاً. ومع فتوی الفقیه بالجواز یكون الاحتیاط بلحاظ الواقع لاحتمال الوجوب ولكنه جائز بالمعنی الأعم بلحاظ فتاوی المجتهد، كما هو في موارد جریان البراءة في موارد الشبهة الوجوبية، ففي هذه

ص: 305

(مسألة 31) : إذا تبدل رأي المجتهد لا یجوز للمقلد البقاء علی رأیه الأول(1).

الموارد یجوز للمقلد الاتیان لاحتمال المطلوبیة وبرجاء الثواب وكذا جریان البراءة في موارد الشبهة التحریمية یتركه لاحتمال كونه مبغوضاً.

المسألة الحادیة والثلاثون: عدم جواز البقاء علی رأي المجتهد إذا تبدل

(1) لا یقال إن الفتوی السابقة كالفتوی اللاحقة و ذلك لأنه قد یقال إن الفتوی اللاحقة كاشفة علی أن الفتوی السابقة غیر واجدة للشرائط بقاءا لا حدوثاً وإلا فهي حدوثاً واجدة للشرائط ومن هنا تأتی مسألة الاجزاء لكون الاعمال السابقة واجدة لشرائط حجیتها السابقة ومخالفة للحجة اللاحقة، والصحیح هو الاجزاء لأن الفتوی السابقة في ظرفها واجدة للشرائط وبالتالي عمله في ذلك الظرف واجداً للشرائط لاستناده لما ثبت توفره علی الشرائط فهو نظیر حالة تبدل التقلید من فقیه إلی آخر فصحیح أن الفتوی اللاحقة بنحو كلي وغیر مختصة بزمن دون آخر ویفید مدلولها عدم صحة الاعمال السابقة إلا أن اعتبارها متأخر عن اعتبار صحة الأعمال السابقة فإن الاعمال السابقة صحیحة بالفتوی الأولی إلی أن خرجت الفتوی الثانية فمن حین زمن خروج الثانية - وهو زمن مغایر لزمان حجیة الفتوی الأولی التي هي حجة في ذلك الزمان إلی

ص: 306

ابتداء الحجیة الثانية - لا تكون حجة في زمن الحجة الاولی بل في خصوص الزمان التي انتهت صلاحیة الأولی وهو مثل البیع الفضولي فإنه علی الانكشاف الحكمي تكون الملكیة للمالك الأول وبعد الاجازة یكون الاعتبار بالملكیة الثانية من حین زمن الاجازة فتكون ملك للمشتري فیه، فیكون اعتباران یتواردان علی معتبر واحد في زمان واحد فما قبل الاجازة الاعتبار للمالك الأول وما بعد الاجازة الاعتبار بملكیة المالك الثاني في ظرف الزمان السابق علی الاجازة فالمعتبر واحد إلا أن الاعتبارین ظرفهما مختلف فلا تناقض لأنه یعتبر في التناقض وحدة الاعتبار ووحدة المعتبر ووحدة الزمن و هذا خاص بكشف الخلاف التعبدي لا الوجداني ولهذا قالنا بالاجزاء لاندراج كل فتوی تحت عموم أدلة حجیة الفتوی فالسابقة مندرجة واللاحقة كذلك.

والكلام لیس في الاجزاء بل في عدم جواز التعویل علی فتواه السابقة ولزوم العمل باللاحقة. والوجه في ذلك بناءا علی الاجزاء بالفتوی الأولی لأعماله السابقة خلافا لبعض أعلام العصر من أن مقتضی القاعدة هو عدم الاجزاء إلا أن یدل دلیل كحدیث لا تعاد... وأما بالنسبة إلی المشهور فذهبوا إلی الاجزاء لشمول أدلة الحجیة لها فلماذا لا تبقی تلك الفتوی السابقة فیما لم یحرز مخالفته للواقع؟

ص: 307

امتزاج الفتوی من الاخبار والتعهد ومن فوائده أن الاخبار عن المخبر بدون تعهد منه كذب في الجملة:

والوجه في ذلك هو أن الفتوی لیست امارة محضة والاخبار لیست مجرد حكایة محضا بل هو ممزوج بتعهد والتزام فهو شبیه الشهادة التي هي التزام من الشاهد بمضمون ما یشهد به وفي الحقیقة أن كل مخبر لیس هو مخبر فقط بل مخبر ومنشأ لمضمون آخر وهو انشاء تعهده بأن الواقع هو ما أخبر به ولهذا دائما الاخبار متضمنا اخبار وتعهد. و هذا نظیر ما ذكر في البلاغة من أن كل الاخبارات فیها اخبار بالواقع وهو المعنی المطابقي واخبار بكون المخبر عالم بما أخبر به وهو لازم الخبر.

فالاخبار لیس هو مجرد حكایة فقط بل یشتمل علی تعهد بمضمون الخبر ولهذا تختلف معاني الصدق والكذب في الآیات القرآنیة وروایات أهل البیت (علیهم السلام) وقلما التفت إلیها فإن لها معاني عجیبة غریبة فمثلاً من ضمن المعانی في أخبار أهل البیت (علیهم السلام) وفي القرآن بشكل خفی فإن المخبر إذا لم یكن له قدرة علی أن یتعهد بمطابقة هذا الخبر للواقع فإنه یعد كاذباً وفعلاً إذا دققنا بتحلیل هذا المضمون فإنه یكون كاذباً.

وذكر هذا في الكتاب وعلی لسان أهل العصمة (علیهم السلام) فیه دلالة علی أحاطتهما بالواقع، ومن هذا القبیل لو أخبر أحد المعصومین (علیهم السلام) أحداً

ص: 308

بمعارف ولم یتعهد الامام (علیه السلام) إلا له بهذا الخبر فلو ذهب وأفشاه فقد ارتكب المفشي كذباً من عدة نواحي ومن تلك النواحي التي تصدق علی المذیع بأنه كاذب هو اخبار بأن الامام قال كذا فإنه كاذب لأن الامام لم یتعهد للكل بل تعهد لخصوص المذیع فقط ولم یتعهد لغیره فاخبار المذیع بأن الامام متعهد للجمیع كذب لم یقله الامام (علیه السلام).

وقد ذكرنا في (الجزء الثاني من كتاب الرجال) ما یقارب عشر معانی للصدق والكذب في روایات أهل البیت (علیهم السلام)، فالخبر یصح الاعتماد علیه بالتعهد وإلا لو رجع المخبر عن تعهده فإنه لا یصح الاعتماد علیه.

وكذا الكلام في الفتوی والروایة والشهادة فیما لو رجع الشاهد قبل انفاذ القاضي حكمه ولا یكفي في هذه الامور إلا مع التعهد بالمطابقة ولهذا لو اطلع المكلف علی رأي المجتهد والفقیه من خلال مبانیه ولكن المجتهد لم یبرزه ولم یتعهد به فلا یصح للمكلف الاعتماد علیه لأنه لا تعهد به ولا مسؤولیة بمطابقة تلك الفتوی للواقع، ولهذا تختلف الكتب العلمیة والمبنائیة عن الكتب الفتوائیة لأن الكتب العلمیة لا تعهد فیها بل هي موضوع للنقض والابرام ولیس في مقام التعهد بالواقع. ولهذا تری كثیراً یحتاطون في الفتوی دون المبنی، فتری البعض في المبنی یقول:

ص: 309

(مسألة 32) : إذا عدل المجتهد عن الفتوی إلی التوقف والتردد یجب علی المقلد الاحتیاط، أو العدول إلی الأعلم بعد ذلك المجتهد(1).

(مسألة 33) : إذا كان هناك مجتهدان متساویان في العلم كان للمقلد تقلید أیهما شاء، ویجوز التبعیض في المسائل(2).......................

الأقوی الارجح وغیرها من الاعتبارات فإنها لا تصب في التعهد بالفتوی بل من جهة المیزان العلمي والمعطیات التي یتعاطاها فهو یخبر عن مقتضی الصناعة العلمیة ویتعهد بتلك الصناعة فقط ولیس بصدد التعهد بمطابقة الفتوی للواقع.

المسألة الثانية والثلاثون: العدول من الفتوی إلی الاحتیاط

(1) و هذا من قبیل المسألة السابقة فإن الفقیه إذا تردد سحب تعهده فیتعین علی المكلف أحد الطریقین إما التقلید مع مراعاة الأعلم فالأعلم أو الاحتیاط.

المسألة الثالثة والثلاثون: الوظیفة عند تساوي المجتهدین

اشارة

(2) أصل المسألة هو أن یتخیر بینهما في الجملة إلا أن المكلف تارة لا یعلم الاختلاف بینهما وتارة یعلم، فإن كان لا یعلم تخیر أو بعّض بینهما و ذلك لأن عدم علمه بوجود مسائل خلافیة فهو غیر عالم بالتعارض بین المجتهدین، فتكون الامارتان حجتین فعلیتین، فیجوز له

ص: 310

التخییر أوالتبعیض، وأما لو علم بوجود اختلاف بین الفقیهین، فهو ممن علم بالتعارض والأقوی مع التعارض لیس هو التساقط كما یذهب إلیه السید الخوئي (قدس سره) وتلامیذه كما تقدم سابقاً بل هو التخییر فأحوط القولین هو نوع من الاحتیاط في التقلید ولیس هو سقوط للفتویین مع أن السید الخوئي (قدس سره) یصوره بأنه نوع من تعارض الفتویین فمآله إلی التساقط وعلیه فلابد من العمل بالاحتیاط إلا أنه لایكون إلا احتیاطاً في جمیع الفتاوی الموجودة أو الاحتیاط الكبیر لكنه یقول إنه احتیاط بین القولین، مع أن أحوط القولین لیس اسقاطا للامارة بالتعارض بل هو اقرار ببقاء الامارتین علی الحجیة وإلا فكیف یخیّر بینهما وقد تقدم مفصلاً أنه لا تساقط بل ابقاء علی حجیتیهما فالتخییر بین الفتویین علی مقتضی القاعدة كما ذهبنا إلیه في التعارض وقد تقدم كل ذلك.

مسألة جواز التبعض في التقلید:

والأمر الجدید في هذا البحث هو جواز التبعیض في التقلید هل هو علی اطلاقه أو مخصوص بما إذا لم یلزم منه القطع بالمخالفة العملیة وما لا یلازم القطع بالمخالفة العملیة تارة یكون في مركب واحد وتارة في موضوعات متعددة ومثاله ما سأله أحد الفضلاء في الحج فإن بعض الفقهاء المعاصرین یحتاط بعدم الاكتفاء بالوقوف معهم فیرجعون إلی غیره ویقلدونه في بقیة اعمال الحج ومن یرجعون إلیه في مسألة الاكتفاء

ص: 311

بالوقوف معهم یخالف ذلك الفقیه في بضع أعمال الحج فالحج لیس بصحیح لا بالنسبة إلی الفقیه الأول ولا الفقیه الثاني فالعمل بنظرهما باطل ومن هنا استشكل السید المیلاني (قدس سره) في هذا النوع من التبعیض.

وقد أجبت ذلك الفاضل بجواب، واعتمد أیضاً وهو: أنه فرق بین العمل الركني وغیر الركني إلا أنه في العمل الواحد مثل مسالتين في السعي مختلفتین أو في الطواف فهل یصح له أن یبعض في التقلید بل بعض الفقهاء قال لیس الكلام في العمل الواحد بل حتی في الباب الواحد و ذلك لأن طبیعة المسائل في الباب الواحد متشابكة ومترابطة باعتبار ما تندرج تحته من مسائل الأم الكلیة فالتبعیض في التقلید مع الاختلاف هو نوع من التناقض لأنه بحسب الفرض یقلد في كتاب الصلاة مسألة مجتهدا وفي مسألة أخری مجتهداً آخر فصورتهما مسألتان ولكنهما في الحقیقة یعتمدان علی مسألة أخری فوقانیة وهي أم في الباب فلا یصح التبعیض في هاتین المسالتين لأنه تقلید لمبنیین مختلفین في مسألة واحدة؟

ویمكن الاجابة عنه - إذا لم یكن في عمل واحد - بأن هذه المسألة المشتركة هي فتاوی عدیدة و ذلك لانحلال المسألة الأم بحسب تطبیقاتها الاستنباطیة التي بید الفقیه علی المسائل الفرعیة فیكون استنباط واجتهادوعلیه فكل فرع من مسألة الأم خاضع للاستنباط وله أن یقلد فی

ص: 312

كل فرع من فروع مسألة الأم فقیهاً إلا إذا علم بالمخالفة العملیة وله أن یقلد في تطبیق مجتهداً وفي تطبیق آخر مجتهداً غیره ولا تناقض بینهما في الواقع لأن تطبیقاتها مختلفة فیجوز تعدد التقلید في التطبیقات الاستنباطیة وإن اتحدت المسألة الأم الكلیة. فمبدئیا وصناعیاً یصح ولا مانع منه بل لولم یصح لما صح التبعیض أصلاً لكون غالبیة الاختلاف في التطبیقات لا في المسائل الأم كدلالة صیغة الأمر علی الوجوب وإنما الخلاف في تطبیقها هل تدل علی الوجوب هنا أم لا ؟ فلا تقلید في هذه المسألة بل في التطبیقات الاستنباطیة.

وقد عبّر عن هذه الضابطة في عدم المخالفة في خصوص العمل الواحد بأكثر من تعبیر فمن تلك العبائر:ما ذكره بعض المعلقین علی العروة من أن تقلیدهما في العمل الواحد یشترط أن لا یكون باطلاً بنظرهما بحسب الواقع، مثل لو افتی زید بأن الطواف یبطل بليّ العنق إلی الخلف وإذا قطع الطواف لابد من أكماله من محل القطع وافتی عمرو بأن لي العنق لا یبطل ولكن لو قطع طوافه لابد من الاتیان به من الحجر الأسود فقلد هذا المكلف زیدا في الابتداء لمن قطع طوافه من محل القطع وقلد عمراً من بأن لي العنق لا یبطل ثم عمل فلوی عنقه وقطع طوافه وابتداه من محل القطع فهذا الطواف باطل بنظرهما وبطلانه مبطل للعمرة أو الحج سواء كان جاهلا أو عالما.

ص: 313

وإذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولی بل الأحوط اختیاره(1).

وما ذكره بعضهم: من أن تقلیدهما في العمل الواحد یشترط أن لا یكون العمل باطلا بنظرهما بحسب الوظیفة الأولیة وإن كانت صحیحة بحسب الوظیفة غیر الأولیة فمثلاً لو كان زیداً یفتي بعدم وجوب السورة ویفتي بوجوب الاتیان بثلاث تسبیحات في الأخریتین والآخر یفتي بعدم وجوب التسبیحات الثلاث ویفتی بوجوب السورة و هذا المقلد قلد الأول في عدم وجوب السورة وقلد الثاني في عدم وجوب الثلاث تسبیحات فالصلاة بنظر الأول باطلة لخلوها من التسبیحات الثلاث وباطلة أیضا عند الآخر لخلوها من السورة لكن هذا بحسب الوظیفة الأولیة وإلا فباعتبار الوظیفة غیر الأولیة ككونه جاهلا جهلا قصوریا فیمكن جریان قاعدة لا تعاد في حقه فیصح عمله.

الترجیح بالأعدلیة:

(1) مر سابقا أن جملة من المعلقین علی العروة ذهبوا إلی أن هذا الاحتیاط لا یترك وذكرنا أن مصححة عمر بن حنظلة رجحت بالأعدلیة أو الاورعیة وغیرها من الاخبار المتعاضدة، وقلنا: إن المراد بالأعدلیة هي التي لها ارتباط بالعلم والاستنباط ولیس المراد بالأعدلیة بحسب سلوكه العملي كقیامه بصلاته وصیامه وبقیة أعماله الفردية، بل المراد بالأعدلیة

ص: 314

(مسألة 34) إذا قلد من یقول: بحرمة العدول حتی إلی الأعلم، ثم وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول إلی ذلك الأعلم وإن قال الأول بعدم جوازه (1).

بحسب عمله الفقاهتي كأن یكون أكثر عناءا وجهداً من غیره في الوظیفة الفقهية حیث ذكرت الاخبار الترجیح بالأفقهیة وهي الملكة العلمیة وبالأعدلیة والاورعیة في التطبیق والجري علی وفق تلك الملكة العلمیة وعلیه فالمتعین هو الرجوع إلی الأعدل والاورع.

أما قوله : (فالأولی) أي الأفضل. وقوله : (بل الأحوط) باعتبار مرعاة

احتمال الواقع، وقد یستظهر منها أن الاحتیاط وجوبي والأول استحبابي.

المسألة الرابعة والثلاثون: مسألة العدول إلی الأعلم

(1) قد أوجب جملة من المعلقین العدول إلی الأعلم لأن مسائل التقلید لا یرجع فیها إلی من هو مشكوك الحجیة بل یتعین الرجوع إلی الأعلم لأن غیر الاعلم مفضول وعند وجود الفاضل مختلف في حجیة المفضول فلا یرجع إلیه في المسائل التقلیدیة مع وجود الفاضل لأنه دور واضح بخلاف قول الفاضل فإنه لا خلاف في حجیته، نعم بعضهم أوجب العدول في خصوص ما لو أفتی الأعلم بوجوب العدول لأنه من موارد التخالف بین الفاضل والمفضول باعتبار أنه في موارد العلم بالمخالفة یتعین الرجوع إلی الأعلم.

ص: 315

(مسألة 35) : إذا قلد شخصا بتخیل أنه زید، فبان عمروا، فإن كانا متساویین في الفضیلة ولم یكن علی وجه التقیید صح، وإلا فمشكل(1).

المسألة الخامسة والثلاثون: مسألة إذا قلد زیدا فبان عمراً وضوابط الفرق بین الداعي والتقیید وما فیها:

(1) وقد ذكرت في بیان الداعي والتقیید ضوابط متعددة، والصحیح أنها تختلف بحسب اختلاف الموراد والابواب، فقد ذكر السید الخوئي (قدس سره) ضوابط لمعرفة الداعي من التقیید:

فمنها: أن القصد تارة یكون مقوماً للعناوین فهذا لا محالة یكون بنحو التقیید مثل قصد التأدیب من الضرب فإنه إذا لم یقصد لا یتحقق التأدیب وغیرها في الانشاءات فلو قصد الهبة لا یكون بیعاً، و هذا مخدوش بموارد تعدد المطلوب كما هو في موارد الوقف إذا تعذرت الجهة الموقوف علیها قالوا بأنه یصرف في الأقرب فالاقرب فإن أصل مطلوب الواقف هو خیری ولكنه قیده بقید آخر وبجهة خاصة من باب تعدد المطلوب، فإذا انتفی ما قصده بخصوصیته ینتقل إلی الأقرب مع الغاء الخصوصیة لأنها علی الفرض مطلوب ثاني لم یتمكن منه فیبقی المطلوب الأول علی ما هو علیه. فالامور القصدیة لا یلزم منها أن تكون دائما وأبداً بنحو التقیید؛ لأن نحو التقیید تارة یكون بنحو تعدد المطلوب

ص: 316

وتارة بنحو وحدة المطلوب فلیس التقیید دائما ینتفي بانتفاء القید و ذلك لاحتمال أن یكون القید بنحو تعدد المطلوب.

ومنها: ما ذكره أیضا من أنه إذا تعلق القصد بأمر خارجي خالٍ من الجهة الاعتباریة فهو دائما بنحو الداعي لا التقیید لاستحالة تقیید الامور الجزئیة الخارجیة نعم لو كان فیه جهة اعتباریة فتلك الجهة قابلة للتقیید وقابلة أن تكون بنحو الداعي كما لو باع هذا الكتاب علی أنه نسخة النجف وتبین علی أنه نسخة لبنان فهنا فیه جهة اعتباریة وهي الالتزام المعاملي علی أمر غیر اختیاري یمكن أن یقید فالالتزام المعاملي یقید علی أن هذه العین هي العین الفلانیة وإلا فهو لا یلتزم بالعقد... فله الخیار، بخلاف لو علق علی أمر اختیاري یكون من باب تخلف الداعي ولا یؤثر في لزوم العقد لأنه یكون من قبیل التزامین التزام بأصل البیع والالتزام بتحقیق الشرط.

وعلی كل حال لا توجد ضابطة لجمیع الموارد یتمیز بها التقیید من الداعي إلا بحسب الموارد المختلفة حیثیاتها وجهاتها إذ لكل باب وموضوع جهات وحیثیات مختلفة.

فالكلام في التقلید یقع في تصویر القابلیة فیه للتقیید أو هو بنحو الداعي ؟

والصحیح أنه بحسب اختلاف التعاریف یكون بنحو الداعي علی

ص: 317

بعض وعلی نحو التقیید علی بعض آخر.

فالتقلید إذا عرف بأنه أخذ الفتوی والتعلم والاستناد فالقصد یكون بنحو الداعي و ذلك لأن التقلید هنا - بمعنی الاستناد أو العمل - حاصل و ذلك القصد لا یغیر معنی التقلید فهو باقي علی أنه عمل علی طبق قول الغیر فقصد زیدیة زید أو عمریة عمرو لا تدخل لها في الاستناد والعمل، نعم لو عرف التقلید بالالتزام كان للتقید وجه بأن یقال: إنه بنحو التقیید لأن الالتزام بقول زید غیر الالتزام بقول عمرو إلا أن الأقوی أنه بنحو الداعي أیضاً لأن الأسم الشخصي - وهو زید أوعمرو - لیست من الامور الدخیلة في التقلید مثل لو قال: أبیعك هذا البیت و النهار موجود فإن وجود النهار لا دخل له في حقیقة البیع فلو تبین أن البیع وقع في اللیل فإنه لایؤثر في صحة البیع نعم لو علق البیع علی وجود النهار لأثر تخلفه في صحته البیع، نعم النهاریة واللیلیة لها دخل في الاجارة في المتعلق فالضابطة التي یمكن أن تذكر هي أن بعض الامور مقومة للمأمور به فیؤثر تخلفها مثل الزمان بالنسبة للاجارة وبعضها لیست كذلك فلا یؤثر تخلفها مثل الزمان بلحاظ البیع، فهنا كذلك فالعنصر المنوي والمقصود إذا لم یكن له دخل فهو من الدواعي وإن كان له دخل فهو من القیود فإن شراء اللحم لأجل الضیوف لیس من عناصر البیع فهو داعي وأما كون اللحم لحم جمل أو لحم غنم مثلاً، من عناصر البیع فهو من القیود

ص: 318

(مسألة 36) : فتوی المجتهد تعلم بأحد أمور: الأول: أن یسمع منه شفاها. الثاني: أن یخبر بها عدلان. الثالث: إخبار عدل واحد، بل یكفي إخبار شخص موثق یوجب قوله الاطمئنانوإن لم یكن عادلا. الرابع: الوجدان في رسالته، ولا بد أن تكون مأمونة من الغلط(1).

فإنا إذا عرفنا التقلید بالالتزام بقول المجتهد فاسمه الشخصي عنصر من العناصر المقومة للتقلید نعم ذكوریته وعدالته وغیرها عنصر من العناصر فلو قصد تقلید العادل فبان فاسقاً لكان من باب التقیید فیبطل التقلید لتخلف ما قصده.

والضابطة عند السید الیزدي (قدس سره) یكمن في الداعي والتقیید ولیس تمام الفرق بل هي جزء الفرق وهو أن التقیید بأنه لو علم أنه كذا لما أقدم فإنه قلد زیدا باعتباره عمرو ولو علم أنه زیدا لما أقدم علی تقلیده بخلاف الداعي فإنه لو علم أنه زیداً لأقدم أیضا علی تقلیده إلا أن هذه الضابطة لیست تمام الفرق لعدم كونها سیالة في جمیع الأبواب.

والخلاصة أن زیدیة زید وهو الشخص لیست دخیلة في تحقیق عنوان التقلید والاستناد وعلیه فلا أثر لتخلفها وجودا أو عدما في تحقق تقلید نعم أوصافه من العدالة والرجولیة دخیلة في تحقق التقلید.

المسألة السادسة والثلاثون: طرق الوصول إلی الفتوی

اشارة

(1) إن الوصول إلی فتوی المجتهد بطرق متعددة :

الطریق الأول: السماع:

ص: 319

السماع باعتبار أنه الحجیة علی قوله، وبعض الأعلام صوّر أن رأیه حجة وقوله حجة علی الحجة فیكون حجة علی الحجة والصحیح أن قول الفقیه وفتواه - التي هي اخبار عن الرأي - حجة وما لم یبرزها لا تكون حجة فالاخبار والقول فیه انشاء التزام وتحمل المسؤلیة بهذه الفتوی فحجیة الفتوی متقوم بالابراز والاخبار فنفس اخباره وقوله حجة لا رأیه فالسماع طریق وعلم وجداني للفتوی التي هي نفس ابراز الرأي ولهذا لا یكفي العلم بنفس الرأي.

الطریق الثاني: البینة:

أي أن یخبر بها عدلان وقد تقدم الكلام مفصلا في حجیة البینة.

الطریق الثالث: اخبار الثقة:

اشارة

اخبار مطلق الثقة للسیرة العقلائیة علی قبولها في الشبهة الموضوعیة فكما أن خبر الثقة حجة في أصل ثبوت مدرك الفتوی فهو مقبول في نفس الفتوی وبنفس الملاك. وقد قید الماتن (قدس سره) بكون خبره موجباً للاطمئنان.

والصحیح أن المعتبر لیس هو الاطمئنان الشخصي بل النوعي وهو یحصل بمجرد كونه خبر ثقة وإن لم یكن عادلاً، نعم لو لم یكن ثقة اشترط أن یتولد الاطمئنان ویتحقق بالفعل كأن تنظم إلیه بعض القرآئن

ص: 320

كما هو الصحیح عندنا من أن حجیة الخبر أما لكونها خبر الثقة أو لحصول الوثوق بالصدور، فما ذهب إلیه الماتن (قدس سره) من اعتبار الوثاقة والوثوق قول متشدد.

تنبیه: في أن البحث المضموني للخبر موضوع لبقیة الجهات المبحوثة فیه وثمرات ذلك:

أن الخبر یدرس من عدة جهات منها المضمون وهو بحث ثبوتي ومنها الطریق والدلالة وجهة الصدور وهي ابحاث اثباتية فهذه أربع جهات تدرس حجیتها في الخبر وكل الجهات الاثباتية ما هي إلا وسیلة للجهة الأم والاصل وهي الجهة المضمونية فجمیع الجهات ضروریة لا یستغنی عنها إلا أنها توابع لبحث تلك الجهة.

فالبحث المضموني هو بمثابة الموضوع لتلك الابحاث الاثباتية فإن

البحث عن امكان المضمون وعدم تنافیه وتضاربه مع الخطوط العامة بالمذهب وهو ما یتمكن منه بسبب الاحاطة باسس الشریعة من النظرة الشمولیة بین هذا المضمون وبین بقیة الخطوط العامة في الشریعة والتنسیق بینها ثبوتا إذ لعله یكفي في اثبات هذا المضمون بمجرد الاطلاع علی مضمونه لكونه موافقاً للكتاب مثلاً... وبعد الفراغ عن هذه الجهة تأتي مرحلة البحث الاثباتي كالبحث الصدوري وجهة الصدور والدلالة وأهم تلك المباحث مبحث المضامین وقد أهمل! فصار البحث

ص: 321

مباشرة عن الصدور وجهته والدلالة كأن یكون عاما أو خاصا أو له مفهوم أم لا... وغیرها من أبحاث الدلالة. وهذه تعد مشكلة وهي ما وقع فیه الحشویة من أخذهم بالاخبار بمجرد الفراغ من الجهات الاثباتية بدون نظرهم للمضمون بل ترك هذا البحث وسخف بدعاوي، منها أنه بحث تحلیلي وغیر عرفي وذوقي. مع أن عمدة الروایات العلاجیة باب التعارض تُركز علی هذا كالعرض علی الكتاب وغیرها ولهذا تری كتب الفقهاء واساطین القدماء كالشیخ المفید (قدس سره) وغیره یؤكدون عملیا علی هذا البحث ودوره. و هذا بخلاف الكتب المتأخرة فإنها تركز علی الابحاث الاثباتية، ومع ذلك فأنظر إلی مثل الجواهر والمسالك والمبسوط والحلي في نقل الآراء وتحلیلها ومقارنتها واستخراج الشروط والاجزاء والموانع، فالكثیر من هذه النتائج هو ثمرة البحث المضموني.

و هذا لا یعني أن الصدور وجهته والدلالة لا دخل لها بل لها دخل ولكن لیست بمثابة البحث المضموني فتری الباحث في الاخبار المعرفیة العقائدیة یرید أن یبحث عن الصدور مع أنه لابد أن ینظر نظرة أولیة إلی المضمون ثبوتاً حتی تأتي النوبة الاثباتية ولهذا أول بحث في مباحث التعارض هو العرض علی الكتاب والسنة أي موافقة مضونها أو مخالفته للضروریات فالبحث الثبوتي مقدم في الدرجة الاولی علی البحث الاثباتي و ذلك لأنه یمكن أن یستغنی عن الطرق بالوثوق بالصدور ولكن

ص: 322

(مسألة 37) إذا قلد من لیس له أهلیة الفتوی، ثم التفت وجب علیه العدول، وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غیر المقلد(1).

وكذا إذا قلد غیر الأعلم وجب علی الأحوط العدول إلی الأعلم. وإذا قلد الأعلم، ثم صار بعد ذلك غیره أعلم، وجب العدول إلی الثاني علی الأحوط.

لا یمكن أن یستغنی عن البحث المضموني إذ هو العمدة ككیفیة انسجام هذا المضمون مع مضمون آخر وبیان لوازمه وتدعیاته وماهیته وتحلیلها لاستخراج الاجزاء والشرائط والموانع فإن هذه كلها ترجع إلی البحث المضموني كما اشرنا إلیه.

الطریق الرابع: الكتابة المأمونة من الخطأ:

هو انشاء الفتوی بالكتابة المأمونة من الاخطاء والوجه في ذلك السیرة العقلائیة.

المسألة السابعة والثلاثون: من قلد من لیس أهلا وصحة أعماله

(1) و هذا تقدم وأما أن حاله حال الجاهل فباعتبار أنه لا امارة شرعیة علی صحة أعماله وعلیه فلا یجتزأ بما جاء به من أعمال إلا إذا طابقت من یجب علیه تقلیده وإلا فلا.

ص: 323

(مسألة 38) إن كان الأعلم منحصرا في شخصین، ولم یمكن التعیین، فإن أمكن الاحتیاط بین القولین فهو الأحوط، وإلا كان مخیرا بینهما (1).

فما ذكره الماتن (قدس سره) من الاحتیاط في تقلید الأعلم هو علی مبناه من أن تقلید الأعلم من باب الاحتیاط الوجوبي حتی في موارد عدم العلم بالمخالفة. ولكنه في المقام یخالف مبانیه (قدس سره)، و ذلك لأنه لم یجزم بمسألة تقلید الأعلم فالمحتمل عنده لو قلد أحدهما باختیاره یدور أمره بین وجوب العدول ووجوب البقاء لاحتمال تعیین تقلید غیر الأعلم باختیاره سابقاً فمقتضی الاحتیاط أن یحتاط بین قولیهما لا أنه یحتاط بالعدول فإنه خلاف الاحتیاط - علی مباني الماتن (قدس سره) - فالكلام في مسألة إذا قلد غیر الأعلم ثم وجد الأعلم فإن من یبنی في العدول علی الاحتیاط یحتمل التخییر بینهما ابتداءا وبعد اختیار أحد الطرفین یحتمل التعین في غیر الأعلم فلا جزم بالعدول إلی الأعلم وعلیه یتعین الاحتیاط بالأخذ بأحوط القولین.

المسألة الثامنة والثلاثون: العلم بانحصار الاعلمیة في أحد الشخصين

(1) هذا في مورد العلم بالمخالفة ؛ لدورانه بین الحجة واللاحجة فیتعین علیه العلم بأحوط القولین وإذا لم یتمكن من العمل بأحوطهما یتعین العمل بمظنون الأعلمیة ؛ و ذلك لأنه إذا تعذرت الموافقة القطعیة

ص: 324

(مسألة 39) : إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأیه، أو عروض ما یوجب عدم جواز تقلیده، یجوز له البقاء إلی أن یتبین الحال(1).

(مسألة 40) : إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقلید مدة من الزمان، ولم یعلم مقداره(2)......................................................................

تصل النوبة إلی الموافقة الظنية وإلا تعین بمن كان احتمال أعلمیته أقوی وعند التساوي یتخیر.

المسألة التاسعة والثلاثون: الشك في زوال ما یعتبر في مرجع التقلید

(1) و ذلك للعلم التعبدي ببقاء تلك الشروط المعتبرة بالاستصحاب.

المسألة الاربعون: عمل العامي بلا تقلید ولا احتیاط

اشارة

(2) هذا من فروع مسألة عمل العامي بلا تقلید واحتیاط باطل، وهو ناظر لعدم العلم بمقدار تلك الفترة التي عمل فیها بلا تقلید أي بالفترة التي كانت أعماله غیر مجزیة... فإن علم بمطابقة ما أتی به لفتاوی من یجب الرجوع إلیه صحت، وإن لم تكن مطابقة... فلا یخلو: إما أن یكون الخلل في الاركان فیجب القضاء، و إما أن یكون في غیرها وكان جاهلاً بسیطا فیجب القضاء وأما بالنسبة إلی الجاهل غیر البسیط كالجاهل المركبوالناسی فهل تجري لا تعاد وغیرها في الصلاة والحج أو لا تجری إلا في خصوص الناسي أو هو الجاهل القاصر أو الأعم، فالكلام یقع فی

ص: 325

لا تعاد وذكر الوجوه التي بها تحرر بها حكم هذه الفروع.

الفرق في جریان البراءة بین القاصر والمقصر:

أما بالنسبة إلی جریان البراءة في الشك في الاقل والاكثر فالسید الخوئي (قدس سره) یجري البراءة عن الزائد، أما المحقق التقي الأصفهاني (قدس سره) صاحب (هدایة المسترشدین) فذهب - كما هو الصحیح - في خصوص الجاهل المقصر إلی عدم جریان البراءة لا العقلیة ولا الشرعية و ذلك لأن التكلیف المنجز الذي فرط فیه المكلف إلی أن جهله غیر معذور فیه فإن الجهل والنسیان بسبب التفریط في التكلیف المنجز لا تجري فیه البراءة لعدم قبح عقابه... فلابد من الیقین بفراغ ذمته لعدم المؤمن من احتمال العقاب في الواقع للمفرط والمقصر الذي طرأ علیه الجهل والنسیان فبقرینة كون البراءة الشرعية امتنانیة لا تجري في حق مثل هؤلاء وكذا البراءة العقلائیة فإن مثل هذا الشخص لا یقال في حقه قبح العقاب بلا بیان ولا یشمله دلیل رفع عن أمتي ما لایعلمون الامتنانی فالبراءة لا تجري إلا في الشك في أصل التكلیف لا في التكلیف المنجز الذي ارتفع العلم به بسبب التفریط فإنه قد كلف وكان ملتفتاً ولكنه فرط وقصر إلی أن جهل أو نسی مقدار ما كلف به فلا تجري البراءة بأقسامها. فمثلاً لو كلف بقضاء صلواته وكان ملتفتاً ولكنه قصر وفرط إلی أن جهل مقدار القضاء فإن المقدار الزائد لا تجري فیه البراءة، فمن

ص: 326

كان عالماً بالتكلیف وفرط، أو احتمل أنه عالم وفرط، فهو غیر معذور بجهله ونسیانه ولا یكون عقابه قبیحا فالمحتمل أیضا حاله حال المفرط فلم یحرز مورد جریان البراءة العقلیة في حقه لاحتمال تفریطه وتقصیره بما كان واصلاً له ولا البراءة الشرعية لأنها امتنانیة فلا تتناسب مع المفرط والمقصر بأداء وظیفته فالشك والنسیان في التكلیف إذا كان بسبب التفریط والتقصیر أو احتمالهما لا تجري فیه البراءة بخلاف الموراد التي یكون الشك في التكلیف والجهل به لا عن تقصیر وتفریط فإنه مجری البراءة.

وزیادة علی هذا فقد وقفتُ علی نص - ولعله في تنبیهات البراءة أو تنبیهات القطع لمناسبة معینة في باب قضاء الصلاة لكنی لم أجده في هذه العجالة - یدل علی لزوم قضاء الأكثر وعدم جریان البراءة في مثل هذه الموارد، والمیرزا النائیني (قدس سره) یتبنی الوجه الذي ذكره صاحب الهدایة (قدس سره) وقد بینه ببیان أكثر مما بینه المحقق التقي (قدس سره) في بحث الحجج كتنبیهات القطع بمناسبة تنجیز العلم الاجمالي أو تنبیهات البراءة من عدم جریان البراءة في موارد التفریط، وقد اشار المیرزا النائیني (قدس سره)

فإن علم بكیفیتها وموافقتها للواقع أو لفتوی المجتهد الذي یكون مكلفا بالرجوع إلیه فهو، وإلا فیقضی المقدار الذي یعلم معه بالبراءة علی الأحوط، وإن كان لا یبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتیقن.

ص: 327

(مسألة 41) : إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقلید، لكن لا یعلم أنها كانت عن تقلید صحیح أم لا، بنی علی الصحة(1).

إلی أن بعض الاخبار یدل علی ذلك - وفاقاً للمشهور - وإن كان بعض المتأخرین یحملها علی الاستحباب.

ویؤید هذا: ما ذكره بعضهم وجهاً لما قال به لمشهور من أن جریان البراءة - مع التفریط في الصیام والصلاة والدیون وغیرها حتی نسي - یوجب العلم بالوقوع في المخالفة أو الاطمئنان بها.

المسألة الحادیة والاربعون: صور الشك في صحة التقلید بعد العمل

اشارة

(1) الشك تارة یقع في صحة التقلید وأخری في صحة العمل المستند إلی التقلید و الشك في التقلید تارة یقع بنحو استجماع الفقیه للشرائط وأخری یعلم باستجماعه للشرائط ولكنه یشك هل كان بحجة شرعیة أو لا.

الصورة الأولی: الشك في صحة التقلید والشك في مطابقة اعماله لفتوی الفقیه الجامع للشرائط لكن شكه في أن رجوعه إلیه عن حجة أو غیر حجیة كأن استند إلی موازین غیر صحیحة.

وفي هذه الصورة تصح اعماله لأن ما اعتمد علیه من الامارة - التي هي فتوی المجتهد - واجدة لشرائط الحجیة بل ذهب بعضهم إلی أن هذا یجري حتی في العقائد الحقة، فمثلاً: لو اعتمد علی غیر الحجة فی

ص: 328

العقائد الحقة لكان من الناجین إلا أنه یمكن أن یؤاخذ علی ترك البرهان لاثبات ما عنده من الحق لأن الطریق البرهاني للهدي واجب ولو لأجل تثبیت ما عنده من الحق من اللوابس والشكوك إلا أنه من أهل النجاة.

الصورة الثانية: أنه لیس من الشك في الأعمال لكون صورة عمله محفوظة ومطابقة لمن یرجع إلیه وإنما هو الشك في صحة تقلیده بسبب الشك في واجدیته للشرائط فهذا الشك ساری إلی أصل صحة أعماله.

وبعض من علق علی العروة یُلزم مثل هذا المكلف بالفحص عن واجدیة الفقیه للشرائط فإن كان واجداً لها صحت أعماله وإلا جری علیه من علم ببطلان تقلیده وإن شك ولم یحرز الواجدیة ولا عدمها فهل تجري في حقه قاعدة الفراغ أم لا؟

وجریان قاعدة الفراغ واضحة الثمرة علی مبنی المشهور الذين یفتون بصحة أعماله مع صحة تقلیده ظاهرا وإن كان عمله مخالف للفقیه اللاحق والتقلید عمل من الاعمال فتجري قاعدة الفراغ ؛ لتصحیح التقلید المشكوك، وأما علی مبنی أعلام العصر فتوجد ثمرة أخری بتصحیح التقلید ؛ لأن العبرة بالفتوی الواجدة للشرائط، فإن كانت اعماله السابقة مخالفة لمن یجب الرجوع إلیه في غیر الأركان تجری لا تعاد لتصحیح عمله بشرط أن یكون قاصرا غیر مقصر وقاعدة الفراغ تثبت صحة تقلیده

ص: 329

فتجري قاعدة لا تعاد في غیر الاركان إذا كان قاصرا غیر مقصر فالثمرة في جریان الفراغ عند المتأخرین اضیق منها عند المتقدمین.

نعم هذه الثمرة إذا كان یعلم بالتفاته ویشك في تقصیره وإلا فمع علمه بقصوره فهذه الثمرة لیست تامة و ذلك لأن لا تعاد تجري في حقه إذا كان تقلیداً باطلاً أیضا وكان قاصراً فلا معنی لصحة تقلیده لقاعدة الفراغ لأن الاثار المترتبة علی صحة تقلیده مع المخالفة ببركة لا تعاد إذا كان قاصرا في غیر الاركان تثبت تلك الاثار مع القطع ببطلان تقلیده إذا كان قاصراً أیضا ببركة لا تعاد.

ولا یخفی أن التردید بین وجوب الفحص بالنسبة إلی الاعمال السابقة وبین جریان قاعدة الفراغ مع التسلیم بوجوب الفحص للأعمال اللاحقة، فهل الكلام في جریان القاعدة في طول الفحص أم في عرضه؟ فإنه مع عدم امكان الفحص تجری القاعدة في تقلیده بلا كلام.

وأما مع امكان الفحص الذي لا مؤنة ولا كلفة فیه فالفحص متعین أیضا، وأما في الموارد التي یحتاج الفحص فیها إلی مؤنة زائدة، فظاهر جملة من الأعلام - ومنهم الماتن (قدس سره) - جریان الفراغ وعدم أیجاب الفحص الذي فیه مؤنة ؛ بشهادة أن الأعلام في الفراغ والتجاوز - ولیس البحث في الاستظهار من كلامهم وإنما الكلام في الاستظهار من الدلیل مع منبّه من كلام الأعلام علی ما نقوله من عدم جریان الفراغ مع كون

ص: 330

الفحص یحصل بأدنی التفات فإن الاصول العلمیة منصرفة عنه ؛ إذ أن

موضوعها الشك الذي في رفعه كلفة ومؤنة - یذهبون إلی أن الشك إذا كان یزول بالتروي والتأني وجب علیه التروي والتأني فلا یترتب علی شكه أثر بل لابدّ من التروي وأما الشك الذي لا یرتفع إلا بالفحص مع المؤنة فتجري فیه قاعدة الفراغ وهو مقتضی ظهور اطلاق أدلتها.

الصورة الثالثة: وفیه ثلاثة فروع:

وهي ما إذا كان الشك في الأعمال المسندة إلی تقلید مشكوك الصحة فالأعمال - التي وقعت عن تقلید مشكوك - غیر محفوظة صورتها فهل هي مطابقة للتقلید الجدید أم لا؟

وبعبارة أخری : هي نفس الصورة السابقة بضمیمة الشك في موافقة الاعمال للتقلید الجدید.

وعلیه فتوجد ثلاثة فروع:

الفرع الأول:

أنه یعلم بموافقة الأعمال التي وقعت عن تقلید مشكوك للتقلید الجدید فهذه تصح بلا كلام.

الفرع الثاني:

أن یعلم بمخالفتها للتقلید الجدید فیفصل بین صحة تقلیده السابق

ص: 331

فتصح أعماله كما هو رأي المشهور وهو الصحیح وبین رأي المتقدمین الذين یفصلون في غیر الأركان بین القاصر والمقصر وقد تقدم بیانه.

الفرع الثالث:

أن یجهل صورة الأعمال التي صدرت منه بتقلید مشكوك مع موافقتها لتقلیده الجدید، وفي هذا الفرع تارة یعلم بكونه مقصرا وأخری یشك في كونه مقصرا فإن كان قاصراً فتصح إذا كانت المخالفة في غیر الاركان وأما إذا كان مقصراً فلا تصح عند جملة من الأعلام وأما في صورة الشك في كونه مقصراً فیجري استصحاب عدمه لأنه عنوان وجودي مسبوق بالعدم فیثبت موضوع لا تعاد بالاستصحاب و هذا عند متأخری الاعصار وأما علی رأي مشهور المتقدمین فإن هذا الفرع من هذه الصورة لا یختلف عن الصورة الثانية لأنه إذا صح التقلید بقاعدة الفراغ صحت الأعمال التي وقعت عنه وهو مختارنا.

والكلام في جریان قاعدة الفراغ في موراد التقصیر أو الشك في التقصیر أو هي خاصة بموراد القصور وهذه النكتة لم تبحث في كلماتهم.

و هذا مشابه لما تقدم من جریان البراءة مع التفریط حتی حصل الجهل بالتكلیف.

ص: 332

(مسألة 42) : إذا قلد مجتهدا، ثم شك في أنه جامع للشرائط أم لا، وجب علیه الفحص(1).

(مسألة 43) : من لیس أهلا للفتوی یحرم علیه الإفتاء وكذا من لیس أهلا للقضاء یحرم علیه القضاء بین الناس، وحكمه لیس بنافذ، ولا یجوز الترافع إلیه ولا الشهادة عنده، والمال الذي یؤخذ بحكمه حرام وإن كان الآخذ محقا، إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده(2).

والصحیح لدینا عموم لا تعاد للمقصر غیر الملتفت للعموم نظیر الجهر في موضع الاخفات تقصیراً.

المسألة الثانية والاربعون: إذا قلد مجتهدا ثم شك في توفر الشرائط

(1) للشك الساري في شرائط اعتبار الامارة فیجب علیه الفحص، وأما لو كان شكاً في بقاء الشروط لا شكا ساریا، فله أن یستصحب بقاءها.

المسألة الثالثة والاربعون: حرمة الافتاء والحكم القضائي ممن لیس أهلا للفتوی والقضاء

اشارة

(2) من لیس أهلاً للإفتاء فلیس له الافتاء مطلقاً، وقد قیل في وجه حرمة افتاء غیر الفقیه وغیر العالم بأن فتاواه افتراء علی اللّه ؛ لأنه إسناد

ص: 333

إلیه بغیر علم.

ویرده أنه لیس دائما افتراء علی اللّه كما لو تصدي للافتاء مستنداً في ذلك للتقلید إلا أنه لا یظهر أنه مقلد فهو غیر مفتري لأنه استند إلی أمارة شرعیة في فتواه للأخرین فلو كانت جهة الحرمة هي الاخبار والافتراء لكان أخص من المدعي فالتأمل في هذا الوجه واضح، حتی أن جملة من الأعلام كما في الجواهر في بحث القضاء ذكر أن قضاء المقلد المستند إلی تقلیده قضاء وحكم بالعدل لكون مستنده التقلید فیصدق علیه أنه حكم بحكمنا.

والصحیح هو عدم الجواز مطلقا؛ و ذلك لأن من جوز الافتاء من الأعلام اعتمادا واستنادا للتقلید بنی علی أن الافتاء امارة محضة كالروایة فالراوي الذي لا یعلم مضمون الروایة لكن یعلم أنها لیست بكذب یصح له أن ینقلها، وكذا لو تراضي به اثنان علی أن یفصل بینهما بالتراضي والصلح لا من باب الفصل وهو یعلم صاحب الحق بالتقلید لا مانع من ذلك.

إلا أن الصحیح أن الافتاء لیس إمارة محضة بل إمارة بالكسر وأمارة بالفتح أي فیه جنبة كاشفیة وجنبة ولائیة وزعامة وسلطة ونفوذ فهي منصب والمنصب یحتاج إلی أذن ولهذا قالت الآیة (قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ

ص: 334

اللّه لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ اللّه أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَی اللّه تَفْتَرُونَ) (1), فقرینة مقابلة الافتراء بالاذن تدل علی أن المقصود من الافتراء غیر مجرد الكذب. فلو قال: اللّه أعلمكم أو أخبركم أم علی اللّه تفترون لكان المعنی واضحا في الكذب كما هو في الآیة من أنهم یحللون ویحرمون رزق اللّه فقال: اللّه أذن لكم أم علی اللّه تفترون فالأذن في المقام ظاهر في المنصب والولایة لا یناله ولا یرتقیه إلا بالأذن وحیث أن هذا المقام منصب وولایة فلا یكفي العلم بالتقلید كما لم یكف العلم بالاجتهاد مع اختلال أحد الشرائط فهو منصب لا یؤذن إلا لواجد الشرائط من العدالة والعلم والایمان والفقاهة فاختلال شرط من تلك الشروط یرجع إلی اختلال شروط ذلك المنصب الالهي.

فحتی لو كان من أهل العلم والفقاهة إلا أنه لیس بمؤمن فإنه لا ینال ذلك المنصب وما ذلك إلا لاختلال شروط ذلك المنصب وعلی هذا لا یناسب أن یجاب بأنه یلزم التغریر بالناس بأنه عالم وفقیه وغیرها فإن هذه التعلیلات لا تكون مطردة.

وأما علی مبنی من یقول بأن الفتوی أخبار محض فأیضاً لا یصح ؛ لأن الافتاء اخبار، والاخبار فیه جنبتان:

ص: 335


1- سورة یونس، الآیة 59.

الأولی: الاراءة والكاشفیة والجنبة.

والأخری: الالتزام والتعهد، وهو أمر انشائي. فنقل الخبر عن آخر مع كون صاحب الخبر الأصلي لا یلتزم لأي أحد من الآخرین بهذا الخبر یُعدُّ كذباً علی صاحب الخبر الأصلي فكل خبر تسمعه لا تستطیع أن تخبر به إلا مع الارادة الجدیة للمخبر ومع عدم الارادة الجدیة لا تستطیع الاخبار، والارادة الجدیة هي التزام وتعهد بمطابقة الخبر للواقع وعلیه یعتمد علی الخبر.

فلو أمره الامام (علیه السلام) بعدم الاخبار وقد أخبر فهو یخبر بأن الامام الصادق (علیه السلام) التزم بمضمون الخبر للناس مع أن معنی أمر الامام ووصیته بأن لا یخبر به أحداً هو عدم التزامه وتعهده بمطابقة خبره لغیر السامع منه ولیس ذلك بمعنی أن الواقعية نسبیة أي لهذا هو واقع ولهذا لیس بواقع فتحدید الواقعية للاشخاص یختلف باختلاف الصورة فهذا یحدد له الواقعية بتمامها مثلاً والآخر تحدد له اعراض الواقعية والاخبار تعدد له لوازم الواقعية وهكذا فالواقعية نسبیة في تصورها وتحدیدها بل أن المطلوب في الاخبار لیس صرف الارادة بل التعهد بایفاء التحري الكافي فخبر الامام (علیه السلام) لخصوص زید لا یسوغ الاخبار للناس لأنه یعد من الاخبار بالتزام الامام (علیه السلام) للجمیع مع أنه التزم لواحد فقط.

ص: 336

ومن هذا القبیل: إذا رجع الشاهد عن شهادته عند القاضي قبل الحكم فلا یحكم علی وفقها لأنه لایلتزم بها وكذا الراوي إذا رجع في روایته، وكل ذلك لخلوها عن الالتزام والتعهد بمضمونها، فحقیقة الاخبار هي الكاشفیة مع التعهد والالتزام، وهو مفاد الدلالة الجدیة وأما لو اقتصر فیه علی الدلالة التصوریة أو التفهمیة دون الجدیة فإنه لا یعد اخباراً ولهذا إذا اخبر بأمر یعتقد أنه غیر مطابق للواقع وتبین موافقته فهو أیضا كذباً لأنه خلاف ما یلتزم به.

ومن باب أن الشيء بالشيء یذكر أن جملة ممن یسمون بالغلاة لعنوا إلا أن لعنهم لیس لأجل أن ما قالوه زیفاً، نعم هو زیف بمعنی آخر وهو عدم الأذن، فإذا لوحظ ما ورد في المغیرة بن سعید قال (علیه السلام) : «لعن اللّه المغیر بن سعید كذب علی أبي وأذاع سره» فما هو الربط بین الكذب واذاعة السر وكذا ابن أبي الخطاب وبنان وغیرهم في عدة موارد كذب وأذاع سري فإن الكذب بمعنی أخبر بالسر الذي لا التزام به للآخرین.

وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في الجزء الثاني من كتاب الرجال، وقد احصینا فیه ما یقارب أثنی عشر قسماً من الكذب وإن شاء اللّه نذكر تتمة هذا البحث في باب القضاء.

ص: 337

التفصیل بین افتاء الفاقد لشرطیة غیر العلم وبین غیره فیجوز للاول دون الثاني:

إن من لیس أهلا للفتوی تارة الخلل من جهة أنه غیر واجد للفقاهة وتارة لعدم أهلیته من جهة اختلال العدالة أو غیرها من بقیة الشروط فإن كان من جهة العدالة ونحوها فعند الأعلام بمقتضی القاعدة الجواز إذا لم یلزم منه عنوان محرم آخر لأنه یخبر عن علم، وأما إذا لم یكن فقیها فلا یجوز له الافتاء لانه كذب علی اللّه ونسبة الاحكام من غیر علم.

إلا أن هذا مبني علی أن الفتوی أمارة محضة أما بناءا علی أن الفتوی منصب وولایة ومن سنخ السلطة التشریعیة فنفس التصدي لها لا یجوز إلا بأذن من الشارع والمفروض أنهم (علیهم السلام) لم یأذنوا بالفتیا إلا للفقیه الجامع للشرائط... وإلا لو كان عدم العلم هو المحذور لأمكن تجاوزه بالافتاء بواسطة التقلید فلم یكن افتاء بغیر علم بل افتاء بالاحكام الشرعية عن مستند وأمارة شرعیة إلا أن هذا المنصب یحتاج في النطق به إلی اذن شرعي وهو ما یعبر عنه بالناطق الرسمي بل حتی لو كانت كاشفة محضة كما تقدم بیانه.

وأما حرمة القضاء فهي كذلك ؛ لأنه مقام ومنصب شرعي ولایته بید اللّه تعالی وخلفائه (علیهم السلام)، فهو یحتاج إلی أذن شرعي فالقاعدة الأولیة أنه

ص: 338

ملك للغیر فلا یسوغ اقتحامه إلا بمسوغ شرعي، مضافا إلی ما أورده صاحب الوسائل من الاخبار الدال علی ذلك.

1- معتبرة اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لشریح: یا شریح ! قد جلست مجلسا لا یجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي»(1).

وفي سندها أبو جملیة وهو المفضل بن صالح، فقد ضعفه النجاشي بقوة وابن الغضائر والفضل بن شاذان إلا أن الوحید البهبهانیي (قدس سره) وثقه باعتبار أن تضعیف النجاشي له من جهة اتهامه بالغلو، وكذا الشیخ النمازي (قدس سره) وغیرهما وقالوا بأن روایته سدیدة في خصوص معارف أهل البیت (علیهم السلام) غایة الامر أنه یوجد في أخباره المعرفیة ما یصعب هضمه في ذاك الزمان، أما الآن فقد اتسعت المباحث العقلیة بشكل دقیق وعمیق بحیث لیس بالسهل رد الدعوي بمجرد استكبارها واستنكارها لغرابتها بل المعول علی الدلیل في النفي والاثبات.

وأما دلالتها فهي ظاهرة في الحصر فغیرهما شقي إلا أن تكون ولایته في طول ولایة الانبیاء والاوصیاء لا في عرضهما.

2- روایة معاویة بن وهب، قال: سمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام) یقول : «أي

ص: 339


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 3 ص 17 ح 2.

قاض قضی بین اثنین فأخطأ سقط أبعد من السماء»(1).

وفیه سهل والأمر فیه سهل، وأما عبد اللّه المؤمن فهو زكریا بن محمد وقد روی عنه الكثیر من الأجلاء والثقات، وعلی فرض أنه واقفي فالثابت أنه ثقة.

3- موثقة سلیمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «اتقوا الحكومة فان الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمین لنبي أو وصي نبي»(2).

4- صحیحة أبي عبیده، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «من أفتی الناس بغیر علم ولا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتیاه»(3).

5- معتبرة المفضل بن مزید، قال: قال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «أنهاك عن خصلتین فیهما هلك الرجال: أنهاك أن تدین اللّه بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم»(4).

ص: 340


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 5 ص 32 ح 4.
2- المصدر نفسه، ب 3 ص 17 ح 3.
3- المصدر نفسه، ب 4 ص 20 ح 1.
4- المصدر نفسه، ح 2.

6- صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «إیاك وخصلتین ففیهما هلك من هلك : إیاك أن تفتي الناس برأیك، أو تدین بما لا تعلم »(1). وهذه واردة في الافتاء إلا أن القضاء - كما مرَّ - هو افتاء وزیادة، فتشمله هذه الاخبار.

7- موثقة السكوني، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : یعذب اللّه اللسان بعذاب لا یعذب به شیئا من الجوارح فیقول : أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شیئا، فیقال له: خرجت منك كلمة، فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شیئا من جوارحك»(2).

8- مرفوعة محمد بن خالد، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضی بجور وهو یعلم فهو في النار، ورجل قضی بجور وهو لا یعلم فهو في النار، ورجل قضی بالحق وهو لا یعلم فهو في النار ورجل قضی بالحق وهو یعلم

ص: 341


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 4 ص 21 ح 3.
2- المصدر نفسه، ح 4.

فهو في الجنة»(1). فهي وإن كانت مرفوعة إلا أنها مشهورة عند الفقهاء ولأن أحد طرقها هي مرسلة ابن أبي عمیر.

وهناك أخبار كثیرة بهذا المضمون إلا أن المعروف عن صاحب الجواهر (قدس سره) في باب القضاء أنه ذهب إلی جواز قضاء المقلد بفتوی من یقلده علی فرض معرفته بموارد تطبیق فتاوی مقلده، واستدل (قدس سره) بأنه حكم بالحق كما في معتبرة أبي خدیجة ومصححة ابن حنظلة فقوله: «انظرا إلی رجل» یصدق علی المقلد أنه استقی علمه من أهل البیت (علیهم السلام) فیصدق أنه حكم بحكمهم، وتمسك بقوله تعالی: (وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَیْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّه نِعِمّا یَعِظُكُمْ بِهِ...) (2). فهذا حكم بالعدل واقامة العدل والقسط فإنها كلها تنطبق علی حكم المقلد.

واستدل بصحیحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : ربما كان بین الرجلین من أصحابنا المنازعة في الشيء فیتراضیان برجل منا، فقال: «لیس هو ذاك إنما هو الذي یجبر الناس علی حكمه بالسیف والسوط»(3).

وقوله : «لیس هو ذاك» أي أنهما یریدان أن یتحاكما إلی الطاغوت،

ص: 342


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 4 ص 22 ح 6.
2- سورة النساء، الآیة 58.
3- المصدر نفسه، ب 1 ص 15 ح 6.

والطاغوت من یجبر الناس علی حكمه بالسیف والسوط، أي لیس هو قاضي الحكم وإنما من عنده سلطة إجبار.

ویشمله أیضا قوله (علیه السلام) : «رجل قضی بالحق وهو یعلم»، فالافتاء بواسطة التقلید علم، فصاحب الجواهر (قدس سره) یقول: إن الأدلة الناهیة عن الافتاء بغیر علم، وأنه حكم طاغوت، والتحاكم إلی حكام الجور - الذين لا یحكمون بحكم أهل البیت (علیهم السلام) - لیست بصدد اشتراط الفقاهة فالتمسك تام بالمطلقات من الآیات والرویات في شمولها الحكم بواسطة التقلید فالاعتماد علیه نوع من اقامة القسط والعدل فمثل "أقیموا العدل" وغیرها تشمل الحكم بین الناس بواسطة التقلید.

وأما السید الگلپایگاني (قدس سره) فیخرجه بوجه آخر لا بالمطلقات التي اعتمدها صاحب الجواهر (قدس سره)، إلا أن الصحیح هو أن هذا لیس بكاشف محض بل ولایة منصب وزعامة فتحتاج إلی أذن وهو لا یتوقف علی العلم فحسب.

9- محسّنة أبي بصیر، قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : قول اللّه (عز وجل) في كتابه: (وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُكّامِ)، فقال : «یا أبا بصیر، إن اللّه (عز وجل) قد علم أن في الأمة حكاما یجورون، أما إنه لم یعن : حكام أهل العدل ولكنه عني حكام أهل الجور، یا أبا محمد انه لو كان لك علی رجل حق فدعوته إلی

ص: 343

حكام أهل العدل، فأبي علیك إلا أن یرافعك إلی حكام أهل الجور لیقضوا له، لكان ممن حاكم إلی الطاغوت وهو قول اللّه (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ) (1)»(2).

10- صحیحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «أیما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی علیه بغیر حكم اللّه، فقد شركه في الاثم»(3).

11- معتبرة أبي بصیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال في رجل كان بینه وبین أخ له مماراة في حق، فدعاه إلی رجل من اخوانه لیحكم بینه وبینه، فأبي إلا أن یرافعه إلی هؤلاء : «كان بمنزلة الذين قال اللّه (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ...) الآیة»(4).

ص: 344


1- سورة النساء، الآیة 60.
2- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 4 ص 21 ح 3.
3- المصدر نفسه، ب 1 ص 11 ح 1.
4- المصدر نفسه، ح 2.

12- صحیحة ابن حنظلة، قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة في دین أو میراث فتحاكما إلی السلطان أو إلی القضاة أیحل ذلك؟ فقال: «من تحاكم إلیهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلی طاغوت وما یحكم له فإنما یأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن یكفر به قال اللّه تعالی: (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ) » الحدیث(1).

13- معتبرة أبي خدیجة، قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم یعلم شیئا من قضایانا فأجعلوه بینكم فإني قد جعلته قاضیا، فتحاكموا إلیه»(2).

وروایات كثیرة ذكرها صاحب الوسائل منها الصحیحة والموثّقة، ومفادها إذا كان غیر مؤمن فهو مورد هذه الاخبار، وأما لو كان مؤمنا ولكنه غیر عادل مع كونه ذا فقاهة أو عادل مؤمن ولكنه غیر واجد لبقیة الشرائط إلا أن الكلام في كونه مصداقا لهذه الآیة وهو كلام آخر.

ص: 345


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 13 ح 4.
2- المصدر نفسه، ح 5.

والكلام في أن التحاكم له غیر جائز لأنه غیر مأذون شرعاً ولیست له صلاحیة، فالترافع إلیه یكون من تولیة الامور من لیس أهلاً لها، ویمكن شمول آیة التحاكم إلی الطاغوت لأن الطاغی هو كل من لم یكن علی الموازین وهي تارة من جهة فقدان ما یحكم وتارة من جهة تولیه منصبا لیس له، فتشمله أیضا عمومات التحریم مثل الاعانة علی الاثم وغیرها نعم لو أذن له الفقیه بالفصل بفتواه كان إذناً.

فرع فقهي: أخذ المال بحكم من لیس أهلا للفتوی:

أن المال الذي یؤخذ بحكم من لم یكن أهلا للفتوی حرام وإن كان الآخذ محقاً إلا إذا توقف وانحصر استنقاذ حقه بالترافع عند من لم تتوفر فیه الشروط، ومقتضی اطلاق حرمة المال یشمل ما لو كانت العین شخصیة، هكذا ذكر الماتن (قدس سره)، ولم یوافقه جملة من المحشین منهم السید محمود الشاهرودي (قدس سره) حیث ذهب إلی حرمة نفس المال إذا كان اثبات الحق بحكم من لیس أهلاً للحكم، وأما لو كان الحق ثابتا بطریق آخر كالبینة فإن كان المأخوذ عین ماله الشخصية فالأخذ حراما دون المال وإن كان كلیاً وكان هو القاضي المباشر للتعیین فالتصرف فیه غیر جائز - لأن تعیین الجائر لغو - وإن كان المدیون ممتنعاً، فیثبت له حق الاقتصاص؛ لأن المفروض عدم انحصار تخلیص حقه بالرجوع إلی من لم یكن أهلا للفتوی.

ص: 346

وأما السید الگلپایگاني (قدس سره) : فقد ذهب إلی الحرمة إلا أن یكون المأخوذ عین أمواله، فالظاهر حینئذ حرمة نفس الأخذ لا المال.

وذهب السید الهادی المیلاني (قدس سره) إلی حرمة غیر عین ماله وإلا فهو ماله وملكه وإن عصی في طریق الوصول إلیه، فجملة من المحشین أمضوا نفس هذه العبارة.

وأما السید الخوئي (قدس سره) فتفصیله غیر ما تقدم فقد ذهب إلی أن الحرمة في خصوص ما إذا كان المال كلیا في الذمة ولم یكن للمحكوم حق تعیینه خارجاً، وأما لو كان عیناً خارجیة أو كان كلیاً وكان له حق التعیین بالاقتصاص مثلاً فلا یكون أخذه حراماً.

والكلام یقع في الروایات الواردة في هذه المسألة ومنها:

1- صحیحة ابن حنظلة المتقدمة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «من تحاكم إلیهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلی طاغوت وما یحكم له فإنما یأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن یكفر به قال اللّه تعالی: (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ) » الحدیث(1).

ص: 347


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 13 ح 4.

اعتبار عمر بن حنظلة وفتح باب الاجتهاد في الرجال:

والسید الخوئي (قدس سره) لا یبنی علی وثاقة عمر بن حنظلة، والحال أنّا وجدنا قرائن حسّیة بلغت إحدی عشرة قرینة، ذكرناها في مسائل (هیویات فقهیة) أنه من الأجلاء ومن نظائر محمد بن مسلم وزرارة، ومنها: صحیحة محمد بن مسلم في مسألة لامرأة من آل المختار - وهو من البیوتات الشیعیة الكبیرة في الكوفة - فاستفتوا فیها عمر بن حنظلة فذهب إلی المدینة وسأل الامام الصادق (علیه السلام) فأجابهم بالجواب(1).

فمثل الفقیه محمد بن مسلم یستشهد علی حكم المسألة أو یفتی استناداً لما رواه ابن حنظلة عن الصادق (علیه السلام)، فهذا یدل علی مكانته. فرجوع أهل الكوفة إلیه و أخذ ابن مسلم عنه یدل علی أنه من المراجع.

وأیضا أخوه علي بن حظلة، مع أنه ثقة، فإن الاصحاب إذا أرادوا تعریفه یعرفونه بأخیه عمر بن حنظلة وأكثر روایاته مثل روایات زرارة وأضرابه متینة ودقیقیة سؤالا وجوابا، ونقیة الالفاظ و هذا یدل علی فقاهته وجزالته في الفهم والحفظ والضبط فالفقاهة مما تؤثر في الضبط لكون الفقیه یلتفت إلی زوایا وقیود وفروق ونكات لها مساس بالجانب الاستدلالي وأما بالنسبة إلی غیر الفقیه فإنه لا یلتفت إلی تلك الامور كما

ص: 348


1- وسائل الشیعة: ج 23 كتاب الجعالة، ب 11 ص 220 ح 10.

في العلوم الطبیعیة... فمثلاً تری المتخصص یحفظ تلك القوانین بخصوصیاتها وشروطها فالتخصص في الشيء یؤثر في الضبط.

فمثلا: نقلُ الفقیه لروایة في الفروع یكون اضبط من غیره، ولهذا نقول في مثل رواة المعارف: إن مثل محمد بن سنان و مثل جابر بن یزید الجعفي وأبو جمیلة: إنهم أكثر ضبطا من غیرهم في باب المعارف من مثل معاویة بن وهب وهو راوي روایات باب الحج فسأل مسألة في أوصاف اللّه تعالی فقال له الامام (علیه السلام) : «ما أسوء حالك لو مت علی هذا الحال» مع أن هذه المسائل سهلة لا كلفة فیها عند مثل محمد بن سنان وجابر الجعفي والنوفلي والنخعي وهو موسی بن عمران النخعي راوي زیارة الجامعة الثقة وغیرهم فهذه المطالب المعرفیة سهلة عند مثل هؤلاء لتخصصهم في هذا المجال... فالتخصص یؤثر كثیراً في النقل والحفظ والنقل بالمعنی وغیرها من القرائن.

فالنكتة المهمة هي أن باب الاجتهاد مفتوح في علم الرجال، وذكرنا اربعة عشر منهجاً في التوثیق وزدنا علیها ثلاثة في الجزء الثاني فالمجموع سبعة عشر منهجا، فالاستناد مثلا إلی توثیق النجاشي مستقلاً نحواً من تقلید، نعم یمكن جعله جزء قرینة من الاجتهاد، ففرق بین التقلید في علم الرجال وبین الاجتهاد فیه، فروایة ابن حنظلة صحیحة ولیست بمقبولة فقط.

ص: 349

وأما الدلالة فقوله (علیه السلام) : «فإنما تحاكم إلی طاغوت وقد أمروا أن یكفروا به»، فنفس الترافع حرام.

وقوله (علیه السلام) : «ما یحكم له سحتا» فالأخذ أیضا حرام ونفس المال حرام ابتداء وبقاءا، وباطلاقه لا یختص بالكلي أو الشخصي وقد قیل في وجه التعمیم قوله (علیه السلام) : «دَین أو میراث» فإن الدین كلي في الذمة والمیراث عین شخصیة وسیأتي بیان ذلك في جواب الاشكال الثالث، فدلالتها علی الحرمة مطلقافتشمل أخذ المال ونفس المال ولا فرق بین العین الشخصية والكلي في الذمة فالحرمة شاملة.

وقد ذكر السید الگلپایگاني (قدس سره) في بحث القضاء أن مورد الروایة - علی ما ببالي - في قوله (علیه السلام) : «و إن كان حقه ثابتا» هو مورد الحق وهو الكلي فقط، لأن الحق یطلق علی الكلي في الذمة وأما العین الشخصية لا یقال لها حق ثابت بل مال وملك. فالتعبیر بالحق الثابت ظاهر في الكلي الذي یعین في مصداق، فلا یسوغ تعیینه في مصداق بحكم الحاكم الجائر لأن حكمه وتعیینه غیر نافذ، فلا تشمل الروایة العین الشخصية.

والجواب: أن المراد من الحق ما في قبال البطلان وعدم الواقعية والكذب، والمراد من الحق هو الواقعية والموافقة للشریعة، ولا ننكر استعمال الحق في الكلي، إلا أن المراد منه في المقام الواقعية والصدق

ص: 350

في قبال عدم الواقعية والكذب بقرینة صدر الروایة قوله (علیه السلام) : «حق أو باطل» وعلیه فلا یصح أن یكون ماذكره (قدس سره) مانعا من شمول الروایة للعین الشخصية وأیضا لما سیأتي في جواب الاشكال الثالث.

وذكر السید الخوئي(قدس سره) قرینة علی جواز أخذه من باب الاقتصاص و لو كان كلیاً من جهة أن الاقتصاص سبب سابق علی حكم الحاكم الجائر فلا یكون سحتاً فالمال مباح والأخذ محرم.

فهذه الصحاح هي من أبین روایات الباب دلالة، وهي:

1- صحیحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال : «أیما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی علیه بغیر حكم اللّه، فقد شركه في الاثم»(1).

فقوله (علیه السلام) : «بغیر حكم اللّه» یندرج فیه غیر حكم أهل البیت (علیهم السلام) والحكم الذي علی غیر الموازین من كونه غیرواجد للشرائط، وهذه مطلقة من جهة أن المال المأخوذ حرام أم لا؟ فربما یقال إنها ساكتة عن التعرض إلی ذلك بخلاف صحیحة ابن حنظلة فإنها صریحة في ذلك.

2- معتبرة أبي بصیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، قال في رجل كان بینه وبین أخ له مماراة في حق، فدعاه إلی رجل من اخوانه لیحكم بینه وبینه

ص: 351


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 11 ح 1.

فأبی إلا أن یرافعه إلی هؤلاء : «كان بمنزلة الذين قال اللّه (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ...) الآیة»(1).

وبقیة الروایات فیها إجمال وإن كانت نقیة الاسناد مثل معتبر أبي خدیجة عن الصادق (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم یعلم شیئا من قضایانا فأجعلوه».

الإشكالات المطروحة علی صحیحة ابن حنضلة

اشارة

وقد اشكل علی صحیحة ابن حنظلة بعدة إشكالات:

الاشكال الأول وجوابه:

ضعف السند، وقد تقدم الجواب عنه.

الاشكال الثاني وجوابه:

أن استفادة حرمة المال بقوله: «سحت» غیر تامة و ذلك لأن هذه الكلمة في المقام مجملة فحملها علی الحرمة غیر ثابت و ذلك لأن السحت بمعنی الحرمة استعمل في الكسب الحرام كالربا والقمار، أو ما یكون المال نفسه خبیثاً كالمیتة والخنزیر والخمر، وأما ما لم یكن خبیثا

ص: 352


1- المصدر نفسه، ح 2.

ولا بكسب حرام فكیف یسمی سحتاً ؟ فالسحت هنا مجمل لا ینطبق علیه المعنی المعهود فلا یعلم ما المراد منه فلا یتم الاستدلال بهذه الفقرة.

و هذا الاشكال مدفوع :

أولاً: بكون المراد من الكسب الحرام ما هو سبب للتملیك الحرام فهنا أیضا الكلام في سبب التملیك إلا أنه سبب اثباتي لاجل ثبوت حقه في مقام الاثبات بحكم الحاكم الجائر بل حتی ثبوتا إذ لم یستطع أن یسترد حقه إلا بواسطة حكم الحاكم.

وثانیاً: أن المال الحلال ذاتا لا مانع أن یطرأ علیه عنوان یجعله مالا خبیثاً فطرو عنوان أن هذا مال مأخوذ بواسطة الجائر قابل أن یكون حراما فحلیته الطبعیة موجودة ولكن بعنوان أخر یطرأ علیه كعنوان المأخوذ بواسطة الجائر یكون حراماً فهذه الحرمة العرضیة لا تتنافی مع الحرمة الطبعیة مثل الماء المغصوب فإن غصبیته لا تتنافی مع حلیته الذاتية، فیكون هذا المال حلال ذاتا باعتباره مالاً وحراما عرضا باعتبار أنه مأخوذ بواسطة الحاكم الجائر فلا مانع من أن یكون الشيء في نفسه حلال ویكون حراما بعارض علیه فالمال من حیث انه ملك حلال ومن حیث أنه مأخوذ بواسطة الحاكم الجائر فهو حرام.

و هذا لا ینافي استعمال السحت في الامر الدنیء والمكروه بقرینةٍ

ص: 353

وإلا فالاصل أن السحت هو المحرم.

الاشكال الثالث وجوابه:

بعد التسلیم بصحة سندها وعدم اجمال كلمة (السحت) - أن المراد من (السحت) هو الكلي فلا تشمل الروایة العین الشخصية فإن الدین كلي لأنه في الذمة وأما المیراث فهو من حیث یحتاج إلی التقسیم فهو لیس بعین شخصیة بل هو عین مشتركة فالقسمة والتعیین للمال المشترك یحتاج إلی قاضٍ عدل لا قاضي جور بل مورد الروایة هو التنازع في الشبهة الحكمیة في المیراث لا الشبهة الموضوعیة فصدر الروایة مورده التنازع في حكم المیراث، ففي تتمة الروایة قال: (فإن كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضیا أن یكونا ناظرین في حقهما واختلفا فیما حكما وكلاهما اختلافا في حدیثكم)، فهذا في الشبهة الحكمیة.

والجواب: أن مورد السؤال الدین وهو كلي والمیراث من جهة الشبهة الحكمیة وهو كلي أیضا إلا أن هذه موارد للروایة والمورد لا یقید الوارد فقوله (علیه السلام): «من تحاكم إلیهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلی طاغوت وما یحكم له فإنما یأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت» مطلق، فما هو المخصص لها بالكلي دون العین الشخصية ؟

ص: 354

ولهذا ذهب جملة من الأعلام إلی أن نفس المال - وإن كان شخصیاً فأخذه - حرام مع أنه لیس مورداً للروایة ولا مانع من طرو عروض الحرمة التكلیفية - وهي لا تنافی الحلیة الوضعیة وهي الملكیة - علی المال الحلال بواسطة أخذه بواسطة الظالم، وتوجد اخبار تبین تلون المال الواحد بألوان متعددة بحسب الاسباب الطارئة علیه فید الحاكم الجائر عنوان موجب للحرمة التكلیفية فانظر مثلاً إلی طرو عنوان البركة أو عنوان زیادة البركة.

فعن أبي عبد اللّه (علیه السلام)، عن أبیه قال : «جاء رجل إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال: یا أمیر المؤمنین، بي وجع بطن؟ فقال له أمیر المؤمنین (علیه السلام) : لك زوجة؟ قال: نعم. قال: استوهب منها طیبة نفسها من مالها، ثم اشتر به عسلا، ثم أسكب علیه من ماء السماء، ثم اشربه، فإني أسمع اللّه یقول في كتابه: (وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً)، وقال: (یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ)، وقال: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً) (1)، قال: یعني بذلك أموالهن التي في أیدیهن مما ملكن»(2).

ص: 355


1- الآیات بالترتیب: سورة ق، الآیة 9. سورة النحل، الآیة 69. سورة النساء، الآیة 4.
2- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب المهور، ب 26 ص 285 ح 4.

وعنه (علیه السلام) قال: «اشتكی رجل إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال له: سل من امرأتك درهما من صداقها فاشتر به عسلا فاشربه بماء السماء. ففعل ما أمر به فبرئ، فسأل أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن ذلك، أشيء سمعته من النبي (صلی اللّه علیه و آله) ؟ قال: لا، ولكني سمعت اللّه یقول في كتابه: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِیئاً مَرِیئاً)، وقال : (یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ)، وقال : (وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) فاجتمع الهنیء والمریء والبركة والشفاء، فرجوت بذلك البرء»(1).

وروی البرقي، عن بعض أصحابنا قال: دفعت إلی امرأة غزلا فقالت: ادفعه بمكة لیخاط به كسوة للكعبة قال : فكرهت أن أدفعه إلی الحجبة و أنا أعرفهم، فلما صرت إلی المدینة دخلت علي أبي جعفر (علیه السلام) وحكیت له ذلك فقال: «اشتر به عسلا وزعفرانا وخذ من طین قبر الحسین (علیه السلام) واعجنه بماء السماء واجعل فیه شیئا من عسل وزعفران وفرقه علی الشیعة لیداووا به مرضاهم»(2).

وشبیه هذا اختلاط الحلال والحرام فإنه یوجب سلب البركة، فسبب الملكیة موجود ولكن عروض عنوان آخر یسلب طبیعة البركة أو یزیلها.

ص: 356


1- وسائل الشیعة: ج 21 أبواب المهور، ب 26 ص 285 ح 5.
2- وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الأطعمة المباحة، ب 49 ص 100 ح 13.

الاشكال الرابع: بوجود المعاوض لمصححة ابن حنظلة وجوابه:

أن في هذا الباب روایات متعددة معارضة لروایة ابن حنظلة دالة علی التفصیل بین كون دعوی المحق ودعوی المبطل في حلیة المال لا في الأخذ وإلا فالأخذ حرام فإن كانت دعواه كاذبة فالمال حرام لأنه غصب وإن كانت دعواه صادقة ومحقة فالمال حلال لأنه ماله.

فنفس مصححة ابن حظلة ومعتبرة أبي خدیجة دلالتهما موافقة لما دلت علیه الآیة : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ وَ یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِیداً).

ومن تلك الروایات التي یمكن أن تعارض صحیحة ابن حنظلة:

محسّنة أبي بصیر، قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : قول اللّه (عز وجل) في كتابه: (وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُكّامِ)، فقال : «یا أبا بصیر، إن اللّه (عز وجل) قد علم أن في الأمة حكاما یجورون، أما أنه لم یعن: حكام أهل العدل ولكنه عني حكام أهل الجور، یا أبا محمد انه لو كان لك علی رجل حق فدعوته إلی حكام أهل العدل، فأبی علیك إلا أن یرافعك إلی حكام أهل الجور لیقضوا له، لكان ممن حاكم إلی الطاغوت وهو قول اللّه (عز وجل) : (أَ لَمْ تَرَ إِلَی

ص: 357

الذينَ یَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ) »(1).

وقد وصف بالضعف وجمیع رواته ثقات إلا عبد اللّه بن بحر فإنه لم یضعف وروی عنه الحسین بن سعید والحسن بن علي بن النعمان علی كلام ومحمد بن خالد والعباس بن معروف فتثبت وثاقته.

فقوله تعالی: (وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، غیر الآیة المتقدمة في صحیحة ابن حنظلة المتعرضة للترافع والتحاكم وبالتبع متعرضة للمال، أما هذه الآیة فهي متعرضة مباشرة ومطابقة لنفس حكم المال وهو قوله تعالی (وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ...).

ومورد خبر أبي بصیر هو النهي عن التحاكم إلی الطاغوت فیما إذا كان مبطلاً لا ما إذا كان محقاً، فالمبطل حرام علیه حیث توسل إلی باطله بحكم الطاغوت، فالحرمة منصبة علی المبطل دون المحق ولا أقل لو اشكل بعمومآیة التحاكم إلی الطاغوت بأن نهیهاشاملللمحق والمبطل، فآیة :(وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي بحكم الحاكم

ص: 358


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 4 ص 21 ح 3.

بما إذا كان مبطلاً فلهذا قالوا بأنها معارضة لروایة ابن حنظلة في المال فإن نفس حرمة المال مخصوصة بالمبطل دون المحق فالمال حلال كما لو أخذ حقه فإنه لیس أكلا للمال بالباطل. هكذا قرروا المعارضة بین هذه الروایة وصحیحة ابن حنظلة؟

وفیه :

أن مورد الآیة التي في خبر أبي بصیر مخالف لمورد صحیحة ابن حنظلة بل أن البحث أجنبي عما نحن بصدده فهذه الآیة من سورة البقرة متعرضة للحرمة الوضعیة التي لازمها التكلیفية للمبطل من حیثیة بطلان عقد البیع مثلاً وما نحن فیه من سورة النساء متعرضة للحرمة التكلیفية لأخذ المال من قبل الجائر تكلیفاً فصحیحة ابن حنظلة متعرضة للحرمة التكلیفية وخبر أبي بصیر متعرض للحرمة الوضعیة.

فلیست سورة البقرة بصدد أن المتحاكم للطاغوت هو المبطل فقط بل ناظرة للحرمة الوضعیة التي لازمها الحرمة التكلیفية، و هذا لا ینافي أن الآیة من سورة النساء متعرضة للحرمة تكلیفیة بلحاظ عدم نفوذ حكم الحاكم وعدم تعینه للكلي في المصداق مثلاً... فلا معارضة.

وصحیحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «أیما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلی قاض أو سلطان جائر فقضی

ص: 359

علیه بغیر حكم اللّه، فقد شركه في الاثم»(1).

فهذه لا تحصر حلّیة التحاكم بكونه بحكم اللّه، فهي عامة للتحاكم عنده، وأما إذا كان بغیر حكم اللّه فتزداد الحرمة؛ لكونه تحاكماً للطاغوت ولكونه بغیر حكم اللّه. وواضح أن الحرمة مختصة بكونها بغیر حكم اللّه وأما لو قلنا أن لهذا مفهوم فیكون مفهوم قوله (علیه السلام) : «بغیر حكم اللّه» أنه إذا كان حكم الجائر بحكم اللّه لكان جائزاً.

وموثقة الحسن بن علي بن فضال، قال: قرأت في كتاب أبي الأسد إلی أبي الحسن الثاني (علیه السلام) وقرأته بخطه سأله ما تفسیر قوله تعالی: :(وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَی الْحُكّامِ)، فكتب بخطه : «الحكام القضاة ثم كتب تحته : هو أن یعلم الرجل أنه ظالم فیحكم له القاضي، فهو غیر معذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له إذا كان قد علم أنه ظالم»(2).

أما السند، فجهالة أبي الأسد لا تضر ؛ لأن ابن فضال یشهد أن الخط خط الامام الهادي (علیه السلام)، وأما الدلالة فمن جهة حصر حرمة الأخذ بكون الآخذ ظالماً، فهو یدل علی أن الآخذ لو كان محقاً لا مانع من تحاكمه

ص: 360


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 11 ح 1.
2- المصدر نفسه، ص 15 ح 9.

وأخذه للمال فالتحاكم إلی الحكام - المقصود بهم حكام الجور بقرینة خبر أبي بصیر: «أنه علم أنه سیكون حكام جور» فبقرینة خبر أبي بصیر تكون هاتین الروایتین مفادهما معارض لصحیحة ابن حنظلة.

والجواب: أنه لا معارضة؛ و ذلك لأن هذه الموثقة بصدد تفسیر الآیة

من سورة البقرة في الحرمة الوضعیة والحرمة الوضعیة دائرة مدار كون الانسان مبطلا لا محقا، فالحرمة الوضعیة متحققة لتحقق اسبابها وإلا فالمحق لیس معه بطلان وضعي... فالثابت علیه هي الحرمة التكلیفية بصحیحة ابن حنظلة.

فالترافع حرام والأخذ حرام والتصرف في المال الشخصي أیضا حرام وحرمته الوضعیة تابعة لعدم تحقق السبب الشرعي وهو بحث آخر، و لو كان السبب الشرعي متحقق مثل ثبوت التقاص إلا أنه لا یرفع الحرمة التكلیفية.

جواز الترافع عندهم والتصرف في المال الشخصي بانحصاره بذلك ویستدل علی ذلك بأمور:

اشارة

ولا یخفی أن هذه الحرمة التكلیفية مقیدة بعدم انحصار استنقاذ الحق بطریق غیر مشروع ویدل علی ذلك أمور:

ص: 361

الأمر الأول: دلالة الآیات والاخبار:

دلالة الآیات والروایات - الناهیة عن التحاكم إلی حكام الجور - علی انحصار ذلك بتمكنهم من الرجوع إلی النبي (صلی اللّه علیه و آله)، ومع ذلك یتحاكمون إلی غیره من حكام الجور فلا تشمل موراد انحصار استنقاذ الحق بالحكام الجور.

الأمر الثاني: ما ورد في بیان كیفیة صیاغة الشهادة:

وجود نصوص في أبواب الشهادة تبین كیفیة صیاغة شهادة الحق مع المخالفین - مع أن الشهادة حق وصدق - لاستنقاذ حقوق المؤمنین و ذلك لأن كیفیة صیاغة شهادة الشاهدین لها تأثیر كبیر في اثبات الحق أو عدمه مثلا بدل أن یقول إن زیداً استدان مني - فیكون مدعیاً فیطالب بالبینة - یقول: إن زیداً لم یسدد لي دیني فیكون منكراً فلا یطالب بالبینة وأیضا في أرث البنت فإنه عندهم ترث النصف، فالامام (علیه السلام) یقول له: لا تشهد بأن هذا إرث، فإنها لا تعطی حقها كاملاً بل اشهد بأن هذا المال كله لها بدون ذكر السبب حتی یثبت لها حقها كاملاً، وحیث أن الشهادة عند هؤلاء ترافع إلی حكام الجور فهذه الاخبار تدل علی جواز استنقاذ حقوق المؤمنین بالترافع عند الظلمة لاستنقاذ الحقوق.

ص: 362

والاخبار الدالة بطریق أولی علی جواز رجوع المدعي أو المنكر تدل علی أن الترافع لاستنقاذ الحقوق إذا انحصر لا مانع منه، ومنها:

1- معتبرة داوود بن حصین، سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول : «إذا أشهدت علی شهادة فأردت أن تقیمها فغیرها كیف شئت ورتبها وصححها بما استطعت حتی یصح الشيء لصاحب الحق بعد أن لا تكون تشهد إلا بحقه، ولا تزید في نفس الحق ما لیس بحق، فإنما الشاهد یبطل الحق ویحق الحق، وبالشاهد یوجب الحق، وبالشاهد یعطي، و أن للشاهد في إقامة الشهادة بتصحیحها - بكل ما یجد إلیه السبیل من زیادة الألفاظ والمعاني، والتفسیر في الشهادة ما به یثبت الحق ویصححه ولا یؤخذ به زیادة علی الحق - مثل أجر الصائم القائم المجاهد بسیفه في سبیل اللّه»(1).

2- روایة داود بن الحصین، قال : سمعت من سأل أبا عبد اللّه (علیه السلام) - و أنا حاضر - عن الرجل یكون عنده الشهادة، وهؤلاء القضاة لا یقبلون الشهادات إلا علی تصحیح ما یرون فیه من مذهبهم، وإني إذا أقمت الشهادة احتجت إلی أن أغیرها، بخلاف ما أشهدت علیه وأزید في الألفاظ ما لم أشهد علیه، وإلا لم یصح في قضائهم لصاحب الحق ما

ص: 363


1- وسائل الشیعة: ج 27 كتاب الشهادات، ب 4 ص 316 ح 1.

أشهدت علیه، أفیحل لي ذلك؟ فقال: «إي واللّه، ولك أفضل الأجر والثواب، فصححها بكل ما قدرت علیه مما یرون التصحیح به في قضائهم »(1).

3- مرسلة عثمان بن عیسی، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قلت له: تكون للرجل من إخواني عندي الشهادة لیس كلها تجیزها القضاة عندنا، قال: «إذا علمت أنها حق فصححها بكل وجه حتی یصح له حقه»(2).

4- معتبرة المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) - في كتابه إلیه قال: «و أما ما ذكرت أنهم یستحلون الشهادات بعضهم لبعض علی غیرهم فان ذلك لا یجوز ولا یحل، ولیس هو علی ما تأولوا إلا لقول اللّه (عز وجل) - وذكر حكم الوصیة - ثم قال: وكان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) یقضي بشهادة رجل واحد مع یمین المدعي، ولا یبطل حق مسلم، ولا یرد شهادة مؤمن، فإذا أخذ یمین المدعي وشهادة الرجل الواحد قضی له بحقه، ولیس یعمل بهذا، فإذا كان لرجل مسلم قبل آخر حق

ص: 364


1- المصدر نفسه، ح 2.
2- المصدر نفسه، ص 317 ح 2.

فجحده ولم یقضوا له شاهد غیر واحد، فهو إذا رفعه إلی بعض ولاة الجور أبطل حقه ولم یقضوا فیه بقضاء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) كان في الحق أن لا یبطل حق رجل مسلم فیستخرج اللّه علی یدیه حق رجل مسلم، ویأجره اللّه (عز وجل) ویحیی عدلا كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) یعمل به»(1).

أما سندها فمعتبر وأیضاً وجدنا قرائن وشواهد تدل علی توثیق القاسم بن الربیع، وهذه الروایة لها شواهد عجیبة.

والمتصفح في أبواب الأخبار یجد موارد عدیدة بجواز الشهادة عند حكام الجور لاحقاق الحق مما یدل علی أن عدم المنع من الترافع عندهم في ظرف الانحصار.

والأمر الثالث: قاعدة الحرج والضرر

فإن مقتضی قاعدة الحرج والضرورة ارتفاع هذه الحرمة و مما یعضد ارتفاعها ما ورد - في أبواب ما یكتسب به باب الولایة - من جواز تولي ولایة حكام الجور لدفع الضرر عن المؤمنین أو تخفیف الضرر عنهم فیجب، ولهذا یقال إن الأحكام الشرعية لیست مستعصیة بل فیها مرونة بحسب الظروف والعناوین الطارئة.

ص: 365


1- وسائل الشیعة: ج 27 كتاب الشهادات، ب 18 ص 339 ح 3.

(مسألة 44) : یجب في المفتي والقاضي العدالة(1).......................

المسألة الاربعة والاربعون: اشتراط العدالة في المفتي والقاضي

اشارة

(1) تقدمت أدلة اعتبار العدالة في المفتي، وقلنا إن النیابة المجعولة من الشارع مجعولة للفقهاء بشروط منها العدالة وهو ما تدل علیه جملة من الاخبار المعتبرة(1) الدالة علی الایمان، كقوله (علیه السلام) : «المأمون علی الدین والدنیا»، وروایة الإمام العسكري (علیه السلام) المعتبر اجمالاً: «مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه»، فإنها دالة بوضوح علی اعتبار العدالة بل قیل إنها تدل علی ما یزید علی العدالة، وأیضا یمكن أن یستدل بما في ا التوقیع المبارك: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتي علیكم و أنا حجة اللّه»، فمن الواضح أنه إذا كانت الامور الیسیرة كصلاة الجماعة مثلاً یشترط فیها ذلك فمن باب أولی اشتراط ذلك في النیابة عن المعصوم (علیه السلام) بشكل واضح لأن مقام الحجیة لا یتناسب إلا مع مقام العدالة وأیضا صحیحة ابن حنظلة: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما»، فإن العدالة مفروغ عنها إلا أن في الترجیح یأخذ بمن تزید عدالته. والفاسق لا تشمله المطلقات لأنه مقام من ینوب عن الحجة الذي هو خلیفة اللّه.

.

ص: 366


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 136 - 153.

وهذه الاخبار لا تختص بالفتیا ولا بالقضاء لأنها من صلاحیة من حاز النیابة عن المعصوم وأیضا نفس التعبیر بحرمة الذهاب إلی حكام الجور والمقابل لحكام الجور هم حكام العدل ولهذا ذكر صاحب الوسائل في عنوان الباب اشتراط العدالة والایمان في القضاء، وذكر نفس أدلة النهي عن التحاكم إلی حكام الجور لأن هذهالاخبار في مقام ذكر صفات القاضي الذي لا یتحاكم عنده فهي في مقام التحدید فیثبت ذلك بمفهوم التحدید، مثل قوله (علیه السلام) : «إیاكم أن یتحاكم بعضكم بعضا إلی حكام أهل الجور»، فلابد من التحاكم عند أهل العدل اعتقاداً وعملاً.

و مثل موثقة سلیمان بن خالد المتقدمة المرویة بطریقین: عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «اتقوا الحكومة فان الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمین لنبي أو وصي نبي». فلابد من العدالة.

وقد تقدمت جملة من الادلة في المفتي... وهي تدل علی اعتبار العدالة مضافا إلی القرینة الارتكازیة عند المتشرعة وهي أن هذا المقام خطیر والغایة منه احقاق العدل فكیف تشمل أهل الفسق الذين لا یوثق بالتزامهم وتقیدهم فكیف یقیم الحق من هو لا یقیم الحق علی نفسه حتی یقیمه علی غیره.، وقد ذكرنا أن في الآیات دلائل كثیرة یمكن أن یقف علیها المتتبع بلحاظ أنها من نوع الدلالة بالالتزام أو الإیماء والتنبیه

ص: 367

وتثبت العدالة بشهادة عدلین وبالمعاشرة المفیدة للعلم بالملكة، أو الاطمئنان بها، وبالشیاع المفید للعلم(1).

علی اعتبار العدالة، وأیضاً بحسب الموازین العرفية لدیهم من كون المتصدي لمثل هذه المقامات أمین وحفیظ.

الطرق التي تثبت بها العدالة:

(1) وشهادة العدلین بینة قد مر بیان اعتبارها وبالمعاشرة المفیدة للعلم بالملكة وهي شهود حسي، وأیضا الاطمئنان بها، ولابد أن یكون من منشأ معتبر كالمنشأ الحسي لا الحدسي.

وظاهر الأعلام هو الاعتداد بمطلق الاطمئنان ولكن الصحیح أن الاطمئنان یعتبر إذا كان من منشأ أو مناشئ معتد بها عند العقلاء.

أما ما كان من مناشئ غیر المعتد بها فلا یكون معتبرا وقد اشرنا إلی هذه النكتة المهمة في أصول الفقه في الحجج، ویثبت أیضا بالشیاع المفید للعلم ولا یثبت بخبر الثقة لأن خبر الثقة لا یقبل في الحقوق لطرف علی طرف فضلاً عن مقام فصل النزاعات والخصومات فلابد من البینة.

ص: 368

(مسألة 45) : إذا مضت مدة من بلوغه، وشك بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقلید صحیح أم لا(1) یجوز له البناء علی الصحة في أعماله السابقة، وفي اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.

المسألة الخامسة والاربعون: الشك في الاعمال السابقة عن تقلید صحیح

(1) ولا تجري قاعدة الفراغ في الاعمال السابقة و ذلك لأن صورة العمل علی حسب الفرض محفوظة إلا أنه یشك في مطابقتها لتقلیده أم لا وهذه الضابطة یذكرها المحقق العراقي في كل فرض تكون صورة العمل محفوظة والواقع المأمور به غیر معلوم فإنه لیس مجری قاعدة الفراغ ومجری قاعدة الفراغ عكس هذا الفرض وهو ما إذا كان الواقع المأمور به معلوما إلا أن صورة العمل المأتي به مشكوك في مطابقته للمأمور به أم لا.

فتجري قاعدة الاشتغال في الوقت والبراءة عن القضاء بعده.

هذا لو أردنا أن نصحح العمل بالفراغ والتجاوز. نعم، تجري في نفس التقلید كعمل كما مرَّ. وأما لو أردنا تصحیحها بلاتعاد فیصح العمل باعتبار عدم اختصاصها بالناسي فتعم الجاهل القاصر بل والمقصر الغافل لو كان الخلل في غیر الاركان أما لو كانت صورة العمل مشكوكة فتجري قاعدة الفراغ والتجاوز.

ص: 369

(مسألة 46) : یجب علی العامي أن یقلد الأعلم في مسألة وجوب تقلید الأعلم أو عدم وجوبه(1)، ولا یجوز أن یقلد غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم، بل لو أفتی الأعلم بعدم وجوب تقلید الأعلم یشكل جواز الاعتماد علیه، فالقدر المتیقن للعامي تقلید الأعلم في الفرعیات(2).

المسألة السادسة والاربعون: وجوب تقلید الأعلم في مسألة تقلید الاعلم

(1) وعدم جوازه للزوم الدور، و ذلك لأن حجیة غیر الأعلم مع وجود الأعلم مختلف فیها فلا یمكن الرجوع إلیه فیها وترجیح جانب القول بجواز تقلیده بالرجوع إلیه لأنه یلزم توقف حجیة فتوی غیر الأعلم علی فتوی غیر الأعلم فلابد من الرجوع إلی فتوی الأعلم التي لا خلاف في حجیتها فیتعین الرجوع إلیه.

(2) و هذا یشكل الاعتماد علیه في خصوص مسألة عدم وجوب تقلید الأعلم و ذلك للأدلة التي تعین تقلید الأعلم.

وقد أشكل علیه جملة من المحشین بأن رجوعه لغیر الأعلم مستندهنفس فتوی الأعلم و ذلك لأن مستند تقلید الأعلم عند العامي هو الاحتیاط فإذا أفتی الأعلم بجواز الرجوع إلی غیر الأعلم فیجوز.

وفیه : أن العامي تارة یستند في تقلید الأعلم إلی الاحتیاط، فالقول

ص: 370

(مسألة 47) : إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات، والآخر أعلم في المعاملات، فالأحوط تبعیض التقلید وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا، والآخر في البعض الآخر(1).

(مسألة 48) : إذا نقل شخص فتوی المجتهد خطأ یجب علیه إعلام من تعلم منه، وكذا إذا أخطأ المجتهد في بیان فتواه یجب علیه الإعلام(2).

كما قاله بعض المحشین. وتارة یكون مستند العامي هو الدلیل الاجتهادي كأن یعتمد علی ارتكازیة أن نسبة غیر الاعلم إلی الأعلم نسبة الجاهل إلی العالم فلا یجوز الرجوع إلی غیر الأعلم وعلیه فیشكل تقلید غیر الأعلم بفتوی الأعلم لأن العامي علی الفرض مجتهد ولیس بعامي فلا یصح له الرجوع إلی الأعلم في هذه المسألة.

المسألة السابعة والاربعون: نقل الفتوی خطأ

(1) تقدم البحث فیه مفصلاً في مسألة الثلاثة والثلاثین.

المسألة الثامنة والاربعون: الوظیفة عند الاشتباه في نقل الفتوی

اشارة

(2) ذهب البعض إلی عدم وجوب الإعلام فیما إذا أخبر باللزوم والفتوی هي الاباحة.

ص: 371

نعم، یجب الإعلام في خصوص ما لو كانت الفتوی اللزوم وأخبر بالاباحة أو الاستحباب أو الكراهة.

والصحیح أنه یجب الاخبار في كلا الصورتین سواء صورة الاخبار باللزوم والفتوی علی الاباحة والعكس.

والوجه في ذلك: هو الاستناد إلی قاعدة وجوب تعلیم الجاهل وارشاده التي استدل بها علی حرمة أخذ الأجرة علی تعلیم الواجبات بناء علی أن التعلیم واجب ولا یسوغ أخذ الأجرة علی الوجبات، ویستدل بهذه القاعدة في جملة من الأبواب الفقهية ویمكن أن یستدل لهذه القاعدة بآیة النفر من سورة البقرة: (وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا في الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ)، وبقوله تعالی: (الذينَ آتَیْناهُمُ الْكِتابَ یَعْرِفُونَهُ كَما یَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِیقاً مِنْهُمْ لَیَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ)، وبقوله تعالی: (إِنَّ الذينَ یَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدی مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ في الْكِتابِ أُولئِكَ یَلْعَنُهُمُ اللّه وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ) (1)، وغیرها مما استدل به علی وجوب تعلیم العالم الجاهل وهي قاعدة مسلمة.

ص: 372


1- سورة البقرة، الآیات 122 و 146 و 159.

وقد وقع الكلام في اختصاص هذه القاعدة بكون متعلق التعلیم هو خصوص الاحكام الالزامية مع وجود أدلة علی التعمیم، مثل قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَیِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ) (1).

وقوله تعالی: (قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّه لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ اللّه أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَی اللّه تَفْتَرُونَ) (2).

وقوله تعالی: (قُلْ لا أَجِدُ في ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ یَكُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّه بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (3).

وزیادة علی ذلك أن الظاهر من الآیات والرویات هو انشاء المنظومة الشرعية وهي تعم الالزاميات وغیرها، وأیضا من الأدلة ما یدل علی عدم طمس الأحكام....

فقوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) فإن النفر والتفقه في الدین واجب بلحاظ كونه تفقه ونفر قبل مرحلة الانذار، فإن نفس أعلاء الدین یتحقق بنفس التفقه.

ص: 373


1- سورة المائدة، الآیة 87.
2- سورة یونس، الآیة 59.
3- سورة الأنعام، الآیة 145.

وأیضا غرض الشارع هو حفظ الدین وحفظ القرآن وحفظه یكون بمدارسته والحفظ مطلوب قرآني فإن من الاغراض الشرعية هي حفظ القرآن فقال تعالی:(إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ).

فمن الاغراض الشرعية : حفظ القرآن، فیجب حفظه علی المكلفین ویتحقق حفظ القرآن بالحفاظ علی تعلم اللغة العربیة وعلی مدارسته وعلی تلاوته فكلها هذه العناوین من مصادیق الحفظ.

ومسألة الحفظ وإن كان اللّه هو المتكفل بها إلا أنه غرض شرعي فیجب المحافظة علیه ونظیر ذلك استدلال الفقهاء بقوله تعالی: (هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ ما في الْأَرْضِ جَمِیعاً)، في باب المشتركات العامة.

وقد خصصوا بهذه الآیات بقاعدة (من حاز ملك)، حیث إن بعض أصحاب الثروات الذين یستطیعون أن یحوزا الكثیر من المشتركات مما یمنع بقیة الناس من أخذ حقهم مما خلقه اللّه لهم فیفوتون غرض الشارع من خلقه للجمیع فقیدوا الحیازة من حیث حدها بأن لا تنافي حق الجمیع أي یحوز بمقدار ما لا یتنافی مع حق الجمیع.

فمن ثمرات ذكر الأغراض الشرعية في القرآن الكریم - مع كونه مصدر تشریع - أن تصبح تلك الاغراض عزیمة علی المكلفین لا یجوز تضییعها.

ص: 374

ونفس اقامة الدین من الاغراض الشرعية وهو لا یمكن إلا بابقاء معارف الدین بواسطة مدارسة الاحكام وما شابه ذلك ولذلك أحد اهداف الحوزات العملیة نفس اقامة الدین وابقاءه من جیل إلی جیل ومن ید إلی ید، فیجب الاعلام في جمیع الموارد لعموم هذه القاعدة.

أما المقدار اللازم في التعلیم هو جعل العلم في متناول الجمیع إلا أن هذا لیس له ربط بالاشكال، فلیس قول الماتن (قدس سره) (یجب الإعلام...) هو الذهاب لكل فرد فرد بل هو بالكیفیات المتعارفة في الایصال كالایصال عبر الرسائل العملیة.

ویستثنی من هذا الوجوب: ما عدل عنه من الوجوب إلی الاستحباب مثلاً مع وجود جماعة تفتي بالوجوب أو یفتي بالحرمة ثم یعدل إلی الكراهة مع وجود جماعة تفتي بالحرمة ومع ذلك لا یُعلم ولا یخبر بالتغییر ویبینه و هذا ما علیه دیدن الفقهاء إلا أن هذا المقام لا یعبر عنه بالفتوی بالالزام بل یعبر عنه بأنه مبرء للذمة.

وبعبارة أخری: أن الفقیه في بعض الأحیان یكون بصدد بیان الحكم والفتوی وتارة بصدد بیان العمل المبرء فیمزج بین الاحتیاطات والفتاوی مثل كثیر من الاحتیاطات الوجوبية. فهنا - بقاءً - لا یلتزم بالاخبار بالاحكام الالزامية ولكن یلتزم ببیان طرق الاحتیاط لا بیان الفتیا و ذلك لوجود موضوع حسن الاحتیاط كأن توجد محتملات بحسب الأقوال أو

ص: 375

الواقع للحكم الالزامي سواء كان وجوبا أو حرمة فابقاء الفتوی بصورة الوجوب أو الحرمة لیس من باب الفتوی بالوجوب أو الحرمة بل لوجود الداعي للاحتیاط لا الفتیا. و هذا ملحوظ كثیراً عند القدماء من أنهم یفتون بالالزام ولیس مقصودهم الاخبار بالافتاء بل مقصودهم بیان الوظیفة العقلیة اللازمة لابراء الذمة. و هذا الاستثناء لیس من موراد العدول القطعیة حتی یلزم طمسها وكتمها بل من موراد العدول الظنية النظریة لأنه في موارد العدول الظنية تشمله عموم أخبار الاحتیاط.

وقد تلخص أن قاعدة وجوب تعلیم الجاهل تقتضي لزوم اعلام الجاهل بالاحكام الشرعية علی وفق الحجة فإذا تغیر الحكم لابد من الاعلام وفقا للحجة الجدیدة، و أن الاعلام یكون بالنحو المتعارف كأن یجعل المسائل وفتاوه في معرض الوصول إلیها ویستثنی من وجوب الاعلام موراد العدول الظني النظري لعدم منافاته للاحتیاط ولا یكون من الاخبار المخالف للواقع لأن المجتهد في مقام تبرئة الذمة ولیس بصدد الاخبار عن الواقع حتی یكون كذباً نعم لو كان في موارد الاخبار عن الواقع وجب الأعلام بالمقدار المتقدم.

والكلام یقع فیما لو أخبر مكلف خاص خطأ:

فتارة یخبره بالالزام والواقع الاباحة، فهذا لا یجب علیه الأعلام إلا بالمقدار الذي یتوقف علیه تعلیم الجاهل وعدم الكتمان وهو جعله في

ص: 376

معرض الوصول هذا ما تقتضیه قاعدة تعلیم الجاهل وعدم الكتمان ولا دلیل علی وجوبه له بتتبعه وایصاله له هذا ما تقتضیه هذه القاعدة من وجوب اصل الاعلام إلا ما استثنی من موارد وجوب الاحتیاط في المسائل الظنية النظریة وكان الداعي ابراءة الذمة أما في الموارد القطعیة فیجب الأعلام لحرمة الكتمان وطمس العلم.

وتارة یخبر هذا الشخص بالاباحة وهو في الواقع الالزام فیجب اخبار هذا الشخص لأنه من باب التسبیب للحرام و هذا الدلیل خاص بصورة الاخبار بالاباحة والفتوی اللزوم.

فقاعدة التسبیب إلی الحرام توجب زیادة علی ما تقدم من لزوم اخبار واعلام نفس الشخص بالفتوی لأنه تغریر من نفس المخبر والمفتي وقد تعرضنا لها في بحث الطهارة.

وتعضد هذه القاعدة باخبار تصرح بأن المفتي ضامن :

1- صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كان أبو عبد اللّه (علیه السلام) قاعدا في حلقة ربیعة الرأي، فجاء أعرابي، فسأل ربیعة الرأي عن مسألة، فأجابه، فلما سكت قال له الأعرابي : أهو في عنقك ؟ فسكت عنه ربیعة ولم یرد علیه شیئا، فأعاد المسألة علیه، فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربیعة، فقال أبو عبد اللّه (علیه السلام) : «هو فی

ص: 377

عنقه قال أو لم یقل، وكل مُفتٍ ضامن»(1).

2- صحیحة أبي عبیدة، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «من أفتی الناس بغیر علم، ولا هدي من اللّه، لعنته ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتیاه»(2).

والافتاء لغة هو الاخبار بالحكم وأیضاً بقرینة ما جاء في تقلیم الاظفاره في الحج، ومنها:

3- روایة اسحاق الصیرفي، قال: قلت لأبي إبراهیم (علیه السلام) : إن رجلا أحرم فقلم أظفاره، فكانت له إصبع علیلة فترك ظفرها لم یقصه، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه، فقال : «علی الذي أفتی شاة»(3).

ولا یخفی أن هذه الروایات بصدد من أخبر بالفتوی متهاون ونحن بصدد المراعي للموازین فهي أجنبیة عما نحن بصدده.

أما قاعدة التسبب فلا تجري في كل حرام - كما نقحوا ذلك - وإنما تجري في موارد كون الحرام مبغوض عند الشراع بدرجة یفهم أن الشاع لا یرضي حتی بتسبیبه مثل شرب الخمر، فقد وردت روایات كثیرة من

ص: 378


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب آداب القاضي، ب 7 ص220 ح 2.
2- المصدر نفسه، ح 7.
3- وسائل الشیعة: ج 13 أبواب بقیة كفارات الإحرام، ب 13 ص 164 ح 1.

سقی صبیا أو غافلاً خمرا فعلیه وزر بل حتی لو سقی دابة، ومنها:

1- صحیح حفص البحتري، قال: سمعت أبا عبد اللّه (علیه السلام) یقول: «یقول اللّه (عز وجل) : (من شرب مسكرا أو سقاه صبیاً لا یعقل سقیته من ماء الحمیم مغفورا له أو معذبا ومن ترك المسكر ابتغاء مرضاتي أدخلته الجنة وسقیته من الرحیق المختوم وفعلت به من الكرامة ما فعلت بأولیائي) »(1).

2- منها روایة أبي بصیر، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: سألته عن البهیمة البقرة وغیرها تسقی أو تطعم ما لا یحل للمسلم أكله أو شربه أیكره ذلك؟ قال: «نعم یكره ذلك»(2).

وغیرها من الذنوب التي لا یرضی الشارع بوقوعها ك الزنا، والربا في حرمة كل مسبب كالكاتب والشاهد والمعطي، وكذا الخمر حاملها وشاربها وغیرها، ففي جملة من المحرمات یستفاد أن المبغوضیة بدرجة سواء من الفاعل أو من المسبب.

ففي مثل هذه الموارد تجري قاعدة حرمة التسبیب للحرام فلا مجال لتعمیمها لكل محرم أو ترك واجب وترك الواجب یعبر عنه محرم عقلاً، مع أن السید الخوئي (قدس سره) قد ذهب إلی عدم عمومها في موارد مثل باب

ص: 379


1- وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الاشبربة المحرمة، ب 10 ص 308 ح3.
2- المصدر نفسه، ص 309 ح 5.

الطهارة إلا أنه في المقام قد عمم.

فالتام من الأدلة هو قاعدة البیان والارشاد فإنها عامة لجمیع الموارد.

قاعدة حفظ الاحكام بإقامتها:

وتوجد قاعدة أخری أشرنا إلیه اجمالاً لوجوب الأعلام وهي قاعدة اقامة الاحكام وهي واجب كفائي وهو ارشاد الناس وهو لا ینحصر بالنظام السیاسي في الدولة أي لا ینحصر بآلة الدولة، فالتبلیغ المتمثل في تربیة الناس علی الاحكام وازالة العوائق التي تعیق الناس عن التمسك بالاحكام وارشاد الناس و هذا كله وجوب كفائي. كما جاء عنهم (علیهم السلام) : «أشهد أنك أقمت الصلاة» لا بمعنی فعلت الصلاة بل معنی تجذیرها وترسخها في المجتمع الاسلامي، ولهذا لما سئل الامام السجاد (علیه السلام) : مَن هو المنتصر؟ قال: «إذا أذن المؤذن تعرف من هو المنتصر».

فنفس اقامة الاحكام هي مطلوبة كفائیاً فهذا عنوان أخر قد یقتضي أزید مما ذكره السید الخوئي(قدس سره) من أن وظائف الفقهاء خاص بجعل الاحكام في متناول الناس. بل إن ما یفعله العلماء ارتكازاً ومنهم السید الخوئي (قدس سره) انطلاقاً من هذه النكتة من نشر المبلغین في جمیع انحاء العالم لاقامة أحكام اللّه بجمیع الاشكال كالتبلیغ والتعلیم والارشاد وتربیتهم علی الالتزام بالاحكام الشرعية وحلحلة بؤر الفساد ودفع الفتن

ص: 380

العقائدیة والاخلاقیة، فلا ینصرف أن أقامة الدین منحصرة بالنظام السیاسي وجهاز الدولة إذ كثیر من علمائنا أقاموا مجتمعات مؤمنة ببث المبلغین ووسائل الارشاد والتثقیف علی أثر مذهب أهل البیت (علیهم السلام) وإن كانت هذه أخص من المدعی إذ مواردها جزئیة مخصوصة بما إذا وصل تبلیغ الاحكام إلی مرحلة اقامتها فإنه یجب علی الفقهاء ازید من الاعلام بالطرق المتعارفة.

فلیس معنی أنها لا تجب ایصالها إلا بجعلها في معرض البیان مطلقاً بل هذا مقیداً بما إذا لم یجب اقامتها فیجب بما هو أزید مما ذكر، ولهذا ذهب الأعلام إلی أن وجوب القضاء واجب كفائي و ذلك لأنه من اقامة الاحكام الشرعية.

فتوجد عندنا ثلاثة قواعد للبیان والایصال للمكلفین، الأولی قاعدة حفظ الدین والاحكام من الاندراس وهي أصل التنظیر من المُدارسة والتفقه، والثانية قاعدة بیان وتعلیم الاحكام الشرعية وهي بیان التنظیر، الثالثة قاعدة اقامة احكام الدین وهي اقامة التنظیر وتثبیته.

فكل واحدة من هذه القواعد قد تقتضي شیئا لا تقتضیه الأخری وإن مواردها في مسألتنا جزئیة إلا أن معرفة القواعد أهم بكثیر من الفرع الذي نحن بصدده.

ص: 381

(مسألة 49) : إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا یعلم حكمها یجوز له أن یبني علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحكم بعد الصلاة، وأنه إذا كان ما أتی به علی خلاف الواقع یعید صلاته، فلو فعل ذلك وكان ما فعله مطابقا للواقع لا یجب علیه الإعادة(1).

المسألة التاسعة والاربعون: حكم من احتاج إلی مسألة اثناء الصلاة

(1) قال جملة من الأعلام: یبني علی أحد الطرفین إذا لم یعلم وجه الاحتیاط ومع علمه بوجهه یتعین العمل به، ولا یكتفي بأحد الطرفین، والغایة من تقیید الماتن (قدس سره) ب_(قصد السؤال) هي لأجل عدم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي إلا مع الفحص بمطابقة ما أتی به للواقع، فإنه لو لم یقصد یستشكل في فعله لما فیه من التجري والابتعاد عن أمر المولی لأن عدم الوقوف والعلم بأمر المولی تفصیلاً والاكتفاء بالجهل والاتیان بالمحتمل الآخر بدون سؤال ابتعاد عن ساحة المولی بخلاف العلم بأمر المولی فهو انقیاد وتقرب للمولی وقد تقدم ذلك مفصلاً في الاحتیاط مع امكان الاجتهاد والتقلید فراجع، وایضا لأنه مع امكان القطع بالامتثال لا یؤمن له الاكتفاء بالاحتمال إذ لو خالف الواقع فللمولی عقابه فلو اقتصر علی الامتثال الاحتمالي وصادف الواقع لكان متجریاً.

هذا مجمل ما ذكره الماتن (قدس سره)، وهناك تفصیل للسید الخوئي (قدس سره)

ص: 382

وحاصله:

أن أمكن الاحتیاط تعین وإن لم یمكنه فلا یخلو أما أن تنجز علیه وجوب التعلم فیجب علیه أن یبني علی أحد الطرفین فیسأل بعد ذلك فإن خالف وجب علیه الاعادة ولا یجوز له رفع یده عن صلاته لحرمة الابطال، وأما لو لم یتنجز علیه وجوب التعلم فیخیر بین الاتیان بأحد المحتملات والسؤال بعد ذلك وبین رفع یده عن هذه الصلاة واعادتها و ذلك لأن حرمة الابطال دلیلها لبي وهو الاجماع فیقتصر علی القدر المتیقن وهو خصوص من تنجز تفي حقه الحرمة فهي غیر شاملة للحرمة غیر المنجزة.

وفیه أن الصحیح حرمة ابطال الصلاة مطلقا لما استظهرناه وقد وقفنا بعد ذلك علی نفس استظهار الشیخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره) في رسالته الفوائد الستة عشر فقدأشار إلی أن الصلاة تحریمها التكبیر وتحلیلها التسلیم والمتأخرون وقفوا علی الدلیل ولكن لم یقبلوه لأنهم حملوا التحلیل والتحریم علی التحریم والتحلیل الوضعي لا التكلیفي بمعنی إذا شرعت في الصلاة حرم علیك الكلام والالتفات بمعنی أنها مبطلات للصلاة وتحلیلها التسلیم بمعنی أنه یحل لك وضعا أن تأتي بمنافیات الصلاة.

ص: 383

و هذا الاستظهار متین إلا أنه لا ینافي حمله أیضا علی التحریم والتحلیل التكلیفي بالجامع بین موارد الحرمة التكلیفية والوضعیة الذي هو المنع والجامع بین الحلیتین التكلیفية والوضعیة الذي هو الاطلاق والنفوذ مثل ما جاء (وَ حَرَّمَ الرِّبا) بمعنی الحكم التكلیفي والوضعي وكذا أحل اللّه البیع فهي حلیة تكلیفیة ووضعیة معاً ففي أي مورد استعملت الحرمة أو الحلیة فهي تعنی كلا الحرمتین الوضعیة والتكلیفية إلا أن تقوم قرینة علی أرادة أحدهما دون الأخری والجامع بین الحرمتین هو المنع وبین الحلیتین هو الاطلاق.

و هذا الاستظهار متین قد دأب علیه المتقدمون حتی أن العلامة الحلي (قدس سره) استفاد نجاسة المیتة من قوله تعالی: (حُرِّمَتْ عَلَیْكُمُ الْمَیْتَةُ) (1)؛ لأن اطلاق الحرمة المستند إلی الذات وحذف المتعلق یشمل كل فعل بارز فهو یشمل حرمة البیع والأكل وملابسة المیتة للصلاة لأنه ابرز الافعال المتعلقة بالمیتة.

و هذا نظیر ما ذكرناه في قوله تعالی: (وَ الذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (2)، إذ إنأبرز الافعال المتعلق بحفظ الفرج لیس الفاحشة فقط

ص: 384


1- سورة المائدة، الآیة 3.
2- سورة المؤمنون، الآیة 5.

(مسألة 50) : یجب علی العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أن یحتاط في أعماله(1).

بل حتی حفظه من التنسیل بماء رجل آخر بتزریق نطفة ذلك الرجل في رحمها لأن من ابرز المنافع للفرج هي الالتذاذ الجنسي أو التنسیل المعبر عنه في بقوله تعالی: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) وهما أبرز فعلین من الافعال المتعلقة بالزوجة وقد حررناه مفصلاً في باب لباس المصلي.

فتحریمها التكبیر یشمل كلا الحرمتین، فالصحیح أنه لا یجوز له قطع الصلاة إذا أمكنه الاحتیاط، وأما إذا لم یمكنه فیتعین علیه البناء علی الاحتمال ویعیدها مرة أخری علی الاحتمال الأخر، وهنا لا تجري قاعدة لاتعادة لأنها لا تصحح العمل المأتي به حال الشك الذي هو فرض المسألة، فالصحیح هو تفصیل كثیر من المعلقین علی العروة خلافا للسید الخوئي (قدس سره) لعموم تكبیرها التحریم للحرمة التكلیفية والوضعیة.

المسألة الخمسون: وجوب الاحتیاط اثناء الفحص

(1) تقدم عدم جواز الاحتیاط المقابل للاجتهاد والتقلید. نعم، یجوز له الاحتیاط الراجع إلی التقلید وهو الأخذ بأحوط الأقوال، فیكون تقلیداً نحو الاحتیاط مضافا إلی تعذر الاحتیاط الواقعي لعدم الاحاطة بالواقع كما هو الغالب.

فالصحیح أن المتعین هو الأخذ بأحوط الأقوال.

ص: 385

(مسألة 51) : المأذون والوكیل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف أو في أموال القصر ینعزل بموت المجتهد، بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متولیا للوقف، أو قیما علی القصر فإنه لا تبطل تولیته وقیمومته علی الأظهر(1).

المسألة الحادیة والخمسون: عدم انقاطع الولایة والقیومیة لمن أعطی الولایة من الفقیه بموته

اشارة

(1) الولایة والقیمومیة لا تنقطع ولا تنعدم بالموت؛ لأن التولیة تنصیب لا ربط له بالمُولِّي - بالكسر - بل هي راجعة لإذن الشارع له بتولیة غیره في غیر شؤونه، بخلاف الإذن؛ فهي قائمة بوجود الآذن وترتفع وتنعدم بانعدامه.

الفرق بین منصب الفقیه وشخص الفقیه:

وبیان ذلك یرجع في الحقیقة إلی بیان ماهیة منصب الفقیه وبیان شخص الفقیه فما یفعله الفقیه باعتبار منصبه فهو راجع إلی نفس المنصب والمنصب هو المقام الذي یعطیه اللّه تعالی للفقهاء بواسطة منصب الامامة فطبیعة بعض الافعال مرتبطة بالنظام كما هو في النظم الوضعیة القانونیة وتوجد افعال مرتبطة بنفس المنظم - بالكسر - وبشخصه، فتری الدیون علی الدول تتحملها حتی لو جاء رئیس جدید غیر السابق، بخلاف المخالفة الشخصية الخاصة بنفس الرئیس مثل قتله

ص: 386

لفلان ظلماً فتحمل الحكومة الجدیدة الدیون التي علی الدولة، وكذا ما یفعله رئیس الوزراء من تنصیب طاقم الوزراء فهذا یرجع إلی شخصه فبانعزاله ینعزل هذا الطاقم، وأما ما یفعله باعتبار النظام العام الذي لایخص الرئیس نفسه بل راجع إلی النظام الاجتماعي فهذا یبقي وتبقی آثاره حتی بعد انعزاله، فتری مدیر البلدیة ومدیر الداخلیة والخارجیة لا یتبدل؛ لأن هذا راجع إلی النظام العام للدولة لا لخصوصیة الوزیر نفسه، بخلاف طاقم ریئس الجمهوریة ورئیس الوزاء فإن بانعزاله ینعزل هذا الطاقم الراجع بخصوصیته إلیه، و هذا لا یعني أن الریئس الجدید لا یستطیع أن یعزل من في المناصب المتعلقة بالنظام العام فإنه له ذلك إلا أن بانعزال الریئس الأول لا تنعزل صلاحیتهم.

وكذا توجد في الشرع المقدس افعال بطبیعتها تنسب إلی منصب الفقاهة وتوجد أفعال تنسب لنفس الفقیه فبطبیعة الحال ما ینسب ویسند إلی شخص الفقیه من الاجازات ینتفي بموت الفقیه نفسه وما ینسب إلی منصب الفقاهة من الافعال التي ترجع إلی المجتمع الایمانی فإنها تبقي لبقاء المنصب.

ونظیر هذا ما جاء عن أبي الحسن الثالث (علیه السلام) قال: «ما كان لأبي (علیه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غیر ذلك فهو میراث علی كتاب

ص: 387

(مسألة 52) : إذا بقی علی تقلید المیت من دون أن یقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غیر تقلید(1).

اللّه وسنة نبیه»(1).

فدلیل هذا المعني هو حقیقة وماهیة انماط الافعال الصادرة عن الفقیه، وقد ذكرنا في كتاب ملكیة الدولة ما هو شبیه بهذا من أن المال تارة للشعب وتارة مال الدولة، فما كان للدولة فلها التصرف بنقل عینه كیف تشاء، وأما ما كان للشعب فلا یحق لها التصرف فیها، وبتحلیل طبیعة وماهیة ما للدولة یتبین مدی صلاحیتها فیه، وبتحلیل ماهیة ما للشعب بالنسبة إلی الدولة یتبین مدی وحدود صلاحیتها بالتصرف فیه.

فالحاكم الذي جعله الامام (علیه السلام) بقوله: «فاني قد جعلته علیكم حاكما»، فهذا الحكم المجعول من قبل الامام من بعض أفعاله باعتبار شخصه وبعض أفعاله باعتبار ولایته فما كان من الإذن والوكالة فهو باعتبار شخصه وما كان من جهة تولیته فهو باعتبار حاكمیته فما كان راجعاً إلی شخصه من الاجازات والوكالات ینعدم بموته وما كان راجعاً إلی ولایته ومنصبه یبقي حتی بعد موته.

المسألة الثانية والخمسون: البقاء علی تقلید المیت بدون تقلید

(1) الصحیح ما ذكره بعض الأعلام من التفریق بین العمل بلا تقلید

ص: 388


1- وسائل الشیعة: ج 9 أبواب الأنفال وما یختص الإمام، ب 2 ص 537 ح 6.

(مسألة 53) إذا قلد من یكتفي بالمرة مثلا في التسبیحات الأربع، واكتفی بها، أو قلد من یكتفي في التيمم بضربة واحدة، ثم مات ذلك المجتهد فقلد من یقول بوجوب التعدد، لا یجب علیه إعادة الأعمال السابقة. وكذا لو أوقع عقدا أو إیقاعا بتقلید مجتهد یحكم بالصحة ثم مات وقلد من یقول بالبطلان، یجوز له البناء علی الصحة. نعم، فیما سیأتي یجب علیه العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثاني. وأما إذا قلد من یقول بطهارة شيء كالغسالة ثم مات وقلد من یقول بنجاسته، فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحة، وإن كانت مع

وبین أنه قلد بلا تقلید، وتظهر الثمرة بناء علی مشهور القدماء من أن المدار علی صحة التقلید فلو تبین له مخالفة أعماله لفتوی من یجب الرجوع إلیه فتصح لو كان تقلیده موافق لمن یجب الرجوع إلیه فمثلاً من قلد المیت ابتداءا وكانت فتاواه مخالفة لمن یجب الرجوع إلیه إلا أنه یفتي بجواز تقلید المیت ابتداءا فتصح أعماله لصحة تقلیده.

و هذا خلاف لو عمل بلا تقلید فإن عمله باطل إذا خالف من یجب الرجوع إلیه، فالفرق فارق علی مبني مشهور الفقهاء هذا في غیر صورة عدم تقلید الأعلم بفتوی الأعلم لما فیه من التأمل لكون العامي مجتهداً في هذه المسألة.

استعمال ذلك الشيء، وأما نفس ذلك الشيء إذا كان باقیا فلا یحكم بعد ذلك بطهارته. وكذا في الحلیة والحرمة، فإذا أفتی المجتهد الأول

ص: 389

بجواز الذبح بغیر الحدید مثلا، فذبح حیوانا كذلك، فمات المجتهد وقلد من یقول بحرمته، فإن باعه أو أكله حكم بصحة البیع وإباحة الأكل، وأما إذا كان الحیوان المذبوح موجودا فلا یجوز بیعه ولا أكله وهكذا(1).

المسألة والثالثة الخمسون: إجزاء التقلید الأول مع مخالفته للتقلید الثاني

اشارة

(1) خلاصة هذه المسألة في إجزاء تقلیده الأول في صورة مخالفته لتقلیده الثاني كمن قلد من یفتي بالتسبیحات مرة واحدة ثم مات وقلد من یفتي بالثلاث أو قلد من یفتي بالاكتفاء في التيمم بضربة واحدة وقلد من لا یكتفي بالضربة أومن قلد من یقول بصحة عقد ثم مات وقلد من یقول بالبطلان وفي جمیع هذه الصور یحكم بالإجزاء كما هو مشهور الفقهاء علی تفصیل خلافاً لأكثر فقهاء العصر الذين قصروا الاجزاء علی ما دل علیه الدلیل كموارد قاعدة لا تعاد.

وحاصل تفصیل مشهور الفقهاء: هو الحكم بالاجزاء فیما انعدم موضوعه وبینما إذا كان الموضوع باقیا كما لو قال الأول یجوز الذبح بالاستیل والثاني بعدم الجواز مع وجود اللحم فإنه یحكم بحرمة اللحم و ذلك لبقاء الموضوع فیترتب علیه أثره بخلاف لو انعدم الموضوع، و هذا جاري في العقود أیضا فتارة یكون الموضوع باقیا وتارة منعدما ومتصرما فإن كان المبیع مثلاً تصرم فیجزي فلا ضمان ولا غیره، وإن كان المبیع

ص: 390

بعدُ باقیا والزوجة أیضا بعد باقیاً فلا یجزي.

والوجه فیما ذهب إلیه المشهور: هو دعوی الاجماع والسیرة والاخبار الخاصة التي استعرضناها سابقاً وقد ذكرنا أن ارجاعات الأئمة (علیهم السلام) للفقهاء من الرواة من دون بیان التبدیل وغیره وما شابه ذلك ودفعنا ما اشكل به من الموانع كعدم حدوث التبدل.

وقد ذكرنا شواهد علی تبدل الرأي وأیضا الروایات العلاجیة تدل علی وجود التعارض وغیرها... ویوجد وجه صناعي مهم قد اعتمدنا علیه وهو الخدشة في الدلیل الذي اعتمده في عدم الاجزاء و أن حجیة هذا الظن الأول الموجود قد تبدلت وصار كانكشاف الواقع بالخلاف وبالتالي یترتب علیه آثار الخطأ علی الظن السابق.

وفیه: أن حجیة الظن الأول علی الموازین في ظرفه ولیس كلامنا في الحجیة التخیلیة كما لو تبدل الاجتهاد أو تبدل التقلید فهنا یثبت الاجزاء و ذلك لأن المیزان هو حجیة الامارة اللاحقة و هل یتعدي إلی الحجیة في ظرف تلك الحجة السابقة أم لا؟ فهو أول الكلام لأن حجیتها الفعلیة من الآن. نعم، وإن كان مفادها أعم من السابق واللاحق إلا أن الكلام في اعتبارها هل هو أعم. وهو أول الكلام.

ص: 391

الاعتبار وسعة المعتبر:

و هذا مثل البیع الفضولي إذا اجاز المالك فهنا القائلین بالكشف البرزخي أو الكشف الانقلابي كما هو رأي أكثر المحققین وقلیل من یقول بالكشف الحقیقي، والكشف البرزخي یعني أنه حینما تصدر الاجازة بالبیع یخرج من ملكیة البائع إلی ملكیة المشتري إلا أن خروجه حین الاجازة إلا أن الخارج وهو المبیع فهو من حین العقد فالخروج الآن والخارج من حین العقد، فلا یتقاطع مع الحكم السابق بكونه علی ملك البائع وله أثاره التكلیفية كما لو حصل وط ءٌ.

وأیضا في الاثار الوضعیة فالاعتبار من الآن والمعتبر أعم بخلاف الكشف الحقیقي من كون المكشوف في السابق وتوجد آثار تترتب علی تأخر الاعتبار وتوجد آثار تترتب علی سعة المعتبر فلابد من لحاظها.

فالكشف البرزخی یعنی أنه حین تصدر الاجازة یخرج المبیع من ملكیة البائع ویدخل في ملكیة المشتري إلا أن اعتبار الخروج فعلا من الآن إلا أن المعتبر وهو الخارج وهو المبیع فهو من حین صدور العقد إلا أن اعتبار خروج المبیع من حین العقد الآن و هذا لا یتقاطع مع الحكم السابق بكون المبیع علی ملك البائع و هذا له أثر في الاثار التكلیفية كما لو حصل وطئ الجاریة والآثار الوضعیة فالكشف الآن والمكشوف أعم.

ص: 392

و هذا یفترق عن الكشف الحقیقي فإنه الكشف والمكشوف سابقا فالاعتبار والمعتبر من حین صدور العقد بخلاف الكشف البرزخي، فإن الاعتبار من الآن والمعتبر عام للآن وللسابق.

وتوجد آثار تترتب علی تأخر الاعتبار وآثار تترتب علی سعة المعتبر ولهذا لم یقبلوا الكشف الحقیقي وبقطع النظر عن الكشف والمكشوف أن النظر علی الاعتبار وبالدقة ما نحن فیه من هذا القبیل و ذلك لأن الامارة اعتبارها الأخیر من الآن و ذلك لأنه لا وجود لها بدون اعتبار والبعض الآخر یری لها وجود إلا أنها لیست فعلیة وعلی كل تقدیر الوصول له دخالة في الحجیة فلا فرق بینهما لأنه لا تنافي مع وجود أمارة واصلة في ظرفها ووجود أمارة مخالفة واصلة في ظرف آخر فلنا أن نقول: إن في ظرف الحجیة اللاحقة أن الحجیة السابقة واجدة لشرائط الحجیة في ظرفها فاندراج الحجتین تحت أدلة الحجیة لا تنافی بینهما لأن كلا الحجتین ظنیتین، فكما أن أدلة الحجیة تشمل هذه الحجیة في هذا الظرف، فهي شاملة للحجیة السابقة في ظرفها، ولیس المقام من مقامات التخیل والوهم بالحجیة السابقة. ومع اندراج الحجتین علی حسب الموازین تحت أدلة الحجیة فلا وجه لتقدیم أحدهما علی الأخری.

وببیان آخر : أن هذه الحجیة الثانية الجدیدة في اندراجها تحت أدلة

ص: 393

الحجیة من الآن وإن كان المكشوف بها سعته أوسع وإذا كانت من الآن مندرجة فلا معنی لأن نقول أن لها عمومیة للأعمال السابقة وكون الاعتبار من الآن والمعتبر وسیع ویشمل السابق إلا أن نفسالاعتبار لا یمتد للسابق.

وببیان ثالث: هو أن أدلة الحجیة شاملة للحجیة السابقة في ظرفها السابق كما هي شاملة للحجیة اللاحقة في خصوص هذا الظرف.

فتقدیم هذه علی تلك أول الكلام ولا تعارض في البین وهو شبیه بالانقلاب أو الكشف البرزخي لاختلاف زمن الاعتبار وإن إتحد زمن المعتبر، ولهذا قالوا: لا توجد منافاة. فقبل اجازة المالك یحكم بأن المبیع علی ملك البائع في هذه الفترة وبعد الاجازة یحكم بأنه في نفس تلك الفترة ملك للمشتري ولا مانع من اختلاف زمن الاعتبار وإن أتحد زمن المعتبر، فلا تناقض لعدم اتحاد زمن الاعتبار، فهنا كذلك فإن الاعتبار للحجیة الجدیدة متأخر عن الاعتبار السابق فالآن نقول بأن الاعتبار السابق صحیح مع اختلاف الزمن فلنا أن نقول إن كلا الإعتبارین مندرجان في أدلة الحجیة فلا تنافي.

ومعناه: أن نأخذ بآثار الاعتبار السابق في ظرفه ونأخذ بآثار الاعتبار اللاحق في الظرف اللاحق كما لو وطئ البائع الأمة وهي المبیعة بالعقد الفضولي ؛ لعدم اطلاعه علی البیع الفضولي فهو حلال، وبعد الاجازة لا

ص: 394

(مسألة 54) : الوكیل في عمل عن الغیر كإجراء عقد أو إیقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك یجب أن یعمل بمقتضی تقلید الموكل لا تقلید نفسه إذا كانا مختلفین، وكذلك الوصي في مثل ما لو كان وصیا في استئجار الصلاة عنه یجب أن یكون علی وفق فتوی مجتهد المیت(1).

نقول أن وطئه حرام بل یبقی علی الحلیة لأنه وطئ في ملكه لترتب الآثار السابقة علی الاعتبار السابق فالصحیح هو الاجزاء، مضافا للاجماع والسیرة. نعم، لو كان الموضوع لازال باقیاً فهو كالابتلاء الجدید وهو بحث آخر إلا أن البعض كالشیخ كاشف الغطاء (قدس سره) في حاشیته علی المتن ناقش في بعض الامثلة بأنها من الموضوعات المتصرمة، ومن قال بالتصرم له وجه إلا أن الصحیح أنه من زاویة أخری الموضوع باقي وفعلي فلابد من الأخذ بالحجة اللاحقة.

المسألة الرابعة الخمسون: عمل الوكیل بمقتضی تقلیده أو تقلید الموكل

(1) ذهب بعضهم - كالاستاذ السید الروحاني - إلی العمل بأحوط بأحوط الأقوال وفاقاً لاستاذه الشیخ محمد رضا آل یاسین (قدس سره)، وقد فصل السید الخوئي (قدس سره) بین الولي وبین المتبرع فإنه یعمل بوظیفة نفسه لأنه ملزم بالعمل ووظیفته بمقتضی تكلیف نفسه بخلاف من كان وكیلا

ص: 395

أو نائبا أو مأذونا، إلا أنه في خصوص المستأجر عن المیت فإنه یعمل بمقتضی تقلید المؤجر وهم المورث والورثة أولیاءه.

والوجه في ذلك: أنه إذا كان أجیرا أو وكیلاً وعمل بمقتضی تقلید نفسه فهو خلاف مقتضی الوكالة والاجارة من كون من وكلّه للإتیان بالعمل بحسب ما یریده الموكل والمؤجر فلا یستحق الأجرة...وكذا الوصي فقد أوصی إلیه بأن یعمل بما رسمه له الموصي فوجوب مراعاة تقلید الموكل أو الموصي أو المؤجر واضح ولكنه یبقی اشكال وهو أنه لو راعي نظر الموكل أو المؤجر أو الموصي بالكسر مع أنه هذا العمل في نظر الوكیل والأجیر والوصي باطل ففي الاجارة یفصل بین ما إذا كان العمل باطلا فلابد أن یأتي به صحیحا بنظرهما والنتیجة أنه یأتي بالوظیفة الاحتیاطیة لعدم تحقق قصد القربة في الأعمال العبادیة وعدم المالیة في الأعمال التوصلیة بنظر الاجیر، وتارة لا یكون العمل بنظره باطلا بل محتمل الصحة والعمل المحتمل الجدوائیة له مالیة.

والصحیح هو الذهاب إلی العمل بأحوط الأقوال.

فصحیح أن وظیفة الولي والوصي والوكیل العمل بلحاظ تكلیفهما إلا أن وظیفتهم بلحاظ تفریغ ذمة المیت بتقریب من الاستاذ السید الروحاني (قدس سره)، وحاصله: أن الخطاب الموجه له لیس بمعزول ومقطوع

ص: 396

عن وظیفة المیت فالخطاب الموجه لهؤلاء ملحوظ فیه تفریغ ذمة المیت فالعمل الناقص لو كان في الوقع غیر مجزي لم تفرغ ذمة المیت والمفروض أن الولي والمتبرع یرید ان تفریغ ذمة المیت ولهذا یأتي بالعمل نیابة عن المیت لا عن نفسه وعلی فرض أن تقلید المیت مطابق للواقع فلا یكون عملهما مجزیا عن المیت فلا یتحقق فراغ ذمته إلا بالاتیان بأحوط الأقوال ففي الولي والمتبرع أیضا لابد من ملاحظة تقلید المیت ایضا كما یلاحظ تقلید نفسه لأن وظیفتهما ممزوجة بلحاظ عملهما وبلحاظ عمل المیت نفسه والمفروض أن هذا الزائد غیر مبطل لعمل المتبرع أو النائب فیتعین الفتوی بالاحتیاط.

وهكذا لو دار الأمر بین الأقل والأكثر ولهذا لو كان المتبرع والولي هو المخاطب بالأكثر دون المیت فإنه یجب مراعاة تقلید نفسه أیضا ولا یكفي الاتیان بالأقل بلحاظ تقلید المیت لأن هذا العمل بنظره غیر مجزئ فلا علم باجزاءه إلا بفعل الأكثر فلابد من مراعاة كلا الحیثیتین في النائب والمنوب عنه فحیثیة العمل عن نفسه وحیثیة علم المنوب عنه، فمدرك المسألة یعین الفتوی بالاحتیاط بلحاظ كلا الوظیفتین فكما أنه یراعي المیت أیضاً یراعي تقلید نفسه لامتزاج الحیثیتین.

ولا ینقض علی هذا بأنه لو خوطب المیت بالطهارة الترابیة فهل یجب علی النائب المتمكن من الطهارة المائیة أن یصلي بالطهارة الترابیة؛

ص: 397

لأنه توجد بعض الشرائط والاجزاء الملحوظ فیها الأداء وبعض الشرائط الملحوظ فیها الماهیة الكلیة فالطهارة مأخوذة في الطبیعة الكلیة وأما كونها ترابیة أو مائیة فالملحوظ فیها مرحلة الأداء مثل الستر مأخوذ في الطبیعة ولكن نوعه بلحاظ المؤدي للصلاة فلو كانت المرأة تصلي عن الرجل فلابد لها من ستر المرأة وكذا بالنسبة إلی الجهر والاخفات والعكس لو كان النائب هو الرجل عن المرأة.

وما نحن فیه هو اختلاف الطبیعة الكلیة كأن یری هذا الفقیه أن الصلاة عشرة والآخر یراه تسعة والعاشر مستحب.

فالصحیح أن التكلیف النیابي سواء كان بالتبرع أو بغیره فلابد من ملاحظة تقلید المیت والنائب لامتزاج العمل بالحیثیتین و هذا بالنسبة إلی الوكیل غیر متصور و ذلك لان عمله هو عمل المنوب عنه وإنما هو بمثابة الآلة فهذا متعین في النیابة بجمیع أسبابها سواء بالتبرع أو النیابة أو الوصایة أو الولایة أما لو دار الأمر بین المتباینین فالمتعین هو عمل المنوب عنه أو النائب أو الاحتیاط بالتكرار.

ص: 398

(مسألة 55) : إذا كان البائع مقلدا لمن یقول بصحة المعاطاة مثلا أو العقد بالفارسي، والمشتري مقلدا لمن یقول بالبطلان، لا یصح البیع بالنسبة إلی البائع أیضا، لأنه متقوم بطرفین، فاللازم أن یكون صحیحا من الطرفین. وكذا في كل عقد كان مذهب أحد الطرفین بطلانه، ومذهب الآخر صحته(1).

المسألة الخامسة والخمسون: أختلاف البائع والمشتري تقلیدا في صحة العقد وبطلانه:

(1) قد صرح الماتن (قدس سره) في المكاسب بالتلازم في الفساد وفي قباله المحقق الاصفهاني (قدس سره) علی التلازم في الصحة وأما الشهید الثاني فقد ذكر احتمالاً في اللمعة بالصحة من طرف والفساد من الطرف الآخر.

وقد ناقش جملة من الأعلام المعلقین علی المتن بأن التلازم في الصحة والفساد الواقعي وأما الفساد والصحة الظاهريین فلا تلازم بینهما إذ النظر إلی الظاهر ویمكن في الظاهر التفریق بینهما فالحكم الظاهري مخالف للماتن (قدس سره) وللمحقق الاصفهاني (قدس سره) ؛ لأن الصحة الظاهرية لیست هي الصحة بل هي احراز الصحة وعین الصحة شيء واحرازها شیئ آخر والاحراز یمكن أن یفكك فیه بأن یحرز أحدهما الصحة والآخر یحرز الفساد فلا ملازمة بین القطع فضلا عن الظن فلا یأتي ما ذكره الماتن من الملازمة في الفساد وما ذكره المحقق الاصفهاني (قدس سره) من

ص: 399

الملازمة في الصحة. نعم، الملازمة خاصة في نفس الصحة الواقعية.

ولكن یمكن أن یقال إنه فرّق بین الافعال الازدواجیة وبین الافعال المجردة ففي الصحة الظاهرية لا یمكن أن یعبد الشارع بها الشخصين بحیث یلزم أحدهما بوجوب الوفاء والآخر بعدم الوفاء فلا یمكن للشارع أن یتعبد بالتفكیك علی مستوی الظاهر فلا یمكن في الافعال الازدواجیة تصویر التفكیك بین الصحة في الجنبتین الازدواجیتین أو الفساد فیهما بحیث یبني أحدهما علی الصحة والآخر علی الفساد وعلی هذا یبقی ما ذكره السید الماتن (قدس سره) والشیخ الاصفهاني (قدس سره) من أن التلازم هو المتعین وعلیه فإما أن نحكم بالتلازم في الفساد أوفی الصحة.

وقد ورد التلازم في الصحة في موارد فهل تعمم تلك الأدلة أو هي خاصة بمواردها ولا یصح الاعتماد علیها في كل الموارد فیتعین البناء علی المصالحة القهریة بعد عدم امكان حل المسألة بالموازین الظاهرية ولو بالرجوع إلی الحاكم الشرعي إلا أنه توجد جملة من الموراد في العقود الفاسدة ولكن لصحتها من جانب، یبنی علی صحتها من الجانب الآخر، فإذا خاطب الشارع أحد الطرفین بالصحة والالزام واللزوم یعلم بالدلالة الالتزامية حكمه بالصحة والالزام والتلازم للطرف الآخر مثل لكل قوم نكاح، وفي إمام الجماعة بحیث أن الصحة منوطة بالصحة عند الامام (علیه السلام) وغیرها من الموارد التي ادُّعي فیها هذا التلازم.

ص: 400

(مسألة 56) : في المرافعات اختیار تعیین الحاكم بید المدعي، إلا إذا كان مختار المدعي علیه أعلم، بل مع وجود الأعلم وإمكان الترافع إلیه الأحوط الرجوع إلیه مطلقا(1).

وعلی كل حال، فإن استطعنا أن نقرب التلازم في خصوص الصحة فبها، أو التلازم في الفساد فبها وإلا فیصار إلی الصلح القهري لعدم امكان التفكیك - كما ادعي الأعلام - لكونه من الافعال الازدواجیة حتی في مرحلة الظاهر ولعلنا نقف علی وجه لتقریب أحد المتلازمین بعد الفراغ من أن تقریب التلازم هو المتعین.

المسألة السادسة الخمسون: تعین الحاكم بید المدعي إلا إذا كان ما اختاره المنكر أعلم:

اشارة

(1) قدم الماتن (قدس سره) قول المدعي إلا إذا كان من اختاره المنكر أعلم، وقد فصل عدة من المعلقین بما إذا كان منشأ النزاع هو الشبهة الحكمیة فیتعین الرجوع للأعلم، وكأن هذا عملاً بمفاد مصححة عمر بن حنظلة باعتبار أن موردها النزاع في الشبهة الحكمیة وقد أرجعت إلی الأصدق والأورع والأفقه. واستدل البعض بأن مورد النزاع بین الطرفین هو من جهة أن المدعي یدعي حقاً له فهو مخیر باثبات حقه بأي طریق معتبر وأما المنكر فلا یطالب بشيء غیر الرفض لأن الحق المتنازع فیه بین المدعي والمنكر هو حق للمدعي فله استرجاعه بأي كیفیة شاء.

ص: 401

وقد یعارض هذا الوجه بأن المنكر أیضا من حقه أن یدفع عن نفسه الظلامة كیفما یشاء و هذا من حقه فلا ترجیح لتقدیم حق المدعي علی حق المنكر.

وقد استدل بوجه آخر حاصله : أن للمدعي حق بما أنه صاحب دعوی أن یقیم الدلیل علی مدعاه بأيّ كیفیة... وأحد آلیات اثبات الدلیل هو الحاكم ولا یشترط في الآلیة التي یقیمها المدعی أن تثبت ما یدعیه فلا یشكل بأن الحاكم یمكن أن یحكم علی خلاف دعوی المدعي.

ویمكن التأمل أیضا في هذا الاستدلال بأن یقال إن كون الاستدلال بید المدعي شيء وتعین الحاكم الشرعي شيء آخر إذ الحاكم هو میزان لتقویم الدلیل الذي یأتي به المدعي، ولیس نفسه هو دلیل وإن كان بعد تقییم الدلیل یثبت الحاكم الدعوی أو ینفیها فالحاكم میزان لتمییز المحق من المبطل وبعد ذلك یكون حكمه أمارة أو غیرها سواء كانت للمنكر أو للمدعي فلیس الحاكم من الأدوات المنصوبة للاستدلال للمدعي دون المنكر فالقاضي لیس بمستند ودلیل نعم تنقیح المستند والدلیل قبولا أو رفضا بیده.

ولا یشكل بما جری في المباهلة من جهة دلالتها علی صدق صاحب الدعوی بنفس الانتساب للحاكم والقاضي وهو اللّه، فهو دلیل یثبت المحق من المبطل وعلیه، فالحاكم والقاضي هو نفسه الدلیل علی

ص: 402

صدق المدعي لا میزان دلیل ؛ إذ الجواب أن المباهلة باعتبار في انتساب شيء إلی اللّه وعدم انتسابه فاللّه یكون هو الدلیل علی صاحب النسبة والدعوی الصادقة.

ویمكن أن یقال أن ما أفاده الماتن (قدس سره) مسلماً في السیرة العقلائیة بشكل ارتكازي من أن التعیین بید المدعي لكون الشكوی حق بیده، وأنه بحسب الظاهر أن المنكر - كما یعرف - من ترك ترك بخلاف المدعي هو الذي یقیم المخصومة ولو ترك لم یترك فالمبقی والمقیم للخصومة هو المدعی لا المنكر وبالتالي تكون طریقة استرجاع حقه بیده وبحسب ظاهر الحال یكون حكم الحاكم آلة وأداة من أدوات المتابعة والملاحقة لتخلیص الحق من المنكر فمن یرید الخصومة هو نفس المدعي وإلا فالمنكر لا غرض له في اقامة الحكومة. نعم، للمنكر أن یخدش في الدلیل كما لو أدعی المنكر عدم توفر بعض شروط الحاكم الذي عیَّنه المدعي فلا یلزم المنكر بحكم الحاكم، نعم لو كان الحاكم معیناً من قبل الوالي الشرعي فلیس للمنكر حق الخدشة في أهلیته.

وبعد التحقیق والتأمل والتدبر ننتهي إلی هذه البلورة التي حاصلها أن القضاء ومنصبه سلطة، فبدءاً من اللّه تعالی ثم رسوله (صلی اللّه علیه و آله) ثم المعصومین (علیهم السلام) ثم من ینوبون منابهم، وهي كذلك في الانظمة الوضعیة، فالقضاء عندهم هو سلطة، والمنصب لا یعزی إلی أي أحد، وعلیه یكون منصب

ص: 403

القاضي عند الاعلام منصبا مفروضا أنه من صلاحیات المعصوم (علیه السلام) وعلیه فیكون القضاء منصبا من قبلهم (علیهم السلام) فأصل النصب والتعیّن من قبل من له الولایة لا من قبل المتخاصمین.

وعلیه فما ذكر من بناء السیرة عند العقلاء علی أن صاحب الدعوی هو من یرید أن یبادر لیشكو المنكر و أن المدعي بنكتة أنه في مقام الشكوی واقامة الدعوی لاستخلاص حقه فله المبادرة لتخلیص حقه بأی طریق شاءو هذا هو منشأ الارتكاز العقلائی لكون تحدید القاضي بید المدعي.

الفرق بین قاضي التحكیم والقاضي التنصیب:

إلا أنه بالتأمل - كما اشارنا إلیه - بكون الرجوع إلی الحاكم لا یخلو أما أنه منصوب أو لا؟ فإن كان منصوباً من قبل الامام فلا یجوز للمنكر التخلف عنه لكونه منصوبا من قبله(علیه السلام) فالزام المنكر بالحضور لیس لأنه حق للمدعي بل من جهة أن هذا القاضي منصوب ممن هل الولایة فتجب طاعته... ومن هذا یتبین عدم اختصاص رفع الخصومة وانهاءها بالمدعي إذ لو كان المنكر هو الشاكي علی المدعي لكونه یرعبه ویقلقه ویهدده ویزاحمه - مع أن المدعي لم یقم شكوی - فللمنكر الذهاب للقاضي لیفصل بینهما حتی یخلصه من دعوی المدعي و رفع الخصومة

ص: 404

بینهما، فإنه یتعین علی المدعي الحضور والمثول أمام القاضي الذي ذهب إلیه المنكر لكونه منصوباً من قبل الامام (علیه السلام) فالسابق إلی القاضي معین له، ولكن یجوز للمدعی لو سبق المنكر للقاضی أو للمنكر لو سبق المدعيأن یتقاضی إلی حاكم آخر قبل صدور الحكم، فرفع الخصومة مشترك بین المدعي والمنكر فیجوز لكل منهما الذهاب إلی أي قاضي علی حده قبل أن ترفع الخصومة عند أحد القاضيین ولهذا قال: (أختار كل منهما رجلا من اصحابنا) أي أن المنكر أختار شخصا والمدعي أختار شخصا آخر، وعند المخالفة تأتي مسألة الترحیج بالافقهیة والورع وغیرها من صفات الراجعة للأعلمیة.

هذا في القاضي المنصوب وأما في قاضي التحكیم غیر المنصوب فكما هو في كلمات الاصحاب أنه لابد أن یكون ممن یتراضي به الطرفان معاً لفصل الخصومة لأنه أما أن حقیقة التحكیم صلح والصلح عقد من الطرفین فهو مشروط بالتراضي وأما أنه غیر صلح بل هو قضاء وحسم خصومة ولابد فیه من التراضي أیضا لأن قوام التحكیم بهما وإذا رضي به أحدهما ولم یرضی به الأخر لم یكن تحكیم من الطرفین بل من طرف، حتی قال صاحب الجواهر (قدس سره) الاصل في القضاء التحكیم أي إلی التراضي من الطرفین. وإن كان الصحیح أن القضاء لیس بتحكیم بل هو سلطة من قبل المعصوم (علیه السلام) كما تقدم، وأما الترجیح بالأعلم كما

ص: 405

(مسألة 57) : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا یجوز نقضه ولو لمجتهد آخر إلا إذا تبین خط(1).

هو مذهب السید المرتی (قدس سره) في الذریعة علی ما نسب إلیه ونسب أیضا للمحقق الثانيض (قدس سره) في حاشیته علی الشرائع في كتاب الجهاد، والصحیح أن النص من المعصوم (قدس سره) عام ولیس خاصا بالأعلم والترجیح بالأعلم مخصوص بصورة التعارض في نفس الحكم القضائي وعلی نحو التعارض في الفتوی فلا یتعین الرجوع إلی الأعلم ابتداءً ؛ و ذلك لأن الأعلمیة میزان ترجیح لا شرط صلاحیة في القضاء.

المسألة السابعة الخمسون: نقض حكم الحاكم:

اشارة

(1) وهذه المسألة ذات جهات:

الجهة الأولی: في نقض الحكم القضائي وغیره:

الكلام تارة في نقض الحكم القضائي وتارة غیر القضائي مثل اثبات الهلال أو نصب القیم علی الاوقاف أو الاجتهاد أو نقض الفتوی بالقضاء أو بالعكس فهل یجوز لمن یقلد فتوی مجتهدمخالفة حكم القاضي أن یعمل بفتوی مقلده أو بحكم الحاكم ؟

الجهة الثانية: الفرق بین حرمة نقض حكم الحاكم وبین ترتیب آثار الواقع علیه:

وتوجد في المقام مسألتان:

ص: 406

المسألة الأولی: وهي حرمة نقض حكم الحاكم.

والمسألة الثانية: وهي ترتیب آثار الواقع علی حكم الحاكم. وهي شبیهة بالأولی.

والتمییز بین هاتین المسالتين دقیق جداً؛ لما فیه من اختلاف الانظار.

الجهة الثالثة: جواز ترتیب آثار الواقع مع تبین الخطأ:

أن حرمة نقض حكم الحاكم أو جواز ترتیب الاثار مع تبین الخطأ إما بنحو قطعي ضروري تارة أو نظري أخری أو بنحو ظني معتبر أو احتمالي في صورة وجود اجتهاد مخالف مع عدم اطلاع الاجتهاد الثاني علی مدرك ومستند الاجتهاد الأول فلم یتبین الخطأ إذ لو اطلع علی مدركه لاحتمل أن یكون الاجتهاد الثاني هو الخطأ دون الأول.

الجهة الرابعة: الخطأ تارة في میزان الحكم وتارة في نفس الحكم:

تارة یكون الخطأ في میزان الحكم وأخری أن یكون في نفس الحكم كما لو حكم القاضي بكون العین لزید و أنا فیما بیني وبین اللّه أعلم أن المال لیس له... فإنه مع العلم بكون الحكم علی الموازین إلا أنی أعلم أن زیدا كاذب والمال لیس له وأخری یكون الخطأ في شرائط الحاكم كما لو فرضنا أن المیزان صحیح والحكم صحیح إلا أن الحاكم غیر واجد للشرائط.

ص: 407

الجهة الخامسة: أن النقض تارة من الحاكم نفسه وتارة من غیره:

فالنقض نفسه فتارة یكون من نفس الحاكم كأن ینقض الحاكم حكم نفسه وأخریینقضه مجتهد آخر وتارة ینقضه المتخاصمان أو أحدهما وتارة من طرف ثالث لا من حاكم آخر ولا من الطرفین بل من حاكم آخر والحاكم تارة یكون أعلم ممن تولي الحكم وتارة یكون غیر أعلم وفي جمیع هذه الصور النقض أما في الحكم أو في ترتیب آثار الواقع.

الأقوال في المسألة متعددة:

القول الأول: التفصیل بین تبین الخطأ بنحو قطعي فیجوز وبغیره فلا یجوز:

اشارة

فما حكی اجمالا عن العلامة الحلي (قدس سره) في الارشاد والقواعد: أن تبین الخطأ إما بشكل قطعي أو ظني معتبر فیجوز النقض وأما الاحتمالي بالمعنی المتقدم فلا.

والأدلة التي تدل علی حرمة نقض حكم الحاكم علی طائفتین:

الطائفة الأولی: اخبار كثیرة في أبواب متفرقة تدل علی أن الواقع لا یتغیر عما علیه بحكم القاضي مثل: «أیما رجل اقتطعت له من أخیه قطعة فهي من النار»، ومثله أیضا ما ورد في بعض الاخبار من أن حكم القاضي لیس لحل الخصوم والنزاع فقط بل هو لاحقاق الحق، فلا یتغیر

ص: 408

الواقع عما هو علیه.

والطائفة الثانية: تدل علی أن حكم الحاكم لا یتغیر عما هو علیه وتوجد أدلة علی حرمة الرد علی القاضي الشرعي وحرمة نقض حكمه فالجمع بین هاتین الطائفتین هو الذي یقع فیه الكلام.

وقد ذهب صاحب الجواهر (قدس سره) إلی أنه لو تراضي المترافعان علی تجدید الحكم جاز لهما الترافع إلی قاضٍ آخر.

و هذا كأنه استثناء من حرمة نقض الحكم الحاكم الأول في صورة تراضی المترافعین وإن كان الشیخ الانصاري (قدس سره) وتلمیذه الأشتیاني (قدس سره) في كتابیهما القضاء استغربا مما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) أنه كیف یكون ما ذهب إلیه موافقاً للقاعدة!!.

ویمكن رفع الاستغراب بأن القضاء والتحاكم من باب الصلح ولا مانع من المصالحة علیه فهو من الصلح علی الصلح فیتصالحون بأن المنتفع بحكم الحاكم الأول یتصالح معه علی الحق الذي ثبت له بحكم حاكم ثاني فلیس هو من باب نقض حكم الحاكم الاول بل حكم الحاكم الأول موضوع للتصالح فهذا موافق للقاعدة وإلا لوكان یرید رفع حكم القاضي أولاً وابتداءاً حكم جدید لكان الاستغراب في محله.

وقد احتمل الاشتیاني (قدس سره) - كما لعل صاحب الجواهر (قدس سره) أحتمله أیضاً - أن تحریم الرد علی القاضي هل هو موجه لكلا الطرفین أو هو

ص: 409

خاص بالمحكوم علیه، وأما المحكوم له لا مانع من امتناعه عن العمل بحكم الحاكم الشرعي.

فتارة یكون تنازل من المحكوم له للمحكوم علیه بأن یهبه أو یتراضی بأن یأخذ المحكوم علیه ما ثبت له، فهذا لا اشكال فیه؛ لأنه غیر النقض بل هو اقرار لحكم الحاكم الأول، فهذا راجع للعمل بالتراضي بخلاف حكم القاضي لا بنقض حكمه.

وأخری لا یقبل حكم الحاكم ویرفضه فلا یرتب علیه آثاره فهذا هو الممنوع لكونه ردّاً ونقضاً لحكم الحاكم بخلاف الأول فإنه یرتب علیه آثاره ویتراضی بخلاف حكم الحاكم إذ التراضی بعد الفراغ والتسلیم بحكم الحاكم فهذا العمل من المحكوم له لیس ردّاً علی القاضي لأنه لیس ملزوما بأخذ حقه فله أن یتنازل فعدم العمل من المحكوم له لیس بنقض بخلافه عدم العمل من المحكوم علیه فالمشهور یعتبره نقضا له كما سیتبین ذلك مفصلا.

ویوجد دلیلان آخران غیر الأدلة المتقدمة لحرمة نقض حكم القاضي، ذكرهما صاحب الجواهر (قدس سره) :

الأول: اطلاق أدلة النفوذ وهي أدلة نصب القاضي ونفوذ قضائه وهي شبیه بأصالة اللزوم في المعاملات التي حاصلها لزوم العقد المشكوك لزومه ؛ إذ الأعلام یتمسكون بأصالة اللزوم، ومن أدلتهم علی ذلك اطلاق

ص: 410

أدلة النفوذ أي اطلاق أدلة الصحة لأن مقتضی اللزوم أن العقد بعد الفسخ في مورد لم یثبت الخیار یبقی ولا یرتفع فحقیقة الصحة هي وجود العقد وبقاءه فالتمسك بأدلة الصحة هو التمسك بالأدلة التي تقول بوجود العقد و هذا هو معنی اللزوم أو مساوق له و هذا تقریب ذكره الأعلام في باب المعاملات وإن كان مفاد المحمول والموضوع یختلف عن أدلة الصحة... فرغم أن المفادین مختلفین فإن ما هو محمول في أدلة الصحة هو موضوع في أدلة اللزوم وما هو محمول في أدلة اللزوم هو شيء آخر فمع اختلاف أدلة اللزوم والصحة قرر الأعلام في البیع أن اطلاق أدلة الصحة بمثابة أدلة لزوم.

وهنا یجري ذلك أیضاً فإن أدلة صحة وصلاحیة حكم القاضي ونفوذه تفید باطلاقها مفادًا آخرا غیر الصحة وهو اللزوم وعدم جواز النقض فنفس أدلة نصب القاضي ونفوذ قضاءه التي لتشریع نفوذ حكمه یتمسك باطلاقها الزماني للبقاء حتی بعد الفسخ لمفاد آخر وهو اللزوم وعدم امكان رفعه الذي هو عبارة عن حرمة النقض فهیكأدلة حرمة نقض البیع ورفعه.

و هذا الوجه متین من جهة الإطار مضافاً إلی ما ذكره السید الخوئي من أن مفاد القضاء الذاتي حل الخصومة وقطع النزاع فلا معنی لمعاودة النزاع والخصومة وإلا لما كان القضاء حل الخصومة و رفع النزاع فمفهوم

ص: 411

القضاء بذاته یقتضی عدم جواز النقض فما یذكره صاحب الجواهر (قدس سره)هو وجه دلائلي أي یدلل علیه بأصل أدلة نفوذ القضاء وأدلة التنصیب، وأما ما یذكره السید الخوئي (قدس سره) فهو وجه مدلولي یرجع لنفس مدلول الدلیل وحقیقته ففرق بین الاستدلال الدلائلي والاستدلال المدلولي المضموني إلا أنهما لبّاً شيء واحد.

ودیدن الفقهاء في المنهج الفقهي یعتبرون أن الأدلة المدلولیة أقوی عتبارا من الادلة الدلائلیة وإن كان الخاص مقدما علی العام والحاكم علی المحكوم والوارد علی المورود إلا أن هذا التقدیم في عالم الدلالة وكذا الاصول العملیة فمتأخرة عن الادلة الاجتهادیة كما أن الادلة القائمة في المدلول هي مقدمة علیها في مرحلة الدلالة مع أن المدلول متأخر أثباتاً عن الدلالة إلا أنه ثبوتا متقدم علی الأدلة ولأنه ثبوتا متقدم فالنكات الذاتية المتقومة فیه تقدم في عناصر البحث والاستنتاج علی الدلالة فإن الاطلاق والعموم وغیرها من صفات الدلالة كلها صفات من الدلالة بخلاف صفات ذات الشيء ونفس الشيء، وذاتیات الشيء متقدمة علی صفاته بحسب الدلالة لأنه قبل تحدید ذات الشيء لا یعرف هل أنه قابل للاطلاق أم لا. ولهذا قرروا أن الاطلاق الذاتي مقدم علی الاطلاق اللحاظي والاطلاق الدالي.

ص: 412

و هذا بحث مهم إلا أنه في هذه الازمنة مهمش إلی درجة ضئیلة بخلاف المتقدمین فإنهم یتعمقون في ذات المدلول أكثر،... و هذا التهمیش تسطیح للبحوث الاجتهادیة حیث یقتصرون علی أطر الدلالة كالاطلاق والتقید والخاص...وغیرها، وأیضا هو أهمال لذلك البحث ذي الأهمیة لرجوعه إلی صناعة التحلیل والتركیب.

الدلیل الثاني: استصحاب حكم القاضي، فإنه واجد للشرائط، فهل یسوغ نقضه من القاضي نفسه أو من قاضٍ آخر، سواء بحكم أو بفتوی - كما تقدم من نقض الفتوی بالفتوی كما لو تبدل رأي المجتهد أو الحكم بالحكم أو الفتوی بالحكم أو بالعكس - فبعد النقض بهذه الأمور نشك في زوال حكم القاضي فنستصحب أثر الحكم السابق و هذا أیضا ذكروه في المعاملات في اصالة اللزوم في العقود فإن الاستصحاب كما ذكروا عوضاً وبدیلاً عن الاطلاق الزماني لأنه یبقی الشيء في عمود الزمان.

وقد اشكل علیه الشیخ الاعظم (قدس سره) : بأن هذا من الشك في المقتضی وعلی مبناه لا یجري الاستصحاب فیه، فإنه من أول الأمر یشك في صلاحیة حكم القاضي هل هي ممتدة أو غیر ممتدة، أو أنها مغیاة بنقض قاضي آخر أو فتوی أخری فهذا من الشك في المقتضی فلا یجري الاستصحاب، بل ولو كانت هناك فتوی أو حكم آخر فإن الشك

ص: 413

یرجع إلی الشك الساري الراجع لقاعدة الیقین لأنه لما حكم القاضي الثاني بحكم مخالف للأول فأنه یسري لنا الشك بحصول الخلل في حكم القاضي الأول فهو مشكوك الحجیة من حیث حدوثه لا في بقاءه بعد القطع بحدوثه، فلا یقین سابق حتی یجری الاستصحاب.

إلا أن الصحیح هو ما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) وإن كان ما ذكره الشیخ الأعظم (قدس سره) صحیح إلا أنه خارج عما نحن فیه تخصصاً لأن موضوع الكلام في حرمة نقض حكم القاضي الواجد للشرائط ومیزان الحكم أما في موارد الخلل بشكل قطعي أو ضروري فهو شيء آخر، فلیس مما نحن فیه من الشك الساري، وأیضا لیس هو من قبیل الشك في المقتضی لأن المفروض أن نقضه رافع وهو حكم القاضي الآخر بعد القطع بحدوثه واستمراره - لا باختلال نفس الحكم الأول - وإنما الشك في أن حكم القاضي الثاني هل هو رافع له أم لا، ولیس الشك من جهة قابلیة الحكم الأول بل الشك من جهة أن حكم القاضي الثاني بعد وجوده هل أزال الحكم الأول أم لا ؟ فلیس الشك من جهة اختلال ذات الحكم الأول ودلیله بل من جهة رافعیة الحكم الثاني له فمنشأ الشك لیس في قابلیة دلیل الحكم الأول بل في رافعیة الحكم الثاني الأول بعد ثبوته ولهذا لو لم یقض الحاكم الثاني فالحجیة الاقتضائیة للحكم الأول موجودة.

ص: 414

ویوجد دلیل ثالث للشیخ الأعظم (قدس سره)، وحاصله: أنه توجد موارد ینقض فیها نفس القاضي أو قاضٍ آخر الحكم... یعني نقض الحكم بالحكم أو بالفتوی أما من نفس القاضي أو من قاضٍ آخر وكان في خصوص ما إذا تبین أن النقض ظنی من جهة الموازین المعتبرة فاستدل بعین ما ذكره في تبدل الاجتهاد من اجتهاد صحیح علی اجتهاد صحیح آخر أو تبدل التقلید من تقلید صحیح علی تقلید صحیح آخر فالمشهور المتقدمون قالوا باجزاء الاجتهاد الأول والتقلید الأول بالنسبة للأعمال التي وقعت علی وفقهما، ودلیلهم هو أن هذا الاجتهاد والتقلید الأولیین یندرجان في الحجیة كما یندرج الاجتهاد والتقلید الجدیدان ولیس اندراج أحد الامارتین في ظرفها أولی من الأخری ولا قصور من الاندراج تحت أدلة الحجیة لعدم تنافیهما إذ كل منها حجة في ظرفها ولو سلم التنافي بین الامارتین یكون ترجیح أحد الامارتین علی الأخری أول الكلام لأنه ترجیح بلا مرحج وعلی حسب تعبیر القدماء أن اطلاق أدلة حجیة الامارة الثانية لموارد الامارة الأولی أول الكلام و ذلك لكون الاعتبار الفعلي للامارة الثانية في الزمن الثاني فتسریتها للزمن الأول محل كلام وإن كان المكشوف بها أمر كلي إلا أن اعتبارها في الزمن الثاني والعمل بكلا الامارتین بلحاظ اختلاف الظرفین لا یلزم منه التنافي والتقاطع بین الامارتین، ففي ظرف الامارة الثانية لنا أن نقول : إن الامارة

ص: 415

الأولی كانت في ظرفها حجة واقعا وتبدل الكشف ظنیاً لا قطعیاً ولهذا احتمال أن الأولی هي المصیبة وعلی هذا ذهب المتقدمون إلی أن الاعمال السابقة علی وفق الاجتهاد أو التقلید الأول صحیحة وإن كانت مخالفة للاجتهاد والتقلید الثانيین و لو كان في الاركان.

والشیخ (قدس سره) یعمم هذه النكتة لباب القضاء فیثبت استمرار الحكم الأول الذي هو علی الموازین الظنية فلماذا یقدم الحكم الثاني علی الحكم الأول فلا یتعلق الحكم الثاني بما تعلق به الحكم الأول بل في باب القضاء أوضح لكونه إلی الآن الحكم الأول واجد للشرائط وباقي تحت الحجیة ولقصور أدلة حجیة القضاء الثاني لشمولها لما تعلق به القضاء الأول. نعم، القضاء الثاني یتعلق بمالم یتعلق به القضاء الأول.

و هذا الوجه من الشیخ(قدس سره) لا بأس به وعلیه فلا یجوز نقض حكم القاضي مطلقا حتی لو تبین لنا أنه مخالف للواقع بالفتوی أو بالحكم وعلی جمیع الصور التي مرَّ ذكرها مادام الحكم الأول واجدا لموازین القضاء، فجمیع الشقوق السابقة لا یجوز فیها نقض حكم الحاكم إذا كانت موافقة للموازین الظنية المعتبرة وإن كان الحكم الناتج عن تلك الموازین الظنية والمعتبرة مخالفا للواقع، كما لو كان أحد المتخاصمین یعلم بمخالفة الحكم للواقع أو مخالفته لفتوی مقلده فإنه یجب التعبد بحكم الحاكم، ولا فرق بین تقدم الفتوی وتأخرها علی صدور الحكم

ص: 416

لأن الحكم ینقض الفتوی ولا عكس لأن الفتوی لا ترفع التنازع والمخاصمة.

نعم لو تبین أن الموازین مخالفة للواقع فیجوز النقض.... فالعبرة بالنقض هو القطع بمخالفة الموازین للواقع لا بمخالفة الحكم للواقع إذا كان علی وفق الموازین المعتبرة فلا ینقض الحكم بالحكم فضلاً عن نقضه بالفتوی.

نعم ذكر السید الگلپایگاني (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره) : أنه في أي مورد تقصر أدلة القضاء سواء كانت شبهة حكمیة أو موضوعیة فیحسم ذلك النزاع بالفتوی لعموم أدلة حجیة الفتوی بالنسبة إلی القاضي لعدم قصورها عن موارد المخاصمة والنزاع إلا أنه بدلیل القضاء قیدت تلك العمومات بقدر وسعة أدلة حجیة القضاء فإذا قصرت تلك الأدلة لم یكن هناك مانع من شمول وعموم أدلة الفتوی لموارد النزاع التي قصرت عنها أدلة القضاء.

والظاهر أن التقریبین متنافیان فما ذكرناه أولاً من عدم صلاحیة الفتوی لحسم النزاع بل هو من صلاحیات القضاء ولهذا لا تنقض الحكم والحكم ینقضها.

ص: 417

وما ذكره السید الگلپایگاني (قدس سره) أنه في مورد قصور أدلة القضاء تأتي النوبة إلی أدلة الفتوی ففي الوهلة الأولی یظهر التدافع بین هذین التقریبین إلا أنه بالتأمل لا تنافي بینهما و ذلك لأنه تارة البحث یقع في صلاحیة منصب المفتي للقضاء وتارة في موازین مستند القضاء هل یعم موازین مستند الفتیا إذا ما قصرت موازین القضاء أم لا؟

وبعبارة أخری في المقام الأول كان الكلام في أن الفتوی بما لها من أماریة لا تقف أمام أماریة حكم القاضي بل هو مقدم علیها وفي المقام الثاني یبحث في أن دلیل أماریة الفتوی شامل لموارد القضاء كمستند فیما إذا قصرت أدلة القضاء فلو لم یكن للقاضی امارات القضاء مثل البینة أو الیمین وغیرها فیستند إلی أمارات وأدلة الفتیا لأنها شاملها بعمومها لموارد النزاع إلا ما خرج بأمارات القضاء فیستند إلی حجیة خبر الثقة - مثلاً - وغیرها من أمارات الفتیا. فالتقریب الثاني للسید الگلپایگاني (قدس سره) وصاحب الجواهر (قدس سره) في وادي وهو من اسرار باب القضاء - وإن كان صاحب الجواهر (قدس سره) فیما قربنا من عدم نقض الحكم بالفتیا یخالف المشهور - وما قربناه من عدم نقض الحكم بالفتیا في وادٍ آخر.

فجعل حكم المفتي أمارة لا یعني جعل حكمه فاصل للنزاع وجاریا في موارد القضاء و رفع الخصومة فلا ملازمة بین اماریة حكم المفتي

ص: 418

وبین جریانه في مورد القضاء نعم موازین أدلة الفتیا عامة لموازین القضاء فیما قصرت عنه موازین القضاء لأن القضاء هو فتوی وزیادة فلابد للقاضي أن یستند إلی مستندات الفتیا زیادة فإن القاضي لا یستطیع أن ینقح الشبهة الحكمیة إلا بموازین الفتیا وینقح الشبهة الموضوعیة بموازین القضاء وإن كان للفتیا موازین موضوعیة في الشبهات الموضوعیة إلا أن القاضي یتركها لتخصیصها بموازین القضاء في الشبهة الموضوعیة. نعم، إذا قصرت موازین القضاء في الشبهة الحكمیة والموضوعیة تأتي النوبة لموازین الفتوی في الشبهة الحكمیة والموضوعیة لحسم الخصومة والنزاع. فمثلا: تعیین المدعي من المنكر بموازین فتوائیة في الشبهة الموضوعیة فمثلا المدعي من كان قوله مخالف للأصل فینظر إلی الحالة السابقة وتستصحب عدم ما یدعیه المدعي فیعین المدعي مثلا بموازین فتوائیة وهي مختلفة بحسب اختلاف الموارد، فتارة بالاستصحاب وتارة بغیره.

فالكلام عند قصور موازین القضاء تأتي موازین الفتیا ولیس كلامنا في قصور أماریة القضاء إذ هو مقدم علی الفتوی كما تقد... فقصور أماریة الفتوی لا تقدم علی القضاء أصلا، بخلاف قصور موازین القضاء فیستند إلی موازین الفتیا.

ص: 419

والخلاصة : أن الوجه في عدم نقض الفتوی للحكم القضائي هو أن أماریة القضاء لا تنقض بأماریة الفتوی لتخصیص أدلة أماریة الفتوی عن الشمول باماریة القضاء وإن كانت موازین الفتوی لیست بقاصرة عن الشمول لموارد مستند القضاء؛ و ذلك لما تقدم مرارا وتكرارا من أن الفتیا لیس امارة محضة بل فیها زعامة وولایة وأیضا القضاء لیس ولایة وزعامة محضة بل فیه أماریة فلا یغیر الواقع عما هو علیه فكل من سدة ومنصب الفتیا والقضاء فیه جنبة ولایة وزعامة وجنبة أماریة وكاشفیة، غایة الأمر أن ولایة القضاء تختلف عن ولایة الفتیا واتحاد موازین الفتوی والقضاء لا یعني أن الفتوی عامة لموارد القضاء فلا ینقض الحكم القضائي بالفتوی لقصورها بخلاف الفتوی فإنها تنقض بالحكم القضائي و ذلك لأن الحكم القضائي كامارة یجري في الموارد الخاصة لأنه مشرع ومقنن لرفع النزاع. فحكم القاضي لا ینقض بالحكم فضلاً عن نقضه بالفتوی حتی بفتوی القاضي نفسه لو تبدل اجتهاده فضلا عن قاضي آخر هذا في صورة كون الحكم القضائي علی الموازین في ظرفه وإن كانت موازین الفتوی شاملة لمستند القضاء.

فنكتة الشیخ الأعظم (قدس سره) من أن الكشف الظني في الموازین بخلاف الحكم الواجد لموازینه في ظرفه، لا یسوغ رفع الید عنه والأخذ بالحكم اللاحق حتی لو كان الاختلاف بین القاضي الثاني وبین القاضي الأول في

ص: 420

نفس الموازین اجتهاداً فإنه لا یرفع الحكم الظني بحكم قطعي آخر إذا كان علی الموازین فضلاً عن رفعه بحكم ظني.

بل مرّ بأنه لو كان لنا قطع بكون الحكم الذي هو علی الموازین خالف الواقع نتیجة فلا یصح نقضه أیضاً وأما مسألة التوفیق بأن الواقع لا یتغیر عما هو علیه وبین عدم جواز النقض حتی مع انكشاف الواقع فمسالة أخری.

حدود حرمة نقض الحكم في نفسها:

النسبة بین حرمة نقض حكم الحاكم ومسألة التعامل مع الواقع علی ما هو علیه أنه قد مرّ أن الاخبار، مثل صحیحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) : إنما اقضی بینكم بالبینات وبعضكم ألحن أو أفطن بحجته من البعض فایما رجل قطعت له من مال أخیه شیئا فإنما قطعت له قطعة من النار»(1).

فإن لسان هذه الاخبار خاصة بالنسبة إلی المحكوم له المبطل بأن لا یستحل الحرام في الواقع بحكم القاضي، فیتعامل مع الواقع بما هوَ هوَ، أما المحكوم له المحق فهذه الاخبار ساكتة عنه.

فالكلام یقع في النسبة بین هاتین المسالتين، وقد تقدم سابقاً أنه هل

ص: 421


1- وسائل الشیعة ج27 أبواب كیفیة الحكم، ب 2 ص 232 ح 1.

یمكن أن یقال باختصاص حرمة نقض حكم القاضي بالمحكوم علیه باعتباره المتضرر بحكمه؟ بخلاف المحكوم له، وأما التعامل مع الواقع بما هوَ هوَ الذي هو عكس حكم القاضي فإنه خاص بالمحكوم له.

القول الثاني: التفصیل في حرمة النقض بین النقض المعلن وبین ترتیب آثار الواقع:

إن المحرم هو النقض المعلن وكل ما یخالفه ظاهرا ولكن یجوز له أن یتقید بآثار الواقع وقد ذهب إلیه السید الخوئي (قدس سره) بحرمة ارجاع النزاع والخصام لأنه نقض لحكم القاضي لكونه قد فصل الخصومة والنزاع وأما ما وراء الاعلان والظاهر من دون شعور الطرف الآخر فله التعامل بالواقع بما هو هو بحیث لا یؤدي إلی النزاع وإلا حرم، فالبعض یفسر الانقیاد والانصیاع بالنسبة للمحكوم علیه بخوض الظاهر الرسمي وعدم احداث خصومة وأما الواقع بما هو علیه فلا مانع من التعامل معه بما هو واقع و هذا الوجه بقطع النظر عن صحته وفساده له شواهد وأمثله من الشارع حیث أنه یرتب علیه أثار كثیرة علی البیئة المعلنة والبئیة الظاهرة غیر احكامه المرتبطة بالاعمال الخفیة مثل الإیمان یرتبط بین الانسان وربه وأما الاسلام فالمعتبر وما یترتب علیه الاثار هو الظاهر الرسمي المعلن للأفراد.

ص: 422

القول الثالث: التفصیل بین حرمة نقض الحكم في مورد القضاء واقعا وظاهرا وبین ملازمات مورد القضاء:

فیقال - وربما نسب للمشهور- إن النسبة بین الحكمین لمقام الظاهر والباطن، فحرمة نقض حكم القاضي شامله لمقام الباطن ومقام الظاهر الرسمي المعلن عنه ولكن بخصوص مورد القضاء وأما ملازمات مورد القضاء وتداعیاته وما أشبه ذلك التي هي خارجة عن محل قضاء القاضي فیتعامل معها معاملة الواقع بما هو هو بخلاف نفس مورد القضاء.

القول الرابع: التفصیل بین حرمة النقض لو استحلف المدعي المنكر وبین غیره:

هو مخصوص بحكم القاضي بما إذا استحلف المدعي المنكر وأما غیره فیجوز نقضه.

ومن أبرز ما یدل ویسهم في توضیح الحال في تعیین أحد هذه الأوجه الثلاثة - ویوجد أكثر هذه الأوجه في بحث القضاء - مثال الأموال، فقد ورد في أبواب متعددة من الروایات، وهي علی طوائف:

طائفة تدل علی حرمة استعمال المال للمحكوم علیه، وهو القول الثالث الذي ینسب للمشهور أو الاشهر.

وطائفة تقول : یجوز له - فیما بینه وبین اللّه - أن یقتص من الأموال،

ص: 423

وهي دالة علی القول الثاني.

وطائفة ورادة في (الباب التاسع من أبواب كیفیة الحكم، باب من رضي فحلف له فلا دعوی له بعد الیمین وإن كانت له بینة)، وقد أفتی بهذا العنوان الشیخ الكلیني (قدس سره)، ومن تلك الروایات:

1- صحیحة ابن أبي یعفور - المرویة في التهذیب ورواها الصدوق بزیادة والكلیني بنقصان مع ما في الكافي من التقطیع وهو قلیل عند الصدوق - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: «إذا رضي صاحب الحق بیمین المنكر لحقه فاستحلفه، فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت الیمین بحق المدعي فلا دعوی له، قلت له : وإن كانت علیه بینة عادلة ؟ قال : نعم وإن أقام بعد ما استحلفه باللّه خمسین قسامة ما كان له، وكانت الیمین قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه علیه»1.

فقوله: «ذهبت بحق المدعي» أي المال، وقوله: «فلا دعوی له» أي لا یمكن أن یخاصمه مرة أخری، فهي تدل علی ذهاب الحق بحكم الحاكم إذا استحلف فحلف.

2- روایة الخضر النخعي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) في الرجل یكون له علی الرجل المال فیجحده، قال: «إن استحلفه فلیس له أن یأخذ شیئا،

ص: 424

وإن تركه ولم یستحلفه، فهو علی حقه». ورواه الصدوق باسناده عن إبراهیم بن عبد الحمید وزاد: «و إن احتسبه فلیس له أن یأخذ منه شیئاً»(1).

فسندها صحیح إلی الخضر النخعي، فصحة كثیر من رجالها یعطیها نوع من الاعتبار لأنه قرینة فلها درجة الاعتبار والوثوق بالصدور بخلاف لو لم یكن رجالها ثقات، وهو مبني مشهور المتقدمین.

إلا أن هذه الاخبار هل هي مختصة بحكم القاضي مطلقا أو بخصوص ما لو كان حكم القاضي بیمین أو بخصوص الاستحلاف بقطع النظر عن مقام القضاء وحكم القاضي؟

والمشهور قالوا: إنها خاصة بالاستحلاف بما هو هو ولا شأن له بالقضاء ولهذا قال: ذهبت الیمین وإلا لو كان للمدعي بینة فلا تذهب الیمین بها... وهناك تخریج فقهي لهذا المطلب أیضا بأنه من باب الصلح، فطلب الحلف من باب الصلح والتراضي واسقاط الحق.

فعندما یطلب من القاضي استحلافه... معناه قبول حلفه عن حقه فإن حلف فلا ینازعه ولا یطالبه وجملة من المشهور الذين قالوا بأن هذه الاخبار في مقامالصلح ؛ لأن الاستحلاف عبارة عن الصلح كأن المدعی یقول للمنكر احلف لي فأرضی بیمینك، ولیس هو بطلب القاضي.

ص: 425


1- وسائل الشیعة ج27 أبواب كیفیة الحكم، ب 10 ص 244 ح 1.

وبناء علی هذا المبنی من تفسر هذه الاخبار بهذا المعنی الثالث، فإن قوله (علیه السلام) : «إذا رضي» أي تصالح وإلا فلا معنی في القضاء للتقید بالرضا و هذا موافق للقول الرابع فیكون عدم ترتیب آثار الواقع وسقوط الحق علی مقتضی القاعدة مع أن كون الصلح مسقطا للحق فیه تفصیل، لأنه قابل لأن یكون قد أسقط حقه لكونه مكرها وغیرها فلیس اسقاط الحق دال علی الصلح مطلقا.

3- مرسلة ابراهیم بن عبد الحمید، عن بعض أصحابنا: في الرجل یكون له علی الرجل المال فیجحده إیاه فیحلف یمین صبرٍ أنْ (لیس له) علیه شيء، قال: «لیس له أن یطلب منه وكذلك ان احتسبه عند اللّه فلیس له ان یطلبه منه»(1).

4- منها روایة عبد اللّه بن وضاح، قال : كانت بیني وبین رجل من الیهود معاملة فخانني بألف درهم، فقدمته إلی الوالي فأحلفته فحلف، وقد علمت أنه حلف یمینا فاجرة، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثیرة، فأردت أن أقتص الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف علیها، فكتبت إلی أبي الحسن (علیه السلام) فأخبرته أني قد أحلفته فحلف، وقد وقع له عندي مال فان أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي

ص: 426


1- وسائل الشیعة ج23 أبواب الإیمان، ب 48 ص 286 ح 1.

حلف علیها فعلت، فكتب: «لا تأخذ منه شیئا إن كان ظلمك فلا تظلمه، ولولا أنك رضیت بیمینه فحلفته لامرتك أن تأخذ من تحت یدك، ولكنك رضیت بیمینه، وقد ذهبت الیمین بما فیها، فلم آخذ منه شیئا، وانتهیت إلی كتاب أبي الحسن (علیه السلام) »(1).

ونكتة الخلاف في أسانیدها: في معنی الضعیف (أبو عبد اللّه الجاموراني) مع أن الوحید البهبهاني والمجلسي الأول ذكرا شواهد علی أن الضعیف غیر الضابط لا أنه كذوب وغیر ثقة، و هذا هو الصحیح وعلیه شواهد كثیرة، فمع ضم بعض الاخبار وملاحظة ضبطها فحینئذ یمكن حصول الوثوق بصدورها بخلاف ما لو كان الضعیف بمعنی كذاب وغیر ثقة، فقوله (علیه السلام) : «و لولا أنك رضیت بیمینه فحلفته» فإنها ظاهرة في الصلح، وهذه الاخبار الموجودة في الباب التاسع والعاشر مستفیضة لأنها ثلاث روایات متطابقة بطرق متعددة وفیها الصحیح والمعتبر علی أن الرضا نوع من الصلح و هذا المفاد علی مقتضی القاعدة.

5- ما ورد في (الباب التاسع) من (أبواب كیفیة الحكم)، بعنوان: (باب من رضی فحلف له فلا دعوی له بعد الیمین وإن كانت له بینة).

ص: 427


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب كیفیة الحكم، ب 10 ص 246 ح 2.

قال صاحب الوسائل (قدس سره) : تقدم مثلها في (باب الایمان) و (باب ما یكتسب به) كروایة أبي بكر الارمیني قال: كتبت إلی العبد الصالح (علیه السلام) : جعلت فداك، انه كان لي علی رجل دراهم فجحدني فوقعت له عندي دراهم فأقتصُّ من تحت یدي ما لي علیه، وان استحلفني حلفت ان لیس لیس له علی شيء؟ قال: «نعم، فاقبض من تحت یدك وان استحلفك فاحلف له انه لیس له علیك شيء»(1).

وهذه الروایة لا یوجد فیها تحاكم ودعوی ولا استحلاف ولا غیره من خصائص القضاء والصلح بل هو استحلاف بعد وقوع حقه عنده، فلا ربط لها بما نحن فیه من جهة القضاء وإن استشهد بها صاحب الوسائل.

وذكر أیضاً روایة خضر النخعي وهي من الطائفة الأولی الدالة علی الحرمة، ومرسلة ابراهیم بن عبد الحمید المتقدمة، وهي من الطائفة الدالة علی المنع أیضاً.

وأما الاخبار التي توهم أنها معارضة للأخبار المانعة فمتعددة، منها:

1- روایة مسمع بن سیار قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) : إني كنت استودعت رجلا مالا فیجحدنیه وحلف لي علیه ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتین بالمال الذي أودعته إیاه، فقال : هذا مالك فخذه، وهذه أربعة

ص: 428


1- وسائل الشیعة: ج 23 أبواب الإیمان، ب 47 ص 284 ح 1.

آلاف درهم ربحتها فهي لك مع مالك واجعلني في حل، فأخذت منه المال وأبیت ان آخذ الربح منه ورفعت المال الذي كنت استودعته وأبیت اخذه حتی استطلع رأیك فما تری؟ فقال: «خذ نصف الربح واعطه النصف وحللّه فإن هذا رجل تائب، و اللّه یحب التوابین»(1).

وفیها القاسم بن الجوهري والمعروف تضعیفه وتضعیفه لیس تكذیبا لاسیما أن الراوي عن القاسم بن محمد الجوهري رؤساء القمیین، فالشیخ الصدوق (قدس سره) یروی كتاب مسمع أبي سیار عن أبیه عن سعد ابن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عیسی الأشعري عن الحسین بن سعید عن القاسم بن محمد الجوهري فالرواة عن القاسم رؤساء القوم وقد ذكرنا أن التضعیف لیس بمعنی عدم الوثاقة وبهذا المقدار أن الروایة غیر ساقطة كما یتوهم.

وأما من جهة الدلالة فهي في تراضي الخصمین فیما بینهما فلیس فیه دلالة علی جواز نقض حكم الحاكم لأن موردها مورد تراضي نفس المحكوم له ونقض حكم الحاكم هو معاودة المنازعة خلافاً لحكم الحاكم فلا تكون معارضة كما ربما یظهر من السید الخوئي (قدس سره) للروایات الدالة علی عدم جواز الرجوع بعد الاستحلاف.

ص: 429


1- المصدر نفسه، 48 ص 286 ح 3.

وبعبارة أخری إن روایة مسمع لا تدل علی المعارضة خلافا لبعضهم لأنها في مقام التراضي لتحلیل ذمة المحكوم له المبطل ولیس هذا محط كلامنا فإن موضوع الكلام هو ارجاع التنازع بعد حكم الحاكم وفصله فلا معارضة.

2- صحیحة علي بن جعفر (علیه السلام) قال : سألته عن رجل كان له علی آخر دراهم فجحده ثم وقعت للجاحد مثلها عند المجحود، أیحل له أن یجحده مثل ما جحده ؟ قال : «نعم، ولا یزداد»(1).

فإنها غیر معارضة أیضا لعدم كونها في مورد القضاء ولیس فیه حلف ولا یمین، فإلی الآن روایات المنع لا معارض لها.

3- ما جاء في (أبواب ما یكتسب به) - و هذا الباب وارد في باب الاقتصاص لا المنازعة وإن كانت الروایة الأولی في النزاع إلا أنها لیست محلا لما نحن فیه، مثل روایة الارمیني المتقدمة، وقد رواها الشیخ الطوسي (قدس سره) بسند صحیح مع اختلاف في المتن - عن أبي بكر قال : قلت له: رجل لي علیه دراهم فجحدني وحلف علیها، أیجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقی؟ قال: فقال: «نعم، ولكن لهذا كلام»، قلت: وما هو؟ قال: تقول: «اللّهم إني لا آخذه ظلما ولا خیانة

ص: 430


1- وسائل الشیعة: ج 23 أبواب الإیمان، ب 47 ص 287 ح 4.

وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم أزدد علیه شیئا»(1). وأبو بكر هذا هو الحضرمي؛ لانصرافه للمشهور عند الاطلاق.

وقوله: «جحدني وحلف علی» لا دلالة فیه علی أن الاستحلاف عند القاضي أو في مقام آخر فلا دلالة لها علی ما هو محل كلامنا، والاستحلاف غیر الحلف وهذه الروایة واردة مورد الحلف الابتدائي دون الاستحلاف حتی تعارض الروایات السابقة الدالة علی المنع!.

4- صحیحة أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قلت له: رجل كان له علی رجل مال فجحده إیاه وذهب به، ثم صار بعد ذلك للرجل الذي ذهب بماله مال قبله، أیأخذه مكان ماله الذي ذهب به منه ذلك الرجل؟ قال: «نعم، ولكن لهذا كلام، یقول: اللّهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه مني واني لم آخذ الذي أخذته خیانة ولا ظلما»(2).

وهذه أیضا لا تُعارض ما تقدم؛ لعدم ورودها مورد الاستحلاف وحكم القاضي.

ص: 431


1- وسائل الشیعة: ج 17 أبواب ما یكتسب به، ب 83 ص 273 ح 4.
2- المصدر نفیه، ح 4.

5- موثقة سلیمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني علیه وحلف، ثم وقع له عندي مال، آخذه لمكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف علیه كما صنع؟ قال (علیه السلام): «إن

خانك فلا تخنه ولا تدخل فیما عتبه علیه»(1).

وهذه لیس فیها استحلاف بل هو لیس عند القاضي لأن مجرد الحلف لا یدل علی أنها عند القاضي مع أنها من روایات المنع لا الجواز حتی تعارض ماتقدم.

فالصحیح ما ذهب إلیه المشهور من عدم جواز الاقتصاص في موارد الحلف عند القاضي في مورد استحلاف بعضهم البعض عند غیر القاضي أیضا لتراضي صاحب الحق باسقاط حقه بالحلف؛ لتعلیله في الاخبار بأنه رضی بیمینه فهو من باب التراضي باسقاط صاحب الحق حقه وهو خاص بمقام الحلف والاستحلاف ولا یعم مقام البینة.

إذن فهذه الروایات - مع ذهابنا إلی ما ذهب إلیه المشهور من أن الحلف والاستحلاف نوع من الصلح والتراضي - مقتضاها سقوط الحق إلا أنه یأتي ذلك فیسترضیه.

فالسید الخوئي (قدس سره) لو أراد أن یجعل معارضة من تلك الروایات التي

ص: 432


1- المصدر نفسه، ص 274 ح 7.

ذكرناها في أبواب الایمان كروایة مسمع بن أبي یسار وغیرها فلا دلالة فیها علی جواز الرجوع في حكم الحاكم حتی تكون معارضة، فلا روایة أبي مسمع مع وجود القاسم بن محمد الجوهري ولا صحیحة أبي بكر الحضرمي معارضة للأخبار الدالة علی المنع.

أما في مورد البینة فهذه الروایات قاصرة إلا روایات الرد، لقوله (علیه السلام) «فإن الراد علیه راد علی اللّه» فلا بد من البحث في معنی الرد لأن هذه الروایات المتقدمة لم تحسم البحث في البینة لاختصاصها بالاستحلاف سواء في المال أو غیر المال، وأما موراد البینة أو میزان آخر قضائي فتارة یكون الحدیث عن المحكوم له وتارة عن المحكوم علیه أما المحكوم له فالمانع المتصور هو روایة الرد فإن الراد علیه كالراد علی اللّه إلا أنها لا تشمله لأن رجوعه لیس في حكم الحاكم حتی یكون نقض وردّا لحكمه بل رجوعه من باب أرجاع الحق إلی مستحقه والعمل بالواقع والتوبة ؛ لقوله (صلی اللّه علیه و آله) : «أیما رجل حكمت له من أخیه قطعة ربما اقتطعت له قطعة من النار».

وأما بالنسبة إلی المحكوم علیه فلا یجوز له الرجوع لروایات الرد إلا أنه فیما لا یصدق علیه رد لحكم الحاكم كترتیب آثار الواقع في غیر مورد النزاع فله ترتیب الواقع - كما ذهب إلیه المشهور - وأما في مورد

ص: 433

القضاء فیتعین علیه الالتزام في العلن والظاهر حتی لا یكون ردا وارجاعا للخصومة ونقضا لحكم الحاكم وأما في موارد الخفاء وفیما بینه وبین اللّه، فهل هذا رد أم لا؟ فمع اطلاق أدلة الرد وعمومها لا یوجد مجال للرد وعلیه فلابد أن لا یخالف سواء كان في معرض ارجاع الخصومة أو في غیرها.

نعم، لو قیدنا عنوان الرد في سیاقه بلحاظ الخصومة أي فالراد علیه كالراد علی اللّه أي في الخصومة ففي غیر مورد الخصومة لا یصدق الرد وعلیه فقد یتأمل في اطلاق الرد لأن رد الحكم المفروض بلحاظ مورده وهو حكم الحاكم في الخصومة وفصل النزاع، و ذلك لأن الحكم في القضاء متضمن للولایة ولا یغیر الواقع عما هو علیه ففیه الجنبتان جنبة الولایة لحل الخصومة ومن جهة الكاشفیة والامارة فلا یغیر الواقع علی ما هو علیه.

وعلیه فإذا كان التعامل مع حكم القاضي معاملة الواقع ینشأ منه الخصومة فلا یجوز لانه نوع من الرد وعدم الاستجابة، وأما إذا كان في غیر مورد الرد وعدم الاستجابة كمورد الخفاء وعدم الظهور فیما بینه وبین اللّه فلا یغیر الواقع علی ما هو علیه لعدم كونه رداً ولكونه انصیاعاً لحكم القاضي في الظاهر المعلن.

ص: 434

(مسألة 58) : إذا نقل ناقل فتوی المجتهد لغیره، ثم تبدل رأی المجتهد في تلك المسألة لا یجب علی الناقل إعلام من سمع منه الفتوی الأولی، وإن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبین له خطأه في النقل فإنه یجب علیه الإعلام(1)

فتحصل في النسبة بین حرمة نقض حكم القاضي ومسألة التعامل بالواقع علی ما هو علیه في موارد الاستحلاف أنه لا یجوز لأنه اسقاط سواء علی حق أو مال أو أي شيء، وأما في مورد غیر الاستحلاف وهو مورد القضاء فلا یجوز الرد في متعلق الخصومة فیما إذا كان في العلن أو معرض ارجاع الخصومة وأما في غیرها كمورد الخفاء فلا بأس.

المسألة الثامنة والخمسون: وظیفة المكلف عند تبدل الفتوی بعد نقلها أو اشتباه الناقل

(1) یوجد في هذه المسالة شقان:

الشق الأول: في الناقل الوسیط بین المفتي والمقلد وقد تبدل رأي المجتهد بعد النقل.

الشق الثاني في اشتباه الناقل في الفتوی، وقد فرق الماتن (قدس سره) بین الشقین فأوجب الاعلام في الثاني ولم یوجبه في الأولوالصحیح هو التفریق بین الشق الاول ففي صورة تبدل الرأي من الالزامي إلی غیره فقال: یجب لأنه لا یوجب مخالفة الواقع، وأما في صورة تبدله من غیر

ص: 435

الالزامي إلی الالزامي فیجب الاعلام لأدلة وجوب تعلیم الجاهل وارشاده والقدر المتیقن منها في خصوص الالزاميات، وأما مسألة مقدار الایصال والتعلیم فلا یجب بنحو شخصي بحیث یوصل الفتوی إلی ذلك المكلف بشخصه بل یكفي أن یجعل التنبیه علی تبدل رأي المجتهد في معرض الوصول وفي متناول الأیدي.

وأما الاستدلال علی وجوب التعلیم بالتغریر إلی الحرام والتسبیب فغیر صحیح لأن المخالفة للواقع لیست بفعل الناقل فلا هو مغرر ولا مسبب لأنه مخبر عن الواقع بل هو راجع لتبدل فتوی الفقیه نفسه وأما بالنسبة إلی الفقیه فقد تقدم الكلام فیه مفصلاً بأن الفقیه ضامن وأدلة التسبیب وغیرها. وعلیه فالناقل لیس بمسبب ولا مغرر إلا أنه یجب علیه تعلیم وارشاد الجاهل في خصوص الالزاميات، وهو الناقل بالطرق المتعارفة لا بالایصال الشخصي.

أما الشق الثاني وهو ما إذا تبین له خطأ في النقل وقد بنی الماتن علی وجوب الاعلام لكون الخطأ بسسبب الناقل حیث أوقع المكلف في الحرام وترك الواجب علی ما في قاعدة التسبیب من التأملولوجوب ارشاد الجاهل ویجب الأعلام الشخصي إلی نفس المكلف المنقول إلیه الفتوی الأولی أو الخطأ ؛ و ذلك لتسبیب الوقوع في الحرام، وأما فیما ما لو نقل الحرمة أو الوجوب اشتباها - والواقع الاباحة - فلا یجب لأنه غیر

ص: 436

(مسألة 59) : إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوی تساقطا، وكذا البینتان. وإذا تعارض النقل مع السماع من المجتهد شفاها قدم السماع وكذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع. وفي تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط(1).

مسبب للوقوع في الحرام أو ترك الواجب ووجوب الارشاد والأعلام خاص بالالزاميات ولا یجب منه إلا مقدار ما هو في معرض الوصول وأما التغریر إلی الحرام فمنفي لأنه تغریر لما هو خیر.

وعند بعض الفقهاء أن التسبیب إلی الحرام لیست حرمته علی اطلاقها بل هو خاص بالتسبیب للكبائر إذ حرمة الكبائر تدل علی أن نفس هذه الافعال مبغوضة للشارع سواء صدرت من الانسان نفسه أو بتسبیب صدورها من الأخرین علی نحو العلم أو الجهل والخطأ، أما في الصغائر فأول الكلام وقد تقدم الكلام فیها مفصلاً في العدالة فراجع.

فضابطة هذه المسالة هي أن الإعلام والارشاد سواء من المفتي أو من الناقل هو جعل الفتوی في معرض الوصول ومتناول الأخرین وأما الایصال الشخصي فلا لدلیل علیه إلا إذا صدق التسبیب في الوقوع في الحرام وترك الواجب.

المسألة التاسعة والخمسون: تعارض النقلین والبیّنتین للفتوی

(1) تعارض الناقلین والبینتین موجب للتساقط مع عدم المرحج وإلا

ص: 437

فیتعین العمل بالراجح.

وقد قدم الماتن (قدس سره) السماع علی النقل في المعارضة بل وقدمه علی ما في الرسالة العلمیة وقد استشكل السید الخوئي (قدس سره) وغیره - بمقتضی الخبرة العملیة في هذا المجال - أن التحریر في الرسائل العملیة لا یكون

إلا بعد التمحیص والتدقیق في جزالة العبارة الجامعة والمانعة فالنقل بتوسط الرسالة العملیة أو بالرجوع إلی الرسالة العملیة یختلف عن السماع من المرجع الفقیه مباشرة لاحتمال عدم استحضاره غفلة وتشتت البال لخصوصیات مجلس السؤال مثلاً وغیرها فعلیه فالموارد تختلف بحسب اختلاف خصوصیاتها، ویمكن في النقل عن الرسالة كما لو كان المحرر للرسالة شخص غیر الفقیه وقد استجازه في ذلك، فلیس ما ذكره الماتن (قدس سره) علی اطلاقه لاختلاف هذه الطرق بحسب الخصوصیات والموارد والقرآئن التي ربما توجب تقدیم أحدها علی الآخر. وإلا ففي بعض الموراد یقدم النقل علی ما في الرسالة العملیة و ذلك كما لو كان الناقل من الفضلاء والمتصلین بالمرجع فإنه بعد طبع الرسالة یقدم علی الرسالة العملیة كما ینقل الشیخ - الملازم للمرجعوالمطلع علی مبانیه، بل تغیر مبانیه التي تؤثر في الفتاوی - ما هو مخالف للاستفتاءاتأنه قد تبدل رأیه. نعم، ما ذكره الماتن (قدس سره) هو الغالب وهو لا ینافي الاستثناءات التي تعكس تقدیم الطرق بالقرائن.

ص: 438

(مسألة 60) : إذا عرضت المسألة لا یعلم حكمها، ولم یكن الأعلم حاضرا(1)، فإن أمكن تأخیر الواقعة إلی السؤال وجب ذلك(2)،

المسألة الستون: الوظیفة عند الابتلاء بمسألة لا یعلم حكمها

اشارة

(1) أي لم یمكن الوصول إلی رأیه لعدم توفر رسالته العملیة أو من ینقل عنه أو غیرهما فحق العبارة : ولم یمكن الوصول إلیه.

(2) لا یجب التأخیر إلا مع العلم بالاختلاف ولو اجمالاً وإلا لم یجب التأخیر لجواز الرجوع إلی غیر الأعلم، والماتن (قدس سره) لم یذكر هذه القیود لاحتیاطه بتعین الرجوع إلی الأعلم مطلقاً حتی في الوفاقیات وقد مر منا أنه في الوفاقیات یتعین الرجوع إلی الجمیع.

ومع امكان الاحتیاط في التقلید لا یجب علیه التأخیر لادراك الواقع، بل یثبت التخییر - في مورد العلم الاجمالي بالخلاف فضلا عن الشك - بین الاحتیاط وبین الرجوع إلی غیر الأعلم و ذلك لسقوط الحجیة لفتوی الأعلم بعدم التمكن من الرجوع إلیه فلا معین للاحتیاط مع سقوط حجیة فتوی الأعلم، لحجیة فتوی غیر الأعلم في صورة عدم التمكن من فتوی الأعلم فلا موجب لتعین الاحتیاط أما في صورة العلم التفصیلي بالمخالفة فللعلم بسقوط حجیة غیر الأعلم عن الحجیة للعلم بمعارضتها للحجیة. فالمتعین هو الرجوع إلی الأعلم إن أمكن وإلا فالاحتیاط، وأما في مورد العلم الاجمالي بالخلاف وعدم التمكن من الرجوع إلی الأعلم

ص: 439

فإن الأعلم تسقط حجیته لعدم التمكن، وأما فتوی غیر الاعلم فلم یعلم بمخالفتها لفتوی الأعلم حتی تسقط عن الحجیة فلا موجب للاحتیاط لعدم التمكن من فتوی الأعلم ولم یقم دلیل علی سقوط حجیة فتوی غیر الأعلم لعدم العلم بمخالفة هذه الفتوی بخصوصها لفتوی الأعلم.

والحاصل أن عموم واطلاق أدلة حجیة قول المفتي شاملة لفتوی غیر الأعلم واحتمال معارضة فتوی الأعلم غیر مانع ولا مرجح لعدم العلم بالمعارضة أولاً ولسقوطه في نفسه لعدم القدرة علیه. نعم، في مورد العلم التفصیلي بالمخالفة تكون فتوی الأعلم حجة ومرحج ومسقط لحجیة قول غیر الأعلم فیكون للاحتیاط لادراك فتوی الأعلم وجه بخلاف في مورد العلم الاجمالي بالخلاف فإن قول غیر الأعلم لم یعلم سقوطه في هذه الفتوی لعدم العلم بمخالفتها لفتوی الأعلم ومع العجز عن تحصیل فتوی الأعلم لا مانع من الرجوع إلی غیر الأعلم لعموم أدلة الحجیة فلا معین للاحتیاط.

وأما هل أن التمسك بعموم أدلة الحجیة في المقام من التمسك بالعام في الشبهة المصداقیة! فغیر مانعة من التمسك بعموم الأدلة؛ لكون الشبهة المصداقیة للخاص لا للعام وإلا فإن غیر الأعلم فقیه ومجتهد وعادل...، فهو داخل في عموم أدلة الحجیة إلا أنه یحتمل معارضة قوله للأعلم فهو شبهة مصداقیة للخاص وهي غیر مانعة من التمسك بالعام.

ص: 440

وإلا فإن أمكن الاحتیاط تعیّن(1)..............................................................

فالصحیح ما ذهب إلیه بعض الأعاظم ممن علق علی العروة من جواز الرجوع إلی غیر الأعلم حتی مع امكان الاحتیاط ولا معین للاحتیاط.

(1) ومع امكان الاحتیاط في التقلید لا یجب علیه التأخیر لادراك الواقع، بل یثبت التخییر - في مورد العلم الاجمالي بالخلاف فضلا عن الشك - بین الاحتیاط وبین الرجوع إلی غیر الأعلم و ذلك لسقوط الحجیة لفتوی الأعلم بعدم التمكن من الرجوع إلیه فلا معین للاحتیاط مع سقوط حجیة فتوی الأعلم، لحجیة فتوی غیر الأعلم في صورة عدم التمكن من فتوی الأعلم فلا موجب لتعین الاحتیاط أما في صورة العلم التفصیلي بالمخالفة فللعلم بسقوط حجیة غیر الأعلم عن الحجیة، للعلم بمعارضتها للحجیة فالمتعین هو الرجوع إلی الأعلم إن أمكن وإلا فالاحتیاط، وأما في مورد العلم الاجمالي بالخلاف وعدم التمكن من الرجوع إلی الأعلم فإن الأعلم تسقط حجیته لعدم التمكن وأما فتوی غیر الاعلم فلم یعلم بمخالفتها لفتوی الأعلم حتی تسقط عن الحجیة فلا موجب للاحتیاط ؛ لعدم التمكن من فتوی الأعلم، ولم یقم دلیل علی سقوط حجیة فتوی غیر الأعلم لعدم العلم بمخالفة هذه الفتوی بخصوصها لفتوی الأعلم.

ص: 441

والحاصل أن عموم واطلاق أدلة حجیة قول المفتي شاملة لفتوی غیر الأعلم واحتمال معارضة فتوی الأعلم غیر مانع ولا مرجح لعدم العلم بالمعارضة أولاً ولسقوطه في نفسه لعدم القدرة علیه، نعم في مورد العلم التفصیلي بالمخالفة تكون فتوی الأعلم حجة ومرحج ومسقط لحجیة قول غیر الأعلم فیكون للاحتیاط لادراك فتوی الأعلم وجه بخلاف في مورد العلم الاجمالي بالخلاف فإن قول غیر الأعلم لم یعلم سقوطه في هذه الفتوی لعدم العلم بمخالفتها لفتوی الأعلم ومع العجز عن تحصیل فتوی الأعلم لا مانع من الرجوع إلی غیر الأعلم لعموم أدلة الحجیة فلا معین للاحتیاط.

وأما مسألة أن التمسك بعموم أدلة الحجیة في المقام من التمسك بالعام في الشبهة المصداقیة فغیر مانعة من التمسك بعموم الأدلة لكون الشبهة المصداقیة للخاص لا للعام وإلا فإن غیر الأعلم فقیه ومجتهد وعادل... وغیر ذلك، فهو داخل في عموم أدلة الحجیة إلا أنه یحتمل معارضة قوله للأعلم فهو شبهة مصداقیة للخاص وهي غیر مانعة من التمسك بالعام.

فالصحیح ما ذهب إلیه بعض الأعاظم ممن علق علی العروة من جواز الرجوع إلی غیر الأعلم حتی مع امكان الاحتیاط ولا معین للاحتیاط.

ص: 442

وإن لم یكن هناك مجتهد آخر الأعلم فالأعلم(1)، وإن لم یكن هناك مجتهد آخر ولا رسالته یجوز العمل بقول المشهور بین العلماء إذا كان هناك من یقدر علی تعیین قول المشهور(2)......................................

(1) تقدم أنه مع التمكن من الاحتیاط والعجز عن الاعلم فإنه یسوغ الرجوع إلی غیر الأعلم ولا موجب للتأخیر فضلاً عما لو لم یمكن التأخیر، ولا فرق بین إمكان الاحتیاط وعدمه.

(2) الاحراز تارة یكون راجعا إلی الحكم وتارة یكون راجعاً إلی الامتثال والأول مورده الشبهة الحكمیة والثاني مورده الشبهة الموضوعیة فما تقدم من الاجزاء في مورد العمل بمخالفة التقلید الثاني للأول أو الاجتهاد الثاني للأول فإنها من موراد احراز الحكم وأما موارد احراز الامتثال وهي موارد الشبهة الحكمیة فإنه لا یجزء لأنه خطأ في تطبیق الموضوعات ومتعلقات الاحكام الشرعية فلا اجزاء إلا إذا دلّ دلیل خاص علی الاجزاء كلا تعاد.

والصحیح مع أنه من الاحراز في الامتثال فإن الاحكام الظاهرية لبا وحقیقة ترجع إلی احراز الامتتثال للتنجیز والتعذیر؛ و ذلك لأن مرحلة انشاء الحكم ثبوتية وكذا مرتبة فعلیته فجل الأحكام الظاهرية ترجع للتنجیز والتعذیر وهما یرجعان إلی مرتبة من مراتب الاجزاء في الامتثال وإن كانت صورتها هي احراز الحكم ولكنه لبا وحقیقة یرجع إلی احراز الامتثال وفراغ الذمة ولا علاقة له ولا تصرف له بمتن الحكم ثبوتاً.

ص: 443

وعلی ضوء هذا التقسیم إذا كان الظن الامتثالی الناتج من قول المشهور امارة موضوعیة فمع انكشاف الخلاف فالاعادة واضحة وكونها امارة موضوعیة لأنها ظن في مقام الامتثال وأما إذا قلنا ظن في مقام احراز الحكم كما في الاجتهاد والتقلید فهو شبهة حكمیة فالاجزاء فیه متصور كما هو مذهب المشهور لما تقدم في تبدل التقلید أو الاجتهاد.

فالامارة في مقام الاحراز ترجع إلی الشبهة الحكمیة والامارة في مقام الامتثال ترجع إلی الشبهة الموضوعیة إلا أن هذا الظن كفتوی المشهور أو غیر الأعلم أو فتوی المیت - ظن في مقام الامتثال ولكن مرده إلی الشبهة الحكمیة لا الموضوعیة لأن منشأ الاشتباه في المقام هو اشتباه في الامتثال الذي منشأه اشتباه حكم الشارع لا في الموضوع الخارجي مثل الظن في باب الانسداد فصحیح هو ظن في مقام الامتثال ولكنه یرجع إلی الشبهة الحكمیة فیشمله دلیل الاجزاء. نعم، لو كان الامتثال احتمالیا فلا تشمله أدلة الاجزاء لاختصاصها بالامارة والظن المعتبر و ذلك لأن العمل بالاحتمال أمر تخییري في مقام العمل أي أخذا بأحد الاحتمالین لتقدم احتمال المصادفة علی القطع بعدمها.

وعلیه فمع عدم التمكن من الأعلم من الاحیاء یرجع إلی غیر الأعلم وإلا فإلی قول المشهور والكلام في أنه مع التمكن من الاحتیاط هل یمكن الأخذ بقول المشهور مثلاً.

ص: 444

وفی الاجابة عنه نقول: إن أدلة حجیة فتوی المفتي مطلقة وقد قیدت بأمور كالأعملیة والحیاة وكونها سلطة وولایة وزعامة ولیست أمارة محضة وغیرها من القیود، وقد قلنا بامكان انفاكاك تقلید العالم عن حیثیة الحیاة والأعلمیة والولایة والزعامة والسلطة ولكنه في فرض تعذر هذه القیود، فمع تعذر الرجوع إلی الاحیاء أو الأعلم یرجع للمطلقات، و ذلك لعدم شمول أدلة المقیدات لموارد العجز عنها.

وبعبارة أخری: أنه إذا كان عندنا عام وأدلة مقیدة فتارة الادلة المقیدة لها اطلاق من جهة أن قیدیتها شاملة لحال العجز عن القید وفي حال عدم العجز عنه فهي قیود علی كل حال فمع هذا الاطلاق یسقط العام مع العجز عن هذه القیود فببركة اطلاق دلیل التقید یكون شاملا لحالة العجز فیسقط دلیل العام في مورد تخلف أحد تلك القیود وأما إذا لم یكن لدلیل التقیید اطلاق بحسب الحالات، فإذا لم یكن له إطلاق فقیدیته خاصة بحال التمكن منه وأما في صورة العجز فیبقی دلیل العام بدون تقیید فیرجع إلی العام لعدم سقوطه بالعجز عن قیده لعدم اعتبار القید في حال العجز عنه، وقد ذكر صاحب الكفایة (قدس سره) في بحث البراءة أنه یمكن أن نرجع إلی العام دون البراءة إذا كان دلیل التقیید لا اطلاق له فلا یحتاج إلی البراءة ؛ لكون الحاجة للبراءة فیما لو لم یكن لدلیل العام اطلاق أو فیما لو كان دلیل العام له اطلاق إلا أن لدلیل التقیید اطلاق أیضاًُ

ص: 445

وإذا عمل بقول المشهور ثم تبین له بعد ذلك مخالفته لفتوی مجتهده فعلیه الإعادة أو القضاء، وإذا لم یقدر علی تعیین قول المشهور یرجع إلی أوثق الأموات، وإن لم یمكن ذلك أیضا یعمل بظنه، وإن لم یكن له ظن بأحد الطرفین یبنی علی أحدهما، وعلی التقادیر بعد الاطلاع علی فتوی المجتهد إن كان عمله مخالفا لفتواه فعلیه الإعادة أو القضاء.

أي حتی في صورة العجز عن القید.

أما في صورة كون العام له اطلاق احوالي مع كون المقید لا إطلاق أحوالي له فإنه یتقاصر دلیل المقید عن تقیید العام.

فجملة من شرائط المجتهد لیس لها اطلاق لكونها أدلة لبیة فلا أطلاق أحوالی لها مع كون الدلیل العام له اطلاق أحوالی كقوله تعالی: (وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ...).

وباطلاق هذه الأدلة وقصور المقیدات في حالة العجز لا یتعین الاحتیاط حتی مع أمكانه بل یجوز التقلید لفاقد الشرائط وخصوصاً بأن الاحتیاط لیس من مذاق الشارع، ففي موارد العجز والعذر لا یقوی القید علی تقیید العام وعلیه فمع العجز عن تقلید الاحیاء وعن التقیید بالأعلمیة یصح تقلید غیر الأعلم أو المشهور أوأحد الأموات... وقد نبهوا علی هذه النكتة في تقلید المیت من أن هذا القید عند الامكان وأما عند

ص: 446

(مسألة 61) : إذا قلد مجتهدا ثم مات، فقلد غیره ثم مات، فقلد من یقول بوجوب البقاء علی تقلید المیت أو جوازه، فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأول، أو الثاني ؟ الأظهر الثاني، والأحوط مراعاة الاحتیاط(1).

العجز فلا اعتبار به

المسألة الحادیة والستون: إذا قلد مجتهدین مترتبین فرجع لمن یوجب البقاء علی المیت أو جوازه فعلی من یرجع

(1) هذه المسألة تقدمت وهي محل ابتلاء فالماتن افتی بالبقاء علی الثاني و ذلك لان عدوله عن المیت بعد مماته إلی الثاني فالعدول حتی لو كان خطأ فهو قاطع عن التقلید فالرجوع إلیه من الرجوع الابتدائي الممنوع منه مع أن الأعلام فصلوا بین صحة العدول وبین خطأه وذكروا بأن الخطأ في العدول كالعدم فهو غیر قاطع مع أن العدول علی مختارنا في معنی التقلید رجوع ابتدائیا.

وتفسیرنا أن ابتداء التقلید لیس معناه الابتداء العرفي وهو الرجوع المسبوق إلی الفقیه بالعدم بل فسرناه بما هو شامل لعدم الاستمرار علی التقلید والوجه في هذا التفسیر هو أن الدلیل الوحید علی بقاء تقلید المیت هو الاستصحاب ومع الانقطاع لا مورد للاستصحاب، و ذلك لأن بعض الاثار مترتبة علی نفس التقلید لا علی الفتوی التي هي امارة.

ص: 447

(مسألة 62) : یكفي في تحقق التقلید أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما فیها. وإن لم یعلم ما فیها ولم یعمل، فلو مات مجتهده یجوز له البقاء وإن كان الأحوط(1)- مع عدم العلم بل مع عدم العمل و لو كان بعد العلم - عدم البقاء والعدول إلی الحي، بل الأحوط استحبابا - علی وجه - عدم البقاء مطلقا، و لو كان بعد العلم والعمل.

ومن تلك الاثار: البقاء علی تقلید المیت فمثلا التخییر بین الحجتین فإنه بعد التقلید لا یصح العدول عنه فإن هذا لیس بأثر لحجیة الفتوی، بل أثر لحجیة نفس التقلید و مثل اجزاء الاعمال لیست أثرا لحجیة الفتوی، بل أثر من اثار حجیة التقلید و ذلك لوجود آثار عدیدة في باب التقلید لیست بآثار حجیة الفتوی فحقیقة التقلید نوع من التولیة ولیس امارة محضة فهذه التولیة تنقطع بمجرد العدول فیكون ارجاعها للإبتداء ولا حالة سابقة حتی یجري الاستصحاب، بل أن هذه التولیة ترتفع بالتوقف والاحتیاط فلا یصح الرجوع بعدها للمیت.

المسألة الثانية والستون: التخییر في البقاء علی تقلید المیت

اشارة

(1) البقاء عند السید الماتن (قدس سره) جائز لا واجب وعلیه فهو مخیر بینه وبین العدول مطلقاً، والتخییر لا ینافي أحوطیة العدول إلی الحي مطلقا سواء تعلم وعمل أو بدون العمل، و هذا یرجع إلی حقیقة التقلید وقد مر سابقا منا بأن التقلید هو التعلم لأجل الالتزام والعمل وإلا فصرف

ص: 448

أخذ الرسالة أو الالتزام وغیرها من التعاریف العدیدة التي ربما تصل إلی ثمانیة وبتفاصیلها إلی خمسة عشر لیست بتعاریف بل جمیعها ملابسات للتقلید إذ الصحیح أن التقلید هو التعلم بداعی الالتزام المستفاد من معنی السؤال و الأخذ - وقد تقدم مفصلاً - الذي عبرت عنه الآیة والروایات كقوله تعالی :(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)، وقول السائل: (عمن آخذ معالم دینی؟) وغیرها، فإن السؤال بمعنی التعلم لأجل العمل وكذا الأخذ.

نعم توجد تعابیر أخری غیر السؤال والأخذ ولكنها لا تخرج عن التعلم والتلقي فالتقلید تعلم بداعي العمل والالتزام، وعلی هذا لا یمكن أن یكون التقلید دفعیا بل هو تدریجي دائما، فكلما تعلم الانسان للعمل

تحقق منه التقلید شیئا فشيء بخلاف من فسر التقلید بالالتزام فإنه یكون دفعیا فیتحقق منه التقلید لجمیع الفتاوی بمجرد أن یلتزم بجمیع فتاواه كأن یلتزم برسالته العملیة و هذا الاختلاف له أثار حساسة فإن من یقول التقلید هو نفس العمل فإنه لا یمكن أن یلتزم بالدفعیة وتحقق الرجوع المطلق لجمیع الأبواب. فلو نسي ما تعلمه وأراد أن یتعلم من جدید یكون ابتداء تقلید، وبخلافه لو كان یدارس المسائل ویراجعها لكي لا ینسی لأنه ابقاء للتقلید ولیس بتقلید ابتدائي، فیتضح جلیاً أن أثر الانقطاع وعدمه یختلف باختلاف التعاریف.

ص: 449

فلیس التقلید هو العمل ولا صرف الالتزام. وقد مر أنه إذا كان المیت أعلم وجب البقاء علی تقلیده في غیر المسائل مستحدثة أو ما یرتبط بالولایات غیر الراجعة لولایة المنصب بل الراجعة لشخص الفقیه.

إلا أن المهم هو التعرض للمكلف لو استطاع أن ینظر إلی مباني مقلده بعد الموت فهل یصح له التطبیق والأخذ بالمسائل المستحدثة حتی بعد موته أم لا؟

فالجواب: أن هذه لیست بفتاواه لأن مقام الفتوی غیر مقام البناء فكثیر ما یتخلف المقامان والسبب في ذلك أن في مقام البناء كثیراً لا یستقصي كل واردة وشارده وإنما ینفع بذكر دلیله ویفند الموانع المتصورة لذلك الاصل الاصولي أو الفقهي.

وأما في مقام الافتاء والاستنتاج فإنه یستقصي كل شاردة وواردة وینظر إلی أي قاعدة لها صلة من قریب أو بعید یستقصیها ویستقصي أیضاً النكات الموجودة في الآراء الآخری فیراعي جمیع هذه الامور وبعد ذلك یفتي، وبخلافه في المقام العلمي في تأصیل الاصل وتأطیره فإنه لا ینظر إلا إلی مقتضیاته وشروطه وموانعه، ففرق بین المباني الرسمیة وبین مقام الافتاء والتطبیق فتوجد فوارق كثیرة ومشهودة عند الجل إن لم تكن عند الكل، والرجوع له حتی في تطبیق مبانیه من الرجوع الابتدائي.

ص: 450

نعم، نُقل عن بعض الفقهاء ما توصلنا له من أن مقام الافتاء منظومة ذات دوائر لا یمكن للفقیه الأعلم احتواؤها بمفرده فما یشغله الفقیه الأعلم هي الدائرة الأولی التي تحتوی علی البنیة الأصلية من صرح الاجتهاد كتشیید المباني الاصولیة والفقهية، وبناء الفروع الكلیة كبیان الاجزاء والشرائط الواقعية والذكریة والعلمیة وغیرها. والدائرة الثانية هي ما یشغلها غیر الأعلم من الفقهاء والمتجزئین وهي البنیة الدونیة والسهلة من القضایا التفصیلية والاجتهادیة من تطبیق المباني والنكات الأصلية علی المسائل التفصیلية الكثیرة والمتشعبة والمتكررة یوما بعد یوم التي هي خارجة عن نطاق الفقیه الأعلم لبعده عنها زمانا ومكانا ولكثرتها بحیث لا یستوعب وقتها لها، والشاغل لهذه الدائرة هم غیر الأعلم من الفقهاء والوكلاء المتجزئین ولكن لیس من باب الاستقلال في أقوالهم وحجتهم بل هو اجتهاد في استخراج المسائل الفرعیة الكثیرة علی وفق تلك المباني والاصول التي شیدها الفقیه الأعلم، فهو تقلید لهؤلاء في هذه الدائرة ولكن لیس بتقلید مستقل عن الأعلم فیوجد تراتب في التقلید.

وقد وُجّه ذلك بأنه من باب الشرح والتفسیر التفصیلي لفتوی الاعلم، إلا أنی لا أرجعها إلی التفسیر والشرح، بل هي من باب تتمیم عملیة الاجتهاد واستنباط المسائل التفصیلية التي یكون استنباط حكمها

ص: 451

خارجاً عن قدرة الفقیه لكثرتها وعدم احاطته بها لضیق الوقت وبعد المكان وغیره ومع ذلك فهذه الدائرة لا تخرج عن الرجوع إلی الأعلم بل هي في الاساس والدرجة الاولی معتمدة علی ما أعده وشیده الأعلم في الدائرة الأولی فهي معتمدة اعتماداً ركنیا علی الأعلم إلا أن هذه الدائرة الثانية تحتاج إلی بعض الخطوات الاجتهادیة الیسیرة الغیر متیسرة للعامي لكونها أمور اجتهادیة ولیست من وظیفته فتطبیق المبانی علی الصغرویات واستنباط أحكامها اجتهاد یحتاج إلی علم، ولیس بصرف تطبیق كتطبیق المسالة الفقهية علی مصادیقها كي یمارسه العامی بل تطبیق في عملیة الاستنباط فهو استنتاج واستنباط یمارسه المجتهد غیر الأعلم أو المتجزئي ولو في بعض المسائل.

و هذا أمر تلقائی وسیأتي وجهه ولذا تری كثیرا من المجتهدین بالنسبة إلی مباني استاذهم مرجع التقلید یمارسون الاستنباط لمقلدي استاذهم علی وفق مبانیه و هذا مشاهد وملحوظ كثیرا بحیث لو لم تكن هذه التغطیة منهم لهذه المساحة لما استطاع المرجع ولا وكلاءه ولا مكاتب الاستفتاءات هذه التغطیة لتمیز هؤلاء التلامیذ من المجتهدین بأعرفیتهم بالفذلكات العلمیة والنكات في مباني استاذهم لا یعرفها غیرهم للصوقهم وملازمتهم له، فهذا التراتب أمر ضروري لابد منه بل یمكن فرض أكثر من دائرة لسد تلك الفروع التفصیلية.

ص: 452

والحاصل أن المكلفین یقلدون أصحاب الدائرة الثانية أو الثالثة التي تعتمد علی تقلید الأعلم، فقضیة التقلید تتركب من تقلیدین ولابد فی

التقلید في تلك المرحلة مراعاة الأعلم فالأعلم أیضا لنفس النكتة.

و هذا ممارس بكثرة ویفرضه الواقع من الحاجة الماسة لتغطیة تلك المساحة الخارجة عن نطاق الفقیه الأعلم المتصدي وقدرته.

وقد شاهدناه كثیرا في ذهابنا مع بعض بعثات الحج أن كثیرا من المسائل تعتمد علی قاعدة أوقاعدتین علی مبنی الفقیه مع سهولة الاستنتاج فتراهم یستنبطون ولا یرجعون إلی الفقیه نعم لو كانت من الصعوبة بمكان فتراهم یرجعون إلی الفقیه، بل كنتُ في كثیر من الموارد - حینما یذكرون الاستنتاج - أورد علیهم بأن الفقیه عنده مبنی كذا وكذا فلماذا لا یراعی، وعلی اثره یغیر الاستنتاج بل في بعض الاحیان ینقل أن الفقیه في بعض الاستفتاءات المشابهة مع المسألة المبتلاة فأخبرهم بأن مبناه كذا وكذا فتمم مراجعته وعلی أثرها یغیر الاستنتاج فحتی الفقیه في ممراساته في المسائل التفصیلية الفرعیة یمكن أن یجدد النظم.

بل في الدائرة الأولی التي یقوم بها الأعلم تتضمن تقلید آخر وتركب من اجتهادین مع عدم منافاته لعنوان تقلید الأعلم، أي مع بقاء أعلمیته علی غیره، فتری كثیراً من الفقهاء یتبنوا مباني اساتذتهم تقلیداً، إذ لا یجهدون أنفسهم في تتبع النكات وحل والاشكالات المصیریة فی

ص: 453

هذه المباني بل یكتفون بما ذكره استاذهم الأعلم والاقتناع به و هذا في الحقیقة تقلید واتباع وكثیر من المسائل الرجالیة واللغوية والفقیهة والاصولیة الكلامیة لیس الكل له الأهلیة علی الوقوف علیها وحل عقدها والذّب عنها، مع أنها من النكات المصیریة التي تدور علیها نتیجة الاستدلال.

وقد تقدم منا أن جهات الأعلمیة كثیرة فبعضها یرجع إلی الصناعة الاصولیة وبعضها یرجع إلی الصناعة الفقهية وبعضها یرجع إلی العارضة الفقهية وبعضها یرجع إلی الذوق العرفي وبعضها یرجع إلی التتبع والممارسة وغیرها.

وعلیه فكثیر من الأعلام تراه وارداً وبارعاً في جهة من هذه الجهات ویتابع غیره في جهة أخری، فمثلا المحقق العراقي (قدس سره) له قدرة في الصناعة الاصولیة عظیمة إلا أنه في التتبعات الفقیهة أو الروائیة أو نكات التفاصیل الفقیهة في الحقیقة یتابع فیها الآخرین ولیس المقصود أنه لا یعیها بل أنه لم یكن من أهل الابتكار والریادة في هذه الجهات، فالأعلم بحسب هذه الجهات هو من له ریادة فیها فهو متبوع وفي الجهات الآخری تابع والمراد من التبعیة أنه لیس له القدرة علی تنقیح جمیع جوانب المسألة بعقدها وأدلتها.

ص: 454

فكثیر ممن حضر درس استاذه - مثلاً - حتی اتقن مبانیه ونظریاته وتابعه في ذلك وتبناها، فمالم یكن له القدرة علی حلحلة عقدها وتشیدها والذب عنها یكون في الحقیقة مقلدا لاستاذه ولهذا تراه بمجرد ما یثار علیه أي اشكال تراه یتوقف ویتحیر.

ولا یخفی أنه لیس صرف الموافقة تقلیدا بل التقلید هو الموافقة مع عدم قدرة التابع للمتبوع في تمحیص كل ما أسسه المتبوع من عقد البحث وعدم ابتكار شيء جدید و ذلك لصعوبة تلك الامور، فبعضهم یكتفي ببذل جهده في الوصول إلی فهم ما أسسه ذلك المبتكر فقط إلا أنه لم یصل إلی محاكمة المبتكرات فضلا عن الابتكارات الجدیدة.

فعملیة الاجتهاد كثیرا ما تتركب من التقلید والاجتهاد و هذا ما سیأتي من التقلید في مبادئ الاجتهاد، و هذا لا یضر بنسبة الفتوی له وأنه صاحبها، فمسألة أن التقلید في الاجتهاد یؤثر في الاعلمیة شيء وكونه لا یخل ولا یضر بالاجتهاد شيء آخر، و هذا من قبیل التقلید في المسائل النحویة والتفسیریة والرجالیة والكلامیة وغیرها مما لها دخالة في الاستدلال فإنه لا یضر في نسبة الفتیا له؛ لكون بقیة مراحل الاستنتاج من قبله، وقد ذكروا بأن العمدة في مرجع التقلید بحیث یكون صالحا للرجوع إلیه هو اجتهاده في الفقه والاصول أما بقیة المبادئ لا مانع من عدم اجتهاده فیها، مع أن اجتهاده فیها یؤثر في الأعلمیة ؛ إذ في الحقیقة

ص: 455

أن المجتهد في هذه الجوانب أكثر جدارة من غیره. وما ذكروه في مبادئ الاجتهاد وعلم أصول الفقه بعینه یجري في مقدمات الاستنتاج في نفس الفقه أو الاصول فیكون من تركیب الفتیا من فتویین وتقلیدین فیكون المرجع الأعلم یعتمد في أصوله علی مدرسة استاذه كالمحقق العراقي (قدس سره)، وفي الفقه یعتمد علی مدرسة صاحب الجواهر (قدس سره) ولكن بشرط أن اعتماده وتقلیده هذا لا یخل بشرطیة أعلمیته.

و هذا ما یعبر عنه بالاجتهاد الجماعی وهو ما یطرح الأن باسم المرجعیة المجموعیة بحیث یكون تكامل العلوم بتجمیع كمالات النكات في كل جهة حتی یتنامی فیرقی ویصل إلی كماله، كما هو في العلوم الأخری فتری بعضهم یكون رائداً ومبتكراً في جهة وغیره في جهة أخری من نفس العلم، وهكذا تتنامی العلوم شیئا فشئیا حتی تصل إلی كمالها.

فمسألة التقلید في دائرة الاولی هي أمر تلقائي ومشاهد كثیراً ولیس المقام مقام طعن بل هو بیان حقیقة تكاملیة فإن كثیراً من الأعلام تراهم مقلدون لغیرهم في كثیر من النظریات والمباني فیبنون علیها ویسلكونها، وتراهم یتوقفون فیها بمجرد بروز عقدة من عقد ذلك المنبی مع أن هذه العقدة كؤود ومصیریة في نتائج ذلك المسلك.

ص: 456

فمن ذلك ما جری مع بعض الأعلام في شرط النتیجة فذكر بعض العقد ودفعها ثم ذكرت له ما ذكره المحقق الاصفهانی(قدس سره) كأنه أول مرة تطرق سمعه فلم یكن قد استوفاها...وأیضا نكات كثیرة ذكر بعضها استاذنا المیرزا هاشم آملي (قدس سره) في لا تعاد ذكرتها لبعض الأعلام وكأنها لأول مرة تطرق مسامعهم مع أنها نكات مصیریة في تغییر النتائج في لا تعاد، وكذا ما ذكره لنا استاذنا السید الروحاني (قدس سره) في حواشي المكاسب من النكات ونفائس مبثوثة في تلك الحواشي، وهي مصیریة في مثل قوله تعالی : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللّه الْبَیْعَ)، وقوله تعالی: (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ). فهذه الظاهرة لیست بغریبة بل هو الممشي الطبیعي و ذلك لأن التحقیق في جمیع الموارد والجهات لا یصله إلا الأوحدي من الناس، فطبیعة العلوم فیها تكافل وتنامی ولهذا یكون الاجتهاد علی درجات حتی أن بعض المجتهدین قدرته علی فهم وتطبیق ما قاله الآخرون بجدارة، أما أن یؤسس أو ینقض أو یذب عن تلك المباني فأمر آخر وهكذا.

والخلاصة أن في الدائر الأولی التي هي من وظائف الأعلم تركیب من اجتهادین أو تقلیدین و هذا لا مانع منه ما لم ینافٍ أعلمیته علی غیره من الأحیاء لكونه الأعرف والأدق في فهم مباني الأعلم المتوفي.

ص: 457

فقولهم - مثلاً - إن الشیخ الطوسي (قدس سره) كان یُقلد إلی مائة عام، لیس معناه عدم وجود فقهاء یُرجع إلیهم، بل كان هناك فقهاء ویرجع إلیهم ولكن هذه المدرسة صارت تعتمد علی غیرها حیث إن أعلم الاحیاء لم یتعدّ مباني الشیخ الطوسي (قدس سره).

فالمهم هو بیان فدلكة الصحة الصناعیة لهذا الأمر التلقائي في جمیع العلوم مع أن علماء الحوزة أعظم مستوی من غیرهم من العلماء في سائر التخصصات و ذلك لأن دأب علماء الحوزة التدقیق والتنقیب والابتكار والمداقة والمحاكمة لكل نظریة، وإلا فما رأیناه في العلوم الأخری فهو أفضع بكثیر في التقلید بل تجد الغالب هو المتابعة بلا درایة أصلا فلا یعنوون أنفسهم للفهم فضلا عن الابتكار فمثلا من الأطباء الماهرین تسأله عن بعض الفلسفات الطبیة تراه یترجل فیها ولا یعرف الخلفیة في ذلك، ولیس له إلا التشخیص والتطبیق لما فهمه من آراء ونظریات، وكذا في الهندسة وغیرها، وقد وقفنا علی الكثیر من هؤلاء فإنهم مع قدرتهم علی الفهم والتحري لا یعنوون أنفسهم علی الفهم والتخصیص، و هذا بخلافه في الحوزات.

وعلیه فكما یوجد تقلید مركب یوجد اجتهاد مركب سواء في الدائرة الأولی التي من مختصات الاعلم أو في الدائرة الثانية وهو شيء قهري وتلقائي. و هذا التراتب في الدوائر موجود أیضا في أصل الشریعة

ص: 458

(مسألة 63) : في احتیاطات الأعلم إذا لم یكن له فتوی یتخیر المقلد بین العمل بها وبین الرجوع إلی غیره الأعلم فالأعلم(1).

(مسألة 64) : الاحتیاط المذكور في الرسالة إما استحبابي وهو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوی(2) و إما وجوبي وهو ما لم یكن

ففرائض اللّه دائرة أُولی وفرائض النبي (صلی اللّه علیه و آله) دائرة ثانیة وفرائض المعصومین (علیهم السلام) دائرة ثالثة

المسألة الثالثة والستون: التخیر بین العمل باحتیاط الأعلم والرجوع لغیره:

(1) و ذلك لأن الاحتیاط لیس بفتوی وعلیه فیصح له أن یبقی علی أحد الحالات الثلاث أما التقلید أو الاجتهاد أو الاحتیاط في التقلید، وقد ذهب السید الخوانساری(قدس سره) إلی أن جمیع الاحتیاطات الوجوبية في رسالته العملیة لا یصح الرجوع فیها إلی الغیر ولعله یطبق علیه الفتوی بالاحتیاط لا الاحتیاط في الفتوی كما یأتي الفرق بینهما لفظا ومعني...

وقد تقدمت الاشارة إلیه في أول المسائل.

المسألة الرابعة والستون: الاحتیاط لزومي وندبي والفرق بین الفتوی بالاحتیاط والاحتیاط في الفتوی:

(2) ملاحظة الاحتیاط الاستحبابي من جهة المعنی تارة عقلي وتارة شرعي فمثلا توجد بعض الموارد ثبت فیها رجحان الحكم شرعا، إلا أنه

ص: 459

معه فتوی، ویسمی بالاحتیاط المطلق، وفیه یتخیر المقلد بین العمل به والرجوع إلی مجتهد آخر. وأما القسم الأول فلا یجب العمل به، ولا یجوز الرجوع إلی الغیر، بل یتخیر بین العمل بمقتضی الفتوی وبین العمل به(1).

مردد بین الوجوب والاستحباب فرجحانه لا كلام فیه، وكذا الكراهة كثبوت المرجوحیة في بعض الموارد إلا أنها مرددة بین الحرمة والكراهة فهنا الداعویة الشرعية للفعل أو الترك مسلمة ویترتب علیها ثواب... والمفروض أن یُمیّز تحریرا بین الاحتیاط العقلي الذي محض هو تفریغ الذمة أو أصابة الواقع وبین الشرعي الذي فیه رجحان ذاتي فهو فتوی بأصل الرجحان فلا یجوز الرجوع للغیر فیه، وإن كان فهمه من عبارتهم یحتاج إلی دقة.

(1) هذا التقسیم - في جهة اللفظ - هو المتبع الأكثر إلا أنه لابد من التركیز في المسألة ومعرفة مصب الاحتیاط هل هو نفس مصب الفتوی فیكون احتیاطاً مقروناً بالفتوی فهو استحبابي أو كانت فتوی واحدة ولكن مصب الاحتیاط في جهة من جهات الفتوی لا في أصل الفتوی فهو احتیاط وجوبي وإن كان مسبوقاً بفتوی إلا أن جهة الاحتیاط مغایر لجهة الفتوی. وأما الفارق بین الاحتیاط الوجوبي في الفتوی وبین الفتوی بالاحتیاط فقد تقدم مفصلا ونشیر له علی نحو الاجمالي...

ص: 460

فمن جهة اللفظ المفروض كاصطلاح في الفتوی بالاحتیاط أن لا یؤتی بلفظ الاحتیاط، بل مباشرة یجب كذا أو یجب الجمع بین الفعلین مثلاً لما یسببه من التشویش بین الاحتیاط في الفتوی وبین الفتوی بالاحتیاط. مع أنه علی ما في البال أن السید الخوئي (قدس سره) ذكر ضابطة في التمییز اللفظي بینمها وحاصلها أن الاحتیاط إذا ورد علی الحكم فهو احتیاط في الفتوی وإذا ورد علی الاحتیاط نفسه ففتوی بالاحتیاط، والمفروض كاصطلاح أن لا یذكر لفظ الاحتیاط في الفتوی بالاحتیاط كأن یقول: یجب الجمع بین القصر والتمام لأنها فتوی ولا تحتاج لذكر منشأها إذ لا أثر لها بخلاف الاحتیاط في الفتوی لوضوح أثرها في جواز الرجوع للغیر فیها.

وأما من جهة المعنی فإذا كان مستند الاحتیاط هو العلم الاجمالي في المورد الخاص فهو فتوی بالاحتیاط، ولیس احتیاط في الفتوی وهو یقتضي التكرار تارة ولا یقتضیه أخری كما في الأقل والاكثر الارتباطیین، وعلیه فمع ابرازه للفتوی بالاحتیاط وتصدیه لا یسوغ ولا یجوز الرجوع إلی غیره بخلاف الاحتیاط في الفتوی فیجوز الرجوع للغیر لعدم تحقق التقلید و هذا بخلاف الاحتیاط الاستحبابي فلا یجوز الرجوع فیه إلی الغیر لكون مورده لا یخلو من الفتوی فیتخیر بین العمل بالاحتیاط الاستحبابي وبین العمل بالفتوی.

ص: 461

(مسألة 65) : في صورة تساوي المجتهدین یتخیر بین تقلید أیهما شاء، كما یجوز له التبعیض حتی في أحكام العمل الواحد، حتی أنه لو كان مثلا فتوی أحدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثلیث في التسبیحات الأربع، وفتوی الآخر بالعكس، یجوز أن یقلد الأول في استحباب التثلیث، والثاني في استحباب الجلسة(1).

المسألة الخامسة والستون: التخییر في صورة تساوین المجتهدین

(1) تقدمت هذه المسألة فیما (لو كانا متساویین فهل مقتضی القاعدة العمل بأحوط الأقوال وهو احتیاط في التقلید أو التخییر؟)، وقد أفتی ولا یخفی أن هذا التخییر ابتدائي ولیس استمراري بحیث لو قلد بدون تبعیض أو بالتبعیض فلا یجوز له بعد ذلك العدول.

وأفتی البعض بالتخییر عند عدم العلم بالاختلاف الكثیر؛ إذ لا تعارض بین الامارتین ولو مع احتمال الاختلاف. نعم، هناك من یبنی علی التخییر - ولعله المشهور - حتی مع العلم بالاختلاف ولا یجب الاحتیاط بینهما، وقد مر أن الاحتیاط بینهما هو في الحقیقة احتیاط في التقلید ولیس مبني علی التساقط، خلافاً لما قرره السید الخوئي (قدس سره) وتلامذته بأنه لیس بتساقط وإنما احتیاط في التقلید واحتیاط في العمل بالامارات فالصحیح هو التخییر كما تقدم أما أن التخییر خاص باحتمال

ص: 462

المخالفة أو یعم العلم بالمخالفة فتقدم تحقیق ذلك مفصلا.

أما مسألة جواز التبعیض فلا اشكال فیها ولكن هل یجوز التبعیض في العمل الواحد؟ فیه تفصیل من جوازه مع عدم العلم بالمخالفة الاجمالیة ولا یجوز معها. فإنه إذا كان هذا العمل بحسب فتوی المجتهدین لیس بصحیح لأنه أتی بتسبیحة واحدة وهي بنظر الآخر لا تجزي لأنه یری وجوب الثلاثة ولم یأتي بجلسة الاستراحة والأول یری العمل بدونها غیر صحیح فهذا العمل علی كلا الفتوییهما لیس بصحیح بمقتضی العلم التعبدي، هذا ما ذكروه.

وقد مر بنا أن الضابطة في التفصیل غیر هذه بل الضابطة في الاركان وغیرها فإذا رجع الاختلاف إلی ما هو ركن لا یصح العمل وأما إذا رجع إلی غیره مع وجود المصحح فیصح.

ولا یخفی أن هذا التخییر ابتدائي ولیس استمراري بحیث لو قد بدون تبعیض أو بالتبعیض فلا یجوز له بعد ذلك العدول.

ص: 463

(مسألة 66) : لا یخفی أن تشخیص موارد الاحتیاط عسر علی العامي (1) إذ لا بد فیه من الاطلاع التام، ومع ذلك قد یتعارض الاحتیاطان فلا بد من الترجیح، وقد لا یلتفت إلی إشكال المسألة حتی یحتاط، وقد یكون الاحتیاط في ترك الاحتیاط، مثلا : الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر لكن إذا فرض انحصار الماء فیه الأحوط التوضؤ به، بل یجب ذلك، بناء علی كون احتیاط الترك استحبابیا، والأحوط الجمع بین التوضؤ به والتيمم، وأیضا الأحوط التثلیث في التسبیحات الأربع، لكن إذا كان في ضیق الوقت، ویلزم من التثلیث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتیاط، أو یلزم تركه، كذا التيمم بالجص خلاف الاحتیاط

المسألة السادسة والستون: تعذر تمییز موارد الاحتیاط

(1) و ذلك لامتناعه صغرویاً ممتنع في كثیر من الموارد وقد مرّ في المسألة الأولی والثانية والثالثة بحث مفصلا أن العامي بالدقة لا یستطیع أن یمیز حتی في المسائل البسیطة إلا بالتقلید بل ذكرنا أن المجتهد غیر الممارس وإن كان مطلقا بل الفقیه غیر الخائض في بعض الأبواب الفقیه لا یستطیع ولا یلتفت إلی تحدید الاحتمالات الواقعية التي بحسب الأدلة إلا بعد الخوض فیها، فهو تلقائیا یكون مقلدا للفتاوی لأن احتیاطه بحسب الفتاوی.

ص: 464

لكن إذا لم یكن معه إلا هذا فالأحوط التيمم به، وإن كان عنده الطین مثلاً فالأحوط الجمع، وهكذا(1).

(مسألة 67) : محل التقلید ومورده هو الأحكام الفرعیة العملیة، فلا یجري في أصول الدین، وفي مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية(2).

(1) فالاحتیاط علی مراتب فتحدید ما تقتضیه كل رتبة ومرحلة یحتاج إلی ممارسة ودقة في الأدلة والأقوال.

المسألة السابعة الستون: التقلید في أصول الدین وغیرها في الموضوعات المستنبطة:

اشارة

(2) استشكل أكثر المحشین علی الماتن (قدس سره) عدم جواز التقلید في الموضوعات المستنبطة العرفية واللغوية بأنه لا فرق بینها وبین الموضوعات المستنبطة الشرعية فلابد من الاجتهاد أو التقلید.

فقد ذكر الماتن (قدس سره) ستة أقسام: الاحكام الفرعیة العملیة وأصول العقائد وأصول الفقه ومبادي الاستنباط والموضوعات المستنبطة واقسامها من الشرعية والعرفية واللغوية والموضوعات الصرفة.

والقدر المتیقن من الادلة هو الاحكام الفعلیة العملیة إلا في الضروریات إذ هي لیست مورد للتقلید بالضرورة.

ص: 465

التقلید في أصول الدین:

أما أصول الدین لو استبدله بقوله:" بالاحكام العقائدیة" لكان أنسب والمعروف أن عدم جواز التقلید في الاحكام العقائدیة مخصوص بأصول الاعتقاد فلابد من الاستدلال.

والمراد من عدم الجواز لیس الحرمة الوضعیة بل الحرمة التكلیفية و ذلك لأن الواجب تكلیفا أن یتحری الحقیقة عن دلیل... والوجه في ذلك هو مطلوبیة ثبوت إیمانه ورسوخه وعدم تزلزله حتی لا یكون في معرض الزوال فمن اعتقد الحق عن تقلید یكون قد وفي باعتقاد الحق وتحقق الایمان منه إلا أن ذلك لم یوف بوظیفة الطریق، فالموضوعیة للاستدلال فقط من جهة حسن الایمان وإلا فأصل الایمان یحقق بالاعتقاد بالحق و لو كان عن تقلید.

والواجب علیه هو تحري الحقیقة عن دلیل بسیطا بالاصول الحقة فلا یتطلب منه أكثر من ذلك ولا یجب علیه الخوض في أعباب الأخذ والرد بما هو خارج عن قدرته، بل المطلوب هو ما تتوفر له من الفطرة والبداهة العقلیة ؛ إذ فلسفة وجوب الدلیل والاستدلال هو ترسیخ ایمانه وتثبیته أمام الشبهات بحیث لا یكون في معرض الزوال والتزلزل بحیث یكون عن بصیرة وإلا لو اعتقد بالحق عن تقلید لكان قد وفي بالحق إلا أنه لم یوف بوظیفة الطریق فالطریق له موضوعیة من جهة حسن الایمان

ص: 466

الایمان بحیث یكون له وقایة وحصانة لتقویة الایمان وحفظه عن الزوال.

والكلام لیس في كفایة الاعتقاد والتسلیم بالحق فإنه یتحقق بالتقلید ویكون قد وفي بوظیفته ولكن من جهة الطریق فرط وعصی ولم یوف بوظیفته من حیث الطریق لكون ما سلكه لیس بطریق صحیح، والمراد بالدلیل الصحیح هو المقدور السهل كما في آیات النظر إلی الافاق والانفس التي لا تستعصي علی الصغیر والكبیر بل هي أمور سهلة التناول عند الكل وقد ذكرناه هذا مرارا في الدورة الاصولیة السابقة بأن أدلة التوحید التكوینیة والفطریة أبین من دلائل النبوة ونبوة الخاتم (صلی اللّه علیه و آله)، ودلائل نبوته أبین من دلائل الامامة، ودلائل الامامة أبین من بقیة المعارف والعقائد، فتوجد مراتب في الوضوح والبیان.

فالباري (عز وجل) جعل دلائل التوحید في متناول الجمیع بحیث لیس لأحد التنكر والاحتجاب وعدم الوصول بل امكان الوصول واضح ومتوفر وعلی كل تقدیر یجب الاستدلال تكلیفامن حیث الطریق.

العقائد علی أقسام:

القسم الأول: ما یجب فیه تكلیفا أن یكون بواسطة القطع وإن لم یكن شرطا في حصوله:

أن وجوب الاعتقاد والتسلیم - المحقق للایمان - مطلق غیر مقید بالقطع، وهو في أصول الاسس، وهي أصول الدین، ویدخل فیها القرآن

ص: 467

ونبوات الانبیاء والملائكة... فیجب تكلیفاً أن یكون الاعتقاد بواسطة القطع نعم یكفي فیها الاحتیاط أیضاً، كما هو في موارد قوة المحتمل و هذا ما ذكرناه خلافا للمشهور ووفاقاً للأدلة من امكان الاحتیاط في العقائد، فقوله تعالی: (وَ لَوْ یُعَجِّلُ اللّه لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَیْرِ لَقُضِيَ إِلَیْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الذينَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا في طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ) (1).

وقوله تعالی (وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الذينَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما یَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما یُوحی إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ) (2).

وقوله تعالی :(إِنَّ الذينَ آمَنُوا وَ الذينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا في سَبِیلِ اللّه أُولئِكَ یَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّه وَ اللّه غَفُورٌ رَحِیمٌ) (3).

وغیرها من الآیات، فإن اللّه تعالی رتب أموراً كثیرة علی مجرد الرجاء والاحتمال.

ص: 468


1- سورة یونس، الآیة 11.
2- سورة یونس، الآیة 15.
3- سورة البقرة، الآیة 218.

وأیضا قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) لابن أبي العوجاء: «إن یكن الامر كما تقول ولیس كما تقول نجونا ونجوت، وإن یكن الامر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت».

فمبدأ الاحتیاط هو تنجیز قوة المحتمل حتی في العقائد.

القسم الثاني: في غیر أسس أصول الاعتقاد وهي ما قام الدلیل علی وجوب الاعتقاد والتسلیم وسكون النفس ویكفي في حصول الاعتقاد العلم الوجداني أو التعبدي هو الظن المعتبر و هذا لا مانع من التقلید فیه إلا إذا قام الدلیل علی عدم اعبار الظن.

القسم الثالث: ما كان وجوب الاعتقاد فیها مقید بحصول العلم سواء كان العلم الیقیني الوجداني أو الظني.

واجزاء الظن المعتبر في غیر الأسس من المعارف أثبته جماعة من الأعلام ذكرناهم في كتاب (الإمامة الالهیة) وفي بحث الاصول في الجزء الأول، منهم: الشیخ الطوسي، والخواجة نصیر الدین، والشیخ البهائي، والاردبیلي، والمیرزا القمي، وصاحب المدارك... وغیرهم (رحمهم اللّه).

فإذا بنیا علی إجزاء الظن المعتبر في تفاصیل تفریعیة مترامیة في العقائد لا في الاسس والأصول - كما هو الصحیح - مثل تفاصیل البرزخ وتفاصیل الجنة والنار...

فالمعروف عندهم، بل الأكثر، حتی من المكتفین بالظن، لم یكتفوا

ص: 469

بالظن في هذه التفاصیل، إلا أنه یوجد قول قائله قلیل - وهو غیر بعید لدینا - : أن المفتي إذا كان مجتهداً في العقائد - ولا یكفي اجتهاده في الفروع - فربما یُدعی أن السیرة قائمة علی تبني واتباع المتضلع وهو من تكون له ملكة قدرة التنقیب والاستنباط في العقائد والفروع. فمثلا: إذا كان فلان من الأعلام أوحدیاً في علم الفلسفة أو العقائد أو العرفان أو التفسیر أو الكلام تبنی هذا الرأي مع تعقید البحث في حیثیاته وعقده، فتری الكثیر یتبني نظریته و لو كان تبنیهم بدرجة الظن. فالقول باعتبار التقلید أو حجیة الاجتهاد ههنا غیر بعیدة.

عدم وجوب الیقین في تفاصیل العقائد یبحث في مقامین:

المقام الأول: تحریر واثبات عدم اشتراط تفاصیل العقائد وتفریعاتها بالیقین بل یكفي الظن فیها نعم اشتراط الیقین خاص بدائرة الأصول واسس العقائد.

المقام الثاني: فإنه بعد الفراغ عن عدم اشتراط الیقین في تفاصیل العقائد والاكتفاء بالظن یقع الكلام في الأدلة الدالة علی حجیة الظن المعتبر كالفتیا في تفریعات العقائد وهي السیرة في الرجوع إلی أهل الخبرة ولا سیما إذا كان متضلع كثیرا...

ص: 470

وأیضاً عموم أدلة التفقه في الدین إذ هو غیر خاص بالفروع، بل یعم العقائد... وأیضا عموم قوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) مع ورودها في مقام المعارف والعقائد.

فالمقصود أن أدلة التقلید لا یبعد شمولها لهذه الدائرة من العقائد... والارتكاز یساعد علیها.

وأما ما ذكره الأخوند (قدس سره) من أدلة ذم العمل بالظن ومع امكان الاعتقاد والجزم الاجمالي، فصحیح ومتین وفي محله إلا أنه لا یثبت مطلوبه و ذلك لأن الاعتقاد بما هو حق وواقع علی أجماله وبما هو عند أهل العصمة تساعد علیه الاخبار إلا أن هذا لایفید عند قیام الظن المعتبر علی تفاصیل العقائد ولا یسوّغالاعتقاد الاجمالي رد الظن التفصیلي المعتبر.

أما مسألة ذم العمل بالظن فخاص بالظن الذي لا یستند إلی یقین أو في أسس العقائد والاصول، أما الظن الذي یستند إلی الیقین وفي غیر الأسس فغیر مذموم كما هو مقتضیحجیة الآیات القرآنیة التي لم تبلغ دلاتها إلا الظهور الظني.

فهو یذهب إلی أن عقد القلب لا یتحقق إلا بالعلم مع أنا ذكرنا أنه لا یشترط في عقد القلب العلم بل یكفي الاحتمال كما هو في موارد قوة المحتمل.

ص: 471

و هذا البحث ذكرناه مفصلا في الفصل الأول كتاب (الامامة الالهیة)، فتحصل أنه في الاعتقادات في غیر الدائرة المركزیة یجزي الظن الحاصل من المتضلع وخصوصا البحوث المعقدة مثل البحث المتعلق بترك المعصوم (علیه السلام) للأولی وغیرها من البحوث المعقدة، وكدرجات الأولی، وكأقسام الوحي، والجبر والاختیار، علی كثرة الرویات الواردة فیها... فإن كثیراً من الفحول في بحوث المعارف یتبنون نظریات المتضلعین ولا یشترط حیاة المقلد والمرجع؛ لأنها قائمة علی محض الخبرویة لا كما هو في الفروع من أن المرجعیة زعامة ولایة نعم یشترط الأعملیة والعدالة والحیطة وغیرها لما للمعارف من الأهمیة البالغة طبعا مع الخطوط الحمراء وهي الأسس والاصول بحیث لا تتنافی المعرفة التقلیدیة مع الاصول والاسس.

أما ضروریات غیر الاسس كالصلاة والرجعة كما ذكره العلامة المجلسي (قدس سره) فإن من لم یعتقد بالرجعة غفلة - مثلاً - لا یؤثر في اصل ایمانه. نعم، یكون ایمانه ناقصاً كما هو مشهور المتأخرین.

والصحیح أن انكار الضروریات داخل في القسم الاول من كونه موجباً للكفر وإن كان عن غفلة فإن الضرویات بما لها من واقعیة فمنكرها وإن كان عن غفلة كافر، وأما منكر غیر الضروري فهو علی رتبة من الضلال، وناقص الایمان، ولا علاقة بین معذوریته في الكفر

ص: 472

ولا في الموضوعات الصرفة(1).................................................................

وبین عدمها، إذ الكافر یمكن أن یكون معذوراً وعذره لا یخرجه عن كفره... ولا یخفی أن الكافر علی مراتب عند المتقدمین ولیس علی رتبة واحدة.

الموضوعات الصرفة تارة مرتبطة بالفرد وتارة مرتبطة بالجهة العامة فیرجع في الثانية دون الأولی:

(1) ما ذكره (قدس سره) لیس علی اطلاقه بل هو خاص بالموضوعات المرتبطة بالفرد وأما الموضوعات الصرفة المرتبطة بالجهة العامة والتي هي مظنة التنازع فاحرازها موكول للحاكم الشرعي و مثل تحدید موضوع الدفاع فالموضوع العام ذو الشأن العام لا علاقة له بالفرد بما هو لارتباطه بالنظام الاجتماعي وإذا ارتبط بالنظام الاجتماعي فولایته لمن تسند ولایة النظام الاجتماعي إلیه وهو الحاكم الشرعي.

الموضوعات المستنبطة:

وأما الموضوعات المستنبطة فهي التي یتوقف تحدیدها علی مقدمات استنباطیة واجتهادیة وهي المقدمات الاستنباطیة بعضها یرجع علی تحدید المفهوم وبعضها یرجع إلی غیر ذلك كما یتبین.

فالموضوعات المستنبطة الشرعية تحتاج إلی مقدمات مستنبطة في تحدید مفهومها، كتحدید مفهوم الصلاة ومفهوم الصوم. فأصل المفهوم

ص: 473

یحتاج إلی استنباط فإنه موضوع فرضه واعتبره الشارع فیحتاج إلی استنباط ذلك من الأدلة الشراعیة وهكذا جمیع الموضوعات التي اعتبرها الشارع.

والموضوعات المستنبطة اللغوية غیر الصرفة علی قسمین:

القسم الاول: وهي ما یكون الاستنباط في ما یحققها خارجا لا في أصل مفهومها بحیث یتدخل الشارع في تحدید بعض القیود الخارجیة أي یتدخل الشارع في وجودها لا في مفهومها وإلا فمفهومها لغوي لا خلاف فیه مثل مزدلفة وعرفة وما هو خارج عن مكة وما هو داخل فیها فالشارع لا یتصرف في المفهوم ولكن یتصرف في بعض القیود الخارجیة مثل تحدید مزدلفة إلی المأزمین وعرفة كذا وكذا وفوق الجبل غیر مجزئ بناء علی أن عرفة وادي، فإن هذه أمور وحدود وقیود للوجود الخارجي مثل المسعی كان أوسع مما هو علیه الآن وقد ضیقه الناس و مثل الطلاق فإنه علی مفهومه في اللغة واضح إلا أن الشارع اعتبر في وجوده أن یكون مثلاً بلفظ طالق فقط دون غیره وأیضا الطواف بالبیت الحرام فإن خارج المقام عند البعض خارج المسجد فلا یتحقق فیه الطواف، فلیس الكلام في مفهوم الطواف وإنما في القیود التي یأخذها الشارع في المحصل والمحقق للمفهوم خارجاً وإلا فالمفهوم واضح لا خلاف فیه.

ص: 474

ومن ذلك العصیر العنبي فإن مفهومه واضح إلا أن موضوع الحلیة منه هو ما غلی بالنار وذهب ثلثاه... فالشارع لم یتدخل في مفهوم العصیر العنبي وإنما تدخّل في ما یحققه من شروط وقیود.

القسم الثاني: أن یكون المفهوم هو المفهوم اللغوي أو العرفي إلا أن الشارع قد أضاف قیدا استنباطیا إلی نفس المفهوم اللغوي فلیست هي بشبهة مفهومیة اصطلاحاً عند الاصولیین وأكثر الموضوعات المستنبطة التي یذكرونها هي من هذا القبیل إذ لا اجمال في مفهومها لا لغة ولا عرفا ولیس للشارع فیها حقیقة شرعیة وإنما الشارع أضاف قیداً أو قیود وهذه القیود مختلف فیها بین الأعلام سعة وضیقاً.

والحاصل أن الموضوع إذا ارتكز واعتمد علی قید استنباطي لا یكون بید المكلف.

وبیان ذلك: أن الموضوع الذي یرتكز ویعتمد علی قید استنباطي فیه تفصیل؛ لأن القید تارة لا ینفك عن المفهوم في الاحراز، فإحرازه مساوٍ لاحراز المفهوم، فلیس المفهوم بید المكلف.

وتارة یمكن انفكاكه عن المفهوم في الاحراز كأن یثبت المفهوم بطریق ویثبت القید بطریق آخر فلا بأس بكون المفهوم بید المكلف والقید بید الفقیه ومن هذا القبیل الموراد الواضحة للمفهوم التي لا تحتاج

ص: 475

إلی الرجوع إلی الفقیه، بخلاف بعض الجهات المبهمة والمجملة والخلافیة فیرجع فیها إلی المجتهد، وهكذا مثل الغناء حصة منه مفهومها واضح فتطبیقها بید المكلف، وحصة أخری منه مجملة فلابد فیها من الرجوع للمجتهد. نعم، بعد الاستنباط لتلك المفاهیم والقیود یكون أمرها في التطبیق موكول إلی المكلف ولعل المكلف في تطبیقها أعرف بكثیر من المجتهد.

وكثیر من الموضوعات یظن بعض الأعلام انها موضوعات صرفة والصحیح أنها لیست كذلك وإن كان مفهومها واضحا لا تردد فیه ولكن من جهة اشتمالها علی قید أو قیود استنباطیة، واستشكالهم یرجع إلی أن رجوع المجتهد - إلی قیود غیر شرعیة كالرجوع إلی الرجالي تارة وإلی اللغة تارة وإلی الفلك أخری أو من جهة عالم التشریح وهكذا - لا دلیل في حقه علی الأخذ منه مع أن الدلیل هو الرجوع إلی أهل الخبرة وشمول أدلة "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" بناء علی أنها مشیرة للسیرة العقلائیة.

نعم لو بنینا علی أن التقلید زعامة وولایة فهي غیر شاملة لقول الرجالي ولا اللغوي... وغیرهما، وأما لو كانت من جهة الخبرویة فأدلة الرجوع إلی أهل الخبرة شاملة فیوجد تزاوج وتلفیق في تحدید المفاهیم من جهتین، فكما یرجع مجتهد لاصول الفقه فهو یرجع إلی أهل الخبرة

ص: 476

في المبادئ المتكررة كعلم الرجال والصرف واللغة... وغیرها، وهكذا بالنسبة إلی بعض الحیثیات في موضوعات الأحكام غیر المتكررة في الأبواب فكلها ترجع إلی الشبهة المفهومیة والحكمیة لا الموضوعیة كما توهمه بعض الأعلام.

فرجوع مجتهد إلی أهل الخبرة في الفلك لتحدید بعض المباحث الفلكیة المرتبطة ببعض الأبواب الفقهية وإلی عالم التشریح لتحدید الكعب في المسح في الوضوء من الشبهات الحكمیة لا كما توهم أنها من الشبهات الموضوعیة.

حجیة أهل الخبرة عام للحسیات والحدسیات أو خاص بالحسیات:

إلا أن الجدیر بالتنبیه هو أن حجیة قول أهل الخبرة في خصوص العلوم التي تعتمد علی الحس خاص بالحسیات أو القریبة منها ولا حجیة لحدسیاتهم فیها.

فكون علم الرجال والأدب واللغة من العلوم الحسیة المنقولة مثل علم الحدیث فإنه نقلي فالعمدة فیه هو الحس كالنقل والسماع فاعمال الحدس فیه لیس بحجة وإذا كان عمال الحدس لیس بحجة فالتقلید لیس بحجة؛ لأن التقلید هو الاعتماد علی النتائج الحدسیة، والمفروض أن هذه العلوم حسیة لا حدسیة.

نعم، الاعتماد علی النقول الحسیة هو حجة ولكنه لیس بتقلید بل من

ص: 477

باب العمل بالاخبار الصحیحة فلا یُعبأ بالحدسیات في العلوم الحسیة ولا یكون الحدس في هذه العلوم مدارا في الحجیة، فالتقلید في هذه العلوم لیس بحجة، فلو أتی رجالي ووثق مفردة وكان ذلك التوثیق مبني علی الحدس فلا یكون حجة ؛ لأن علم الرجال حسي فلا یعول فیه علی الحدس نعم لو كان ینقل التوثیق حسا فیقبل قوله وكذا اللغوي: لو أخبر بأن ظهور الآیة كذا وكذا فلا یقبل منه، إذ لا یقبل قوله إلا في النقول الاستعمالیة عن العرب بما هي نقل حسي فلا یصح التقلید في علوم اللغة والحدیث لأن التقلید مقصور علی النتائج الحدسیة. ولاختصاص أدلة التقلید كآیة النفرة أو آیة السؤال أو جملة من الروایات بموراد الشرعيات وأما السیرة العقلائیة في التقلید فهي قائمة علی الرجوع لأهل الخبرة في الموارد الحسیة لا الحدسیة.

هذا ملخص ما ذكره الأعلام.

وفیه تأمل ؛ لما بیّناه صغرویاً في علم الرجال من أن جملة وافرة من كلمات الرجالین وأرباب الجرح والتعدیل مبنیة علی الحدس وإن كان قریباً من الحس إلا أنه حدس و ذلك لأن كثرة من توثیقاتهم لیست مستندة إلی مصدر حسي كملاحظة سلوك الرواي الظاهري بل الجرح والتعدیل قائم علی مضامین الرویات التي یرویها الراوي.

ص: 478

و هذا السلوك في التوثیق متفشي عند الرجالیین من الفریقین فما یقال ویدعی من أن مصادر نقولات أقوال ارباب الجرح والتعدیل نقولات حسیة متواترة دعوی لا شاهد لها نعم في جملة من الموارد لها مصدار حسیة إلا أنها غیر منقولة ولم یفصح عنها، فإن النجاشي والبرقي وابن الغضائري والشیخ الطوسي - مثلاً - في أغلب الموارد لا یصرحون بمستند توثیقهم أو تضعیفهم نعم الكشي دابه یذكر ما یستند علیه، وكذا عند العامة.

فحجیتها من باب النقولات الحسیة إلا أنها مراسیل بالنسبة إلی من لم یدركوا عصره - ولا یعني أن المراسیل لا قیمة لها - والقول بأنها شهادات متواترة لیس بصحیح إذ كیف یصغی لهذه الدعوی مع كون الكتب الاربعة هي روایات ولم یصغ لدعوی التواتر فیها فكیف بالكتب الرجالیة التي المهم فیها أقل بكثیر من الكتب الروائیة فلا یصغی لدعوی أن جمیع التوثیقات الرجالیة حسیة، فكما أن فیها التوثیق الحسي فیها الحدسي أیضاً. وأیضا في جملة من الموارد الحسیة ارسال. وعلیه فإذا كانت التوثیقات الرجالیة فیها ما هو حدسيّ وحسيّ مرسل فیقع الكلام في تخریج حجیتها.

مشكلة توثیقات الرجالیین فیها الحسي والحدسي، وتخریج ذلك:

وقد ذكرنا في علم الرجال ثلاثة تخریجات:

التخریج الأول: تجمیع القرائن لتحصیل الاطمئنان.

ص: 479

التخریج الثاني: من باب الرجوع إلی أهل الخبرة.

التخریج الثالث: من باب الانسداد الصغیر الذي یرجع إلی حجیة أهل الخبرة والرجوع إلی أهل الخبر هو التقلید.

نعم، لا ینكر وجود التوثیقات الحسیة ولكن كثیر من التوثیقات باعتبار مضامین ما یرویه الرواي فیشخصون مذهبه ووثاقته وغیر ذلك اعتماداً علی مضامین الروایات التي یرویها و هذا الاستنتاج حدسي وإن كان مبني علی الحس.

هذا بالنسبة إلی معاصریهم فضلا عمن لم یعاصروه، فإن رأي الفضل بن شاذان - مثلا - في معاصریه مبني علی ما یرونه من الروایات، حتی قال: (الكذابین المشهورین ستة)، ومع ذلك لم یكن توثیقه وقدحه ناتجاً من ملاحظة سلوكهم العملي بل من جهة ما یرونه.

ومن هذا موقفه في محمد بن سنان وجابر بن یزید الجعفي وأبي سمینة الصیرفي... وغیرهم، فهذه التوثقیات خاضعة لما یرونه من الاخبار وسلوكیاتهم المدرسیة ولیس القضیة حسیة محضة، بل أن جل مواقف أهل الجرح والتعدیل هي بسبب المسالك والمشارب الكلامیة ولیست مواقفهم راجعة للسلوك العملي والاخلاقي.

وعلی أي تقدیر فهذا علم الرجال لا یمكن أن ندعي أنه علم حسي بل هو علم تتدخل فیه الجوانب الحدسیة.

ص: 480

ومن هنا تكون جل أقوال الأعلام في الرجال فتاوی حدسیة ولیست نقولات حسیة فیشملها عموم أدلة التقلید كآیة النفر وآیة السؤال وغیرها الشاملة لغیر الشرعيات لكونها تشیر إلی سیرة ارتكازیة عن مسیرة السیرة العقلائیة من رجوع الجاهل إلی العالم ورجوعه إلیه - كما نبینه - لیس فقط في الحدسیات و ذلك لان العلوم المتعمدة علی الحس كعلم الحدیث والعلوم التجریبیة وغیرها لا یخلو من الالمام والاحاطة الشاملة من الخبرویة بحیث توجد ملكة تكون الحسیات موضوعاً للاستنتاج والاستنباط لتلك الملكة، فالمیرزا النائیني (قدس سره) - مثلا - كان یعول كثیرا علی آراء المیرزا النوري (قدس سره) وكان معاصراً له؛ و ذلك لكون المیرزا النوري (قدس سره) محیطاً بالروایات ولحن الاستعمال الروائي ومعرفته بمضان وجود الأبواب وغیرها مع أنها أمور حسیة إلا أن الالمام المترامي في ذلك المجال یحتاج إلی تخصص وخبرویة بحیث یرجع إلیهم ولا یسألون عن المستند وكیفیة التوفیق بین هذه المفردة وتلك. وعلیه فكون أن العلم حسیاً لا یعني عدم وجود موضوع للتقلید؛ و ذلك لأن نفس الالمام والاحاطة والتطبیق یقتضي نوع من الخبرویة وهي مندرجة في سیرة العالم للجاهل. نعم، لو ذكر المصدر الحسي فقد یكون الرجوع إلیه من جهة النقل الحسي إلا أنه لیس بالضروري أن الرجوع إلیه لأجل افصاحه وبیانه لمعتمده الحسي أو كیفیة ترتب مواد مستنده الحسي.

ص: 481

فالامر في الحسیات أما أنه لا یحتاج إلی الالمام والاحاطة أو یحتاج فإن كان من قبیل الأول فالقول كما قالوا وأما لو كان یحتاج إلی المام بالحسیات والتألیف بینها واستحضار ملازماتها ومعرفة خصوصیاتها فهذا مما یتوقف علی الخبرة والتضلع وملكة استنتاج الأمور الحسیة التي لا یصل ولا یطلع علیها إلا الخبیر و هذا لیس بالأمر الهین فلا یتسنی إلی كل أحد مع أنها توفیق بین الحسیات و ذلك لتوقفه علی الاحاطة الشاملة والالتفات إلی خصوصیاتها وملازماتها مما لا یتسنی إلا لأهل الخبرة في ذلك المجال.

فالصحیح أن الرجوع إلی أهل الخبرة حتی في الحسیات - كعلوم اللغة والحدیث والرجال وغیرها - مما قامت علیه السیرة من الرجوع فیها إلی أهل الخبرة، وعلیه فإنه بقدر ما یكون للباحث باع في هذه العلوم لا یكون التقلید في حقه في هذا المقدار بحجة كما مرّ في المتجزئ فإنه بقدر قدرته لا یصح له التقلید والتقلید فیما هو فیه عاجز.

ما تلخص من حسیة توثیقات الرجالیین:

الأول: أن النتائج الموجودة عند ارباب الرجال والحدیث والدرایة لیست حسیة كلها بل هي ممزوجة بین حس وحدس.

الثاني: أن الالمام بهذا الكم الكبیر یورث خبرة وتضلع.

ص: 482

الثالث: أن أدلة التقلید سواء في الآیات والروایات أو السیرة كلها تشیر إلی كبری واحدة وهي رجوع الجاهل إلی العالم وهي غیر مختصة بالشرعيات وذكر الشرعيات مورد لها ولیس بتخصیص، وغیر مختصة بالحدسیات المحضة بل تعم وتشمل درجات الحدس الممزوج بحس قوي إذا كان الحس مترامي الاطراف و مما یحتاج إلی تضلع ودرایة واحاطة.

الرابع: أن جواز الرجوع والتقلید في هذه العلوم هو في خصوص الدائرة التي لا قدرة له فیها كما في المجتهد المتجزئ، لصدق رجوع الجاهل إلی العالم فیما هو عاجز لا فیما هو قادر و هذا هو المشاهد عند الأعلام، فإنه بقدر ما عنده من قدرة في علم الرجال مثلاً تراه یتبنی ویبني... وفیما لا قدرة له یقلد ویرجع... وهكذا في بقیة العلوم تری المزاوجة غیر غریبة في العلوم للفرد الواحد بین الاجتهاد والتقلید بقدر قدرته التي لا حرج في اعمالها لعدم كونه جاهلاً فیما یقدر حتی یرجع إلی غیره.

التقلید في أصول الفقه وعلم الكلام وغیرهما:

أما بالنسبة إلی أصول الفقه وعلم الكلام وما شابه ذلك من العلوم العقلیة فقد ذكر السید الخوئي (قدس سره) أنه یصح التلفیق من التقلید في أصول الفقه - بل علم الكلام والفلسفة وغیرها - والاجتهاد، فلو كان له قدرة

ص: 483

علی الاستنباط في الفروع وغیر قادر علی الاستنباط في الأصول و ذلك لشمول الادلة له فلا مانع منه من حیث الكبری.

إلا أن الكلام في تحققه صغرویا وخارجاً، فهل یوجد في الخارج شخص متمكن من الاستنباط في الفروع دون أن تكون له قدرة علی الاستنباط في الأصول حتی یقلد فیها؟

الصحیح أن هذه المسألة لا صغری لها في الخارج، و ذلك لحصول الملازمة في العادة بین المتمكن من استنباط الفروع وبین القدرة علی استنباط الاصول وإن لم یمارس عملیة الاستنباط.

فكلامه في الجملة صحیح لا بالجملة؛ لأنا نری بعض المسائل الأصولیة لا یحلها إلا أوحدی الفن إذ أنها لیست علی وتیرة واحدة من حیث التعقید والسهولة، وهكذا المسائل الكلامیة والفلسفیة فمسألة الابتكار لا تنافي الاجتهاد إلا أن كثیرا من المسائل في فنون العلوم معقدة بحیث لا یحلها ویهذبها إلا أصحاب الابتكار والباقون علی أثرهم تابعون لهم، ومن تلك المسائل في علم الاصول مسألة مجهولي التاریخ واجتماع الامر النهي واستصحاب العدم الأزلي وغیرها من المسائل المعقدة في باب كل فصل، والبعض رسم له مبانيَ وتبعه في ذلك البقیة.

فصغرویاً یوجد بكثرة من له قدرة استنباط الفروع والعجز عن استنباط الاصول فلا یسعه إلا التقلید فیها.

ص: 484

وبعبارة أخری: توجد القدرة علی الاجتهاد في بعض مقدمات كل مسألة مسألة، وبعضها الآخر لا قدرة علی الاجتهاد فیها أصلاً، ولهذا قال بعضهم: قد یوجد مجتهد مطلق ولكن لیس هناك محقق ومبتكر مطلق، بل بعضهم لا یثبت الاجتهاد المطلق إلا إلی المحقق والمبتكر المطلق، وعلی أي حال فمع اختلاف الانظار في هذا المعنی لا منع من التزاوج بین الاجتهاد والتقلید فما أكثره وقوعاً من زوایا وحیثیات مختلفة، والضابطة فیها هي شمول السیرة في رجوع الجاهل إلی العالم وعدم اقتصارها واختصاصها بالجاهل المطلق بل تشمل حتی المتجزئ وأیضا غیر مختصة بالرجوع في الحدسیات المحضة بل تشمل العلوم الحدسیات القریبة من الحس أیضا بل في كل علم یحتاج إلی خبرة وتضلع ومهارة وما شابه ذلك.

عدم اختصاص الموضوعات المستنبطة بالاستنباط الفقهي:

والجدیر بالتنبیه أن الموضوعات المستنبطة لا تختص بالاستنباط الفقهي الشرعي، فإذا كانت بعض الموضوعات تحتاج إلی استنباط من علوم وخبرات أخری فلابد من الرجوع إلی أهل الخبرة في تلك العلوم إلا فیما ردع عنه الشارع، كما في فقوله: «صم للرؤیة وافطر للرؤیة» فإنه ردع عن الرجوع إلیهم، فلا یعول علی قول الفلكیین في ذلك. نعم یمكن الأخذ بقول الفلكیین - كما قال بعضهم - كقرینة مضادّة لا مثبتة.

ص: 485

فلو شك المقلد في مایع أنه خمر أو خل مثلا، وقال المجتهد : إنه خمر، لا یجوز له تقلیده، نعم من حیث أنه مخبر عادل یقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل، وهكذا، وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما فیجري التقلید فیها كالأحكام العملیة.

(مسألة 68) لا یعتبر الأعلمیة في ما أمره راجع إلی المجتهد(1)

المسألة الثامنة والستون: عدم اعتبار الاعلمیة في الولایة علی القصر والامور الحسبیة وغیرها من الامور الراجعة للمجتهد

اشارة

(1) أي الجامع للشرائط عدا الأعلمیة إلا في التقلید فتعتبر الأعلمیة فمجال الولایة في السلطة التشریعیة تعتبر الأعلمیة ولا تعتبر في مجال الولایة في السلطة التنفیذیة مثل الولایة علی الأوقاف والمجانین والقصر والوصایا التي لا وصي لها وغیرها من الامور الحسبیة، وأما الولایة في السلطة القضائیة، فالأحوط عند الماتن (قدس سره) اعتبار الأعلمیة الاضافیة وهي الاعلمیة بالنسبة إلی ذلك البلد وغیرها مما لا یكون حرجا في الترافع إلیه.

وبعضهم - كالسید الگلپایگاني والشیخ آل یاسین والمحقق النائیني (رحمهم اللّه) - خصوا اعتبار الأعلمیة في السلطة القضائیة إلی الولایة التنفیذیة فیما كان النزاع في الشبهة الحكمیة.

ص: 486

بیان مباشرة الامام الحجة(علیه السلام) شؤون البشریة عامة:

وقد تقدم الكلام في الافتاء والسلطة التشریعة أما بالنسبة الولایة النتفیذیة للفقیه فهي أولا بالنیابة عن المعصوم (علیه السلام) لا بالأصالة كما هو مذهب العامة، وبیّنّا ذلك مفصلاً في الفصول الثاني والرابع والخامس والسابع والثامن من كتاب (الأمامة الالهیة)، وبیّنا أیضاً في ذلك أن الامام الحجة (علیه السلام) یباشر الآن بالخفاء شؤون الارض وشؤون البشریة لا المسلمین فقط، وبیّنّا الأوهام والأخطاء التي أثارها العامة من القدیم إلی الآن - كالفضل بن روزبهان - بأنه لا یدبر أمور الرعیّة ولا یحرك ساكناً، حتی إنها سرت إلی أذهان بعض الشیعة، وقد جاء في الاخبار كما في قوله (عجل اللّه فرجه الشریف) : «إنا غیر مهملین لمراعاتكم، ولا ناسین لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء فاتقوا اللّه جل جلاله وظاهرونا علی انتیاشكم من فتنة قد أنافت علیكم یهلك فیها من حم أجله ویحمی عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهینا، و اللّه متم نوره ولو كره المشركون».

بل في أحادیث السنة من الفریقین مثل: «الخلفاء بعدي أثنا عشر» وهو مروي بكثرة وفیه تتمة، وقد حدث به النبي (صلی اللّه علیه و آله) في مواطن كثیرة باختلاف الألفاظ، وفي بعضها: «ما زال أمر الناس في خیر...»، ولم یقل أمر المسلمین بل الناس، فإدارة أمر البشر وصلاحها مربوط به (علیه السلام)،

ص: 487

فانقلاع الكوارث العامة لا یعرف سببه ولا وجهه إلا أن هناك أصابع خفیة تدبر قامت بقلعه وكلما ازداد الجهاز المنظم خفیة ازداد قوة فالغیبة هي كینونة القدرة والسلطة والقوة لا كینونة الضعف وعدم التصدي كما یفهمه البعض حتی من الوسط الداخلي من أنه (علیه السلام) غیر متصدي بالفعل للتدبیر وفي علوم الأمنیة والسیاسیة والاكادیمیة بل إنه كلما أزداد التدبیر خفاءً ازداد قدرة وقوة، و هذا من معاجز علم أهل البیت (علیهم السلام) لان الغیبة عنصر قوة وتدبیر لا كما یفهمه البعض من أنه مغلول الیدین لا تدبیر ولا عمل له، وقد جمعنا في كتاب (الامامة الألهیة) كثیراً من الآیات والروایات الدالة علی التدبیر الخفي لرسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله) قبل بعثته وبعدها، وأیضاً تدبیر أمیر المؤمنین (علیه السلام) قبل خلافته الظاهرية وبعدها، وكذا باقي الأئمة (علیهم السلام)، فما ورد في روایة علي بن حمزة : لما أمر هارون العباسي بعض جنوده أن یقتلوا الامام الامام موسی بن جعفر (علیه السلام)، قال: «كان یتقدم الرشید إلی خدمه إذا خرج موسی بن جعفر من عنده أن یقتلوه، فكانوا یهمون به فیتداخلهم من الهیبة والزمع فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب و جعل له وجهاً مثل وجه موسی بن جعفر، و كانوا إذا سكروا أمرهم أن یذبحوها بالسكاكین، و كانوا یفعلون ذلك أبدا، فلما كان في بعض الأیام جمعهم في الموضع وهم سكاري، و أخرج سیدي

ص: 488

إلیهم فلما بصروا به هموا به علی رسم الصورة، فلما علم منهم ما یریدون كلمهم بالخزریة والتركیة، فرموا من أیدیهم السكاكین، ووثبوا إلی قدمیه فقبلوهما، وتضرعوا إلیه، وتبعوه إلی أن شیعوه إلی المنزل الذي كان ینزل فیه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا: إن هذا الرجل یصیر إلینا في كل عام فیقضي أحكامنا ویرضي بعضا من بعض، ونستسقي به إذا قحط بلدنا، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إلیه فعاهدهم أنه لا یأمرهم بذلك»(1).

وكذا أخبر الامام الكاظم (علیه السلام) أیضا أثناء رجوعه من المدینة إلی سجنه في بغداد فلما كان عند الزوال صلی خلفه الكثیر والكثیر فقال له ابن المسیب: من هؤلاء؟ فقال (علیه السلام) : «هؤلاء أصفیاء اللّه جمعهم لي حتی نصلي» فللامام (علیه السلام) سواعد وأیدي تتحرك بأمره وتدبیره.

وكذا عتاب ابن أسید - وكان شاباً - لما فتح النبي (صلی اللّه علیه و آله) مكة جعله والیا علیها فسأل النبي (صلی اللّه علیه و آله) : كیف اقضی ولم أتعلم منك یارسول اللّه حكماً ؟ فقال (صلی اللّه علیه و آله) : «لا علیك، إذا عارك أمر فانظر في یدك فستجد منا جوابه»، وكان یحكم بذلك. ولیس ارتباطه بالرسول (صلی اللّه علیه و آله) مادیا بل هو ارتباط، غیبي غیر مرئي ولیس حسیا اعتیادیا.

ص: 489


1- مناقب آل أبي طالب: ج 3 ص 418، بحار الأنوار: ج 48 ص 140.

وفي الروایة: «ثم إن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أمر الریح فسارت بنا إلی جبل قاف، فانتهینا إلیه، وإذا هو من زمردة خضراء، وعلیها ملك علی صورة النسر، فلما نظر إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال الملك: السلام علیك یا وصي رسول رب العالمین وخلیفته، أتأذن لي في الكلام؟ فرد (علیه السلام) وقال له: إن شئت تكلم، و إن شئت أخبرتك عما تسألني عنه. فقال الملك: بل تقول أنت یا أمیر المؤمنین، قال: ترید أن آذن لك أن تزور الخضر (علیه السلام)، قال: نعم، فقال (علیه السلام) : قد أذنت لك. فأسرع الملك بعد أن قال: (بسم اللّه الرحمن الرحیم)، ثم تمشینا علی الجبل هنیئة، فإذا بالملك قد عاد إلی مكانه بعد زیارة الخضر (علیه السلام)، فقال سلمان: یا أمیر المؤمنین، رأیت الملك ما زار إلی الخضر إلا حین أخذ أذنك. فقال (علیه السلام) : یا سلمان، والذي رفع السماء بغیر عمد، لو أن أحدهم رام أن یزول من مكانه بقدر نفس واحد لما زال حتی آذن له، وكذلك یصیر حال ولدي الحسن وبعده الحسین تاسعهم قائمهم». یدل علی سعة تدبیر الامام (علیه السلام) وعظمة البرنامج الذي یقوم به و أن الملائكة یتلقونه من خلیفة اللّه.

وأما مسألة عدم تصور هذه السلطة الالهیة فهذا لنقص العقول ومدركاتها فلیس تدبیر الارض فقط للأمام (علیه السلام) بل تدبیر ملائكة السماوات - ولیس أي ملك من الملائكة بل المفاضل من الملائكة - هم من یأخذ الاوامر من الأئمة (علیهم السلام)، ومن ذلك قول الإمام الصادق (علیه السلام) فی

ص: 490

جوابه لمقصّرة الشیعة: «ومقصرة شیعتنا تقول: معنی الرجعة أن یرد اللّه إلینا ملك الدنیا و أن یجعله للمهدي. ویحهم متی سُلبنا الملك حتی یرد علینا...»(1).

وهنا تكمن العبودیة لهم بما أعطاهم اللّه من تلك السلطة الالهیة، ومع ذلك فهو عبد ذلیل بین یدي اللّه العزیز تعالی ویسلم بكل ما یجري علیه، ومن هذا القبیل كثیر من الاخبار فضلا عن الآیات، وإلا فالقرآن یثبت أن اللّه جعل ابراهیم (علیه السلام) أماماً، ولم ینقل أنه تولي منصبا ظاهریاً، بینما ذكر التاریخ أنه (علیه السلام) صنع شیئا لا تصنعه الدول، فقد غیّر دین مجتمعات الشرق كلها من الوثنیة إلی التوحید، فما هي تلك القدرة؟!

وهذه الاشكالات القدیمة التي كنا نردّها علی العامة قد تسربت إلینا فصارت كأنها مسلّمات، فلابدّ من التأكد بقوة التنبیه علی أن المعصوم (علیه السلام) هو ولي بالفعل ومتصدٍ للتدبیر ولیس مجمّداً لا تدبیر له.

وقد ذكرنا آیات وروایات كثیرة في كتاب (الامامة الالهیة) بشكل مفصل. فبحسب عقیدة الامامیة أن الولي بالفعل الامام المعصوم (علیه السلام) في كل زمن، وإذا كان بحث في البین ففي خصوص نیابة الفقیه ولیست ولایة الفقیه بالاصالة وإنما هي ولایة وصلاحیة نیابیة عنه (علیه السلام)، و هذا

ص: 491


1- الهدایة الكبری: ص 416، بحار الأنوار: ج 53 ص 26.

مفترق بین الزیدیة والاسماعلیة والعامة وغیرهم هذا من جانب، وبین الامامیة من جانب آخر، فإنهم یقولون بالولایة الفعلیة لخصوص الأمام الثاني عشر (عجل اللّه تعالی فرجه).

تبعیة نیابة الفقیه لولایة المعصوم(علیه السلام) وحدودها:

إن هذه النیابة والصلاحیة الممنوحة من المعصوم (علیه السلام) للفقیه تسلب المعصوم (علیه السلام) وظیفته، إلا أن هذه المؤاخذة لیست علی من یتوهم أن الولایة مأخوذة بالاصالة للفقیه بل هي واردة علی من تمسك بالحسبة كما هو عند المتأخرین لعدم وجود دلیل النیابة فقط من باب الاحتیاط والتقیّد... وغیرها، و أن الحسبة دالة علی أن الفقیه له قدرة وجواز تصرف وولایة إلا أن هذه الحسبة وللاسف علی منهج العامة فإنهم احتاطوا من جانب في الولایة ولكنهم ارتكبوا خلاف الاحتیاط من جانب أخر؛ لأن الحسبة إذا تصاغ بهذه الكیفیة وهي أن اللّه یأذن ویجیز للفقیه أن یمارس التصرفات في الشؤون العامة لضرورة تلك الموارد، و أن هناك إذن مباشر من اللّه للفقیه بأن یباشر هذه التصرفات ویقع السؤال والكلام حیئذ عن موقع الامام المعصوم (علیه السلام) أولیس أن كل الولایات بالفعل بحسب أدلة وبراهین معتقد الامامیة له (علیه السلام) فهذا الرأي فیه قفزة علی ولایة المعصوم (علیه السلام) فإن الحسبة بهذه الصیاغة قد استدل بها العامة والمفروض أن دلیل

ص: 492

الحسبة لا یصاغ بهذه الكیفیة بل یصاغ بما یتفرع عن أذن المعصوم (علیه السلام) للفقیه، لا أن نقرر أن اللّه یأذن مباشرة حتی یستدل علی ذلك بأن هذه الامور ضروریة ولا یرضی الشارع بتفویتها، فاللّه هو الآذن مباشرة، و ذلك لما فیه من الالتفاف علی التنظیم الالهي، وهذه هي الصیاغة هي المقررة في كتب العامة.

أما علی مسلك الامامیة فلا تصاغ إلا باستكشاف إذن المعصوم (علیه السلام) لأنه لا یمكن تخطیه لأن بیده مقالید الأمور عند اللّه ورسوله، وهذه الامور بنیویة عقائدیة تبتني علیه هذه المباحث الفقیه في الفقه السیاسي والسلطة التنفیذیة وحتی السلطة التشریعیة خلافا للعامة فإن الفقیه لا یستطیع في الافتاء أن یتعدی ویتخطی المعصوم (علیه السلام) بل هو دائما یستقي منه (علیه السلام) لأن بیده (علیه السلام) الأمور، فتلك الصیاغة غفلة أخذت من العامة، نعم یمكن أن تصحح الصیاغة ویقال بأنا نستكشف من هذه الضرورة رأي المعصوم (علیه السلام) فالانسداد في الموارد الحسبة یستكشف منه أذن المعصوم (علیه السلام) لأنه هو صاحب الولایة وصاحب الامر والنهی.

هذا لو اعتمدنا وانتهجنا دلیل الحسبة، وإلا فالروایات كما نبین تدل علی النیابة العامة للفقیه، وكذا الاستدلال بالآیات فإنها واضحة علی ولایة الفقهاء بالنیابة عن المعصوم (علیه السلام) لا بالاصالة لأن معنی النیابة عن المعصوم (علیه السلام) تقتضي أن تكون للمعصوم (علیه السلام) ولایة بالفعل ینوب عنه

ص: 493

غیره وإلا لو لم تكن له ولایة بالفعل لما كان أحد نائبا عنه لعدم موضوع النیابة والأدلة الكثیرة تثبت النیابة الفعلیة للمعصوم (علیه السلام) من الآیات والروایات.

الآیات الدالة علی نیابة الفقیه:

والآیات الدالة علی نیابة الفقیه كثیرة، منها:

1- قوله تعالی: (إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُديً وَ نُورٌ یَحْكُمُ بِهَا النبيونَ الذينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِینَ هادُوا وَ الرَّبّانِیُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّه وَ كانُوا عَلَیْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآیأتي ثَمَناً قَلِیلاً وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (1).

فإنها تدل علی أن التوراة یُحكم بها ولیس الحكم خاص بالسلطة القضائیة بل شامل، فلهم الولایة في مطلق الحكم بجمیع مراتبه وقوله تعالی : (الذينَ أَسْلَمُوا) أي فهذه سنة في دین الاسلام فكل من أسلم من الانبیاء فهذه سنتهم فلیست بخاصة بانبیاء معینین ودین الانبیاء هو دین الاسلام، وقوله (لِلَّذِینَ هادُوا) أي أتباع موسی (علیه السلام)، وقوله (وَ الرَّبّانِیُّونَ) أي الاوصیاء، وقوله: (وَ الْأَحْبارُ) هم العلماء والفقهاء، الآیة تبین أن سلسلة مراتب ولایة الحكم ذات مراتب و أن المرتبة الأولی

ص: 494


1- سورة المائة، الآیة 44.

للأنبیاء ثم للأوصیاء ثم للعلماء وهذه سنة في دین الاسلام مضافا إلی أن قوله تعالی: (وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) یدل علی أنها سنة الهیة ولیست مخصوصة بالتوراة.

وقوله: (وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) وأیضا قوله: (وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) (1)، واردة في موردین في اقامة الحدود وشیئ آخر فهي في اقامة حدود في زنا یهودي ویهودیة ولیس هو جانب قضائي في الأصل لأنه لیس في مورد فصل خصومة بل هو مرتبط بجانب أمنی وتنفیذي فالكتب السماویة نزلت لیحكم بها في جانب التشریع والسیاسة التنفیذیة والقضاء.

فالأیة دالة علی نیابة الفقهاء عن المعصوم (علیه السلام) تبعا للمعصوم (علیه السلام) فلیس لهأن یبدل أو یغیّر بل هو تابع مطلقا فلیس له أن ینشأ ویفتي من عند نفسه بل هو تابع فكذا في القضاء والتنفیذ.

والقرائن الدالة علی التبعیة ثلاث، وهي:

أولاً: ذكر الاحبار في طول الانبیاء والاوصیاء.

وثانیاً: المراد من الاحبار هم الفقهاء الذين یفهمون ویتعلمون ما عند الأنبیاء والاوصیاء، فمصدر علمهم هو ما یتلقونه من الاوصیاء والانبیاء.

ص: 495


1- سورة المائة، الآیتان 44 و 45.

وثالثاً: التبعیة في السلطة القضائیة والتنفیذیة إذ منصب الافتاء منبثق من سنن اللّه والرسول والاوصیاء ومنصب القضاء والتنفیذ متوقف علی الافتاء فالتبعیة في جمیع المناصب فالسلطة الافتائیة والتشریعیة مهیمنة علی بقیة الولایات.

2- آیة النّفر وهي قوله: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) (1) فالمتعارف في الاستدلال بها علی خصوص السلطة الفتوائیة والتشریعیة التابعة للمعصوم لأن التفقه والفهم لابد له من مرجع لیفهم منه وكذا النفر لابد للنافرین من شخص ینفر ویتوجه ویرجع إلیه إلا أن الصحیح أنها أعم في الدلالة من مورد الإفتاء.

وبیان ذلك: أن قوله: (وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ)، والانذار لیس وعظاً وارشاداً فقط بل الانذار نوع من التدبیر والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، والدین له دخالة في جمیع جوانب الحیاة سواء القضائیة أو التنفیذیة فحكم الفقهاء وانذارهم یصل إلی تلك الجوانب فلهم الرقابة علی مسار الناس وشؤونهمونفس الانذار له هذه الشمولیة وقد استعمل الانذار في وظیفة الانبیاء الذين لهم ولایة الحكم والتشریع والقضاء والتنفیذ.

ص: 496


1- سورة التوبة، الآیة 122.

وببیان آخر في دلالة آیة النفر علی هذه التبعیة في مراحل الحكم هو أن من یكون له سلطة تشریعیة تثبت له السلطة في بقیة المراحل لأن السلطة التشریعیة والافتائیة لها هیمنة علی السلطة القضائیة والتنفیذیة.

وهناك غیرها من الآیات ذكرناها في كتاب (الامامة الالهیة).

الروایات الدالة علی نیابة الفقیه:

فیمكن التمسك بجمیع الروایات الورادة في جعل منصب القضاء للقاضي حیث تجعل منصب الحكم والنیابة للفقیه ومنها:

1- مصححة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة في دین أو میراث فتحاكما إلی السلطان أو إلی القضاة أیحل ذلك ؟ فقال: «من تحاكم إلیهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلی طاغوت وما یحكم له فإنما یأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن یكفر به قال اللّه تعالی: (یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحاكَمُوا إِلَی الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِهِ) (1)، قلت: فكیف یصنعان؟ قال : «ینظران من كان منكم ممن قد روی حدیثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فلیرضوا به حكما فاني قد جعلته علیكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم یقبل منه،

ص: 497


1- سورة النساء، الآیة 60.

فإنما استخف بحكم اللّه، وعلیه رد، والراد علینا الراد علی اللّه، وهو علی حد الشرك باللّه»(1).

فقوله (علیه السلام) : «روی حدیثنا» بأن یكون مستقی علمه هم الائمة (علیهم السلام) فهو تابع لهم لا مستقلا عنهم بالاستحسان والتشهي بل تابع في مستند حكمه لموازین الائمة (علیهم السلام).

وقوله (علیه السلام) : «ونظر في حلالنا وحرامنا» أي من تكون معرفته عن تدبر والنظر في الحلال فلا تشمل من كانت معرفته عن تقلید.

وقوله: «فإني جعلته علیكم حاكما...» و هذا نصب منه (علیه السلام) لنیابة الفقهاء عنهم بالشروط المتقدمة. ولیست هذه المصححة خاصة بالقضاء وإن أصرّ علیه جملة من المتأخرین إلا أن الصحیح أن الحكم هنا أعم من القضاء وغیره.

وقد تمسكنا سابقاً بقرینة أن هذا الحكم في زمن صدور هذه الروایات عن المعصومین (علیهم السلام) كان یشمل ما كان العامة یتصدون إلیه من تقسیم الأرث والوصایا وجمیع الامور الحسبیة واقامة الحدود والقصاص مع أن هذه الأمور لیست أموراً قضائیة بحتة بل هي أمور ترتبط بالسلطة النتفیذیة.

ص: 498


1- وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضي، ب 1 ص 13 ح 4.

وكذا استتباب الأمن وغیرها من الامور المرتبطة بالسلطة التنفیذیة و هذا یقرّب أن السلطة القضائیة شاملة للسلطة التنفیذیة وإن كانجملة من الأعلام یشكلون علی هذه القرینة بأن هذا فعل العامة ولا دلیل علی أن المعصوم (علیه السلام) یمضي فعلهم أو یشكل صغرویا ًبأن هذه القرینة خاصة بالقاضي الوالي لا القاضي غیر الوالي وإن كانت الخدشة الصغرویة أیضا غیر واردة ؛ لأن ما نشاهده في كتب التاریخ أن القاضي یتولی شؤون الحسبة واقامة الحدود والقصاص والقضاء ولیس هو بمنصب آخر غیر منصب القضاء وهو أیضا وارد في أسئلة الرواة في روایاتنا حیث یسأل عن القیّم علی الایتام و أن القاضي لا یقبل أو تقسیم الأرث بلا منازعة وفي كثیر من الامور الحسبیة تتدخل فیها السلطة القضائیة وهذه في الحقیقة لیست قضاءا بل بالدقة ترتبط بالسلطة التنفیذیة التي تنفذ الاحكام الصادرة عن السلطة القضائیة، و هذا مشهود من القضاة سواء نصبوا ولاة أو لا.

أما جواب الخدشة الأولی:

فأولاً: إنا لا نرید أن نقول من تقریر هذه القرینة في مفاد وعنوان ومنصب القضاء:إن تشریعات الائمة تابعة لتشریع العامة وإنما المراد اثباته هو أن استعمال اللفظة بحسب زمن الصدور كان یستدعي هذه السعة و لو كان (علیه السلام) یرید غیر ذلك المعنی الواسع وتوابع شؤونه لنصب

ص: 499

قرینة فإنه كما في صحیحة ابن حنظلة : (منازعة في دین أو إرث) فنزاع الارث یشمل مسألة القسمة ولذلك عمم (علیه السلام) بقوله: «من تحاكم».

وثانیاً: قرینة أخری وهي نفس كلمة ومادة حكم أعم في الآیات والروایات واللغة ولیست خاصة بالقضاء وحل الخصومات بل هو أعم من التشریعیة والقضائیة والتنفیذیة كقوله تعالی : (یا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِیفَةً في الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَیْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ...) (1).

و هذا الجواب لیس بخاص بصحیحة بن حنظلة بل هذا البحث سیال في كل ما نستعرضه من الروایات الواردة في القضاء. فالاشكالات تكرر والأجوبة الثلاثة تدفعها.

وثالثاً: أنه لو سلمنا جدلاً أنها واردة مورد القضاء فإن أدلة الافتاء متوفرة، ومقتضاها التزاماً أن من یسند إلیه باب القضاء والإفتاء تثبت له السلطة التنفیذیة بالنیابة أیضاً و ذلك لتقوم السلطنة التنفیذیة بالتشریعیة ماهیة وهیمنة التشریعیة علی التنفیذیة ذاتا في تكوین النظام الحاكم ولا سیما أن الممارس والواقع في القضاء ممجزوج بالتنفیذ والممارس من الافتاء والسلطة التشریعیة ممزوج بالتنفیذ.

ص: 500


1- سورة ص، الآیة 26.

ورابعاً: أن قوله: «الراد علینا كالراد علی اللّه» وغیره من مثل أنا حجة اللّه وهم حجتی علیكم فإن ولایته متفرعة عن ولایة المعصومین (علیهم السلام) والتي ولایتهم متفرعة عن ولایة اللّه، وولایة اللّه عامة موردا وكذا ولایة المعصومین فكذلك ولایته المتفرعة عن تلك الولایة العامة فولایته عامة من حیث الموارد الثلاثة لا من حیث درجة الولایة سعة كالمعصوم (علیه السلام)، ولكن لا تخرج عن حیز التبعیة والانقیاد للمعصومین (علیهم السلام) مع ما یتوفر علیه من الشروط كالایمان والعدالة وغیرها مما تقدم ذكره.

2- معتبرة أبي خدیجة قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینكم فأني قد جعلته قاضیا فتحاكموا إلیه»، وروی الكلیني مثله إلا أنه قال: «شیئا من قضائنا»(1).

فقوله (علیه السلام) : «إیاكم أن یحاكم بعضكم بعضا إلی أهل الجور ولكن انظروا إلی رجل منكم» هو تشدید علی المحافظة علی سلطة المعصوم (علیه السلام) عبر أیدیه وسواعده وهم الفقهاء الامامیة، و هذا ما یحتاج إلی التفات فإن التحاكم عندهم أو اجراء عقود الزواج مثلاً لابد أن تكون

ص: 501


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب 11 ص 13 ح 5.

مجلسها مختلفا عن مجلس العقود الرسمیة القانونیة و ذلك لأن انشاء العقود في المجالس الرسمیة والدوائرة الحكومیة احیاء واظهار للدولة الوضعیة ولوجود تبعي لهم ولهذا لابد من اقامة مجلس شرعي غیر المجلس الرسمي التابع للدولة التي تحتم علیهم العقود الرسمیة، ولذلك لیستمر ولیبقی حكم وولایة المعصوم (علیه السلام) فمثلاً في العراق وایران یقام مجلسين الشرعي والرسمي.

وقد تقدم الكلام في هذه الروایة من عدم اختصاص دلالتها علی المتجزئ بل تعم المطلق؛ باعتبار أن علومهم لا تنضب فحتی الفقیه المطلق كل ما یعلمه هو شيء من قضایاهم مضافا إلی عدم حصول التحقیق في جمیع الأبواب حتی مع وجود الملكة، إذ لا یحصل عادة.

فقوله: «فاجعلوه» أنتم أي مسؤولیة المؤمنین تمكینه وبسط یده نعم هنا تصریح بأنه قاضي إلا أنه قد مرت أجوبة متعددة لا تنافي عمومیة ولایته للتشریع والقضاء والتنفیذ.

فصلاحیة الفقیه النیابیة غیر خاصة بزمن الغیبة كما ذكرنا في الجزء من كتاب دعوی السفارة في آیة النفر بل هي عامة إلی زمن ظهور الامام مع التبعیة و ذلك لأن هذا النظام في الحكم هو منظومة الهیة من اللّه ففي زمن النبي (صلی اللّه علیه و آله) للعلماء دور وكذا في كل زمان من زمان المعصومین لهم

ص: 502

ذلك الدور فهم جهاز للمعصوم و هذا الجهاز من تشكیل اللّه للمعصوم فهم اعوان للمعصوم وایدیه حسب ما رسم اللّه من تشكیلة النظام، فالفقهاء سواعد له (علیه السلام) فلیس للمعصوم أن یتخطأ هذا النظام المرسوم له من اللّه ولیس من صلاحیة المعصوم (علیه السلام) أن یجعل الجهلاء أعواناً له في محل من نصبهم اللّه (عز وجل) من العلماء وكل ذلك مع حفظ التبعیة والانقیاد وعدم الحیاد عن المعصوم (علیه السلام)، فهذا نص من الصادق (علیه السلام) علی أن من سنن المعصومین جعل اللّه لهم جهازاً تابعاً وعاماً لتلك الولایات.

3- موثقة داود بن الحصین - وهو واقفي من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) - عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) في رجلین اتفقا علی عدلین جعلاهما بینهما في حكم، وقع بینهما فیه خلاف، فرضیا بالعدلین، فاختلف العدلان بینهما، عن قول أیهما یمضي الحكم ؟ قال : «ینظر إلی أفقههما وأعلمهما بأحادیثنا وأورعهما، فینفذ حكمه، ولا یلتفت إلی الآخر»(1).

ص: 503


1- وسائل الشیعة: ج27 أبواب صفات القاضي، ب 9 ص 113 ح 20.

إلا في التقلید، وأما الولایة علی الأیتام والمجانین والأوقاف التي لا متولي لها، والوصایا التي لا وصي لها، ونحو ذلك، فلا یعتبر فیها الأعلمیة. نعم الأحوط في القاضي أن یكون أعلم من في ذلك البلد، أو في غیره مما لا حرج في الترافع إلیه.

إلا أنه یمكن أن یقال في هذه الروایة أنها واردة في قاضي التحكیم لا القاضي المنصوب إلا أنه مع ذلك یستفاد منها أنه (علیه السلام) یمضي قاضي التحكیم إذا كان فقیها عالما بالاحادیث فهو (علیه السلام) یعطي الصلاحیة لقاضي التحكیم بشرط أختیار الطرفین له و هذا التنصیب مشمول للأدلة المتقدمة إذا أخذت الفقاهة في قاضي التحكیم في هذه الروایة ولهذا قال الشهید الثاني: إذا اشترطنا في التحكیم الفقاهةَ یتطابق قاضي التحكیم مع قاضي التنصیب، ولا ملازمة بینهما علی رأینا، ولكن حیث افترض (علیه السلام) في قاضي التحكیم الفقاهة والعلم بالأحادیث فهو (علیه السلام) یمضیه وینصبه.

4- التوقیع المبارك منه (علیه السلام) : «و أما الحوادث الواقعة فرجعوا إلی رواة حدیثنا»(1).

ص: 504


1- المصدر نفسه، ب 11 ص 140 ح 9.

(مسألة 69) :

المسألة التاسعة والستون: إذا تبدل رأي المجتهد هل یجب علیه إعلام المقلدین أم لا ؟

فیه تفصیل : فإن كانت الفتوی السابقة موافقة للاحتیاط فالظاهر عدم الوجوب، وإن كانت مخالفة فالأحوط الإعلام، بل لا یخلوعن قوة (1).

(مسألة 70) : لا یجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة، أو الطهارة، أو الاستصحاب في الشبهات الحكمیة، وأما في الشبهات الموضوعیة فیجوز بعد أن قلد مجتهده في حجیتها، مثلا إذا شك في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا، لیس له إجراء أصل الطهارة، لكن في أن هذا الماء أو غیره لاقته النجاسة أم لا؟.......................................................................

وقد تقدم صحة سند هذا التوقیع الوارد في (كتاب الغیبة)، وقوله: «رواة حدیثنا» لیس المراد به صرف الراوي لبیان أن مستقی علمه هو روایات أهل البیت (علیهم السلام) وإلا فكیف له أن یستعلم الحكم من الروایات فإن هذا بیان لفقاهته فموردها في الفقاهة وقوله رواة حدیثنا أي من لهم احاطة والمام وخبرة بالروایات فهذه القرآئن ذكرها الفقهاء علی أعتبار الفقاهة ونعمت القرائن.

والتقریب هو التقریب المتقدم في صحیحة ابن حنظلة وكون مصدر علمه ومستقاه هم أهل العصمة (علیهم السلام).

(1) تقدم مفصلاً.

ص: 505

یجوز له إجراؤها بعد أن قلد المجتهد في جواز الإجراء(1).

المسألة السبعون: لا یجوز للعامي اجراء الاصول في الشبهات الحكمیة

(1) و ذلك لأن جریان الاصول العلمیة في الشبهة الحكمیة استنباط للحكم الشرعي وهو ما یحتاج إلی تشخیص موردها بواسطة الاطمئنان أو العلم بعدم وجود الأدلة الاجتهادیة ویحتاج أیضا إلی تعیین ما هو الجاري من الاصول دون غیره و ذلك لما للاصول العملیة والادلة بشكل عام تراتب في الجریان كتقدم الاصول الموضوعیة علی الاصول الحكمیة وكتقدم الاصول السببیة علی المسببیة وكتقدم الاصل الحاكم علی الاصل المحكوم وكتقدم الاصل الوارد علی الاصول المورود وهكذا...

ومن الواضح:

أولاً: عدم قدرة العامي علی احراز موضوع الاصول وهو وقوفه ومعرفته علی عدم وجود الادلة الاجتهادیة لما یحتاج في معرفته إلی سبر الادلة وتنقیحها والبحث في عموماتها واطلاقاتها والبحث الموضوعي لموضوعات الاحكام ومتعلقاتها وتمیز العناوین ذات الموضوعیة وفرقها عن العناوین المشیرة والبحث أیضا في هویة وحقیقة عناوین موضوعات الاحكام الشرعية ومتعلقاتها إذ حقیقیة الدلیل الاجتهادي للحكم لا تتوقف فیها علی ثبوت الحكم للشيء بعنوانه، بل

ص: 506

بعنوان آخر یندرج تحته، و هذا لا تتأتی معرفته إلا بتحلیل عناوین موضوعات الاحكام ومتعلقاتها، كالاستدلال علی الشعائر بقوله تعالی: (وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَیّامِ اللّه إِنَّ في ذلِكَ لَآیاتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ)،والاستدلال علی استحباب زیارة المعصومین (علیهم السلام) بآیة المودة، وكل ذلك یتم بتحلیل حقیقة أیام اللّه وحقیقة المودة حتی تكون الشعائر داخلة تحت عنوان أیام اللّه فیشملها قوله تعالی: (وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَیّامِ اللّه) أو دخول الزیارة في عنوان المودة في القربی فتكون الزیارة مندرجة في قوله تعالی: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً) وأنّي للعامي الإحاطة بكل هذه المباحث المصیریة حتی یتسنی له اجراء الاصول في الشبهة الحكمیة؟! ولهذا لا تكون هذه العموامات وغیرها - المتوقفة علی هذه الجهات الاجتهادیة - مخاطب بها العامي.

وثانیاً: یحتاج للدقة في تمیز مجاري الاصول وتعینها بحسب مراتبها و أن لا یجری الاصل المسببي مثلا مع وجود السببي وهكذا....

نعم هناك تقریب لتصویر جریان الاصول في الشبهات الحكمیة بالنسبة للعامي غیر المحض وهو المراهق للاجتهاد أو المتجزئ - الذي لم یستنبط - أن یجری الاصول العلمیة في الشبهات الحكمیة لتصویر قدرته علی اجراء الاصول العملیة، إلا أنه في الحقیقة یرجع إلی التلفیق في عملیة الاستنباط من تقلیده في مقدمات الاستنباطیة وبعض آخر

ص: 507

(مسألة 71) : المجتهد غیر العادل أو مجهول الحال لا یجوز تقلیده، وإن كان موثوقا به في فتواه، ولكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه. وكذا لا ینفذ حكمه ولا تصرفاته في الأمور العامة، ولا ولایة له في الأوقاف والوصایا وأموال القصر والغیب(1).

المقدمات التي یسهل علیه الوصول إلیها وتشخیصها فیتوصل للنتیجة بتلفیق من مقدمات قلد فیها ومقدمات وصل إلیها و هذا لا مانع تصویره إلا انه یرجع لبا إلی التقلید في مقدمات الاستنباط، وهو بمثابة التشخیص لمجاري الاصول، وهو دون الاجتهاد التجزئي الذي یعتمد علی نفسه في جمیع المقدمات ألا انه مختصة بباب دون باب.

وأما الشبهة الموضوعیة فهي مما یستوي فیه المجتهد والعامي إلا في بعض الأحكام ذات الشأن العام التي لا تتعلق بالافراد فهنا لابد من الرجوع إلی الفقیه.... والبعض الآخر ما یكون موكل إلی الافراد لتساویهم مع المجتهد في الاجراء كاستصحاب نجاسة هذا وطهارة كذاك فإن للعامي جریانها.

المسألة الحادیة والسبعون: عدم جواز تقلید المجتهد إلا باحراز عدالته والمعرفة بحاله

(1) أولاً: إن اشتراط العلم بالعدالة من جهة أن صلاحیة الفتوی منصب شرعي وولایة نیابة عن المعصوم (علیه السلام) - كما تقدم بیانه مفصلاً في شرائط

ص: 508

(مسألة 72) : الظن بكون فتوی المجتهد كذا لا یكفي في جواز العمل، إلا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها، أو لفظ الناقل، أو من ألفاظه في رسالته، والحاصل أن الظن لیس حجة، إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه، أو من الناقل(1).

المرجع - ولیست الفتیا أمارة محضة وإخبار حسي حتی تكون مثل الروایة یكفي فیها الوثوق النوعي، بل هي منصب وزعامة، فلابد فیه من من الوثوق بنفس بتوفر نفس صفة العدالة.

وثانیا: تقدم أن للمقدلین نوع تولیة وبسط لید المجتهد، وعلیه بما أن مقام الفتیا منصب وزعامة، فلا یجوز لهم بسط ید أحد إلا بالعلم بتوفره علی الشرائط المعتبرة فیه ولا یكفي وجود العدالة واقعا بل لابد من احراز حتی یتسنی للمقلدین بسط یده والتعبد باحكامه وفتاواه...وبدون الاحراز لا ینفذ منه نعم بالنسبة لنفسه فیجوز له العمل بما توصله له لانه الحجة علیه وهو شيء غیر تقلد منصب الافتاء والتصدي له كما تقدم في أول بحث الشروط في مسألة 22 من أن هذه شروط التصدي لا شروط في الاجتهاد والفقاهة باعتبارها طریقا له وأما التقلید والرجوع إلیه أو تسلیمه الامور العامة فهي راجعة لما حررناه أكثر من مرة من أن هذا منصب ومقام الهي لابد من مرعاة ما یناسبه من العدالة والجلال والمعروفیة.....

المسألة الثالثة والسبعون: عدم كفایة مطلق الظن بالفتوی

(1) لا یخفی أن رجوع العامي لفتوی المجتهد واحرازها بالنسبة إلیه هو

ص: 509

من أعمال الظن في الشبهة الحكمیة لأن فتوی المجتهد في حق العامي المكلف هي امارة في الشبهة الحكمیة، فالوصول إلی هذه الامارة طریق ولابد أن یكون الطریق علی هذا الطریق في الشبهة الحكمیة - التي تحتاج إلی الفحص والتثبت من الطرق المعتبرة، كظواهر الالفاظ أو نقل الثقة أو الفاظ الرسالة العملیة مع الوثوق بصدورها وعلیه فلابد من اعتبار ألیة معتبرة للوصول إلی فتوی المجتهد فتشخیص العامي لفتوی المجتهد في الشبهة الحكمیة لابد أن یكون أما بالیقین أو بالظن المعتبر...

نعم یمكن اعتبار مطلق الظن علی الانسداد إلا أنه لا یتصور الانسداد في الفتاوی بالنسبة للعامي والانسدادي حینما قرر فقد خصه بالطرق الموصلة إلی أقوال المعصومین (علیهم السلام) لا في أقوال الفقهاء إذ لا انسداد فیها فحتی علی القول بالانسداد تكون الطرق المعتبرة في الوصول إلی فتوی المجتهد هي القطع والظن المعتبر لعدم انسداد الوصول إلی أقوال الفقهاء فلا وجه للاعتماد علی مطلق الظن، و هذا بخلافه في الشبهات الموضوعیة لجواز الاعتماد علی الاصول العملیة بدون فحص.

ص: 510

فهرس مطالب الكتاب

المسألة الثانية والعشرون: الشروط المعتبرة في تصدي المجتهد: 3

الشرط الأول: البلوغ، وأدلته: 3

الدلیل الأول: حدیث رفع القلم وما فیه: 3

الدلیل الثاني : قاعدة سلب الارادة التامة عن الصبي: 5

قاعدة عمد الصبي خطأ: 6

الدلیل الثالث: قوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی...) 7

الشرط الثاني: العقل، وأدلته: 8

1- حدیث الرفع: 8

2- الأدلة العقلائیة: 8

3- الرشد والكفاءة في المرجعیة: 9

4- ادلة القضاء: 10

5- السیاسة التربوية في الفتیا: 12

الشرط الثالث: الایمان وأدلته: 16

الدلیل الاول: الاخبار الواردة في نصب الفقیه: 16

الدلیل الثاني: الاولویة القطعیة : 23

مقدار اعتبار تفسیر الامام العسكري * : 26

الشرط الرابع: اعبتار العدالة: 28

ملاحظة ودفعها: 30

ص: 511

الشرط الخامس: الرجولة: 32

صلاحیات المرأة في النظام الدیني: 32

الآیات والأخبار الدالة علی عدم تولي المرأة: 37

الآیات المستدل بها علی طوائف: 37

الطائفة الأولی: ما یدل علی ضعف المرأة ولیونتها: 37

إشكالیة استحقار الاسلام للمرأة: 39

النصوص الشرعية في مكانة المرأة 41

1- أنه أبو البنات، ومنزلة وفضل البیت الذي فیه بنات 42

2- وصیته (صلی اللّه علیه و آله) بالاحسان للأنثی وتقدیمها علی الابن : 43

3- قوله : «مباركات» و «مؤنسات» و «ریحانة» 45

4- عظمة ادخال السرور علی المحارم: 47

5- البنات حسنة وجهات فضلهن علی الابناء: 47

6- عظمة كفالتهن: 48

7- حق المرأة كأم ومكانتها: 50

8- مكانة وشأن المرأة كزوجة وترك ضربها والعفو عن ذنبها: 54

9- استحباب اكرام الزوجة وترك ضربها: 56

الطائفة الثانية من الآیات التي ذكرت أن المرأة عورة وآیات الحجاب:.................. 65

ص: 512

مضامین أخبار النساء عي وعورة مضامین قرآنیة وبیان عدم كونه نقصا وازدراءا: 69

مسألة غلبة طابع الذكوریة في القوانین الالهیة وعدم مساوة المرأة للرجل: 76

القول بتاریخیة القرآن: 78

القول الثاني: في توجیه هذه الآیات القرآنیة التي تضع الفوارق بین الرجل والمرأة: 80

الطائفة الثالثة الآیة التي تجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل: 82

الطائفة الرابعة: الآیات الدلالة علی ولایة الرجل علی المرأة : 84

تناسب طبیعة الأحكام مع الطبیعة التكونیة للمرأة والرجل: 87

الطائفة الخامسة الآیات الدالة علی أنهن نواقص حظوظ: 92

الطائفة السادسة: الآیات التي تعرض لملكة سبأ: 95

خلاصة ما تقدم من هذه الطوائف: 101

طوائف الاخبار: 104

الطائفة الأولی: الموافقة للطائفة الرابعة من الآیات الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة : 105

أنها لا تتولي القضاء: 105

روایات ضعف المرأة المعبر عنها بالطائفة الأولی: 162

حسد المرأة وحق الزوج علیها: 165

مدارة المرأة: 166

قلة الصلاح في المرأة: 170

ص: 513

باب في تأدیب النساء: 172

ترك طاعة النساء: 172

تكامل الرجل والمرأة بالآخر: 180

الطائفة الثالثة: ضعف الرأي: 181

الطائفة الثانية: الآمرة بالحجاب: 189

ستر المرأة: 191

مصافحة النساء: 193

في مبایعة النبي(صلی اللّه علیه و آله) للنساء: 194

الدخول علی النساء: 195

السلام علی النساء: 195

المیزان في درجات حكم الاختلاط: 196

بعض الأدلة التي استدل بها علی ولایة المرأة: 198

1- منها: الاطلاقات: 198

2- منها: الأصل العملي: 199

3- منها: الأخبار الواردة: 200

4- منها: الاستدلال بآیة ملك بلقیس لقوم سبأ. 201

5- منها: الاستدلال بمواقف السیدة الزهراء (علیها السلام). 202

6- منها: الاخبار الدالة علی تولي المراة هذه المناصب: 203

8- منها: الاستدلال بالسیرة: 209

ص: 514

الشرط السادس: الحریة : 209

الشرط السابع: الاجتهاد المطلق: 210

القول الأول: اشتراط الاجتهاد المطلق: 210

القول الثاني: كفایة تقلید المتجزئ مطلقا: 210

أدلة القول الأول والثاني: 210

الدلیل الأول ظهور الأدلة في اختصاصها بالمجتهد المطلق: 210

الدلیل الثاني: عدم شمول الدلیل لتقلید المتجزئ وما فیه: 211

الاشكال علی اختصاص الادلة بالمجتهد المطلق دون المتجزئ: 211

ارتباط القضاء بالفتوی: 213

ما استدل به للقول الثالث: 215

الشرط الثامن: الحیاة: 216

الشرط التاسع: الرجوع للأفضل : 218

الشرط العاشر: أن لا یكون متولداً من الزنی: 218

الشرط الحادي عشر: أن لا یكون مقبلا علی الدنیا: 219

اختلاف العدالة سعة وضیقاً باختلاف حجم المسؤولیة: 220

تنبیهات: 221

التنبیه الأول: في اعتبار شروط الفقیه حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط؟: 221

التنبیه الثاني: في اختصاص منشأ اعتبار علم الفقیه خصوص الكتاب والسنة أو غیرهما... : 222

ص: 515

التنبیه الثالث: شبهة العلمانین بوصف الفقیه بالعلم مع أنه ظان لا علم له...؟ : 224

الاجتهاد منهج علمي للحقیقة أم تراث ومنتج بشري: 224

حقیقة العدالة وما قیل في تعریفها: 227

الفرق بین التعریفین الثالث والرابع: 228

تفسیر الفسق: 238

المتحصل من الوجوه في تعریف العدالة وبیان المختار: 241

تاثیر الصغائر في العدالة وعدمه والتحقیق في أصل وجودها: 242

اشكال في كلام المفسرین وجوابه: 244

شرطیة التوسل بالنبي(صلی اللّه علیه و آله) في الغفران والتوبة: 245

اشكالان علی عدم تأثیر الصغائر في العدالة وما فیهما: 246

الاستدلال بالاخبار : 248

اعتبار المروءة في العدالة: 253

الدلیل الأول: أخذ المروءة في مفهوم العدالة: 253

ضابطة حاكمیة العرف في الموضوعات: 254

تطبیق بعض العناوین بید العرف أم بید الفقهاء ورجحان أو مرجوحیة منطقة المباحات: 256

الدلیل الثاني: الاخبار الدالة علی اعتبار المروءة: 260

مفاد الاخبار في العلاقة بین المروءة والعدالة: 267

ص: 516

خلاصة ما تقدم في المسألة 23 أمور: 270

اعتبار حسن الظاهر في العدالة: 271

بحث حس الظاهر في مقامین: 272

المقام الأول: في اعتبار المعاشرة في حسن الظاهر أم لا؟ : 272

المقام الثاني: هل یعتبر في حسن الظاهر افادته الظن أو الاطمئنان؟ 277

مناقشة السید الخوئي اعتباره كفایة حسن الظاهر في ثبوت مرجع التقلید، وعدم اعتباره في توثیق الرواة؟ 278

ثبوت العدالة بالبینة وخبر الواحد: 281

ثبوت العدالة بالشیاع: 282

الشیاع من مناشئ غیر مستقلة في الحجیة وقیمة الخبر الضعیف: 283

منهج الحجیة الانضمامیة: 286

المسألة الرابعة والعشرون: اعتبار الشروط حدوثا وبقاءا أو حدوثا. 287

المسألة الخامسة والعشرون حكم التقلید بدون مراعاة الشروط: 288

المسألة السادسة والعشرون: البقاء علی المیت الذي لا یجوز البقاء. 290

المسألة السابعة والعشرون: وجوب تعلم اجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدماتها. 292

كفایة العمل بالاحتیاط عن تعلم اجزاء العبادات وشرائطها... 293

الوجوه التي اشكل بها علی قیام الاحتیاط مقام التعلم : 293

الوجه الأول: أن الفراغ الیقیني یقتضي الفراغ الیقیني وجوابه: 294

الوجه الثاني: أن العلم التفصیلي مقدمة وجودیة للامتثال وجوابه: 294

ص: 517

الوجه الثالث: عموم أدلة التعلم: 295

الوجه الرابع: عدم تحقق الامتثال والطاعة: 296

المسألة الثامنة والعشرون: وجوب تعلم مسائل السهو والشك وماذكره الشیخ الأعظم(قدس سره). 299

المسألة التاسعة والعشرون: وجوب التقلید في الاحكام الالزامية وغیر الالزامية. 302

المسألة الثلاثون: الاتیان بالافعال غیر المحرمة مع احتمال الامر بها: 305

المسألة الحادیة والثلاثون: عدم جواز البقاء علی رأي المجتهد إذا تبدل. 306

المسألة الثانية والثلاثون: العدول من الفتوی إلی الاحتیاط. 310

المسألة الثالثة والثلاثون: الوظیفة عند تساوي المجتهدین. 310

مسألة جواز التبعض في التقلید: 311

الترجیح بالأعدلیة: 314

المسألة الرابعة والثلاثون: مسألة العدول إلی الأعلم. 315

المسألة الخامسة والثلاثون: 316

مسألة إذا قلد زیدا فبان عمراً وضوابط الفرق بین الداعي والتقیید وما فیها: 316

المسألة السادسة والثلاثون: طرق الوصول إلی الفتوی. 319

الطریق الأول: السماع: 319

ص: 518

الطریق الثاني: البینة: 320

الطریق الثالث: اخبار الثقة: 320

تنبیه في أن البحث المضموني موضوع لبقیة الجهات التي تبحث فیه الخبر وثمرات ذلك: 321

الطریق الرابع: الكتابة المأمونة من الخطأ: 323

المسألة السابعة والثلاثون: من قلد من لیس أهلا... وصحة أعماله. 323

المسألة الثامنة والثلاثون: العلم بانحصار الاعلمیة في أحد الشخصين. 324

المسألة التاسعة والثلاثون: الشك في زوال ما یعتبر في مرجع التقلید. 325

المسألة الاربعون: عمل العامي بلا تقلید ولا احتیاط. 325

الفرق في جریان البراءة بین القاصر والمقصر: 326

المسألة الحادیة والاربعون: صور الشك في صحة التقلید بعد العمل. 328

الصورة الأولی. 328

الصورة الثانية. 328

الصورة الثالثة: 331

المسألة الثانية والاربعون: إذا قلد مجتهدا ثم شك في توفر الشرائط. 333

المسألة الثالثة والاربعون: حرمة الافتاء والحكم القضائي ممن لیس أهلا للفتوی والقضاء. 333

التفصیل ببن افتاء الفاقد لشرطیة غیر العلم وبین غیره فیجوز للاول دون الثاني: 338

فرع فقهي: أخذ المال بحكم من لیس أهلا للفتوی: 346

ص: 519

اعتبار عمر بن حنظلة وفتح باب الاجتهاد في الرجال: 348

الإشكالات المطروحة علی صحیحة ابن حظلة 352

الإشكال الأول وجوابه: 352

الإشكال الثاني وجوابه: 352

الاشكال الثالث وجوابه: 354

الاشكال الرابع: بوجود المعاوض لمصححة ابن حنظلة وجوابه: 357

جواز الترافع عندهم والتصرف في المال الشخصي... بانحصاره بذلك ویستدل علی ذلك بأمور: 361

الأمر الأول: دلالة الآیات والاخبار: 362

الأمر الثاني: ما ورد في بیان كیفیة صیاغة الشهادة: 362

والأمر الثالث: قاعدة الحرج والضرر... 365

المسألة الاربعة والاربعون: اشتراط العدالة في المفتي والقاضي. 366

الطرق التي تثبت بها العدالة: 368

المسألة الخامسة والاربعون: الشك في الاعمال السابقة عن تقلید صحیح... 369

المسألة السادسة والاربعون: وجوب تقلید الأعلم في مسألة تقلید الاعلم. 370

المسألة السابعة والاربعون: نقل الفتوی خطأ. 371

المسألة الثامنة والاربعون: الوظیفة عند الاشتباه في نقل الفتوی. 371

ص: 520

قاعدة حفظ الاحكام بإقامتها: 380

المسألة التاسعة والاربعون: حكم من احتاج إلی مسألة اثناء الصلاة. 382

المسألة الخمسون: وجوب الاحتیاط اثناء الفحص. 385

المسألة الحادیة والخمسون: عدم انقاطع الولایة والقیومیة لمن أعطی الولایة من الفقیه بموته. 386

الفرق بین منصب الفقیه وشخص الفقیه: 386

المسألة الثانية والخمسون: البقاء علی تقلید المیت بدون تقلید. 388

المسألة الثالثة والخمسون: 389

المسألة الثالثة والخمسون: اجزاء التقلید الأول مع مخالفته للتقلید الثاني. 390

الاعتبار وسعة المعتبر: 392

المسألة الرابعة الخمسون: عمل الوكیل بمقتضی تقلیده أو تقلید الموكل. 395

المسألة الخامسة والخمسون: أختلاف البائع والمشتري تقلیدا في صحة العقد وبطلانه: 399

المسألة السادسة الخمسون: تعین الحاكم بید المدعي إلا إذا كان ما اختاره المنكر أعلم: 401

الفرق بین قاضي التحكیم والقاضي التنصیب: 404

المسألة السابعة الخمسون: نقض حكم الحاكم: 406

الجهة الأولی: في نقض الحكم القضائي وغیره: 406

ص: 521

الجهة الثانية: الفرق بین حرمة نقض حكم الحاكم وبین ترتیب آثار الواقع علیه: 406

الجهة الثالثة: جواز ترتیب آثار الواقع مع تبین الخطأ: 407

الجهة الرابعة: الخطأ تارة في میزان الحكم وتارة في نفس الحكم: 407

الجهة الخامسة: أن النقض تارة من الحاكم نفسه وتارة من حاكم غیره: 408

الأقوال في المسألة متعددة: 408

القول الأول: التفصیل بین تبین الخطأ بنحو قطعي فیجوز وبغیره فلا یجوز: 408

حدود حرمة نقض الحكم في نفسها: 421

القول الثاني: التفصیل في حرمة النقض بین النقض المعلن وبین ترتیب آثار الواقع: 422

القول الثالث: التفصیل بین حرمة نقض الحكم في مورد القضاء واقعا وظاهرا وبین ملازمات مورد القضاء: 423

القول الرابع: التفصیل بین حرمة النقض لو استحلف المدعي المنكر وبین غیره: 423

المسألة الثامنة والخمسون: وظیفة المكلف عند تبدل الفتوی بعد نقلها أو اشتباه الناقل. 435

المسألة التاسعة والخمسون: تعارض النقلین والبیّنتین للفتوی. 437

المسألة الستون: الوظیفة عند الابتلاء بمسألة لا یعلم حكمها. 439

ص: 522

المسألة الحادیة والستون: إذا قلد مجتهدین بالترتیب فرجع لمن یوجب البقاء علی المیت أو جوازه فعلي من یرجع. 447

المسألة الثانية والستون: التخییر في البقاء علی تقلید المیت. 448

المسألة الثالثة والستون: التخیر بین العمل باحتیاط الأعلم والرجوع لغیره: 459

المسألة الرابعة والستون: الاحتیاط لزومي وندبي والفرق بین الفتوی بالاحتیاط والاحتیاط في الفتوی: 459

المسألة الخامسة والستون: التخییر في صورة تساوین المجتهدین. 462

المسألة السادسة والستون: تعذر تمییز موارد الاحتیاط. 464

المسألة السابعة الستون: التقلید في أصول الدین و.... و..... في الموضوعات المستنبطة: 465

التقلید في أصول الدین: 466

العقائد علی أقسام: 467

عدم وجوب الیقین في تفاصیل العقائد یبحث في مقامین: 470

الموضوعات الصرفة تارة مرتبطة بالفرد وتارة مرتبطة بالجهة العامة فیرجع في الثانية دون الأولی: 473

الموضوعات المستنبطة: 473

والموضوعات المستنبطة اللغوية غیر الصرفة علی قسمین: 474

حجیة أهل الخبرة عام للحسیات والحدسیات أو خاص بالحسیات: 477

مشكلة توثیقات الرجالیین فیها الحسي والحدسي، وتخریج ذلك: 479

ص: 523

ما تلخص من حسیة توثیقات الرجالیین: 482

التقلید في أصول الفقه وعلم الكلام وغیرهما: 483

عدم اختصاص الموضوعات المستنبطة بالاستنباط الفقهي: 485

المسألة الثامنة والستون: عدم اعتبار الاعلمیة في الولایة علی القصر مثلا والامور الحسبیة وغیرها من الامور الراجعة للمجتهد.... 486

بیان مباشرة الامام الحجة (علیهم السلام) شؤون البشریة عامة: 487

تبعیة نیابة الفقیه لولایة المعصوم (علیه السلام) وحدودها: 492

الآیات الدالة علی نیابة الفقیه: 494

القرائن الدالة علی التبعیة. 495

الروایات الدالة علی نیابة الفقیه: 497

المسألة التاسعة والستون: إذا تبدل رأي المجتهد هل یجب علیه إعلام المقلدین أم لا ؟ 505

المسألة السبعون: لا یجوز للعامي اجراء الاصول في الشبهات الحكمیة. 505

المسألة الحادیة والسبعون: عدم جواز تقلید المجتهد إلا باحراز عدالته والمعرفة بحاله... 508

المسألة الثالثة والسبعون: عدم كفایة مطلق الظن بالفتوی 509

*****

ص: 524

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.