ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 10

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

الجزء العاشر

[ مقدمة المؤلف ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين وبعد فهذا هو القسم السادس من البيع والجزء العاشر من كتابنا ( ايصال الطالب إلى المكاسب ) يشرع في : مناط اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون ، والمعدود .

وفقنا الله لاتمام سائر الأجزاء تباعا .

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسيني الشيرازي

ص: 2

[ تتمة كتاب البيع ]

[ تتمة القول في شروط العوضين ]

[ تتمة مسألة العلم بقدر المثمن كالثمن شرط بإجماع علمائنا ]

مسئلة : [ التقدير بغير ما يتعارف التقدير به ]

لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون والمعدود بما يتعارف التقدير به ، هو حصول الغرر الشخصي ، فلا اشكال في جواز تقدير كل منهما بغير ما يتعارف تقديره به ، إذا انتفى الغرر بذلك ، بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا .

لكن تقدم ان ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير

_________________________

( مسألة : لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون والمعدود ) والمذروع كالأثواب ( بما يتعارف التقدير به ، هو حصول الغرر الشخصي ) وان الشارع انما أوجب التقدير بالكيل ونحوه حتى يرفع الغرر ، لا لتعبد خاص ( فلا اشكال في جواز تقدير كل منهما ) أي من الثلاثة ، بل الأربعة ( بغير ما يتعارف تقديره به ) كأن يكال الموزون أو يوزن المعدود بل تحويل أحدها إلى الآخر ربما كان ابعد من الغرر ، فان المعدود لو وزن كان أكثر ضبطا ( إذا انتفى الغرر ) لا بما إذا لم ينتف كما إذا عد المكيل أو كيل المذروع ( بذلك ) اى التقدير بغير ما يتعارف به ( بل في ) جواز ( كفاية المشاهدة فيها ) اى في الثلاثة ( من غير تقدير أصلا ) إذ كثيرا ما توجب المشاهدة رفع الغرر .

( لكن تقدم ) في المسألة السابقة ( ان ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب ) حيث هي ناصة في التقدير بما تعارف ، وإذا لم تكن خصوصية الصدر تنبيه إلى العلة اى ان العلة نفى الغرر ( اعتبار التقدير ) المعين كالمكيل كيلا ، والموزون وزنا ، لا أحدهما بالآخر

ص: 3

من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدّى إلى التنازع المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات ، زيادة على التراضي الفعلي حال المعاملة .

وحينئذ فيقع الكلام والاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه .

_________________________

( من غير ملاحظة الغرر الشخصي ) حتى يكون التقدير ( لحكمة سد باب الغرر المؤدّى إلى التنازع ) بين المتبايعين ( المقصود رفعه ) اى رفع التنازع ( من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات ) « من » متعلق ب « المقصود » ( زيادة على التراضي الفعلي حال المعاملة ) فإنه لم يعتبر الشارع الرضا فقط ، وانما لاحظ خصوصيات اخر ، ولذا فليست الحكمة سدّ باب الغرر فقط ، حتى يقال : بأنه حيث لا غرر ، لا اشكال في جواز تقدير المكيل بالوزن وبالعكس ، وهكذا .

( وحينئذ ) اى حين قلنا إن الغرر نوعي لا شخصي ، وليس المناط في اعتبار الكيل والوزن ، ان لا يغر أحد المتبايعين ، بل يجب تقدير كل شيء بحسبه ، وان لم يكن غرر في تقديره بنحو آخر - كتقدير المكيل بالوزن ، مثلا - ( فيقع الكلام والاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه ) .

اما لو قلنا بأن الغرر شخصي فلا كلام ولا اشكال ، إذ المناط حينئذ عدم الغرر الشخصي .

فكلما تحقق عدم الغرر الشخصي جاز التقدير بالمخالف ، كتقدير

ص: 4

فنقول :

[ هل يجوز بيع المكيل وزنا وبالعكس ]

اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا ، وبالعكس وعدمه على أقوال .

ثالثها : جواز الكيل وزنا دون العكس ، لأن الوزن أصل الكيل واضبط .

وانما عدل إليه في المكيلات تسهيلا ، فالمحكى عن الدروس في السلم جوازه

_________________________

المكيل بالوزن ، وكلما لم يتحقق الغرر الشخصي لم يجز .

( فنقول : اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا ، وبالعكس ) الموزون كيلا ( وعدمه ) اى عدم الجواز ( على أقوال ) الجواز مطلقا ، وعدم الجواز مطلقا .

و ( ثالثها : جواز الكيل وزنا دون العكس ، لأن الوزن أصل الكيل ) فإنه وزن مقدار - كمن مثلا - ثم افرغ ذلك الوزن في اناء يملأه ، ثم قدّر ذلك الاناء بأنه كيل ( واضبط ) لأن الوزن لا اختلاف فيه بخلاف الكيل ، لاختلاف الحجوم حتى في الشيء الواحد ، مثلا الماء مقدار رطل منه ، يختلف حجمه ، لأن بعض المياه خفيفة فحجمها أكثر ، وبعض المياه ثقيلة فحجمها أقل .

( وانما عدل إليه ) اى إلى الكيل ، من الوزن ( في المكيلات تسهيلا ) فان الكيل أسهل عرفا من الوزن ، خصوصا في الأزمنة السابقة التي لم تكن أوزان البتة - كما في العصر الحاضر - ( فالمحكى عن الدروس في السلم ) وهو البيع بثمن نقد ومثمن مؤجّل ( جوازه ) اى التقدير بالخلاف

ص: 5

مطلقا ، حيث قال : ولو اسلم في المكيل وزنا وبالعكس ، فالوجه الصحة ، لرواية وهب عن الصادق عليه السلام .

وكأنه أشار بها إلى رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن عليّ صلوات الله عليهم ، قال : لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن .

ولا يخفى قصور الرواية سندا بوهب ، ودلالة بأن الظاهر منها جواز اسلاف الموزون في المكيل وبالعكس لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن

_________________________

( مطلقا ) المكيل وزنا ، والموزون وكيلا ( حيث قال ) الدروس ( ولو اسلم ) اى باع سلما ( في المكيل وزنا ) كما لو جعل اللبن المكيل موزونا ، بأن قال أشتري منك اللبن كل من بدينار - والحال ان اللبن بنفسه مكيل عرفا - ( وبالعكس ) في الموزون كيلا ( فالوجه الصحة ، لرواية وهب عن الصادق عليه السلام ) انتهى كلام الدروس .

( وكأنه أشار بها إلى رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن عليّ صلوات الله عليهم ، قال : لا بأس بسلف ) اى بيع السلف ( ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن ) .

( ولا يخفى ) عدم صحة الاستدلال بهذه الرواية ل ( قصور الرواية سندا بوهب ) فإنه اكذب البرية كما في كتب الرجال ( ودلالة بأن الظاهر منها ) اى من الرواية ( جواز اسلاف الموزون في المكيل ) بأن يكون المثمن مكيلا والثمن موزنا ( وبالعكس ) بأن يكون المثمن موزونا والثمن مكيلا ، مثلا اللبن مكيل والأرز موزون ، فيعطى الأرز ثمنا ليأخذ اللبن كيلا بعد شهر أو بالعكس ( لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن

ص: 6

وبالعكس .

ويعضده ذكر الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن .

فالذي ينبغي ان يقال : ان الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر من حيث جعله دليلا على التقدير المعتبر فيه بأن يستكشف

_________________________

وبالعكس ) .

وانما قلنا إن هذا المعنى هو ظاهر الرواية ، لا ما ذكره الشهيد ، لأنه لو كان المراد ان يقول المشترى : أعطيك مائة في مقابل لبن تزنه ، أو في مقابل ارز تكيله - بعد شهر - لكان حق عبارة الرواية ان يقال « ما يوزن بالكيل وما يكال بالوزن » كما لا يخفى .

( ويعضده ) اى ما قلناه انه ظاهر الرواية لا ما ذكره الشهيد ( ذكر الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن ) حيث إن أحدهما مكيل والآخر موزون ، ولو أراد الشيخ معنى الشهيد ، لذكر الرواية في باب مطلق السلف ، وانه يجوز ان يجعل المكيل موزونا ، حسب الشرط ، وبالعكس ، فتأمل .

( فالذي ينبغي ان يقال : ان الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر ب ) التقدير ( الآخر ) كتقدير شيء مكيل بالوزن ، وبالعكس ( من حيث جعله ) اى التقدير الجديد ( دليلا على التقدير المعتبر فيه ) أي في ذلك الجنس ، مثلا اللبن مكيل ، لكن يستكشف كيله بالوزن حتى أن الوزن لا نعتبره في اللبن بما هو وزن ، وانما نعتبره طريقا إلى الكيل مثلا ( بأن يستكشف

ص: 7

من الكيل وزن الموزون وبالعكس .

وتارة في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف .

اما الأول : فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة وقد يكون مما لا يتسامح فيه .

اما الأول : فالظاهر جوازه خصوصا مع تعسّر تقديره بما يتعارف فيه لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه .

_________________________

من الكيل وزن الموزون وبالعكس ) فيستكشف من الوزن كيل المكيل .

( وتارة في كفايته ) اى التقدير المخالف ( فيه ) اى في الجنس المقدر بالتقدير الجديد ( أصلا ) واستقلالا ( من غير ملاحظة تقديره المتعارف ) كان يوزن اللبن ، من غير ملاحظة كون الوزن طريقا إلى الكيل .

( اما الأول ) وهو ما كان التقدير الجديد طريقا إلى التقدير المتعارف ( فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة ) كما لو وزن المكيل وكان التفاوت بين الجديد والمتعارف مقدار نصف مثقال في كل من لبن مثلا - ( وقد يكون مما لا يتسامح فيه ) ككون التفاوت ربعا في المثال السابق .

( اما الأول ) وهو كون التفاوت مما يتسامح فيه ( فالظاهر جوازه ) اى تقديره بالجديد ( خصوصا مع تعسّر تقديره بما يتعارف فيه ) كما لو لم يوجد الكيل حتى يكال به اللبن ، فوزن وزنا طريقا إلى الكيل وكان التفاوت المحتمل مثقالا في كل من .

وانما نقول بجواز ذلك ( لان ذلك ) التقدير الجديد ( غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه ) فان الوزن الطريقي ، كيل أيضا .

ص: 8

غاية ما في الباب ان يجعل التقدير الآخر طريقا إليه .

ويؤيده رواية عبد الملك بن عمر ، قال : قلت لأبى عبد الله عليه السلام اشترى مائة راوية من زيت فأعرض رواية أو اثنتين فآتزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك ، قال عليه السلام : لا بأس ، استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد ونسبة الباقي إليه واردفه بقوله : ولأنه يحصل المطلوب ، وهو العلم .

_________________________

( غاية ما في الباب ) في وزن اللبن مثلا ( ان يجعل التقدير الآخر ) كالوزن في المثال ( طريقا إليه ) اى إلى المتعارف - وهو الكيل - في مثال اللبن .

( ويؤيده ) اى جواز التقدير الجديد إذا كان طريقا إلى التقدير المتعارف ( رواية عبد الملك بن عمرو ، قال : قلت لأبى عبد الله عليه السلام اشترى مائة راوية ) وهي السقاء الكبيرة التي تحمل على الإبل غالبا ( من زيت فأعرض راوية أو اثنتين ) اعرضهما على الوزن ( فآتزنهما ) حتى اعرف مقدار وزن كل واحد منهما ( ثم آخذ سائره ) بقية الروايات التي اشتريتها وتذكير الضمير باعتبار المتاع ونحوه - ( على قدر ذلك ) فلو كانت الراوية مائة منّ اعتبر سائر الروايات أيضا مائة مائة ( قال عليه السلام :

لا بأس ، استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد ) كالراوية الواحدة من الروايات المتعددة ( ونسبة الباقي إليه ) اى إلى ذلك الواحد ( واردفه ) اى ذكر التذكرة دليلا آخر - غير الراوية - للجواز ( بقوله : ولأنه يحصل المطلوب ، وهو العلم )

ص: 9

واستدلاله الثاني يدل على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر .

والتقييد بالتعذر لأنه استنبطه من الغالب في مورد السؤال وهو تعذر وزن مائة راوية من الزيت .

ولا يخفى ان هذه العلة لو سلمت على وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال انما يجب الاقتصار على موردها لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير .

_________________________

بالمقدار فلا فرق بين ان يحصل بالوزن أو بالكيل ( واستدلاله الثاني ) وهو قوله : ولأنه يحصل الخ ( يدل على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر ) فيجوز التقدير الجديد حتى مع امكان التقدير المتعارف .

( والتقييد بالتعذر ) في اوّل كلام العلامة ( لأنه استنبطه من الغالب في مورد ) مثل هذا ( السؤال ) عن الإمام عليه السلام أو الفقيه ( وهو تعذر وزن مائة راوية من الزيت ) والمراد بالتعذر كثرة العسر لا التعذر حقيقة .

( ولا يخفى ان هذه العلة ) اى التعذر ( لو سلمت على وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال ) فان الرواية لم تفصل بين التعذر ، فان كانت هذه العلة التي استنبطها العلامة بحيث توجب تقييد الرواية بصورة التعذر ( انما يجب الاقتصار على موردها ) اى مورد العلة - وهو صورة التعذر - فلا يجوز إذا لم يتعذر الأمر ( لو كان الحكم ) بتقدير جديد طريقا إلى التقدير المتعارف ( مخالفا لعمومات وجوب التقدير ) اما لو كان الحكم غير مخالف ، أو لم تكن العلة قادحة في العموم ، فاللازم ، القول بجواز التقدير الجديد ، سواء تعذر التقدير المتعارف ، أم لا .

ص: 10

وقد عرفت ان هذا في الحقيقة تقدير وليس بجزاف .

نعم : ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز ، كما سيجيء .

واما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه ، فالظاهر أيضا الجواز مع البناء على ذلك المقدر المستكشف

_________________________

( وقد عرفت ) ان الحكم ليس مخالفا لعمومات وجوب التقدير .

إذ ( ان هذا ) التقدير الجديد ( في الحقيقة ) هو ( تقدير ) متعارف .

إذ الجديد جعل طريقا إلى المتعارف ( وليس بجزاف ) حتى يحتاج إلى دليل خاص .

( نعم ربما ينافي ذلك ) اى ينافي عدم اعتبار التعذر ( التقرير ) من الامام ( المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما سيجيء ) إذ الراوي سأل فيما إذا لم يستطع البائع عدّ الجواز ، هل يجوز أن يكال ؟ فأجاب الامام بالجواز .

إذ ظاهر كلام الامام انه حين تعذر العدّ يجوز الكيل .

هذا كله فيما إذا كان الجديد طريقا إلى المتعارف ، وكان التسامح مما يتسامح فيه .

( واما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه ) كما لو كان التفاوت في المنّ ربعا مثلا ( فالظاهر أيضا الجواز ) لجعل أحد التقديرين - لوزن - سبيلا إلى التقدير الآخر - كالكيل ( مع البناء ) من المتبايعين ( على ذلك المقدر المستكشف ) مثلا : لو اشترى اللبن وزنا باعتبار انه يطابق كذا

ص: 11

من التقدير إذا كان ذلك التقدير أمارة على ذلك المقدار ، لأن ذلك أيضا خارج عن الجزاف فيكون نظير أخبار البائع بالكيل ويتخير المشترى لو نقص .

وما تقدم من صحيحة الحلبي في اوّل الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك

_________________________

من الكيل ( من التقدير ) « من » بيان « المستكشف » ( إذا كان ) وأخذ ( ذلك التقدير ) الجديد ( أمارة على ذلك المقدار ) المتعارف .

وانما نقول بجواز هذا ( لأن ذلك ) التقدير بالمقدار الجديد ( أيضا ) كالقسم السابق - الّذي كان التفاوت مما يتسامح فيه - ( خارج عن الجزاف ) فإنه لا يقال : انه باع اللبن جزافا ( فيكون ) الوزن في المقام الّذي هو طريق إلى الكيل - مثلا - ( نظير أخبار البائع بالكيل ) .

فكما ان الاخبار يخرج المعاملة عن الجزافية ، كذلك الوزن ( ويتخير المشترى لو نقص ) فيكون له الخيار .

( و ) ان قلت : صحيحة الحلبي تدل على عدم جواز مثل ذلك .

قلت : ( ما تقدم من صحيحة الحلبي في اوّل الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما ) حيث قال عليه السلام : لا يصلح الا بكيل ( قد عرفت توجيهه هناك ) .

إذ حملنا الصحيحة على ما إذا اشترى العدل سواء زاد أو نقص بدون ان يكون مصدّقا للبائع فيما يخبر .

ص: 12

هذا كله مع جعل التقدير غير المتعارف أمارة على المتعارف .

واما كفاية أحد التقديرين عن الآخر اصالة ، من غير ملاحظة التقدير المتعارف ، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا على المشهور كما عن الرياض لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة ، المنهى عنه في الاخبار ومعقد الاجماعات

_________________________

( هذا كله مع جعل التقدير غير المتعارف أمارة على المتعارف ) كان جعل الوزن أمارة على الكيل ، وكان الكيل هو المتعارف في هذا الجنس - كاللبن في المثال المتقدم - .

( واما كفاية أحد التقديرين ) الكيل والوزن ( عن الآخر اصالة ) كما لو جعل الوزن - في اللبن المكيل متعارفا - أصلا ، بدون ملاحظة ان الوزن طريق إلى الكيل ، ( من غير ملاحظة التقدير المتعارف ، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا على المشهور كما عن الرياض ) .

ولا يخفى ان الشيء قد يعتبر بالكيل وقد لا يعتبر بالكيل ، بل بالمشاهدة ، والّذي يعتبر بالكيل قد يجعل الكيل طريقا وقد يكون الكيل بنفسه مناطا .

فالذي يعتبر بالمشاهدة كالشاى الّذي يباع في المقاهي في الاستكان ، والّذي يعتبر فيه الكيل طريقا كاللبن ربعه بكذا ، واوقيته بكذا ، والّذي يعتبر الكيل فيه بنفسه كالشرابت المكالة بالقنينات ، وما أشبه .

ثم إنه انما يجوز بيع المكيل ، بالوزن ( لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة ، المنهى عنه في الاخبار ومعقد الاجماعات ) فان الممنوع

ص: 13

لأن الوزن اضبط من الكيل ، ومقدار مالية المكيلات معلوم به اصالة من دون ارجاع إلى الكيل .

والمحكى المؤيد بالتتبع ان الوزن أصل للكيل ، وان العدول إلى الكيل من باب الرخصة .

وهذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات .

_________________________

البيع مجازفة ، وهذا ليس بمجازفة ( لأن الوزن اضبط من الكيل ، ومقدار مالية المكيلات معلوم به ) اى بالوزن ( اصالة ) .

هذا على القول بأن أصل الكيل هو الوزن ، فقد وزن مثل « ربع » ثم افرغ في اناء خاص ، ثم جعل ذلك الاناء ميزانا ومناطا لبيع هذا الشيء ( من دون ارجاع إلى الكيل ) اى ان الوزن لا يرجع به إلى الكيل ، فإذا قيل كل منّ بكذا ، لم يلاحظ ان المن يكون كم صاعا .

( والمحكى ) عن الفقهاء وغيرهم ( المؤيد بالتتبع ) في موارد المكيل والموزون - عند العرف - ( ان الوزن أصل للكيل ، وان العدول إلى الكيل من باب الرخصة ) في عدم الوزن اكتفاء بالكيل الّذي هو طريق إلى الوزن ، والا فلو أراد واوزن المكيل كان جائزا بل أفضل .

( وهذا معلوم ) الّذي ذكرنا من أن الكيل أصله الوزن ( لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات ) اى ما يكال من الأمور الموزونة ، كالحليب الّذي هو من الموزونات ولكنه يكال ، وذلك مقابل الكيل في غير الموزونات كما قد يكال الجوز والبيض إذا صار كثيرا فان الوزن ليس أصلا في هذا المقام .

ص: 14

ويشهد لأصالة الوزن ان المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة على اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ الا الوزن ، إذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكاييل عليه .

واما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن .

ففيه اشكال ، بل لا يبعد عدم الجواز ، وقد عرفت عن السرائر

_________________________

( ويشهد لأصالة الوزن ) وان الكيل تبع له ( ان المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة ) اى في مختلف البلاد ( على اختلافها ) اى تلك المكاييل ( في المقدار ) ككيل ربع ، وكيل أوقية ، وكيل من وهكذا ( ليس لها ) اى لتلك المكاييل ( مأخذ الا الوزن ) فيزنون في كل بلد وبمقدار ذلك الوزن يصنعون الكيل ، ولولا الوزن من اين يكون المكيال موحدا في تلك البلاد ؟ ( إذ ليس هنا ) عندنا ( كيل واحد يقاس من المكاييل عليه ) بخلاف الوزن ، قلنا وزن واحد ، نملأ به الظرف ، فيكون ذلك الظرف كيلا .

( واما كفاية الكيل في الموزون ) كما لو كان الدهن موزونا ، فكلنا منه مقدار منّ ، ثم كلنا بقية ذلك الدهن ، وجعلنا كل المساوى للقدر الأول ، امنانا أيضا ، وهذا لا بأس به .

اما إذا جعلنا الكيل أصلا ( من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ) كما لو ملأنا ظرفا خاصا - لا نعلم مقدار وزنه - ثم جعلناه وحدة كيلية ، وقلنا إن كل ملأ هذا الظرف بدينار - مثلا - .

( ففيه اشكال ، بل لا يبعد عدم الجواز ، وقد عرفت عن السرائر ) انه

ص: 15

أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف ، فان هذه مجازفة صرفة ، إذ ليس الكيل - فيما لم يتعارف فيه - وعاء منضبط فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو ملأ اليد .

فان الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة .

فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلى كفاية المشاهدة .

_________________________

قال : ( ان ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف ، فان هذه ) بأن يجعل الكيل المجهول الوزن ، وحده ، ( مجازفة صرفة ، إذ ليس الكيل ) بظرف مجهول المقدار ( - فيما لم يتعارف ) الكيل ( فيه - وعاء منضبط ) فان العرف لا يعتبر مثل هذا الكيل الحادث ، وان كان يعتبر الكيل المتعارف كيلا وان كان مجهول المقدار ( فهو ) اى الكيل الّذي لم يجعل طريقا إلى الوزن ( بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو ملأ اليد ) كما إذا قال كل ملأ يدي من التمر بعشرة أفلس - مثلا - .

( فان الكيل من حيث هو ) كيل ، بدون جعله طريقا إلى الوزن ( لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ) .

فكما انه لا يصح ان يقول : هذا المقدار من التمر الموجود هنا ، بعشرة أفلس ، كذلك لا يجوز ان يقول كل ملأ كفى من التمر بعشرة أفلس .

( فالقول بالجواز فيما نحن فيه ) اى في الكيل المجهول الّذي ليس راجعا إلى الوزن ( مرجعه إلى كفاية المشاهدة ) وحيث لا تصح المشاهدة لا يصح الكيل المجهول .

ص: 16

ثم إنه قد علم مما ذكرنا انه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقة والرطل والوزنة - باصطلاح أهل العراق - الّذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم ، غير جائز لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات عليه وجعله في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ، هذا كله في المكيل والموزون .

واما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه ،

_________________________

( ثم إنه قد علم مما ذكرنا ) من أن اللازم وجوب معرفة المقدار ، وإلا ساوى مع المشاهدة وكان الأمر مجازفة ( انه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقة والرطل والوزنة - باصطلاح أهل العراق - الّذي ) صفة اصطلاح ( لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم ، غير جائز ) « خبر » لما يفهم من قوله : « لو وقعت » اى وقوع هذه المعاملة ليس بجائز ( لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات ) اى عنوان الحقة والرطل والوزنة ( عليه ) اى على المبيع ( وجعله ) اى المبيع ( في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار ) لدى المشترى و ( معلومة الاسم ) - كالحقة - مثلا - ( في مقابله ) اى مقابل المبيع ( لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ) فكما لا تجوز المشاهدة لا يجوز هذا أيضا ( هذا كله في المكيل والموزون ) .

( واما المعدود ) فهل يجوز بيعه كيلا أو وزنا ، لولا يجوز الإعداد ( فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه ) كما لوعد الف بيضة ثم كالها

ص: 17

فالكلام فيه كما عرفت في أخويه .

وربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سأل عن الجوز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ، ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد قال عليه السلام : لا بأس به فان ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة ولم يردعه الامام بالتنبيه على أن ذلك غير مختص بصورة الاضطرار .

_________________________

في مكيال ، ثم جعل كل كيل طريقا إلى الف بيضة ، أو وزن الألف فكان مائة كيلو ، ثم جعل كل مائة كيلو طريقا إلى الألف ( فالكلام فيه كما عرفت في أخويه ) المكيل والموزون ، حيث تقدم انه يصح جعل أحدهما طريقا إلى الآخر ، وهنا أيضا يجوز .

( وربما ينافيه ) اى جواز جعل أحدهما طريقا إلى العد ( التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سأل عن الجوز لا نستطيع ان نعده ف ) هل ( يكال بمكيال ، ثم يعد ما فيه ) اى ما في المكيال ؟ ( ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد ) كما لو بقي في المكيال مائة جوزة ، عدّ كل مكيال مائة ( قال عليه السلام : لا بأس به ) .

وانما قلنا : ان هذا الخبر مناف لجواز جعل الكيل والوزن طريقا إلى العدّ ( فان ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك ) جعل الكيل طريقا ( في غير حال الضرورة ) فإنه قال « لا يستطيع » ( ولم يردعه الامام ) بأن يقول ذلك جائز سواء استطاع ، أم لم يستطع ( بالتنبيه على أن ذلك ) جعل الكيل طريقا إلى العدّ ( غير مختص بصورة الاضطرار ) .

ص: 18

لكن التقرير غير واضح .

فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات .

ولذا قوى في الروضة الجواز مطلقا .

واما كفاية الكيل فيه اصالة فهو مشكل ، لأنه لا يخرج عن المجازفة ، والكيل لا يزيد على المشاهدة .

_________________________

( لكن ) الاستظهار المذكور لا وجه له .

إذ ( التقرير ) من الامام لكون الجواز خاصا بحال الضرورة ( غير واضح ) بل الظاهر اطلاق الجواز .

( فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات ) بأن يكون ظهور الرواية في عدم الجواز حال عدم الاضطرار مخصصا لعمومات : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ .

إذ ظاهر العمومات جواز جعل الكيل سبيلا إلى العدّ .

فإذا قلنا بظهور الرواية في اختصاص الجواز بحال الاضطرار ، كانت الرواية مخصصة للعمومات ، والا فلا تكون الرواية مخصصة .

( ولذا ) الّذي ذكر من عدم ظهور الرواية ، الخصوصية بحال الضرورة ( قوى في الروضة الجواز مطلقا ) حتى في حال الاختيار .

( واما كفاية الكيل فيه ) اى في المعدود ( اصالة ) من غير جعل الكيل طريقا إلى العدد ( فهو مشكل ، لأنه ) اى الكيل اصالة بدون ان يلاحظ ان كل كيل كم عددا يأخذ ( لا يخرج عن المجازفة ) عرفا ( والكيل ) الاصالى ( لا يزيد على المشاهدة ) .

فكما لا يصح البيع بالمشاهدة كذلك لا يصح بالكيل اصالة .

ص: 19

واما الوزن فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم : انه لا يكفى العد في المعدودات وان جاز بيعها معجلا بالعد ، بل لا بدّ من الوزن أنه لا خلاف في انه اضبط ، وانه يغنى عن العد فقولهم في شروط العوضين أنه لا بدّ من العد في المعدودات محمول على أقل مراتب التقدير .

لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم ويكفى الوزن عن العد فإنه يوهم كونه الأصل ، في الضبط الا ان يريدوا هنا الاصالة والفرعية

_________________________

( واما الوزن ) في المعدودات بأن يوزن الجوز والبيض ( فالظاهر كفايته ) لأنه يعطى فائدة العدّ وأكثر ( بل ظاهر قولهم في السلم ) وهو ما كان الثمن نقدا والمثمن في المستقبل ( انه لا يكفى العد في المعدودات ) فلا يصح ان يبيعه الف بيضة في المستقبل بمائة دينار في الحال ( وان جاز بيعها ) اى المعدودات ( معجلا بالعد ، بل لا بدّ من الوزن ) كأن يقول : أبيعك سلما مائة حقة من البيض ( انه ) فاعل « ظاهر قولهم » ( لا خلاف في انه ) اى الوزن ( اضبط ) من العد ( وانه ) اى الوزن ( يغنى عن العد ) .

( ف ) ان قلت : فلما ذا يشترطون العد في المعدودات ؟

قلت : ( قولهم في شروط العوضين انه لا بد من العد في المعدودات محمول على أقل مراتب التقدير ) فان أعلى مراتب التقدير الوزن ، وأقله العد .

( لكنه ربما ينافي ذلك ) اى كونه أقل مراتب التقدير ( تعقيب بعضهم ذلك ) اى كون العد أقل المراتب ( بقولهم ويكفى الوزن عن العد فإنه يوهم كونه ) اى العد ( الأصل في الضبط الا ان يريدوا هنا الاصالة ) للعد ( والفرعية )

ص: 20

بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة فافهم .

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشيء مكيلا ،

أو موزونا ، فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد ، يباع كذا والا فلا .

_________________________

للوزن ( بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة ) .

فان المتعارف في ضبط المعدودات ، العدّ ، فان تعذر وزنوا ، وان كان الأصل بحسب الحقيقة والدقة الوزن ، والعد للسهولة ونحوها ( فافهم ) فان العدّ له مدخلية في مالية بعض الأشياء حتى أن الوزن يفوت تلك الأغراض العقلائية ، ولذا يكون العدّ هو الأصل .

( بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشيء مكيلا ، أو موزونا ، فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع وحكم الباقي ) اى الأجناس التي لم تكن في زمن الشارع مما ( في البلدان ) الآن ( ما هو المتعارف فيها ) اى في تلك البلدان ، فما كان في زمن الشارع حكمه تابع لحالته في زمن الشارع ، وما لم يكن في زمن الشارع فحكمه تابع لحالته المتعارفة في البلاد ( فما كان مكيلا أو موزونا في بلد ، يباع كذا ) مكيلا أو موزونا ( والا ) يكن مكيلا أو موزنا في البلد ( فلا ) يشترط فيه الكيل والوزن .

مثلا الحنطة كانت في زمن الشارع موزونة ، والبرتقال والطماطة لم يكونا في زمن الشارع ، فالطماطة حيث إنها تباع موزونة في البلاد يجب

ص: 21

وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته إلى الأصحاب وربما منع ذلك بعض المعاصرين ، قائلا : ان دعوى الاجماع على كون المدار هنا على زمانه عليه السلام على الوجه المذكور غريبة ، فانى لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون اجماعا ، نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا لا انه كذلك بالنظر إلى الجهالة والغرر الّذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه عليه السلام في رفع شيء من ذلك واثباته

_________________________

وزنها والبرتقال حيث لا يوزن في البلاد لا يجب وزنه .

( وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته ) اى هذا القول ( إلى الأصحاب ، وربما منع ذلك ) اى كون المدار زمان الشارع ( بعض المعاصرين ، قائلا : ان دعوى الاجماع على كون المدار هنا ) في باب الكيل والوزن في البيع ( على زمانه عليه السلام على الوجه المذكور غريبة ، فانى لم أجد ذلك ) المدار ( في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون اجماعا ، نعم قد ذكروا ذلك ) كون المدار زمانه عليه السلام ( بالنسبة إلى حكم الربا ) إذ من شرائط الربا المعاملي ان يكون الجنس مكيلا أو موزونا ( لا انه كذلك ) مداره ما ذكره ( بالنظر إلى الجهالة والغرر ) حتى إذا كان مكيلا في زمانه عليه السلام ، وعدم مكيل في زماننا يكون بيعه بلا كيل ، جهالة وغررا ، فيكون البيع باطلا ( الّذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه عليه السلام في رفع شيء من ذلك ) اى في رفع الجهالة والغرر ( واثباته ) اى إثبات كل واحد منهما ، فإذا كان غير مكيل في زمانه ، والآن مكيل يكون عدم كيله لا بأس به ، لأن عدم الكيل لا يوجب الجهالة

ص: 22

انتهى .

أقول : ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جلّ الفقهاء لذلك هنا ، يعنى في شروط العوضين ، وانما ذكروه في باب الربا حق ، الا ان المدار وجود أوعد ما في الربا على اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشيء .

وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط والمعيار فيه هنا يعنى في شروط العوضين ، الا ان الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا وفي ذلك الباب .

_________________________

والغرر ، إذا كان مكيلا في زمانه عليه السلام والآن غير مكيل ، يكون بيعه بلا كيل جهالة وغررا ( انتهى ) كلام المعاصر المستشكل .

( أقول : ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك ) اى لمدارية زمان الشارع في كون الشيء مكيلا ، أم لا ( هنا ، يعنى في شروط العوضين ، وانما ذكروه ) اى ذكروا ان المدار زمان الشارع ( في باب الربا حق ، الا ان المدار وجودا وعدما في الربا ) اى إذا كان مكيلا أو موزنا كان ربا ، والا لم يكن ربا ( على اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشيء ) بأن يباع الجنس بالجنس .

( وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط ) اى شرط المكيلية والموزونية ( والمعيار فيه ) بأنه اى جنس مكيل أو موزون في اىّ شيء ليس مكيلا ولا موزونا ( هنا يعنى في شروط العوضين ، الا ان الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا ) في شروط العوضين ( وفي ذلك الباب ) إذ

ص: 23

واما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا ، وعدم جريانه في شروط العوضين كما ذكره فهو خلاف الواقع .

اما أولا : فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه قال في المبسوط في باب الربا : إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلّى اللّه عليه وآله في شيء الكيل ، لم يجز ، الا كيلا في سائر البلاد ، وما كانت وزنا ، لم يجز الا وزنا في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة

_________________________

الأمران من باب واحد .

( واما اختصاص هذا المعيار ) للمكيل والموزون ( بمسألة الربا ، وعدم جريانه ) اى ذلك المعيار ( في شروط العوضين ) كأن يكون المعيار في باب الربا زمانه عليه السلام ويكون المعيار في باب شروط العوضين شيئا آخر ( كما ذكره ) المعاصر ( فهو خلاف الواقع ) .

( اما أولا : فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه ) إذ يظهر منهم ان المعيار في البابين شيء واحد ( قال في المبسوط في باب الربا :

إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلّى اللّه عليه وآله في شيء الكيل ، لم يجز ، الا كيلا في سائر البلاد ، وما كانت ) عادة الحجاز على عهده صلّى اللّه عليه وآله في شيء ( وزنا ، لم يجز الا وزنا في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة ) .

وذلك لأن أهل الحجاز كان لهم وزن لأنفسهم ، اما الكيل السائل فيه كان من المدينة وأهل المدينة كان لهم الكيل ، والوزن كان متخذا من أهل الحجاز .

ص: 24

هذا كله بلا خلاف ، فإن كان مما لا تعرف عادة في عهده صلّى اللّه عليه وآله حمل على عادة البلد الّذي فيه ذلك الشيء ، فما عرف بالكيل لا يباع الا كيلا ، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا ، انتهى .

ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع ، لا لخصوص مبايعة المتماثلين ونحوه كلام العلامة في التذكرة .

وأما ثانيا : فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا وفي باب الربا ان الموضوع في كلتا المسألتين شيء واحد

_________________________

( هذا كله بلا خلاف ، فإن كان ) الجنس ( مما لا تعرف عادة في عهده صلى اللّه عليه وآله ) وانه كان مكيلا أو موزونا ، أم لا ( حمل على عادة البلد الّذي فيه ذلك الشيء ، فما عرف بالكيل لا يباع الا كيلا ، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا ، انتهى ) كلام الشيخ .

( ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد ) لكون الشيء مكيلا أو موزونا ( لمطلق البيع ، لا لخصوص مبايعة المتماثلين ونحوه ) اى نحو المتماثلين ، كالأصل والفرع ، فإنهم قالوا في باب ان الحنطة بالحنطة ، أو الحنطة بالشعير ، كلاهما يستلزم الربا إذا كانت هناك زيادة ( كلام العلامة في التذكرة ) .

ومن ذلك يتبين ان شروط العوضين في باب المعاملة ، كشرط الربا ، كليهما من واد واحد في الميزان المقرر للمكيلية والموزونية .

( وأما ثانيا : فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا ) اى في شروط العوضين ( وفي باب الربا ان الموضوع في كلتا المسألتين شيء واحد

ص: 25

اعني المكيل والموزون قد حمل عليه حكمان ، أحدهما : عدم صحة بيعه جزافا ، والآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا .

ويزيده وضوحا ملاحظة اخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين .

وأما ثالثا : فلانه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا ، ان من شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه .

_________________________

اعني المكيل والموزون ) فهو الموضوع لصحة المعاملة في باب شروط المعاوضة وفي باب لزوم الربا إذا كان العوضان جنسا واحدا أو كالجنس الواحد .

و ( قد حمل عليه ) اى على هذا الموضوع الواحد ( حكمان أحدهما :

عدم صحة بيعه جزافا ) في باب العوضين ( و ) الحكم ( الآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا ) حتى يلزم الربا .

( ويزيده ) اى كون الموضوع واحدا ( وضوحا ملاحظة اخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ) الفقهاء ( ضابطة لتحديد الموضوع ) اى ما هو ضابط المكيل والموزون ( فهي مرعية في كلتا المسألتين ) مسألة الربا ومسألة شروط العوضين .

( وأما ثالثا : فلانه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا ، ان من شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه )

فهناك ملازمة بين تطرق الربا إلى شيء ، وبين اشتراط صحة بيعه بأحد التقديرين .

ص: 26

قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعا على ذلك أنه لا ربا في الماء ، إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن .

وقال في الدروس ولا يجرى الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا .

ثم قال : وكذا الحجارة ، والتراب ، والحطب ، ولا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان لان الوزن غير شرط في صحته

_________________________

فإذا كان المعيار في باب الربا على كون الشيء مكيلا أو موزونا في زمانه صلى الله عليه وآله ، كان اللازم في شرط العوضين أيضا ان يكون مكيلا أو موزونا في زمانه صلى اللّه عليه وآله - لان ذلك مقتضى التلازم - .

( قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعا على ذلك ) اى على الاشتراط ( انه لا ربا في الماء ، إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن )

وظاهره التلازم بين عدم الربا وعدم الكيل والوزن في البيع .

( وقال في الدروس ولا يجرى الربا في الماء لعدم اشتراطهما ) اى الكيل والوزن ( في صحة بيعه نقدا ) وكلما لم يشترط في بيعه الكيل والوزن ، لم يكن فيه ربا .

( ثم قال : وكذا الحجارة ، والتراب ، والحطب ، ولا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان ، لان الوزن ) حتى في نفس تلك البلدان ( غير شرط في صحته ) اى في صحة بيع الحطب .

ومن المعلوم : ان المفهوم من هاتين العبارتين التلازم بين تطرق

ص: 27

انتهى .

وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا ، وشرح القواعد وحاشيتها للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة والمراد بالمكيل والموزون هنا جنسه وان لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة أو لكثرته كالزبرة .

ولازم ذلك يعنى اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه انه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو

_________________________

الربا إلى شيء وبين اشتراط صحة بيعه بأحد التقديرين ( انتهى )

( و ) من المعلوم : ان ( هذا المضمون ) اى التلازم ( سهل الإصابة ) بان يطلع عليه الانسان ( لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا وشرح القواعد ، وحاشيتها ) اى حاشية القواعد ( للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة والمراد بالمكيل والموزون هنا ) في باب الربا ( جنسه ) اى ان جنس هذا الشيء يدخل فيه الكيل والوزن ( وان لم يدخلاه ) اى لم يدخل الكيل والوزن في هذا الفرد الخاص من ذلك الجنس ( لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة ) فإنه يدخل فيها الربا ( أو لكثرته كالزبرة ) اى القطعة من الحديد .

( ولازم ذلك يعنى اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه ، انه ) لو ثبت الربا في معاملة ، ثبت الكيل والوزن فيها ، وكذا العكس .

ف ( إذا ثبت الربا في زماننا في جنس ، لثبوت كونه مكيلا أو

ص: 28

موزونا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لزم ان لا يجوز بيعه جزافا .

والا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه وبالجملة فتلازم الحكمين اعني دخول الربا في جنس ، واشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب .

وحينئذ فنقول : كلما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلى الله عليه وآله ، فهو ربوى في زماننا ، ولا يجوز بيعه جزافا .

فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا وان لم يلزم غرر ، للاجماع

_________________________

موزونا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لزم ان لا يجوز بيعه جزافا ) لما عرفت من التلازم .

( والا ) يكن هذا لازما ( لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه ) لكنه صادق ، فاللازم ان نقول بالتلازم المذكور .

( وبالجملة ) هذا اجمال لما قاله : وأما ثالثا . . إلى هنا ( فتلازم الحكمين اعني دخول الربا في جنس ، واشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب )

( وحينئذ ) الّذي ثبت التلازم ( فنقول : كلما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلى الله عليه وآله ، فهو ربوى في زماننا ، ولا يجوز بيعه ) في زماننا ( جزافا ) بلا كيل أو وزن .

( فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان ) البيع ( باطلا ، وان لم يلزم غرر ، للاجماع ) على بطلان بيع ما من شأنه الكيل والوزن ، بدون

ص: 29

ولما عرفت من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سدّ باب نوع الغرر لا شخصه فهو حكم لحكمة غير مطردة .

نظير النهى عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع ، واعتبار الانضباط في المسلم فيه لان في تركه مظنة التنازع والتغابن ، ونحو ذلك .

والظاهر كما عرفت من غير واحد ان المسألة اتفاقية

_________________________

كيل أو وزن .

( ولما عرفت ) سابقا ( من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سدّ باب نوع الغرر ، لا شخصه )

فقد تقدم ان بين الغرر العرفي والغرر الشرعي العموم من وجه ( فهو ) اى بطلان البيع بلا كيل أو وزن ( حكم ) من الشارع ( لحكمة ) هي الغرر ( غير مطردة )

( نظير ) العدة لحكمة عدم اختلاط المياه .

ونظير ( النهى عن بيع الثمار قبل الظهور ) اى ظهور الثمرة ( ل ) حكمة ( رفع التنازع ، و ) ل ( اعتبار الانضباط في المسلم فيه ) اى الجنس الّذي هو المثمن ( لان في تركه ) اى ترك الشارع هذا الشرط كما لو أجاز بيع الثمرة قبل الظهور ( مظنة التنازع والتغابن ، ونحو ذلك ) كالعداء بين الجانبين .

( والظاهر كما عرفت من غير واحد ) من الفقهاء ( ان المسألة اتفاقية ) فلا يجوز بيع المكيل في زمانه صلى الله عليه وآله جزافا .

ص: 30

واما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه صلى الله عليه وآله فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا ، والظاهر أنه اجماعى كما يشهد به دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس بربوي والشهرة محققة على ذلك .

نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من اطلاق النهى عن بيع المكيل والموزون جزافا الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه

_________________________

لكن الانصاف الاشكال في ذلك ، بل لا يبعد كفاية مراعاة الحال الحاضر .

وفي كون المسألة اتفاقية نظر ظاهر .

( واما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه صلى الله عليه وآله فالظاهر جواز بيعه كذلك ) جزافا ( عندنا ، مع عدم الغرر قطعا ، والظاهر أنه ) اى جواز البيع جزافا ( اجماعى كما يشهد به ) اى بكونه اجماعيا ( دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس بربوي ) .

وقد تقدم التلازم بين كون الشيء ربويا وكونه مكيلا أو موزونا ، فإذا لم يكن شيء ربويا كان معناه انه ليس بمكيل أو موزون ( والشهرة محققة على ذلك ) اى جواز بيعه جزافا .

( نعم ينافي ذلك ) اى جواز بيعه جزافا ( بعض ما تقدم من اطلاق النهى عن بيع المكيل والموزون جزافا )

فإنه إذا كان الشيء مكيلا في هذا الزمان ، ثم بيع جزافا كان البيع منهيا عنه ( الظاهر ) ذلك الاطلاق ( فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه

ص: 31

السلام ، أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين ، أو أحدهما ، وان لم يتعارف في غيره .

وكذلك قوله عليه السلام : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب وفي عرفه وان لم يكن كذلك في عرف الشارع .

اللهم الا ان يقال :

_________________________

السلام ، أو في عرف السائل ) كما لو كان السائل من أهل بلد يكال فيه ذلك الشيء ( أو في عرف المتبايعين ، أو أحدهما ، وان لم يتعارف ) كيله ( في غيره ) اى غير ذلك العرف .

والحاصل : ان النهى عن البيع جزافا شامل لكل هذه الصور ، فكيف تقولون بجواز بيعه جزافا ؟ إذا كان في زمن الرسول صلى الله عليه وآله يباع بالجزاف .

( وكذلك ) ينافي بيعه جزافا ( قوله عليه السلام : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة الظاهر في وضع المكيال عليه ) اى على ذلك الطعام ( عند المخاطب وفي عرفه ) فكيف تقولون بجواز بيعه مجازفة إذا كان في زمن الرسول صلى الله عليه وآله يباع بالجزاف ( وان لم يكن كذلك ) مكيلا ( في عرف الشارع )

( اللهم الا ان يقال ) لا اطلاق في هذه الأحاديث ، فان زمانهم عليهم السلام كان كزمان الشارع في ان المكيل في زمانهم كان مكيلا في زمانه ، والجزاف في زمانهم كان جزافا في زمانه .

ص: 32

انه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة عليهم السلام وأصحابهم كان غير مقدّر في زمان الشارع حتى يتحقق المنافاة .

والأصل في ذلك ان مفهوم المكيل والموزون في الاخبار لا يراد بهما كلما فرض صيرورته كذلك حتى يعم ما علم كونه غير مقدّر في زمن الشارع .

بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم وهذه

_________________________

إذ : ( انه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ) الذين سألوا عن الأئمة عليهم السلام ( كان غير مقدر ) بالكيل والوزن ( في زمان الشارع ) الرسول صلى الله عليه وآله ( حتى يتحقق المنافاة ) بين اطلاق الأئمة عليهم السلام عدم صحة بيع الجزاف وبين كون الشيء جزافا في زمن الشارع المقتضى لصحة بيع الجزاف .

( والأصل في ذلك ) اى في عدم المنافاة ( ان مفهوم المكيل والموزون في الاخبار لا يراد بهما ) اى بالمكيل والموزون ( كلما فرض صيرورته كذلك ) اى مكيلا أو موزونا - فليس « المكيل والموزون » على نحو القضية الحقيقية - ( حتى يعم ) المكيل والموزون ( ما علم كونه غير مقدّر في زمن الشارع ) حتى يكون قول الإمام عليه السلام « لا يصح بيع المكيل بلا كيل » مثلا لما كان غير مقدّر في زمن الرسول صلى الله عليه وآله أيضا

( بل المراد بهما ) اى بالمكيل والموزون ( المصداق الفعلي ) للمكيل والموزون ( المعنون بهما ) اى بالكيل والوزن ( في زمان المتكلم ) كالإمام عليه السلام وأصحابه ( وهذه

ص: 33

الافراد لا يعلم عدم كونها مكيلة ولا موزونة في زمن النبي صلى الله عليه وآله .

لكن يرد على ذلك - مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال ويوزن -

_________________________

الافراد ) المعنونة بالكيل والوزن في زمن الإمام عليه السلام ( لا يعلم عدم كونها مكيلة ولا موزونة في زمن النبي صلى الله عليه وآله )

فقول الإمام « لا يصح بيع المكيل بلا كيل » لا يشمل ما كان الآن مكيلا ولم يكن في زمن النبي مكيلا ، لا يشمله من باب السالبة بانتفاء الموضوع بمعنى انه لم يعلم أنه كان شيء هكذا حاله ، بان كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله مكيلا وفي زمن الامام ليس بمكيل -

( لكن يرد على ذلك ) الّذي ذكر من انّ المراد بالمكيل والموزون المصداق الفعلي ( - مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد ) ذلك الظاهر ( من عنوان ما يكال ويوزن - )

إذ : الظاهر من موضوعات القضايا ، كونها على نحو الحقيقية لا الفعلية ، فإذا قيل كل انسان حيوان ، لم يكن ظاهره على انسان فعلى ، بل ظاهره كل ما صدق عليه الانسان في زمان من الأزمنة الثلاثة فهو حيوان .

وكذلك إذا قيل « المكيل كذا » لا يراد به المكيل الفعلي ، بل على نحو القضية الحقيقية .

وبعبارة أخرى : القضايا الشرعية انما هي قضايا حقيقية .

ص: 34

انه لا دليل حينئذ على اعتبار الكيل في ما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان ، مع تعارف التقدير فيه في الزمان

_________________________

فإذا قيل : أكرم العالم ، لا يراد به العالم حال التكلم ، بل العالم في كل وقت .

فإذا كان زيد حال امر المولى جاهلا ، ثم صار عالما وجب اكرامه حال علمه ، ولو انعكس بان كان عمر وعالما حال امر المولى وثم نسي علمه فجهل سقط عن وجوب الاكرام .

وهذا بخلاف القضايا الخارجية التي تراعى فيها الموضوعات الفعلية فإذا قال : ائتني بكل عالم في البلد ، أريد العلماء في وقت التكلم ، فلو علم انسان بعد ذلك لم يشمله الخطاب ، ولو جهل أحد العلماء كان مشمولا للحكم .

وعلى هذا فإذا قال الشارع : المكيل حكمه كذا ، يراد : المكيل في زمن البيع - مثلا - .

اما ما كان مكيلا في زمن الرسول صلى الله عليه وآله ثم سقط عن المكيلية فليس محكوما بذلك الحكم .

وهذا هو الظاهر من أدلة المكيل والموزون ظهورا عرفيا ولا يرفع اليد عنه الا بدليل ( انه لا دليل حينئذ ) اى حين قلنا باعتبار المكيلية والموزونية في زمن النبي صلى الله عليه وآله ( على اعتبار الكيل ) اى لزوم ان يكال ذلك الجنس ( في ما شك في كونه مقدرا ) مكيلا ( في ذلك الزمان ) اى زمان النبي صلى الله عليه وآله ( مع تعارف التقدير فيه في الزمان

ص: 35

الآخر إذ لا يكفى في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل والموزون ، بل لا بدّ من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الأخبار .

ولا دليل أيضا على الحاق كل بلد لحكم نفسه ، مع اختلاف البلدان

_________________________

الآخر ) اى زمان إرادة البيع .

مثلا : لو فرضنا ان الفحم مشكوك في انه كان مكيلا في زمان النبي صلى الله عليه وآله ، أم لا ، لكن الآن - حين نريد بيعه - هو مكيل في كل البلاد ، فإنه بمقتضى ما ذكرتم : من اعتبار الكيل فيما كان مكيلا في زمن النبي صلى الله عليه وآله يلزم صحة بيع الفحم بدون الكيل ، لأصالة عدم اشتراط الكيل فيه بعد ان شككنا في كونه مكيلا في زمن النبي صلى الله عليه وآله .

وانما لا يعتبر الكيل في المشكوك ( إذ لا يكفى في الحكم ) بوجوب كيله ( حينئذ ) اى حين كان المعيار المكيلية في زمان الشارع - كما يقول الطرف المقابل لنا - ( دخوله ) اى دخول الجنس ( في مفهوم المكيل والموزون ) حال البيع ، فإنه وان قيل للفحم هو مكيل - مثلا - لا يكفى في وجوب كيله الا إذا تحقق انه كان مكيلا في زمن الشارع وقد فرض ان كونه مكيلا في زمن الشارع مشكوك فيه ( بل لا بدّ كونه ) اى الجنس ( أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الاخبار ) كزمان النبي صلى الله عليه وآله .

( و ) كذلك ( لا دليل أيضا ) لما ذكره الفقهاء ( على الحاق كل بلد لحكم نفسه ، مع اختلاف البلدان ) في كون الجنس مكيلا في بلد وجزافا في بلد ، إذ المعيار حينئذ ملاحظة زمان الشارع وانه كان مكيلا ، أم لا .

ص: 36

والحاصل : ان الاستدلال بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن ، على ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلى الله عليه وآله .

ثم بما اتفق عليه البلاد .

ثم بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسه ، في غاية الاشكال .

_________________________

( والحاصل ) في الاشكال على اعتبار ملاحظة زمان النبي صلى الله عليه وآله في المكيلية ( ان الاستدلال باخبار المسألة المعنونة ) تلك الأخبار ( بما يكال أو يوزن ، على ما هو المشهور ) « على » متعلق ب « الاستدلال » ( من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلى الله عليه وآله )

فإن كان مكيلا في زمان النبي لزم فيه الكيل ، وان كان جزافا في زمان النبي صح بيعه جزافا .

وكذلك بالنسبة إلى الموزون وغير الموزون .

( ثم ) إذا لم نعلم حاله في زمان النبي صلى الله عليه وآله هل كان مكيلا أو موزونا ، أم لا ؟ ( بما اتفق عليه البلاد ) إذا كانت البلاد متفقة في كيل أو وزن أو جزاف .

( ثم ) إذا اختلفت البلاد ( بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسه ) اى نفس ذلك البلد .

ففي البلد الّذي كان الشيء فيه مكيلا يلزم الكيل ، وفي البلد الّذي يباع فيه الشيء جزافا يجوز بيعه جزافا ( في غاية الاشكال ) لان الأدلة

ص: 37

فالأولى تنزيل الأخبار على ما تعارف تقديره عند المتبايعين ، واثبات ما ينافي ذلك من الأحكام المشهورة بالاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة .

وكذا لا اشكال لو علم التقدير في زمن الشارع ، ولم يعلم كونه بالكيل أو الوزن .

ومما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل

_________________________

لا تساعد على هذا التفصيل .

( فالأولى ) حسب الأدلة ( تنزيل الأخبار ) الدالة على اعتبار الكيل والوزن ( على ما تعارف تقديره عند المتبايعين ) فإن كان المتعارف عندهم الكيل والوزن لا يصح جزافا ، والأصح جزافا ( واثبات ما ينافي ذلك ) المتعارف ( من الأحكام المشهورة ) بين الفقهاء ، كاعتبار زمان الرسول صلّى اللّه عليه وآله ( ب ) سبب ( الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة ) بالاجماع متعلق ب « اثبات » .

( وكذا لا اشكال ) عطف على « غاية الاشكال » ( لو علم التقدير في زمن الشارع ، ولم يعلم كونه بالكيل أو الوزن ) فان القول بأنه يكال الآن ، أو يوزن ، أو يتبع العرف باستصحاب عدم تغيره عن حالته السابقة في زمان الرسول صلّى اللّه عليه وآله .

( ومما ذكرنا ) من قولنا « نعم ينافي ذلك » ( ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار ) في المكيلية والموزونية ( في التقدير بعادة الشرع ) وما كان متعارفا في زمان الشارع ، وذلك ( بوجوب حمل

ص: 38

اللفظ على المتعارف عند الشارع ولكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ولكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه انتهى .

_________________________

اللفظ على المتعارف عند الشارع ) فإذا قال الشارع : المكيل يراد به ما يكال في زمانه ( ولكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان ) و « لكون » عطف على « لكون الاعتبار » ( بأن الحقيقة العرفية هو المرجع عند انتفاء ) الحقيقة ( الشرعية ) « بوجوب » علة ، ل « لكون الاعتبار » و « بان » علة ، ل « لكون المرجع » ( ولكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان ) بان كان الجنس في بعض البلدان مكيلا ، وفي بعض البلدان موزونا ( بان العرف الخاص قائم مقام ) العرف ( العام عند انتفائه انتهى ) اى إذا فقد العرف العام « ولكون المرجع » أيضا عطف على « لكون الاعتبار » و « بان العرف » علة له .

وانما ظهر ضعف هذا الكلام ، لأن اللفظ الواحد لا يحتمل أزيد من معنى واحد .

فان أريد ب « ما يكال ويوزن » في لسان الشارع « زمان الشرع » لم يمكن يراد باللفظ « العرف العام » و « العرف الخاص » .

وان أريد باللفظ « العرف » لم يكن ان يراد باللفظ « زمان الشرع » .

فارادتهما من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى .

ص: 39

وذكر المحقق الثاني أيضا ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها .

فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله ، فالمعتبر هو العرف السابق ، ولا اثر للتغير الطارئ ، للاستصحاب .

_________________________

( وذكر المحقق الثاني أيضا ) في وجه عدم صحة التدرج من الشرع إلى العرف العام ثم إلى العرف الخاص ، اى لا يصح ان نقول :

ان الميزان في المكيلية زمن الشارع ، فإن لم يعلم زمن الشارع فالميزان العرف العام ، فإن لم يكن عرف عام فالميزان عرف خاص ( ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ) اى في الحقيقة العرفية ( ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها ) .

فكما ان اطلاق لفظ الشارع يحمل على المعنى الشرعي إذا كان هناك شرع كذلك اطلاق لفظ الشارع يحمل على المعنى العرفي إذا كان هناك عرف .

( فلو تغيرت ) الحقيقة الشرعية أو العرفية ( في عصر بعد استقرارها ) اى تلك الحقيقة ( فيما قبله ، فالمعتبر هو العرف السابق ، ولا اثر للتغير الطارئ ) .

مثلا : قال الشارع المكيل وكانت الحنطة مكيلا ثم اخذ الناس يبيعونها بالجزاف كان اللازم مراعاة عرف الشارع في بيعها بالكيل ( للاستصحاب ) فإنما شك في تغير الحكم بتغير العرف فالأصل بقاء الحكم السابق .

ص: 40

ولظاهر قوله صلّى اللّه عليه وآله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة .

واما في الأقارير والايمان ونحوها فالظاهر الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شيء عنها حملا له على ما يفهمه الموقع انتهى .

_________________________

( ولظاهر قوله صلّى اللّه عليه وآله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ) والجماعة أعم من الجماعة العرضية التي كانت في زمن الشارع ، أو الجماعة الطولية التي كانت بامتداد الأزمنة من زمان الشارع إلى الزمان المتأخر عنه .

( واما في الأقارير والايمان ونحوها ) كالعقود والايقاعات ، كما لو قال « له على دينار » أو « أقسم باللّه أن اعطى دينارا » أو « بعتك بدينار » مثلا - ( فالظاهر ) انه لا يحمل على زمان الشارع ، بأن يقال : المراد بالدينار الدينار الشرعي بل ( الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شيء عنها ) اى عصر الاقرار واليمين ( حملا له ) اى للاقرار ونحوه ( على ما فهمه الموقع ) اى الّذي أوقع الاقرار ونحوه فإن كان الدينار في عرفنا غير الدينار في عرف الشارع حمل الاقرار بالدينار ، على أن المراد به الدينار في زماننا ( انتهى ) كلام المحقق الثاني .

وحيث إن الشيخ « ره » فهم من كلام المحقق انه يريد ان المعنى للفظ إذا كان في زمان الشارع على نحو ثم صار معنى آخر لزم ان نقول بالمعنى السابق .

كما إذا كانت « الدابة » في زمن الشارع تطلق على كل ما يدب ، ثم صارت في زماننا تطلق على الحمار فقط ، فان اللازم حمل كلام الشارع

ص: 41

أقول ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم فان المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا ، فلا يباع جزافا ، أو لا يباع بعضه ببعض الا متساويا ، اما ان يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم ، أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام ، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف .

وعلى اىّ تقدير فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد فلا بد لبيان

_________________________

على كل ما يدب .

أشكل عليه بقوله : ( أقول ليس الكلام ) فيما نحن فيه ( في مفهوم المكيل والموزون ) حتى يلزم ملاحظة مفهومها في زمان الشارع ( بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم ) اى المصداق ، فإنه قد يشك في ان « العالم » ما هو معناه هل يشمل « عالم السحر » ، أم لا ؟ وقد يعلم أنه خاص بعلم الفقه ، لكن لا نعلم هل ان زيدا عالم بالفقه ، أم لا ؟ ( فان المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا ، فلا يباع جزافا ) في باب المعاملات ( أو لا يباع بعضه ببعض الا متساويا ) في باب الربا ( اما ان يكون ) من جهة المصداق - بعد معلومية المفهوم - ( ما هو المكيل في عرف المتكلم ) اى الرسول صلّى اللّه عليه وآله ( أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام ) اى عند جميع الناس ( أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف ) اى كل بلد على نحو المعتاد عندهم .

( وعلى اىّ تقدير ) من هذه التقادير الثلاثة ( فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد ) من الكلام ( فلا بد لبيان

ص: 42

حكم غير ما هو المراد من دليل خارجي .

وإرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها وخصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقة لا مع عدمه غير صحيحة ، كما لا يخفى .

_________________________

حكم غير ما هو المراد من دليل خارجي ) .

فإذا أريد من المكيل المكيل في زمان الشارع ، مثلا ، لا يمكن ان يراد به المكيل في العرف العام ، بل لا بدّ من دليل خارجي يدل على أنه ان فقد المكيل في زمنه صلّى اللّه عليه وآله كان التكليف الرجوع إلى المكيل في العرف العام .

( و ) ان قلت ما المانع من أن نقول : ان المراد بالمكيل في الروايات جميع هذه الثلاثة ، اى المكيل في زمانه ، وفي العرف العام ، وفي العرف الخاص ؟

قلت : ( إرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص ) بأن يقوم المكيل في زمانه ثم العرف العام ، ثم العرف الخاص ( في ثبوت الحكم بها ) اى بهذه الثلاثة ( وخصوصا مع كون مرتبة كل لاحق ) كالعرف الخاص اللاحق بعد العرف العام ، والعرف العام اللاحق بعد الشرع ( مع عدم العلم بسابقة لا مع عدمه ) اى عدم السابق فالعرف الخاص مرتب على عدم العلم بالعرف العام ، لا انه مرتب على عدم العرف العام .

وانما قال : خصوصا ، لأن شمول لفظ المكيل لشيء مقيدا بعدم العلم بشيء آخر ، خلاف الظاهر من اللفظ ، إذ لا دخل للعلم في مفاهيم الألفاظ ( غير صحيحة ) خبر « وإرادة » ( كما لا يخفى ) .

ص: 43

ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا حيث تأمل ، فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع والعرف العام والعرف الخاص معللا باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما ، أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا ، أو بالنسبة إلى كل بلد بلد كما قيل في المأكول والملبوس في السجدة من الامر الوارد

_________________________

إذ : شمول لفظ واحد لمعنى متعدد غير تام ، كما حقق في الأصول ، خصوصا إذا كان على نحو الترتيب ، وبالأخص إذا كان على نحو ترتيب علمي .

( ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا ) اى ان لفظ المكيل لا يشمل لثلاث معان ، مرتبا بعضها على بعض ، ترتيبا علميا ( حيث تأمل ) ره ان ( فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع والعرف العام والعرف الخاص ، معللا ) تأمله ( باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما ) فقط بأن يكون اللازم الكيل والوزن ، فيما يكال أو يوزن في عموم البلاد ، بدون ملاحظة زمان الشارع ، هل انه كان يكال في ذلك الزمان ، أم لا ؟

مثلا - ( أو في أكثر البلدان ) فإذا كان الشيء مكيلا في أكثر البلدان وجب كيله وان كان في بلدنا - مثلا - لا يكال ( أو في الجملة مطلقا ) اى بالنسبة إلى بلد الكيل وغير بلد الكيل ، فإذا كان شيء يكال في بلد ما وجب بيعه بالكيل ، وان كان في غالب البلاد غير مكيل ( أو بالنسبة إلى كل بلد بلد ) فإذا كان في بلد مكيلا وفي بلد غير مكيل ، كان اللازم كيله في البلد الّذي يكال فيه ، ولا يلزم كيله في البلد الّذي لا يكال فيه ( كما قيل في ) ميزان ( المأكول والملبوس في ) باب ( السجدة من ) جهة ( الامر الوارد

ص: 44

بهما لو سلّم والظاهر هو الأخير ، انتهى .

وقد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها على عرفهم صلوات اللّه عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب اجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخرة .

وما لم يعلم فهو - بناء أعلى قواعدهم - يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكره من التفصيل .

_________________________

بهما ) اى بالمأكول والملبوس ( لو سلّم ) فهل المراد المأكول والملبوس في العرف العام ؟ أو في أكثر البلدان ؟ أو في الجملة مطلقا ؟ أو بالنسبة إلى كل بلد بلد ؟ ( والظاهر هو الأخير ) اى ملاحظة الكيل بالنسبة إلى كل بلد بلد ، كملاحظة المأكولية والملبوسية بالنسبة إلى كل بلد بلد ( انتهى ) كلام المقدس الأردبيلي .

( وقد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها على عرفهم صلوات اللّه عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب اجراء الحكم ) اى حكم المكيل والموزون ( عليه في الأزمنة المتأخرة ) عن صدور الروايات .

( وما لم يعلم ) انه كان مكيلا أو موزونا في زمن الشارع صلى الله عليه وآله ( فهو بناء أعلى قواعدهم - ) اى قواعد الفقهاء الذين يحكمون العرف في الموضوعات التي حكم الشارع عليها باحكام ( يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكره من التفصيل ) فيما إذا لم يكن هناك عرف عام فما ذا يصنع وانه يرجع فيه إلى الأكثر أو إلى كل بلد حسب مفهومه الخاص أو يحتاط ، أو غير ذلك من المحتملات .

ص: 45

ثم قال ويمكن ان يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا فان الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلى تسميته عرفا مكيلا .

ويمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام ، انتهى .

أقول : قد عرفت ان الكلام هنا ليس في معنى اللفظ لأن مفهوم الكيل معلوم لغة ، وانما الكلام في تعيين الاصطلاح الّذي

_________________________

( ثم قال ) الحدائق ( ويمكن ان يستدل للعرف العام ) وانه حجة إذا لم يكن لهم عليهم السلام عرف خاص ( بما تقدم في صحيحة الحلبي ، من قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا .

ف ) وجه الاستدلال ( ان الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلى تسميته عرفا مكيلا ) إذ ليس المراد من « سميت » التسمية الشخصية ، بل التسمية العرفية .

( و ) حيث إن هذا الخبر اطلاقا بالنسبة إلى ما كان لهم عليهم السلام عرف فيه أو لم يكن لهم عليهم السلام عرف فيه .

قال الحدائق : ( يمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام ) إذ لو علم حاله لزم اتباع حالة زمانهم عليهم السلام لا اتباع العرف العام ( انتهى ) كلام الحدائق .

( أقول : قد عرفت ان الكلام هنا ) في المكيل والموزون ( ليس في معنى اللفظ ) .

فقول الحدائق « ان الواجب في معاني الألفاظ » لا وجه له ( لأن مفهوم الكيل معلوم لغة ، وانما الكلام في ) المصداق و ( تعيين الاصطلاح الّذي

ص: 46

يتعارف فيه هذا المفهوم .

ثم لو فرض كون الكلام في معنى اللفظ كان اللازم حمله على العرف العام ، إذا لم يكن عرف شرعي ، لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ على المعنى العرفي ، بل لا بدّ من الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعي ، ومع العجز يحكم باجمال اللفظ ، كما هو واضح هذا كله مع أن الأخبار انما وصلت إلينا من الأئمة صلوات اللّه

_________________________

يتعارف فيه هذا المفهوم ) هل المراد اصطلاح الشارع ، أو اصطلاح العرف العام ، أو العرف الخاص .

( ثم لو فرض كون الكلام في معنى اللفظ ) وانه ما هو معنى المكيل ؟

( كان اللازم حمله ) اى اللفظ ( على العرف العام ، إذا لم يكن عرف شرعي ) اما إذا كان عرف شرعي - كالحج الّذي عرفه الشرعي قصد بيت اللّه الحرام لا مطلق القصد ، الّذي هو معناه اللغوي - ( لا إذا جهل عرفه الشرعي ) وقد قال الحدائق « وما لم يعلم » ولم يقل « وما لم يكن » ( فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ ) الوارد في كلام الشارع ( حينئذ ) اى حين جهل العرف الشرعي ( على المعنى العرفي ، بل لا بدّ من الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعي ، ومع العجز ) عن الظفر بالمعنى الشرعي ( يحكم باجمال اللفظ ، كما هو واضح ) .

فاللازم معاملة المجمل معه من الاحتياط أو العمل بسائر الأصول العملية ( هذا كله مع ) انه يرد على صاحب جامع المقاصد بالإضافة إلى ما تقدم ( ان الأخبار انما وصلت إلينا من الأئمة صلوات اللّه

ص: 47

عليهم ، فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع .

واما ما استشهد به للرجوع إلى العرف العام ، من قوله عليه السلام : ما سميت فيه كيلا الخ فيحتمل ان يراد عرف المخاطب ، فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين .

نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص ، لمقطوعة ابن هاشم الآتية فتأمل .

وابعد شيء في المقام ما ذكره في جامع المقاصد ، من أن الحقيقة العرفية يعتبر

_________________________

عليهم ، فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع ) مع أن جامع المقاصد اعتبر عرف الشارع - ولا يخفى ان المصنف لو قدم هذا الكلام كان أحسن - .

( واما ما استشهد به ) الحدائق ( للرجوع إلى العرف العام ، من قوله عليه السلام : ما سميت فيه كيلا الخ ) « من » بيان « ما » ( فيحتمل ان يراد ) بقوله « ما سميت » ( عرف المخاطب ، فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين ) لا العرف العام كما قاله الحدائق .

( نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص ، لمقطوعة ابن هاشم الآتية ، فتأمل )

إذ يحتمل تقدم العرف الخاص لأنه المخاطب ، وقد قال عليه السلام : انا معاشر الأنبياء أمرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم .

( وابعد شيء في المقام ) اى في مقام اعتبار الكيل والوزن ( ما ذكره في جامع المقاصد ) في كلامه المتقدم ( من أن الحقيقة العرفية يعتبر

ص: 48

فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليهما فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله انتهى .

وبالجملة فاتمام المسائل الثلاث بالاخبار مشكل ، لكن الظاهر أن كلها متفق عليها ، نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة في ان لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا أو انه يغلب جانب التحريم كما عليه جماعة من أصحابنا .

_________________________

فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليهما ) اى على المكيل والموزون ( فلو تغيرت ) الحقيقة العرفية ( في عصر بعد استقرارها فيما قبله انتهى ) .

وجه الغرابة ان العرف ليس كالشرع في كونه معيارا ، فلما ذا جعله المحقق الثاني معيارا .

أقول لكن الظاهر أن المراد من كلام المحقق ما لو كان الشرع اخذ الموضوع بالمعنى العرفي في كلام ، في مقابل ما إذا كان للشرع موضوع مخترع ، والا فما فهمه الشيخ « ره » عن كلام المحقق جدا بعيد .

( وبالجملة فاتمام المسائل الثلاث ) الاعتبار بالشرع ثم العرف العام ثم العرف الخاص ( بالاخبار مشكل ، لكن الظاهر أن كلها متفق عليها ، نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة ) من حيث الوزن وعدم الوزن ( في ان لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا ) ففي البلد الّذي يكال فيه يكون الجنس هناك ربويا ، وفي البلد الّذي لا يكال فيه لا يكون ربويا ( أو انه يغلب جانب التحريم ، كما عليه جماعة من أصحابنا ) من دخول

ص: 49

لكن الظاهر : اختصاص هذا الحكم بالربا ، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير .

ثم إنه يشكل الامر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن ، ففيه وجوه .

أقواها وأحوطها اعتبار ما هو ابعد من الغرر .

وأشكل من ذلك ما لو علم كون الشيء غير مكيل في زمن الشارع أو في

_________________________

الربا فيما يكال في بعض البلاد .

( لكن الظاهر : اختصاص هذا الحكم ) اى تغليب جانب الحرام في باب الربا إذا كانت البلاد مختلفة ( بالربا ، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير ) بالكيل والوزن ، والا فلا ينبغي الاشكال في جواز البيع جزافا في البلد الّذي لا يتعارف فيه التقدير .

( ثم إنه يشكل الامر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن ، ففيه وجوه )

الكيل لأنه الغالب في زمان الشارع .

والوزن لأنه الأصل وهو أدق ، واعتبار عادة العرف في هذا الشيء الآن لأصالة عدم النقل .

والتخيير لان كلا من الكيل والوزن يجوز تبديله بالآخر .

( أقواها وأحوطها اعتبار ما هو ابعد من الغرر ) لأن الظاهر أن اعتبار الكيل والوزن للتجنب عن الغرر ، فكلما كان ابعد من الغرر كان أولى وأفضل ( وأشكل من ذلك ما لو علم كون الشيء غير مكيل في زمن الشارع أو في

ص: 50

العرف العام مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص .

ولا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفى الغرر لاحتمال كون ذلك الشيء من المبتذلات في زمن الشارع ، أو في العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته ، وقد بلغ عند قوم في العزة إلى حيث لا يتسامح فيها .

_________________________

العرف العام مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص ) كما إذا كان الماء عند قوم خاص مكيلا بحيث انه لو لم يكل لزم فيه الغرر ، مع أنه عند الشارع وعند العرف العام ليس مكيلا .

( و ) ان قلت : ان الشارع لم يحتم بيعه مكيلا فلذا يجوز بيعه جزافا

قلت : ( لا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفى الغرر )

فان قوله عليه السلام « لا غرر » لا يمكن تخصيصه بمثل هذا المخصص وهو بيعه جزافا في زمن الشارع ( لاحتمال كون ذلك الشيء ) كالماء في المثال ( من المبتذلات في زمن الشارع ، أو في العرف ) العام ( بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته ، و ) الحال انه ( قد بلغ ) الماء ( عند قوم في العزة إلى حيث لا يتسامح فيها )

فإجازة الشارع لبيعه جزافا انما هو لأجل عدم الغرر لا انه تخصيص لأدلة الغرر فلا يمكن ان يقال : يجوز بيعه جزافا بحجة انه كان في زمن الشارع يباع جزافا .

ص: 51

فالأقوى وجوب الاعتبار - في الفرض المذكور - بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن أو العدّ .

وبالجملة : فالأولى جعل المدار فيما لا اجماع فيه على وجوب التقدير فيما بنى الامر في مقام استعلام مالية الشيء على ذلك التقدير .

فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العد بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان والبطيخ ، فإنه لا يجاب الا بالوزن .

وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير فربما

_________________________

( فالأقوى وجوب الاعتبار - في الفرض المذكور - ) وهو ما كان في زمن الشارع جزافا ، لكن الآن يوجب الغرر ( بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن أو العدّ ) لان أدلة الغرر أقوى من أدلة بيع ذلك الشيء جزافا عند العرف العام أو في زمن الشارع .

( وبالجملة : فالأولى جعل المدار فيما لا اجماع فيه ) بأنه يجوز بيعه جزافا مطلقا ( على وجوب التقدير ) هذا مفعول ثان ل « جعل » ( فيما بنى الأمر في مقام استعلام مالية الشيء على ذلك التقدير ) اى التقدير بالكيل ونحوه .

( فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العد ) مثلا يقول مائة ( بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان والبطيخ ، فإنه لا يجاب الا بالوزن ) وانه مائة ، حقة مثلا .

( وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير ) الّذي عنده ( فربما

ص: 52

يجاب بالكيل ، وربما يجاب بالوزن .

لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن .

وقد تقدم ان الوزن أصل في الكيل ، وما ذكرنا هو المراد بالمكيل والموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع بدخول الربا فيهما

_________________________

يجاب بالكيل ، وربما يجاب بالوزن ) وانه كرّ ، أو مائة من .

( لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن ) كان يعرف ان الكر من الحنطة يساوى مائة من مثلا ( إذ الكيل بنفسه غير منضبط ) فلا يمكن ان يكون مرجعا .

مثلا الكيل الّذي كل من طوله وعرضه وعمقه شبر يأخذ من الحنطة حقة ، ومن الشعير حقة ونصفا ، ومن الدخن نصف حقة ، إذ الاحجام تخالف المقادير في الأجناس المختلفة ، بل في الجنس الواحد عند اختلاف أنواعه ، فان الماء الحلو والمالح مختلف الأوزان ، وان اتحدت حجومهما ( بخلاف الوزن ) فإنه لا يختلف .

( وقد تقدم ان الوزن أصل في الكيل ، وما ذكرنا ) بان الميزان هو ما يجاب عند السؤال عن المالية ( هو المراد بالمكيل والموزون الذين حمل عليهما ) اى حمل على المكيل والموزون ( الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع ) والحكم ( بدخول الربا فيهما )

فإذا قيل : يعتبر الكيل والوزن في بعض الأجناس ، أو قيل

ص: 53

واما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة كالماء والتبن والخضريات ، فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير ، فان اختلف البلاد في التقدير والعدم فلا اشكال في التقدير في بلد التقدير .

واما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك لابتذال الشيء عندهم بحيث يتسامح

_________________________

يدخل الربا في المكيل والموزون ، فالمراد هو الجنس الّذي إذا سئل عن مالية الشيء أجيب بالكيل والوزن .

مثلا : إذا سأل كم يسوى السكر ، يقال : كل كيلو بمائة فلس فمثل السكر يجب كيله ووزنه عند البيع ، ويدخل فيه الربا ، بخلاف ما إذا سئل كم يسوى البيض فإنه لا يقال : كل كيلو بكذا .

( واما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة ) الكيل والوزن والعد ( كالماء والتبن والخضريات ) كالكراث وورق السلق ( فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير ) الا إذا كان في البلد له تقدير خاص مثل ان كل باقة من الكراث بكذا أو كل وزنة من التبن بكذا ( فان اختلف البلاد في التقدير ) بأحد الثلاثة ( والعدم ) فكان الشيء في بلد يقدّر بالكيل مثلا ، وفي بلد يباع جزافا ( فلا اشكال في ) وجوب ( التقدير في بلد التقدير )

وذلك لصدق ان الجنس مكيل أو موزون أو معدود ، في ذلك البلد فيشمله الدليل الدال على وجوب التقدير .

( واما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك ) عدم التقدير ( لابتذال الشيء عندهم ) وكثرته ( بحيث يتسامح

ص: 54

في مقدار التفاوت المحتمل ، مع المشاهدة كفت المشاهدة .

وان كان لعدم مبالاتهم بالغرر ، واقدامهم عليه حرصا مع الاعتداد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة ، فلا اعتبار بعادتهم بل يجب مخالفتها .

فان النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات كبيع الملاقيح ، والمضامين ، والملامسة ، والمنابذة ، والحصاة

_________________________

في مقدار التفاوت المحتمل ، مع المشاهدة ) كما لو كان البيض في بلد كثيرا بحيث تباع كل صبرة منه بدينار ، وان كانت الصبرة تختلف بزيادة مائة أو نقصانها مثلا ( كفت المشاهدة ) لأن دليل التقدير لا يشمل مثل هذا الجنس في هذا البلد .

( وان كان ) عدم التقدير ( لعدم مبالاتهم بالغرر ، واقدامهم عليه حرصا ) بدون الكيل والوزن ( مع الاعتداد ) عرفا ( بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة ) إذ العين كثيرا ما تخطئ في التقدير الدقيق ، كما لو كان انسان له مال كثير فلا يهتم بأن يخدع بمقدار دينار الّذي هو تفاوت الزائد والناقص ( فلا اعتبار بعادتهم بل يجب مخالفتها ) فلا يجوز بيع ذلك الجنس مشاهدة بل يجب التقدير فيه .

( فان النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات ) اى البيوع التي لا تقدير فيها ( كبيع الملاقيح ) جمع ملقوحة ( والمضامين ) جمع مضمون ، والأول ما في أرحام الحيوانات والثاني بيع ما في أصلاب الفحول ( والملامسة ) بأن يقول : أبيعك ما الامسه بعد ( والمنابذة ) بأن يقول : أبيعك ما انبذه أليك بعد ( والحصاة ) بأن يقول : أبيعك ما

ص: 55

على بعض تفاسيرها وثمر الشجر قبل الوجود ، وغير ذلك ، لم يرد إلا ردا على من تعارف عندهم الاقدام على الغرر والبناء على المجازفات الموجب لفتح أبواب المنازعات .

وإلى بعض ما ذكرنا أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه في رجاله ذكره في حديث طويل ، قال : ولا ينظر فيما يكال أو يوزن الا إلى العامة ، ولا يؤخذ فيه الخاصة

_________________________

اضرب عليه الحصاة بعد ( على بعض تفاسيرها ) .

والتفسير الآخر هو ان يتقاولا على الشيء المعلوم ، ثم يجعلا اللمس والنبذ والحصاة ايجابا ، مثل بيع المعاطاة ، والممنوع هو الأول لأنه مجهول .

اما التفسير الثاني فلا بأس به لأنه معلوم ، وانما جعل الإيجاب والقبول عمليا دون اللفظ ( و ) بيع ( ثمر الشجر قبل الوجود ) اى قبل ان توجد الثمرة ( وغير ذلك ) من اقسام البيع الممنوع منه شرعا ( لم يرد الا ردا على من تعارف عندهم الاقدام على الغرر والبناء على المجازفات الموجب ) ذلك البناء ( لفتح أبواب المنازعات ) .

ولذا فلا يصح الاعتماد على ذلك البلد الّذي يباع فيه الشيء جزافا .

( وإلى بعض ما ذكرنا ) من أن الاعتبار بما يؤمن معه الغرر ، لا بما يتعارف عند بعض الناس فقط ، ممن لا يبالون بالغرر ( أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه في رجاله ذكره في حديث طويل ، قال : ولا ينظر فيما يكال أو يوزن الا العامة ، ولا يؤخذ فيه الخاصة ) فليس المعتبر تسامح الخاصة ،

ص: 56

فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم ، لأن أصل اللحم ان يوزن ، وأصل الجوز ان يعد ،

وعلى ما ذكرنا فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع لا ببلد العقد ، ولا ببلد المتعاقدين .

وفي شرح القواعد لبعض الأساطين ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي .

ولو اختلف فلكل بلد حكمه

_________________________

بل المعتبر اعتبار حال العقلاء من عموم الناس ( فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم ، لأن أصل اللحم ان يوزن ، وأصل الجوز ان يعد ) فالعرف الخاص الّذي هو على خلاف الصلاح لا يعتبر ميزانا .

( وعلى ما ذكرنا ) من اعتبار العرف الخاص فيما لم يكن مقدما على المسامحة ( فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع لا ببلد العقد ، ولا ببلد المتعاقدين ) .

مثلا : كان بلد المبيع الّذي يوجد فيه الجنس كربلاء وبلد العقد بغداد ، ومسكن المتعاقدين سامراء ، فإنه يعتبر حال الجنس في كربلاء وذلك لأن بلد المبيع هو الظاهر من أدلة اعتبار البلد .

( وفي شرح القواعد لبعض الأساطين ثم الرجوع إلى العادة ) المتبعة في ذلك الجنس ( مع اتفاقها ) اى اتفاق عادة البلاد ( اتفاقي ) بين الفقهاء ، ( ولو اختلف ) عادة البلاد ( فلكل بلد حكمه ) في التقدير

ص: 57

كما هو المشهور .

وهل يراد به بلد العقد ، أو المتعاقدين ؟ .

الأقوى الأول .

ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما .

ولو اختلفا رجح الأقرب ، أو الأعظم ، أو ذو الاعتبار على ذي الجزاف أو البائع في مبيعه والمشترى في ثمنه .

_________________________

عدمه ( كما هو المشهور ) لأن المنصرف من وجوب التقدير البلد الّذي يقدر فيه ، لا كل بلد .

( وهل يراد به ) اى بأن كل بلد له حكمه ( بلد العقد ، أو ) بلد ( المتعاقدين ) الّذي هما من أهله .

( الأقوى الأول ) لأنه المنصرف من أدلة وجوب التقدير .

اما ان أصل هذا الّذي يتعاقد من أين ؟ فذلك غير منصرف من الأدلة .

( ولو تعاقدا في الصحراء ) حيث لا يكون بلد يتبعه العقد في لزوم التقدير وعدمه ( رجعا إلى حكم بلدهما ) في التقدير والعدم .

( ولو اختلفا ) اى المتعاقدان فكان أحدهما من بلد فيه تقدير ، وكان الآخر من بلد لا تقدير فيه ( رجح ) البلد ( الأقرب ) إلى موضع العقد ( أو الأعظم ) كما لو كان أحدهما يحتوى على مليون انسان ، والاخر على الف انسان ( أو ) رجح ( ذو الاعتبار ) والتقدير ( على ذي الجزاف ، أو ) رجح ( البائع في مبيعه ) اى المثمن ( والمشترى في ثمنه ) فلكل حكمه في التقدير والجزاف .

ص: 58

أو يبنى على الاقراع مع الاختلاف ، وما اتفقا عليه مع الاتفاق أو التخيير .

ولعله الأقوى .

ويجرى مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان والأولى التخلص بايقاع المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة من صلح .

_________________________

مثلا كان البائع باع منا من الحنطة بحقة من السكر ، وكان بلد البائع يزنون الحنطة وبلد المشترى لا يزنون السكر ، فان الحنطة يجب ان توزن ، اما السكر الّذي هو الثمن فلا يجب وزنه .

( أو يبنى على الاقراع مع الاختلاف ) اى اختلفا في ان يزنا ، أم لا ، في صورة اختلاف بلديهما ( و ) يبنى على ( ما اتفقا عليه ) من التقدير أو الجزاف ( مع الاتفاق ) بأن اتفقا على التقدير أو على البيع جزافا ( أو التخيير ) بين التقدير أو البيع جزافا - في صورة اختلاف بلديهما - .

( ولعله ) اى التخيير ( الأقوى ) لأنه لا دليل لترجيح أحدهما على الآخر .

( ويجرى مثله ) اى مثل هذه الاحتمالات ( في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان ) بأن لا يكون المتعاملون أهل بلد أصلا ، بخلاف المسألة السابقة التي هي ان يكون المتعاملون أهل البلاد لكن صار البيع في الصحراء .

( والأولى التخلص ) من اشكال عدم الوزن والكيل - إذا أراد البيع جزافا - ( بايقاع المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة ) بمقدار المبيع ( من صلح )

ص: 59

أو هبة بعوض ، أو معاطاة ، ونحوها .

ولو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي فالأقوى التخيير .

ومع الاختصاص بجمع قليل اشكال ، انتهى .

_________________________

مبنى على التسامح ( أو هبة بعوض ، أو معاطاة ) غير بيعى كالإباحة في مقابل الإباحة ( ونحوها ) كالقرض ثم الابراء .

( ولو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي ) بأن كان بعض أهل البلد يبيعه جزافا ، وبعضهم يبيعه كيلا أو وزنا ( فالأقوى التخيير ) بين الأمرين .

( ومع الاختصاص ) لبيعه جزافا ( بجمع قليل ) بأن كان بعض الباعة الأقلية يبيعه جزافا ، اما المعظم فيبيعونه كيلا أو وزنا ( اشكال ) في جواز بيعه جزافا ( انتهى ) كلام بعض الأساطين في شرحه على القواعد .

ص: 60

مسئلة : لو اخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه على المشهور .

وعبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه ، ويدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة .

وما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول على صورة ايقاع المعاملة غير مبنية على المقدار المخبر به وان كان الأخبار

_________________________

( مسألة : لو اخبر البائع بمقدار المبيع ) أو اخبر المشترى بمقدار الثمن .

فهل اخباره أمارة تعبدية حتى يصح الاعتماد على اخباره حتى مع عدم الظن بصدقه .

أو أمارة عرفية حتى لا يصح ، والشارع امضى هذه الامارة العرفية .

ربما قالوا بالثاني ، لقوله عليه السلام نعم : إذا ائتمنك ، فتأمل ( جاز الاعتماد عليه على المشهور ) بين الفقهاء .

( وعبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه ، ويدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة ) كخبر محمد بن حمران وغيره مما تقدم .

( وما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك ) اى عن الاعتماد على اخبار البائع حيث قال عليه السلام : لا يصلح الا بكيل ( محمول ) جمعا بينه وبين الروايات المجوزة .

اما على الكراهة أو ( على صورة ايقاع المعاملة غير مبنية على المقدار المخبر به ) فالبيع يكون مجازفة ( وان كان الأخبار ) اى اخبار البائع بمقدار كيله

ص: 61

داعيا إليها فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر ، وقد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك .

[ هل يعتبر كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار ]

ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار ، كما يشهد به الروايات المتقدمة .

فلو لم يفد ظنا فاشكال .

من بقاء الجهالة الموجبة للغرر .

ومن عدم تقييدهم الاخبار

_________________________

( داعيا إليها ) اى إلى المعاملة .

وفرق بين الداعي وبين الابتناء فإنك قد تشترى الخبز بداعي انه جاءك الضيف ، وقد تشتر به مبنيا ومشروطا بوجود الضيف عندك ( فإنها ) اى المعاملة ( لا تخرج بمجرد ذلك ) الداعي بدون الابتناء ( عن الغرر وقد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك ) الّذي ذكرنا من البطلان ، إذا لم يكن بنحو الابتناء .

( ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر ) اى خبر البائع بمقدار الكيل والوزن ( طريقا عرفيا للمقدار ، كما يشهد به الروايات المتقدمة ) كقوله عليه السلام :

إذ ائتمنك .

( فلو لم يفد ) الأخبار ( ظنا ) عرفيا بكلام البائع ، واخباره بمقدار المبيع ( فاشكال ) في الاعتماد على اخباره .

( من بقاء الجهالة الموجبة للغرر ) فاللازم عدم صحة البيع .

( ومن عدم تقييدهم ) اى الفقهاء ( الاخبار ) اى اخبار البائع

ص: 62

بإفادة الظن ولا المخبر بالعدالة .

والأقوى - بناء على اعتبار التقدير وان لم يلزم الغرر الفعلي - هو الاعتبار .

نعم لو دار الحكم مدار الغرر كما في صحة المعاملة ايقاعها مبنية على المقدار المخبر به وان كان مجهولا .

ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار

_________________________

( بإفادة الظن ) حتى يكون طريقا عرفيا بل أطلقوا قبول قول البائع ( ولا ) تقييدهم ( المخبر بالعدالة ) حتى يكون طريقا شرعيا فلم يقولوا يجب ان يكون المخبر عادلا .

( والأقوى - بناء على اعتبار التقدير وان لم يلزم الغرر الفعلي - ) لما تقدم من أن التقدير انما وضع لحكمة الغرر ، لا لعلة الغرر ، فيمكن ان لا يكون هناك غرر ، ومع ذلك يجب التقدير ، فالأقوى ( هو الاعتبار ) للوثوق والظن بصدق المخبر لان التقدير لا يقوم مقامه الا الوثوق والظن عرفا فبدونهما يكون كالشئ بدون تقدير .

( نعم ) ان كان المعيار في لزوم التقدير تجنب الغرر لم يلزم الوثوق إذا لم يكن هناك غرر عرفى .

ف ( لو دار الحكم مدار الغرر كما في صحة المعاملة ايقاعها ) اى المعاملة ( مبنية على المقدار المخبر به ) اى الّذي اخبر به البائع ( وان كان مجهولا ) عند المشترى حيث لا يعلم هل يصدق البائع ، أم لا ؟

( ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار ) الّذي يخبر

ص: 63

فان ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة على أوصاف مذكورة في العقد ، فيقول بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا .

وعلى كل تقدير الحكم فيه بالصحة فلو تبين الخلاف .

فاما ان يكون بالنقيصة ، واما ان يكون بالزيادة

[ ثبوت الخيار للمشتري لو تبين الخلاف بالنقيصة ]

فإن كان بالنقيصة تخير المشترى بين الفسخ وبين الامضاء

_________________________

به البائع .

إذ العرف لا يرى غررا في ذلك حينئذ ، لأنه يرى أن المتاع ان كان ناقصا اخذ المشترى المقدار الناقص من البائع ، فمن اين يأتي الغرر ؟

( فان ذلك ) البيع المبنى على اخبار البائع ( ليس بأدون من بيع العين الغائية على أوصاف مذكورة في العقد ) مع عدم اشتراط الوثوق بكلام البائع .

فكما يجوز بيع العين الغائبة ولا غرر ، فكذلك يجوز بيع الشيء المقدر على أنه كذا وكذا قدرا ( فيقول ) البائع ( بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا ) فأي فرق في رفع الغرر بين الوصف وبين ذكر المقدار ؟

( وعلى كل تقدير الحكم فيه ) اى في التقدير بدون الظن بكلام البائع ( بالصحة فلو تبين الخلاف ) اى خلاف ما قال البائع .

( فاما ان يكون بالنقيصة ، واما ان يكون بالزيادة ) كما لو كان الاخبار بأنه مائة ، ثم تبين انه مائة وعشرة أو تسعين ( فإن كان ) الخلاف ( بالنقيضة ) بان ظهر تسعين في المثال ( تخير المشترى بين الفسخ وبين الامضاء ) .

ص: 64

بل في جامع المقاصد احتمال البطلان ، كما لو باعه ثوبا على أنه كتان ، فبان قطنا ، ثم رده بكون ذلك من غير الجنس وهذا منه ، وانما الفائت الوصف .

لكن يمكن ان يقال مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقة لا يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما

_________________________

بالنسبة ، فيسترد عشرة دنانير من الثمن الّذي كان مائة دينار مثلا ( بل في جامع المقاصد ) ذهب إلى أكثر من التخيير - في مقابل صحة البيع ولزومه - ب ( احتمال البطلان ، كما لو باعه ثوبا على أنه كتان ، فبان قطنا ) لأن المبيع ليس مقصود أو المقصود ليس مبيعا ( ثم رده ) إلى البطلان ( بكون ذلك ) البطلان في مثال الكتان والقطن ( من غير الجنس ) إذ القطن غير الكتان ( وهذا ) ما نحن فيه وهو ما كان انقص ( منه ) اى من الجنس ( وانما الفائت ) في المقام ( الوصف ) اى الانضمام ، لأنه باع التسعين منضما إلى العشرة ، والحال انه ليس بمنضم .

( لكن يمكن ان يقال ) تأييدا للبطلان في المقام ، بأنه ليس من فقد الوصف .

ف ( مغايرة الموجود الخارجي ) اى التسعين ( لما هو عنوان العقد ) اى المائة ( حقيقة ) فان التسعين يغاير المائة حقيقة ( مغايرة حقيقية ) فهو من قبيل القطن والكتان ( لا يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده ) اى واجد الوصف كالمغايرة بين العبد الكاتب والعبد غير الكاتب فيما إذا باعه العبد باعتبار انه كاتب فبان انه ليس بكاتب ( لاشتراكهما )

ص: 65

في أصل الحقيقة ، بخلاف الجزء والكل ، فتأمل فان المتعين الصحة والخيار .

ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة ، وللمشترى مع النقيصة بقوله تخيّر المغبون .

فربما تخيّل بعض تبعا لبعض ان هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء ، معللا بأن خيار الوصف انما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد .

_________________________

اى فاقد الوصف وواجده ( في أصل الحقيقة ) كالعبدية - في المثال - ( بخلاف الجزء والكل ) فان التسعين ليس حقيقة المائة ( فتأمل ) إذ ليس اختلاف الجزء والكل اختلافا في الحقيقة ، بل في الزيادة ، والنقصان فقط ( فان المتعين الصحة ) في بيع الناقص باسم الزائد ( والخيار ) كما تقدم .

( ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة ) في المال كما لو باع باعتبار انه مائة متر ، فظهر مائة وعشرة أمتار ( وللمشترى مع النقيصة ) كما لو باع باعتبار انه مائة متر فظهر تسعين مترا ( بقوله تخيّر المغبون ) منهما .

( فربما تخيّل بعض تبعا لبعض ) آخر ( ان هذا ليس من خيار فوات الوصف ، أو ) فوات ( الجزء ) حيث عبّر العلامة عن هذا الخيار بلفظ الغبن ( معللا ) بأنه ليس من خيار فوات الوصف ( بان خيار الوصف انما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد ) .

ص: 66

ويدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة من التذكرة بأنه لو ظهر النقصان رجع المشترى بالناقص .

وفي باب الصرف من القواعد بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما اخبر البائع تخير المشترى بين الفسخ والامضاء ، بصحة معينة من الثمن .

وتصريح جامع المقاصد في المسألة الأخيرة بابتنائها على المسألة المعروفة وهي ما لو باع متساوي الاجزاء

_________________________

كما لو قال : اشترى منك عبدا كاتبا ، ثم ظهر العبد اميّا ليس بكاتب وليس ما نحن فيه كذلك إذ لم يشترط الوصف في العقد .

( ويدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة من التذكرة ، بأنه لو ظهر النقصان ) في المبيع ( رجع المشترى بالناقص ) .

ومن المعلوم ان هذا التصريح ينافي كونه من باب الغبن ، لأن الخيار في الغبن الفسخ لا النقصان .

فبقرينة قوله : « بالناقص » نفهم ان المراد بالغبن في كلام القواعد ليس الغبن الاصطلاحي .

( وفي باب الصرف من القواعد ) صرح ( بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما اخبر البائع تخير المشترى بين الفسخ والامضاء بحصة معينة من الثمن )

ومن المعلوم : ان خيار الغبن ليس كذلك ، إذ ليس الامضاء بحصة من الثمن .

( و ) كذلك ( تصريح جامع المقاصد في المسألة الأخيرة ) اى مسألة الصرف ( بابتنائها على المسألة المعروفة ، وهي ما لو باع متساوي الاجزاء )

ص: 67

على أنه مقدار معين ، فبان أقل .

ومن المعلوم : ان الخيار في تلك المسألة اما لفوات الوصف ، واما لفوات الجزء على الخلاف الآتي .

واما التعبير بالمغبون فليشمل البائع على تقدير الزيادة ، والمشترى على تقدير النقيصة نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع والمشترى في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف ، حيث قال تخير

_________________________

كالصبرة ، لا كالحيوان ( على أنه مقدار معين ، فبان أقل )

كما لو باع الصبرة على أنها مائة من ، فبان تسعين منّا .

( ومن المعلوم : ان الخيار في تلك المسألة ) المعروفة ( اما لفوات الوصف ، واما لفوات الجزء ) لا من باب الغبن ( على الخلاف الآتي ) من أنه خيار فوات الوصف ، أو خيار فوات الجزء .

( و ) ان قلت : فلم عبر العلامة ب « المغبون » في كلامه السابق ؟

قلت : ( اما ) ذلك ( التعبير بالمغبون فليشمل البائع على تقدير الزيادة ) بان باع مائة واعطى مائة وعشرة ( والمشترى على تقدير النقيصة ) بان اشترى مائة فظهر تسعين .

فكذلك ( نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع والمشترى في بيع العين الغائبة ) بيعا مستندا ( برؤيتها السابقة ) بان كان المشترى رآها ثم بنى على تلك الرؤية فاشتراها أو كان البائع رأى الثمن « فيما كان عينا » فاخذ الثمن باعتبار تلك الرؤية السابقة ( مع تبين الخلاف حيث قال تخير

ص: 68

المغبون منهما .

واما ما ذكره من أن الخيار انما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ، ففيه ان ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ، ككتابة العبد وخياطته .

واما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل ، أو الوزن ، أو العد ، فهذا لا يحتاج إلى ذكره في متن العقد فان هذا أولى من وصف

_________________________

المغبون منهما ) مع العلم انه ليس من خيار الغبن .

وانما عبّر بهذا التعبير ، لأجل ان يشمل اللفظ كلا من البائع والمشترى .

( واما ما ذكره ) المستشكل ( من أن الخيار انما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ، ففيه ) ان هذا على اطلاقه ليس بتام ، ف ( ان ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ، ككتابة العبد وخياطته ) فان بيع العبد صحيح ، سواء كان كاتبا أم لا .

( واما الملحوظ في عنوان المبيع ) حيث انصب عليه ( بحيث لو لم يلاحظ ، لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل ، أو الوزن ، أو العد ) كما لو قال : بعتك كذا كيلا ، وكذا حقة ، أو كذا عددا ( فهذا ) الملحوظ في عنوان المبيع ( لا يحتاج إلى ذكره في متن العقد ) بعد ذكره في عنوان المبيع ( فان هذا ) الملحوظ في عنوان المبيع ( أولى من وصف

ص: 69

الصحة الّذي يغنى بناء العقد عليه عن ذكره في العقد فان معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد ، بخلاف معرفة وجود المقدار المعين .

وكيف كان فلا اشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف .

وانما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع ؟ أو وصف من أوصافه .

_________________________

الصحة الّذي يغنى بناء العقد عليه ) « بناء » فاعل « يغنى » .

فان المتبايعين يبنيان على أن يكون كل من المثمن والثمن صحيحا ، ويعقدان العقد بناء على هذا الوصف ( عن ذكره ) اى وصف الصحة ( في العقد ) « عن » متعلق ب « يغنى » .

فكما انه لا يشترط ذكر وصف الصحة في العقد ، فكذلك لا يشترط ذكر المقدار كيلا أو وزنا أو عدا بعد صبّ العقد عليه .

وانما قلنا « أولى » ( فان معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد ) فإنه إذا باع غير الصحيح كان المشترى خيار العيب ، لا ان العقد فاسد ( بخلاف معرفة وجود المقدار المعين ) فإنها من مصححات العقد ، لعدم جواز بيع الجزاف .

( وكيف كان ) الأمر ( فلا اشكال في كون هذا الخيار ) اى خيار تخلف المقدار عما بنيا عليه ( خيار المتخلف ) لا خيار الغبن .

( وانما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع ) حتى يكون الامضاء - إذا أراد ذو الخيار امضاء العقد - ببعض الثمن ( أو وصف من أوصافه ) حتى يكون الامضاء بتمام الثمن ، إذ الأوصاف لا تقابل

ص: 70

فلذلك اختلف في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن ؟ أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الاجزاء إلى المعدوم .

وتمام الكلام في موضع تعرض الأصحاب للمسألة .

[ كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع فهو بإخبار البائع ]

ثم إن في حكم اخبار البائع بالكيل والوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع ، وأوقع العقد بناء عليه كما إذا جعلنا الكيل في المعدود والموزون طريقا إلى عده أو وزنه .

_________________________

بالأثمان ، وانما الاجزاء تقابل بالأثمان .

( فلذلك ) الاختلاف في ان المتخلف جزء أو وصف ( اختلف ) الفقهاء ( في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن ) هذا ، لاختلاف الوصف ( أو بحصة منه ) اى من الثمن ( نسبتها ) اى نسبة تلك الحصة ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة الموجود من الاجزاء إلى المعدوم ) .

فإذا كان المقدار مائة والثمن مائة دينار ، ثم ظهر المبيع تسعين كان البائع استحق تسعين دينارا فقط .

( وتمام الكلام ) في ان هذا الخيار خيار تخلف الجزء أو الوصف ( في موضع تعرض الأصحاب للمسألة ) إن شاء الله تعالى .

( ثم إن في حكم اخبار البائع بالكيل والوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف ) .

وكذلك اخبار المشترى بهما فيما إذا كان مكيلا أو موزونا ( كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع وأوقع العقد بناء عليه ) اى على ذلك المقدار ( كما إذا جعلنا الكيل في المعدود والموزون طريقا إلى عده أو وزنه )

ص: 71

مسئلة قال في الشرائع يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة

وان لم يمسحا .

ولو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر ادراكه بالمشاهدة ، انتهى .

وفي التذكرة لو باع مختلف الاجزاء مع المشاهدة ، صح كالثوب والدار ، والغنم

_________________________

كما إذا حسبنا مائة بيضة وكلناها بكيل ، ثم جعلنا ذلك الكيل علامة وطريقا لمائة بيضة ، أو إذا وزنا حقة من الحنطة ثم افرغناها في كيل ثم جعلنا ذلك الكيل علامة وطريقا لحقة من الحنطة .

( مسألة ) في ذكر مصاديق اختلف في انها هل تحتاج إلى التقدير أم لا ؟ ( قال في الشرائع يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة ) والرؤية فقط ( وان لم يمسحا ) بأن لم يذرع الثوب ، ولا الأرض .

( ولو مسحا كان أحوط ) وابعد عن الغرر .

وانما كان أحوط ( لتفاوت الغرض في ذلك ) اى في المقدار ، فإنه ربما يتعلق الغرض بألف متر وذلك ما لا يعرف بالمشاهدة .

نعم ربما لا يكون الغرض الا مقدار في الجملة وذلك مما لا يحتاج إلى المسح والذرع ( وتعذر ادراكه ) اى المقدار ( بالمشاهدة ) فقط ( انتهى ) كلام الشرائع .

( و ) قال ( في التذكرة لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة ، صح ) وذلك ( كالثوب ، والدار ، والغنم ) بخلاف متفق الاجزاء ، كالحنطة والشعير ، والمراد : الثوب المخيط أو مطلق القماش ، باعتبار ان في

ص: 72

اجماعا ، وصرح في التحرير بجواز بيع قطع الغنم ، وان لم يعلم عددها .

أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد ، لثبوت الغرر غالبا مع جهل اذرع الثوب وعدد قطيع الغنم .

والاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة .

وبالجملة إذا فرضنا ان مقدار مالية الغنم قلة وكثرة يعلم بالعدد فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها ، وبين الجهل بالمقدار في المكيل

و

_________________________

الزمن السابق كان القماش مختلف الاجزاء باعتبار النسج والجنس المنسوج ، بخلاف هذه الأزمنة التي يكون الجنس بكيفية واحدة من جهة المكائن ( اجماعا ، وصرح ) العلامة ( في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم وان لم يعلم عددها ) وهذا غير ما تقدم من بيع فرد واحد من الغنم .

( أقول يشكل الحكم بالجواز ) بدون التقدير ( في كثير من هذه الموارد ، لثبوت الغرر غالبا مع جهل ) البائع أو المشترى ، ب ( اذرع الثوب وعدد قطيع الغنم ) .

( و ) ان قلت : لا جهل ولا غرر لوجود المشاهدة .

قلت : ( الاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة ) والمجازفة جهل وغرر ، فيشمله قوله صلّى اللّه عليه وآله : لا غرر .

( وبالجملة إذا فرضنا ان مقدار مالية الغنم ) أو الثوب أو الأرض ( قلة وكثرة ) كمائة دينار ، وألف دينار ( يعلم بالعدد ) وانه مائة شاة أو مائة وعشرة ، وكذلك يعلم بالمسح والذرع ( فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها ) اى في الغنم ( وبين الجهل بالمقدار في المكيل

ص: 73

الموزون والمعدود .

وكذا الحكم في عدد الأذرع والطاقات في الكرابيس والجريان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب .

نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في اذرع بعض طاقات الكرابيس .

لكن الاعتماد على هذا من حيث كونه طريقا إلى عدد الأذرع نظير

_________________________

الموزون والمعدود ) .

فأي فرق بين المقامين حتى تقولون بجواز الأول دون الثاني ، إذ الغرر موجود فيهما معا .

( وكذا الحكم في عدد الأذرع والطاقات ) والطاقة عدة ذراع ( في الكرابيس ) جمع كرباس ، وهو نوع من القماش .

وكذلك في سائر اقسام القماش ( و ) عدد ( الجريان ) جمع جريب ، وهو مقدار خاص من الأرض ( في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب ) بخلاف بعض الأراضي ، حيث إن العادة جرت على بيعها بدون ملاحظة كمية الجربان ، ولا يلزم من البيع غرر .

( نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في اذرع بعض طاقات الكرابيس ) فمثل كل طاقة مائة ذرع ، ومثل هذه الطاقة يجوز بيعها بدون تقدير الأذرع .

( لكن الاعتماد على هذا ) المبيع بدون الذرع ( من حيث كونه طريقا إلى عدد الأذرع ) وقد تقدم انه يكفى الطريق إلى الكيل والوزن والعدد ، فكيف بمثل الطاقة ونحوها ، حيث لا نص على لزوم الذرع .

وانما نقول : به من باب رفع الغرر ( نظير

ص: 74

اخبار البائع .

وليس هذا معنى كفاية المشاهدة .

وتظهر الثمرة في ثبوت الخيار .

إذ على تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من المشاهدة الا إذا كان النقص عيبا .

_________________________

اخبار البائع ) الّذي جعل طريقا .

( وليس هذا ) الّذي كان طريقا إلى الذرع ( معنى كفاية المشاهدة ) كما ادعاه المحقق والعلامة ، بل معناه الاكتفاء بالطريق عن التحقيق عن المقدار .

( وتظهر الثمرة ) بين كون المشاهدة حينئذ أصلا أو طريقا ( في ثبوت الخيار ) للمشترى للأرض والقطيع والطاقة - مثلا - .

( إذ على تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع ) القلة ( بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من المشاهدة ) .

مثلا : المشاهدة ادّت إلى أن الطاقة مائة ذراع تخمينا ، ثم ظهرت الطاقة تسعين ذراعا .

فإنه - بناء على الطريقية - يكون للمشترى الخيار .

اما بناء على كفاية المشاهدة في نفسها فلا خيار ، لأنه قد حصلت المشاهدة التي هي معيار الصحة ( الا إذا كان النقص عيبا ) استثناء من « لا يثبت » اى لا يكون خيار النقص ، وانما يكون خيار العيب في صورة بلوغ النقص إلى حد عدّ في العرف نقصا ، فان كفاية المشاهدة لا تنافى

ص: 75

أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا وعرضا .

وبالجملة : فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل إناطة الحكم به ولو لم يكن غرر كما استظهرناه في المكيل والموزون ، فافهم .

_________________________

وجود الخيار إذا ظهر المبيع معيبا ، كما إذا شاهد دارا فاشتراها ثم ظهرت ان بنائها من حجر رخو لا يصلح للبناء - مثلا - .

( أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع ) في الطاقة ( طولا ) كمائة متر مثلا ( وعرضا ) كأن يكون عرض الطاقة مترين مثلا فان كفاية المشاهدة لا تنافى خيار الاشتراط .

( وبالجملة : فالمعيار هنا ) في مورد كفاية المشاهدة وعدم كفايتها كالأرض ، والقطيع ، والقماش ( دفع الغرر الشخصي ) فإن كان في البيع بالمشاهدة غرر عرفا لم يجز ، لشمول اطلاق دليل نفى الغرر ، له وان لم يكن غرر جاز .

وانما قلنا : بأن المناط الغرر ( إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ) اى نصا يوجب تقدير هذه الأشياء بالعدد ، والأذرع ( ليحتمل إناطة الحكم ) بالجواز وعدم الجواز ( به ) اى بذلك التقدير ( ولو لم يكن غرر ) بدون ذلك التقدير ( كما استظهرناه ) اى ان المناط ليس الغرر وانما الكيل والوزن ( في المكيل والموزون ) حيث قلنا إنه يلزم الكيل والوزن للأدلة الخاصة ، وان لم يكن غرر بدون الكيل والوزن ( فافهم ) حيث احتمل ان الكيل والوزن أيضا من باب نفى الغرر ، لا انه تعبد شرعي وان لم يكن

ص: 76

مسئلة بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء ،

كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان

_________________________

غرر ، فإنها فرق بين المكيل والموزون ، وبين المذروع والمعدود في ان اللازم ان لا يكون هناك غرر ، واللّه العالم .

( مسألة ) أصول البيع على ثلاثة أقسام :

الأول : بيع الفرد .

الثاني : بيع الكسر .

الثالث : بيع الكلى .

والأول : اما ان يبيع فردا معينا كهذا الكتاب ، وقد يبيع أحد فردين بلا تعيين ، كان يبيع أحد كتابين ،

والثاني : اما ان يكون كسرا محدودا مثل ان يقول : أبيعك عشر هذه الصبرة وهي عشر كيلوات ، واما ان يكون كسرا غير محدود ، مثل ان يقول : أبيعك عشر هذه الصبرة .

والثالث : اما ان يكون كليا في الذمة مثل ان يقول : أبيعك كيلوا ، واما ان يكون كليا في الخارج مثل ان يقول : أبيعك كيلوا من هذه الصبرة واما ان يكون كليا مشروطا ان يدفعه من صبرة خارجية هذه هي أصول الاقسام .

وهناك اقسام فرعية يأتي الكلام على جملة منها : ( بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء ، كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان ) الصبرة عبارة

ص: 77

أو متفرقتها ، أو ذراع من كرباس ، أو عبد من عبدين ، وشبه ذلك يتصور على وجوه .

الأول : ان يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان ،

فيريد بالصاع - مثلا - من صبرة تكون عشرة أصوع عشرها ومن عبد من العبدين نصفهما .

ولا اشكال في صحة ذلك .

ولا في كون المبيع مشاعا في الجملة .

_________________________

عن كمية من الحنطة ونحوها ( أو متفرقتها ) كما لو كان الف كيلو من الحنطة في عشرة أمكنة ( أو ذراع من كرباس ) يشتمل على كمية من الأذرعة ( أو عبد من عبدين ، وشبه ذلك ) من الأمثلة ، ( يتصور على وجوه )

( الأول : ان يريد بذلك البعض ) الّذي باعه ( كسرا واقعيا من الجملة ) اى جملة الصبرة ( مقدرا بذلك العنوان ) كعنوان الصاع مثلا ( فيريد ) البائع ( بالصاع - مثلا - من صبرة ) هي عبارة عن جملة ( تكون عشرة أصوع عشرها ) عشرها مفعول « يريد » وهذا في مقابل ان يريد صاعا على نحو الكلى في المعين ( و ) يريد ( من ) بيع ( عبد من العبدين ) يملكهما البائع ( نصفهما ) لا على نحو الواحد المردد .

( ولا اشكال في صحة ذلك ) البيع .

( و ) كذلك ( لا ) اشكال ( في كون المبيع مشاعا في الجملة ) اى في المجموع لان البائع والمشترى قصدا ذلك ، فان العقود تتبع القصود .

ص: 78

ولا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة وعدمه .

ولا بين العلم بعدد صيعان الصبرة وعدمه ، لان الكسر مقدر بالصاع ، فلا يعتبر العلم بنسبته إلى المجموع ، هذا .

ولكن قال في التذكرة والأقرب انه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل ، بخلاف الذراع من الأرض ، انتهى .

ولم يعلم وجه الفرق الا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد والشاة

_________________________

( ولا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة ) كما لو كان أحدهما مائة والآخر سبعين ( وعدمه ) كما لو كان كل واحد منهما مائة - مثلا - .

( و ) كذلك ( لا ) فرق ( بين العلم بعدد صيعان الصبرة ) كما لو علم أنها عشرة ( وعدمه ) كما لو لم يعلم أنها عشرة أو عشرين ( لان الكسر مقدر بالصاع ) فإنه اشترى مقدارا مشاعا من الصبرة يساوى صاعا ، ولم يشتر عشرا ، أو ما أشبه حتى يلزم العلم بالمجموع ( فلا يعتبر العلم بنسبته ) اى نسبة المبيع ( إلى المجموع ، هذا ) هو مقتضى القاعدة .

( ولكن قال في التذكرة والأقرب انه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل ) البيع ( بخلاف ) ما لو باع ( الذراع من الأرض ) فإنه يصح ( انتهى )

( ولم يعلم وجه الفرق ) إذ لو بطل المشاع بطل فيهما ، ولو صح فيهما ( الا ) ان يكون كلام العلامة في باب الظهور اللفظي .

وذلك ب ( منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد والشاة ) بان يكون الظاهر بيع الفرد المردد ، بخلاف ذراع الأرض فإنه ظاهر في

ص: 79

الثاني ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الافراد المتصورة في المجموع ،

نظير تردد الفرد المنتشر بين الافراد .

وهذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة .

ولا اشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين

_________________________

الكسر المشاع .

وذلك لأن الظاهر من « العبدين » أحدهما ، لا النصف المشاع منهما .

وعلى هذا فلا يخالف العلامة ما ذكرناه من صحة المشاع حتى في العبدين والشاتين .

( الثاني ) : من صور بيع البعض ( ان يراد به ) اى يبيع البعض في الجملة ( بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الافراد المتصورة في المجموع ، نظير تردد الفرد المنتشر بين الافراد )

فكما انه لو قال : جئنى برجل ، يكون الرجل منتشرا بين الرجال ، كذلك إذا قال : بعتك صاعا ، فليس المراد الكسر المشاع ، بل المراد الفرد المنتشر القابل الانطباق على كل صاع صاع .

( وهذا ) القسم ( يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة ) كما لو كان هنا صاع وهنا صاع وهكذا فقال : بعتك احدى هذه الاصوع .

( ولا اشكال في بطلان ذلك ) البيع ( مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين ) قيمة بان كان أحدهما مائة والاخر تسعين

ص: 80

لأنه غرر لان المشترى لا يعلم بما يحصل في يده منهما .

واما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع ، بل في الرياض نسبته إلى الأصحاب ، وعن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلى الأصحاب .

واستدل على المنع بعضهم بالجهالة التي تبطل معها البيع اجماعا

_________________________

( لأنه غرر ) وقد فهي النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر ( لان المشترى لا يعلم بما يحصل في يده ) هل من قيمته مائة ؟ أو من قيمته سبعون ؟ كما أن البائع أيضا يجهل ذلك ( منهما ) اى من العبدين ، وكذلك إذا كان أحد الصاعين يسوى مائة فلس والآخر سبعين فلسا مثلا .

( واما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة ) مع كون الجميع من جنس واحد ( فالمشهور أيضا كما في كلام بعض ) نسبته إلى الشهرة ( المنع ، بل في الريا ونسبته إلى الأصحاب ، وعن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس ) حاضر ( مشاهد ) يراه الطرفان ( من غير تعيين أحد طرفيه ) هذا الطرف من الكرباس أو ذاك الطرف ( إلى الأصحاب ) .

ولا يخفى : ان بيع الكرباس كذلك مثل بيع الصاع في كلام الرياض .

( واستدل على المنع بعضهم بالجهالة ) للمبيع ( التي تبطل معها ) اى مع تلك الجهالة ( البيع اجماعا ) إذ يجهل كل من البائع والمشترى عين المبيع .

ص: 81

وآخر بأن الابهام في البيع مبطل له لا من حيث الجهالة .

ويؤيده انه حكم في التذكرة - مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين المتساويين - بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو

_________________________

( و ) استدل ( آخر بان الابهام في البيع مبطل له ) من حيث هو ابهام ( لا من حيث الجهالة ) .

والفرق بين الابهام والجهالة واضح ، ويظهر بأن الابهام لا واقع له يطابقه المبهم ، بخلاف الجهالة فإنه في الواقع معلوم ، لكن في الظاهر مجهول .

مثلا : بيع العبد من العبدين مبهم وليس مجهولا ، إذ « عبد من عبدين » لا واقع له ، بخلاف ما إذا تلف عبد من عبدي زيد ، فإنه مجهول لأنه واقع على أحدهما مجهول لدى زيد .

ومثله لو قال « طلقتك » لاحدى زوجتيه ، أو قال « أعتقك » لاحد عبديه ثم جهل انه طلق هندا أو فاطمة وانه اعتق كافورا أو فيروزا ، فان هذا من الجهالة .

اما لو قال « طلقك أحدا كما » أو « أعتقت أحدكما » فإنه مبهم ولذا قال بعض الفقهاء في باب « القرعة لكل امر مشكل » انه لا يشمل المبهم وانما يشمل المجهول .

( ويؤيده ) اى كون البطلان من جهة الابهام ( انه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين ) بصيغة المفعول ( المتساويين ) قيمة ( - بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو )

ص: 82

صح خلافا لبعض العامة .

وثالث : بلزوم الغرر .

ورابع : بان الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج .

و « أحدهما على سبيل البدل » غير قابل لقيامه به لأنه امر انتزاعي من امرين معينين .

ويضعف الأول بمنع المتقدمتين

_________________________

الباقي المبيع ( صح ) .

وذلك لان البيع في الأول مبهم وفي صورة التلف مجهول ( خلافا لبعض العامة ) حيث قال بالبطلان في صورة الابهام أيضا .

( و ) استدل ( ثالث : بلزوم الغرر ) والغرر قد يراد به الجهالة ، ويراد به الابهام ، وقد يراد به الأعم .

( و ) استدل ( رابع : بان الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج ) كالسواد والبياض ، والأبوة والبنوة .

( و « أحدهما على سبيل البدل » غير قابل لقيامه به ) اى بالمحل ( لأنه امر انتزاعي من امرين معينين ) فان كل شيء هو هو ، لا انه هو أو غيره مثل زيد ، زيد لا انه زيد أو عمرو .

ومن المعلوم ان زيدا له وجود وعمروا له وجود لكن لا وجود ل « زيد أو عمرو » ( ويضعف ) الدليل ( الأول ) اى كونه مجهولا ( بمنع المقدمتين )

ص: 83

لان الواحد على سبيل البدل غير مجهول ، إذ لا تعين له في الواقع حتى يجهل .

والمنع عن بيع المجهول - ولو لم يلزم غرر - غير مسلم .

نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين .

_________________________

الصغرى هو « الواحد المردد مجهول » والكبرى « كل مجهول لا يصح بيعه »

اما منع الصغرى ، ف ( لان الواحد على سبيل البدل غير مجهول ) اى ليس مجهولا ( إذ لا تعين له في الواقع حتى يجهل ) فان « مجهول » يطلق على ماله واقع ولكنا نجهل ذلك الواقع ، كما إذا طلق واحدة من زوجتيه - معينة عند صيغة الطلاق - ثم جهل هل ان التي أوقع عليها الطلاق فاطمة أو هند .

اما إذا طلق « إحداهما مرددا » فلا يقال لها مجهولة ، إذ لا واقع لها ، بل هي مبهمة .

فقول المستدل « ان الواحد المردد مجهول » غير تام .

( و ) اما منع الكبرى ، فذلك لان ( المنع عن بيع المجهول ) اى لا يجوز بيع المجهول ( - ولو لم يلزم غرر - ) « لو » وصلية ( غير مسلم ) ، - خبر المنع - فان المجهول الموجب للضرر لا يجوز ، لا كل مجهول .

( نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المتقدمتين ) « ما » فاعل « وقع » اى صدق الصغرى والكبرى .

ص: 84

ففي السرائر - بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين - قال إن ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاواهم وتصانيفهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، انتهى .

وعن الخلاف في باب السلم انه لو قال : اشترى منك أحد هذين العبدين ، أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء دليلنا انه بيع مجهول فيجب ان لا يصح ، ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين .

ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع .

_________________________

( ففي السرائر - بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين - قال ) صاحب السرائر ( ان ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاواهم وتصانيفهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، انتهى ) .

فإنه يظهر منه ان « هذا من المجهول » و « المجهول باطل » وهما الصغرى والكبرى اللتين ناقشنا فيهما .

( وعن الخلاف في باب السلم انه لو قال : اشترى منك أحد هذين العبدين ، أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء ) .

ثم قال : ( دليلنا ) على عدم صحة الشراء ( انه بيع مجهول فيجب ان لا يصح ، ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين ) وبيع الغرر لا يصح .

( ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع ) .

وكلما لا دليل على صحته لا يصح ، لأن الشارع يجب ان يمضيه ،

ص: 85

وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : ان أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فان قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية ولم نقس غيرهما عليهما انتهى .

وعبارته المحكية في باب البيوع هي انه روى أصحابنا انه إذا اشترى عبدا من عبدين على أن للمشترى ان يختار أيهما شاء ، انه جائز ، ولم يرووا في الثوبين شيئا .

ثم قال : دليلنا اجماع الفرقة ، وقوله صلّى اللّه عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم ،

_________________________

لا امضاء .

( وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : ان أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين ) إذا باع أحدهما ( فان قلنا بذلك ) اى بالجواز ( تبعنا فيه الرواية ولم نقس غيرهما عليهما ) اى لم نجوز في غير بيع العبدين فكأنه دليل استثنائي عن القاعدة ( انتهى ) كلام الخلاف .

( وعبارته المحكية في باب البيوع هي انه روى أصحابنا انه إذا اشترى عبدا من عبدين على أن للمشترى ان يختار أيهما شاء ، انه جائز ) هذا البيع ( ولم يرووا في الثوبين ) اللذين يشترى أحدهما ( شيئا ) يدل على الجواز .

( ثم قال : دليلنا ) على جواز بيع أحد العبدين - اى الدليل الموجب للاحتجاج على العامة أو الخاصة الذين ينكرون رواية الجواز - ( اجماع الفرقة ، وقوله صلّى اللّه عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم ) فان

ص: 86

انتهى .

وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين ان عدم تشخيص المبيع من الغرر الّذي يوجب النهى عنه الفساد اجماعا .

وظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة وكون مثلها قادحة اتفاقا مع فرض عدم نص ، بل قد عرفت رد الحلّى للنص المجوز بمخالفته لاجماع الأمة .

ومما ذكرنا من منع كبرى الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع ، اعني كون الابهام مبطلا .

_________________________

البيع نوع من الشرط ( انتهى ) كلام الشيخ .

( وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين ان عدم تشخيص المبيع من الغرر الّذي يوجب النهى عنه ) في قوله نهى النبي عن الغرر ( الفساد اجماعا ) .

( و ) أنت خبير بأن ( ظاهر هذه الكلمات ) من الشيخ وابن إدريس والفخر ( صدق الجهالة ) - وهي الصغرى - ( وكون مثلها قادحة ) وهي الكبرى - ( اتفاقا ) اى يقدح بالاجماع ( مع فرض عدم نص ) قيد ، ل « قادحة » ( بل قد عرفت رد الحلّى ) في السرائر ( للنص المجوز ) لمثل هذا البيع ( بمخالفته لاجماع الأمة ) هذا تمام الكلام في الدليل الأول الّذي أقاموه لبطلان بيع عبد من عبدين - مرددا - .

( ومما ذكرنا من منع كبرى الوجه الأول ) - وهي « كل مجهول لا يصح بيعه » - ( يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع ، اعني كون الابهام مبطلا ) .

ص: 87

واما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر ، مع فرض اتفاق الافراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة .

ولذا يجوز الاسلاف في الكلى من هذه الافراد مع أن الانضباط في السلم آكد .

وأيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلى من الصبرة ، ولا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا .

_________________________

تقرير الدليل « ان بيع أحد عبدين مبهم » و « كل مبهم لا يصح بيعه » .

والجواب انه « كل مبهم لا يصح بيعه » غير تام .

( واما الوجه الثالث ) من أوجه المنع ، وهو انه غرر ، ونهى النبي صلّى اللّه عليه وآله عن الغرر ( فيرده منع لزوم الغرر ، مع فرض اتفاق الافراد ) كالعبدين ، أو كصاعين من صبرة ( في الصفات الموجبة ) تلك الصفات ( لاختلاف القيمة ) .

اما الاختلاف في صفات لا توجب اختلاف القيمة فليست مهمة عند العرف .

( ولذا ) الّذي لا يلزم الغرر مع اتفاق الافراد في الصفات المهمة ( يجوز الاسلاف ) اى بيع السلف ( في الكلى من هذه الافراد ) .

كما لو قال : بعتك صاعا من الصبرة المشاهدة ( مع أن الانضباط في المسلم آكد ) لأنه غير موجود الآن ، فإذا صح السلم فيه صح بيع أحد الفردين المشاهدين ، لأنه كما لا غرر في السلم ، لا غرر هنا .

( وأيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلى من الصبرة ، ولا فرق بينهما ) بين الصاع الكلى وبين أحد شيئين ( من حيث الغرر قطعا ) فإذا جاز

ص: 88

ولذا ردّ في الايضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلى برجوعه إلى عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد اجماعا .

واما الرابع فبمنع احتياج صفة الملك إلى موجود خارجي فان الكلى المبيع سلما أو حالا مملوك للمشترى ، ولا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشترى .

_________________________

بيع الصاع الكلى ، جاز بيع أحد شيئين .

( ولذا ردّ في الايضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلى ) اى فيما لو كان الصاع المبيع كليا ( برجوعه إلى عدم تعيين المبيع ) لأن الكلى ليس معينا ( الموجب للغرر المفسد اجماعا ) .

فإذا قلنا بجواز الصاع الكلى - كما هو المشهور - يلزم ان نقول بجواز بيع أحد شيئين .

والحاصل : انه لا غرر مع عدم اختلاف الشيئين .

( واما ) الوجه ( الرابع ) من الوجوه التي استدل بها لعدم جواز بيع أحد شيئين ، وحاصله انه لا مصداق « لأحدهما » ( فبمنع احتياج صفة الملك ) اى الملك الّذي هو صفة ( إلى موجود خارجي ) تقوم هذه الصفة بذلك الموجود ، فالبيع ليس واقعا على مفهوم « أحدهما » بل على الذات وأحدهما مرآت كالبيع الواقع على الكلى بما هو مرآت للأفراد ( فان الكلى المبيع سلما أو حالا ) كما لو قال : بعتك مائة رطل من تمر بعد ستة اشهر أو في الحال ( مملوك للمشترى ، ولا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشترى ) إذ قبل اعطاء البائع إياه ليس ملكا للمشترى ، ولذا يجوز

ص: 89

فالوجه ان الملكية امر اعتباري يعتبره العرف والشرع أو أحدهما في موارده وليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة والسواد .

ولذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين ، بل أحد الشخصين ، ونحوهما .

_________________________

لأصحابها التصرف فيها بكل أنواع التصرف بدون الاحتياج إلى إجازة المشترى كما لا يخفى .

( فالوجه ان الملكية امر اعتباري يعتبره العرف والشرع ) كالشئ المبيع الّذي يعده العرف والشرع مملوكا للمشترى ( أو أحدهما ) كالعرف في مثل البيع الربوي الّذي لا يراه الشارع مملوكا للمشترى ، وانما يراه العرف فقط ، أو كالشرع فيما لو حاز الانسان أرضا مباحة بالأصل ، فإن الشرع يراها ملكا له دون العرف الّذي يرى أنه لا بدّ وان يشتريها من الدولة ( في موارده ) اى موارد الملك خارجا ( وليست ) الملكية ( صفة وجودية متأصلة كالحموضة والسواد ) حتى تحتاج إلى محل خارجي .

( ولذا ) الّذي ذكرنا انه لا يحتاج إلى محل وجودي ( صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين ، بل أحد الشخصين ، ونحوهما ) كإحدى الجهتين .

مثل ان يقول : أعطوا زيدا - بعدى - اما هذه الدار ، واما هذا البستان .

أو يقول : أعطوا هذه الدار اما لزيد أو لعمرو .

أو يقول : انفقوا هذا الدرهم في هذا المسجد أو هذه الحسينية ، وهكذا .

ص: 90

فالانصاف كما اعترف به جماعة ، أولهم المحقق الأردبيلي : عدم دليل معتبر على المنع .

قال في شرح الارشاد على ما حكى عنه ، بعد ان حكى عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من اى الطرفين ، قال وفيه تأمل ، إذا لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من اىّ طرف أراد المشترى ، أو من اى جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك

_________________________

( فالإنصاف كما اعترف به ) اى بأنه الانصاف أو الضمير راجع إلى المطلب الّذي سيأتي ( جماعة ، أولهم المحقق الأردبيلي : عدم دليل معتبر على المنع ) عن بيع أحد الشيئين .

( قال في شرح الارشاد على ما حكى عنه بعد ان حكى عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه ) اى الذراع ( من اى الطرفين ) اى من طرفي الكرباس رأسه أو آخره - والحاصل فيما كان المبيع مرددا - ( قال ) شارح الارشاد ( وفيه ) اى في المنع عن ذلك ( تأمل ، إذا لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم ) فلا دليل على لزوم ان يعلم البائعان الطرف المبيع من الكرباس ( فإنهما ) اى البائعان ( إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من اىّ طرف أراد المشترى أو من اى جانب كان من الأرض ) كما لو باعه جريبا من الأرض المعينة ، ولكنه لم يعين هل ان الجريب من اوّل الأرض أو آخرها ، وكانا متساويين في نظر العرف ( فما المانع ) من صحة البيع ( بعد العلم بذلك ) الذراع

ص: 91

انتهى .

فالدليل هو الاجماع لو ثبت .

وقد عرفت من غير واحد نسبته إلى الأصحاب ، قال بعض الأساطين في شرحه على القواعد بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب والأرض الراجع إلى بيع الكسر المشاع .

قال وان قصدا معينا من عين أو كليا لا على وجه الإشاعة بطل لحصول الغرر بالابهام في الأول .

_________________________

والجريب الكلى ( انتهى ) .

إذا ( فالدليل ) على المنع عن بيع المردد ( هو الاجماع لو ثبت ) الاجماع ، إذ قد عرفت الاشكال في سائر الأدلة .

( وقد عرفت من غير واحد نسبته ) اى عدم الجواز ( إلى الأصحاب ، قال بعض الأساطين في شرحه على القواعد بعد حكم المصنف ) العلامة « ره » ( بصحة بيع الذراع من الثوب والأرض الراجع ) ذلك البيع ( إلى بيع الكسر المشاع ) لا الكلى في المعين .

( قال وان قصدا معينا من عين ) اى فردا مرددا فهو معين ككونه كيلوا مثلا ، ومن غير تعيين لأنه مردد بين هذا وذاك ( أو كليا لا على وجه الإشاعة ) اى كليا في المعين ( بطل ) البيع ( لحصول الغرر ب ) سبب ( الابهام في الأول ) .

وقد عرفت ان الابهام عبارة عمالا واقع له ، مثل قوله « بعتك أحد الشيئين » حيث لا واقع « لأحد الشيئين » في مقابل « الجهالة » التي

ص: 92

وكونه بيع المعدوم .

وباختلاف الأغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر .

وللاجماع المنقول فيه إلى أن قال : والظاهر - بعد امعان النظر

_________________________

لها واقع مجهول لدى الانسان ، كما لو قال : « بعتك هذا الثوب » ثم اختلط الثوب في أثواب .

( وكونه بيع المعدوم ) عطف على « بالابهام » .

وانما كان بيع المعدوم لأنه لا مصداق « لأحدهما » في الخارج - كما تقدم - .

( وب ) سبب ( اختلاف الأغراض في الثاني ) اى كليا لا على وجه الإشاعة ( غالبا ) فان الأغراض تختلف في كون الذراع اوّل الأرض أو آخرها ، أو اوّل الكرباس أو آخره ، لاختلاف خصوصيات الأرض والكرباس .

وإذا اختلف الاغراض في الشيء المبيع ولم يعين المصداق الخارجي كان غررا فيشمله نهى النبي صلّى اللّه عليه وآله عن الغرر ( فيلحق به النادر ) فإنه وان كان في هذا الموضع الخاص - كالكرباس - أو هذا البائع والمشترى الخاص ، لا اختلاف في الغرض ، لكن كون الشيء مما يختلف فيه الغرض بحسب العرف كاف في كونه غررا فلا يجوز حتى في هذا المورد الخاص .

( وللاجماع المنقول فيه ) اى في هذا المورد ، فإنه قام الاجماع على بطلان بيع الكلى ، لا على وجه الإشاعة ( إلى أن قال : والظاهر ) من الأدلة ( - بعد امعان النظر

ص: 93

ونهاية التتبع - ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي ، وبالعكس .

وارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية .

ولعل الدائرة في الشرع أضيق وان كان بين المصطلحين عموم وخصوص من وجهين .

_________________________

ونهاية التتبع - ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي ، وبالعكس ) الغرر العرفي لا يستلزم الغرر الشرعي ، فبين الغررين عموم من وجه .

( وارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية ) .

فان أصل ماهية « الكلى لا على وجه الإشاعة » مجهولة ، لأنها لا تشخص لها في الخارج ، وكلما لا يكون له تشخص في الخارج فهو مجهول فهذا الجهل يمنع من بيع الكلى وان لم تكن جهالة في خصوص هذا البيع بمعنى عدم اعتناء الطرفين المتبايعين بالخصوصيات الخارجية .

ولا يخفى التواء العبارة كما لا يخفى انها عبارة أخرى عن قوله السابق « فيلحق به النادر » .

( ولعل الدائرة ) للغرر ( في الشرع أضيق ) فان بيع المكيل بدون الكيل اعتمادا على مشاهدة دقيقة لا غرر فيه عرفا ، لكنه ممنوع شرعا لأنه غرر شرعي - على ما تقدم - ( وان كان بين المصطلحين ) اصطلاح الشارع في الغرر ، واصطلاح العرف فيه ( عموم وخصوص من وجهين ) اى عموم من وجه وخصوص من وجه - فالتثنية باعتبار العموم والخصوص - .

فقد يكون غرر شرعي دون عرفى كالمثال السابق اى بيع المكيل

ص: 94

وفهم الأصحاب مقدم ، لأنهم ادرى بمذاق الشارع واعلم انتهى .

ولقد أجاد حيث التجاء إلى فهم الأصحاب في ما يخالف العمومات .

« فرع » على المشهور من المنع لو اتفقا على أنهما أرادا غير شائع لم يصح البيع ،

لاتفاقهما على بطلانه .

_________________________

بالمشاهدة الدقية .

وقد يكون غرر عرفى دون شرعي كبيع الآبق مع الضميمة .

وقد يجتمعان كبيع المكيل بدون الكيل جزافا .

( وفهم الأصحاب ) لعدم جواز بيع الفرد المردد ( مقدم ) على مقتضى اطلاقات الأدلة بجواز مثل هذا البيع ( لأنهم ادرى بمذاق الشارع واعلم ) فإذا فهموا الخاص من العام - مثلا - دلّ ذلك على أن هناك كانت قرينة على الخصوصية صارت مجهولة لدينا ( انتهى ) كلام شارح القواعد .

( ولقد أجاد حيث التجاء إلى فهم الأصحاب في ما يخالف العمومات ) فان المنع عن بيع الفرد المردد يخالف العمومات المجوزة ، نحو : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ، و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، لكنه نقول بالمنع لفهم الأصحاب من العمومات غير هذا البيع .

« فرع » على عدم جواز بيع الفرد المردد ( على المشهور من المنع ) عن بيع المردد ( لو اتفقا على أنهما أرادا ) حين البيع مرددا ( غير شائع ) اى غير الكسر المشاع ( لم يصح البيع ، لاتفاقهما على بطلانه ) فلا بيع بينهما .

ص: 95

ولو اختلفا فادعى المشترى الإشاعة ، فيصح البيع ، وقال البائع أردت معينا ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشترى عملا باصالة الصحة واصالة عدم التعيين ، انتهى .

وهذا حسن لو لم يتسالما على صيغة ظاهرة في أحد المعينين .

اما معه فالمتبع هو الظاهر واصالة الصحة لا تصرف الظواهر .

واما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها

_________________________

( ولو اختلفا فادعى المشترى ) ارادتهما ( الإشاعة ، فيصح البيع ، وقال البائع ) بل ( أردت معينا ) غير مشاع ، اى الفرد المردد ( ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشترى عملا باصالة الصحة ، واصالة عدم التعيين ) اى عدم الفرد المردد ، فإنه إذا وقع بيع ثم اختلفا في الصحة والعدم كان القول قول الّذي يدعى الصحة ، كما أنه إذا علمنا بأصل وجود الماهية ولم نعلم بالخصوصية الفردية كان الأصل عدم وجود الخصوصية الفردية ( انتهى ) كلام صاحب التذكرة .

( وهذا ) الكلام الّذي ذكره التذكرة ( حسن لو لم يتسالما على ) اجراء ( صيغة ظاهرة في أحد المعينين ) المشاع والمردد .

( اما معه ) بان كانت الصيغة ظاهرة في المردد ( فالمتّبع هو الظاهر ) عندنا لأن الظاهر حجة ( واصالة الصحة لا تصرف الظواهر ) الا إذ اعلمنا ان الطرفين أرادا غير هذا الظاهر .

( واما اصالة عدم التعيين ) التي ذكرها العلامة ( فلم اتحققها ) لأنها ليست أصلا عمليا ، ولا من الأصول العقلائية .

ص: 96

وذكر بعض من قارب عصرنا انه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة كان حمل الفعل على الصحة قرينة صارفة وفيه نظر .

الثالث : من وجوه بيع البعض من الكل ان يكون

المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الافراد المتصورة في تلك الجملة .

والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني - كما حققه - في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرق الصيعان وقال : بعتك أحدها ، ان

_________________________

( وذكر بعض من قارب عصرنا انه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة ) اى ظهور في الفرد المردد - الموجب للبطلان - ( كان حمل الفعل على الصحة قرينة صارفه ) عن ذلك الظهور ، فنقول بأن مرادهما الإشاعة ، وان كان ظاهر لفظهما الفرد المردد ( وفيه نظر ) .

إذ حمل الفعل على الصحة « أصل » والظهور « دليل اجتهادي » والأصل لا يتمكن ان يقاوم الدليل الاجتهادى والله العالم .

( الثالث : من وجوه بيع البعض من الكل ان يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الافراد المتصورة في تلك الجملة ) فالتشخص الموجود في كل فرد فرد ليس مبيعا ، وانما المبيع ، هو الطبيعة الكلية .

( والفرق بين هذا الوجه ) الثالث ( والوجه الثاني - كما حققه - ) اى الفرق ( في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني ) اى الوجه الثاني ( بما إذا فرق ) البائع ( الصيعان ) كل صاع في مكان ( وقال : بعتك أحدها ) حيث إن المبيع هنا فرد مردد ، وبعبارة أخرى الطبيعة مع تشخصها الفردى ( ان

ص: 97

المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين فيكون بيعه مشتملا على الغرر .

وفي هذا الوجه امر كلى غير متشخص ولا متميز بنفسه ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة ، ويوجد به .

_________________________

المبيع ) « ان » خبر « والفرق » ( هناك ) في الوجه الثاني ( واحد من الصيعان المتميزة ) خارجا ( المتشخصة ) بالتشخصات الفردية ( غير معين ) فهو بيع المبهم ( فيكون بيعه مشتملا على الغرر ) إذ لا يعرف البائع ان أيها باع ، ولا يعرف المشترى ان أيها اشترى .

( وفي هذا الوجه ) الثالث ( امر كلى غير متشخص ولا متميز بنفسه ) وانما يكون تميزه بالتعيين ( ويتقوم ) ذلك المبيع ( بكل واحد من صيعان الصبرة ، ويوجد ) ذلك الكلى المبيع ( به ) اى بكل واحد .

والحاصل : ان المبيع في الثاني الطبيعة مع الخصوصية الفردية وفي القسم الثالث الطبيعة بدون الخصوصية الفردية .

وتظهر الثمرة في موارد : منها : ان في القسم الثاني يلزم تعيين المبيع بالقرعة بخلاف القسم الثالث ، إذ في القسم الثاني ان أحدها بيع ، بخلاف القسم الثالث فان المنتشر بيع ، ومن المعلوم ان القرعة لا مجال لها في المنتشر ، وكذلك لو تلف أحدها كان مجال للقرعة في القسم الثاني دون القسم الثالث .

ومنها : ان المبيع في القسم الثاني جزئي ، وفي القسم الثالث كلى .

ومنها : انه لا يمكن للبائع اعطاء نصفى فردين في المردّد ، بخلاف

ص: 98

ومثله ما لو قسم الأرباع وباع ربعا منها من غير تعيين .

ولو باع ربعا قبل القسمة صح وتنزل على واحد منها مشاعا ، لأنه حينئذ امر كلى .

فان قلت : المبيع في الأولى أيضا امر كلى .

قلنا : ليس كذلك بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة مبهم

_________________________

ما لو باع الكلى ، فإنه يتمكن من اعطاء فرد أو نصفى فردين ، وثلاثة اثلاث افراد ثلاثة ، وهكذا .

ومنها غير ذلك مما لا يخفى .

( ومثله ) اى مثل القسم الثاني ( ما لو قسم ال ) صبرة ( أرباع وباع ربعا منها من غير تعيين ) فان المبيع حينئذ امر مبهم لأنه باع الصحة الكلية مع التشخص .

( ولو باع ربعا قبل القسمة ) بأن كانت الأرباع مجتمعة فقال : بعتك ربعا من هذه الصبرة ( صح ) البيع ( وتنزل على واحد منها ) اى من تلك الأرباع المجتمعة ( مشاعا ) لأنه باع الطبيعة المجردة ( لأنه ) اى المبيع ( حينئذ ) اى حين كانت الأرباع مجتمعة ( امر كلى ) إذ لا تشخص فردى في البين حتى يكون المبيع الطبيعة مع التشخص .

( فان قلت : المبيع في الأولى ) اى الفرد المنتشر ( أيضا امر كلى ) لأنه يمكن تطبيقه على كل فرد فرد من الصيعان ذات الأفراد المتميزة .

( قلنا : ليس كذلك ) اى ليس امرا كليا ( بل هو ) اى المبيع ( واحد من تلك الصيعان المتشخصة ) فان الطبيعة بقيد التشخص مبيع - كما فرض - ( مبهم )

ص: 99

بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلى ، وبحسب الواقع جزئي غير معين ، ولا معلوم .

والمقتضى لهذا المعنى هو تفريق الصيعان وجعل كل واحد منها برأسه فصار اطلاق أحدها منزلا على شخصي غير معلوم ، فصار كبيع أحد الشياه ، واحد العبيد .

ولو قال بعتك صاعا من هذه شايعا في جملتها لحكمنا بالصحة انتهى .

_________________________

لاحتماله هذا الفرد وهذا الفرد ( بحسب صورة العبارة ) لأن البائع ، قال : أبيعك أحدها ( فيشبه الأمر الكلى ، و ) لكنه ( بحسب الواقع جزئي غير معين ، ولا معلوم ) لأنه قابل الانطباق لكل فرد فرد .

( والمقتضى لهذا المعنى ) اى الشيء الّذي اقتضى ان يكون المبيع جزئيا مبهما - لا كليا - ( هو تفريق الصيعان ) اى كون كل صاع منحازا - في مقابل أن تكون الصيعان في محل واحد مجتمعة - ( وجعل كل واحد منها ) اى من تلك الصيعان ( برأسه ) اى في محل خاص ( فصار اطلاق أحدها ) اى بيع أحد الصيعان ( منزلا على شخصي ) لا كلى ( غير معلوم ) لأنه قابل الانطباق لكل صاع صاع ( فصار كبيع أحد الشياه ، واحد العبيد ) مما هو شخص مبهم وليس كليا .

( ولو قال ) البائع ( بعتك صاعا من هذه ) الصيعان المتميزة ( شايعا في جملتها ) بأن كانت الطبيعة مبيعة لا الفرد ( لحكمنا بالصحة ) فيكون البيع حينئذ كليا لا جزئيا كما لا يخفى ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

ص: 100

وحاصله : ان المبيع مع الترديد جزئي حقيقي ، فيمتاز عن المبيع الكلى الصادق على الافراد المتصورة في تلك الجملة .

وفي الايضاح ان الفرق بينهما هو الفرق بين الكلى المقيد بالوحدة وبين الفرد المنتشر .

_________________________

( وحاصله : ان المبيع مع الترديد ) كالصيعان المتميزة ( جزئي حقيقي ، فيمتاز عن المبيع الكلى الصادق على الافراد المتصورة في تلك الجملة ) من الصبرة فيما كانت الصيعان مجتمعة .

( وفي الايضاح ) قال : ( ان الفرق بينهما ) اى بين القسم الثاني والقسم الثالث ( هو الفرق بين الكلى المقيد بالوحدة ، وبين الفرد المنتشر ) ففي الصيعان المتميزة المبيع فرد منتشر ، وفي الصبرة المجتمعة المبيع كلى مقيد بالوحدة .

فالفرق ان الوحدة قد تكون قيدا ، وقد تكون جزءا .

وهذا الفرق غير الفرق السابق والفارق في الكلى ، حيث إن الفرق السابق ، كان يقول : ان المبيع كلى محض بدون أن تكون الشخصية جزءا أو قيدا .

وهذا الفرق ، يقول : ان المبيع كلى مقيد ، اما بالنسبة إلى الفرد المنتشر .

فكلا الفارقين يقول : بشيء واحد .

والحاصل ان الفارقين انما يختلفان بالنسبة إلى الكلى ، هل هو كلى محض أو كلى مقيد ؟ اما بالنسبة إلى الفرد المنتشر فلا فرق بين الفارقين .

ص: 101

ثم الظاهر صحة بيع الكلى بهذا المعنى ، كما هو صريح جماعة ، منهم الشيخ ، والشهيدان ، والمحقق الثاني ، وغيرهم بل الظاهر عدم الخلاف فيه وان اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة على الكلى ، أو الإشاعة .

لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلى وان منشأ القول بالتنزيل على الإشاعة ، هو بطلان بيع الكلى بهذا المعنى .

والكلى الّذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة .

_________________________

( ثم الظاهر صحة بيع الكلى بهذا المعنى ) بأن يبيع طبيعة كلية ( كما هو صريح جماعة ، منهم الشيخ ، والشهيدان والمحقق الثاني ، وغيرهم ) لشمول عمومات البيع له ( بل الظاهر عدم الخلاف فيه ) اى في ان هذا النوع صحيح ( وان اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة على الكلى ، أو الإشاعة ) .

فإذا كان كليا ، كان اللازم تسليم البائع المبيع إلى المشترى ولو تلف كل الصبرة الا مقدار الصاع الّذي باعه ولو كان مشاعا .

فإذا تلف صاع ، انقسم التالف على البائع والمشترى بالنسبة ، لأن المال مشترك بينهما ، إلى غير ذلك من الفروق بين الكلى والإشاعة .

( لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلى ) في المعين ( وان منشأ القول بالتنزيل على الإشاعة ) فيما لو قال : بعتك صاعا من هذه الصبرة ( هو بطلان بيع الكلى بهذا المعنى ) اى الكلى في المعين .

( والكلى الّذي يجوز بيعه هو ما يكون ) كليا ( في الذمة ) .

ص: 102

قال في الايضاح في ترجيح التنزيل على الإشاعة انه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين فلا يكون معلوم العين ، وهو الغرر الّذي يدل النهى عنه على الفساد اجماعا ولأن أحدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح .

ولا بعينه هو المبهم ، وابهام المبيع مبطل .

وتبعه بعض المعاصرين مستندا تارة إلى ما في الايضاح من لزوم الابهام والغرر ، وأخرى : إلى عدم معهودية ملك الكلى في غير الذمة

_________________________

( قال في الايضاح في ترجيح التنزيل ) اى تنزيل كلام البائع ( على الإشاعة ) دون الكلى ( انه لو لم يكن ) المبيع ( مشاعا لكان غير معين ) .

وإذا كان غير معين ( فلا يكون معلوم العين ، وهو الغرر الّذي يدل النهى عنه ) اى عن الغرر ( على الفساد اجماعا ) لأن النهى عن المعاملة يقتضي الوضع اى الفساد ( ولأن أحدهما بعينه ) فيما كان هناك صاعان ، وقال : بعتك كلى الصاع منهما ( لو وقع البيع عليه ) فهو ( ترجيح من غير مرجح ) وذلك باطل لان معناه وجود المعلول بدون العلة .

( و ) لو وقع البيع على أحدهما ( لا بعينه ) يكون ( هو المبهم ، وابهام المبيع مبطل ) للبيع ، لأنه غرر والأدلة دلت على لزوم تعيين المبيع .

( وتبعه ) اى الايضاح في عدم صحة الكلى ، وصحة الإشاعة فقط ( بعض المعاصرين مستندا تارة إلى ما في الايضاح من لزوم الابهام والغرر ) ومثله مبطل .

( وأخرى : إلى عدم معهودية ملك الكلى في غير الذمة ) اى ملك

ص: 103

لا على وجه الإشاعة .

وثالثة : باتفاقهم على تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة .

ويرد الأول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر ، فكيف نسلم في الكلى ؟

والثاني بأنه معهود في الوصية والاصداق ، مع أنه لم يفهم مراده من

_________________________

الكلى في الذمة فلا بأس به ، لأنه وارد في الشرع كثيرا ( لا على وجه الإشاعة ) اى الكلى غير المشاع .

( وثالثة : باتفاقهم على تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة ) فإذا قال : أبيعك ثمرة هذا البستان ، ثمرة هذا البستان ، الا عشرة أرطال منها ، فإنها لي ، كان المستثنى مشاعا ، لا كليا .

ولو صح بيع الكلى كان اللازم ان يقول : ان المستثنى كلى لا مشاع لأن الظاهر من الاستثناء الكلى ، لا الإشاعة - .

( ويرد الأول ما عرفت ) سابقا ( من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر فكيف نسلم ) الغرر ( في الكلى ) إذ الفرد المنتشر أقرب إلى الغرر ، ومع ذلك يقولون بصحة المنتشر ، فكيف يمكن ان يقال بالغرر في الكل الّذي هو أبعد من الغرر .

( و ) يرد ( الثاني بأنه ) اى الكلى ( معهود في الوصية والاصداق ) فإذا أوصى بالكلي أو أصدق المرأة الكلى ، جاز بلا اشكال ( مع ) انه يرد عليه ثانيا ب ( انه لم يفهم مراده من ) عدم

ص: 104

المعهودية ، فان أنواع الملك ، بل كل جنس لا يعهد تحقق أحدها في مورد الآخر الا ان يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلى المشترك بين افراد موجودة فيكفي في رده النقض بالوصية وشبهها .

هذا كله ، مضافا إلى صحيحة الأطنان الآتية فان موردها اما بيع الفرد

_________________________

( المعهودية ، فان أنواع الملك ) الكلى والجزئي والخارجي والذمي والمختص والمشاع وغيرها ( بل كل جنس ) من الأجناس الحقيقية كالانسان والبقر والغنم ، أو الاعتبارية كالملكية والزوجية والرقية ( لا يعهد تحقق أحدها في مورد الآخر ) .

فالملك الكلى ليس ملكا جزئيا ، ولا العكس ، والانسان ليس بقرا ولا العكس ، وهكذا .

وعليه : فلا يمكن ان يكون الملك الكلى في هذا المورد معهودا في مكان آخر ( الا ان يراد منه ) اى عدم المعهودية ( عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلى المشترك بين افراد موجودة ) .

وإذا لم يكن مورد يقيني فكيف يقال بالكلي في بيع الصاع من الصبرة ( فيكفي في رده النقض بالوصية ) كما لو قال : « أعطوا فلانا صاعا من صبرتى على وجه الكلية » فإنه صحيح بلا اشكال ( وشبهها ) كالصداق - كما تقدم - .

( هذا كله ، مضافا إلى صحيحة الأطنان الآتية ) فإنها على بعض الاحتمالات يراد بها بيع الكلى ( فان موردها اما بيع الفرد

ص: 105

المنتشر ، واما بيع الكلى في الخارج ، واما الثالث فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .

_________________________

المنتشر ، واما بيع الكلى في الخارج ) فهي على أحد الاحتمالين تكون نقضا لكلام المعاصر ( واما ) الرد على ( الثالث فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى ) .

وقد عرفت مما تقدم ان الاحتمالات اربع : أحدها المفهومي ، وأحدها المصداقى ، والكلى في المعين والإشاعة .

ص: 106

مسئلة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل على الوجه الأول

من الوجوه الثلاثة المتقدمة اعني الكسر المشاع ؟

أو على الوجه الثالث وهو الكلى بناء على المشهور من صحته ، وجهان ، بل قولان ، حكى ثانيهما عن الشيخ ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وجماعة .

واستدل له في جامع المقاصد : بأنه السابق إلى الفهم .

_________________________

( مسألة : لو باع صاعا من صبرة ) مجتمعة ( فهل ينزل ) المبيع ( على الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة اعني الكسر المشاع ) فإذا كانت الصبرة عشرة أصوع ، كان المبيع العشر ، بحيث صار المشترى شريكا للبائع في عشر المال .

( أو على الوجه الثالث وهو الكلى بناء على المشهور من صحته ) اى صحة الكلى - اما الوجه الثاني وهو المردد فقد عرفت بطلانه - ( وجهان ، بل قولان ، حكى ثانيهما عن الشيخ ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وجماعة ) آخرين .

( واستدل له في جامع المقاصد بأنه ) اى الوجه الثاني هو ( السابق إلى الفهم ) من اللفظ .

ولعل وجهه : ان الوجه الأول يحتاج إلى مئونة زائدة وهي فرض شيوع الصاع في كل جزء جزء من اجزاء الصبرة وهذا خلاف المتبادر إلى الذهن .

ص: 107

وبرواية يزيد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى عشرة آلاف طن من انبار ، بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون الف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن ، فقال المشترى : قد قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه المشترى من ثمنه ألف درهم ووكل من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون الف طن ، وبقي عشرة آلاف طن ، فقال عليه السلام العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشترى ، والعشرون التي احترقت من مال البائع .

ويمكن دفع الأول بأن مقتضى الوضع في قوله صاعا من صبرة

_________________________

( وبرواية يزيد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى عشرة آلاف طن من انبار ، بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون الف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن ، فقال المشترى : قد قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه المشترى من ثمنه ألف درهم ) أو دينار ( ووكل من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون الف طن ، وبقي عشرة آلاف طن ) فلمن هذه العشرة ؟ ( فقال عليه السلام العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشترى ، والعشرون التي احترقت ) هي ( من مال البائع ) انتهى الحديث .

( ويمكن دفع الأول ) اى الانصراف الّذي ادعاه المحقق الثاني ( بأن مقتضى الوضع في قوله ) بعتك ( صاعا من صبرة ) بالتنوين في « صاعا »

ص: 108

هو الفرد المنتشر الّذي عرفت سابقا ان المشهور بل الاجماع على بطلانه .

ومقتضى المعنى العرفي هو المقدار المقدر بصاع ، وظاهره حينئذ الإشاعة ، لأن المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع فيه .

واما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر ، كما اعترف به في الرياض .

لكن الانصاف ان العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلى

_________________________

الظاهر في التنكير ومعناه « الطن الواحد » وهو ظاهر في الإشاعة ( هو الفرد المنتشر ) لا الإشاعة ( الّذي عرفت سابقا ان المشهور بل الاجماع على بطلانه ) .

لكن ربما يقال : ان الظاهر هو الفرد المنتشر فيما إذا لم يكن صبرة مجتمعة فان الظاهر هو الكلى في المعين فيما إذا كانت الصبرة مجتمعة .

( ومقتضى المعنى العرفي هو المقدار المقدر بصاع ، وظاهره حينئذ الإشاعة ) .

والفرق بين الكلى في المعين ان الخصوصيات الفردية ليست جزءا من المبيع ، بخلاف الفرد المنتشر فان الخصوصيات جزء .

وانما قلنا : ان الظاهر الإشاعة ( لأن المقدار المذكور ) اى الصاع ( من مجموع الصبرة مشاع فيه ) اى في هذا الشيء المجتمع وهو الصبرة .

( واما الرواية ف ) نقول ( هي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر ، كما اعترف به في الرياض ) لا الكلى في المعين ، كما قاله المحقق الثاني .

( لكن الانصاف ان العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلى ) في المعين ، لا الإشاعة ، ولا الفرد المنتشر

ص: 109

فيجعلون الخيار في التعيين إلى البائع ، وهذه أمارة فهمهم الكلى .

واما الرواية ، فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر ، فلا بأس بحملها على الكلى ، لأجل القرينة الخارجية .

وتدل على عدم الإشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع وكونه مالا للمشترى

_________________________

( فيجعلون الخيار في التعيين ) من اىّ موضع شاء اعطائه وفاء المقدار الصاع ( إلى البائع ، وهذه ) اى جعل الاختيار في التعيين إلى البائع ( أمارة فهمهم الكلى ) إذ لو كان إشاعة ، لزم ان يكون الاختيار بيدهما كما هو مقتضى سائر اقسام الشركة .

اما مسألة احتمال الفرد المنتشر فقد عرفت الاجماع على خلافها .

( واما الرواية ، فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر ، فلا بأس بحملها ) اى الرواية ( على الكلى ) في المعين ( لأجل القرينة الخارجية ) وهي الاجماع على بطلان الفرد المنتشر .

فالأمر دائر بين الفرد المنتشر الباطل اجماعا ، والإشاعة وهو خلاف جواب الإمام عليه السلام حيث إنها لو كانت مشاعة كان التالف منهما لا من البائع فقط ، فبقى الكلى في المعين فقط .

( وتدل ) القرينة الخارجية ( على عدم الإشاعة ) في الرواية ( من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع وكونه ) اى الباقي ( مالا للمشترى ) إذ لو كان مشاعا لكان الباقي مشتركا بينهما .

وقوله « كونه » عطف على « بقاء » اى من حيث الحكم بكونه مالا للمشترى .

ص: 110

فالقول الثاني لا يخلو من قوة ، بل لم نظفر بمن جزم بالأول ، وان حكاه في الايضاح قولا .

ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا أمور .

أحدها : كون التخيير في تعيينه بيد البائع

لأن المفروض ان المشترى لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص فلا يستحق على البائع خصوصية ، فإذا طالب بخصوصية زائدة على الطبيعة ، فقد طالب بما ليس حقا له ، وهذا جار في كل من ملك كليا في الذمة ،

_________________________

وعلى هذا ( فالقول الثاني ) وهو الكلى - في مقابل القول الأول بالإشاعة - ( لا يخلو من قوة ، بل لم نظفر بمن جزم بالأول ، وان حكاه ) اى الأول ( في الايضاح قولا ) .

ولا يخفى ان هذا فيما إذا لم تكن قرينة داخلية أو خارجية على الإشاعة ، والا كان مقتضى القرينة الإشاعة .

( ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا ) لا مشاعا ( أمور ) .

( أحدها : كون التخيير في تعيينه ) اى تعيين المبيع ( بيد البائع لأن المفروض ان المشترى لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص ) فإنه هو مقتضى الكلى ( فلا يستحق ) المشترى ( على البائع خصوصية ، فإذا طالب ) المشترى ( بخصوصية زائدة على الطبيعة ) كما لو قال : أعطني من هذا الطرف من الصبرة دون الطرف الآخر ( فقد طالب بما ليس حقا له ) فلا تجب اجابته على البائع ( وهذا ) اى كون الاختيار بيد البائع ( جار في كل من ملك كليا في الذمة ) كما لو ملك عمرو من زيد

ص: 111

أو في الخارج ، فليس لمالكه اقتراح الخصوصية على من عليه الكلى .

ولذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصى الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده ونحو ذلك الا انه قد جزم المحقق القمي في غير موضع من أجوبة مسائله بأن الاختيار في التعيين بيد المشترى ، ولم يعلم له وجه مصحح .

_________________________

منا من الحنطة في ذمة زيد ( أو في الخارج ) كالكلى في المعين ( فليس لمالكه ) اى مالك الكلى ( اقتراح الخصوصية على من عليه الكلى ) كزيد في المثال .

( ولذا ) الّذي ليس المالك الكلى الاختيار ( كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصى الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده ) أو صاع من صبرته ( ونحو ذلك ) من افراد الفرد المنتشر والكلى في المعين .

نعم : لو كانت الوصية على نحو الإشاعة كان الرجل شريكا للوارث كما لا يخفى ( الا انه قد جزم المحقق القمي في غير موضع من أجوبة مسائله ) في كتاب جامع الشتات ( بأن الاختيار في التعيين بيد المشترى ، ولم يعلم له وجه مصحح ) .

ولعله لكونه صاحب الحق فيجب ان يقبل ما يطابق حقه ، فإذا لم يقبل شيئا لم يتعين ان يكون ذلك الشيء غير المقبول حقا له .

ويؤيده : تجارة عن تراض ، فان عدم رضى المشترى ، يوجب ان لا يكون عن تراض .

ص: 112

فيا ليته قاس ذلك على طلب الطبيعة حيث إن الطالب - ملك الطبيعة على المأمور واستحقها منه - لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون أخرى .

وكذلك مسألة التمليك كما لا يخفى .

واما على الإشاعة .

_________________________

كما يمكن ان يكون الوجه أيضا ان المشترى لم يشتر الكلى بما هو كلى ، إذ لا تحقق له في الخارج ، بل الكلى بما هو متشخص فهو ذو حق في التشخص أيضا فيجب ان يكون انطباق ذلك الكلى على هذا الشخص برضاه ، والا لم يكن مؤديا حقّه ، فتأمل .

( فيا ليته قاس ذلك ) اى طلب المشترى مع البائع ( على طلب ) المولى ( الطبيعة ) من العبد كما لو قال له اعط صاعا من الحنطة للفقير ( حيث إن الطالب ) وهو الفقير - في المثال - ( - ملك الطبيعة على المأمور ) المكلف بالاعطاء ( واستحقها ) اى الطبيعة ( منه ) اى من المأمور ( - لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون أخرى ) بل الخصوصية بيد المأمور .

فإذا قاس القمي « ره » ما نحن فيه بطلب الطبيعة ، ظهر له ان الخصوصية ليست داخلة في المبيع ، فليس للمشترى حق في ان يطلب خصوصية دون أخرى .

( وكذلك ) اى مثل الطلب ( مسألة التمليك ) اى مسألتنا ( كما لا يخفى ) .

( واما على الإشاعة ) بأن باعه الطبيعة المشاعة ، لا الكلى في المعين

ص: 113

فلا اختيار لأحدهما لحصول الشركة فيحتاج القسمة إلى التراضي .

ومنها انه لو تلف بعض الجملة وبقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشترى فيه ،

لأن كل فرد من افراد الطبيعة وان كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه ، الا انه يتوقف على تعيين مالك المجموع واقباضه .

فكلما تلف قبل اقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشترى فعلا فينحصر في الموجود .

_________________________

( فلا اختيار لأحدهما ) من البائع والمشترى ، بل يلزم رضاهما معا ( لحصول الشركة ) بين البائع والمشترى ( فيحتاج القسمة إلى التراضي ) منهما معا .

( ومنها انه لو تلف بعض الجملة ) التي كان المبيع في ضمنها ( وبقي مصداق الطبيعة ) سواء كان بمقدار المبيع ، أو أقل ، كما لو اشترى صاعا من عشرة أصوع ، فتلف تسعة أو تسعة ونصف ( انحصر حق المشترى فيه ، لأن كل فرد من افراد الطبيعة وان كان قابلا لتعلق ملكه ) اى ملك المشتري ( به ) اى بذلك الفرد ( بخصوصه ، الا انه يتوقف ) تعلق حق المشترى بهذا دون ذاك ( على تعيين مالك المجموع واقباضه ) للمشترى .

( فكلما تلف ) من الصبرة - مثلا - ( قبل اقباضه ) قبل ان يقبض المالك حق المشترى ( خرج عن قابلية ملكيته للمشترى فعلا ) إذ : لا يمكن ان يكون التالف ملكا للمشترى والحال انه لم يقبضه بعد ( فينحصر ) ملك المشتري ( في الموجود ) .

ص: 114

وهذا بخلاف المشاع فان ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة إلى اختيار ، واقباض ، فكلما يتلف من المال ، فقد تلف من المشترى جزء بنسبة حصته .

ومنها انه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر ،

فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان للأول ، لأن الكلى المبيع ثانيا انما هو سار في مال البائع ، وهو ما عدا الصاع من الصبرة

_________________________

( وهذا ) الحكم انما هو في المبيع الكلى ( بخلاف المشاع ) كما لو اشترى عشر عشرة أصوع ( فان ملك المشتري فعلا ) قبل القبض ( ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة ) في ثبوت ملك المشتري ( إلى اختيار ، واقباض ) .

وعليه ( فكلما يتلف من المال ، فقد تلف من المشترى جزء بنسبة حصته ) فإذا تلف عشر المال فقد تلف عشر حصة المشترى إذا كان مال المشترى في المجموع عشرا ، مثلا إذا كان المال مائة من وكانت للمشترى عشرة ، ثم تلف عشرة ، هل تلف من المشترى واحد وتلف من البائع تسعة ؟ وهكذا .

( ومنها انه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر ، فالظاهر ) من دليل الاختصاص للصاع الأخير بهذا المشترى ( انه إذا بقي صاع واحد كان للأول ) ولا يكون للثاني ، ولا مجال للقرعة ، ولا لقاعدة العدل والانصاف بالتنصيف ( لأن الكلى المبيع ثانيا انما هو سار في مال البائع ، وهو ما عدا الصاع من الصبرة ) « هو » راجع إلى « مال البائع »

ص: 115

فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلى فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض .

وهذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة .

[ صور إقباض الكلي ]

ثم اعلم : ان المبيع انما يبقى كليا ما لم يقبض ، واما إذا قبض فان قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشترى ، وان قبض في ضمن الباقي بأن اقبضه البائع مجموع الصبرة ، فيكون بعضة وفاء ، والباقي أمانة حصلت

_________________________

( فإذا تلف ما عدا الصاع ) بأن بقي صاع فقط ( فقد تلف جميع ما كان الكلى فيه ساريا ) .

وعليه ( فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض ) والتلف قبل القبض من مال مالكه .

( وهذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة ) فان الباقي يكون على ثلاثة أقسام ، قسم للمالك ، وقسم للمشترى الأول ، وقسم للمشترى الثاني ، كل بنسبة حصته إلى أصل المال .

ففي المثال السابق إذا بقي عشرة من المائة كان لكل واحد من المشتريين واحد ، وللمالك ثمانية .

( ثم اعلم : ان المبيع انما يبقى كليا ما لم يقبض ، واما إذا قبض فان قبض منفردا عما عداه ) كان قبض المشترى للواحد من العشرة ، واحدا ( كان مختصا بالمشترى ، وان قبض في ضمن الباقي ) كان قبض المشترى للواحد من العشرة ، كل العشرة ( بأن اقبضه البائع مجموع الصبرة ، فيكون بعضه ) الخاص بالمشترى ( وفاء ، والباقي أمانة حصلت

ص: 116

الشركة لحصول ماله في يده ، وعدم توقفه على تعيين واقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشترى له فعلا ، وينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف على البائع ، دون المشترى ترجيح بلا مرجح ، ف يحسب عليهما .

والحاصل : ان كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا .

_________________________

الشركة ) « حصلت » جواب « ان » .

وانما تحصل الشركة والإشاعة ، ولا تبقى على الكلية ( لحصول ماله في يده ) اى حصول مال المشترى في يد المشترى ( وعدم توقفه على تعيين واقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشترى له ) اى لذلك التالف ( فعلا ، و ) حتى ( ينحصر حقه ) اى حق المشترى ( في الباقي )

وعلى هذا ( فحينئذ ) يكون ( حساب التالف على البائع ، دون المشترى ترجيح بلا مرجح ، ف ) إذا أردنا ان لا يكون ترجيح بلا مرجح يجب ان ( يحسب ) التالف ( عليهما ) البائع والمشترى بالنسبة .

اللهم الا ان يقال : ان حصول المال في يد المشترى لا يوجب الانقلاب عن الكلية إلى الاشتراك ، لكون الانقلاب خلاف الأصل من غير دليل .

وحينئذ فاللازم اما ان يكون التلف من البائع كالسابق ، أو القرعة ، أو قاعدة العدل والانصاف .

( والحاصل ) في الاستدلال على كون التالف منهما بعد الاقباض للجميع ( ان كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا ) فيما إذا كان

ص: 117

أو بعضا ، ملكا فعليا للمشترى .

والملك الفعلي له حينئذ هو الكلى الساري ، فالتالف المعين غير قابل لكون جزئه محسوبا على المشترى ، لان تملكه لمعين موقوف على اختيار البائع واقباضه ، ف يحسب على البائع ، بخلاف التالف بعد الاقباض ، فان تملك المشترى لمقدار منه حاصل فعلا لتحقق الاقباض

فنسبة كل جزء معين من الجملة إلى كل من

_________________________

الجزء المعين بقدر مال المشترى كصاع - مثلا - ( أو بعضا ) فيما إذا كان أكثر من مال المشترى ، كصاعين - مثلا - فيما إذا كان ملك المشتري صاع واحد فقط ( ملكا فعليا للمشترى ) بان يحصل الاقباض حتى يحصل الملك الفعلي .

( و ) عليه ف ( الملك الفعلي له ) اى للمشترى ( حينئذ ) اى حين لم يقبض ( هو الكلى الساري ) في مجموع الصبرة ( فالتالف المعين ) كما إذا تلف صاعان من صبرة قدرها عشرة أصوع ( غير قابل لكون جزئه محسوبا على المشترى ، لان ) المشترى لم يملك شيئا معينا الآن ، إذ ( تملكه ) اى المشترى ( لمعين ) خارجي ( موقوف على اختيار البائع واقباضه ، ف ) إذ تلف شيء قبل القبض ( يحسب ) التالف ( على البائع ، بخلاف التالف بعد الاقباض ، فان تملك المشترى لمقدار منه ) وهو الصاع مثلا ، فيما إذا كان المشترى اشترى صاعا واحدا ( حاصل فعلا لتحقق الاقباض ) الّذي هو شرط حصول الملك فعلا .

( فنسبة كل جزء معين من الجملة ) اى كل الصبرة ( إلى كل من

ص: 118

البائع والمشترى على حد سواء .

نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع على وجه الايفاء بل على وجه التوكيل في التعيين ، أو على وجه الأمانة حتى يعين البائع بعد ذلك كان حكمه حكم ما قبل القبض ،

[ لو باع ثمرة شجرات واستثنى منها أرطالا معلومة ]

هذا كله مما لا اشكال فيه .

وانما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات ، واستثنى منها أرطالا معلومة

_________________________

البائع والمشترى على حد سواء ) .

وعليه فيكون التالف منهما معا بالنسبة .

( نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع ) إلى المشترى للجزء ( على وجه الايفاء ) اى ان البائع حين اعطى المشترى كل الصبرة لم يقصد ان يقبضه الجزء - المملوك للمشترى - إيفاء لحق المشترى ( بل على وجه التوكيل في التعيين ) بأن قال له : خذ هذا المجموع ، وأنت وكيل في ان تعين مال نفسك من بين المجموع ( أو على وجه الأمانة ) بأن قال : له هذه الجملة أمانة عندك ، حتى آتى لا قسم - مثلا - ( حتى يعين البائع بعد ذلك ) مال المشترى « حتى » غاية « للأمانة » ( كان حكمه ) اى حكم ما بعد القبض ( حكم ما قبل القبض ، هذا كله مما لا اشكال فيه ) عند المصنف ، وان أشكل في كلا الشقين من كون التالف من مال المشترك في صورة الاعطاء للمجموع وفاء ، من كون مال البائع في صورة الاعطاء أمانة .

( وانما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات ، واستثنى منها أرطالا معلومة ) كما لو قال : بعتك ثمرة هذه الأشجار باستثناء عشرة

ص: 119

انه لو خاست الثمرة سقط من المستثنى بحسابه .

وظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناة على الإشاعة .

ولذا قال في الدروس : ان في هذا الحكم دلالة على تنزيل الصاع من الصبرة على الإشاعة .

وحينئذ يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين حيث إن مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق على تنزيلها على الإشاعة ، والمشهور هنا

_________________________

أرطال ، فإنها لي ( انه لو خاست الثمرة ) بعضا ( سقط من المستثنى بحسابه ) فإذا خاست نصف الثمرة سقط من الأرطال خمسة ، وهكذا .

( وظاهر ذلك ) القول من الفقهاء ( تنزيل الأرطال المستثناة على الإشاعة ) فان المال المشاع يحسب على الطرفين .

اما لو كان كليا في المعين كان اللازم عدم تضرر البائع صاحب الأرطال .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ان ظاهر كلامهم هنا حكمهم بالإشاعة ( قال في الدروس : ان في هذا الحكم ) بالسقوط من المستثنى بحسابه ( دلالة على تنزيل الصاع من الصبرة ) في مسألتنا - اى ما لو باع صاعا كليا - ( على الإشاعة ) .

( وحينئذ ) اى حين كان السقوط من الأرطال بحساب الخيس ( يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين ) مسألة الأرطال ، ومسألة الاصوع ( حيث إن مسألة ) الأرطال في صورة ( الاستثناء ) لها عن المبيع ( ظاهرهم الاتفاق على تنزيلها على الإشاعة ، والمشهور هنا ) في مسألة

ص: 120

التنزيل على الكلى ، بل لم يعرف من جزم بالإشاعة .

وربما يفرق بين المسألتين بالنص فيما نحن فيه على التنزيل على الكلى .

وهو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة .

وفيه ان النص ان استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده إلى مسألة الاستثناء أو بيان الفارق .

_________________________

الاصوع ( التنزيل على الكلى ، بل لم يعرف من جزم بالإشاعة ) هنا ، مع أن الظاهر أن المسألتين من واد واحد .

( وربما يفرق بين المسألتين ) مسألة الأرطال ومسألة الصيعان ( بالنص فيما نحن فيه ) مسألة الصيعان ( على التنزيل على الكلى ) والا فمقتضى القاعدة الشركة والإشاعة .

( و ) النص ( هو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة ) وهي صحيحة أطنان القصب .

( وفيه ) ان هذا الفارق ليس بتام .

إذ : ( ان النص ان استفيد منه حكم القاعدة ) وانه كلما كان هناك مال خرج منه بعضه كان ذلك البعض على نحو الكلى ، لا على نحو الإشاعة ( لزم التعدي عن مورده ) اى مورد النص ( إلى مسألة الاستثناء ) اى الأرطال ، لأن مسألة الأرطال أيضا صغرى من صغريات القاعدة ( أو بيان الفارق ) بين الأرطال وبين الاصوع .

ص: 121

وخروجها عن القاعدة - وان اقتصر على موردها - لم يتعد إلى غير مورده حتى في البيع الا بعد ابداء الفرق بين موارد التعدي ، وبين مسألة الاستثناء .

وبالجملة : فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء على التعدي عن مورده الشخصي .

وأضعف من ذلك الفرق بقيام الاجماع على الإشاعة في مسألة الاستثناء ،

_________________________

( وخروجها ) اى مسألة الأرطال ( عن القاعدة - وان اقتصر على موردها - ) اى مورد الصحيحة ( لم يتعد إلى غير مورده ) اى غير مورد النص - وهو الأطنان من القصب - ( حتى في البيع ) كما لو كان المبيع امنان من الحنطة لا أطنان من القصب .

ان قلت : نتعدى إلى بعض الموارد كالبيع ، لا بعض الموارد الأخر كمسألة الأرطال ؟

قلت : لا يصح هذا الفرق ( الا بعد ابداء الفرق بين موارد التعدي وبين مسألة الاستثناء ) فلم تتعدون من القصب إلى الحنطة ؟ ولا تتعدون إلى استثناء الأرطال ، مع أنهما من واد واحد .

( وبالجملة : فالنص بنفسه لا يصلح فارقا ) بين الأرطال والصيعان ( مع البناء على التعدي عن مورده الشخصي ) نعم إذا لم نقل بالتعدى صح النص فارقا .

( وأضعف من ذلك ) الفارق ( الفرق بقيام الاجماع على الإشاعة في مسألة الاستثناء )

ص: 122

لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها إلى توقيف بالخصوص .

وأضعف من هذين الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة ، وغيرهما مما يحمل الكلى فيها على الإشاعة ، وبين البيع باعتبار القبض في لزوم البيع وايجابه على البائع .

فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلى المشترى .

_________________________

اى استثناء الأرطال ولولا الاجماع ، لكان اللازم ان نقول مسألة الأرطال أيضا يجب أن تكون من باب الكلى .

وانما كان هذا الفارق أضعف ( لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها ) اى في مسألة الاستثناء ( إلى توقيف بالخصوص ) بل قالوا ذلك عن ما رواه دليلا لذلك ، فاللازم النظر في مستندهم ، فان الاجماع محتمل الاستناد ليس بحجة .

( وأضعف من هذين ) الفارقين ( الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة ، وغيرهما ) كمسألة الخمس ( مما يحمل الكلى فيها ) اى في تلك المسائل ( على الإشاعة ، وبين البيع باعتبار القبض ) الجار متعلق ب « الفرق » ( في لزوم البيع وايجابه ) اى بايجاب القبض البيع ( على البائع ) .

فحيث ان الزكاة والأرطال لا تحتاجان إلى القبض ، والبيع يحتاج إلى القبض كانت المسألتان من باب الإشاعة ومسألة البيع من باب الكلى .

( فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع ) كالأطنان الباقية من القصب ( يجب دفعه إلى المشترى ) بكامله بدون اشتراك البائع للمشترى - حتى يكون من باب الإشاعة - .

ص: 123

إذ هو شبه الكلى في الذمة .

وفيه مع أن ايجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة والاستثناء

_________________________

( إذ هو ) اى الكلى في المعين ( شبه الكلى في الذمة ) حيث إنه يجب على صاحب الذمة اعطاء الفرد الموجود إلى المشترى ، بدون ان يكون شريكا له ، إذ تلف مال صاحب الذمة لا يوجب تحمل المشترى لبعض ذاك التالف .

وحاصل هذا الفرق : ان الزكاة والأرطال لا يحتاجان إلى القبض في ملكية مستحق الزكاة والأرطال ، بل المال الزكوي والثمرة ذات الأرطال المستثناة من الآن - وقيل القبض - مشترك بين صاحب المال وبين مستحق الأرطال ومستحق الزكاة ، فإذا ذهب من المال شيء ذهب منهما معا ، لا من صاحب المال فقط بخلاف المال في باب البيع ، فان كل المال للمالك .

وانما يكون مالا للمشترى إذا قبض المشترى لحصته ، فإذا لم يحصل القبض وتلف شيء من المال يكون التالف من ملك البائع فقط ، هذا أولا .

وثانيا : ان الفارق بين الأرطال والزكاة ، وبين البيع ، هو ان القبض يوجب اللزوم في البيع دون الأرطال والزكاة ، فان اللزوم فيهما حاصل ، وان لم يقبض صاحب الزكاة ومالك الثمرة .

( وفيه مع أن ايجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة والاستثناء ) .

إذ كما يجب قبض المبيع كذلك يجب قبض الزكاة والأرطال ، فلا يكون الايجاب فارقا لوجود الايجاب في المسائل الثلاث .

ص: 124

ان ايجاب القبض على البائع يتوقف على بقائه ، إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف .

والحكم بالبقاء يتوقف على نفى الإشاعة .

فنفى الإشاعة بوجوب الاقباض لا يخلو عن مصادرة كما لا يخفى .

واما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في الفرق .

_________________________

و ( ان ايجاب القبض على البائع يتوقف على بقائه ، إذ مع عدم بقائه كلا ) بأن تلف كل المبيع ( أو بعضا ) بأن تلف بعض المبيع ( ينفسخ البيع في التالف ) لقاعدة ان التلف قبل القبض من مال مالكه .

( والحكم بالبقاء ) اى حكمنا بأن مال المشترى باق - ولم يكن جزءا من التالف - ( يتوقف على نفى الإشاعة ) إذ لو كان المال مشاعا ، لكان التالف منهما معا لا من البائع وحده .

( ف ) إذا أردتم اثبات ( نفى الإشاعة ب ) دليل ( وجوب الاقباض ) كان هذا الاستدلال ( لا يخلو عن مصادرة ) وجعل المدعى دليلا ، فان « وجوب القبض » متوقف على « عدم التلف » و « عدم التلف » متوقف على « الإشاعة » .

فإذا أريد اثبات « عدم الإشاعة » من « وجوب القبض » دار ( كما لا يخفى ) هذا كله رد لقوله « وايجابه على البائع » .

( واما مدخلية القبض في اللزوم ) الّذي جعله القائل فارقا بين البيع ، وبين مسألة الأرطال والزكاة ( فلا دخل له أصلا في الفرق ) فان المال لو كان مشتركا بينهما لزم ان يكون التالف منهما ، سواء كان مالكية

ص: 125

ومثله في الضعف : لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض ، فيلزم على البائع تسليم المبيع منها وان بقي قدره ، فلا ينقص المبيع لأجله بخلاف الاستثناء فان التلف فيه بعد القبض .

والمستثنى بيد المشترى أمانة على الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليها .

ولهذا لم يحكم بضمان المشترى هنا ، بخلاف البائع هناك ،

_________________________

أحدهما للمال على نحو اللزوم ، أم لا .

( ومثله في الضعف : لو لم يكن ) هذا الفارق ( عينه ) اى عين الفارق السابق ( ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة ) المبيع صاع منها ( قبل القبض ف ) لم يكن التالف مربوطا بالمشترى أصلا ، بل ( يلزم على البائع تسليم ) الصاع ( المبيع منها ) اى من الصبرة ( وان بقي ) من الصبرة ( قدره ) اى فقط قدر المبيع .

وعليه ( فلا ينقص المبيع ) من المشترى ( لأجله ) اى لأجل التلف ( بخلاف الاستثناء ) في الأرطال ( فان التلف فيه ) يكون ( بعد القبض ) فان المالك البائع للثمرة الّذي استثنى لنفسه أرطالا كان قابضا للأرطال .

( والمستثنى ) اى الأرطال ( بيد المشترى أمانة على الإشاعة بينهما ) الأرطال مشاعا للبائع ، وما بقي مشاعا للمشترى ( فيوزع الناقص عليها ) بالنسبة .

( ولهذا ) الّذي كانت الأرطال أمانة بيد المشترى ( لم يحكم بضمان المشترى هنا ) في باب الأرطال ( بخلاف البائع هناك ) في الصاع من

ص: 126

انتهى .

وفيه - مع ما عرفت - من أن التلف من الصبرة قبل القبض انما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة فكيف يثبت به انه ان أريد من كون التلف في مسألة الاستثناء بعد القبض ، انه بعد قبض المشترى .

ففيه انه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشترى

_________________________

الصبرة ، حيث إنه لو تلف المال كلا كان ضامنا لحصة المشترى .

وقد ظهر ان الفارق السابق كان يفرق بين مسألتي الأرطال والزكاة وبين مسألة البيع بالايجاب واللزوم .

وهذا الفارق بينهما ما يقبض ، وكلا الفارقين قريب المخرج ولذا قال المصنف « لو لم يكن عينه » ( انتهى ) كلام مفتاح الكرامة .

( وفيه - مع ما عرفت - ) في جواب الفارق السابق ( من أن التلف من الصبرة قبل القبض انما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة ) بين البائع والمشترى ( فكيف يثبت ) عدم الإشاعة ( به ) اى بوجوب تسليم تمام المبيع ، لما عرفت من أنه دور ومصادرة ( انه ) هذا جواب مفتاح الكرامة ، مربوط به « فيه » ( ان أريد من كون التلف في مسألة الاستثناء بعد القبض ، انه بعد قبض المشترى ) اى أريد بالقبض قبض المشترى ، و « انه » نائب « أريد » .

( ففيه انه ) اى قبض المشترى ( موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشترى ) .

ص: 127

ولا كلام فيه ولا اشكال ، وانما الاشكال في الفرق بين المشترى في مسألة الصاع والبائع في مسألة الاستثناء .

حيث إن كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه ، فكيف يحسب نقص التلف على أحدهما دون الآخر ، مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلى .

وان أريد من كون التلف بعد القبض

_________________________

إذ : المشترى لما اخذ البستان فلا ضمان على البائع ، فان التلف قبل القبض من مال مالكه ، لا التلف بعد القبض ( ولا كلام فيه ولا اشكال ، وانما الاشكال في الفرق بين المشترى في مسألة الصاع ) حيث تقولون انه لو تلف المال بيد البائع لا ينقص من المشترى شيء ( و ) بين ( البائع في مسألة الاستثناء ) حيث تقولون انه لو تلف المال بيد المشترى كان البائع أيضا يرد عليه النقص ، مع أن البائع لم يتسلّم ارطاله ، كما لم يتسلم المشترى في مسألة الصاع صيعانه .

( حيث إن كلا منهما ) البائع في الأرطال والمشترى في الصيعان ( يستحق مقدارا من المجموع ) مجموع الصبرة ومجموع الثمرة ( لم يقبضه مستحقه ، فكيف يحسب نقص التلف على أحدهما ) البائع في الأرطال ( دون الآخر ) المشترى في الصيعان ( مع اشتراكهما ) اى البائع والمشترى ( في عدم قبض حقهما الكلى ) فاللازم اما اشتراكهما في النقص أو عدم اشتراكهما فيه .

( وان أريد من كون التلف بعد القبض ) في مسألة استثناء الأرطال

ص: 128

ان الكلى الّذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد ، فحصل الاشتراك ، فإذا دفع الكلى إلى المشترى ، فقد دفع مالا مشتركا ، فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع الصبرة إلى المشترى ، فالاشتراك كان قبل القبض .

ففيه ان الاشكال بحاله ، إذ يبقى سؤال الفرق بين قوله : بعتك

_________________________

قبض البائع .

بمعنى ( ان الكلى الّذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك ) بسبب بيع البائع الثمرة للمشترى ( فإذا دفع ) البائع ( الكل ) من حصة نفسه وحصة المشترى ( إلى المشترى ، فقد دفع مالا مشتركا ، فهو نظير ما إذا دفع البائع ) للصيعان ( مجموع الصبرة إلى المشترى ) حيث إن الصبرة في هذا الحال تكون مشتركة بين البائع والمشترى ( فالاشتراك كان قبل القبض ) .

وحاصل الفرق ان الصاع لم يكن مقبوضا للمشترى ، فإذا تلف شيء لم يذهب من كيس المشترى ، والرطل كان مقبوضا للبائع فإذا تلف شيء ذهب من كيس البائع .

( ففيه ان الاشكال ) في الفارق بين المسألتين ( بحاله ، إذ يبقى سؤال الفرق ) بين المسألتين ، لأنا لا نسلم ان كون المال بيد البائع - في مسألة الثمرة - يعد قبضا للبائع ، بل قبض البائع انما يتحقق إذا سلّمه المشترى ارطاله .

إذ : ما هو الفرق ( بين قوله : بعتك

ص: 129

صاعا من هذه الصبرة ، وبين قوله : بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها .

وما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول ؟ مع كون مقتضى الكلى عدم تعيين فرد منه أو جزء منه لمالكه الا بعد اقباض مالك الكل الّذي هو المشترى في مسألة الاستثناء .

فان كون الكل بيد البائع المالك للكلى لا يوجب الاشتراك ، هذا .

_________________________

صاعا من هذه الصبرة ) في مسألة الصيعان ( وبين قوله : بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة الا صاعا منها ) في مسألة الأرطال .

( وما الموجب للاشتراك ) بين البائع والمشترى - حيث يكون التالف منهما - ( في الثاني ) استثناء أرطال من الثمرة ( دون الأول ) بيع صاع من الصبرة ( مع كون مقتضى ) بيع ( الكلى ) في الصاع أو استثناء الكلى في الثمرة ( عدم تعيين فرد منه ) فيما لو قال المالك : بعتك الصبرة الا صاعا ( أو جزء منه لمالكه ) فيما لو قال المالك : بعتك الثمرة إلا عشرا منها - في مسألة الأرطال - ( الا بعد اقباض مالك الكل الّذي هو المشترى في مسألة الاستثناء ) مال المالك البائع له .

إذ قبل ان يسلّمه المشترى ثمرته كانت الثمرة المملوكة للمالك البائع كليا غير مقبوض .

( ف ) ان قلت : كيف تقولون ان المالك البائع لم يقبض الثمرة ؟ والحال ان كل المال كان بيده قبل ان يسلّمه للمشترى ؟

قلت : ( ان كون الكل بيد البائع المالك للكلى ) في مسألة الأرطال ( لا يوجب الاشتراك ، هذا ) كله تزييف للفرق بين الأرطال والاصوع .

ص: 130

مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد العقد بالاشتراك ، وعدم جواز تصرف المشترى الا باذن البائع كما يشعر به فتوى جماعة ، منهم : الشهيدان ، والمحقق الثاني ، بأنه لو فرط المشترى وجب أداء المستثنى من الباقي .

ويمكن ان يقال

_________________________

( مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثنا ) للأرطال ( الحكم بعد العقد ) ببيع الثمرة ( بالاشتراك ) بين البائع والمشترى ( وعدم جواز تصرف المشترى ) في الثمرة ( الا باذن البائع ) .

مع أن مقتضى كلام مفتاح الكرامة بالاشتراك ، انه لا يجوز للمشترى التصرف في الثمرة - كما هو كذلك في كل مال مشترك - بخلاف ما إذا قلنا بأن حق البائع في الثمرة من باب الكلى فإنه يجوز للمشترى التصرف ( كما يشعر به ) اى بجواز تصرف المشترى الملازم لعدم الاشتراك ( فتوى جماعة ، منهم : الشهيدان ، والمحقق الثاني ، بأنه لو فرط المشترى ) فتلف بعض الثمرة ( وجب ) على المشترى ( أداء المستثنى من الباقي ) فان هذا الكلام ظاهر في كون حق البائع كليا ، لا مشتركا .

إذ لو كان مشتركا ، لم يلزم المشترى الا بأداء المثل أو القيمة .

ومن المعلوم : ان المثل لا ينحصر في الباقي بل يمكن اعطاء المثل من مكان آخر ، فقولهم بوجوب الأداء من الباقي دليل على أنهم يرون ان حق البائع في المال من باب الكلى في المعين ، لا من باب الاشتراك .

( ويمكن ان يقال ) في الفرق بين مسألة الأرطال التي جعلوها

ص: 131

ان بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال ان كان على عدم الإشاعة قبل التلف واختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوى جماعة منهم : بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشترى كان حصة البائع في الباقي .

_________________________

مشتركة ، وبين مسألة الاصوع التي جعلوها كليا ، ان وجه الاشتراك في باب الأرطال ، ان لكل من البائع والمشترى قدر كلى « البائع كلى عشرة أرطال » و « المشترى كلى تسعين رطلا » - فيما إذا كان في البستان مائة رطل مثلا ، فإذا تلف شيء لم يكن تلفه من صاحب هذا الكلى أولى من تلفه من صاحب ذلك الكلى فاللازم ان نقول : بأن التالف منهما - .

وهذا حاصل قول المصنف « وان كان بنائهم » ذكرناه فقط لتقريب ذهن الطالب إلى حاصل الجواب .

وكيف كان ، نقول في بيان الفارق بين مسألتي الأرطال والاصوع ( ان بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال ان كان على عدم الإشاعة ) اى عدم الاشتراك ( قبل التلف ) للثمرة ( واختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود ) يعنى « ان الموجود من الثمرة كلى » و « التالف منهما مشترك » .

وبناء على هذا يرد سؤال الفرق بين مسألتي الأرطال والاصوع سؤالا في نصف مسألة الأرطال ، والنصف هو حال التلف فقط ( كما ينبئ عنه ) اى عن اختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود ( فتوى جماعة منهم بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشترى كان حصة البائع في الباقي ) فإنه ظاهر في ان كون الثمرة مشتركة انما هو بعد التلف ، لا قبل التلف .

ص: 132

ويؤيده استمرار السيرة - في صورة استثناء الأرطال المعلومة من الثمرة - على استقلال المشترى في التصرف ، وعدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء .

فالمسألتان مشتركتان في التنزيل على الكلى ، ولا فرق بينهما الا في بعض ثمرات التنزيل على الكل ، وهو حساب التالف عليهما .

ولا يحضرني وجه واضح فهذا الفرق ، الا دعوى ان المتبادر من الكلى المستثنى

_________________________

( ويؤيده ) اى يؤيد عدم الاشتراك في حال وجود الثمرة ( استمرار السيرة ) من المتدينين ( - في صورة استثناء الأرطال المعلومة من الثمرة على استقلال المشترى في التصرف ، و ) على ( عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء ) ولو كان في حال الوجود مشاعا مشتركا لم يكن وجه لهذه السيرة .

( فالمسألتان ) جواب « ان كان على عدم الإشاعة » اى مسألة الأرطال ومسألة الاصوع ( مشتركتان في التنزيل على الكلى ) فمال المشترى في الصبرة كلى ، ومال البائع في الثمرة كلى ( ولا فرق بينهما ) اى بين المسألتين ( الا في بعض ثمرات التنزيل على الكل ، و ) ذلك البعض الفارق ( هو حساب التالف عليهما ) اى على البائع والمشترى ، فان حساب التالف عليهما خلاف مسألة الكلى ، وانما هو من مقتضى الإشاعة .

( ولا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق ) بين حالة وجود الثمرة فحصة البائع كلى ، وحالة تلف الثمرة فحصة البائع على نحو الإشاعة ( الا دعوى ان المتبادر من الكلى المستثنى ) للبائع

ص: 133

هو الكلى الشائع فيما يسلم للمشترى ، لا مطلق الموجود وقت البيع .

وان كان بنائهم على الإشاعة من اوّل الأمر أمكن ان يكون الوجه في ذلك ان المستثنى كما يكون ظاهر في الكلى ، كذلك يكون عنوان المستثنى منه الّذي انتقل إلى المشترى ، بالبيع كليا ، بمعنى انه ملحوظ

_________________________

( هو الكلى الشائع فيما يسلم للمشترى ) يعنى انه إذا قال : بعتك الثمرة باستثناء عشرة أرطال ، كان ظاهر هذا الكلام « استحقاقى لعشرة أرطال مما يبقى بعد التلف ، لا عشرة أرطال من التالف والباقي » .

وعليه : فإنما يجب على البائع تدارك التالف مما يبقى ، لا لعدم الإشاعة ، بل المال مشاع ، وانما يرفع اليد عن بعض ثمرات الإشاعة « وهي كون التلف منهما » لأجل التبادر ، ( لا مطلق الموجود ) من الثمرة ( وقت البيع ) « لا » عطف على « هو الكلى الشائع » .

فتحصل : ان الاشكال هو « لما ذا قال المشهور بالإشاعة في الأرطال ، وبالكلي في الصاع ؟ » .

والجواب : « ان المشهور قالوا بالكلي في الأرطال أيضا قبل التلف وانما قالوا بالإشاعة بعد التلف ، لأجل التبادر » فتأمل .

( وان كان بنائهم على الإشاعة من اوّل الأمر ) حتى قبل التلف ( أمكن ان يكون الوجه في ذلك ) في الصيعان والأرطال ( ان المستثنى ) من الأرطال ( كما يكون ظاهرا في الكلى ، كذلك يكون عنوان المستثنى منه ) اى الّذي كان للمشترى - كتسعين رطل في المثال المتقدم - ( الّذي انتقل إلى المشترى ، ب ) سبب ( البيع ) أيضا ( كليا ، بمعنى انه ملحوظ

ص: 134

بعنوان كلى يقع عليه البيع .

فمعنى ، بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها : بعتك الكلى الخارجي الّذي هو المجموع المخرج عنه الصاع ، فهو كلى كنفس الصاع .

فكل منهما مالك لعنوان كلى ، فالموجود مشترك بينهما ، لان نسبة كل جزء منه إلى كل منهما على نهج سواء .

فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح وكذا التالف

_________________________

بعنوان كلى يقع عليه البيع ) فلكل من البائع ومن المشترى ، في « الأرطال » الكلى .

( فمعنى بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها ) - وهي مسألة الأرطال كمالا يخفى - ( بعتك الكلى الخارجي ) اى في المعين ، مقابل الكلى الذمي ( الّذي هو المجموع المخرج عنه الصاع ، فهو ) اى المستثنى منه ( كلى كنفس الصاع ) المستثنى - في مثال الأرطال - .

( فكل منهما ) البائع والمشترى ، في مسألة الأرطال ( مالك لعنوان كلى ) المشترى لتسعين رطل كلى ، والبائع لعشرة أرطال كلى - في المثال السابق - ( فالموجود مشترك بينهما ، لان نسبة كل جزء منه ) اى من الموجود ( إلى كل منهما ) اى البائع والمشترى ( على نهج سواء )

( ف ) إذا تلف البعض كان ( تخصيص أحدهما ) من البائع والمشترى ( به ) اى بالموجود ( ترجيح من غير مرجح ) .

ولذا نقول : بكون التلف يكون منهما والموجود يكون لهما ( وكذا التالف

ص: 135

نسبته إليهما على السواء فيحسب عليهما .

وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا ، فان مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلى في قولنا : بعتك صاعا من هذه الصبرة ، إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلى كنفس الصاع .

فان قلت : ان مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج ، فيكون كليا كنفس الصاع .

_________________________

نسبته إليهما على السواء فيحسب عليهما ) لقاعدة العدل والانصاف .

( وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا ) في مسألة صاع الصبرة ( فان مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلى في قولنا : بعتك صاعا من هذه الصبرة ، إذ لم يقع ) مال البائع ( موضوع الحكم في هذا الكلام ) اى في قوله : بعتك صاعا ( حتى يلحظ ) مال البائع ( بعنوان كلى كنفس الصاع ) الّذي وقع موضوع الحكم فكان كليا .

وعليه فإذا تلف شيء كان من مال البائع ، لا من البائع والمشترى معا .

إذ الكلى الّذي هو للمشترى باق فلا وجه لورود التلف عليه .

( فان قلت ) في كلتا مسألتي الصاع والرطل مال كل من البائع والمشترى كلى ، فليس مالهما كليا في مسألة الأرطال فقط ، لا مسألة الصاع ، فأيضا لا فرق بين المسألتين ( ان مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج ، فيكون ) مال البائع أيضا ( كليا كنفس الصاع ) الّذي للمشترى ، ومقتضى ذلك أنه إذا تلف بعضه يكون منهما ، لا من البائع فقط .

ص: 136

قلت : نعم ، ولكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلى حتى يبقى ما بقي ذلك العنوان ، ليكون الباقي - بعد تلف البعض - مصداقا لهذا العنوان ، وعنوان الصاع على نهج سواء ، ليلزم من تحصيصه بأحدهما الترجيح من غير مرجح ، فيجىء الاشتراك ، فإذا لم يبق إلا صاع ، كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري ، فيحكم بكونه مالكا له ، ولا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع ،

_________________________

( قلت : نعم ) ليس مال البائع جزئيا حقيقيا ( ولكن ملكية البائع له ) اى للمال وهي الاصوع الباقية ( ليس بعنوان كلى ) مثل ان يكون كلى تسعة أصوع مال البائع ، كما أن كلى الصاع الواحد مال المشترى ( حتى يبقى ) مال البائع ( ما بقي ذلك العنوان ) الكلى ( ليكون الباقي - ) من المال ( بعد تلف البعض - ) كما لو تلف صاع مثلا ( مصداقا لهذا العنوان ) اى عنوان مال البائع وهو تسعة أصوع مثلا ( وعنوان الصاع ) وهو مال المشترى ( على نهج سواء ، ليلزم من تخصيصه ) اى العنوان ( بأحدهما ) بأن نقول : هذا الباقي خاص بالمشترى أو بالبائع - اى بالنسبة إلى صاع منه فيما لو تلف صاع فقط - ( الترجيح من غير مرجح ) .

وحيث يستحيل الترجيح من غير مرجح ( فيجىء الاشتراك ) اى ليس هكذا .

وعلى هذا ( فإذا لم يبق إلا صاع ، كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري ، فيحكم بكونه ) اى المشترى ( مالكا له ) اى للباقي ( ولا يزاحمه ) اى لا يزاحم عنوان ملك المشتري ( بقاء عنوان ملك البائع ) لأن ملك البائع

ص: 137

فتأمل ، هذا ما خطر عاجلا بالبال ، وقد أو كلنا تحقيق هذا المقام الّذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفى اللّه عن الزلل في المعاثر .

[ أقسام بيع الصبرة ]

قال في الروضة - تبعا للمحكى عن حواشي الشهيد - ان اقسام بيع الصبرة عشرة ، لأنها اما ان يكون معلومة المقدار ، أو مجهولته

_________________________

لا عنوان له حتى يزاحم عنوان ملك المشتري .

والحاصل : انه كلما كان هناك عنوانان ، عنوان للبائع وعنوان للمشترى ، كان بينهما الاشتراك ، كما في استثناء الأرطال .

إذ للبائع عنوان « الأرطال » وللمشترى عنوان « الكلى الا الأرطال » .

وكلما كان هناك عنوان واحد لم يكن اشتراك ، فيقدم صاحب العنوان الواحد لدى التزاحم كما في مسألة الاصوع ، فان للمشترى عنوان « مالكية الصاع » وليس للبائع عنوان « مالكية الاصوع الباقية » ( فتأمل ) .

إذ كيف تقولون : بأنه لا عنوان للبائع في الاصوع ، وله العنوان في استثناء الأرطال ( هذا ما خطر عاجلا بالبال ) في الفرق بين الاصوع وبين الأرطال ( وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام الّذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر ) أوكلناه ( إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفى اللّه عن الزلل في المعاثر ) اى محلات السقوط والزلل .

( قال في الروضة ) شرح اللمعة ( - تبعا للمحكى عن حواشي الشهيد - ) الأول ( ان اقسام بيع الصبرة عشرة ، لأنها ) اى الصبرة ( اما ان يكون معلومة المقدار ) كعشرة أصوع مثلا ( أو مجهولته ) كأن لم

ص: 138

فان كانت معلومة « 1 » صح بيعها اجمع « 2 » وبيع جزء منها معلوم مشاع « 3 » وبيع مقدار كقفيز تشتمل عليه « 4 » وبيعها كل قفيز بكذا « 5 » لا بيع كل قفيز منها بكذا .

_________________________

يعلم هل انها عشرة أو عشرون ؟ ( فان كانت معلومة « 1 » صح بيعها اجمع « 2 » وبيع جزء منها معلوم مشاع ) صفتان ل « جزء » كالعشر مثلا ( « 3 » وبيع مقدار كقفيز تشتمل ) تلك الصبرة ( عليه ) إذ لا يصح بيع عشرين قفيز مثلا فيما إذا كانت الصبرة عشرة فقط ( « 4 » وبيعها كل قفيز بكذا ) بأن يبيع كل الصبرة كل قفيز بدرهم - مثلا - فيكون المبيع ، الكلى ، ولكن هو في قوة عشرة بيوع ، وقالوا في مثله بأن كل بيع له حكمه الخاص ، مثلا إذا باع العباءة والقباء بدرهمين فله صورتان :

الأولى : ان يبيعهما ، بيعا واحدا ، وحينئذ يكون العيب في أحدهما مثلا - موجبا لردهما لا لرد أحدهما .

الثانية : ان يبيعهما بيعين لكن في صيغة واحدة - كما لو زوج بنت زيد لعمرو وبنت خالد لبكر بلفظ واحد ، فإنهما نكاحان لكن اللفظ واحد ، ولذا يكون في حكم نكاحين مستقلين - وحينئذ يكون العيب في أحدهما - مثلا - موجبا لرده فقط ، لا لردهما ( « 5 » لا ) انه يجوز ( بيع كل قفيز منها بكذا ) بدون ان يكون مقدار المبيع معلوما ، حتى أنه لا يعلم هل باع قفيزا أو قفيزين أو أكثر ؟ لأنه مجهول ، وقد قالوا إنه لو قال : آجرتك الدار سنة كل شهر بدينار صح ، ولو قال : آجرتك كل شهر بدينار لم يصح ، لأنه لا يعلم كم شهرا آجرها .

ص: 139

والمجهولة كلها باطلة ، الا الثالث وهو بيع مقدار معلوم تشتمل الصبرة عليه ، ولو لم يعلم باشتمالها عليه .

فظاهر القواعد والمحكى عن حواشي الشهيد ، وغيرهما عدم الصحة واستحسنه في الروضة ، ثم قال : ولو قيل : بالاكتفاء بالظن باشتمالها عليه كان متجها .

والمحكى عن ظاهر الدروس واللمعة : الصحة ، قال فيها وان نقصت

_________________________

( و ) الصور الخمسة الأخرى وهي الصبرة ( المجهولة ) المقدار بأن لم يعلم هل انها عشرة أصوع أو أكثر أو أقل ؟ ( كلها باطلة ، الا الثالث وهو بيع مقدار معلوم ) كقفيز ( تشتمل الصبرة عليه ) إذ المبيع معلوم حينئذ فلا وجه للقول ببطلان البيع بالنسبة إليه ( ولو ) باع مقدارا ( لم يعلم باشتمالها ) اى الصبرة ( عليه ) كما لو باع عشرة أصوع ولم يعلم هل ان الصبرة تحتوى على عشرة أصوع ، أم لا ؟

( فظاهر القواعد والمحكى عن حواشي الشهيد ، وغيرهما عدم الصحة ) للجهالة ( واستحسنه ) اى عدم الصحة ( في الروضة ، ثم قال : ولو قيل : بالاكتفاء بالظن باشتمالها ) اى الصبرة و « باشتمال » متعلق ب « الظن » ( عليه ) اى على ذلك المقدار المبيع ( كان متجها ) لاعتبار الظن بالموضوعات عند العقلاء والشارع لم يردع عن ذلك .

( والمحكى عن ظاهر الدروس ، واللمعة : الصحة ، قال فيها ) اى في اللمعة ( وان نقصت ) الصبرة عن القدر المقرر بيعه ، كما لو

ص: 140

تخير بين اخذ الموجود منها بحصة الثمن ، وبين الفسخ لتبعض الصفقة .

وربما يحكى عن المبسوط والخلاف خلافه ، ولا يخلو عن قوة ، وان كان في تعيينه نظر لا لتدارك الغرر بالخيار لما عرفت - غير مرة - من أن الغرر انما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار

_________________________

اشتراها على أنها عشرة أصوع بعشرة دراهم ، فظهرت تسعة أصوع ( تخير ) المشترى ( بين اخذ الموجود منها ) وهي التسعة ( بحصة من الثمن ) نسبتها إلى أصل الثمن كنسبة السلعة الموجودة إلى السلعة التي قرروها عند البيع فيعطى تسعة دراهم في المثال ( وبين الفسخ لتبعض الصفقة ) فان أحد اقسام الخيار تبعض الصفقة .

( وربما يحكى عن المبسوط والخلاف خلافه ) وهو انه إذا لم يعلم باشتمال الصبرة على المقدار المقرر لم يصح البيع ( ولا يخلو ) عدم الصحة ( عن قوة ، وان كان في تعيينه ) اى البطلان ، والضمير راجع إلى « خلافه » ( نظر ) .

إذ : يحتمل ان يكون صحيحا ، والحاصل انا نقوى البطلان ، وان كنا نحتمل الصحة أيضا .

وانما نحتمل الصحة التي أشرنا إليها بقولنا « وان كان في تعيينه نظر » ( لا لتدارك الغرر بالخيار ) فان بعضا قالوا بالصحة واستدلوا لذلك بأنه لا محذور فيه الا الضرر والضرر يتدارك بالخيار .

وانما قلنا « لا لتدارك » ( لما عرفت - غير مرة - من أن الغرر انما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار ) اى يلزم ان نرى هل البيع

ص: 141

الّذي هو من احكام العقد ، فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد ، بل لمنع الغرر .

وان قيل عدم العلم بالوجود من أعظم افراد الغرر .

قلنا : نعم إذا بنى العقد على جعل الثمن في مقابل الموجود ، واما إذا بنى على توزيع الثمن على مجموع المبيع غير معلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا .

_________________________

بنفسه غررى أم لا ؟ اما رفع الغرر بالخيار فهو لا يستوجب ان يكون البيع غير غررى ( الّذي هو من احكام العقد ) المترتبة على العقد ( فلا يرتفع به ) اى بالخيار ( الغرر الحاصل عند العقد ) فان العقد يلزم أن يكون صحيحا حتى يأتي عليه الخيار فإذا كان العقد غرريا ، لم يكن صحيحا ، فلا خيار ، فلا يمكن ان تستند الصحة للعقد على الخيار ( بل لمنع الغرر ) فان الظن باشتمال الصبرة على المقدار المقرر كاف في ان لا يسمى غرريا عند العرف .

( وان قيل عدم العلم بالوجود ) اى بوجود المقدار المقرر كعشرة أصوع مثلا ( من أعظم افراد الغرر ) .

( قلنا : نعم ) انه غرر ( إذا بنى العقد على جعل الثمن ) كلا ( في مقابل ) المقدار ( الموجود ، واما إذا بنى على توزيع الثمن على مجموع المبيع غير معلوم الوجود بتمامه ) « غير » صفة « المبيع » وضمير « بتمامه » راجع إلى « المبيع » ( فلا غرر عرفا ) .

لكن الانصاف انه لو فتح هذا الباب لزم غضّ النظر عن بعض ما هو مسلم انه غرر .

ص: 142

وربما يحتمل الصحة مراعى يتبين اشتمالها عليه .

وفيه : ان الغرر ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال .

هذا ، ولكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة إلا مع العلم بالاشتمال ، أو الظن الّذي يتعارف الاعتماد عليه ، ولو كان من جهة استصحاب الاشتمال .

واما الرابع : مع الجهالة وهو بيعها كل قفيز بكذا ، فالمحكى عن جماعة المنع .

_________________________

( وربما يحتمل الصحة مراعى يتبين اشتمالها ) اى الصبرة ( عليه ) اى على المقدار المقرر ، فان كانت مشتملة صح البيع ، وإلا بطل .

( وفيه : ان الغرر ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال ) وان لم يثبت لم يضر تبين عدم الاشتمال .

( هذا ، ولكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة ) لأن الغرر يطلق على الجهالة ، وان لم توجب ضررا وخطرا ، ومثله موجود في المقام ( الا مع العلم بالاشتمال ) بأن يعلم أن الصبرة مشتمله على عشرة أصوع مثلا ( أو الظن الّذي يتعارف الاعتماد عليه ، ولو كان ) ذلك الظن ( من جهة استصحاب الاشتمال ) أو الظن العرفي بالمقدار ، لأنه حينئذ لا يسمى غررا عرفا .

( واما الرابع : مع الجهالة ) بالمقدار ( وهو بيعها ) اى الصبرة كلا ( كل قفيز بكذا ) في حال انه لا يعلم أنها عشرة أو تسعة مثلا ( فالمحكى عن جماعة المنع ) .

ص: 143

وعن ظاهر اطلاق المحكى عن عبارتى المبسوط والخلاف انه لو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، صح البيع .

قال في الخلاف : لأنه لا مانع منه ، والأصل جوازه ، وظاهر اطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال .

وعن الكفاية نفى البعد عنه ، إذ المبيع معلوم بالمشاهدة ، والثمن مما يمكن ان يعرف بأن يكال الصبرة ويوزع الثمن على قفزاتها .

قال وله نظائر

_________________________

( وعن ظاهر اطلاق المحكى عن عبارتى المبسوط والخلاف انه لو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ) بأن كان البيع للجميع لكن بهذه الصورة ( صح البيع ) .

( قال في الخلاف : لأنه لا مانع منه ) اى من هذا البيع ( والأصل جوازه ) لأنه مشمول لأدلة : الوفاء بالعقود ، و : تجارة عن تراض ، وما أشبه ( وظاهر اطلاقه ) الجواز ( يعم صورة الجهل بالاشتمال ) بأن لم يعلم كم أصوع القفيز .

( وعن الكفاية نفى البعد عنه ) اى قال لا يبعد جوازه ( إذ المبيع معلوم بالمشاهدة ، والثمن مما يمكن ان يعرف بأن يكال الصبرة ويوزع الثمن على قفزاتها ) فإذا كانت القفزان عشرة كان الثمن عشرة دراهم ، وان كانت تسعة كان الثمن تسعة دراهم .

( قال وله نظائر ) كما لو آجر الدار كل غرفة بدينار ، أو ساقى البستان كل نخلة بدرهم ، أو جعل لمن وجد عبيده كل عبد بعشرة دنانير

ص: 144

ذكر جملة منها في التذكرة ، وفيه نظر .

_________________________

( ذكر جملة منها في التذكرة ، و ) لكن ( فيه نظر ) لمنع كفاية المشاهدة في ما يكال أو يوزن أو يعد أو يذرع ، والمعرفة اللاحقة بالمقدار لا ترفع الغرر السابق ، واللّه العالم .

ص: 145

مسئلة إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها

فان اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين فلا يصح البيع ، الا بذكر صفات تصحح بيع الغائب ، لأن الرؤية القديمة غير نافعة وان اقتضت العادة بقائها عليها .

فلا اشكال في الصحة ولا خلاف أيضا الا من بعض الشافعية .

وان احتمل الأمر ان جاز الاعتماد على اصالة عدم

_________________________

( مسألة : إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها ) اى على ذلك العين - والمراد بالعين الشيء ، ولذا ارجع ضمير المذكر إليه - ( فان اقتضت العادة تغيرها ) اى العين ( عن صفاتها السابقة إلى غيرها المجهول ) ذلك التغير ( عند المتبايعين ) كما لو كانت شاة رآها قبل سنة ، فإنه من المعلوم ان الشاة تتغير في هذه المدة ، ربما إلى الكبر والسمن الزائد عن المقدار المحتمل ( فلا يصح البيع ، الا بذكر صفات تصحح ) تلك الصفات ذكرها ( بيع الغائب ، لأن الرؤية القديمة ) مع التغير ( غير نافعة ) للعلم ولرفع الجهالة ( وان اقتضت العادة بقائها ) اى العين ( عليها ) اى على تلك الصفات السابقة كما لو باع دارا أو كتابا شاهده قبل شهر مثلا .

( فلا اشكال في الصحة ولا خلاف أيضا الا من بعض الشافعية ) فان ذلك لا يعد غررا ، فيشمله دليل جواز البيع من غير معارض .

( وان احتمل الأمر ان ) التغير وعدمه ( جاز الاعتماد على اصالة عدم

ص: 146

التغير والبناء عليها في العقد ، فيكون نظير اخبار البائع بالكيل والوزن لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها ولو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة على خلافه .

فان بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول ، وهو ما اقتضى العادة تغيره لم يجز البيع ، وإلا جاز مع ذكر تلك الصفات ، لا بدونه ،

_________________________

التغير ) وهي أصل موضوعي ( والبناء عليها ) اى على هذه الاصالة ( في العقد ، فيكون ) الاعتماد على الأصل ( نظير اخبار البائع بالكيل والوزن ) فلا يكون البيع غررا ( لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها ) شرعا وعرفا ( ولو فرضناه ) اى الأصل ( في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة على خلافه ) .

كما لو كانت الدار المشاهدة سابقا على شاطئ البحر ، وقد زاد الماء بحيث علمنا أنه غير أكثر الدور ، الا ما شذّ .

( فان بلغت قوة الظن ) على خلاف الأصل ( حدّا يلحقه بالقسم الأول وهو ما اقتضى العادة تغيره ) .

فكما ان أصل عدم التغير لا يجرى مع مخالفة العادة ، كذلك لا يجرى مع وجود أمارة الخلاف ( لم يجز البيع ) لأنه غرر عرفا ( والا ) تبلغ قوة الظن إلى حد الجهالة الملحق له بالقسم الأول ( جاز ، مع ذكر تلك الصفات ) لبناء البيع عليها ( لا بدونه ) اى بدون ذكر الصفات .

والمراد بالذكر اللفظي أو البنائي ، وذلك مثل بناء المتبايعين على صحة المبيع ، وعدم كونه معيبا .

ص: 147

لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الّذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها .

بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا .

لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة .

وكيف كان : فإذا باع أو اشترى برؤية قديمة ، فانكشف التغيّر ، تخيّر المغبون وهو البائع ، ان تغير إلى صفات زادت في ماليته ،

و

_________________________

وانما يجوز بيعه مع الصفات ( لأنه لا ينقض عن الغائب الموصوف الّذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد ) ذلك الموصوف ، و « يشاهد » على صيغة المجهول ( عليها ) اى على تلك الصفات ، ففي المقام أولى لأنه شاهد سابقا .

( بل يمكن القول بالصحة ) للبيع ( في القسم الأول ) وهو ما اقتضى العادة تغيّره ، لكن الصحة مع ذكر الصفات ( إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا ) إذ يكون حينئذ من بيع المجهول

( لكن هذا ) الّذي ذكرناه من الظن بتغيّر الصفات ، أو ذكر الصفات أو ما أشبه ( كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة ) الّذي موضوعه عدم اعتياد تغيّر الصفات ، وعدم ذكر الصفات .

( وكيف كان : فإذا باع أو اشترى برؤية قديمة ، فانكشف التغيّر ، تخير المغبون ) في قبول البيع أو رفضه ( و ) المغبون ( هو البائع ، ان تغير إلى صفات زادت في ماليته ) كما لو صارت الشاة سمينة ( و ) تخير

ص: 148

المشترى ان نقصت عن تلك الصفات ، لقاعدة الضرر .

ولان الصفات المبنى عليها في حكم الصفات المشروطة فهي من قبيل تخلف الشرط كما أشار إليه في نهاية الاحكام ، والمسالك ، بقولهما الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئى ، فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط ، انتهى .

وتوهّم ان الشروط إذا لم تذكر في متن العقد ، لا عبرة بها فما نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد .

_________________________

( المشترى ان نقصت عن تلك الصفات ) كما لو صارت الشاة هزيلة .

وانما نقول بتخيّر المغبون ( لقاعدة الضرر ) فان لزوم البيع ضررى فقاعدة : لا ضرر ، رافعة للزوم .

( ولان الصفات المبنى عليها ) اى التي بنى البيع على تلك الصفات ( في حكم الصفات المشروطة ) في البيع ( فهي ) اى فالرؤية تخلفها ( من قبيل تخلف الشرط )

فكما ان تخلف الشرط يوجب الخيار ، كذلك تخلف الرؤية ( كما أشار إليه في نهاية الاحكام ، والمسالك ، بقولهما الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة ) تلك الصفات ( في المرئى ، فكل ما فات منها ) اى من تلك الصفات ( فهو بمثابة التخلف في الشرط ، انتهى ) كلامهما .

( وتوهم ان الشروط إذا لم تذكر في متن العقد ، لا عبرة بها ) اى بتلك الشروط ( فما نحن فيه ) من الاشتراء برؤية قديمة ثم وجدانه قد تغيرت صفاته ( من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد ) فلا يوجب

ص: 149

مدفوع بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد ، صيرورتها مأخوذة فيه ، حتى لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد والصفات المرئية سابقا حيث إن البيع لا يصح الا مبنيا عليها كانت دخولها في العقد أولى من دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية .

_________________________

تخلفها خيارا .

( مدفوع بأن الغرض من ذكر الشروط في ) متن ( العقد ، صيرورتها ) اى صيرورة الشروط ( مأخوذة فيه ) اى في العقد ( حتى لا يكون العمل بالعقد بدونها ) اى بدون تلك الشروط ( وفاء بالعقد ) لأن الشروط ، أصبحت كجزء العقد ، فإذا لم يوف بها كان العقد لم يوف به ( والصفات المرئية سابقا ) « سابقا » ظرف « للمرئية » ( حيث إن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها ) اى على تلك الصفات ( كانت دخولها في العقد أولى ) لأنها مع عدمها يبطل البيع ، اما الشرط فلا يبطل البيع بتخلفه ( من دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية ) .

اعلم أن الشرط في المعاملة التي يتعلق به الغرض على أربعة أقسام ، لأنه اما نوعي ، أو شخصي .

وكل منهما اما ان يذكر في العقد ، أم لا .

فالشرط النوعي إذا تخلف بطل العقد سواء كان مذكورا في العقد ، أم لا .

والشرط الشخصي ان ذكر وتخلف كان من باب خيار الشرط ، وان لم يذكر كان من باب تخلف الداعي ، وذلك يوجب بطلانا ، لا خيارا .

ص: 150

ولذا لو لم يبن البيع عليها ولم يلاحظ وجودها في البيع ، كان البيع باطلا .

فالذكر اللفظي انما يحتاج إليه في شروط خارجة ، لا يجب ملاحظتها في العقد .

واحتمل في نهاية الأحكام : البطلان .

ولعله لأن المضي على البيع ، وعدم نقضه عند تبين الخلاف ان كان وفاء بالعقد ، وجب ، فلا خيار .

وان لم يكن وفاء لم يدل دليل على جوازه .

_________________________

( ولذا ) الّذي ذكر من أن دخولها في العقد أولى ( لو لم يبن البيع عليها ) بل اشترى عين الغائبة بدون علم بصفاتها ، وبدون بناء على الرؤية السابقة ( ولم يلاحظ وجودها في البيع ، كان البيع باطلا ) لأنه من باب بيع المجهول ومن باب الغرر .

( فالذكر اللفظي ) للشرط ( انما يحتاج إليه في شروط خارجة ، لا يجب ملاحظتها في العقد ) كاشتراط ان يخيط البائع ثوب المشترى مثلا .

( واحتمل في نهاية الأحكام : البطلان ) فيما إذا اشترى برؤية قديمة ، ثم ظهر التغير ، في مقابل ما تقدم من القول بالخيار .

( ولعله ) اى البطلان ( لأن المضي على البيع ، وعدم نقضه عند تبين الخلاف ) بتغير الصفة القديمة المرئية ( ان كان وفاء بالعقد ، وجب ) العقد ( فلا خيار ) لدليل : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

( وان لم يكن وفاء ) لأن المقصود غير المبيع ( لم يدل دليل على جوازه )

ص: 151

وبعبارة أخرى : العقد إذا وقع على الشيء الموصوف انتفى متعلقه بانتفاء صفته ، والا فلا وجه للخيار مع اصالة اللزوم .

ويضعفه : ان الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع ، اما ببناء العقد عليها واما بذكرها في متن العقد لا يعد من مقومات للعقد كما انها ليست من مقومات المبيع ففواتها فوات حق للمشترى ، ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه .

_________________________

اى جواز ونفوذ هذا العقد ، فاللازم القول بالبطلان .

( وبعبارة أخرى ) لوجه البطلان ( العقد إذا وقع على الشيء الموصوف ) بالصفة المرئية سابقا ( انتفى متعلقه ) اى متعلق العقد ( بانتفاء صفته ) اى صفة المتعلق ، كما أنه إذا اشترى العبد المقيد بكونه كاتبا ، فظهر انه ليس بكاتب ، فان العبد غير الكاتب ليس متعلقا للعقد ( والا ) ينتفى المتعلق ( فلا وجه للخيار مع اصالة اللزوم ) في العقد بدليل :

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، والحاصل : ان العقد بين لازم وباطل ، فلا وجه للخيار .

( ويضعفه : ان الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع ) لا الأوصاف الداخلة ، كما لو باع الحيوان بشرط كونه ناطقا ، أو بوصف كونه ناطقا ( إذا اعتبرت فيه ) اى في المبيع ( عند البيع ، اما ببناء العقد عليها ) وان لم تذكر عند البيع ( واما بذكرها في متن العقد لا يعد من مقومات للعقد ) مثل الايجاب والقبول حتى أن تخلفها يوجب البطلان ( كما انها ليست من مقومات المبيع ) كناطقية الحيوان ( ففواتها ) اى تلك الأوصاف ( فوات حق للمشترى ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم ) المشترى ( عليه ) فلا يتم

ص: 152

وتمام الكلام في باب الخيارات إن شاء اللّه تعالى .

فرعان :

الأول لو اختلفا في التغيير ، فادعاه المشترى

ففي المبسوط والتذكرة ، والايضاح ، والدروس ، وجامع المقاصد ، والمسالك تقديم قول المشترى ، لأن يده على الثمن كما في الدروس وهو راجع إلى ما في المبسوط ، والسرائر من : ان المشترى هو الّذي ينتزع منه الثمن ولا ينتزع منه الا باقراره ، أو ببينته تقوم عليه ،

_________________________

كلام القائل اما ان البيع لازم ، واما ان البيع باطل .

( وتمام الكلام في باب الخيارات إن شاء اللّه تعالى ) وانه كيف يحدث الخيار .

وحاصله : ان لزوم البيع ضررى ، فدليل : لا ضرر ، يرفع اللزوم ، لا أصل البيع حتى يكون باطلا .

( فرعان : الأول لو ) اشترى شيئا بروية سابقة ، ثم ( اختلفا في التغيير فادعاه المشترى ) وأنكره البائع ( ففي المبسوط ، والتذكرة ، والايضاح ، والدروس ، وجامع المقاصد ، والمسالك تقديم قول المشترى ) فله الحق في الفسخ ( لأن يده على الثمن ) فالأصل ان له الحق في ان لا يدفع الثمن .

والحاصل : انه يشك في انه هل وجب عليه اعطاء الثمن أم لا ؟

فالأصل عدم وجوب الاعطاء ( كما في الدروس ) الاستدلال بهذا الدليل ( وهو راجع إلى ما في المبسوط ، والسرائر من : ان المشترى هو الّذي ينتزع منه الثمن ولا ينتزع منه الا باقراره ، أو ببينته تقوم عليه ) ولا اقرار ولا بينة ، إذ لو جاء البائع ببينته لعدم التغير ، أو اعترف نفس المشترى

ص: 153

انتهى .

وتبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه برؤية ، حيث تمسك باصالة براءة ذمة المشتري من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يقربه ، أو يثبت بالبينة .

ولأن البائع يدعى علمه بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به ، والأصل عدمه كما في التذكرة ، ولأن الأصل عدم وصول حقه إليه كما في

_________________________

بأنه لم يتغير ، كان لازما عليه اعطاء الثمن .

اما حيث لا يوجد ان فله الحق في عدم اعطاء الثمن ( انتهى ) .

( وتبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف ) بين البائع والمشترى ( في أوصاف المبيع الموصوف ) الّذي وصفه البائع ( إذا لم يسبقه برؤية ) بأن اشترى المشترى شيئا يذكر البائع أوصافه بدون ان يراه قبل ذلك ( حيث تمسك ) العلامة لخيار المشترى ( باصالة براءة ذمة المشتري من الثمن ، فلا يلزمه ) اعطاء الثمن ( ما لم يقربه ، أو يثبت بالبينة ) ومعنى البراءة الالزام لا أصل الاعطاء ، لأن المفروض ان له الخيار ، ومع الخيار لا الزام ، وان صح ان لا يلزم ولكن يجوز الاعطاء .

( ولأن البائع يدعى علمه ) اى المشترى ( بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به ) اى ان المشترى راض بهذا الوصف ( والأصل عدمه ) اى عدم علم المشترى بهذا الوصف وعدم الرضا به ( كما في التذكرة ) الاستدلال بهذا الأصل .

( ولأن الأصل عدم وصول حقه ) اى المشترى ( إليه كما في

ص: 154

جامع المقاصد .

ويمكن ان يضعف الأول بأن يد المشترى على الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد أمانة .

غاية الأمر انه يدعى سلطنته على الفسخ ، فلا ينفع تشبثه باليد .

الا ان يقال : ان وجود الناقل لا يكفى في سلطنة البائع على الثمن بناء على ما ذكره العلامة في احكام الخيار من التذكرة ولم ينسب خلافه الا إلى بعض الشافعية - من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار ، وان تسلّم الآخر .

_________________________

جامع المقاصد ) هذا غاية ما استدل لخيار المشترى إذا لم تكن للبائع بيّنة .

( ويمكن ان يضعف الأول ) وهو ان المشترى هو الّذي ينتزع منه الثمن ( بأن يد المشترى على الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح ) إذ لا يدعى المشترى بطلان الناقل ( يد أمانة ) فاللازم ان يعطى الثمن .

( غاية الأمر انه يدعى سلطنته ) اى سلطنة المشترى ( على الفسخ ، فلا ينفع ) في دعواه سلطنته على الفسخ ( تشبثه باليد ) إذ اليد لا تثبت الفسخ .

( الا ان يقال : ان وجود الناقل ) للثمن وهو العقد ( لا يكفى في سلطنة البائع على الثمن ) .

وانما لا يكفى ( - بناء على ما ذكره العلامة في احكام الخيار من التذكرة ولم ينسب خلافه ) اى خلاف ما ذكره ( الا إلى بعض الشافعية - من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار ، وان تسلّم الآخر ) .

ص: 155

وحينئذ فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع على اخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه الا اصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجيء .

والثاني : مع معارضته باصالة عدم علم المشترى بالمبيع على وصف آخر حتى يكون حقا له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشترى بهذا الوصف .

_________________________

فمثلا إذ اسلم البائع الحيوان إلى المشترى لم يجب على المشترى تسليم الثمن إلى البائع في الثلاثة أيام التي للمشترى الخيار فيها .

( وحينئذ ) اى حين كان لم يجب التسليم في مدة الخيار ( فالشك في ثبوت الخيار ) للمشترى المدعى تغير المبيع ( يوجب الشك في سلطنة البائع على اخذ الثمن ) .

وعلى هذا : ( فلا مدفع لهذا الوجه ) الدال على أنه يحق للمشترى عدم تسليم الثمن ( الا اصالة عدم سبب الخيار لو تم ) هذا الأصل ( كما سيجيء ) .

( و ) يضعف ( الثاني ) وهو اصالة عدم علم المشترى بهذه الأوصاف ( مع معارضته باصالة عدم علم المشترى بالمبيع على وصف آخر ) .

مثلا : البائع يقول : انك تعلم أن الشاة كانت مهزولة ، والمشترى يقول انى كنت اعلم أنها سمينة فاصالة عدم علم المشترى بالسمنة معارض باصالة عدم علم المشترى بالهزال ( حتى يكون ) العلم بوصف آخر ( حقا له يوجب الخيار ) لأنه إذا كان المشترى يعلم بوصف آخر « غير الوصف الموجود الآن » كان ذلك موجبا لحقه في الخيار ( بأن الشك في علم المشترى بهذا

ص: 156

الوصف .

وعلمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفى غيره بالأصل الّذي يرجع إليه اصالة عدم تغير المبيع لم يجر اصالة عدم علمه بهذا الوصف .

والثالث

_________________________

الوصف ) الموجود الآن ، كالهزال في المثال .

( و ) ادعاء ( علمه بغيره ) اى غير هذا الوصف ( مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا ) .

فمثلا الشك في علم المشترى بهزالها السابق تابع للشك في الهزال سابقا ، لأنه إذا لم تكن مهزولة سابقا لم يعقل ان يكون المشترى عالما بأنها مهزولة ، إذ العلم فرع المعلوم ( فإذا انتفى غيره ) أو غير هذا الوصف الموجود حالا - والمفروض ان الوصف الموجود حالا الهزال - ( بالأصل ) لأصالة عدم السمن سابقا ( الّذي يرجع إليه ) اى إلى هذا الأصل ( اصالة عدم تغير المبيع ) .

فان اصالة عدم تغيير المبيع ناشئة عن اصالة عدم وجود وصف في السابق يخالف هذا الوصف الموجود حالا ( لم يجر اصالة عدم علمه ) اى المشترى ( بهذا الوصف ) الموجود حالا « وهو وصف الهزال » .

وان شئت قلت : ان اصالة عدم التغيير مقدم على سائر الأصول ، فإذا تحقق الموضوع وجب عليه اعطاء الثمن .

( و ) يضعف ( الثالث ) وهو اصالة عدم وصول حق المشترى إليه

ص: 157

بأن حق المشترى من نفس العين قد وصل إليه قطعا ، ولذا يجوز له امضاء العقد .

وثبوت حق له من حيث الوصف المفقود ، غير ثابت فعليه الاثبات .

والمرجع اصالة لزوم العقد .

ولأجل ما ذكرنا قوى بعض تقديم قول البائع ، هذا .

ويمكن بناء المسألة على أن بناء المتبايعين حين العقد على

_________________________

( بأن حق المشترى من نفس العين قد وصل إليه قطعا ، ولذا ) الّذي وصل حقه إليه ( يجوز له امضاء العقد ) فإنه لو لم يصل إليه حقه لم يجز له امضاء العقد ، إذ لا يمكن امضاء عدم الواصل .

( وثبوت حق له ) اى للمشترى ( من حيث الوصف المفقود ) بأن يقال إن الوصف مفقود ، فللمشتري حق على البائع حيث لم يسلم إليه ماله ( غير ثابت ) ان للمشترى حقا إذا لم يعلم التغير ( فعليه ) اى للمشترى ( الاثبات ) في ان له هذا الحق .

( و ) لدى الشك في انه هل وصل حقه أم لا ؟ ( المرجع اصالة لزوم العقد ) فإنه كلما شك في ان العقد لازم أو لا ، كان المرجع اللزوم ، لقوله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا ما خرج بالدليل .

( ولأجل ما ذكرنا ) من الأدلة الدالة على عدم استقامة قول المشترى ( قوى بعض تقديم قول البائع هذا ) تمام الكلام حول أدلة الجانبين .

( ويمكن بناء المسألة ) مسألة حصول التغير في المبيع عما شاهده المشترى عليه ، أم لا ( على أن بناء المتبايعين حين العقد على

ص: 158

الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ، هل هو كاشتراطها في العقد ، فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية والمسالك .

ولهذا لا يحصل من فقدها الأخيار لمن اشترطت له ، ولا يلزم بطلان العقد ، أو انها مأخوذة في نفس المعقود عليه ، بحيث يكون المعقود عليه هو الشيء المقيد .

ولذا لا يجوز الغائها في المعقود عليه

_________________________

الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ) بنائها على تلك الأوصاف ( هل هو ) اى البناء ( كاشتراطها ) اى اشتراط تلك الأوصاف ( في العقد ) فكأنه قال اشترى منك الشاة المشروطة بكونها سمينة ( فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين ) كشرط السلامة ( كما عرفت عن النهاية والمسالك ) .

( ولهذا ) اى لكونها كالشروط المضمرة ( لا يحصل من فقدها ) اى فقد هذه الشروط ( الأخيار لمن اشترطت له ، ولا يلزم ) من فقدها ( بطلان العقد ) لأن الشرط كما حقق في محله التزام في التزام ، فإذا فقد الالتزام بالشرط ، لا يلزم فقدان الالتزام بأصل العقد ( أو انها ) اى الشروط ( مأخوذة في نفس المعقود عليه ، بحيث يكون المعقود عليه هو الشيء المقيد ) فلم يشتر المشترى الشاة بشرط السمن ، وانما اشترى الشاة السمينة ، فيكون السمن من قبيل الناطق فيما لو اشترى الحيوان الناطق حيث إنه لو تبين غير ناطق بطل العقد .

( ولذا ) الّذي هو قيد ، وليس شرطا ( لا يجوز الغائها ) اى الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ( في المعقود عليه ) إذ معنى الالغاء

ص: 159

كما يجوز الغاء غيرها من الشروط .

فعلى الأول يرجع النزاع في التغير وعدمه ، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه والأصل مع البائع .

وبعبارة أخرى : النزاع في ان العقد وقع على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود ، أم لا .

لكن الانصاف ان هذا البناء

_________________________

الجهالة .

ومن المعلوم ان الجهالة بالمبيع توجب بطلان البيع ( كما يجوز الغاء غيرها ) اى غير الأوصاف الملحوظة لدى المشاهدة ( من الشروط ) كما لو شرط ان يكون العبد كاتبا ثم الغى هذا الشرط .

( فعلى الأول ) وهي ان الأوصاف كالشروط ( يرجع النزاع ) بين المشترى المدعى للتغير ، والبائع المنكر له ( في التغير وعدمه ، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه ) « على » متعلق ب « الاشتراط » .

اى هل اشترط المشترى « السمنة » خلاف « الهزال » الموجود في الشاة الآن - مثلا - أم لم يشترط ( والأصل مع البائع ) لأن الأصل عدم الشرط .

( وبعبارة أخرى : النزاع وقع في ان العقد وقع على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود ) كالسنة ( أم لا ) ومن المعلوم ان الأصل عدم خصوصية لحاظ الوصف .

( لكن الانصاف ان هذا البناء ) من المتبايعين على الأوصاف

ص: 160

في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار .

لكنه ليس شيئا مستقلا حتى يدفع عند الشك بالأصل ، بل المراد به ايقاع العقد على العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف ، وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه متصفا بذلك الوصف ، فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه ، نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد ، فحينئذ يرجع النزاع إلى وقوع

_________________________

المشاهدة سابقا ( في حكم الاشتراط ) لا في حكم القيد الموجب لبطلان العقد إذا لم يكن القيد ( من حيث ثبوت الخيار ) فإذا لم توجد الأوصاف كان للمشترى الخيار في الفسخ والامضاء .

( لكنه ) اى هذا البناء ( ليس شيئا مستقلا حتى يدفع عند الشك ) في انه هل بنى أم لا ؟ ( بالأصل ) اى باصالة عدم البناء ( بل المراد به ) اى بهذا البناء ( ايقاع العقد على العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف ) المفقود .

فالبناء قيد يوجب عدمه البطلان ، لا انه شرط يوجب عدمه الخيار ، ( وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه ) اى المبيع ( متصفا بذلك الوصف ) كالسمنة في المثال ، حتى يكون من قبيل التزام في التزام ، وبفقد أحد الالتزامين يبقى الالتزام الآخر ( فهو ) اى البناء ( قيد ملحوظ في المعقود عليه ، نظير الاجزاء ) حيث إن انتفاء الجزء عبارة أخرى عن انتفاء المقدم الموجب للبطلان ( لا شرط ملزم في العقد ، فحينئذ ) اى حين كان الوصف قيدا كالجزء لا شرطا ( يرجع النزاع ) بين المشترى المدعى والبائع المنكر ( إلى وقوع

ص: 161

العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود حتى يلزم الوفاء وعدمه ، والأصل عدمه .

ودعوى معارضته ، باصالة عدم وقوع العقد على العين المقيدة بالوصف المفقود ، ليثبت الجواز .

مدفوعة بان عدم وقوع العقد على العين المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع الا بعد اثبات وقوع العقد على العين غير المقيدة ، باصالة عدم وقوع العقد على المقيدة .

_________________________

العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ) الشاة الهزيلة ( حتى يلزم الوفاء وعدمه ) اى ان العقد لم يقع على الشيء الموجود ( والأصل عدمه ) اى عدم وقوع العقد على الشيء الموجود ، لأن انطباق العقد على هذا الشيء الموجود مسبوق بالعدم .

( ودعوى معارضته ) اى معارضة أصل عدم وقوع العقد على الشيء الموجود ( باصالة عدم وقوع العقد على العين المقيدة بالوصف المفقود ) « فالأصل عدم وقوع العقد على الهزيل » « والأصل عدم وقوع العقد على الشاة المقيدة بالسمنة » فيتساقط الأصلان ويرجع إلى دليل : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( ليثبت الجواز ) والنفوذ لهذا العقد .

( مدفوعة بان عدم وقوع العقد على العين المقيدة ) .

هذا الأصل غير تام ، فلا يتمكن ان يتعارض مع أصل عدم وقوع العقد على الهزيل ( لا يثبت جواز العقد الواقع ) ونفوذه ( الا بعد اثبات وقوع العقد على العين غير المقيدة ، ب ) سبب ( باصالة عدم وقوع العقد على المقيدة )

ص: 162

وهو غير جائز ، كما حقق في الأصول .

وعلى الثاني : يرجع النزاع إلى رجوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ، بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه ، والأصل مع المشترى .

ودعوى معارضته باصالة عدم وقوع العقد

_________________________

« باصالة » متعلق ب « اثبات » ( وهو ) اثبات « عدم العقد على السمين » ل « وقوع العقد على الهزيل » ( غير جائز ، كما حقق في الأصول ) لأنه أصل مثبت فان الأصول انما تثبت آثارها الشرعية لا الآثار العقلية والعادية .

ومن المعلوم ان عدم الوقوع على السمين لازمه غير الشرعي الوقوع على الهزيل ، لا لازمه الشرعي ، فإذا كان الأصل غير تام لا يتمكن ان يعارض الأصل التام كما لا يخفى .

( وعلى الثاني ) وهو ان الشروط مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشيء المقيد ( يرجع النزاع ) في التغيير وعدمه ( إلى رجوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ) كمطلق الشاة ( بحيث يشمل ) العقد ( الموصوف بهذا الوصف الموجود ) كالهزال ( وعدمه ) اى عدم رجوع العقد على الشيء المطلق ، فالمشترى يدعى عدم الرجوع إلى الشيء المطلق بل المقيد بالسمنة ، والبائع يدعى رجوع العقد على الشيء المطلق ( والأصل مع المشترى ) لأن المشترى ينكر الاطلاق ، والأصل عدم الاطلاق في متعلق العقد .

( ودعوى معارضته ) اى أصل عدم الاطلاق ( باصالة عدم وقوع العقد

ص: 163

على الشيء الموصوف بالصفة المفقودة .

مدفوعة : بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك ، تعلقه بهذا حتى يلزم على المشترى الوفاء به فالزام المشترى بالوفاء بالعقد موقوف على ثبوت تعلق العقد بهذا ، وهو غير ثابت ، والأصل عدمه .

وقد تقرر في الأصول ان نفى أحد الضدين بالأصل ، لا يثبت الضد الآخر ليترتب

_________________________

على الشيء الموصوف بالصفة المفقودة ) كالسمينة - في المثال - .

( مدفوعة : بأنه لا يلزم من عدم تعلقه ) اى العقد ( بذاك ) اى بالمقيد بالسمنة ( تعلقه ) اى العقد ( بهذا ) اى بالموجود ، كالهزيل ، لما تقدم من أن نفى أحد الضدين لا يثبت الضد الآخر .

فاصالة عدم الليل لا يثبت النهار .

واصالة عدم اللحية لا يثبت الامردية ( حتى يلزم على المشترى الوفاء به ) اى بهذا العقد المتعلق بالمطلق .

والحاصل : « اصالة عدم تعلق العقد بالسمين » لا اثر شرعي له حتى يجرى فلا يجرى ، وإذا لم يجر كان أصل عدم اطلاق متعلق العقد محكما ، وهو أصل في جانب المشترى ( فالزام المشترى بالوفاء بالعقد موقوف على ثبوت تعلق العقد بهذا ) الموجود حالا ( وهو ) اى تعلق العقد بهذا الموجود ( غير ثابت ) للشك في انه هل تعلق العقد بهذا الموجود أو تعلق بشيء آخر ( والأصل عدمه ) اى عدم التعلق بهذا الموجود .

( وقد تقرر في الأصول ان نفى أحد الضدين بالأصل ، لا يثبت الضد الآخر ليترتب

ص: 164

عليه حكمه .

وبما ذكرنا يظهر فساد التمسك باصالة اللزوم حيث إن المبيع ملك المشتري ، والثمن ملك البائع اتفاقا .

وانما اختلافهما في تسلط المشترى على الفسخ فينفى بما تقدم من قاعدة اللزوم .

توضيح الفساد

_________________________

عليه حكمه ) اى حكم الضد الآخر .

مثلا : إذا ترتب عليه النهار وجوب الصيام ، وشككنا في انه هل الآن ليل أو نهار ، فاصالة عدم الليل لا تثبت وجود النهار ، ليترتب عليه وجوب الصيام .

( وبما ذكرنا ) من عدم جريان الأصل لأنه مثبت ( يظهر فساد التمسك ) لاثبات العقد ( باصالة اللزوم ) فان الأصل في العقود ، اللزوم ( حيث إن المبيع ملك المشتري ، والثمن ملك البائع اتفاقا ) حيث إن العقد إذا جرى اقتضى ذلك .

( وانما اختلافهما ) اى البائع والمشترى ( في تسلط المشترى على الفسخ ) فان المشترى يدعى ان له حق الفسخ حيث تغير المبيع عما شاهده عليه سابقا ، والبائع ينكر ذلك ( فينفى ) تمكن المشترى على الفسخ ( بما تقدم من قاعدة اللزوم ) .

( توضيح الفساد ) لهذا التمسك ، ان أصل اللزوم مسببى عن أصل تعلق العقد بهذا الموجود ، والأصل المسببى لا يجرى ما دام يجرى

ص: 165

ان الشك في اللزوم وعدمه من حيث الشك في متعلق العقد .

فانا نقول : الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتى يثبت اللزوم وهو وارد على اصالة اللزوم .

والحاصل : ان هنا امرين

_________________________

الأصل السببى .

مثلا : إذا شككنا في ان اليد النجسة التي غمست في الماء المشكوك الكرية الّذي كان سابقا كرا ، هل طهرت ، أم لا ؟ فإنه لا يجرى أصل بقاء النجاسة في اليد بعد جريان أصل كرية الماء ، لأن الشك في بقاء النجاسة مسبب عن الشك في بقاء الكرية .

فإذا جرى أصل بقاء الكرية لم يبق وجه الشك في نجاسة اليد ، وفي المقام هكذا .

ف ( ان الشك في اللزوم وعدمه ) مسببى ، لأنه ( من حيث الشك في متعلق العقد ) وان العقد هل تعلق بهذا الموجود ، أو تعلق بشاة سمينة .

( فانا نقول : الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتى يثبت اللزوم ) فان اللزوم فرع التعلق بهذا الموجود ( وهو ) اى أصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود ( وارد على اصالة اللزوم ) لان أصل اللزوم مسبب ، والأصل السببى دائما وارد على الأصل المسببى .

( والحاصل : ان هنا امرين ) يمكن اجراء الأصل فيهما ، لكن أحدهما : لا حالة سابقة له ، والثاني مثبت ، ومن المعلوم ان الأصل

ص: 166

أحدهما : عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود ، واخذه فيه وهذا الأصل ينفع في عدم الخيار ، لكنه غير جار ، لعدم الحالة السابقة .

والثاني : عدم وقوع العقد على الموصوف بذاك الوصف المفقود وهذا جار ، غير نافع نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من أصله فان اصالة عدم كريته نافعة غير جارية .

_________________________

انما يجرى إذا كانت له حالة سابقة ولم يكن مثبتا .

( أحدهما : عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف ، المفقود ، و ) عدم ( اخذه ) اى الوصف المفقود كالسمنة ( فيه ) اى في متعلق العقد ( وهذا الأصل ) لو جرى ( ينفع في عدم الخيار ) لأنه لو اخذ الوصف وفقد كان للمشترى الخيار ( لكنه غير جار ، لعدم الحالة السابقة ) لأنه لم يكن في وقت ، عقد بمتعلق بدون الوصف - قطعا - ثم شك في انه هل وصف أم لا ؟

( والثاني : عدم وقوع العقد على الموصوف بذلك الوصف المفقود ) كالسمنة في الشاة - مثلا - ( وهذا جار ، غير نافع )

وان شئت قلت : اصالة عدم الوصف لا حالة سابقة له ، واصالة عدم الموصوف له حالة سابقة ، لكنه مثبت .

وهذان الأصلان ( نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا ) خبر « كون » ( من أصله ) اى حين خلقته ( فان اصالة عدم كريته نافعة ) في عدم تطهير الشيء فيه ، لكنه ( غير جارية ) لأنه لا حالة سابقة له .

ص: 167

واصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة ، في ترتب آثار القلة على الماء المذكور فافهم واغتنم .

وبما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد

_________________________

( واصالة عدم وجود الكر ) بان يقال : لم يكن في هذا المكان كر سابقا ، فنشك في انه هل وجد فيه ، أم لا ؟ فالأصل عدم الوجود ، فهذه الاصالة ( جارية ) لكنها ( غير نافعة ، في ترتب آثار القلة على الماء المذكور ) لأنها مثبتة لأنكم تريدون ترتيب القلة على هذا الأصل ، والكرية والقلة ضدان لا يترتب أحدهما على عدم الآخر ليترتب على الضد الّذي يراد اثباته آثاره الشرعية ( فافهم واغتنم ) حيث إن الامر دقيق .

( وبما ذكرنا ) من تقديم اصالة عدم اللزوم على اصالة اللزوم ( يظهر ) انه لا مجال للتمسك بعمومات اللزوم ، مثل « لا تأكلوا أموالكم » .

وجه الظهور ان الأصل العملي يثبت موضوع المخصص للعام ، فهنا « عام يقول بلزوم العقد » و « خاص يقول بالخيار لمن لم يصل حقه إليه كاملا »

فإذا كان « الأصل عدم وصول الحق إلى المشترى » قدّم هذا الأصل على عموم الوفاء بالعقد مثلا : إذا قال المولى « أكرم العلماء الا الجهال » فإنه « باصالة جهالة زيد » يثبت موضوع المخصص فيقدم على عموم أكرم العلماء فيما لو شك في ان زيدا هل صار عالما ، أم لا ؟

وكيف كان فقد ظهر بما ذكرنا ( حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد ) فيما إذا شككنا هل كانت الشاة سمينة سابقا فللمشتري حق

ص: 168

الحاكمة على الأصول العملية المتقدمة ، مثل ما دل على حرمة : اكل المال الا أن تكون تجارة عن تراض ، وعموم : ولا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ، وعموم الناس مسلطون على أموالهم ، بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشترى على استرداد الثمن من البائع ، لأن المفروض صيرورته ملكا ، إذ لا يخفى عليك ان هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار

_________________________

الخيار ، لزوال الوصف ، أم لم تكن سمينة فلا حق له في الخيار ( الحاكمة ) تلك العمومات ( على الأصول العملية المتقدمة ) كأصل عدم وقوع العقد على الشاة الهزيلة .

وانما يقدم العام على الأصل ، لان الأصل أصيل حيث لا دليل .

فالعمومات ( مثل ما دل على حرمة : اكل المال الا أن تكون تجارة عن تراض ، وعموم : ولا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ، وعموم :

الناس مسلطون على أموالهم ) إلى غيرها من العمومات ( بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشترى على استرداد الثمن من البائع ) إذ الاسترداد ليس تجارة عن تراض ، والثمن أصبح مال البائع ، فلا يحل للمشترى والبائع مسلط على الثمن ( لأن المفروض صيرورته ) اى الثمن ( ملكا ) للبائع .

وانما قلنا : ظهر بطلان هذا التمسك ( إذ لا يخفى عليك ان هذه العمومات مخصصة ) - بصيغة المفعول - ( قد خرج عنها ) اى عن هذه العمومات ( بحكم أدلة الخيار ) الدالة على أنه إذا فات الوصف كان

ص: 169

المال الّذي لم يدفع عوضه الّذي وقع المعاوضة عليه إلى المشترى .

فإذا شك في ذلك ، فالأصل عدم دفع العوض ، وهذا هو الّذي تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه فان عدم وصول حقه إليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف .

فان قلت :

_________________________

للمشترى الخيار في ابطال العقد ( المال ) اى الثمن ( الّذي لم يدفع عوضه ) اى المثمن ، فالعوض ( الّذي وقع المعاوضة عليه ) لم يدفع ( إلى المشترى ) فإذا لم يدفع البائع المثمن إلى المشترى كان للمشترى الخيار في فسخ العقد واسترداد الثمن .

( فإذا شك في ذلك ) اى في انه هل دفع البائع المثمن أم لا ؟ - وذلك للشك في ان المثمن هل هو السمينة أم الهزيلة ؟ - ( فالأصل عدم دفع العوض ) اى عوض مال المشترى ، وهو المثمن ( وهذا ) الأصل ( هو الّذي تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه )

وانما يقدم هذا الأصل على عمومات اللزوم ، لان هذا الأصل يثبت موضوع المخصص ( فان ) أصل ( عدم وصول حقه ) اى المشترى ( إليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف ) فلا مجال للتمسك بعمومات اللزوم .

( فان قلت ) انكم قلتم : يجب الوفاء بالعقد ، الا إذا لم يدفع عوض مال المشترى إليه ، والأصل عدم دفع عوضه إليه ، فللمشتري الخيار ، وهذا غير تام ، فان الخارج من وجوب الوفاء الثمن الّذي لم ينطبق مثمنه على ما دفع إلى المشترى ، فإذا شككنا في هذا اى « الثمن الّذي الخ »

ص: 170

لا دليل على كون الخارج عن العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور بل نقول : قد خرج من تلك العمومات : المال الّذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق على المدفوع .

فإذا شك في ذلك ، فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة .

قلت :

_________________________

كان الأصل عدمه فالعمومات محكمة ، لأنه إذا شك في الخاص كان عموم العام محكّما .

والحاصل : انه ( لا دليل على كون الخارج عن العمومات المذكورة ) اى عمومات الوفاء بالعقد ( معنونا بالعنوان المذكور ) اى عنوان « ما إذا لم يدفع عوض مال المشترى إليه » حتى يجرى الأصل : لعدم وصول عوضه إليه ( بل نقول : قد خرج من تلك العمومات : المال الّذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق على المدفوع ) كالثمن الّذي وقع المعاوضة بينه وبين الشاة السمينة التي لا تنطبق على الهزيلة ، والتي دفعت إلى المشترى .

( فإذا شك في ذلك ) اى في كون الثمن وقع المعاوضة بينه وبين السمينة ( فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة ) فلا يحكم بالمستثنى ، ويحكم عمومات الوفاء بالعقد .

( قلت ) « كون المثمن موصوفا بصفة منطبقة على الشاة المسلّمة إلى المشترى » إذا شك فيه ، كان الأصل عدمه ، فإذا لم ينطبق المسلم على الموصوف ، كان للمشترى الخيار .

ص: 171

السبب في الخيار وسلطنة المشترى على فسخ العقد ، وعدم وجوب الوفاء به عليه ، هو عدم كون العين الخارجة منطبقة على ما وقع العقد عليه .

وبعبارة أخرى هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الّذي وقع العقد عليه إلى المشترى لا وقوع العقد على ما يطابق العين الخارجية كما أن السبب في لزوم العقد مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها إلى ملك المشتري .

_________________________

فان ( السبب في الخيار ) للمشترى ( وسلطنة المشترى على فسخ العقد وعدم وجوب الوفاء به ) اى بالعقد ( عليه ) اى على المشترى ( هو ) عائد إلى السبب ( عدم كون العين الخارجة ) كالشاة الهزيلة ( منطبقة على ما وقع العقد عليه ) كالشاة السمينة .

( وبعبارة أخرى ) السبب في الخيار ( هو عدم وفاء البائع بالعقد ) بان لم يف ( بدفع العنوان ) السمينة ( الّذي وقع العقد عليه ) اى على ذلك العنوان ( إلى المشترى ) متعلق ب « دفع » ( لا ) ان السبب الخيار ، هو ( وقوع العقد على ما يطابق العين الخارجية ) .

فسبب الخيار عدمي ، لا وجودي ( كما أن السبب في لزوم العقد ) وجودي ، وهو تحقق ( مقتضاه ) اى مقتضى العقد ( من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها ) اى على تلك الصفات ( إلى ملك المشتري )

وانما قال « كما » لبيان ان سبب اللزوم حيث كان وجوديا يكون سبب الخيار عدميا ولو كان سبب الخيار وجوديا لكان سبب اللزوم عدميا

ص: 172

والأصل موافق للأول ، ومخالف للثاني .

مثلا : إذا وقع العقد على العين على أنها سمينة ، فبانت مهزولة ، فالموجب للخيار هو انه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه وهو السمين لا وقوع العقد على السمين ، فان ذلك لا يقتضي الجواز .

وانما المقتضى للجواز عدم انطباق العين الخارجية على متعلق العقد .

ومن المعلوم : ان عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك .

_________________________

لان الخيار واللزوم مختلفان من حيث السبب .

فإذا كان سبب أحدهما عدميا دل على أن سبب الآخر وجودي .

وإذا كان سبب أحدهما وجوديا دل على أن سبب الآخر عدمي .

( والأصل موافق للأول ) وهو عدم كون وفاء البائع بالعقد ، ( ومخالف للثاني ) وهو وقوع العقد على ما لا يطابق .

( مثلا : إذا وقع العقد على العين على أنها سمينة ، فبانت مهزولة ، فالموجب للخيار هو انه لم ينتقل إليه ) اى إلى المشترى ( في الخارج ) في مقابل الانتقال في عالم العقد والالتزام ( ما عقد عليه ، وهو السمين لا ) ان السبب للخيار ( وقوع العقد على السمين ، فان ذلك ) وقوع العقد على السمين ( لا يقتضي ) الخيار اى ( الجواز ) للعقد - في مقابل اللزوم - .

( وانما المقتضى للجواز عدم انطباق العين الخارجية ) وهي الهزيلة ( على متعلق العقد ) وهي السمينة .

( ومن المعلوم : ان عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك ) إذ

ص: 173

فقد تحقق مما ذكرنا صحة ما تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه .

وكذا صحة ما في التذكرة من اصالة عدم التزام المشترى بتملك هذا الموجود ، حتى يجب الوفاء بما الزم .

نعم : ما في المبسوط ، والسرائر ، والدروس من اصالة بقاء يد المشترى على الثمن ، كأنه لا يناسب اصالة اللزوم ،

_________________________

الأصل عدم الحادث ، فان الحادث وجود ، وإذا شك فيه كان الأصل عدمه ، بخلاف الامر الوجودي فإنه لا أصل فيه الا الاستصحاب فيما كان في السابق موجودا .

( فقد تحقق مما ذكرنا ) صحة جريان بعض الأصول ، وعدم صحة جريان بعض الأصول الأخر .

مثل ( صحة ما تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه ) لأنه قبل تسلمه الهزيلة لم يصل حقّه إليه ، فإذا تسلم الهزيلة وشككنا في وصول حقه إليه ، فالأصل العدم .

( وكذا صحة ما في التذكرة من اصالة عدم التزام المشترى بتملك هذا ) الهزيل ( الموجود ، حتى يجب الوفاء بما الزم ) إذ انما يلزم الوفاء بما التزمه الانسان ، لا بأي شيء آخر .

( نعم : ما في المبسوط ، والسرائر ، والدروس من اصالة بقاء يد المشترى على الثمن ، كأنه لا يناسب اصالة اللزوم ) فيما لو شك في العقود ، فإنه لو شك في العقد كان أصل اللزوم محكما - كما حقق في محله - وإذا

ص: 174

بل يناسب اصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد ، كما يظهر من المختلف في باب السبق والرماية ، وسيأتي تحقيق الحال في باب الخيار .

واما دعوى : وورود اصالة عدم تغيّر المبيع على الأصول المذكورة لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغيّر المبيع .

_________________________

تحقق اللزوم بالأصل فلا وجه لأصالة بقاء يد المشترى على الثمن ، لان أصل اللزوم حاكم على أصل بقاء يد المشترى ( بل يناسب اصالة الجواز )

اى لو قلنا : انه لو شك في العقد كان مقتضى القاعدة اصالة الجواز كان يتفرع على هذا الأصل اصالة بقاء يد المشترى على الثمن .

لكنا لا نقول باصالة الجواز ( عند الشك في لزوم العقد ) بل نقول باصالة اللزوم ، لقوله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، وغيره فكل عقد شك في انه لازم أو جائز ، نقول بأنه لازم حتى يدل دليل خارجي على أنه جائز نقول بأنه لازم حتى يدل دليل خارجي على أنه جائز ( كما يظهر ) ان الأصل الجواز - خلافا لما ذكرنا - ( من المختلف في باب السبق والرماية وسيأتي تحقيق الحال ) في ان الأصل في العقود اللزوم أو الجواز ( في باب الخيار ) إن شاء الله تعالى .

( واما دعوى : وورود اصالة عدم تغيّر المبيع على الأصول المذكورة ) اى سواء كانت الأصول الدالة على لزوم البيع ، أو الأصول الدالة على جوازه ( لأن الشك فيها ) اى في تلك الأصول ( مسبب عن الشك في تغيّر المبيع ) .

إذ لو جرى أصل عدم التغيير لم يكن مجال ، لا لأصل اللزوم ولا

ص: 175

فهي مدفوعة مضافا إلى منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمان المشاهدة ، كما إذا علم بكونها سمينة وانها صارت مهزولة ولا يعلم أنها في زمان المشاهدة كانت باقية على السمن أو لا فحينئذ مقتضى الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة ،

_________________________

لأصل الجواز ، فان الشك في ان البيع لازم ، أم لا ، ناش من الشك في ان المبيع تغير عما شوهد عليه سابقا أم لا .

ومن المعلوم : انه لو جرى الأصل في السبب لم يكن مجال لجريان الأصل في المسبب ، سواء كان أصلا موافقا للأصل السببى أو مخالفا له كما حقق في الأصول .

( فهي مدفوعة ) ووجه الدفع ما يأتي بعد أسطر بقوله : « ان مرجع اصالة الخ » ( مضافا إلى منع جريانه ) اى جريان أصل عدم تغيّر المبيع ( فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف ) البائع والمشترى ( في زمان المشاهدة ) كما لو كانت سمينة يوم الجمعة ، وكان يوم المشاهدة يوم السبت ، وكان يوم البيع الاحد ( كما إذا علم بكونها سمينة ) في الجمعة ( وانها صارت مهزولة ) قطعا - كما في الحال - ( ولا يعلم أنها في زمان المشاهدة ) يوم السبت هل انها ( كانت باقية على السمن ) حتى يكون العقد وقع على السمين ( أولا ؟ ) حتى يكون العقد وقع على المهزول ، فلا يكون للمشترى حق .

( فحينئذ مقتضى الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة ) كما في كل حادثين نعلم تاريخ أحدهما ، ولا نعلم تأريخ الآخر ، فان الأصل تأخر

ص: 176

فالأصل تأخّر التغيّر ، لا عدمه الموجب للزوم العقد ان مرجع اصالة عدم تغيّر المبيع إلى عدم كونها حين المشاهدة سمينة .

ومن المعلوم : ان هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد ، نظير اصالة عدم وقوع العقد على السمين .

نعم لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة وتعلق العقد بالمهزول

_________________________

مجهول التاريخ ، فإنه يستصحب عدم الهزال عن المشاهدة « التي كانت يوم السبت » .

( فالأصل تأخّر التغيّر ، لا عدمه ) اى عدم التغيير ( الموجب ) أصل عدم التغيير ( للزوم العقد ) بالإضافة إلى هذا الاشكال ( ان مرجع اصالة عدم تغيّر المبيع إلى عدم كونها ) اى الشاة ( حين المشاهدة سمينة ) لأن الشك في التغيير ناش عن الشك في السمن حال المشاهدة فإذا لم يكن سمن لم يكن تغيير ، وإذا كان سمن كان تغييرا .

( ومن المعلوم : ان هذا ) عدم كونها حين المشاهدة سمينة ( بنفسه لا يوجب لزوم العقد ) لأنه مثبت ، إذ لازم عدم السمن حال العقد وقوع العقد على الهزيل ، ومن المعلوم ان الأصل لا يثبت اللوازم العقلية ، والعرفية ( نظير اصالة عدم وقوع العقد على السمين ) فان هذا الأصل لا يثبت وقوع العقد على الهزيل الموجب للزوم العقد .

( نعم لو ثبت بذلك الأصل ) اى بأصل « عدم وقوع العقد على السمين » أو أصل « عدم كونها حين المشاهدة سمينة » ( هزالها عند المشاهدة وتعلق العقد ) « تعلق » عطف على « هزالها » ( بالمهزول ،

ص: 177

ثبت لزوم العقد .

ولكن الأصول العدمية في مجاريها لا يثبت وجود اضدادها .

هذا كله مع دعوى المشترى النقص الموجب للخيار .

ولو ادعى البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع ، فمقتضى ما ذكرنا في طرف المشترى تقديم قول البائع ، لان الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود حتى يجب عليه الوفاء به .

_________________________

ثبت لزوم العقد ) لان البائع سلّم إلى المشترى ما وقع العقد عليه .

( ولكن الأصول العدمية في مجاريها ) اى كان المجرى عدميا كأصل عدم السمن - فيما نحن فيه - ( لا يثبت وجود اضدادها ) كالهزال في المقام - .

( هذا كله ) إذا كان التغيير المختلف ، فيه ( مع دعوى المشترى النقص الموجب للخيار ) بان ادعى انها كانت حين المشاهدة سمينة ، والا هي هزيلة .

( ولو ادعى البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع ) كما لو ادعى انها كانت هزيلة عند المشاهدة والآن صارت سمينة ( فمقتضى ما ذكرنا في طرف المشترى ) اى اصالة عدم وقوع العقد على الهزيل الموجود الآن حتى يلزم على المشترى الوفاء به ( تقديم قول البائع ، لان الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود ) السمين ( حتى يجب عليه ) اى على البائع ( الوفاء به ) .

فان القاعدة تقتضى ان يكون الأصل مع مدعى التغيير ، بائعا كان

ص: 178

وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشترى هنا ولم يعلم وجهه .

« الثاني » لو اتفقا على التغيّر بعد المشاهدة ووقوع العقد على الوصف المشاهد ،

واختلفا في تقدم التغيّر على المبيع ليثبت الخيار وتأخره عنه على وجه لا يوجب الخيار ،

_________________________

أو مشتريا .

نعم إذا ادعى البائع الهزال لمصلحة ، كما لو ارتفع السعر ، فهو يريد بطلان البيع لم يكن القول قوله ، لان نقص المبيع لا يوجب خيار البائع وانما يوجب خيار المشترى ، فإذا لم يرد المشترى ان يأخذ بالخيار لم يكن للبائع فسخ المعاملة .

( وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشترى هنا ) في باب ادعاء البائع الزيادة ( ولم يعلم وجهه ) .

ولعله لان البيع وقع على هذا المبيع بالذات ، ولم يعلم زيادته ، فالأصل عدم الزيادة فلا مقتضى لاختيار البائع في الفسخ ، فتأمل .

الفرع « الثاني » من الفرعين ( لو اتفقا على التغيّر ) وان المبيع تغيّر ( بعد المشاهدة ) كما لو كان حال المشاهدة سمينا ثم اتفقا على أنه هزل بعد ذلك ( ووقوع العقد على الوصف المشاهد ، واختلفا في تقدم التغير على المبيع ليثبت الخيار ) للمشترى ( وتأخره ) اى التغير ( عنه ) اى عن البيع ( على وجه لا يوجب الخيار ) .

مثلا : المشاهدة يوم الجمعة والبيع يوم الأحد فقال البائع كان التغير في الاثنين ، وقال المشترى بل كان في السبت .

ص: 179

تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع والتغير على صاحبه ، وحيث إن مرجع الأصلين إلى اصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا ، واصالة بقاء السمن وعدم وجود الهزال حال البيع .

والظاهر أنه لا يترتب على شيء منهما الحكم بالجواز واللزوم ، لان اللزوم من احكام وصول ما عقد عليه ، وانتقاله إلى المشترى .

واصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين .

_________________________

وقوله « على وجه » إشارة إلى أن بعض التغييرات بعد البيع أيضا يوجب الخيار كما لو كان قبل القبض أو في زمن الخيار ، فان التلف قبل القبض من مال مالكه ، والتلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له ( تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع ) على التغير ( و ) عدم تقدم ( التغير ) على البيع ( على صاحبه ) فان كلا من البيع والتغيير صاحب للآخر ( وحيث إن مرجع الأصلين ) المذكورين ( إلى اصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا ) هذا هو أصل تأخر البيع ( واصالة بقاء السمن وعدم وجود الهزال حال البيع ) هذا هو أصل تأخر السمن .

( والظاهر أنه لا يترتب على شيء منهما ) اى من الأصلين المذكورين ( الحكم بالجواز ) والخيار ( واللزوم ، لان اللزوم من احكام وصول ما عقد عليه ، وانتقاله إلى المشترى ) لا من آثار بقاء السمن إلى ما بعد البيع .

( واصالة بقاء السمن ) إلى ما بعد البيع ( لا يثبت وصول السمين ) لأنه مثبت ، والأصل المثبت ليس بحجة .

ص: 180

كما أن اصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه .

فالمرجع إلى اصالة عدم وصول حق المشترى إليه ، كما في المسألة السابقة .

الا ان الفرق بينهما هو ان الشك في وصول الحق هناك ناش عن الشك في نفس الحق .

وهنا ناش عن الشك في وصول الحق المعلوم .

_________________________

( كما أن اصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه ) اى لا ينفى وصول السمين ، لأنه أيضا مثبت .

( فالمرجع ) بعد سقوط الأصل الحاكم السببى لتعارضه بأصل مثله ( إلى ) الأصل المسببى ، وهو ( اصالة عدم وصول حق المشترى إليه ، كما في المسألة السابقة ) اى الفرع الأول الّذي كان اختلافهما في التغيير وعدمه .

( الا ان الفرق بينهما ) اى بين المسألة السابقة وهذه المسألة ( هو ان الشك في وصول الحق هناك ) إلى المشترى ( ناش عن الشك في نفس الحق ) وانه هل حصل تغيير أصلا ، أم لم يحصل تغيير ؟

( وهنا ) في الفرع الثاني ( ناش عن الشك في وصول الحق المعلوم ) لأنهما متفقان على التغيير ، وانما الشك في تقدمه على البيع أو تأخره عنه

فمثلا : قد نشك في ان حق زيد دينار أو درهم ، وقد نشك في ان حقه الّذي هو درهم قطعا هل وصل إليه ، أم لا ؟

ص: 181

وبعبارة أخرى : الشك هنا في وصول الحق ، وهناك في حقه الواصل ، ومقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم .

ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعى الخيار هو البائع ، بان اتفقا على مشاهدته مهزولا ، ووقوع العقد على المشاهد ، وحصل السمن واختلفا في تقدمه على البيع ليثبت الخيار للبائع ، فافهم وتدبر ، فان المقام لا يخلو عن اشكال واشتباه .

_________________________

( وبعبارة أخرى : الشك هنا ) في الفرع الثاني ( في وصول الحق وهناك ) في الفرع الأول ( في حقه الواصل ، ومقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم ) لأصالة عدم وصول الحق .

( ومن ذلك ) الّذي ذكرنا في مسألة الشك في هزال الشاة بعد سمنه حتى يكون للمشترى الخيار وعدمه ( يعلم الكلام فيما لو كان مدعى الخيار هو البائع ، بان اتفقا على مشاهدته ) اى الحيوان ( مهزولا ، و ) اتفقا على ( وقوع العقد على المشاهد ، و ) انه بعد ذلك ( حصل السمن و ) لكن ( اختلفا في تقدمه على البيع ليثبت الخيار للبائع ) لأنه باع الزائد وهو مغبون ، أو تأخره عن البيع ليكون السمن انما زاد في ملك المشتري فلا خيار للبائع .

فان اصالة عدم وصول حق البائع إليه « من الثمن » يقتضي الخيار بعد سقوط الأصول السببية من الجانبين ، مثل الكلام الّذي تقدم في المشترى ( فافهم وتدبر ، فان المقام لا يخلو عن اشكال واشتباه ) .

ويظهر من ذلك ما لو ادعى كل واحد الخيار لنفسه وأنكره الآخر

ص: 182

ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفى في قبضه التخلية ، واختلفا في تقدم التلف على البيع وتأخره .

فالأصل بقاء ملك المشتري على الثمن ، لأصالة عدم تأثير البيع .

وقد يتوهم جريان اصالة صحة البيع هنا للشك في بعض شروطه وهو وجود المبيع .

وفيه

_________________________

لا دعاء المشترى تغير المثمن ، وادعاء البائع تغير الثمن .

( ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض ) بان قبض المشترى التالف ( فيما يكفى في قبضه التخلية ) كالدار والد كان ( واختلفا في تقدم التلف على البيع ) فلا حق للبائع في الثمن ( وتأخره ) حتى يكون الضرر من كيس المشترى .

( فالأصل ) مع المشترى ولا يلزم عليه تسليم الثمن إلى البائع .

لأصالة ( بقاء ملك المشتري على الثمن ، لأصالة عدم تأثير البيع ) في النقل والانتقال ، إذ بيع التالف لا يؤثر شيئا .

( وقد يتوهم ) ان الأصل مع البائع ، فيقال : ب ( جريان اصالة صحة البيع هنا ) في الشك في كون التلف قبل البيع أم بعده ( للشك في بعض شروطه ) اى شروط البيع ( وهو وجود المبيع ) فإنه كلما شك في شرط من شروط البيع بعد العقد ، كان اللازم اجراء اصالة الصحة ، كما لو عقدا ، ثم شكّا في انهما كانا مختارين أو بالغين حال العقد أم لا ، وهكذا فان الأصل الصحة .

( وفيه ) انه يعتبر في جريان اصالة الصحة أمران :

ص: 183

ان صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر شرعا فإذا فرضنا انه عقد على شيء معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلا في تمليك العين ، لان تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند الوجود ولا على قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته غير معقول .

_________________________

الأول : ثبوت أركان العقد .

والثاني : ان يكون بحيث لولا الصحة ، لزم صدور القبيح من الفاعل المسلم وفي المسألة يفقد الشرط الثاني ، لأنه إذا قلنا بعدم صحة العقد لم يلزم صدور القبيح .

إذ القبيح انما هو اجراء العقد على المعدوم مع علم مجرى العقد ، اما مع جهله فلا قبيح في البين .

ولذا لا تجرى اصالة الصحة في مسألتنا ، ف ( ان صحة العقد عبارة عن كونه ) اى العقد ( بحيث يترتب عليه الأثر شرعا ) ومن المعلوم ان غير المعقول لا يترتب عليه الأثر شرعا ( فإذا فرضنا انه عقد على شيء معدوم ) كالدار التي صارت خربة ( في الواقع ) وان جهل المتبايعان كونه معدوما ( فلا تأثير له عقلا في تمليك العين ) المعدوم .

وحيث لا اثر عقلا لا يكون اثر شرعا ( لان تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند الوجود ) كما لو ملك ثمرة البستان وهي الآن معدومة لكن بقصد تمليكها عندما وجدت ، فان ذلك جائز ، كما لا يخفى ( ولا على قصد تمليك بدله مثلا ) في المثلى ( أو قيمته ) في القيمي ( غير معقول ) إذ لا ملك أصلا حتى يصلح لان يملك .

ص: 184

ومجرد انشائه باللفظ لغو عرفا يقبح مع العلم دون الجهل بالحال

فإذا شككنا في وجود العين حال العقد ، فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم ، لان التمليك الحقيقي غير متحقق .

والصوري وان تحقق لكنه ليس بفاسد ، إذ اللغو فاسد عرفا ، اى قبيح إذا صدر عن علم بالحال .

_________________________

( ومجرد انشائه ) اى الملك ( باللفظ ) بدون قصد النقل والانتقال ( لغو عرفا يقبح مع العلم ) بأنه معدوم ( دون الجهل بالحال ) إذ لا يلزم الانسان عن فعل شيء هو جاهل بواقعه ، ويظن صحته .

( فإذا شككنا في وجود العين حال العقد ) وعدم وجود العين ( فلا يلزم من الحكم بعدمه ) اى بعدم وجود العين حال العقد ( فعل فاسد من المسلم ) حتى ينفى ذلك باصالة الصحة ، ويلزمه صحة العقد ( لان التمليك الحقيقي غير متحقق ) فيما إذا حكمنا بعدم وجود العين حال العقد

( و ) التمليك ( الصوري وان تحقق ) خارجا ( لكنه ليس بفاسد ، إذ اللغو فاسد عرفا ، اى قبيح إذا صدر عن علم بالحال ) والمفروض ان المتعاقدين لا يعلمان بالحال .

والحاصل : ان فعل المسلم يحمل على الصحة فيما إذا كان عدم حمله على الصحة يوجب حمله على القبيح ، لكن المقام ليس كذلك ، فان عدم حمله على الصحة يوجب حمله على الجهل لا على القبيح ، فلا أصل صحة في المقام .

ص: 185

وبالجملة : الفاسد شرعا الّذي تنزه عنه فعل المسلم ، هو التمليك الحقيقي المقصود الّذي لم يمضه الشارع ، فافهم ، هذا .

فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقديم بيع الراهن على رجوع المرتهن عن اذنه في البيع ، وتأخيره عنه .

حيث تمسك باصالة صحة الرجوع عن الاذن ، لان الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن ، كان فاسد العدم مصادفته محلا يؤثر فيه .

_________________________

( وبالجملة : الفاسد شرعا الّذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الّذي لم يمضه الشارع ) ولا تمليك حقيقي هنا بناء على كون المبيع معدوما حال البيع ( فافهم : هذا ) الشرط لجريان اصالة الصحة

( فإنه قد غفل عنه بعض ) الفقهاء ( في مسألة الاختلاف في تقديم بيع الراهن على رجوع المرتهن عن اذنه في البيع ) للعين المرهونة ( وتأخيره ) اى البيع ( عنه ) اى عن الاذن .

كما لو رهن زيد داره عند عمرو ، فأراد زيد بيع الدار قبل فكّها ، فاستأذن عمروا ، فاذن له عمرو ، وباعها زيد ، فاختلفا بعد ذلك في ان البيع هل حصل قبل ان يرجع عمرو عن اذنه حتى يكون البيع صحيحا أو حصل البيع بعد ان رجع عمرو عن اذنه حتى يكون البيع باطلا ؟

( حيث تمسك ) هذا البعض ( باصالة صحة الرجوع عن الاذن ) وثمرتها بطلان البيع ( لان الرجوع ) عن الاذن ( لو وقع بعد بيع الراهن ، كان ) الرجوع ( فاسدا ) لأنه لا اثر لهذا الرجوع ( لعدم مصادفته ) اى الرجوع ( محلا يؤثر فيه ) فان تأثير الرجوع انما هو قبل البيع .

ص: 186

نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا أو تحقق الانشاء الحقيقي عرفا ولو فيما إذا باع بلا ثمن ، أو باع ما هو غير مملوك كالخمر ، والخنزير ، وكالتالف شرعا ، كالغريق ، والمسروق أو معدوم قصد تملّكه عند وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة .

كما لو باع ما اتلفه زيد على عمرو ، أو صالحه

_________________________

ووجه الخطأ في كلام هذا البعض انه لو لم نقل بالصحة في الرجوع لم يكن الرجوع قبيحا ، إذ الرجوع مع الجهل بالبيع غير قبيح ، وانما الرجوع مع العلم قبيح فإذا لم يقبح الرجوع لم يجر أصل الصحة في الرجوع

( نعم لو تحققت ) شرائط الحمل على الصحة بان ثبت أركان العقد وثبت قبح خلاف الصحة ، ثم شككنا في ان العقد هل هو صحيح أو فاسد ؟

لزم الحمل على الصحة ، تنزيها لفعل المسلم عن القبيح .

وعلى هذا فلو تحققت ( قابلية التأثير عقلا ) بأن لم يكن المتعلق للعقد معدوما غير قابل للوجود أصلا ( أو تحقق الانشاء الحقيقي ) وهو الانشاء بقصد النقل ، لا كالانشاء الهازل ( عرفا ولو فيما إذا باع بلا ثمن ، أو باع ما هو غير مملوك ) اى بلا مثمن ( كالخمر ، والخنزير ، وك ) ما لو باع ( التالف شرعا ، كالغريق ، والمسروق ) فإنهما باقيان واقعا ، لكن للشارع حكم بأنهما تالفان ( أو ) باع ما هو ( معدوم قصد تملّكه ) « قصد » فعل ماضي ( عند وجوده كالثمرة المعدومة ) في الحال ( أو قصد تمليك بدله مثلا ) في المثلى ( أو قيمة ) في القيمي .

( كما لو باع ) عمرو ( ما اتلفه زيد على عمرو ، أو ) لم يبع لكن ( صالحه )

ص: 187

إياه بقصد حصول اثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة والفساد فإذا حكم بفساد شيء من ذلك ، ثم شك في ان العقد الخارجي منه أم من الصحيح ، حمل على الصحيح .

_________________________

أو صالح عمرو ( إياه ) ذلك الشيء المتلف ( بقصد حصول اثر الملك في بدله ) اى بدل المتلف ، بان يأخذ المشترى بدل المتلف من المتلف مثلا كان البدل أو قيمة ( تحقق ) جواب « لو تحققت » ( مورد الصحة والفساد ) لأنه إذا لم يكن صحيحا كان اما لعدم ، أو كان العقد كعدم الثمن أو عدم المثمن .

واما لأنه قبيح - كبيع الغريق والمسروق - شرعا .

( فإذا حكم بفساد شيء من ذلك ، ثم شك في ان العقد الخارجي ) الّذي أوقعه المتعاقدان ( منه ) اى من ذلك القسم الفاسد ( أم من الصحيح ، حمل ) العقد ( على الصحيح ) .

وتفصيل الكلام في جريان اصالة الصحة وعدم الجريان موكول إلى محلّه .

ص: 188

مسئلة لا بدّ من اختبار الطعم واللون والرائحة ، فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك

كما في كل وصف يكون كذلك .

إذ لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم بين هذه الأوصاف وبين تقدير العوضين بالكيل ، والوزن ، والعدوّ يغنى الوصف عن

_________________________

( مسألة ) : قد يختبر الشيء لاستعلام الصحة والفساد ، وهذا الاختبار ليس بلازم ، لجواز الاعتماد على اصالة الصحة .

وقد يختبر لأجل استعلام حالة ما يختلف قيمته ، وان الشيء من اىّ قسم هور .

وهذا الاختبار لازم ، فإنه ( لا بدّ من اختبار الطعم واللون والرائحة ، فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك ) اى باختلاف كل واحد من هذه الصفات الثلاث .

مثلا : العسل الّذي طعمه أجود ، أو لونه اصفى ، أو رائحته أزكى يكون أغلى قيمة ( كما في كل وصف يكون كذلك ) كالرقة ، والسخانة ، والخشونة ، والنعومة ، وهكذا .

( إذ لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم بين هذه الأوصاف ) المذكورة بحيث لولا العلم بها كان غررا ( وبين تقدير العوضين بالكيل والوزن والعد )

فكما يجب العلم بهذه الثلاثة لرفع الغرر ، كذلك يجب العلم بسائر الأوصاف التي يتوقف رفع الغرر على العلم بها ( ويغنى الوصف عن

ص: 189

الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف ، دون ما لا ينضبط ، كمقدار الطعم والرائحة واللون وكيفياتها فان ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شيء من جنسه ، ثم الشراء على ذلك النحو من الوصف ، مثل ان يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة ، فبيع منه لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف .

وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامّة

_________________________

الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف ) .

فإذا كان اللون الوردي مثلا معيارا في شيء ، كفى ان يقول البائع ان لونه وردى ، ولا يحتاج إلى الرؤية لارتفاع الغرر حينئذ بالوصف ( دون ما لا ينضبط ، كمقدار الطعم والرائحة واللون ) اى كمياتها ( وكيفياتها ) .

مثلا : مقدار كيلو من الماء قد يصب فيه مقدار ربع كيلو من السكر ، وقد يصب فيه مقدار نصف كيلو هذا من جهة الكم في الحلاوة .

وقد يصب فيه السكر الخوزى الّذي له طعم أحسن وقد يصب فيه السكر المأخوذ من السلق الّذي له طعم أدون ( فان ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شيء من جنسه ، ثم الشراء على ذلك النحو ) المعلوم ( من الوصف ) .

وذلك ( مثل ان يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة فبيع منه لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف ) .

( وكذا الكلام ) في باب المقايسة ( في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامة ) .

ص: 190

نعم لو لم يرد من اختبار الأوصاف الّا استعلام صحته وفساده ، جاز شرائها بوصف الصحة كما في الدبس والدهن مثلا ، فان المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما ، بخلاف بعض أنواع الفواكه والروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ، ورائحتها .

ولا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها وفسادها .

_________________________

حيث إنه كان قد اختبر قبل فقده لهما العسل فعرف منه طعما خاصا ورائحة خاصة ، وبعد فقده للحاستين يشترى بنحو ذلك الوصف الّذي اختبره قبل ذهاب حاستيه .

وكذا لو ذهب حس لمسه ، فاشترى الحرير - مثلا - الّذي له ملمس مثل ملمس الحرير الّذي سبق ان اختبره حال وجدانه لحاسة اللمس .

( نعم لو لم يرد من اختبار الأوصاف الّا استعلام صحته وفساده ، جاز شرائها بوصف الصحة ) لجواز الاعتماد على اصالة الصحة في كل الأشياء ، سواء ذكر ذلك في العقد ، أو كان التباني العرفي عليه ولذا يرد الفاسد ولو لم يشترط في متن العقد ( كما في الدبس والدهن مثلا ، فان المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما ) غالبا .

والا فكثيرا ما يكون المقصود الخصوصيات الزائدة ( بخلاف بعض أنواع الفواكه ) كالتوت والبرتقال ( والروائح ) العطرة ( التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ، ورائحتها ) فان البرتقال لو كان حلوا كانت له قيمة مرتفعة ، بينما إذا كان مائلا إلى الحموضة كانت قيمته أقل .

( ولا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها أو فسادها ) الا نادرا .

ص: 191

واطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته بالوصف محمول على ما إذا أريد الأوصاف التي لها دخل في الصحة لا الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة ، بقرينة تعرضهم بعد هذا البيان جواز شراءها من دون اختبار ولا وصف ، بناء على اصالة الصحة .

_________________________

( و ) ان قلت : أنتم قلتم بوجوب الاختبار بالنسبة إلى ما تختلف قيمته باختلاف الطعم والرائحة ، وهذا ينافي اطلاق الأصحاب جواز الوصف وعدم لزوم الاختبار .

قلت : ( اطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته بالوصف ) لا يراد به الاطلاق الشامل لما يختلف قيمته باختلاف الطعم والرائحة .

بل الاطلاق ( محمول على ما إذا أريد الأوصاف التي لها دخل في الصحة ) تلك الأوصاف التي لا يلزم الاختبار بالنسبة إليها بل يكفى فيها الوصف ( لا ) الأوصاف ( الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة ) كطعم البرتقال في المثال السابق .

وانما نحمل اطلاق الأصحاب على ذلك ( بقرينة تعرضهم بعد هذا ) الاطلاق ( لبيان جواز شراءها من دون اختبار ولا وصف ، بناء على اصالة الصحة ) .

فالمراد بالأوصاف في اطلاقهم السابق ، الأوصاف التي لها مدخلية في الصحة ، لا مطلق الأوصاف .

ص: 192

وكيف كان فقد قوّى في السرائر عدم الجواز أخيرا ، بعد اختبار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعى عليه الاجماع في الغنية

قال : يمكن ان يقال : ان بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز ان يكون بالوصف لأنه غير غائب ، فيباع مع خيار الرؤية بالوصف فإذا لا بدّ من شمّه وذوقه ، لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلى الوصف وهذا قوّى

_________________________

( وكيف كان فقد قوّى في السرائر ) بالنسبة إلى الأوصاف التي لها مدخلية في الصحة ، هل انها يجب الاختبار فيها ، أم يكفى الوصف والمشاهدة ؟ ( عدم الجواز أخيرا ، بعد اختبار جواز بيع ما ذكرنا ) ما يراد بذكر الأوصاف فيه اختبار الصحة والفساد ( بالوصف وفاقا للمشهور المدعى عليه الاجماع في الغنية ) .

( قال : يمكن ان يقال : ان بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز ان يكون بالوصف ) .

عبارة المصنف فيها غموض ، والمراد ان السرائر فرق بين بيع عين غائبة ، فيجوز بيعها بالوصف ، وبين بيع عين حاضرة فلا يجوز الا بالاختبار

وانما أوجب الاختبار في العين الحاضرة ( لأنه ) اى المبيع ( غير غائب ، فيباع ) اى حتى يجوز ان يباع ( مع خيار الرؤية ) بيعا ( بالوصف ) بدون الاختبار ( فإذا ) حيث إن المبيع ليس غائبا ( لا بدّ من شمّه وذوقه لأنه ) اى المبيع ( حاضر مشاهد غير غائب ) حتى ( يحتاج إلى الوصف ، وهذا ) اى وجوب الاختبار في المبيع الحاضر وعدم الاكتفاء بالوصف وان كفى الوصف في المبيع الغائب - ( قوّى

ص: 193

انتهى .

ويضعفه ان المقصود من الاختبار رفع الغرر ، فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر والغائب تحكما .

بل الأقوى جواز بيعه من غير اختبار ولا وصف ، بناء على اصالة الصحة ، وفاقا للفاضلين ومن تأخر عنهما ، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه ، فذكره في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحة ومن المعلوم انه غير معتبر في البيع اجماعا بل يكفى بناء المتعاقدين

_________________________

انتهى ) كلام السرائر .

( ويضعفه ) اى يضعف الزام السرائر الاختبار في العين الحاضرة ( ان المقصود من الاختبار رفع الغرر ، فإذا فرض رفعه ) اى الغرر ( بالوصف كان الفرق ) الّذي ذكره السرائر ( بين الحاضر ) حيث أوجب اختباره ( والغائب ) الّذي اكتفى فيه بالوصف ( تحكما ) لأنه فرق بلا فارق .

( بل الأقوى جواز بيعه ) اى المبيع الحاضر ( من غير اختبار ولا وصف بناء على اصالة الصحة ) فإنها أصل عقلائي قرره الشارع وأمضاه ( وفاقا للفاضلين ) المحقق والعلامة ( ومن تأخر عنهما ، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه ) اى مع الوصف ( فذكره ) اى الوصف ( في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحة ، ومن المعلوم انه ) اى ذكر وصف الصحة ( غير معتبر في البيع اجماعا ) فان الانسان إذا أراد ان يشترى شيئا ، لا يلزم ان يشترط الصحة بل شرط الصحة موجود سواء ذكره ، أم لا ( بل يكفى بناء المتعاقدين

ص: 194

عليه ، إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب .

واما رواية محمد بن العيص عن الرجل يشترى ما يذاق ، أيذوقه قبل ان يشترى ؟ قال عليه السلام : نعم ، فليذقه ولا يذوقن ما لا يشترى فالسؤال فيها عن جواز الذوق ، لا عن وجوبه .

ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة

_________________________

عليه ) اى على وصف الصحة ، وان لم يكن له ذكر لفظي ، فإذا تخلف هذا الوصف بل ظهر المبيع أو الثمن معيبا غير صحيح ، كان له خيار العيب ( إذا لم يصرح البائع ) في طرف المثمن ، والمشترى في طرف المثمن ( بالبراءة من العيوب ) فإنه لا خيار حينئذ إذا ظهر الشيء معيبا .

اللهم الا إذا كان عيبا يوجب عدم اسم المبيع أصلا ، كما لو اشترى بيضا وذكر البراءة من العيوب ، ثم ظهر فيه سواد كالرماد لكثرة بقائه ، وجفاف ما فيه ، واسوداده مثلا .

( واما رواية محمد بن العيص ) الظاهر منها وجوب الاختبار فلا تدل على مراد الحلى ( عن الرجل يشترى ما ) من شأنه ان ( يذاق ) كالدبس والسمن ( أيذوقه قبل ان يشترى ؟ قال عليه السلام : نعم ، فليذقه ولا يذوقن ما لا يشترى ، ف ) لا علاقة لها بما نحن فيه ، بل الامر فيها في مقام توهم الحظر ، فلا يدل على الوجوب .

إذ : ( السؤال فيها عن جواز الذوق ، لا عن وجوبه ) بقرينة ولا يذوقن ما لا يشترى .

( ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة ) اى مسألة وجوب

ص: 195

إلى المفيد ، والقاضي ، وسلار ، وأبى الصلاح ، وابن حمزة .

قال في المقنعة كل شيء من المطعومات والمشمومات يمكن للانسان اختباره من غير افساد له كالادهان المختبرة ، بالشمّ ، وصنوف الطيب والحلوات المذوقة ، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار فان ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا ، والمتبايعان فيه بالخيار ، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس ، انتهى .

وعن القاضي : انه لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبر ، فان بيع من غير اختبار

_________________________

الاختبار ، حيث انما ذكرنا عدم الوجوب ( إلى المفيد ، والقاضي ، وسلار وأبى الصلاح ، وابن حمزة ) ولننقل عبائرهم لنرى مقدار دلالة كلامهم على ما نسب إليهم .

( قال في المقنعة كل شيء من المطعومات والمشمومات يمكن للانسان اختباره من غير افساد له ) لا مثل الدابوعة والبطيخ حيث إن الاختبار يفسدهما لوجوب شقهما ( كالادهان المختبرة بالشمّ ، وصنوف الطيب ، والحلوات المذوقة ، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار فان ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا ، والمتبايعان فيه بالخيار ) .

الظاهر من الخيار ان مراده من البطلان بطلان اللزوم لا بطلان أصل العقد ( فان تراضيا بذلك ) الشيء غير المختبر ، ولم يبطلاه بخيار الفسخ ( لم يكن به بأس ، انتهى ) كلام المفيد في المقنعة .

( وعن القاضي : انه لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبر ، فان بيع من غير اختبار

ص: 196

كان المشترى مخيرا في رده له على البائع .

والمحكى عن سلار ، وأبى الصلاح ، وابن حمزة اطلاق القول بعدم صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار ، من غير تعرض لخيار المتبايعين ، كالمفيد ، أو للمشترى ، كالقاضي !

ثم المحكى عن المفيد ، وسلار ان ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة .

وعن النهاية والكافي : ان بيعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب .

_________________________

كان المشترى مخيرا في رده ) اى رد المشترى ( له ) اى للمبيع ( على البائع ) وهذا أيضا كالمفيد ظاهره الصحة مع الخيار .

( والمحكى عن سلار ، وأبى الصلاح ، وابن حمزة اطلاق القول بعدم صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار ، من غير تعرض ) منهم ( لخيار المتبايعين ، كالمفيد ) الّذي قال بخيار المتبايعين ( أو ) الخيار ( للمشترى ، كالقاضي ! ) كما تقدم عبارتهما .

( ثم المحكى عن المفيد ، وسلار ان ما يفسده الاختبار ) كالبطيخ مثلا والبيض ( يجوز بيعه بشرط الصحة ) بان يذكر هذا الشرط في متن العقد .

( وعن النهاية والكافي : ان بيعه جائز على شرط الصحة ، أو البراءة من العيوب ) . بان يقول البائع : بعتك هذا على شرط ان يكون صحيحا ، أو يقول : بعتك وانى بريء من كل عيب فيه .

ص: 197

وعن القاضي : لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة ، والبراءة من العيوب

قال في محكى المختلف - بعد ذكر عبارة - القاضي : ان هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين اما الصحة أو البراءة من العيوب ، وليس بجيد ، بل الأولى انعقاد البيع ، سواء شرط أحدهما أو خلى عنهما أو شرط العيب والظاهر أنه انما صار إلى الايهام من عبارة الشيخين

_________________________

( وعن القاضي : لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة ، والبراءة من العيوب ) فالنهاية والكافي شرطا الجواز بأحدهما .

والقاضي صرح بعدم الجواز الا بأحدهما .

والأمران يرجعان إلى نتيجة واحدة .

فلو قلت : ادخل الدار على شرط ذكر اسم الله ، أو قلت : لا تدخل الدار الا مع اسم الله ، كان المؤدّى واحدا .

( قال في محكى المختلف - بعد ذكر عبارة - القاضي : ان هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين ) في صحة بيع ما يفسده الاختبار ( اما الصحة أو البراءة من العيوب ، وليس ) هذا الحكم ( بجيد ، بل الأولى انعقاد البيع ، سواء شرط أحدهما أو خلى عنهما ) بان لم يشترط أحدهما ( أو شرط العيب ) بان قال : أبيعك بشرط ان يكون معيوبا ، فلا يحق لك الارجاع بالعيب .

ثم قال المختلف : ( والظاهر أنه ) اى القاضي ( انما صار إلى الايهام ) اى توهم اشتراط صحة البيع بذكر أحد الشرطين اشتراط الصحة أو البراءة ( من ) جهة ( عبارة الشيخين

ص: 198

حيث قالا : انه جاز على شرط الصحة ، أو بشرط الصحة .

ومقصودهما ان البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز لا ان جوازه مشروط بالصحة أو البراءة ، انتهى .

أقول : ولعله لنكتة بيان ان مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد كما عبّر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله جاز شرط الصحة

_________________________

حيث قالا : انه جاز على شرط الصحة ) كما عبّر به المفيد في المقنعة ( أو بشرط الصحة ) كما عبّر عنه الشيخ في النهاية .

فتوهم القاضي من عبارتهما ، لزوم ذكر الشرط في متن العقد ، وأضاف من نفسه ذكر « البراءة »

والحاصل : ان العلامة يريد ان يقول : ان القاضي توهم من كلام المفيد والشيخ لزوم ذكر الشرط في متن العقد .

( و ) الحال ان الشيخين لا يريد ان ذكر الشرط في متن العقد بل ( مقصودهما ان البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز ، لا ان جوازه ) اى جواز البيع ( مشروط بالصحة أو البراءة ، انتهى ) كلام العلامة

ثم إن الفرق بين « بشرط الصحة » وبين « على شرط الصحة » لفظي ، والا فالمراد بهما واحد .

( أقول : ولعله لنكتة بيان ان مطلب الشيخين ) المفيد والطوسي ( ليس وجوب ذكر الوصف ) اى وصف الصحة ( في العقد كما عبّر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله جاز شرط الصحة ) ولم يعبر « بشرط الصحة »

وقوله « عبر » خبر « لعله » و « لنكتة » علة لهذا التعبير .

ص: 199

لكن الانصاف : ان الظاهر من عبارتى المقنعة والنهاية ، ونحوهما هو اعتبار ذاكر الصحة في العقد ، كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلى آخرها وعبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ .

وظاهر الكل كما ترى اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده ، كما تقدم من الحلى ، فلا يكفى ذكر الأوصاف فضلا عن الاستغناء عنها باصالة السلامة .

_________________________

اى ان تعبير العلامة ب « جاز » لأجل بيان هذه النكتة ، وهو ان هذا الشرط جائز وليس بواجب .

( لكن الانصاف : ان الظاهر من عبارتى المقنعة والنهاية ، ونحوهما ) ممن ذكر « شرط الصحة » ( هو اعتبار ذكر الصحة في العقد ، كما يظهر ) انه يريد الاشتراط ، لا مجرد الجواز ( بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلى آخرها ، وعبارة النهاية هنا ) في هذه المسألة ( هي عبارة المقنعة بعينها ، فلاحظ ) فليس الامر كما ذكره المختلف ، بل كما ذكره القاضي هذا .

( وظاهر الكل كما ترى اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده ) الاختبار كالعسل والسمن ( كما تقدم من الحلى ) في السرائر ( فلا يكفى ذكر الأوصاف فضلا عن الاستغناء عنها ) اى عن الأوصاف ( باصالة السلامة ) بأن لا يختبر ولا يذكر الأوصاف ، بل يكتفى بأصل السلامة المعتمد لدى العقلاء في المعاملات .

ص: 200

ويدل عليه ان هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة : اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار ، وان فهم في المختلف خلاف ذلك .

لكن قدمنا ما فيه ، فينبغي ان يكون كلامهم في الأمور التي لا تنضبط خصوصية طعمها وريحها بالوصف .

_________________________

( ويدل عليه ) اى على اشتراط الاختبار ، ولا يكتفى بالوصف ، ولا بأصل السلامة - فيما لا يفسده الاختبار - ( ان هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار ) البطيخ والبيض ( وان فهم في المختلف خلاف ذلك ) من عبائرهم ، فإنه فهم جواز الاشتراط ، لا ان الاشتراط شرط في صحة البيع .

( لكن قدمنا ما فيه ) اى في كلام المختلف ، حيث قلنا « لكن الانصاف الخ » ( فينبغي ان يكون كلامهم ) اى « وجوب الاختبار » ( في الأمور التي لا تنضبط خصوصية طعمها وربحها بالوصف ) .

والحاصل : انهم ذكروا فيما يفسده ، اشتراط الوصف أو السلامة و : فيما لا يفسده ذكروا « الاختبار » فينبغي ان يكون الاختبار « فيما لا ينضبط » إذ الأوصاف المنضبطة كالصحة مثلا ، لا يحتاج إلى الاختبار بل يكفى الوصف فعدم اكتفائهم بالوصف فيما لا يفسده دليل على أن مرادهم بالاختبار الأمور التي لا تنضبط .

ص: 201

والظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب ، الا ان تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار كالمشاهد على أن المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة .

كما أن مقابله وهو ما يفسد الشيء باختباره كالبيض والبطيخ كذلك غالبا .

ويؤيده حكم القاضي بخيار المشترى

_________________________

( والظاهر أن ذلك ) اى عدم الانضباط ( في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب ) .

وجه الظهور : ان الأوصاف التي تدور عليها الصحة منضبطة ( الا ان تخصيصهم الحكم ) اى وجوب الاختبار ( بما لا يفسده الاختبار كالمشاهد على ) خلاف ما ذكرنا - لأنا ذكرنا ان مرادهم « الأمور التي لا تنضبط » حيث قلنا فينبغي . . الخ - فهو دليل على ( ان المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة ) اى المنضبطة .

( كما أن مقابله ) اى مقابل « ما لا يفسد باختباره » ( وهو ما يفسد الشيء باختباره كالبيض والبطيخ كذلك ) ما هو مناط السلامة ( غالبا )

( ويؤيده ) اى يؤيد ان المراد بالأوصاف الأوصاف الدخيلة في الصحة ، لا الأوصاف الزائدة على الصحة التي تختلف بها القيمة ( حكم القاضي بخيار المشترى ) ولم يقل خيارهما مع أنه لو كان المراد : الأوصاف الزائدة ، لم يختص الخيار بالمشترى ، بل كان الخيار تارة للبائع ، وتارة للمشترى .

ص: 202

وكيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف فلا خلاف معهم منا ولا من الأصحاب وان كان مذهبهم موافقا للحلّى بناء على إرادة الأوصاف التي بها قوام السلامة من العيب ، فقد عرفت انه ضعيف في الغاية .

_________________________

ثم إن قول المصنف « الا ان تخصيصهم » هو في مقابل قوله « فينبغي ان يكون كلامهم » .

وحاصل كلام المصنف في هاتين الجملتين ان مراد الشيخين والقاضي غامض ، إذ في كلامهم بعض الشواهد على أن مرادهم « بالأوصاف » وصف السلامة ، وبعض الشواهد على أن مرادهم « بالأوصاف » الأوصاف الزائدة على السلامة .

( وكيف كان ) الامر في ما يستظهر من عبائرهم ( ف ) الّذي ينبغي ان نقول : ( ان كان مذهبهم ) اى مذهب الشيخين والقاضي ( تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف ) اى الأوصاف الزائدة - مقابل وصف الصحة فإنه ينضبط عرفا - ( فلا خلاف معهم ) اى مع الثلاثة ( منا ولا من الأصحاب ) لان الكل يشترطون الوصف الزائد على الصحة ( وان كان مذهبهم موافقا للحلّى ) بلزوم ذكر وصف الصحة في المعاملة ( بناء على إرادة ) الحلّى من الأوصاف الواجب ذكرها ( الأوصاف التي بها ) اى بتلك الأوصاف ( قوام السلامة من العيب ، فقد عرفت انه ضعيف في الغاية ) بل ما جرت عليه سيرة العقلاء والمتشرعة عدم ذكر وصف الصحة أصلا .

ص: 203

وان كان مذهبهم عدم كفاية البناء على اصالة السلامة عن الاختبار والوصف وان كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار فقد عرفت ان الظاهر من حالهم وحال غيرهم ، عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية .

ويمكن ان يقال بعد منع جريان اصالة السلامة في الأعيان

_________________________

( وان كان مذهبهم عدم كفاية البناء على اصالة السلامة عن الاختبار والوصف وان كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار ) اى انهم يرون عدم لزوم ذكر وصف الصحة ، لكنهم يقولون بلزوم أحد الامرين ، اما الاختبار واما الوصف ( فقد عرفت ان الظاهر من حالهم ) اى حال الشيخين والقاضي ( وحال غيرهم ، عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية ) وان كان يلزم ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة بالنسبة إلى الكلى ، فإنهم بالنسبة إلى بيع العين الشخصية يكتفون باصالة السلامة .

( ويمكن ان يقال ) بالفرق بين الأوصاف المقومة كالحموضة للخل ، وبين الأوصاف غير المقوّمة كسائر اقسام السلامة ، وذلك بوجوب ذكر الوصف في الأول دون الثاني .

وربط عبارة المصنف هكذا « يمكن ان يقال . . ان السلامة من العيب الخاص متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية . . . فلا بد من احراز السلامة . . ومتى ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه لم تجب احرازها »

والحاصل : انما نقول ( بعد منع جريان اصالة السلامة في الأعيان )

ص: 204

لعدم الدليل عليها لا من بناء العقلاء الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد ، مع أن الكلام في كفاية اصالة السلامة عن ذكر الأوصاف اعمّ ، ولا من الشرع لعدم الدليل عليه

_________________________

الشخصية - مقابل الكلى - ( لعدم الدليل عليها ) اى على اصالة السلامة ( لا ) الدليل ( من بناء العقلاء ) إذ لا بناء للعقلاء على اصالة السلامة ( الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد ) بان كان الشيء سابقا صحيحا ، ثم شك في انه هل فسد أم لا ؟ فإنهم في مثل هذا المقام - فقط - يجرون أصل السلامة ( مع أن الكلام ) اى كلامنا - في عدم الاحتياج إلى ذكر وصف السلامة - ( في كفاية اصالة السلامة عن ذكر الأوصاف ) الدخيلة في السلامة ( اعمّ ) من طروّ المفسد ، أو من كون الفساد من اوّل الامر .

والحاصل : ان الاستدلال ببناء العقلاء ، لأصالة السلامة من قبيل كون الدليل أخص من المدعى .

إذ : المدّعى جريان اصالة السلامة مطلقا ، والدليل بناء العقلاء وهو خاص بما إذا شك في طروّ المفسد ، مع علمنا بأنه كان من اوّل الامر صحيحا .

فالاستدلال من قبيل الاستدلال ل « ان كل انسان ابيض » بان « زيدا ابيض » ( ولا ) الدليل ( من الشرع لعدم الدليل عليه ) فإنه لم ترد آية أو رواية تدل على أنه كلما شك في ان الشيء سالم ، أم لا يكون الأصل السلامة .

ص: 205

ان السلامة من العيب الخاص متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية للمال كالحلاوة في الدبس ، والرائحة في الجلاب ، والحموضة في الخل ، وغير ذلك مما يذهب بذهابه معظم المالية فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات ،

_________________________

وقوله « لا من الشرع » عطف على « لا من بناء العقلاء » ( ان السلامة ) متعلق ب « يمكن ان يقال » ( من العيب الخاص ) مقابل السلامة من العيوب التي اشترطت السلامة منها ، زائدة على السلامة عن العيوب الخاصة فإنه قد يشترط ان يكون الخل حامضا - بان لا يكون فاسدا - وهذا هو السلامة من العيب الخاص ، وقد يشترط ان يكون الخل شديد الحموضة - بان لا يكون حامضا عاديا - وهذا هو السلامة من العيب الزائد ، الّذي تصوره المشترى عيبا ، وان لم يكن عيبا في الواقع ، إذ الحموضة العادية - بعدم الحموضة الزائدة - ليست عيبا - فتدبر -

ف ( متى ما كانت ) السلامة من العيب الخاص ( مقصودة على جهة الركنية للمال كالحلاوة في الدبس ، والرائحة في الجلاب والحموضة في الخل ، وغير ذلك ) كالاسهال في السقمونيا ، والقبض في نواة الخوخ - مثلا - ( مما يذهب بذهابه ) اى بذهاب ذلك الوصف ( معظم المالية ) .

اما إذا ذهب كل المالية فلا معاملة في الحقيقة حتى يكون الكلام في خصوصياتها ( فلا بد ) جواب « متى » ( في دفع الغرر من احراز السلامة ) في المبيع ( من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات )

ص: 206

وحيث فرض عدم اعتبار اصالة السلامة ، فلا بد من الاختبار ، أو الوصف ، أو الاعتقاد بوجودها لامارة عرفية مغنية عن الاختبار والوصف .

ومتى ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه لم تجب احرازها نعم لما كان الاطلاق منصرفا إلى الصحيح ، جاء الخيار عند تبين العيب ،

_________________________

الحلاوة والرائحة والحموضة ( وحيث فرض عدم اعتبار ) ذكر ( اصالة السلامة ) حال البيع ( فلا بد من الاختبار ، أو الوصف ) بان يصفه البائع بأنه حلو ، أو حامض ، أو ذو رائحة طيبة ( أو الاعتقاد بوجودها ) اى وجود تلك الأوصاف ( لامارة عرفية مغنية عن الاختبار والوصف ) كان يرى الذباب على الدبس والبعوض على الخل - مثلا - فمن شرط الوصف أو الاختبار انما نظر إلى هذا القسم .

( ومتى ) عطف على « متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية » ( ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه ) اى الركنية ( لم تجب احرازها ) اى احراز السلامة لأنه لا يلزم غرر من عدم تلك الأوصاف الزائدة ، مثلا لو لم يكن الخل شديد الحموضة لم يكن موجبا للغرر .

فان قلت إذا لم يكن غرر من عدم الوصف الزائد فلما ذا يكون للمشترى الخيار ؟ إذا لم يجد الوصف المذكور فيما إذا كان المتعارف في الخل حموضة شديدة .

قلت : ( نعم لما كان الاطلاق ) اى اطلاق الخل في ما كان الغالب شديد الحموضة - مثلا - ( منصرفا إلى الصحيح ) وهو شديد الحموضة في المثال - ( جاء الخيار عند تبين العيب ) بقلة الحموضة

ص: 207

فالخيار من جهة الانصراف .

نظير انصراف الاطلاق إلى النقد ، لا النسيئة ، وانصراف اطلاق الملك في المبيع إلى غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في احراز الصحة ، والبناء عليها على اصالة السلامة .

وبعبارة أخرى : الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض ومثل هذا لا يعتبر احراز السلامة عنه

_________________________

( فالخيار من جهة الانصراف ) إلى الصحيح .

( نظير انصراف الاطلاق إلى النقد لا النسيئة ، و ) نظير ( انصراف اطلاق الملك في المبيع ) فيما لو باع الدكان - مثلا - ( إلى غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها ) كما لو كان الدكان موجرا مدة سنة ، فان المشترى إذا لم يعلم بالايجار ، واشترى الدكان كان له خيار الفسخ ( لا ) ان الخيار هنا ( من جهة الاعتماد في احراز الصحة ، والبناء عليها على اصالة السلامة ) .

فليس وجود الخيار دليلا على وجود الغرر ، فان الخيار قد يكون لأجل الغرر ، وقد يكون لأجل ان المنصرف من البيع خلاف المتاع المسلّم إلى المشترى ، وان لم يكن غرر .

( وبعبارة أخرى : الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ، ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض ومثل هذا ) العيب ( لا يعتبر احراز السلامة عنه ) عند المعاملة .

فلو اشتراها وهو لا يعلم أنها تحيض أو لا تحيض ، لم يكن بالاشتراء

ص: 208

وقد يستلزمه الغرر ، ككون الجارية خنثى وكون الدابة لا تستطيع المشي ، أو الركوب والحمل عليه ، وهذه مما يعتبر احراز السلامة عنها

وحيث فرض عدم احرازها بالأصل فلا بد من الاختبار أو الوصف ، هذا .

ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل ان بعضهم كالمحقق في النافع ، والعلامة في القواعد ، عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه ، هذا .

_________________________

بأس .

نعم : إذا ظهرت لا تحيض كان له خيار الفسخ .

( وقد يستلزمه ) اى يستلزم بعض العيوب ( الغرر ، ككون الجارية خنثى وكون الدابة لا تستطيع المشي ، أو ) لا تستطيع ( الركوب والحمل عليه ، وهذه ) العيوب ( مما يعتبر احراز السلامة عنها ) لأنه لو لم تحرز السلامة عنها كان البيع غررا ، وقد نهى الشارع عنه .

( وحيث فرض عدم احرازها بالأصل ) لما تقدم من أنه لا أصل عقلائي ولا أصل شرعي ( فلا بد من الاختبار أو الوصف ، هذا ) هو حاصل التفصيل الّذي اخترناه من قولنا : ويمكن ان يقال ، إلى هنا .

( ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل ) بين قسمي العيب ( ان بعضهم كالمحقق في النافع ، والعلامة في القواعد ، عنون المسألة ) اى مسألة وجوب الاختبار والوصف ( بما كان المراد طعمه أو ريحه ) .

ومن المعلوم : ان المراد من هذا العنوان ما يكون السلامة اخذت فيه على وجه الركنية ، فهو يفرق بين سلامة تكون ركنا ، وبين سلامة لا تكون ركنا - كما ذكرناه - ( هذا ) غاية الكلام في وجه التفصيل .

ص: 209

ولكن الانصاف : ان مطلق العيب إذا التفت إليه المشترى وشك فيه فلا بد في رفع الغرر من احراز السلامة عنه اما بالاختبار ، واما بالوصف واما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف ،

اما لأجل الانصراف .

واما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب أصلا فلا بد اما من كفاية الاطلاق في الكل للأصل والانصراف

_________________________

( ولكن الانصاف : ان مطلق العيب ) سواء كانت السلامة ركنا ، أم لا ( إذا التفت إليه المشترى وشك فيه ) كما لو شك في ان الجارية تحيض أو شك في انها خنثى ( فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة عنه ) اى عن ذلك العيب ( اما بالاختبار ، واما بالوصف ، واما بالإطلاق ) كاطلاق الخل المنصرف إلى المتعارف ، والجارية المنصرف إلى التي ليست بخنثى ، ولا بفاقدة الحيض ( إذا فرض قيامه ) اى الاطلاق ( مقام الوصف )

وانما نقول بوجوب احراز السلامة في مطلق العيوب الركنية وغيرها

( اما لأجل الانصراف ) إلى الصحيح من قسمي العيوب .

( واما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب أصلا ) فلا يخص لزوم احراز السلامة بالعيوب الركنية دون غيرها .

وحيث لزم احراز السلامة في جميع اقسام العيوب ( فلا بد اما من كفاية الاطلاق ) اى اطلاق المبيع بدون وصف واختبار ( في الكل ) بدون فرق بين ان يكون الشك في السلامة من فقد الحيض ، أو من فقد الأنوثة - بان كانت خنثى - ( للأصل ) الّذي هو السلامة ( والانصراف )

ص: 210

واما من عدم كفايته في الكل نظرا إلى أنه لا يندفع به الغرر الا إذا حصل منه الوثوق حتى أنه لو شك في ان هذا العبد صحيح ، أو انه أجذم لم يجز البناء على اصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق ، بل لا بدّ من الاختيار أو وصف كونه غير أجذم ، وهذا وان كان لا يخلو عن وجه الا انه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع ، من عدم وجوب اختيار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب ، وعدمها

_________________________

اى انصراف الجارية مثلا ، إلى ذات الآلة الواحدة ، والتي تحيض .

( واما من عدم كفايته ) اى الاطلاق ( في الكل )

وانما نقول بعدم الكفاية في الكل ( نظرا إلى أنه لا يندفع به ) اى بالإطلاق - بدون وصف أو اختبار - ( الغرر ، الا إذا حصل منه ) اى من الاطلاق ( الوثوق ) بالصحة من قسمي العيب . . عدم الكفاية ( حتى أنه لو شك في ان هذا العبد صحيح ، أو انه أجذم لم يجز البناء على اصالة ) الصحة ، و ( السلامة إذا لم يفد ) الأصل ( الوثوق ، بل لا بدّ ) في رفع الغرر ( من الاختبار أو وصف كونه غير أجذم ، وهذا ) عدم الكفاية في الكل الا مع الوثوق ( وان كان لا يخلو عن وجه ) لان رفع الغرر متوقف عليه ( الا انه ) اى عدم الكفاية في الكل ( مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع ) اى مواضع متعددة من الفقه ( من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه ) لا يجب الاختبار ( من حيث سلامته من العيوب ، وعدمها ) اى عدم السلامة ، وهذا يؤيد التفصيل الّذي ذكرناه هذا تمام الكلام في وجوب الوصف والاختبار على مختلف الأقوال ، والله العالم بحقيقة الحال .

ص: 211

مسئلة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار اجماعا على الظاهر .

والأقوى عدم اشتراط الصحة في العقد ، وكفاية الاعتماد على اصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار .

خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة ، أو البراءة من العيوب ، أو خصوص أحدهما .

_________________________

( مسألة : يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار ) كالبطيخ والبيض ( من دون اختبار اجماعا ، على الظاهر ) اى حسب ما يظهر من كلمات الفقهاء انهم مجمعون ، وليس الاجماع قطعيا .

( والأقوى عدم اشتراط الصحة في العقد ) فلا يلزم ان يشترط المشترى ان يكون البيض صحيحا - مثلا - ( وكفاية الاعتماد على اصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار ) كالعسل والدهن .

فكما يجوز الاعتماد فيهما على أصل السلامة بدون الاختبار ، كذلك يجوز الاعتماد على الأصل فيما يفسده الاختبار .

( خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة ، أو البراءة من العيوب ) تخييرا بينهما فيما إذا أراد بيع ما يفسده الاختبار ( أو خصوص أحدهما ) اى تعيينا .

فان بعضهم قالوا : باشتراط خصوص اشتراط الصحة .

وبعضهم قالوا : باشتراط خصوص البراءة من العيوب .

ص: 212

وقد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتى المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك وارجاعها إلى ما اراده - من قوله في القواعد : جاز بيعه بشرط الصحة - من أنه مع الصحة - يمضى البيع ، ولا معها يتخير المشترى .

وعرفت ان هذا التأويل مخالف للظاهر ، حتى أن قوله في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة .

ولذا قال في جامع المقاصد : وكما يجوز بيعه بشرط الصحة ، يجوز

_________________________

( وقد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتى المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك ) في لزوم الاشتراط ، فان العلامة قال مرادهما جواز اشتراط الصحة أو البراءة ، لا انه يجب أحد الامرين ( وارجاعهما ) اى عبارتى المقنعة والنهاية ( إلى ما اراده ) العلامة بنفسه ( - من قوله في القواعد : جاز بيعه بشرط الصحة - من أنه ) « من » بيان « ما اراده » ( مع الصحة - يمضى البيع ، ولا معها ) بان ظهر المتاع غير صحيح ( يتخير المشترى ) بين الفسخ والامضاء .

( وعرفت ) في المسألة السابقة ( ان هذا التأويل مخالف للظاهر ) من كلام المقنعة والنهاية ( حتى أن قوله ) اى العلامة بنفسه ( في القواعد ) وهو : جاز بيعه بشرط الصحة ( ظاهر في اعتبار شرط الصحة ) لا ان شرط الصحة جائز - كما اوّله القواعد - .

( ولذا ) الّذي قلنا من أن العبارة المذكورة ظاهرة في اللزوم ، لا في الجواز ( قال في جامع المقاصد : وكما يجوز بيعه بشرط الصحة ، يجوز

ص: 213

بيعه مطلقا .

وكيف كان فإذا تبين فساد المبيع فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر ونحوه فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة والجوز ، تخير بين الرد والأرش .

ولو فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعد الفاسد من افراد ذلك الجنس عرفا ، كالجوز الاجوف الّذي لا يصلح الا للاحراق ، فيحتمل قويا بطلان البيع

_________________________

بيعه مطلقا ) بدون البراءة وبدون اشتراط الصحة ، ولو لم يكن ظاهر « بشرط الصحة » لزم هذا الشرط لم يكن وجه لان يقابله جامع المقاصد بقوله : يجوز بيعه مطلقا .

( وكيف كان ) الامر سواء كان ظاهر عبارة المقنعة والنهاية ، ما ذكره العلامة ، أو ما ذكرناه ( فإذا تبين فساد المبيع ) كما لو ظهر البيض فاسدا ( فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر ونحوه ) كسلق البيض أو جعله تحت الدجاجة للافراخ ( فإن كان لفاسده قيمة ) قبل كسره ( كبيض النعامة والجوز ) لما لهما من تجميل الرفوف بوضعهما فيها ( تخير ) المشترى ( بين الرد والأرش ) التفاوت بين الصحيح والفاسد - ان كان هناك تفاوت - ( ولو فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعد الفاسد من افراد ذلك الجنس عرفا ، كالجوز الاجوف الّذي لا يصلح الا للاحراق ، فيحتمل قويا بطلان البيع ) إذ ليس هذا الموجود هو المقصود بالبيع وان كان مشتركا معه في الصورة .

ص: 214

ان لم يكن لفاسده قيمة ، تبين بطلان البيع ، لوقوعه على ما ليس بمتمول .

وان كان تبين الفساد بعد الكسر ، ففي الأول تبين الأرش خاصة ، لمكان التصرف .

ويظهر من المبسوط قوله بأنه لو كان تصرفه على قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد .

والمراد بالأرش تفاوت ما بين صحيحه وفاسده غير المكسور لان

_________________________

( وان لم يكن لفاسده قيمة ) قبل الكسر ( تبين بطلان البيع لوقوعه ) اى البيع ( على ما ليس بمتمول ) إذ لا قيمة له حسب الفرض ،

هذا كله صورتا تبين الفساد قبل الكسر .

( وان كان تبين الفساد بعد الكسر ، ففي الأول ) وهو ما كان لفاسده قيمة ( تبين الأرش خاصة ، لمكان التصرف ) فان الشيء إذا تصرف فيه المشترى ، ثم ظهر معيبا ، لا يحق له ان يرده ، بل له حق الأرش فقط

( ويظهر من المبسوط قوله بأنه لو كان تصرفه ) في الفاسد ( على قدر يستعلم فيه فساد المبيع ) وصحته ، كما لو ثقب البيض بالإبرة مثلا ( لم يسقط الرد ) لأنه لا يعد تصرفا .

فان التصرف المسقط للرد منصرف عن هذا التصرف الجزئي .

( و ) كيف كان ، ف ( المراد بالأرش تفاوت ما بين صحيحه وفاسده غير المكسور ) .

فالصحيح مثلا عشرة ، والفاسد تسعة فالأرش عبارة عن واحد ( لان

ص: 215

الكسر نقص حصل في يد المشترى .

ومنه يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة لان العبرة في التمول بالفاسد غير المكسور ، ولا عبرة بخروجه ، بالكسر عن التمول

ويبطل البيع في الثاني اعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط والسرائر ، وظاهر من تأخر عنهما ، وظاهرهم بطلان البيع من رأس

_________________________

الكسر نقص حصل في يد المشترى ) فلا يتحمله البائع .

( ومنه ) اى مما ذكرنا من أن ملاحظة الأرش تكون قبل الكسر - لا بعد الكسر - ( يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة ) كما لو كان لصحيحه عشرة ، ولفاسده قبل الكسر واحد ، ولا شيء لمكسوره أصلا ، فإنه يستحق من البائع رد تسعة ، لان ، الواحد الّذي ذهب بالكسر كان بفعل المشترى ، فلا يحق له ان يسترده من البائع ( لان العبرة في التمول ) اى المالية ( بالفاسد غير المكسور ) والتفاوت تسعة - في المثال - ( ولا عبرة بخروجه ، ب ) سبب ( الكسر عن التمول ) اطلاقا ، لأنه بفعل المشترى .

اللهم الا ان يقال : ان المشترى مغرور ، والمغرور يرجع إلى من غرّ ، فله ان يسترد من البائع كل العشرة .

( ويبطل البيع في الثاني ) هذا عطف على « ففي الأول تعيّن الأرش خاصة » ( اعني ما لم يكن لفاسده قيمة ) لأنه لم يأخذ مالا من البائع فكيف يعطيه شيئا من الثمن ؟ ( وفاقا للمبسوط والسرائر ، وظاهر من تأخر عنهما ، وظاهرهم بطلان البيع من رأس ) حتى أن البيع غير منعقد من

ص: 216

كما صرح به الشيخ ، والحلى ، والعلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه على ما لا قيمة له كالحشرات ،

وهو صريح جملة ممن تأخر عنهم ، وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس ، فان ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد لا من أصله وجعل الثاني احتمالا ، ونسبه إلى ظاهر الجماعة ، ولم يعلم وجه ما اختاره .

ولذا نسب في الروضة خلافه إلى الوضوح ، وهو كذلك .

_________________________

الأول ( كما صرح به الشيخ والحلى ، والعلامة في التذكرة مستدلين ) للبطلان ( بوقوعه على ما لا قيمة له كالحشرات ) التي لا يصح بيعها لأنها لا قيمة لها .

( وهو ) اى بطلان البيع من رأس ( صريح جملة ممن تأخر عنهم ، وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس ، فان ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد ) اى فساد المبيع الّذي ليس لفاسده قيمة ( لا من أصله ) بان لم ينعقد البيع من رأس ، كما قال أولئك ( وجعل ) الشهيد ( الثاني ) وهو البطلان من رأس ( احتمالا ونسبه ) إلى البطلان من رأس ( إلى ظاهر الجماعة ، ولم يعلم وجه ما اختاره ) من الفساد من حين تبين الفساد .

( ولذا ) الّذي ان كلامه ليس ظاهر الوجه ( نسب في الروضة خلافه ) اى خلاف كلام الشهيد ، والخلاف هو البطلان من رأس ( إلى الوضوح وهو كذلك ) اى واضح .

ص: 217

فان الفاسد الواقعي ان لم يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا ، لان اشتراط تحول العوضين واقعي لا علمي .

وان كان من الأموال الواقعية فإن لم يكن بينه وبين الصحيح تفاوت في القيمة ، لم يكن هنا أرش ، ولا رد ، بل كان البيع لازما وقد تلف المبيع بعد قبضه .

_________________________

( فان الفاسد الواقعي ان لم يكن من الأموال الواقعية ) في نظر الواقع ( كان العقد عليه فاسدا ، لان اشتراط تحول العوضين ) اى كونهما مالا ( واقعي ) يدور مدار الواقع ( لا علمي ) بحيث ان الانسان إذا علم المالية ، كان مالا ، وإذا علم عدم المالية لا يكون مالا .

( وان كان من الأموال الواقعية فإن لم يكن بينه وبين الصحيح تفاوت في القيمة ) كما لو كان بيض النعامة فاسده وصحيحه بقيمة واحدة لكن الغالب شرائه للأكل فاشتراه له ثم تبين فساده بعد أن كسره - مثلا - ( لم يكن هنا أرش ) لعدم التفاوت ( ولا رد )

اللهم الا إذا كان غير مقصود للمشترى لان مقصود الّذي صب عليه القبول هو الصحيح ، لأنه أراد ان يأكله ، فان له حق الرد حينئذ ، بل هو مردود من أصله ، لأنه غير مبيع .

نعم : إذا كان الأكل على نحو الداعي لم يكن وجه للرد لان تخلف الداعي لا يوجب ردا ( بل كان البيع لازما وقد تلف ) بسبب الكسر ( المبيع بعد قبضه ) لان تساوى قيمة صحيح البيض ، وفاسده انما هو لأجل المنظر حيث يقتنى بيض النعام لأجل منظره ، فإذا كسر بطلت هذه

ص: 218

وان كان بينه وبين الصحيح الواقعي تفاوت ، فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين الصحيح والفاسد من الثمن ، لا جميع الثمن .

اللهم الا ان يقال : انه مال واقعي إلى حين تبين الفساد فإذا اسقط عن المالية - لامر سابق على العقد وهو فساده واقعا - كان في ضمان البائع فينفسخ البيع حينئذ .

بل يمكن ان يقال : بعدم الانفساخ ، فيجوز له الامضاء فيكون

_________________________

الفائدة وتلف البيض .

( وان كان بينه ) اى بين الفاسد ( وبين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم ) بعد الكسر ( هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين الصحيح والفاسد من الثمن ، لا ) استرجاع ( جميع الثمن ) لان المشترى اخذ شيئا له مالية في الجملة .

( اللهم الا ان يقال ) في توجيه كلام الشهيد الأول القائل بان الفسخ من حين الكسر ، لا البطلان من اوّل الامر ( انه مال واقعي إلى حين تبين الفساد ) بالكسر ( فإذا اسقط عن المالية - لامر سابق على العقد وهو ) اى ذلك الامر ( فساده واقعا - كان في ضمان البائع ) من باب ان المشترى مغرور ، والمغرور يرجع إلى من غرّ ، والغار له هو البائع ( فينفسخ البيع حينئذ ) اى حين تبين الفساد .

( بل يمكن ان يقال : بعدم الانفساخ ) بعد الكسر أيضا إذ المكسور أيضا له مالية أو فيه حقيّة ، فان المالك يتعلق حقه بالمكسور ، وان لم يكن المكسور مالا ( فيجوز له ) اى للمشترى ( الامضاء ) وعدم الفسخ ( فيكون

ص: 219

المكسور ملكا له ، وان خرج عن المالية ، بالكسر ، وحيث إن خروجه عن المالية لامر سابق على العقد كان مضمونا على البائع .

وتدارك هذا العيب اعني فوات المالية لا يكون الا بدفع تمام الثمن ، لكن سيجيء ما فيه من مخالفة القواعد والفتاوى .

وفيه وضوح كون ماليته عرفا وشرعا من حيث الظاهر .

واما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من اوّل الامر

_________________________

المكسور ملكا له ، وان خرج عن المالية ، ب ) سبب ( الكسر ، و ) لكن إذا امضى كان له ان يأخذ تمام الثمن .

وذلك ( حيث إن خروجه ) اى المكسور ( عن المالية ) اى عدم المالية له ( لامر سابق على العقد ) وهو الفساد ( كان مضمونا على البائع ) .

( وتدارك هذا العيب ) السابق على العقد ( اعني فوات المالية ) اى عدمها ( لا يكون الا بدفع تمام الثمن ، لكن سيجيء ما فيه ) اى ما في « يمكن ان يقال » ( من مخالفة القواعد والفتاوى ) .

( وفيه ) اى في تصحيح كلام الشهيد من أن تبين الفساد يوجب ذهاب المالية ، والا فهو قبل التبين مال واقعي ( وضوح كون ماليته عرفا وشرعا من حيث الظاهر ) اى يزعم أنه له مالية ، لا ان له مالية واقعية .

( واما إذا انكشف الفساد حكم ) عليه ( بعدم المالية الواقعية من اوّل الامر ) قبل البيع .

فهو مثل ان يتخيل ان المائع خل ، ثم تبيّن انه خمر ، فإنه لا يسقط عن المالية بالتبين ، وانما ينكشف عن انه لم يكن مالا من اوّل الامر

ص: 220

مع أنه لو كان مالا واقعا ، العيب حادث في ملك المشتري ، فان العلم مخرج له عن المالية ، لا كاشف ، فليس هذا عيبا مجهولا .

ولو سلم فهو كالارمد يعمى بعد الاشتراء ، والمريض يموت مع أن فوات المالية يعد تلفا ، لا عيبا .

_________________________

بانكشاف كونه خمرا ( مع أنه لو كان مالا واقعا ) إلى حين العلم ، وبالعلم تسقط ماليته - كما هو ظاهر كلام الشهيد - ف ( العيب ) ليس حادثا في ملك البائع ، حتى يكون مكلّفا بالتدارك ، بل هو ( حادث في ملك المشتري ، فان العلم مخرج له عن المالية ) حسب الفرض ( لا كاشف ) عن عدم المالية السابقة ( فليس هذا عيبا مجهولا ) حتى يكون خسارته على البائع .

( ولو سلم ) ان العلم لا يوجب وجود العلم ، بل كاشف عن العيب السابق ، نقول أيضا البائع ليس ضامنا له ( فهو ) اى هذا العيب مثله ( كالارمد يعمى بعد الاشتراء ، والمريض يموت ) فان الخسارة على المشترى .

إذ : التلف قبل القبض من مال مالكه ، والتلف في زمن الخيار ممن لا خيار له .

اما التلف بدون هذين العنوانين فهو من كيس المالك الحالي ( مع أن فوات المالية ) بالكسر ( يعد تلفا ، لا عيبا ) فليس من قبيل اخذ الأرش حتى يكون للمشترى استرجاع جميع الثمن ، مع البيض المكسور ، فإنه جمع بين العوض والمعوض ولا يخفى ما في بعض هذه الايرادات

ص: 221

ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار ملكية المشترى الثمن إلى حين تبين الفساد .

وعن الدروس واللمعة انها تظهر في مئونة نقله عن الموضع الّذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره ، فعلى الأول على البائع ، وعلى الثاني على المشترى ، لوقوعه في ملكه .

وفي جامع المقاصد الّذي يقتضيه النظر انه ليس له

_________________________

من النظر .

( ثم إن فائدة الخلاف ) في كون الانفساخ من حين التبين كما ذكره الشهيد ، أو ان العقد باطل من أصله كما نقوله نحن ( تظهر في ترتب آثار ملكية المشترى الثمن إلى حين تبين الفساد ) لان البيع ان كان فاسدا من أصله فثمر الثمن ونتاجه للمشترى ، وان فسد من حين التبين كان نتاج الثمن للبائع .

وكذلك تظهر في فوائد المثمن ، فلو أوجر البيض للاقتناء مدة فإذا كان البيع فاسدا كانت الأجرة للبائع ، والا كانت للمشترى .

( وعن الدروس واللمعة انها ) اى فائدة الخلاف ( تظهر في مئونة نقله عن الموضع الّذي اشتراه ) المشترى ( فيه ) اى في ذلك الموضع ( اى موضع اختباره ، فعلى الأول ) اى الفساد من أصل البيع تكون المئونة ( على البائع ، وعلى الثاني ) اى الفساد من حين التبين ( على المشترى لوقوعه ) اى النقل ( في ملكه ) اى ملك المشتري .

( وفي جامع المقاصد الّذي يقتضيه النظر انه ليس له ) اى للمشترى

ص: 222

رجوع على البائع بها لانتفاء المقتضى .

وتبعه الشهيد الثاني ، قال : لأنه نقله بغير امره فلا يتّجه الرجوع عليه بها .

وكون المشترى هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث رجع بما غرّم انّما يتّجه مع الغرور .

وهو منفى هنا ، لاشتراكهما

_________________________

( رجوع على البائع بها ) اى بالمئونة ( لانتفاء المقتضى ) للرجوع إلى البائع - حتى على القول بالبطلان من اوّل الامر ، خلافا لما تقدم عن الشهيد الأول - .

( وتبعه الشهيد الثاني ، قال : لأنه ) اى المشترى ( نقله ) اى المتاع ( بغير امره ) اى امر البائع ( فلا يتّجه الرجوع عليه ) اى على البائع ( بها ) اى بالمئونة .

( و ) ان قلت : للمشترى حق الرجوع إلى البائع بمئونة النقل ، لأنه مغرور ، والمغرور يرجع إلى من غرّ .

قلت : ( كون المشترى هنا كجاهل استحقاق المبيع ) فيما إذا باع البائع مال الغير ، وكان المشترى جاهلا بان المال ليس للبائع ( حيث رجع ) المشترى إلى البائع ( بما غرم ) فيما إذا كان جاهلا بان المال حق للغير ، ليس بتام ، ل ( انّما يتّجه مع الغرور ) بان كان البائع غاشا والمشترى مخدوعا .

( وهو ) اى الغرور ( منفى هنا ) في بيع الشيء الفاسد ( لاشتراكهما )

ص: 223

في الجهل ، انتهى .

واعترض عليه بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار .

وهنا قول ثالث نفى عنه البعد بعض الأساطين ، وهو كونه على البائع على التقديرين .

وهو بعيد على تقدير الفسخ من حين تبين الفساد

_________________________

البائع والمشترى ( في الجهل ، انتهى ) لفرض ان كليهما لا يعلمان بالفساد ، فلا يصدق على البائع « من غرّ » لان ظاهره التغرير عمدا .

وقوله « وكون المشترى » مبتداء و « انه يتجه » خبره .

( واعترض عليه ) اى على هذا الجواب الّذي مضمونه ان المشترى ليس مغرورا ( بان الغرور لا يختص بصورة علم الغار )

ولذا لو قدم زيد إلى عمرو طعام بكر ، بعنوان انه طعام نفسه ، فاكله عمرو جاهلا ، كان قرار الضمان على زيد ، لأنه غارّ ، وان كان زيد جاهلا وقد ظن بأن الطعام لنفسه .

( وهنا ) اى في مئونة النقل ( قول ثالث نفى عنه العبد بعض الأساطين وهو كونه على البائع على التقديرين ) اى تقدير الفساد من اوّل الامر ، وتقدير الفساد من حين التبين .

وذلك لان البائع غارّ في الصورتين فالمشترى يرجع إليه .

( وهو ) اى هذا القول ( بعيد على تقدير الفسخ من حين تبيّن الفساد ) .

إذ : على هذا التقدير يكون المشترى قد نقل مال نفسه ، فلما ذا

ص: 224

هذا كله في مئونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر .

واما مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه لمطالبة مالكه ، ولكونه مسجدا ومشهدا .

فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة ، فالظاهر أنه على البائع على التقديرين ، لأنه بعد الفسخ ملكه .

واما لو لم يكن قابلا للتملك ، فلا يبعد مؤاخذة المشترى به ،

_________________________

يأخذ مئونة النقل من البائع الأجنبي عن المتاع - حسب الفرض - ؟

( هذا كله في مئونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر ) .

( واما مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه ) اى تفريغ موضع النقل ( منه ) اى من هذا الشيء الفاسد المكسور ( لمطالبة مالكه ) اى مالك ذلك الموضع بالتفريغ ( ولكونه ) اى ذلك الموضع ( مسجدا ) فيحرم اشغاله بما يزاحم المصلين ( أو مشهدا ) فإنه في حكم المسجد ، من جهة تحريم اشغاله بما يزاحم ما وقف لأجله .

( فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة ) حيث إنها ملك ، وليس بمال ( فالظاهر أنه ) اى التفريغ ( على البائع على التقديرين ) تقدير كون الكسر كاشفا عن عدم الملك من الأول ، أو موجبا لعدم الملك من الحال ( لأنه ) اى المكسور ( بعد الفسخ ) بالكسر ( ملكه ) اى ملك البائع فان المالك هو المسؤول عن الأمور المرتبطة بملكه .

( واما لو لم يكن قابلا للتملك ) بأن لم ير العرف فيه حتى حق الاختصاص ( فلا يبعد مؤاخذة المشترى به ) اى بأنواع المحل منه ، لأنه

ص: 225

وفي رجوعه على البائع ما تقدم في مئونة نقله إلى موضع الكسر .

ثم : ان المحكى في الدروس عن الشيخ واتباعه : انه لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح .

قال : ويشكل انه اكل مال بالباطل .

وتبعه الشهيد ، والمحقق الثانيان ، وقد تصدى بعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة ، بما حاصله : منع بطلان البيع وان استحق

_________________________

السبب القريب لاشغال المكان ، فيكون حاله حال من القى النفايات في مكان محترم ، كالمسجد والمشهد ، فإنه مسؤول بتنحيته عن ذلك المكان ( وفي رجوعه ) اى المشترى ( على البائع ) في مئونة النقل ( ما تقدم في مئونة نقله إلى موضع الكسر ) من كونه غارا للمشترى ، والمغرور يرجع إلى من غرّ ، أو ليس المقام من الغرور لأن البائع أيضا جاهل بالحال .

( ثم : ان المحكى في الدروس عن الشيخ واتباعه : انه لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره ) كبيض الدجاج - مثلا - ( صح ) البيع والتبري ، فإذا ظهر فاسدا لم يكن شيء على البائع .

( قال : ويشكل ) ان يكون البيع صحيحا ، ب ( انه اكل مال بالباطل ) فان البائع الّذي يأكل الثمن لم يعط إلى المشترى مالا حتى يستحق هذا الثمن .

( وتبعه الشهيد والمحقق الثانيان ) في ان اكل البائع حينئذ للثمن اكل للمال بالباطل ( وقد تصدى بعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة ) من العيب ( بما حاصله : منع بطلان البيع وان استحق

ص: 226

المشترى مجموع الثمن ، من باب الأرش المستوعب ، فان الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب ، لا انه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن .

ولذا يسقط بالاسقاط .

ولا يتعين على البائع الاعطاء من نفس الثمن

_________________________

المشترى مجموع الثمن ، من باب الأرش المستوعب ) للثمن .

وانما يكون البيع صحيحا ، لأن الأرش المستوعب ليس ثمنا مردودا إلى المشترى ، حتى يقال : كيف يمكن صحة البيع ؟ مع كون الثمن يرجع بجميعه إلى المشترى ( فان الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب ) كالأرش في الانسان الحىّ ، إذا تعدى عليه ، فإنه ليس ثمنا إذ الحر لا يثمن ( لا انه ) اى الأرش ( جزء من الثمن استحق ) هذا الجزء ( بسبب فوات ما قابله من المثمن ) حتى يكون صحة البيع موجبة لجمع الثمن والمثمن لدى المشترى .

( ولذا ) الّذي كان الأرش غرامة لا ثمنا ( يسقط بالاسقاط ) .

فإذا قال المشترى : أسقطت عنك أيها البائع الأرش ، سقط عنه .

ولو كان الأرش ثمنا لم يكن وجه لسقوطه ، إذ لا معنى لاسقاط الانسان ملك نفسه .

ومن المعلوم : ان الاسقاط غير الاعراض عن الملك ، فلا يقال : كما يمكن الاعراض يمكن الاسقاط .

( و ) لذا أيضا ( لا يتعين على البائع الاعطاء ) اى اعطاء المشترى ( من نفس الثمن ) ولو كان جزءا من الثمن وجب ارجاعه من نفسه ، لأن

ص: 227

ليسقط بالتبري .

وليس هذا كاشتراط عدم البيع في عقد البيع ، إذ المثمن يتحقق على حسب معاملة العقلاء ، ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في صحة البيع

_________________________

البائع لم يملك هذا المقدار منه في مقابل عدم تملك المشترى لجزء من المثمن حيث إن الأرش غرامة وليس جزءا من الثمن ( ليسقط ) الأرش ( بالتبري ) اى ما لو تبرأ البائع من العيب .

( و ) ان قلت : إذا كان المبيع فاسدا بحيث لا يملك أصلا وتبرأ البائع من العيب ، وقلتم بصحة التبري ، لزم ان يصح اشتراط البائع عدم المثمن أصلا ، ومن المعلوم انه لا يصح عدم المثمن فكذلك لا يصح التبري من العيب في صورة عدم المالية للمبيع ؟

قلت : ( ليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع ) بان يقول البائع : بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط ان لا يكون الكتاب ملكا لك .

وانما ليس التبري كاشتراط عدم المبيع ( إذ المثمن ) في مسألة التبري ( يتحقق على حسب معاملة العقلاء ) إذ العقلاء يرون وجود الثمن عند المعاملة - إذ البيض موجود فعلا وهو مثمن يرى العقلاء صحة ايقاع البيع عليه - ( ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك ) اى من تحقق المثمن عند المعاملة ( في صحة البيع ) .

والمراد بالأزيد هي المالية الواقعية التي هي أزيد من المالية العقلائية عند المعاملة .

ص: 228

فمع فرض رضاه بذلك ، يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو .

نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب .

ولعله لذا لم يعبروا بالبطلان وان ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن .

وفهم منه جماعة بطلان البيع ، لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية ، وان لم يكن له قيمة

_________________________

( فمع فرض رضاه ) اى المشترى ( بذلك ) اى باشتراط براءة البائع ( يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو ) اى نحو يكون فساد المبيع غير موجب لاستحقاقه الرجوع .

والانسان إذا اقدم على تلف ماله لم يكن له الرجوع ، كما لو اعطى الانسان طعامه للضيف فإنه لا يحق له ان يرجع إلى المال .

( نعم لو لم يشترط ) البائع البراءة من الثمن ( استحق الرجوع بالأرش المستوعب ) لكل الثمن ، لأنه مال معيب ، فله الأرش .

( ولعله لذا ) الّذي ذكرنا من أنه مستحق للأرش - وان كان مستوعبا - وذلك بصحة البيع ( لم يعبروا بالبطلان ) إذ لا وجه للبطلان بعد وجود شرائط صحة العقد فيه ( وان ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن ) الظاهر من لفظ الثمن البطلان ، لكنهم أرادوا الأرش المستوعب .

( وفهم منه ) اى من لفظ الثمن ( جماعة بطلان البيع ، لكنه ) اى الفهم المذكور ( قد يمنع ) لأن الثمن أعم من الأرش ، فلا يفيد ذكر الثمن البطلان فان ذكر العام لا يدل على الخاص ، فلا بطلان ( ب ) سبب ( عدم خروجه ) اى المبيع الّذي لا قيمة له ( عن المالية ، وان لم يكن له قيمة ) لبقاء الحق

ص: 229

وهو أعم من بطلان البيع ، انتهى محصله .

وفيه مواقع للنظر ، فان المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع ، كالشيخ في المبسوط ، والحلى في السرائر ، والعلامة في التذكرة معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له ، وبين من صرح برجوع المشترى بتمام الثمن الظاهر في البطلان فان الرجوع بعين الثمن ، لا يعقل من دون البطلان

_________________________

في مكسوره ( وهو ) اى الثمن ( أعم من بطلان البيع ) لإمكان ان يستحق المشترى تمام الثمن لبطلان البيع ، أو يستحقه بعنوان الأرش ( انتهى محصله ) اى محصل ما ذكره البعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة .

( وفيه مواقع للنظر ، فان المتعرضين ل ) هذه ( المسألة بين مصرح ببطلان البيع ) فيما لم يكن لمكسوره قيمة ( كالشيخ في المبسوط ، والحلّى في السرائر ، والعلامة في التذكرة ، معللين ذلك بأنه لا يجوز ) ولا ينفذ ( بيع ما لا قيمة له ، وبين من صرح برجوع المشترى بتمام الثمن الظاهر في البطلان ) .

والظهور لا ينافي امكان معنى آخر ، لكن الاعتبار بالظاهر في دلالة الألفاظ ، وليست الأدلة اللفظية كالأدلة العقلية ، حيث يوجب الاحتمال في الدليل العقلي بطلان الاستدلال .

وما ذكروا من « ان الاحتمال يبطل الاستدلال » انما هو في الأدلة العقلية ، كما لا يخفى ( فان الرجوع بعين الثمن ، لا يعقل من دون البطلان ) إذ لو كان أرشا لم يجب ان يكون عين الثمن بل جاز ما يكون قيمة للثمن

ص: 230

ويكفى في ذلك ما تقدم من الدروس من أن ظاهر الجماعة البطلان من اوّل الأمر ، واختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش .

بل ظاهر العلامة ره في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث إنه بعد حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له وحكاية ذلك عن بعض الشافعية قال وقال بعضهم بفساد البيع ، لا لهذه العلة ، بل لأن الرد ثبت على سبيل استدراك الظلامة .

_________________________

مساويا له ، والمراد عدم المعقولية حسب الظاهر الشرعي ، لا عدم المعقولية حقيقة ، كما لا يخفى .

( ويكفى في ذلك ) اى في ان مرادهم البطلان ( ما تقدم من الدروس من أن ظاهر الجماعة ) اى الفقهاء ( البطلان من اوّل الأمر ، واختار ) الدروس ( قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد ) لا من اوّل الأمر ( فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش ) لأنهم كلا قائلون بالفساد اما من اوّل الأمر أو من حين التبين .

( بل ظاهر العلامة ره في التذكرة عدم هذا القول ) اى الصحة والأرش ( بين المسلمين حيث إنه بعد حكمه ) اى العلامة ( بفساد البيع معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له ) فكأنه العقد بلا مثمن أصلا ( وحكاية ذلك ) البطلان ( عن بعض الشافعية قال ) العلامة ( وقال بعضهم ) اى بعض الشافعية ( بفساد البيع ، لا لهذه العلة ) اى علة انه لا قيمة له ( بل لأن الرد ثبت على سبيل استدراك الظلامة ) - وهي عبارة عن الأرش - .

ص: 231

وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع ، ويظهر فائدة الخلاف في ان القشور الباقية بمن يختص حتى يجب عليه تطهير الموضع عنها ، انتهى هذا .

مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان - بناء على ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا وعرفا حكم ظاهري ، وتمول العوضين واقعا شرط واقعي لا علمي .

_________________________

( وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع ) كما لو كانت القيمة مائة وكان ناقصا بما يساوى عشرة ، فان المشترى يرجع إلى العشرة ( كذلك يرجع ) المشترى ( بكل الثمن عند فوات كل المبيع ) .

ومن المعلوم : ان ظاهر هذا الكلام البطلان عند الكل ، إذ لا قائل بالصحة .

ثم قال العلامة ( ويظهر فائدة الخلاف ) بين البطلان ، وبين الصحة واستحقاق تمام الثمن من باب الأرش ( في ان القشور الباقية بمن يختص ) بالبائع لبطلان البيع ، أو بالمشترى لصحة البيع واستحقاقه الأرش ( حتى يجب عليه تطهير الموضع عنها ) اى من تلك القشور ( انتهى ) كلام العلامة ( هذا ) وجه الاشكال في القول باستحقاق الأرش .

( مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان - بناء على ما ذكرنا من القطع - ) اى انا نقطع ( بأن الحكم بمالية المبيع هنا ) في بيع ما ليس لمكسوره الفاسد قيمة ( شرعا وعرفا حكم ظاهري ، وتمول العوضين ) اى كونها مالا ( واقعا ) وحقيقة لا ظاهرا وخيالا ( شرط واقعي لا علمي ) فليس

ص: 232

ولذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا ، وغير ذلك ، إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما .

ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية وبين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم فلعله أراد الملكية .

_________________________

من قبيل نجاسة البدن في الصلاة بل من قبيل عدم الطهارة عن الحدث في الصلاة ، فإنه إذا فقد الشرط الواقعي بطل الشيء واقعا وظاهرا .

اما إذا فقد الشرط العلمي فان علم الانسان بالفقد كان باطلا ، والا كان صحيحا .

( ولذا ) الّذي ذكرنا من أن الشرط الواقعي إذا كان مفقودا أوجب البطلان حقيقة ( لم يتأمل ذو مسكة ) من لفهمه امساك عن الانسياق وراء الأوهام ( في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا ) لفقد المالية فيهما .

فلو باعهما جاهلا بظن انّه عبد وانها خلّ كان البيع باطلا ( وغير ذلك ) من أمثلة عدم المالية .

وانما قسنا ما نحن فيه بالحر والخمر ( إذ انكشاف فقد العوض ) اى المثمن ( مشترك بينهما ) اى بين ما نحن فيه وبين الخمر والحر .

( ثم إن الجمع بين عدم خروجه ) اى البيض الفاسد ( عن المالية ، وبين عدم القيمة لمكسوره ، مما لم يفهم ) للتلازم بين عدم المالية وعدم القيمة .

( فلعله أراد ) ب « المالية » ( الملكية ) الشاملة لمثل حبة الحنطة .

حيث إنهم ذكروا ان بين الأمرين عموما مطلق إذ كل مال للانسان ملك له ، وليس كل ملك للانسان له مالية .

ص: 233

مضافا إلى أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال ، لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب .

نعم ذكر العلامة في التذكرة ، والتحرير ، والقواعد ان المشترى للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ ، فيسترد الثمن أو طلب الأرش .

فان استوعب الجناية القيمة كان الأرش جميع الثمن أيضا .

_________________________

( مضافا إلى أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال ) وان كان ممكن عقلا ( لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب ) والاستيعاب ليس تفاوتا وانما هو كل الثمن .

( نعم ) يمكن ان يتصور بما ( ذكر ) ه ( العلامة في التذكرة ، والتحرير والقواعد ) من ( ان المشترى للعبد الجاني عمدا ) اى كانت جنايته عمدية وإذا جنى العبد عمدا تخير المجنى عليه بين استرقاقه ، وبين اخذ دية الجناية من مولاه ( يتخير ) المشترى ( مع الجهل ) بأن العبد جان عمدى ( بين الفسخ ، فيسترد الثمن ) اى يأخذ الثمن من مولاه ( أو طلب الأرش ) من المولى .

( فان استوعب الجناية القيمة ) بأن كانت جناية العبد بمقدار قيمته .

مثلا كانت جنايته على عين واحدة من حر ، وقيمته خمسمائة دينار ( كان الأرش جميع الثمن أيضا ) اى كما كان له استرداد كل الثمن في صورة الفسخ .

ص: 234

وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد ، فراجع .

وكيف كان فلا أجد وجها لما ذكره .

وأضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ واتباعه بصحة البيع واشتراط البائع على المشترى البراءة من العيوب .

وزعم أن معنى اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشترى على البائع البراءة من العيوب ، فيكون مراد فالاشتراط الصحة .

_________________________

( وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام ) بأنه كيف يمكن ان يكون الأرش تمام الثمن ؟ ( بما لا يخلو عن بعد فراجع ) .

( وكيف كان ) الأمر ( فلا أجد وجها لما ذكره ) ذلك البعض الّذي أراد توجيه كلام الشيخ .

( وأضعف من ذلك ) التوجيه الّذي تقدم لكلام الشيخ ( ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ واتباعه ) اى حكمهم ( بصحة البيع ) اى انهم لا يقولون بصحة البيع ( واشتراط البائع على المشترى البراءة من العيوب ) .

( وزعم ) هذا البعض ( ان معنى اشتراط البراءة في كلامهم ) اى كلام الشيخ واتباعه ( اشتراط المشترى على البائع البراءة من العيوب ) بأن يقول المشترى : انى اشترط عليك ان لا يكون في المبيع عيب ( فيكون ) اشتراط المشترى ( مراد فالاشتراط الصحة ) اى اشتراط المشترى على البائع صحة المبيع .

ص: 235

وأنت خبير بفساد ذلك بعد ملاحظة عبارة الشيخ والاتباع ، فان كلامهم ظاهر ، أو صريح في ان المراد براءة البائع من العيوب ، لا المشترى .

نعم : لم أجد في كلام الشيخين ، والمحكى عن غيرهما تعرض لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره .

ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب غير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر ، فان بيع ما لا يعلم صحته وفساده

_________________________

( وأنت خبير بفساد ذلك ) الزعم ( بعد ملاحظة عبارة الشيخ والاتباع ، فان كلامهم ظاهر ، أو صريح في ان المراد براءة البائع من العيوب ، لا ) براءة ( المشترى ) .

( نعم ) يمكن ان يقال : ان الاشكال ليس واردا على الشيخ من جهة أخرى ، وهي انى ( لم أجد في كلام الشيخين ، والمحكى عن غيرهما تعرض لذكر هذا الشرط ) براءة البائع من عيوب المبيع ( في خصوص ما لا قيمة لمكسوره ) .

ولعل ظاهر كلامهم ما لمكسوره قيمة ، فلا يرد عليهم اشكال الأرش المستوعب ، هذا كله في اشتراط البراءة من العيب المستوعب للثمن .

( ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب غير المخرجة عن المالية ) كما لو كان معيبا بما يوجب سقوط ثلث المالية - مثلا - ( أيضا ) كما لا يصح اشتراط البراءة من العيوب المخرجة ( بلزوم الغرر ) متعلق ب « يستشكل » ( فان بيع ما لا يعلم صحته وفساده ) سواء لم يعلم أحدهما ، أو كلاهما

ص: 236

لا يجوز ، الا بناء على اصالة الصحة واشتراط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب وعدمها .

وقد صرح العلامة ، وجماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة .

وسيجيء توضيحه في باب الخيارات إن شاء الله تعالى .

_________________________

( لا يجوز ، الا بناء على اصالة الصحة واشتراط البراءة ) .

ينافي اصالة الصحة ، لأنه ( كان بمنزلة البيع من غير اعتداد ) واعتناء ( بوجود العيوب وعدمها ) اى عدم العيوب .

( و ) يؤيد هذا الاشكال : انه ( قد صرح العلامة ، وجماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة ) لأنه يوجب الغرر وما نحن فيه مثل ذلك .

( وسيجيء توضيحه ) اشكالا وجوابا ( في باب الخيارات ان شاء اللّه تعالى ) وانه لا اشكال في مثل هذا الاشتراط في الجملة .

ص: 237

مسئلة المشهور من غير خلاف يذكر ، جواز بيع المسك في فأره ،

والفأر بالهمزة ، قيل جمع فأرة كتمر وتمرة .

وعن النهاية انه قد لا يهمز تخفيفا .

ومستند الحكم : العمومات غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص .

عدا توهم النجاسة المندفعة في باب النجاسات ، بالنص والاجماع .

أو توهم جهالته

_________________________

( مسألة ) في بعض فروع البيع ( المشهور من غير خلاف يذكر ، جواز بيع المسك في فأره ) وهي الجلدة التي فيها المسك ( والفأر بالهمزة قيل جمع فأرة كتمر وتمرة ) .

والظاهر أنه جنس لا جمع ، والفارق بين الجنس والفرد ، التاء .

( وعن النهاية انه قد لا يهمز تخفيفا ) فان الهمزة اثقل من الألف .

( ومستند الحكم ) بالجواز ( العمومات ) الدالة على الجواز ( غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص ) بأن يدل على عدم الجواز في هذا الموضع الخاص ، فالعام هو المحكم .

( عدا توهم النجاسة ) .

حيث إن الجلد جزء من الحيوان غير المذكى - فيما إذا فرض انفصال الفأر عن الحيوان قبل تذكيته - فهو نجس ، ولا يجوز بيع نجس العين ( المندفعة في باب النجاسات ، بالنص والاجماع ) على أن الفأر ليس كذلك .

( أو توهم جهالته ) إذ لا يعرف ان المسك في الفأر صحيح أو فاسد

ص: 238

بناء على ما تقدم من احتمال عدم العبرة باصالة الصحة في دفع الغرر .

ويندفع بما تقدم من بناء العرف على الأصل في نفى الفساد .

وبناء الأصحاب على عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة .

لكنك خبير بأن هذا كله حسن ، لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد .

_________________________

( بناء على ما تقدم من احتمال عدم العبرة باصالة الصحة في دفع الغرر ) وذلك ما تقدم في المسألة السابقة .

وانما قلنا : بناء ، لأنه إذا لم يبن على ذلك جاز الاعتماد على اصالة الصحة ، فلم يكن في بيع الفأرة اشكال .

( ويندفع ) احتمال الجهالة ( بما تقدم من بناء العرف على الأصل ) اى أصل الصحة ( في نفى الفساد ) فلا وجه لاحتمال عدم العبرة باصالة الصحة .

( و ) من ( بناء الأصحاب على عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها ) اى مع تلك الأوصاف ( الصحة ) فيما إذا كانت تلك الأوصاف ، كان الشيء صحيحا والا كان فاسدا .

( لكنك خبير بأن هذا كله ) اى بناء العرف وبناء الأصحاب ( حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد ) .

فان أصل الصحة المعتبر عرفا وشرعا ينفى الغرر المحتمل من جهة الفساد .

ص: 239

واما الغرر من جهة تفاوت افراد الصحيح الّذي لا يعلم الا بالاختبار فلا رافع له .

نعم قد روى في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه .

لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة .

وكيف كان ، فإذا فرض انه ليس له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الّذي له دخل في القيمة ، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بادخال خيط فيها بإبرة ، ثم اخراجه وشمّه .

_________________________

( واما الغرر من جهة تفاوت افراد الصحيح الّذي لا يعلم ) ذلك التفاوت ( الا بالاختبار ) إذ : المسك على اقسام مختلفة جدا يتفاوت ثمن بعضها من بعض ( فلا رافع له ) إذ أصل الصحة انما هو في مقابل الفساد ، لا في مقابل الجهل بأنه اىّ قسم من اقسام الصحيح .

( نعم قد روى في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه ) فإذا ثبت هذا الدليل الخاص كان محكما على قاعدة لزوم العلم .

( لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة ) مجهولا ، لاحتمال كون الرواية بصدد بيان جواز بيع المسك ، لدفع توهم عدم الجواز من جهة انه نجس ، فلا دلالة فيها لما نحن فيه .

( وكيف كان ، فإذا فرض انه ليس له ) اى للمسك في داخل الفأرة ( أوصاف خارجية ) ظاهرة على الفأرة ( يعرف بها ) اى بتلك الأوصاف الخارجية ( الوصف الّذي له دخل في القيمة ، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بادخال خيط فيها بإبرة ، ثم اخراجه وشمّه ) وذلك لأنه بدون هذا العمل

ص: 240

ثم لو شمّه ، ولم يرض به ، فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه ولو بكونه جزءا أخير السبب النقص ، بأن فتق قبله بادخال الخيط والإبرة مرارا ، وجه مبنى على ضمان النقص في المقبوض بالسوم .

_________________________

مجهول وموجب للغرر ، وقد نهى النبي صلّى اللّه عليه وآله : عن بيع الغرر .

وانما جعله أحوط لا فتوى ، لاحتمال الكفاية بالظاهر لاكتفاء العرف بها في أكثر الأحيان .

( ثم لو ) فعل ذلك الاختبار ، و ( شمّه ، ولم يرض به ، فهل يضمن ) المختبر ( هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله ) اى النقص ( فيه ) اى في المسك بسبب هذا الاختبار ( ولو ) كان النقص ( ب ) سبب ( كونه ) اى هذا الاختبار ( جزءا أخيرا لسبب النقص ، بأن فتق قبله ) اى قبل هذا الاختبار من زيد مثلا ( بادخال الخيط والإبرة مرارا ) فتراكمت الاختبارات وسببت نقصها ( وجه ) لا بأس به ( مبنى على ضمان النقص في المقبوض بالسوم ) وهو ان يقبض الانسان المتاع ، لأجل ان يشتريه ، فينقص المتاع في يد المشترى بدون تعد أو تفريط ، فهل يضمن المشترى النقص ؟ لأنه نقص حصل في يده ، فيشمله : على اليد ما اخذت حتى تؤدى ، أو لا يضمن ، لأنه يد أمانة ، وليس على الأمين الا اليمين .

فما قلناه : في المقبوض بالسوم نقول به هنا في مسألة ادخال الإبرة في فأرة المسك ، لأن المسألتين من واد واحد .

ص: 241

فالأولى ان يباشر البائع ذلك ، فيشم المشترى الخيط .

ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف ، وهو كذلك .

وصرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة ، وهو حسن ، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر والصغر .

_________________________

( فالأولى ) تفاديا عن هذا الاشكال ( ان يباشر البائع ذلك ) الاختبار ( فيشم المشترى الخيط ) أو يقول البائع مقدما : ان المشترى برئ من النقص .

( ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف ، وهو كذلك ) لمعلومية اللؤلؤ غالبا عند أهله ، فلا يستلزم البيع الجهالة ، فيشمله دليل : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، وشبهه .

( وصرح ) العلامة ( بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة ، وهو ) اى عدم الجواز ( حسن ، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر والصغر ) والا كان مقتضى القاعدة الجواز لأنه لا جهالة في ذلك إذا كان الفرد المعتاد معلوما .

نعم : لو باع كل ما تبيضه هذه الدجاجة في مدة معينة ولم يعلم العدد ، لم يكن ذلك جائزا ، للجهالة .

ص: 242

مسئلة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه ،

لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة ، فيكون المجموع مجهولا ، إذ لا نعنى بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا .

ويتفرع على ذلك أنه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا لجهالته

و

_________________________

( مسألة : لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه ) كما لو باع ما في يده - من الجنس المجهول - وحده ، أو مع القلم المعلوم - مثلا - ( لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة ، فيكون المجموع مجهولا ) .

ان قلت : كيف يكون المجموع مجهولا ، والحال ان بعض أجزائه معلوم .

قلت : ( إذ لا نعنى بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا ) بل جهالة بعض الأجزاء كافية في جهالة المبيع ، المانعة عن صحة ايقاع البيع عليه فان النتيجة تابعة لأخس المقدمتين .

وان شئت قلت : ان الظاهر من أدلة لزوم معلومية المبيع ان يكون كل أجزاؤه معلوما ، فإذا صار بعض الاجزاء مجهولا لم تشمله : أدلة الصحة .

( ويتفرع على ذلك ) لزوم العلم بالبيع ( انه لا يجوز بيع سمك الآجام ) جمع أجمة محل القصب والماء ( ولو كان ) ذلك السمك ( مملوكا لجهالته ) اى السمك (

ص: 243

ان ضم إليه القصب أو غيره .

ولا اللبن في الضرع ، ولو ضم إليه ما يحلب منه ، أو غيره على المشهور ، كما في الروضة ، وعن الحدائق ، وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال ، أو منضما إلى المعلوم .

وجوّزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم ، وهو المحكى عن المختلف وشرح الارشاد لفخر الاسلام ، والمقتصر ، واستحسنه المحقق والشهيد الثانيان ، ولعل المانعين لا يريدون الا ذلك

_________________________

ان ضم إليه القصب أو غيره ) من الأشياء المعلومة .

( ولا ) يجوز بيع ( اللبن في الضرع ، ولو ضم إليه ما يحلب منه ) اى ما كان موجودا في الخارج ( أو غيره ) من الأمور المعلومة ( على المشهور ، كما في الروضة ، و ) حكى ( عن الحدائق ) الشهرة ( وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال ، أو منضما إلى المعلوم ) بان المقصود الأولى المجهول ، أو كان كل واحد من المعلوم والمجهول مقصودين بالانضمام .

( وجوزوا بيعه ) اى المجهول ( إذا كان تابعا للمعلوم ) كمن يشترى الدار ، فان أساسها مجهول لديه ، ومع ذلك يجوز البيع ، لأنه تابع لهيكل الدار الخارجي ( وهو المحكى عن المختلف ، وشرح الارشاد لفخر الاسلام ، والمقتصر ، واستحسنه المحقق ، والشهيد الثانيان ، ولعل المانعين ) عن بيع المجهول ( لا يريدون ) المنع ( الا ذلك ) المجهول التابع .

ص: 244

نظرا إلى أن جهالة التابع لا يوجب الغرر ، ولا صدق اسم المجهول على المبيع عرفا ، حتى يندرج في اطلاق ما دل من الاجماع على عدم جواز بيع المجهول فان أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول ، خلافا للشيخ في النهاية ، وابن حمزة في الوسيلة ، والمحكى عن الإسكافي ، والقاضي بل في مفتاح الكرامة ، ان الحاصل من التتبع ان المشهور بين المتقدمين هو الصحة ، بل عن الخلاف ، والغنية الاجماع في مسألة السمك واختاره من

_________________________

فالمانع أيضا يجوّز بيع المجهول إذا كان تابعا ( نظرا إلى أن جهالة التابع لا يوجب الغرر ) فلا مانع منه ( و ) كذلك ( لا ) يوجب ( صدق اسم المجهول على المبيع عرفا ) فلا يقال عند العرف : ان المبيع مجهول ( حتى يندرج ) المجهول التابع ( في اطلاق ما دلّ من الاجماع على عدم جواز بيع المجهول ) .

إذ المنصرف من المجهول في أدلة المنع ، المجهول المقصود بالأصل ، أو بالضميمة ( فان أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول ) كاشتراء الدار والدكان والبستان والحمام فان أسسها وعروق أشجارها مجهولة ، وكذلك الأجناس فان خصوصيات اللون والجنس والطعم والرائحة فيها مجهولة ، وهكذا ( خلافا للشيخ في النهاية ، وابن حمزة في الوسيلة ، والمحكى عن الإسكافي ، والقاضي بل في مفتاح الكرامة ، ان الحاصل من التتبع ان المشهور بين المتقدمين هو الصحة ) إذا كان المبيع مجهولا ( بل عن الخلاف ، والغنية الاجماع في مسألة السمك ) في الآجام ( واختاره من

ص: 245

المتأخرين المحقق الأردبيلي ، وصاحب الكفاية ، والمحدث العاملي ، والمحدث الكاشاني ، وحكى عن ظاهر غاية المراد ، وصريح حواشيه على القواعد ، وحجتهم على ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك واللبن وغيرهما .

ففي مرسلة البزنطي - التي ارسالها كوجود سهل فيها سهل - عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كانت أجمة ليس فيها قصب اخرج شيئا من سمك ، فباع وما في الأجمة .

ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :

_________________________

المتأخرين المحقق الأردبيلي ، وصاحب الكفاية ، والمحدث ) الحرّ ( العاملي ، والمحدث الكاشاني ، وحكى عن ظاهر غاية المراد وصريح حواشيه على القواعد ، وحجتهم ) اى المجوزين ( على ذلك ) الجواز ( الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك ) في الآجام ( واللبن ) في الضرع ( وغيرهما ) .

( ففي مرسلة البزنطي - التي ارسالها كوجود سهل فيها سهل - ) فان البزنطي من أصحاب الاجماع ، وسهل من مشايخ الإجازة ، فكلا الامرين لا يضرّان بحجية الرواية وصحة العمل بها خصوصا وان المشهور بين المتقدمين العمل بها ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كانت أجمة ليس فيها قصب ) والمراد بالاجمة هنا الماء النزيز ( اخرج ) المالك للأجمة ( شيئا من سمك ) ليكون معلوما ( فباع ) المخرج ( وما في الأجمة ) فإنه من ضم المعلوم إلى المجهول

( ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :

ص: 246

لا بأس بأن يشترى الآجام ، إذا كان فيها قصب .

والمراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة واللاحقة ورواية أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب ، انما هي ماء قال تصيد كفا من سمك ، تقول : اشترى منك هذا السمك ، وما في هذه الأجمة بكذا وكذا .

وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام - كما في الفقيه - قال سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال عليه السلام لا ، الا ان يحلب لك في سكرجة

_________________________

لا بأس بان يشترى الآجام إذا كان فيها قصب ) لان القصب معلوم ، فبيع السمك مع القصب يكون من باب ضم المعلوم إلى المجهول .

( والمراد ) بهذه الرواية ( شراء ما فيها ) من السمك ( بقرينة الرواية السابقة ، واللاحقة ، ورواية أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ، في شراء الأجمة ليس فيها قصب ) بل ( انما هي ماء ) فقط ، هل يجوز أم لا ؟

( قال : تصيد كفا من سمك ، تقول : اشترى منك هذا السمك ، وما في هذه الأجمة بكذا وكذا ) فان ذلك جائز .

( وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام - كما في الفقيه - قال سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال عليه السلام لا ، الا ان يحلب لك في سكرجة ) بضم السين والكاف والراء المشددة اناء صغير يكال فيه اللبن .

وظاهر الحديث املاء السكرجة باللبن لا حلب قليل من اللبن فيه

ص: 247

فتقول : اشتر منّى هذا اللبن الّذي في الاسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في السكرجة ، وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم ، نبيع البانها بغير كيل ، قال : نعم حتى ينقطع ، أو شيء منها بناء على أن المراد بيع اللبن الّذي في الضرع بتمامه أو بيع شيء منه محلوب في الخارج ، وما بقي في الضرع بعد حلب شيء منه .

_________________________

- كما لا يخفى - ( فتقول : اشتر منّى هذا اللبن الّذي في الاسكرجة وما في ضروعها ) اى ضروع الحيوانات ( بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ) المبيع ( ما في السكرجة ، وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم ، نبيع البانها بغير كيل ، قال : نعم حتى ينقطع ) اى البان الضرع إلى أن ينتهى ( أو شيء منها ) .

وجه الدلالة ( بناء على أن المراد ) من « حتى ينقطع » ( بيع اللبن الّذي في الضرع بتمامه ) .

والمراد ب ( أو ) شيء منها ( بيع شيء منه محلوب في الخارج وما بقي في الضرع بعد حلب شيء منه ) .

كما لو حلب مقدار الثلث ، ثم باع المحلوب ، أو باع الثلثين في الضرع ، فان كليهما عبارة عن « بيع شيء منه » .

اما إذا كان المراد الحلب ، ثم الكيل والبيع حتى يتم ، أو الحلب ثم الكيل بمقدار خاص قبل ان يتم كل ما في الضرع ، فليس في الخبر .

ص: 248

وفي الصحيح إلى ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي ، قال قلت :

لأبي عبد الله عليه السلام ، ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما ؟ قال : لا بأس ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف .

وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل ، والشجر والآجام ، والمصائد ، والسمك والطير ، وهو لا يدرى ، لعله لا يكون شيء

_________________________

دلالة على المقصود هنا .

( وفي الصحيح إلى ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي قال قلت :

لأبي عبد الله عليه السلام ، ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما ؟ ) فإنه ضم الصوف المعلوم إلى الحمل المجهول ( قال : لا بأس ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف ) فلا يكون ثمنه بلا مقابل .

( وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم ) عطف تفسير لخراج الرجال ، والمراد أهل الكتاب بأن يشترى الشخص من سلطان المسلمين جزية أهل الكتاب الساكنين في بعض المناطق بكمية من المال ، ثم يذهب هو فيجبى خراج الرؤوس ( وخراج النخل ، والشجر ، والآجام ، والمصائد ) اى الصحارى التي فيها تصاد الحيوانات البرية ( والسمك والطير ) يشترى كل ذلك من السلطان ( و ) الحال ( هو لا يدرى لعله لا يكون شيء

ص: 249

من هذا ابدا ، أو يكون ، أيشتريه وفي اىّ زمان يشتريه ؟ ويتقبل به ، قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك ، فاشتره وتقبل به

وظاهر الأخيرين كموثقة سماعة ان الضميمة المعلومة انما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع لا من حيث جهالته ، فانّ ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن والكيل .

_________________________

من هذا ابدا ) في تلك البلاد والصحارى والمياه ، بان لا يكون كتابي ولا صيد وما أشبههما ( أو ) قد ( يكون ) شيء ( أيشتريه وفي اىّ زمان يشتريه ) قبل ادراك أوقات الخراج ، أو في حين الادراك .

مثلا : الجزية تؤخذ كل عام في شهر محرم ، أيشتري الجزية قبل محرم ؟ أو في شهر محرم ؟ ( ويتقبل به ) عطف تفسير ( قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك ، فاشتره وتقبل به ) فان الظاهر أن بيع المجهول إذا كانت له ضميمة معلومة كان جائزا .

( وظاهر الأخيرين ك ) ظاهر ( موثقة سماعة ان الضميمة المعلومة انما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع ، لا من حيث جهالته ) لقوله عليه السلام « ان لم يكن في بطونها حبل » وقوله « لعله لا يكون شيء من هذا ابدا » ( فان ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن والكيل ) فليس من باب ضم المعلوم إلى المجهول .

أقول : لكنك عرفت ان الظاهر من الرواية ملاء السكرجة وهي كيل معلوم فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية ، لأجل جواز بيع المجهول إذا ضم إلى المعلوم .

ص: 250

وكذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي .

مع أن المشهور كما عن الحدائق : المنع عن بيع الأصواف على ظهور الغنم ، بل عن الخلاف ، عليه الاجماع .

والقائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي ، مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلى الأصواف

_________________________

( وكذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي ) فان الشيء الواحد المعلوم حصوله ، حيث قال عليه السلام « إذا علمت من ذلك شيئا واحدا » غير معلوم الخصوصيات ، فليس إجازة الإمام عليه السلام للاشتراء في صورة وجود واحد معلوم الحصول ، من باب ضم المجهول إلى المعلوم ، بل من باب ضم المعلوم الحصول المجهول القدر إلى المجهول الحصول وهذه مسألة أخرى .

( مع ) ان رواية ابن محبوب أيضا يمكن الاستدلال بها على المقصود ف ( ان المشهور كما عن الحدائق : المنع عن بيع الأصواف على ظهور الغنم ، بل عن الخلاف ، عليه ) اى على المنع ( الاجماع ) فالاجماع والشهرة يمنعان من العمل بهذه الرواية .

( والقائلون بجوازه ) وهم غير المشهور ( استدلوا برواية الكرخي ، مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلى الأصواف ) إذ : في الرواية مخالفتان للقاعدة .

الأولى : جواز بيع المجهول مع الضميمة - وقد قال بهذا جمع غير مشهور - .

ص: 251

فتبين ان الرواية لم يقل أحد بظاهرها .

ومثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبى بصير والبزنطي ، فان الكف من السمك لا يجوز بيعه ، لكونه من الموزون ولذا جعلوه من الربويات .

و

_________________________

الثانية : جواز بيع ما لا يعلم وجوده إذا انضم إلى معلوم الوجود ، وهذا لم يقل به أحد .

( فتبين ان الرواية ) للكرخى ( لم يقل أحد بظاهرها ) فان هذه الروايات الثلاثة لا يمكن الاستدلال بها لمسألتنا التي عنونّاها في اوّل المسألة .

( ومثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبى بصير والبزنطي ، فان الكف من السمك ) الّذي اعتبر في الروايتين معلوما فيكون مجوّزا لبيع المجهول ( لا يجوز بيعه ) بنفسه ( لكونه ) غير موزون الآن في الكف ، والحال انه ( من الموزون ) فبيعه منفرد الا يجوز حسب القاعدة .

( ولذا ) الّذي انه موزون ( جعلوه من الربويات )

ومن المعلوم : ان الربا انما هو في المكيل والموزون لا في الأشياء التي تباع اعتباطا .

( و ) ان قلت : فكيف اجزتم بيع سمك الآجام ، والحال انه موزون ولا يدخله الوزن في الأجمة .

ص: 252

لا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة لاحتمال ان لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد بخلاف القليل منه .

واما رواية معاوية بن عمار ، فلا دلالة فيها على بيع السمك الا بقرينة روايتي أبى بصير والبزنطي اللتين عرفت حالهما فتأمل ، ثم على تقدير الدلالة

_________________________

قلت : ( لا ينافي ذلك ) الّذي ذكرنا من أن السمك موزون ( تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة ) يراها الانسان في الجملة ( لاحتمال ان لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته ) دائما ( كزبرة الحديد ، بخلاف القليل منه ) اى من السمك .

( واما رواية معاوية بن عمار ، فلا دلالة فيها على بيع السمك الا بقرينة روايتي أبى بصير والبزنطي اللتين عرفت حالهما ) .

وإذا سقطتا سقطت عن الدلالة أيضا ( فتأمل ) فانا إذا لم نقل بدلالة هذه الروايات ، فعلى اىّ شيء تحمل ؟ وهل يمكن طرحها بعد صحة السند ووضوح الظهور فيها وعمل المشهور بها ؟

منتهى الأمر ان الروايات تدل على أزيد مما عنونّا المسألة به .

وذلك لدلالتها على جواز ضم المعلوم إلى المجهول من حيثين ، حيث الجهل بالوجود وحيث الجهل بالمقدار ومن جهتين جهة ان المعلوم غير موزون مع أنه موزون عادة ، وجهة ان المعلوم موزون الآن كما في رواية السكرجة .

( ثم على تقدير الدلالة ) في هذه الروايات ، ان أريد العمل بها في مواردها فلا تنفع القاعدة الكلية ،

ص: 253

ان أريد انتزاع قاعدة منها وهي جواز ضم المجهول إلى المعلوم ، وان كان المعلوم غير مقصود بالبيع الا حيلة لجواز نقل المجهول .

فلا دلالة فيها على ذلك .

ولم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة بل المعلوم من بعضهم بل كلّهم خلافه فانا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شيء معلوم إليه كما يشهد به تتبع كلماتهم .

وان أريد الاقتصار على مورد النصوص ، وهو بيع سمك الآجام ولبن الضرع وما في

_________________________

( ان أريد انتزاع قاعدة منها وهي جواز ضم المجهول إلى المعلوم ، وان كان المعلوم غير مقصود بالبيع الا حيلة ) وتوصلا ( لجواز نقل المجهول ) « لجواز » متعلق ب « حيلة » .

( فلا دلالة فيها ) اى في هذه الروايات ( على ذلك ) الّذي يراد انتزاعه من القاعدة الكلية .

( ولم يظهر من العاملين بها ) اى بهذه الروايات ( التزام هذه القاعدة ) الكلية ( بل المعلوم من بعضهم ، بل كلّهم خلافه ، فانا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف ) كما لو لم يعلموا ان الدابة ذكر أو أنثى ، والسمك جيد أو ردئ ( أو التقدير ) كما لو لم يعلموا كيله أو وزنه ( بمجرد ضم شيء معلوم إليه ، كما يشهد به تتبع كلماتهم ) حيث إنهم لا يقولون بذلك .

( وان أريد الاقتصار على مورد النصوص وهو بيع سمك الآجام ولبن الضرع وما في

ص: 254

البطون مع الأصواف فالامر سهل على تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة ، المجمع عليها بين الكل ، من عدم جواز بيع المجهول مطلقا .

بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم وأصله من العلامة ، قال في القواعد في باب شرط العوضين : كل مجهول مقصود بالبيع ، لا يصح بيعه وان انضم إلى المعلوم ويجوز مع الانضمام إلى معلوم ، إذا كان تابعا انتهى .

وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه ، الا ان مرادهم من المقصود ، والتابع غير واضح

_________________________

البطون مع الأصواف ) بالكيفية التي ذكرت في الروايات ( فالامر سهل على تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة ، المجمع عليها بين الكل من عدم جواز بيع المجهول مطلقا ) .

وانما يسهل الامر لوجود النصوص الظاهرة وعمل المشهور بها .

اما على تقدير عدم الاغماض فلا اشكال أيضا ، لأنها ليست قاعدة عقلية غير قابلة للتخصيص ، حتى لا تتمكن هذه النصوص من تخصيصها - كما لا يخفى -

( بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم ) بين كون المعلوم تابعا ، أو متبوعا أو مساويا للمجهول ( وأصله ) اى أصل هذا التفصيل ( من العلامة قال في القواعد في باب شرط العوضين : كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وان انضم ) ذلك المجهول ( إلى المعلوم ) إذا كان المجهول أصلا أو مساويا ( ويجوز ) بيعه ( مع الانضمام إلى معلوم إذا كان ) المجهول ( تابعا ، انتهى ) .

( وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه ، الا ان مرادهم من المقصود ) في قولهم « إذا كان مقصودا » ( والتابع ) في قولهم « إذا كان تابعا » ( غير واضح )

ص: 255

والّذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة : ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع وبالمقصود ما كان جزءا .

قال في القواعد - في باب الشرط في ضمن البيع - لو شرط ان الأمة حامل أو الدابة كذلك صح اما لو باع الدابة وحملها ، والجارية وحملها بطل لان كل ما لا يصح بيعه منفرد الا يصح جزءا من المقصود ويصح تابعا ، انتهى .

وفي باب ما يندرج في المبيع ، قال السادس العبد ، ولا يتناول ماله الّذي ملكه مولاه ، الا ان يستثنيه المشترى ان قلنا إن العبد يملك .

فينتقل إلى المشترى

_________________________

( والّذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة : ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع ) كما لو قال : بعتك هذه الدار بشرط هذه النخلة التي هي خارجها ( وبالمقصود ما كان جزءا ) للمبيع .

( قال في القواعد - في باب الشرط في ضمن البيع - لو شرط ) المشترى على البائع ( ان الأمة حامل ، أو الدابة كذلك ) حامل ( صح اما لو باع الدابة وحملها والجارية وحملها بطل ) بان كان الحمل جزء المبيع ( لان كل ما لا يصح بيعه منفرد الا يصح جزءا من المقصود و ) لكن ( يصح تابعا ) اى بعنوان الشرط ونحوه ( انتهى ) كلام القواعد .

( وفي باب ما يندرج في المبيع قال السادس العبد ) إذا باعه المولى ( ولا يتناول ) لفظ « العبد » ( ماله الّذي ملكه مولاه ) فلا يملك المشترى أموال العبد إذا اشترى العبد ( الا ان يستثنيه المشترى ) بان يقول : اشترى العبد منك وما يملكه ( ان قلنا إن العبد يملك ) وان قلنا بعدم ملك العبد أصلا فلا مجال لهذه المسألة أصلا ( ف ) إذا شرط المشترى انتقال مال العبد مع العبد إليه ( ينتقل ) المال ( إلى المشترى

ص: 256

مع العبد وكان جعله للمشترى ابقاء له على العبد فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا

اما إذا أحلنا تملكه ، وباعه وما معه ، صار جزءا من المبيع ، فيعتبر فيه شرائط البيع ، انتهى .

وبمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا ، وبين جعله جزءا صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد وعدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار وأخشاب السقوف .

_________________________

مع العبد ، وكان جعله ) اى المال ( للمشترى ابقاء له على العبد ) اى ان العبد يستمر في مالكيته للمال ( فيجوز ان يكون ) المال ( مجهولا أو غائبا ) بخلاف ما إذا بيع المال مستقلا ، فإنه يلزم ان يكون معلوما .

والمراد بالغائب عدم الاحتياج إلى القبض فيما يتوقف البيع فيه إلى القبض في المجلس ، أو نحو ذلك .

( اما إذا أحلنا تملكه ) اى قلنا : بان ملك العبد محال ( وباعه وما معه ، صار ) المال ( جزءا من المبيع ) لا تابعا ، كالمسألة السابقة ( فيعتبر فيه ) اى في مال العبد ( شرائط البيع ، انتهى ) كلام العلامة .

( وبمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا ، وبين جعله جزءا ) وان الأول لا يحتاج إلى توفر شرائط البيع في المال ، دون الثاني فإنه يشترط فيه توفر شرائط البيع ( صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد وعدمه ) اى ان العبد هل يملك ، أم لا ؟ ( معللا ) الفرق وعدم لزوم توفر الشرائط في الشرط ( بكونه ) اى المال ( مع الشرط ، كماء الآبار وأخشاب السقوف ) فان المشترى للدار ، لا يلزم ان يعلم بمقدار

ص: 257

وقال في التذكرة أيضا - في باب شروط العوضين - لو باع الحمل مع أمّه جاز اجماعا .

وفي موضع من باب الشرط في العقد : لو قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، لم يصح عندنا ، لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء ولا جزءا .

وقال أيضا : ولو باع الحامل ويشترط للمشترى الحمل ، صح ، لأنه تابع كأساس الحيطان ، وان لم يصح ضمه في البيع مع الام ،

_________________________

ماء البئر الموجودة في الدار ، ولا خصوصية أخشاب السقف ، بخلاف ما إذا أراد ان يشترى الماء والخشب - مثلا - .

( وقال في التذكرة أيضا - في باب شروط العوضين - لو باع الحمل مع أمه جاز اجماعا ) لأنه تابع ، فهو كالشرط وليس جزءا .

( و ) قال ( في موضع من باب الشرط في العقد : لو قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، لم يصح عندنا ) معاشر الشيعة ، أو المراد عند نفس العلامة ( لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء ولا جزءا ) لأنه مجهول ، والمجهول لا يصح بيعه مستقلا بالشراء ولا جزءا من المبيع .

( وقال ) العلامة ( أيضا : ولو باع الحامل ويشترط للمشترى الحمل ، صح ، لأنه تابع كأساس الحيطان ) فان المشترى لا يعلم كم مقدار الأساس ، وما كيفيته ، ولكنه حيث صار تابعا لشراء الدار ، وما أشبه ، صح بيعه ، ولم يضره الجهل ( وان لم يصح ضمه ) اى الحمل ( في البيع مع الام

ص: 258

للفرق بين الجزء والتابع .

وقال في موضع آخر : لو قال : بعتك هذه الشياه وما في ضرعها من اللبن لم يجز عندنا .

وقال في موضع آخر : لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها ، صح ، وان جعلها جزءا من البيع ، لم يصح .

وهذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول على وجه الجزئية ، من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول .

وقد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسئلة اشتراط دخول

_________________________

للفرق بين الجزء ) فيلزم العلم به ( والتابع ) فلا يلزم العلم به .

( وقال في موضع آخر : لو قال : بعتك هذه الشياه وما في ضرعها من اللبن ) بجعل اللبن جزءا ( لم يجز عندنا ) .

( وقال في موضع آخر : لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها ) اى شرط أن تكون البيضة الموجودة في باطن الدجاجة ملكا للمشترى ( صح ) البيع ( وان جعلها جزءا من البيع ، لم يصح ) انتهت عبارات العلامة .

( وهذه ) العبارات ( كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول على وجه الجزئية ) مما ينافي ما تقدم من ظاهر الروايات الدالة على الجواز ( من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي ) إلى الاشتراء ( بالمعلوم أو المجهول ) .

( وقد ذكر هذا ) اى عدم الجواز ( المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسئلة اشتراط دخول

ص: 259

الزرع في بيع الأرض ، قال : وما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول ان جعل جزءا من المبيع لا يصح ، وان اشترط ، صح ، ونحو ذلك فليس بشيء ، لأن العبارة لا اثر لها ، والمشروط محسوب من جملة المبيع .

ولأنه لو باع الحمل والام ، صح البيع ، ولا يتوقف على بيعها واشتراطه ، انتهى .

وهو

_________________________

الزرع في بيع الأرض ) بان يبيع الأرض وزرعها على نحو الجزئية أو الشرطية ( قال ) المحقق ( وما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول ان جعل جزءا من المبيع لا يصح ، وان اشترط ) المجهول في البيع بان كان تابعا ، لا جزءا ( صح ) البيع ( ونحو ذلك ) من العبارات الدالة على الفرق بين الجزء والشرط ( فليس بشيء ، لان العبارة ) بجعل لفظ الشرط مكان لفظ الجزء ، عند المعاملة ( لا اثر لها ، والمشروط ) أيضا ( محسوب من جملة المبيع ) فاللازم العلم به .

ثم ما ذكره البعض : من أنه لو جعل الحمل جزءا لم يصح البيع أيضا غير تام .

( و ) ذلك ( لأنه لو باع الحمل والام ، صح البيع ، ولا يتوقف على بيعها ) اى بيع الام ( واشتراطه ) اى اشتراط الحمل ، يعنى لا يتوقف صحة بيع الام على اشتراط الحمل ، بل يصح بيع الام وان جعل الحمل جزءا ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وهو ) اى ما ذكره المحقق الثاني من أنه يشترط في الشرط أيضا

ص: 260

الظاهر من الشهيدين في اللمعة والروضة حيث اشترطا في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع ، وقد صرح الشيخ في مسئلة اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال .

وعن الشهيد لو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ولا التفصي من الربا ان قلنا إنه يملك ، وان أحلنا ملكه اشترط .

قال في الدروس : لو جعل الحمل جزءا من المبيع ، فالأقوى

_________________________

المعلومية - خلافا للعلامة - هو ( الظاهر من الشهيدين في اللمعة ، والروضة حيث اشترطا ) الشهيدان ( في مال العبد المشروط دخوله ) اى دخول ذلك المال ( في بيعه ) اى في بيع العبد ( استجماعه لشروط البيع ، وقد صرح الشيخ ) أيضا ( في مسئلة اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال ) .

( و ) لكن ( عن الشهيد ) الأول ، عكس ذلك ، وانه لا يشترط العلم حتى في صورة جعل مال العبد جزءا لا شرطا .

ف ( لو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ) اى علم المشترى بمقدار المال وخصوصياته ( ولا التفصي من الربا ) كما لو كان عند العبد أوقية من الذهب فاشتراهما المشترى بأوقيتين .

وانما صح الاشتراء للعبد وماله ( ان قلنا إنه يملك ، وان أحلنا ملكه ) بان قلنا : ان ملك العبد محال ( اشترط ) علم المشترى بمال العبد كما وكيفا ، وعدم لزوم الربا .

( قال ) الشهيد ( في الدروس : لو جعل الحمل جزءا من المبيع ، فالأقوى

ص: 261

الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط .

ولا يضر الجهالة ، لأنه تابع ، انتهى ، واختاره جامع المقاصد .

ثم التابع في كلام هؤلاء يحتمل ان يراد به ما يعد في العرف تابعا ، كالحمل مع الام ، واللبن مع الشاة ، والبيض مع الدجاج ، ومال العبد معه ، والباغ في الدار ، والقصر في البستان ونحو ذلك مما نسب البيع عرفا إلى المتبوع ، لا إليهما معا ، وان فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الأحيان ، بل بالتابع خاصة كما قد يتفق

_________________________

الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط ) فكما يصح الشرط كذلك يصح الجزء .

( ولا تضر الجهالة ) بالحمل ( لأنه ) اى الحمل ( تابع ) وجهالة التابع ليست بضارة ( انتهى ، واختاره جامع المقاصد ) هذه جملة من كلماتهم التي عرفت انها على ثلاثة أقسام تجويز التابع والجزء ، وعدم تجويزهما ، وتجويز التابع دون الجزء .

( ثم التابع في كلام هؤلاء يحتمل ان يراد به ما يعد في العرف تابعا ، كالحمل مع الام ، واللبن مع الشاة ، والبيض مع الدجاج ، ومال العبد معه ) اى مع العبد ( والباغ ) اى الكرم شجرة العنب ( في الدار ، والقصر ) اى الدار الموجودة ( في البستان ، ونحو ذلك ) من التوابع ( مما نسب البيع عرفا إلى المتبوع ) فيقال : اشترى الشاة والدجاج ، وهكذا ( لا إليهما معا ) فلا يقال : اشترى الشاة والحمل ، وهكذا ( وان فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما ) التابع والمتبوع ( في بعض الأحيان ) « ان » وصلية ( بل ) وان تعلق الغرض الشخصي ( بالتابع خاصة ) في بعض الأحيان ( كما قد يتفق

ص: 262

في حمل بعض افراد الخيل ، وهذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات ، كما تقدم عن الدروس ، وجامع المقاصد من صحة بيع الام ، وحملها ، لان الحمل تابع .

قال في جامع المقاصد في شرح قوله المتقدم في القواعد ويجوز مع الانضمام إلى معلوم ، إذا كان تابعا ان اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى .

الا ان يقال التبعية انما يتحقق مع الام ، لأنه حينئذ بمنزلة بعض اجزائها .

_________________________

بعض افراد الخيل ، وهذا ) اى كون مرادهم بالتابع ، ما يعد في العرف تابعا ( هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات ، كما تقدم عن الدروس وجامع المقاصد من صحة بيع الام وحملها ، لان الحمل تابع ) عرفا .

( قال في جامع المقاصد في شرح قوله المتقدم في القواعد ويجوز مع الانضمام إلى معلوم ، إذا كان تابعا ) قال ( ان اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى ) كما لو كان لزيد دابتان ، إحداهما حامل : ثم باع الحامل وشرط المشترى عليه في ضمن البيع اعطاء الحمل له أيضا .

( الا ان يقال ) لا يشمل اطلاق العبارة هذا الفرد لان ( التبعية انما يتحقق مع الام ، لأنه ) اى الحمل ( حينئذ ) اى حين بيعه مع الام ( بمنزلة بعض اجزائها ) اى اجزاء الام .

اما اشتراط الحمل مع غير الام فلا يصح .

ص: 263

ومثله زخرفة جدران البيت ، انتهى .

وفي التمثيل نظر ، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام ، الا ان يريد مثال الاجزاء ، لا مثال التابع .

لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد ، وفاقا للشيخ ره ، مع أن مال العبد تابع عرفى ، كما صرح به في المختلف في مسئلة بيع العبد واشتراط ماله .

_________________________

( ومثله ) اى الدابة في صحة بيع الحمل تابعا لها ( زخرفة جدران البيت ) فإنها تصح تابعا للبيت ، ولا تصح تابعا لبيت آخر .

إذ المراد بالزخرفة ليس مجرد النقش ، بل الاجزاء من خشب وفضة وما أشبه مما يزخرف بها البيت ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وفي التمثيل ) بزخرفة البيت ( نظر ، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام ) .

أقول : الظاهر أن المصنف ره لم يعط المثال حقه ، والا فالارتباط بين المثالين - على ما ذكرنا - ظاهر ( الا ان يريد مثال الاجزاء ، لا مثال التابع ) لان الزخرفة جزء من البيت ، وليست تابعة له .

( لكن هذا ) اى كون مرادهم بالتابع ما يعد في العرف تابعا : وانه لا يلزم العلم به ( ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد ، وفاقا للشيخ ره ) فان التابع لو كان مستثنى عن اشتراط العلم به ، فلم ذكروا لزوم العلم بمال العبد فيما إذا أراد ان يشتريه مع ماله ؟ ( مع أن مال العبد تابع عرفى ، كما صرح به في المختلف في مسئلة بيع العبد واشتراط ماله )

ص: 264

ويحتمل ان يكون مرادهم التابع بحسب قصد المتبايعين ، وهو ما يكون المقصود بالبيع غيره ، وان لم يكن تابعا عرفيا ، كمن اشترى قصب الآجام ، وكان فيها قليل من السمك ، أو اشترى سمك الآجام وكان فيها قليل من القصب .

وهذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع ، وقد يكون كذلك بحسب الشخص ، كمن أراد السمك القليل لأجل حاجة لكن لم يتهيأ له شرائه الا في

_________________________

للمشترى .

( ويحتمل ان يكون مرادهم ) بالتابع - لا التابع العرفي ، كما هو الاحتمال السابق - بل ( التابع بحسب قصد المتبايعين ، وهو ما يكون المقصود بالبيع غيره ، وان لم يكن تابعا عرفيا ، كمن اشترى قصب الآجام ، وكان فيها قليل من السمك ) فان السمك ليس تابعا للقصب الا ان المشترى حيث كان قصده من الاشتراء القصب كان السمك تابعا في قصده ( أو اشترى سمك الآجام وكان فيها قليل من القصب ) وهذان المثالان فيما إذا اشترى السمك أو القصب ، والا لم يكن الآخر تابعا له ، كما لا يخفى .

( وهذا ) المعنى للتابع ( أيضا ) كالمعنى السابق ( قد يكون كذلك بحسب النوع ) كما أن النوع إذا اشترى القصب لم يقصد السمك القليل ( وقد يكون كذلك ) المقصود غيره ( بحسب الشخص ، كمن أراد السمك القليل ) فلم يكن السمك خارجا عن قصده .

وانما أراد السمك ( لأجل حاجة لكن لم يتهيأ له شرائه ) اى شراء السمك ( الا في

ص: 265

ضمن قصبة الأجمة .

والأول هو الظاهر من مواضع من المختلف ، منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه حيث حمل رواية سماعة المتقدمة على ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن ، ويصير أصلا والّذي في الضرع تابعا .

_________________________

ضمن قصبة الأجمة ) فان القصد في البيع والشراء منصب على القصب ، وان كان المشترى أراد السمك أيضا .

ولا يخفى ما في مقابلة النوع والشخص - في العبارة - من الاشكال .

لأنه ان أراد في العبارة « عدم القصد » فيرد عليه ان الشخص مقصود .

وان أراد في العبارة « القصد » فيرد عليه ان النوع غير مقصود .

اللهم الا ان يريد ان كون الشيء تابعا حسب قصد المتعاملين ، قد يكون تابعا حسب قصد نوع المتعاملين وقد يكون تابعا حسب قصد شخص المتعاملين .

والثاني كمن أراد السمك القليل ، فتأمل .

( و ) المعنى ( الأول ) للتابع وهو مراعاة الفرض النوعي ( هو الظاهر من مواضع من المختلف ، منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه ) بان يبيع المحلوب والموجود في الضرع معا ( حيث حمل ) العلامة ( رواية سماعة المتقدمة على ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن ، ويصير أصلا ) للبيع نوعا ( والّذي في الضرع تابعا ) .

فان المراد بذلك التابع النوعي ، لا انه تابع شخصي - كما هو المعنى الثاني للتابع - .

ص: 266

وقال في مسألة بيع ما في بطون الانعام مع الضميمة والمعتمدان نقول إن كان الحمل تابعا ، صح البيع ، كما لو باعه الام وحملها ، أو باعه ما يقصد مثله بمثل الثمن وضم الحمل ، فهذا لا بأس به والا كان باطلا .

واما الاحتمال الثاني اعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين ، فلم نجد عليه شاهدا ، الا ثبوت الغرر ، على تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول ، وانتفائه على تقدير تعلقه بالمعلوم ، ويمكن تنزيل اطلاقات عبارات المختلف عليه

_________________________

( وقال ) العلامة ( في مسألة بيع ما في بطون الانعام مع الضميمة ) قال : ( والمعتمد ان نقول إن كان الحمل تابعا ، صح البيع ، كما لو باعه الام وحملها ) فان الحمل مقصود حينئذ ، ولكن ليس أصلا ، بل تابعا نوعا ( أو باعه ) اى باع البائع للمشترى ( ما يقصد مثله ) - اى المثمن الّذي يكون مقصود للناس - ( بمثل الثمن ) كما لو أعطاه الشاة بدينار ، وقال :

المقصود عرفا من الشاة المقابل بالدينار هو المبيع لك أيها المشترى ( وضم الحمل ) إلى المثمن ( فهذا لا بأس به ) فإنه قصد التابع ( والا ) يقصد تبعية الحمل ( كان باطلا ) لان الحمل مجهول ، فجعله مثمنا يوجب جهالة المبيع .

( واما الاحتمال الثاني اعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين ، فلم نجد عليه شاهدا ) ودليلا ( الا ثبوت الغرر ، على تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول ، وانتفائه ) اى الغرر ( على تقدير تعلقه بالمعلوم :

ويمكن تنزيل اطلاقات عبارات المختلف عليه ) اى على الغرض الشخصي

ص: 267

كما لا يخفى .

وربما احتمل بعض ، بل استظهر ان مرادهم بكون المعلوم مقصودا والمجهول تابعا كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم بمعنى الاقدام منهما - ولو لتصحيح البيع -

_________________________

( كما لا يخفى ) .

( وربما احتمل بعض ) وهو صاحب الجواهر ( بل استظهر ) اى قال إن الظاهر من كلامهم ( ان مرادهم بكون المعلوم مقصودا ، والمجهول تابعا ) ليصح بيع المجهول ، ان يكون التباني من المتبايعين والمجعول في مقابل الثمن هو الشيء المعلوم ، ويكون الشيء المجهول تابعا له ومنزلا منزلته ، وان لم يكن كذلك بحسب العرف وبحسب غرض المتعاقدين وبحسب الظاهر من لفظ العقد .

فإذا قال البائع : بعتك القصب بضميمة السمك - وكان غرضهما من الاشتراء في الواقع للقصب - رأى العرف ان المبيع هو القصب ، وكان القصب غرض المتعاقدين ، وكان القصب هو الظاهر من اللفظ ، الا ان التباني حيث كان على جعل السمك مبيعا ، كان البيع باطلا ، لأنه مجهول .

وعليه فليس المعيار العرف ، ولا الغرض ، ولا اللفظ وانما التباني والجعل .

فمراد هم بكون المعلوم مقصود أو المجهول تابعا ( كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم ) لا المجهول ( بمعنى الاقدام منهما - ولو لتصحيح البيع - )

اى ان هذا الاقدام ليس لان الغرض الأولى هو المعلوم ، بل لأجل

ص: 268

على أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الّذي هو وان سمى ضميمة ، لكنه المقصود في تصحيح البيع .

قال ولا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلى الغرض ، ما فيه الغرر ، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة ،

_________________________

ان يكون البيع صحيحا - حيث يعلمان بأنه إذا جعلا المجهول مقابلا للمثمن بطل الثمن - ( على أن المبيع المقابل بالثمن ) هو ( هذا المعلوم ) « على » متعلق ب « الاقدام » ( الّذي هو ) « مبتدأ » ( وان سمى ) في العبارة ( ضميمة ، لكنه المقصود في تصحيح البيع ) « لكنه » بمنزلة « الخبر » .

فالغرض مثلا السمك ، لكنه حيث كان مجهولا ، وعلما ان السمك لو جعل مثمنا بطل البيع ، تحايلا بجعل القصب « في لفظ العقد » مثمنا .

( قال ) الجواهر ( ولا ينافيه ) اى لا ينافي كون البيع صحيحا إذا أوقع البيع على المعلوم ، وان كان الغرض الأصلي لهما من المبايعة الشيء المجهول ( كون المقصود بالنسبة إلى الغرض ) اى كون الغرض المقصود حقيقة ( ما فيه الغرر ) لأنه مجهول .

وانما لا ينافي ، لان المعيار في المعاملات ما انصب عليه العقد لا ما كان الغرض المحرك للعقد .

فإذا كان الغرض المحرك لعقد هذه الامرأة التصرف في مالها وتحصيل الجاه المتعلق بها ، لم يكن ذلك داخلا في عقد النكاح المنصب عليها .

فالامر في المقام ( نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة )

ص: 269

بعد ذلك في الّذي يراد بيعه لعارض من العوارض بايقاع العقد على شيء معين معلوم لا نزاع فيه ، وجعل ذلك من التوابع واللواحق لما عقد عليه البيع .

فلا يقدح حصوله وعدم حصوله كما أو في إليه في ضميمة الآبق ، وضميمة الثمر على الشجر ، وضميمة ما في الضروع ، وما في الآجام ،

_________________________

المحتملة ( بعد ذلك ) اى بعد العقد ( في الّذي يراد بيعه ) « في » متعلق ب « يستعمله » ( لعارض من العوارض ) « لعارض » متعلق ب « المخاصمة » .

اى لأجل التجنب من المخاصمة المحتملة التي تحصل لعارض من العوارض ( بايقاع العقد ) متعلق ب « التخلص » ( على شيء معين معلوم لا نزاع فيه ، وجعل ذلك ) المحتمل التخاصم فيه ( من التوابع واللواحق لما عقد عليه البيع ) « لما » متعلق ب « اللواحق » .

( فلا يقدح حصوله ) اى ذلك الشيء المقصود اصالة ( وعدم حصوله ) لا يقدح بعد ان جعل تابعا ( كما اومى إليه ) إلى التخلص عن المشكلة بجعل الشيء المقصود تابعا ( في ضميمة الآبق ) لشيء آخر وحسب البيع على ذلك الشيء الآخر ، مع أن الآبق هو المقصود بالبيع ( وضميمة الثمر على الشجر ) لشيء آخر حيث إن مقدار الثمن ليس معلوما ، فلا يصح بيعه الا منضما إلى شيء آخر ( وضميمة ما في الضروع ) من اللبن ( وما في الآجام ) من السمك إلى شيء آخر ليصح بيع لبن الضرع ، وسمك الآجام .

ص: 270

انتهى .

ولا يخفى انه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل الا ان يريد بالتابع : جعل المجهول شرطا والمعلوم مشروطا .

فيريد ما تقدم عن القواعد والتذكرة ولا أظن إرادة ذلك من كلامه بقرينة استشهاده باخبار الضميمة في الموارد المتفرقة ،

_________________________

والحاصل ان التخلص من مشكلة عدم صحة البيع لأجل جهل المبيع يحصل بجعل المجهول تابعا .

كما أن التخلص من مشكلة عدم حصول العبد الآبق الموجب للتخاصم يحصل بجعل العبد ضميمة - وفي كلا الامرين المقصود الأصل التابع والضميمة - .

وانما جعل الشارع هذين الطريقين ، لأجل الخلاص من الاشكال الوارد لو حسب العقد على المجهول وعلى الآبق ابتداءً ( انتهى ) كلام الجواهر .

( ولا يخفى انه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل ) بان يراد بالتابع : التابع في الجعل والبناء ، لا التابع عرفا أو فرضا ( الا ان يريد ) الجواهر ( بالتابع : جعل المجهول شرطا ) لا جزءا ( والمعلوم مشروطا ) فعبائرهم تحتمل هذا المعنى للتابع .

( فيريد ما تقدم عن القواعد والتذكرة ولا أظن إرادة ذلك ) المعنى اى الشرط ( من كلامه ) اى كلام الجواهر ( بقرينة استشهاده ) اى الجواهر ( باخبار الضميمة في الموارد المتفرقة ) الحمل واللبن والملك فإنها

ص: 271

والأوفق بالقواعد ان يقال : اما الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة .

واما قصد المتبايعين بحسب الشخص

_________________________

اجزاء وليست شروطا .

( والأوفق بالقواعد ) في باب الضميمة المجهولة كالسمك القليل في صورة بيع القصب والسمك ( ان يقال : اما الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر ب ) سبب ( الجهالة ) .

فلا فرق بين ان يقول : بعتك هذا القصب بشرط ان يكون السمك معه ، أو : بعتك هذا القصب والسمك ، إذ كما يضر جهالة الجزء ، كذلك يضر جهالة الشرط ، لان كليهما موجب للغرر ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر .

الا ترى انه لو قال : بعتك هذا الكتاب وشيئا ، أو قال : بعتك هذا الكتاب بشرط اعطائك شيئا ، كان كلاهما غررا في نظر العرف والواقع .

( واما قصد المتبايعين بحسب الشخص ) بان يكون قصدهما في هذه المعاملة كون المجهول تابعا ، والحال انه ليس بتابع في العرف

مثلا يشترى البستان ويقصد ان القصر الموجود في ضمنه الّذي تساوى قيمته قيمة البستان - مثلا - تابع له ، فان هذا القصد بالتبعية شخصي ، إذ ليس النوع يقصد تبعية مثل هذا القصر ، بل يقصد الجزئية والضميمة .

ص: 272

فالظاهر أنه غير مؤثر في الغرر وجود أو عدما .

لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية بل وكذلك قصدهما بحسب النوع على الوجه الّذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع له وللمجهول .

_________________________

( فالظاهر أنه ) اى القصد الشخصي ( غير مؤثر في الغرر وجودا وعدما ) .

فوجود هذا القصد لا يرفع الغرر ، وعدم هذا القصد لا يوجب الغرر بل الغرر موجود سواء قصد التبعية ، أم لا .

( لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم ) اى الظاهر من كلماتهم التي استفادوها من حديث الغرر ( عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية ) بل الغرر امر واقعي يحصل إذا تم سببه ، سواء كان قصد المتبايعين الجزئية للشئ المجهول ، أو الشرطية ( بل وكذلك ) لا مدخلية للغرر وجود أو لا عدما ( قصدهما ) اى المتبايعين ( بحسب النوع على الوجه الّذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم ) كالبستان ( تقارب الثمن المدفوع له ) اى للمعلوم ( وللمجهول ) .

كما لو دفع مائة وكان كل واحد من البستان والقصر التابع له ، يساوى تسعين دينارا .

فان القصد عرفا ان كان القصر تابعا للبستان ، لا يوجب ان لا يكون الامر غررا .

ص: 273

واما التابع العرفي فالمجهول منه وان خرج عن الغرر عرفا الا ان المجعول منه جزءا ، داخل ظاهرا في معقد الاجماع على اشتراط العلم بالمبيع المتوقف على العلم بالمجموع .

نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا ، خرج عن بيع الغرر .

وعن معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه

_________________________

واما قوله « على الوجه » فذلك لأجل اخراج التابع العرفي الّذي لا يرتبط بالقصد .

( واما التابع العرفي ) الّذي لا يندرج في المبيع عرفا لكنه تابع عرفا في مقابل ما سيأتي مما يندرج عرفا - ( فالمجهول منه ) اى من هذا التابع ( وان خرج عن الغرر عرفا ، الا ان المجعول منه ) اى من هذا التابع ( جزءا ) بان اعطى الثمن في مقابل المبيع الّذي هو عبارة عن التابع والمتبوع ( داخل ظاهرا في معقد الاجماع على اشتراط العلم بالمبيع المتوقف ) ذلك العلم بالمبيع ( على العلم بالمجموع ) من التابع والمتبوع

( نعم لو كان الشرط تابعا ) بان شرط التابع ، ولم يجعل التابع جزءا ( عرفيا ، خرج عن بيع الغرر ) لما تقدّم انه في الجزء ليس بغرر فكيف في الشرط .

( وعن معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما ) إذ لا اجماع على لزوم كون الشرط - أيضا - معلوما .

وانما الاجماع على معلومية المبيع والمبيع لا يشمل الجزء ( فيقتصر ) في عدم لزوم معرفة التابع ( عليه ) اى على ما إذا كان شرطا ، ولم يكن

ص: 274

هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين .

واما التابع للمبيع الّذي يندرج في المبيع ، وان لم ينضم إليه حين العقد ولم يخطر ببال المتبايعين .

فالظاهر عدم الخلاف ، والاشكال في عدم اعتبار العلم به الا إذا استلزم غررا في نفس المبيع .

_________________________

يوجب الغرر .

فتحصل ان الاقسام ثلاثة :

الأول - الجزء والشرط الموجب جهلهما الغرر وهذا يلزم العلم بهما

الثاني : - الجزء الّذي لا يوجب جهله الغرر ، وهذا أيضا يلزم العلم به لاطلاق الاجماع الدال على لزوم معلومية المبيع .

الثالث : الشرط الّذي لا يوجب جهله الغرر ، وهذا لا يلزم العلم به لأنه ليس بغرر ، ولا جزء من المبيع ، حتى يمنع عنه دليل الغرر أو دليل لزوم العلم باجزاء المبيع .

( هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين ) بان جعله المتبايعان تابعا .

( واما التابع للمبيع الّذي يندرج ) بنفسه ( في المبيع ، وان لم ينضم إليه حين العقد ) ذلك التابع بل ( ولم يخطر ببال المتبايعين ) كالبيضة في بطن الدجاجة واللبن في ضرع الشاة .

( فالظاهر عدم الخلاف ، و ) عدم ( الاشكال في عدم اعتبار العلم به ) اى بذلك التابع ( الا إذا استلزم ) عدم العلم بالتابع ( غررا في نفس المبيع )

ص: 275

إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع ، لا الساري من المجهول إلى المعلوم فافهم .

_________________________

كما إذا كان الطير يوزن عند البيع ، فعدم العلم بالبيض يوجب ان لا يعلم أن هذا الطير الّذي وزنه ربع ، الآن هل هو ربع في الواقع لصغر البيضة التي في بطنها ، أو انه ربع الّا شيء معتد به لكبر البيضة التي في بطنها .

وانما قيدنا الغرر بكونه « في نفس المبيع » ( إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع ) فلا يعلم كم لحم الطير ، كما لا يعلم كم وزن البيضة ( لا ) الغرر ( الساري من المجهول إلى المعلوم )

فإنه ربما يكون غرريا بذاته .

وربما يكون غرريا لأنه منضم إلى شيء ، ذلك الشيء غررى ، كما لو ضم كيلوا من السكر إلى شيء في العلبة ، فالسكر ليس غرريا بذاته ، وانما سرى إليه الغرر بواسطة جهالة ما في العلبة ( فافهم ) حيث إنه لا فرق في ايجاب الغرر البطلان ، بين ان يكون الغرر في ذات الشيء أو ان يكون ساريا من شيء آخر إلى المبيع .

ص: 276

مسئلة يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار

يحتمل الزيادة والنقيصة ، على المشهور ، بل لا خلاف فيه في الجملة ، بل عن فخر الاسلام التصريح بدعوى الاجماع .

قال فيما حكى عنه : نص الأصحاب على أنه يجوز الاندار للظروف ، بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد استثنى من المبيع امر مجهول واستثناء المجهول مبطل للبيع ، الا في هذه الصورة ، فإنه لا يبطل اجماعا انتهى .

_________________________

( مسألة : يجوز ان يندر ) اى يستثنى ( لظرف ما يوزن مع ظرفه ) كالدهن الّذي يوزن مع القربة الّذي هو فيها ( مقدار ) نائب فاعل « يندر » ( يحتمل الزيادة والنقيصة ) مثلا : يوزن الدهن مع القربة عشر كيلوات ، ثم يستثنى للقربة مقدار كيلو في حين انه يحتمل أن تكون القربة أكثر من كيلو أو أقل منه ( على المشهور ، بل لا خلاف فيه في الجملة ، بل عن فخر الاسلام التصريح بدعوى الاجماع ) على ذلك .

( قال فيما حكى عنه : نص الأصحاب على أنه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد استثنى من المبيع امر مجهول ) وهو الظرف المجهول المقدار ( واستثناء المجهول مبطل للبيع ) .

فلو قال : بعتك هذا الكيلو إلا شيئا منه بطل ، لأنه يوجب الجهل بمقدار المبيع ( الا في هذه الصورة ) صورة الاندار ( فإنه لا يبطل اجماعا انتهى ) كلام فخر الاسلام .

ص: 277

والظاهر : ان اطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ، ولو من اوّل الامر ، بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضا .

ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ستة الأول : جواز الاندار بشرطين كون المندر متعارف الاندار عند التجار وعدم العلم بزيادة ما يندره وهو للنهاية ، والوسيلة وعن غيرهما .

_________________________

( والظاهر : ان اطلاق الاستثناء ) على الاندار والحال انه خارج من اوّل الامر ، لا انه داخل أولا ثم يخرج ( باعتبار خروجه ) اى الظرف ( عن المبيع ، ولو ) خروجا ( من اوّل الامر ) لا خروجا بعد الدخول ( بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا ) المعنى - وهو الخروج من اوّل الامر - ( أيضا ) فليس هناك شيء يدخل في المبيع ثم يخرج منه ، فليس الاستثناء هنا لفظ مجازى .

( ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ) اى مسألة الاندار ( ستة ) .

القول ( الأول : جواز الاندار بشرطين ) .

الأول : ( كون المندر متعارف الاندار عند التجار ) كقربة الدهن والعسل .

( و ) الثاني : ( عدم العلم بزيادة ما يندره ) كان يجعل القربة كيلوا والحال انه يعلم أنها نصف كيلو .

اما العكس بان يندر أقل والحال انه يعلم أنها كيلوا ونصفا ، فلا بأس به ( و ) هذا القول ( هو للنهاية ، والوسيلة و ) حكى ( عن غيرهما ) أيضا .

ص: 278

الثاني : عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها ، وهو للتحرير ، الثالث : اعتبار العادة مطلقا ، ولو علم الزيادة أو النقيصة ومع عدم العادة في ما يحتملهما وهو لظاهر اللمعة ، وصريح الروضة ، الرابع :

التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا ، وما علم الزيادة فالجواز بشرط التراضي ، الخامس : عطف العلم بالنقيصة على الزيادة

_________________________

القول ( الثاني : عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها ) فإنه لا يصح استثناء كيلو للقربة إذا علم أنها نصف كيلو ، أو إذا علم أنها كيلوا ونصفا ( وهو للتحرير ) للعلامة .

القول ( الثالث : اعتبار العادة مطلقا ) فكل مقدار اعتاد العرف على استثنائه للقرية صح استثنائه ( ولو علم الزيادة أو النقيصة ) فإذا كان المعتاد استثناء كيلو للقرية جاز ، وان علم أن القربة كيلو ونصف ، أو نصف كيلو مثلا ( ومع عدم العادة ) في استثناء مقدار خاص للقربة يجوز الاستثناء ( في ما يحتملهما ) اى يستثنى كيلوا ، وان احتمل ان القربة في الواقع كيلو ونصف ، أو نصف كيلو وهذا القول ( وهو لظاهر اللمعة ، وصريح الروضة ) للشهيدين الأول والثاني .

القول ( الرابع : التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا ) سواء تراضيا ، أم لا ( وما علم الزيادة ) كان يجعل القربة كيلوا والحال انه يعلم أنها نصف كيلو ( فالجواز بشرط التراضي ) بين المتبايعين ونسب هذا إلى المشهور بين الفقهاء .

القول ( الخامس ) هو الرابع مع ( عطف العلم بالنقيصة على الزيادة )

ص: 279

وهو للمحقق الثاني ناسبا له إلى كل من لم يذكر النقيصة ، السادس :

إناطة الحكم بالغرر .

ثم إن صورة المسألة : ان يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم انه عشرة أرطال ، فإذا أريد بيع المظروف فقط - كما هو المفروض - وقلنا : بكفاية العلم بوزن المجموع ، وعدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا - على ما هو مفروض المسألة ومعقد الاجماع المتقدم - .

_________________________

بان قال : وما علم الزيادة والنقيصة ( وهو للمحقق الثاني ناسبا له إلى كل من لم يذكر النقيصة ) وكأنه اكتفى بأحد الطرفين من الآخر كقول الشاعر :

دعاني إليها القلب انى لامره * مجيب ، فلا ادرى ارشد طلابها

اى : أم غى .

القول ( السادس : إناطة الحكم بالغرر ) فإن كان الاندار غررا لم يجز ، وإلا جاز .

( ثم إن صورة المسألة : ان يوزن مظروف مع ظرفه ) كان يوزن الدهن مع القربة ( فيعلم انه ) اى المظروف والظرف معا ( عشرة أرطال ، فإذا أريد بيع المظروف فقط - كما هو المفروض - ) لا بيع الظرف والمظروف معا ( وقلنا : بكفاية العلم بوزن المجموع ، وعدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا - على ما هو مفروض المسألة ومعقد الاجماع المتقدم - ) وبكون ذلك استثناء من لزوم العلم بكيل ووزن المكيل والموزون .

ص: 280

فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا ، وحينئذ فلا يحتاج إلى الاندار ، لان الثمن والمثمن معلومان بالفرض .

وأخرى يباع على وجه التسعير ، بان يقول : بعتكه كل رطل بدرهم فيجىء مسألة الاندار ، للحاجة إلى تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم .

ويمكن ان يحرر المسألة على وجه آخر ، وهو : انه بعد ما علم وزن الظرف والمظروف ، وقلنا : بعدم لزوم ، العلم بوزن المظروف منفردا فاندار اى مقدار للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم .

_________________________

( فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا ) بدون ان يعلم وزنه الحقيقي ، وهل انه تسعة أرطال أو ثمانية - مثلا - ؟ فيما شك في ان القربة رطل أو رطلان ( وحينئذ ) اى حين باع المظروف جملة ( فلا يحتاج إلى الاندار ، لان الثمن والمثمن معلومان بالفرض ) فالثمن : الدينار ، والمثمن : المظروف جملة .

( وأخرى يباع على وجه التسعير ، بان يقول ) بعد ان وزنهما فكان عشرة أرطال ( بعتكه كل رطل بدرهم ، فيجىء ) هنا ( مسألة الاندار ، للحاجة إلى تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم ) فإنه ان كان ثمانية أرطال استحق ثمانية دراهم ، وان كان تسعة ، استحق تسعة دراهم .

( ويمكن ان يحرر المسألة على وجه آخر ، وهو : انه بعد ما علم وزن الظرف والمظروف ) عشرة أرطال - مثلا - ( وقلنا : بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا ) للاجماع المتقدم ، وغيره ( فاندار اى مقدار للظرف ) رطلا أو رطلين ( يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم ) لان المظروف يكون

ص: 281

وهل هو منوط بالمعتاد بين التجار والتراضي ؟ أو بغير ذلك .

فالكلام في تعيين المقدار المندر لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف بعد قيام الاجماع على عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير ، أو باخبار البائع .

وإلى هذا الوجه ينظر بعض الأساطين ، حيث أناط المقدار المندر بما لا يحصل معه غرر .

_________________________

حينئذ ثمانية أو تسعة .

( وهل هو ) اى المقدار الّذي يندره للظرف ( منوط بالمعتاد بين التجار والتراضي ) كما لو اعتادوا اندار رطل مثلا ( أو بغير ذلك ) كالذي تراضيا عليه ، وان كان مخالفا للمعتاد بين التجار .

( فالكلام ) حينئذ - بعد الفراغ عن صحة الاندار في الجملة - ( في تعيين المقدار المندر ) - بصيغة المفعول - ( لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف ، بعد قيام الاجماع على عدم لزوم العلم بوزنه ) اى وزن المظروف ( بالتقدير ) بان يكال أو يوزن ، و « بالتقدير » متعلق ب « وزنه » ( أو باخبار البائع ) عطف على « بالتقدير » لما تقدم من أن اخبار البائع بالكيل والوزن طريق إلى التقدير - الّذي يجب ان يكون بالنسبة إلى المكيل والموزون -

( وإلى هذا الوجه ) اى كون الوجه في الاندار ، احراز شرط صحة بيع المظروف - في مقابل ان يكون الاندار لأجل تعيين الثمن - ( ينظر بعض الأساطين ، حيث أناط المقدار المندر ) - بالفتح - ( بما لا يحصل معه غرر ) .

فان هذا يلائم كون الاندار لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف

ص: 282

واعترض على ما في القواعد ، ومثلها من اعتبار التراضي في جواز اندار ما يعلم زيادته بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا .

وتبعه في ذلك بعض اتباعه ، ويمكن ان يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول من المبيع على جواز الاندار .

_________________________

إذ لو لم يعلم المقدار ، كان غررا - وهذا هو الوجه الثاني - اما الوجه الأول ، وهو : كون الاندار لأجل تعيين الثمن ، فذلك لا يرتبط بالغرر .

ثم إن المراد بما لا يحصل معه الغرر هو المقدار المتعارف انداره .

( واعترض ) هذا البعض ( على ما في القواعد ، ومثلها ) من سائر الكتب ( من اعتبار التراضي في جواز اندار ما يعلم زيادته ) « من » بيان « ما في القواعد » ( بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا ) وإلا جاز عدم الكيل والوزن مطلقا في كل مكيل وموزون ، بان يتراضى الطرفان بالمقدار المجهول في إزاء ثمن معلوم .

فاللازم عدم الغرر في المقدار المندر أيضا كما يلزم عدم الغرر في كل مكيل وموزون .

( وتبعه ) اى تبع بعض الأساطين ( في ذلك ) اى كون وجه الاندار احراز شرط صحة بيع المظروف ( بعض اتباعه ، ويمكن ان يستظهر هذا الوجه ) اى كون الاندار لأجل صحة بيع المظروف ( من عبارة الفخر المتقدمة ) في اوّل المسألة ( حيث فرع استثناء المجهول من المبيع ) اى المجهول وزنه ( على جواز الاندار ) .

ص: 283

إذ على الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا على جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول ، لا على جواز اندار مقدار معين .

إذ الاندار حينئذ لتعيين الثمن ، فتأمل .

وكيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين ، فان جماعة منهم - كما عرفت من الفاضلين وغيرهما - خصّوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة ، فلو كان الاندار

_________________________

( إذ على الوجه الأول ) وهو كون الاندار لأجل تعيين الثمن ( يكون استثناء المجهول متفرعا على جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول ) قدره ( لا ) انه متفرع ( على جواز اندار مقدار معين ) .

( إذ الاندار حينئذ ) اى حين كان لأجل تعيين الثمن ( لتعيين الثمن ) لا لأجل صحة بيع المظروف ( فتأمل ) .

إذ لا فرق في كون الاندار لأجل صحة بيع المظروف ، أو لأجل تعيين الثمن في انه يتفرع عليه استثناء المجهول من المبيع .

فان الامر في كليهما مجهول ، منتهى الامر قد يكون الجهل بالمثمن وقد يكون الجهل بالثمن ، فالاستثناء صالح لان يتفرع على اىّ منهما .

( وكيف كان ) سواء استظهر هذا الوجه من كلام الفخر ، أم لا ( فهذا الوجه ) اى كون الاندار لأجل صحة بيع المظروف ( مخالف لظاهر كلمات الباقين ، فان جماعة منهم - كما عرفت من الفاضلين ) المحقق والعلامة ( وغيرهما - خصّوا اعتبار التراضي ) لمقدار الاندار ( بصورة العلم بالمخالفة ) وان القدر المندر للقربة مخالف للقدر الواقعي لها ( فلو كان الاندار

ص: 284

لاحراز وزن المبيع وتصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا .

إذ لا معنى لإيقاع العقد على وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض .

_________________________

لاحراز وزن المبيع وتصحيح العقد لكان ) الاندار ( معتبرا مطلقا ) لا في صورة العلم بالمخالفة فقط .

( إذ لا معنى لايقاع العقد على وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض ) فإنه إذا كان الاندار لأجل تصحيح العقد لا يصح ان يقال : يعتبر التراضي في صورة المخالفة فقط ، بل اللازم الاحتياج إلى التراضي حتى في صورة الجهل بالمخالفة .

فإنه لا يصح عقد الا بالتراضي ، لقوله تعالى : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ .

اما إذا كان الاندار لأجل تعيين ما يستحقه البائع من المشترى ، صح تخصيص اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة .

إذ على هذا العقد ، صحيح قبل الاندار ، ولأجل ان العقد صحيح قبل الاندار ، وجب على المشترى ايفاء حق البائع بتمامه في مقابل المثمن الّذي اخذه من البائع ، ووجب على البائع عدم اخذ الزائد عما يستحقه من الثمن من المشترى .

والاندار انما يكون حينئذ لأجل تعيين حق البائع ، فإذا علم مخالفة المندر لمقدّر الظرف ، فلا بد من التراضي ، واما إذا لم يعلم ، فلا يلزم التراضي ، لأن العقد صحيح حسب الفرض .

ص: 285

وقد صرح المحقق ، والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، بان الاندار من دون التراضي تضييع لمال أحدهما .

ولا يخفى : انه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد ، لتصحيحه ، لم يتحقق تضييع المال ، لان الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف ، سواء فرض زائدا أو ناقصا .

_________________________

واشتغال ذمة المشتري بأزيد مما يدفعه إلى البائع غير معلوم ، فيرجع إلى اصالة البراءة .

وكذلك اشتغال ذمة البائع بأزيد مما يدفعه إلى المشترى .

( وقد صرح المحقق ، والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي ) بين البائع والمشترى ( مع العلم بالزيادة أو النقيصة ) بين الظرف والقدر المندر ( بان الاندار من دون التراضي تضييع لمال أحدهما ) وهو الّذي اعطى الأزيد واخذ الأقل .

( ولا يخفى : انه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد ، ل ) اجل ( تصحيحه ) اى تصحيح العقد ، ولم يكن اعتباره لأجل تعيين الثمن بعد ان كان العقد صحيحا ( لم يتحقق تضييع المال ) في صورة العلم بالمخالفة بين القدر المندر ، وبين الظرف ( لان الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف ، سواء فرض زائدا ) عن الثمن ( أو ناقصا ) عنه .

وهذا بخلاف ما لو أريد الوجه الأول وكان اعتبار الاندار بعد العقد لتعيين الثمن ، لان الثمن وقع حينئذ في مقابل قدر خاص ، فزيادة الثمن

ص: 286

هذا مع أنه إذا فرض كون استقرار العادة على اندار مقدار معين يحتمل الزيادة والنقيصة ، فالتراضى على الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا ، لا يوجب غررا ، بل يكون كاشتراط زيادة مقدار على المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع ، مثلا : لو كان المجموع عشرة أرطال ، وكان المعتاد اسقاط رطل للظرف ، فإذا تراضيا على أن يندر للظرف رطلا ، فكأنه شرط للمشترى ان لا يحسب عليه رطلا .

_________________________

عن ذلك القدر الخاص أو نقصانه عنه ، تضييع للمال الّذي اخذ الأنقص ، واعطى الأزيد - سواء كان بائعا أو مشتريا - .

( هذا ) وجه لأجل ان المشهور أرادوا بالاندار لأجل التسعير ، لا لأجل تصحيح العقد ( مع ) انه هناك وجه آخر يدل على ذلك أيضا ، ف ( انه إذا فرض كون استقرار العادة على اندار مقدار معين يحتمل الزيادة ) على المقدار الواقعي ( والنقيصة ) كاندار رطل ، بينما يحتمل ان يكون قدر الظرف واقعا نصف رطل أو رطلين مثلا ( فالتراضى على الزائد عليه ) اى على مقدار العادة ( أو الناقص عنه ) زيادة أو نقصا ( يقينا ، لا يوجب غررا ) فلا وجه لإناطة الحكم بالغرر ، إذ لا غرر أصلا ( بل يكون ) التراضي بالزائد يقينا ، أو الناقص يقينا ( كاشتراط زيادة مقدار على المقدار المعلوم ) اما زيادة الثمن ، أو زيادة المثمن ( غير قادح ) خبر « يكون » ( في صحة البيع ، مثلا : لو كان المجموع ) من الظرف والمظروف ( عشرة أرطال وكان المعتاد ) بين الناس ( اسقاط رطل للظرف ، فإذا تراضيا على أن يندر للظرف رطلا ، فكأنه ) اى البائع ( شرط للمشترى ان لا يحسب عليه رطلا ) لان

ص: 287

ولو تراضيا على اندار نصف رطل ، فقد اشترط على المشترى جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة .

فلا معنى للاعتراض على من قال : باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو نقيصته ، بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا .

وكيف كان فالظاهر هو الوجه الأول ، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسئلة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون

_________________________

البائع اعطى المشترى تسعة أرطال من الدهن ، واخذ منه ثمن ثمانية أرطال .

( ولو تراضيا على اندار نصف رطل ، فقد اشترط ) البائع ( على المشترى جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة ) لان المشترى اخذ تسعة أرطال فقط ، واعطى ثمن تسعة أرطال ونصف .

( فلا معنى للاعتراض على من قال : باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو نقيصته ، بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا ) إذ لا غرر على هذا في البين ، ولا وجه لعدم صحة العقد .

( وكيف كان ) سواء قال المشهور ، أو لم يقل ( فالظاهر ) عندنا ( هو الوجه الأول ) وهو ان الاندار لأجل التسعير ، لا لأجل تصحيح العقد ( فيكون دخول هذه المسألة ) اى مسئلة الاندار ( في فروع مسئلة تعيين العوضين ) حيث يلزم ان يكون المعوض معلوم المقدار ليعطى المشترى من الثمن بمقدار ذلك المعوض ، فإذا كان المثمن تسعة أرطال اعطى تسعة دراهم لا أكثر ولا أقل ، فيما إذا كان كل رطل بدرهم ( من حيث تجويز بيع المظروف بدون

ص: 288

ظرفه المجهول ، كما عنون المسألة بذلك في اللمعة ، بل نسبه في الحدائق إليهم ، لا من حيث اندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد والتواطى على ايقاع العقد على الباقي بعد الاندار .

وذكر المحقق الأردبيلي ره في تفسير عنوان المسألة ان المراد :

انه يجوز بيع الموزون بان يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا ، بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف ، لا أزيد ولا انقص ، بل وان تفاوت لا يكون

_________________________

ظرفه المجهول ) قدر ذلك المظروف ، فكأنه استثناء عن لزوم تعيين المعوض ( كما عنون المسألة بذلك ) كون المعوض مجهولا ( في اللمعة بل نسبه في الحدائق إليهم ، لا من حيث اندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد ) « وقت » ظرف « للمجهول » ( والتواطى ) عطف على « اندار » ( على ايقاع العقد على الباقي بعد الاندار ) وقوله : لا من حيث ، عبارة أخرى عن : الوجه الثاني الّذي نفاه المصنف سابقا ، وهو ان يكون الاندار لأجل صحة العقد ، لا لأجل التسعير بعد الصحة .

( وذكر المحقق الأردبيلي ره في تفسير عنوان المسألة ) اى مسئلة الاندار ( ان المراد : انه يجوز بيع الموزون بان يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع ) اى مجموع الظرف والمظروف - كعشرة أرطال مثلا - ( مقدار الظرف تخمينا ) كرطل - مثلا - ( بحيث يحتمل كونه ) اى المقدار الساقط ( مقدار الظرف ) « مقدار » خبر « كون » ( لا أزيد ولا انقص ، بل وان تفاوت ) المقدار الواقعي عن المقدار الساقط ( لا يكون ) التفاوت

ص: 289

الا بشيء يسير متساهل به عادة ، ثم دفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع ، انتهى .

فظاهره الوجه الأول الّذي ذكرنا .

حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف ، وجعل الاندار لأجل تعيين الباقي الّذي يجب عليه دفع ثمنه .

وفي الحدائق - في مقام الرد على من الحق النقصية بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها - قال : ان

_________________________

( الا بشيء يسير متساهل به عادة ، ثم ) بعد الاندار ( دفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع ، انتهى ) كلام المقدس الأردبيلي .

( فظاهره الوجه الأول الّذي ذكرنا ) وارتضيناه نحن وهو كون الاندار لأجل التسعير ، لا الوجه الثاني الّذي هو كون الاندار لأجل صحة العقد .

( حيث جوز ) المقدس ( البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف ، وجعل الاندار لأجل تعيين الباقي ) ولأجل التسعير ، فالاندار ليس لتصحيح البيع ، وانما لأجل التسعير بعد صحة البيع ( الّذي يجب عليه دفع ثمنه )

إذ لو لم يعلم المشترى مقدار المظروف لم يتمكن ان يدفع العوض الكامل بدون زيادة ولا نقيصة .

( وفي الحدائق - ) أيضا ما يظهر منه ان الاندار لأجل التسعير - كما ارتضيناه - لا لأجل صحة العقد ، فإنه ( في مقام الرد على من الحق النقيصة بالزيادة ، في اعتبار عدم العلم بها - ) اى كما لا يعتبر العلم

ص: 290

قال : ان الاندار حق للمشترى ، لأنه قد اشترى مثلا مائة منّ من السمن في هذه الظروف فالواجب قيمة المائة المذكورة ، وله اسقاط ما يقابل المظروف من هذا الوزن ، انتهى .

وهذا الكلام وان كان مؤيدا لما استقربناه في تحرير المسألة ، الا ان جعل الاندار حقا للمشترى ، والتمثيل بما ذكره لا يخلو عن نظر ، فان المشترى لم يشتر مائة منّ من السمن في هذه الظروف لان التعبير بهذا

_________________________

بالزيادة كذلك لا يعتبر العلم بالنقيصة ( قال : ان الاندار حق للمشترى لأنه قد اشترى مثلا مائة منّ من السمن في هذه الظروف ) - كالقرب المجهولة المقدار مثلا - ( فالواجب ) عليه ، اعطاء ( قيمة المائة المذكورة ، وله ) اى للمشترى ( اسقاط ما يقابل المظروف من هذا الوزن ) فالاندار لأجل حق المشترى حتى لا يعطى أزيد من قيمة المتاع للبائع ( انتهى ) كلام الحدائق .

( وهذا الكلام وان كان مؤيدا لما استقر بناه في تحرير المسألة ) من أن الاندار لأجل التسعير بعد صحة العقد ، لا لأجل صحة العقد ، لأنه أثبت الحق للمشترى ، والحق للمشترى لا يكون الا بعد صحة العقد ، فالاندار يكون بعد صحة العقد ، لا لأجل صحة العقد ( الا ان جعل الاندار حقا للمشترى ) في كلام الحدائق ( والتمثيل بما ذكره ) « لأنه قد اشترى مثلا . . . الخ » ( لا يخلو عن نظر ) .

( ف ) وجه النظر ( ان المشترى لم يشتر مائة منّ من السمن في هذه الظروف ) - كما قاله الحدائق - ( لان التعبير بهذا ) اى ان المشترى

ص: 291

- مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من - لغو ، بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة منّ .

فان باعه بثمن معين فلا حاجة إلى الاندار ، ولا حق للمشترى وان اشتراه على وجه التسعير بقوله : كل منّ بكذا .

فالاندار انما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع على المشترى من

_________________________

اشترى مائة منّ ( - مع العلم ) من المشترى ( بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من - لغو ) اى كيف يشترى ما يعلم أنه ليس بذلك القدر ، كان يشترى ثلاثة تفاحات بعنوان كونها أربعة .

فكلام صاحب الحدائق تام لكن تمثيله غير صحيح ( بل المبيع في الحقيقة ) في مثال الحدائق ( ما في هذه الظروف ) من الدهن ( التي هي ) اى الظروف ( مع المظروف مائة منّ ) لان ما في الظروف مائة منّ .

( فان باعه ) اى باع البائع ما في الظروف فقط - الّذي هو أقل من مائة منّ - ( بثمن معين ) كمائة دينار ( فلا حاجة إلى الاندار ) .

إذ الاندار ان كان لأجل تصحيح البيع ، فالبيع مفروض الصحة في كلام الحدائق .

وان كان لأجل التسعير ، فالمفروض ان المشترى لم يشتر كل منّ بكذا ، بل اشترى المجموع بمائة درهم مثلا ( ولا حق للمشترى ) في الاندار ( وان اشتراه على وجه التسعير بقوله : كل منّ بكذا ) لا انه اشترى الجملة بكذا .

( فالاندار انما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع على المشترى من

ص: 292

الثمن .

فكيف يكون الواجب قيمة المائة ، كما ذكره المحدث .

وقد علم مما ذكرنا ان الاندار - الّذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن - انما هو لتعيين حق البائع ، وليس حقا للمشترى .

واما الاخبار فمنها : موثقة حنان قال سمعت معمّر الزيات ، قال :

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : انا نشترى الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان ، لمكان

_________________________

الثمن ) « من » بيان « ما يستحقه » .

( فكيف ) يقول الحدائق : ( يكون الواجب ) على المشترى اعطاء ( قيمة المائة ، كما ذكره المحدث ) البحراني ، فبين مطلب الحدائق ومثاله تهافت .

( وقد علم مما ذكرنا ان الاندار - الّذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج ) - صفة الظرف - ( عن المبيع ) « عن » متعلق ب « الخارج » ( بوزن - ) متعلق ب « تخمين » ( انما هو ) اى الاندار ( لتعيين حق البائع ) حتى يعلم كم يطلب من المشترى من الثمن ( وليس ) الاندار ( حقا للمشترى ) كما ذكره الحدائق .

( واما الاخبار ) الدالة على الاندار بالإضافة إلى الاجماع المتقدم ( فمنها : موثقة حنان قال سمعت معمر الزيات ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : انا نشترى الزيت في زقاقه فيحسب ) البائع ( لنا النقصان ، لمكان

ص: 293

الزقاق ، فقال له : ان كان يزيد وينقص ، فلا بأس ، وان كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه .

قيل : وظاهره عدم اعتبار التراضي .

أقول : المفروض في السؤال هو التراضي ، لان الحاسب هو البائع أو وكيله ، وهما مختاران والمحسوب له هو المشترى .

والتحقيق

_________________________

الزقاق ) فهل ذلك جائزا ، أم لا ؟ ( فقال له ) عليه السلام ( ان كان يزيد ) تارة ( وينقص ) أخرى ، فالزقاقة التي اسقط لها رطل مثلا تارة تكون رطلا ونصفا وأخرى نصف رطل - مثلا - ( فلا بأس ) بهذا الاندار ( وان كان يزيد ولا ينقص ) بان كان المندر يزيد على الواقع ، فمثلا ينقص رطلا والحال انه رطل ونصف مثلا ( فلا تقربه ) اى لا تقرب هذا الابتياع .

( قيل : وظاهره ) اى ظاهر هذا الحديث ( عدم اعتبار التراضي ) اى يجوز الاندار وان لم يرض المشترى بذلك ، لان الامام لم يقيد ذلك بالتراضي .

( أقول ) ليس الامر كذلك بل ( المفروض في السؤال هو التراضي لان الحاسب هو البائع ، أو وكيله ) .

ومن المعلوم ان الحاسب راض ، لان الحساب وتقدير الكمية بيده فان شاء زاد وان شاء نقص ( وهما مختاران ) في قدر الحساب ( والمحسوب له ) اى لنفعه ( هو المشترى ) والمنتفع دائما راض .

( والتحقيق ) انه لا اطلاق في كلام الامام حول اعتبار التراضي

ص: 294

ان مورد السؤال صحة الاندار مع ابقاء الزقاق للمشترى بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف ، أو مع ردها إلى البائع من دون وزن لها فان السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضى المتبايعين عليه ، فلا اطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي .

ويؤيده النهى

_________________________

عدمه ، إذ جهة الكلام امر آخر .

وقد تحقق في الأصول ان الكلام لو كان منصبا إلى ناحية خاصة ، لم يكن له اطلاق من ناحية أخرى .

مثلا : لو قال سبحانه : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، لم يكن له اطلاق من حيث جواز اكل محرمات الذبيحة واكل موضع عضّ الكلب .

ف ( ان مورد السؤال صحة الاندار مع ابقاء الزقاق للمشترى بلا ثمن ) بان يقدر الثمن والزق مائة حقة بمائة دينار ، ثم يطرح للزقاق عشرا فيأخذ البائع تسعين دينارا في مقابل الدهن ويبقى الزقاق للمشترى ( أو بثمن مغاير للمظروف ) كان يكون عشر حقق الزقاق بدينار واحد ( أو مع ردها ) اى الزقاق ( إلى البائع من دون وزن لها ) بان لا توزن الزقاق ، وانما يقدر لها عشر حقق - بالاندار - ( فان السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضى المتبايعين عليه ) اى على اىّ من الثلاثة « ابقاء الزقاق للمشترى بلا ثمن ، أو مع الثمن ، أو ردها » ( فلا اطلاق فيه ) اى في كلام الإمام عليه السلام ( يعمّ صورة عدم التراضي ) .

( ويؤيده ) اى يؤيد كون الكلام في صورة رضاية الطرفين ( النهى )

ص: 295

عن ارتكابه مع العلم بالزيادة ، فان النهى عنه ليس ارتكابه بغير تراض فافهم .

فحينئذ لا يعارضها ما دل على صحة ذلك مع التراضي ، مثل رواية علي بن أبى حمزة ، قال : سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام ، قال : جعلت فداك ، نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا ، فربما زاد وربما نقص ، قال : إذا كان ذلك

_________________________

الّذي نهاه الإمام عليه السلام بقوله : وان كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه ، ( عن ارتكابه ) اى ارتكاب الاندار ( مع العلم بالزيادة ) بان يعلم أنه ليس ناقصا عن المقدار المندر قطعا ، وانما يحتمل ان يكون أزيد ، كما لو اندر عشر واحتمل ان يكون أحد عشر - مثلا - ( فان النهى عنه ليس ارتكابه ) اى ارتكاب المنهى ( بغير تراض ) إذ هما راضيان ، وانما ينهى الامام عن ذلك نهيا شرعيا ، كما لو نهى عن القمار ، فان ظاهر النهى انهما راضيان ، وانما هنا نهى شرعي في البين ( فافهم ) إذ النهى أعم عن التراضي وعدم التراضي ، كما نهى عن الربا ، مع أن معطى الربا دائما لا يرضى ، وانما تلجئه الضرورة إلى ذلك .

( فحينئذ ) اى حين قلنا : ان الرواية السابقة لا اطلاق لها من حيث التراضي وعدمه ( لا يعارضها ما دل على صحة ذلك ) اى الاندار ( مع التراضي ، مثل رواية علي بن أبى حمزة ، قال : سمعت معمّر الزيات يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام ، قال : جعلت فداك ، نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا ، فربما زاد وربما نقص ، قال : إذا كان ذلك )

ص: 296

عن تراض منكم ، فلا بأس ، فان الشرط فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك ، وعدم المانع منه شرعا ، فيشبه التراضي ، العلة التامة غير المتوقفة على شيء .

ونحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر ، المحكى عن قرب الإسناد ، عن أخيه موسى عليه السلام ، عن الرجل يشترى المتاع وزنا في الناسية والجوالق ،

_________________________

الطرح ( عن تراض منكم ، فلا بأس ) .

اما وجه توهم المعارضة بين تلك الرواية وهذه الرواية ، ان تلك الرواية كان منطوقها الصحة ، سواء رضى ، أم لا ، وهذه الرواية مفهومها عدم الصحة إذ لا رضى ( فان الشرط فيه ) وهو قوله عليه السلام : إذا كان ذلك عن تراض منكم ، ( مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك ) الاندار ( وعدم المانع منه شرعا ، فيشبه ) هذا ( التراضي ، العلة التامة غير المتوقفة على شيء ) آخر فإذا لم يكن رضى ، فلا علة للصحة .

ولا يخفى ان قوله : فان الشرط ، علة للمنفى ، وهو المعارضة لا النفي اى « لا معارضة » .

( ونحوه ) اى نحو الخبر السابق ( اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر ، المحكى عن قرب الإسناد ، عن أخيه موسى عليه السلام ، عن الرجل يشترى المتاع وزنا في الناسية والجوالق ) الناسية - بالنون والياء - : الخابية ، يوضع فيها الحب ليحفظ في مدة طويلة .

وسمى ناسية : بعلاقة الضد ، لأنه بمعنى المنسية ، إذ ينسى

ص: 297

فنقول : ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك يحل ذلك البيع ؟

قال إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق ، فلا بأس ، إذا تراضيا .

ثم إن قوله عليه السلام : ان كان يزيد وينقص ، في الرواية الأولى يحتمل ان يراد به الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة ، بمعنى زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق ، أو نقصانه عنه ، أو بمعنى انه يزيد في بعض الزقاق ، وينقص في بعض آخر وان يراد

_________________________

ما فيه لطول المدة التي يلهى في تلك المدة عن الحب الّذي فيها .

وقرء الباسنة - بالباء والنون - وهو نوع من الجوالق .

والجوالق عبارة عن الخرجين معرب جوال ( فنقول : ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك يحل ذلك البيع ) « يحل » استفهام اى هل يحل هكذا بيع .

( قال إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق ، فلا بأس ، إذا تراضيا ) فإنه لا يعارض الحديث السابق الّذي ادعى الاطلاق فيه .

( ثم إن قوله عليه السلام : ان كان يزيد وينقص ، في الرواية الأولى ) وهي موثقة حسان ( يحتمل ان يراد به الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندر في شخص ) هذه ( المعاملة ، بمعنى زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق ) بان اندر عشرة أرطال لعشرة أزقة ، وقد كان ما اندره أزيد من الزقاق ، لان الزقاق أحد عشر ( أو نقصانه ) مجموع ما اندر ( عنه ) اى عن مجموع الزقاق ( أو بمعنى انه يزيد في بعض الزقاق ، وينقص في بعض آخر ) كما لو اندر لكل زق رطلا ، وكان زق رطلا ونصفا ، وزق نصف رطل ( وان يراد

ص: 298

به الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة ، بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة ، وفي بعض أخرى النقيصة .

وهذا هو الّذي فهمه في النهاية حيث اعتبر ان يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة وينقص أخرى ، ونحوه في الوسيلة .

ويشهد للاحتمال الاوّل رجوع ضمير يزيد وينقص إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق .

_________________________

به الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة ) لا شخص المقدار المندر في شخص هذه المعاملة ( بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة ، وفي بعض أخرى النقيصة ) .

مثلا : بيع مائة رطل في عشرة أزقة ، واندار عشرة أرطال للزقاق ، قد يتفق زيادة الزقاق على عشرة أرطال وقد يتفق نقصها عن عشرة أرطال .

( وهذا ) المعنى ، وهو النوع ، ( هو الّذي فهمه في النهاية حيث اعتبر ان يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة وينقص أخرى ، ونحوه في الوسيلة ) لابن حمزة .

( ويشهد للاحتمال الأول ) اى زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق ونقصانه عنه ( رجوع ضمير يزيد وينقص إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق ) مع كون مورد الزيادة عين مورد النقصان شخصا لا نوعا .

فان السائل قال : فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق ، فقال الامام \" ع \" ان كان يزيد وينقص فلا بأس فقد ارجع الضمير في « يزيد وينقص » إلى « النقصان » .

ص: 299

وللثاني عطف النقيصة على الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين ، لا احتمالهما .

وللثالث ما ورد في بعض الروايات : من أنه ربما يشترى الطعام من أهل السفينة ، ثم يكيله فيزيد ، قال عليه السلام : وربما نقص ، قلت : وربما نقص ،

_________________________

ومن المعلوم : ان النقصان للمجموع ، لا لبعض الزقاق .

( و ) يشهد ( للثاني ) اى يزيد في بعض الزقاق وينقص في بعض آخر ( عطف النقيصة ) في كلام الإمام عليه السلام ( على الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين ) اى الزيادة والنقصان ، اى انهما مجتمعان في محل واحد .

ومن المعلوم : ان الاجتماع لا يكون الا بان يكون بعض الزقاق زائدا على القدر المندر ، وبعض الزقاق ناقصا عن المقدار المندر .

مثلا : اندر لكل زق رطلا فكان زق رطلا ونصفا ، وزق آخر نصف رطل ( لا احتمالهما ) إذ ظاهر الواو الجمع ، لا احتمال هذا أو ذاك .

فإذا قال : جاء زيد وعمرو ، كان الظاهر مجيئهما معا ، لا مجىء زيد أو عمرو .

( و ) يشهد ( للثالث ) اى يزيد تارة في نوع المعاملة وينقص تارة في نوع المعاملة .

مثلا : إذا طرح عشرة أرطال لعشرة أزقة ، فقد يزيد الأرطال في معاملة ، وقد ينقص الأرطال في معاملة أخرى ( ما ورد في بعض الروايات من أنه ربما يشترى الطعام من أهل السفينة ، ثم يكيله فيزيد ، قال عليه السلام : وربما نقص ، قلت : وربما نقص ،

ص: 300

قال عليه السلام : فإذا نقص ردوا عليكم ، قلت لا ، قال عليه السلام : لا بأس .

فيكون معنى الرواية انه إذا كان الّذي يحسب لكم زائدا مرة وناقصا أخرى ، فلا بأس بما يحسب وان بلغ ما بلغ ، وان زاد دائما .

فلا يجوز الا بهبة ، أو ابراء من الثمن ،

_________________________

قال عليه السلام : فإذا نقص ردوا عليكم ) اى هل ان أهل السفينة يردون النقص عليكم ( قلت لا ، قال عليه السلام : ) إذا ( لا بأس ) .

فان ظاهر هذه الرواية الزيادة في معاملة ، والنقيصة في معاملة أخرى ، لا في معاملة واحدة .

وحيث إن مساق الروايات واحد لزم حمل سائر الروايات - ومنها الرواية الأولى - على هذا المعنى أيضا .

( فيكون معنى الرواية ) الأولى التي نحن بصدد تفسيرها ( انه إذا كان الّذي يحسب ) البائع ( لكم ) من القدر المندر ( زائدا مرة ) في معاملة ( وناقصا ) مرة ( أخرى ، فلا بأس بما يحسب ) البائع من اندار عشرة أرطال مثلا ، في مائة رطل من الدهن ( وان بلغ ) الزائد والناقص ( ما بلغ ، وان زاد دائما ) بان اندر عشرة أرطال والحال ان قدر الزقاق خمسة أرطال مثلا .

( فلا يجوز ) الاندار ( الا بهبة ) من المشترى ( أو ابراء من الثمن ) بان يبرأ المشترى البائع من الثمن الّذي اخذه زائدا على حقه .

والهبة غير الابراء لان لكل واحد منهما ، آثارا خاصة ، فالهبة يمكن الرجوع فيها في غير صورة لزوم الهبة ، والابراء لا يمكن الرجوع فيه ، إلى غيرها من الاحكام التي تختلف بسببها الهبة من الابراء .

ص: 301

أو مع التراضي بناء على عدم توقف الشق الاوّل عليه .

ووقوع المحاسبة من السمسار

_________________________

وهنا الهبة تكون فيما إذا كانت العين موجودة .

والابراء إذا كانت العين تالفة ( أو مع التراضي ) من الجانبين ( بناء على عدم توقف الشق الأوّل عليه ) اى على التراضي « بناء » قيد « للتراضى » اى ان الجواز مع التراضي متوقف على امرين :

الأمر الأول : عدم توقف الشق الأول عليه ، فان في الرواية شقين الأول : يزيد وينقص ، والثاني يزيد فقط .

ومقتضى المقابلة بينهما في كلام الإمام عليه السلام بالجواز في الأول ، وعدم الجواز في الثاني : ان الأول صحيح بدون التراضي ، وانما يحتاج الثاني إلى التراضي .

وعلى هذا : فعدم جواز الاندار ، - فيما زاد دائما - انما هو فيما إذا لم يكن تراض ، اما إذا كان تراض ، فيجوز الاندار ، وان زاد دائما - هذا في صورة الزيادة دائما - .

اما صورة « يزيد وينقص » كما هو الشق الأول ، فلا يحتاج إلى التراضي خلافا لصاحب الجواهر ، كما تقدم عنه ، حيث إنه يرى لزوم التراضي ، في الشق الأول .

( و ) الامر الثاني ( وقوع المحاسبة من السمسار ) حتى يكون الاندار بدون رضاية الطرفين ، ثم يجيء التراضي بعد ذلك ، فإذا كان الاندار أزيد دائما لم يجز ، الا إذا رضى الطرفان ، فان المحاسبة من السمسار غالبا

ص: 302

بمقتضى العادة من غير اطلاع صاحب الزيت .

وكيف كان فالذي يقوى في النظر ، هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى من الثمن .

لكن العمل بالأصل ، لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال .

_________________________

( بمقتضى العادة ) في المبايعات ( من غير اطلاع صاحب الزيت ) فإذا زاد دائما ، لم يجز ، الا إذا تراضيا بعد ذلك .

( وكيف كان ) الاحتمالات الثلاثة المتطرقة في قوله عليه السلام « يزيد وينقص » ( فالذي يقوى في النظر ، هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه ) اى على « ما يحتمل » فإذا اندرنا للظرف عشرة أرطال ، كان الأصل : عدم زيادة الدهن على العشرة ( وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى من الثمن ) هذا عطف بيان لقوله « لأصالة » .

( لكن ) لا يخفى ان ( العمل بالأصل ، لا يوجب ذهاب حق أحدهما ) البائع أو المشترى ( عند انكشاف الحال ) بان كان الظرف أزيد من عشرة أرطال ، أو انقص .

فان في صورة زيادة الظرف يأخذ المشترى بعض الثمن .

وفي صورة زيادة الدهن يأخذ البائع ثمن دهنه الزائد .

فان الأصل أصيل ، حيث لا دليل .

ص: 303

واما مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، فان كانت هناك عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها .

ولعله مراد من لم يقيد بالعلم .

ومع الجهل بها أو عدمها ، فلا يجوز الا مع التراضي ، لسقوط

_________________________

كما أن أصل الطهارة لا يوجب سقوط حكم النجاسة إذا انكشف الحال بان الشيء نجس ، هذا كله مع الجهل بالزيادة والنقيصة .

( واما مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، فان كانت هناك عادة تقتضيه ) اى تقتضى هذا المقدار من الاندار ، كما لو اعتادوا اندار عشرة امنان لمائة منّ من الدهن ( كان العقد واقعا عليها ) اى على تلك العادة ( مع علم المتبايعين بها ) اى بتلك العادة ، فإنه يقع العقد على هذا الدهن الموجود ، سواء كان أزيد من تسعين منا أو أقل منه .

والمفروض ان كليهما عالم بالامر فلا وجه للبطلان .

( ولعله ) اى لعل صورة العلم بالزيادة أو النقيصة فيما إذا كانت هناك عادة متبعة ( مراد من لم يقيد ) العادة ( بالعلم ) .

يعنى ان من قال : ان كانت هناك عادة ، فلا بأس بالزيادة أو النقيصة ، أراد صورة ما إذا علما بتلك العادة ، لأنه لو لم يعلما بتلك العادة لا يصح ، الا مع التراضي - كما سيجيء - .

( ومع الجهل بها ) اى بالعادة ، بان جهلا ان هناك عادة ، وان كانت عادة واقعا ( أو عدمها ) اى عدم العادة أصلا ( فلا يجوز ) التعامل ( الا مع التراضي ، لسقوط ) « اللام » متعلق ب « التراضي » اى يرضيان بان

ص: 304

حق من له الحق سواء تواطيا على ذلك في متن العقد بان قال : بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم ، على أن يسقط لكل ظرف كذا ، فهو هبة له ، أو تراضيا عليه بعده باسقاط من الذمة ، أو هبة للعين .

هذا كله

_________________________

يسقط ( حق من له الحق ) .

سقوط حق البائع ، فيما إذا كان الدهن أكثر ، وحق المشترى إذا كان الدهن أقل ( سواء تواطيا على ذلك ) اى على سقوط حق من له الحق ( في متن العقد بان قال : بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم ، على أن يسقط لكل ظرف كذا ) عشر رطل - مثلا - فهو بمنزلة قولك : على أن تزيدني على كل عشرة رطلا ( فهو هبة له ، أو تراضيا عليه ) اى على سقوط حق من له الحق ( بعده ) اى بعد العقد ( باسقاط من الذمة ) فيما إذا كان الدهن أقل ، فان المشترى الّذي اعطى ثمن تسعين رطلا والحال انه قبض خمسة وثمانين رطلا - مثلا - ، يطلب من البائع ثمن خمسة أرطال ، فيسقطه عن ذمة البائع ( أو هبة للعين ) فيما إذا كان الدهن أكثر ، فان البائع اعطى خمسة وتسعين رطلا ، واخذ ثمن تسعين فقط ، فإنه يهب للمشترى الخمسة الاخر ، هذا .

ويحتمل ان يراد بالعبارة انه لو كان الدهن الزائد أو الثمن الزائد موجودا ، وهبة صاحبه للطرف الآخر ، ولو كانا متلفين أبرأ صاحبه ذمة الآخر عن الشيء المتلف .

( هذا كله ) ثلاثة احكام لثلاثة صور :

ص: 305

مع قطع النظر عن النصوص .

واما مع ملاحظتها فالمعول عليه رواية حنان المتقدمة الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا .

واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به

_________________________

( 1 ) عدم العلم بالزيادة أو النقيصة .

( 2 ) العلم بالزيادة أو النقيصة ووجود العادة وعلم المتبايعين بالعادة .

( 3 ) الصورة الثانية ولكن مع عدم العادة أو الجهل بالعادة ، وقد عرفت احكام كل صورة ( مع قطع النظر عن النصوص ) إذ ما ذكرنا من احكام الصور الثلاثة ، انما هي بمقتضى الأصول الأولية ، والأدلة العامة .

( واما مع ملاحظتها ) وان في المقام نصوصا خاصة ( فالمعول عليه رواية حنان المتقدمة الظاهرة في ) صحة الاندار ، ب ( اعتبار الاعتياد ) بان تكون هناك عادة عند الناس في الاندار المذكور لدى بيع المظروف في ظرفه ( من حيث ظهورها ) اى ظهور الرواية ( في كون حساب المقدار الخاص ) للظرف ( متعارفا ) .

وانما عول على هذه الرواية فقط ، للمناقشة في سند سائر الروايات .

( واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب ) كالعشرة التي يسقطها لأجل الظرف - في المثال السابق - ( عن الظروف ) بان لا يعلم أن الظروف خمسة مثلا ( بما لا يتسامح به ) كخمسة .

اما إذا علم أن المحسوب أكثر من الظرف بقدر عشر رطل مثلا ،

ص: 306

في بيع كل مظروف بحسب حاله .

وكان الشيخ ره في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبر بمضمونها ، كما هو دابه في ذلك الكتاب .

وحيث إن ظاهر الرواية جواز الاندار واقعا ، بمعنى عدم وقوعه

_________________________

فذلك غير مهم ، لأنه يتسامح بمثله عرفا ( في بيع كل مظروف بحسب حاله )

فان التسامح العرفي يختلف في الأشياء المختلفة .

مثلا في الدهن يتسامح بمثل : مثقال .

اما في الذهب ، فلا يتسامح حتى بقيراط ، وهكذا .

ثم لا يخفى : ان ما ذكره المصنف في مفاد الرواية مخالف لما ذكره من مقتضى القاعدة بوجهين .

الأول : ان مفاد الرواية اعتبار الاعتياد والجهل بالزيادة والنقيصة ومقتضى القاعدة كفاية أحدهما في صحة الاندار .

الثاني : عدم الجواز مع العلم بالزيادة مع وجود العادة المعلومة بل لا بدّ من رضى جديد ، غير الرضا المعاملي ، بكونه له ، واما بحسب القاعدة فيجوز كما تقدم .

( وكان الشيخ ره في النهاية فهم ذلك من الرواية ) اى الّذي ذكرناه في معنى رواية حنان ( فعبر بمضمونها ) اى مضمون الرواية ( كما هو ) اى التعبير بمضمون الروايات ( دابه في ذلك الكتاب ) اى النهاية .

( وحيث إن ظاهر الرواية ) رواية حنان ( جواز الاندار ) جوازا ( واقعا بمعنى عدم وقوعه

ص: 307

مراعى بانكشاف الزيادة والنقيصة علمنا بها كذلك .

فيكون مرجع النهى عن ارتكاب ما علم بزيادته ، نظير ما ورد من النهى عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به .

فان ذلك يحتاج إلى هبة جديدة

_________________________

مراعى بانكشاف الزيادة والنقيصة ) حتى إذا انكشف خلاف القدر المندر يكون الاندار باطلا ( علمنا بها ) اى بالرواية ( كذلك ) اى بنحو ان الاندار يكفى واقعا ، سواء انكشف الخلاف ، أم لا .

( فيكون مرجع النهى عن ارتكاب ) الاندار في ( ما علم بزيادته ) كما لو علمنا أن الظرف خمسة ، فاندرنا له عشرة - مثلا - انما هو ( نظير ما ورد من النهى عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به ) « عما » متعلق « بالزائدة » و « به » متعلق ب « يتسامح » .

والمراد بالموازين الزائدة التي يكون الحجر فيها أزيد من حق المشترى .

مثلا : حق المشترى « حقة » لكن الميزان يعطيه حقة ونصفا .

وقوله « نظير » خبر « يكون المرجع » اى كما أنه لو كان الميزان زائدا فاعطى البائع أزيد من حق المشترى ، احتاج الامر إلى هبة جديدة من البائع بالنسبة إلى المقدار الزائد ، كذلك إذا علمنا بان الظرف خمسة فاندر البائع له عشرة ، بان اعطى المشترى أزيد من حقة ، احتاج إلى هبة جديدة بالنسبة إلى الزائد .

( فان ذلك ) الزائد ( يحتاج إلى هبة جديدة ) للمقدار الزائد عن

ص: 308

ولا يكفى اقباضها من حيث كونها حقا للمشترى هذا كله .

مع تعارف اندار ذلك المقدار ، وعدم العلم بالزيادة .

واما مع عدم القيدين فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة يجوز الاندار ، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الامرين .

ومعها يجوز

_________________________

حق المشترى ( ولا يكفى اقباضها ) اى اقباض الزيادة ( من حيث كونها ) اى الزيادة ( حقا للمشترى ) « من » متعلق « باقباضها » .

وانما لا يكفى ، لأنه أزيد من حق المشتري ، فلم يكن مالا للمشترى بالمعاملة السابقة ، وعليه يحتاج إلى هبة جديدة ليصير ماله بالهبة ( هذا كله ) تمام الكلام .

( مع تعارف اندار ذلك المقدار ) كاندار عشرة للظرف ، والحال انه خمسة واقعا ( وعدم العلم بالزيادة ) اى بزيادة القدر المندر عن القدر الواقعي للظرف .

( واما مع عدم القيدين ) التعارف وعدم العلم ، بان كان تعارف وعلم ، أو كان عدم علم وعدم تعارف ، فليس مدلولا للرواية .

ولذا يجب ان نتبع القاعدة في صورة عدم القيدين ( فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة ) بان لم تكن عادة باندار عشرة وشككنا هل ان العشرة أزيد من القدر الواقعي للظرف ، أم لا ؟ ( يجوز الاندار ، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الامرين ) الزيادة أو النقيصة .

( ومعها ) اى مع وجود العادة والعلم بالزيادة والنقيصة ( يجوز )

ص: 309

بناء على انصراف العقد إليها ، لكن فيه تأمل ، لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد ، لان هذا ليس من افراد المطلق حتى ينصرف - بكون العادة صارفة - له

_________________________

الاندار كذلك ، كما لو كانت عادة باندار عشرة لكن علمنا أن الوزن الواقعي للظرف خمسة أو خمسة عشر مثلا ( بناء على انصراف العقد إليها ) اى إلى العادة ، فان من يعقد على مائة من من السمن ، ينصرف عقده إلى المتعارف الّذي هو ما في الظرف ، سواء كان أزيد من التسعين أو أقل ، ولذا يصح ، العقد إذ العقود تتبع القصود ( لكن فيه ) اى في الجواز ( تأمل ) .

إذ كيف يبيع المالك خمسة وثمانين باسم تسعين .

أو كيف يأخذ المشترى خمسة وتسعين بعنوان تسعين ( لو لم يبلغ ) وجود العادة ( حدا يكون كالشرط في ضمن العقد ) فكان البائع اشترط ان كلما كان انقص من الدهن ، كان ذاهبا من كيس المشترى ، والمشترى اشترط ان كلما كان أزيد على التسعين كان له مجانا - مثلا - .

وانما تأملنا في الامر ( لان هذا ) الفرد الزائد أو الناقص ( ليس من افراد المطلق ) الّذي هو تسعون منا مثلا ( حتى ينصرف ) المطلق ( - ب ) سبب ( كون العادة صارفة - له ) اى لهذا الفرد « وله » متعلق ب « ينصرف » .

فان الانصراف انما يكون إلى بعض الافراد ، لا إلى ما ليس بفرد .

مثلا : لو كانت العادة اطلاق لفظ السيد على عالم كبير ، فإذا اطلق لفظ السيد كان منصرفا إليه ، لا انه ينصرف إلى انسان غير سيد ، لان غير

ص: 310

ثم الظاهر أن الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن والزيت ، بل يعم كل ظرف ، كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين ره وعبارة النهاية والوسيلة ، والفاضلين والشهيدين ، والمحقق الثاني .

ويؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد ، لكن لا يبعد ان يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشيء فيه وعدم تفريغه منه ، كقوارير الجلاب والعطريات ، لا مطلق الظرف اللغوي اعني الوعاء .

_________________________

السيد ليس فردا أصلا ، فكيف يمكن ان يشمله لفظ السيد .

( ثم الظاهر ) من كلام الفقهاء والفهم العرفي للروايات ( ان الحكم المذكور ) في باب الاندار ( غير مختص بظروف السمن والزيت ، بل يعم كل ظرف ، كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين ره ، وعبارة النهاية ، والوسيلة ، والفاضلين ) المحقق والعلامة ( والشهيدين ، والمحقق الثاني ) صاحب جامع المقاصد .

( ويؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد ) لأنه ذكر الناسية والجوالق ( لكن لا يبعد ان ) التعميم بالنسبة إلى الظروف ليس تعميما يشمل كل ظرف ، بل ( يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشيء فيه وعدم تفريعه ) اى الشيء ( منه ) اى من ذلك الظرف ( كقوارير الجلاب والعطريات ، لا مطلق الظرف اللغوي اعني الوعاء ) لكل ما كان ، حتى أوعية اللبن والخاثر ، وما أشبه .

وانما نقول بهذا القدر من التعميم فقط ، لان المشابه العرفي لظرف السمن والزيت هو مثل هذا الظرف المتعارف بيع الشيء فيه ، لا مطلق

ص: 311

ويحتمل العموم ، وهو ضعيف .

نعم يقوى تعدية الحكم إلى كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه ، كالشمع في الحلىّ المصوغة من الذهب والفضة ، وكذا للمظروف الّذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له ، كقليل من الدبس في الزقاق

واما تعدية الحكم إلى كل ما ضمّ إلى المبيع مما لا يراد بيعه معه ، فمما لا ينبغي احتماله .

_________________________

الظرف .

( ويحتمل العموم ) لكل ظرف بشهادة رواية الناسية والجوالق ( وهو ضعيف ) إذ لا تصلح رواية قرب الإسناد للاستناد لضعفها - كما تقدم - .

( نعم يقوى تعدية الحكم ) اى حكم الاندار ( إلى كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه ) اى بيع ذلك المصاحب ( معه ) اى مع المبيع ، وذلك لفهم العرف عدم خصوصية لظرف السمن والدهن ( كالشمع ) الداخل ( في الحلىّ المصوغة من الذهب والفضة ) كما إذا باع الذهب واندر مثقالا - مثلا - للشمع الموجود فيه ( وكذا ) يقوى تعدى حكم الاندار ( للمظروف الّذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده ) اى المظروف ( فيه ) اى في الظرف ( تبعا له ) اى للظرف ( كقليل من الدبس في الزقاق ) فإنه يجوز ان يبيع الزقاق وزنا ، ثم يندر لقليل الدبس الّذي فيه .

( واما تعدية الحكم إلى كل ما ضمّ إلى المبيع مما لا يراد بيعه معه ) كآنية اللبن ، وما أشبه ( فمما لا ينبغي احتماله ) ، إذ ليس وجه لتعدى الحكم من الأدلة الخاصة إلى هذا ، مع أن العرف لا يعرف المشابهة بينهما فاللازم الرجوع في ذلك إلى القواعد العامة والله العالم .

ص: 312

مسئلة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه ،

وان لم يعلم الا بوزن المجموع على المشهور

بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة ، الا ما ارسله في الروضة ، ونسب في التذكرة إلى بعض العامة ، استنادا إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم ، والظرف لا يباع وزنا ، بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد .

_________________________

( مسألة ) تناسب المسألة السابقة ( يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه ، وان لم يعلم ) اى كل من البائع والمشترى ( الا بوزن المجموع ، على المشهور ) كما لو باع زقا من الدهن وزنهما رطلان ، لكن لا يعلم هل وزن الدهن رطل أو رطل ونصف ؟ - مثلا - ( بل لم يوجد قائل بخلافه ) اى خلاف الجواز ( من الخاصة ، الا ما ارسله ) الشهيد الثاني ( في الروضة ، ونسب في التذكرة إلى بعض العامة ، استنادا ) في المنع ( إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم ) « غير معلوم » خبر « ان وزن » و « وزنا » تمييز « لما يباع » ( والظرف لا يباع وزنا ) فما يجب ان يوزن لم يوزن ، وما لا يلزم وزنه وزن ( بل لو كان ) الظرف ( موزونا ) في نفسه كما لو فرض انه صنع ظرفا من الخبز ، وملأه دهنا - كما يعتاد مثل ذلك في ازمنتنا هذه - ( لم ينفع ) وزن المجموع في صحة البيع ( مع جهالة وزن كل واحد ) من الظرف والمظروف .

إذ الظاهر من أدلة وزن ما يوزن ، ان يوزن كل جنس على حده ، فلو وزن الحنطة والعسل رطلا مثلا ، لم ينفع في جواز البيع .

ص: 313

واختلاف قيمتهما .

فالغرر الحاصل في البيع الجزاف حاصل هنا .

والّذي يقتضيه النظر ، اما فيما نحن فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه فالقطع بالجواز منضما ، إذ لم يحصل من الانضمام مانع ولا ارتفع شرط .

واما في غيره

_________________________

( واختلاف قيمتهما ) عطف على « جهالة » وهذا سبب آخر ، فان اختلاف القيمة أيضا يوجب العلم بقدر كل واحد منهما ، والا لزم الغرر .

( فالغرر الحاصل في البيع الجزاف ) الّذي منع عنه الشارع ، لأنه غرر ( حاصل هنا ) في بيع الظرف والمظروف معا .

( والّذي يقتضيه النظر ، اما فيما نحن فيه ) من بيع الظرف والمظروف ( مما يجوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه ) اى وزن المظروف كما تقدم في مسألة الاندار - ( فالقطع بالجواز ) لبيعه ( منضما ) إلى الظرف ( إذ لم يحصل من الانضمام ) إلى الظرف ( مانع ) من جواز البيع ( ولا ارتفع شرط ) .

وعدم الجواز منفردا أولى من عدم الجواز منضما ، فإذا جاز منفردا جاز منضما بطريق أولى .

والحاصل : نقول بالجواز هنا لمناط مسئلة الاندار .

( واما ) جواز البيع منضما ( في غيره ) اى غير ما نحن فيه - وما نحن فيه هو بيع الظرف والمظروف - .

ص: 314

من أحد المنضمين اللّذين لا يكفى في بيعه منفردا معرفة وزن المجموع ، فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي .

كما لو باع سبيكة من ذهب مردّد بين مائة مثقال والف ، مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال .

فان الاقدام على هذا البيع اقدام على ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء .

واما مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع

_________________________

والمراد بيع شيئين موزونين منضما أحدهما إلى الآخر بحيث لا يعلم وزن كل واحد منفردا ( من أحد المنضمين اللّذين لا يكفى في بيعه منفردا معرفة وزن المجموع ) كما لو كان الدهن مخلوطا مع الخبز حيث لا يكفى في بيع كل واحد من الدهن والخبز الا معرفة كميته بذاته ، فلا يكفى معرفة وزنهما معا ( فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي ) لا الغرر النوعي بمعنى ان يكون الغرر في شخص هذه المعاملة .

( كما لو باع سبيكة من ذهب مردّد بين مائة مثقال والف ، مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال ) اى كان وزن مجموع الذهب والرصاص الفين مع جهالة ان الذهب مائة والرصاص الف وتسعمائة ، أو ان كلا منهما الف ، فإنه غرر بلا اشكال .

( فان الاقدام على هذا البيع اقدام على ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم ) والمذمة ( من العقلاء ) ومثله باطل لأنه مشمول لقوله : نهى النبي عن الغرر .

( واما مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع ) في بيع مجموع

ص: 315

في النص الدال على لزوم الاعتبار بالكيل والوزن ، والاجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل والموزون فالقطع بالجواز .

لان النص والاجماع انما دلّ على لزوم اعتبار المبيع ، لا كلّ جزء منه .

ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا ، مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشى بالشمع ، وعدم جواز بيع الشمع كذلك ، فان فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته ،

_________________________

الظرف والمظروف ( في النص الدال على لزوم الاعتبار بالكيل والوزن ، و ) في ( الاجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار ) والبطلان ( في المكيل والموزون ، فالقطع بالجواز ) لبيع الظرف والمظروف ، إذ لا نص ولا اجماع هنا يدلان على المنع .

( لان النص والاجماع انما دل ) اى كل واحد منهما - من قبيل وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه - ( على لزوم اعتبار المبيع ) بمجموعه كيلا أو وزنا ( لا ) اعتبار ( كل جزء منه ) ولذا جرت السيرة على خلط بعض الموزونات كالسدر والخطمي ، والأزهار الصدرية ، والدبس والشيرج ، وغيرها ثم كيل المجموع أو وزن مع أنه لا اطلاع بمقدار كل واحد على حدة .

( ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا ، مع معرفة وزن المجموع دون الآخر ) هذا عطف على قوله « من أحد المنضمين الذين لا يكفى في بيعه منفردا » ( كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشى بالشمع ، وعدم جواز بيع الشمع كذلك ) اى بدون الوزن ( فان فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته )

ص: 316

والا فلا .

ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور .

إحداها : ان يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا ، فيقسط الثمن على قيمتي كل من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط .

فإذا قيل قيمة الظرف درهم ، وقيمة المظروف تسعة ، كان للظرف عشر الثمن ،

_________________________

لما تقدم في بعض المباحث من أن جهالة التابع غير ضارة ، كجهالة أساس البناء ، وقطن الجبة ، وما أشبه .

إذ أدلة الوزن ظاهرها وزن الشيء الّذي يباع مستقلا ، لا تابعا ( والا ) يكن تابعا ( فلا ) يجوز بيعه ، لان جهالته مضرة .

( ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور ) .

( إحداها : ان يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا ، فيقسط الثمن على قيمتي كل من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط ) .

كما لو تبين ان الظرف ملك لانسان آخر فاحتيج إلى توزيع الثمن بعد ان أجاز البيع صاحب الظرف .

( فإذا قيل قيمة الظرف درهم ، وقيمة المظروف تسعة ، كان للظرف عشر الثمن ) .

وعليه : فإذا باعهما بخمسة كان للظرف نصف درهم ، وللمظروف أربعة ونصف ، وهكذا .

لان النسبة هي العشر حسب الفرض .

ص: 317

الثانية ان يبيعه مع ظرفه بكذا على أن كل رطل من المظروف بكذا فيحتاج إلى اندار مقدار للظرف ، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك .

وهذا في معنى بيع كل منهما منفردا ، الثالثة : ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا ، على أن يكون التسعير للظرف والمظروف .

_________________________

الصورة ( الثانية ان يبيعه ) اى المظروف ( مع ظرفه بكذا ) درهما ( على أن كل رطل من المظروف بكذا ) درهما ( فيحتاج إلى اندار مقدار للظرف ، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك ) كما تقدم في مسئلة الاندار .

( وهذا في معنى بيع كل منهما منفردا ) لأنه باع المظروف بكذا واندر للظرف كذا مقدارا وباعه بكذا .

الصورة ( الثالثة : ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا ) درهما ( على أن يكون التسعير للظرف والمظروف ) .

وإذا أردنا توضيح الفرق نقول : نفرض ان الدهن ثمانية أرطال وان الظرف رطلان ، وان القيمة المشترى بها عشرة دراهم .

ففي الصورة الأولى وهي النسبة ، لو فرضنا ان القيمة الواقعية للدهن نصف درهم ، والقيمة الواقعية للظرف درهم يكون للدهن « 3 / 2 » درهم وللظرف « 3 / 1 3 » درهم .

وفي الصورة الثانية وهي الاندار يكون تسعة دراهم للدهن ، ودرهم واحد للظرف .

وفي الصورة الثالثة وهي اشتراء الظرف والمظروف معا يكون ثمانية دراهم للدهن ، ودرهمان للظرف .

ص: 318

وطريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك ان يوزن الظرف منفرد أو ينسب إلى الجملة ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة .

وتبعه على هذا غير واحد .

ومقتضاه : انه لو كان الظرف رطلين والمجموع عشرة اخذ له خمس الثمن .

والوجه في ذلك ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا ، حتى أنه

_________________________

( وطريقة التقسيط ) للدهن والظرف ( لو احتيج إليه ) اى إلى التقسيط في الصورة الثالثة ( كما ) ذكر التقسيط ( في المسالك ) بان ظهر الظرف مثلا ملكا للغير ، فأريد اعطائه ثمنه ، بعد ان أجاز المعاملة الفضولية مثلا ( ان يوزن الظرف منفردا ) كرطلين في المثال السابق ( وينسب إلى الجملة ) وهي عشرة أرطال في المثال السابق ( ويؤخذ له ) اى للظرف ( من الثمن ) وهي عشرة دراهم ( بتلك النسبة ) اى نسبة الرطلين إلى عشرة أرطال .

( وتبعه ) اى الشهيد ( على هذا ) النوع من التقسيط ( غير واحد ) من الفقهاء .

( ومقتضاه : انه لو كان الظرف رطلين والمجموع ) من الظرف والمظروف ( عشرة ) أرطال ( اخذ له خمس الثمن ) كدرهمين في المثال ، لان الاثنين خمس العشرة .

( والوجه في ذلك ) اى في التوجيه الّذي ذكره المسالك لأجل التقسيط ( ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا ، حتى أنه

ص: 319

يجوز ان يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوى ثمنه من المظروف .

فالمبيع كل رطل من هذا المجموع ، لا من المركب من الظرف والمظروف ، لأنه إذا باع كل رطل من الظرف والمظروف بدرهم مثلا ، وزع الدرهم على الرطل والمظروف بحسب قيمة مثلهما .

فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور الّذي هو

_________________________

يجوز ان يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا ) .

فالظرف خمس المبيع - في المثال - .

والمظروف أربعة أخماس المبيع ( من المجموع ) من الظرف والمظروف ( ليساوى ثمنه ) اى ثمن الظرف ( من ) ثمن ( المظروف ) .

فكما ان رطلين من الدهن بدرهمين ، كذلك رطلان من الظرف بدرهمين ، لفرض ان الظرف والمظروف شيء واحد .

( فالمبيع كل رطل من هذا المجموع ) ثمانية وحدات من الدهن ، ووحدتان من الظرف اى ان كل رطل بدرهم ، سواء كان رطل دهن أو رطل ظرف ( لا ) ان المبيع هو كل رطل ( من المركب من الظرف والمظروف ) بحيث يكون كل رطل عشرة اجزاء ، جزءان من المظروف وثمانية اجزاء من الظرف ( لأنه إذا باع كل رطل من الظرف والمظروف بدرهم مثلا ، وزع الدرهم على الرطل والمظروف بحسب قيمة مثلهما ) اى مثل الرطل ومثل المظروف .

( فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور ) ظرفا ومظروفا ( الّذي هو )

ص: 320

وزن الظرف الموجود فيه مساويا لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود ، فكيف يقسط الثمن عليه أخماسا ؟

_________________________

ذلك الخمس ( وزن الظرف الموجود فيه ) المظروف ( مساويا لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار الموجود ) في خمس الرطل ( فكيف يقسط الثمن عليه ) اى على كل من الظرف والمظروف ( أخماسا ) بل اللازم توزيع الثمن انصافا ، نصف لخمس الرطل وهو الظرف ونصف لأربعة أخماس الرطل وهو المظروف .

ولتوضيح المسألة : نقول انك إذا خلطت حقتين من الدهن قيمة كل حقة عشرة دراهم بثمان حقق من الدبس ، قيمة كل حقة درهمان ونصف ، أصبح قيمة كل حقة من المخلوط أربعة دراهم .

ثم انك قد تبيع حقة بأربعة دراهم من المجموع وهنا يتساوى الدبس والدهن في القيمة حتى إذا فرضنا ان الدهن تبخر كان للمشترى ان يأخذ منك خمس أربعة دراهم لان خمس الحقة بطل وفنى .

وقد تبيع حقة بأربعة دراهم من المركب ، وهنا يكون قيمة الدهن وهو الخمس مساويا لقيمة الدبس ، وهو : أربعة أخماس ، حتى إذا تبخّر الدهن ، كان للمشترى ان يأخذ منك درهمين نصف أربعة دراهم - الثمن - لأنه يتساوى قيمة الخمس من الدهن مع قيمة الأربعة الأخماس من الدبس .

ص: 321

[ تنبيهات البيع ]

مسئلة المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام

المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده ، ويسلم من الربا ، وعن إيضاح النافع انه قد يجب ، وهو ظاهر عبارة الحدائق أيضا ، وكلام المفيد في المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب ، لأنه بعد ذكر قوله تعالى : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا

_________________________

( مسألة : المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي ، استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده ) .

مثلا : اعطاء العوضين في المجلس في بيع الصرف موجب لصحة العقد ، وعدم الاعطاء في المجلس يوجب بطلان العقد ( ويسلم من الربا ) الّذي قد يقع فيه الجاهل ، وهو يظن أنه حلال وانصاف .

مثلا إذا بدل حقة من الحنطة الجيدة قيمتها عشرة بحقتين رديئتين قيمة كل حقة خمسة ، فإنه يظن صحة المعاملة للتعادل بين الواحد والاثنين في القيمة والحال انه ربا ( وعن إيضاح النافع انه قد يجب ) التفقه ( وهو ) اى الوجوب ( ظاهر عبارة الحدائق أيضا ، وكلام المفيد في المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب ، لأنه ) اى المفيد ره ( بعد ذكر قوله تعالى : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) مِنْكُمْ ( وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ، وَ : مِمَّا أَخْرَجْنا

ص: 322

لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، قال : فندب إلى الانفاق من طيب الاكتساب ، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة والانفاق ، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب والحرام ، لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال ، ولا كان على ثقة في تفقه من طيب الاكتساب .

وقال تعالى أيضا : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ

_________________________

لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) اى من طيب الكسب كثمن التجارة لا بدل القمار ومن طيب النباتات كالحنطة لا كالحنظل ( وَلا تَيَمَّمُوا ) اى لا تقصدوا ( الْخَبِيثَ مِنْهُ ) اى من الكسب ، ومما أخرجنا من الأرض ( تُنْفِقُونَ ، قال : فندب إلى الانفاق من طيب الاكتساب ، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة ) اى المعيشة بالخبيث ( والانفاق ) .

كأنه ره فهم من قوله : وَلا تَيَمَّمُوا جملة .

ومن قوله : مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، جملة أخرى ، ولذا ذكر المعيشة والانفاق .

ولكن ظاهر الآية الانفاق فقط ( فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب والحرام ، لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال ) كالبيوع المحرمة لفقدها لشروط العوضين أو شروط المتعاقدين ( ولا كان على ثقة في تفقه من طيب الاكتساب ) فإنه لا يوثق بمن لا يعرف ، كما لا يوثق بدواء من لا يعرف الطب .

( وقال تعالى أيضا : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) كلاهما اكتساب ، فكلاهما حلال ( و ) الحال انه يوجد فرق بينهما ، فقد ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ

ص: 323

وَحَرَّمَ الرِّبا .

فينبغي ان يعرف البيع المخالف للربا ، ليعلم بذلك ما أحل اللّه ، وحرم من المتاجر والاكتساب ، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : انه كان يقول : من اتّجر بغير علم ، فقد ارتطم في الربا ، ثم ارتطم ثم قال : قال الصادق عليه السلام : من أراد التجارة ، فليتفقه في دينه ، ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ، ثم اتّجر تورط في الشبهات ، انتهى . أقول : ظاهر كلامه ره الوجوب ، الا ان تعبيره بلفظ « ينبغي » ربما يدعى ظهوره في الاستحباب .

_________________________

وَحَرَّمَ الرِّبا ) لأنه يوجد فساد الأموال ، وغير ذلك من علة التحريم .

( فينبغي ان يعرف ) المتعرض للتجارة ( البيع المخالف للربا ، ليعلم بذلك ) العرفان ( ما أحل اللّه ، وحرم من المتاجر والاكتساب ) قال : ( وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : انه كان يقول : من اتّجر بغير علم ، فقد ارتطم في الربا ، ثم ارتطم ) يقال : ارتطم الحمار في الوحل ، إذا دخل فيه فلم يقدر ان يخرج ( ثم قال : قال الصادق عليه السلام : من أراد التجارة ، فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ، ثم اتّجر تورط في الشبهات ) اى المعاملة المشتبهة التي لا يعلم حلّها من حرامها ( انتهى ) كلام المفيد في المقنعة .

( أقول : ظاهر كلامه ره ) حيث قال « ونهى » ( الوجوب ، الا ان تعبيره بلفظ « ينبغي » ربما يدعى ظهوره في الاستحباب ) لان ظاهر ينبغي في كلامنا ذلك ، وان كان قد يستعمل : لا ينبغي ، حتى في المستحيل ، مثل

ص: 324

الا ان الانصاف ان ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة ، فان معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد بالنظر إلى ما يبتلى به من الأمور .

وليس معرفة جميعها مما يتعلق بالانسان وجوبها فورا دفعة ، بل

_________________________

« وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً » .

( الا ان الانصاف ان ظهوره ) اى ظهور : ينبغي ، في الاستحباب ( ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة ) لترك المحرمات .

إذ ظاهر كلامه انه بدون التفقه يقع الانسان في الحرام ، ومن المعلوم ان مقدمة ترك الحرام واجب عقلي ( فان معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد ) وانما يجب ( بالنظر ) اى بملاحظة ( إلى ما يبتلى به ) الضمير عائد إلى « ما » ( من الأمور ) بيان « ما » .

( و ) ان قلت : كل عمل يعمله الانسان ولا يعلم أنه حرام لم يكن معاقبا عليه ، لاجرائه أصل البراءة عن التكليف في هذا الامر .

قلت : بل كل فعل أراد الانسان ان يعمله واحتمل ان يكون حراما ، أو احتمل انه شيء آخر يريد ان يفعلهما حرام ، فإذا لم يتعلم وكان واقعا حراما كان معاقبا عقلا وشرعا .

إذ ( ليس معرفة جميعها ) اى جميع الأحكام ( مما يتعلق بالانسان وجوبها فورا دفعة ) بان يجب ان يترك جميع الاعمال ويشتغل بتعلم الاحكام ليل نهار حتى يستوعبها ( بل ) الواجب التعلم

ص: 325

عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد ان يفعله ، أو عند إرادة الاقدام على افعال يعلم بوجود الحرام بينها ، فإنه معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم ، وان لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه .

فان التفاته السابق وعلمه بعدم خلوّ ما يريد مزاولتها من الافعال من الحرام ، كاف في حسن العقاب ، والا لم يعاقب أكثر الجهال على أكثر المحرمات ، لأنهم يفعلونها

_________________________

( عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد ان يفعله ، أو عند إرادة الاقدام على افعال يعلم بوجود الحرام بينها ) .

كما لو أراد معاملة مضاربية ، احتمل انها محرمة .

أو أراد ان يبيع ويشترى في عدة معاملات علم بان واحدها حرام .

اما الوجوب في الأول ، فلانه مقتضى التدين بالدين بالإضافة إلى العلم الاجمالي الكبير .

واما الوجوب في الثاني فلانه مقتضى العلم الاجمالي الصغير بالإضافة إلى أنه مقتضى التدين بالدين ( فإنه معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم ، وان لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه ) إذ :

لا يشترط عند العقلاء العلم الآن حال الفعل .

( فان التفاته السابق وعلمه ) السابق ( بعدم خلوّ ما يريد مزاولتها من الافعال ) بيان « ما » ( من الحرام ) متعلق ب « خلو » ( كاف في حسن العقاب ، والا ) فلو لم يكن ذلك العلم كافيا في حسن العقاب ( لم يعاقب أكثر الجهال على أكثر المحرمات ، لأنهم يفعلونها ) اى المحرمات

ص: 326

وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب .

ولذا اجمعنا على أن الكفار يعاقبون على الفروع .

وقد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته في غير واحد من الاخبار .

ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي الّذي يفعله من

_________________________

( وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب ) .

وانما استحسن عقابهم علمهم السابق .

وحيث إن الشارع لم يحدث طريقة جديدة تخالف طريقة العقلاء فاللازم ان نقول : بأنه أيضا كسائر العقلاء في الثواب والعقاب .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ان العلم السابق كاف في باب العقاب وان كان حال العمل غافلا ( اجمعنا ) نحن الشيعة ( على أن الكفار يعاقبون على الفروع ) مع وضوح انهم حال العمل غالبا غافلون وانما استحسن عقابهم علمهم السابق بأنهم مكلفون بتكاليف الدين الّذي رفضوه عنادا .

( وقد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته ) « في » متعلق ب « المقصر » ( في غير واحد من الاخبار ) فإنه ورد انه يقال للانسان يوم القيامة : هلا عملت ؟ فيقول : يا ربّ لم أكن اعلم ، فيقال له : هلا تعلمت ؟

وورد أيضا انه غسل مجدور فمات ، فقال عليه السلام : قتلوه قتلهم الله هلّا يمّموه ، إلى غيرها .

وقد عقد السيد الشبّر لهذا بابا مستقلا في كتابه مصابيح الأنوار فراجع .

( ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي الّذي يفعله ) الجاهل ( من

ص: 327

غير شعور ، كما هو ظاهر جماعة تبعا للأردبيلي ره من عدم العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصير ، لقبح خطاب الغافل ، فيقبح عقابه .

لكن وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل واجب على هذا القول ، كما اعترفوا به .

والحاصل : ان التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا على فعل الحرام ولا على ترك التعلم ، الا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال تحريمه ،

_________________________

غير شعور ، كما هو ظاهر جماعة تبعا ل ) المقدس ( الأردبيلي « ره » من عدم العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصير ) « عن » متعلق بالمجهول .

مستدلا ( ل ) عدم العقاب ، ب ( قبح خطاب الغافل ، فيقبح عقابه ) .

اما قبح الخطاب فلفرض انه غافل ، والغافل ليس اهلا لان يخاطب .

واما قبح عقابه فلان العقاب تابع للخطاب ، فإذا قبح الخطاب قبح العقاب .

( لكن وجوب تحصيل العلم ) بالاحكام ( وإزالة الجهل واجب على هذا القول ) اى قول الأردبيلي ( كما اعترفوا ) المقدس واتباعه ( به ) اى بوجوب تحصيل العلم .

فالجاهل له عقاب قطعا ، اما على ترك التعلم ، كما يقوله المقدس ، واما على ترك الاحكام ، كما يقوله المشهور .

( والحاصل : ان التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا على فعل الحرام ) « على » متعلق ب « عقاب » - كما يقوله المشهور - ( ولا على ترك التعلم ) كما يقوله المقدس واتباعه ( الا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال تحريمه ،

ص: 328

لا يوجد له وجه بعد ثبوت أدلة التحريم ، ووجوب طلب العلم على كلّ مسلم ، وعدم تقبيح عقاب من التفت إلى وجود الحرام في افراد البيع التي يزاولها تدريجا على ارتكاب الحرام في هذا الأثناء ، وان لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام .

ثم إن المقام

_________________________

لا يوجد له وجه ) صحيح ، وان أمكن ان يوجه بان التعلم واجب مقدمى فلا عقاب على تركه ، والحرام ان عوقب به يكون عقابا بلا خطاب ، وذلك ليس بجائز عقلا ، فلا عقاب على ذات الحرام ، ولا على مقدمته ( بعد ثبوت أدلة التحريم ) الدالة على أن المعاملة الكذائية محرمة - كالربا - مثلا ( ووجوب طلب العلم على كل مسلم ) .

فامّا ان نقول : الطلب واجب وعلى تركه العقاب ، كما قاله المقدس .

واما ان نقول فعل الحرام حرام لوجود الأدلة الشاملة للعالم والجاهل ، كما قال المشهور ( و ) بعد ( عدم تقبيح ) العقلاء ( عقاب من التفت إلى وجود الحرام في افراد البيع التي يزاولها تدريجا ) فان التاجر يعلم أن بعض معاملاته التي يعاملها في تمام السنة مخالف لقوانين الشريعة ( على ارتكاب الحرام في هذا الأثناء ) « على » متعلق ب « تقبيح » اى ان العقل لا يقبح العقاب ، ومقتضى الشرع - كما عرفت - العقاب ، فكيف يمكن ان نقول بعدم العقاب ؟ ( وان لم يلتفت ) إلى كون المعاملة حراما ( حين إرادة ذلك الحرام ) « ان » وصلية ب « وعدم تقبيح » .

( ثم إن المقام ) وهو مقام اجراء المعاملة التي لا يعلم تصحيح

ص: 329

يزيد على غيره بان الأصل في المعاملات الفساد .

فالمكلف إذا أراد التجارة وبنى على التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس على وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الاقدام على كل تصرف منها بمقتضى اصالة عدم انتقاله إليه الا مع العلم بامضاء الشارع لتلك المعاملة .

ويمكن ان يكون في قوله عليه السلام : التاجر فاجر ، والفاجر في النار الا من اخذ الحق واعطى الحق ، إشارة إلى

_________________________

الشارع لها ( يزيد على غيره ) من سائر المحرمات التي يرتكبها الجاهل ( بان الأصل في المعاملات الفساد ) لأنه قبل المعاملة لم يكن المثمن للمشترى ولا الثمن للبائع ، فلو شك في ان المعاملة هل أوجبت الانتقال أم لا ؟ فالأصل عدم الانتقال .

( فالمكلف إذا أراد التجارة وبنى على التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس ) ثمنا كانت ، أو مثمنا ، أو نحوهما ( على وجه العوضية ) كعوض المبيع ، أو عوض الإجارة ، أو ما أشبه ( يحرم عليه ظاهرا الاقدام على كل تصرف منها ) اما واقعا ، فان كانت المعاملة مطابقة للشريعة حلت والا حرمت ( بمقتضى أصالة عدم انتقاله ) اى المال ( إليه ) اى إلى المكلف الّذي يريد التصرف و « بمقتضى » متعلق ب « يحرم » ( الا مع العلم بامضاء الشارع لتلك المعاملة ) .

( ويمكن ان يكون في قوله عليه السلام : التاجر فاجر ، والفاجر في النار الا من اخذ الحق واعطى الحق ) والمراد بالاخذ والعطاء كل نقل وانتقال وان لم يكن اخذ وعطاء خارجي ، كما هو ظاهر ( إشارة إلى

ص: 330

هذا المعنى بناء على أن الخارج من العموم ليس الا من علم باعطاء الحق واخذ الحق .

فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي ، لنهى الشارع عن التصرف في مال ، لم يعلم انتقاله إليه ، بناء على اصالة عدم انتقاله إليه .

وفي غير هذا المقام .

_________________________

هذا المعنى ) الّذي ذكرناه من اصالة الفساد ( بناء على أن الخارج ) اى « الا من . . . » ( من العموم ) « التاجر فاجر » ( ليس الا من علم باعطاء الحق واخذ الحق ) لا ان يكون الخارج آخذ الحق ومعطيه واقعا سواء علم بأنه حق ، أم لا .

لكن الانصاف : ان تقييد المستثنى بالعلم خلاف ظاهر هذا الدليل كما هو خلاف سائر أدلة الاحكام .

( فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام ) اى مقام إرادة التصرف في مال ، كان سابقا للغير ، في باب المعاملات ( شرعي ) لا ان الوجوب مقدمى - حتى لا يكون في تركه العقاب - ( لنهى الشارع عن التصرف في مال ، لم يعلم انتقاله إليه ) إذ الشك في صحة المعاملة معناه عدم العلم بانتقال المال إلى المتعاملين من الآخر ( بناء على اصالة عدم انتقاله ) اى المال ( إليه ) اى إلى الثالث ، وقوله « بناء » متعلق ب « نهى الشارع » .

( وفي غير هذا المقام ) كما لو أراد التصرف في مال نفسه الّذي نقله

ص: 331

عقلي مقدمى لئلا يقع في الحرام .

وكيف كان ، فالحكم باستحباب التفقه للتاجر ، محل نظر ، بل الأولى وجوبه عليه عقلا وشرعا ، وان كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط .

ويمكن توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا الدقيقة ، والمعاملات الفاسدة كذلك

_________________________

إلى الغير بناقل لا يعلم أنه هل هو ناقل صحيح ، أم لا ؟ ( عقلي مقدمى لئلا يقع في الحرام ) إذ بعد اجراء المعاملة المشكوكة الصحة يعلم الثالث ان التصرف في مال نفسه ، أو مال طرفه حرام .

( وكيف كان ، فالحكم ) الّذي تقدم عن جميع الفقهاء ( باستحباب التفقه للتاجر ، محل نظر ، بل الأولى وجوبه عليه عقلا وشرعا ، وان كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط ) .

بل ربما يقال : ان وجوب معرفة باقي المحرمات أيضا عقلي وشرعي إذ تكرر في الشريعة الامر بالتفقه ونحوه ، والظاهر منه الوجوب .

اللهم الا ان يقال : ان ظاهر أوامر التفقه : الارشاد ، لبداهة انه لو فعل المحرم جهلا تقصيرا لم يكن هناك عقابان .

( ويمكن توجيه كلامهم ) اى المشهور القائلين باستحباب التفقه في مسائل التجارة ( بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا الدقيقة والمعاملات الفاسدة كذلك ) الدقيقة .

فان من المسائل ما هي واضحة ، تعرف بأدنى معرفة .

ص: 332

ويطلع على موارد الشبهة ، والمعاملات غير الواضحة الصحة ، فيجتنب عنها في العمل ، فان القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوى لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات .

_________________________

ومن المسائل ما هي دقيقة ، لا تعرف الا بالتفقه والبحث والتنقيب ( ويطلع على موارد الشبهة ) وانها هل هي من الحرام ، أم لا ؟

مثلا : هل ان الربا في الورق حلال ، باعتبار انه معدود ، أو حرام باعتبار انه مقابل الذهب ، أو نحوه مما هو مكيل أو موزون ، أو باعتبار ان علة حرمة الربا وهي فساد الأموال - كما في الحديث - موجودة هنا أيضا ( و ) يطلع على ( المعاملات غير الواضحة الصحة ) لاحتمال دخولها في معاملة صحيحة قطعا ، أو فاسدة كالمعاطات وبيع الفضولي - مثلا - ( فيجتنب عنها في العمل ، فان ) معرفة هذه الأمور مستحبة .

إذ ( القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوى ، لا الفروغ الفقهية المذكورة في المعاملات ) .

إذ الظاهر من الأدلة ان الانسان مكلف بان يتعلم حسب المتعارف وبالمقدار المتعارف للسيرة ، فان الرسول صلّى اللّه عليه وآله ، والأئمة وأصحابهم الأخيار لم يكونوا ينهكون الناس في تعليم المسائل ليل نهار وكل المسائل الجليلة والدقيقة ، ولذا يحتمل ان يكون : رفع ما لا يعلمون ناظرا إلى هذا ، وانه من اخذ في التعلم حسب المتعارف ثم جهل أشياء كما هو أكثر الناس منذ زمان الرسول صلى الله عليه وآله إلى هذا اليوم - لم يكن مكلفا بتلك الأشياء أو معاقبا عليها .

ص: 333

ويشهد للغاية الأولى قوله عليه السلام - في مقام تعليل وجوب التفقه - : ان الربا اخفى من دبيب النملة على الصفا .

وللغاية الثانية قول الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة : من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات .

لكن ظاهر صدره الوجوب ، فلاحظ .

وقد حكى توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد ، ولا يخلو عن وجه ،

_________________________

( ويشهد للغاية الأولى ) وهي قولنا « ليطلع على مسائل الربا الدقيقة » ( قوله عليه السلام - في مقام تعليل وجوب التفقه - : ان الربا اخفى من دبيب النملة على الصفا ) وهي الصخرة الملساء .

( وللغاية الثانية ) وهي قولنا « ويطلع على موارد الشبهة » ( قول الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة : من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات ) .

فالتفقه ، لأجل معرفة المسائل الدقيقة ، وعدم التورط في الشبهات

ومن الواضح : ان ذلك ليس بواجب ، إذ الواجب هو المقدار المتعارف من المسائل التي يعتاد المتدين تعلمها .

( لكن ظاهر صدره ) اى صدر الحديث ( الوجوب ، فلاحظ ) لأنه عليه السلام قال : « فليتفقه » وظاهر الامر الوجوب .

( وقد حكى توجيه كلامهم ) اى كلام المشهور القائلين باستحباب التفقه ( بما ذكرنا ) اى تعلم المسائل الدقيقة ( عن غير واحد ، ) من الفقهاء ( ولا يخلو ) هذا التوجيه ( عن وجه ،

ص: 334

في مقام التوجيه .

ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا ، الجامعة بين اكل المال بالباطل وارتكاب الموبقة الكذائية لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد ، بل يكفى فيه التقليد الصحيح .

فلا

_________________________

في مقام التوجيه ) وان كان فيه نظر واقعا - عند المصنف - .

إذ يجب تعلم كل المسائل المبتلى بها ، سواء كانت هذه المسألة مبتلى بها أم لا .

( ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا ) للشارع على وجه الوجوب ، أو الاستحباب ( للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا ، الجامعة ) صفة الربا - وبيان علة لكونها أهم مما عداها - ( بين اكل المال بالباطل ) لان الزائد مال المعطى ، فاكل الآخذ له اكل للمال بالباطل ( وارتكاب الموبقة الكذائية ) التي هي أعظم من الزنا ، فالعمل بنفسه حرام ، والمال الّذي يأخذه اكله حرام آخر ، بخلاف نحو بيع المجهول مثلا ، فان المعاملة ليست محرمة ، وانما ترتيب الأثر على المعاملة محرم ، ف ( لم يعتبر فيه ) اى في التفقه ( كونه عن اجتهاد ، بل يكفى فيه التقليد الصحيح ) .

( فلا ) يمكن ان يقال : ان ظاهر أدلة التفقه كونه عن اجتهاد ، وذلك مما يوجب فناء العمر ، فلا يتمكن الانسان من التجارة ، فكيف يمكن

ص: 335

تعارض بين أدلة التفقه هنا وأدلة تحصيل المعاش .

نعم : ربما أورد في هذا المقام - وان كان خارجا عنه - التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات ، وأنواع المعاملات المتوقف على الاجتهاد ، وبين أدلة طلب الاكتساب والاشتغال في تحصيل المال ،

_________________________

الجمع بين التفقه وبين التجارة .

وإذا لم يمكن يلزم اما عدم التفقه واما عدم التجارة ، وذلك خلاف ظاهر الأدلة الدالة على وجوب تفقه التجار .

إذ لا ( تعارض بين أدلة التفقه هنا ) في باب الربا والتجارة - بخلاف أدلة التفقه في سائر الأماكن التي ظاهرها الاجتهاد ، لا الأعم من الاجتهاد والتقليد - ( و ) بين ( أدلة تحصيل المعاش ) .

لكن الظاهر من أدلة التفقه في كل مكان - الا إذا كانت هناك قرينة خاصة - الأعم من الاجتهاد والتقليد ، لان كليهما تفهم لاحكام الله تعالى عن طريقه المتعارف .

( نعم : ربما أورد في هذا المقام ) بالمناسبة ( - وان كان خارجا عنه - ) اى خارجا عن ما نحن فيه : « المقام » ( التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات ، وأنواع المعاملات ) الشاملة للنكاح وتوابعه ، والحدود والشهادات وغيرها ، فان المعاملة قد تطلق في قبال العبادة ويراد بها سائر أبواب الفقه ( المتوقف ) ذلك الطلب ( على الاجتهاد ، وبين أدلة طلب الاكتساب والاشتغال في تحصيل المال ،

ص: 336

لأجل الانفاق على من ينبغي ان ينفق عليه ، وترك القاء كلّه على الناس الموجب لاستحقاق اللعن ، فان الاخبار من الطرفين كثيرة يكفى في طلب الاكتساب ما ورد : من أنه أوحى اللّه تعالى إلى داود على نبينا وآله وعليه السلام : يا داود انك نعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا ، فبكى عليه السلام أربعين صباحا ، ثم الآن اللّه تعالى له الحديد ، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها واستغنى عن بيت المال ، الحديث .

_________________________

لأجل الانفاق على من ينبغي ان ينفق عليه ) من واجبي النفقة ، والا فاستحباب الانفاق لا يعارض وجوب التعلم ( وترك القاء كلّه على الناس ) عطف على « طلب الاكتساب » فقد قال صلّى اللّه عليه وآله : ملعون من القى كلّه على الناس ( الموجب ) القاء الكل ( لاستحقاق اللعن ، فان الاخبار من الطرفين ) أدلة طلب العلم ، وأدلة طلب الاكتساب ( كثيرة ) جدا ، و ( يكفى في ) باب ( طلب الاكتساب ما ورد : من أنه أوحى اللّه تعالى إلى داود على نبينا وآله وعليه السلام : يا داود انك نعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا ، فبكى عليه السلام أربعين صباحا ، ثم الآن اللّه تعالى له الحديد ، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها واستغنى عن بيت المال ، الحديث ) .

لكن الظاهر أن هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به ، لان الأنبياء وسائر الذين هم أسوة للناس ، يلزم عليهم الافراط في طرف الزهد عن

ص: 337

وما ارسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام : ليس منا من ترك دنياه لآخرته ، أو آخرته لدنياه ، وان العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال .

_________________________

الدنيا حتى يعتدل الناس فان الناس اعتادوا ان ينظروا إلى كبارهم فكلما عمل الكبير يتبعونه في قدر اوطئ فيما إذا كان العمل شاقا ، خلافا للنفس ، فإذا اكل الكبير اكلا معتادا اكل الناس كثيرا ، وإذا زهد ، اكل الناس معتادا ، وهكذا ، وهذا هو سر تجنب الأنبياء عن الدنيا مع أن الدنيا الطيبة خلقت لعباد الله الصالحين الذين من أفضلهم الأنبياء والأئمة عليهم السلام وفي كلام لأمير المؤمنين عليه السلام المذكور في نهج البلاغة « حيث قال له ذلك الانسان الّذي ترك عائلته وتزهد :

أريد الاقتداء بك » دلالة على ما ذكرنا .

وإلى هذا أيضا يشير السعدي في ابياته الفارسية

اگر ز باغ رعيت ملك خورد سيبى * بر آورند غلامان أو درخت از بيخ

به نيم بيضه كه سلطان جفا روا دارد * زنند لشگريانش هزار مرغ به سيخ

وعلى هذا فكون داود عليه السلام كذلك لا يدل على كون سائر الناس كذلك .

( وما ارسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام : ليس منا من ترك دنياه لآخرته ، أو آخرته لدنياه ) .

وفيه أيضا نظر ، إذ طلب العلم والاستعاشة من بيت المال ليس تركا للدنيا لأجل الآخرة ، بل هو تحصيل الدنيا والآخرة ( وان العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال ) .

ص: 338

واما الاخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن يذكر ، وأوضح من أن يحتاج إلى الذكر .

وذكر في الحدائق ان الجمع بينهما بأحد وجهين ، أحدهما - وهو الأظهر بين علمائنا - تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق باخبار وجوب طلب العلم ، ويقال : بوجوب ذلك على غير طالب العلم المستقل تحصيله واستفادته وتعليمه وافادته .

_________________________

وفيه أيضا نظر ، إذ طلب الحلال بالعلم من أفضل اقسام طلب الحلال .

الا ترى : ان المعلم والطالب والمؤلف والخطيب يعدون في نظر الناس من الذين يطلبون الحلال ولا يعدون كلا على الناس ، إذ اعملوا بوظائفهم العلمية والارشادية .

( واما الاخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن يذكر ، وأوضح من أن يحتاج إلى الذكر ) والتوضيح .

( وذكر في الحدائق ان الجمع بينهما بأحد وجهين ، أحدهما : - وهو الأظهر بين علمائنا - تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق باخبار وجوب طلب العلم ) فطالب العلم لا يجب عليه تحصيل الرزق ( ويقال ) على هذا ( بوجوب ذلك ) اى طلب الرزق ( على غير طالب العلم المستقل ) مقابل طالب العلم في الجملة لتعلم مسائله العملية ( تحصيله واستفادته وتعليمه وافادته ) بان نصب نفسه للتعلم والتعليم والإفادة والاستفادة كطلاب العلوم الدينية والمدرسين لهذه العلوم .

ص: 339

قال : وبهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره ، في رسالته المسماة بمنية المريد ، في آداب المفيد والمستفيد ، حيث قال - في جملة شرائط العلم - ، وان يتوكل على اللّه ، ويفوض امره إليه ، ولا يعتمد على الأسباب ، فيتوكل عليها ، فيكون وبالا عليه ، ولا على أحد من خلق اللّه تعالى ، بل يلقى مقاليد امره إلى اللّه تعالى ظهر له من نفحات قدسه ، ولحظات انسه

_________________________

( قال ) الحدائق ( وبهذا الوجه ) عن الجمع ( صرح الشهيد الثاني قدس سره ، في رسالته المسماة بمنية المريد ، في آداب المفيد والمستفيد ) وقد وفق اللّه تعالى شارح هذا الكتاب تلخيص كتاب المنية تسهيلا على الطالب ، وطبعه ضمن مجموعة كتاب « المقدمات » .

ومن اللازم على طلاب العلوم الدينية دراسة هذا الكتاب « الأصل » والاستفادة منه وتطبيقه في حياتهم العملية ( حيث قال - في جملة شرائط العلم - ، وان يتوكل ) الطالب ( على اللّه ، ويفوض امره إليه ، ولا يعتمد على الأسباب ، فيتوكل عليها ، فيكون ) توكله على الأسباب ( وبالا عليه ، ولا ) يتوكل ( على أحد من خلق اللّه تعالى ، بل يلقى مقاليد امره ) جمع مقلاد بمعنى المفتاح ( إلى اللّه تعالى ، يظهر له ) اى للطالب ( من نفحات قدسه ) القدس « النزاهة » و « النفحة » الرائحة الطيبة ، فكأنه سبحانه ينفح في ذلك الانسان روحا طيبا نزيها عن الاعوجاج والانحراف والمشاكل والمصاعب ( ولحظات انسه ) فيكون للانسان حالات لحظة فلحظة - إذ لا تدوم مثل هذه الحالات طويلا - يأنس فيها باللّه

ص: 340

ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده ، وقد ورد في الحديث عن النبي : ان اللّه تعالى قد تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره ، بمعنى ان غيره محتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له وطالب العلم لا يكلف بذلك ، بل بالطلب وكفاه مئونة الرزق ان أحسن النية واخلص القربة .

وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته ما لا يعلمه الا الله من حسن صنع الله تعالى وجمل ما اشتغلت بالعلم ، وهو مبادئ عشر

_________________________

تعالى وينقطع عن الخلق ولهذه الحالات لذة لا توصف ( ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده ، وقد ورد في الحديث عن النبي : ان اللّه تعالى تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره ) .

الظاهر أن « ما » في « عما » نافية ، اى عن الشيء الّذي لم يضمنه لغيره ، وحذف الموصول استثقالا للجمع بين « ما » الموصولة و « ما » الزائدة ( بمعنى ان غيره محتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له ) غالبا ( وطالب العلم لا يكلف بذلك ) الطلب ( بل ) كلف ( بالطلب ) للعلم ( وكفاه مئونة الرزق ان أحسن النية ) بان تكون نيته لله تعالى ( واخلص القربة ) اى شرع في العلم بعزم خالص لله تعالى ، دون طلب الجاه أو المال أو ما أشبه .

( وعندي ) اى الشهيد الثاني صاحب المنية ( في ذلك ) الّذي ذكرت من أن الله يرسل رزق أهل العلم ( من الوقائع ما لو جمعته ) بلغ ( ما لا يعلمه الا الله من حسن صنع الله تعالى ) بي ( وجمل ) مئونتي مدة ( ما اشتغلت بالعلم ، وهو مبادئ عشر

ص: 341

الثلاثين وتسعمائة إلى يومنا هذا ، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وبالجملة ليس الخبر كالعيان .

_________________________

الثلاثين وتسعمائة ) اى أوائل هذا العلم ( إلى يومنا هذا ) الّذي أؤلف فيه المنية ( وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة ، وبالجملة ليس الخبر كالعيان ) .

إذ السامع يحتمل الصدق والكذب ، اما المرائي فلا يحتمل الكذب أصلا .

أقول : لا يخفى انه قد خلط الامر على بعض الطلاب الذين لم يدركوا حقيقة الروايات ، وحقيقة كلام علمائنا الأخيار كالكلام المتقدم ، فلم يميزوا بين التحصيل المأمور بتركه ، والتحصيل المأمور بفعله ، وهذا هو سبب ما يعانيه غالب طلاب العلوم الدينية من الفقر والمسكنة .

وكيف يمكن ان يقال : ان اللّه ضمن لأهل العلم ارزاقهم وغير أهل العلم هم المكلفون بتحصيل الرزق ، ثم إن من ضمنه اللّه أسوأ حالا من غيره ؟

أليس هذا لأجل عدم فهم المقصود من الضمان ؟ ان الأدلة الدالة على أن اللّه سبحانه ضمن لأهل العلم ارزاقهم ، مثل الأدلة الدالة على أن اللّه ضمن الارزاق لمن عداهم ، كقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وقوله سبحانه : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وقوله سبحانه : وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وقوله تعالى : وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ، أو نحو ذلك كقوله سبحانه : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى

ص: 342

. . . . . . . . . .

_________________________

اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إلى غيرها .

ومن المعلوم : انه لا يصح لأجل ذلك الجلوس وانتظار ان يأتي الرزق من السماء ، بل معنى ذلك ان ينظر الانسان إلى القوى الخارجة من ارادته ، كما ينظر إلى القوى الداخلة تحت امره ، فلا يزعم كالماديين انه يعمل كل شيء وانه لا خالق للكون ، فان أمور الكون ومنها الرزق لها جهتان .

جهة مربوطة باللّه تعالى هي تهيئة الأسباب والوسائل والقوى .

وجهة مربوطة بالانسان هي العمل والكد والتحصيل والاكتساب .

فالماديون يزعمون أن الامر مربوط بهم تماما من دون مدخلية من عداهم .

والواقع ان الامر مربوط بالجهتين .

اما اختصاص أهل العلم بان اللّه ضمن ارزاقهم مع أن الكل كذلك كما يستفاد من الآيات المتقدمة وغيرها ، فهي إشارة إلى امر طبيعي أيضا - ومن المعلوم ان هذا الامر الطبيعي أيضا من صنع اللّه تعالى كما أن الزراعة من صنع الله تعالى في قوله : أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ؟ - وهو ان اللّه سبحانه جعل العلم بحيث يميل إليه الناس ويوفرون لأهل العلم الرزق ، ويعطونهم المنح وهذه حقيقة لا شك فيها كما هو المشاهد منذ زمان الرسول صلّى اللّه عليه وآله إلى هذا اليوم وليس معنى ذلك ان يترك أهل العلم تحصيل الرزق والاكتساب ليعيشوا عيشة ذليلة متواضعة ، فان الرسول صلّى اللّه عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام أفضل أسوة ، وقد كانوا يكدون ويكدحون

ص: 343

. . . . . . . . . .

_________________________

يتاجرون ويشترون البساتين ويعملون فيها لأجل معايشهم ، فهل ترى انهم لم يدركوا معنى حديث ان اللّه ضمن لأهل العلم ارزاقهم ، ونحن أدركناه ؟

وهذه المقدمة الطويلة انما ذكرناها ، وان كانت خارجة عن وضع الشرح .

أولا لبيان الخطاء في فهم بعض الطلاب الّذي يسبب هذا الخطاء انحراف معيشتهم عن المتعارف ، ويسبب لهم كل ذلة ومشكلة .

ففي الحديث الفقر سواد الوجه في الدارين .

وفي حديث آخر : نعم العون على الدين الغنى ، وهذا هو سبب عدم رغبة الناس في الانخراط بهذا لمسلك مع اذعانهم بان أهل العلم المتدينين أقرب إلى ثواب الله ورحمته .

وثانيا : - لتحريض أهل العلم لعلاج هذه المشكلة التي كلما بقيت يكون امر أهل العلم على نفس المنوال السابق من انحطاط المعيشة والإهانة الاجتماعية وفي المثل : الكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية ، وما أحسنه من مثل ، والعلاج بسيط بسيط جد المن أراد العلاج .

وهو أولا : بتخصيص قسم من الوقت للاكتساب ولو الاكتسابات السهلة كالخياطة ونحوها .

وثانيا : بتكوين الأوقاف التي تدربا لارباح .

وثالثا : بايجاد لجان جمع الحقوق والتبرعات تحت نظام دقيق ومراقبة كافية .

ص: 344

وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره ، باسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنا في مجلس ، نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار ، فقال لي بعض أصحابي من تؤمل لما قد نزل بك ؟ فقلت : فلانا ، فقال : إذا واللّه لا تسعف بحاجتك ، ولا تبلغ املك ولا تنجح طلبتك .

_________________________

ورابعا : بجعل بعض المال في التجارات بعنوان المضاربة ونحوها .

وخامسا : بإلقاء بعض الكل على أموال الدولة إلى غيرها ، وهذا كله سهل بالنسبة إلى المفكرين العاملين الحازمين ، والكلام في المقام طويل جدا ، نكتفي بهذا القدر الماعا إلى فهم الاخبار والمشكلة وحلها واللّه الموفق .

( وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره ، باسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنا في مجلس ، نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار ، فقال لي بعض أصحابي من تؤمل لما قد نزل بك ؟ فقلت : فلانا ، فقال : إذا واللّه ) حيث تؤمل فلانا ( لا تسعف ) بصيغة المجهول ( بحاجتك ) اى لا تقضى حاجتك ( ولا تبلغ املك ، ولا تنجح طلبتك ) .

أقول قبل تمام الحديث ان كان مراد ذلك المؤمل الامل بذلك الانسان دون اللّه تعالى ، فكلام صاحبه صحيح ، وان كان المراد الامل الّذي امر اللّه به من تطلب الأشياء عن أسبابها ، فكلام صاحبه غير صحيح .

والحديث الّذي استدل به الصاحب غير دال على ذلك ، بل الاستدلال بهذا الحديث أشبه ما يكون بمن قعد عن الزراعة ، لقوله

ص: 345

قلت : وما علمك رحمك الله ؟ قال إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني انه قرء في بعض كتبه ان الله تبارك وتعالى يقول : وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاع مكاني على عرشي لاقطعن امل كل مؤمل غيرى باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ،

_________________________

سبحانه : أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، ومن قعد عن الاكتساب لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ، ومن قعد عن الذهاب إلى الطبيب لقوله تعالى : وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ .

( قلت : وما علمك رحمك الله ؟ قال إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني انه قرء في بعض كتبه ان الله تبارك وتعالى يقول : وعزتي وجلالي ومجدي ) اى عظمتي وسؤددى ( وارتفاع مكاني ) المعنوي ( على عرشي ) اى سلطنتى ، أو المراد العرش الجسماني الّذي هو محل تشريفى كما أن الكعبة محل تشريف اللّه في الأرض ( لاقطعن امل كل مؤمل غيرى باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ) .

لا يقال : كيف هذا ، ونرى ان الملحدين لا تقطع آمالهم ، الا بقدر ما تقطع آمال المؤمنين ، بل أقل ، ولا ذلة لهم ، بل كثيرا ما ذلة المؤمنين أكثر .

لأنه يقال : اما المراد الأمل مطلقا والعزة مطلقا اى في الدنيا والآخرة ، فان امل الملحد الوصول إلى حاجته المسعدة له ، وهنا يقطع لان الحاجة لا تسعده في الآخرة ، فهو يسعد يوما ويشقى الف يوم والمؤمن يشقى يوما ويسعد الف يوم .

ص: 346

ولأنحينه من قربى ، ولأبعدنه من وصلى ، أيأمل غيرى في الشدائد ؟ والشدائد بيدي ويرجو غيرى ، ويقرع باب غيرى وبيدي مفاتيح الأبواب ، وهي مغلقة ، وبابى مفتوح لمن دعاني ، فمن ذا الّذي أمّلني لنوائبه فقطعته

_________________________

فيصح ان يقال : قطع امل الكافر ، ولم يقطع امل المؤمن - بالحمل الشائع - وهكذا بالنسبة إلى المذلة في الدنيا وفي الآخرة .

واما المراد من هذا ، الاقتضاء لا العلية .

ومن المعلوم ان المؤمنين إذا عملوا بمقتضيات الاسلام ، يكونون أعلى من الكفار ، فيقطع امل الكفار ويؤتى امل المسلمين ، فان أغلب الأدلة من باب المقتضيات ، لا العلة التامة ، نحو قوله : الشفاء في تربته واستجابة الدعاء تحت قبته .

وذلك كما نقول : الدواء الفلاني ينفع المرض الفلاني ، فإنه من باب المقتضى ، لا العلة التامة ( ولأنحينه من قربى ) اى قرب الشرف ، لان الله سبحانه : لامكان له ( ولأبعدنه من وصلى ) فلا أصله بالخير والسعادة ( أيأمل غيرى في الشدائد ) استفهام انكار ( و ) الحال ان ( الشدائد ) حلها ( بيدي ويرجو غيرى ، ويقرع باب غيرى ) اى يفكر في ان يذهب إلى الناس لحل مشكلته ، وكشف كربته ، ودفع شدته ( وبيدي مفاتيح الأبواب ، وهي مغلقة ، وبابى مفتوح لمن دعاني ) كناية عن أن الله سبحانه يسمع الدعاء كل وقت ، ويجيب كل وقت ، لا كالملوك الذين لهم وقت خاص في فتح أبوابهم ، والاستماع إلى الشكاوى ، وحلهم لمشاكل الناس ، واعطائهم حاجاتهم ( فمن ذا الّذي أمّلني لنوائبه فقطعته

ص: 347

دونها ومن ذا الّذي رجاني لعظيمة فقطعت رجائه منى ، جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظى ،

_________________________

دونها ) .

ولا يخفى ان المراد الامل من طرقه ، لا مجرد الامل بدون قرع الطرق ، فان الدنيا دار الأسباب .

وعلى هذا فالمراد : الامل الّذي هو في مورده ، فالامل بان يرد اللّه يد المقطوع اليد امل في غير مورده .

ان قلت : إذا فما هو الفرق بين الآمل الّذي يطرق الأبواب في الامل ، وبين غير الآمل ، كالملحد الّذي يطرق الأبواب في مورد الامل .

قلت الفرق ان المؤمل اعتقد ما هو الواقع ، إذ الأمور بيد اللّه تعالى والأسباب أسباب مجردة ، بخلاف غير المؤمل ، فإنه أخطأ الواقع .

الا ترى : انه لو كان هناك شخصان اعتقد أحدهما بان هذا القصر الّذي سوف يبنى ، يبنيه انسان قادر عالم ، والآخر اعتقد ان هذا القصر يبنيه حيوان أعجم ، مثلا فرس مربوط هناك ، كان الأول مصيب والآخر مخطأ .

ولا فرق بينهما في النتيجة وهي ان القصر سوف يبنى بالإضافة إلى التأثير الواقعي للآمل ، حيث يلطف اللّه سبحانه بالذي أمّله أكثر من غيره ، وان كان تعالى « يعطى من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة » ( ومن ذا الّذي رجاني لعظيمة ) اى مهمة عظيمة ( فقطعت رجائه منى ، جعلت آمال عبادي عندي محفوظة ) اى حفظا لأؤدّيها إليهم ( فلم يرضوا بحفظى ) بل وجهوها إلى غيرى ، كالانسان الّذي لا يرضى بحفظ

ص: 348

وملأت سماواتى ممن لا يمل من تسبيحى ، وأمرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي ، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبى انه لا يملك كشفها أحد غيرى ، الا من بعد اذني ، فما لي أراه لاهيا عنى أعطيته بجودى ما لم يسألني ، ثم انتزعته منه فلم يسألني ردّه وسئل غيرى ، أفتراني ابدأ بالعطايا قبل المسألة ؟ ثم اسئل فلا أجيب سائلى ، أبخيل

_________________________

امين ، فيأخذ ماله منه ليؤديه إلى انسان غير امين ( وملأت سماواتى ممن لا يملّ من تسبيحى ) اى الملائكة ( وأمرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني ، وبين عبادي ) كناية عن وصول الحاجات إليه تعالى بالطرق العادية ، مع الغض عن انه تعالى عالم بكل شيء بدون الوصول من طريق السماء ( فلم يثقوا بقولي ) وظنوا ان أبواب الدعاء مغلقة ( ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبى ) النوائب تنسب إلى اللّه تعالى .

اما التكوينية كالزلازل والفيضانات والأمراض ، فواضح ، واما الجور ، والظلم ونحوهما فلان الله تعالى يترك الجائر ليفعل ذلك ، كما يقال :

افسد الأب الابن إذا تركه ليعمل ما يشاء ، وتركه سبحانه للظالمين انما هو للامتحان والاختبار ( انه لا يملك كشفها أحد غيرى ، الا من بعد اذني فما لي ) بعد هذا ( أراه لاهيا ) غافلا ( عنى أعطيته بجودى ) لا باستحقاقه ( ما لم يسألني ) من الحياة ، وسائر النعم ( ثم انتزعته منه فلم يسألني ردّه ) اى رد ذلك الجود الّذي انتزعته ( وسئل غيرى ) ان يرد النعمة عليه ( أفتراني ابدأ بالعطايا قبل المسألة ) اى قبل السؤال ( ثم اسئل ) بصيغة المجهول ( فلا أجيب سائلى ، أبخيل

ص: 349

انا ؟ فيبخلنى عندي ، أو ليس الجود والكرم لي ؟ أو ليس العفو والرحمة بيدي ؟ أو ليس انا محل الآمال ؟ فمن يقطعها دونى ؟ أفلا يستحى المؤملون ان يؤملوا غيرى ؟ فلو ان أهل سماواتى وأهل ارضى أمّلوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ، ما انتقص من ملكي ، مثل عضو ذرة ، وكيف ينقص ملك انا قيمه ؟

_________________________

انا ) استفهام انكار ( فيبخلنى ) اى ينسبنى إلى البخل بما ( عندي ، ا وليس الجود والكرم لي ؟ ا وليس العفو والرحمة بيدي ؟ ا وليس انا محل الآمال ) كان الانسان المؤمل محلّ لنزول الامل فيه من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ( فمن يقطعها ) اى يقضيها ، أو يردها ( دونى ؟ ) فإنه سبحانه مسبب الأسباب ، ومعطى الخيرات ( أفلا يستحى المؤملون ان يؤملوا غيرى ؟ فلو ان أهل سماواتى وأهل ارضى أمّلوا جميعا ) كل واحد آمالا ( ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ، ما انتقص من ملكي ، مثل عضو ذرة ) اى نملة ( وكيف ينقص ملك انا قيمة ) القائم بأمره .

فان من الواضح : انه سبحانه يخلق الأشياء بكلمة « كن » بل بالإرادة المجردة ، ولو خلق ملائين الملائين من مثل الكون لم ينقص منه شيء ، لان ذاته وقدرته غير متناهية .

وقد قال علماء الفلك ان الشمس أكبر من الأرض بمقدار مليون وثلاثمائة الف مرة .

وقالوا إن بعض الكواكب العادية أكبر من الشمس ستين مليون مرة .

ص: 350

فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبنى ، انتهى الحديث الشريف ، وانتهى كلام شيخنا الشهيد ره .

قال في الحدائق : ويدل على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي ، باسناده إلى أبى إسحاق السبيعي ، عمن حدثه ، قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أيها الناس ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ، الا وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم ، وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه .

_________________________

( فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبنى ، انتهى الحديث الشريف ) وقد عرفت عدم دلالته على عدم العمل والاكتساب ( وانتهى كلام شيخنا الشهيد ره ) .

( قال في الحدائق : ويدل على ذلك بأصرح دلالة ) اى ان اخبار طلب العلم مخصص لاخبار طلب المال والاكتساب ( ما رواه في الكافي ، باسناده إلى أبى إسحاق السبيعي ، عمن حدثه ، قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أيها الناس ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ) الظاهر أن المراد بالدين الاعتقاد ، ولذا فالعلم والعمل من مكملاته ( الا وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ) .

وذلك ل ( ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم ، وسيفي لكم ) من وفى يفي ، والسين للاستقبال ( والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم ) بصيغة المجهول ( بطلبه من أهله ، فاطلبوه ) إلى آخر

ص: 351

الخبر .

قال ويؤكد ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يقول اللّه عز وجل : وعزتي وجلالي وكبريائى ونوري وعظمتي وعلوّى وارتفاع مكاني ، لا يؤثر عبد هواي على هواه الا استحفظته ملائكتي ، وكفلت السماوات والأرضين رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .

_________________________

( الخبر ) .

فان معنى : الاوجبية ان العلم مقدم على المال .

ولعل المراد بالحديث : ان المال له طرق مسلوكة يطلبه غالب الناس من طرقه ، فينالون المقدار المعلوم في علم اللّه المسمى بالمقسوم .

اما العلم فالغالب ليسوا في فكر تحصيله ولذا هو اثقل مئونة ، فيحتاج إلى طلب أكثر ، والا فلا شبهة في ان كل واحد من العلم والمال مقسوم ، وان كل واحد منهما يحتاج إلى الطلب .

( قال ) الحدائق ( ويؤكد ) اى تخصيص اخبار طلب العلم لاخبار طلب الرزق ( ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : يقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي وكبريائى ونوري وعظمتي وعلوّى وارتفاع مكاني ) المكانة المعنوية اى السيادة والسيطرة ( لا يؤثر ) ولا يقدم ( عبد هواي ) أو امرى ( على هواه الا استحفظته ملائكتي ) اى طلبت منهم ان يحفظوه ( وكفلت السماوات والأرضين رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر ) فكان مادة التجار قليلة ،

ص: 352

فتأتيه الدنيا وهي راغمة ، انتهى كلامه .

وأنت خبير بان ما ذكره الحدائق من كلام الشهيد ره وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكره ، من رفع التنافي بين أدلة الطرفين .

لان ما ذكر من التوكل على اللّه ، وعدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب .

ولذا كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وعلى أخيه ، وزوجته ، وولديه ،

_________________________

مادة تجارته من جانبي ، وهي لا تنضب ابدا ( فتأتيه الدنيا وهي راغمة ) اى شاءت أم أبت ( انتهى كلامه ) اى كلام الحدائق .

( وأنت خبير بان ما ذكره الحدائق من كلام الشهيد ره وما ذكره من الحديث القدسي ) المنسوب إلى اللّه تعالى ( لا ارتباط له بما ذكره ) الحدائق ( من رفع التنافي بين أدلة الطرفين ) أدلة طلب العلم ، وأدلة طلب المال .

( لان ما ذكر من التوكل على اللّه ، وعدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب ) بل الاكتساب نوع من التوكل وربط القلب بالله لان المتوكل الحقيقي هو الّذي يعتمد على كلام من توكل عليه ، ويعمل حسب امره وارشاده .

( ولذا كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وعلى أخيه ) الرسول صلّى اللّه عليه وآله ( وزوجته ) الصديقة الطاهرة عليها السلام ( وولديه ) الحسن

ص: 353

وذريته جامعا بين أعلى مراتب التوكل واشدّ مشاق الاكتساب ، وهو الاستقاء لحائط اليهودي .

وليس الشهيد أيضا في مقام ان طلب العلم أفضل من التكسب وان كان أفضل ، بل في مقام ان طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم ، فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين والحاصلة من الموقوفات للمدارس ، وأهل العلم ، والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان واتباعه

_________________________

والحسين عليهما السلام ( وذريته ) الطاهرة الأئمة عليهم السلام ( جامعا بين أعلى مراتب التوكل وأشد مشاق الاكتساب ، وهو الاستقاء لحائط اليهودي ) اى بستانه ، كما رواه في البحار وغيره ، بل وكذلك اشتغل الرسول صلّى اللّه عليه وآله وجملة من الأنبياء ، كما لا يخفى .

( وليس الشهيد أيضا ) خلافا لظاهر نسبة الحدائق إليه ( في مقام ان طلب العلم أفضل من التكسب وان كان أفضل ) حتى يستشهد الحدائق بكلامه دلالة على ما ذكره من الجمع بين اخبار طلب العلم وطلب المال ( بل في مقام ان طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم ، فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم ) الدينية ( من الوظائف المستمرة من السلاطين ) الجائرين ، وغيرهم ( و ) الوظائف ( الحاصلة من الموقوفات للمدارس ، وأهل العلم ، والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان واتباعه ) « من »

ص: 354

والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم ، الا بما في أيديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك ، كما كان متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان ، فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها .

وبالجملة : فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد ، من أوله إلى آخره ، وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور اعني تخصيص أدلة

_________________________

متعلق « بالأسباب الظاهرة » اى لا يعاشر السلطان واتباعه لأجل تحصيل المعيشة ( والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم ، الا بما في أيديهم ) اى العلماء الذين لا ينتفع بعلمهم وتقواهم ، وانما ينتفع بما في أيديهم ( من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك ) .

والحاصل : يريد الشهيد ان لا يتملق طالب العلم للذين في أيديهم الدنيا ، ليستدرجوه إلى الآثام وترك التقوى ( كما كان متعارفا في ذلك الزمان ) اى زمان الشهيد ( بل في كل زمان ، فربما جعل ) طالب العلم ( الاشتغال بالعلم بنفسه ) اى جعل نفس الاشتغال ( سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها ) « من » متعلق « بالمعيشة » .

( وبالجملة : فلا شهادة فيما ذكر ) الحدائق ( من كلام الشهيد ، من أوله إلى آخره ، وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور ) في كلام الحدائق بين أدلة طلب العلم وبين أدلة الاكتساب ، والجمع ( اعني تخصيص أدلة

ص: 355

طلب الحلال بغير طالب العلم .

ثم إنه لا اشكال في ان كل من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة أو الخمسة .

ولا ريب ان المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب ، ولا الواجب الكفائي الواجب العيني .

_________________________

طلب الحلال بغير طالب العلم ) كما عرفت عدم ظهور هذا الجمع .

( ثم ) ان الوجه الثاني من وجوه الجمع بين أدلة طلب العلم وأدلة طلب المال بالاكتساب هو ما ذكره الحدائق أيضا وقد نقله المصنف بأدنى تفاوت .

ف ( انه لا اشكال في ان كل من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة ) باستثناء المباح ( أو الخمسة ) الواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام .

والواجب منهما قد يكون عينيا وقد يكون كفائيا ، فالجمع بين دليلي طلب العلم وطلب المال انما هو في صورة التعارض ، وذلك انما يكون بتقديم أحد الدليلين على الآخر ، إذا كان أحدهما أقوى ، والا فالتخيير لان الباب من التزاحم لا التعارض .

( ولا ريب ان المستحب من أحدهما ) طلب العلم أو المال ( لا يزاحم الواجب ) من دليل الآخر ( ولا ) يزاحم ( الواجب الكفائي ) منهما ( الواجب العيني ) .

فإذا كان طلب المال واجبا عينيا لأجل قوته وقوت عياله ، وطلب

ص: 356

ولا اشكال أيضا في ان الأهم من الواجبين المعينين مقدم على غيره .

وكذا الحكم في الواجبين الكفائيين ، مع ظن قيام الغير به .

وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم فيجب أو يستحب ، مقدمة .

بقي الكلام في المستحب من الامرين

_________________________

العلم واجبا كفائيا لوجود من يقوم به ، قدّم المكلف طلب المال .

( ولا اشكال أيضا في ان الأهم من الواجبين المعينين مقدم على غيره ) فإذا كان كل من طلب العلم وطلب المال واجبا عينيا ، ولكن المال أهم من جهة انه لو لم يحصله مات جوعا ، قدّم طلب المال على طلب العلم .

( وكذا الحكم ) كالواجب العينيين ( في الواجبين الكفائيين ) بان كلّا من طلب المال وطلب العلم واجب ، كفائيا ( مع ظن قيام الغير به ) فإنه يقدم الا هم منهما ، كما لو ظن قيام بعض طلبة العلوم الدينية بالعلم أو ظن قيام أخيه بالانفاق على أبيه وأمه .

( وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم ) مثل كسب الأب للانفاق على ولده الّذي هو يطلب العلم ( فيجب ) الكسب إذا كان طلب ولده للعلم واجبا ( أو يستحب ) إذا كان طلب ولده للعلم مستحبا لوجود أهل العلم بقدر الكفاية ( مقدمة ) فان مقدمة الواجب واجبة ، ومقدمة المستحب مستحبة .

( بقي الكلام في المستحب من الامرين ) طلب المال وطلب العلم

ص: 357

عند فرض عدم امكان الجمع بينهما .

ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على الامرين .

فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم ، الّا شيء قليل لا يترتب عليه كثير فائدة ، ويترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة .

منها : تكفل أحوال المشتغلين من ماله ، أو مال اقرانه من التجار المخالطين معه

_________________________

( عند فرض عدم امكان الجمع بينهما ) وكذلك فيما كان كل منهما واجبا عينيا ، بدون ان يكون أحدهما اهمّ .

( ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح ) اى ترجيح العلم على المال أو العكس ( باختلاف الفوائد المرتبة على الامرين ) على تحصيل العلم وعلى تحصيل المال .

فإذا كانت الفوائد المرتبة على المال أهم ، كان تحصيل المال آكد .

وإذا كانت الفوائد المرتبة على العلم اهمّ كان تحصيل العلم آكد .

( فرب من ) - اى انسان - ( لا يحصل له باشتغاله بالعلم الّا شيء قليل ) من العلم ( لا يترتب عليه كثير فائدة ) ككونه هاديا لعشرة مثلا ( و ) الحال انه ( يترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة ) كإقامة عمود الاسلام مثلا .

( منها ) اى من تلك الفوائد - من باب المثال - ( تكفل أحوال المشتغلين من ماله ، أو مال اقرانه من التجار المخالطين معه ) فان

ص: 358

على وجه الصلة ، أو الصدقة الواجبة والمستحبة ، فيحصل بذلك ثواب الصدقة ، وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم .

ورب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيى بها فنون علم الدين ، فلا يحصل له من كسبه الا قليل من الرزق .

فإنه لا اشكال في ان اشتغاله بالعلم والاكل من وجوه الصدقات

_________________________

التاجر يسمع كلام مخالطه التاجر أكثر مما يسمع كلام أهل العلم - غالبا - ( على وجه الصلة ) « على » متعلق ب « تكفل » اى القربة المطلقة ( أو الصدقة الواجبة ) كالزكاة ( والمستحبة ) كزكاة التجارة ، وحق الجذاذ وما أشبه ( فيحصل ) هذا الّذي ترك العلم لطلب الكسب ( بذلك ) اى بتحصيله للمال الّذي هو مقدمة الصدقة والإعانة ( ثواب الصدقة ) لأنه تصدق بماله صدقة واجبة أو مستحبة ( وثواب الإعانة ) على تحصيل العلم ( الواجبة ) تلك الإعانة ، لوجوب إعانة أهل العلم فيه كان تحصيل العلم واجبا ( أو المستحبة ) فيما كانت الإعانة مستحبة ( على تحصيل العلم ) « على » متعلق ب « الإعانة »

( ورب ) ما يكون الامر بالعكس فيكون تحصيل العلم أهم من تحصيل المال وذلك في ( من يحصل بالاشتغال ) بطلب العلم ( مرتبة عالية من العلم يحيى بها ) اى بسبب تلك المرتبة العالية ( فنون علم الدين ، فلا يحصل له من كسبه الا قليل من الرزق ) مما لا يوجب توسعة على نفسه أو على غيره .

( فإنه لا اشكال في ان اشتغاله بالعلم والاكل من وجوه الصدقات )

ص: 359

أرجح .

وما ذكر من حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب بشيء من وظائف النبوة ، والرئاسة العلمية .

وبالجملة فطلب كل من العلم والرزق إذا لوحظ المستحب منهما من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح .

_________________________

الواجبة أو المستحبة ( أرجح ) .

( و ) ان قلت : لا اشكال في ان اشتغال داود عليه السلام بالعلم كان أفضل من اكتسابه لما يترتب على علم وعمل داود من الفوائد الجمة بالتدريس والتوجيه والبناء لأسس الدين فلما ذا امر بالكسب وترك الأكل من بيت المال .

قلت : ( ما ذكر من حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب بشيء من وظائف النبوة والرئاسة العلمية ) ولذا رجح الكسب في حقه من الاكل من بيت المال .

وقد تقدم منّا ما يكون وجها لذلك فراجع .

( وبالجملة فطلب كل من العلم والرزق إذا لوحظ المستحب منهما ) لا الواجب ( من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب ) كما لو دار بين ان يعرف مسائل أكثر ، أو يوسع على نفسه برزق أكثر ( كان طلب العلم أرجح ) لما فيه من الثواب العظيم ، والاجر الجسيم ، وخير الدنيا والآخرة

ص: 360

وإذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل .

فثبت من ذلك كله ان تزاحم هذين المستحبين ، كتزاحم سائر المستحبات المتنافية كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم غير الواجبين مع المسير إلى الحج المستحب ، أو إلى مشاهد الأئمة عليهم السلام أو مع السعي في قضاء

_________________________

( وإذا لوحظ ) المستحب منهما ( من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل )

فربما كان تحصيل المال سببا لاضعاف النفع الواصل بسبب العلم مثلا : إذا حصل العلم كان انسانا مفيدا هاديا وإذا حصل المال انفقه لادخال عشرات الناس في طلب العلم الذين يكونون هداة دعاة إلى الحق .

( فثبت من ذلك كله ان تزاحم هذين المستحبين ، كتزاحم سائر المستحبات المتنافية ) .

فان باب المستحبات باب التزاحم لا باب التعارض ، لوجود الملاك في كل واحد منهما ، وان لم يتمكن المكلف من الجمع بينهما ، كوجود الملاك في انقاذ كل من الغريقين ، وان لم يتمكن المكلف من انقاذ كليهما ( كالاشتغال بالاكتساب ) المستحب ( أو طلب العلم ) المستحب اعني ( غير الواجبين ) فيما إذا تزاحم أحدهما ( مع المسير إلى الحج المستحب ، أو إلى مشاهد الأئمة عليهم السلام أو مع السعي في قضاء

ص: 361

حوائج الاخوان الّذي لا يجامع طلب العلم ، أو المال الحلال ، إلى غير ذلك مما لا يحصى .

_________________________

حوائج الاخوان ) السعي ( الّذي لا يجامع طلب العلم ، أو ) لا يجامع طلب ( المال الحلال ، إلى غير ذلك مما لا يحصى ) من الأمثلة كالتزاحم بين قراءة القرآن وقراءة الدعاء ، أو بين قراءة القرآن والقيام بصلاة نافلة ، أو بين الذهاب إلى المشهد أو الذهاب إلى صلة رحم مستحبة وهكذا .

ص: 362

مسئلة لا خلاف في مرجوحية تلقى الركبان بالشروط الآتية ،

واختلفوا في حرمته وكراهته ، فعن التقى والقاضي والحلى والعلامة في المنتهى :

الحرمة ، وهو المحكى عن ظاهر الدروس ، وحواشي المحقق الثاني ، وعن الشيخ ، وابن زهرة لا يجوز ، وأوّل في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة ، وهي - اى الكراهة - مذهب الأكثر ، بل عن إيضاح النافع ان الشيخ ادعى الاجماع على عدم التحريم ، وعن نهاية الاحكام تلقى الركبان مكروه عند أكثر علمائنا ، وليس حراما اجماعا .

_________________________

( مسألة ) تلقى الركبان عبارة عن أن يذهب الانسان خارج المدينة مثلا - ليتلقى الذين جاءوا من الخارج لبيع بضائعهم أو اشتراء بضائع فيشترى منهم بقيمة ارخص ، أو يبيع لهم ( لا خلاف في مرجوحية تلقى الركبان بالشروط الآتية ) متعلق بالمرجوحية ( واختلفوا في حرمته وكراهته ، فعن التقى والقاضي والحلى والعلامة في المنتهى : الحرمة وهو ) اى القول بالحرمة ( المحكى عن ظاهر الدروس ، وحواشي المحقق الثاني ، وعن الشيخ ، وابن زهرة ) التعبير بلفظ ؛ ( لا يجوز ، واوّل في المختلف عبارة الشيخ ) - وهي لفظة : لا يجوز - ( بالكراهة ، وهي اى الكراهة - مذهب الأكثر ، بل عن إيضاح النافع ان الشيخ ادعى الاجماع على عدم التحريم ، وعن نهاية الاحكام تلقى الركبان مكروه عند أكثر علمائنا ، وليس حراما اجماعا ) .

ص: 363

ومستند التحريم ظواهر الاخبار ، منها : ما عن منهال القصاب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تلقّ فان رسول الله نهى عن التلقي ، قلت : وما حدّ التلقي ، قال : ما دون غدوة أو روحة .

قلت وكم الغدوة والروحة ، قال : أربعة فراسخ .

قال ابن أبي عمير وما فوق ، فذلك فليس بتلقّ .

_________________________

أقول : لا تنافى بين قوله « أكثر » وقوله « اجماعا » إذ : الكراهة أيضا غير ثابتة عند البعض ، لأنه لم يتكلم عن هذه المسألة أصلا فالتحريم منفى قطعا ، اما الكراهة فقد ذكرها الأكثر .

( ومستند التحريم ظواهر الاخبار ، منها : ما عن منهال القصاب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تلقّ ) فعل نهى من « تلقى يتلقى » وأصله « تتلق » حذف احدى تاءيه مثل « تنزل » فوزنه « لا تتصرف » من باب « التفعّل » ( فان رسول الله نهى عن التلقي ، قلت : وما حدّ التلقي ) اى المسافة التي ان ذهب الانسان إلى تلك المسافة يسمى تلقيا ( قال : ما دون غدوة أو روحة ) اى بمقدار المشي صباحا ، والمشي عصرا ، فإنه إذا كان أكثر من ذلك لا يسمى تلقيا ، لأنه سفر لاكتساب المعيشة ، فهذا المقدار وما دونه يسمى تلقيا .

( قلت وكم الغدوة والروحة ، قال : أربعة فراسخ ) لان المسافر يسافر في نهار يوم ثمانية فراسخ ، فللصباح أربعة ، وللعصر أربعة .

( قال ابن أبي عمير وما فوق ، فذلك فليس بتلق ) لما عرفت من أنه سفر ، والسفر للتجارة مستحب .

ص: 364

وفي خبر عروة لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض .

وفي رواية أخرى لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ، ولا تأكل منه .

وظاهر النهى عن الاكل : كونه لفساد المعاملة ، فيكون اكلا بالباطل ، ولم يقل به الا الإسكافي .

_________________________

( وفي خبر عروة لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ) بان يذهب ليبيع لأهل البدو ، الذين يقصدون البلد للاشتراء منه .

وعليه : فالمراد بالتلقى هنا الذهاب للاشتراء منهم فقط ( والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ) فإذا جاء أهل البدو إلى السوق اربحوا المسلمين جميعا ، اما إذا خرج بعض للبيع لهم والاشتراء منهم اختصت الفوائد بالخارج فقط ، ويحرم السائرون من الانتفاع باهل البادية .

( وفي رواية أخرى لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ) اى ما اشترى بالتلقى ( ولا تأكل منه ) مما يتلقى .

( وظاهر النهى عن الاكل : كونه لفساد المعاملة ، فيكون اكلا بالباطل ) لا ان المال يكون حراما كحرمة الخمر والخنزير ( ولم يقل به ) اى بكونه اكلا للمال بالباطل ( الا الإسكافي ) .

اما غيره فيقولون بالحرمة التكليفية ، كالبيع وقت النداء لا الفساد وضعا .

ص: 365

وعن ظاهر المنتهى : الاتفاق على خلافه ، فتكون الرواية مع ضعفها مخالفة لعمل الأصحاب ، فتقصر عن إفادة الحرمة والفساد .

نعم : لا بأس بحملها على الكراهة لو وجد القول بكراهة الاكل مما يشترى من المتلقى ولا بأس به حسما لمادّة التلقي .

ومما ذكرنا : يعلم أن النهى في سائر الأخبار أيضا محمول على الكراهة ، لموافقته للأصل ، مع ضعف الخبر ومخالفته للمشهور .

ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ ، كما في كلام

_________________________

( وعن ظاهر المنتهى : الاتفاق على خلافه ) اى خلاف الإسكافي ( فتكون الرواية ) الناهية عن اكل ما يتلقى ( مع ضعفها ) سندا ( مخالفة لعمل الأصحاب ، فتقصر عن إفادة الحرمة ) للتلقى ( والفساد ) للمعاملة

( نعم : لا بأس بحملها ) اى الرواية بالنسبة إلى الاكل ( على الكراهة لو وجد القول بكراهة الاكل مما يشترى من المتلقى ) - المتلقى بصيغة اسم الفاعل - ( ولا بأس به ) اى بالقول بالكراهة ( حسما لمادّة التلقي )

فان المتلقى إذا علم بان الناس لا يأكلون ما تلقاه يكون ذلك رادعا له عن التلقي ، فالشارع بهذه الملاحظة كرّه اكل ما يأخذ المتلقى .

( ومما ذكرنا : يعلم أن النهى في سائر الأخبار أيضا محمول على الكراهة ، لموافقته ) اى عدم التحريم ( للأصل ، مع ضعف الخبر ) اى جنس الخبر الدال على النهى ( ومخالفته للمشهور ) فان المشهور الكراهة وعدم التحريم ، كما تقدم .

( ثم إن حد التلقي ) المكروه أو المحرّم ( أربعة فراسخ ، كما في كلام

ص: 366

بعض ، والظاهر أن مرادهم خروج الحد عن المحدود ، لأن الظاهر زوال المرجوحية ، إذا كان أربعة فراسخ ، وقد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه وروى أن حدّ التلقي روحة ، فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو جلب .

فان الجمع بين صدرها وذيلها لا يكون إلا بإرادة خروج الحدّ عن المحدود .

كما أن ما في الرواية السابقة ، ان حده ما دون غدوة ، أو روحة محمول على دخول الحد في المحدود .

_________________________

بعض ، والظاهر أن مرادهم خروج الحد ) اى رأس أربعة فراسخ الموجب للقصر والافطار ( عن المحدود ) الّذي هو : أربعة فراسخ ،

وانما نقول بخروج الحد ( لأن الظاهر زوال المرجوحية ، إذا كان ) التلقي رأس ( أربعة فراسخ ، وقد تبعوا بذلك ) الذين قالوا بان رأس أربعة فراسخ خارج عن الكراهة ( مرسلة الفقيه ) حيث قال ( وروى أن حدّ التلقي روحة ، فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو جلب ) اى جلب للطعام والجلب مستحب ، كما لا يخفى .

( فان الجمع بين صدرها ) حدّ التلقي روحة وهو الظاهر في الأربعة ( وذيلها ) فإذا بلغ أربعة ( لا يكون إلا بإرادة خروج الحد عن المحدود )

فرأس الأربعة ليس محكوما بحكم نفس الأربعة .

( كما أن ما في الرواية السابقة ) حيث قال ( ان حده ما دون غدوة ، أو روحة محمول على دخول الحد ) - اى ما دون - ( في المحدود ) اى في الكراهة ، لان المستثنى من الكراهة ، رأس الأربعة لا ما دون الأربعة

ص: 367

لكن قال في المنتهى : حدّ علمائنا التلقي بأربعة فراسخ ، فكرهوا التلقي إلى ذلك الحد فان زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ، وهو ظاهر لان بمضيه ورجوعه يكون مسافرا ، ويجب عليه القصر ، ويكون سفرا حقيقيا ، إلى أن قال : ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه ، انتهى .

والتعليل بحصول السفر الحقيقي يدل على مسامحة في التعبير .

_________________________

( لكن قال في المنتهى : حدّ علمائنا التلقي بأربعة فراسخ ، فكرهوا التلقي إلى ذلك الحد ) اى إلى الأربعة ( فان زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ) وليس ذلك بمكروه ، بل مستحب ( وهو ظاهر ) اى كون الزائد تجارة وليس تلقّيا ( لان بمضيه ورجوعه يكون مسافرا ، ويجب عليه القصر ، ويكون سفرا حقيقيا ، إلى أن قال ) المنتهى ( ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه ، انتهى ) .

والاشكال على المنتهى : ان ظاهره ان رأس الأربعة داخل في المحدود ، فيكره التلقي إلى رأس أربعة فراسخ ، بان كان الرأس داخلا وهذا خلاف ما ذكرناه سابقا من أن رأس الأربعة ليس بمكروه ، لأنه سفر

وانما نستظهر هذا من المنتهى ، لأنه بعد ذلك قال : فان زاد على ذلك .

( والتعليل ) في كلام المنتهى ( بحصول السفر الحقيقي ) حيث قال لان بمضيّه الخ ( يدل على مسامحة في التعبير ) اى في قوله : فان زاد ، إذ : التعليل يدل على أنه : سواء كان رأس الأربعة ، أو زائدا ، لم يكن تلقّيا

ص: 368

ولعل الوجه في التحديد بالأربعة ان الوصول على الأربعة بلا زيادة ونقيصة نادر ، فلا يصلح ان يكون ضابطا لرفع الكراهة .

إذ : لا يقال إنه وصل إلى الأربعة ، الا إذا تجاوز عنها ولو يسيرا فالظاهر أنه لا اشكال في أصل الحكم ، وان وقع اختلاف في التعبير في النصوص والفتاوى .

ثم إنه لا اشكال في اعتبار القصد ، إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي

_________________________

( ولعل الوجه في التحديد بالأربعة ) في كلام العلامة حيث قال :

التلقي بأربعة ، ( ان الوصول على الأربعة بلا زيادة ونقيصة نادر ) جدّا ( فلا يصلح ) الأربعة ( ان يكون ضابطا لرفع الكراهة ) بان نقول : ان الكراهة إلى ما دون الأربعة ، فإذا وصل إلى الأربعة ارتفعت الكراهة

( إذ : لا يقال ) عرفا ( انه وصل إلى الأربعة ، الا إذا تجاوز عنها ) اى عن الأربعة ( ولو ) تجاوزا ( يسيرا ) .

وكيف كان ( فالظاهر أنه لا اشكال في أصل الحكم ) وهو ان رأس الأربعة ليس مكروها ( وان وقع اختلاف في التعبير ) حيث يظهر من بعض التعابير : ان رأس الأربعة داخل في الكراهة .

ومن بعض التعابير ان رأس الأربعة ليس داخلا في الكراهة ( في النصوص والفتاوى ) .

( ثم إنه لا اشكال في اعتبار القصد ) بان يقصد الانسان انه يخرج إلى خارج البلد ، ليتلقى البد والقادمين ( إذ بدونه ) اى بدون القصد ( لا يصدق عنوان التلقي ،

ص: 369

فلو تلقى الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم .

وكذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقى ، فلا يكره لغرض آخر .

ولو اتفقت المعاملة ، قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد .

وفيه : انه مبنى على عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير .

_________________________

فلو تلقى الركب في طريقه ) في حال كون المتلقى ( ذاهبا ) إلى خارج البلد ( أو جائيا ) من الخارج إلى البلد ( لم يكره المعاملة معهم ) اى مع الركب .

( وكذا ) لا اشكال ( في اعتبار قصد المعاملة من المتلقى ) حين خروجه ، فإنه يكره إذا قصد الخروج وقصد التعامل ( فلا يكره لغرض آخر ) بان يقصد التلقي للتعرف على أحوال أقاربه مثلا .

( ولو اتفقت المعاملة ) بعد ذلك ، بان رأى عندهم جنسا حسنا فاشتراه - مثلا - .

ثم إنه ( قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة ) اى قوله « المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض » ( اعتبار جهل الركب بسعر البلد ) إذ لو كانوا جاهلين يبيعون متاعهم بأرخص ، فأهل البلد ينتفعون بهذا التفاوت ، فإذا اشترى منهم المتلقى لا يرزق أهل البلد .

( وفيه : انه ) اى هذا الاستظهار ( مبنى على عدم اختصاص القيد ) اى قوله عليه السلام « المسلمون يرزق الله الخ » ( بالحكم الأخير ) اى لا يبيع حاضر لباد ، لا ان القيد مربوط بالحكمين اى « لا يتلقى » و « لا يبيع »

ص: 370

فيحتمل أن تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقى أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه ، أو ادخاره عن أعين الناس وبيعه تدريجا ، بخلاف ما إذا اتى الركب ، وطرحوا أمتعتهم في الخانات والأسواق ، فان له اثرا بيّنا في امتلاء أعين الناس خصوصا الفقراء وقت الغلاء إذا اتى بالطعام .

_________________________

والسر : انه لو كان القيد مربوطا بحكمين ، كان المعنى « لا يتلقى » لان المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض .

وظاهر الخبر حينئذ اعتبار جهل الركب ، لان علمهم بسعر البلد لا يلائم التعليل ب : يرزق الله - كما لا يخفى - .

( فيحتمل ان ) يكون القيد مختصا بالحكم الأخير فقط ، ف ( تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان ) فيعطون أزيد من القدر المعين ، مثلا يعطى الركب عوض الحقة حقة ونصفا ( بما لا يتسامح به ) اى بمثل ذلك التسامح ( المتلقى ) فان هذا التسامح سبب النهى ، سواء علم الركب بسعر البدو ، أم لا ( أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه أو ) لأجل ( ادخاره ) اى ادخار المتلقين المتاع ( عن أعين الناس وبيعه تدريجا ) مما لا يسبب الرفاه ( بخلاف ما إذا اتى الركب ، وطرحوا أمتعتهم في الخانات والأسواق ، فان له ) اى لمجيئهم وطرح أمتعتهم في الخانات ( اثرا بيّنا في امتلاء أعين الناس خصوصا الفقراء ) في ( وقت الغلاء إذا اتى بالطعام ) فان له اثرا في ايجاد الرفاه والطمأنينة ، فالعلم بالسعر لا يرفع الكراهة لأن علة الكراهة ليست الجهل ، بل إرادة الشارع ان

ص: 371

وكيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة .

ثم إنه لا فرق بين اخذ المتلقى بصيغة البيع ، أو الصلح ، أو غيرهما .

نعم لا بأس باستيهابهم ولو باهداء شيء إليهم .

ولو تلقاهم لمعاملات اخر ، غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم المرجوحية .

_________________________

الركب بأنفسهم يأتون ويبيعون الطعام .

( وكيف كان ) سواء كانت علة كراهة تلقى الركبان مسامحة الركب ، أو مظنة حبس المتلقين ( فاشتراط الكراهة ) للتلقى ( بجهلهم ) اى الركب ( بسعر البلد ) كما قاله بعض ( محل مناقشة ) واشكال .

( ثم إنه لا فرق بين اخذ المتلقى ) المتاع من الركب ( بصيغة البيع أو الصلح ، أو غيرهما ) من أنواع المبادلة .

وذلك لما يستفاد من التعليل ، فان رزق بعض المسلمين عن بعض انما يكون إذا جاء الركب إلى البلد - كما عرفت - .

( نعم لا بأس باستيهابهم ) اى طلب الهبة من الركب ( ولو باهداء شيء إليهم ) لكن ذلك فيما إذا اتفق .

اما إذا اتخذناه ديدنا لأجل التخلص من تبعة تلقى الركبان ، فالظاهر أنه لا يكفى ، إذ : العلة المتقدمة في الرواية عامة .

( ولو تلقاهم لمعاملات آخر ، غير شراء متاعهم ) كالتعامل معهم بالنسبة إلى أراضيهم الزراعية ، مزارعة ، أو مساقاة ، أو اعطاء الدين لهم أو اخذه منهم أو ما أشبه ذلك ( فظاهر الروايات عدم المرجوحية ) .

ص: 372

نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام : المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ، قوى سراية الحكم إلى بيع شيء منهم وايجارهم المساكن والخانات .

كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل كما يدل عليه النبوي العامي : لا تلقوا الجلّب .

_________________________

لان العلة لا تشمل أمثال هذه المعاملات ، كما إذا تلقاهم لأجل التزويج منهم ، أو إليهم ، أو لأجل حل مشاكلهم ، أو ما أشبه ذلك .

الا إذا كانت هذه الأمور أبواب رزق الناس حتى أن المتلقى يحول دون ارتزاق الناس منهم .

( نعم لو جعلنا المناط ) في مرجوحية التلقي ( ما يقرب من قوله عليه السلام : المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ، قوى سراية الحكم ) بمرجوحية التلقي ( إلى بيع شيء منهم ) بان يكون المتلقى بائعا لهم ( وايجارهم المساكن والخانات ) واصلاح شؤون دوابهم لان كل ذلك مانع عن ارتزاق أهل البلد بهم .

نعم : لا اشكال في عدم كراهة التلقي إذا كان أهل القرية كلهم يتلقون الركب فيما إذا كانت القرية صغيرة ، كما في بعض القرى .

( كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبس الجاهل ) .

فالشارع انما كرّه التلقي ، لأنهم جهال فيغبنهم المتلقون ( كما يدل عليه ) اى على هذا المناط ( النبوي العامي ) الوارد من طريق العامة ( لا تلقوا الجلّب ) جمع جالب ، مثل طلّب جمع طالب ، وهو من يجلب

ص: 373

فمن تلقاه واشترى منه فإذا اتى السوق فهو بالخيار ، قوى سراية الحكم إلى كل معاملة توجب غبنهم كالبيع والشراء منهم متلقيا ، وشبه ذلك .

لكن الأظهر ، هو الأول .

وكيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار .

وقد يحكى عن الحلى ثبوت الخيار وان لم يكن غبن ولعله لاطلاق النبوي المتقدم

_________________________

الطعام إلى المدينة ( فمن تلقاه واشترى منه فإذا اتى ) الجلب ( السوق ) ورأى أن المشترى غبنه ( فهو بالخيار قوى سراية الحكم ) بكراهة التلقي ( إلى كل معاملة توجب غبنهم كالبيع والشراء منهم ) سواء كان المعامل معهم ( متلقيا وشبه ذلك ) بان لم يكن متلقيا .

كما لو ذهب إلى الصيد فرأى الركب ، فاشترى منهم .

( لكن الأظهر ، هو الأول ) إذ النبوي العامي لا يمكن ان يكون مستندا لمثل هذا الحكم .

( وكيف كان ) الامر ، سواء كان بعض المذكورات داخلا في التلقي أم لا ( فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت ) بسبب الجهل ( لهم الغبن الفاحش )

اما الغبن الجزئي ، فقد قرر في موضعه انه لا يوجب الخيار ( كان لهم الخيار ) لاطلاق أدلة الغبن .

( وقد يحكى عن الحلى ) في السرائر ( ثبوت الخيار ) لهم في ابطال البيع ( وان لم يكن غبن ، ولعله لاطلاق النبوي المتقدم ) .

ص: 374

المحمول على صورة تبين الغبن بدخول السوق والاطلاق على القيمة .

واختلفوا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي ، على قولين سيجيء ذكر الأقوى منهما في مسئلة خيار الغبن إن شاء الله .

_________________________

لكنه لا يمكن الاعتماد عليه سندا ، لأنه عامي ، والحكم بالخيار خلاف الأصل ، لوجوب الوفاء بكل عقد الا ما خرج بالدليل ، لقوله تعالى :

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، بالإضافة إلى ضعف الدلالة .

إذ كيف الاستدلال بالخبر ( المحمول ) بقرينة الفهم العرفي ( على صورة تبين الغبن بدخول السوق ) « بدخول » متعلق ب « تبين » ( والاطلاع على القيمة ) عطف على « بدخول » .

( واختلفوا في كون هذا الخيار ) في مورد ثبوته ( على الفور ) العرفي لا بالدقة العقلي كما لا يخفى ( أو التراخي ، على قولين ، سيجيء ذكر الأقوى منهما ) وانه الفور العرفي ( في مسئلة خيار الغبن إن شاء الله ) .

ثم إن ظاهر النص والفتوى : ان الركب إذ لا يريدون دخول البلد لا بأس بتلقيهم ، كما إذا كانوا جالبين شيئا لا يشتريه الا جماعة خاصة ، وكلهم خرجوا ، كما إذا جلبوا الذهب الّذي لا يشتريه الا الصاغة وقد خرجوا كلهم لم يكن بذلك بأس ، ولا يشترط في الكراهة البلد ، بل الجلب إلى أصحاب الخباء أيضا كذلك اى يكره تلقيهم ، للمناط .

وهناك فروع كثيرة اضربنا عنها ، لأنها خارجة عن الشرح .

ص: 375

مسئلة يحرم النجش على المشهور ،

كما في الحدائق بل عن المنتهى وجامع المقاصد : انه محرم اجماعا ، لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول اللّه : الواشمة والموتشمة ، والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد .

وفي النبوي المحكى عن معاني الأخبار : لا تناجشوا ولا تدابروا قال :

ومعناه ان يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد

_________________________

( مسألة ) تقدمت هذه المسألة في المكاسب المحرمة وكان تكرارها غفلة ( يحرم النجش على المشهور ، كما في الحدائق ) نسبته إلى الشهرة ( بل عن المنتهى وجامع المقاصد : انه محرم اجماعا ، لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله : الواشمة والموتشمة ) الوشم غرز الابر في مكان من الجسم ثم صب شيء من اللون في المكان المغروز لأجل الزينة : ويقال له بالفارسية « خال » ( والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد ) .

وظاهر اللعن التلازم مع الحرمة ، وان لم يكن ملازما عقليا ولا ملازما في كثير من الروايات التي وردت بلفظ اللعن ، نحو لعن الله من اكل زاده وحده ، ومن ركب الفلاة وحده ، ومن نام في سطح بدون محجر .

( وفي النبوي المحكى عن معاني الأخبار : لا تناجشوا ولا تدابروا ، قال : ) الصدوق ( ومعناه ان يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد

ص: 376

شرائها ليسمع غيره ، فيزيد بزيادته ، والناجش خائن ، والتدابر الهجران انتهى كلام الصدوق .

والظاهر : ان المراد بزيادة الناجش مواطاة البائع المنجوش له .

_________________________

شرائها ) وانما يزيد ( ليسمع غيره ، فيزيد ) ذلك الغير ( بزيادته ) اى بسبب زيادة هذا .

قال الصدوق : ( والناجش خائن ) لأنه قسم من الخيانة عرفا ( والتدابر ) المنهى عنه في الحديث ( الهجران ، انتهى كلام الصدوق ) .

ولا يبعد ان يكون ذلك فيما إذا لم يكن الناجش قاصدا الاحسان ، بان كان مال يتيم ، أو ما أشبه ، وإذا لم يزد هو لا يصل إلى قيمته المعتادة .

( والظاهر : ان المراد بزيادة الناجش مواطاة البائع المنجوش له ) صفة البائع ، اى يواطى الناجش البائع في الامر .

لكن لا يخفى ما في هذا الاستظهار ، بل الاطلاق محكم ، فإذا كان لم يواط لكن الناجش كان عدوا لمن يريد اشترائه فزاد لأجل تضرير المشترى كان داخلا في النجش .

وانما استظهر المصنف ره هذا لما هو معلوم من حالة الدلالين في سوق الهرج ، من أنهم يزيدون لأجل ايصال القيمة إلى القيمة العادلة بدون تواطؤ .

لكن قد عرفت وجه خروج هذه الصورة عن الاطلاق ، فلا وجه لاخراجها بسبب آخر ليس الحديث ظاهرا فيه .

ص: 377

. . . . . . . . . .

_________________________

ثم إنه لو زاد بقصد الاشتراء ثم بدا له ، لم يكن ناجشا .

والظاهر عدم الفرق - بعد استفادة المناط - بين ان يكون بيعا أو شراء أو مساقاة ، أو مزارعة ، أو جعالة ، أو رهنا ، أو غيرها .

كما أن الظاهر من المناط المستفاد عرفا : ان النكاح أيضا كذلك .

فإذا قال أب البنت : انى أزوجها ممن يزيد في المهر - مثلا - كان من يزيد بدون إرادة الزواج ناجشا .

ص: 378

مسئلة : إذا دفع انسان إلى غيره مالا ، ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم

ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون الدافع ، كمال الامام أو ردّ المظالم المدفوع إلى الحاكم فله صور .

إحداها : ان يظهر قرينة على عدم جواز رضاه بالاخذ منه ،

_________________________

( مسألة : إذا دفع انسان إلى غيره مالا ، ليصرفه في قبيل ) اى جماعة ( يكون المدفوع إليه ) المال ( منهم ) اى من أولئك القبيل .

كما إذا دفع زيد إلى فقير مالا ليصرفه في الفقراء ( ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون ) الولاية التي أعطاها ( الدافع ) إليه

كما لو كان المال لزيد ، وأراد اعطائه صدقة ، إذ الآخذ لا ولاية له على أموال الناس .

اما إذا كان للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال ( كمال الامام أو ردّ المظالم المدفوع إلى الحاكم ) الشرعي .

إذ الحاكم له ولاية على هذين المالين من دون الولاية التي اكتسبها من الدافع ، فهو مسألة أخرى .

والحاصل : ان المدفوع إليه قد تكون له الولاية ، وقد لا تكون له الولاية ، والكلام الآن فيما إذا لم تكن للمدفوع إليه الولاية ( فله صور )

( إحداها : ان يظهر ) الدافع ( قرينة على عدم جواز رضاه بالاخذ منه ) اى باخذ المدفوع إليه من المال .

ص: 379

كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده .

ولا اشكال في عدم الجواز ، لحرمة التصرف في مال الناس على غير الوجه المأذون فيه .

الثانية : ان تظهر قرينة حالية أو مقالية على جواز اخذه منه مقدارا مساويا لما يدفع إلى غيره ، أو انقص أو أزيد

_________________________

اما صريحا كان يقول : اعط كل هذه المائة للفقراء ولا تأخذ منه شيئا

واما ظهورا ( كما إذا عين له ) اى للمدفوع إليه ( منه ) اى من ذلك المال ( مقدارا قبل الدفع أو بعده ) كما إذا قال له : أعطيك مائة ، عشرة لك ، والبقية للفقراء .

أو أعطاه أو لا المائة ، ثم قال ذلك ، فان تخصيصه قدرا من المال للآخذ ظاهر في ان الدافع لا يريد ان يأخذ أزيد من ذلك القدر .

( ولا اشكال ) في هذه الصورة ( في عدم الجواز ، لحرمة التصرف في مال الناس على غير الوجه المأذون فيه ) الا إذا علمنا بان الامر على نحو الخطاء في التطبيق .

كما أنه يريد ان يكون لكل فقير في غاية الفقر عشرون ، ولكل فقير عادى عشرة ، وشخّص ان المدفوع إليه فقير عادى ولذا جعل له عشرة فإنه يحتمل ان يجوز له ان يأخذ العشرة الأخرى ، حينئذ .

( الثانية ) من الصور ( ان تظهر قرينة حالية أو مقالية على جواز اخذه منه ) اى اخذ المدفوع إليه من المال ( مقدارا مساويا لما يدفع إلى غيره ، أو انقص أو أزيد ) كارادته اعطاء عشرة لكل فقير ، وعشرة أو خمسة

ص: 380

ولا اشكال في الجواز حينئذ الا انه قد يشكل الامر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلى الأصناف المختلفة كان عين للمجتهدين مقدارا ، وللمشتغلين مقدارا ، واعتقده الدافع ، بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه

والتحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه ان كان عنوان الصنف على وجه الموضوعية .

كان يقول : ادفع إلى كل مشتغل كذا ، وإلى كل مجتهد كذا ، وخذ أنت ما يخصك

_________________________

عشر لنفس المدفوع إليه .

( ولا اشكال في الجواز حينئذ ) لان المالك سلطه على ماله ( الا انه قد يشكل الامر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلى الأصناف المختلفة كان عين ) الدافع ( للمجتهدين مقدارا ) كان قال اعط كل مجتهد عشرة ( وللمشتغلين مقدارا ) كخمسة مثلا ( واعتقده الدافع ، بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه ) كان اعتقد الدافع ان المدفوع إليه مشتغل ، واعتقد المدفوع إليه ان نفسه مجتهد ، فهل يجوز له ان يأخذ عشرة أم لا .

( والتحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه ان كان عنوان الصنف ) الّذي عنونه المعطى ( على وجه الموضوعية ) بان يكون الموضوع للمقدار هو العنوان وحده من غير مدخلية لاعتقاد الدافع .

( كان يقول ) الدافع ( ادفع إلى كل مشتغل كذا ) خمسة ( وإلى كل مجتهد كذا ) عشرة ( وخذ أنت ما يخصك ) وقد كان معتقدا انه مشتغل والحال ان المدفوع إليه يعلم نفسه مجتهدا من غير فرق بين ان يكون

ص: 381

وان كان على وجه الداعي ، بان كان عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك المقدار ، كان المتّبع اعتقاد الدافع ، لان الداعي انما يتفرع على الاعتقاد ، لا الواقع .

الثالثة : ان لا يقوم قرينة على أحد الامرين

_________________________

اعتقاد المدفوع إليه انقص أو أزيد .

( وان كان ) عنوان الصنف ( على وجه الداعي ، بان كان عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك المقدار ، كان المتبع اعتقاد الدافع ) فلا يجوز للآخذان يعمل حسب اعتقاد نفسه ( لان الداعي انما يتفرع على الاعتقاد ، لا الواقع ) .

فان الانسان إذا اعتقد شيئا حدث فيه الداعي على عمل خاص سواء كان اعتقاده مطابقا للواقع ، أم لا .

مثلا : إذا اعتقد بان ضيوفه يبقون إلى وقت الغذاء ، حدث فيه الداعي إلى اشتراء الطعام لهم ، سواء بقي الضيوف في الواقع أم ذهبوا قبل وقت الغذاء .

وعليه فإذا اشترى الطعام لم يكن له ان يرده على صاحب الطعام إذا علم بأنهم لا يبقون .

اما إذا كان الاشتراء متفرعا على واقع بقائهم ، كان كلا اشتراء .

نعم في صورة الداعي إذا شرط ، أو بنى البيع على بقاء الضيوف ، كان له فسخ المعاملة حين تبين عدم بقائهم .

( الثالثة ) من الصور ( ان لا تقوم قرينة على أحد الامرين ) اخذ

ص: 382

ويطلق المتكلم وقد اختلف فيه كلماتهم ، بل كلمات واحد منهم .

فالمحكى عن وكالة المبسوط وزكاة السرائر ، ومكاسب النافع ، وكشف الرموز والمختلف ، والتذكرة ، وجامع المقاصد : تحريم الاخذ مطلقا .

وعن النهاية ، ومكاسب السرائر ، والشرائع ، والتحرير ، والارشاد والمسالك ، والكفاية : انه يجوز له الاخذ منه ان اطلق ، من دون زيادة على غيره .

ونسبه في الدروس إلى الأكثر ، وفي الحدائق إلى المشهور وفي

_________________________

المدفوع إليه من المال ، أو عدم اخذه من المال ( ويطلق المتكلم ) الدافع ، الكلام بحيث يمكن ان يحمل الاطلاق على كلا الامرين ( وقد اختلف فيه كلماتهم بل كلمات ) فقيه ( واحد منهم ) فافتى مرة بفتيا ، ومرة أخرى بفتيا مخالفة للأولى .

( فالمحكى عن وكالة المبسوط وزكاة السرائر ، ومكاسب النافع ، وكشف الرموز والمختلف ، والتذكرة ، وجامع المقاصد : تحريم الاخذ ) اى اخذ الدافع من هذا المال المدفوع إليه ( مطلقا ) في مقابل التفصيل الآتي .

( وعن النهاية ، ومكاسب السرائر ، والشرائع ، والتحرير ، والارشاد والمسالك ، والكفاية : انه يجوز له الاخذ منه ) اى من المال ( ان اطلق ) الدافع الكلام اخذا بقدر من سواه ( من دون زيادة على غيره ) فإذا اعطى كل واحد دينارا لم يجز له اخذ دينارين لنفسه .

( ونسبه في الدروس إلى الأكثر و ) نسبه ( في الحدائق إلى المشهور وفي

ص: 383

المسالك هكذا شرط كل من سوّغ له الاخذ .

وعن نهاية الاحكام ، والتنقيح ، والمهذب البارع ، والمقنعة الاقتصار على نقل القولين .

وعن المهذب البارع : حكاية التفصيل بالجواز ان كان الصيغة بلفظ - ضعه فيهم - أو ما أدّى معناه والمنع ان كانت بلفظ - ادفعه -

وعن التنقيح عن بعض الفضلاء : انه ان قال : هو للفقراء جاز ، وان

_________________________

المسالك ) قال ( هكذا ) اى الاخذ بقدر غيره ( شرط كل من سوّغ له الاخذ ) قالوا لأنه يتعارض ظهور « اعطه للعالم » مثلا في المغايرة بين المعطى والمعطى له مع الظهور العرفي ، في ان العالم تمام الموضوع ، لكن الثاني مقدم على الأول ، ولذا يجوز ان يأخذ المدفوع إليه من المال .

( وعن نهاية الاحكام ، والتنقيح ، والمهذب البارع ، والمقنعة الاقتصار على نقل القولين ) القول بجواز الاخذ ، والقول بعدم جواز الاخذ

( وعن المهذب البارع : حكاية التفصيل بالجواز ) اى جواز اخذ المدفوع إليه من المال ( ان كان الصيغة ) التي قالها الدافع ( بلفظ ضعه فيهم - أو ما أدّى معناه ) اى مثل هذا المال لهم ، أو عائد إليهم ( والمنع ان كانت ) الصيغة ( بلفظ - ادفعه - ) إليهم لأنه لا ظهور للصيغة الأولى في المغايرة بين الدافع والمدفوع ، بخلاف الصيغة الثانية .

( وعن التنقيح عن بعض الفضلاء : انه ان قال ) المعطى ( هو للفقراء جاز ) ان يأخذ هو منه ( وان

ص: 384

قال : اعطه للفقراء ، فان علم فقره لم يجز ، إذ لو اراده ، لخصّه ، وان لم يعلم جاز .

احتج القائل بالتحريم مضافا إلى ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم المؤيّد بما قالوه في من وكلته امرأة ان يزوجها من شخص ، فزوجها من نفسه .

أو وكله في شراء شيء فأعطاه من عنده ، مصححة

_________________________

قال : اعطه للفقراء ، فان علم ) الدافع ( فقره ) اى فقر المدفوع إليه ( لم يجز ) اخذه منه ( إذ لو اراده ) الدافع بان أراد ان يأخذ المدفوع إليه من المال ( لخصّه ) اى ذكره لفظيا ، بان قال : اعطه للفقراء وخذ أنت حصة منه ، حيث إنك فقير ( وان لم يعلم ) الدافع فقر المدفوع إليه ( جاز ) ان يأخذ المدفوع إليه بعض المال .

( احتج القائل بالتحريم ) اى تحريم اخذ المدفوع منه من المال ( مضافا إلى ظهور اللفظ ) اى لفظ - ادفعه - ( في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم ) .

فان الظاهر لدى العرف : ان المأمور واسطة محضة ، لا انه واسطة وآخذ - معا - ( المؤيّد ) هذا الظهور ، و « المؤيد » بصيغة اسم المفعول ( بما قالوه في من وكلته امرأة ان يزوجها من شخص فزوجها من نفسه ) حيث يبطل الزواج ، لان ظاهر التوكيل ان تزوّج من رجل غير الوكيل .

( أو وكله في شراء شيء فأعطاه ) الوكيل ( من عنده ) ب ( مصححة

ص: 385

ابن الحجاج المستندة في التحرير ، إلى مولانا الصادق عليه السلام ، وان أضمرت في غيره قال سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليصرفه في محاويج ، أو في مساكين ، وهو يحتاج ، أيأخذ منه لنفسه ؟ ولا يعلمه هو .

قال عليه السلام لا يأخذ شيئا ، حتى يأذن له صاحبه .

واحتج المجوزون بان العنوان المدفوع إليه شامل له .

والفرض الدفع إلى هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير ،

_________________________

ابن الحجاج ) متعلق ب « احتج » ( المستندة في ) كتاب ( التحرير ، إلى مولانا الصادق عليه السلام ، وان أضمرت في غيره ) اى دونوها في سائر الكتب مضمرة بدون اسناد إلى الإمام عليه السلام ( قال سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليصرفه في محاويج ، أو في مساكين وهو ) اى الآخذ ( يحتاج ، أيأخذ منه لنفسه ؟ ولا يعلمه هو ) بان يأخذ الآخذ بعض المال ولا يعلم صاحب المال بأنه اخذ بعض ماله .

( قال عليه السلام لا يأخذ شيئا ، حتى يأذن له صاحبه ) .

وظاهره النهى التحريمى ، المستتبع للوضع أيضا ، فان النهى في الماليات ظاهره الوضع ، وانه لو اخذ كان ضامنا .

( واحتج المجوزون ) لاخذ المدفوع إليه ( بان العنوان المدفوع إليه ) اى الّذي جعله الدافع معيارا للدفع إليه ، كالمسكين والفقير مثلا - ( شامل له ) اى للمدفوع إليه بنفسه ، لان الفرض انه مسكين مثلا

( والفرض الدفع إلى هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير ) فإنه لا خصوصية في انطباق لفظ المسكين ان يكون الآخذ غير

ص: 386

واللفظ وان سلّم عدم شموله له لغة الا ان المنساق عرفا صرفه إلى كل من اتصف بهذا العنوان .

فالعنوان موضوع لجواز الدفع ، يحمل عليه الجواز .

نعم : لو كان المدفوع إليهم اشخاصا خاصة ، وكان الداعي على الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور .

والرواية معارضة بروايات اخر ، مثل ما عن الكافي في

_________________________

المدفوع إليه ( واللفظ ) وهو قول المعطى : اعطه للمساكين ( وان سلم عدم شموله له ) اى للمدفوع إليه ( لغة ) لأن الظاهر المغايرة بين المعطى وهو الآخذ والمعطى له ( الا ان المنساق عرفا ) بقرينة فهم العرف عدم خصوصية لمسكين خاص ( صرفه إلى كل من اتصف بهذا العنوان ) كعنوان المسكين في المثال .

( فالعنوان موضوع لجواز الدفع ) ف ( يحمل عليه ) اى على هذا العنوان ( الجواز ) اى جواز الدفع .

والحاصل : ان القرينة العرفية قائمة على عدم خصوصية مسكين دون مسكين ، وحيث إن الآخذ مسكين أيضا ، جاز له ان يأخذ من المال

( نعم : لو كان المدفوع إليهم اشخاصا خاصة ) بان كان الموضوع هو الشخص ، لا العنوان ( وكان الداعي على الدفع ) إليهم ( اتصافهم بذلك الوصف ) كوصف المسكنة في المثال ( لم يشمل ) العنوان ( المأمور ) الّذي اعطى له المال ليوزعه .

( والرواية ) الناهية ( معارضة بروايات اخر ، مثل ما عن الكافي في

ص: 387

الصحيح عن سعد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطى الزكاة يقسّمه في أصحابه ، أيأخذ منه شيئا ؟ قال عليه السلام : نعم

وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم في رجل اعطى مالا يفرقه ممن يحل له ، أيأخذ شيئا لنفسه ؟ وان لم يسم له ، قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطى غيره .

_________________________

الصحيح عن سعد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطى الزكاة يقسمه في أصحابه ، أيأخذ منه شيئا ؟ ) والاتيان بضمير المذكر لعوده إلى المال المفهوم من لفظ « الزكاة » ( قال عليه السلام نعم ) يأخذ منه .

( وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن ) وكونه حسنا لا صحيحا ( ب ) سبب وجود ( ابن هاشم ) في السند .

لكنا حققنا في الرجال انه من طراز الصحيح ، كما ذكره الفقيه الهمداني ره أيضا في مصباح الفقيه ( في رجل اعطى مالا ) لرجل حتى ( يفرقه ممن يحل له ) ذلك المال كان أعطاه زكاة ليفرقها في الفقراء ، أو أعطاه سهم سادة ليفرقه في السادة مثلا ( أيأخذ ) المدفوع إليه ( شيئا لنفسه ؟ وان لم يسم له ) اى لم يسم الآخذ نفسه للدافع بان لم يقل له انى آخذ بعضه لنفسي ، أو المراد لم يسمّ الدافع ، اسم المدفوع إليه ( قال :

يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطى غيره ) .

والظاهر من لفظ المثل ، المثلية في الكمية ، فإذا اعطى غيره دينارا اخذ لنفسه دينارا أيضا ، لا المثلية في الاخذ ، فليس المعنى

ص: 388

وصحيحة ابن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطى الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها ، وهو ممن يحل له الصدقة ، قال عليه السلام : لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ، ولا يجوز له ان يأخذ إذا امره ان يضعها في مواضع مسماة ، الا باذنه .

والّذي ينبغي ان يقال :

_________________________

يأخذ لنفسه كما يعطى لغيره حتى يكون المأخوذ من حيث الكمية مهملا في الرواية .

( وصحيحة ابن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطى الرجل الدراهم ) ل ( يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ) اى الآخذ للدراهم ( ممن يحل له الصدقة ) فهل يجوز له ان يأخذ من تلك الدراهم ؟ ( قال عليه السلام ) نعم ( لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ، ولا يجوز له ان يأخذ ) لنفسه ( إذا امره ان يضعها ) الدراهم ( في مواضع مسماة ، الا ) آخذا ( باذنه ) فإنه لا يجوز التعدي عن نصّ المعطى .

( والّذي ينبغي ان يقال ) انه ان كان هناك ظهور في أحد الامرين اى الاخذ وعدم الاخذ ، فالمتبع هو الظهور فيما لم يكن هناك علم بعدم إرادة المعطى الظاهر .

وان لم يكن هناك ظهور فاللازم ان لا يأخذ الدافع لنفسه شيئا لأصالة حرمة التصرف في مال الغير .

فهناك ثلاثة أمور ، العلم وهو متبع مطلقا ، ثم الظهور العرفي ، وهو

ص: 389

اما من حيث دلالة اللفظ الدال على الاذن في الدفع والصرف فان المتبع الظهور العرفي ، وان كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره .

كما أن الظهور الخارجي الّذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم على الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن .

_________________________

أيضا متبع مطلقا ، ثم اصالة حرمة التصرف في مال الغير هذا في مقام الثبوت .

اما مقام الاثبات فالظاهر : ان الغالب وجود القرائن الدالة على إرادة العنوان المنطبق على الاخذ أيضا .

( اما من حيث دلالة اللفظ الدال على الاذن في الدافع ) إلى العنوان المأخوذ موضوعا كعنوان المسكين مثلا ( والصرف ) للمال فيهم ( فان المتبع الظهور العرفي وان كان ) اللفظ ( ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره ) فقول المعطى ادفع المال إلى المساكين ظاهره اللغوي كون الدافع غير المدفوع إليه

اما ظهوره العرفي انه يخص المسكين ، سواء كان الآخذ أو غيره .

( كما أن الظهور الخارجي ) المستفاد بمعونة الخارج ، لا المستفاد من نفس الكلام الملقى إلى العرف ( الّذي يستفاد من القرائن الخارجية ) كاستفادة ان المراد بالمسكين ، في المثال ، مسكين الشيعة ، لا مطلق المساكين ، والقرينة كون المعطى شيعيا لا يلائم ذوق السنة مثلا ( مقدم على الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن ) .

وسرّ تقديم بعض هذه الصور على بعض ، هو العرف المحكم في

ص: 390

ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد .

فالأولى حمل الاخبار المجوزة على ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له ، من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر .

وحمل الصحيحة المانعة السابقة .

_________________________

باب الظهورات ، بدليل : ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ، ودليل :

انا معاشر الأنبياء أمرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم .

( ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة ) بان يترك قاعدة : الناس مسلطون على أموالهم ، فلا يكون لتعيين المعطى اثر أصلا .

فمثلا : المعطى يريد اعطاء ماله للمساكين ، ولا يريد اعطاء شيء منه للآخذ ، لكن الشارع يتعبد بجواز اخذ المعطى له المال ، أو بالعكس ( لا يخلو عن بعد ) إذ التعبد خلاف المستفاد من ظاهر الروايات الواردة في المسألة التي ظاهرها ان الإمام عليه السلام يريد بيان اتباع الظهور العرفي الكاشف عن قصد المعطى .

( فالأولى ) تعينيا ( حمل الاخبار المجوزة ) لاخذ المعطى له شيئا من المال ( على ما إذا كان غرض المتكلم ) المعطى ( صرف المدفوع في العنوان المرسوم له ) اى العنوان الّذي رسمه ، وبيّنه للمعطى له كعنوان المسكين ، مثلا ( من غير تعلق الغرض ) اى غرض المعطى ( بخصوص فرد دون ) فرد ( آخر ) اما إذا تعلّق غرضه بما عدا المعطى له ، فلا يجوز له الاخذ منه .

( وحمل الصحيحة المانعة السابقة ) عن اخذ المعطى له من المال شيئا

ص: 391

على ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور ، فامرها بالدفع إلى مساكين على وجه يكون المسكنة داعيا إلى الدفع ، لا موضوعا .

ولما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع على الرضا بوصول شيء من المال إليه .

ثم على تقدير المعارضة ، فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ لأن الشك بعد

_________________________

( على ما إذا لم يعلم الآمر ) اى المعطى ( بفقر المأمور ، فامرها بالدفع إلى مساكين على وجه يكون المسكنة داعيا إلى الدفع ، لا موضوعا ) إذ لو كان موضوعا جاز اخذ المعطى له أيضا ، لتحقق الموضوع الّذي تعلق به امر الدافع .

( ولما لم يعلم ) المعطى ( المسكنة في المأمور ) المدفوع إليه ( لم يحصل داع على الرضا بوصول شيء من المال إليه ) .

والحاصل : ان يكون تعيينه على وجه التقييد لا على وجه الخطاء في التطبيق ، هذا هو الجمع الّذي اختاره المصنف .

وجمع بعض آخر الروايتين بحمل الناهية على الكراهة ، إذ كون الروايات على القاعدة خلاف ما ذكروه من اصالة التأسيس في الروايات ، فإنه على ما ذكره المصنف تكون الروايات تأكيدا لا تشريعا .

( ثم على تقدير المعارضة ) بين الروايات ( فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ ) الّذي قاله الدافع ، لان الروايات تتساقط بعد المعارضة كما هي القاعدة في الحجتين المتعارضتين على ما ذكروا ( لأن الشك بعد

ص: 392

تكافؤ الاخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي .

ولو لم يكن للفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ الرجوع إلى المنع .

إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذن من المالك أو الشارع .

_________________________

تكافؤ الاخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي ) فان ظاهر كلام المتكلم يتّبع ما لم يكن هناك صارف شرعي يوجب حمل كلامه على خلاف ظاهره .

فإذا كان هناك صارف شرعي ، فالمتبع هو ظهور كلامه لأصالة حجية الظهور .

( و ) اما ( لو لم يكن للفظ ظهور ) عرفى ( فالواجب بعد التكافؤ ) بين الروايات ( الرجوع إلى المنع ) فلا يأخذ آخذ المال منه لنفسه شيئا .

( إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذن من المالك أو الشارع ) والمفروض فقد كليهما فالمتبع أوّلا ، الرواية ، ثم الظهور العرفي ، ثم المنع .

ص: 393

مسئلة : احتكار الطعام

وهو - كما في الصحاح وعن المصباح - جمع الطعام ، وحبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته .

وقد اختلف في حرمته فعن المبسوط ، والمقنعة ، والحلبي في كتاب المكاسب والشرائع ، والمختلف : الكراهة .

وعن كتب الصدوق والاستبصار ، والسرائر ، والقاضي ، والتذكرة والتحرير ، والايضاح والدروس وجامع المقاصد ، والروضة : التحريم

وعن التنقيح ، والميسية تقويته ، وهو الأقوى بشرط عدم باذل الكفاية

_________________________

( مسألة : احتكار الطعام وهو - كما في الصحاح وعن المصباح - جمع الطعام ) ولو جمعا قليلا ( وحبسه ) عن البيع ونحوه ( يتربص به الغلاء ) بفتح الغين ( لا خلاف في مرجوحيته ) « لا خلاف » خبر « احتكار »

( وقد اختلف في حرمته ) وكراهته ( فعن المبسوط ، والمقنعة ، والحلبي في كتاب المكاسب والشرائع ، والمختلف : الكراهة ) مطلقا .

( وعن كتب الصدوق والاستبصار ، والسرائر ، والقاضي ، والتذكرة والتحرير ، والايضاح ، والدروس وجامع المقاصد ، والروضة :

التحريم ) مطلقا .

( وعن التنقيح ، والميسية تقويته ) اى قالا : الأقوى التحريم ( وهو الأقوى ) لكن لا مطلقا بل ( بشرط عدم باذل الكفاية ) فإن كان هناك تاجر يبذل الطعام بقدر كفاية الناس لم يحرم على هذا التاجر الاحتكار

ص: 394

لصحيحة سالم الحناط ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : ما عملك ؟ قلت حنّاط وربما قدمت على نفاق وربما قدمت على كساد فحبست ، قال عليه السلام : فما يقول من قبلك فيه ، قلت : يقولون يحتكر ، قال يبيعه أحد غيرك ، قلت : ما أبيع انا من الف جزء جزءا قال عليه السلام لا بأس ،

_________________________

والا حرم عليه .

وانما نقول : بالتحريم في هذه الصورة ( لصحيحة سالم الحنّاط ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : ما عملك ؟ قلت حنّاط ) أبيع الحنطة ( وربما قدمت على نفاق ) يقال نفق السوق إذا راج ( وربما قدمت على كساد فحبست ) اى حبست الطعام عن البيع .

والظاهر أن المراد بالنفاق والكساد وجود الطعام كثيرا وعدم وجوده كثيرا ، لا ان المراد رواج السوق وكساده .

وانما استظهرنا ذلك ، بقرينة « فحبست »

ويمكن ان يراد كساد السوق عن الاشتراء فاحبس الطعام حتى يروج ، لكن هذا الاحتمال بعيد ( قال عليه السلام : فما يقول من قبلك ) من في بلدك من فقهاء العامة ( فيه ) اى في هذا الحبس ( قلت : يقولون يحتكر ) .

ويمكن ان يكون المراد ب « من قبلك » الناس ، اى فما يسميه الناس ( قال ) ع ، هل ( يبيعه أحد غيرك ، قلت ) نعم ، فانى ( ما أبيع انا من الف جزء جزءا ) فهناك تجار كثيرون يبيعون الطعام نسبتي إليهم ، أقل من نسبة الواحد إلى الألف ( قال عليه السلام : لا بأس ) إذا بهذا الحبس ،

ص: 395

انما كان ذلك رجل من قريش ، يقال له حكيم بن حذام وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له يا حكيم بن حذام إياك ان تحتكر .

فان الظاهر منه ان علة عدم البأس وجود الباذل ، فلو لاه حرم .

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : انه سئل عن الحكرة ، فقال : انما الحكرة ان يشترى طعاما ، وليس في المصر طعام غيره فتحتكره ، فإن كان في المصر طعام غيره

_________________________

لأنه ليس احتكارا ، و ( انما كان ذلك ) الاحتكار المنهى عنه المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله : غير مثل هذا الّذي أنت فيه ، إذ كان ( رجل من قريش ، يقال له حكيم بن حذام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقال له يا حكيم بن حذام إياك ان تحتكر ) ولست أنت أيها السائل مثل حكيم .

( فان الظاهر منه ) اى من جواب الإمام عليه السلام بإجازة حبسه الطعام ( ان علة عدم البأس وجود الباذل ) للطعام ، فلا يبقى الناس بلا طعام ( فلو لاه ) اى الباذل ( حرم ) الحبس ، وهذا هو سبب ما فصلناه في المسألة .

( وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : انه سئل ) - بصيغة المجهول - ( عن الحكرة ) بالضم ، اى الاحتكار ( فقال : انما الحكرة ان يشترى طعاما ، وليس في المصر طعام غيره ) اى غير هذا الطعام ( فتحتكره ، فإن كان في المصر طعام غيره ) اى غبر الطعام الّذي

ص: 396

فلا بأس ان يلتمس بسلعتك الفضل .

وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي ، والتهذيب قال : وسألته عن الزيت قال : ان كان عند غيرك ، فلا بأس بامساكه .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك الأشتر ، فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه وليكن البيع بيعا سمحا في موازين عدل لا يجحف بالفريقين ، البائع والمبتاع .

_________________________

عندك ( فلا بأس ان يلتمس ) وتطلب ( بسلعتك الفضل ) والزيادة .

( وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي والتهذيب ) هذه الجملة ( قال : وسألته عن الزيت ) هل يجوز احتكاره ، أم لا ؟ ( قال : ان كان عند غيرك ، فلا بأس بامساكه ) .

والمراد عند غيرك ممن يبيع ، والا فمجرد العندية لا يوجب عدم البأس ، وذلك لوضوح ان الحكمة عدم خلو السوق .

( وعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك الأشتر ) حين ولاه مصر ( فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه ) وظاهر المنع النهى التحريمى ( وليكن البيع بيعا سمحا ) مقابل التصعب في المعاملة .

وهذا امر ارشادي بدليل القرائن الخارجية ( في موازين عدل ) لا موازين ناقصة ( لا يجحف ) ولا يضر الميزان ( بالفريقين البائع والمبتاع ) اى المشترى فإن كان الميزان غير مستقيم ، فاما ان يزيد فيجحف بالبائع ،

ص: 397

فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه ، فنكّل به وعاقب غير اسراف .

وصحيحة الحلبي ، قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام ، ويتربص به هل يصلح ذلك ؟ قال : ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به ، وان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره ان يحتكر ، وترك الناس ليس لهم طعام .

فان الكراهة في كلامهم عليهم السلام ، وان كان يستعمل في المكروه والحرام ، الا ان في

_________________________

أو ينقص فيجحف بالمشترى ( فمن قارف ) وارتكب ( حكرة بعد نهيك إياه ) لان نهيه موجب لوصول الحكم وقبل الوصول لا عقاب فإنه : رفع ما لا يعلمون ( فنكل به ) التنكيل العقاب المخزى ( وعاقب في غير اسراف ) في العقاب مما يرتكبه السلطان لأجل التشفي واطفاء الغيظ .

( وصحيحة الحلبي ، قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام ويتربص به ) اى ينتظر به الزيادة ( هل يصلح ذلك ؟ ) ويجوز أم لا ؟ ( قال :

ان كان الطعام كثيرا يسع الناس ) حتى إذا احتكر هذا تمكن الناس من شراء الطعام من غيره ( فلا بأس به ، وان كان الطعام قليلا لا يسع الناس ) فان احتكر ، وقع الناس في ضيق ( فإنه يكره ان يحتكر ، وترك الناس ليس لهم طعام ) والكراهة يراد بها التحريم في هذا المقام بالقرينة الخارجية .

( فان الكراهة في كلامهم عليهم السلام ، وان كان يستعمل في المكروه والحرام ) وعليه يكون اللفظ مجملا فيرجع فيه إلى أصالة الجواز ( الا ان في

ص: 398

تقييدها بصورة عدم باذل غيره ، - مع ما دل على كراهة الاحتكار مطلقا - قرينة على إرادة التحريم .

وحمله على تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفى .

وان شئت قلت : ان المراد بالبأس في الشرطية الأولى التحريم ،

_________________________

تقييدها ) اى الكراهة ( بصورة عدم باذل غيره ) حيث إن الظاهر من هذا الحديث انه « ان كان باذل فلا يكره » و « ان لم يكن باذل فيكره » .

وحيث نعلم من الخارج كراهة الاحتكار ولو كان هناك باذل فاللازم ان نحمل الكراهة على الحرمة ، حتى يستقيم الشقين ، ويكون المعنى ان كان باذل لا يحرم ، وان لم يكن باذل يحرم ( - مع ما دل على كراهة الاحتكار مطلقا - ) سواء كان باذل ، أم لا ( قرينة على إرادة التحريم ) من الكراهة .

( و ) ان قلت : يمكن ان يكون التقسيم باعتبار شدة الكراهة في صورة عدم البذل وأصل الكراهة في صورة البذل .

قلت : ( حمله ) اى « يكره » في الرواية ( على تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره ) اى ظاهر أصل الكراهة ، لا تأكيدها .

وحيث لا تخص الكراهة بصورة واحدة ، فاللازم حمل « يكره » على معنى الحرمة ( كما لا يخفى ) بأدنى تأمل .

( وان شئت قلت ) في بيان وجه حملنا للفظ « يكره » في الرواية على التحريم ( ان المراد بالبأس في الشرطية الأولى ) في قوله عليه السلام « فلا بأس به » ( التحريم ) اى لا تحريم فيه

ص: 399

لان الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا فالشرطية الثانية كالمفهوم لها .

ويؤيّد التحريم ما عن المجالس ، بسنده عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أيما رجل اشترى طعاما فحبسه أربعين صباحا ، يريد به الغلاء للمسلمين ثم باعه وتصدق بثمنه ، لم يكن كفارة لما صنع وفي السند بعض بنى فضال

والظاهر أن الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه السلام

_________________________

( لان الكراهة ثابتة في هذه الصورة ) الأولى ( أيضا ) فلا يمكن ان يراد بالبأس الكراهة ( فالشرطية الثانية كالمفهوم لها ) اى للشرطية الأولى ومفهوم انه لا حرمة ، يقتضي أن تكون فيه الحرمة .

( ويؤيّد التحريم ) للاحتكار ، لا الكراهة ( ما عن المجالس ، بسنده عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيما رجل اشترى طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين ) إذ الاحتباس انما يكون لرجاء الغلاء ( ثم باعه وتصدق بثمنه ، لم يكن كفارة لما صنع ) .

وانما كان مؤيدا أولا : لضعف السند .

وثانيا : لان الكفارة لا تدل على التحريم ، إذ كثيرا ما ثبتت الكفارة لما ليس بمكروه ، فكيف بالحرام كما في باب الحج وغيره ، نعم له ظهور عرفى ( وفي السند بعض بنى فضال ) الذين كانوا منحرفين .

( والظاهر ) من أن لهم كتبا ( ان الرواية ) المذكورة ( مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه السلام

ص: 400

عند سؤاله عنها : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا ، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم ، فيستغنى بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند .

وقد ذكرنا ان هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الاجماع الّذي ادعاه الكشي ، على تصحيح ما يصح عن جماعة .

_________________________

عند سؤاله عنها : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ) فان فساد رأيهم وعقيدتهم لا يوجب سقوطهم عن الوثاقة ، لكن لا يخفى ما في هذا الظهور الّذي ادعاه المصنف ( ففيه ) اى في كلام العسكري عليه السلام ( دليل على اعتبار ما في كتبهم ، فيستغنى بذلك ) اى بالاعتبار المستفاد من كلام الإمام عليه السلام ( عن ملاحظة من قبلهم في السند ) .

لكن ربما يقال : ان المراد بالرواية ترك عقيدتهم ، فاخذ رواياتهم لا يراد به كل رواياتهم بل رواياتهم بالموازين الشرعية .

والحاصل : انه موجبة جزئية ، فلا يدل على حجية كل رواياتهم .

( وقد ذكرنا ) في بعض المناسبات ( ان هذا الحديث ) عن العسكري عليه السلام ( أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء ) اى قبل بنى فضّال : اى الوسائط بينهم وبين الأئمة عليهم السلام ( من الاجماع ) متعلق ب « أولى » ( الّذي ادعاه الكشي ، على تصحيح ما يصح عن جماعة ) هم ثمانية عشر ، حيث أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، فلا ينظر في الراوي الّذي بينهم وبين الامام .

وانما كان أولى لان الاجماع غير معلوم كبرى وصغرى ، بخلاف

ص: 401

ويؤيّده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام من أنه ارسل عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام ، قال : اطلعت على النار ، فرأيت في جهنم واديا ، فقلت يا مالك لمن هذا ؟ قال : لثلاثة المحتكر ، والمدمنين للخمر ، والقوادين .

ومما يؤيّد التحريم ما دل على وجوب البيع عليه ، فان الزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما إذ الالزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة : سلطنة الناس على أموالهم .

_________________________

الحديث الوارد عن العسكري فإنه حجة ، لكنك قد عرفت ضعف دلالته

( ويؤيده ) اى تحريم الاحتكار ( أيضا ما عن الشيخ الجليل ) جد سيد بن طاوس ره ( الشيخ ورام ) صاحب المجموعة المعروفة .

ولا يخفى ان نقله عن الحسن البصري ونحوه غير ضارّ ، فان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها اين وجدها ( من أنه ارسل عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام ، قال : اطلعت على النار ، فرأيت في جهنم واديا ، فقلت يا مالك لمن هذا ؟ ) الوادي ( قال : لثلاثة : المحتكر والمدمنين للخمر ، والقوادين ) فان عد المحتكر في عداد الخمار والقواد وتوعيده بالنار دليل التحريم .

لكن لما كانت الرواية مرسلة كانت مؤيدة ، ولم تكن دليلا كما لا يخفى

( ومما يؤيّد التحريم ما دل على وجوب البيع عليه ، فان الزامه بذلك ) اى بالبيع ( ظاهر في كون الحبس محرما ) لا مكروها ( إذ الالزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة : سلطنة الناس على أموالهم ) إذ ظاهر

ص: 402

ثم إن كشف الابهام عن أطراف المسألة يتم ببيان أمور .

الأول : في مورد الاحتكار ،

فان ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة ، وبعض الأخبار المتقدمة اختصاصه بالطعام .

_________________________

السلطنة : انه لا يجبر على البيع ، والا لم تكن سلطنة الا إذا كان هناك معارض للسلطنة ، وليس المعارض امرا لا اقتضائيا ، كالمكروه ، بل امرا اقتضائيا كالحرام .

وانما كان هذا مؤيّدا ، لا دليلا ، إذ لا تلازم عقلا ولا شرعا بين وجوب البيع ، وبين حرمة الحبس .

اما عقلا : فلانه قد تحقق في موضعه انه ليس ضد كل شيء محكوما بضد حكم ذلك الشيء ، فإذا كان شرب الخمر حراما ، لم يكن ترك الشرب واجبا ، وإلا لزم ان يكون الشارب آتيا بحرام ، وتاركا لواجب ، والحال انه ليس كذلك .

واما شرعا : فلان تخصيص قاعدة السلطنة لمصلحة ، لا يلزم منه حرمة الحبس ، كما أن المجنون يباع ماله لصلاح حاله وليس بقاء المال عنده حراما

( ثم إن كشف الابهام عن أطراف المسألة ) اى مسألة الاحتكار ( يتم ببيان أمور )

الامر ( الأول : في مورد الاحتكار ) وان اى شيء يقع متعلقا للاحتكار المحرم أو المكروه ( فان ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة ، وبعض الأخبار المتقدمة اختصاصه بالطعام ) كقوله « عمن يحتكر الطعام » وغيره .

ص: 403

وفي رواية غياث بن إبراهيم ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وعن الفقيه زيادة الزيت .

وقد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة دخول الزيت أيضا .

وفي المحكى عن قرب الإسناد برواية أبى البختري ، عن علي عليه السلام قال : ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن .

وعن الخصال في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحكرة في ستة أقسام : الحنطة والشعير والتمر والزيت والزبيب والسمن .

_________________________

( وفي رواية غياث بن إبراهيم ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب و ) روى ( عن الفقيه زيادة الزيت ) على الأربعة المذكورة .

( وقد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة دخول الزيت أيضا ) ففي الزيت روايتان .

( وفي المحكى عن قرب الإسناد برواية أبى البختري ، عن علي عليه السلام قال : ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن )

ولعل السمن أعم من الزيت لان الزيت للزيتون فقط ، والسمن كل دهن ، سواء كان من الحيوان ، أو من الشجر .

( وعن الخصال في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحكرة في ستة أقسام : الحنطة والشعير والتمر والزيت والزبيب والسمن ) .

ص: 404

ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا ، وعن كشف الرموز ، وظاهر السرائر دعوى الاتفاق عليه ، وعن مجمع الفائدة نفى الخلاف فيه .

واما الزيت فقد تقدم في غير واحد من الاخبار ولذا اختاره الصدوق والعلامة في التحرير حيث ذكر : ان به رواية حسنة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني وعن إيضاح النافع ان عليه الفتوى .

واما الملح فقد ألحقه بها في المبسوط ، والوسيلة ، والتذكرة ، ونهاية

_________________________

ولا منافاة بين مفهوم الرواية الحاصرة في اربع أو خمس ، وبين غيرها لتقيد المفهوم بمنطوق ما ذكر فيها الزائد .

( ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا ، وعن كشف الرموز ، وظاهر السرائر دعوى الاتفاق عليه ، وعن مجمع الفائدة نفى الخلاف فيه ) .

( واما الزيت ) والمراد به خصوص ما يؤخذ من الزيتون لا دهن النبات مطلقا ( فقد تقدم في غير واحد من الاخبار ) ذكره ( ولذا اختاره ) اى اختار انه يتعلق به الحكرة ( الصدوق والعلامة في التحرير حيث ذكر ) العلامة ( ان به رواية حسنة ، والشهيدين والمحقق الثاني ) الكركي ( وعن إيضاح النافع ان عليه الفتوى ) فاللازم القول به ، للنص والاجماع المدعى وكفى بهما دليلا في المسألة

( واما الملح فقد ألحقه بها ) اى بالأجناس السابقة في تعلق الاحتكار به ( في المبسوط ، والوسيلة ، والتذكرة ، ونهاية

ص: 405

الاحكام ، والدروس ، والمسالك ولعله لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس .

الثاني : [ ما هو حد الاحتكار ]

روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : ان الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فملعون .

ويؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة .

_________________________

الاحكام ، والدروس ، والمسالك ولعله ) اى قولهم بالالحاق ( لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس ) والملح مما يحتاج إليه الناس .

ولكن فيه ، لو قلنا بهذا الفحوى لزم الحاق كل شيء ولا خصوصية للملح كما لا يخفى .

الامر ( الثاني : روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : ان الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب ) والسعة ( فصاحبه ) اى المحتكر ( ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فملعون ) بمعنى انه يحق له الاحتكار إلى أربعين أو إلى ثلاثة اما الزائد عليهما فلا يجوز .

( ويؤيدها ) اى يؤيد رواية السكوني ( ظاهر رواية المجالس المتقدمة ) حيث قال صلى الله عليه وآله : فحبسه أربعين صاحا ، الظاهر منه انه في حال الرخص والسعة .

ص: 406

وحكى عن الشيخ ، ومحكى القاضي ، والوسيلة العمل بها .

وعن الدروس : ان الأظهر تحريمه مع حاجة الناس ومظنتها لزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء ، وأربعين في الرخص ، للرواية انتهى

واما تحديده بحاجة الناس ، فهو حسن ، كما عن المقنعة وغيرها ويظهر من الأخبار المتقدمة .

واما ما ذكره من حمل رواية السكوني

_________________________

( وحكى عن الشيخ ، ومحكى القاضي ، والوسيلة العمل بها ) اى برواية السكوني .

( وعن الدروس : ان الأظهر تحريمه ) اى الاحتكار ( مع حاجة الناس ومظنتها ) اى العلم بالحاجة أو الظن بالحاجة ( الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء ، وأربعين في الرخص ، للرواية ) « الزيادة » متعلق ب « تحريمه » اى تحريمه زيادة .

ويمكن تفسير العبارة بغير هذا المعنى ، وعلى اى حال فهي غير مستقيمة ( انتهى ) كلام الدروس .

( واما تحديده ) اى تحديد الاحتكار المحرّم ( بحاجة الناس ، فهو حسن ، كما عن المقنعة وغيرها ) سواء كان أقل من ثلاثة ، أو أكثر من الأربعين .

( ويظهر ) هذا التحديد ( من الأخبار المتقدمة ) كصحيحة الحلبي وغيرها .

( واما ما ذكره من حمل رواية السكوني ) المحددة بالثلاثة وبالأربعين

ص: 407

عن بيان مظنة الحاجة فهو جيّد ، ومنه يظهر عدم دلالتها على التحديد بالعددين تعبدا .

الثالث : [ عدم حصر الاحتكار في شراء الطعام بل مطلق جمعه وحصره ]

مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة - في بادي النظر - حصر الاحتكار في شراء الطعام .

لكن الأقوى التعميم بقرينة تفريع قوله : فإن كان في المصر طعام .

_________________________

( عن بيان مظنة الحاجة ) اى ان المظنون ان الناس يحتاجون إلى الطعام خلال ثلاثة أيام في الشدة ، وخلال أربعين يوما في الرخص ولذا ذكرهما الإمام عليه السلام ، لا ان لهذين العددين خصوصية فالامر دائر مدار الحاجة لا مدار الأيّام ( فهو جيد ، ومنه ) اى من هذا الحمل ( يظهر عدم دلالتها ) اى رواية السكوني ( على التحديد بالعددين ) ثلاثة ، وأربعين ( تعبدا ) بل هو طريق إلى الحاجة .

الامر ( الثالث : مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ) حيث قال إن يشترى طعاما ( - في بادي النظر - ) بدون التأمّل في القرائن الخارجية ، والمناسبات المغروسة في أذهان العرف ( حصر الاحتكار في شراء الطعام ) لوجود لفظ « يشترى » .

( لكن الأقوى التعميم ) شراء كان أو غير شراء ( بقرينة تفريع قوله :

فإن كان في المصر طعام ) مما يدل على أن المعيار عدم العسر على الناس بسبب حفظه للطعام .

ومن المعلوم : ان وجود العسر وعدم العسر غير مرتبطين بشراء المحتكر الطعام أو زرعه له ارادته إياه - مثلا - .

ص: 408

ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه ، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والاحراز الا ان يراد جمعه في ملكه .

ويؤيّد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار ، بان يترك الناس ليس لهم طعام .

وعليه فلا فرق بين ان يكون ذلك

_________________________

( ويؤيد ذلك ) اى التعميم وعدم اختصاص الاحتكار بالشراء فقط ( ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه ) لا بخصوص الاشتراء ( سواء كان ) الجمع والحبس ( بالاشتراء أو بالزرع والحصاد ، والاحراز ) اى الحفظ ( الا ان يراد جمعه في ملكه ) اى كلام أهل اللغة في تفسير الاحتكار « بأنه جمع الطعام » عام شامل لكل قسم مما ذكرنا ، الا ان يراد بالجمع في كلامهم « جمعه » اى جمع الطعام ما في ملك الحابس ، بالاشتراء ، فإنه حينئذ لا يشمل جميع اقسام الجمع .

لكن هذه الإرادة خلاف ظاهر لفظ « الجمع » الشامل لكل اقسام الجمع .

( ويؤيد التعميم ) اى عموم الاحتكار لكل اقسام الجمع ، إرثا كان أو زرعا ، أو اشتراء ، أو غيرها ( تعليل الحكم ) بالنهى ( في بعض الأخبار ، بان يترك الناس ليس لهم طعام ) إذ في تلك الاقسام يكون الناس ليس لهم طعام .

( وعليه ) - بناء على التعميم - ( فلا فرق بين ان يكون ذلك )

ص: 409

من زرعه ، أو من ميراث ، أو يكون موهوبا له ، أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك ، فحبسه متربصا للغلاء

الرابع : اقسام حبس الطعام

كثيرة لان الشخص ، اما ان يكون قد حصل الطعام لحبسه ، أو لغرض آخر ، أو حصل له من دون تحصيل له

والحبس اما ان يراد منه نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في أنفسهم أو يريد به الغلاء وهو

_________________________

الاحتكار والحبس ( من زرعه ، أو من ميراث ، أو يكون ) الطعام ( موهوبا له ) اى للمحتكر ( أو كان قد اشتراه لحاجة ) شخصية ( فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك ، فحبسه متربصا ) ومنتظرا ( للغلاء ) .

لكن الظاهر أن يكون الطعام كثيرا ، لا ما إذا كان مثل حقة أو منّ أو ما أشبه ، فإنه لا يسمى في العرف احتكارا .

الامر ( الرابع : اقسام حبس الطعام كثيرة ) كلها أو جلها داخلة في الاحتكار ( لان الشخص ، اما ان يكون قد حصل الطعام لحبسه ، أو لغرض آخر ) ثم حبسه ، كما إذا حصله للضيافة ثم زاد عن الضيافة ، أو لم يضف وبقي الطعام فحبسه ( أو حصل له من دون تحصيل له ) كما إذا انتقل إليه بالإرث .

( والحبس اما ان يراد منه ) اى يريد المحتكر من حبسه الطعام ( نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في أنفسهم ) بان لا يكون لهم طعام فيمرضوا ويهزلوا جوعا .

( أو يريد به الغلاء ) للطعام حتى يبيعه بأكثر ( وهو ) احتكار يوجب

ص: 410

اضرارهم من حيث المال .

أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله وان حصل ذلك لغلاء عارضى لا يتضرر به أهل البلد ، كما يتفق وورود عسكر وزوار في البلاد ، وتوقفهم يومين أو ثلاثة فيحدث للطعام عزة لا تضر بأكثر أهل البلد .

وقد يريد بالحبس ، لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخرا .

_________________________

( اضرارهم من حيث المال ) وان لم يكن اضرارا بدنيا لهم .

( أو يريد به ) اى بالاحتكار ( عدم الخسارة من رأس ماله ) كما لو اشترى الطعام غاليا فإذا باع الآن تضرر ، وان احتكر حتى عز الطعام ليشترى منه برأس المال ، فلا يتضرر هو ، ولا يخسر من رأس ماله ( وان حصل ذلك ) الغلاء - يترقبه المحتكر - و « ان » وصلية ( لغلاء عارضى لا يتضرر به أهل البلد ، كما يتفق ورود عسكر وزوار في البلاد ، وتوقفهم يومين أو ثلاثة ) مثلا ( فيحدث للطعام عزة لا تضر ) تلك العزة ( بأكثر أهل البلد ) فإنه احتكار أيضا لصدقه عرفا فيتبعه الحكم الشرعي بالتحريم أو الكراهة .

( وقد يريد بالحبس ، لغرض آخر ) وهو ما تقدم من قولنا : أو لغرض آخر ، ( المستلزم ) ذلك الحبس ( للغلاء ) فان الحبس يستلزم الغلاء ايّاما كان الغرض ( غرضا آخرا ) اى غير غرض الاضرار .

فالتقسيم المستفاد من كلام المصنف هكذا :

« 1 » تحصيل الطعام .

« 2 » حصوله بدون تحصيل .

ص: 411

هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه .

وقد يحبس انتظار الأيّام الغلاء من دون حصول الغلاء ، بحبسه ، بل لقلة الطعام آخر السنة ، أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ثم حبسه

_________________________

والتحصيل ( 1 ) قد يكون للحبس ( 2 ) وقد يكون لغرض آخر غير الحبس والتحصيل للحبس أولا : قد يكون لغرض الاضرار ، وثانيا : قد يكون للحفاظ على رأس المال وعدم الخسارة .

والتحصيل لغرض آخر غير الحبس ، قد يقصد به الاضرار ، وقد لا يقصد به الاضرار .

فالاقسام على هذا خمسة .

( 1 ) الحصول « 2 » « 3 » .

والتحصيل بقسميه « 4 » « 5 » .

والتحصيل لغرض آخر بقسميه .

والأوجه ان يقال : في الرابع والخامس ، ان التحصيل لا للحبس قد يوجب ضررا ، وقد لا يوجب ضررا ، فتأمل .

( هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه ) بان حصل الغلاء فعلا .

( وقد يحبس انتظار الأيّام الغلاء من دون حصول الغلاء ، ب ) سبب ( حبسه ، بل لقلة الطعام آخر السنة ، أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ) .

والحاصل ان الحبس قد يكون سببا للغلاء الآن ، وقد يكون شيء آخر سببا للغلاء ( ثم حبسه

ص: 412

لانتظار أيام الغلاء ، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال .

وقد يكون لحب إعانة المضطرين ، ولو بالبيع عليهم والارفاق بهم

ثم حاجة الناس قد يكون لاكلهم ، وقد يكون للبذر ، أو علف الدواب ، أو الاسترباح بالثمن ، وعليك في استخراج احكام هذه الاقسام وتمييز المباح والمكروه والمستحب من الحرام .

_________________________

لانتظار أيام الغلاء ، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال ) فالحبس لأجل الاستفادة .

( وقد يكون لحب إعانة المضطرين ، ولو بالبيع عليهم والارفاق بهم ) فإنه يعلم أن سائر التجار لا يبيعون للمضطرين دينا ، ولا يرفقون بهم ، فهو يحتكر لأجل عمل انساني نبيل ، لا لأجل الاستفادة والاضرار .

( ثم حاجة الناس قد يكون لأكلهم ، وقد يكون للبذر ) الّذي يحتاجون إليه للزرع من اجل العام الآتي ( أو علف الدواب ، أو الاسترباح بالثمن ) فان الكسبة يشترون الطعام من التجار ، لأجل الاسترباح ، فإذا لم يعطهم التجار الطعام ، وقف استرباحهم واحتاجوا بل ربما افتقروا ( وعليك في استخراج احكام هذه الاقسام وتمييز المباح والمكروه والمستحب من الحرام ) .

إذ بعض الاقسام مستحب ، كالحفظ لأجل الارفاق بالفقراء .

وبعضها : مكروه كالحفظ لأجل عدم الخسارة فيما لا يكون اضرارا بالناس .

وبعضها : حرام كالحفظ لأجل الاضرار بالناس والله العالم .

ص: 413

الخامس : الظاهر عدم الخلاف - كما قيل - في اجبار المحتكر على البيع

حتى على القول بالكراهة بل عن المهذب البارع : الاجماع عليه وعن التنقيح كما في الحدائق ، عدم الخلاف فيه وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب .

ولذا ذكرنا ان ظاهر أدلة الاجبار : تدل على التحريم ، لان الزام غير اللازم خلاف القاعدة

_________________________

الامر ( الخامس : الظاهر ) من الفقهاء والأدلة العامة التي هي مستند الفقهاء ( عدم الخلاف - كما قيل - ) اى قيل بعدم الخلاف ونحن أيضا استظهرنا عدم الخلاف ( في اجبار المحتكر على البيع حتى على القول بالكراهة ) اى كراهة الاحتكار ( بل عن المهذب البارع : الاجماع عليه وعن التنقيح كما في الحدائق ) إذ الحدائق نقل عن التنقيح ( عدم الخلاف فيه ) اى في اجبار المحتكر ( وهو ) اى الاجماع ( الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب ) فان الجبر انما هو على الواجب ، فإذا لم يكن الاحتكار حراما ، باي دليل نقول بوجوب البيع عليه وانه يجبر على البيع ؟ انما الدليل هو الاجماع .

( ولذا ) الّذي يكون تلازم بين الاجبار وبين وجوب البيع - اى حرمة الاحتكار - ( ذكرنا ان ظاهر أدلة الاجبار : تدل على التحريم ) إذ لو لم يكن الاحتكار حراما ، لم يكن تركه واجبا ، وإذا لم يكن تركه واجبا لم يكن وجه لاجبار المحتكر على البيع ( لان الزام غير اللازم خلاف القاعدة ) المستفادة من الأدلة الشرعية ، وان لم يكن خلاف العقل .

ص: 414

نعم لا يسعر عليه اجماعا ، كما عن السرائر وزاد وجود الأخبار المتواترة .

وعن المبسوط عدم الخلاف فيه .

ولكن عن المقنعة انه يسعر عليه بما يراه الحاكم .

وعن جماعة منهم العلامة وولده والشهيد انه يسعّر عليه ان أجحف بالثمن ، لنفى الضرر .

_________________________

وانما نقول إنه ليس خلاف العقل ، لإمكان ان لا يكون شيء لازما على زيد ، ولكن يكون اجباره لازما على الحاكم .

نعم لا يعقل ان يكون شيء واحد لازما على انسان وغير لازم على نفس ذلك الانسان .

( نعم لا يسعر عليه ) اى لا يجبره الحاكم بالسعر الخاص ( اجماعا كما عن السرائر ، وزاد ) السرائر ( وجود الأخبار المتواترة ) على عدم جواز التسعير عليه .

( وعن المبسوط عدم الخلاف فيه ) اى في انه لا يسعّر عليه .

( ولكن عن المقنعة ) للمفيد ره ( انه يسعّر عليه بما يراه الحاكم ) صلاحا من التسعير .

( وعن جماعة منهم العلامة وولده والشهيد انه يسعّر عليه ان أجحف بالثمن ) كما لو أراد الشيء الّذي قيمته دينار ، بعشرة دنانير مثلا ( لنفى الضرر ) فلا يحق ان يضرّ المشترين ، فإذا أراد ضررهم جعل الحاكم له سعرا خاصا حتى يأخذ امام اضراره .

ص: 415

وعن الميسي ، والشهيد الثاني : انه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهى عن التسعير والجبر بنفي الاضرار .

خاتمة : ومن أهم آداب التجارة ، الإجمال في الطلب ، والاقتصاد فيه .

_________________________

( وعن الميسي ، والشهيد الثاني : انه يؤمر بالنزول ) عن القيمة الزائدة التي يريدها ( من دون تسعير ) .

وانما قالوا بذلك ، ( جمعا بين النهى عن التسعير ) في الروايات فلا يسعّر عليه - ( و ) بين ( الجبر بنفي الاضرار ) اى يجبر ان لا يضر بالمشترين .

فالجبر له بنفي اضرار الناس ، يقتضي ان يؤمر بالنزول عن سعره الغالي .

( خاتمة : ومن أهم آداب التجارة ) فان للتجارة آدابا كثيرة ذكرت في الوسائل والمستدرك ، وبعض منها في الشرائع ، والجواهر ، وشرح اللمعة ، وغيرها ( الاجمال في الطلب ) بان يطلب الرزق بالتجارة طلبا جميلا لا ينافي العفة والمروءة ، ويناسب جمال الرجل في الدنيا والآخرة ( والاقتصاد فيه ) اى القصد والتوسط ، فلا يعمل عمل الحريص الّذي لا يبالي بالحلال والحرام ، ولا يترك الكسب والتجارة لظن محاذير وإرادة القناعة كما هو شأن المفرطين والمفرّطين .

وليس المراد بالاقتصاد عدم الاهتمام بالتجارة والبقاء متوسط المال والعمل ، بل اللازم الاهتمام حتى يكون ارقى التجار وأعظمهم

ص: 416

ففي مرسلة ابن فضال ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها ، وليكن انزال نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف ، وترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف ، وتكسب ما لا بدّ للمؤمن منه ان

_________________________

مالا ان تمكن .

ففي الحديث : نعم العون على الدين الغنى .

وفي أحاديث كثيرة امر الإمام عليه السلام : من ترك الكسب لأنه استغنى ، بالرجوع إلى الكسب ، والا لذهب بعض عقله فراجع كتاب التجارة من الوسائل والمستدرك .

( ففي مرسلة ابن فضال ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ) الّذي يضيع الكسب ، أو الأهل ، أو الرزق ، وانما يكتسب اكتسابا منقطعا بدون اهتمام ( ودون طلب الحريص ) الّذي لا يبالي ، احلالا اكتسب أم حراما ؟ ويستغرق في الكسب فلا يهتم بأمور دنياه ولا بأمور آخرته ( الراضي بدنياه ، المطمئن إليها ) صفتان للحريص ، فان الراضي بالدنيا لا يهتم بأمور الآخرة ( وليكن انزال نفسك من ذلك ) الكسب ( منزلة المنصف ) الّذي يتوسط في الأمور ( المتعفف ) الّذي يعف عن الحرام وعن مساقط المروءة ( وترفع نفسك عن منزلة الواهن ) فلا ترى في كسبك واهنا متكاسلا ( الضعيف ) في العمل والاكتساب ( وتكسب ما لا بد للمؤمن منه ) لأجل إدارة أموره وشؤونه ( ان

ص: 417

الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا ، لا مال لهم .

وفي صحيحة الثمالي ، عن أبي جعفر ( ع ) قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله - في حجة الوداع - الا ان روح الأمين نفث في روعى انه لن يموت نفس حتى يستكمل رزقها ، فاتقوا الله واجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق ان تطلبوه بشيء من معصية الله فان الله تبارك وتعالى قسّم الارزاق في خلقه حلالا ولم يقسمها حراما فمن

_________________________

الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا ) شكرا بالقلب واللسان والعمل .

والشكر العملي هو الكسب بحق ، ووضع المال في موضعه ( لا مال لهم ) فإنهم لا يستفيدون فائدة المال ، لا دنيا ولا آخرة .

( وفي صحيحة الثمالي ، عن أبي جعفر ( ع ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله - في حجة الوداع - الا ان روح الأمين ) جبرئيل عليه السلام ( نفث في روعى ) والقى في ذهني وحيا ( انه لن يموت نفس حتى يستكمل رزقها ) فكل انسان يأتيه رزقه ( فاتقوا الله واجملوا في الطلب ) فلا تمدوا أيديكم إلى الحرام ، ولا تعملوا عملا ينافي جمالكم الديني والدنيوي ( ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق ) وانه ابطئ ولم يأتكم عاجلا ( ان تطلبوه بشيء من معصية الله )

مثلا : يرى أنه لا يحصل الرزق بالحلال ، فيكتسب بالخمر والخنزير ( فان الله تبارك وتعالى قسّم الارزاق في خلقه حلالا ) فجعل بقدر الناس الرزق الحلال ( ولم يقسمها حراما ) بان يكون الرزق الحلال لعشرة مثلا ، والحال ان نفوس البشر عشرون - مثلا - ( فمن

ص: 418

اتقى الله وصبر ، اتاه الله برزقه من حلّه ، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فاخذه من غير حلّه ، قصّر به من رزق الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة .

وعن أبي عبد الله عليه السلام : انه كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينا ان الله عز وجل لم يجعل للعبد وان اشتد جهده ، وعظمت حيلته وكثرت مكايدته ، ان يسبق ما سمى له في الذكر الحكيم

_________________________

اتقى الله وصبر ، اتاه الله برزقه من حله ) إذا اتى بالموازين ، واكتسب واجتهد ( ومن هتك حجاب الستر ) فاخذ في الاكتساب المحرّم ( وعجّل ) لتحصيل الرزق ( فاخذه من غير حلّه ، قصّر به ) اى بسبب ذلك الحرام ( من رزق الحلال ) فان مالك اما ان تصرفه في الاكتساب المحلل ، واما ان تصرفه في الاكتساب المحرّم .

ومن المعلوم : ان صرفه في الاكتساب المحرّم يوجب عدم تمكنك من صرفه في الحلال ( وحوسب عليه يوم القيامة ) حساب مرتكبى الحرام .

( عن أبي عبد الله عليه السلام : انه كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينا ان الله عز وجل لم يجعل للعبد وان اشتد جهده ، وعظمت حيلته ) اى معرفة علاجه للأمور ( وكثرت مكايدته ) أساليب عمله ( ان يسبق ) ويتقدم ( ما سمى له في الذكر الحكيم ) بان يحتوى على أكثر مما سمى .

مثلا : ان الله سبحانه جعل الأسباب الممكنة للوصول إلى المال

ص: 419

ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته ان يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم ، أيها الناس انه لن يزداد امرئ نقير الحذفة ولم ينقص امرئ نقير الحمقة .

فالعالم بهذا العامل به

_________________________

أسبابا خاصا إذا استعمل الانسان حصل على مليون دينار فان الانسان مهما عمل لا يمكن ان يحصل أكثر من المليون ، لان الله سبحانه لم يجعل للانسان في ذكره المحكم في اللوح المحفوظ أكثر من ذلك ( ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته ان يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم ) فان الانسان بالأسباب المجعولة من قبله سبحانه ، يصل إلى غاية الممكن ، إذا عمل واكتسب .

والحاصل : ان الأسباب التكوينية ، والاعمال التي تصدر من الانسان كلاهما دخيلان في البلوغ إلى حدّ معين ، فلا يتمكن الانسان من تجاوز ذلك الحدّ ، كما لا يمنع الانسان شيء عن الوصول إلى الأسباب الكونية والاعمال الممكنة ، فكل قادر بقدرته وبمقتضى ظروفه وطاقاته ( أيها الناس انه لن يزداد امرئ نقير الحذفة ) ان الأسباب والاعمال لا يمكن تجاوزهما ( ولم ينقص امرئ نقير الحمقة ) لان كلا بقدر الأسباب المهيئة له والاعمال الصادرة منه يؤتى إليه رزقه والنقير هي النقرة الصغيرة في ظهر نواة التمر .

( فالعالم بهذا ) الّذي ذكرت من أن بقدر الأسباب الكونية والاعمال الصادرة من الانسان يكون الرزق ( العامل به ) فيأخذ بالأسباب

ص: 420

أعظم الناس راحة في منفعته ، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته .

ورب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه .

ورب مغرور في الناس مصنوع له فابق أيها الساعي من سعيك ،

و

_________________________

( أعظم الناس راحة في منفعته ) انه انتفع براحة قلب ( والعالم بهذا التارك له ) بان طلب ما لا أسباب كونية مقدرة له ( أعظم الناس شغلا ) واشتغالا ( في مضرته ) في اضرار نفسه ، لأنه يكون دائما مكسور القلب مضطرب النفس .

( و ) لا يغرنكم ان ترون بعض الناس منعّمين ، فتتحسّرون مكانتهم ف ( رب منعم عليه ) - بصيغة المفعول - ( مستدرج بالاحسان إليه ) اى ان الله يستدرجه ويطلبه إلى النار درجة درجة ، انه ان كان فقيرا لم يرتكب زنا ولا خمرا ولا فتنة اما وقد استغنى فإنه يصرفه في الحرام فيقترب من الهلاك الأبدي درجة درجة ، كما قال سبحانه : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * .

( ورب مغرور في الناس ) يرونه الناس مغرورا ، لأنه يتوكل ولا يطلب الحرام ( مصنوع له ) قد صنع الله له أسباب الرزق والسيادة ، فلا تقولوا فلان مغرور لا يحتال ولا يدخل مداخل الحرام لاكتساب الرزق - كما أن الناس اعتادوا ان يقولوا ذلك - ( فابق أيها الساعي من سعيك ) لا تسع كل السعي بحيث تترك أمور دينك ودنياك ، لأجل الرزق والاكتساب بل توسط وإذ كل شيء حقه (

ص: 421

اقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ، وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه ( ص )

وفي رواية عبد الله بن سليمان ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان الله عز وجل وسع في ارزاق الحمقى ليعتبر العقلاء وتعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة .

وفي مرفوعة سهل بن زياد ، أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من متعب نفسه مقتر عليه رزقه وكم من مقتصد

_________________________

اقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ) السنة بالكسر والتخفيف اوّل النوم ، كما قال تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ( وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه ص ) من أن الرزق مقسوم ، كما قال سبحانه : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وغيرها من الآيات والروايات .

( وفي رواية عبد الله بن سليمان ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان الله عز وجل وسع في ارزاق الحمقى ليعتبر العقلاء )

لا يخفى ان الامر على نحو الموجبة الجزئية لا ان مراد الإمام عليه السلام ان كل أحمق كذلك ، كما هو واضح ( وتعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة ) فان ما في الدنيا أشياء كثيرة ولا ينال الانسان ما يشتهى منها بعمل أو علاج بل ينال الّذي جعل الله له أسبابا كونية خاصة ، إذا عمل الانسان حسب مقتضى تلك الأسباب .

( وفي مرفوعة سهل بن زياد ، أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من متعب نفسه مقتر عليه رزقه ) اى رزقه قليل ( وكم من مقتصد

ص: 422

في الطلب قد ساعدته المقادير .

وفي رواية علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ما فعل عمر بن مسلم ، قلت : جعلت فداك : اقبل على العبادة ، وترك التجارة ، فقال : ويحه أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له دعوته ، ان قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل قوله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ اغلقوا الأبواب

و

_________________________

في الطلب قد ساعدته المقادير ) لأنه عمل حسب الأسباب الكونية بخلاف الأول لعدم توفر الأسباب له ، أو عدم سلوكه حسب الأسباب .

( وفي رواية علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ما فعل عمر بن مسلم ، قلت : جعلت فداك : اقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : ويحه ) كلمة ردع وزجر ( أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له دعوته ) .

اما المراد كل دعاء له ، لان الله يستجيب الدعاء لمن عمل بأوامره ومن جملة أوامره طلب الرزق والاكتساب فقد قال سبحانه : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .

واما المراد دعائه في اعطائه سبحانه الرزق له كما ورد في الحديث بمضمون ان الله لا يستجيب دعاء طلب الرزق ممن لا يكتسب ( ان قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل قوله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) إلى اخر الآية ( اغلقوا الأبواب

ص: 423

اقبلوا على العبادة ، وقالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إليهم ، فقال لهم : ما دعاكم إلى ما صنعتم ؟ فقالوا يا رسول الله ( ص ) تكفل الله تعالى لنا بارزاقنا ، فأقبلنا على العبادة ، فقال صلى الله عليه وآله : انه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب .

وقد تقدم رواية انه ليس منا من ترك آخرته لدنياه ، ولا من ترك دنياه لآخرته .

وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلى جميع أنبيائه الصلاة

_________________________

اقبلوا على العبادة ، وقالوا قد كفينا ) زعما بان التقوى توجب درّ الرزق على الانسان ، وزعموا ان معنى التقوى العبادة فقط ( فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، فأرسل إليهم ، فقال لهم : ما دعاكم إلى ما صنعتم ؟

فقالوا يا رسول الله ( ص ) تكفّل الله تعالى لنا بأرزاقنا ، فأقبلنا على العبادة ) وتركنا الاكتساب ( فقال صلى الله عليه وآله : انه من فعل ذلك لم يستجب له ) لأنه ترك شرط الاستجابة - كما ذكرنا - ( عليكم بالطلب ) والروايات بهذا المضمون كثيرة .

( وقد تقدم رواية انه ليس منا من ترك آخرته لدنياه ، ولا من ترك دنياه لآخرته ) .

وفي الآية الكريمة : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ ، أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ( وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلى جميع أنبيائه الصلاة

ص: 424

والسلام ، بعد الحمد لله الملك العلام على ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام ، للخاص والعام .

_________________________

والسلام ، بعد الحمد لله الملك العلام على ما أنعم علينا بالنعم الجسام ) جمع جسيم ، بمعنى : عظيم ( التي من أعظمها ) اى من أعظم النعم ( الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح ) جمع مصباح اى أنوار الله في ( الظلام للخاص والعام ) .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد ، وآله الطيبين الطاهرين

إلى هنا تمّ شرح كتاب البيع من كتاب المكاسب للشيخ الفذ آية الله الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره .

وسيتلوه كتاب الخيارات إن شاء الله تعالى .

ص: 425

قريبا جدّا بعونه تعالى سيصدر القسم الأول من كتاب ( الخيارات ) وهو الجزء الحادي عشر من كتابنا ( ايصال الطالب إلى المكاسب )

ص: 426

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدمة المؤلف 2

في تعيين المناط في المكيل والموزون والمعدود 3

في جواز الاعتماد باخبار البائع بمقدار المبيع 61

في انه هل يحتاج البيع إلى المشاهدة أم لا 72

في اقسام البيع 77

في التفريع على عدم جواز بيع الفرد المردد 95

في ما لو باع صاعا من صبرة 107

في الاستغناء بالمشاهدة في الزمان السابق عن الوصف 146

في لزوم الاختبار فيما تختلف به القيمة 189

في جواز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار 212

في جواز بيع المسك في فأره 238

في عدم جواز بيع المجهول مع الضميمة 243

في الاندار ونقل الأقوال فيه 277

ص: 427

الموضوع الصفحة في جواز بيع المظروف مع الظرف الموزون معه 313

في استحباب التفقه في مسائل التجارات 322

في الأخبار الدالة على الحث في طلب العلم 339

في مرجوحية تلقى الركبان 363

في حرمة النجش 376

في ما إذا دفع الانسان ما لا ليصرف في قبيل 379

في الاحتكار 394

محتويات الكتاب 427

ص: 428

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.