ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 5

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الاول من كتاب البيع و الجزء الخامس من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الّا من اتى اللّه بقلب سليم.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم الى يوم الدين،

كتاب البيع

[في معنى البيع]

[البيع لغة]

و هو فى الاصل- كما عن المصباح-: مبادلة مال بمال و الظاهر اختصاص المعوض بالعين فلا يعم ابدال المنافع بغيرها. و عليه

______________________________

(الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على اعدائهم الى يوم الدين.) لعل التخصيص فى فاتحة الكتب للعنة الى يوم الدين ان اللعنة بمعنى الطرد عن الرحمة او العقاب ابدية، اما من باب دخول الغاية فى المغيّا، و اما ان المراد دوام اللعنة الى يوم الجزاء، اما يوم الجزاء فان كل انسان يجزى بما عمل فلا مورد للدعاء عليهم بعد ذلك، و اما هذا كناية عن الدوام كقوله «خالدين فيها ما دامت السموات و الارض» فان ما دامت السماء كناية عن الابدية. كعدد سبعين الّذي هو كناية عن الكثرة فى قوله سبحانه «ان تستغفر لهم سبعين مرة».

(كتاب البيع) يذكر فيه احكام البيع. فهو من اضافة العام الى الخاص فان لكل حكم من الاحكام كتابا (و هو فى الاصل) عند اهل العرف و اللغة (- كما عن المصباح-: مبادلة مال بمال) بأن يعطى احد الشخصين شيئا فى مقابل ان يأخذ من الشخص الاخر شيئا آخر، كأن يعطى الفرس بمقابل مائة دينار.

(و الظاهر) من العرف لدى اطلاقهم البيع- بضميمة اصالة عدم النقل المفيدة لكونه كذلك لغة و فى لسان الشرع- (: اختصاص المعوض بالعين فلا يعم) البيع (ابدال المنافع بغيرها) كما لو بدل منفعة هذه الجارية بدينار فانه لا يسمى بيعا (و عليه) اى على كون البيع المبادلة لعين بشي ء آخر

ص: 3

استقر اصطلاح الفقهاء فى البيع.

نعم ربما يستعمل فى كلمات بعضهم فى نقل غيرها، بل يظهر ذلك، من كثير من الاخبار كالخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر، و بيع سكنى الدار التى لا يعلم صاحبها، و كاخبار بيع الارض الخراجية و شرائها

______________________________

(استقر اصطلاح الفقهاء فى البيع).

(نعم ربما يستعمل) البيع (فى كلمات بعضهم فى نقل غيرها) اى نقل غير العين، كالشيخ فى المبسوط حيث استعمل لفظ البيع فى نقل خدمة العبد (بل يظهر ذلك) اى استعمال البيع فى نقل غير العين (من كثير من الاخبار كالخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر) المدبر- بصيغة المفعول-: هو العبد الّذي يدبره مولاه، بان يقول له: انت حر دبر وفاتى. كخبر السكونى عن على- عليه السلام- قال «باع رسول الله- صلى الله عليه و آله و سلم- خدمة المدبر و لم يبع رقبته» (و بيع سكنى الدار التى لا يعلم صاحبها) كخبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح- عليه السلام- قال «سألته عن رجل فى يده دار ليست له، و لم تزل فى يده و يد آبائه من قبله، قد اعلمه من مضى من آبائه انها ليست لهم، و لا يدرون لمن هى؟ فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال- ع-:

ما احب ان يبيع ما ليس له. قلت: فانه ليس يعرف صاحبها، و لا يدرى لمن هى و لا اظن يجي ء لهارب ابدا، قال- عليه السلام-: ما احب ان يبيع ما ليس له. قلت: فيبيع سكناها او مكانها فى يده؟ فيقول: ابيعك سكناى و تكون فى يدك كما هى فى يدى. قال عليه السلام: نعم يبيعها على هذا» (و كاخبار بيع الارض الخراجية و شرائها) مع انها لا تباع عينها لانها ملك لجميع المسلمين.

و المراد بالارض الخراجية: المفتوحة عنوة، كما تقدم الكلام فيه فى المكاسب المحرمة و قد تقدم بعض الاخبار الدالة على ذلك فى المكاسب المحرمة، بل و هناك اخبار اخر دالة على ذلك كخبر ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام:

ص: 4

و الظاهر: انها مسامحة فى التعبير، كما ان لفظ الاجارة، تستعمل عرفا، فى نقل بعض الاعيان كالثمرة على الشجرة:

و اما المعوض فلا اشكال فى جواز كونها منفعة، كما فى غير موضع من القواعد، و عن التذكرة و جامع المقاصد، و لا يبعد عدم الخلاف فيه، نعم نسب الى بعض الاعيان الخلاف فيه و لعله لما اشتهر فى كلامهم من ان البيع نقل الاعيان.

______________________________

عن الرجل يريد ان يتزوج المرأة فينظر الى شعرها؟ فقال عليه السلام: «نعم انما يريد ان يشتريها باغلى الثمن»

(و الظاهر: انها مسامحة فى التعبير) و مجاز و ليس بحقيقة. لما نرى من تبادر غير هذه المعانى من لفظ البيع، و التبادر آية الحقيقة، كما ان تبادر الغير آية المجاز. (كما ان لفظ الاجارة) الموضوعة لنقل المنفعة (تستعمل) احيانا (عرفا) مجازا (فى نقل بعض الاعيان كالثمرة على الشجرة) فيما اذا آجر البستان او كما لو آجر الدار فان ماء بئرها أيضا ينقل بالاجارة. و هذا اما مجاز و اما ان العرف لا يعتبر ذلك الا من قبيل المنافع، اذ عين البستان عبارة عن الارض و الشجر لا الفواكه و الحطب هذا تمام الكلام فى العوض و انه يلزم ان يكون عينا.

(و اما المعوض فلا اشكال فى جواز كونها منفعة) كما لو اشترى الدار بمقابل انتفاع البائع من دابته (كما فى غير موضع من القواعد، و عن التذكرة و جامع المقاصد، و لا يبعد عدم الخلاف فيه.) لانهم بين ساكت و بين من صرح بالجواز (نعم نسب الى بعض الاعيان) كالوحيد البهبهانى رحمه الله (الخلاف فيه) و انه لا يصح كون عوض البيع منفعة (و لعله) اى الاشكال (لما اشتهر فى كلامهم: من ان البيع نقل الاعيان) و من المعلوم ان المنفعة ليست عينا

ص: 5

و الظاهر ارادتهم المبيع، نظير قولهم: ان الاجارة لنقل المنافع.

و اما عمل الحر، فان قلنا: انه، قبل المعاوضة عليه من الاموال فلا اشكال و الا ففيه اشكال، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين- فى البيع- مالا قبل المعاوضة، كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح.

و اما الحقوق

______________________________

(و) لكن (الظاهر ارادتهم) بالاعيان (المبيع) اى المثمن، لا الثمن (نظير قولهم: ان الاجارة لنقل المنافع) و مرادهم العين الموجرة لا الاجرة.

(و اما عمل الحر) فهل يصح بيعه أم لا بأن يقول لانسان حر خياط:

اشتريت عملك الخياطى فى هذا اليوم بدينار- مثلا- (فان قلنا: انه) اى العمل (قبل المعاوضة عليه من الاموال) لاطلاق المال على العمل التقديرى (فلا اشكال) فى صحة بيعه لانه مال، اما عمل العبد فالظاهر انه يصدق المال عليه و انه ملك للسيد (و الا) يصدق على عمل الحر المال (ففيه اشكال، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين) المثمن و الثمن (- فى البيع- مالا قبل المعاوضة، كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح.) حيث قال: مبادلة مال بمال.

ثم ان كونه مالا او ليس بمال انما ينفع فى جعله ثمنا، اما جعله مثمنا فقد عرفت انه متوقف على صدق العين عليه.

ثم ان قول المصنف: «قبل المعاوضة» لاخراج بعد المعاوضة، لانه مال حينئذ قطعا، مثلا لو استاجر زيد عمل عمرو فى هذا اليوم بدينار حتى صار عمل عمرو لزيد، صح لزيد ان يجعل هذا العمل الّذي له، عوضا فى المبيع، كان يشترى سلعة من خالد و يجعل الثمن عمل عمرو الّذي يستحقه عليه

(و اما الحقوق). الحق يطلق على العين، و على المال، و على ما ليس بمال و لا عين، كحق الشفعة او حق المضاجعة- مثلا- و حيث تقدم

ص: 6

فان لم تقبل المعاوضة بالمال كحق الحضانة و الولاية، فلا اشكال و كذا لو لم تقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار لان البيع تمليك الغير و لا ينتقض ببيع الدين على من هو عليه لانه لا مانع من كونه تمليكا.

______________________________

الكلام فى العين و المال ننقل الكلام فى الحقوق الاخر فى انها هل تكون مثمنا او ثمنا أم لا كحق الشفعة و حق الخيار (فان لم تقبل المعاوضة بالمال كحق الحضانة و الولاية) و الحيازة فان لكل انسان ان يجوز من البحر مثلا ما يشاء و هذا الحق غير قابل بان يعوض بالمال كأن يأخذ زيد دينارا فى مقابل ان يعطى هذا الحق لعمرو حتى لا يكون لزيد حق الحيازة بعد ذلك (فلا اشكال) فى عدم صحة جعل مثل هذا الحق ثمنا و لا مثمنا لان مقوم البيع المقابلة بالمال (و كذا لو) قبل المعاوضة بالمال و لكنه (لم تقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار) كما لو صح اسقاطه فى مقابل المال و ذلك كحق الخيار، فانه غير قابل لان ينقل الى غير ذى الخيار بالمال، و لكنه قابل للاسقاط بإزاء مال يأخذه من الطرف الاخر او الشخص الثالث فيسقط خياره، و انما نقول بوضوح عدم صحة جريان البيع على هذا الحق (لان البيع تمليك العين) فاذا كان الحق غير قابل للانتقال لم يكن معنى لتمليك الغير (و لا ينتقض) ما ذكرناه من انه كلما لم يصح الانتقال لم يصح البيع (ببيع الدين على من هو عليه) كما لو طلبت من زيد دينارا فانه يصح ان ابيعه بزيد المدين بقلم مثلا.

و وجه الانتقاض من انه كيف تقولون بصحة بيع الدين على من هو عليه، مع انه لا يصح الانتقال، لان الدين على زيد فى ذمة زيد فاذا بعناه له لم ينتقل شي ء إليه.

و وجه عدم الانتقاض (لانه لا مانع من كونه تمليكا) اى كون بيع الدين على من هو عليه (تمليكا) اى انه نقل. لانى انقل دينارى الّذي لى بذمة زيد الى زيد

ص: 7

فيسقط، و لذا جعل الشهيد فى قواعده الابراء مرددا بين الاسقاط و التمليك

و الحاصل انه يعقل ان يكون الانسان مالكا لما فى ذمته فيؤثر تمليكه السقوط و لا يعقل ان يتسلط على نفسه، و السر ان مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد بخلاف الملك فانه نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج الى من يملك عليه حتى يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه

______________________________

(فيسقط) لانه لا معنى لان يملك زيد فى ذمة نفسه (و لذا) الّذي ذكرنا من معقولية تمليك المديون الدين الّذي هو انتقال (جعل الشهيد) الاول (فى قواعده الابراء) كما لو طلبت دينارا من زيد فأبرأته (مرددا بين الاسقاط) لما فى ذمته (و التمليك) فان من كلام الشهيد يعرف انه يعقل تمليك الدين للمديون.

(و الحاصل) من جواب النقض (انه يعقل ان يكون) الانسان (مالكا لما فى ذمته فيؤثر تمليكه) اى تمليك الدائن دينه للمديون (السقوط) فلا يكون فى ذمة المديون شي ء بعد ان ملكه الدائن

(و) ان قلت: اذا صححتم ان يملك الانسان لما فى ذمته، يلزمكم ان تصححوا سلطة الانسان على نفسه، لكن الثانى بديهى البطلان، فكذا الاول. قلت:

بينهما فرق لانه (لا يعقل ان يتسلط) الانسان (على نفسه،) و يعقل ان يملك الانسان ما فى ذمته (و السر) فى الفرق (ان مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها) المتسلط و المتسلط عليه (بشخص واحد) يكون هو المتسلط و هو المتسلط عليه (بخلاف الملك فانه نسبة بين المالك و المملوك) فهو نسبة بين صاحب الذمة و الدينار الّذي فى ذمته (و لا يحتاج الى من يملك عليه) حتى يكون زيد المديون مالكا و مملوكا عليه- مسلطا و مسلطا على نفسه- (حتى يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه) فانه اذا احتاج الى مملوك عليه استحال

ص: 8

فافهم.

و اما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه، فهى و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال فى الصلح الا ان فى جواز وقوعها عوضا للبيع اشكالا من اخذ المال فى عوضى المبايعة لغة و عرفا، مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين، و لما يصح ان يكون اجرة فى الاجارة فى حصر الثمن فى المال

[تعاريف الفقهاء و المناقشة فيها]

اشارة

ثم الظاهر ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية

______________________________

لانه كان كالمسلط و المسلط عليه (فافهم) لان نسبة المالك الى الملك كنسبة المسلط الى المسلط عليه، فاذا قلتم: انه لا يمكن ان يتسلط الانسان على نفسه، لزم ان تقولوا بانه لا يمكن ان يملك الانسان لشي ء فى ذمته فالتفكيك بينهما لا وجه له.

(و اما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه) كحق المضاجعة بالنسبة الى الضرة (فهى و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال فى الصلح) فلا اشكال فيه من هاتين الجهتين (الا ان فى جواز وقوعها) اى هذه الحقوق (عوضا للبيع اشكالا،) لان الثمن يجب ان يكون مالا و نشك فى صدق المال على الحق و هذا مراده بقوله: (من اخذ المال فى عوضى المبايعة) اى يجب ان يكون العوض و المعوض مالا (لغة و عرفا،) لان البيع لغة «مبادلة مال بمال» و عرفا انه مقابلة مال بمال (مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين، و) عند التعرض (لما يصح ان يكون اجرة فى الاجارة فى حصر الثمن فى المال) فاخذهم المال فى التعريف و فى الشروط دليل على انه لا يمكن غير المال و من المعلوم ان مثل حق التعجير و ما اشبه لا يسمى مالا.

(ثم الظاهر) من مراجعة اللغة و الشرع حيث لا نجد ان الشارع غير المفهوم اللغوى (ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية) بان يكون

ص: 9

بل هو باق على معناه العرفى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. الا ان الفقهاء قد اختلفوا فى تعريفه:

ففى المبسوط و التذكرة و غيرهما: انتقال عين من شخص الى غيره بعوض، مقدر، على وجه التراضي.

و حيث ان فى هذا التعريف مسامحة واضحة عدل آخرون الى تعريفه بالايجاب و القبول الدالين على الانتقال.

و حيث ان البيع من مقولة المعنى دون اللفظ مجردا، او

______________________________

المتشرعون احدثوا اصطلاحا جديدا فى معنى البيع حتى اذا قالوا هذه اللفظة فهم منها معنى جديد غير المعنى اللغوى (بل هو باق على معناه العرفى) اللغوى الّذي كان متداولا فى زمان الشارع و قبل زمان الشارع (كما سنوضحه إن شاء اللّه تعالى. الا ان الفقهاء قد اختلفوا فى تعريفه:) و من جراء هذا الاختلاف يكون بعض الافراد داخلا او خارجا مما يوجب اختلاف الحكم أيضا.

(ففى المبسوط و التذكرة و غيرهما: انتقال عين من شخص الى غيره بعوض مقدر،) اى لا يكون مجهولا (على وجه التراضي.) اذ لو لا الرضا لم يكن نقل و انتقال.

(و حيث ان فى هذا التعريف مسامحة واضحة) فان البيع هو النقل و الانتقال لا الانتقال فقط (عدل آخرون الى تعريفه بالايجاب و القبول الدالين على الانتقال) مقابل الايجاب و القبول فى النكاح و نحوه مما ليس فيه انتقال.

(و حيث ان البيع من مقولة المعنى دون اللفظ مجردا) و قد كان هذا التعريف مفيدا لان البيع لفظ حيث عرف بانه ايجاب و قبول (او) اللفظ

ص: 10

بشرط قصد المعنى، و الا لم يعقل انشاؤه باللفظ عدل جامع المقاصد الى تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة.

و يرد عليه مع ان النقل ليس مرادفا للبيع و لذا صرح فى التذكرة بان ايجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت و جعله من الكنايات و ان المعاطاة عنده بيع، مع خلوها عن الصيغة: ان النقل بالصيغة- أيضا- لا يعقل انشاؤه

______________________________

(بشرط قصد المعنى) اذ لا ربط للفظ فى البيع اصلا (و الا) فلو كان اللفظ دخل فى تعريف البيع (لم يعقل انشاؤه) اى البيع (باللفظ) فان اللفظ لا يعقل ان ينشأ باللفظ مع انا نرى صحة قولهم «انشأ البيع بالايجاب و القبول» (عدل جامع المقاصد الى تعريفه ب) ان البيع هو (نقل العين بالصيغة المخصوصة) اى بعت و اشتريت.

(و يرد عليه- مع ان النقل ليس مرادفا للبيع) مع وضوح انه يشترط ترادف المعرّف و المعرّف، و الا لم يعقل ان يكون احدهما مبينا للآخر، و اما النقل فليس مرادفا للبيع لانه اعم من البيع فالصلح و الهبة و ما اشبه توجب النقل أيضا. و ليست بيعا، (و لذا) الّذي ذكرنا من ان النقل ليس مرادفا للبيع (صرح فى التذكرة بان ايجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت) فلا يصح ان يقول «نقلت» و يريد البيع (و جعله من الكنايات) لانه من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم فان لازم البيع النقل كما ان لازم البخل ظرافة المطبخ (و) مع (ان المعاطاة عنده) اى عند جامع المقاصد (بيع مع خلوها عن الصيغة) فليزم ان لا يكون تعريف البيع جامعا لان المعاطاة بيع و الحال انه لا يشملها التعريف الّذي ذكره بقوله «نقل العين بالصيغة المخصوصة» (-: ان النقل بالصيغة) هذا فاعل قوله «يرد» (أيضا) كتعريف البيع بانه الايجاب و القبول (لا يعقل انشاؤه

ص: 11

بالصيغة و لا يندفع هذا بان المراد:

ان البيع نفس النقل الّذي هو مدلول الصيغة، فجعله مدلول الصيغة اشارة الى تعيين ذلك الفرد من النقل لا انه مأخوذ فى مفهومه حتى يكون مدلول بعت: نقلت بالصيغة لانه ان اريد بالصيغة خصوص «بعت» لزم الدور

______________________________

بالصيغة) فيرد على تعريف جامع المقاصد ما ورد على تعريف غيره الّذي عرّفه بانه الايجاب و القبول (و لا يندفع هذا) الاشكال (بان المراد ان البيع نفس النقل الّذي هو مدلول الصيغة) فليس «بالصيغة» فى تعريف الكركى جزء من تعريف البيع حتى تقولوا: ان الصيغة لا تنشأ بالصيغة بل معرف البيع فى كلامه انه «النقل» و انما هو قسم خاص من النقل و هو النقل بالصيغة و من المعلوم ان النقل يمكن انشاؤه بالصيغة (فجعله) اى البيع (مدلول الصيغة اشارة الى تعيين ذلك الفرد من النقل، لا انه) اى الصيغة (مأخوذ فى مفهومه) اى مفهوم البيع (حتى يكون مدلول بعت: نقلت بالصيغة) و يلزم منه المحذور المتقدم اعنى انه لا يعقل انشاؤه بالصيغة، و انما قلنا «لا يندفع هذا» لانه يسلم ان قول الكركى «بصيغة مخصوصة» يراد به المعرف «للنقل» لا انه جزء من «المعرّف» لكن فى ذلك أيضا اشكالا (لانه ان اريد بالصيغة) فى المعرف «للنقل» (خصوص «بعت» لزم الدور) فكانه قال «البيع» هو النقل بلفظ بعت و من المعلوم ان «مادة كلمة» اذا كانت فى المعرّف و المعرّف لزم الدور،

ص: 12

لان المقصود معرفة مادة «بعت». و ان اريد بها ما يشمل ملكت وجب الاقتصار على مجرد التمليك و النقل.

فالأولى تعريفه بانه «إنشاء تمليك عين بمال».
اشارة

و لا يرد عليه شي ء مما تقدم.

نعم يبقى عليه امور:
منها: انه موقوف على جواز الايجاب بلفظ ملكت،

و الا لم يكن مرادفا له.

و يرده: انه الحق كما سيجي ء.

______________________________

فاذا قلت «الانسان حيوان انسانى» كان دورا لتوقف المعرّف على المعرّف و المعرّف على المعرّف (، لان المقصود معرفة مادة «بعت»). اى «البيع» فلا يمكن ان تقع صيغة «بعت» معرفة لمادتها (و ان اريد بها) اى بالصيغة فى كلام الكركى (ما يشمل ملكت) فكانه قال «البيع نقل العين ب «بعت او «ملكت» او «ما اشبه» (وجب الاقتصار) فى تعريف البيع (على مجرد التمليك و النقل) بان يقول الكركى «البيع هو النقل» و لا يزيد على التعريف بقوله «بصيغة مخصوصة» اذ على هذا لا صيغة مخصوصة لجواز اجراء البيع بكل صيغة ك «نقلت» و «ملكت» و «بعت» و ما اشبه و حيث ان التعريفات المذكورة غير تامة.

(فالاولى تعريفه بانه «إنشاء تمليك عين بمال». و لا يرد عليه شي ء مما تقدم) من الاشكالات الواردة على تلك التعريفات.

(نعم يبقى عليه امور:) من الاشكال.

(منها: انه) اى هذا التعريف (موقوف على جواز الايجاب بلفظ ملكت، و الا لم يكن مرادفا له) اى للبيع- الّذي هو المعرف بالفتح-.

(و يرده: انه الحق) و انه يجوز الايجاب بلفظ ملكت (كما سيجي ء) عن قريب.

ص: 13

و منها: انه لا يشمل بيع الدين على من هو عليه

لان الانسان لا يملك مالا على نفسه.

و فيه- مع ما عرفت، و ستعرف من تعقل تملك ما على نفسه، و رجوعه الى سقوطه عنه، نظير تملّك ما هو مسا و لما فى ذمته، و سقوطه بالتهاتر-: انه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع اذ ليس للبيع لغة و عرفا معنى غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الالفاظ، و لذا قال فخر الدين: معنى بعت- فى لغة العرب- ملكت غيرى فاذا لم يعقل ملكية ما فى ذمة نفسه لم يعقل شي ء مما يساويها، فلا يعقل البيع

______________________________

(و منها: انه لا يشمل بيع الدين من هو عليه كان الانسان لا يملك مالا على نفسه) و لا على ذمته شيئا فليس بيع الدين عليه «تمليكا».

(و فيه- مع ما عرفت) من قولنا «لانه لا مانع من كونه تمليكا» (و ستعرف من تعقل تملك) الانسان (ما على نفسه، و رجوعه) اى ان مرجع التمليك (الى سقوطه) الى المملوك (عنه) اى عن المالك (، نظير تملك ما هو مساو لما فى ذمته، و سقوطه بالتهاتر) كما اذا طلب زيد من عمرو دينارا و طلب عمرو من زيد دينارا أيضا فان زيدا مثلا- يملك دينار عمرو الّذي عنده و يسقط عن ذمة فلا يطلبه عمرو بعد ذلك، و هكذا بالنسبة الى عمرو (- انه) متعلق ب «فيه» (لو لم يعقل التمليك) للدين الّذي فى ذمته (لم يعقل البيع اذ ليس للبيع لغة و عرفا معنى غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الالفاظ،) و الحاصل، التلازم بين الامرين فيصح التمليك- كما بين فى الاشكال- فلا وجه له (و لذا) الّذي ذكرنا من التلازم بين البيع و التمليك (قال فخر الدين: ان معنى بعت- فى لغة العرب ملكت غيرى، فاذا لم يعقل ملكية) الانسان ل (ما فى ذمة نفسه) للدائن (لم يعقل شي ء ما يساويها، فلا يعقل البيع) أيضا.

ص: 14

و منها: انه يشمل التمليك بالمعاطاة

مع حكم المشهور بل دعوى الاجماع على انها ليست بيعا.

و فيه: ما سيجي ء من كون المعاطاة بيعا، و ان مراد النافين نفى صحته.

و منها: صدقه على الشراء،

فان المشترى بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع.

و فيه: ان التمليك فيه ضمنى و انما حقيقته التملك بعوض، و لذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت، تقدم على الايجاب او تأخر، و به يظهر اندفاع الايراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين

______________________________

(و منها: انه) الى هذا التعريف (يشمل التمليك بالمعاطاة) لانها إنشاء تمليك عين بمال (مع حكم المشهور بل دعوى الاجماع على انها ليست بيعا) و انما تفيد الملك المستقر الّذي هو نتيجة البيع بالتصرف او التلف.

(و فيه: ما سيجي ء من كون المعاطاة بيعا، و ان مراد النافين) الذين ينفون كونها بيعا (نفى صحته) فهى بيع غير صحيح لا انها ليست بيعا.

(و فيه ان التمليك فيه) اى فى الشراء (ضمنى و انما حقيقته) اى حقيقة الشراء (التملك) و الظاهر من التعريف كون التمليك ابتدائيا لا ضمنيا فلا يشمل التعريف الشراء (و لذا) الّذي ذكرنا من ان الشراء تملك لا تمليك (لا يجوز الشراء بلفظ ملكت، تقدم على الايجاب او تأخر،) و عدم جوازه لانه ليس مألوفا عند الناس فلم يمضه الشارع لان الشارع انما امضى المألوف من العقد لانصراف: أحل الله البيع، الى البيع المتعارف (و به) اى بالجواب عن هذا الاشكال (يظهر اندفاع الايراد) على التعريف المذكور (بانتفاضه بمستأجر العين بعين) كما لو استجر الدار بمائة دينار، فان المستاجر ينشئ تمليك عين المائة بمال هى السكنى فى الدار.

ص: 15

حيث ان الاستيجار يتضمن تمليك العين بمال اعنى المنفعة.

و منها: انتقاض طرده بالصلح على العين بمال، و بالهبة المعوضة.

و فيه: ان حقيقة الصلح- و لو تعلق بالعين، ليس هو التمليك على وجه المقابلة و المعاوضة، بل معناه الاصلى هو التسالم، و لذا لا يتعدى بنفسه الى المال.

نعم هو متضمن للتمليك اذا تعلق بعين، لا انه نفسه. و الّذي يدلك على هذا، ان الصلح قد يتعلق بالمال عينا

______________________________

و وجه الاشكال ما بينه بقوله: (حيث ان الاستيجار يتضمن تمليك العين) التى هى الاجرة (بمال اعنى المنفعة) اى منفعة الدار و وجه الاندفاع ان التمليك ضمنى و انما مصب الاجارة قبول منفعة الدار- من طرف المستاجر-.

(و منها: انتقاض طرده) اى ليس التعريف مانعا للاغيار (بالصلح على العين بمال) كما لو صالح زيد عن داره بالف دينار (و بالهبة المعوضة) كما لو وهب زيد داره بعوض الف دينار فانها إنشاء تمليك عين بمال مع انهما ليسا بيعا.

(و فيه: ان حقيقة الصلح- و لو تعلق بالعين) فى مقابل ما لو تعلق باسقاط حق او غيره (ليس هو التمليك على وجه المقابلة و المعاوضة، بل معناه الاصلى هو التسالم) و انما يفيد احيانا فائدة البيع كما يفيد سائر الفوائد فى سائر الموارد (و لذا) الّذي ذكرنا من انه ليس هو التمليك (لا يتعدى بنفسه الى المال) فلا يقال صالحتك المال، و التمليك يتعدى بنفسه الى المال، فيقال ملكتك المال، و لو كان الصلح بمعنى التمليك لكان اللازم ان يتعدى بنفسه.

(نعم هو) اى الصلح (متضمن للتمليك اذا تعلق بعين، لا انه نفسه) اى نفس التمليك (و الّذي يدلك على هذا) الّذي ذكرناه من انه ليس تمليكا ابتداء- (ان الصلح قد يتعلق بالمال عينا) كصالحتك عن هذه المائة

ص: 16

او منفعة فيفيد التمليك، و قد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية، و هو مجرد التسليط، و قد يتعلق بالحقوق فيفيد فائدة الاسقاط او الانتقال، و قد يتعلق بتقرير امر بين المتصالحين كما فى قول احد المشركين لصاحبه: صالحتك على ان يكون الربح لك و الخسران عليك. فيفيد مجرد التقرير، فلو كان حقيقة الصلح هى عين كل من هذه المفادات الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا، و هو واضح البطلان فلم يبق الا ان يكون مفهومه معنى آخر، و هو التسالم، فيفيد فى كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقه، فالصلح على العين بعوض تسالم عليه، و هو

______________________________

(او منفعة) كصالحتك على سكنى هذه الدار (فيفيد التمليك) للعين او المنفعة (و قد يتعلق بالانتفاع) كصالحتك لانتفاعك بهذه الدار (فيفيد فائدة العارية، و هو مجرد التسليط) بدون ان تكون فائدة الدار ملكا له (و قد يتعلق بالحقوق) كما لو قال صالحتك عن حقى فى المضاجعة (فيفيد فائدة الاسقاط) لحقها (أو الانتقال) الى الضرة مثلا (و قد يتعلق بتقرير امر بين المتصالحين كما فى قول احد المشركين لصاحبه صالحتك على ان يكون الربح لك و الخسران عليك) و هذا خلاف مقتضى الشركة المطلقة التى تقتضى التشارك فى الربح و الخسارة (فيفيد مجرد التقرير) لما بنيا عليه (فلو كان حقيقة الصلح هى عين كل من هذه المفادات الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا) بين هذه الامور (و هو واضح البطلان) لانا لا نجد فى الجميع الا معنى واحدا هو التسالم لكن متعلق التسالم قد يكون هذا و قد يكون ذاك من الامور الخمسة المذكورة (فلم يبق) بعد ان لم يكن مشتركا لفظيا (الا ان يكون مفهومه معنى آخر و هو التسالم فيفيد فى كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة) اى الفوائد الخمسة (بحسب ما يقتضيه متعلقه،) اى الشي ء الّذي انصب الصلح عليه (فالصلح على العين بعوض تسالم عليه، و هو) اى هذا التسالم

ص: 17

يتضمن التمليك، لا ان مفهوم الصلح فى خصوص هذا المقام و حقيقته هو إنشاء التمليك، و من هنا لم يكن طلبه من الخصم اقرارا، بخلاف طلب التمليك.

و اما الهبة المعوضة، و المراد بها هنا: ما اشترط فيها العوض فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة بين المالين و الا لم يعقل تملك احدهما لاحد العوضين من دون تملك الاخر للآخر مع ان ظاهرهم: عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب له الهبة

______________________________

(يتضمن التمليك، لا ان مفهوم الصلح فى خصوص هذا المقام و حقيقته) عند تعلقه بذلك (هو إنشاء التمليك، و من هنا) الّذي هو تسالم (لم يكن طلبه من الخصم اقرارا، بخلاف طلب التمليك) فانه لو اختصم زيد و عمرو فى مال فقال زيد هيا بنا نصالح لم يكن ذلك اقرارا منه بان المال لعمر و بخلاف ما لو قال له ملكنى فانه اقرار بان المال لعمرو و الا لم يكن معنى لطلب تمليكه.

(و اما الهبة المعوضة، و المراد بها هنا: ما اشترط فيها العوض) كأن يقول: اهبك هذا الشي ء فى مقابل الشي ء الفلانى الّذي لك. و هذا يقال الهبة المعوضة بمعنى ان يهب له ثم يهب الموهوب له شيئا للواهب- فانه يطلق عليه أيضا الهبة المعوضة (فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة بين المالين) بان يخرج احد المالين الى ملك الاخر وقت خروج مال الاخر الى ملك الاول (و الا لم يعقل تملك احدهما لاحد العوضين من دون تملك الاخر ل) العوض (الاخر) بان يملك زيد دون ان يملك عمرو، و انما نقول لم يعقل لانه اذا كان الامر مقابلة بين المالين كيف يمكن ان يصير احدهما دون الاخر (مع ان ظاهرهم: عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب له الهبة) فانك اذا وهبت دينارا لزيد فى مقابل قلمه لم تملك قلمه بمجرد هبتك

ص: 18

بل غاية الامر ان المتهب لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع فى هبته.

فالظاهر ان التعويض المشترط فى الهبة كالتعويض غير المشترط فيها فى كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه عوضا، لا ان حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة فى كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض غير المشترط فى ضمن الهبة الاولى.

فقد تحقق مما ذكرنا: ان حقيقة تمليك العين بالعوض ليست الا البيع.

فلو قال: ملكتك كذا بكذا كان بيعا و لا يصح صلحا، و لا هبة معوضة، و ان قصدهما. اذ التمليك على جهة المقابلة الحقيقية

______________________________

بل يحتاج تملكك للقلم الى ان يهبك هو القلم (بل غاية الامر ان المتهب) كزيد فى المثال (لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع فى هبته.) بخيار تخلف الشرط- مثلا- (فالظاهر ان التعويض المشترط فى الهبة كالتعويض غير المشترط فيها) كما لو اعطاه زيد دينارا هبة، فاعطى لزيد قلما مثلا (فى كونه) اى العوض (تمليكا مستقلا يقصد به و وقوعه عوضا، لا ان حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة فى كل من العوضين) حتى يكون كالبيع من مقابلة مال بمال (كما يتضح ذلك، بملاحظة التعويض غير المشترط فى ضمن الهبة الاولى) فكما ان المال لا يقابل بالمال فى غير المشترط كذلك لا يقابل المال بالمال فى المشترط.

(فقد تحقق مما ذكرنا: ان حقيقة تمليك العين بالعوض ليست الا البيع) و المراد بما ذكرنا، دفع الاشكالات المتقدمة (فلو قال: ملكتك كذا بكذا كان بيعا) و ان لم يأت بلفظ البيع لما تقدم من التساوى بين البيع و التمليك (و لا يصح صلحا، و لا هبة معوضة و ان قصدهما) اذ القصد بدون اللفظ لا ينفع فى تحقق العقد (اذ التمليك على جهة المقابلة الحقيقية) بين المالين

ص: 19

ليس صلحا و لا هبة، فلا يقعان به نعم لو قلنا بوقوعهما بغير الالفاظ الصريحة، توجه تحققهما مع قصدهما

فما قيل- من ان البيع هو الاصل فى تمليك الاعيان بالعوض فيقدم على الصلح و الهبة المعوضة- محل تأمل، بل منع لما عرفت من ان تمليك الاعيان بالعوض هو البيع لا غير نعم لو أتى بلفظ التمليك بالعوض و احتمل إرادة غير حقيقته كان مقتضى الاصل اللفظى حمله على المعنى الحقيقى فيحكم بالبيع لكن الظاهر ان الاصل بهذا المعنى ليس مراد القائل المتقدم

______________________________

(ليس صلحا و لا هبة، فلا يقعان به) اى بلفظ التمليك (نعم لو قلنا بوقوعهما بغير الالفاظ الصريحة: توجه تحققهما مع قصدهما) من لفظ التمليك.

(فما قيل) فى وجه عدم تحقق الصلح و الهبة بلفظ التمليك (من ان البيع هو الاصل فى تمليك الاعيان بالعوض) و ان كان يصح الصلح و الهبة أيضا (فيقدم) الاصل (على الصلح و الهبة المعوضة) لدى اطلاق لفظ التمليك (- محل تأمل، بل منع. لما عرفت من ان تمليك الاعيان بالعوض هو البيع لا غير) لا انه مقدم على غيره (نعم لو أتى بلفظ التمليك بالعوض) كما لو قال: ملكتك القلم بعوض درهم (و احتمل إرادة غير حقيقته) اين غير حقيقة التمليك (كان مقتضى الاصل اللفظى) اى أصالة الحقيقة فى اللفظ المستعمل الّذي لم يدر هل انه اريد به الحقيقة او المجاز (حمله على المعنى الحقيقى) الّذي هو البيع (فيحكم بالبيع) و يرتب اثر البيع على المعاملة المذكورة لا الصلح و الهبة (لكن الظاهر: ان الاصل بهذا المعنى) اى، اصالة الحقيقة (ليس مراد القائل المتقدم) لانه يرى التمليك حقيقة فى البيع و الصلح و الهبة، و انما يقدم البيع للانصراف، فمراده من الاصل: الانصراف

ص: 20

و سيجي ء توضيحه فى مسألة المعاطاة فى غير البيع إن شاء الله تعالى

بقى القرض داخلا فى ظاهر الحد

و يمكن اخراجه بان مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك على وجه ضمان المثل او القيمة لا معاوضة للعين بهما و لذا لا يجرى فيه ربا المعاوضة و لا الغرر المنفى فيها و لا ذكر العوض و لا العلم به

______________________________

بخلاف ما ذكرناه من ان التمليك حقيقية فى البيع فقط مجاز فيما عداه، فمرادنا بالاصل اصالة الحقيقة (و سيجي ء توضيحه فى مسألة المعاطاة فى غير البيع إن شاء الله تعالى) كما لو صالح صلحا معاطاتيا- مثلا-

(بقى القرض داخلا فى ظاهر الحد) اى تعريفنا للبيع بأنه إنشاء تمليك عين بمال لان المقرض ينشئ تمليك عينه بمقابل المثل او القيمة الّذي يسترده من المقترض (و يمكن اخراجه) من الحد (بان مفهومه) اى مفهوم القرض (ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك على وجه ضمان المثل او القيمة) لا تمليكا مجانيا، (لا معاوضة للعيب بهما) اين بالمثل و القيمة (و لذا لا يجرى فيه ربا المعاوضة) و انما يجرى فيه ربا القرض و بينهما فرق كما حقق فى باب الربا (و لا الغرر المنفى فيها) اى فى المعاوضة الّذي اشار إليه النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقول الامام عليه السلام «نهى النبي عن بيع الغرر» و ان جرى فيه مطلق الغرر فى الجملة لما ورد من انه «نهى النبي (ص) عن الغرر»- كما فى مستدرك الوسائل و كتب الفتوى- (و لا ذكر العوض، و لا العلم به) بخلاف المعاملة فانه يشترط فيها ذكر العوض، و العلم به (فتأمل) لعله اشارة الى ان القرض ليس معاوضة اصلا و انما رد لفرد توسعى من الشي ء فى طول رد العين و لذا يقول المقترض: رددت ماله. فلا حاجة لاخراج القرض من التعريف المذكور بهذا التكلف.

ص: 21

ثم ان ما ذكرنا تعريف للبيع المأخوذ فى صيغة «بعت» و غيره من المشتقات.

و يظهر من بعض من قارب عصرنا: استعماله فى معانى أخر غير ما ذكر

احدها: التمليك المذكور، لكن بشرط تعقبه بتملك المشترى.

و إليه نظر بعض مشايخنا، حيث أخذ قيد «التعقب بالقبول» فى تعريف البيع المصطلح. و لعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ بل و صحته السلب عن المجرد و لهذا لا يقال: باع فلان ماله الا بعد ان يكون قد اشتراه غيره

______________________________

(ثم ان ما ذكرنا) من الحد للبيع (تعريف للبيع المأخوذ فى صيغة «بعت» و غيره من المشتقات.) كباع و يبيع و بع و ما اشبه.

(و يظهر من بعض من قارب عصرنا) و هو صاحب المقابيس (: استعماله فى معانى أخر) «1»

(احدها: التمليك المذكور) اى التمليك بعوض (لكن بشرط تعقبه بتملك المشترى) فالبيع إنشاء تمليك عين بمال متعقبا بتملك المشترى (و إليه نظر بعض مشايخنا، حيث أخذ قيد «التعقيب بالقبول») مأخوذا (فى تعريف البيع المصطلح) لدى المتشرعة (و لعله) اى هذا الاشتراط (لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ) اى لفظ البيع فاذا قال القائل: بعت كتابى، كان المتبادر منه انه باعه و ان المشترى قبل ذلك (بل و صحته السلب عن المجرد) عن القبول فاذا انشأ زيد البيع و لم يقبل خالد، صح ان يقال انه ليس ببيع (و لهذا لا يقال: باع فلان ماله الا بعد ان يكون قد اشتراه غيره) فان هذا يدل

______________________________

(1) و فى نسخة: استعماله فى معانى أخر غير ما ذكر ..

ص: 22

و يستفاد من قول القائل: بعت مالى: انه اشتراه غيره، لا انه اوجب البيع فقط.

الثانى: الأثر الحاصل من الإيجاب و القبول، و هو الانتقال،

كما يظهر من المبسوط، و غيره.

الثالث: نفس العقد المركب من الايجاب و القبول.

و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد قال: بل الظاهر اتفاقهم على إرادة هذا المعنى فى عناوين ابواب- المعاملات حتى الاجارة و شبهها

______________________________

على اشتراط القبول فى صدق البيع (و) كذلك (يستفاد من قول القائل: بعت مالى: انه اشتراه غيره، لا انه اوجب البيع فقط) و لا يخفى ان مقصود الشيخ رحمه الله من نقل كلام من قارب عصره، بيان انه لا ينحصر تعريف البيع الّذي ذكره رحمه الله- بما ذكره هذا المقارب للعصر من معانى اخر للبيع، اذ بناء على ما ذكره هذا المقارب للعصر يكون البيع مشتركا بين ما ذكره الشيخ و بين هذه المعانى فلا يكون تعريف الشيخ بانه إنشاء تمليك عين بمال المعنى الوحيد للبيع كما لا يخفى-

(الثانى) من معانى البيع (الاثر الحاصل من الايجاب و القبول، و هو الانتقال كما يظهر من المبسوط، و غيره) و الظاهر ان المراد بالانتقال المعنى القائم بالطرفين نقلا و انتقالا لا الانتقال فقط لان الاثر هو الفعل و الانفعال لا الانفعال وحده.

(الثالث: نفس العقد المركب من الايجاب و القبول. و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد) لان العقد عبارة عن الايجاب و القبول (بل الظاهر) «1» من كلماتهم فى تعريف البيع (اتفاقهم على إرادة هذا المعنى) الثالث (فى عناوين ابواب المعاملات حتى الاجارة و شبهها) كالرهن و المزارعة فان

______________________________

(1) و فى نسخة: قال: بل الظاهر.

ص: 23

التى ليست هى فى الاصل اسما لاحد طرفى العقد

[المناقشة في هذه الاستعمالات]

اقول: اما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول، فالظاهر انه ليس مقابلا للاول و انما هو فرد انصرف إليه اللفظ فى مقام قيام القرينة على إرادة الايجاب المثمر، اذ لا ثمرة فى الايجاب المجرد فقول المخبر: بعت

______________________________

مرادهم العقد اى الايجاب و القبول (التى ليست هى فى الاصل اسما لاحد طرفى العقد) لان بعض عناوين المعاملات اسم لاحد طرفى العقد، كالبيع و الضمان و الخلع، فانها اسامى للايجاب فقط، و بعضها اسم لطرفى العقد كالشركة و المزارعة و المساقاة و بعضها اسم عين لا يرتبط بالايجاب و لا مجموع العقد، كالوديعة و العارية و الصدقة.

و لا يخفى ان الاجارة من قبيل الثالث- على ما قالوا- فانها فى اللغة نفس الاجرة فاذا صح استعمال اسم العين- كالاجارة- فى العقد كان استعمال ما هو موضوع لاحد طرفى العقد فى مجموع العقد- كالبيع- اولى لوجود علاقة الكل و الجزء فى مثل البيع دون مثل الاجارة فاستعمال الاجارة فى العقد ابعد من مثل استعمال البيع فى العقد.

(اقول) يرد على المعانى الثلاثة التى ذكرها المقابيس ما لا يخفى (اما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول، فالظاهر انه ليس مقابلا للاول) اى المعنى الّذي ذكرناه من انه إنشاء تمليك عين بمال (و انما هو) اى الايجاب المتعقب (فرد) من افراد البيع (انصرف إليه اللفظ) اى لفظ البيع (فى مقام قيام القرينة على إرادة الايجاب المثمر) و انما انصرف لفظ البيع إليه (اذ لا ثمرة فى الايجاب المجرد) و هذا كانصراف الانسان الى العاقل لعدم الفائدة فى الانسان المجنون لا ان الانسان موضوع للعاقل فقط (فقول المخبر: بعت،

ص: 24

انما اراد الايجاب المفيد، فالقيد مستفاد من الخارج، لا ان البيع مستعمل فى الايجاب المتعقب للقبول، و كذلك لفظ النقل و الابدال و التمليك و شبهها مع انه لم يقل احد بان تعقيب القبول له دخل فى معناها، نعم تحقق القبول شرط للانتقال فى الخارج لا فى نظر الناقل اذ التأثير لا ينفك عن الاثر فالبيع و ما يساويه معنى من قبيل الايجاب و الوجوب لا الكسر و الانكسار

______________________________

انما اراد الايجاب المفيد) بتعقيب القبول (فالقيد مستفاد من الخارج) الّذي هو قرينة ان المتكلم اراد المثمر (لا ان البيع مستعمل فى الايجاب المتعقب للقبول) كما قال صاحب المقابيس (و كذلك لفظ النقل و الابدال و التمليك و شبهها) كالتبديل (مع انه لم يقل احد بان تعقب القبول له دخل فى معناها) و اى فرق بين هذه الالفاظ و بين البيع (نعم تحقق القبول شرط للانتقال فى الخارج) اذ لو لا القبول لا يكون انتقال خارجى (لا فى نظر الناقل) «1»، فان الناقل يرى انه حيث اوجد المؤثر وجد الاثر سواء اعتبر العقلاء وجوده أيضا بمعنى التأثير فى الخارج- أو لا اذ لا تلازم بين نظر الناقل و بين الخارج و حيث كان هنا محل ان يقال كيف يمكن ان يحصل الاثر فى نظر الناقل دون الخارج اجاب بقوله: (فالبيع و ما يساويه معنى) من النقل و ما اشبه، و قوله: «معنى» اى ما هو بمعنى البيع (من قبيل الايجاب و الوجوب) من الامور الاعتبارية التى يمكن اختلاف الانظار فيها فزيد اذا أمر عمرا كان معتبرا للوجوب، و ان لم يعتبر العقلاء كونه واجبا لعدم حق لزيد فى الايجاب (لا الكسر و الانكسار) من الامور الخارجية التى لا يمكن اختلاف الانظار فيها، بل اما ان يحصل الانكسار بنظر الكل او لا يحصل بنظر الكل و منه يظهر انه من الممكن تحقق الانتقال بنظر البائع الناقل لانه اوجد المؤثر الاعتبارى فلا بد ان يوجد

______________________________

(1) و فى نسخة اخرى: اذ التأثير لا ينفك عن الاثر.

ص: 25

كما تخيله بعض فتامل.

و منه يظهر ضعف اخذ القيد المذكور فى معنى البيع المصطلح، فضلا عن ان يجعل احد معانيه.

و اما البيع- بمعنى الاثر و هو الانتقال- فلم يوجد فى اللغة و لا فى العرف، و انما وقع فى تعريف جماعة تبعا للمبسوط. و قد يوجه بان المراد بالبيع المحدود المصدر من المبنى للمفعول اعنى المبيعية و هو تكلف حسن

______________________________

الاثر الاعتبارى بنظره مع عدم تحقق الانتقال بنظر العقلاء- اى فى الخارج- (كما تخيله بعض) من ان البيع كالكسر و الانكسار (فتأمل) اذ حتى بنظر الناقل لم يحصل النقل، اذ الناقل لا يرى النقل ما لم يلحق القبول بما اوجبه من الايجاب.

(و منه) اى مما ذكرناه من ان القبول ليس له مدخلية فى معنى البيع (يظهر ضعف أخذ القيد المذكور) اى قيد التعقب بالقبول (فى معنى البيع المصطلح) الّذي هو إنشاء تمليك عين بمال (فضلا عن ان يجعل احد معانيه) اى معانى البيع كما صنعه من قارب عصرنا. و الحاصل انه ليس قيدا، فكيف بكونه معنى مستقلا.

(و اما البيع- بمعنى الاثر) الّذي جعله هذا المقارب للعصر معنى ثانيا للبيع (و هو الانتقال- فلم يوجد فى اللغة و لا فى العرف) بان يطلق لفظ البيع و يراد به الانتقال (و انما وقع فى تعريف جماعة) للبيع (تبعا للمبسوط و قد يوجه) هذا المعنى (بان المراد بالبيع المحدود) الّذي عرف بانه الانتقال (المصدر من المبنى للمفعول) اى المجهول (اعن المبيعية) فى مقابل المصدر المبنى للفاعل اى البائعية (و هو تكلف) اذ ليس البيع بهذا المعنى عند الاطلاق. و لكنه (حسن) اذ هو الوجه الوحيد لتصحيح هذا التعريف.

ص: 26

و اما البيع بمعنى العقد فقد صرح الشهد الثانى- رحمه الله- بان طلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية. و الظاهر ان السبب هو الاثر الحاصل فى نظر الشارع لانه المسبب عن العقد، لا النقل الحاصل من فعل الموجب، لما عرفت من انه حاصل بنفس إنشاء الموجب، من دون توقف على شي ء، كحصول وجوب الضرب فى نظر الآمر بمجرد الامر، و ان لم يصر واجبا فى الخارج فى نظر غيره. و الى هذا نظر جميع ما ورد فى النصوص و الفتاوى من قولهم: لزم البيع، او وجب، أو لا بيع بينها، او اقاله فى البيع

______________________________

(و اما البيع بمعنى العقد) و هو ثالث المعانى التى ذكرها المقارب للعصر (فقد صرح الشهيد الثانى- رحمه الله- بان اطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية) فالبيع اسم للمسبب وضع على السبب (و الظاهر ان السبب هو الاثر الحاصل فى نظر الشارع لانه المسبب عن العقد) فالبيع- هو المؤثر ذلك المؤثر- وضع للذى يسبب ذلك الاثر و هو السبب اى العقد (لا) ان المسبب (النقل الحاصل من فعل الموجب، لما عرفت) فى قولنا قبل اسطر: «لا فى نظر الناقل» (من انه حاصل بنفس إنشاء الموجب، من دون توقف على شي ء،) آخر- اعنى اعتبار العقلاء- اذ المنشئ يرى حصول الأثر عند انشائه سواء اعتبره الشرع و العقلاء أم لا (كحصول وجوب الضرب فى نظر الآمر) الّذي يقول «اضرب» (بمجرد الامر، و ان لم يصر واجبا فى الخارج فى نظر غيره.)

فان الوجوب امر اعتبارى يمكن ان يكون بنظر و لا يكون بنظر كسائر الامور الاعتبارية (و الى هذا) اى معنى الاثر فى نظر الشارع (نظر جميع ما ورد فى النصوص و الفتاوى من قولهم: لزم البيع، او وجب، أو لا بيع بينها، او اقاله فى البيع) فانه ليس المراد العقد، و الا حصل العقد بينهما، بل المراد الاثر فى نظر الشارع اى تم الاثر فى نظره، او لا اثر، او اقاله فى الاثر ...

ص: 27

و نحو ذلك. و الحاصل: ان البيع الّذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع اعتبار تحققه فى نظر الشارع المتوقف على تحقق الايجاب و القبول فإضافة العقد الى البيع بهذا المعنى ليست بيانية و لذا يقال:

انعقد البيع، و لا ينعقد البيع.

[البيع و نحوه اسم للصحيح أو للأعم]

اشارة

ثم ان الشهيد الثانى نص فى كتاب اليمين من المسالك: على ان عقد البيع و غيره من العقود، حقيقة فى الصحيح مجاز فى الفاسد

______________________________

(و نحو ذلك) من سائر امثال هذه الجمل (و الحاصل) اى حاصل كلام الشهيد بملاحظة التوجيه الّذي ذكرناه من انه من باب علاقة السببية (ان البيع الّذي يجعلونه من العقود يراد به النقل) فقولهم: البيع عقد مركب من ايجاب و قبول، يراد بالبيع النقل فى نظر الشارع المسبب عن العقد و يطلق البيع على العقد بعلاقة السببية و لا يراد بذلك النقل فى نظر الموجب. فالبيع (بمعنى) النقل الّذي هو (اسم المصدر) الحاصل من المصدر كالغسل الّذي هو حاصل من الاغتسال (مع اعتبار تحققه) اى النقل (فى نظر الشارع، المتوقف) هذا النقل (على تحقق الايجاب و القبول) فى الخارج (فإضافة العقد الى البيع) فى قوله: «عقد البيع» (بهذا المعنى) الّذي ذكرناه و هو النقل (ليست بيانية) بل من قبيل: «عقد النقل» فى قبال: «عقد تملك المنفعة» بمعنى الاجارة-، «و عقد تملك المنتقل إليه مجانا»- بمعنى الهبة- و هكذا .. (و لذا يقال) اى لذا الّذي ذكرناه من ان الاضافة ليست بيانية (انعقد البيع) حيث يؤتى بالفعل الدال على الزمان (و لا ينعقد البيع) و لو كان العقد نفس البيع كان من قبيل: «باع البيع» مما كان المضاف إليه تأكيدا لا انه مفيد لمعنى جديد.

(ثم ان الشهيد الثانى نص فى كتاب اليمين من المسالك: على ان عقد البيع و غيره من العقود، حقيقة فى الصحيح مجاز فى الفاسد) و المراد ب

ص: 28

لوجود خواص الحقيقة و المجاز، كالتبادر و صحة السلب. قال: و من ثم حمل الا قرار به عليه

و لو ادعى «1» إرادة الفاسد لم يسمع اجماعا.

و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد، لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الالفاظ المشتركة

______________________________

«عقد البيع» مدلول المركب الاضافى- اى اضافة العقد الى البيع-، و الظاهر: ان مراده «العقد» اى المضاف- اذ ليس للاضافة صحيح و فاسد- او «البيع» اى المضاف إليه، و انما نقول بانه حقيقة فى الصحيح و مجاز فى الفاسد (لوجود خواص الحقيقة و المجاز كالتبادر) الى الصحيح (و صحة السلب) عن الفاسد فيهما، و من المعلوم ان التبادر علامة الحقيقة و صحة السلب علامة المجاز (قال) الشهيد (و من ثم) و انه حقيقة فى الصحيح (حمل الاقرار به) اى بالبيع (عليه) اى على الصحيح فان قال: بعت الكتاب لزيد ثم ادعى ان البيع كان فاسدا لم يسمع منه لان الاقرار انما يؤخذ بظاهره و لو لم يكن الظاهر من البيع الصحيح لم يحمل اقراره على البيع الصحيح.

(و لو «1» ادعى إرادة الفاسد لم يسمع اجماعا) فانه من قبيل ان يقول:

لزيد عندى اسد ثم يدعى: ان مراده كان رجلا شجاعا مربوطا بزيد، حيث لا يسمع هذا التفسير منه.

(و لو كان) البيع (مشتركا بين الصحيح و الفاسد، لقبل تفسيره بأحدهما) كأن يفسر بالفاسد المقتضى لعدم امكان مطالبته بشي ء (كغيره من الالفاظ المشتركة) حيث انه اذا اقر باللفظ المشترك قبل تفسيره باحد معانيه، سواء أ كانت تلك المعانى من قبيل افراد الكلى، كما لو اعترفت بان لزيد عليه سيفا ثم فسره بالهندى، او من قبيل المشترك اللفظى، كما لو اعترف بان لزيد عليه عينا ثم فسرها بالذهب- مثلا-

______________________________

(1) و فى نسخة: حتى لو ادعى

ص: 29

و انقسامه الى الصحيح و الفاسد اعم من الحقيقة انتهى

و قال الشهيد الاول فى قواعده: الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق على الفاسد الا الحج لوجوب المضى فيه. و ظاهره

______________________________

(و) ان قلت: ان العقد ينقسم الى الصحيح و الفاسد، فيقال:

العقد اما صحيح او فاسد، و من المعلوم ان الانقسام علامة كون المقسم حقيقة فى كل الاقسام، اذ لا يصح تقسيم الشي ء الى نفسه و الى غيره. فلا يقال:

الانسان اما انسان و اما بقر نعم يقال: الانسان اما افريقى او آسوى. و الحاصل ان البيع ينقسم الى الصحيح و الفاسد و التقسيم علامة الحقيقة.

قلت: (انقسامه الى الصحيح و الفاسد اعم من الحقيقة) اذ اللفظ يقسم الى المعنى الحقيقى و المجازى، فيقال: الاسد اما مفترس او رجل شجاع، نعم هذا يحتاج الى القرينة لكنها موجودة فى المقام لما نشاهده من صحة السلب من الفاسد (انتهى) كلام المسالك.

(و قال الشهيد الاول فى قواعده) فى بيان كون العقود مجازا فى الفاسد- كما ذكره المسالك بالنسبة الى البيع- (الماهيات الجعلية) اى التى جعلها الشارع فى مقابل الماهيات العرفية التى امضاها الشارع كالمعاملات (كالصلاة و الصوم و سائر العقود) «و سائر» عطف على «الماهيات» لا على «الصلاة» اذ العقود ليست من المهيات الجعلية كما لا يخفى (لا تطلق على الفاسد) فالصلاة الفاسدة لا تتسمى صلاة- الا مجازا- و كذلك الرهن الفاسد لا يسمى رهنا- الا مجازا- (الا الحج) فان فاسده أيضا يسمى حجا (لوجوب المضى فيه) اذ لو لم يكن الفاسد حجا لم يجب المضى فيه و اتمامه، فان الانسان ليس بمكلف باتيان غير الحج. فوجوب المضى علامة انه حج و إن كان فاسدا (و ظاهره)

ص: 30

إرادة الاطلاق الحقيقى

و يشكل ما ذكراه بان وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو «احل الله البيع» و اطلاقات ادلة سائر العقود فى مقام الشك فى اعتبار شي ء فيها مع ان سيرة علماء الاسلام التمسك بها فى هذه المقامات.

نعم يمكن ان يقال: ان البيع و شبهه فى العرف اذا استعمل فى الحاصل من لمصدر الّذي يراد

______________________________

اى ظاهر القواعد من قوله: «لا تطلق» (إرادة الاطلاق الحقيقى) يعنى ان العبادة و المعاملة لا تطلق- اطلاقا على سبيل الحقيقة- على الفاسد، لا انه يريد عدم الاطلاق حتى اطلاقا مجازيا لوضوح ان هذه الالفاظ تطلق على الفاسد اطلاقا من باب المشابهة فى الهيكل الصحيح.

(و يشكل ما ذكراه)- الشهيد الاول و الثانى- (بان وضعها) اى وضع الفاظ العبادات و المعاملات (للصحيح) فقط (يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و اطلاقات ادلة سائر العقود) كدليل «الرهن» و «الاجارة» و غيرهما (فى مقام الشك فى اعتبار شي ء فيها) اى فى صحة تلك العقود، مثلا لو شككنا فى انه هل تعتبر العربية فى صيغة البيع كان اللازم ان لا نتمسك ب «احل الله البيع» فى عدم اعتبارها، اذ معنى البيع على قول الشهيد «البيع الصحيح» و المفروض انا نشك فى ان صيغة البيع الفارسية صحيحة أم لا؟ (مع ان سيرة علماء الاسلام التمسك بها) اى بادلة، العقود (فى هذه المقامات) اى مقامات الشك فى ان الشي ء الفلانى هل يعتبر فى العقد أم لا؟

(نعم يمكن ان يقال) فى وجه تصحيح كلام الشهيدين (ان البيع و شبهه فى العرف اذا استعمل فى الحاصل من المصدر الّذي يراد) ذلك

ص: 31

من قول القائل: «بعت» عند إنشاء لا يستعمل حقيقة الا فيما كان صحيحا مؤثرا و لو فى نظرهم ثم اذا كان مؤثرا فى نظر الشارع كان بيعا عنده و الا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف فالبيع الّذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل «بعت» عند العرف و الشرع حقيقة فى الصحيح المفيد للاثر و مجاز فى غيره الا ان الافادة و ثبوت الفائدة مختلف فى نظر العرف و الشرع. و

______________________________

الحاصل (من قول القائل «1»: بعت عند الانشاء) فان الانسان اذا قال: «بعت الكتاب بدرهم» كان الحاصل من كلامه اثرا هو عبارة عن النقل (لا يستعمل حقيقة) اى استعمالا حقيقيا (الا فيما كان صحيحا و مؤثرا) للنقل و الانتقال (و لو فى نظرهم) اى نظر العرف- سواء وافقه نظر الشرع أم لا- (ثم اذا كان مؤثرا فى نظر الشرع) أيضا (كان بيعا عنده) اى عند الشرع (و الا كان صورة بيع) لا تفيد النقل و الانتقال (نظير بيع الهازل عند العرف) الّذي لا يفيد اثر النقل و الانتقال (فالبيع الّذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل «بعت» عند العرف و الشرع حقيقة فى الصحيح المفيد للاثر و مجاز فى غيره) اى الّذي لا يفيد الاثر- كما ذكره الشهيدان- (الا ان، الافادة) اى افادة البيع للاثر (و ثبوت الفائدة) اى ترتب النقل و الانتقال (مختلف فى نظر العرف و الشرع) فالعرف يرى الصحة احيانا فيما لا يراه الشرع كالبيع الربوي الّذي يراه العرف العادى- مقابل العرف المتشرعى- صحيحا و لا يراه الشرع صحيحا.

(و) ان قلت: يبقى فى المقام انه كيف يتمسك العلماء بإطلاق ادلة البيع

______________________________

(1) نسخة بدل

ص: 32

اما وجه تمسك العلماء بإطلاق ادلة البيع و نحوه، فلأن الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه فى الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف، او على المصدر الّذي يراد من لفظ بعت، فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثرا فى نظر الشارع أيضا فتامل

______________________________

فيما شك فى شرط او جزء، مع ان مقتضى وضعه للصحيح عدم امكان التمسك، قلت: (اما وجه تمسك العلماء بإطلاق ادلة البيع و نحوه) كالرهن و الاجارة و سائر ادلة العقود (فلان الخطابات لما وردت على طبق العرف) لان المخاطب هو العرف فمثل «احل الله البيع» يراد به البيع الّذي يفهم العرف- مثلا- (حمل لفظ البيع و شبهه فى الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف) فمعنى الآية: احل الله البيع المؤثر عند العرف (او على المصدر الّذي يراد من لفظ بعت) و الفرق بين هذا و سابقه ان المراد ب «ما هو الصحيح المؤثر» اسم المصدر و ب «على المصدر» المصدر، و المراد ان «البيع» فى الآية اما «كالغسل» أو «كالاغتسال» (فيستدل بإطلاق الحكم بحله) اى اطلاق الحلية فى الآية، اى حل هذا البيع المؤثر عند العرف المشكوك فى صحته شرعا- للشك فى جزء او شرط- (أو بوجوب الوفاء) فى قوله سبحانه: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (على كونه مؤثرا فى نظر الشارع أيضا) كما هو مؤثر فى نظر العرف. و الحاصل عدم المنافاة بين «كون البيع موضوعا للصحيح» و بين «التمسك بالإطلاق» بتقريب ان البيع موضوع للصحيح عرفا، فاذا كان هناك بيع صحيح عرفا فشك فى صحته شرعا تمسك بالإطلاق فيحكم بصحته شرعا أيضا (فتامل) فان العرف مرجع فى المفاهيم

ص: 33

فان للكلام محلا آخر.

الكلام فى المعاطاة

[الكلام في حقيقة المعاطاة و صورها]

اعلم ان المعاطاة على ما فسره جماعة ان يعطى كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الاخر و هو يتصور على وجهين.

احدهما: ان يبيح كل منها للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر الى تمليكه.

الثانى: ان يتعاطيا على وجه التمليك.

و ربما يذكر وجهان آخران.

احدهما: ان يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة بل يعطى شيئا ليتناول شيئا يدفعه الاخر إليه

______________________________

الكلية لا فى المصاديق الجزئية (فان للكلام محلا آخر) و هو باب الصحيح و الاعم من الاصول.

(الكلام فى المعاطاة) مصدر باب المفاعلة من عاطى يعاطى. (اعلم ان المعاطاة على ما فسره جماعة ان يعطى كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر) كأن يعطى زيد دينارا لعمرو فى مقابل ما يأخذه من عمرو من الكتاب (و هو يتصور على وجهين)

(احدهما: ان يبيح كل منهما للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر الى تمليكه) بان لا يقصد التمليك بل مع الغض عن التمليك.

(الثانى ان يتعاطيا) اى يعطى كل منهما للآخر (على وجه التمليك) بان يملك هذا ذاك، و ذاك هذا.

(و ربما يذكر وجهان آخران) فى المعاطاة.

(احدهما: ان يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة) التى هى الوجه الاول (بل يعطى شيئا ليتناول) و يأخذ (شيئا يدفعه الاخر

ص: 34

و الثانى: ان يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع.

و يرد الاول بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الاباحه، أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العنوانات الخاصة.

و الثانى: بما تقدم فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير نعم يظهر من غير واحد منهم فى بعض العقود كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك، كون التمليك المطلق اعم من البيع

______________________________

إليه) و النقل اعم من الملك.

(و الثانى: ان يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع) فهنا أربعة اوجه «الاباحة»، «البيع»، «النقل المطلق»، «الملك المطلق»، و حيث ان كاشف الغطاء- رحمه الله- جعل المعاطاة معاملة مستقلة لا ترتبط بالإباحة و لا البيع اخترع هذين الوجهين.

(و يرد الاول) و هو النقل المطلق (بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الاباحة أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العنوانات الخاصة) اذ لا بد للجنس من التلون بفصل اذا اريد وجوده خارجا و ربما لا يتلفظ الدافع بشي ء من هذه الامور، لكنه يقصده قلبا لا محالة، و عليه فلا يمكن تحقق النقل المطلق.

(و) يرد (الثانى: بما تقدم فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض على وجه المبادلة) بين العوض و المعوض (هو مفهوم البيع لا غير) فالتمليك المطلق هو البيع لا انه وجه جديد (نعم يظهر من غير واحد منهم فى بعض العقود- كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك ..- كون التمليك المطلق اعم من البيع) و انه نافذ بدليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .. و: تجارة عن

ص: 35

[حكم المعاطاة و أقوال العلماء في ذلك]

ثم ان المعروف بين علمائنا فى حكمها: انها مفيدة لاباحة التصرف و يحصل الملك بتلف احدى العينين.

و عن المفيد و بعض العامة: القول بكونها لازمة كالبيع.

و عن العلامة- رحمه الله- فى النهاية: احتمال كونها بيعا فاسدا، فى عدم افادتها لاباحة التصرف.

و لا بد أولا من ملاحظة ان النزاع فى المعاطاة المقصود بها الاباحة او فى المقصود بها التمليك؟ الظاهر من الخاصة و العامة هو: المعنى الثانى و حيث ان الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف

______________________________

تراض، لكنك عرفت الاشكال فيه و انه لا بد ان ينوى الدافع احد العنوانات الخاصة فهذا كله تمام الكلام فى موضوع المعاطاة

(ثم ان المعروف بين علمائنا فى حكمها انها مفيدة لاباحة التصرف) من الجانبين (و يحصل الملك) للجانبين (بتلف احدى العينين) فبمجرد ان تلف الثمن- مثلا- انتقل الثمن الى البائع و المثمن الى المشترى.

(و عن المفيد و بعض العامة: القول بكونها) اى المعاطاة (لازمة كالبيع) بالصيغة

(و عن العلامة- رحمه الله- فى النهاية: احتمال كونها بيعا فاسدا فى عدم افادتها لاباحة التصرف) فالاقوال ثلاثة: «الاباحة» و «البيع» و «لا شي ء».

(و لا بد أولا من ملاحظة ان النزاع فى المعاطاة المقصود بها الاباحة) اى ما قصد الدافع الاباحة (او فى المقصود بها التمليك؟. الظاهر من الخاصة و العامة هو: المعنى الثانى) اى المقصود بها التمليك، فاذا قصد المتعاطيان التمليك بعض يقول: بافادتها الملك، و بعض بافادتها الاباحة، و بعض بعدم افادتها لشي ء اصلا (و حيث ان الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف)

ص: 36

و حصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطين

نزل المحقق الكركى الاباحة فى كلامهم على الملك الجائز المتزلزل، و انه يلزم بذهاب احدى العينين. و حقق ذلك فى شرحه على القواعد و تعليقه على الارشاد بما لا مزيد عليه، لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ الى جعل محل النزاع هى المعاطاة المقصود بها مجرد الاباحة، و رجح بقاء الاباحة فى كلامهم على ظاهرها المقابل للملك، و نزل

______________________________

لاحد العوضين (و حصوله) اى الملك (بعده) اى بعد التلف (لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطين) اذ لو نفذ قصد الملك لزم ان ينفذ من الاول و لو لم ينفذ قصد الملك لم يوجب التلف الملك اذ لا دليل على ان التلف من المملكات.

(نزل المحقق الكركى الاباحة فى كلامهم) حيث قالوا: المعاطاة تفيد الاباحة (على الملك الجائز المتزلزل، و انه) اى الملك (يلزم بذهاب احدى العينين) اى يكون الملك لازما اذا تلف احد العوضين (و حقق) الكركى (ذلك) القول بان مرادهم الملك المتزلزل (فى شرحه على القواعد و تعليقه على الارشاد بما لا مزيد عليه، لكن بعض المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (لما استبعد هذا الوجه) بان يريد الفقهاء بالإباحة الملك المتزلزل، لان الاباحة فى مقابل الملك فكيف يمكن اطلاق احدهما على الاخر بدون القرينة (التجأ الى جعل محل النزاع) فى المعاطاة (هى المعاطاة المقصود بها الاباحة) خلافا لما تقدم من الّذي قلنا: بان مقصودهم ما اريد به الملك (و رجح بقاء الاباحة فى كلامهم) اى قولهم: ان المعاطاة تفيد الاباحة (على ظاهرها المقابل للملك) لا كما صنع المحقق الكركى (و نزل) هذا

ص: 37

حكم قدماء الاصحاب بالإباحة على هذا الوجه، و طعن على من جعل محل النزاع فى المعاطاة بقصد التمليك، قائلا: ان القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب الى اصاغر الطلبة فضلا عن اعاظم الاصحاب و كبرائهم.

و الانصاف ان ما ارتكبه المحقق الثانى فى توجيه الاباحة بالملك المتزلزل بعيد فى الغاية عن مساق كلمات الاصحاب مثل: الشيخ فى المبسوط و الخلاف و الحلى فى السرائر، و ابن زهرة فى الغنية، و الحلبى فى الكافى، و العلامة فى التذكرة و غيرها، بل كلمات بعضهم صريحة فى عدم

______________________________

المعاصر (حكم قدماء الاصحاب بالإباحة) اى افادة المعاطاة الاباحة (على هذا الوجه) اى فيما اذا اراد المتعاملان الاباحة لا ما اذا اراد الملك (و طعن على من جعل محل النزاع) فى ان المعاطاة تفيد الاباحة أو الملك (فى المعاطاة بقصد التمليك قائلا: ان القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد) المتعاطيين (الملك مما لا ينسب الى اصاغر الطلبة فضلا عن اعاظم الاصحاب و كبرائهم) اذ كيف يمكن ان يقع ما لا يقصده المتعاملان؟

و الحاصل ان الاصحاب قالوا: «المعاطاة تفيد الاباحة» فالكركى قال:

مرادهم «المعاطاة المقصود بها الملك تفيد الملك المتزلزل»، و صاحب الجواهر قال: مرادهم «المعاطاة المراد بها الاباحة تفيد الاباحة».

(و الانصاف ان ما ارتكبه المحقق الثانى فى توجيه الاباحة بالملك المتزلزل بعيد فى الغاية عن مساق كلمات الاصحاب) اى كيفيتهم لسوق الكلام و القرائن المحفوفة (مثل: الشيخ فى المبسوط و الخلاف، و الحلى فى السرائر و ابن زهرة فى الغنية، و الحلبى فى الكافى، و العلامة فى التذكرة و غيرها) من سائر كتبه (بل كلمات بعضهم صريحة فى عدم

ص: 38

الملك كما ستعرف، الا ان جعل محل النزاع ما اذا قصد الاباحة دون التمليك، ابعد منه، بل لا يكاد يوجد فى كلام احد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى

و لننقل أولا كلمات جماعة من ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الاباحة على الملك المتزلزل، كما صنعه المحقق الكركى و أبعدية جعل محل الكلام فى كلمات قدمائنا الاعلام، ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون التمليك.

فنقول- و بالله التوفيق-: قال فى الخلاف: «اذا دفع قطعة الى البقلى او الشارب

______________________________

الملك) بل الاباحة (كما ستعرف، الا ان جعل محل النزاع ما اذا قصد الاباحة دون التمليك) كما صنعه الجواهر (ابعد منه) اى من كلام الكركى (بل لا يكاد يوجد فى كلام احد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى) اى ما اذا قصد المتعاملان الاباحة.

(و لننقل أولا كلمات جماعة) من الفقهاء (ممن ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه) اى من هذا النقل (بعد) بضم الباء مقابل قرب (تنزيل الاباحة على الملك المتزلزل، كما صنعه المحقق الكركى و أبعدية جعل محل الكلام فى كلمات قدمائنا الاعلام، ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون) ان يقصدا (التمليك) كما ذكره الجواهر.

(فتقول- و بالله التوفيق-: قال فى الخلاف: اذا دفع) المشترى (قطعة) من النقود (الى البقلى) بائع البقل (او الشارب) بائع الماء، قال ابن مالك:

«و مع فاعل و فعال فعل فى نسب اغنى عن اليا فقبل»

ص: 39

فقال: اعطنى بها بقلا أو ماء، فاعطاه فانه لا يكون بيعا، و كذلك سائر المحقرات و انما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فى ما أخذه تصرفا مباحا من دون ان يكون ملكه

و فائدة ذلك ان البقلى اذا اراد ان يسترجع البقل او اراد صاحب القطعة ان يسترجع قطعته كان لهما ذلك، لان الملك لم يحصل لهما و به قال الشافعى و قال ابو حنيفة: يكون بيعا صحيحا و ان لم يحصل الايجاب و القبول و قال ذلك فى المحقرات دون غيرها. دليلنا: ان العقد حكم شرعى

______________________________

فالمراد: المنسوب الى الشرب. (فقال: اعطنى بها بقلا أو ماء، فاعطاه، فانه لا يكون بيعا و كذلك سائر المحقرات) مما ليست بأمور كبيرة كالدار و البستان و ما اشبه ...

(و انما يكون إباحة له) اى للآخذ (فيتصرف كل منهما فى ما أخذه تصرفا مباحا من دون ان يكون ملكه) اى من دون ان يكون ما اخذه ملكا له.

(و فائدة ذلك) الّذي ذكرنا من الاباحة دون الملك (ان البقلى اذا اراد ان يسترجع البقل او اراد صاحب القطعة ان يسترجع قطعته، كان لهما ذلك) الاسترجاع (لان الملك لم يحصل لهما) حتى يلتزم كل منهما بما التزم به من النقل و الانتقال (و به) اى بعدم الملك بل الاباحة (قال الشافعى و قال ابو حنيفة: يكون بيعا صحيحا و ان لم يحصل الايجاب و القبول) اللفظيين، (و قال ذلك) اى كونه بيعا صحيحا (فى المحقرات) كالماء و البقل (دون غيرها) كالدار و البستان.

(دليلنا) على ان التعاطى يفيد الاباحة لا الملك (ان العقد حكم شرعى)

ص: 40

و لا دلالة فى الشرع على وجوده هنا فيجب ان لا يثبت.

و اما الاباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها انتهى.

و لا يخفى صراحة هذا الكلام فى عدم حصول الملك و فى ان محل الخلاف بينه و بين ابى حنيفة ما لو قصد البيع لا الاباحة المجردة كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية حيث انه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال قال: و ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطى. و أيضا فتمسكه بان العقد حكم شرعى يدل على عدم انتفاء قصد البيعية

______________________________

فان الشارع يلزم ان يبين ما ذا يفيد اللزوم، و ما هو موضوع «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (و لا دلالة فى الشرع على وجوده) اى الموضوع للحكم الشرعى (هنا) فى المعاطاة (فيجب ان لا يثبت) اذ عدم الدليل دليل العدم فى امثال هذه المقامات.

(و اما الاباحة بذلك) اى حصول الاباحة للتصرف بسبب المعاطاة (فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها) اى فى الاباحة و الاجماع حجة (انتهى) كلام الشيخ.

(و لا يخفى صراحة هذا الكلام فى عدم حصول الملك) بالمعاطاة (و فى ان محل الخلاف بينه و بين ابى حنيفة ما لو قصد) المتعاملان (البيع لا الاباحة المجردة) فالذى يقول بان كلام الاصحاب «حصول الملك المتزلزل» و الّذي يقول ان كلامهم فيما «لو قصد الاباحة» خلاف هذا الكلام من الشيخ (كما يظهر أيضا) كون محل الكلام ما لو قصدا الملك- لا الاباحة- (من بعض كتب الحنفية حيث انه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال قال: و ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطى) و معلوم ان المراد بالتعاطى هو المراد بالايجاب و القبول لا الإباحة- (و أيضا فتمسكه) اى الشيخ (بان العقد حكم شرعى يدل) هذا الكلام (على عدم انتفاء قصد البيعية) اى التمليك- لا

ص: 41

و الا لكان الاولى بل المتعين التعليل به اذ مع انتفاع حقيقة البيع لغة و عرفا لا معنى للتمسك بتوقيفية الاسباب الشرعية كما لا يخفى.

و قال فى السرائر- بعد ذكر اعتبار الايجاب و القبول و اعتبار تقدم الاول على الثانى- ما لفظه: فاذا دفع قطعة الى البقلى او الشارب فقال: اعطنى فانه لا يكون بيعا و لا عقدا، لان الايجاب و القبول ما حصلا، و كذلك سائر المحقرات

______________________________

الاباحة- فيما اذا كان تعاط (و الا) بان كان قصد التمليك مفقودا فى المعاطاة (لكان الاولى بل المتعين التعليل به) اى بعدم قصد التمليك.

الا ترى انك اذا وضعت يدك على متاع لزيد لا بقصد انه يكون ملكا لك يقولون:

ان وضع يدك لا يسبب الملك لانه لم تقصد لا لانه لم يقره الشارع، اذ الكلام فى اقرار الشارع و اقراره يأتى بعد وجود اصل القصد (اذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة و عرفا لا معنى للتمسك) على انتفائه (بتوقيفية الاسباب الشرعية) و انه لا سبب شرعى فى المقام (كما لا يخفى) فان الانتفاء ينسب الى السابق من العلتين فعدم القصد سبب اوّل و عدم امضاء الشارع سبب ثان فاذا لم يكن السبب الاول لم يكن معنى للتعليل بالسبب الثانى.

(و قال) الحلى (فى السرائر- بعد ذكر اعتبار الايجاب و القبول و اعتبار تقدم الاول على الثانى-) اى يجب ان يكون الايجاب قبل القبول فلا يصح ان يقول المشترى «قبلت» ثم يقول البائع «بعت» (ما لفظه: فاذا دفع قطعة الى البقلى او الشارب فقال اعطنى فانه لا يكون بيعا) حتى يشمله:

«احل الله البيع» (و لا عقدا) حتى يشمله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (لان الايجاب و القبول ما حصلا، و كذلك) الحال فى (سائر المحقرات) بل

ص: 42

و سائر الاشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان او غير ذلك. و انما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير ان يكون ملكه او دخل فى ملكه و لكل منهما ان يرجع فيما بذله، لان الملك لم يحصل لهما و ليس ذلك من العقود الفاسدة، لانه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما، صار الى كل واحد منهما و انما ذلك على جهة الاباحة، انتهى.

فان تعليله عدم الملك بعدم حصول الايجاب و القبول يدل على انه ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك. مع ان ذكره فى حيز شروط العقد يدل على ما ذكرنا. و لا ينافى ذلك

______________________________

(و سائر الاشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان او غير ذلك. و انما يكون) هذا التعاطى (إباحة له) اى لكل واحد من الثمن و المثمن للطرف المقابل (فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير ان يكون ملكه) بسبب التعاطى (او دخل فى ملكه) بعد التعاطى (و لكل منهما ان يرجع فيما بذله لان الملك لم يحصل لهما) حتى يكون كل منهما ملتزما بما فعله من الاخذ و الاعطاء (و ليس ذلك) التعاطى (من العقود الفاسدة، لانه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار الى كل واحد منهما) فليس التعاطى عقدا مطلقا- لا صحيحا و لا فاسدا (و انما ذلك) التصرف (على جهة الاباحة انتهى) كلام السرائر.

(فان تعليله) اى السرائر (عدم الملك) لهما (بعدم حصول الايجاب و القبول يدل على انه ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك) كما قاله صاحب الجواهر- بان كلامهم فيما لو لم يقصد التمليك- (مع ان ذكره) اى هذا الكلام- و هو الايجاب و القبول- (فى حيز شروط العقد يدل على ما ذكرنا) من انه فيما اذا قصدا الملك (و لا ينافى ذلك) اى كون كلامه فى صورة قصدهما

ص: 43

قوله: و ليس هذا من العقود الفاسدة ... الخ كما لا يخفى.

و قال فى الغنية- بعد ذكر الايجاب و القبول فى عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضى و معلومية العوضين، و بعد بيان الاحتراز لكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة لها- ما هذا لفظه: و اعتبرنا حصول الايجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و الايجاب من البائع، بان يقول:

بعنيه بالف، فيقول: بعتك بالف. فانه لا ينعقد بذلك بل لا بد ان يقول المشترى بعد ذلك اشتريت او قبلت حتى ينعقد و احترازا أيضا

______________________________

الملك (قوله: و ليس هذا من العقود الفاسدة ... الخ) وجه توهم المنافاة. انه لو قصدا الملك فاللازم ان يكون عقدا فاسدا اذا لم يكن عقدا صحيحا (كما لا يخفى) اذ الامر دائر بين عقد صحيح او عقد فاسد أو الاباحة و السرائر انما نفى ذلك ليثبت الاباحة.

(و قال فى الغنية- بعد ذكر الايجاب و القبول فى عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضى و معلومية العوضين، و بعد بيان الاحتراز لكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة لها-) كالاحتراز عن المعاملة التى لا تراضى فيها، او كان احد المعوضين فيها مجهولا (ما هذا لفظه: و اعتبرنا حصول الايجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و الايجاب من البائع بان يقول) المشترى (بعينه بالف. فيقول) البائع (بعتك بالف. فانه لا ينعقد بذلك) البيع (بل لا بد ان يقول المشترى بعد ذلك) القول من البائع (اشتريت أو قبلت، حتى ينعقد) البيع (و احترازا أيضا) عطف على

ص: 44

عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو: ان يدفع الى البقلى قطعة و يقول: اعطنى بقلا فيعطيه، فان ذلك ليس ببيع و انما هو إباحة للتصرف. يدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه. و أيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به و ليس على صحة ما عداه دليل. و لما ذكرنا نهى- صلى الله عليه و آله و سلم- عن بيع المنابذة و الملاسة و عن بيع الحصاة، على التأويل الاخر

______________________________

«تحرزا» (عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو: ان يدفع الى البقلى قطعة و يقول: اعطنى بقلا، فيعطيه، فان ذلك) التعاطى (ليس ببيع و انما هو إباحة للتصرف) و (يدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه) فى اوّل كلامنا (و أيضا فما اعتبرناه) من الشرائط (مجمع على صحة العقد به و ليس على صحة ما عداه دليل) فالاصل العدم (و لما ذكرنا) من لزوم الايجاب و القبول فى البيع (نهى) النبي (- صلى الله عليه و آله و سلم- عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة).

المنابذة: هى ان ينبذ كل من البائع و المشترى الجنس الى الاخر بدون اختيار الاخر له و معرفة حسنه و عدم حسنه، كأن ينبذ هذا ثوبا الى ذاك و ينبذ ذاك ثوبا آخر الى هذا، و يكون هذا النبذ: ايجاب البيع و قبوله.

و الملامسة: هى ان يكون اللمس ايجابا للبيع كان يلمس زيد ثوب عمر و فيكون ذلك اللمس ايجابا، و بالعكس.

و بيع الحصاة: ان يكون رمى الحصاة الى و المبيع ايجابا.

و فى هذه الثلاثة اقوال أخر اظهرها ما ذكرناه.

(على التأويل الاخر) مقابل التأويل الاول: و هو ان يجرى اللفظ و يكون

ص: 45

و معنى ذلك ان يجعل اللمس بشي ء و النبذ له و القاء الحصاة بيعا موجبا انتهى فان دلالة هذا الكلام على ان المفروض قصد المتعاطيين التمليك من وجوه متعددة، منها: ظهور ادلته الثلاثة فى ذلك

______________________________

اللمس و النبذ و القاء الحصاة موجبا للتعين، كأن يقول: بعتك ثوبا بدينار، ثم يرمى إليه الحصاة ليعين الكلى فى الثوب الّذي اصابته الحصاة.

و انما قال على التأويل الاخر، اذ فى التأويل الاول يكون لفظ الايجاب و القبول فى البين بخلاف التأويل الاخر الّذي لا لفظ فيه.

و التأويل الاول و إن كان باطلا أيضا لدى «الغنية» الا ان كلامه الآن فى العقد الخالى عن اللفظ، و لذا خصص الباطل بالتأويل الآخر.

ثم انه انما سمى تأويلا لان إرادة المتبايعين للعقد و النقل و الانتقال تؤل و تنتهى الى الايجاب و القبول الصحيح او البيع بالمنابذة و الملامسة و الحصاة، و لا يراد بالتأويل معناه المعروف.

(و) كيف كان ف (معنى ذلك) الّذي ذكرناه من اقسام البيع الثلاثة على التأويل الاخر (ان يجعل اللمس بشي ء و النبذ له و القاء الحصاة بيعا موجبا.

انتهى) كلام «الغنية».

(فان دلالة هذا الكلام على ان المفروض) فى كلام «الغنية» (قصد المتعاطيين التمليك) لا الاباحة- كما قاله صاحب الجواهر- (من وجوه متعددة منها: ظهور ادلته الثلاثة) اى قوله «فان ذلك ليس ببيع» و قوله «و أيضا فما اعتبرناه مجمع» و قوله «لما ذكرنا» فانها صريحة فى ان قصد المتعاطيين التمليك لكن لا يقع التمليك للمحاذير الثلاثة، لا ان المتعاطيين لم يقصدا التمليك (فى ذلك) الّذي ذكرناه من ان يريد من اذا قصد المتعاطيان

ص: 46

و منها: احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد.

و قال فى الكافى- بعد ذكر انه يشترط فى صحة البيع امور ثمانية- ما لفظه: و اشترط الايجاب و القبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع- الى ان قال:- فان اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع و لم يستحق التسليم و ان جاز التصرف مع اخلال بعضها للتراضى، دون عقد البيع، و يصح معه الرجوع و هو فى الظهور قريب من عبارة «الغنية».

و قال المحقق- رحمه الله- فى الشرائع: و لا يكفى

______________________________

التمليك. (و منها: احترازه) بقيد الايجاب و القبول (عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء) احترازا (بنحو واحد) و من المعلوم ان الاستدعاء انما هو بالنسبة الى التمليك، فالمعاطاة أيضا كذلك.

(و قال فى الكافى- بعد ذكرانه يشترط فى صحة البيع امور ثمانية- ما لفظه: و اشترط الايجاب و القبول لخروجه) اى خروج التعامل (من دونهما) اى دون الايجاب و القبول (عن حكم البيع- الى ان قال:- فان اختل شرط من هذه) الشروط الثمانية (لم ينعقد البيع و لم يستحق) كل من المشترى و البائع (التسليم) للثمن او المثمن (و ان جاز التصرف) فى كل منهما (مع اخلال بعضها) اى بعض الشرائط الثمانية (ل) وجود (التراضي دون) ان يكون هناك (عقد البيع) موجودا (و يصح معه) اى مع التراضي فقط بدون العقد (الرجوع) من، البائع الى سلعته و من المشترى الى ثمنه، لان التراضي ليس عقدا لازم الوفاء به. (و هو فى الظهور) لقصد الكافى ما اذا قصد المتبايعان التمليك- (قريب من عبارة «الغنية»).

(و قال المحقق- رحمه الله- فى الشرائع: و لا يكفى) فى انعقاد المعاملة

ص: 47

التقابض من غير لفظ و ان حصل من الامارات ما دل على إرادة البيع انتهى.

و ذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاملات لما لم يقصد به البيع بل للتنبيه على انه لا عبرة بقصد البيع من الفعل.

و قال فى التذكرة- فى حكم الصيغة-: الاشهر عندنا انه لا بد منها فلا يكفى التعاطى فى الجليل و الحقير مثل اعطنى بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه فيقول له: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه، و به قال الشافعى لاصالة بقاء الملك

______________________________

(التقابض) اى القبض و الاقباض (من غير لفظ و ان حصل من الامارات) و القرائن اللفظية و الحالية (ما دل على إرادة البيع. انتهى) كلام «الشرائع».

(و ذكر كلمة الوصل) اى قوله «و ان حصل» (ليس لتعميم المعاملات لما لم يقصد به البيع) حتى يقال: «فقسم من المعاطاة لا يقصد فيها البيع» (بل للتنبيه على انه لا عبرة بقصد البيع من الفعل) و التعاطى المجرد عن اللفظ فانه من المعلوم ان «كلمة الوصل» قد تستعمل للتعميم كما لو قال: «اكرم زيدا و ان اهانك» اى سواء اهانك أم لا، و قد تستعمل للتنبيه المجرد.

(و قال فى التذكرة- فى حكم الصيغة-: الاشهر عندنا انه لا بد) فى العقد (منها) اى من صيغة الايجاب و القبول (فلا يكفى التعاطى فى الجليل و الحقير مثل) ان يقول المشترى: (اعطنى بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه) من الثياب (فيقول له) البائع: (خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه) المشترى بالدينار (و به قال الشافعى).

و انما نقول بعدم كفاية الفعل (لاصالة بقاء الملك) فانا نشك فى انه خرج الثمن و المثمن عن ملك مالكهما بمجرد التعاطى و التراضي أم لا؟ فالاصل

ص: 48

و قصور الافعال عن الدلالة على المقاصد.

و عن بعض الحنفية و ابن شريح فى الجليل.

و قال احمد ينعقد مطلقا. و نحوه قال مالك، فانه قال: ينعقد بما يقصده الناس بيعا. انتهى

و دلالته على قصد المتعاطيين للملك لا يخفى من وجوه، أدونها: جعل مالك موافقا لاحمد فى الانعقاد، من جهة انه قال: ينعقد بما يقصده الناس بيعا.

و قال الشهيد فى قواعده- بعد قوله: قد يقوم السبب الفعلى مقام

______________________________

بقاء كل ملك على ملك مالكه الاول (و) ل (قصور الافعال عن الدلالة على، المقاصد) لان الفعل ذو وجوه: التمليك و الاباحة و الاعارة و الوديعة و القرض و غيرها- كما لا يخفى-.

(و عن بعض الحنيفة و ابن شريح فى الجليل) اى انه لا ينعقد البيع فى الامور العظيمة بمجرد التعاطى، اما الامور الحقيرة فينعقد البيع فيها بالتعاطى

(و قال احمد) ابن حنبل (ينعقد) بالتعاطى (مطلقا) فى الجليل و الحقير (و نحوه قال مالك، فانه قال: ينعقد) البيع (بما يقصده الناس بيعا انتهى) كلام العلامة.

(و دلالته على قصد المتعاطيين للملك لا يخفى من وجوه) متعددة (ادونها:

جعل مالك موافقا لاحمد فى الانعقاد، من جهة انه) اى مالك (قال ينعقد بما يقصده الناس بيعا) و من المعلوم ان قصد الناس الملك لا الاباحة- كما قال فى الجواهر-.

(و قال الشهيد فى قواعده- بعد قوله، قد يقوم السبب الفعلى مقام

ص: 49

السبب القولى، و ذكر امثلة لذلك ما لفظه-: و اما المعاطاة فى المبايعات، فهى تفيد الاباحة لا الملك و ان كان فى الحقير- عندنا-

و دلالتها على قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفى هذا كله مع ان الواقع فى ايدى الناس هى المعاطاة بقصد التمليك و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام فى غير ما هو الشائع بين الناس، مع انهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس ثم انك قد عرفت ظهور اكثر العبارات المتقدمة فى عدم حصول الملك، بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد

______________________________

السبب القولى، و ذكر امثلة لذلك) كالهبة بالاعطاء القائمة مقام الهبة باللفظ.

و ما اشبه (ما لفظه-: و اما المعاطاة فى المبايعات فهى تفيد الاباحة لا الملك و ان كان فى الحقير- عندنا-) انتهى كلام القواعد.

(و دلالتها) اى هذه العبارة (على قصد المتعاطيين للملك) لا الاباحة (مما لا يخفى) فلا وجه لكلام صاحب الجواهر من ان كلام الفقهاء فى المعاطاة المراد بها الاباحة. (هذا كله مع ان الواقع فى ايدى الناس) فى المعاطاة التى يوقعونها (هى المعاطاة بقصد التمليك) كما لا يخفى لمن راجع المتعارف (و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام فى غير ما هو الشائع بين الناس) بان يأتوا بهذا الكلام الطويل حول المعاطاة التى يراد بها الاباحة مما لا خارج لها اطلاقا الا فى بعض الاحيان النادرة (مع انهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس) لقرينة امثلتهم و غيرها (ثم انك قد عرفت ظهور اكثر العبارات المتقدمة فى عدم حصول الملك) من المعاطاة (بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد) لانهم صرحوا بافادة المعاطاة

ص: 50

و مع ذلك كله، فقد قال المحقق الثانى فى جامع المقاصد: انهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل. فقال: المعروف بين الاصحاب ان المعاطاة بيع و ان لم يكن كالعقد فى اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد. و لا يقول احد بانها بيع فاسد سوى المصنف فى النهاية، و قد رجع عنه فى كتبه المتأخرة. و قوله تعالى: الا ان تكون تجارة عن تراض، عام الا ما أخرجه الدليل. و ما يوجد فى عبارة جمع من متأخرى الاصحاب من انها تفيد الاباحة و تلزم بذهاب احدى العينين يريدون به عدم اللزوم فى اوّل الامر

______________________________

الاباحة. (و مع ذلك كله، فقد قال المحقق الثانى فى جامع المقاصد: انهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل) و ان المعاطاة تفيد ذلك (فقال: المعروف بين الاصحاب ان المعاطاة بيع و ان لم يكن كالعقد فى اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد) الّذي يقول بانها بيع لازم (و لا يقول أحد بأنها بيع فاسد) حتى لا يترتب عليها حتى الاباحة (سوى المصنف) اى العلامة (فى النهاية، و قد رجع عنه) اى عن كونه بيعا فاسدا (فى كتبه المتأخرة) عن النهاية (و قوله تعالى: الا ان تكون تجارة عن تراض، عام) شامل للمعاطاة و غيرها (الا ما أخرجه الدليل) كبيع الكالى بالكالى و ما اشبه، مما هو تجارة عن تراض و مع ذلك باطل لوجود دليل خاص على بطلانه، و ليس مما اخرجه الدليل المعاطاة فهى باقية تحت عموم «تجارة عن تراض» (و ما يوجد فى عبارة جمع من متأخرى الاصحاب من انها تفيد الاباحة و تلزم بذهاب احدى العينين) اى تلف الثمن او المثمن (يريدون به) اى بالإباحة بتأويلها ب «الكلام» (عدم اللزوم فى اوّل الامر) حين المعاطاة، لا انهم يريدون الاباحة حقيقة

ص: 51

و بالذهاب يتحقق اللزوم، لامتناع إرادة الاباحة المجردة من اصل الملك اذ المقصود للمتعاطيين انما هو الملك، فاذا لم يحصل كان بيعا فاسدا و لم يجز التصرف و كافة الاصحاب على خلافه. و أيضا فان الاباحة المحضة لا تقتضى الملك اصلا و راسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر فى يده. و انما الافعال،

______________________________

(و بالذهاب) اى فقد احدى العينين (يتحقق اللزوم)

و انما اوّلنا كلامهم «الاباحة» الى «الملك المتزلزل» (لامتناع إرادة) الاصحاب من لفظ «الاباحة» الموجودة فى كلامهم (الاباحة المجردة من اصل الملك) اى إباحة بلا ملك، بل مرادهم إباحة التصرفات مع انه ملك متزلزل (اذ المقصود للمتعاطيين الملك، فاذا لم يحصل) الملك اطلاقا- لا ملكا لازما و لا ملكا متزلزلا- (كان بيعا فاسدا و لم يجز التصرف) اصلا، لا انه يجوز التصرف لانه مباح (و كافة الاصحاب على خلافه) اى خلاف البيع الفاسد، فان احدا منهم لا يقول بالمعاملة الفاسدة (و أيضا) يدل على ان مرادهم بالإباحة الملك المتزلزل (فان الاباحة المحضة لا تقتضى الملك اصلا) و لو بعد فقد احدى العينين (و راسا) اى اطلاقا (فكيف) يقولون بانه (يتحقق ملك شخص) كالبائع مثلا للثمن (بذهاب مال آخر فى يده)، كذهاب الثمن فى يد البائع، اى لا وجه لان نقول: ان البائع يملك الثمن بذهاب هذا الثمن- الّذي هو مال للمشترى فى يد البائع، و يصح ان يقال، فى مقام الاستعباد: انه كيف يملك المشترى المثمن بذهاب ثمنه فى يد البائع (و) ان قلت: مقتضى ما ذكرتم ان يكون، البيع لازما، فلما ذا تقولون انه ملك متزلزل، قلت: (انما الافعال) كالمعاطاة

ص: 52

لما لم تكن دلالتها على المراد فى الصراحة كالاقوال لانها تدل بالقرائن، منعوا لزوم العقد بها، فيجوز التراد ما دام ممكنا و مع تلف احدى العينين يمتنع التراد فيتحقق اللزوم و يكفى تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد فى الباقى اذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر انتهى.

و نحوه المحكى منه فى تعليقه على الارشاد و زاد فيه: ان مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع فان حصل مقصودهما ثبت ما قلناه

______________________________

- فى المقام- (لما لم تكن دلالتها على المراد بالصراحة كالقول) الّذي دلالته بالصراحة (لانها) اى الافعال (تدل بالقرائن) مثل الاعطاء يدل بالقرينة على انه بيع، و الا فالاعطاء يمكن ان يكون هبة و غيرها (منعوا من لزوم العقد بها) اى بالافعال (فيجوز) لكل من البائع و المشترى (التراد) فيرد كل جنس صاحبه ليأخذ جنسه (ما دام) التراد (ممكنا و مع تلف احدى العينين يمتنع التراد فيتحقق اللزوم) و يكون الملك المتزلزل ملكا لازما (و يكفى) فى افادة اللزوم (تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد فى الباقى) كأن يتلف دينار من الثمن الّذي هو مائة دينار- مثلا-، و معنى امتناع التراد انه لا يتمكن البائع- فى المثال- ان يرد عين مائة دينار التى اخذها من المشترى (اذ هو) اى تراد البعض (موجب لتبعض الصفقة و الضرر) يعنى فى بعض الموارد، و الا فليس جميع الموارد كذلك كما لا يخفى (انتهى) كلام الكركى فى جامع المقاصد.

(و نحوه المحكى منه فى تعليقه على الارشاد و زاد فيه: ان مقصود المتعاطيين) من التعامل (إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع) فان المتبايعين يريدان ان يباح لكل منهما التصرف إباحة مترتبة على الملك لا إباحة مترتبة على الهبة أو ما اشبه (فان حصل مقصودهما ثبت ما قلناه) من ترتب

ص: 53

و الا لوجب ان لا تحصل إباحة بالكلية بل يتعين الحكم بالفساد اذ المقصود غير واقع فلو وقع غيره لوقع بغير قصد و هو باطل. و عليه يتفرع النماء و جواز و طى الجارية و من منع فقد اغرب انتهى.

و الّذي يقوى فى النفس ابقاء ظواهر كلماتهم على حالها و انهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك فى المعاطاة على فرض قصد المتعاطيين التمليك و ان الاباحة لم يحصل بانشائها

______________________________

الملك المتزلزل على المعاطاة (و الا) يحصل مقصودهما (لوجب ان لا تحصل إباحة بالكلية) اى اطلاقا- خلافا لما نسب الى المشهور من انهم يقولون بالإباحة المطلقة- (بل يتعين الحكم بالفساد) للمعاملة و انه لا يترتب عليه إباحة و لا ملك (اذ المقصود) للمتعاطيين (غير واقع فلو وقع غيره) اى الاباحة المطلقة- لا المترتبة على الملك- (لوقع بغير قصد) منهما، لانهما لم يقصداه (و هو باطل) اذ الامور المتوقفة على القصد لا تكون الا بالقصد، و ان شئت قلت: «ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع» (و عليه) اى على الملك (يتفرع النماء و جواز و طى الجارية) فان قلنا بالملك كان النماء للمشترى و جاز له الوطي، و ان لم نقل بالملك فلا ملك و لا إباحة، فليس له نماء و لا يجوز له وطى الجارية (و من منع) مما ذكرناه، بل قال بعدم الملك (فقد أغرب) اى اتى بشي ء غريب (انتهى) كلام الكركى رحمه الله.

(و الّذي يقوى فى النفس ابقاء ظواهر كلماتهم على حالها) فمرادهم المعاطاة المراد بها الملك- لا الاباحة- كما قال الجواهر (و انهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك فى المعاطاة) اى ان المعاطاة تفيد الاباحة (على فرض قصد المتعاطيين التمليك) لا ان المعاطاة تفيد الملك المتزلزل- كما قال الكركى- (و ان الاباحة لم تحصل بانشائها) اى إنشاء الاباحة

ص: 54

ابتداء بل انما حصلت- كما اعترف به فى المسالك- من استلزام اعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليها، الاذن فى التصرف فيه بوجوه التصرفات فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم فى عبارته المتقدمة.

و حاصله ان المقصود هو الملك، فاذا لم يحصل فلا منشأ لاباحة التصرف اذ الاباحة إن كانت من المالك فالمفروض انه لم يصدر منه الا التمليك و إن كانت من الشارع فليس عليها دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد الى نص فى ذلك مع ان الغاء الشارع للاثر المقصود

______________________________

(ابتداء) لانهما لم ينشئا الا الملك (بل انما حصلت) الاباحة (- كما اعترفت به فى المسالك- من استلزام اعطاء كل منهما سلعته) فى حالكون المعطى (مسلطا) الطرف الاخر (عليها، الاذن فى التصرف فيه) «الاذن» مفعول «استلزم» (بوجوه التصرفات) حتى المتلفة منها (فلا يرد عليهم) اى على المشهور القائلين بهذا القول (عدا ما ذكره المحقق المتقدم فى عبارته المتقدمة).

(و حاصله) اى حاصل الايراد (ان المقصود) للمتعاطيين (هو الملك، فاذا لم يحصل) لعدم وجود الايجاب و القبول (فلا منشأ لاباحة التصرف) و انما لا يكون منشأ للاباحة (اذ الاباحة إن كانت من المالك) و ان المالك اباح (فالمفروض انه لم يصدر منه) اى من المالك (الا التمليك) لانه قصد الملك (و إن كانت) الاباحة (من الشارع فليس عليها) اى على الاباحة الشرعية (دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد الى نص فى ذلك) بان يدل نص على انه متى ما تعاطيا افاد التعاطى الاباحة الشرعية (مع) ان الاباحة الشرعية يرد عليه (ان الغاء الشارع للاثر المقصود)

ص: 55

و ترتيب غيره بعيد جدا، مع ان التأمل فى كلامهم يعطى إرادة الاباحة المالكية لا الشرعية.

و يؤيد إرادة الملك ان ظاهر اطلاقهم إباحة التصرف، شمولها للتصرفات التى لا تصح الا من المالك كالوطى و العتق و البيع لنفسه و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات- كما اذا وقعت هذه التصرفات من ذى الخيار او من الواهب الّذي يجوز له الرجوع- بعيد.

______________________________

الّذي هو الملك (و ترتيب غيره) الّذي هو الاباحة (بعيد جدا) فان المعروف من سيرة الشارع انه او كل الامور القصدية- من هذا القبيل- الى اصحاب القصد، لا انه تصرف فيها على خلاف رغبة اصحابه (مع ان التأمل فى كلامهم يعطى) و يفيد (إرادة الاباحة المالكية لا) الاباحة (الشرعية) فالقول بالإباحة الشرعية خلاف ظاهر كلماتهم.

(و يؤيد إرادة) المشهور (الملك) المتزلزل من الاباحة، لا الاباحة الاصطلاحية- و هذا الكلام من تتمة الاشكال من قبل الكركى على من يقول بإرادة الفقهاء الاباحة المصطلحة- (ان ظاهر اطلاقهم) ب (إباحة التصرف، شمولها) اى الاباحة (للتصرفات التى لا تصح الا من المالك كالوطى و العتق و البيع لنفسه) لا عن المالك، فانه ورد: لا وطى الا فى ملك، و لا عتق الا فى ملك، و لا بيع الا فى ملك (و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات- كما اذا وقعت هذه التصرفات من ذى الخيار او من الواهب الّذي يجوز له الرجوع-) فان الهبة الى ذى الرحم، و الى الزوجة، و مع الشرط، و ما اشبه لا يصح فيها الرجوع (بعيد) خبر قولهم: التزامهم.

ص: 56

و سيجي ء ما ذكره بعض الاساطين من ان هذا القول مستلزم لتاسيس قواعد جديدة لكن الانصاف ان القول بالتزامهم لهذه الامور اهون من توجيه كلماتهم فان هذه الامور لا استبعاد فى التزامها اذا اقتضى الاصل عدم الملكية و لم يساعد عليها

______________________________

و الحاصل من هذا الاشكال: انكم اما تقولون بانه لا يجوز ان يتصرف المتعاطيان مثل هذه التصرفات فى السلعة، او تقولون بصحة هذه التصرفات. و الاول خلاف اطلاق الفقهاء انه يجوز كل تصرف فى السلعة، و الثانى لا يخلو: اما ان تقولون بسبق الملك عليها- و هذا هو المطلوب- و اما ان تقولون بتقارنها مع الملك- كتصرف ذى الخيار- حيث ان البائع للامة بخيار له اذ وطأها كان الوطي تصرفا و اخذا بالخيار حيث انها بمجرد الوطي تكون ملكا له، اى ترجع الى ملكه، و هذا بعيد جدا، يحتاج الى دليل قوى و حيث وجد الدليل فى باب الهبة و الخيار نقول بذلك و لكن لا دليل هنا على ان التصرف مملك و لذا لا نقول به (و سيجي ء ما ذكره بعض الاساطين من ان هذا القول) اى الاباحة المجردة عن الملك (مستلزم لتاسيس قواعد جديدة) فى الفقه. و الحاصل ان اللازم ان نقول بافادة المعاطاة الملك لا الاباحة، هذا حاصل الاشكال الّذي يوجه الى كلام الشيخ الّذي يقول بان مراد الفقهاء الاباحة، لا الملك المتزلزل (لكن الانصاف ان القول بالتزامهم) اى الفقهاء (لهذه الامور) و الاشكالات التى ترد على القول بالإباحة (اهون من توجيه كلماتهم) بصرفها عن ظاهرها الى الملك المتزلزل (فان هذه الامور) و الاشكالات، الواردة على القول بالإباحة (لا استبعاد فى التزامها اذا اقتضى الاصل عدم الملكية) فى المعاطاة (و لم يساعد عليها) اى على

ص: 57

دليل معتبر و اقتضى الدليل صحة التصرفات المذكورة مع ان المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد، المنع عما يتوقف على الملك كاخراجه فى خمس او زكاة، و كوطى الجارية و صرح الشيخ فى المبسوط بان الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الايجاب و القبول، و لا يحل وطيها.

و مما يشهد على نفى البعد عما ذكرنا من ارادتهم الاباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك انه قد صرح الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر، كظاهر العلامة فى

______________________________

الملكية (دليل معتبر) من ناحية (و اقتضى الدليل صحة التصرفات المذكورة) اى المالكية من ناحية اخرى- هذا أولا- (مع ان المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد، المنع عما) اى عن التصرف الّذي (يتوقف على الملك كاخراجه) اى اخراج ما اخذه بالمعاطاة (فى خمس او زكاة، و كوطى الجارية) ثانيا. و الحاصل انا نقول بالإباحة، و نرد اشكال: انه كيف يمكن التصرف المالكى فى السلعة؟ بانه لا مانع منه اذ دل الدليل، أولا، و بانه لا نسلم بجواز مثل هذا التصرف، كما قاله الشهيد، ثانيا.

(و) يؤيد عدم جواز التصرف المالكى فى السلعة التى اخذت بالمعاطاة انه (صرح الشيخ فى المبسوط بان الجارية لا تملك بالهدية العارية) اى الفاقدة (عن الايجاب و القبول، و لا يحل وطيها) لانها لم تدخل فى ملك الموهوب له.

(و مما يشهد على نفى البعد عما ذكرنا من ارادتهم الاباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك) فى المعاملة المعاطاتية (انه قد صرح الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر، كظاهر العلامة فى

ص: 58

القواعد: بعدم حصول الملك باهداء الهدية بدون الايجاب و القبول و لو من الرسول نعم يفيد ذلك إباحة التصرف لكن الشيخ استثنى وطى الجارية.

ثم ان المعروف بين المتأخرين ان من قال بالإباحة المجردة فى المعاطاة قال بانها ليست بيعا حقيقية كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة و معقد اجماع الغنية

______________________________

القواعد: بعدم حصول الملك باهداء الهدية بدون الايجاب و القبول و لو من الرسول) الواسطة فى ايصال الهدية، و انما يكون هذا الكلام منهم مؤيدا، لا دليلا، لان كلامهم فى الهداية، لا فى البيع، نعم هو مؤيد لان البابين من واد واحد، من هذا الحيث (نعم يفيد ذلك) الاهداء الخالى عن الايجاب و القبول (إباحة التصرف) من الموهوب له فى الموهوب (لكن الشيخ استثنى وطى الجارية) فلا يجوز هذا التصرف

(ثم ان المعروف بين المتاخرين ان من قال بالإباحة المجردة فى المعاطاة قال بانها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة) كعبارة التذكرة و غيرها (و معقد اجماع الغنية) اى اللفظ الّذي ادعى عليه الاجماع، فان الاجماع قد يكون منصبا على جملة خاصة فتسمى تلك الجملة معقدا، و قد يكون الاجماع فى قول آخر فلا يكون له معقد، مثلا قد يقول الفقيه: «تلزم الصيغة فى البيع اجماعا» فان «لزوم الصيغة» معقد الاجماع، و قد يقول: «لم يشترط فلان الصيغة فى البيع، و الّذي يظهر لى اشتراطها دليلنا على ذلك الاجماع» فان الاجماع فى المثال لا معقد له، اى ليس هناك لفظ خاص حتى يرجع فى

ص: 59

و ما ابعد ما بينه و بين توجيه المحقق الثانى من إرادة نفى اللزوم، و كلاهما خلاف الظاهر.

و يدفع الثانى تصريح بعضهم بان شرط لزوم البيع منحصر فى مسقطات الخيار، فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات و تصريح غير واحد بان الايجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة.

______________________________

مورد الشك إليه (و ما ابعد ما بينه) اى بين كون المعاطاة ليست مفيدة للملك و انها ليست بيعا حقيقة (و بين توجيه المحقق الثانى من إرادة) الاصحاب (نفى اللزوم) و انها بيع حقيقة و تفيد الملك المتزلزل (و كلاهما خلاف الظاهر) من الاصحاب.

(و يدفع الثانى) اى كلام المحقق (تصريح بعضهم بانه شرط لزوم البيع منحصر فى مسقطات الخيار، فكل بيع عنده) اى عند هذا القائل (لازم من غير جهة الخيارات) فكيف يقول المحقق: ان المعاطاة بيع غير لازم و يلزم من غير جهة مسقطات الخيار، اذ لزوم المعاطاة عنده بالتصرف المتلف فى احد العوضين (و تصريح غير واحد بان الايجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة) فلا ينعقد البيع بدون الايجاب و القبول، فكيف ينسب المحقق إليهم انهم يقولون بانعقاد البيع و لكنه متزلزل؟

و الظاهر ان قوله «بالصيغة» متعلق بقوله «الايجاب و القبول» و الا لم يكن هذا الكلام ردا على من يقول بالانعقاد بالمعاطاة، اذ لو قلنا «ان الانعقاد بالصيغة مشروط بالايجاب و القبول» كان لازمه ان الانعقاد يمكن بغير الايجاب و القبول، فتامل.

ص: 60

و اما الاول فان قلنا بان البيع عند المتشرعة حقيقة فى الصحيح و لو بناء على ما قدمناه فى آخر تعريف البيع من ان البيع فى العرف: اسم للمؤثر منه فى النقل، فإن كان فى نظر الشارع او المتشرعة من حيث انهم متشرعة و متدينون بالشرع صحيحا مؤثرا فى الانتقال كان بيعا حقيقيا، و الا كان بيعا صوريا نظير بيع الهازل فى نظر العرف فيصح على ذلك نفى البيعية على وجه الحقيقة فى كلام كل من اعتبر فى صحته الصيغة او فسره بالعقد، لانهم فى

______________________________

(و اما الاول) اى انها ليست بيعا و لا مفيدة للملك (فان قلنا بان البيع عند المتشرعة حقيقة فى الصحيح) المفيد للاثر (و لو بناء على ما قدمناه فى آخر تعريف البيع) قبل بحث المعاطاة فى بيان كلام الشهيد (من ان البيع فى العرف: اسم للمؤثر منه فى النقل، فإن كان فى نظر الشارع او المتشرعة من حيث انهم متشرعة و متدينون بالشرع) حيث يصح الانتساب الى الشرع (صحيحا مؤثرا فى الانتقال كان بيعا حقيقيا، و الا) يكن مؤثرا (كان بيعا صوريا نظير بيع الهازل فى نظر العرف) و انه بيع صورى و ليس بيعا حقيقيا (فيصح على ذلك) التقدير، و هذا جواب الشرط الّذي هو قوله «فان قلنا» (نفى البيعية على وجه الحقيقة) اى المعاطات ليست بيعا حقيقيا (فى كلام كل من اعتبر فى صحته) اى صحة البيع (الصيغة) اذ لا صيغة فى المعاطاة فلا بيع حقيقة (او فسره بالعقد) اى فسر البيع بالعقد، اذ لا عقد فى المعاطات، فلا بيع حقيقة، و «او» عطف على «من اعتبر». و انما قلنا انه بناء على كون البيع حقيقة فى الصحيح يصح نفى البيعية عن المعاطاة (لانهم فى

ص: 61

مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر فى النقل فى نظر الشارع.

اذا عرفت ما ذكرنا

فالأقوال في المعاطاة- على ما يساعد، ظواهر كلماتهم- ستة:

اللزوم مطلقا

كما هو ظاهر المفيد و يكفى فى وجود القائل به قول العلامة رحمه الله- فى التذكرة: الاشهر عندنا انه لا بدّ من الصيغة

______________________________

مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر فى النقل فى نظر الشارع) و من المعلوم ان المؤثر فى النقل ليس الا بيعا صحيحا. ثم ان قوله:

«فان قلنا بان البيع» له عدل مطوى فى الكلام لم يذكره لوضوحه، و هو هكذا: و ان قلنا بان البيع حقيقة فى الاعم فلا يصح نفى البيعية.

و الحاصل من قوله: «ثم ان المعروف» .. الى هنا، ان فى المعاطاة قولين: افراطى و تفريطى، الاول: انها ليست بيعا، و الثانى انها بيع يفيد الملك المتزلزل، و كلاهما غير تام، اما الثانى: فلان المشهور يقولون بان المعاطاة تفيد الاباحة لا الملك، و اما الاول فان قلنا بان البيع حقيقة فى الصحيح، و قلنا: بان البيع يحتاج الى الصيغة يصح قوله بانها ليست بيعا و ان قلنا بان البيع حقيقة فى الاعم، لا يصح قوله

(اذا عرفت ما ذكرنا) من توجيه كل من المحقق و الجواهر لكلام المشهور، و مما ذكرناه فى بيان كلام المشهور (ف) اعلم ان (الاقوال فى المعاطاة- على ما يساعده ظواهر كلماتهم- ستة):

الاول (اللزوم مطلقا) كسائر انواع البيع (كما هو ظاهر المفيد، و يكفى فى وجود القائل به قول العلامة- رحمه الله- فى التذكرة:

الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة) مما يدل على ان غير الاشهر عدم الاحتياج الى الصيغة

ص: 62

و اللزوم بشرط كون الدال على التراضي او المعاملة لفظا

حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى بعض متأخري المحدثين لكن فى عدّ هذا من الاقوال فى المعاطاة تاملا.

و الملك غير اللازم،

ذهب إليه المحقق الثانى و نسبه الى كل من قال بالإباحة و فى النسبة ما عرفت.

و عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك،

كما هو ظاهر عبائر كثير بل

______________________________

(و) الثانى (اللزوم بشرط كون الدال على التراضي او المعاملة لفظا) كما يقول: نرضى بهذا التبادل، او نعامل هذه المعاملة- بدون الايجاب و القبول- فى قبال ان لا يقولا لفظا اصلا كما لو وضع النقد و اخذ الجنس فى حضور صاحب الجنس (حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى بعض متأخري المحدثين لكن) لا يخفى ان (فى عدّ هذا من الاقوال فى المعاطاة تاملا) اذ جماعة اعتبروا فى المعاطاة خلوها من اللفظ اطلاقا، و عليه فليس هذا من الاقوال فى المعاطاة لخروجه موضوعا عنها.

(و) الثالث (الملك غير اللازم، ذهب إليه المحقق الثانى و نسبه الى كل من قال بالإباحة) الذين هم المشهور، مدعيا ان مرادهم بالإباحة الملك المتزلزل (و فى النسبة ما عرفت) من انها خلاف ظواهر كلماتهم بل صريح بعضهم ينفيها.

(و) الرابع (عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك) كالوطى و العتق و البيع و ما اشبه (كما هو ظاهر عبائر كثير بل

ص: 63

ذكر فى المسالك ان كل من قال بالإباحة يسوّغ جميع التصرفات.

و إباحة ما لا يتوقف على الملك

و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشى الشهيد على القواعد و هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ فى اهداء الجارية من دون ايجاب و قبول

و القول بعدم إباحة التصرف مطلقا

نسب الى ظاهر النهاية، لكن ثبت رجوعه عنه فى غيرها.

و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة

و ان قصد

______________________________

ذكر فى المسالك ان كل من قال بالإباحة يسوّغ) و يجوّز (جميع التصرفات) حتى المتوقفة على الملك.

(و) الخامس (إباحة ما لا يتوقف على الملك) من التصرفات كالاستعمال و نحوه .. لا الوطي و العتق و نحوهما .. (و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشى الشهيد) الاول (على القواعد و) هذا القول (هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ فى اهداء الجارية من دون ايجاب و قبول) حيث اباح كل تصرف باستثناء وطى الجارية، اذ لو جاز كل تصرف كالقول الرابع- لجاز وطيها أيضا.

(و) السادس (القول بعدم إباحة التصرف مطلقا) حتى غير التصرفات المستلزمة للملك فلا يجوز استخدام الجارية- مثلا- فضلا عن وطيها (نسب) هذا القول (الى ظاهر النهاية، لكن ثبت رجوعه عنه فى غيرها) اى غير النهاية من سائر كتبه.

(و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة و ان قصد

ص: 64

المتعاطيان بها التمليك، بل لم نجد قائلا به الى زمان المحقق الثانى الّذي قال به و لم يقتصر على ذلك حتى نسبه الى الاصحاب.

نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة السرائر حيث قال فيه: الاقوى ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فان تلفت لزمت انتهى و لذا نسب ذلك إليه فى المسالك لكن قوله بعد ذلك و لا يحرم على كل منهما الانتقاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد ظاهر فى ان مراده مجرد الانتفاع اذ لا معنى لهذه العبارة بعد الحكم بالملك.

[الأقوى حصول الملك]

اشارة

و اما قوله و الاقوى ... الخ، فهو اشارة الى خلاف

______________________________

المتعاطيان بها) اى بالمعاطاة (التمليك، بل لم نجد قائلا به) اى بالملك (الى زمان المحقق الثانى) الكركى (الّذي قال به و لم يقتصر على ذلك) القول لنفسه (حتى نسبه الى الاصحاب.)

(نعم ربما يوهمه) اى الملك (ظاهر عبارة السرائر حيث قال فيه:

الا قوى ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما) البائع و المشترى (فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فان تلفت لزمت) و ظاهر قوله «غير لازمة» الملك غير اللازم، لا الاباحة (و لذا نسب ذلك) القول بالملك (إليه) اى الى السرائر (فى المسالك، لكن قوله) اى السرائر (بعد ذلك) الكلام المتقدم (و لا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد) الّذي لا يجوز لكل منهما التصرف فيما قبضه (ظاهر فى ان مراده) اى السرائر- من كلامه المتقدم- (مجرد الانتفاع) لا الملك (اذ لا معنى لهذه العبارة): و لا يحرم .. الخ (بعد الحكم بالملك) الظاهر من عبارته السابقة.

(و اما قوله) اى السرائر (و الاقوى ... الخ، فهو اشارة الى خلاف

ص: 65

المفيد و العامة القائلين باللزوم و اطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان و اطلاق الفسخ على الرد بهذا الاعتبار أيضا، و كذا اللزوم و يؤيد ما ذكرنا، بل يدل عليه: ان الظاهر من عبارة السرائر فى الهبة توقفها على الايجاب و القبول ثم قال و هل يستغنى عن الايجاب و القبول فى هدية الاطعمة؟ الاقرب عدمه، نعم يباح التصرف بشاهد الحال انتهى.

______________________________

المفيد و العامة القائلين باللزوم) فى المعاطاة، فكلامه ردّ لمن قال باللزوم، و لمن قال بالمعاوضة الفاسدة، و الوسط بينهما الاباحة فقط (و) اما ما نجده فى عبارة السرائر من (اطلاق المعاوضة عليها) اى على المعاطاة، الظاهر فى الملك، اذ لا معاوضة فى الاباحة، فانما هو (باعتبار ما قصده المتعاطيان) من المعاوضة (و اطلاق الفسخ على الردّ) فى كلام السرائر- مع ان ظاهر الفسخ الملك- (بهذا الاعتبار) اى باعتبار ما قصده المتعاطيان (أيضا و كذا اللزوم) فى قوله «لزمت» الظاهر فى انها معاوضة فان لفظ اللزوم باعتبار قصد المتعاطيين.

(و يؤيد ما ذكرنا) من ان السرائر لا يقول بالملك فى المعاطاة (بل يدل عليه: ان الظاهر من عبارة السرائر فى الهبة توقفها على الايجاب و القبول) و من المعلوم ان الهبة لو كانت متوقفة عليهما كان توقف البيع بطريق اولى- و لذا اضرب المصنف بقوله: بل يدل عليه- (ثم قال) السرائر فى الهبة: (و هل يستغنى عن الايجاب و القبول فى هدية الاطعمة؟) كاناء حلواء و ما اشبه من المحقرات، المتعارف اهداؤها بدون ايجاب و قبول (الاقرب عدمه، نعم يباح التصرف) فيها (بشاهد الحال) فان حال الاهداء شاهد بان المالك اباح التصرف (انتهى)

ص: 66

و صرح بذلك أيضا فى الهدية فاذا لم يقل فى الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول بها فى البيع.

[الاستدلال بالسيرة]

و ذهب جماعة تبعا للمحق الثانى الى حصول الملك و لا يخلو من قوة للسيرة المستمرة على معاملة الماخوذ بالمعاطاة معاملة الملك فى التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الايصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك

[الاستدلال بآية أحل الله البيع]

و يدل عليه عموم قوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

______________________________

كلام السرائر. (و صرح بذلك) التوقف على الايجاب و القبول (أيضا فى الهدية) و الهبة اعم من الهدية، و لذا يقال: وهبت حقك، و لا يقال:

اهديت حقك (فاذا لم يقل فى الهبة بصحة المعاطاة) التى هى ادون من البيع (فكيف يقول بها) اى بصحة المعاطات (فى البيع) الّذي مبناه على الدقة شرعا و عرفا.

(و ذهب جماعة تبعا للمحقق الثانى الى حصول الملك) بالمعاطاة (و لا يخلو) هذا القول (من قوة للسيرة المستمرة) من المتشرعة على المعاطاة و ترتيب اثر الملك عليها، فان بناء المتشرعة (على معاملة الماخوذ بالمعاطاة معاملة الملك فى التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الايصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك) كالهبة و الهدية و التخميس و التزكية و الحج الحاصل بالاستطاعة به و التمهير، و من المعلوم ان هذه السيرة متصلة بزمان المعصوم و لم يرد ردع عنه عليه السلام، فهى حجة.

(و يدل عليه) اى على الملك أيضا (عموم قوله تعالى: احل الله البيع) و المراد بالعموم الاطلاق- فان احدهما يطلق على الاخر

ص: 67

حيث انه يدل على حلية جميع التصرفات المترتبة على البيع بل قد يقال بان الآية دالة عرفا بالمطابقة على صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفى لكنه، محل تامل.

و اما منع صدق البيع عليه فمكابرة

______________________________

بمعناهما اللغوى- (حيث انه يدل على حلية جميع التصرفات المترتبة على البيع) فيما يسمى فى العرف بيعا، و من المعلوم ان حلية جميع التصرفات حتى التى تتوقف على الملك تلازم الملك، و ان شئت قلت: ان المعاطاة بيع عرفا فيشملها قوله تعالى: احل الله البيع، و انما قال المصنف «حيث انه .. الخ» لبيان ان الآية انما تدل على الملك على الحكم التكليفى المستلزم للحكم الوضعى اى الملك، فدلالة الآية على الملك بالالتزام (بل قد يقال بان الآية دالة عرفا بالمطابقة) فالدلالة المطابقية- عرفا- لا لغة، اذ الدلالة المطابقية اللغوية ان يقال:

«البيع يوجب الملك» (على صحة البيع) فان معنى «الحلية» عرفا «الصحة» (لا مجرد الحكم التكليفى) اى الحلية المستلزمة للصحة حتى تكون الدلالة التزامية (لكنه محل تامل) بسبب قوله سبحانه «و حرم الربا» فالحرمة فى الربا تكليفية و الحلية فى البيع أيضا تكليفية لكن قد يقال: ان الحرمة فى الربا أيضا وضعية لان المعاملة الربوية فاسدة، و فيه ان الظاهر من الحرمة و الحلية التكليف لا الوضع، و فى الربا أيضا نقول بالفساد لدليل خارج.

(و اما منع صدق البيع عليه) اى على التعاطى بدون الصيغة (فمكابرة) و تشكيل القياس هكذا: «المعاطاة بيع، و كل بيع حلال.

ص: 68

و اما دعوى الاجماع فى كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا، كابن زهرة فى الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة التى هى احدى العقود و لذا صرح فى الغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع.

و دعوى- ان البيع الفاسد عندهم ليس بيعا-

______________________________

ثم: الحلية مستلزمة للملك، فكلما يستلزم الحلية يستلزم الملك»، فقول المصنف أو لا «حيث انه ..» بيان للقياس الثانى و «قوله: و اما منع» بيان للقياس الاول.

(و اما دعوى الاجماع فى كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا، كابن زهرة فى الغنية ف) ليس منافيا لما ذكرناه اذ (مرادهم بالبيع) المنفى عن المعاطاة (المعاملة اللازمة التى هى احدى العقود) لا انها ليست بيعا اطلاقا (و لذا صرح فى الغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع) فيدل هذا الكلام ان البيع عبارة عن المعاملة اللازمة حتى جعل الايجاب و القبول شرطا له، و الا فلو كانت المعاملة التى فيها الايجاب و القبول بيعا، لم يعقل ان يكون الايجاب و القبول شرطا، فان الشي ء لا يكون شرطا لنفسه و الحاصل ان جعل اللفظ من شرائط صحة البيع لا من مقومات حقيقته- فى كلام السيد- يشهد على ان مراده بالبيع المعاملة لا مطلق البيع، فلا يكون كلامه دالا على عدم صدق البيع على المعاطاة فالمراد بالبيع المنفى لا حقيقة البيع الصحيح لا حقيقة البيع.

(و) ان قلت: على هذا يلزم ان يكون البيع الفاسد بيعا، مع انه ليس يبيع- عندهم- قلت: (دعوى- ان البيع الفاسد عندهم ليس بيعا-

ص: 69

قد عرفت الحال فيها.

[الاستدلال بآية التجارة]

و مما ذكر يظهر وجه التمسك بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

[الاستدلال بحديث السلطنة و المناقشة فيه]

و اما قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم

______________________________

قد عرفت الحال فيها) قبيل الكلام فى المعاطاة، فى شرح كلام الشهيد رحمه الله، و قوله «عندهم» متعلق ب «ليس بيعا».

(و مما ذكر) فى وجه التمسك لصحة المعاطاة و ايجابها الملك، بآية: احلّ الله البيع (يظهر وجه التمسك بقوله تعالى: الّا ان تكون تجارة عن تراض) فان المعاطاة تجارة عرفا، و التجارة حيث استثنت عن «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» جائزة الاكل، و الاكل عبارة عن كل تصرف يسمى فى العرف اكلا، كعتق العبد و وطى الجارية و الهدية و الهبة، فمعنى الآية: لا تتصرفوا التصرفات المالكية فى الاموال الا اذا انتقلت إليكم تلك الاموال بالتجارة فيجوز تلك التصرفات. و هذا الجواز يلازم الملك فاذا ضممنا ذلك الى ما هو معلوم لدى العرف من ان «المعاطاة تجارة» ثبت المطلوب.

(و اما قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم) لا يخفى ان المشهور على الالسنة «الناس مسلطون على انفسهم و اموالهم» و هذا ليس بحديث و انما استفيد تسلط الناس على انفسهم من قوله تعالى:

«النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم» و من قوله صلى الله عليه و آله:

«الست اولى بكم من انفسكم» مما يدل على انه للانسان ولاية على نفسه لكن النبي اولى، فاذا تعارض امر النبي و إرادة الشخص قدم امر النبي لكونه اولى،

ص: 70

فلا دلالة فيه على المدعى

______________________________

و هذا يدل على ان للانسان الاختيار التام و الحرية الكاملة فى التصرفات فى نفسه الا اذا كان ذلك التصرف محرما شرعا، بدليل، كأن يقتل الانسان نفسه او يقطع عضوا من اعضائه او يذهب قوة من قواه كأن يعمى نفسه او يعمل عملا موجبا للذلة، و يدل على الاول قوله تعالى: و لا تقتلوا انفسكم. و على الثانى انه مثلة و يشملها قوله صلى الله عليه و آله: اياكم و المثلة. و على الثالث قوله صلى الله عليه و آله: لا ضرر و لا ضرار، اما الاضرار القليل كالفصد و الحجامة و اللطم و التطبير و ما اشبه فهى جائزة اما نصا و اما لانه لا دليل على كلية حرمة الاضرار بالنفس بدليل تعبّد النبي و الائمة الطاهرين- صلوات الله عليهم- حتى كانت تتورم أقدامهم، و حتى كان الامام كالشّن البالى، و حتى ابيض عين يعقوب من الحزن، و من المعلوم ان مثل هذه الاضرار لو كانت محرمة لم تسقط الحرمة بالتعارض مع الاستحباب، بل بدون الاستحباب كقصة يعقوب و يوسف- عليهما السلام- و من المعلوم ان النبي لا يتغلب عاطفته لفراق ولده حتى يأتى بالمعصية! و كون البكاء كان غير مقدور له يبطله عتاب الله اياه- كما ورد فى الاحاديث و الكلام طويل ليس هنا محله. و على الرابع قوله صلى الله عليه و آله: ليس للمؤمن ان يذل نفسه (فلا دلالة فيه على المدعى) اى كون المعاطاة، موجبة للملك، وجه توهم الدلالة: ان الانسان اذا كان مسلطا على ماله، جاز له ان يعطيه معاطاة فى قبال ثمن يأخذه معاطاة، و انما قلنا لا يدل: لانه دال على ان الانسان مسلط على ماله لا انه مسلط على حكمه فليس للانسان ان يشرّع تشريعا جديدا فى ماله، مثلا

ص: 71

لان عمومه باعتبار انواع السلطنة فهو انما يجدى فيما اذا شك فى ان هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا فى حقه أم لا؟ اما اذا قطعنا بان سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة فى حقه ماضية شرعا، لكن شك فى ان هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطى مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه؟ فلا يجوز الاستدلال على سببية المعاطاة فى الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس على اموالهم.

______________________________

ليس له ان يقول: كلما عطست صار مالى وقفا، او كلما حركت يدى صار مالى منذورا للامام، فكذلك ليس له ان يقول: كلما اعطيت مالى مقابل شي ء آخذه كان مالى لمن اخذه معاطاة (لان عمومه) اى عموم الناس مسلطون (باعتبار انواع السلطنة) كسلطنة الانسان على اعطاء ماله تمليكا و عارية و اجارة و رهنا و هبة ... و ما اشبه (فهو انما يجدى فيما اذا شك فى ان هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا فى حقه أم لا؟) و الحاصل انه عام بالنسبة الى كل نوع نوع كما لو فرضنا الشك فى انه هل له ان يعطى ماله فى مقابل تامين حياته- كما هو المعتاد الآن- أم لا؟ (اما اذا، قطعنا بان سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة فى حقه ماضية شرعا، لكن شك فى ان هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطى مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه؟) بان الشك فى سببية السبب لا فى اصل المسبب (فلا يجوز) اى لا يصح (الاستدلال على سببية المعاطاة فى الشريعة للتمليك) متعلق ب «سببية» (بعموم تسلط الناس على اموالهم) اذ ليس فى «الناس» عمومان بل عموم واحد، و لا يخفى ان هذا الكلام لو ارجع الى ما تقدم من «ان الناس مسلطون على اموالهم

ص: 72

و منه يظهر أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجي ء من شروط الصيغة

[المناقشة في دلالة الآيتين]

و كيف كان ففى الآيتين مع السيرة كفاية

اللّهم الا ان يقال: انهما لا تدلان على الملك و انما تدلان على إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك كالبيع و الوطي و العتق و الايصاء

______________________________

لا على احكامهم» كان له وجه، و الا فلا وجه لان نقول بان له عموما، من جهة لا من جهة اخرى.

(و منه) اى من عدم صحة التمسك لكون المعاطاة موجبة للملك، بالناس مسلطون (يظهر أيضا عدم جواز التمسك به) اى بالناس مسلطون (لما سيجي ء من شروط الصيغة) فلو شك فى انه هل تشترط العربية فى الصيغة أم لا- مثلا-؟ لا يصح التمسك بالناس مسلطون، لعدم الاشتراط، لما عرفت من ان هذه القاعدة انما تفيد العموم بالنسبة الى انواع السلطة لا بالنسبة الى سببية بعض الاسباب المشكوك فيها (و كيف كان) سواء صحت هذه القاعدة دليلا على التمليك أم لا (ففى الآيتين مع السيرة كفاية) بل كل واحد من الآيتين، بل حتى السيرة وحدها، كاف فى الافادة.

(اللهم الا ان يقال: انهما لا تدلان على الملك و انما تدلان حتى إباحة جميع التصرفات حتى) التصرفات (المتوقفة على الملك كالبيع و الوطي و العتق و الايصاء) لان آية «احل الله البيع» دلت على الحلية، لا الملك، و آية «الا ان تكون تجارة» دلت على جواز الاكل، و جواز الاكل غير الملك (و) ان قلت: حلية هذه التصرفات المستفادة من

ص: 73

و إباحة هذه التصرفات انما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة فى سائر المقامات من الاجماع و عدم القول بالانفكاك دون المقام الّذي لا يعلم ذلك منهم حيث قد اطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات و صرح فى المسالك بان من اجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرفات غاية الامر انه لا بد من التزامهم بان التصرف المتوقف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما فان الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار

______________________________

الآيتين تلازم الملك كما سبق تقريره، قلت: (إباحة هذه التصرفات انما يستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة) تلك الملازمة (فى سائر المقامات) التى دل الدليل فيها على صحة هذه التصرفات (من الاجماع) بيان «الحاصلة» (و عدم القول بالانفكاك) بين الملك و بين جواز هذه التصرفات (دون المقام) اى المعاطاة (الّذي لا يعلم ذلك) التلازم بين جواز التصرفات و بين الملك (منهم حيث) نراهم (قد اطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات) «إباحة» مفعول «اطلق» (و صرح فى المسالك بان من اجاز المعاطاة سوّغ) و جوّز (جميع التصرفات) حتى المتوقفة على الملك، ان قلت: فكيف يمكن ان يقال بان التصرف متوقف على الملك، و يقال بان هذه التصرفات جائزة، فيما ليس بملك قلت: (غاية الامر انه لا بد من التزامهم بان التصرف المتوقف على الملك) كالوطى و العتق (يكشف عن سبق الملك عليه) اى على ذلك، التصرف (آنا مّا) جمعا بين الدليلين: دليل انه ليس بملك و دليل لا وطى الا فى ملك- مثلا- (فان الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار) الآنامائى

ص: 74

من الملك و لا يتوقف على الالتزام بالملك من اوّل الامر فيقال ان مرجع هذه الاباحة أيضا الى التمليك.

[المناقشة في دلالة السيرة]

اما ثبوت السيرة و استمرارها على التوريث فهى كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة و قلّة المبالاة فى الدين مما لا يحصى فى عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم كما لا يخفى.

______________________________

(من الملك و لا يتوقف) الجمع (على الالتزام بالملك من اوّل الامر) حين المعاطاة (فيقال) نتيجة لهذا الجمع (ان مرجع هذه الاباحة) المعاطاتية (أيضا الى التمليك) لان الاباحة منتهية الى الملك السابق على الوطي مثلا.

(و) ان قلت: فما ذا تقولون فى الارث، و هل تلتزمون بان ملك المبيح يدخل بموت المباح له فى ملك وراثه، او تقولون انه قبل موت المباح له آنا مّا يدخل المال فى ملك المباح له ثم ينتقل منه الى وراثه و من المعلوم ان كليهما خلاف القواعد و لا دليل عليه،.

قلت: (اما ثبوت السيرة و استمرارها) قديما و حديثا (على التوريث فهى كسائر سيراتهم) اى بعض المتشرعة (الناشئة عن المسامحة و قلة المبالاة فى الدين مما لا يحصى فى عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم) كعدم اعتنائهم بمسائل الصلاة خصوصا الشك و السهو، و عدم تفقههم فى مسائل المعاملة و دخولهم فى وظائف الظلمة بلا ضرورة و لا اجبار (كما لا يخفى) و عليه فمقتضى القاعدة- عند من لا يرى المعاطاة مملكا ان يقول بان المال يرجع الى المالك و الثمن الى المشترى فيما اذا مات المشترى قبل التصرف، ثم انك قد عرفت انا جمعنا بين عدم كون المعاطاة

ص: 75

و دعوى: انه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة على الملك كما يظهر من المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد من منع اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى و عدم جواز وطى الجارية المأخوذة بها و قد صرح الشيخ- رحمه الله- بالاخير فى معاطاة الهدايا فيتوجه التمسك حينئذ بعموم الآية على جوازها فيثبت الملك

______________________________

مملكة و بين جواز هذه التصرفات كالوطى بالملك آنا مّا، و هناك احتمال انه ليس يجوز التصرفات المالكية اصلا.

(و) لكن هذا الاحتمال ليس فى محله اذ (دعوى: انه لم يعلم من القائل بالإباحة) فى المعاطاة (جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة على الملك كما يظهر) عدم الجواز (من المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد من منع اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخميس و الزكاة و ثمن الهدى) لان هذه الامور يجب ان تكون من مال الانسان، و الحال ان المأخوذ بالمعاطاة ليس مالا للآخذ (و عدم جواز وطى الجارية الماخوذة بها) اى المعاطاة لانه لا وطى الا فى ملك (و قد صرح الشيخ- رحمه الله- بالاخير) اى بعدم جواز و طى الجارية الماخوذة بالمعاطاة (فى معاطاة الهدايا) و حيث لا يجوز هذه الامور (فيتوجه التمسك حينئذ) اى حين لم يجز هذه الامور- بمقتضى القاعدة الاولية- (بعموم الآية) اى آية: احل الله البيع (على جوازها) اى جواز هذه الامور (فيثبت الملك) للتلازم بين جواز هذه الامور و بين الملك.

و الحاصل انه تلازم بين الجواز و الملك و بين عدم الملك و عدم الجواز و لذا لما لم يقل الشيخ و الشهيد بالملك لم يقولا بالجواز، و عليه فمن

ص: 76

- مدفوعة بانه و ان لم يثبت ذلك الا انه لم يثبت ان كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من اوّل الامر فيجوز للفقيه حينئذ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف على الملك لا من اوّل الامر.

[الأولى في الاستدلال على المختار]
اشارة

فالاولى حينئذ التمسك فى المطلب.

______________________________

اجاز هذه الامور قال بالملك (- مدفوعة بانه و ان لم يثبت ذلك) اى لم يثبت ان من يقول بالإباحة يقول بجواز هذه التصرفات (الا انه لم يثبت ان كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من اوّل الامر)، عند المعاطاة، مقابل الملك آنا مّا قبل التصرفات المالكية كالعتق- مثلا- (فيجوز للفقيه حينئذ) اى حين لم يكن تلازم بين الملك من الاول و بين، إباحة جميع التصرفات (التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف على الملك لا من اوّل الامر) و هو الملك آنا مّا.

و حيث تقدم أولا ان الآية لا تدل على الملك بالمطابقة، لان حل التصرف ليس عبارة عن الملك، و لا تدل على الملك بالالتزام لان حل التصرف ليس يلازم الملك من اوّل الامر لامكان القول بالملك آنا مّا، فلا دلالة فى الآية على الملك، و كذلك لا حجية للسيرة، كما عرفت من عدم معلومية كونها سيرة صحيحة فيبقى كلام المصنف القائل بان المعاطاة تفيد الملك- تبعا للمحقق الثانى- خاليا عن الدليل، و لذا رجع عن كلامه الاول و قال بدلالة الآية على الملك بالمطابقة بقوله:

(فالاولى حينئذ التمسك فى المطلب) اى اثبات افادة المعاطاة

ص: 77

بان المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا هذا مع امكان اثبات صحة المعاطاة فى الهبة و الاجارة ببعض اطلاقاتها و تتميمه فى البيع بالاجماع المركب.

هذا مع ان ما ذكر من ان للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه

[دعوى كاشف الغطاء أن القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة]
اشارة

و لذا

______________________________

الملك (بان المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا) و انه يوجب الملك، (و هذا) وجه لاثبات افادة المعاطاة الملك، و هناك وجه آخر اشار إليه بقوله: (مع امكان اثبات صحة المعاطاة فى الهبة و الاجارة ببعض اطلاقاتها) الشاملة لما اذا كانت هناك صيغة أم لم تكن صيغة (و تتميمه) اى كون المعاطاة مفيدا للملك (فى البيع بالاجماع المركب) فان كل من قال بافادة المعاطاة لما يفيده اللفظ قال بذلك فى الهبة و البيع و من لم يقل به لم يقل به فى الهبة و البيع، لكن ثبت فى الهبة بالدليل فيثبت فى الجميع أيضا.

(هذا مع) ان القول بعدم افادة المعاطاة الملك و الالتجاء الى الملك آنا مّا غير تام ف (ان ما ذكر من ان للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه) كالعتق و الوطي و ما اشبه (لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه) اذ يكون الملك حينئذ بلا سبب و لا دليل اما عدم الدليل فواضح و اما عدم السبب فإن كان السبب التعاطى فاللازم ان يكون الملك حال التعاطى و إن كان السبب التصرف فالمفروض ان الملك قبل التصرف و المتاخر لا يؤثر فى المتقدم (و لذا) الّذي ذكرناه من ان المعاطاة تفيد الملك لا الاباحة و انها ان افادت الاباحة لزم من ذلك

ص: 78

ذكر بعض الاساطين فى شرحه على القواعد فى مقام الاستبعاد ان القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة، منها ان العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود.

و منها: ان يكون إرادة التصرف من المملكات فيملك العين او المنفعة بإرادة التصرف بهما او معه دفعة و ان لم يخطر ببال المالك الاول الاذن فى شي ء من هذه التصرفات لانه قاصد للنقل من حين الدفع و انه لا سلطان له بعد ذلك

______________________________

محاذير (ذكر بعض الاساطين) هو الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء (فى شرحه على القواعد فى مقام الاستبعاد) لافادة المعاطاة الاباحة (ان القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتاسيس قواعد جديدة)- و من المستبعد جدا ان تكون القواعد السابقة التى بنا عليها الفقهاء منذ قرون كلها تكون باطلة و خلاف الظواهر و الادلة

(منها: ان العقود و ما قام مقامها) كالايقاعات (لا تتبع القصود) اذ قصد المتعاطيين الملك، فحصلت الاباحة، و من المشهور عندهم ان العقود تتبع القصود، لانها امور بيد العاقد، و ليست من الامور التكوينية التى لا مدخلية لقصد الانسان فيها.

(و منها: ان يكون إرادة التصرف من المملكات) بناء على الملك آنا مّا (فيملك العين او المنفعة بإرادة التصرف بهما) اى بالعين و المنفعة (او معه) اى مع التصرف (دفعة) و فورا (و ان لم يخطر ببال المالك الاول) المنتقل عنه المال (الاذن فى شي ء من هذه التصرفات) اى كالوطى و العتق و الهبة و ما اشبه (لانه قاصد للنقل من حين الدفع) لا من حين التصرف (و انه لا سلطان له بعد ذلك) فان البائع

ص: 79

بخلاف من قال اعتق عبدك عنى و تصدق بمالى عنك.

و منها: ان الاخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا تتعلق بما فى اليد.

______________________________

يقصد انه بالبيع ينتقل المال الى المشترى و انه لا سلطة له على السلعة بعد ان باعها، ان قلت: فليكن هذا من قبيل من قال: «اعتق عبدك عنى» فانه حين العتق يملّك القائل العبد آنا ما ثم يعتقه عنه، و فى ما نحن فيه اذا اعطاه العبد معاطاة و اراد المشترى عتق العبد يملك العبد لنفسه آنا مّا ثم يعتقه، قلت: المعاطاة (بخلاف من قال: اعتق عبدك عنى و تصدق بمالى عنك) فان القائل يوكل الفاعل فى تمليكه العبد و المال عند إرادة العتق و الصدقة، و ليس المعاطاة كذلك، اذ بمجرد المعاطاة يقطع كل واحد منهما صلته عن الثمن و المثمن.

(و منها: ان الاخماس و الزكوات و الاستطاعة) للحج (و الديون) للناس (و النفقات) للزوجة و الاقربين (و حق المقاسمة) للسلطان فى الاراضى المفتوحة عنوة (و الشفعة) فى الدار المشتركة التى باعها احد الشريكين لاجنبى مما لشريكه الحق فى اخذها بنفس القيمة التى باعها بها (و المواريث) فيما اذا مات ورثة الوارث (و الربا) الّذي يعطى اكثر مما يأخذ قرضا (و الوصايا) كما لو اوصى بان يعطى لزيد الف دينار و (تتعلق بما فى اليد) اى ما هو ملك للانسان، فلو قلنا: بان المعاطاة لا تفيد الملك بل الاباحة، لزم احد امرين: اما ان نقول بعدم جريان هذه الامور فى الماخوذ بالمعاطاة، و هو خلاف المقطوع، و اما ان نقول بجريانها فيلزم اجراء ما هو حكم الملك فيما ليس بملك ...

ص: 80

..........

______________________________

فكيف يتعلق الخمس و الزكاة بما ليس بماله مما اخذه معاطاة؟

و كيف يجب عليه الحج بسبب الاستطاعة الحاصلة بمال المعاطاة؟

و كيف يجب عليه وفاء دينه عن مال الناس الّذي اخذه معاطاة، و الحال انه مباح له التصرف فيه لا انه ماله و ملكه؟

و كيف يتعلق عليه اعطاء نفقة زوجته و والده من الماخوذ بالمعاطاة الّذي ليس بملك له؟

و كيف يعطى حق السلطان من مال انتقل إليه بالمعاطاة، و الحال انه ليس بمال المنتقل إليه؟

و كيف يتعلق حق الشفعة للشريك بدار لم تنتقل الى المشترى بالمعاطاة؟ لان المعاطاة اباحت تصرف الاجنبى فى الدار، و لم تملكه اياها، فاذا صح للشريك ان يأخذ بالشفعة لزم وقوع الشفعة على المال الّذي لم ينتقل عن المالك، لان الدار بعد ملك للبائع المعاطاتى.

و كيف يرث الولد من والده المال الّذي انتقل إليه بالمعاطاة، و الحال ان المال لم يصر ملكا للاب بل هو باق فى ملك البائع؟

و كيف انه يحرم ان يعطى الانسان المال الّذي انتقل إليه بالمعاطاة فى مقابل الزيادة، و الحال ان الربا فى الملك، و هذا المال ليس بملك له؟، مثلا اخذ زيد وزنة من الشعير معاطاة ثم باعها بوزنة و نصف فانه يلزم عدم حرمة ذلك، اذ ليست الوزنة ملكا له، و الربا انما يأتى فى الملك.

و كيف يتمكن ان يوصى الانسان بمال ليس له مما اخذه بالمعاطاة؟

ثم لا يخفى ان فى بعض العبارات السابقة- كالمقاسمة و الربا و ما

ص: 81

مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه او عدم العلم به فينفى بالاصل فتكون متعلقة بغير الاملاك.

و ان صفة الغنى و الفقر تترتب عليه كذلك.

______________________________

اشبه ..- احتمالا آخر فى تفسير مراد كاشف الغطاء.

و كيف كان، فهذا المال المنتقل إليه معاطاة لا يجرى عليه الاحكام المذكورة (مع العلم) من المنتقل إليه (ببقاء مقابله) خلافا لصورة علمه بذهاب المقابل، حيث عرفت ان تلف احد المالين يوجب ملكية الطرف الاخر للمال (و عدم التصرف) من المنتقل إليه (فيه) اى فى المال، فان التصرف من احد الجانبين يوجب الملك- كما تقدم- عند القائلين بالإباحة (او عدم العلم) من المنتقل إليه (به) اى بتصرف الطرف فى ماله (فينفى) التصرف (بالاصل) لاصالة عدم التصرف، و اصالة عدم الانتقال (فتكون) هذه الامور التى ذكرناها (متعلقة بغير الاملاك) و قد عرفت ان هذه الامور كالارث و الوصايا و سائر ما ذكر انما تتعلق بالاملاك، لا باموال الناس المباحة لهذا الشخص الّذي يريد التصرف.

(و) أيضا لازم القول بالإباحة (ان صفة الغنى و الفقر تترتب عليه) اى على ما ليس بملك (كذلك) اى فى صورة العلم بعدم تلف المال المقابل، او عدم العلم بالتلف، فانك اذا اشتريت قالب ثلج بدينار و سقط الثلج عن المالية يلزم ان تكون فقيرا حينئذ- اذا لم يكن لك مال آخر- و الحال ان الدينار بعد لك، و انت لا تكون فقيرا اذا كان لك دينار، و بالعكس يلزم ان يكون البائع للثلج غنيا، و الحال ان

ص: 82

فيصير ما ليس من الاملاك بحكم الاملاك.

و منها: كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر مضافا الى غرابة استناد الملك الى التصرف.

و منها: جعل التلف السماوى من جانب مملكا للجانب الاخر و التلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين و لا رجوع الى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.

______________________________

الدينار ليس له، لانه بعد باق على ملك مالكه (فيصير ما ليس من الاملاك بحكم الاملاك) بالنسبة الى بائع الثلج، كما يصير ما من الاملاك ليس بحكم الاملاك بالنسبة أليك.

(و منها: كون التصرف من جانب مملكا من جانب آخر) فيكون تصرف زيد فى الثمن مملكا لعمرو المثمن (مضافا الى غرابة استناد الملك الى التصرف) فانه لم يرد فى الشريعة دليل على ان التصرف يوجب الملك فكيف بتصرف انسان لملك انسان آخر.

(و منها: جعل التلف السماوى من جانب) كما لو تلف المثمن بصاعقة مثلا (مملكا للجانب الاخر) لان القائلين بالإباحة يقولون: بان تلف احد الشيئين سواء كان التلف سماويا او اختياريا مملك للجانبين (و)، جعل (التلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين) فلو اعطى دارا بالف لزم ان تكون الدار فى قبال الألف و الألف فى قبال الدار، مع ان مقتضى القاعدة ان يكون تلف المال مقابلا لضمان المثل فيما يكون مثليا و ضمان القيمة فيما يكون قيما، و المسمى لا شان له بعد عدم انعقاد البيع (و) على هذا ف (لا رجوع) لمن تلف داره- مثلا- و هو المنتقل عنه (الى قيمة المثل) كالفين مثلا (حتى يكون له الرجوع بالتفاوت) بين

ص: 83

و مع حصوله فى يد الغاصب او تلفه فيها فالقول بانه المطالب لانه تملك بالغصب او التلف فى يد الغاصب غريب و القول بعدم الملك بعيد جدا مع ان فى التلف القهرى ان ملك التالف قبل التلف فعجيب و معه

______________________________

المسمى و بين المثل- كألف فى المثال-.

ثم انه لو غصب الماخوذ بالمعاطاة غاصب و اتلفه يأتى الكلام فى انه هل صار ملكا للآخذ حتى يكون هو المطالب او انه لم يملك لانه لم يتلفه بل باق على ملك المنتقل عنه حتى يكون هو المطالب- و كلاهما خلاف القواعد-، و الى هذا اشار بقوله: (و مع حصوله) اى الماخوذ بالمعاطاة (فى) يد الغاصب (او تلفه) اى الماخوذ بالمعاطاة (فيها) اى فى يد الغاصب (فالقول بانه) اى الاخذ بالمعاطاة (المطالب)- بصيغة اسم الفاعل- للمال عن الغاصب (لانه) اى الاخذ بالمعاطاة (تملك) المال (ب) سبب (الغصب) لانه من انحاء التصرف، و قد سبق ان التصرف موجب للملك (او) لانه تملك بسبب (التلف فى يد الغاصب) و التلف تصرف (غريب) خبر «فالقول» و وجه الغرابة ان غصب الغاصب او اتلافه يكون مملكا للمال، و مثل هذا غير مألوف من الشريعة (و القول بعدم الملك) بان بقى المال على ملك المنتقل عنه حتى يكون هو المطالب عن الغاصب (بعيد جدا) اذ اى ربط للمال بالمنتقل عنه بعد ان اعطاه و اخذ ثمنه، حتى يقال له: خذ مالك او بدله من الغاصب (مع ان فى التلف القهرى) للمال فى يد المنتقل إليه الاخذ بالمعاطاة (ان ملك التالف قبل التلف) آنا ما (فعجيب) اذ لا سبب للملك (و معه)

ص: 84

بعيد لعدم قابليته و بعده ملك معدوم و مع عدم الدخل فى الملك يكون ملك الاخر بغير عوض، و نفى الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين.

و منها: ان التصرف ان جعلناه من النواقل القهرية، فلا يتوقف على النية فهو بعيد.

______________________________

اى مع التلف بان يقال: انه يملك حين التلف (بعيد) وجه البعد (لعدم قابليته) اى قابلية المال حال التلف للملكية، لان الملكية علاقة بين الوجودين لا بين موجود و شي ء متوسط بين العدم و الوجود (و بعده) اى ان قلنا: ان الآخذ ملك المال المعاطاتى بعد التلف (ملك معدوم) و المعدوم لا يملك- كما هو واضح- (و) ان قلت: انه لا يملك الآخذ المال المعدوم لا قبل الانعدام و لا مع الانعدام و لا بعد الانعدام، و انما تلف هذا المال بسبب دخول مقابله فى ملك الطرف الاخر، قلت: (مع عدم الدخول) لهذا التالف (فى الملك) للمنتقل إليه (يكون ملك الاخر بغير عوض) و كيف يمكن ان يقال ان الملك المعاطاتى بغير عوض؟

(و) ان قلت: نقول بانه لم يملك المنتقل عنه المال الّذي تلف، و لا يملك الطرف الاخر المال الّذي هو عوض، قلت: (ففى الملك) لا لهذا و لا ذاك (مخالف للسيرة) اذ سيرة المتشرعة: المعاملة مع المالين المبدلين بالمعاطاة معاملة الملك (و) مخالف ل (بناء المتعاطيين) و قد سبق: ان العقود تتبع القصود.

(و منها: ان التصرف) لاحد الطرفين فى المال المنتقل إليه (ان جعلناه من النواقل القهرية، فلا يتوقف على النية) اى نية التملك (فهو بعيد) اذ كيف يمكن ان ينتقل مال زيد الى خالد بدون نية احدهما للملكية

ص: 85

و ان اوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطيا بالشبهة و الجانى عليه و المتلف له جانيا على مال الغير و متلفا له.

و منها: ان النماء الحاصل قبل التصرف ان جعلنا حدوثه مملكا له، دون العين فبعيد او معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الاكثر و

______________________________

- حال التصرف- (و ان اوقفناه) اى النقل (عليها) اى على النية (كان) اللازم ان يكون (الواطئ للجارية من غيرها) اى بدون نية التملك (واطيا بالشبهة) و لا يقول بذلك احد، (و الجانى عليه) اى على الماخوذ بالمعاطاة (و المتلف له جانيا على مال الغير و متلفا له) لا جانيا على مال نفسه، فاللازم ان يعطى الدية للجناية او التلف للمنتقل عنه، و هذا ما لا يقول به احد.

(و منها: ان النماء الحاصل قبل التصرف) من المنتقل إليه، كما لو اشترى البستان بالمعاطاة، و قبل ان يتصرف فيه اعطى الثمر (ان جعلنا حدوثه) اى النماء (مملكا له) اى للنماء (دون العين) اما العين فلانه لم يتصرف فيها، و اما النماء فلانه حدث فى ملكه (فبعيد) لان العين اذا لم تصر ملكا للمشترى فالنماء تابع للعين (او معها) اى مع العين (فكذلك) بعيد، اذا لم يتصرف فى العين حتى تكون ملكا له و قد سبق ان القائلين بالإباحة يقولون بان التصرف مملك دون غيره (و كلاهما مناف لظاهر الاكثر) فان كون حدوث النماء ملكا للنماء وحده، او مملكا للنماء و للعين، خلاف ظاهر اكثر الفقهاء، لان الظاهر منهم حصر الملك فى التصرف (و) ان قلت: نقول بانه لم يملك النماء و لا

ص: 86

شمول الاذن له خفى.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 5، ص: 87

و منها: قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه الى: ان اذن المالك فيه اذن فى التمليك فيرجع الى كون المتصرف فى تمليك نفسه موجبا قابلا و ذلك جار فى القبض بل هو اولى منه لاقترانه بقصد التمليك دونه انتهى.

[المناقشة في ما ادعاه كاشف الغطاء]

و المقصود من ذلك كله استعباد هذا

______________________________

العين- قبل التصرف- و انما يجوز له التصرف فى العين و النماء إباحة من المالك و قبل التصرف كلاهما باق على ملك المالك الاول، قلت: (شمول الاذن له) اى للنماء (خفى) اذ الاذن انما كان بالنسبة الى العين دون النماء، فكيف يجوز ان يتصرف المنتقل إليه فى النماء؟

(و منها: قصر التمليك) اى حصر المشهور تمليك المأخوذ بالمعاطاة (على التصرف) فيه (مع الاستناد) اى استنادهم (فيه) اى فى كون التصرف مملكا (الى: ان اذن المالك فيه) اى فى التصرف (اذن فى التمليك) لنفسه (فيرجع الى كون المتصرف فى تمليك نفسه موجبا قابلا) موجبا من طرف المالك قابلا من طرف نفسه (و ذلك) المناط فى حصول الملك بالتصرف (جار فى القبض) اى قبض المال من المالك، فاذا قلتم بان التصرف مملك لأذن المالك فى التمليك، لم لا تقولون بان القبض مملك لأذن المالك فى التمليك؟ (بل هو اولى منه) اى يكون القبض مملكا اولى من كون التصرف مملكا (لاقترانه) اى القبض (بقصد) المالك (التمليك) لان المالك يعطى بقصد التمليك (دونه) اى دون التصرف، فانه ليس مقترنا بقصد المالك التمليك (انتهى) كلام شارح القواعد.

(و المقصود من ذلك كله) مما ذكره بعض الاساطين (استعباد هذا

ص: 87

القول لا ان الوجوه المذكورة تنهض فى مقابل الاصول و العمومات اذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء.

اما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها للقصود، ففيها:

أولا: ان المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود و لا من القائم مقامها شرعا فان تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه عنه انما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الاثر المقصود عليه.

______________________________

القول) اى افادة المعاطاة الاباحة دون الملك، لا أنها أدلة لامتناع القول المذكور (لا ان الوجوه المذكورة تنهض فى مقابل الاصول و العمومات) الدالة على عدم افادة المعاطاة الملك (اذ ليس فيها) اى فى الوجوه المذكورة (تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء) كما ذكره كاشف الغطاء- رحمة اللّه عليه- و ذلك لوجود الاشكال فى الوجوه التى ذكرها:

(اما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها) من الايقاعات (للمقصود، ففيها:)

(أولا: ان المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود، و لا من القائم مقامها) اى مقام العقود (شرعا).

ثم بين المصنف- رحمه الله- الوجه فى تبعية العقد للقصد بقوله: (فان تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه) اى العقد (عنه) اى عن القصد (انما هو لاجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه) فإن معنى: أن العقد الفلاني صحيح، أنه يترتب عليه الأثر المقصود (فلا يعقل حينئذ) اى حين كانت الصحة بمعنى ترتب الاثر (مع عدم ترتب الاثر المقصود عليه) الى على العقد.

ص: 88

اما المعاملات الفعلية التى لم يدل على صحتها دليل فلا يحكم بترتب الاثر المقصود عليها كما نبه عليه الشهيد فى كلامه المتقدم، من ان السبب الفعلى لا يقوم مقام السبب القولى فى المبايعات.

نعم اذا دل الدليل على ترتب اثر عليه حكم به و ان لم يكن مقصودا.

و ثانيا

______________________________

و كيف كان فالمعاطاة- على هذا القول- خارجة موضوعا عن قولهم «العقود تتبع القصود» لأنها ليست بعقد اصلا.

ان قلت: لما ذا لا تجرون قاعدة «العقود تتبع القصود» فى المعاطاة، أ ليست هى معاملة فعلية فتشملها «القاعدة» قلت: (اما المعاملات، الفعلية) اى التى تكون بالتعاطى (التى لم يدل على صحتها دليل) خاص (فلا يحكم بترتب الاثر المقصود) كالملك فى بيع المعاطاة (عليها، كما نبه عليه الشهيد فى كلامه المتقدم، من ان السبب الفعلى لا يقوم مقام السبب القولى فى) المعاملات و (المبايعات) حيث قال: و اما المعاطاة فى المبايعات فهى لا تفيد الا الاباحة لا الملك- فان ذكره لهذه الجملة بعد قوله «قد يقوم السبب الفعلى مقام السبب القولى» استثناء منه- فكأنه قال: السبب الفعلى يقوم مقام السبب القولى الا فى المعاملات و المبايعات.

(نعم اذا دل الدليل على ترتب اثر عليه) اى على المبايعات الفعلية بتأويل «ما ذكرناه» ليستقيم ارجاع ضمير المذكور إليه- (حكم به) اى، بترتب ذلك الاثر (و ان لم يكن مقصودا) للمتعاملين.

(و ثانيا) يرد على قوله: كيف يتخلف العقد عن مقصود المتعاقدين

ص: 89

ان تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير فانهم اطبقوا على ان عقد المعاوضة اذا كان فاسدا يؤثر فى ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه مع أنهما لم يقصدا الاضمان كل منهما بالآخر.

و توهم ان دليلهم على ذلك قاعدة اليد مدفوع بانه لم يذكر هذا الوجه الا بعضهم معطوفا على الوجه الاول و هو اقدامهما على الضمان فلاحظ المسالك

______________________________

(ان تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير ف) من ذلك (انهم اطبقوا على ان عقد المعاوضة اذا كان فاسدا يؤثر ضمان كل من العوضين القيمة) لا المثل، فاذا اشترى شاة بدينار ثم ظهر فساد العقد فانه يضمن الشاة بقيمتها الواقعية سواء كان دينارا او اقل او اكثر، لا القيمة المسماة (لإفادة العقد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه) للقاعدة المشهورة: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده (مع انهما) اى المتبايعان (لم يقصدا الا ضمان كل منهما) اى من العوضين (بالآخر) فارادا تبديل الدينار بشاة- فى المثال-.

(و توهم ان) ذلك الضمان ليس مقتضى العقد، فلا يقاس بما نحن فيه حيث ان الاباحة مقتضى المعاطاة- و الحال انهما لم يريدا الاباحة التى هى مقتضى المعاطاة- بل (دليلهم على ذلك) الضمان (قاعدة اليد) لأن: على اليد ما أخذت، تقتضى ان يضمن الانسان ما أخذه بدون عقد صحيح (مدفوع بانه لم يذكر هذا الوجه) اى اقتضاء قاعدة: على اليد الضمان (الا بعضهم معطوفا على الوجه الاول) اى اقتضاء العقد الفاسد ذلك الضمان (و هو اقدامهما على الضمان فلاحظ المسالك) و الحاصل ان تخلف العقد عن القصد شي ء ممكن فلتكن المعاطاة

ص: 90

و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة الا مقرونة به غير مفسد عند اكثر القدماء

و بيع ما يملك و ما لا يملك صحيح عند الكل و بيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع اجازته على قول كثير.

و ترك ذكر الاجل فى العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه فى المسالك و كشف اللثام الى المشهور.

نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه ان التخلف عن القصود يحتاج الدليل المخرج عن ادلة صحة العقود

______________________________

كذلك فانهما و ان قصدا التمليك لكن يمكن ان تفيد الاباحة (و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة الا مقرونة به غير مفسد عند اكثر الدماء)، فلو عقد بشرط كذا كان القصد المعاملة المقرونة به فاذا فسد الشرط تخلف العقد عن القصد.

(و بيع ما يملك و ما لا يملك) كبيع الشاة و الخنزير، فانه يفسد بالنسبة الى الخنزير دون الشاة مع ان القصد كان بيع الاثنين لا الواحد (و بيع الغاصب لنفسه) كما لو غصب من زيد داره و باعها لنفسه (يقع للمالك)، الّذي هو زيد مثلا (مع اجازته) معاملة الغاصب (على قول كثير) فالعقد لم يتبع قصد العاقد.

(و ترك ذكر الاجل) و المدة (فى العقد المقصود به الانقطاع) فى باب النكاح (يجعله دائما) مع ان مقصودهما الانقطاع (على قول نسبه فى المسالك و كشف اللثام الى المشهور) فالعقد لم يتبع القصد.

(نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه) من المعاطاة المفيدة للاباحة (ان التخلف عن المقصود يحتاج الى الدليل المخرج عن ادلة صحة العقود) لان معنى صحة العقد- كما تقدم- تأثيره الاثر المقصود

ص: 91

و فيما نحن فيه عدم الترتب مطابق للاصل.

و اما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملكا فلا بأس بالتزامه اذا كان مقتضى الجمع بين الاصل و دليل جواز التصرف المطلق و ادلة توقف بعض التصرفات على الملك فيكون كتصرف ذى الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما بالوطى و البيع و العتق و شبهها

______________________________

للعاقد (و فيما نحن فيه) من قولنا: المعاطاة لا تؤثر الملك- الّذي هو مقصود للمتعاطيين- (عدم الترتب مطابق للاصل) اذ الاصل عدم الملك.

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من لزوم كون إرادة التصرف مملكا) بناء على قول المشهور القائلين بالإباحة، فاذا اراد ان يتصرف بمثل الوطي و العتق تكون الإرادة مملكة، حتى لا يلزم الوطي فى غير الملك، بعد ما ورد انه: لا وطى الا فى الملك (ف) لا يرد على هذا ما أورده كاشف الغطاء من انه: كيف يمكن ان تكون الإرادة مملكة (لا بأس بالتزامه اذا كان) هذا القول (مقتضى الجمع بين الاصل) الدال على انه لا تؤثر المعاطاة الملك (و دليل جواز التصرف المطلق) الشامل لمثل الوطي و العتق- كاطلاقات ادلة حل البيع و التجارة عن تراض- (و) بين (ادلة توقف بعض التصرفات على الملك) كقوله- صلى الله عليه و آله و سلم-: لا تبع ما ليس عندك، و: لا عتق الا فى ملك، و: لا وطى الا فى ملك، و ما اشبه ذلك (فيكون) تصرف القابض بالمعاطاة فى السلعة (كتصرف ذى الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما) بان باع بيعا خياريا، أو وهب هبة له الخيار فى ارجاع المال الى نفسه، ثم تصرف فى المال (بالوطى و البيع و العتق و شبهها) من التصرفات المتوقفة على الملك، فان المشهور التزموا على انه يملك الشي ء آنا مّا ثم يكون تصرفه بهذه التصرفات واقعا فى ملكه جمعا بين دليل: لا عتق الا فى ملك، و بين دليل: جواز هذا التصرف

ص: 92

و اما ما ذكره من تعلق الاخماس و الزكوات .. الى آخر ما ذكره، فهو استبعاد محض و دفعها بمخالفتها للسيرة رجوع إليها مع ان تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان على الملك.

و اما كون التصرف مملكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه.

______________________________

(و أما ما ذكره) كاشف الغطاء- من الاشكال على القول بالإباحة- (من تعلق الاخماس و الزكوات .. الى آخر ما ذكره، فهو استبعاد محض) و الاستبعاد لا يصادم الدليل، و اى مانع من تعلق هذه الامور بالشي ء الّذي يجوز ان يتصرف الانسان فيه كل تصرف و ان لم يكن ملكا؟

(و دفعها) اى هذه الامور (بمخالفتها للسيرة) بان يقال: ان القول بالإباحة المستلزمة لهذه المحاذير مخالف للسيرة، فالسيرة تمنع هذا، القول (رجوع إليها) اى الى السيرة، و قد عرفت ان امثال هذه السيرات الناشئة من قلة المبالاة بالدين لا حجية فيها (مع ان تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة) حيث قال كاشف الغطاء: كيف يمكن تعلق الاستطاعة و تحقق الغنى بالمال المنتقل بالمعاطاة- على القول بأنها لا تفيد الملك- (لا يتوقفان على الملك) لامكان ان يستطيع الانسان بمال غيره كما فى صورة البذل، و امكان ان ليستغنى الانسان بما ليس ملكه كما لو كان فى يده وقف يكفيه.

(و اما كون التصرف) من جانب (مملكا للجانب الآخر) مما استبعده كاشف الغطاء (فقد ظهر جوابه) حيث انه مقتضى الجمع بين اصالة عدم الملك- قبل التصرف- و بين دليل جواز تصرف مالكى كالوطى، فانه يقتضي القول بكون التصرف مملكا او انه يملك قبله آنا مّا.

ص: 93

و اما كون التلف مملكا للجانبين فان ثبت باجماع او سيرة- كما هو الظاهر- كان كل من المالين مضمونا بعوضه فيكون تلفه فى يد كل منهما من ماله، مضمونا بعوضه نظير تلف المبيع قبل قبضه فى يد البائع لان هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الاجماع و بين عموم: على اليد ما اخذت، و بين اصالة عدم الملك الا فى الزمان المتيقن بوقوعه فيه.

توضيحه ان الاجماع لما دل على عدم ضمانه بمثله او قيمته حكم بكون التلف من مال ذى اليد

______________________________

(و اما كون التلف مملكا للجانبين) من تلف عنده المال و الطرف الاخر فان ثبت باجماع او سيرة- كما هو الظاهر- كان وجهه كون (كل من المالين مضمونا بعوضه) المسمى (فيكون تلفه) اى تلف كل من المالين (فى يد كل منهما، من ماله، مضمونا بعوضه) الجعلى، لا المثل او القيمة، و قوله «من ماله» متعلق ب «يكون» اى يكون التلف من مال من تلف الجنس فى يده، لا من مال المنتقل عنه (نظير تلف المبيع قبل قبضه فى يد البائع) حيث يكون التلف من مال البائع، و لا يضمن للمشترى بالمثل او القيمة (لأن هذا) الّذي ذكرناه من كون المال مضمونا بعوضه المسمى (هو مقتضى الجمع بين هذا الاجماع) الدال على كون التلف مملكا من الجانبين (و بين عموم: على اليد ما اخذت) الّذي يدل على ان كل منهما ضامن لما اخذه (و بين اصالة عدم الملك الا فى الزمان المتيقن بوقوعه) اى الملك (فيه) اى فى ذلك الزمان، و هو آنا مّا قبل التلف.

(توضيحه) اى توضيح هذا الجمع (ان الاجماع لما دل على عدم ضمانه) اى ضمان التالف فى يد كل من المتعاطيين (بمثله) فى المثلى (او قيمته) فى القيمى (حكم بكون التلف من مال ذى اليد) و ان ضرره عليه، لا ان

ص: 94

رعاية لعموم: على اليد ما اخذت فذلك الاجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة فى ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه فاذا قدر التلف من مال ذى اليد فلا بد من ان يقدر فى آخر ازمنة امكان تقديره رعاية لاصالة عدم حدوث الملكية قبله كما يقدر ملكية المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد.

______________________________

التلف من مال المالك الاول (رعاية لعموم: على اليد ما اخذت) اذ لو قلنا ببقاء كل من المالين فى ملك مالكه الاصلى- حين التلف- لزم اما الحكم بضمان المثل او القيمة- و هو خلاف الاجماع، او ضمان المسمى و يلزم منه تخصيص قاعدة ضمان الشي ء بمثله فاللازم- حفظا لعموم على اليد- ان نقول بان المال لذى اليد حتى يكون التلف منه (فذلك الاجماع مع العموم المذكور) لقاعدة اليد (بمنزلة الرواية الواردة فى ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه) فكما ان كونه من مال البائع يقتضي رجوع المال إليه آنا مّا ثم تلفه من مالكه كذلك ما نحن فيه «من الاجماع و ابقاء عموم على اليد المقتضى لضمان المثل او القيمة- و تحفظا على عمومه» يقتضي دخول المال فى ملك القابض آنا مّا ثم تلفه عليه ليكون ضمانه بالمسمى لا بالمثل (فاذا قدر التلف) فى قاعدة: التلف قبل القبض (من مال ذى اليد فلا بد من ان يقدر فى آخر ازمنة امكان تقديره) و هو آن قبل التلف، و انما نقدر ملكية ذى اليد للسلعة التالفة فى آخر ازمنة امكان تقديره (رعاية لا صلاة عدم حدوث الملكية قبل) اى قبل الآن الاخير (كما يقدر ملكية المبيع للبائع) فيما اذا تلف القبض (و) يقدر (فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد) الّذي كان يقتضي ملكية كل من الطرفين للمال إليه.

ص: 95

و اما ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر- على القول بالإباحة- ان لكل منهما المطالبة ما دام باقيا، فاذا تلف فظاهر اطلاقهم التمليك بالتلف تلفه من مال المغصوب منه نعم لو قام اجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله.

و اما ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكى عن بعض ان القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء الى الآخذ بل حكمه حكم اصله و يحتمل ان يحدث النماء فى ملكه بمجرد الاباحة

______________________________

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة) و ان ايهما المطالب، المالك الاول او المنتقل إليه المال- الى آخر ما تقدم- (فالظاهر- على القول بالإباحة- ان لكل منهما) اى من المتعاطين (المطالبة) للمال من الغاصب (ما دام) المال (باقيا، فاذا تلف) المال فى يد الغاصب (فظاهر اطلاقهم التمليك بالتلف) «التمليك» مفعول «اطلاقهم» فانهم قالوا: «التلف موجب للملك» و هذا الكلام لما اذا تلف فى يد المنتقل إليه بسببه او بسبب الغاصب او بتلف سماوى (تلفه من مال المغصوب منه) المنتقل إليه (نعم لو قام اجماع) على ان التلف من مال المنتقل عنه (كان تلفه من مال المالك) الاول (لو لم يتلف عوضه قبله) و الا فلو تلف عوضه قبله، انتقل الى ملك المنتقل إليه، لما تقدم من ان تلف احد الشيئين يوجب الملك لكل منهما.

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من حكم النماء) و انه لمن؟ ..

(فظاهر المحكى عن بعض ان القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء الى الآخذ بل حكمه) اى حكم النماء (حكم اصله) فى انه مباح للمنتقل إليه الا اذا تلف او تصرف فيه (و يحتمل ان يحدث النماء فى ملكه بمجرد الاباحة)

ص: 96

ثم انك بملاحظة ما ذكرنا تقدر على التخلص عن سائر ما ذكره مع انه رحمه الله- لم يذكرها للاعتماد.

و الانصاف انها استبعادات فى محلها.

و بالجملة، فالخروج عن اصالة عدم الملك المعتضد بالشهرة المحققة الى زمان المحقق الثانى و بالاتفاق المدعى فى الغنية و القواعد هنا و فى المسالك فى مسألة توقف الهبة على الايجاب و القبول مشكل.

و رفع اليد عن عموم ادلة البيع و الهبة و نحوهما المعتضدة

______________________________

لان معنى الاباحة تمليك النماء- بالدلالة العرفية-.

(ثم انك بملاحظة ما ذكرنا) من اجوبة ايرادات كاشف الغطاء- رحمة الله عليه- (تقدر على التخلص عن سائر ما ذكره مع انه- رحمه الله- لم يذكرها للاعتماد) و الاستدلال.

(و الانصاف انها استبعادات فى محلها) فالقول بالملك المتزلزل كما ذكره المحقق الثانى هو الاقوى.

(و بالجملة، فالخروج عن اصالة عدم الملك المعتضد) هذا الاصل (بالشهرة المحققة الى زمان المحقق الثانى) الّذي خرج عن الشهرة و قال بالملك المتزلزل (و بالاتفاق المدعى فى الغنية و القواعد هنا) فى باب المعاطاة (و فى المسالك فى مسألة توقف الهبة على الايجاب و القبول) كما تقدم نقل كلامه (مشكل) خبر «فالخروج».

(و رفع اليد عن عموم ادلة البيع) كأحل الله البيع، و تجارة عن تراض، الشامل هذا العموم للمعاطاة (و الهبة و نحوهما) كالاجارة و الرهن، فى الاجارة و الرهن بالمعاطاة (المعتضدة) تلك الادلة العامة الشاملة

ص: 97

بالسيرة القطعية المستمرة و بدعوى الاتفاق المتقدم عن المحقق الثانى بناء على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة اشكل.

فالقول الثانى لا يخلو عن قوة.

[هل المعاطاة لازمة أم جائزة]

و عليه فهل هى لازمة ابتداءً مطلقا- كما حكى عن ظاهر المفيد، رحمه الله او بشرط كون الدال على التراضي لفظا- كما حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى، و قواه جماعة من متأخرى المحدثين- او هى غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع فى ماله- كما عليه اكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت- وجوه.

______________________________

للمعاطاة (بالسيرة القطعية) فانهم يعاملون، بالسلع المعاطاتية معاملة السلعة التى انتقلت إليهم بالعقد (المستمرة) من الازمنة القديمة (و بدعوى الاتفاق المتقدم عن المحقق الثانى) و انما ادعى الاتفاق مع ان ظاهر كلمات المشهور الاباحة (بناء على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة) بان مرادهم الملك المتزلزل (اشكل).

و مع ذلك (فالقول الثانى) اى الملك المتزلزل (لا يخلو عن قوة).

(و عليه) اى على القول بالملك (فهل هى) اى المعاطاة (لازمة ابتداءً مطلقا- كما حكى عن ظاهر المفيد، رحمه الله) حتى تكون كالبيع بالعقد (او بشرط كون الدال على التراضي لفظا) غير عقد، كما لو قال «اعط الكتاب و خذ دينارا» مثلا (- كما حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى، و قواه جماعة من متأخرى المحدثين- او هى غير لازمة مطلقا) سواء كان الدال عليها لفظ أو لا (فيجوز لكل منهما الرجوع فى ماله- كما عليه اكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت-) من المفيد و بعض معاصرى الشهيد و اتباعه (وجوه).

ص: 98

اوفقها بالقواعد هو الاول بناء على اصالة اللزوم فى الملك للشك فى زواله بمجرد رجوع مالكه الاصلى.

و دعوى ان الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقر، و المفروض انتفاء الفرد الاول بعد الرجوع و الفرد الثانى كان مشكوك الحدوث من اوّل الامر فلا ينفع الاستصحاب بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الاول مدفوعة مضافا الى امكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك فى الاستصحاب فتأمل.

______________________________

(او فقها بالقواعد هو الاول) اى اللزوم مطلقا (بناء على اصالة اللزوم فى الملك) اى ان كل ملك لازم الا اذا دل الدليل على جواز ابطاله كما كان هناك خيار او نحوه، و ذلك الاصل انما نشأ بما ذكره المصنف رحمه الله- بقوله: (للشك فى زواله) اى الملك (بمجرد رجوع مالكه الاصلى) فالاصل بقاؤه، و عليه فكلما علمنا بتزلزل الملك خرجنا عن الاصل المذكور و كلما لم نعلم اجرينا الملك حتى يعرف المخرج.

(و دعوى) انه لا صحة لأصالة اللزوم فى الملك ل (ان الثابت هو الملك) فى الجملة اى (المشترك بين المتزلزل و المستقر، و المفروض انتفاء الفرد الاول) اى المتزلزل (بعد الرجوع) من المالك الاصلى (و الفرد الثانى)، اى المستقر (كان مشكوك الحدوث من اوّل الامر) و من المعلوم ان شرط الاستصحاب اليقين السابق (فلا ينفع الاستصحاب) فى بقاء الملك بعد الشك فى زواله (بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الاول) لانا نشك فى زوال علقته فالاصل بقاؤها (مدفوعة) خبر الدعوى (مضافا الى امكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك فى الاستصحاب) لأنه علم اجمالا حصول العلقة و لم يعلم زوالها (فتأمل) لانه من قبيل القسم الثانى من

ص: 99

بأن انقسام الملك الى المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف فى حقيقته و انما هو باعتبار حكم الشاعر عليه فى بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الاصلى.

و منشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك فجواز الرجوع و عدمه من الاحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة فى المسبب

______________________________

استصحاب الكلى الّذي اشكل جماعة فيه لأن المحقق بقاؤه غير معلوم الحدوث و المعلوم حدوثه لا يعلم صلوحه للبقاء كما ذكروا ذلك مفصلا فى الاصول، لكن لا يخفى انه من النوع الثانى من القسم الثانى، و قد ذكروا جريان الاستصحاب فيه و تفصيل الكلام فى محله (بأن انقسام الملك الى المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف فى حقيقته) كاختلاف الانسان و الفرس حيث يقسم الحيوان إليهما (و انما هو باعتبار حكم الشارع عليه فى بعض المقامات) كما لو كان هناك خيار (بالزوال برجوع المالك الاصلى) فهو كالنكاح الّذي يطرأ عليه الطلاق او الفسخ و الّذي لا يطرأ عليه فانه ليس لاختلاف فى حقيقة النكاح الّذي طرأ عليه و الّذي لم يطرأ عليه، بل لحكم الشارع بان الطلاق لو طرأ زال النكاح.

(و منشأ هذا الاختلاف) فى باب الملك (اختلاف حقيقة السبب المملك) فبعض اقسام السبب المملك شديد التأثير بحيث لا يزول كالعقد المطلق، و بعض اقسامه ضعيف التأثير كالبيع الخيارى (لا اختلاف حقيقة الملك) اى العلقة و الأثر المترتب على السبب حتى لا يصح الاستصحاب (فجواز الرجوع و عدمه من الاحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة فى المسبب) اى العلقة و الأثر، و حيث علمنا وجود المسبب و شككنا فى زواله نستصحب

ص: 100

و يدل عليه- مع انه يكفى فى الاستصحاب الشك فى ان اللزوم من خصوصيات الملك او من لوازم السبب المملك و مع ان المحسوس بالوجدان ان إنشاء الملك فى الهبة اللازمة و غيرها على نهج واحد- ان اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك فاما ان يكون تخصيص القدر المشترك باحدى الخصوصيتين بجعل المالك او بحكم الشارع فإن كان الاول كان اللازم التفصيل بين اقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع و قصد عدمه او عدم قصده و هو

______________________________

بقائه (و يدل عليه) اى على ان اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية المربوطة بالسبب لا المسبب (- مع انه يكفى فى الاستصحاب الشك فى ان اللزوم من خصوصيات الملك او من لوازم السبب المملك) لأن هذا الشك لا يزيدنا شيئا، لبقاء الشك فى ان الملك زال أم لا (و مع ان المحسوس بالوجدان إن إنشاء الملك فى الهبة اللازمة) كالهبة المعوضة (و غيرها-) مما ليس فيها احد اسباب اللزوم- كالعوض او كونها لذى رحم و ما اشبه- (ان اللزوم) فاعل «يدل عليه» (و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك) الداخلين فى حقيقته كالناطقية و الناهقية الداخلتين فى حقيقة الانسان و الحمار (فاما ان يكون تخصيص القدر المشترك) اى اصل «الملك» الموجود فى اللازم و الجائز (باحدى الخصوصيتين بجعل المالك) بان ينشأ المالك الملك تارة هكذا .. و تارة هكذا .. (او بحكم الشارع) بدون ربط بالمالك (فإن كان الاول) اى بجعل المالك (كان اللازم التفصيل بين اقسام التمليك المختلفة بحسب قصد) المملّك (الرجوع و قصد عدمه) اى عدم الرجوع (او عدم قصده) من باب الماهية لا بشرط (و هو) اى التفصيل

ص: 101

بديهى البطلان، اذ لا تأثير لقصد المالك فى الرجوع و عدمه و إن كان الثانى لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشى و هو باطل فى العقود لما تقدم ان العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود و ان امكن القول بالتخلف هنا فى مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا- انتصارا للقائل بعدم الملك- من منع وجوب امضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود المتعاطين لكن الكلام فى قاعدة اللزوم فى الملك

______________________________

(بديهى البطلان، اذ لا تأثير لقصد المالك فى الرجوع و عدمه) فاذا باع المالك شيئا بالعقد و قصد الرجوع لم يؤثر قصده فى جواز الرجوع و لو باع بيعا خياريا و قصد عدم الرجوع لم يسقط قصده جواز رجوعه (و إن كان الثانى) اى بجعل الشارع (لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشى) فيكون المالك قصد الرجوع و ابطله الشارع، او قصد عدم الرجوع و قال الشارع لا رجوع لك (و هو) اى امضاء الشارع على غير قصد العاقد (باطل فى العقود لما تقدم) من (ان العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود) فلا دليل على ان العقد لا يتبع القصد بامضاء الشارع على خلاف قصد العاقد (و ان امكن القول بالتخلف هنا) بين العقد و القصد (فى مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا- انتصارا للقائل بعدم) افادة المعاطاة (الملك من منع وجوب امضاء) الشارع (المعاملات الفعلية) بالتعاطى مقابل المعاملات اللفظية بالعقد (على طبق قصود المتعاطين، لكن الكلام) الآن ليس فى ان المعاطاة تفيد الملك من جهة قاعدة العقود تتبع القصود بل (فى قاعدة اللزوم فى الملك) و انه هل ان الملك الاصل فيه اللزوم او الجواز، و قد عرفت ان مقتضى الاستصحاب اللزوم فى باب العقود اللفظية

ص: 102

تشمل العقود أيضا.

و بالجملة فلا اشكال فى اصالة اللزوم فى كل عقد شك فى لزومه شرعا و كذا لو شك فى ان الواقع فى الخارج هو العقد اللازم او الجائز كالصلح من دون عوض و الهبة نعم لو تداعيا

______________________________

و نجرى الاستصحاب أيضا فى باب العقود الفعلية، لعدم الفصل بين الامرين.

و الحاصل انا قد نتمسك لاثبات اللزوم فى المعاطاة ب «قاعدة العقود تتبع القصود» لكن هذا غير تام لما عرفت من انها ليست جارية فى المعاملات الفعلية، و قد نتمسك بقاعدة «استصحاب الملك» الثابتة فى المعاملات اللفظية بناء على عدم الفرق بين المعاملات اللفظية و الفعلية من جهة جريان استصحاب اللزوم، و كيف كان فالقاعدة المذكورة (تشمل العقود أيضا) كما تشمل سائر اقسام الملك التى لم تحصل بالعقد كما لو حصلت بالارث و ما اشبه.

(و بالجملة فلا اشكال فى اصالة اللزوم فى كل عقد شك فى لزومه شرعا) سواء كان عقدا لفظيا او فعليا، بان كان الشك فى الشبهة المفهومية، بان قرر الشارع هذا العقد لازما أم لا؟ فان استصحاب الملك يكفى فى القول بلزومه (و كذا لو شك فى ان) العقد (الواقع فى الخارج هو العقد اللازم او الجائز) بسبب الشبهة المصداقية بعد ان علمنا ان العقد الفلانى لازم و العقد الفلانى جائز، لكن شككنا ان ما اوقعناه هل كان من قسم اللازم او من قسم الجائز (كالصلح من دون عوض و الهبة) فالصلح لازم و الهبة جائزة (نعم) لا تجري اصالة اللزوم فى الشبهة المصداقية (لو تداعيا) بان قال احدهما: صالحته فهو لازم، و قال الاخر: بل هبة

ص: 103

احتمل التحالف فى الجملة.

و يدل على اللزوم مضافا الى ما ذكر عموم قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم، فان مقتضى السلطنة ان لا يخرج عن ملكه بغير اختياره فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة

فاندفع ما ربما

______________________________

فلا يحكم الحاكم بالصلح اتباعا لقاعدة اصالة اللزوم، بل (احتمل التحالف) بان يحلف كل واحد على طبق ما ادعاه (فى الجملة) فيما اذا حرّرا الدعوى فى الخصوصية اى قال احدهما: صلح، و قال الاخر: هبة، اما لو حررا الدعوى بحيث صار احدهما مدعيا و الاخر مدعى عليه. بان قال احدهما: الملك باق بعد الفسخ، و قال الاخر: لا بقاء للملك بعد الفسخ، فان المسألة حينئذ مسئلة المدعى و المنكر فيلزم على المدعى الاثبات بالبينة و على المنكر الحلف- اذا لم تكن له بينة-.

(و يدل على اللزوم) فى المعاطاة (مضافا الى ما ذكر) من اصالة اللزوم- التى قدمنا تقريرها- (عموم قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم، فان) المال انتقل بالمعاطاة و صار ملكا لكل واحد منهما و (مقتضى السلطنة ان لا يخرج عن ملكه بغير اختياره، فجواز تملكه عنه) بالفسخ (بالرجوع) من المالك الاول (فيه) اى فى المال (من دون رضاه) اذ مع الرضا يبطل الملك حتى فى العقود اللازمة قطعا- لأنه من التقايل (مناف للسلطنة المطلقة) المقتضية لبقاء الملك حتى بعد رجوع الطرف.

و الحاصل، اخراج البائع لملك المشترى- مثلا- خلاف سلطنة المشترى فمنعه «الناس مسلطون» الشامل للمشترى (فاندفع ما ربما

ص: 104

يتوهم من ان غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه و لا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الاصلى.

و لما ذكرنا تمسك المحقق فى الشرائع على لزوم القرض بعد القبض بان فائدة الملك السلطنة. و نحوه العلامة فى موضع آخر. و منه يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه. حيث دل

______________________________

يتوهم من ان غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه) كسلطنة المشترى- فى المثال- (و لا نسلم ملكيته له) اى السلعة للمشترى- مثلا- (بعد رجوع المالك الاصلى) كالبائع- مثلا-.

وجه الاندفاع، انا لا نتكلم فى ان المشترى مسلط بعد الرجوع أم لا، بل كلامنا فى انه هل البائع مسلط على ملك المشترى حتى يتمكن من اخراجه عن ملكه أم لا؟ و من المعلوم ان قاعدة سلطنة المشترى تمنع تسلط البائع و عليه فلا يتمكن البائع من اخراج ملك المشترى، فليس الملك- بعد رجوع، البائع- خارجا عن ملك المشترى.

(و لما ذكرنا) من قاعدة «الناس مسلطون» (تمسك المحقق فى الشرائع على لزوم القرض بعد القبض) و انه لا يحق للمقرض ان يسترد ما اقرضه (بان فائدة الملك السلطنة) فالمال بعد القرض ملك للمقترض فله سلطان عليه، فلا سلطان للمقرض على الاسترجاع (و نحوه العلامة فى موضع آخر) غير باب القرض (و منه) اى من صحة التمسك بقاعدة «الناس مسلطون» للزوم المعاطاة بعد فسخ احد الطرفين (يظهر جواز التمسك) للزوم (بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه) فان السلعة صارت مالا للمشترى فلا تحل للبائع إلا عن طيب نفس المشترى (حيث دل

ص: 105

على انحصار سبب حلّ مال الغير او جزء سببه فى رضا المالك فلا يحل بغير رضاه و توهم تعلق الحلّ بمال الغير و كونه مال الغير بعد الرجوع اوّل الكلام مدفوع بما تقدم من ان تعلق الحل بالمال يفيد العموم حيث يشمل التملك أيضا فلا يحل التصرف فيه و لا تملكه الا بطيب نفس المالك.

و يمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالى: و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا ريب

______________________________

على انحصار سبب حلّ مال الغير او جزء سببه فى رضا المالك) السببية الكاملة فى الاباحة، و جزء السبب فى التمليك فان جزءا من السبب الرضا و الجزء الآخر العقد قولا او فعلا (فلا يحل) المال الّذي انتقل الى شخص بالمعاطاة (بغير رضاه و توهم تعلق الحلّ) المنفى، فى قوله «لا يحل» (بمال الغير) لانه عليه السلام قال: «لا يحل مال امرئ» (و كونه) اى هذا الشي ء بعد الفسخ (مال الغير بعد الرجوع اوّل الكلام) مثلا البائع اذا استردّ السلعة فكونها مال المشترى بعد رجوع البائع اوّل الكلام لان القائل بالإباحة يقول بانها ليست ماله، بعد ان رجع البائع الى السلعة (مدفوع بما تقدم من ان تعلق الحل بالمال) فى قوله «لا يحل» (يفيد العموم) لجميع التصرفات (حيث يشمل) العموم (التمليك أيضا) فالسلعة كانت ملكا للمشترى فلا يحل التصرف فيها و لو بالتمليك من البائع الا برضا المشترى (فلا يحل التصرف فيه) تصرفا غير مملك (و لا تملكه الا بطبيب نفس المالك) الّذي هو المشترى. (و يمكن الاستدلال) للزوم المعاطاة (أيضا بقوله تعالى: و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فالمال اذا كان للمشترى، لا يجوز اكله للبائع الا بتجارة عن تراض و صرف الرجوع ليس تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (و) ذلك لانه (لا ريب

ص: 106

ان الرجوع ليست تجارة و لا عن تراض فلا يجوز اكل المال و التوهم المتقدم فى السابق جار هنا لأن حصر مجوّز اكل المال فى التجارة انما يراد به اكله على ان يكون ملكا للآكل لا لغيره.

و يمكن التمسك أيضا بالجملة المستثنى منها حيث ان اكل المال و نقله عن مالكه بغير رضى المالك اكل و تصرف بالباطل عرفا.

نعم بعد اذن المالك الحقيقى- و هو الشارع- و حكمه بالتسلط على فسخ المعاملة من دون رضى المالك

______________________________

ان الرجوع ليست تجارة و لا عن تراض فلا يجوز) للبائع- مثلا- (اكل المال) الّذي هو للمشتري الآن (و التوهم المتقدم فى السابق) ببيان انه بعد الرجوع ليس المال للمشترى- مثلا- (جار هنا) فى هذه الآية، و جوابه واضح مما تقدم (لأن حصر مجوز اكل المال فى التجارة انما يراد به) اى بالحصر، المنع عن (اكله على ان يكون ملكا للآكل)- بصيغة اسم الفاعل- (لا لغيره) اى لغير الآكل، فاذا لم يعلم البائع انه صار ملكا له بالرجوع لم يجز له اكله اذ لا تجارة عن تراض، هذا فيما اذا استدل للمطلب بالمستثنى اى قوله سبحانه «الا ان تكون تجارة عن تراض».

(و يمكن التمسك) للزوم المعاطاة (أيضا بالجملة المستثنى منها) اى قوله سبحانه «لا تأكلوا اموالكم» (حيث ان اكل المال و نقله عن مالكه) الّذي هو المشترى- مثلا- فيما اذا اراد البائع معاطاة الرجوع (بغير رضى المالك اكل و تصرف بالباطل عرفا) فيقال: انه تصرف فى اموال الناس.

(نعم) قد يجوز التصرف بدون اذن المالك فيما اذا اذن الشارع فانه (بعد اذن المالك الحقيقى- و هو الشارع- و حكمه بالتسلط على فسخ المعاملة من دون رضى المالك) كما فى الخيارات التى جعلها الشارع،

ص: 107

يخرج عن البطلان و لذا كان اكل المارة من الثمرة الممرور بها اكلا بالباطل لو لا اذن المالك الحقيقى و كذا الاخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من النواقل القهرية هذا كله مضافا الى ما دل على لزوم خصوص البيع مثل قوله عليه السلام: البيعان بالخيار ما لم يفترقا.

و قد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بناء على ان العقد هو مطلق العهد كما فى صحيحة عبد الله بن سنان او العهد المشدّد كما عن بعض اهل اللغة.

______________________________

كخيار الحيوان و المجلس- مثلا- (يخرج) الاكل (عن البطلان) فلا يقال ان الفاسخ اكل مال غيره بالبطلان، بل ليس هذا من اكل مال الناس اصلا (و لذا) الّذي ذكرناه من انه مع اجازة الشارع ليس اكلا بالباطل (كان اكل المارة) اى الجماعة التى تمر، او النفس المارة (من الثمرة الممرور بها) مع وجود الشرائط- المذكورة فى كتب الفقه- (اكلا بالباطل لو لا اذن المالك الحقيقى) الّذي هو الله سبحانه (و كذا الاخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من النواقل القهرية) بدون رضى المالك (هذا كله) يدل على لزوم المعاطاة (مضافا الى ما دل على لزوم خصوص البيع) الشامل للمعاطاة عرفا (مثل قوله عليه السلام: البيعان بالخيار ما لم يفترقا) فاذا افترقا وجب البيع.

(و قد يستدل أيضا) للزوم المعاطاة (بعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بناء على ان العقد) ليس خاصا باللفظ فقط، بل (هو مطلق العهد) و من المعلوم ان فى المعاطاة عهدا من الطرفين بالتبادل (كما فى صحيحة عبد الله بن سنان) حيث فسر العقد بالعهد (او العهد المشدد كما عن بعض اهل للغة) و المعاطاة أيضا عهد مشدّد لان الشدّة

ص: 108

و كيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة و كذلك قوله عليه السلام:

المؤمنون عند شروطهم، فان الشرط فى اللغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ

و الحاصل ان الحكم باللزوم فى مطلق الملك و فى خصوص البيع مما لا ينكر الا ان الظاهر فيما نحن فيه قيام الاجماع على عدم لزوم المعاطاة بل ادعاه صريحا بعض الاساطين فى شرح القواعد، و يعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به

______________________________

فى مقابل العهد الجائز كما فى الهبة و ما اشبه، لا فى مقابل العهد الّذي ليس فيه لفظ (و كيف كان) معنى العقد «العهد» مطلقا، او «العهد المشدد» (فلا يختص) العقد (باللفظ فيشمل المعاطاة) أيضا (و كذلك) يشمل المعاطاة (قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، فان الشرط فى اللغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ) نعم لو قيل: ان الظاهر من الشرط الالتزام فى ضمن التزام لم يشمل العقد حتى باللفظ، الا اذا كان التزاما فى ضمن التزام آخر اللّهم الا ان يقال انه يفهم لزوم العقد من هذا الحديث بطريق اولى، اذ لو كان الالتزام فى ضمن الالتزام لازم الوفاء كان اصل الالتزام لازم الوفاء بطريق اولى.

(و الحاصل، ان الحكم باللزوم فى مطلق الملك و فى خصوص البيع مما لا ينكر) فاذا ضممنا ذلك الى ان المعاطاة تفيد الملك و انها بيع تم المطلوب و هو افادة المعاطاة اللزوم (الا ان الظاهر فيما نحن فيه) من المعاطاة (قيام الاجماع على عدم لزوم المعاطاة بل ادعاه) اى، الاجماع (صريحا بعض الاساطين) الشيخ جعفر كاشف الغطاء- رحمه اللّه- (فى شرح القواعد، و يعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به) اى

ص: 109

قائل الى زمان بعض متأخرى المتاخرين.

فان العبارة المحكية عن المفيد فى المقنعة لا تدل على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به فان المحكى عنه انه قال: ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له اذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا بالابدان، انتهى.

و يقوى إرادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره فى اللزوم و كانه لذلك حكى كاشف الرموز عن المفيد

______________________________

باللزوم (قائل الى زمان بعض متأخرى المتأخرين) هو المحقق الكركى.

(ف) ان قلت: كيف و قد نسب اللزوم الى المفيد؟ قلت: (ان العبارة، المحكية عن المفيد فى المقنعة لا تدل على هذا القول) اى افادة المعاطاة اللزوم (كما عن المختلف الاعتراف به) اى بان كلام المفيد لا يدل على اللزوم (فان المحكى عنه) اى عن المفيد (انه قال: ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له) اى المعاملة عليه (اذا عرفاه) اى الجنس- احترازا عن الجنس المجهول حيث لا يجوز بيعه- (جميعا) البائع و المشترى (و تراضيا بالبيع و تقابضا و افترقا بالابدان) اشارة الى وجود الخيار ما داما فى المجلس (انتهى) و وجه الاستدلال بهذا الكلام انه لم يذكر اجراء العقد.

(و يقوى إرادة) المفيد (بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره فى اللزوم) لا انه يريد ان كل ما يلزم فى البيع هو ما ذكره، حتى يدل على عدم اشتراط اللفظ (و كانه لذلك) الّذي ذكرنا من إرادة المفيد شرط العقد (حكى كاشف الرموز عن المفيد

ص: 110

و الشيخ انه لا بد فى البيع عندهما من لفظ مخصوص و قد تقدم دعوى الاجماع من الغنية على عدم كونها بيعا، و هو نص فى عدم اللزوم و لا يقدح كونه ظاهرا فى عدم الملكية الّذي لا نقول به.

و عن جامع المقاصد: يعتبر اللفظ فى العقود اللازمة بالاجماع

نعم قول العلامة فى التذكرة ان الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة يدل على وجود الخلاف المعتد به فى المسألة و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور و كذلك نسبته فى المختلف الى الاكثر و فى التحرير: ان الاقوى ان،

______________________________

و الشيخ انه لا بد فى البيع عندهما من لفظ مخصوص) هذا (و قد تقدم دعوى الاجماع من الغنية على عدم كونها) اى المعاطاة (بيعا، و هو) اى الكلام (نص فى عدم اللزوم) لانه اما ان يريد انه ليس ببيع حقيقة او يريد انه ليس يفيد الملك، و على كلا التقديرين يدل على انه ليس بلازم (و لا يقدح كونه) اى الكلام الغنية (ظاهرا فى عدم الملكية الّذي لا نقول به) اذ المقصود بيان عدم قول احد من العلماء باللزوم.

(و عن جامع المقاصد: يعتبر اللفظ فى العقود اللازمة بالاجماع) فالمعاطاة التى ليس لها لفظ لا لزوم لها.

(نعم قول العلامة فى التذكرة «ان الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة» يدل على وجود الخلاف المعتد به فى المسألة) لان «الاشهر» فى مقابل «غير الاشهر» (و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور) اذ «الاشهر» تفضيل فيدل على ان للطرف الآخر أيضا شهرة، بخلاف «المشهور» فان فى مقابله الشاذ، و لذا كثيرا ما يعبر الفقهاء بقولهم «الاشهر بل المشهور» (و كذلك نسبته فى المختلف الى الاكثر) فان ظاهره ان القائل باللزوم أيضا كثير (و فى التحرير: ان الاقوى ان

ص: 111

المعاطاة غير لازمة.

ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم او اكثرهم الى انها ليست مملكة، و انما تفيد الاباحة لم يكن هذا الاتفاق كاشفا اذ القول باللزوم فرع الملكية و لم يقل بها الا بعض من تأخر عن المحقق الثانى، و هذا مما يوهن حصول القطع بل الظن من الاتفاق المذكور لان قول الاكثر بعدم الملك سالبة بانتفاء الموضوع

______________________________

المعاطاة غير لازمة) مما يدل على «ان اللزوم» أيضا له قوة.

(ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها) اى لزوم المعاطاة (مع ذهاب كثيرهم او اكثرهم الى انها ليست مملكة، و انما تفيد الاباحة) فقط (لم يكن هذا الاتفاق كاشفا) عن وجود الاجماع على عدم اللزوم على تقدير القول بالملك (اذ القول باللزوم فرع الملكية) اى بافادة المعاطاة الملك (و لم يقل بها) اى بالملكية (الا بعض من تأخر عن المحقق الثانى، و هذا) اى، عدم القول بالملكية الا عن نادر (مما يوهن حصول القطع بل) حصول (الظن من الاتفاق المذكور) فلا يحصل لنا قطع بوجود الاجماع (لأن قول الاكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع) فانهم لا يقولون باللزوم، من باب عدم قولهم بالملك- اصلا- فاذا دل الدليل على الملك، لم يكن دليل على انهم لا يقولون باللزوم على فرض الملك مثلا اذا قام الاتفاق على انه: ليس عالم موجودا فى الدار، لكن كان هذا الاتفاق من باب اتفاقهم على عدم وجود انسان فى الدار- اطلاقا- فاذا وجدنا نحن انسانا فى الدار، لا نتمكن ان ننسب الاجماع على عدم وجود العالم، لانهم انما كانوا يقولون بعدم وجود العالم، لظنهم عدم وجود انسان، اما اذا علموا بوجود الانسان، لا دليل على انهم باقون على رأيهم بعدم وجود العالم .. و الحاصل، ان الاجماع

ص: 112

نعم يمكن ان يقال- بعد ثبوت الاتفاق المذكور- أن اصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا فالقول بالملك اللازم قول ثالث فتأمل.

و كيف كان، فتحصيل الاجماع على وجه استكشاف قول الامام من قول غيره من العلماء كما هو طريق المتأخرين مشكل لما ذكرنا و إن كان هذا لا يقدح فى الاجماع على طريق القدماء كما بين فى الاصول.

و بالجملة، فما ذكره فى المسالك من قوله- بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ فى اللزوم- «ما حسنه و ما امتن دليله ان لم يكن اجماع على

______________________________

التقييدى ليس بحجة اذا قام الدليل على وجود الموضوع.

(نعم يمكن ان يقال- بعد ثبوت الاتفاق المذكور-) اى الاتفاق على عدم لزوم المعاطاة (ان اصحابنا بين قائل بالملك الجائز) كالمحقق الثانى و من تبعه (و بين قائل بعدم الملك راسا) كالمشهور (فالقول بالملك اللازم قول ثالث) و هو خلاف الاجماع المركب (فتامل) حيث ان هناك قولا بالملك اللازم أيضا كما حكى عن المفيد و غيره.

(و كيف كان، فتحصيل الاجماع على وجه استكشاف قول الامام من قول غيره من العلماء) بسبب الحدس (كما هو طريق المتأخرين) فى حجية الاجماع فى مقابل حجية الاجماع لطفا او دخولا او ما اشبه (مشكل لما ذكرنا) من عدم الاستكشاف (و إن كان هذا) الاشكال (لا يقدح فى الاجماع على طريق القدماء كما بين فى الاصول) لانهم اذا اتفقوا على انه لا يوجب الملك اللازم فالامام فيهم- دخولا- او لو كان هذا مخالفا للواقع لاظهر الواقع- لطفا.

(و بالجملة، فما ذكره فى المسالك من قوله- بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ فى اللزوم-: ما احسنه و ما امتن دليله ان لم يكن اجماع على

ص: 113

خلافه» فى غاية الحسن و المتانة و الاجماع و ان لم يكن محققا على وجه يوجب القطع الا ان المظنون قويا تحققه على عدم اللزوم مع عدم لفظ دال على إنشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ اصلا او وجد و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض.

و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار بل يظهر منها ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطى كان متعارفا بين اهل السوق و التجار بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء فى البيوع الخطيرة التى يراد بها عدم الرجوع، بمجرد

______________________________

خلافه) انتهى كلام المسالك (فى غاية الحسن و المتانة و الاجماع) الّذي اشار إليه المسالك (و ان لم يكن محققا على وجه يوجب القطع) بوجوده (الا ان المظنون قويا تحققه على عدم اللزوم مع عدم) وجود (لفظ دال على إنشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ اصلا) كما لو وضع درهما بإزاء الخباز و أخذ خمسة اقراص (او وجد) اللفظ (و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان) اللفظ (من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض) كما لو قال: بكم تبيع الخبز فقال: كل خبز بعشرة، فاعطى عشرة و اخذ خبزا.

(و قد يظهر ذلك) الّذي ذكرنا من عدم افادة المعاطاة اللزوم، بل اللفظ هو الموجب للزوم البيع (من غير واحد من الاخبار) الآتية بعضها (بل يظهر منها) اى من الاخبار (ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد، التعاطى كان متعارفا بين اهل السوق و التجار) لكن لا يخفى عدم دلالة مثل هذه الاخبار، اذ التعارف لهذا القسم لا ينافى التعارف للتعاطى أيضا كما نشاهد القسمين فى الاسواق فى الحال الحاضر (بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء فى البيوع الخطيرة التى يراد بها عدم الرجوع بمجرد

ص: 114

التراضي نعم ربما يكتفون بالمصافقة فيقول البائع: بارك الله لك، او ما ادى هذا المعنى بالفارسية. نعم يكتفون بالتعاطى فى المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العين.

نعم، الاكتفاء فى اللزوم بمطلق الانشاء القولى غير بعيد للسيرة و لغير واحد من الاخبار- كما سيجي ء إن شاء الله تعالى فى شروط الصيغة-.

بقى الكلام فى الخبر الّذي تمسك به فى باب المعاطاة تارة على عدم افادة المعاطاة إباحة التصرف و اخرى على عدم افادتها.

______________________________

التراضي) «بمجرد» متعلق بقوله «عدم الاكتفاء».

(نعم، ربما يكتفون) فى الامور الخطيرة (بالمصافقة) اى صفق البائع يده على يد المشترى (فيقول البائع: بارك الله لك، او ما ادى هذا المعنى بالفارسية) نحو «خدا مبارك نمايد» .. و ما اشبه.

(نعم، يكتفون بالتعاطى فى المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها) بل نظرهم الى جواز الرجوع مهما لم يريدوا المتاع (بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العين) فيقال للممتنع: لما ذا لا تقبل و الجنس بعد موجود؟، لكن لا يخفى ان مثل ذلك جار أيضا حتى فى صورة اجراء العقد و ابرام الامر.

(نعم، الاكتفاء فى اللزوم) فى التعاطى (بمطلق الانشاء القولى غير بعيد للسيرة) المستمرة بين المسلمين (و لغير واحد من الاخبار- كما سيجي ء إن شاء الله تعالى فى شروط الصيغة-) لكن لا يخفى وجود السيرة فى مطلق المعاطاة و لو بدون لفظ- كما تقدم- فتخصيصها بما اذا كان هناك لفظ محل نظر.

(بقى الكلام فى الخبر الّذي تمسك به فى باب المعاطاة تارة على عدم افادة المعاطاة إباحة التصرف) اصلا (و) تارة (اخرى على عدم افادتها)

ص: 115

اللزوم جمعا بينه و بين ما دل على صحة مطلق البيع كما صنعه فى الرياض، و هو قوله عليه السلام: انما يحلل الكلام و يحرم الكلام ..، و توضيح المراد منه يتوقف على بيان تمام الخبر، و هو ما رواه ثقة الاسلام فى باب بيع ما ليس عنده و الشيخ فى باب النقد و النسية عن ابن ابى عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج او ابن نجيح قال: قلت لابى عبد الله- عليه السلام الرجل يجيئنى و يقول: اشتر لي هذا الثوب و اربحك كذا و كذا فقال- عليه السلام-: أ ليس ان شاء اخذ و ان شاء ترك قلت: بلى، قال عليه السلام:

لا بأس، انما يحلل الكلام و

______________________________

اى المعاطاة (اللزوم) و ان افادت الاباحة، بل الملك (جمعا بينه) اى بين هذا الخبر (و بين ما دل على صحة مطلق البيع) فالمعاطاة لانها بيع، تكون صحيحة مفيدة للملك، و لأنها لا كلام فيها و لا لفظ، فلا تفيد اللزوم، للخبر الآتى الّذي يدير اللزوم مدار الكلام (كما صنعه) اى هذا الجمع (فى الرياض، و) الخبر (هو قوله عليه السلام: انما يحلل الكلام و يحرم الكلام ..،

و توضيح المراد منه يتوقف على بيان تمام الخبر، و هو ما رواه ثقة الاسلام)، الكلينى (فى باب بيع ما ليس عنده) بأن يبيع الانسان ما ليس له (و الشيخ فى باب النقد و النسية عن ابن ابى عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج او ابن نجيح قال: قلت لابى عبد الله- عليه السلام- الرجل يجيئنى و يقول: اشتر لي هذا الثوب و اربحك كذا و كذا) بمعنى ان يشترى الواسطة الثوب من السوق ثم يعطيه للآمر فيعطيعه الآمر زيادة على مقدار الّذي اشترى (فقال- عليه السلام-: أ ليس) الآمر (ان شاء اخذ) الثوب من المأمور بعد ما اشتراه من السوق (و ان شاء ترك) و لم يشتره حتى يبقى الثوب للآمر؟ (قلت: بلى، قال عليه السلام: لا بأس، انما يحلل الكلام و

ص: 116

يحرم الكلام .. و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات اخر- مجردة عن قوله عليه السلام: انما يحلل .. الخ- كلها تدل على انه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل ان يشتريه من صاحبه.

و نقول ان هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها.

الاول ان يراد من الكلام فى المقامين اللفظ الدال على التحريم و التحليل بمعنى ان تحريم شي ء و تحليله لا يكون الا بالنطق به فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالافعال دون الاقوال.

______________________________

يحرم الكلام ..) الى آخر الخبر (و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات، اخر- مجردة عن قوله عليه السلام: انما يحلل .. الخ- كلها تدل على انه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة) مشتقة من القول، لانه مجرد قول و ليس بيعا و عقدا (ما لم يوجب بيع المتاع قبل ان يشتريه من صاحبه) اما اذا اوجب فليس فى الايجاب فائدة بل البيع باطل كما ذكروا ذلك فى الفضولى اما الحرمة التكليفية فلا، اذ الاوامر و النواهى المتعلقة بالمعاملات ظاهرة فى الوضع كما حقق فى محله.

(و نقول ان هذه الفقرة): انما يحلل .. الخ (مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها):

(الاول: ان يراد من الكلام فى المقامين) يحلل الكلام و يحرم الكلام، (اللفظ الدال على التحريم و التحليل بمعنى ان تحريم شي ء و تحليله لا يكون الا بالنطق به) اى باللفظ (فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالافعال دون) المدلول عليه (بالاقوال) مثلا النكاح المحلل، و الطلاق المحرم، انما يتأتيان باللفظ، لا بان يقصدا الزوجية او يقصدا فسخ الزوجية، و لا بان يقصدا الزوجية و يفعلا ما يدل على

ص: 117

الثانى: ان يراد بالكلام اللفظ مع مضمونه- كما فى قولك: هذا الكلام صحيح او فاسد- لا مجرد اللفظ اعنى الصوت و يكون المراد ان المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعى حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤداة بالكلام، فالمقصود الواحد و هو التسليط على البضع مدة معينة يتأتى بقولها: ملكتك بضعى، او سلطتك عليه او آجرتك نفسى، او احللتها لك و بقولها: متعت نفسى بكذا فما عدا الاخير موجب لتحريمه و الاخير محلل، و على هذا المعنى.

______________________________

قصدهما، فالمراد: اللفظ مؤثر دون القصد و الفعل.

(الثانى: ان يراد بالكلام) فى الفقرتين (اللفظ مع مضمونه- كما فى قولك: هذا الكلام صحيح او فاسد-) تريد اللفظ مع المضمون، اذ الصحة و الفساد من صفات المعنى، اما اذا كان نفس اللفظ ذا خلل، فيقال «اللفظ غلط» مثلا (لا) ان يراد بالكلام، فى الفقرتين (مجرد اللفظ اعنى الصوت) و الفرق بين هذا المعنى و بين المعنى الاول، ان «الاول» يقول:

«المعاملة تحتاج الى اللفظ، و لا يكتفى فيها بالقصد» و هذا يقول:

«اللفظ يختلف تحليلا و تحريما باعتبار اختلاف المضمون» (و يكون المراد) من يحلل الكلام و يحرم الكلام (ان المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعى حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤداة) تلك المضامين (بالكلام، فالمقصود الواحد و هو التسليط على البضع مدة معينة) مثلا (يتأتى بقولها: ملكتك بضعى، او سلطتك عليه، او آجرتك نفسى، او احللتها لك) فان معنى الجميع التسليط (و) يتأتى أيضا (بقولها: متعت نفسى بكذا) الى الاجل المعلوم (فما عدا) اللفظ (الاخير موجب لتحريمه) اى عدم افادته التحليل (و الاخير محلل، و على هذا المعنى) اى كون كلام محللا و كلام آخر غير

ص: 118

ورد قوله عليه السلام: انما يحرم الكلام، فى عدة من روايات المزارعة، منها ما فى التهذيب عن ابن محبوب عن ابى الربيع الشامى عن ابى عبد الله عليه السلام، عن الرجل يزرع ارضا فيشترط عليه للبذر ثلثا و للبقر ثلثا؟ قال، عليه السلام: لا ينبغى له ان يسمى بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام و لكن يقول لصاحب الارض: ازرع ارضك و لك منها كذا و كذا نصف او ثلث او ما كان من شرط و لا يسمى بذرا و لا بقرا الخبر.

الثالث: ان يراد بالكلام فى الفقرتين الكلام الواحد و يكون تحريمه و تحليله باعتبار و جوده و عدمه فيكون وجوده محللا و عدمه محرما او بالعكس

______________________________

مفيد للتحليل- مع وحدة المضمون فيهما- (ورد قوله عليه السلام: انما يحرم الكلام، فى عدة من روايات المزارعة، منها ما فى التهذيب عن ابن محبوب عن ابى الربيع الشامى عن ابى عبد الله عليه السلام، عن الرجل يزرع ارضا فيشترط عليه للبذر ثلثا و للبقر ثلثا؟) يعنى و الثلث الآخر من الحاصل لهما الزارع و مالك الارض (قال عليه السلام: لا ينبغى له) اى للزارع (ان يسمى بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام و لكن يقول لصاحب الارض: ازرع ارضك و لك منها كذا و كذا) كنصف الثلث (نصف او ثلث او ما كان من شرط) اى المقدار الّذي يتبانيان عليه (و لا يسمى بذرا و لا بقرا الخبر) فقول الزارع: «ثلثان لى فى مقابل البذر و البقر و ثلث بيننا» محرم، و قوله: «ثلثان و نصف ثلث لى و نصف ثلث لك» محلل، مع ان المضمون فى كليهما واحد.

(الثالث: ان يراد بالكلام فى الفقرتين) يحلل الكلام و يحرم الكلام (الكلام الواحد) بخلاف «الكلام» على المعنى الثانى فانه يراد بالكلام فى كل فقرة كلا ما غير الكلام فى الفقرة الاخرى- كما عرفت- (و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه فيكون وجوده) اى وجود هذا الكلام الواحد (محللا و عدمه محرما او بالعكس) اى وجوده محرما و عدمه محللا كالظهار فان وجوده محرم

ص: 119

او باعتبار محله و غير محله فيحلل فى محله و يحرم فى غير محله و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة فى المزارعة.

الرابع: ان يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة و من الكلام المحرم ايجاب البيع و ايقاعه.

ثم ان الظاهر عدم إرادة المعنى الاول- لانه مع لزوم تخصيص الاكثر حيث ان ظاهره حصر اسباب التحليل و

______________________________

و عدمه محلل (او باعتبار محله و غير محله فيحلل فى محله و يحرم فى غير محله) ككون الايجاب قبل القبول فانه محلل و كونه بعد القبول فانه محرم (و يحتمل هذا الوجه) الثالث (الروايات الواردة فى المزارعة) بان يراد «الكلام الواحد» لا «الكلامان»- كما فى المعنى الثانى- و عليه فاذا قال المزارع «الثلثان و النصف لى» محلل فى مكان لم يذكر البذر و البقر، و و محرم فى مكان ذكرهما.

(الرابع: ان يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة) فى نفس محل السؤال (و من الكلام المحرم ايجاب البيع و ايقاعه) فلا يكون الحديث عاما و انما يكون خاصا بمورد السؤال.

(ثم ان الظاهر عدم إرادة المعنى الاول) و هو كون اللفظ فقط محرما و محللا (- لانه مع لزوم تخصيص الاكثر) كالهدايا و الضيافات، و الامور الاخر التى توجب تحليل الحرام و تحريم الحلال كالارث، و الوطي بالنسبة الى بنت الزوجة، و انقلاب الخمر خلا، و غليان العصير و ذهاب ثلثيه، و الجلل و وطى حيوان مأكول اللحم، و استبراء المرأة الحامل، و ايقاب الغلام بالنسبة الى اخته و بنته و أمه، الى غيرها من الاسباب المحرمة و المحللة التى لا تعد .. (حيث ان ظاهره) اى ظاهر الحديث (حصر اسباب التحليل و

ص: 120

التحريم فى الشريعة فى اللفظ- يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور فى الخبر جوابا عن السؤال مع كونه كالتعليل له لان ظاهر الحكم- كما يستفاد من عدة روايات أخر- تخصيص الجواز بما اذا لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء المتاع من مالكه و لا دخل لاشتراط النطق فى التحليل و التحريم فى هذا الحكم اصلا فكيف يعلل به.

و كذا، المعنى الثانى اذ ليس هنا

______________________________

التحريم فى الشريعة فى اللفظ-) و قوله «لانه» علة لقوله «الظاهر» و قوله «حيث» علة لقوله «لزوم» (يوجب عدم ارتباطه) اى ارتباط قوله «انما يحلل .. الخ» (بالحكم المذكور فى الخبر جوابا عن السؤال) الّذي سأله السائل بانه يشترى المتاع لغيره (مع كون) اى «انما يحلل» (كالتعليل له) اى للحكم.

و قد بين المصنف- رحمه الله- وجه عدم الارتباط بين هذه العلة و بين الحكم- بناء على المعنى الاول- بقوله: (لأن ظاهر الحكم) فى مورد هذا السؤال (كما يستفاد من عدة روايات أخر- تخصيص الجواز) باشتراء الوسيط للآمر (بما اذا لم يوجب) الوسيط (البيع على الرجل) الآمر (قبل شراء المتاع من مالكه) فالمحلل و المحرم: بيع الوسيط قبل اشترائه و عدم بيعه، فان باع قبل الاشتراء كان حراما و الا كان حلالا (و لا دخل لاشتراط النطق فى التحليل و التحريم فى هذا الحكم) اى الحكم بالحرمة قبل الاشتراء من مالكه و الحلية بعد الاشتراء (اصلا فكيف يعلل) هذا الحكم (به) اى بقوله «انما يحلل».

(و كذا، المعنى الثانى) لا يرتبط بالسئوال اصلا (اذ ليس هنا) فى

ص: 121

مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما.

فتعين المعنى الثالث و هو: ان الكلام الدال على الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة الا وجوده قبل شراء العين التى يريدها الرجل لانه بيع ما ليس عنده.

و لا يحلل الا عدمه اذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل الا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر.

فحاصل الرواية ان سبب التحليل و التحريم فى هذه المعاملة منحصر فى الكلام عدما و وجودا.

او المعنى الرابع و هو ان المقاولة و المراضاة مع المشترى الثانى قبل اشتراء

______________________________

مقام السؤال (مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما) فان المقاولة- المحللة- و البيع- المحرم- امران، لا انهما امر واحد.

(فتعين المعنى الثالث و هو: ان الكلام الدال على الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة الا وجوده قبل شراء العين التى يريدها الرجل) الآمر، من الشخص الوسيط (لانه بيع ما ليس عنده) و قد ورد فى الحديث: «لا تبع ما ليس عندك» فيما اذا كان شخصيا، لا ما اذا كليا (و لا يحلل الا عدمه اذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل الا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر) فى الاثر المقصود فلا يكون حراما، فانه لم يبع ما ليس عنده حتى يحرم.

(فحاصل الرواية) على هذا المعنى الثانى (ان سبب التحليل و التحريم فى هذه المعاملة) التى يريد الآمر عقدها مع الوسيط (منحصر فى الكلام عدما) للتحليل (و وجودا) للتحريم.

(او المعنى الرابع) عطف على قوله «فتعين المعنى الثالث» (و هو: ان المقاولة و المراضاة مع المشترى الثانى) و هو الآمر للوسيط (قبل اشتراء)

ص: 122

العين محلل للمعاملة و ايجاب البيع معه محرم لها.

و على كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام فى التحليل كما هو المقصود فى مسألة المعاطاة.

نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام فى ايجاب البيع بوجه آخر بعد ما عرفت، بان المراد بالكلام هو ايجاب البيع بان يقال: ان حصر المحلل و المحرم فى الكلام لا يتأتى الا مع انحصار ايجاب البيع فى الكلام اذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم فى الكلام

______________________________

الوسيط (العين محلل للمعاملة) بمعنى انه لم يحدث شي ء منهى عنه- و هو بيع ما ليس عنده- (و ايجاب) الوسيط (البيع معه) اى مع المشترى الثانى (محرم لها)

(و على كلا المعنيين) الثالث و الرابع (يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام فى التحليل) فى المعاطاة حتى انه يدل على انه لو يكن كلام لم يجز التصرف فى ما اخذ بالمعاطاة (كما هو المقصود فى مسألة المعاطاة) هذا كله فيما اذا اريد الاستدلال بجملة «انما يحلل الكلام» وحدها.

(نعم) يمكن الاستدلال بجملة «انما يحلل» بضميمة «السؤال و الجواب» فى كلام السائل و الامام بان يقال: (يمكن استظهار اعتبار الكلام فى ايجاب البيع بوجه آخر) و هذا الاستدلال انما هو (بعد ما عرفت بان المراد بالكلام هو ايجاب البيع) وجه الاستظهار (بان يقال: ان حصر المحلل و المحرم فى الكلام لا يتأتى) و لا يصح (الا مع انحصار ايجاب البيع فى الكلام) حتى ان غير الكلام- كالمعاطاة- لا يفيد التحليل (اذ لو وقع) الحل (بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم فى الكلام). فتحصل ان هذا الحديث يمكن الاستدلال به على «عدم افادة المعاطاة حلية التصرف» من جهتين، الاولى: قوله:

ص: 123

الا ان يقال: ان وجه انحصار ايجاب البيع فى الكلام فى مورد الرواية هو عدم امكان المعاطاة فى خصوص المورد اذ المفروض ان المبيع عند مالكه الاول فتأمل.

و كيف كان فلا تخلو الرواية عن اشعار او ظهور

______________________________

«انما يحلل الكلام» و فيه انه ليس المراد منه القاعدة عامة- كما تقدم-، الثانية «ان ايجاب البيع منحصر فى الكلام» و هذا يستفاد من «انما يحلل- بضميمة ما سبقه من السؤال و الجواب-» فيدل على ان غير الكلام لا يوجب البيع (الا ان يقال:) بان هذا الاستظهار أيضا غير تام اذ السبب الناقل- فى مورد الرواية، معقولة، اذ لا سلعة بيد «الوسيط» حتى يعطيها للآمر فيبقى السبب يجب ان يكون امرا معقولا، اما المعاطاة فغير المحلل فى الكلام. فالرواية تدل على صحة المعاطاة لكن فى هذا المورد الخاص، الّذي يكون عدم المعاطاة من باب السالبة بانتفاء الموضوع ف (ان وجه انحصار ايجاب البيع فى الكلام فى مورد الرواية) الّذي هو بيع ما ليس عنده (هو عدم امكان المعاطاة فى خصوص المورد اذ المفروض) فى السؤال و الجواب (ان المبيع عند مالكه الاول) فلا يمكن التعاطى بين الوسيط و الآمر على المبيع (فتأمل) فان كون الحصر اضافيا بالنسبة الى مورد السؤال خلاف الظاهر اذ ظاهر الحصر دائما- كونه حقيقيا الا ان تقدم قرينة على الإضافية- كما قرر فى موضعه-.

(و كيف كان فلا تحلو الرواية عن اشعار او ظهور) فى انحصار سبب

ص: 124

كما يشعر به قوله- عليه السلام- فى رواية اخرى واردة فى هذا الحكم أيضا و هى رواية يحيى بن الحجاج عن ابى عبد الله- عليه السلام-: عن رجل قال لى: اشتر لى هذا الثوب او هذه الدابة و بعنيها ابحك فيها كذا و كذا قال- عليه السلام-: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبها او تشتريها. فان الظاهر ان المراد من مواجبة البيع ليس مجرد اعطاء العين للمشترى.

و يشعر به أيضا

______________________________

الحلية فى الكلام (كما يشعر به قوله- عليه السلام- فى رواية اخرى واردة فى هذا الحكم) اى حكم من يريد اشتراء شي ء ليبيعه لمن امره بذلك (أيضا) كالرواية المتقدمة (و هى رواية يحيى بن حجاج عن ابى عبد الله- عليه السلام-: عن رجل قال لى: اشتر لى هذا الثوب او هذه الدابة و بعنيها اربحك عنها كذا و كذا) مقدارا من المال (قال- عليه السلام-: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع) اى من الآمر (قبل ان تستوجبها) من مالكها (او تشتريها) الترديد اما من الراوى و اما من الامام عليه السلام، و لعل الفرق بناء على كونه من الامام ان الاستيجاب اعم من الشراء، اى قبل ان تأخذ السلعة من صاحبها، او تشترى السلعة منه (فان الظاهر ان المراد من مواجبة البيع) فى قوله عليه السلام «لا تواجبه» (ليس مجرد اعطاء العين للمشترى) اى المعاطاة، لانه غير ممكن، فان الجنس بيد مالكه فكيف يمكن ان يعطيه الوسيط للآمر، فلا بد و ان يراد من قوله عليه السلام «لا تواجبه» لا تجرى العقد، فيكون مفاد هذا الحديث كمفاد الحديث السابق القائل بانه يحلل الكلام و يحرم الكلام.

(و يشعر به أيضا) اى يكون ايجاب البيع باللفظ، و ان الكلام محلل و محرم

ص: 125

رواية العلاء- الواردة فى نسبة الربح الى اصل المال- قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: الرجل يريد ان يبيع بيعا فيقول: ابيعك بده دوازده فقال عليه السلام: لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة.

فان ظاهره على ما فهمه بعض الشراح انه لا يكره ذلك فى المقاولة التى قبل العقد، و انما يكره حين العقد.

______________________________

(رواية العلاء- الواردة فى نسبة الربح الى اصل المال- قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام، الرجل يريد ان يبيع بيعا) بيعا مفعول مطلق تأكيدى نحو «مشى مشيا» و ما اشبه .. (فيقول: ابيعك بده دوازده) يعنى «بعشرة، اثنى عشر» و المراد اخذ ربح اثنين فوق كل عشرة فاذا كان شراؤه مائة باعه بمائة و عشرين (فقال عليه السلام: لا بأس انما هذه، المراوضة) يعنى التراضي و المقاولة، و مفهومه انه ليس ببيع، و لو كان بيعا لم يجز (فاذا جمع البيع) اى عزمه (جعله جملة واحدة) اى قال- مثلا-:

بعتك هذه السلعة بمائة و عشرين، اى فى قبال ان يقول: كل عشرة باثنى عشر (فان ظاهره على ما فهمه بعض الشراح انه لا يكره ذلك) اى قول «ابيعك بده دوازده» (فى المقاولة التى قبل العقد، و انما يكره حين العقد) و كأن المصنف اراد استفادة اشعار الرواية بالاحتياج الى اللفظ من هذه العبارة.

و وجه الاشعار ان قوله «جعله جملة واحدة» الاشكال فيما اذا لم يجعله جملة واحدة، مع ان القصد و التعاطى حاصلان، اذ لو كفى التعاطى لم يضر هذه العبارة «اى: ده دوازده» حتى حين العقد بعد حصول التعاطى.

ص: 126

و فى صحيحة ابن سنان: لا بأس بان تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشترى له نحو الّذي طلب ثم توجبه على نفسك ثم تبيعه منه بعد.

و ينبغى التنبيه على امور:

الأول: الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم- على القول بافادتها الملك- بيع

بل الظاهر من كلام المحقق الثانى فى جامع المقاصد انه مما لا كلام فيه حتى عند

______________________________

(و فى صحيحة ابن سنان: لا بأس بان تبيع الرجل المتاع) فى حالكونه (ليس عندك) بان (تساومه) اى تقاوله و تراوضه (ثم تشترى له نحو الّذي طلب) مما قاولت معه (ثم توجبه على نفسك) اى تشتريه (ثم تبيعه منه بعد) اى بعد ان اشتريته لنفسك.

و وجه الاستظهار من هذه الرواية، باحتياج العقد الى اللفظ، انه لو كان المراد المعاطاة، لم يكن وجه لقوله «ثم تبيعه» اذ التعاطى قبل الاشتراء غير ممكن فان السلعة بيد مالكها فالمراد ان اللفظ المحتاج إليه فى العقد لا يصح ان يقع قبل اشتراء الوسيط، و انما تصح المقاولة، فاذا اشترى جاء باللفظ للعقد.

(و) اذ تم مبحث المعاطاة، و انما بقى انها هل تفيد الملك اللازم، او الملك المتزلزل، او الاباحة المجردة، او لا تفيد شيئا ف (ينبغى التنبيه على امور) ملحقة بهذا المبحث:

(الاول: الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم) بتصرف احد الطرفين فيما انتقل إليه (- على القول بافادتها الملك-) فى مقابل القول بافادتها الاباحة (بيع) خبر «ان» (بل الظاهر من كلام المحقق الثانى فى جامع المقاصد انه) اى كونها قبل اللزوم بيعا (مما لا كلام فيه حتى عند

ص: 127

القائلين بكونها فاسدة كالعلامة فى النهاية.

و دل على ذلك تمسكهم بقوله تعالى: احل الله البيع.

و اما على القول بافادتها للاباحة فالظاهر انها بيع عرفى لم تؤثر شرعا الا الاباحة، فنفى البيع عنها فى كلامهم و معاقد اجماعهم هو البيع المفيد شرعا للزوم زيادة على الملك.

هذا على ما اخترناه سابقا من ان مقصود المتعاطيين فى المعاطاة التمليك و البيع و اما على ما احتمله بعضهم بل استظهره من ان محل

______________________________

القائلين بكونها) معاملة (فاسدة كالعلامة فى النهاية) و ستأتى فائدة كونها بيعا أو لا.

(و دل على ذلك) اى كونها بيعا (تمسكهم) للمعاطاة (بقوله تعالى:

احل الله البيع) اذ لو لم تكن بيعا- عندهم- لم يكن للآية ربط بها.

(و اما على القول بافادتها للاباحة فالظاهر انها) اى المعاطاة (بيع عرفى) لا شرعى (لم تؤثر شرعا الا الاباحة، فنفى البيع عنها) بقولهم: انها ليست بيعا (فى كلامهم و معاقد اجماعهم هو البيع المفيد شرعا للزوم زيادة على الملك) يعنى مرادهم انها ليست بيعا مملكا مفيدا للزوم اما لانه بيع مملك متزلزل، و اما لانه بيع لم يفد الا الاباحة.

(هذا) اى كونه بيعا على كل تقدير سواء افاد الملك المستقر او المتزلزل او صرف الاباحة (على ما اخترناه سابقا من ان مقصود المتعاطيين فى المعاطاة التمليك و البيع) كما هو الظاهر من كلمات الفقهاء، و عليه جرت السيرة فى قبال قول الجواهر الّذي نزل كلامهم على صورة ما ارادا الاباحة.

(و اما على ما احتمله بعضهم) كالجواهر (بل استظهره من ان محل

ص: 128

الكلام هو ما اذا قصدا مجرد الاباحة فلا اشكال فى عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا.

و على هذا فلا بد عند الشك فى اعتبار شرط فيها من الرجوع الى الادلة الدالة على صحة هذه الاباحة العوضية من خصوص او عموم.

و حيث ان المناسب لهذا القول التمسك فى مشروعيته

______________________________

الكلام هو ما ذا قصدا) اى المتعاطيان (مجرد الاباحة فلا اشكال فى عدم كونها) اى المعاطاة (بيعا) لا (عرفا و لا شرعا) لأن المتعاطيين لم يقصدا البيع و لم يدل دليل على ان الشارع جعل هذا التعاطى بيعا على خلاف رغبة المتعاطيين و قصدهم.

(و على هذا) الّذي ذكره من كون الكلام فيما اذا قصدا الاباحة- لا الملك- (فلا بد عند الشك فى اعتبار شرط فيها) اى فى المعاطاة المقصود بها الاباحة- كما اذا شككنا فى ان المعاطاة المفيدة للاباحة تشترط بتقديم اعطاء المثمن على اعطاء الثمن او تشترط بتعدد المعطى و القابل أم يكفى وكالة شخص عنها- مثلا- بمعنى انا شككنا فى انه اذا فقدت المعاطاة هذا الشرط هل تنفع فى الاباحة أم لا؟ (من الرجوع الى الادلة الدالة على صحة هذه الاباحة العوضية من خصوص او عموم) فاذا كان الدليل عاما يشمل ذات الشرط- المشكوك فيه- و غير ذات الشرط، نقول بصحة المعاطاة، العوضية الفائدة لذلك الشرط، و اذا كان الدليل خاصا لا يشمل الا ذات، الشرط، و لو من جهة اجمال فى الدليل، نقول بعدم الاباحة اذا كانت المعاطاة بدون ذلك الشرط المشكوك فيه.

(و حيث ان المناسب لهذا القول) الّذي يقول بان كلام الفقهاء فى المعاطاة المراد بها الاباحة (التمسك فى مشروعيته) اى مشروعية التعاطى

ص: 129

بعموم «الناس مسلطون على اموالهم» كان مقتضى القاعدة هو نفى شرطية غير ما ثبت شرطيته كما انه لو تمسك لها بالسيرة، كان مقتضى القاعدة العكس

و الحاصل ان المرجع على هذا عند الشك فى شروطها هى ادلة هذه المعاملة سواء اعتبرت فى البيع أم لا.

و اما على المختار من ان الكلام فيما قصد به البيع هل يشترط فيه شروط البيع مطلقا أم لا

______________________________

العوضى المفيد للاباحة (بعموم «الناس مسلطون على اموالهم» كان مقتضى القاعدة هو نفى شرطية غير ما ثبت شرطيته) فكل شرط شك فيه، كان الاصل عدمه، لان «الناس مسلطون» عام يشمل الفاقد للشرط (كما انه لو تمسك لها) اى للمشروعية (بالسيرة كان مقتضى القاعدة العكس) و انه يجب مراعاة كل شرط شك فى اعتباره، لانه لا عموم للسيرة، فانه دليل لبّى فاللازم الاخذ بالقدر المتيقن، و هو المعاطاة الواجدة لجميع الشرائط المتيقنة و المشكوكة.

(و الحاصل ان المرجع على هذا) الّذي ذكره الجواهر، من كون الكلام فى المعاطاة المقصود بها الاباحة (عند الشك فى شروطها) اى شروط المعاطاة (هى ادلة هذه المعاطاة) الموجبة للاباحة، و المقصود بها الاباحة (سواء اعتبرت) تلك الشرائط المشكوكة (فى البيع أم لا) اذ ليست هذه المعاطاة- على هذا القول- بيعا حتى يأتى فيها الشرائط المعتبرة فى البيع.

(و اما على المختار) عندنا (من ان الكلام فيما قصد به البيع) من جانب المتعاقدين ف (هل يشترط فيه شروط البيع) باستثناء الصيغة فقط (أم لا)

ص: 130

كذلك أم يبتنى على القول بافادتها للملك و القول بعدم افادتها الا الاباحة وجوه.

يشهد للاول كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل على اشتراطه فى البيع.

و يؤيده ان محل النزاع بين العامة و الخاصة فى المعاطاة: هو ان الصيغة معتبرة فى البيع كسائر الشرائط أم لا كما يفصح عنه عنوان المسألة فى كتب كثير من العامة و الخاصة فما انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و ان فرض

______________________________

يشترط فيه شروط البيع (كذلك) مطلقا (أم يبتنى على القول بافادتها للملك) فيشترط فيه شروط البيع (و القول بعدم افادتها الّا الاباحة) فلا يشترط بشروط البيع (وجوه) و احتمالات.

(يشهد للاول) الّذي هو الاشتراط مطلقا (كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل على اشتراطه فى البيع) اى يتأتى فيه كل ما دل- و انما فسرنا «يشترط» ب «يتأتى» لان «يشترط» انما يتعلق ب «الشرط» لا ب «ما دل» و لو قال: «فيشترط فيها جميع ما اشترط فى البيع» كان اوجه.

(و يؤيده) اى الاشتراط (ان محل النزاع بين العامة و الخاصة فى المعاطاة: هو ان الصيغة معتبرة فى البيع كسائر الشرائط) المعتبرة فيه (أم لا) يعتبر الصيغة (كما يفصح عنه) اى يدل على كون النزاع فى الجامع للشرائط- باستثناء الصيغة- (عنوان المسألة فى كتب كثير من العامة و الخاصة) بهذا العنوان الّذي ذكرناه، و على هذا (فما) اى فالبيع الّذي (انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و ان فرض،

ص: 131

مشاركا له فى الحكم و لذا ادعى فى الحدائق ان المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة اذا استكمل شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و انها تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض و مقابل المشهور فى كلامه قول العلامة رحمه الله فى النهاية بفساد المعاطاة كما صرح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف فى اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع.

______________________________

مشاركا له) اى لهذا العنوان- الّذي هو تجمع سائر الشرائط- باستثناء الصيغة- (فى الحكم) بان يقال: «ما انتفى فيه الشروط» و «ما كان واجد للشروط باستثناء الصيغة» كلاهما يفيد الاباحة، او الملك المتزلزل (و لذا) الّذي ذكرناه من لزوم اشتمال المعاطاة على جميع الشروط باستثناء الصيغة (ادعى فى الحدائق ان المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة) اى التى لا تفيد اللزوم- فليس معنى قولهم:

«بعدم اللزوم» عدم الصحة راسا (اذا استكمل شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و انها) اى المعاطاة (تفيد) عند استكمال الشرائط (إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض) فان عبارته نص فى ان كلامهم فى الجامع للشرائط.

(و مقابل المشهور فى كلامه) اى كلام الحدائق (قوله العلامة رحمه الله فى النهاية بفساد المعاطاة- كما صرح به) اى صرح الحدائق بان قول العلامة مقابل المشهور (بعد ذلك) الكلام المتقدم منه (فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف فى اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع)، يعنى ان قول الحدائق: «المشهور كذا» يريد به مقابل قول العلامة الّذي يقول بالفساد، حتى مع استجماع الشرائط، لا مقابل انه «فى اشتراط

ص: 132

و يشهد للثانى ان البيع فى النص و الفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم و ثبت له الخيار فى قولهم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه.

اما على القول بالإباحة فواضح، لان المعاطاة ليست على هذا القول بيعا فى نظر الشارع و المتشرعة، اذ لا نقل فيها عند الشارع.

______________________________

المعاطاة بالشروط خلاف» حتى يكون هناك من يقول بالصحة و لو بدون الشرائط.

(و يشهد للثانى) اى عدم اشتراط المعاطاة بشروط البيع (ان البيع فى النص و الفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم و ثبت له) اى لمباشر البيع (الخيار) ما دام فى المجلس (فى قولهم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه) اى نحو هذا الحديث مما دل على الخيار للعيب و نحوه، و من المعلوم ان المعاطاة ليست كذلك لانها- اما غير مفيدة للملك اصلا- على قول من يقول بالإباحة- و اما غير لازمة- على قول من يقول بالملك المتزلزل- و عليه فالشروط المذكورة للبيع لا ربط لها بالمعاطاة، لان المعاطاة ليست بيعا.

و ان شئت قلت: ان البيع ما فيه لزوم او خيار، و المعاطاة ليس فيه لزوم و لا خيار، لانها على الاباحة لا ملك فكيف باللزوم و على الملك فهو متزلزلة من اصلها لا ان الخيار اوجب تزلزلها.

(اما) كون المعاطاة ليست بيعا- حتى يأتى فيها شروط البيع- (على القول بالإباحة فواضح، لان المعاطاة ليست على هذا القول بيعا فى نظر الشارع و المتشرعة، اذ لا نقل فيها) اى فى المعاطاة، فانها على الاباحة لا توجب نقل العين- و النقل من مقومات البيع- (عند الشارع و المتشرعة) تتبع للشارع و ان شئت قلت: البيع يوجب النقل و المعاطاة

ص: 133

فاذا ثبت اطلاق الشارع عليه فنحمله على الجرى على ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله على النقل فى نظرهم و قد تقدم سابقا فى تصحيح دعوى الاجماع على عدم كون المعاطاة بيعا بيان ذلك.

و اما على القول بالملك فلأنّ المطلق ينصرف الى الفرد المحكوم باللزوم فى قولهم البيعان بالخيار و قولهم: ان الاصل فى البيع اللزوم و الخيار انما ثبت لدليل

و ان البيع بقول مطلق من العقود اللازمة و قولهم: البيع هو العقد الدال على كذا و نحو كذلك.

______________________________

لا توجب النقل» فالمعاطاة ليست ببيع (فاذا ثبت اطلاق الشارع) لفظ البيع (عليه) اى على التعاطى (فنحمله على الجرى) اى جرى الشارع فى كلامه (على ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله) اى التعاطى (على النقل فى نظرهم) فالشارع اطلق لفظ البيع عليه جريا على اصطلاح العرف لا انه بيع بنظره (و قد تقدم سابقا فى تصحيح دعوى الاجماع على عدم كون المعاطاة بيعا بيان ذلك) اى بيان ان المراد من البيع فى كلام المشرعة حيث ينفون البيع عن المعاطاة هو البيع الصحيح المحكوم عليه باللزوم.

(و اما على القول بالملك) اى بان المعاطاة تفيد الملك (فلأنّ المطلق) اى اذا اطلق «البيع» (ينصرف الى الفرد المحكوم باللزوم فى قولهم البيعان بالخيار) «فى» متعلق ب «المطلق» (و قولهم: ان الاصل فى البيع اللزوم، و الخيار انما ثبت لدليل) قوله: «و الخيار» مبتدأ خبره «انما ثبت» و هذا من تتمة «قولهم» فان المشهور يقولون: ان الاصل فى كل بيع ان يكون لازما فاذا قام الدليل على الخيار قلنا به و الا كان الاصل عدم الخيار.

(و) قولهم (ان البيع بقول مطلق من العقود اللازمة) «بقول مطلق» يراد به فى مقابل «البيع المقيد» بخيار و نحوه (و قولهم: البيع هو العقد الدال على كذا و نحو ذلك) من عبائرهم التى ذكروا فيها لفظ «البيع»

ص: 134

و بالجملة فلا يبقى للمتأمل شك فى ان اطلاق البيع فى النص و الفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه، الا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل.

و وجه الثالث ما تقدم للثانى على القول بالإباحة من سلب البيع عنه و للاول على القول بالملك من صدق البيع عليه حينئذ و ان لم يكن لازما.

و يمكن الفرق بين الشرط الّذي ثبت اعتباره فى البيع من النص فيحمل

______________________________

و الحاصل ان «المعاطاة لا تفيد اللزوم» و «البيع لازم» فلا يشترط فى المعاطاة شروط البيع لانها غيره.

(و بالجملة فلا يبقى للمتأمل شك فى ان اطلاق) لفظ (البيع فى النص و الفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه، الا بفسخ عقده بخيار او بتقايل) و المعاطاة ليست كذلك، اذ قد عرفت انها تفيد الملك المتزلزل، فليست المعاطاة بيعا حتى تكون مشروطة فيها بشروط البيع.

(و وجه الثالث) و هو التفصيل بين القول بافادة المعاطاة للملك فيشترط فيها شروط البيع و بين افادتها للاباحة فلا يشترط فيها شروط البيع (ما تقدم للثانى) اى فى وجه القول الثانى (على القول بالإباحة من سلب البيع عنه) اى عما افاد الاباحة، و اذ لم تكن المعاطاة المفيدة للاباحة بيعا لم تكن مشروطه بشروط البيع (و للاول) اى فى وجه القول الاول (على القول بالملك من صدق البيع عليه حينئذ) اى حين كانت مفيدة للملك و اذا صدق البيع على المعاطاة كانت مشروطة بشروط البيع (و ان لم يكن) هذا التعاطى المفيد للملك (لازما) بل افاد ملكا متزلزلا.

(و يمكن الفرق بين الشرط الّذي ثبت اعتباره فى البيع من النص) متعلق ب «ثبت» اى كان الشارع اعتبره بالنص عليه (فيحمل

ص: 135

على البيع العرفى و ان لم يفد عند الشارع الا الاباحة، و بين ما ثبت بالاجماع على اعتباره فى البيع بناء على انصراف البيع فى كلمات المجمعين الى العقد اللازم.

و الاحتمال الاول لا يخلو عن قوة، لكونها بيعا ظاهرا على القول بالملك كما عرفت عن جامع المقاصد.

و اما على القول بالإباحة فلانها لم يثبت الا فى المعاملة الفائدة للصيغة فقط فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا.

ثم

______________________________

على البيع العرفى) فاذا حدث البيع العرفى، كان محلا لذلك الشرط فيعتبر مثل ذلك فى المعاطاة لصدق البيع العرفى عليها (و ان لم يفد) ذلك البيع العرفى (عند الشارع الا الاباحة، و بين ما ثبت بالاجماع على اعتباره) بان دل الاجماع على ذلك الشرط (فى البيع) فانه لا يشترط فى المعاطاة- بناء على القول بانها لا تفيد الملك اللازم- (بناء على انصراف البيع فى كلمات المجمعين الى العقد اللازم) فاذا لم تكن المعاطاة توجب اللزوم لم يكن ذلك الشرط معتبرا فيها.

(و الاحتمال الاول) و هو انه يشترط فى المعاطاة جميع شروط البيع (لا يخلو عن قوة، لكونها بيعا ظاهرا على القول بالملك كما عرفت عن جامع المقاصد) حيث قال بافادة المعاطاة الملك المتزلزل.

(و اما على القول بالإباحة فلانها) اى الاباحة (لم يثبت الا فى المعاملة الفاقدة للصيغة فقط) دون الفاقدة لسائر شرائط البيع (فلا تشمل) الاباحة المعاطاة (الفاقدة للشرط الآخر) غير الصيغة (أيضا) علاوة على فقدها للصيغة.

(ثم) يظهر من بعض الفقهاء اعتبار وجود سائر الشرائط فى المعاطاة

ص: 136

انه حكى عن الشهيد ره فى حواشيه على القواعد انه بعد ما منع من اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى الا بعد تلف العين يعنى العين الاخرى- ذكر انه يجوز ان يكون الثمن و المثمن فى المعاطاة مجهولين لانها ليست عقدا و كذا جهالة الاجل و انه لو اشترى امة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن انتهى و حكى عنه فى باب الصرف أيضا انه لا يعتبر التقابض فى المجلس فى معاطاة النقدين.

اقول: حكمه- قدس سره- بعدم جواز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح فى عدم افادتها للملك، الا ان حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف

______________________________

ف (انه حكى عن الشهيد ره فى حواشيه على القواعد انه- بعد ما منع من اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى) لان هذه الامور لا تكون الا فى الملك (الا بعد تلف العين، يعنى العين الاخرى) المقابلة لهذا الشي ء الّذي يراد اعطائه خمسا او زكاة او هديا (- ذكرانه يجوز ان يكون الثمن و المثمن فى المعاطاة مجهولين لانها) اى المعاطاة، (ليست عقدا) و الجهالة انما تضر العقد، دون غير العقد (و كذا جهالة الاجل) و المدة فى النسية و السلف مثلا (، و انه لو اشترى امة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن) لانه لا وطى الا فى ملك (انتهى. و حكى عنه فى باب الصرف أيضا: انه لا يعتبر التقابض فى المجلس فى معاطاة النقدين) مع ان التقابض شرط فى النقدين اذا كان عقدا.

(اقول: حكمه- قدس سره- بعدم جواز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح) اى وطى (المأخوذ بها) اى بالمعاطاة (صريح فى) ان رأيه (عدم افادتها للملك، الا ان حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف) من المعلومية و القبض

ص: 137

معلّلا بان المعاطاة ليست عقدا يحتمل ان يكون باعتبار عدم الملك حيث ان المفيد للملك منحصر فى العقد و ان يكون باعتبار عدم اللزوم حيث ان الشرائط المذكورة شرائط للبيع العقدى اللازم.

و الاقوى اعتبارها و ان قلنا بالإباحة لانها بيع عرفى و ان لم يفد شرعا الاباحة و مورد الادلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفى لا خصوص العقدى بل تقييدها بالبيع العقدى تقييد بغير الغالب و لما عرفت من ان الاصل فى المعاطاة بعد القول بعدم الملك الفساد و عدم تاثيرها شيئا

______________________________

فى المجلس، (معلّلا بان المعاطاة ليست عقدا يحتمل ان يكون) هذا التعليل (باعتبار عدم الملك) اصلا (حيث ان المفيد للملك) فى نظره (منحصر فى العقد و ان يكون باعتبار عدم اللزوم) و ان افادت المعاطاة الملك (حيث ان الشرائط المذكورة) المعلومية و القبض (شرائط للبيع العقدى اللازم) و حيث ان المعاطاة لا تفيد اللزوم لا تشترط بهذه الشروط.

(و) لكن (الاقوى اعتبارها) اى الشروط المذكورة (و ان قلنا بالإباحة لانها بيع عرفى و ان لم يفد شرعا الا الاباحة و) ان قلت: اذا لم تكن بيعا عند الشارع فكيف تقولون باعتبار الشرائط فيها؟ قلت: (مورد الادلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفى لا خصوص) البيع (العقدى) و ذلك لان موضوعات الاحكام منزلة منزلة العرفى، الا اذا دل الدليل على تصرف الشارع فى الموضوع زيادة او نقيصة (بل تقييدها) اى تقييد تلك الشروط (بالبيع العقدى تقييد بغير الغالب،) و اللفظ انما يحمل على الغالب (و لما عرفت) هذا عطف على قوله «لانها بيع عرفى» و علة ثانية لاحتياج المعاطاة الى الشروط (من ان الاصل فى المعاطاة بعد القول بعدم الملك الفساد، و عدم تاثيره شيئا،) اصلا حتى الاباحة، لانهما

ص: 138

خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء، من حيث اللزوم و العدم و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة و بقى الباقى.

و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيها أيضا و ان خصصنا الحكم بالبيع بل الظاهر التحريم حتى عند من لا يراها مفيدة للملك لانها معاوضة عرفية و ان لم يفد الملك بل معاوضة شرعية كما اعترف بها الشهيد رحمه الله فى موضع من الحواشى، حيث قال: ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة انتهى.

______________________________

نويا الملك، فاذا لم يقع ما قصدا، كيف يقع ما لم يقصدا (خرج) من اصل الفساد (ما هو محل الخلاف بين العلماء، من حيث اللزوم و العدم) اى، ان المعاطاة التى اختلفوا فيها فى انها تفيد اللزوم أم لا خرجت عن اصل الفساد (و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة) فان اصل الفساد لا يشمل هذه المعاطاة (و بقى الباقى) و هى المعاطاة الفاقدة للشروط فانها باقية على اصالة الفساد.

(و بما ذكرنا) من ان المعاطاة بيع عرفى (يظهر وجه تحريم الربا فيها أيضا و ان خصصنا الحكم) بالتحريم للربا (بالبيع) لما عرفت من ان المعاطاة بيع و قوله «و ان» وصلية (بل الظاهر التحريم) للربا فى المعاطاة (حتى عند من لا يراها) اى المعاطاة (مفيدة للملك) و وجه التحريم حتى على الاباحة (لانها معاوضة عرفية و ان لم يفد الملك) فما دل على حرمة الربا فى المعاوضة شامل لها (بل معاوضة شرعية كما اعترف بها) اى بكونها معاوضة شرعية (الشهيد رحمه الله فى موضع من الحواشى، حيث قال: ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة انتهى.) فيشملها قوله سبحانه «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا».

ص: 139

و اما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم فيمكن نفيه على المشهور لانها جائزة عندهم فلا معنى للخيار و ان قلنا بافادة الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا بناء على صيرورتها بيعا بعد اللزوم كما سيأتى، عند تعرض الملزمات فالخيار موجود من زمان المعاطاة الّا ان اثره يظهر بعد اللزوم

______________________________

اللهم الا ان يقال: ان الظاهر من الآية بقرينة المقابلة كون الربا المحرم فى المعاملة المعهودة.

(و اما حكم جريان الخيار فيها) اى فى المعاطاة بناء على انها تفيد الاباحة او الملك المتزلزل (قبل اللزوم) بتلف الطرف الاخر كما لو اعطى دينارا و اخذ سلعة، ثم اتلف ذلك الطرف الدينار، فانه يلزم التعاطى، و حينئذ لا بائس بالقول بجريان الخيار فى السلعة اذا ظهرت معيبة- مثلا-، لان المعاطاة بتلف الدينار صارت لازمة- و اما قبل تلف الدينار فلا معنى لجريان الخيار اذ التعاطى جائز (فيمكن نفيه) اى الخيار (على المشهور) القائلين بافادة المعاطاة الإباحة (، لأنها جائزة عندهم فلا معنى للخيار و إن قلنا بإفادة) المعاطاة (الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا) سواء افادت الملك المستقر او المتزلزل اما الملك المستقر فواضح و اما المتزلزل (بناء على صيرورتها) اى المعاطات (بيعا بعد اللزوم كما سيأتي، عند تعرض، الملزمات) للمعاطاة (ف) ان قلت: كيف و لا معنى للخيار و الملك متزلزل بنفسه؟ قلت: (الخيار موجود من زمان المعاطاة الّا ان اثره يظهر بعد اللزوم) فان من الممكن ان يكون موضع شي ء مقدما على اثره كما فى خيار الشرط الّذي يشترط اذا لم يعطه المال رأس السنة كان له الخيار.

ص: 140

و على هذا فيصح اسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم، و يحتمل ان يفصل بين الخيارات المختصة بالبيع فلا تجرى لاختصاص ادلتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار و بين غيرها كخيار الغبن و العيب بالنسبة الى الرد دون الارش فتجرى لعموم ادلتها.

و اما حكم الخيار بعد اللزوم

______________________________

(و على هذا) اى وجود الخيار من اوّل وقت المعاطاة (فيصح اسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم) لانه حق و الحق قابل للاسقاط كما هو قابل للمصالحة (و يحتمل ان يفصّل) فى مسئلة جريان الخيار فى المعاطاة، (بين الخيارات المختصة بالبيع) كخيار المجلس (فلا تجرى لاختصاص ادلتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار) اذ المنصرف من دليل الخيار انه انما جعل لاجل تمكن ذى الخيار من التخلص عن البيع اللازم، فاذا قلنا بان المعاطاة ليست لازمة فلا مساغ للخيار فيها (و بين غيرها) اى سائر الخيارات التى تجرى فى البيع و غير البيع (كخيار الغبن و العيب بالنسبة الى الرد دون الارش) اذ الارش خلاف الاصل فيقتصر فيه على موضع اليقين و هو البيع.

و انما كان الارش خلاف الاصل لان المتعاملين انما اجريا البيع بان يكون المثمن الحاصل مقابل للثمن الخاص فاسترداد بعض الثمن مع بقاء المثمن من قبيل الجمع بين العوض و المعوّض لكن لا يخفى ما فى هذا الكلام فان عكسه و هو بقاء كل الثمن لدى البائع مع ان الجنس لا يسوى الا ببعضه كل للمال بالباطل و محل الكلام باب الخيارات (فتجرى) هذه الخيارات التى لا تخص البيع (لعموم ادلتها) فتشمل المعاطاة أيضا.

(و اما حكم الخيار بعد اللزوم) للمعاطاة بتلف احد الطرفين- مثلا-

ص: 141

فسيأتى بعد ذكر الملزمات.

الأمر الثاني أن المتيقن من مورد المعاطاة و هو حصول التعاطى فعلا من الطرفين

فالملك او الاباحة فى كل منهما بالاعطاء فلو حصل الاعطاء من جانب واحد و لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر او ملكيته فلا يتحقق المعاوضة و لا الاباحة رأسا لان كلا منهما ملك او مباح فى مقابل ملكه الاخر او اباحته الا ان الظاهر من جماعة من متأخرى المتأخرين- تبعا للشهيد فى الدروس جعله من المعاطاة و لا ريب انه لا يصدق معنى المعاطاة لكن هذا لا يقدح

______________________________

(فسيأتي بعد ذكر الملزمات) للمعاطاة.

(الثانى ان المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطى فعلا من الطرفين) بان يعطى هذه السلعة و يعطى ذاك الثمن (فالملك او الاباحة) على الاختلاف فيما توجبه المعاطاة (فى كل منهما) اى الطرفين (بالاعطاء) الفعلى (فلو حصل الاعطاء من جانب واحد و لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر او ملكيته) بان لم يعط الآخذ فى مقابل ما اخذه كما لو اخذ المشترى السلعة من الدكان و لم يعط الثمن- مثلا- و قوله «ملكيته» من المصدر المضاف الى المفعول اى «مملوكيته» (فلا يتحقق المعاوضة) المملكة بين الجانبين (و لا الاباحة رأسا) اى اصلا (لان كلا منهما) اى من العوض و المعوض (ملك او مباح فى مقابل ملكه الاخر او اباحته) فللبائع الثمن فى مقابل كون المشترى يملك او يباح له المثمن فاذا لم يحصل احد الطرفين لم يحصل الطرف الاخر، هذا هو مقتضى المعاطاة (الا ان الظاهر من جماعة من متأخرى المتأخرين- تبعا للشهيد) الاول (فى الدروس جعله من المعاطاة) اى جعل ما يكون الاعطاء من طرف جانب واحد فقط (و) اقول:

(لا ريب انه لا يصدق معنى المعاطاة) اذ المعاطاة مصدر باب المفاعلة و هذا الباب لا يصدق المعاطاة لغة على اعطاء طرف واحد فقط (لا يقدح فى جريان حكمها) اى المعاطاة (عليه) اى على اعطاء طرف واحد فقط،

ص: 142

فى جريان حكمها عليه بناء على عموم الحكم لكل بيع فعلى فيكون اقباض احد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض او مبيحا له به و اخذ الاخر له تملكا بالعوض او إباحة له بإزائه فلو كان المعطى هو الثمن كان دفعه- على القول بالملك و البيع اشتراء و اخذه بيعا للمثمن به فيحصل الايجاب و القبول الفعليان يفعل واحد فى زمان واحد

______________________________

(فى جريان حكمها) اى المعاطاة (عليه) اى على اعطاء طرف واحد دون الطرف الاخر (بناء على عموم الحكم) اى حكم المعاطاة- من ملك او إباحة (لكل بيع فعلى) فى مقابل البيع القولى (فيكون اقباض احد العوضين من مالكه) او وكيله- مثلا- (تمليكا له) اى لاحد العوضين (بعوض او مبيحا) ذلك المالك (له) اى لاحد العوضين (به) اى بالعوض الاخر (و اخذ الاخر له) كاعطاء البائع و اخذ المشترى (تمليكا له) اى لاحد العوضين (بالعوض) الاخر (او إباحة له) اى يأخذ بعنوان انه مباح له (بإزائه) اى بمقابل العوض.

ثم ان قوله «تمليكا» الخ خبر «فيكون» (و ليس حلالا)- كما لا يخفى (فلو كان المعطى) بصيغة المفعول (هو الثمن) كأن دفع المشترى الى البائع دينارا، و لم يأخذ السلعة (كان دفعه) من المشترى (- على القول بالملك) اى بايجاب المعاطاة البيع (و البيع) اى على القول بان المعاطاة بيع (اشتراء) خبر «كان» اى ان المشترى بهذا الدفع يكون شاريا للسلعة من البائع (و اخذه) اى اخذ البائع هذا للثمن (بيعا للمثمن به) اى بمقابل هذا الثمن (فيحصل الايجاب و القبول الفعليان بفعل واحد) هو «الاخذ من البائع و الاعطاء من المشترى» (فى زمان واحد) فى مقابل ما ذا كان اعطاء للطرفين فانه يكون فى زمانين زمان الاخذ و زمان الاعطاء.

ص: 143

ثم صحة هذا على القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة اذ يدل عليها ما دل على صحة المعاطاة من الطرفين.

و اما على القول بالإباحة فيشكل بانه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل على تأثيرها فى الاباحة.

اللهم الا ان يدعى السيرة عليها كقيامها على المعاطاة الحقيقة

______________________________

(ثم صحة هذا) النحو من المعاطاة ذات الطرف الواحد (على القول بكون المعاطاة بيعا مملّكا واضحة) كما تصح النسيئة و السلف مع ان الاعطاء يكون من جانب واحد- فيما اذا كان بالصيغة- كذلك تصحان فيما اذا كان الاعطاء من جانب واحد، بدون الصيغة (اذ يدل عليها) اى على المعاطاة- حينئذ- (ما دل على صحة المعاطاة من الطرفين) مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ منتهى الامر ان احدهما مع اللفظ و الاخر بدون لفظ.

(و اما) الصّحة (على القول بالإباحة فيشكل بانه بعد عدم حصول الملك بها) اى بالمعاطاة (لا دليل على تأثيرها فى الاباحة) فان دليل المعاطاة لا يشمل طرفا واحدا، و قد فرض عدم شمول ادلة الملك أيضا فلا دليل على صحة المعاطاة ذات الطرف الواحد.

(اللهم الا ان يدعى السيرة عليها) اى على المعاطاة ذات الطرف، الواحد (كقيامها) اى السيرة (على المعاطاة الحقيقية) فان المتعارف ان يذهب المشترى الى دكان الخباز ليأخذ خبزا بدون ان يعطيه الثمن او يعطى درهما ليرسل له الخبز مثلا و هكذا فى بعض الاجناس الاخر.

ص: 144

و ربما يدعى انعقاد المعاطاة بمجرد ايصال الثمن و اخذ المثمن من غير صدق اعطاء اصلا فضلا عن التعاطى كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس فى المكان المعد له اذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من سائر المحقرات كالخضريات و نحوها.

و من هذا القبيل دخول الحمام و وضع الاجرة فى كوز صاحب الحمام مع غيبته.

______________________________

(و ربما يدعى انعقاد المعاطاة ب) بامر ليس فيه اخذ و اعطاء اصلا حتى من جانب واحد- كما لو كان (مجرد ايصال الثمن و اخذ المثمن من غير صدق اعطاء اصلا) و لو من جانب واحد (فضلا عن) صدق (التعاطى كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس فى المكان المعد له اذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من سائر المحقرات كالخضريات و نحوها) فى مقابل بيع الدار و البستان و ما اشبه و كثير من المعاملات الغربية الآن تجرى على هذا النمط اذ يضع المال فى محل خاص فيخرج الحاجة التى يريدها، بل يصرف المحل المال و يرد البقية بسبب الكهرباء التلقائية المعبر عنها «بالاوتوماتيكية» بل من هذا القبيل اذا صار غير المحقرات أيضا كذلك كالدور التى تبنيها الشركات فاذا وضع الثمن فى مكان خاص خرج للطالب حجة الملك الى واضع المال- نعم لا سيرة عند المسلمين على ذلك-.

(و من هذا القبيل) و ان لم يكن من باب البيع (دخول الحمام و وضع الاجرة فى كوز صاحب الحمام مع غيبته) او وضع المال فى محل معد للنداء التلفونى و ما اشبه ذلك مما هو الآن كثير جدا و يكون من قبيل الاجارة.

ص: 145

فالمعيار فى المعاطاة وصول العوضين او احدهما مع الرضا بالتصرف و يظهر ذلك من المحقق الاردبيلى أيضا فى مسألة المعاطاة و سيأتى توضيح ذلك فى مقامه إن شاء الله تعالى.

ثم انه لو قلنا بان اللفظ غير المعتبر فى العقد كالفعل فى انعقاد المعاطاة، امكن خلو المعاطاة من الاعطاء و الايصال رأسا فيتقاولان على مبادلة شي ء بشي ء من غير ايصال. و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء على الملك.

______________________________

(فالمعيار فى المعاطاة وصول العوضين او احدهما) و الوصول لا يلزم ان يكون الى الطرف بل الى جهته كدكّانه و ما اشبه كما عرفت فى الامثلة المتقدمة.

(و يظهر ذلك) اى انه يكفى وصول احد الطرفين فى صدق المعاطاة، (من المحقق الاردبيلى أيضا فى مسئلة المعاطاة و سيأتي توضيح ذلك فى مقامه إن شاء الله تعالى).

(ثم انه لو قلنا بان اللفظ غير المعتبر) شرعا كصورة تقديم القبول على الايجاب او اللفظ غير العربى- اذا شرطنا العربية- (فى العقد) اى فى عقد البيع (كالفعل) اى التعاطى (فى انعقاد المعاطاة امكن خلو المعاطاة من الاعطاء و الايصال راسا) بان يكون هناك لفظ مجرد بدون كونه جامعا لشرائط العقد، حتى يكون بيعا بالصيغة، و لا كونه اعطاء او ايصالا حتى يكون معاطاة فعلية، (ف) مثلا (يتقاولان على مبادلة شي ء بشي ء من غير ايصال) للمال (و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء على الملك) اى افادة المعاطاة للملك و ليس هذا من بيع الكالى بالكالى الباطل اذ هو فيما اذا كان السلعة و المال نسيئة و هذا نقد منتهى الامر لم يسلم الطرفان فى المجلس.

ص: 146

و اما على القول بالإباحة فالإشكال المتقدم هنا آكد

الثالث: تميز البائع من المشترى فى المعاطاة الفعلية

مع كون احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح فان صاحب الثمن هو المشترى ما لم يصرح بالخلاف.

و اما مع كون العوضين من غيرها فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن فى العوضية فاذا اعطى الحنطة فى مقابل اللحم قاصدا ان

______________________________

(و اما على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة فالاشكال المتقدم) فى قولنا «ثم صحة هذا على القول بكون المعاطاة بيعا مملكا» الخ (هنا آكد) لان فى السابق كان ايصال للمال و هنا لا ايصال اصلا (الثالث تميز البائع من المشترى فى المعاطاة الفعلية مع كون احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح) بخلاف، المعاملات القولية فانها لا تحتاج الى التميز بذلك بل التميز يقع باللفظ، فان البائع هو الّذي يقول: بعت و المشترى هو الّذي يقول اشتريت، او قبلت

اللهم الا اذا قلنا فيما اذا لم يقصدا البائعية و المشتريئية و صح ان يقول كل منهما بعت اذ البيع لغة و الشراء بمعنى واحد ثم انه انما نحتاج الى تميز البائع من المشترى لاجل بعض الخيارات كخيار الحيوان على المشهور من عدم جريانه بالنسبة الى البائع. و كيف كان (فان صاحب الثمن هو المشترى ما لم يصرح بالخلاف) كان يقول: بعتك الدينار بهذه الشاة فيقول صاحبها قبلت.

(و اما مع كون العوضين من غيرها) او كانا النقدين (فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن فى العوضية فاذا اعطى الحنطة فى مقابل اللحم قاصدا ان

ص: 147

هذا المقدار من الحنطة يسوى درهما هو ثمن اللحم، فيصدق عرفا انه اشترى اللحم بالحنطة و اذا انعكس انعكس الصدق فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدينار و الدرهم هو الثمن، و صاحبه هو المشترى و لو لم يلاحظ الا كون احدهما بدلا عن الاخر من دون نية قيام احدهما مقام الثمن فى العوضية او لوحظ القيمة فى كليهما بان لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل على كون احدهما بالخصوص

______________________________

هذا المقدار من الحنطة يسوّى درهما هو ثمن اللحم، فيصدق عرفا انه اشترى اللحم بالحنطة) فيكون اللحم مثمنا و الحنطة ثمنا (و اذا انعكس) بان قصد ان هذا المقدار من اللحم يسوى درهما (انعكس الصدق) فيكون اللحم ثمنا، و كذا فيما اذا اعطى عشرة دراهم فى مقابل دينار فان قصد كون الدينار كالخبز- الّذي يسوى بعشرة دراهم- كان الدينار مثمنا، و ان قصد كون الدينار كذلك كان الدينار ثمنا (فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدينار و الدرهم هو الثمن، و صاحبه هو المشترى) هذا فيما اذا قصدا البدلية و لو لاحظ احدهما دون الاخر ففى كونه كالاول الّذي ذكرناه او كالآتي اى الّذي لم يلاحظ احدهما او كونه بالنسبة الى الملاحظ بيعا و شراء و بالنسبة الى غير الملاحظ معاملة مستقلة احتمالات (و لو لم يلاحظ)- بصيغة المجهول- فى المعاطاة (الا كون احدهما بدلا عن الاخر من دون نية قيام احدهما مقام الثمن فى العوضية) فكان كل واحد منهما مثمنا- لانه مقتضى كونهما سلعة- (او لوحظ القيمة فى كليهما بان لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم) أيضا (فتعاطيا) بعنوان مقابلة درهم بدرهم (من غير سبق مقاولة تدل على كون احدهما بالخصوص

ص: 148

بائعا ففى كونه بيعا و شراء بالنسبة الى كل منهما بناء على ان البيع لغة- كما عرفت- مبادلة مال بمال و الاشتراء ترك شي ء و الاخذ بغيره- كما عن بعض اهل اللغة- فيصدق على صاحب اللحم انه باعه بحنطة و انا اشترى الحنطة فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة

نعم لا يترتب عليهما احكام البائع و المشترى، لانصرافهما فى ادلة تلك الاحكام الى من اختص بصفة البيع و الشراء فلا يعم من كان فى معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين او كونه بيعا.

______________________________

بائعا) و الاخر مشتريا (ففى كونه بيعا و شراء بالنسبة الى كل منهما) فكل واحد بائع باعتبار و مشتر باعتبار آخر (بناء على ان البيع لغة- كما عرفت-) فى اوّل مبحث البيع (مبادلة مال بمال و الاشتراء ترك شي ء و الاخذ بغيره- كما عن بعض اهل اللغة-) فيصدق هذان التعريفان على كل من صاحب اللحم و صاحب الحنطة (فيصدق على صاحب اللحم ان باعه بحنطة و انه اشترى الحنطة) باللحم (فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة) لانه بائع و مشتر فى حال واحد بل تكون عليه كفارتان لو حلف مرتين مرة على عدم بيع اللحم و مرة على عدم شراء الحنطة.

(نعم لا يترتب عليهما) اى صاحبى اللحم و الحنطة (احكام البائع و لا المشترى، لانصرافهما فى ادلة تلك الاحكام الى من اختص بصفة البيع و الشراء) بان كان بايعا فقط او مشتريا فقط، اما الاحكام الشاملة لهما كقوله عليه السلام: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» و ما اشبه فيعمهما (فلا يعم) الاحكام الخاصة باحدهما (من كان فى معاملة واحدة مصداقا لهما) اى للبائع و المشترى (باعتبارين) فباعتبار انه معطى للحم بايع و باعتبار انه اخذ للحنطة مشتر (او كونه) عطف على قوله «ففى كونه بيعا و شراء» (بيعا

ص: 149

بالنسبة الى من يعطى أولا لصدق الموجب عليه و شراء بالنسبة الى الآخذ لكونه قابلا عرفا او كونها معاطاة مصالحة لانها بمعنى التسالم على شي ء و لذا حملوا الرواية الواردة فى قول احد الشركين لصاحبه: لك ما عندك و لى ما عندى، على الصلح او كونها معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة وجوه لا يخلو ثانيها عن قوة، لصدق تعريف البائع لغة و عرفا على الدافع أوّلا دون الاخر و صدق المشترى على الاخذ أوّلا دون الاخر فتدبر.

______________________________

بالنسبة الى من يعطى أولا لصدق الموجب عليه) عرفا (و شراء بالنسبة الى الاخذ) أو لا (لكونه قابلا عرفا) فيما اذا اعطى احدهما أولا- لا اذا تحقق الاخذ و الاعطاء فى آن واحد- (او كونها معاطاة مصالحة) لا معاطاة بيع (لانها بمعنى التسالم على شي ء و لذا) الّذي كان التصالح بمعنى التسالم (حملوا الرواية الواردة فى قول احد الشريكين لصاحبه: لك ما عندك و لى ما عندى، على الصلح) لا على البيع (او كونها معاوضة مستقلة) جديدة لا بيعا و لا صلحا (لا يدخل تحت العناوين المتعارفة) فيشمله قوله تعالى:

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» او «تجارة عن تراض منكم» (وجوه) أربعة (لا يخلو ثانيها) اى كونه بيعا الى من يعطى أولا (عن قوة، لصدق تعريف البائع لغة و عرفا على الدافع أولا دون الاخر) الدافع ثانيا (و صدق المشترى على الاخذ أولا دون الاخر فتدبر) بانه:

أولا لا يتحقق فى صورة المعاطاة العرفية بان اعطى كل منهما فى آن اخذه من الاخر.

و ثانيا الصدق العرفى محل اشكال بعد ان لم يكن احدهما ثمنا و لا قصدا ذلك لان الثمن يعطى أولا و ثانيا أ رأيت ان مشترى الخبز قد

ص: 150

الرابع: أن أصل المعاطاة و هي إعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور بحسب قصد المتعاطين على وجوه:
أحدها: أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر

فيكون الاخر فى اخذه قابلا و متملكا بإزاء ما يدفعه، فلا يكون فى دفعه العوض إنشاء تمليك بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الايجاب و القبول بدفع العين الاولى و قبضها فدفع العين الثانية خارج عن حقيقة المعاطاة فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه

______________________________

يعطى الثمن أوّلا ثم يأخذ الخبز فدعوى الصدق العرفى فضلا عن الشرعى محل اشكال.

(الرابع: ان اصل المعاطاة و هى اعطاء كل منهما الاخر ماله يتصور بحسب قصد المتعاطين على وجوه) تسعة، حاصلة من ضرب ابدال كل من التمليك و الاباحة و نفس العين بالآخر، مثلا قد يكون ابدال تمليك بتمليك او تمليك باباحة، او تمليك بعين، و كذلك قل بالنسبة الى الاباحة و نفس العين.

(احدها: ان يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الاخر فيكون الاخر فى اخذه قابلا و متملكا بإزاء ما يدفعه، فلا يكون فى دفعه العوض إنشاء تمليك) جديد- بخلاف صورة كون التمليك فى مقابل التمليك- (بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الايجاب و القبول بدفع العين الاولى و قبضها) و عليه (فدفع العين الثانية) من الشخص الاخر (خارج عن حقيقة المعاطاة ف) النتيجة انه (لو مات الآخذ) كعمرو (قبل دفع ماله) الّذي هو الدينار (مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه) اى وجه حصول المعاطاة بطرف

ص: 151

صحّحنا سابقا عدم توقف المعاطاة على قبض كلا العوضين فيكون اطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول لا من حيث كونها متقوّمة بالعطاء من الطرفين.

و مثله فى هذا الاطلاق لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها.

و بهذا الاطلاق يستعمل المعاطاة فى الرهن و القرض و الهبة و ربما يستعمل فى المعاملة الحاصلة

______________________________

واحد (صحّحنا سابقا) فى الامر الثانى (عدم توقف المعاطاة على قبض كلا العوضين) بل يكفى قبض احدهما (فيكون اطلاق المعاطاة عليه) مع ان المعاطاة مصدر باب المفاعلة الظاهرة فى كونها بين اثنين- كما تقدم- (من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون) حصول المعاملة ب (القول) و اللفظ (لا من حيث كونها متقوّمة بالعطاء من الطرفين) لانه لا طرفين فيها.

(و مثله) اى لفظ المعاطاة فى المقام (فى هذا الاطلاق) على ما كان له جانب واحد (لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها) حيث ان الموجود لفظ «الصلح» و «السقى» و «الزراعة» و «الاجارة» لا ان الامر من الطرفين، اذ احدهما موجب و الاخر قابل لا ان كل واحد منهما يفعل عين ما يفعله الاخر- كما فى المضاربة- فانه يضرب كل واحد منهما الاخر.

(و بهذا الاطلاق) اى وجود المبدأ العطائى لا كون الامر من الطرفين (يستعمل المعاطاة فى الرهن و القرض و الهبة) فيقال «الرهن المعاطاتى» مثلا مع انه لا يعطى كل واحد منهما جنسه رهنا، بل الراهن متقدم بالرهن و القبول (و ربما يستعمل) لفظ المعاطاة (فى المعاملة الحاصلة

ص: 152

بالفعل و لو لم يكن عطاء و فى صحته تامل.

ثانيها: أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله اياه

فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين فلو مات الثانى قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة و هذا بعيد عن معنى البيع و قريب الى الهبة المعوضة، لكون كل من المالين خاليا عن العوض لكن اجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل، اذ لو لم يملكه الثانى هنا

______________________________

بالفعل) كأن اخذ زيد مال عمرو، و اخذ عمرو مال زيد (و لو لم يكن عطاء) من المالك و الحاصل ان «المعاطاة» قد يصدق بدون «التعاطى» و قد يصدق بدون «العطاء» اصلا (و فى صحته تأمل) لانه لا إنشاء تمليك قولا و لا فعلا، اما قولا فواضح، و اما فعلا فلان المالك لم يعط شيئا و انما اخذ الطرف ماله.

(ثانيها: ان يقصد كل منهما تمليك الاخر ماله بإزاء تمليك) الاخر (ماله اياه) فيملك محمدا داره عليا فى مقابل تمليك على الف دينار لمحمد (فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين) اى الفعل يقع فى مقابل الفعل لا ان العين تقع فى مقابل العين (و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين فلو مات الثانى قبل الدفع) و التمليك (لم يتحقق المعاطاة)- بمعناها اللغوى- اذ العطاء و التمليك صار من جانب واحد (و هذا) القسم اى المقابلة بين التمليكين (بعيد عن معنى البيع) اذ المقابلة فى البيع بين العوضين، لا الفعلين (و قريب الى الهبة المعوضة، لكون كل من المالين خاليا عن العوض) قوله «لكون» علة لقوله «بعيد»، (لكن اجراء حكم الهبة المعوضة عليه) أيضا (مشكل، اذ لو لم يملكه الثانى هنا) فى باب

ص: 153

لم يتحقق التمليك من الاول لانه انما ملكه بإزاء تمليكه فما لم يتحقق تمليك الثانى لم يتحقق تملكه الا ان يكون تمليك الاخر له ملحوظا عند تمليك الاول على نحو الداعى لا العوض فلا يقدح تخلفه.

فالاولى ان يقال: انها مصالحة و تسالم على امر معين او معاوضة مستقلة

ثالثها: ان يقصد الأول إباحة ماله بعوض

______________________________

التمليك (لم يتحقق التمليك من الاول) و الهبة المعوضة ليست كذلك اذ تتحقق الهبة و ان لم يتحقق العوض (لانه انما ملكه بإزاء تمليكه) فمحمد انما ملك عليا بإزاء ملك على اياه (فما لم يتحقق تمليك الثانى لم يتحقق تملكه) اى تملك الثانى لان التمليك فى مقابل التمليك (الا ان يكون تمليك الاخر) كعلي (له) للاول كمحمد- فى المثال- (ملحوظا عند تمليك الاول) كمحمد (على نحو الداعى لا العوض) كما لو كان داعى محمد فى تمليك على ان يملكه على الف دينار بان كان تمليك محمد له بلا مقابل و حينئذ يمكن ان يقال: انه من قبيل الهبة المعوضة (ف) حينئذ الّذي كان بنحو الداعى (لا يقدح تخلفه) فى تمليك عليّ للدار- مثلا- كما قرر فى سائر مباحث تخلف الداعى كما لو اشترى الخبز بداعى وجود الضيف ثم تبين ذهابهم او اشترى الدواء بداعى سقيه المريض ثم تبين شفائه قبل ذلك.

(فالاولى ان يقال: انها) اى التمليك فى مقابل التمليك (مصالحة و تسالم على امر معين) و الصلح جائز بين المسلمين سواء افاد فائدة احدى المعاملات المعروفة أم لا (او معاوضة مستقلة) و نقول بصحة مثل هذه المعاوضات لاطلاق ادلة تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و امثال ذلك.

(ثالثها: ان يقصد الاول) كمحمد (إباحة ماله) الدار (بعوض) هو

ص: 154

فيقبل الاخر باخذه اياه فيكون الصادر من الاول الاباحة بالعوض و من الثانى بقبوله لها التمليك كما لو صرح ابحت لك كذا بدرهم

رابعها أن يقصد كل منهما الإباحة بإزاء إباحة أخرى

فيكون إباحة بإزاء إباحة او إباحة لداعى إباحة على ما تقدم نظيره فى الوجه الثانى من امكان تصوّره على نحو الدّاعى و على نحو العوضية.

و كيف كان فالاشكال فى حكم القسمين الاخيرين على فرض قصد المتعاطين لهما.

______________________________

الف دينار (فيقبل الاخر) كعلى (باخذه اياه) المال (فيكون الصادر من الاول الاباحة بالعوض و) الصادر (من الثانى بقبوله لها التمليك) اى يصدر من الثانى تمليك الف دينار فى ضمن قبوله للاباحة، فمعنى قبول على دار محمد تمليكه لالف دينار فقوله «التمليك» خبر «يكون» اى «يكون الصادر من الثانى التمليك بضمن قبوله للاباحة من الاول» (كما لو صرح) الاول بقوله (ابحت لك كذا بدرهم) فقال الثانى قبلت (رابعها ان يقصد كل منهما الاباحة بإزاء إباحة اخرى فيكون إباحة بإزاء إباحة) كما لو قال ابحت دارى فى قبال اباحتك دنانيرك (او إباحة لداعى إباحة) كما لو إباحة الدار و كان داعيه فى هذه الاباحة ان يبيح له دنانيره (على ما تقدم نظيره) اى نظير الاباحة فى قبال إباحة، او فى الداعى الاباحة (فى الوجه الثانى من امكان تصوره على نحو الدّاعى و على نحو العوضية) اما سائر الوجوه التسعة فتعرف من هذه الوجوه فلا حاجة الى تفصيل الكلام حولها.

(و كيف كان فالاشكال فى حكم القسمين الاخيرين) الثالث و الرابع (على فرض قصد المتعاطيين لهما) قوله «فالاشكال» مبتدأ حذف خبره اى «واقع»

ص: 155

و منشأ الاشكال: أوّلا الاشكال فى صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية المتصرف بان يقول: ابحت لك كل تصرف من دون ان يملكه العين، و ثانيا الاشكال فى صحة الاباحة بالعوض الراجعة الى عقد مركب من إباحة و تمليك.

فنقول: اما إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر انه لا يجوز اذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد اذن المالك فان اذن المالك ليس مشرعا و انما يمضى فيما يجوز شرعا فاذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه بان يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول، كما صرح به العلامة فى

______________________________

(و منشأ الاشكال: أوّلا الاشكال فى صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية التصرف) كالوطى و الهبة و العتق و ما اشبه (بان يقول:

ابحت لك كل تصرف من دون ان يملكه العين) و قد تقدم هذا الاشكال فى اوّل المعاطاة.

(و ثانيا: الاشكال فى صحة الاباحة بالعوض الراجعة الى عقد مركب من إباحة و تمليك،) اذ يبيح الاول ماله بإزاء تمليك الثانى اياه (فنقول: اما) الاشكال الاول اى (إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر انه لا يجوز اذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد اذن المالك) فانه لا حق للمالك الى هذا المقدار و انما حقه فى حدود الشرع، و المقدار الّذي اجازه لا اكثر من ذلك (فان اذن المالك ليس مشرعا) بان يبيح ما لا يبيحه الشرع (و انما يمضى) اذن المالك (فيما يجوز شرعا) فيكون اذنه فى عتق عبده عن نفس المعتق كاذنه فى قطع يد عبده، فكما لا يجوز الثانى كذلك لا يجوز الاول فان الشارع لم يأذن فى ايهما (فاذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه) كان يبيع زيد مال عمرو لنفسه (بان يملك) البائع (الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول، كما صرح به العلامة فى

ص: 156

القواعد فكيف يجوز للمالك ان يأذن فيه.

نعم يصح ذلك باحد وجهين، كلاهما فى المقام مفقود.

احدهما ان يقصد المبيح بقوله: ابحت لك ان تبيع مالى لنفسك إنشاء توكيل له فى بيع ماله له ثم نقل الثمن الى نفسه بالهبة او فى نقله أولا الى نفسه ثم بيعه او تمليكا له بنفس هذه الاباحة فيكون إنشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله، كما صرح فى التذكرة بان قول الرجل لمالك العبد: اعتق عبدك عنى بكذا استدعاء لتمليكه و اعتاق المولى عنه جواب لذلك

______________________________

القواعد) لان مفهوم المبادلة: خروج البدل عن ملك من يدخل المبدل فى ملكه (فكيف يجوز للمالك) اى كيف يعقل للمالك (ان يأذن فيه) و هل هو الا اذن بالمستحيل، و كذلك بالنسبة الى غير الجائز شرعا و ان جاز عقلا.

(نعم يصح ذلك) البيع لمال المالك ليدخل الثمن فى كيس البائع (باحد وجهين، كلاهما فى المقام مفقود) اى مقام إباحة جميع التصرفات.

(احدهما ان يقصد المبيح بقوله: ابحت لك ان تبيع مالى لنفسك إنشاء توكيل له) اى للطرف (فى بيع ماله) اى مال المبيح (له) اى للطرف، (ثم نقل الثمن) الّذي يكون للمبيح (الى نفسه بالهبة او) إنشاء توكيل للطرف (فى نقله) اى نقل مال المبيح (أولا الى نفسه) بالهبة (ثم بيعه) حتى يدخل الثمن فى ملك الطرف راسا (او) يقصد (تمليكا له) اى للطرف (بنفس هذه الاباحة فيكون) ما بصورة الاباحة (إنشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله،) اى قبول ذلك التمليك (كما صرح فى التذكرة بان قول الرجل لمالك العبد: اعتق عبدك عنى بكذا) اى بمقابل ان اعطيك لا عوض عبدك (استدعاء) من الرجل القائل (لتمليكه) اى تمليك المالك العبد للرجل (و اعتاق المولى عنه) اى عن المستدعى (جواب لذلك

ص: 157

الاستدعاء فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدّر وقوعه قبل العتق انا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج الى الشروط المقررة لعقد البيع و لا شك ان المقصود فى ما نحن فيه ليس الاذن فى نقل المال الى نفسه أولا و لا فى نقل الثمن إليه ثانيا و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة و لا قصد المخاطب التمليك عند البيع حتى يتحقق تمليك ضمنى مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان مقصودا و لو اجمالا فى مسئلة اعتق عبدك عنى

______________________________

الاستدعاء) فهو استيجاب و ايجاب (فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و) ب (الجواب) الى المعتق (و يقدر وقوعه) اى الملك للعبد (قبل العتق انا ما فيكون هذا) الاعطاء و عتق المخاطب (بيعا ضمنيا لا يحتاج الى الشروط المقررة لعقد البيع) و انما لا يحتاج لما نرى من صحة ذلك شرعا هذا غاية تقريب الوجه الاول حيث قلنا «نعم يصح ذلك باحد وجهين» (و لا شك) فى عدم جريانه فى مقامنا الّذي هو إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك بالمعاطاة التى تفيد الاباحة اذ (ان المقصود فى ما نحن فيه ليس الاذن فى نقل المال الى نفسه أولا) فان معنى ابحت لك، ليس «انك انقل المال الى نفسك» (و لا فى نقل الثمن إليه) اى الى نفسه (ثانيا) بان يبيع السلعة للمالك ثم ينقل ثمنها الى نفسه (، و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة) فانه حين قال: «ابحت لك» لم يقصد «ملكتك اياه» (و لا قصد المخاطب) الاخذ للمال (التمليك عند البيع) فيكون الاباحة نقلا، و بيع المخاطب تملكا- مثل اعتق العبد عنى- (حتى يتحقق تمليك ضمنى مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان) التمليك الضمنى (مقصودا و لو اجمالا فى مسئلة اعتق عبدك عنى) كما تقدم وجه كونه تمليكا اجماليا

ص: 158

و لذا عدّ الخاصة و العامة من الاصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التى عرفوها بانها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا او شرعا عليه فمثلوا للعقلى بقوله تعالى و اسألوا القرية و للشرعى بهذا المثال و من المعلوم- بحكم الفرض ان المقصود فيما نحن فيه ليس الا مجرد الاباحة.

الثانى- ان يدل دليل شرعى على حصول الملكية للمباح له بمجرد الاباحة فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا انه مقصود اجمالى فى «اعتق عبدك عنى» (عدّ الخاصة و العامة من الاصوليين دلالة هذا الكلام) اى اعتق عبدك عنى (على التمليك من دلالة الاقتضاء التى عرفوها بانها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا او شرعا عليه) اى على تلك الدلالة حتى انه لو لم تكن تلك الدلالة لزم بطلان الكلام عقلا، او فساده شرعا (فمثلوا للعقلى بقوله تعالى و اسألوا القرية) حيث ان القرية ليست اهلا للتوجيه الكلام فاللازم ان يراد «اسئل اهل القرية» (و للشرعى بهذا المثال) اى اعتق عبدك عنى» حيث انه لا يصح عتق الانسان الا فى مال نفسه فمعنى «اعتق عبدك عنى» اعتقه بعد ان تجعله ملكا لى (و من المعلوم بحكم الفرض) اى ان الاباحة مفروض المسألة (ان المقصود فيما نحن فيه ليس الا مجرد الاباحة) فمن اين يكون «ابحت لك» مثل «اعتق عبدك عنى» حتى يفيد تمليك المخاطب للمال لنفسه أولا، ثم بيعه، او بيعه أولا ثم تمليك الثمن لنفسه.

(الثانى- ان يدل دليل شرعى على حصول الملكية للمباح له بمجرد الاباحة فيكون) ذلك الدليل (كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع

ص: 159

آنا ما فيقع البيع فى ملكه او يدل دليل شرعى على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع فيكون ذلك شبه دخول العمودين فى ملك الشخص انا ما لا يقبل غير العتق فانه حينئذ يقال بالملك المقدر انا ما للجمع بين الادلة و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه اذ المفروض انه لم يدل دليل بالخصوص على صحة هذه الاباحة العامة

______________________________

آنا ما فيقع البيع فى ملكه) قوله «بمجرد الاباحة» لا يريد به وقت الاباحة حتى يناقض مع قوله «عند إرادة البيع» بل المراد «بصرف الاباحة» بدون قصد المعطى الملك، (او يدل دليل شرعى على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع) الى المباح له بان يقع البيع للمبيح و ينتقل الثمن إليه ثم ينتقل الثمن الداخل فى ملك المبيح الى ملك المباح له (فيكون ذلك) الّذي ذكر من دخول «المثمن قبل البيع آنا ما فى ملك المباح له»، او دخول «الثمن» بعد البيع فى ملك المباح له، بعد كونه آنا ما دخل فى ملك المبيح (شبه دخول العمودين فى ملك الشخص) الأب، و الابن (انا ما لا يقبل غير العتق) و ذلك جمعا بين دليل لا عتق الا فى ملك، و بين دليل ان الانسان لا يملك العمودين- الاباء و الاولاد- (فانه حينئذ) حين ورد دليل صحة ملك العمودين و عتقهما (يقال بالملك المقدر انا ما) و معنى «المقدر» انه ليس حقيقا حتى يثبت بالنسبة إليه ما يثبت لسائر الاملاك (للجمع بين الادلة) كما عرفت (و هذا الوجه) اى الجمع بين الادلة المقضية للملك انا ما (مفقود فيما نحن فيه) اى دخول المباح فى ملك المباح له انا ما قبل البيع او دخول ثمنه بعد البيع (اذ المفروض انه لم يدل دليل بالخصوص على صحة هذه الاباحة العامة) اى إباحة التصرف، بجميع انواع التصرف حتى البيع.

ص: 160

و اثبات صحته بعموم مثل «الناس مسلطون على اموالهم» يتوقف على عدم مخالفة مؤداها لقواعد اخر مثل توقف انتقال الثمن الى الشخص على كون المثمن مالا له و توقف صحة العتق على الملك و صحة الوطي على التحليل بصيغة خاصة لا بمجرد الاذن فى مطلق التصرف.

و لاجل ما ذكرنا صرح المشهور- بل قيل لم يوجد خلاف-:

فى انه لو دفع الى غيره مالا، و قال: اشتر به لنفسك طعاما، من غير قصد الاذن فى اقتراض المال قبل الشراء

______________________________

(و اثبات صحته) اى صحة عموم الاباحة (بعموم مثل «الناس مسلطون على اموالهم») بان يقال المالك كان مسلطا على ماله فاذا اباحه للطرف بقول مطلق- جاز للطرف ان يتصرف فيه بكل انواع التصرف حتى البيع و نحوه (يتوقف على عدم مخالفة مؤداها) اى مؤدّى قاعدة الناس مسلطون (لقواعد اخر) مما هى مقدمة على «الناس مسلطون» (مثل توقف انتقال الثمن الى الشخص على كون المثمن مالا له) لما تقدم من انه لا يعقل ان يخرج المثمن من كيس شخص ليدخل ثمنه فى كيس شخص اخر (و توقف صحة العتق على الملك و صحة الوطي على التحليل بصيغة خاصة) اذ لا عتق الا فى ملك و لا وطى الا بالملك او التحليل او النكاح دواما و انقطاعا و ليس فى الاباحة احد المذكورات ف (لا) يصح الوطي (بمجرد الاذن فى مطلق التصرف) و من المعلوم ان هذه القواعد مقدمة على «الناس مسلطون».

(و لاجل ما ذكرنا) من ان «الناس مسلطون» لا يفى باجازة التصرف المملك و ما اشبه (صرح المشهور- بل قيل لم يوجد خلاف-: فى انه لو دفع الى غيره مالا و قال: اشتر به لنفسك طعاما، من غير قصد الاذن) من المعطى (فى اقتراض المال قبل الشراء) حتى يكون المال للآخذ فيكون

ص: 161

او اقتراض الطعام او استيفاء الدين منه بعد الشراء لم يصح كما صرح به فى مواضع من القواعد و علّله فى بعضها بانه لا يعقل شراء شي ء لنفسه بمال الغير و هو كذلك فان مقتضى مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض فى ملك من خرج المعوض عن ملكه و الا لم يكن عوضا و بدلا.

و لما ذكرنا حكم الشيخ و غيره بان الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف.

______________________________

الطعام له (او اقتراض الطعام) بعد الشراء (او استيفاء الدين منه) اى دينه الّذي عليه من صاحب الطعام بان اشترى الطعام لنفسه، و جعل المال الّذي اقترضه من المالك، اداء لذلك الدين (بعد الشراء لم يصح) اشتراء الطعام لنفسه من مال المالك (كما صرح به) اى بعدم الصحة (فى مواضع من القواعد و علّله فى بعضها) اى بعض تلك المواضع (بانه لا يعقل شراء شي ء لنفسه بمال الغير) بان يخرج الثمن من كيس المعطى ليدخل الطعام فى كيس الآخذ (و هو كذلك) اى ما ذكره القواعد من التعليل صحيح (فان مقتضى مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض فى ملك من خرج المعوض عن ملكه و الا لم يكن عوضا و بدلا) و مثله ما لو كانت الاطراف، أربعة، كما لو اعطى زيد لعمر دينارا فى مقابل ان يعطى خالد لبكر طعاما، و ربما قيل بالصحة فى الفرضين لان المقصود التبادل بين الشيئين و هو حاصل و ان لم يحصل التبادل بين محل المالين الذين هما كيس البائع و كيس المشترى- و قد تقدم الكلام حول هذا المبحث اجمالا-

(و لما ذكرنا) من ان الاباحة لا تفيد جميع التصرفات (حكم الشيخ و غيره بان الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف) اى تصرف الموهوب له

ص: 162

لكن لا يجوز و طى الجارية مع ان الاباحة المتحققة من الواهب تعم جميع التصرفات و عرفت أيضا ان الشهيد فى الحواشى لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى و لا وطى الجارية مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة.

و دعوى ان الملك التقديرى هنا أيضا لا يتوقف على دلالة دليل خاص بل يكفى الدلالة بمجرد الجمع بين عموم «الناس مسلطون على اموالهم» الدال على جواز هذه الاباحة المطلقة و بين ادلة توقف مثل العتق و البيع على الملك

______________________________

(لكن لا يجوز و طى الجارية) الموهوبة (مع ان الاباحة المتحققة من الواهب تعمّ جميع التصرفات) فلو كانت مؤثرة لجاز الوطي أيضا (و عرفت أيضا ان الشهيد فى الحواشى لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى و لا وطى الجارية) لان هذه الامور تتوقف على الملك و لا ملك مع المعاطاة (مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة) الشاملة لهذه الامور فيدل كلام الشهيد انه لا اثر لمثل هذه الاباحة.

(و دعوى ان الملك التقديرى) اى تقديرنا للملك آنا ما، ليصح الامر المتوقف على الملك (هنا) فى باب المعاطاة (أيضا) كباب اعتق عبدك عنى و باب عتق العمودين (لا يتوقف على دلالة دليل خاص) يدل على الملك التقديرى (بل يكفى الدلالة) الاقتضائية (بمجرد الجمع بين عموم «الناس مسلطون على اموالهم» الدال على جواز هذه الاباحة المطلقة) الشاملة للوطى و العتق و ما اشبه (و بين ادلة توقف مثل العتق و البيع على الملك) فدليل السلطنة تقول ان المعطى له سلطة على مثل هذه الاباحة و دليل «لا عتق» يقول لا يصح ان يعتق الاخذ مال المعطى فالجمع بينهما بان نقول ان العبد يكون مال الآخذ- آنا ما- حين إرادة عتقه فيعتق من قبل

ص: 163

نظير الجمع بين الادلة فى الملك التقديرى.

مدفوعة بان عموم «الناس مسلطون على اموالهم» انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم فمقتضاه

______________________________

الآخذ (نظير الجمع بين الادلة) دليل لا عتق الا فى ملك و دليل ان الانسان لا يملك العمودين و دليل انه يعتق العمودان بمجرد شرائهما مثلا-.

(مدفوعة) خبر «دعوى» (ب) الفرق بين الادلة الخاصة الموجودة فى مسألة عتق العمودين، و بين مسألة المعاطاة اذ لو نقل هناك بالملك التقديرى لزم اسقاط دليل عن الدلالة، بخلاف ما نحن فيه فانه اذا لم نقل بالملك التقديرى لا يلزم منه الا عدم الاخذ بعموم «الناس مسلطون»، و عدم الاخذ بهذا العموم لا محذور فيه لانه:

أولا- لا دلالة فيه اذ الظاهر منه ان عموم الناس مسلطون على اموالهم انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم.

و ثانيا على تقدير الدلالة لزم تخصيصه ف (ان عموم الناس مسلطون على اموالهم انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم) كما سبق مثلا الانسان مسلط ان يبيع داره، و ليس مسلطا ان يوقع صيغة البيع على نحو تقديم القبول على الايجاب- لو قلنا باشتراط تقديم الايجاب على القبول- و كذلك تسلط الناس على انفسهم المستفاد من قوله تعالى «النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم» انما يكون تسلط فى نطاق الشرع فلا يحق للمرأة ان توهب نفسها لرجل- مثلا- لان الهبة لم يجعلها الشارع مبيحا للبضع و هكذا. اذا (فمقتضاه) اى مقتضى تسلط الناس على اموالهم

ص: 164

امضاء الشارع لاباحة المالك كل تصرف جائز شرعا فالاباحة و إن كانت مطلقة الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته فى الشريعة.

و من المعلوم ان بيع الانسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل و النقل الدال على لزوم دخول العوض فى ملك مالك المعوض فلا يشمله العموم فى «الناس مسلطون على اموالهم» حتى يثبت التنافى بينه و بين الادلة الدالة على توقف البيع على الملك فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديرى انا ما.

و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير او عتقه لنفسه

______________________________

(امضاء الشارع لاباحة المالك كل تصرف جائز شرعا) لا التصرف الّذي ليس بجائز شرعا- كالوطى بدون الملك او العتق بدون الملك، او ما اشبه- (فالاباحة) من المالك (و إن كانت مطلقة الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته فى الشريعة) كالتصرف و الاكل و الاهداء و ما اشبه بالنسبة الى المال المباح له كان يأكل الطعام و يتصرف اللباس باللبس و يوقد بالحطب و ما اشبه.

(و من المعلوم ان بيع الانسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل) الّذي يقول بان البدل يلزم ان يدخل فى ملك من خرج المبدل من ملكه (و النقل) الّذي يقول لا بيع الا فى ملك (الدال على لزوم دخول العوض فى ملك مالك المعوض فلا يشمله) اى لا يشمل «بيع الانسان مال غيره لنفسه» (العموم فى «الناس مسلطون على اموالهم» حتى يثبت التنافى بينه) اى بين العموم المذكور (و بين الادلة الدالة على توقف البيع على الملك) كقوله عليه السلام لا بيع الا فى ملك (فيجمع) اى حتى يجمع (بينهما) اى بين العموم و بين دليل توقف البيع على الملك (بالتزام الملك التقديرى انا ما).

(و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير او عتقه لنفسه) مقابل عتقه

ص: 165

حاكم على عموم «الناس مسلطون على اموالهم» الدال على امضاء الاباحة المطلقة من المالك على اطلاقها نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر و العهد اذا نذر عتق عبد غيره له او لنفسه فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهرى للناذر نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث امكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر، امكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهرى آنا مّا.

______________________________

عن المالك (حاكم على عموم «الناس مسلطون» على اموالهم الدال على امضاء) الشارع (الاباحة المطلقة من المالك- على اطلاقها-) من «على»، متعلق ب «امضاء» و الحكومة هنا (نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر و العهد) فيما (اذا نذر عتق عبد غيره له) اى للغير (او لنفسه) اى لنفس الناذر كان ينذر زيد عتق عبد بكر لبكر او عن نفسه فان النذر باطل (فلا يتوهم الجمع بينهما) اى بين دليل: «ف بنذرك» و دليل «لا نذر الا فى ملك» (بالملك القهرى للناذر) آنا مّا، بل دليل «لا نذر الا فى ملك» يدل على تخصيص «يوفون بالنذر» بما اذا كان متعلق النذر مملوكا للناذر (نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين) بأن لم يكن احد الدليلين حاكما على الدليل الآخر (بحيث امكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر، امكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهرى آنا مّا) كما لو كان هناك دليل خاص يدل على جواز الاباحة المطلقة حتى المتوقفة على الملك، فالجمع بين دليل يقول:

«لا وطى الا فى ملك» و بين دليل يقول «يصح كل تصرف حتى الوطي» ان الأمة تكون آنا مّا للمباح له ثم يطأها، لكن ليس فى المقام دليل يدل على أنه يصح كل تصرف، و انما الدليل هو: «الناس مسلطون على اموالهم»

ص: 166

فتأمل.

و اما حصول الملك فى الآن المتعقب بالبيع و العتق فيما اذا باع الواهب عبده الموهوب او اعتقه، فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديرى فى الدية بالنسبة الى الميت

______________________________

(فتأمل) فانه لو كان هناك أيضا دليل خاص لا يمكن الجمع المذكور لأنه اذا كان هناك بينهما عموم من وجه فان كان لاحدهما ترجيح على الاخر فى مورد الاجتماع- يلزم القول بتقديم ذى المرجّح، و ان لم يكن لأحدهما ترجيح، يلزم القول بالتساقط فى صورة التعارض، و مرجّحات التزاحم فى صورة التزاحم، فلا مجال للقول بالملك آنا مّا.

(و) ان قلت: فكيف التزمتم بالملك التقديرى فيما اذا باع الواهب عبده الموهوب، او عتقه، حيث جمعتم بين «صحة الهبة» المقتضية لكون العبد للموهوب له، و بين «لا بيع الّا فى ملك» المقتضى لعدم صحة بيع الواهب بيع عبد الموهوب له، و بين «ما دلّ على صحة بيع الواهب» لما وهبه، قلت (اما حصول الملك فى الآن المتعقب بالبيع و العتق) اى الآن الّذي يعقبه البيع و العتق (فيما اذا باع الواهب عبده الموهوب) هبة جائزة (او اعتقه، فليس ملكا تقديريا) و هو ما يكون فى حكم الملك، و ليس بملك حقيقة، و معنى كونه فى حكم الملك، ترتب آثار الملك عليه اذ اقسام الملك ثلاثة:

الملك الحقيقى المطلق الّذي فيه مقتضى البقاء.

و الملك الحقيقى الآني الّذي لا اقتضاء للبقاء فيه.

و الملك التقديرى و يسمى بالملك الحكمى و هو ليس بملك اصلا و انما فيه آثار الملك (نظير الملك التقديرى فى الدية بالنسبة الى الميت) حيث يقدر

ص: 167

او شراء العبد المعتق عليه بل هو ملك حقيقى حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله فى الآن المتصل بناء على الاكتفاء بمثل هذا فى الرجوع و ليس كذلك فيما نحن فيه.

و بالجملة، فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمنى المذكور او لا فى اعتق عبدك عنى لتوقفه على القصد و لا على الملك المذكور ثانيا فى شراء من ينعق عليه، لتوقفه على التنافى بين دليل التسلط و دليل توقف العتق على الملك و

______________________________

ملك الميت للدية- فيما اذا قتل- ثم ينتقل المال من الميت الى ورثته، فأن الميت لا يملك، لكنه يحكم على الدية بحكم مال الميت (او شراء العبد المعتق عليه) فى مسألة العمودين حيث ان الولد لا يملك الأب اصلا، و انما يقدر بانه صار ملكا له مقدمة لانعتاقه عليه (بل هو) اى ملك الواهب للموهب قبل ان يعتقه، آنا ما- (ملك حقيقى حاصل) للواهب (قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله) اى قبل ان يبيعه الواهب (فى الآن المتصل) بالبيع او بالعتق (بناء على الاكتفاء بمثل هذا) الملك الآنى (فى الرجوع) اى رجوع الواهب فيما وهبه (و ليس كذلك فيما نحن فيه) الّذي هو إباحة التصرفات فى المعاطاة.

(و بالجملة، فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمنى المذكور أولا فى اعتق عبدك عنى) الّذي كان معناه: ملكنى عبدك ثم اعتقه (لتوقفه)، اى التمليك الضمنى (على القصد) و لا يقصد مبيح التصرفات التمليك (و لا على الملك) الآنى (المذكور ثانيا فى شراء من ينعتق عليه، لتوقفه على التنافى بين دليل التسلط) اى: الناس مسلطون على اموالهم.

(و دليل توقف العتق على الملك) اى لا عتق الا فى ملك (و) توقفه على

ص: 168

عدم حكومة الثانى على الاول و لا على التمليك الضمنى المذكور ثالثا فى بيع الواهب و ذى الخيار لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه فلم يبق الا الحكم ببطلان الأذن فى بيع ماله لغيره سواء صرح بذلك كما لو قال: بع مالى لنفسك، او اشتر بمالى لنفسك، أم ادخله فى عموم قوله:

ابحت لك كل تصرف فاذا باع المباح له على هذا الوجه وقع البيع للمالك اما لازما بناء على ان قصد البائع

______________________________

(عدم حكومة الثانى) لا عتق الّا فى ملك (على الاول) الناس مسلطون. و قد عرفت حكومة لا عتق على الناس مسلطون (و لا على التمليك الضمنى المذكور ثالثا فى بيع الواهب و ذى الخيار) ما انتقل عنهما بالهبة و البيع الخيارى حيث ان البيع لا يكون الا بعد انتقال المال إليهما (لعدم تحقق سبب الملك هنا) اى فى المعاطاة (سابقا) على التصرف المالكى كالوطى و ما اشبه (بحيث يكشف البيع) اى بيع المباح له (عنه) اى عن ذلك السبب لما سبق من انه لا دليل على صحة مثل هذه الاباحة العامة حتى اذا تصرف المباح له تصرفا متوقفا على الملك. نقول: بان دليل الاباحة العامة يقتضي دخول المباح فى ملك المباح له آنا مّا ثم وطيه او عتقه او بيعه مثلا، فمراد المصنف رحمه الله من قوله «عدم تحقق سبب الملك» عدم تحقق ما يقتضي ملك المباح له- من دليل عام على الاباحة- (فلم يبق الّا الحكم ببطلان الاذن) من المالك (فى بيع ماله لغيره سواء صرح بذلك) اى: بالاذن (كما لو قال: بع مالى لنفسك، او اشتر بمالى لنفسك، أم ادخله) اى: ادخل الاذن (فى عموم قوله: ابحت لك كل تصرف) و كذا بالنسبة الى الوطي و العتق و سائر التصرفات المتوقفة على الملك (فاذا باع المباح له على هذا الوجه) الّذي ذكرنا من انه لا حق له (وقع البيع للمالك) لا لنفسه (اما) بيعا (لازما بناء على ان قصد البائع

ص: 169

لنفسه غير مؤثر او موقوفا على الاجازة بناء على ان المالك لم ينو تملك الثمن

هذا و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين و الشهيد رحمهما الله فى باب بيع الغاصب ان تسليط المشترى للبائع الغاصب على الثمن و الاذن فى اتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا و انه يملك المثمن بدفعه إليه فليس للمالك اجازه هذا الشراء.

______________________________

لنفسه غير مؤثر) اذ المهم فى باب البيع العوضان لا الشخصان و لذا اذا باعه المتاع ثم تبين لدى البائع ان المشترى كان وكيلا لم يضر ذلك فقوله:

«بعتك الكتاب بدرهم» يراد بالخطاب اى «الكاف» كونه طرف البيع لا كونه من ينتقل المال إليه (او) بيعا (موقوفا على الاجازة بناء على ان المالك لم ينو تملك الثمن) فكيف يدخل فى ملك الانسان ما لم ينوه- فى الأمور الاختيارية- فهو من قبيل الفضولى، ان اجاز المالك صح و الا بطل

(هذا، و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين و الشهيد رحمه الله فى باب بيع الغاصب ان تسليط المشترى للبائع الغاصب على الثمن) فيما اذا علم المشترى ان البائع غاصب و مع ذلك اشترى منه و اعطاه الثمن (و الاذن) الضمنى (فى اتلافه) للثمن اذ المشترى باعطائه الثمن للبائع يكون آذنا فى اتلافه (يوجب جواز شراء الغاصب به) اى بالثمن (شيئا) لنفسه (و انه يملك) الغاصب (المثمن بدفعه إليه فليس للمالك اجازة هذا الشراء) لأن تسليطه يتضمن اذنه فى كل ما يفعل.

و على ما ذكره القطب و الشهيد يقتضي ان يكون ما نحن فيه أيضا كذلك فاذا اباح المعاطاتى للطرف كل تصرف فى ما اعطاه كان اللازم صحة تصرف الطرف فيه بالبيع و نحوه اذا اى فرق بين المشترى المبيح للغاصب ماله و بين المشترى المبيح لطرف المعاطاة ماله.

ص: 170

و يظهر أيضا من محكى المختلف حيث استظهر من كلامه فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة ان له وطى الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع و مقتضى ذلك ان يكون تسليط الشخص لغيره على ماله- و ان لم يكن على وجه الملكية- يوجب جواز التصرفات المتوقفة على الملك فتأمل و سيأتى توضيحه فى مسألة الفضولى إن شاء الله تعالى.

______________________________

(و يظهر أيضا) صحة البيع لنفسه بمال الناس (من محكى المختلف حيث استظهر)- بصيغة المجهول (من كلامه) اى كلام المختلف (فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة ان له) اى للمشترى (وطى الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع) كلام العلامة فاذا كان التسليط من البائع لجاريته يقتضي جواز وطيها، كان التسليط من المبيح فى المعاطاة يجوز وطى المباح له للجارية (و مقتضى ذلك) الّذي ذكره القطب و الشهيد و العلامة (ان يكون تسليط الشخص لغيره على ماله- و ان لم يكن) التسليط (على وجه الملكية- يوجب جواز التصرفات المتوقفة على الملك) من المسلّط كالوطى و البيع و ما أشبه (فتأمل) للفرق بيت ما نحن فيه من إباحة جميع التصرفات و بين الأمثلة المذكورة فان من يسلّط الغاصب على ماله يكون قد اعرض عن ماله فيصح ملكية الغاصب له. و اذا كان ملكا له جاز ان يتصرف فيه بانواع التصرفات من الوطي و البيع و غيرهما، و يكون حال المال حينئذ حال المال الّذي يعرض عنه المالك فيلقيه فى الشارع فانه يجوز لكل احد تملكه و التصرف فيه بالتصرفات المالكية، و هذا بخلاف ما نحن فيه فان المبيح لم يعرض عن ماله و انما اباح للطرف التصرف فى ماله و الاباحة لا تجوز التصرفات المالكية (و سيأتي توضيحه فى مسألة الفضولى إن شاء الله تعالى) و هل ان تسليط الغاصب يوجب جواز تصرف الغاصب أم لا؟

ص: 171

و أما الكلام فى صحة الإباحة بالعوض سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة على الملك أم خصصنا الاباحة بغيرها فمحصّله: ان هذا النحو من الاباحة المعوّضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين فى ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك للمبيح الّا ان المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا مع التأمل فى صدق التجارة عليها فضلا عن البيع

______________________________

(و أما الكلام فى صحة الاباحة بالعوض) هذا عطف على ما تقدم- بعد ذكر الوجوه الاربعة- على قوله «اما إباحة جميع التصرفات» حيث ذكر هناك ان الاشكال يقع فى مقامين ... الخ (سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة على الملك) كالوطى و العتق و البيع (أم خصصنا الاباحة بغيرها) من سائر انواع التصرفات (فمحصّله: ان هذا النحو من الاباحة المعوّضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين فى ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك للمبيح) اذ يبقى الثمن فى ملكية المشترى و المثمن فى ملكية البائع، فانهما لم يفعلا الّا الاباحة، و الاباحة لا تخرج من ملكية المبيح، فيما كان إباحة فى مقابل إباحة، و كذلك فيما اذا اباح فى مقابل الملك فكلاهما ملك للمبيح، اما ماله فواضح و اما مال الطرف فلانه ملكه اياه (الّا ان المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه) اى فى هذا التصرف المستند الى الاباحة المعوضة (من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا) اذ لم نجد فى الشريعة معاوضة مركبة من اباحتين او إباحة و تمليك، و كذلك ليست فى المعاملات العرفية معاملة هكذا (مع التأمل فى صدق التجارة عليها) فلا يشمله: تجارة عن تراض، لأن التجارة ظاهرة فى التمليك لا الإباحة (فضلا عن) صدق (البيع) حتى يشمله «احل الله البيع» اذ ليس

ص: 172

الا ان يكون نوعا من الصلح لمناسبته له لغة لأنه فى معنى التسالم على أمر بناء على انه لا يشترط فيه لفظ الصلح، كما يستفاد من بعض الاخبار الدالة على صحته بقول المتصالحين: لك ما عندك ولى ما عندى، و نحوه ما ورد فى مصالحة الزوجين و لو كانت معاملة مستقلة كفى فيها عموم الناس مسلطون على اموالهم و المؤمنون عند شروطهم و على تقدير الصحة ففى لزومها مطلقا لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»، او من طرف المباح له

______________________________

ببيع قطعا (الا ان يكون نوعا من الصلح لمناسبته له) اى للصلح (لغة، لأنه) اى الصلح (فى معنى التسالم على أمر) و الاباحة فى مقابل الاباحة تسالم كما لا يخفى (بناء على انه لا يشترط فيه) اى فى الصلح (لفظ الصلح، كما يستفاد) عدم الاشتراط (من بعض الاخبار الدالة على صحته) اى الصلح (بقول المتصالحين: لك ما عندك ولى ما عندى، و نحوه ما ورد فى مصالحة الزوجين) ففى الصحيح عن الباقر و الصادق- عليهما السلام- انهما قالا- فى رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدرى كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه لك ما عندك و لى ما عندى، فقال عليه السلام-: «لا بأس بذلك اذا تراضيا» (و لو كانت) الاباحة المعوضة- التى هى محل الكلام- (معاملة مستقلة) لا بيعا و لا صلحا و قلنا بأنه لا يشترط ان تكون المعاملة مألوفة فى زمان الشارع، بل كلما صح عند العرف يصح عند الشرع (كفى فيها) صحته (عموم: الناس مسلطون على اموالهم، و المؤمنون عند شروطهم) اذ الشرط لا يجب ان يكون فى ضمن معاملة، على ما سيأتى من بعض الاقوال (و على تقدير الصحة) لهذه الاباحة المعوضة (ففى لزومها مطلقا) فلا يصح لأحدهما رفع اليد عن اباحته (لعموم:

«المؤمنون عند شروطهم»، او من طرف المباح له) فيما اذا اباح زيد

ص: 173

حيث انه يخرج ماله عن ملكه دون المبيح حيث ان ماله باق على ملكه فهو مسلط عليه او جوازها مطلقا وجوه اقواها اولها ثم اوسطها.

و اما حكم الاباحة بالإباحة فالاشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا فى سابقه

و الاقوى فيها أيضا الصحة و اللزوم للعموم او الجواز من الطرفين لأصالة التسلّط

______________________________

لعمرو ماله بعوض اعطاء عمرو لزيد دينارا- مثلا- فعمرو لا يتمكن من الرجوع فى ديناره، و انما يكون لازما من طرفه دون طرف المبيح (حيث انه) اى المباح له (يخرج ماله عن ملكه) فانه يعطيه لزيد عوضا (دون المبيح حيث ان ماله باق على ملكه) الفرض ان المبيح اباح فقط، و لم يملك (فهو) اى المبيح (مسلط عليه) لا يخرج عن تحت نفوذه (او جوازها مطلقا) من طرف المبيح و المباح له (وجوه اقواها اولها) اى اللزوم مطلقا، لانها معاملة مستقلة فيشملها عموم: الناس مسلطون .. (ثم اوسطها) هذا كله حكم الاباحة فى مقابل الملك

(و اما حكم الاباحة بالإباحة) بأن اباح احدهما للآخر فى مقابل ان اباح الآخر له (فالاشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا فى سابقه) اى الاباحة فى مقابل الملك من انه لا معهودية لمثل هذه المعاملة فى الشريعة فلا يشملها دليل المعاوضات من: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و ما اشبه.

(و الاقوى فيها أيضا الصحة) لانهما معاملة عرفية فيشملها الدليل المتقدم (و اللّزوم) و ذلك (للعموم) المتقدم نحو: «المؤمنون عند شروطهم» (او الجواز من الطرفين) لا من احدهما فقط- كما كان هذا الاحتمال فى السابق- (لاصالة التسلط) فان المبيح قبل الاباحة المعوضة بالإباحة كان مسلطا على ماله

ص: 174

الخامس: في حكم جريان المعاطاة فى غير البيع من العقود و عدمه.

اعلم انه ذكر المحقق الثانى (ره) فى جامع المقاصد على- ما حكى عنه- ان فى كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة فى الاجارة و كذا فى الهبة و ذلك لأنه اذا امره بعمل على عوض معين فعمله استحق الاجرة و لو كانت هذه اجارة فاسدة لم يجز له العمل و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد

______________________________

فاذا شككنا فى انه هل سقط تسلطه أم لا، كان الاستصحاب مقتضيا لبقاء التسلط اللّهم الّا ان يقال انه لا مورد للاستصحاب بعد الشك فى بقاء الموضوع، بل يقال بأن: المؤمنون عند شروطهم، لا يدع مجالا للاستصحاب.

(الخامس: فى حكم جريان المعاطاة فى غير البيع من العقود و عدمه) اى و عدم الجريان.

(اعلم انه ذكر المحقق الثانى «ره» فى جامع المقاصد- على ما حكى عنه- ان فى كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة فى الاجارة و كذا فى الهبة) كما لو اعطاه مالا بإزاء السكنى فى داره بدون ان يلفظا بشي ء و كذلك فى المثال الآتى أو اعطاه شيئا و دلت القرائن على ارادته الهبة له (و ذلك لأنه اذا امره بعمل على عوض معين فعمله) بدون اجراء صيغة الاجارة (استحق) العامل (الأجرة و لو كانت هذه اجارة فاسدة) من جهة عدم اجراء صيغة الاجارة، و قلنا بعدم صحة المعاطاة فى الاجارة (لم يجز له العمل) فيما اذا كان تصرفا فى مال المستأجر كما لو اعطاه ثوبه ليخيطه فان تصرف الاجير فى الثوب لا يجوز لأنه ليس تصرفا باجارة و لا اذن من غير جهة الاجارة فلا يجوز التصرف (و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد) اذ الاجارة فاسدة فلا اجرة مسمى، و حيث انه علم بعدم الاجارة فلا اجرة مثل

ص: 175

و ظاهرهم الجواز بذلك و كذا لو وهب بغير عقد فان ظاهرهم جواز الاتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز بل منع من مطلق التصرف و هو ملحظ وجيه انتهى.

و فيه: ان معنى جريان المعاطاة فى الاجارة- على مذهب المحقق الثانى- الحكم بملك المأمور الأجر المعين على الآمر و ملك الأمر العمل المعين على المأمور و لم نجد من صرح به فى المعاطاة

______________________________

له لأنه اقدم على ضرر نفسه لعدم الأذن من مالك الثوب فى العمل حتى يستحق عليه اجرة المثل اما اذا لم يعلم الاجير بالفساد استحق اجرة المثل لأن عمل المسلم محترم و لانه مغرور فيرجع الى من غرّه (و ظاهرهم الجواز بذلك) اى جواز عمل الاجير بذلك الامر، فيدل على انهم يقولون بالمعاطاة فى الاجارة (و كذا لو وهب بغير عقد فان ظاهرهم جواز الاتلاف) من الموهوب له (و لو كانت هبة فاسدة لم يجز) لانه مال الغير فيدل اجازتهم الاتلاف على قولهم بجريان المعاطاة فى الهبة (بل) لو كانت فاسدة (منع) الآخذ (من مطلق التصرف) لأن التصرف فى مال الغير لا يجوز ثم قال جامع المقاصد (و هو) اى كلام هذا البعض الّذي نسب الى ظاهر الفقهاء اجازتهم لجريان المعاطاة فى الاجازة و الهبة (ملحظ) اى ملاحظة (وجيه) و هذا منه موافقة على جريان المعاطاة (انتهى) كلام المقاصد.

(و فيه: ان معنى جريان المعاطاة فى الاجارة- على مذهب المحقق الثانى-) القائل بافادة المعاطاة الملك- كما تقدم فى مسألة المعاطاة فى البيع- (الحكم بملك المأمور) فى الاجارة المعاطاتية (الاجر المعين على الآمر) الّذي امره بخياطة ثوبه- مثلا- (و ملك الأمر العمل المعين على المأمور، و) هذا بالإضافة الى انه (لم نجد من صرح به فى المعاطاة)

ص: 176

و اما قوله: لو كانت اجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع نظر، لأنّ فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل سيّما اذا لم يكن العمل تصرفا فى عين من اموال المستأجر.

و قوله: لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد ممنوع لان الظاهر ثبوت اجرة المثل لانه لم يقصد التبرع و انما قصد عوضا لم يسلم له.

______________________________

فى الاجارة ينافى ظاهر قوله (و ظاهرهم الجواز بذلك) لأن معناه ان الامر مجوز للعمل لا أنه موجب له اللّهم الّا أن يقال ان المحقق يقول بالملك و ان الجواز يراد به مقابل الفساد الجواز مقابل اللزوم.

(و اما قوله: لو كانت اجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع نظر، لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل) لوجود الاذن، و الامر على نحو تعدد المطلوب فانه يريد خياطة الثوب و يريد ان يكون ذلك بالاجارة، نعم فى صورة التقييد لا يجوز العمل لكن الغالب خلاف التقييد (سيّما اذا لم يكن العمل تصرفا فى عين عن اموال المستأجر) كما لو استأجره لحفر بئر فى الارض المباحة فانه و ان بطلت الإجارة و كانت على وجه التقييد جاز للأجير العمل.

(و قوله: لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد ممنوع) بل يستحق الاجرة (لأن الظاهر ثبوت أجرة المثل لأنه) أمره بذلك و (لم يقصد التبرع و انما قصد عوضا) مسمى (لم يسلم له) و كلما انتفى المسمى جاء المثل، نعم فى صورة التقييد بأن قال: اريد ذلك بالاجارة دون سواها، لا حق للأجير فى أجرة المثل اذ مع علمه بالفساد لا يكون منبعثا عن أمر المستأجر حتى يكون على المستأجر اجرته.

ص: 177

و اما مسألة الهبة فالحكم فيها بجواز اتلاف الموهوب لا يدل على جريان المعاطاة فيها الّا اذا قلنا فى المعاطات بالإباحة فان جماعة كالشيخ و الحلى و العلامة صرحوا بان اعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الاباحة دون الملك لكن المحقق الثانى ممن لا يرى بكون المعاطاة عند القائلين بها مفيدا للإباحة المجردة

______________________________

(و أما مسألة الهبة) التى ذكر البعض ان اجازتهم للاتلاف دليل على قولهم بجريان المعاطاة فيها (فالحكم فيها بجواز اتلاف الموهوب لا يدل على جريان المعاطاة فيها) اذ جواز الاتلاف اعم من الملك، فان كلا من الملك و الاباحة يقتضي جواز الاتلاف، فاستدلال من يقول بالملك- فى الهبة المعاطاتية- كالمحقق الثانى، بقولهم انه يجوز الاتلاف، استدلال بالأعم على الاخص، لأن الاتلاف اعم من الملك.

و الحاصل ان المحقق يقول بان الهبة المعاطاتية تفيد الملك، و يستدل لذلك بان الفقهاء قالوا بجواز اتلاف الموهوب بالهبة المعاطاتية، و من المعلوم ان هذا الاستدلال ليس بتام، لأن قولهم بجواز الاتلاف يمكن ان يكون مستندا لانهم يرون كون الهبة المعاطاتية تفيد الاباحة، (الّا اذا قلنا فى المعاطاة بالإباحة) فان قلنا ان المعاطاة تفيد الاباحة تمكنا ان نستدل لذلك بفتواهم انه يجوز اتلاف الموهوب بالمعاطاة (فان جماعة كالشيخ و الحلى و العلامة صرحوا بان اعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الاباحة دون الملك) فهم انما يقولون بجواز الاتلاف لانه إباحة، لا أنه ملك كما يريد المحقق الثانى- (لكن المحقق الثانى ممن لا يرى بكون المعاطاة عند القائلين بها) اى يجوز المعاطاة (مفيدا للإباحة المجردة)

ص: 178

و توقف الملك فى الهبة على الايجاب و القبول كاد ان يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك و مما ذكرنا يظهر المنع فى قوله: بل مطلق التصرف.

هذا و لكن الأظهر- بناء على جريان المعاطاة فى البيع- جريانها فى غيره من الاجارة و الهبة لكون الفعل مفيدا للتمليك فيهما و ظاهر المحكى عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره حيث قال فى باب الرهن: ان الخلاف

______________________________

عن الملك (و توقف الملك فى الهبة على الايجاب و القبول كاد ان يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك) فكيف يمكن ان نقول بجريان المعاطاة فيها.

نعم نقول بأن المعاطاة تفيد الاباحة- لا الهبة الشرعية- و الاباحة لا يفتى بها جامع المقاصد بل يقول بالملك- كما عرفت-.

(و مما ذكرنا) من انه لو كانت هبة فاسدة لم يمنع الاتلاف بل يجوز الاتلاف لوجود الاباحة- و ان لم تكن هبة صحيحة- (يظهر المنع فى قوله:

بل مطلق التصرف) حيث قال: انه لو كانت هبة فاسدة يمنع مطلق التصرف فى الموهوب- و لو لم يكن تصرفا متلفا- وجه الظهور، انه على تقدير الاباحة لم يمنع مطلق التصرف كما لا يمنع الاتلاف الّذي هو اهم من التصرف غير المتلف

(هذا) تمام الكلام حول ما ذكره جامع المقاصد (و لكن الأظهر- بناء على جريان المعاطاة فى البيع- جريانها فى غيره) اى غير البيع مطلقا (من الاجارة و الهبة) و غيرهما (لكون الفعل)- مقابل اللفظ- (مفيد التمليك فيهما) اى فى الاجارة و الهبة (و ظاهر المحكى عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره) فان قلنا بالمعاطاة فى البيع لزم ان نقول بالمعاطاة فى غيره (حيث قال فى باب الرهن الخلاف: ان الخلاف

ص: 179

بالاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الايجاب عليه المذكور فى البيع آت هنا انتهى.

لكن استشكله فى محكى جامع المقاصد بان البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع، بخلاف ما هنا.

و لعل وجه الاشكال عدم تأتى المعاطاة- بالاجماع- فى الرهن على النحو الّذي اجروها فى البيع لانها هناك اما مفيدة للاباحة او الملكية الجائزة على الخلاف و الاول غير مقصود هنا.

______________________________

بالاكتفاء فيه) اى فى التعامل (بالمعاطاة و الاستيجاب و الايجاب) بان يقول المشترى بعنى، فيقول البائع: بعتك، (عليه) اى على الاستيجاب بان يكون الايجاب مؤخرا و واقعا على الاستيجاب (المذكور) ذلك الخلاف (فى البيع آت هنا) فى باب الرهن أيضا (انتهى).

(لكن استشكله فى محكى جامع المقاصد بان البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع، بخلاف ما هنا) فى باب الرهن فانه لا اجماع فيمكن الفرق بالقول بصحة المعاطاة فى باب البيع دون الرهن.

(و لعل وجه الاشكال) الّذي ذكره جامع المقاصد (عدم تأتى المعاطاة بالاجماع فى الرهن على النحو الّذي اجروها) اى المعاطاة (فى البيع) قوله «بالاجماع» متعلق ب «عدم تأتى» (لانها هناك) اى المعاطات (مفيدة للاباحة او الملكية الجائزة على الخلاف) الّذي عرفته، اما القول بالملكية اللازمة فقد تقدم انه غير مشهور بينهم.

(و الاول) اى الاباحة (غير مقصود هنا) فى باب الرهن اذ لا معنى للاباحة هنا لا من جانب المقترض بأن يكون المال الّذي اقترضه مباحا له، فان القرض يكون ملكا للمقترض، و لا من جانب المقرض الّذي يأخذ الوثيقة اذ لا معنى

ص: 180

و اما الجواز فكذلك لأنه ينافى الوثوق الّذي به قوام مفهوم الرهن خصوصا بملاحظة انه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها الى اللزوم ليحصل به الوثيقة فى بعض الاحيان

و ان جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا لما اطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة على اللفظ و كان هذا.

______________________________

لأن تكون الدار- مثلا- مباحة التصرف للمقرض اذ الراهن و المرتهن كلاهما ممنوعان عن التصرف.

(و اما الجواز) اى ان يحصل الرهن، لكن يكون رهنا جائزا- بحيث يتمكن صاحب المال من استرجاعه- كما فى المعاطاتى البيعى الّذي يحصل الملك لكنه ملك جائز (فكذلك) غير مقصود هنا فى باب الرهن (لأنه) اى، الجواز (ينافى الوثوق الّذي به قوام مفهوم الرهن) اذ معنى الرهن: ان يكون وثيقة بيد المقرض حتى اذا لم يتمكن من تحصيل ماله باع الوثيقة و استوفى دينه منها و اذا كان الرهن جائزا لم تكن وثيقة لأن صاحب الوثيقة يأخذها متى ما شاء (خصوصا بملاحظة انه لا يتصور هنا) فى باب الرهن (ما يوجب رجوعها الى اللزوم) كما كان كذلك فى البيع المعاطاتى حيث قلنا بان تصرّف احد الطرفين او تلف احد الشيئين يوجب لزوم المعاطاة اذ لا تلف و لا تصرف هنا بحيث يوجب اللزوم (ليحصل به الوثيقة فى بعض الاحيان) حتى يقال بتصور مفهوم الرهن فى الجملة.

(و ان جعلناها) اى المعاطاة فى باب الرهن (مفيدة للزوم) ليرتفع المحذور المتقدم (كان مخالفا لما اطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة على اللفظ) فالقول باللزوم باطل لأنه خلاف الاجماع (و كان هذا) الّذي ذكرناه

ص: 181

هو الّذي دعى المحقق الثانى الى الجزم بجريان المعاطاة فى مثل الاجارة و الهبة و القرض و الاستشكال فى الرهن.

نعم من لا يبالى مخالفة ما هو المشهور، بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة على اللفظ او حمل تلك العقود على اللازمة من الطرفين فلا يشمل الرهن و لذا جوز بعضهم الايجاب بلفظ الامر كخذه، و الجملة الخبرية امكن ان يقول بافادة المعاطاة فى الرهن اللزوم لإطلاق بعض ادلة الرهن و لم يقم هنا اجماع على عدم اللزوم كما قام فى المعاوضات.

______________________________

من الاشكال فى جريان المعاطاة فى الرهن (هو الّذي دعى المحقق الثانى الى الجزم بجريان المعاطاة فى مثل الاجارة و الهبة و القرض و الاستشكال فى الرهن) لأنه لا محذور فى الثلاثة مثل المحذور فى باب الرهن.

(نعم من لا يبالى مخالفة ما هو المشهور، بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة على اللفظ) «من» بيان «ما» (او حمل تلك العقود)- فى كلامهم- التى قالوا انها تحتاج الى اللفظ (على اللازمة من الطرفين) كالبيع و ما اشبه (فلا يشمل الرهن) الّذي هو جائز من طرف الآخذ للوثيقة (و لذا جوز بعضهم الايجاب بلفظ الامر) فى باب الرهن، و ان لم يجوز ذلك فى باب العقود اللازمة من الطرفين- كالبيع- (كخذه، و الجملة الخبرية) كأن يقول: «يأخذ دارى صاحب المال». (امكن) خبر قوله: «نعم من لا يبالى» (ان يقول بإفادة المعاطاة فى) باب (الرهن اللزوم، لإطلاق بعض ادلة الرهن) الشاملة للرهن المعاطاتى كقوله سبحانه «فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ» اذ الرهن المعاطاتى يسمى رهنا- عرفا- (و لم يقم هنا) فى باب الرهن (اجماع على عدم اللزوم) فى ما اذا كان بالمعاطاة (كما قام) الاجماع على عدم اللزوم (فى المعاوضات) و الحاصل ان المقتضى موجود

ص: 182

و لاجل ما ذكرنا فى الرهن يمنع من جريان المعاطاة فى الوقف بأن يكتفى فيه بالاقباض لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم على اللفظ و الجواز غير معروف فى الوقف من الشارع فتأمل.

نعم احتمل الاكتفاء بغير اللفظ- فى باب وقف المساجد- من الذكرى تبعا للشيخ

ثم ان الملزم للمعاطاة فيما تجرى

______________________________

و المانع مفقود فيلزم ان يحكم بصحة المعاطاة فى الرهن.

(و لاجل ما ذكرنا فى الرهن) من الاشكال الّذي حاصله ان «الاباحة» لا معنى لها، و «الجواز» ينافى كونه وقفا (يمنع من جريان المعاطاة فى الوقف بأن يكتفى فيه بالاقباض) مع وجود القرينة على إرادة الوقف (لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم على اللفظ) بل قد تقدم دعوى الاجماع على ذلك (و) ان قلت: اللزوم متوقف على اللفظ فليكن الوقف بلا لفظ جائزا قلت: (الجواز غير معروف فى الوقف من الشارع) اذ الوارد من الشرع كون الوقف مفيدا لبقاء العين، و تسبيل المنفعة اما ان يكون هناك وقف جائز فليس بمعروف (فتأمل) لأن الوقف الجائز وارد فى الشريعة أيضا و هو ما اذا اشترط الرجوع كما هو مذكور فى كتاب الوقف

(نعم احتمل الاكتفاء بغير اللفظ- فى باب وقف المساجد- من الذكرى) للشهيد (تبعا للشيخ) بأن يبنى مسجدا ثم يسلمه الى المصلين بدون ان يجرى صيغة الوقف و ذلك لشمول قوله صلى الله عليه و آله و سلم «الوقوف و حسب ما وقفها اهلها» له.

(ثم ان الملزم للمعاطاة) اى ما يوجب لزومها (فيما تجرى) للمعاطاة

ص: 183

فيه من العقود الاخر هو الملزم فى باب البيع كما سنبينه بعد هذا الامر.

السادس: في ملزمات المعاطاة على كل من القول بالملك و القول بالإباحة.

اعلم: ان الاصل على القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة

و اما على القول بالإباحة، فالأصل عدم اللزوم لقاعدة تسلط الناس على اموالهم و اصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة

______________________________

(فيه من العقود الأخر) «من» بيان «ما» و ذلك مثل المزارعة و المساقاة و الرهن و الاجارة و غيرها- فيما اذا كانت لازمة بدون النظر الى انها اجريت بصورة المعاطاة- و قوله «الاخر» يراد بها ما يقابل البيع (هو الملزم فى باب البيع كما سنيه) اى ما يلزم البيع (بعد هذا الامر) فى الأمر السادس.

(السادس: فى ملزمات المعاطاة على كل من القول ب) افادة المعاطاة (الملك) المتزلزل (و القول بالإباحة) اما على القول بافادتها الملك اللازم فلا كلام فيه.

(اعلم: ان الاصل على القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة) و هى: الاصل و ان فائدة الملك السلطة، و الناس مسلطون، و تجارة عن تراض، و لا يحل مال امرئ، و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ، و المؤمنون عند شروطهم، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 5، ص: 184

(و اما على القول بالإباحة، فالأصل عدم اللزوم لقاعدة تسلط الناس على اموالهم) فالمبيح انما اعطى المال إباحة فهو مسلط على ماله (و اصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة) فانا اذا شككنا ان سلطنته قطعت

ص: 184

و هى حاكمة على اصالة بقاء الاباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها

اذا عرفت هذا فاعلم ان تلف العوضين ملزم اجماعا على الظاهر المصرح به فى بعض العبائر اما على القول بالإباحة فواضح لأن تلفه من مال مالكه و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه

و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا

______________________________

بالإباحة أم بقيت كان مقتضى الاستصحاب البقاء، و لا يخفى ان الأصل الاول اجتهادى و هو: «الناس مسلطون على اموالهم» و الاصل الثانى عملى (و هى) اى استصحاب السلطنة (حاكمة على اصالة بقاء الاباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها) بأن كانت الاباحة مطلقة ثم شك فى ارتفاعها اما اذا كانت الاباحة محدودة من اوّل الامر، فالشك فى بقائها من باب الشك فى المقتضى و لا يجرى الاصل فيه، و اما وجه حكومة استصحاب السلطة على استصحاب الاباحة فهو ان الشك فى الاباحة مسبب عن الشك فى بقاء السلطة فاذا استصحب السلطة كان محكما كما ان استصحاب الكرية محكمة بالنسبة الى استصحاب النجاسة فى اليد التى غسلت فيه.

(اذا عرفت هذا) الّذي ذكرناه من مقتضى الأصل (فاعلم ان تلف العوضين ملزم) للمعاطاة (اجماعا على الظاهر المصرح به فى بعض العبائر اما على القول بالإباحة فواضح) وجه كون تلفهما ملزما (لأن تلفه من مال مالكه) المبيح (و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه) فاذا اعطى محمد عليا كتابا فى مقابل دينار. فتلفا، ذهب الدينار من على و الكتاب من محمد، و لا وجه لضمان احدهما مال الآخر.

(و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا) فان على اليد ما اخذت حتى

ص: 185

مندفع بما سيجي ء.

و اما على القول بالملك فلما عرفت من اصالة اللزوم و المتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين و حيث ارتفع مورد التراد امتنع و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخيارى حتى يستصحب بعد التلف لان ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين فلا مانع من بقائه

______________________________

تؤدى فالمشترى الآخذ للسلعة ضامن لها (مندفع بما سيجي ء) من انه اذا كان اليد بحق لا تجرى هذه القاعدة فان الضمان اما شرعى كاللقطة أو مالكى و كلاهما مفقود فى المقام.

(و أما على القول ب) افادة المعاطاة (الملك ف) واضح أيضا وجه كون تلفهما ملزما (لما عرفت من اصالة اللزوم) للمعاطاة- بالأدلّة الثمانية المتقدمة- (و المتيقن من مخالفتها) اى مخالفة الاصل (جواز تراد العينين و حيث ارتفع مورد التراد) لأنه مع التلف لا يعقل التراد (امتنع) التراد و تبقى اصالة اللزوم سالمة (و) ان قلت فليكن ما نحن فيه مثل باب الخيار فكما ان تلف العين لا يسقط خيار من له الخيار كذلك تلف العين فى باب المعاطاة لا يسقط جواز التراد منتهى الأمر حيث لا يمكن رد العين يرد بدلها، قلت (لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة) المعاطاتية (على نحو جواز البيع الخيارى حتى يستصحب) هذا الجواز (بعد التلف) و ينتج الاستصحاب جواز تراد القيمة- مثلا- و انما نقول بالفرق بين الجواز هنا و الجواز فى باب الخيار (لان ذلك الجواز) فى باب الخيار (من عوارض العقد) و العقد باق بعد التلف أيضا فيمكن الأخذ بذلك الجواز و ابطال العقد (لا) عوارض (العوضين) كما فى باب المعاطاة فان محل الجواز العوضين فاذا تلفا ذهب محل الجواز (فلا مانع من بقائه) اى جواز الخيارى بعد التلف، اذ محل الجواز و هو العقد

ص: 186

بل لا دليل على ارتفاعه بعد تلفها بخلاف ما نحن فيه فان الجواز فيه هنا بمعنى جواز الرجوع فى العين نظير جواز الرجوع فى العين الموهوبة فلا يبقى بعد التلف متعلق الجواز بل الجواز هنا يتعلق بموضوع التراد لا مطلق الرجوع الثابت فى الهبة هذا مع ان الشك فى ان متعلق الجواز هل هو اصل المعاملة او الرجوع فى العين او تراد العينين يمنع من استصحابه فان المتيقن تعلقه بالتراد، اذ لا دليل فى مقابل اصالة اللزوم على ثبوت ازيد

______________________________

باق (بل لا دليل على ارتفاعه) اى جواز (بعد تلفها) اى تلف العين (بخلاف ما نحن فيه) اى الجواز فى المعاطاة (فان الجواز فيه) اى فيما نحن فيه (هنا بمعنى جواز الرجوع فى العين نظير جواز الرجوع فى العين الموهوبة فلا يبقى بعد التلف متعلق الجواز) كما فى باب الهبة لا يبقى متعلق الجواز (بل الجواز هنا) اضيق من الجواز فى الهبة لأنه (يتعلق بموضوع التراد لا مطلق الرجوع الثابت فى الهبة) فالجواز فى الهبة يتقوم بشي ء واحد، و هنا يتقوم بشيئين فاذا انتفى باحدهما بان تلف احد العوضين لم يمكن التراد (هذا) كله فيما اذا ثبت ان الجواز فى المقام متعلق- بالتراد- الّذي تعذر بتلف احدى العينين و اذا شك فى ذلك فالاصل أيضا عدم بقاء الجواز (مع ان الشك فى ان متعلق الجواز) فى باب المعاطاة (هل هو اصل المعاملة) حتى يبقى الجواز بعد تلف العينين- كالجواز الخيارى- (او الرجوع فى العين) حتى يبقى الجواز بعد تلفت احدى العينين- كالجواز فى الهبة- (او تراد العينين) حتى لا يبقى الجواز اذا تلفت احدى العينين، فكيف بصورة تلفهما (يمنع من استصحابه) اى استصحاب الجواز (فان المتيقن تعلقه) اى الجواز (بالتراد، اذ لا دليل فى مقابلة اصالة اللزوم) للمعاطاة (على ثبوت ازيد

ص: 187

من جواز تراد العينين الّذي لا يتحقق الا مع بقائهما و منه يعلم حكم ما لو تلف احدى العينين او بعضها على القول بالملك و اما على القول بالإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا- وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك- اصالة عدم اللزوم لأصالة سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها و فيه انها معارضة بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده او قيمته و التمسك بعموم على اليد هنا فى غير محله بعد القطع بأن هذه اليد

______________________________

من جواز تراد العينين الّذي لا يتحقق) ذلك التراد (الا مع بقائهما) فان الاصل اللزوم- كما عرفت بالأدلّة الثمانية- و الخارج عن هذا الأصل باجماع- صورة امكان تراد العينين فيبقى غير صورة تراد العينين داخلا فى اصالة اللزوم (و منه) اى مما ذكرنا فى مسألة تلف كلتا العينين (يعلم حكم ما لو تلف احدى العينين او بعضها) اى بعض احدى العينين (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك) و انه يحكم الاصل اللزوم (و اما على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة فقد استوجه بعض مشايخنا- وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك- اصالة عدم اللزوم) فى صورة تلف احد العينين او بعضها (لأصالة سلطنة مالك العين الموجودة و) بقاء (ملكه لها) فاذا اعطى محمد عليا كتابا بدينار و تلف الدينار كان لمحمد استرداد كتابه الموجود، و عليه يكون ضامنا لدينار على حيث اتلفه بدون ان يعطى شيئا لعلى فى مقابل ديناره (و فيه انها) اى اصالة سلطنة مالك العين الموجودة (معارضة باصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده او قيمته) لأن مقتضى ذلك الأصل اشتغال الذمة و مقتضى هذا الاصل براءة الذمة فيتعارضان (و) ان قلت فليسقط الاصلان و يتمسك للاشتغال بالدليل الاجتهادى. قلت (التمسك بعموم على اليد هنا) لاشتغال الذمة (فى غير محله بعد القطع بأن هذه اليد

ص: 188

قبل تلف العين لم تكن يد ضمان بل و لا بعده اذا بنى مالك العين الموجودة على امضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع انما الكلام فى الضمان اذا اراد الرجوع و ليس هذا من مقتضيات اليد قطعا و لكن يمكن ان يقال: ان اصالة بقاء السلطنة حاكمة على اصالة عدم الضمان بالمثل او القيمة مع ان ضمان التالف ببدله معلوم الا ان الكلام فى ان البدل هو البدل الحقيقى اعنى المثل او القيمة- او البدل الجعلى اعنى

______________________________

قبل تلف العين لم تكن يد ضمان) و على اليد انما يأتى فى اليد الضمانية (بل و لا بعده) اى بعد التلف (اذا بنى مالك العين الموجودة على امضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع) كما لو تلف سلعة زيد فى يد عمرو فلم يرد عمرو الرجوع فى ديناره فانه لا شك فى ان عمرو لا يكون ضامنا للسلعة لأن مقابلها فى يد عمرو فعلا- و هو الدينار- (انما الكلام فى الضمان) اى ضمان ما تلف فى يده (اذا اراد) من تلف فى يده (الرجوع) الى ماله (و ليس هذا) الضمان (من مقتضيات اليد قطعا) اذ لو كان من مقتضيات اليد كان اللازم ان يكون موجودا سواء اراد الرجوع او لم يرد الرجوع.

(و لكن يمكن ان يقال) بحكومة اصل الضمان على اصل البراءة و ينتج ذلك عدم لزوم المعاطاة حتى مع تلف احدى العينين ف (: ان اصالة بقاء السلطنة) لمن اتلف مال الغير على مال نفسه الموجود فى يد الغير (حاكمة على اصالة عدم الضمان) لأن الشك فى الضمان مسبب عن الشك فى السلطنة فاذا جرت اصالة السلطنة لم يكن مجال لأصل عدم الضمان (بالمثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (مع ان ضمان التالف ببدله معلوم) فلا يجرى اصالة عدم الضمان (الا ان الكلام فى ان البدل هو البدل الحقيقى- اعنى المثل او القيمة- او البدل الجعلى) اى الّذي جعله المتعاطيان (اعنى

ص: 189

العين الموجودة فلا اصل.

هذا مضافا الى ما قد يقال من ان عموم «الناس مسلطون على اموالهم» يدل على السلطنة على المال الموجود بأخذه و على المال التالف بأخذ بدله الحقيقى و هو المثل او القيمة، فتدبر.

و لو كان احد العوضين دينا فى ذمة احد المتعاطيين

______________________________

العين الموجودة) لدى طرف المعاطاة (فلا اصل) لعدم الضمان حتى يعارض اصالة الضمان و الحاصل ان اصالة عدم الضمان لا تجرى لامرين:

الاول: لحكومة اصالة السلطنة عليها. الثانى: لأنها معارضة بالعلم الاجمالى بالضمان.

(هذا) لتقريب بقاء حق الفسخ فيما اذا كانت احدى العينين باقية (مضافا الى ما قد يقال من ان عموم «الناس مسلطون على اموالهم» يدل على السلطنة) لزيد صاحب الكتاب- مثلا- (على المال الموجود) و هو الكتاب- فيما اذا تلف دينار عمرو لدى زيد و بقى كتاب زيد لدى عمرو سالما (بأخذه) فلزيد اخذ كتابه من عمرو (و) السلطنة لعمرو (على المال التالف) كالدينار الّذي تلف عند زيد (بأخذ بدله الحقيقى) مقابل البدل الجعلى الّذي هو الكتاب (و هو البدل او القيمة فتدبر) اذ «الناس مسلطون على اموالهم» ظاهر فى كون المال موجودا، فاذا تلف الدينار لا يصدق عليه المال حتى يقال لشمول: «الناس مسلطون» للدينار التالف و لذا لم يعد الفقهاء الناس مسلطون من ادلة الضمان فى سائر الموارد، اللهم الا ان يقال: ان مقتضى الناس مسلطون تسلط صاحب الكتاب على رد كتابه و مقتضى هذا التسلط تسلط صاحب الدينار على رد مثل ديناره او قيمته.

(و لو كان احد العوضين دينا فى ذمة احد المتعاطيين) كما لو اعطى

ص: 190

فعلى القول بالملك يملكه من فى ذمته فيسقط عنه و الظاهر انه فى حكم التلف، لأن الساقط لا يعود و يحتمل العود و هو ضعيف.

و الظاهر ان الحكم كذلك على القول بالإباحة، فافهم

و لو نقل العينان او احداهما بعقد لازم فهو كالتلف

______________________________

محمد كتابا لعلى فى مقابل الدينار الّذي يطلبه على من محمد (فعلى القول ب) افادة المعاطاة (الملك يملكه) اى الدينار (من فى ذمته) كمحمد- فى المثال- (فيسقط عنه و الظاهر انه) اى السقوط لما فى الذمة (فى حكم التلف، لأن الساقط) عن الذمة (لا يعود) بحكم الاصل فانه اذا شك فى انه يعود الى ذمته ما سقط عنه كان اصل عدم العود محكما (و يحتمل العود) لأن الشك فى العود مسبب عن الشك فى حق محمد لاسترجاع كتابه، فاذا كان مقتضى أصالة السلطنة حق استرجاع محمد لكتابه كان محكما على اصالة عدم العود فاذا ارجع محمد كتابه عاد الدينار الى ذمته فتشتغل به لعلى (و هو) اى احتمال العود (ضعيف) لأنه لا دليل له من الشرع و لا شبه له.

(و الظاهر ان الحكم كذلك) اى كالملك فى انه لا يعود الدين فيما اذا كان احد العوضين دينا (على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة، فافهم) فانه فرق بين الاباحة و الملك اذ الناس مسلطون يجرى على تقدير الاباحة دون تقدير الملك فاللازم الفرق فى الدين بين القول بالملك و القول بالإباحة.

(و لو نقل) الطرفان (العينين او احداهما بعقد لازم) كأن باع على الكتاب، و اشترى محمد بالدينار سلعة (فهو) اى العقد اللازم (كالتلف)

ص: 191

على القول بالملك لامتناع التراد. و كذا على القول بالإباحة اذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة. و لو عادت العين بفسخ ففى جواز التراد على القول بالملك لإمكانه فيستصحب و عدمه لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه وجهان اجودهما ذلك اذ لم يثبت فى مقابلة اصالة اللزوم جواز التراد بقول مطلق بل المتيقن منه غير ذلك

______________________________

للعين فى انه لا يمكن الرجوع فى المعاطاة- على التفصيل المتقدم- (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك لامتناع التراد) اذ العقد اللازم كالتلف موجب لعدم قدرة المالك الاول على استرداد الملك فان الامتناع الشرعى كالامتناع العقلى (و كذا على القول بالإباحة اذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة) كما لو أخذ المشترى المال بالمعاطاة، و كان المال مباحا له، ثم باعه من شخص، اما لو قلنا بعدم إباحة التصرفات الناقلة فليس للمشترى المعاطاتى نقل العين فلا موضوع لهذه المسألة (و لو) نقل المعاطاتى العين بعقد لازم و بعد ذلك (عادت العين لفسخ) اقالة او عيبا او غير ذلك (ففى جواز التراد) بين المتعاطيين (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك لإمكانه) اى امكان التراد قبل نقله للعين فاذا شك فى انه بعد ان نقل العين و استرجعها هل يبقى حق التراد أم لا (فيستصحب) جواز التراد (و عدمه) اى عدم جواز التراد (لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه) فاذا خرج العين تبدل الموضوع فلا مجال للاستصحاب (وجهان) اى الجواز و عدمه (اجودهما ذلك) اى عدم جواز التراد (اذ لم يثبت فى مقابلة اصالة اللزوم) التابعة للملك- حيث قلنا بأن المعاطاة تفيد الملك (جواز التراد بقول مطلق) سواء قبل خروج المال عن الملك المتعاطيين او بعد (بل المتيقن عنه) اى من الخروج عن اصل اللزوم (غير ذلك) المورد اى غير مورد خروج مال

ص: 192

فالموضوع غير محرز فى الاستصحاب و كذا على القول بالإباحة لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف فيرجع بالفسخ الى ملك الثانى فلا دليل على زواله بل الحكم هنا اولى منه على القول بالملك لعدم تحقق جواز التراد فى السابق هنا حتى يستصحب بل المحقق اصالة بقاء سلطنة المالك الاول المقطوع بانتفائها

______________________________

عن ملكها (فالموضوع غير محرز فى الاستصحاب) فلا يجرى استصحاب جواز التراد و انما يتمسك بعد الخروج عن ملكهما باصالة اللزوم (و كذا) اى الاجود عدم جواز التراد- بعد الخروج عن ملكهما- (على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة لان التصرف الناقل) عن المتعاطيين (يكشف عن سبق الملك) على النقل (للمتصرف) ملكا آنا مّا- كما سبق- (فيرجع) المال (بالفسخ الى ملك الثانى) اى الناقل، لا الى ملك الاول الّذي هو طرف الناقل- مثلا اعطى محمد عليا كتابا بالمعاطاة، و قلنا بافادة المعاطاة الاباحة، ثم نقل على الكتاب الى الحسن ثم فسخت المعاملة، فان الكتاب يرجع الى على لا الى محمد، اذ وقت بيع على الكتاب صار الكتاب ملكا له

انا ما- فاذا فسخ البيع رجع الى ملكه الى ملك محمد، اذ لا دليل على رجوعه الى ملك الاول (فلا دليل على زواله) اى زوال ملك على للكتاب (بل الحكم) بعدم جواز الرجوع (هنا) على القول بالإباحة (اولى منه) اى من الحكم (على القول بالملك) اى بافادة المعاطاة الملك (لعدم تحقق جواز التراد) للمتعاطيين (فى السابق) على النقل (هنا) فى باب الاباحة (حتى يستصحب) هذا الحكم بالتراد بعد النقل (بل المحقق) قبل النقل (اصالة بقاء سلطنة المالك الاول المقطوع) ذلك الاصل (بانتفائها) اى انتفاء سلطنة المالك الاول بالنقل و الحاصل على الملك، كان الكتاب لعلى، و كان لمحمد الحق فى الاسترداد، فاذا نقله على ثم عاد الى ملكه استصحبنا بقاء حق محمد فى الاسترداد، اما على الاباحة كان الكتاب لمحمد- فى يد على- فاذا نقله على ثم رجع الكتاب إليه، لم يكن- سابقا حق استرداد حتى

ص: 193

نعم لو قلنا بان الكاشف عن الملك هو العقد الناقل فاذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك الى المالك الاول و ان كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا على ملك مالكه الاول او عائدا إليه بفسخ

______________________________

يستحب- اذ فى السابق كان الكتاب لمحمد، لا ان محمدا كان يحق له الاسترداد.

(نعم) يمكن ان نقول بعود الملك الى المالك الاول- اى محمدا فى المثال- على القول بالإباحة، بتقريب ان الكتاب كان لمحمد- فى يد علي- و صار ملكا لعلى من جهة انه نقله، فاذا فسخ النقل انفسخ ملكية علي أيضا، فالكتاب عاد الى محمد فانه (لو قلنا بان الكاشف عن الملك) اى الّذي يكشف عن كون الكتاب صار ملكا لعلى- المباح له- (و هو العقد الناقل) الّذي اجراه علي مع الحسن المشترى منه (فاذا فرضنا ارتفاعه) اى العقد (بالفسخ) الّذي جرى بين علي و الحسن (عاد الملك الى المالك الاول) الّذي هو محمد (و ان كان) الملك (مباحا لغيره) الّذي هو علي فكما كان قبل بيع علي مباحا لعلي كذلك بعد ان فسخ البيع (ما لم يسترد) على المباح له- (عوضه) فما لم يأخذ علي ديناره من محمد كان الكتاب مباحا له سواء قبل ان يبيعه من الحسن او بعد ان باعه و فسخ البيع (كان) جواب «لو» (مقتضى قاعدة السلطنة) لمحمد- فى المثال- (جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر) كالدينار فى المثال (باقيا على ملك مالكه الاول) الّذي هو علي بأن لم يتصرف فيه محمد (او عائدا إليه) اي الى مالكه الاول، (بفسخ) بأن اشترى بالدينار محمد شيئا ثم فسخ بأن عاد الدينار الى محمد، و صار الى ملك علي، اما اذا تلف الدينار، فتدخل المسألة فيما

ص: 194

و كذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على سبق الملك بل يكفى فيه إباحة التصرف و الاتلاف و يملك الثمن بالبيع كما تقدم استظهاره عن جماعة فى الامر الرابع

لكن الوجهين ضعيفان بل الاقوى رجوعه بالفسخ الى البائع.

______________________________

تقدم من انه اذا تلف احد العوضين فهل هناك حق التراد أم لا.

(و كذا) عطف على قوله «نعم لو قلنا» (لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على سبق الملك) للمباح له بان قلنا: ان بيع علي الكتاب لا يتوقف على سبق ملكه له- آنا مّا- (بل يكفى فيه) اى فى بيعه (إباحة التصرف و الاتلاف) لعلى و ان كان الملك لمحمد (و) قلنا بان عليا (يملك الثمن) للكتاب (بالبيع) بان يعطى علي كتاب محمد و يأخذ ثمنه لنفسه (كما تقدم استظهاره عن جماعة فى الامر الرابع) من انه يجوز خروج المال عن كيس شخص ليدخل الثمن فى كيس غيره، فانه على هذا الاحتمال- الّذي ذكرناه بقولنا: و كذا لو قلنا- أيضا يصح التراد اذا رجع المال الى المباح له بالفسخ لأنه لم يحدث ملك للمباح له اصلا حتى يمنع التراد.

(لكن الوجهين) اللذين ذكرناهما لصحة رجوع المال الى المالك الاول، كمحمد، بعد انفساخ بيع على من الحسن، و الوجهان هما ما ذكرناها بقولنا: «نعم لو قلنا» و «و كذا لو قلنا» (ضعيفان) لما عرفت سابقا (بل الاقوى رجوعه) اى المال- كالكتاب- (بالفسخ الى البائع) المباح له- كعلى- الا الى طرف البائع الّذي كان الكتاب له أولا، كمحمد- فى المثال- هذا كله فيما اذا كان على نقل الكتاب بالعقد اللازم، كما لو باعه مثلا.

ص: 195

و لو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية الزام الناقل بالرجوع فيه و لا رجوعه بنفسه الى عينه فالتراد غير متحقق و تحصيله غير واجب.

و كذا على القول بالإباحة لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك

نعم لو كان غير معاوضة، كالهبة و قلنا بان التصرف فى مثله.

______________________________

(و لو كان الناقل عقدا جائزا) كما لو وهب علي الكتاب هبة جائزة (لم يكن لمالك العين الباقية) كمحمد الّذي صار مالكا للدينار (الزام الناقل) اى علي (بالرجوع فيه) بان يقول له ارجع فى هبتك لانى اريد ارجاع الكتاب و اعطائك الدينار (و لا رجوعه بنفسه الى عينه) بان يرجع محمد الى الكتاب الّذي عند الموهوب له (فالتراد غير متحقق) فانه و ان تمكن من ارجاع الدينار لكنه لا يتمكن من استرجاع الكتاب (و تحصيله) اى تحصيل ما يحقق التراد (غير واجب) على علي بأن يسترجع الكتاب من عند الموهوب له و ذلك لأنه لا دليل على وجوب ذلك على علي كما لا دليل على جواز ذلك لمحمد بان يسترجع الكتاب من الموهوب له بدون استرجاع علي اياه.

(و كذا) التراد غير متحقق (على القول بالإباحة) فيما اذا كان نقل العين نقلا جائزا (لكون المعاوضة) الجائزة التى اجراها علي على الكتاب (كاشفة عن سبق الملك) فان الكتاب و ان كان مباحا لعلي لكن لما وهبه او اجرى عليه معاوضة جائزة صار الكتاب ملكا له- آنا مّا- كما تقدم، فالاباحة انتهت، و عليه ليس الكتاب بعد المعاوضة الجائزة ملكا لمحمد حتى يقال بانه يحق له الرجوع فيه.

(نعم لو كان) النقل الجائز الّذي اجراه على علي الكتاب (غير معاوضة كالهبة) فانها ليست معاوضة و انما ايقاع (و قلنا بان التصرف مثله)

ص: 196

لا يكشف عن سبق الملك اذ لا عوض فيه حتى لا يعقل كون العوض ما لا لواحد و انتقال المعوض الى الاخر بل الهبة ناقلة للملك من ملك المالك الى المتهب فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة الى المالك لا الواهب، اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الاخرى او عودها الى مالكها بهذا النحو من العود

______________________________

اى مثل ما ليس بمعاوضة و كان جائزا، لا مثل تحرير العبد الّذي هو لازم و ليس بجائز (لا يكشف عن سبق الملك) الآنى لعلى (اذ لا عوض فيه) اى فى النقل غير المعاوضى (حتى لا يعقل كون العوض مالا لواحد) كعلي (و انتقال المعوض من الاخر) كانتقال الكتاب من محمد- و الحاصل ان الجهة التى تسبب عدم المعقولية- و هى ان يدخل العوض فى كيس من لا يخرج المعوض من كيسه- مفقودة فى المقام، اذ الهبة لا عوض لها حتى يقال كيف يدخل العوض فى كيس علي بينما يخرج المعوض من كيس محمد (بل الهبة ناقلة للملك) اى الكتاب (من ملك المالك) الّذي هو محمد (الى المتهب) الّذي هو الحسن، و النقل انما اجراه علي (فيتحقق) مربوط ب «نعم» (حكم جواز للرجوع) الى الكتاب (بالنسبة الى المالك) فللمالك ان يرجع الى الكتاب بان يفسخ الهبة و يأخذ الكتاب من الحسن (لا الواهب) الّذي هو علي اذ ليس المال لعلي حتى يكون له الرجوع، لفرض ان الكتاب كان مباحا لعلي لا انه ملك له (اتجه) جواب «نعم» (الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الاخرى) كالدينار، بان يرد محمد الدينار لعلى و يأخذ الكتاب- الّذي هو بدل الدينار- من الحسن (او عودها) اى العين الاخرى (الى مالكها) الّذي هو «علي» (بهذا النحو من العود) بان كان محمد أيضا واهبا الدينار للحسين، فعلي يسترد الدينار من الحسين

ص: 197

اذ لو عاد بوجه آخر كان حكمه حكم التلف.

و لو باع العين ثالث فضولا فاجاز المالك الاول على القول بالملك لم يبعد كون اجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة.

و لو اجاز المالك الثانى نفذ بغير اشكال و ينعكس الحكم

______________________________

و محمد يسترد الكتاب من الحسن (اذ لو عاد) اى العين الاخرى- كالدينار- الى علي (بوجه آخر) بان اشترى علي الدينار من الحسين مثلا- (كان حكمه حكم التلف) فلا يحق لمحمد ان يسترد الكتاب من الحسن، اذ لا يمكن لعلي ان يسترد ديناره من الحسين، فانه اشتراه منه قبل ذلك، و قد عرفت ان محمدا يحق له استرجاع الكتاب فيما اذا تمكن علي من استرجاع الدينار.

(و لو باع العين) المعاطاتية (ثالث فضولا) كما لو باع الكتاب الّذي عند علي العباس فضولا- بدون اجازه علي- (فاجاز المالك الاول) الّذي هو محمد (على القول بالملك) اى بافادة المعاطاة الملك- بأن افادت المعاطاة ملك علي للكتاب ملكا جائزا- (لم يبعد كون اجازته) اى اجازه محمد للبيع الفضولى (رجوعا) عن معاملته المعاطاتية- السابقة- (كبيعه) اى بيع محمد الكتاب (و سائر تصرفاته الناقلة) كالهبة المعوّضة و ما اشبه، اذ المعاطاة ملك جائز، فاذا باع محمد او اجرى عليه معاملة ناقلة او اجاز معا معاملة فضولية وقعت على الكتاب كان ذلك رجوعا منه الى الكتاب الّذي باعه من على معاطاة.

(و لو) باع العباس كتاب علي فضولة ثم (اجاز المالك الثانى) الّذي هو علي (نقذ) الفضولى (بغير اشكال) لأنه كان مالكا له فنفذ اجازته (و ينعكس الحكم) الّذي ذكرناه بقولنا فى المالك الاول: «لم يبعد» و فى المالك

ص: 198

اشكالا و وضوحا على القول بالإباحة و لكل منهما رده قبل اجازة الآخر، و لو رجع الاول فأجاز الثانى فان جعلنا الاجازة كاشفة لغى الرجوع و يحتمل عدمه لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ و يلغو الاجازة و ان جعلناها ناقلة

______________________________

الثانى: «نفذ بغير اشكال» (اشكالا) بالنسبة الى «على» (و وضوحا) بالنسبة الى «محمد» (على القول بالإباحة) فلو باع الفضولى الكتاب الّذي ابيح لعلي- بالمعاطات- فاجاز محمد «نفذ بلا اشكال» و لو اجاز علي «لم يبعد نقوذ اجازته» (و لكل منهما) اى من محمد و على فى مثال بيع العباس للكتاب فضولة (رده) اى رد المتعامل الفضولى (قبل اجازة الآخر) اما بعد الاجازة- على تقدير صحة الاجازة- فلا مورد للرد اذ نفذت الفضولية بعد لحوق الاجازة بها (و لو رجع الاول) اى محمد فى الكتاب الّذي باعه عباس- من عند علي- فضولية (فأجاز الثانى) اى علي للمعاملة الفضولية (فان جعلنا الاجازة كاشفة) عن صحة البيع فى محله (لغى الرجوع) الّذي اجراه محمد، اذ الاجازة من علي- و لو كان متأخرا عن رد محمد، زمانا- لحقت المعاملة الفضولية فى حين المعاملة فلا ينفع ردّ محمد و لو كان الرد سابقا على الاجارة (و يحتمل عدمه) اى عدم لغوية رجوع محمد، و انما يلغوا اجازة على (لأنه رجوع) من محمد (قبل تصرف الآخر) اى علي (فيفسد و يلغو الاجازة) من على، بعد ان ردّها محمد، و قوله: «و يلغو» عطف بيان ليفسد، و فى بعض النسخ:

«فينفذ الرجوع و يلغو الاجازة» (و ان جعلناها) اى الاجازة (ناقلة) من حين الاجازة- على الاختلاف الآتي فى باب الفضولي من ان الاجازة كاشفة

ص: 199

لغت الاجازة قطعا.

و لو امتزجت العينان او احداهما سقط الرجوع على القول بالملك، لامتناع التراد و يحتمل الشركة و هو ضعيف اما على القول بالإباحة، فالاصل بقاء التسلط على ماله الممتزج بمال الغير، فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به نعم لو كان المزج ملحقا له بالاتلاف جرى عليه حكم التلف و لو تصرف فى العين

______________________________

او ناقلة- و قوله: «و ان جعلناها» عطف على قوله: «فان جعلنا الاجازة» (لغت الاجازة) من علي (قطعا) لأن ردّ محمد سابق و قد بطلت الفضولية بردّه فلا موقع لاجازة على.

(و لو امتزجت العينان او احداهما) كما لو باع الدهن بالدبس معاطاة فامتزجا، او امتزج الدهن فقط- مثلا- (سقط الرجوع على القول به) افادة المعاطاة (الملك، لامتناع التراد) لأن الممتزج غير ممكن رده، (و يحتمل الشركة) بين صاحب الدهن- مثلا- و الشخص الّذي امتزج ماله بالدهن، فيصح التراد (و هو ضعيف) لأن القدر المتيقن من مورد الرجوع على القول بالملك- بقاء كل من العينين سالما- كما تقدم- (أما على القول به) افادة المعاطاة (الاباحة، فالاصل بقاء التسلّط) لصاحب الدهن الّذي اباحه للمشترى (على ماله الممتزج بمال الغير، فيصير المالك) للدهن فى المثال (شريكا مع مالك الممتزج به) مثلا: امتزج بالدهن العسل فصاحب الدهن يكون شريكا مع صاحب العسل (نعم لو كان المزج) بحيث يكون (ملحقا له) اى للمال الممزوج (بالاتلاف) كما لو امتزج سكره بماء كر بحيث لم يظهر طعم الحلاوة فى الماء (جرى عليه) اى على المال الممتزج (حكم التلف) فلا يصح الرجوع (و لو تصرف) احد المتعاطيين (فى العين

ص: 200

تصرفا مغيرا للصورة كطحن الحنطة و فصل الثوب فلا لزوم على القول بالإباحة و على القول بالملك ففى اللزوم وجهان مبنيان على جريان استصحاب جواز التراد.

و منشأ الاشكال ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى او حقيقى.

ثم انك قد عرفت مما ذكرنا انه ليس جواز الرجوع فى مسألة المعاطاة نظير الفسخ فى العقود اللازمة حتى يورث بالموت و يسقط بالاسقاط ابتداءً او فى ضمن المعاملة بل هو.

______________________________

تصرفا مغيرا للصورة) العرفية (كطحن الحنطة و فصل الثوب) اما التصرف المغير للصورة النوعية كحرق الخشب و ما اشبه، فهذا يعد فى العرف اتلافا (فلا لزوم على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة) لاستصحاب بقاء سلطته و حقه على المال المتغير (و على القول بالملك ففى اللزوم) للمعاطاة بسبب تغيير الصورة (وجهان مبنيان على جريان استصحاب التراد) فاذا قلنا بالاستصحاب لا نقول باللزوم. و ان لم نقل بالاستصحاب لزم القول باللزوم

(و منشأ الاشكال) و الاحتمالين (ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى) و عليه فالحنطة نفس الطحين عرفا فلا لزوم (او حقيقى) و عليه فالحنطة غير الطحين فالمعاطاة لازمة.

(ثم انك قد عرفت مما ذكرنا) من ان المعاطاة اما تفيد الملك المتزلزل او الاباحة (انه ليس جواز الرجوع فى مسألة المعاطاة نظير الفسخ فى العقود اللازمة) لأنها ليست كالعقود اللازمة (حتى يورث بالموت) فاذا مات المعاطاتى ورثه وارثه فى فسخ المعاطاة التى اجراها (و يسقط بالاسقاط ابتداءً) كان يقول المتعاطى: اسقطت حقى فى الرجوع (او فى ضمن المعاملة) بان يعاملا معاملة اخرى و يشترطا فى ضمن تلك المعاملة سقوط حقها فى الرجوع فى المعاطات (بل هو) اى الرجوع فى المعاطاة

ص: 201

على القول بالملك نظير الرجوع فى الهبة و على القول بالإباحة نظير الرجوع فى إباحة الطعام بحيث يناط الحكم فيه بالرضى الباطنى بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف.

فلو مات احد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع على القول به الملك للاصل لأن من له و إليه الرجوع هو المالك الاصلى و لا يجرى الاستصحاب.

و لو جن احدهما فالظاهر قيام وليه مقامه فى الرجوع على القولين

______________________________

(على القول بالملك نظير الرجوع فى الهبة) الجائزة الّذي هو استرجاع لملك الغير (و على القول بالإباحة نظير الرجوع فى إباحة الطعام) كما اذا اباح زيد لعمرو طعامه ثم قال: رجعت فيه، بل (بحيث يناط الحكم فيه) اى، فى كونه مباحا (بالرضى الباطنى بحيث لو علم كراهة الملك باطنا لم يجز له التصرف) فانه لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه و اذا كان المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا.

(فلو مات احد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع) فى ما اعطاه الطرف (على القول به) افادة المعاطاة (الملك للاصل) فان حق الرجوع شي ء لم يعلم ثبوته لوارثه (لأن من له و إليه الرجوع) اى له ان يرجع فيما اعطاه له (هو المالك الاصل) و الوارث ليس بمالك اصلى (و لا يجرى الاستصحاب) اى استصحاب بقاء الحق، لأن الوارث قبلا لم يكن له حق حتى يستصحب، و المالك الّذي كان له الحق لم يبق بل مات. اما على القول بالإباحة فالمال للمعطى، و كل ما كان للمعطى ينتقل الى وارثه و لا دليل على ان الموت يوجب نقل المال من الميت الى المعطى له.

(و لو جن احدهما فالظاهر قيام وليه مقامه فى الرجوع على القولين):

ص: 202

السابع: أن الشهيد الثانى ذكر فى المسالك وجهين فى صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف او معاوضة مستقلة.

قال: يحتمل الاول لأن المعاوضات محصورة و ليست احداها و كونها معاوضة برأسها يحتاج الى دليل و يحتمل الثانى لإطباقهم على انها ليست بيعا حال وقوعها فكيف يصير بيعا بعد التلف و تظهر الفائدة

______________________________

القول بالملك و القول بالإباحة، اما على الاباحة فلأنه ملك للمجنون و لا دليل على ان الجنون ينقل الملكية الى المعطى له، و من المعلوم ان حق التصرف فى الملك للولى، و اما على القول بالملك فلأن اسقاط الجنون لحق المجنون فى الارجاع خلاف الأصل فاذا ثبت الحق بالاستصحاب قام الولى مقامه فى هذا الحق (السابع: ان الشهيد الثانى ذكر فى المسالك وجهين) و احتمالين (فى صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف) حتى يجرى عليها احكام البيع (او معاوضة مستقلة) ليست بالمعاملات المتعارفة، و القاعدة فى مثل هذه المعاوضة ان لا تجرى عليها احكام المعاوضة المتعارفة، و انما تجرى الاحكام الكلية نحو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و المؤمنون عند شروطهم. و ما اشبه.

(قال) الشهيد (: يحتمل الاول) و كونها بيعا (لأن المعاوضات محصورة) فى الامور التى ذكرت فى الكتب الفقهية (و ليست) المعاطاة (احداها) فلا بد و ان تكون بيعا (و كونها معاوضة) مستقلة (برأسها يحتاج الى دليل) و لا دليل على ذلك. (و يحتمل الثانى) و انها معاوضة مستقلة (لإطباقهم) اى اتفاق الفقهاء (على انها ليست بيعا حال وقوعها) اى حال التعاطى (فكيف يصير بيعا بعد التلف) اذ لا دليل على ان التلف يصبغ المعاطاة بصبغة البيع (و تظهر الفائدة) فى كونها بيعا

ص: 203

فى ترتب الاحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن او بعضه و على تقدير ثبوته فهل الثلاثة من حين المعاطاة او من حين اللزوم كل محتمل.

و يشكل الاول بقولهم: انها ليست بيعا.

______________________________

او معاملة مستقلة (فى ترتب الاحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن) فى ضمن ثلاثة ايام (او بعضه) اى بعض الثمن، فانه ان كان بيعا كان للمشترى الخيار فى رد الحيوان و الرجوع الى الثمن مثلا او قيمته، و ان لم يكن بيعا لم يكن له الخيار، اذ لا دليل على ان كل مبادلة طرفها الحيوان يجرى فيها الخيار، و كذلك خيار المجلس فيما لو تلف فى المجلس. و هكذا (و على تقدير ثبوته) اى ثبوت خيار الحيوان فى المعاطاة لكونها بيعا (فهل الثلاثة) الايام التى هى ايام الخيار (من حين المعاطاة) حتى اذا كان التلف فى اليوم الثانى لم يكن له الخيار الّا فى يوم و بعض يوم و لو كان التلف بعد الثلاثة سقط الخيار لانقضاء الثلاثة (او من حين اللزوم) المحقق بتلف الثمن او بعضه فى اى وقت حصل التلف (كلّ) من كون الخيار من حين التلف، او من وقت المعاطات (محتمل) اما احتمال كونه من حين المعاطاة، لأنه وقت الانتقال، و الخيار يثبت من وقت النقل و الانتقال. و اما احتمال كونه من حين اللزوم فلأن الخيار انما يرفع اللزوم و المعاطاة قبلا لم تكن لازمة حتى تحتاج الى الخيار، بالإضافة الى ان المعاطاة قبل اللزوم لم تكن بيعا و خيار الحيوان انما هو فى البيع.

(و يشكل الاول) اى كونه من حين المعاطاة (بقولهم: انها ليست بيعا) فكيف يثبت الخيار فيما ليس ببيع.

ص: 204

و يشكل الثانى بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها.

اللهم الّا ان يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه و الاقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا بناء على انها ليست لازمة و انما يتم على قول المفيد و من تبعه و اما خيار العيب و الغبن فيثبتان على التقديرين كما ان خيار المجلس منتف انتهى

و الظاهر ان هذا تفريع على القول بالإباحة فى المعاطاة.

و اما على القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل

______________________________

(و) يشكل (الثانى) اى كونه من حين اللزوم (بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها) حتى يكون مبدأ الخيار، و مبدأ الخيار انما هو من حين المعاوضة.

(اللهم الّا ان يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه) فيتحقق بالتلف السبب فيكون ذلك وقت المعاوضة و مبدأ الخيار (و الاقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا) فى المعاطاة اصلا، (بناء على انها ليست لازمة) و ما لا لزوم له لا خيار فيه (و انما يتم) خيار الحيوان فى المعاطاة (على قول المفيد و من تبعه) من ان المعاطاة معاملة لازمة- كما تقدم- (و اما خيار العيب و الغبن) فى المعاطاة (فيثبتان على التقديرين) اى تقدير كون المعاطاة بيعا او معاملة مستقلة لأنهما ليسا خاصين بالبيع (كما ان خيار المجلس منتف) لأن مجلس المعاطاة لا لزوم له حتى يثبت الخيار و حال التلف ليس بمجلس المعاملة حتى يثبت الخيار (انتهى) كلام الشهيد.

(و الظاهر) من سياق كلام الشهيد (ان هذا) الكلام كله (تفريع على القول بالإباحة فى المعاطاة).

(و اما على القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل) كما قاله المحقق الثانى

ص: 205

فينبغى الكلام فى كونها معاوضة مستقلة او بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتى يتبعه حكمها بعد اللزوم اذ الظاهر انه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا اشكال فى ذلك عندهم على ما تقدم من المحقق الثانى فاذا لزم صار بيعا لازما فيلحقه احكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدى الّذي مبناه على اللزوم لو لا الخيار، و قد تقدم ان الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار

______________________________

(فينبغى الكلام فى كونها معاوضة مستقلة او بيعا متزلزلا قبل اللزوم) الّذي يتحقق بالتلف (حتى يتبعه حكمها) اى حكم المعاطاة (بعد اللزوم) و الحاصل، انه لو قلنا بافادة المعاطاة الاباحة صح ان يقال انها بعد التلف بيع او معاوضة مستقلة، و اما لو قلنا بافادة المعاطاة الملك المتزلزل فلا مجال لأن يقال انها بعد اللزوم بيع او معاوضة مستقلة، اذ الملك المتزلزل المتحقق قبل التلف هو نفس البيع فلا معنى لاحتمال كونها بيعا بعد اللزوم، و قد ذكر سبب قوله «فيلغى» بقوله: (اذ الظاهر انه) التعامل المعاطاتى (عند القائلين بالملك المتزلزل بيع) فلا وجه لاحتمال كونها بيعا بعد اللزوم (بل لا اشكال فى ذلك) اى فى كونها بيعا- عند القائل بالملك المتزلزل- (عندهم على ما تقدم من المحقق الثانى) و عليه (فاذا لزم) بتلف احد الطرفين (صار بيعا لازما) بعد ان كان بيعا جائزا (فيلحقه احكام البيع عدا ما استفيد من دليله) الضمير عائد الى «ما» و مصداق «ما» «الحكم» اى سوى الحكم الّذي استفيد من دليل ذلك الحكم (ثبوته للبيع العقدى الّذي مبناه) اى مبنى ذلك البيع (على اللزوم لو لا الخيار، و) ليس المعاطاة مما بنى على اللزوم لو لا الخيار لما (قد تقدم ان الجواز هنا) فى باب المعاطاة (لا يراد به ثبوت الخيار) بل الجواز ذاتى للمعاطاة كالجواز فى الهبة، ثم انه لا يخفى ان بعض المحشين

ص: 206

و كيف كان فالاقوى انها- على القول بالإباحة-: بيع عرفى لم يصححه الشارع و لم يمضه الا بعد تلف احدى العينين او ما فى حكمه و بعد التلف يترتب عليه احكام البيع عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من اوّل الامر.

و المحكى عن حواشى الشهيد ره ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة و الظاهر انه اراد التفريع على مذهبه من الاباحة

______________________________

صححوا عبارة المتن بما هو خلاف الظاهر من غير حاجة إليه- فراجع حواشى الشهيد «ره» و غيره- كما ان استظهار المصنف ما ذكره محل مناقشه.

(و كيف كان فالاقوى انها) اى المعاطاة (- على القول بالإباحة بيع عرفى لم يصحه الشارع و لم يمضه الا بعد تلف احدى العينين) اما انه بيع عرفى فلانا نرى العرف يحكمون عليها بأنها بيع و اما ان الشارع لم يمضه و ان الامضاء بعد التلف فلما تقدم من الدليل على ذلك (او ما فى حكمه) اى ما فى حكم التلف كالنقل اللازم و ما اشبه- مما قد سبق- (و بعد التلف يترتب عليه احكام البيع عدا ما) اى الحكم الّذي (اختص دليله) اى دليل ذلك الحكم (بالبيع الواقع صحيحا من اوّل الامر) كخيار المجلس و ما اشبه.

(و) الظاهر ان (المحكى عن حواشى الشهيد ره) من (ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة، و الظاهر انه اراد التفريع على مذهبه من الاباحة) يعنى ان المعاطاة بناء على القول بالإباحة معاوضة جائزة او لازمة

ص: 207

و كونها معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الاخرى لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفى فلا بد ان يقول بالإباحة اللازمة فافهم.

الثامن: لا اشكال فى تحقق المعاطاة المصطلحة- التى هى معركة الآراء بين الخاصة و العامة- بما اذا تحقق إنشاء التمليك او الاباحة بالفعل و هو قبض العينين اما اذا حصل بالقول غير الجامع لشرائط اللزوم فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي ء زائد على الانشاء اللفظى كما قويناه

______________________________

(و كونها معاوضة) اباحية (قبل اللزوم) الحاصل بالتلف (من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الاخرى) «من» متعلق ب «معاوضة» (لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك) لما عرفت سابقا من ان لزوم امر لا يلازم الملك بل المعاوضة لازمة من باب: المؤمنون عند شروطهم .. و ما اشبه (كما لا يخفى فلا بد ان يقول) الشهيد (بالإباحة اللازمة فافهم) فان القول بالإباحة اللازمة غير مألوف عندهم بل قد عرفت سابقا ان المعاطاة اما إباحة او ملك، و بعد التلف ملك.

(الثامن: لا اشكال فى تحقق المعاطاة المصطلحة- التى هى معركة الآراء) و مصب الافكار (بين الخاصة و العامة- بما اذا تحقق إنشاء التمليك او الاباحة بالفعل) خارجا (و هو قبض العينين) سواء كان القابض اصيلا او وكيلا (اما اذا حصل) التعاطى (بالقول) فقط (غير الجامع لشرائط اللزوم) كما اذا اجريا اللفظ غير العربى، او قدم القبول على الايجاب، او ما اشبه، مما قلنا باعتباره فى عقد البيع.

(فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم) فى البيع (بشي ء زائد على الانشاء اللفظى- كما قويناه سابقا) فالمعتبر فى العقد لفظ دال على الانشاء

ص: 208

بناء على التخلص بذلك عن اتفاقهم على توقف العقود اللازمة على اللفظ فلا اشكال فى صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما.

و ان قلنا بمقالة المشهور من اعتبار امور زائدة على اللفظ فهل يرجع ذلك الانشاء القولى الى حكم المعاطاة مطلقا او بشرط تحقق قبض العين معه أو لا يتحقق به مطلقا.

نعم اذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق

______________________________

فقط (بناء على التخليص بذلك) اى بانشاء اللفظ (من اتفاقهم على توقف العقود اللازمة على اللفظ) حتى انه لو لم يكن الاتفاق المذكور لقلنا بعدم الاحتياج الى اللفظ مطلقا، بل قد عرفت سابقا ان الترجيح مع هذا القول فان الاتفاق محصله غير حاصل و منقوله غير مقبول، فالاقوى ان المعاطاة الفعلية كالبيع فى جميع الامور (فلا اشكال فى صيرورة المعاملة بذلك) اى باللفظ غير الواجد لجميع الشرائط (عقدا لازما) لوجود الانشاء باللفظ فيه- و قد عرفت ان المعتبر هذا فقط-

(و ان قلنا بمقالة المشهور من اعتبار امور زائدة على اللفظ) فى انعقاد البيع كالعربية و تقديم الايجاب و الموالاة و ما اشبه (فهل يرجع ذلك الانشاء القولى) الّذي لم يقارنه التعاطى و لا شرائط العقد اللفظى (الى حكم المعاطاة مطلقا او بشرط تحقق قبض العين معه) فاذا كان لفظ و قبض كان فى حكم المعاطاة (او لا يتحقق به) اى بالانشاء (مطلقا) سواء قبض العين أم لا.

(نعم اذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده) اى بعد الانشاء اللفظى بان إنشاء أولا باللفظ، ثم لما اراد اعطاء العين لم يعطها اداء لما عليه و انما انشأ المعاطاة الفعلية (تحقق

ص: 209

المعاطاة فالانشاء القولى السابق كالعدم لا عبرة به و لا بوقوع القبض بعده خاليا عن قصد الانشاء بل بانيا على كونه حقا لازما لكونه من آثار الانشاء القولى السابق نظير القبض فى العقد الجامع للشرائط.

ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الاول تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين قال المحقق فى صيغ عقوده انه لو اوقع البيع بغير ما قلناه و علم التراضي منهما كان معاطاة.

______________________________

المعاطاة) بهذا الانشاء الفعلى المتأخر لا بالإنشاء اللفظى المتقدم (فالانشاء القولى السابق) على الاعطاء (كالعدم) اى كعدم الانشاء (لا عبرة به) لانه ليس جامعا للشرائط حتى يكون عقدا و لا مقترنا بالتعاطى حتى يكون المعاطاة (و لا) عبرة (بوقوع القبض بعده) اى بعد ذلك الانشاء (عن مقصد الانشاء بل) كان القبض (بانيا على كونه حقا لازما لكونه من آثار الانشاء القولى السابق) فهو وفاء لا إنشاء (نظير القبض فى العقد الجامع للشرائط) حيث ان هذا القبض ليس إنشاء مستقلا بل من آثار الانشاء السابق.

(ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الاول) اى رجوع ذلك الانشاء القولى الناقل للشرائط و للتعاطى الى حكم المعاطات (تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين قال المحقق فى) كتاب (صيغ عقوده) على ما حكى عنه- بعد ذكر الشروط المعتبرة فى الصيغة (انه لو اوقع البيع بغير ما قلناه) من الشرائط المقررة فى البيع (و علم التراضي منهما) بالتبادل (كان معاطاة) و اطلاقه شامل لما اذا اقترن بالتعاطى أم لا.

ص: 210

و فى الروضة فى مقام عدم كفاية الاشارة مع القدرة على النطق انها تفيد المعاطاة مع الافهام الصريح و ظاهر الكلامين صورة وقوع الانشاء بعد القبض بل يكون القبض من آثاره.

و ظاهر كثير كصريح جماعة منهم المحقق و العلامة بانه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه هو الوجه الاخير لان مرادهم بالعقد الفاسد اما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط، الصيغة كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة

______________________________

(و فى الروضة فى مقام عدم كفاية الاشارة مع القدرة على النطق) فى مسألة اجراء الصيغة، قال: (انها) اى الاشارة (تفيد المعاطاة مع الافهام الصريح) فاذا كانت الاشارة مفيدة للمعاطاة كانت الصيغة غير الجامعة للشرائط مفيدة للمعاطاة بطريق اولى (و ظاهر الكلامين) من المحقق و و الشهيد (صورة وقوع الانشاء) باللفظ (بعد القبض بل يكون القبض من آثاره) اى آثار الانشاء اللفظى السابق، هذا.

(و) لكن (ظاهر كثير) من الفقهاء (كصريح جماعة منهم المحقق و العلامة) حيث قالوا: (بانه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان) الشي ء المقبوض (مضمونا عليه) اى على القابض (هو الوجه الاخير) و ان الانشاء القولى الفاقد للشرائط، غير المقترن بالقبض لا يفيد بيعا و لا معاطاة (لان مرادهم بالعقد الفاسد اما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط الصيغة) كالعربية، و تقديم الايجاب على القبول و غيرهما (كما ربما يشهد به) اى بكون مرادهم اختلال شروط الصيغة (ذكر) المشهور (هذا الكلام) اى قولهم: «ما ابتاعه بالعقد الفاسد» (بعد شروط الصيغة و

ص: 211

و قبل شروط العوضين و المتعاقدين او ما يشمل هذا و غيره كما هو الظاهر.

و كيف كان فالصورة الاولى داخلة قطعا، و لا يخفى ان الحكم فيها بالضمان مناف لجريان حكم المعاطاة و ربما يجمع بين هذا الكلام و ما تقدم من المحقق و الشهيد الثانيين فيقال: ان موضوع المسألة- فى عدم

______________________________

و قبل شروط العوضين و) شروط (المتعاقدين) مثل شرط كون العوض مالا مملوكا، و كون العاقدين بالغين عاقلين- الى غيرها- (او) مرادهم بالعقد الفاسد (ما يشمل هذا) اى اختلال شروط الصيغة (و غيره) اى ما كان مختلا للشروط من جهة المتعاقدين او العوضين (- كما هو الظاهر) اى كون مرادهم الاعم من اختلال شروط الصيغة او العوضين و المتعاقدين

(و كيف كان) سواء كان مرادهم خصوص اختلال شروط الصيغة، او الاعم منه و من اختلال شروط العوضين و المتعاقدين (فالصورة الاولى) اى ما كان مختلا لشروط الصيغة (داخلة) فى قولهم: «لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد .. الخ» (قطعا، و لا يخفى ان الحكم فيها) اى فى الصورة الاولى (بالضمان) لما قبضه (مناف لجريان حكم المعاطات) اذ لو كان محكوما بحكم المعاطاة لم يكن ضمان (و) لكن (بما يجمع بين هذا الكلام) اى قولهم المقبوض بالعقد الفاسد يوجب الضمان (و) بين (ما تقدم من المحقق الشهيد الثانيين) حيث قالوا ان المقبوض بالعقد الفاسد فى حكم المعاطاة و الحاصل انه يجمع بين دعواه الاتفاق على ان المقبوض بالعقد الفاسد يوجب الضمان، و بين فتوى المحقق و الشهيد بأن المقبوض بالعقد الفاسد معاطاة- مما معناه عدم الضمان- (فيقال: ان موضوع المسألة فى عدم

ص: 212

جواز التصرف بالعقد الفاسد- ما اذا علم عدم الرضا الا بزعم صحة المعاملة فاذا انتفت الصحة انتفى الاذن لترتبه على زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير اذن و أكلا للمال بالباطل لانحصار وجه الحلّ فى كون المعاملة بيعا او تجارة عن تراض او هبة او نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض و الا و لان قد انتفيا بمقتضى الفرض و كذا البواقى للقطع- من جهة زعمهما صحة المعاملة- بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي ء فى المقابل فالرضا المقدم كالعدم فان تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد

______________________________

جواز التصرف بالعقد الفاسد-) مما ادعى عليه الاتفاق (ما اذا علم عدم الرضا الا بزعم صحة المعاملة) بان كان الرضا على نحو التقييد (فاذا انتفت الصحة انتفى الاذن) فى التصرف (لترتبه) اى الاذن (على زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير اذن و اكلا للمال بالباطل) فان الاذن المعاملى قد انتفى و الاذن غير المعاملى ليس بموجود (لانحصار وجه الحل فى كون المعاملة بيعا او تجارة عن تراض) غير البيع كسائر انحاء التجارة (او هبة او نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض) كالهدية و الضيافة و ما اشبه (و الاولان) اى البيع و التجارة (قد انتفيا بمقتضى الفرض) لأن المفروض فساد المعاملة (و كذا البواقى) اى الهبة و نحوها (للقطع- من جهة زعمهما صحة المعاملة- بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي ء فى المقابل)، «بعدم» متعلق ب: القطع، يعنى انا نقطع انهما لا يرضيان بان يكون مالها بلا بدل، اذ انهما يزعمان ان المعاملة صحيحة و ان كل مال بإزائه بدل، (فالرضا المقدم) الّذي كان موجودا بالتعامل (كالعدم) اذ لم يتحقق بسبب بطلان المعاملة (فان تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد)

ص: 213

و استمر رضاهما فلا كلام فى صحة المعاملة، و رجعت الى المعاطاة كما اذا علم الرضا من اوّل الامر باباحتهما التصرف باى وجه اتفق سواء صحت المعاملة او فسدت فان ذلك ليس من البيع الفاسد فى شي ء.

اقول: المفروض ان الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن الا إنشاء واحدا هو التمليك و من المعلوم ان هذا المقدار لا يوجب بقاء الاذن، الحاصل فى ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك.

______________________________

للمعاملة (و استمر رضاهما) الى زمان القبض بان كان قبضا عن إنشاء رضى معاطاتى (فلا كلام فى صحة المعاملة، و رجعت الى المعاطاة) و ذلك مثل المعاطاة الابتدائية (كما اذا علم الرضا من اوّل الامر باباحتهما التصرف بأى وجه اتفق سواء صحت المعاملة او فسدت) بان كان مقصودهما الوصول الى العوضين من كون مدخلية المعاملة فى نظرهما الا طريقا الى التوصل المذكور (فان ذلك) الرضا (ليس من البيع الفاسد فى شي ء) هذا غاية تقريب صحة التصرف بعد فساد المعاملة، و حيث ان هذا التقريب اشتمل على صحة التصرف أولا: من جهة حصول المعاطاة بالتراضى الجديد حيث قال: «فان تراضيا» و ثانيا: من جهة حصول المعاطاة بالتراضى الضمنى حال العقد حيث قال «كما اذا علم الرضا» اجاب المصنف عن الامرين فاجاب عن الثانى بقوله: «المفروض» و اجاب عن الاول بقوله: «و منه يعلم»

(اقول: المفروض ان الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن الا إنشاء واحدا هو التمليك) العقدى (و من المعلوم ان هذا المقدار) من التمليك (لا يوجب بقاء الاذن الحاصل فى ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك) اذ الاذن و الرضا كان مقيدا لا ان التمليك كان على نحو التعدد فى المطلوب فان من

ص: 214

و الموجود بعده ان كان إنشاء آخر فى ضمن التقابض خرج عن محل الكلام لأن المعاطاة حينئذ انما تحصل به لا بالعقد الفاقد للشرائط مع انك قد عرفت ان ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الاشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية و عن الشرائط لا بالتقابض الحاصل بعدهما و منه يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة

______________________________

يعامل معاملة لا يريد شيئين، و لا ينشأ إنشاءين حتى اذا فقد الانشاء المقيد بقى الانشاء المطلق (الموجود بعده) اى بعد التمليك (ان كان إنشاء آخر فى ضمن التقابض) بان تقولون: بان الانشاء المعاطاتى لم يحصل فى ضمن العقد الفاسد و انما حصل فى ضمن التقابض- فأثر (خرج عن محل الكلام) الّذي هو حصول الانشاء بالعقد (لأن المعاطاة حينئذ) اى حين كون انشائها بالتقابض (انما تحصل به) اى بالانشاء الجديد حال التقابض (لا بالعقد الفاقد للشرائط) و هذا خلاف كلام المصحح للمعاطاة بالعقد الفاسد فكيف يمكن ان ينسب هذا الكلام الى المصحح (مع انك قد عرفت ان ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الاشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية من الشرائط) فكيف يجمع بين كلامهما بالصحة و كلام المشهور بالفساد، بان كلامهم فى ما اذا لم يكن رضى، و كلامهما فيما اذا حدث الرضا بعد ذلك، اذ كلامهما فيما اذا كان الرضا بنفس العقد (لا بالتقابض الحاصل بعدهما) اى بعد الاشارة و بعد الصيغة الفاقدة للشرائط (و منه) اى مما ذكرنا من ان كلامهما فى حصول الرضا بنفس العقد- لا بأمر جديد- (يعلم فساد ما ذكره) الّذي اراد الجمع بين الكلام المشهور و بين كلامهما (من حصول المعاطاة

ص: 215

بتراض جديد بعد العقد غير مبنى على صحة العقد.

ثم ان ما ذكره من التراضي الجديد- بعد العلم بالفساد- مع اختصاصه بما اذا علما بالفساد دون غيره من الصور- مع ان كلام الجميع مطلق- يرد عليه ان هذا التراضي إن كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد فان كان لا على وجه المعاطاة بل كل منهما رضى بتصرف الآخر فى ماله من دون ملاحظة رضى صاحبه بتصرفه فى ماله فهذا ليس من المعاطاة بل هى إباحة مجانية من الطرفين تبقى ما دام العلم بالرضا و لا يكفى.

______________________________

بتراض جديد بعد العقد) اى تراض (غير مبنى على صحة العقد) و هذا جواب قوله: «فان تراضيا»، و انما يعلم ذلك، لانك علمت ان كلامهما فى التراضي الحاصل بالاشارة حال العقد، لا انه تراض جديد.

(ثم ان ما ذكره) الجامع (من التراضي الجديد- بعد العلم بالفساد) العقد (مع اختصاصه) اى هذا التراضي المتوقف على العلم بالفساد (بما اذا علما بالفساد دون غيره من الصور) بان قطعا بعدم الفساد، او شكا فيه، او ظنا، او وهما له (- مع ان كلام الجميع مطلق-) شامل لصورة العلم بالفساد و غيره (يرد عليه ان هذه التراضي إن كان تراضيا آخر) غير التراضي العقدى (حادثا بعد العقد فان كان) التراضي (لا على وجه المعاطاة بل كل منهما رضى بتصرف الآخر فى ماله من دون ملاحظة رضى صاحبه بتصرفه فى ماله) كان رضى محمد بتصرف على فى الكتاب من دون ملاحظة رضى على بتصرف محمد فى الدينار- و كذا العكس- حتى يكون الرضا ابتدائيا، لا رضا معاوضيا (فهذا ليس من المعاطاة بل هى إباحة مجانية من الطرفين) هذا اباح لذاك ماله، و ذاك اباح لهذا ماله (تبقى) هذه الاباحة المجانية (ما دام العلم بالرضا) فاذا انتفى العلم بالرضا انتفت (و لا يكفي

ص: 216

فيه عدم العلم بالرجوع لأنه كالإذن الحاصل من شاهد الحال و لا يترتب عليه اثر المعاطاة من اللزوم بتلف احدى العينين او جواز التصرف الى حين العلم بالرجوع و إن كان على وجه المعاطاة فهذا ليس الا التراضي السابق على ملكية كل منهما لمال الآخر و ليس ترضيا جديدا بناء على ان المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور خصوصا المحقق الثانى

______________________________

فيه) اى فى جواز التصرف المستند الى هذه الاباحة المجانية (عدم العلم بالرجوع) فاذا شك فى ان صاحبه رجع فى اذنه أم لا، لا يجوز له التصرف بعد ذلك، و انما لا يكفى عدم العلم بالرجوع (لأنه كالأذن الحاصل من شاهد الحال) لا يحقّ للمأذون ان يتصرف فى المال بعد الشك كما اذا كان صديقا لزيد و علم من شاهد الحال ان زيدا راض بان يتصرف فى داره ثم حدثت بينهما عداوة فانه اذا شك فى بقاء الاذن و عدمه لا يجوز له ان يتصرف فانه لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه، و المفروض انه شك فى طيب نفس زيد (و لا يترتب عليه) اى على هذا النحو من الاباحة و الاذن (اثر المعاطاة من اللزوم بتلف احدى العينين، او جواز التصرف الى حين العلم بالرجوع) فلا يمكن تصحيح قول المعاطاتى، بمثل هذا الاذن الاباحى (و إن كان على وجه المعاطاة) هذا شق لقوله: «فإن كان لا على وجه المعاطاة» (فهذا ليس الا التراضي السابق على ملكية كل منهما المال الآخر) «على» متعلق ب «التراضي» (و ليس ترضيا جديدا) اذ لا رضى جديد بالملك بعد العقد الفاسد (بناء على ان المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور) على ما استظهرناه سابقا خلافا لمن نسب إليهم من ان، مرادهم الاباحة (خصوصا المحقق الثانى) الّذي كان كلامه صريحا فى

ص: 217

فلا يجوز له ان يريد بقوله المتقدم- عن صيغ العقود- ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل فى المعاطاة التراضي الجديد الحاصل بعد العقد لا على الوجه المعاوضة.

و تفصيل الكلام ان المتعاملين بالعقد الفاقد بعض الشرائط اما ان يقع تقابضهما بغير رضى من كل منها فى تصرف الاخر بل حصل قهرا عليهما أو على احدهما

______________________________

التمليك و الحاصل ان الرضا بالتصرف اللاحق لا يلائم الملك و انما يلائم الملك الرضى العقدى السابق و ذلك لان الرضا اللاحق ليس على الوجه المعاوضة فالرضا المعاوضى المعاطاتى ليس بموجود الا حين العقد الفاسد (ف) ان المحقق الّذي يقول بالتمليك (لا يجوز له ان يريد بقوله المتقدم- عن صيغة العقود-) «عن» متعلق ب «المتقدم» (ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل فى المعاطاة) هذا مفعول قوله: لقوله» (للتراضى الجديد الحاصل بعد العقد لا على وجه المعاوضة) فتحصل ان الجامع قال بوجود الرضا- اللاحق على العقد الفاسد- و الشيخ اشكل عليه بانه ان اراد الرضا لا على وجه المعاطاة، فانه لا يترتب عليه اثر المعاطاة، و الحال ظاهر الشهيد و المحقق ان الرضا يؤثر اثر المعاطاة و ان اراد الرضا على وجه المعاطاة فانه لا رضى معاطاتى بعد العقد الفاسد و انما هو مقارن بالعقد فقط.

(و تفصيل الكلام ان المتعاملين بالعقد الفاقد) ذلك العقد (بعض الشرائط اما ان يقع تقابضهما) للمالين (بغير رضى كل منهما فى تصرف الآخر بل حصل) التقابض (قهرا عليهما) كما لوند ندما بعد العقد و ودا لو لم يعقدا ذلك العقد (او) قهرا (على احدهما) بان لم يرض احدهما

ص: 218

و اجبارا على العمل بمقتضى العقد فلا اشكال فى حرمة التصرف فى المقبوض على هذا الوجه و كذا اذا وقع على وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما على ملكية الآخر اعتقادا او تشريعا كما فى كل قبض وقع على هذا الوجه لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية مأخوذة فى الرضا ينتفى بانتفائها فى الواقع كما فى نظائره.

______________________________

بالتقابض لانه ندم على ما فعل (و اجبارا على العمل بمقتضى العقد) حتى انه لو لم يكن عقد سابقا لم يعقد حالا (فلا اشكال) حينئذ سواء كان الكره من كليهما او من احدهما (فى حرمة التصرف فى القبوض على هذا الوجه) الكرهى اذ المفروض ان العقد فاسد و الرضا ليس بحاصل (و كذا اذا وقع) التقابض (على وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما على ملكية الآخر) بان كان الرضا مقيدا و الا لم يكن راضيا (اعتقادا) بان العقد صحيح (او تشريعا) كالغاصب الّذي يقبض ما اشتراه و يعطى ما باعه، فان قبضه و اقباضه انما يكون على وجه الرضا الناشئ من بناءه ملكية الطرف تشريعا- بحيث انه لو لا ذلك التشريع لم يكن راضيا فيما اذا ندم على المعاملة- (كما فى كل قبض وقع على هذا الوجه) اى وجه الرضا المقيد (لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما قبضه جهة تقييدية مأخوذ فى الرضا) فالرضا مقيد بكون المال مستحقا للغير (ينتفى) الرضا (بانتفائها) اى بانتفاء هذه الجهة التقييدية (فى الواقع) متعلق «بانتفائها» (كما فى نظائره) اى نظائر هذا المقام مما كان الرضا مقيدا بقيد فرضى الشخص بناء على ذلك القيد فانه اذا لم يكن القيد فى الواقع انتفى الرضا أيضا.

ص: 219

و هذان الوجهان مما لا اشكال فيه فى حرمة التصرف فى العوضين كما انه لا اشكال فى الجواز اذا اعرضا عن اثر العقد و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد و اما ان وقع الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه على استحقاقه بالعقد السابق و لا قصد لانشاء تمليك بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة بحيث لولاها كان الرضا أيضا موجودا و كان المقصود الاصلى من المعاملة التصرف و اوقعا العقد الفاسد وسيلة له و يكشف عنه انه لو سئل كل منهما من رضاه بتصرف صاحبه على تقدير عدم التمليك

______________________________

(و هذان الوجهان) اى كون التقابض بغير الرضا و التقابض بالرضا المقيد بالجهة المذكورة (مما لا اشكال فيه فى حرمة التصرف فى العوضين) فيما اذا تحقق احد الوجهين (كما انه لا اشكال فى الجواز) اى جواز التصرف فى العوضين (اذا اعرضا عن اثر العقد) بان لم يكن التقابض مستندا الى اثر العقد (و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون) التقابض الحالى (معاطاة صحيحة عقب عقد فاسد) فلا اثر للعقد الفاسد اصلا (و اما ان وقع الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه) اى ابتناء الرضا (على استحقاقه) اى التقابض (بالعقد السابق) كالقسم الاول (و لا قصد لانشاء تمليك) جديد كالقسم الثانى (بل وقع) التقابض (مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة) بسبب العقد (بحيث لولاها) اى الملكية (كان الرضا أيضا موجودا) لأن الطرفين احتاجا الى الملكين فرضيا رضا مطلقا سواء قارن الملك أم لا، فلم يكن الرضا على وجه التقييد (و كان المقصود الاصلى من المعاملة التصرف) فى المالين (و اوقعا العقد الفاسد وسيلة له) اى للتصرف (و يكشف عنه) اى عن ان مقصودهما التصرف (انه لو سئل منهما من رضاه بتصرف صاحبه على تقدير عدم التمليك) فيقال للبائع- مثلا-: هب ان الملك لم يحصل لك، فهل ترضى

ص: 220

او بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضيا. فادخال هذا فى المعاطاة يتوقف على امرين:

الاول كفاية هذا الرضا المركوز فى النفس بل الرضا الشأنى لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا فى نظره.

و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره الى هذا و لعله لصدق طيب النفس على هذا الامر المركوز فى النفس.

______________________________

انت بتصرف المشترى فى متاعك؟ (او بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضيا) و اظهر الرضا بالتصرف (فادخال هذا) القسم و هو الرضا المطلق (فى المعاطاة يتوقف على امرين) قوله: «فادخال» جواب «و اما ان وقع»

(الاول كفاية هذا) القسم من (الرضا المركوز فى النفس بل الرضا الشأنى) الّذي ليس فعلا مركوزا- و انما كان بحيث لو التفت رضى- و انما قلنا انه شأنى (لأن الموجود بالفعل) فى نفس المتعاطى (هو رضاه من حيث كونه مالكا فى نظره) اى نظر نفسه فان البائع انما يرضى بتصرف المشترى من حيث كونه مالكا لا من حيث ان البائع هو المالك و انما رضى تصرف المشترى من باب الاباحة له.

(و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك) الرضا المركوز فى النفس (و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره) عن المحقق الثانى بقوله ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل فى المعاطاة (الى هذا) الّذي ذكرناه من الرضا الارتكازى، و لعل المراد من الكلام المتقدم، ما تقدم من الجامع من انه اذا علم من الرضا اوّل الامر باباحتهما التصرف باى وجه اتفق (لصدق طيب النفس على هذا الامر) اى الرضا (المركوز فى النفس) فيشمله المستثنى فى قوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه، بل يشمله أيضا قوله

ص: 221

الثانى: انه لا يشترط فى المعاطاة إنشاء الاباحة او التمليك بالقبض، بل و لا بمطلق الفعل بل يكفى وصول كل من العوضين الى المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله او بعده على الوجه المذكور.

و فيه اشكال من ان ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلى كما ينبئ عنه قول العلامة فى رد «كفاية المعاطاة فى البيع» ان الافعال قاصره عن افادة المقاصد و كذا استدلال المحقق الثانى على عدم لزومها بان الافعال ليست كالاقوال فى صراحة الدلالة و كذا ما تقدم من الشهيد رحمه الله فى

______________________________

تعالى: تجارة عن تراض، اذا قلنا بصدق التجارة على ذلك.

(الثانى: انه لا يشترط فى المعاطاة إنشاء الاباحة او التمليك بالقبض، بل و لا) يشترط (بمطلق الفعل) الصادر من الطرفين (بل يكفى وصول كل من العوضين الى المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله) اى قبل وصول العوضين (او بعده على الوجه المذكور) و قد حصل فيما نحن الوصول، و الرضا فهو داخل فى المعاطاة.

(و فيه) اى فى هذا الثانى (اشكال من) جهة (ان ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلى) فما لا فعل فيه لا يكون معاطاة (كما ينبئ عنه) اى عن اعتبار العقد الفعلى فى المعاطاة (قول العلامة فى رد «كفاية المعاطاة فى البيع» ان الافعال قاصرة عن افادة المقاصد) فالظاهر منه ان الكلام فيما اذا كان هناك فعل (و كذا استدلال المحقق الثانى على عدم لزومها) اى لزوم المعاطاة (بان الافعال ليست كالاقوال، فى صراحة الدلالة) فان ظاهره ان يكون هناك فعل، فما ليس فيه فعل ليس محل كلامهم فى المعاطاة (و كذا ما تقدم من الشهيد) الاول (رحمه الله فى

ص: 222

قواعده من ان الفعل فى المعاطاة، لا يقوم مقام القول و انما يفيد الاباحة الى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة فى ان محل الكلام هو الانشاء الحاصل بالتقابض و كذا كلمات العامة فقد ذكر بعضهم ان البيع بالايجاب و القبول و بالتعاطى.

و من ان الظاهر ان عنوان التعاطى فى كلامهم لمجرد الدلالة على الرضا و ان عمدة الدليل على ذلك هى السيرة- و لذا تعدوا الى ما ذا لم يحصل الا قبض احد العوضين و السيرة موجودة فى المقام.

______________________________

قواعده من ان الفعل فى المعاطاة، لا يقوم مقام القول و انما يفيد الاباحة) فانه انما يكون فى مقام كان فيه فعل (الى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة فى ان محل الكلام هو الانشاء الحاصل بالتقابض) فالثانى الّذي هو كفاية الوصول و الرضا بدون الفعل غير تام (و كذا كلمات العامة) ظاهرة فى اشتراط الفعل فى صدق المعاطاة (فقد ذكر بعضهم ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطى) و من المعلوم ان التعاطى فعل، هذا كله وجه الاشكال فى صدق المعاطاة بمجرد الوصول و الرضا (و من ان الظاهر) هذا وجه عدم الاشكال، و شق آخر لقوله: «من ان ظاهر محل النزاع» (ان عنوان التعاطى فى كلامهم) انما هو (لمجرد الدلالة على الرضا) من التعاطى لا ان للتعاطى و التقابض موضوعية، فاذا حصل الرضا بدون التعاطى كفى فى صدق المعاطاة (و ان عمدة الدليل على ذلك) التعاطى (هى السيرة- و لذا تعدوا) اى الفقهاء من صورة التعاطى من الجانبين (الى ما ذا لم يحصل الا قبض احد العوضين-) فانه لا تعاطى فيه، و انما تعدوا للملاك (و السيرة موجودة فى المقام) اى المقام الّذي فيه وصول و رضى، و ان لم يكن تعاط و قوله: «و السيرة» مربوط بقوله: «هى

ص: 223

فان بناء الناس على اخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين اربابها مع عدم حضورهم و يضعون الفلوس فى الموضع المعد له و على دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس فى كوز الحمامى فالمعيار فى المعاطاة وصول المالين او احدهما مع التراضي بالتصرف و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة

______________________________

السيرة» و قوله: «و لذا .. الخ» جملة معترضة (فان بناء الناس على اخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين اربابها) اى ارباب هذه الجزئيات (مع عدم حضورهم) اى عدم حضور ارباب الدكاكين (و يضعون الفلوس فى الموضع المعد له) اى المعدّ للفلس (و) كذا بنى الناس (على دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس فى كوز الحمامى) فان ذلك كله يكشف عن وجود السيرة بكفاية الرضا و اذا كفى الوصول بدون الفعل اذا اقترن الوصول بالرضا (فالمعيار فى المعاطاة وصول المالين او احدهما مع التراضي) من الجانبين (بالتصرف) و بهذا يتم «الثانى» أيضا و (و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة) لانه يصدق طيب النفس الّذي هو معيار الحلية اما الملكية فمشكل لما عرفت سابقا.

ص: 224

مقدمة فى خصوص الفاظ عقد البيع.

[اعتبار اللفظ في العقود و كفاية الإشارة أو الكتابة مع العجز عن التلفظ]

قد عرفت ان اعتبار اللفظ فى البيع بل فى جميع العقود مما نقل عليه الاجماع و تحققت فيه الشهرة العظيمة مع الاشارة إليه فى بعض النصوص لكن هذا يختص بصورة القدرة اما مع العجز عنه كالاخرس فمع عدم القدرة على التوكيل لا اشكال و لا خلاف فى عدم اعتبار اللفظ و قيام الاشارة مقامه و كذا مع القدرة على التوكيل لا لأصالة عدم وجوبه كما قيل لأن الوجوب بمعنى الاشتراط

______________________________

(مقدمة) لمبحث شروط العوضين و البائعين و شروط العقد.

(فى خصوص الفاظ عقد البيع) اى خصوصياتها من حيث الهيئة و المادة (قد عرفت ان اعتبار اللفظ فى البيع بل فى جميع العقود مما نقل عليه الاجماع) و إن كان محل مناقشة كبرى و صغرى (و تحققت فيه الشهرة العظيمة مع الاشارة إليه) اى الى اعتبار اللفظ (فى بعض النصوص) و هو قوله عليه السلام يحلل الكلام و يحرم الكلام (لكن هذا) الاعتبار للفظ (يختص بصورة القدرة) على اللفظ (اما مع العجز عنه كالاخرس) و من لا يقدر على التكلم لآفة عارضة (فمع عدم القدرة على التوكيل لا اشكال و لا خلاف فى عدم اعتبار اللفظ) حتى فى النكاح (و قيام الاشارة مقامه) اى مقام اللفظ (و كذا مع القدرة على التوكيل) فانه تكفى اشارة الاخرس و ان قدر على ان يوكل غيره فى اجراء لفظ العقد (لا لأصالة عدم وجوبه) اى التوكيل (كما قيل) اى استدل لعدم اشتراط اللفظ فى الاخرس على التوكيل، باصالة عدم وجوب اللفظ بالنسبة إليه لكن هذا الاصل غير تام (لأن الوجوب) للفظ (بمعنى الاشتراط) اذ معنى الوجوب و الحرمة فى الاجزاء و الشرائط فى باب المركبات و العقود، هو

ص: 225

كما فى ما نحن فيه هو الاصل بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ فى طلاق الاخرس فان حمله على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر مع ان الظاهر عدم الخلاف فى عدم الوجوب.

ثم لو قلنا بان الاصل فى المعاطاة اللزوم- بعد القول بإفادتها للملكية فالقدر المخرج صورة قدرة المتابعين على مباشرة اللفظ.

______________________________

الاشتراط و الفساد بدون وجود الشرط و الجزء، فان الاوامر و النواهى فى المركبات و فى العقود تفيد الوضع، كما حقق فى محله (كما فى ما نحن فيه) من العقد للاخرس (هو الاصل) لاصالة الفساد بدون اللفظ، اذ كلما شك فى تحقق العقد كان الاصل عدمه، كالاخرس اذا و كل كان عقده صحيحا قطعا اما اذا اشار و شك فى ان اشارته تكفى أم لا، فالاصل عدم حصول النقل و الانتقال (بل) انما نقول بعدم اعتبار توكيل الاخرس مع القدرة عليه (لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ فى طلاق الاخرس) فاذا لم يعتبر اللفظ فى الطلاق الّذي هو من باب الفروج التى احرز من الشارع كمال الاهمية لها فعدم الاعتبار فى البيع و نحوه بطريق اولى (ف) ان قلت: لعل عدم اعتبار اللفظ فى الطلاق انما هو فى صورة عدم قدرة الاخرس على التوكيل، قلت:

(ان حمله) اى النص (على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر) اذ الغالب تمكن الاخرس من التوكيل، فلا وجه لمثل هذا الحمل (مع ان الظاهر عدم الخلاف فى عدم الوجوب) اى عدم وجوب التوكيل حتى فى صورة تمكنه من التوكيل.

(ثم لو قلنا بان الاصل فى المعاطاة للزوم- بعد القول بإفادتها للملكية-) بان لم نقل بانها تفيد الاباحة، و لا الملك المتزلزل (فالقدر المخرج) من اللزوم (صورة قدرة المتابعين على مباشرة اللفظ) ففى هذه

ص: 226

و الظاهر أيضا كفاية الكتابة مع العجز عن الاشارة لفحوى ما ورد من النص على جوازها فى الطلاق مع ان الظاهر عدم الخلاف فيه و اما مع القدرة على الاشارة فقد رجح بعض الاشارة و لعله لأنها اصرح فى الانشاء من الكتابة و فى بعض روايات الطلاق ما يدل على العكس

______________________________

الصورة لا لزوم، اما اذا لم يقدرا على اللفظ فهو باق تحت اصل اللزوم، و ان كانا قدرا على التوكيل.

و قوله: «ثم» .. الخ انما يريد بذلك تاييد كون الاخرس يحتاج، الى التوكيل و ان قدر عليه فان الاجماع على احتياج العقود اللازمة الى اللفظ منتفى فى مثل الاخرس اذ المشهور ذكروا كفاية اشارته حتى مع القدرة على التوكيل.

(و الظاهر أيضا) من اطلاق النص اى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه الشامل لكل ما يصدق عليه انه عقد (كفاية الكتابة مع العجز عن الاشارة) كما لو كان هناك حائل يمنع عن مشاهدة الاشارة، او كانت الاشارة معرض خطر- مثلا- او ما اشبه ذلك، فانه يصدق على الكتابة العقد عرفا بالإضافة الى ما ذكره رحمه الله- من قوله (لفحوى ما ورد من النص على جوازها) اى الكتابة (فى) باب (الطلاق) فانه اذا جاز الطلاق بالكتابة مع اهمية الطلاق فبالاولى جازت الكتابة فى مثل البيع الّذي هو اقل اهمية من الطلاق (مع ان الظاهر عدم الخلاف فيه) و انه يتأتى بالكتابة فى صورة العجز عن الاشارة (و اما مع القدرة على الاشارة) فهل تكفى الكتابة أم لا؟ (فقد رجع بعض الاشارة) على الكتابة (و لعله لأنها) اى الاشارة (اصرح فى الانشاء من الكتابة، و فى بعض روايات الطلاق ما يدل على العكس) بتقديم الكتابة على

ص: 227

و إليه ذهب الحلى هناك.

ثم الكلام فى الخصوصيات المعتبرة فى اللفظ

تارة يقع فى مواد الالفاظ من حيث افادة المعنى بالصراحة و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية

______________________________

الاشارة (و إليه) اى العكس (ذهب الحلى هناك) فى باب الطلاق و ما ورد من الكتابة فى باب الطلاق فكخبر يونس فى رجل اخرس كتب فى الارض بطلاق امرأته، قال عليه السلام: اذا فعل ذلك فى قبل الطهر بشهود و فهم عنه كما يفهم عن مثله و يريد الطلاق جاز طلاقه على السنة» و كصحيح. ابى، بصير، قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة، فيصمت و لا يتكلم؟ قال عليه السلام اخرس؟ قلت: نعم قال: يعلم منه بغض لامرأته و كراهته لها؟ قلت: نعم، يجوز ان يطلق عنه وليه؟ قال عليه السلام: لا، و لكن يكتب و يشهد على ذلك، قلت: اصلحك الله، لا يكتب و لا يسمع كيف يطلقها؟

قال: بالذى يعرف من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها او بغضه لها.

و لا يخفى ان الرواية الثانية دلت على تقديم الكتابة على الاشارة اللّهم الا ان يناقش بان الطلاق يحتاج الى الكتابة فلذا قدم على الاشارة فليس المناط معلوما حتى يتعدى منه الى البيع بان يقال ان الكتابة فى البيع أيضا مقدمة على الاشارة.

(ثم الكلام فى الخصوصيات المعتبرة فى اللفظ تارة يقع فى مواد الفاظ) كمادة «ب ى ع» و «م ل ك» (من حيث افادة المعنى) البيعى (بالصراحة) مما لا يحتمل الخلاف (و الظهور) ما يحتمله (و الحقيقة و المجاز و الكناية) و هى قسم من المجاز الّذي كانت علاقته التلازم بذكر اللازم و إرادة اللزوم مثل «كثير الرماد» و «مهزول الفصيل» و «جبان الكلب» كناية عن

ص: 228

و من حيث اللغة المستعملة فى معنى المعاملة.

و اخرى فى هيئة كل من الايجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية و كونه بالماضى.

و ثالثة فى هيئة تركيب الايجاب و القبول من حيث الترتيب و الموالاة.

اما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات قال فى التذكرة: الرابع من شروط الصيغة التصريح فلا يقع بالكناية مع النية مثل قوله ادخلته فى ملك، او جعلته لك، او خذه منى او سلطتك عليه بكذا عملا باصالة بقاء الملك

______________________________

الكرم و هكذا (و من حيث اللغة المستعملة فى معنى المعاملة) و هل انه يشترط ان يكون بلغة العرب أم يكفى سائر اللغات

(و اخرى فى هيئة كل من الايجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية) لا بالجملة الاسميّة نحو: «البيع صادر منى» (و كونه بالماضى) كبعت لا ابيع.

(و ثالثة: فى هيئة تركيب الايجاب و القبول من حيث الترتيب) بتقديم الايجاب على القبول (و الموالاة) بالتتابع بان لا يكون فصل معتد به بين الايجاب و القبول.

(اما الكلام من حيث المادة فالمشهور) بين الفقهاء (عدم وقوع العقد بالكنايات) سواء كانت كناية قريبة أم بعيدة (قال فى التذكرة: «الرابع من شروط الصيغة التصريح) بالصيغة (فلا يقع) العقد (بالكناية مع النية) اما بدون النية فلا اشكال فى عدم الوقوع (مثل قوله: ادخلته فى ملك، او جعلته لك، او خذه منى او سلطتك عليه بكذا) من المال، و انما نقول بعدم وقوع العقد بالكناية (عملا باصالة بقاء الملك) فى سلطة مالكه ما لم يخرجه بلفظ صريح

ص: 229

و لأن المخاطب لا يدرى بم خوطب.

و زاد فى غاية المراد على الأمثلة مثل قوله: اعطيتكه بكذا او تسلط عليه بكذا و ربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة فى الصيغة فلا ينعقد بالمجازات، حتى صرح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد.

و المراد بالتصريح كما يظهر من جماعة من الخاصة و العامة فى باب الطلاق و غيره ما كان موضوعا بعنوان ذلك العقد لغة او شرعا و من الكناية ما افاد لازم ذلك العقد- بحسب الوضع- فيفيد إرادة نفسه بالقرائن و هى.

______________________________

(و لأن المخاطب لا يدرى بم خوطب) فلا يقبل العقد، و اذا لم يكم قبول لم يكن بيع.

(و زاد) على العلامة (فى غاية المراد على الأمثلة) المذكورة (مثل قوله:

اعطيتكه بكذا او تسلط عليه بكذا) من الثمن (و ربما يبدل) هذا الشرط- اى عدم كونه كناية- (باشتراط الحقيقة) فى قبال المجاز (فى صيغة فلا ينعقد) البيع (بالمجازات، حتى صرح بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد) فى عدم الانعقاد، فالمجاز القريب مثل قوله: هذا لك، فان كونه له لازم ان يكون ادخله البائع فى ملكه، و المجاز البعيد مثل قوله: لا يتصرف احد فى مالك، و يشير الى السلعة.

(و المراد بالتصريح كما ظهر من جماعة من الخاصة و العامة فى باب الطلاق و غيره- كان) من الالفاظ (موضوعا بعنوان ذلك العقد) الّذي، يريدون اجرائه: كعقد البيع و الرهن و الاجارة، و ما اشبه (لغة او شرعا و) المراد (من الكناية ما افاد لازم ذلك العقد- بحسب الوضع-) اى ان اللفظ له لازم وضعى فى مقابل اللازم العقلى (فيفيد) اللازم المأتى به (إرادة نفسه) اى نفس العقد، افادة (بالقرائن) الحالية و المقالية (و هى) اى القرائن

ص: 230

على قسمين عندهم جلية و خفية.

و الّذي يظهر من النصوص المتفرقة فى ابواب العقود اللازمة و الفتاوى المتعرضة لصيغها فى البيع بقول مطلق و فى بعض انواعه و فى غير البيع من العقود اللازمة هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفى معتد به فى المعنى المقصود فلا فرق بين قوله بعت و ملكت، و بين قوله: نقلت الى ملكك او جعلته ملكا لك بكذا او هذا هو الّذي قواه جماعة من متأخرى المتأخرين.

______________________________

(على قسمين عندهم جلية) بحيث اذا كانت ظهرت إرادة الملزوم ظهورا واضحا (و خفية) ليست بتلك المنزلة الظاهرة.

(و الّذي يظهر من النصوص المتفرقة فى ابواب العقود اللازمة) مقابل العقود الجائزة التى يصح فسخها (و) يظهر من (الفتاوى المتعرضة لصيغها) اى صيغ العقود اللازمة (فى البيع بقول مطلق) اى مطلق اقسام البيع كالنقد و السلم و النسيئة (و فى بعض انواعه) كالسلم فقط. او المرابحة- مثلا- (و فى غير البيع من العقود اللازمة) كالاجارة مثل (هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفى معتد به) عتد العقلاء (فى المعنى المقصود) لدى العاقدين و «فى» متعلق ب «ظهور» (فلا فرق) فى صحة اجراء العقد (بين قوله: بعت و ملكت، و بين قوله: نقلت الى ملكك او جعلته ملكا لك بكذا) من الثمن و الا و لان حقيقة، و الآخر ان كناية، لكن لما كان الظهور موجودا فيهما كفيا فى اجراء البيع بهما (و هذا) الّذي ذكرنا من كفاية الظهور و لو كان مجازا و كناية (هو الّذي قواه جماعة من متأخرى المتأخرين) و قد اراد المصنف من قوله:

«و الفتاوى» رد من نسب الى المشهور عدم تجويزهم بالكناية كما ان المراد من النصوص ما ورد من النصوص بذكر الالفاظ للمعاملة فان بعض الالفاظ الواردة فيها حقيقة، و بعض الالفاظ مجاز كما لا يخفى لمن راجعها.

ص: 231

و حكى عن جماعة ممن تقدمهم كالمحقق. على ما حكى عن تلميذه كاشف الرموز انه حكى عن شيخه المحقق: ان عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و انه اختاره أيضا.

و حكى عن الشهيد فى حواشيه: انه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل:

اسلمت أليك و عاوضتك و حكاه فى المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين، بل هو ظاهر العلامة فى التحرير حيث قال: ان الايجاب اللفظ الدال على النقل مثل: بعتك او، ملكتك او ما يقوم مقامها و نحوه المحكى عن التبصرة و الارشاد و شرحه لفخر الاسلام فاذا كان الايجاب هو اللفظ الدال على النقل فكيف لا ينعقد بمثل نقلته الى ملك او

______________________________

(و حكى عن جماعة ممن تقدمهم) اى تقدم متأخرى المتأخرين (كالمحقق على ما حكى عن تلميذه كاشف الرموز انه حكى عن شيخه المحقق: ان عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و انه) اى كاشف الرموز (اختاره) اى مقالة المحقق (أيضا).

(و حكى عن الشهيد فى حواشيه: انه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل اسلمت أليك) المال بكذا من الثمن (و عاوضتك) و ما اشبه (و حكاه فى المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين، بل هو) اى الاكتفاء بكل لفظ له ظهور و إن كان مجازا (ظاهر العلامة فى التحرير حيث قال: ان الايجاب) هو (اللفظ الدال على النقل مثل: بعتك او ملكتك او ما يقوم مقامها) فان المجاز أيضا يدل على النقل و يقوم مقام اللفظين (و نحوه المحكى عن التبصرة و الارشاد و شرحه لفخر الاسلام) ابن العلامة.

(فاذا كان الايجاب هو اللفظ الدال على النقل) كما ذكره العلامة و غيره- فيما تقدم من عبائرهم- (فكيف لا ينعقد بمثل: نقلته الى ملكك، او

ص: 232

جعلته ملكا لك بكذا بل قد يدعى انه ظاهر كل من اطلق اعتبار الايجاب و القبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ و اتباعه و قد حكى عن الاكثر تجويز البيع حالا بلفظ السلم و صرح جماعة أيضا فى بيع لتولية بانعقاده، بقوله: وليتك العقد، او وليتك السلعة و التشريك فى المبيع بلفظ شركتك و عن المسالك فى مسألة تقبيل احد الشريكين فى النخل حصة صاحبه بشي ء معلوم من الثمرة

______________________________

جعلته ملكا لك بكذا) من الثمن؟، أ ليس اللفظان دالين على النقل (بل قد يدعى انه) اى ان اللفظ الدال على النقل كاف فى الايجاب (ظاهر كل من اطلق اعتبار الايجاب و القبول فيه) اى فى العقد (من دون ذكر لفظ خاص) يعنى لم يذكر لفظا خاصا للايجاب، فان الاطلاق شامل لكل لفظ له ظهور فى النقل و إن كان مجازا (كالشيخ و اتباعه) الذين اطلقوا و لم يذكر لفظا خاصا (و قد حكى عن الاكثر تجويز البيع حالا) نقدا (بلفظ السلم) كأن يقول: اسملتك المال فى مقابل دينار، مع ان السلم انما هو فى مقابل النسيئة، بأن يعطى الثمن و يؤجل المثمن، فهو مجاز بالنسبة الى الحال (و صرح جماعة أيضا فى بيع التولية) بان لم يأخذ البائع ربحا و لم يخسر خسارة، و انما اعطى السلعة بنفس الثمن الّذي اشتراها به كما لو اشترى المال بالف فاعطاه بالف أيضا (بانعقاده) اى بيع التولية (بقوله: وليتك العقد او وليتك السلعة) مع ان وليتك ليس لفظا حقيقة للبيع و انما له ظهور فيه- مجازا- (و التشريك فى المبيع) بان يبيعه بعض المال، لاكله (بلفظ: شركتك) مع انه ليس حقيقة فى البيع، و انما هو مجاز ظاهر (و عن المسالك فى مسألة تقبيل احد الشريكين فى النخل حصة صاحبه بشي ء معلوم من الثمرة) كما لو كان شريكان فى نخيل فقال احدهما لآخر آخذ منك الف رطل من التمر

ص: 233

ان ظاهر الاصحاب جواز ذلك بلفظ التقبيل مع انه لا يخرج عن البيع او الصلح او معاملة ثالثة لازمة هذا ما حضرنى من كلماتهم فى البيع.

و اما فى غيره فظاهر جماعة فى القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه بقوله: تصرف فيه، او انتفع به و عليك رد عوضه او خذه بمثله و اسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله فى البيع من الكنايات مع ان القرض من العقود اللازمة على حسب لزوم البيع و الاجارة.

______________________________

مقابل حصتى، سواء زادت عن الحصة او نقصت (ان ظاهر الاصحاب جواز ذلك) التعامل (بلفظ التقبيل مع انه) اى هذا القسم من التقبيل (لا يخرج عن البيع او الصلح او معاملة ثالثة لازمة) تلك المعاملة الثالثة عند جماعة و لفظه الصريح: بعت او صالحت، او ما اشبه، لا قبلت، فانه مجاز له ظهور فيظهر من الشهيد عدم اعتبار كون اللفظ الصريح حقيقة فى الانعقاد (هذا ما حضرنى من كلماتهم فى) باب (البيع) و قد رأيتها دالة على كفاية المجاز، و عدم اعتبار الحقيقة.

(و اما فى غيره) اى غير البيع (فظاهر جماعة فى القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه) اى جوزوا وقوع القرض (بقوله: تصرف فيه، او انتفع به و عليك رد عوضه) بدون الاتيان بمادة «ق ر ض» (او خذه بمثله و اسلفتك) اى اعطيتك المال فى مقابل بدل تعطينى بعد ذلك (و غير ذلك مما عدوا مثله) اى مثل ذلك اللفظ (فى) باب (البيع، من الكنايات) التى قال جماعة بعدم صحة وقوع البيع بها (مع ان القرض من العقود اللازمة على حسب لزوم البيع و الاجارة) اى بمثل كون البيع لازما، و من ذلك يتبين ان العقود اللازمة لا تتوقف على الالفاظ الصريحة.

ص: 234

و حكى عن جماعة فى الرهن ان ايجابه يؤدى بكل لفظ يدل عليه مثل قوله: هذه وثيقة عندك و عن الدروس تجويزه بقوله: خذه او امسكه بمالك.

و حكى عن غير واحد تجويز ايجاب الضمان- الّذي هو من العقود اللازمة- بلفظ تعهدت المال او تقلدته و شبه ذلك.

و قد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الاجارة بلفظ العارية معللين بتحقق القصد

و تردد جماعة فى انعقاد الاجارة بلفظ بيع المنفعة.

______________________________

(و حكى عن جماعة فى الرهن ان ايجابه يؤدى بكل لفظ يدل عليه مثل قوله: هذه وثيقة عندك) مع العلم ان مثل هذا اللفظ ليس صريحا فى الرهن (و عن الدروس تجويزه بقوله: خذه او امسكه بمالك) اى فى مقابل ان تعطى مالك.

(و حكى عن غير واحد تجويز ايجاب الضمان- الّذي هو من العقود اللازمة-) كما ان الرهن أيضا كان من العقود اللازمة (بلفظ: تعهدت المال و تقلدته) اى جعلته قلادة فى عنقى (و شبه ذلك) من الالفاظ التى ليست صريحة فى الضمان.

(و لقد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الاجارة بلفظ العارية) كأن يقول اعرتك الدار سنة بمبلغ مائة دينار (معللين) الجواز (بتحقق القصد) للاجارة، و العقود تتبع القصود.

(و تردد جماعة فى انعقاد الاجارة بلفظ بيع المنفعة) كان يقول: بعتك منفعة هذه الدار سنة بمائة دينار، و من المعلوم انه لو كانت العقود اللازمة لا بدلها من الفاظ خاصة لم يكن وجه للتردد.

ص: 235

و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل على تسليم الارض للمزارعة، و عن مجمع البرهان كما فى غيره انه لا خلاف فى جوازها بكل لفظ يدل على المطلوب مع كونه ماضيا.

و عن المشهور جوازها بلفظ ازرع و قد جوز جماعة الوقف بلفظ: حرمت او تصدقت مع القرينة الدالة على إرادة الوقف مثل ان لا يباع و لا يورث، مع عدم الخلاف- كما عن غير واحد- على انهما من الكنايات، و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع انه ليس صريحا فيه.

و مع هذه الكلمات كيف يجوز ان يستند الى العلماء او اكثرهم وجوب ايقاع العقد باللفظ الموضوع.

______________________________

(و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل على تسليم الارض) من المزارع (للمزارعة، و عن مجمع الرهان كما فى غيره انه لا خلاف فى جوازها) اى المزارعة (بكل لفظ يدل على المطلوب مع كونه ماضيا) فلا يصح ان يقول:

ازارعك، بلفظ المضارع- مثلا-

(و عن المشهور جوازها بلفظ ازرع) بان يقوله صاحب الارض للزارع (و قد جوز جماعة بلفظ: حرمت) عينها (او تصدقت) مع القرينة (الدالة على إرادة الوقف مثل) ان يقول: بعقب «حرمت» و «تصدقت» (ان لا يباع و لا يورث، مع عدم الخلاف- كما غير واحد-) اى دعوى عدم الخلاف (على انهما) اى حرمت و تصدقت (من الكنايات، و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع) كان تقول الزوجة متعتك نفسى بمبلغ كذا (مع انه) اى لفظا لتمتع (ليس صريحا فيه) اى فى النكاح الدائم، بل هو كناية عنه.

(و مع هذه الكلمات) التى نقلناها منهم فى مختلف ابواب العقود اللازمة (كيف يجوز ان يستند الى العلماء او اكثرهم وجوب ايقاع العقد باللفظ الموضوع

ص: 236

له و انه لا يجوز بالالفاظ المجازية خصوصا مع تتميمها بالقرينة كما تقدم عن بعض المحققين.

و لعله لما عرفت- من تنافى ما اشتهر بينهم: من عدم جواز التعبير بالالفاظ المجازية فى العقود اللازمة، مع ما عرفت منهم من الاكتفاء فى اكثرها بالالفاظ غير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثانى- على ما حكى عنه- فى باب السلم و النكاح بين كلماتهم، بحمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة

______________________________

له) اى للعقد مثل: «ر ه ن» و «ن ك ح» و «زرع» و «ض م ن» مثلا فى ابواب العقود اللازمة (و انه لا يجوز) الإيقاع للعقد (بالالفاظ المجازية خصوصا مع تتميمها) اى تلك الالفاظ المجازية (بالقرينة) المعينة للقصد (كما تقدم) هذه النسبة الى العلماء (عن بعض المحققين)

هذا (و لعله لما عرفت- من تنافى ما اشتهر بينهم: من عدم جواز التعبير بالالفاظ المجازية فى العقود اللازمة، مع) شق ثان ل: «ما اشتهر» اى التنافى بين ما اشتهر و بين (ما عرفت منهم) فى الكلمات التى نقلناها (من الاكتفاء فى اكثرها) اى اكثر العقود اللازمة (بالالفاظ غير الموضوعة لذلك العقد) كالنكاح بلفظ التمتع، و التمتع لم يوضع للنكاح الدائم، و هكذا (جمع المحقق الثانى- على ما حكى عنه- فى باب السلم و النكاح بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة) التى منعوها فى باب العقود اللازمة (على المجازات البعيدة) فما ذكروا من لزوم كون العقود اللازمة بالالفاظ المتعارفة يراد بذلك الاعم من الالفاظ الحقيقية، او المجازية القريبة مثلا «عقد النكاح» لفظ «نكح» حقيقة فيه، و لفظ «تمتع» مجاز قريب، و لفظ «انتفع بى»- فيما اذا قالته الزوجة- مجاز بعيد، فمنعهم عن الالفاظ غير

ص: 237

و هو جمع حسن و لعل الأولى ان يراد باعتبار الحقائق فى العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء كان اللفظ الدال على إنشاء العقد موضوعا له بنفسه او مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر ليرجع الافادة بالاخرة الى الوضع اذ لا يعقل الفرق فى الوضوح الّذي هو مناط الصراحة بين افادة لفظ للمطلب بحكم الوضع او افادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع على إرادة المطلب

______________________________

المتعارفة يراد به مثل «انتفع بى» لا مثل «تمتع» (و هو) اى جمع المحقق الثانى (جمع حسن) اذ لا محيص فى رفع المنافاة عن كلماتهم، الا بهذا الجمع (و لعل الاولى) فى الجمع بين الكلامين (ان يراد باعتبار الحقائق فى العقود) اى بقولهم يعتبر ان يكون اللفظ الّذي يؤتى به فى العقد حقيقة، لا مجازا (اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية) فى مقابل الدلالة العقلية كالدخان على النار و الطبيعية كالنبض على حالة البدن، و فى مقابل اللفظية غير الوضعية كدلالة «اح» على وجود لافظ (سواء كان اللفظ الدال على إنشاء العقد موضوعا له) اى للعقد (بنفسه) نحو بعت فى الدلالة على البيع (او مستعملا فيه مجازا) نحو «هذا مالك» (بقرينة لفظ موضوع آخر) يدل ذلك اللفظ الثانى على إرادة البيع من اللفظ الاول (ليرجع الافادة بالاخرة) سواء باللفظ الاول الموضوع حقيقة، او اللفظ الثانى الّذي هو قرينة (الى الوضع) و انما قلنا ان هذا الجمع احسن من الجمع الّذي ذكره المحقق الثانى (اذ لا يعقل الفرق) بين المجاز الجائز استعماله و بين الحقيقة (فى الوضوح الّذي هو مناط الصراحة) اى المناط فى العقد ان يكون اللفظ صريحا فى افادة العقد (بين افادة لفظ للمطلب بحكم الوضع) بان يكون حقيقة (او افادته له) اى للمطلب (بضميمة لفظ آخر) و هو القرينة (يدل بالوضع على إرادة المطلب) العقدى

ص: 238

من ذلك اللفظ و هذا بخلاف اللفظ الّذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال او سبق مقال خارج عن العقد فان الاعتماد عليه فى متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدا رجوع عما بنى عليه من عدم العبرة بغير الاقوال فى إنشاء المقاصد و لذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال او اقتران حال تدل على إرادة البيع جزما

______________________________

(من ذلك اللفظ) الاول، مثلا كل واحد من «الرجل الشجاع» و «اسد يرمى» واضح فى إرادة الانسان الشجاع لكن الاول يفيد بحكم الوضع، و الثانى يفيد بضميمة لفظ آخر، و هو «يرمى» و يرمى يدل بالوضع أيضا، لا بالعقل او بالطبع (و هذا) المجاز الّذي يدل بضميمة لفظ موضوع آخر (بخلاف اللفظ الّذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال) كما لو كان السوق موضوعا للبيع فجاء المشترى و قال- مشيرا الى الثمن- هذا لك، فقال البائع- مشيرا الى المثمن- و هذا لك «مثلا» (او سبق مقال خارج عن العقد) كما لو تعاملا و تقاولا، ثم قالا «هذا لك» (فان الاعتماد عليه) اى على اللفظ الدال بحال او مقال (فى متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدا) لكنه لا يجوز لانه (رجوع عما بنى عليه) اى بنى الفقهاء عليه (من عدم العبرة بغير الاقوال فى إنشاء المقاصد) فانه اعتماد على حال او قرينة سابقة لا ربط لها بالعقد- و إن كانت تلك القرينة لفظا- و ما بنى عليه الفقهاء يدل بالإنّ على ان «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه يراد بها العقود اللفظية (و لذا) الّذي ذكرنا من بنائهم على عدم العبرة بالاقوال (لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال او اقتران حال تدل على إرادة) المتعاطين (البيع) دلالة (جزما) فانهم يقولون ان المعاطاة ليس بيعا كما سبق تفصيل الكلام فيه-.

ص: 239

و مما ذكرنا يظهر الاشكال فى الاقتصار على المشترك اللفظى اتكالا على القرينة الحالية المعينة.

و كذا المشترك المعنوى و يمكن ان ينطبق على ما ذكرنا الاستدلال المتقدم فى عبارة التذكرة بقوله قدس سره: لان المخاطب لا يدري بم خوطب اذ ليس المراد ان المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية بل المراد ان الخطاب بالكناية لما لم يدل على المعنى المنشأ

______________________________

(و مما ذكرنا) من عدم صحة الاعتماد على القرينة الحالية و المقالية- السابقة على العقد- (يظهر الاشكال فى الاقتصار على المشترك اللفظى) فى مقام العقد (اتكالا على القرينة المعينة) فى افادة العقد.

(و كذا) الاقتصار على (المشترك المعنوى) اعتمادا على القرينة الحالية و المشترك اللفظى هو الّذي وضع اللفظ- فيه- تارة لهذا المعنى و اخرى لمعنى آخر، و المعنوى هو الّذي وضع اللفظ فيه، لمعنى شامل لكلا المعنيين مثلا اذا قلنا ان «الامر» وضع تارة للوجوب، و تارة للاستحباب كان مشتركا لفظيا، و ان قلنا انه وضع للطرف الراجح- الشامل لهما- كان مشتركا معنويا (و يمكن ان ينطبق على ما ذكرنا) من عدم جواز الاعتماد على القرائن الحالية و المقالية، (الاستدلال المتقدم فى عبارة التذكرة) على عدم صحة المجاز (بقوله قدس سره: لان المخاطب لا يدرى بم خوطب) و انما ينطبق كلامنا على كلام التذكرة (اذ ليس المراد) من «لا يدري» (ان المخاطب لا يفهم منها) اى من الكناية المستعملة فى العقد «المطلب» و لو فهما (بالقرائن الخارجية) عن العقد مقالية او حالية- اذ من الواضح ان المخاطب يفهم المطلب بالكناية المحفوفة بالقرينة- (بل المراد) من «لا يدرى» فى كلام التذكرة (ان الخطاب بالكناية لما لم يدل على المعنى المنشأ) الّذي

ص: 240

ما لم يقصد الملزوم لان اللازم الاعم- كما هو الغالب بل المطرد فى الكنايات- لا تدل على الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع من الملزوم الخاص فالخطاب فى نفسه محتمل لا يدري المخاطب بم خوطب و انما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم و المفروض- على ما تقرر فى مسألة المعاطاة ان النية بنفسها او مع انكشافها بغير الاقوال لا تؤثر فى النقل و الانتقال فلم يحصل هنا عقد لفظى يقع التفاهم به

______________________________

انشائه و قصده المكنّى (ما لم يقصد الملزوم) مثلا «هذا ملكك» لا يدل على «العقد» ما لم يقصد المتكلم «التمليك» فعلا (لان اللازم الاعم) من الملزوم فان كون الشي ء ملكا للطرف اعم من كونه تمليكا له فعلا او كونه ملكا له سابقا مثلا- (- كما هو الغالب بل المطرد فى الكنايات-) اى الغالب و المطرد كون الكناية تتأتى باللازم الاعم (لا تدل على الملزوم) بذاته، مثلا جبان الكلب لا يدل على كثرة الضيف، لان جبن الكلب اعم (ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع من الملزوم الخاص) كخصوص جبن الكلب المجامع مع الضيافة- التى هى ملزوم خاص لجبن الكلب- (ف) مراد العلامة من قوله «ره» «لا يدرى» كون (الخطاب فى نفسه) مع قطع النظر عن القرينة (محتمل لا يدرى المخاطب بم خوطب) هل بالعقد او بغيره (و انما يفهم) المخاطب (المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم) سواء كانت تلك القرائن حالية او مقالية (و المفروض- على ما تقرر فى مسألة المعاطاة- ان النية) للبيع (بنفسها او مع انكشافها بغير الاقوال) اى الحال او المقال السابق- عند المقاولة- (لا تؤثر فى النقل و الانتقال) لان العقد- حسب الفهم العرفى- ما كان باللفظ (فلم يحصل هنا) فيما اذا كانت القرينة حالية او مقالية- خارجة عن العقد- (عقد لفظى يقع التفاهم به) و انما صار

ص: 241

لكن هذا الوجه لا يجرى فى جميع ما ذكروه من امثلة الكناية ثم انه ربما يدعى ان العقود المؤثرة فى النقل و الانتقال اسباب شرعية توقيفيّة- كما حكى عن الايضاح من ان كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة بالاستقراء فلا بد من الاقتصار على المتيقن و هو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوى العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتى بعضها.

و اما ما ذكره الفخر قدس سره فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة فى الصيغة، شرعا

______________________________

الاعتماد على النية (لكن هذا الوجه) الّذي ذكرناه من عدم صحة الاعتماد على القرينة غير اللفظية- و لذا لا يصح المجاز فى العقد- (لا يجرى فى جميع ما ذكروه من امثلة الكناية) اذ بعضها تعتمد على القرينة اللفظية، و مع ذلك قالوا بعدم صحة العقد بها (ثم انه ربما يدعى ان العقود المؤثرة فى النقل و الانتقال اسباب شرعية) اخترعها الشارع او امضاها (توقيفيّة) متوقفة على ان نعلم تقرير الشارع لها (- كما حكى عن الايضاح) حيث قال (من ان كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة) و علم ذلك (بالاستقراء) و التتبع فى الروايات (فلا بد من الاقتصار على المتيقن) فاذا شك فى انه هل يصح العقد بالعربية أم لا- مثلا- لزم الاجراء بالعربية اذ العقد العربى صحيح قطعا، و يشك فى ما عداه فالاصل عدم تصحيح الشارع له (و هو) اى «ما ربما يدعى» (كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوى العلماء) الظاهرة فى ان صيغة العقود ليست توقيفيّة (فضلا عن الروايات المتكثرة الآتى بعضها) مما يدل على انعقاد العقد بكل لفظ دال على المقصود.

(و اما ما ذكره الفخر قدس سره) المؤيّد للادعاء المتقدم (فلعل المراد فيه) اى فى كلامه (من الخصوصية المأخوذة فى الصيغة، شرعا) ليس خصوص

ص: 242

هى اشتمالها على العنوان المعبر عن تلك المعاملة به فى كلام الشارع فاذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة، معبرا عنها فى كلام الشارع- بالنكاح او الزوجية او المتعة فلا بد من اشتمال عقدها على هذه العناوين فلا يجوز بلفظ الهبة او البيع او الاجارة او نحو ذلك

و هكذا الكلام فى العقود المنشأة للمقاصد الاخر كالبيع و الاجارة و نحوهما

______________________________

صيغة خاصة نحو «بعت» مثلا مقابل «ابيعك» و الحاصل ليس المراد هيئة خاصة، بل المراد المادة فالخصوصية (هى اشتمالها) اى صيغة العقد، فلا بد ان تشتمل الصيغة (على العنوان المعبر عن تلك المعاملة به) اى بذلك العنوان (فى كلام الشارع) مثلا لفظ «النكاح» المعبر فى كلام الشارع فى باب الزواج، لا يصح التعدى عنه الى «الاجارة» فلا يصح ان يقال فى عقد النكاح «آجرتك» و انما اللازم الاتيان بمادة النكاح (فاذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة، معبرا عنها) اى عن تلك العلاقة (فى كلام الشارع- بالنكاح او الزوجية او المتعة) فى قوله سبحانه: «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» و قوله: «زَوَّجْنٰاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ» و قوله «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» مثلا (فلا بد من اشتمال عقدها) اى العقد الّذي نريد ان يؤثر العلاقة المذكورة (على هذه العناوين) الثلاثة (فلا يجوز) احداث العلاقة- اى لا يصح- (بلفظ الهبة او البيع او الاجارة او نحو ذلك) كالصلح و الرهن.

(و هكذا الكلام فى العقود المنشئة) بصيغة اسم الفاعل، او اسم المفعول (للمقاصد الاخر) غير النكاح (كالبيع و الاجارة و نحوهما) فلا تصح الاجارة، بلفظ «هبة المنفعة» و لا يصح البيع بلفظ «الصلح» و هكذا

ص: 243

فخصوصية اللفظ من حيث اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة فى لسان الشارع او ما يراد فها لغة او عرفا لانها بهذه العنوانات موارد للاحكام الشرعية التى لا تحصى

و على هذا فالضابط وجوب ايقاع العقد بانشاء العناوين الدائرة فى لسان الشارع اذ لو وقع بانشاء غيرها فإن كانت لا مع قصد تلك العناوين.

كما لو لم تقصد المرأة الاهبة نفسها او اجارة نفسها مدة الاستمتاع لم يترتب عليه الآثار المحمولة فى الشريعة على الزوجية الدائمة

______________________________

(فخصوصية اللفظ) التى اعتبرها فخر المحققين، هى (من حيث اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة) و المذكورة (فى لسان الشارع او ما يراد فها لغة او عرفا) مثل «فروختن» فى الفارسية المرادفة للبيع، او مثل «الشراء» المرادف للبيع شرعا كما قال سبحانه: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ» (لانها بهذه العنوانات) المذكورة فى الشرع، او ما يرادفها (موارد للاحكام الشرعية التى لا تحصى) فالبيع- مثلا- بعنوان «ب ى ع» مورد «اللزوم» و «السلم» و «النسيئة» و خيار العيب و المجلس و الصرف و الربا الى غيرها من الامور المذكورة فى كتاب «البيع» و هكذا بالنسبة الى «النكاح» و احكامه و «الطلاق» و مسائله، الى غير ذلك.

(و على هذا فالضابط وجوب ايقاع العقد بانشاء العقد بانشاء العناوين الدائرة فى لسان الشارع) بان يكون العقد بتلك المادة (اذ لو وقع بانشاء غيرها) اى غير تلك العناوين (فإن كانت) صيغة العقد (لا مع قصد تلك العناوين) كما لو قالت المرأة «وهبت نفسى لك» و لم تقصد النكاح.

(كما لو لم تقصد المرأة الاهبة نفسها) كهبة الاموال (او اجارة نفسها مدة الاستمتاع) فى العقد المنقطع (لم يترتب عليه) اى على ما انشئه من المعنى (الآثار المحمولة فى الشريعة على الزوجية الدائمة) فى الهبة

ص: 244

او المنقطعة و إن كانت بقصد هذه العناوين دخلت فى الكناية التى عرفت ان تجويزها رجوع الى عدم اعتبار افادة المقاصد بالاقوال فما ذكره الفخر مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام والده و إليه يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من ان العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه

______________________________

(او المنقطعة) فى الاجارة، من حلية البضع مطلقا و النفقة و الارث فى الدائم الى غيرها (و إن كانت بقصد هذه العناوين) بان قالت وهبت و قصدت النكاح (دخلت فى الكناية) بذكر اللازم و إرادة الملزوم فان حلية البضع من لوازمها كون المرأة تحت اختيار الزوج مثل كون السلعة تحت اختيار الموهوب له (التى عرفت ان تجويزها رجوع الى عدم اعتبار افادة المقاصد بالاقوال) فانك اذا قلت «فلان جبان الكلب» لم تفد «كونه كريما» بالقول و انما افادته بالانتقال العقلى الحادث بسبب القول فحال «جبان الكلب» حال العلم الّذي يوضع على الفرسخ لافادة مقدار المسافة (فما ذكره الفخر) من ان كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة (مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام والده) العلامة «ره» من عدم صحة الكناية فى العقود، و ليس كلام الفخر مؤيدا لما ادعاه المدعى من كون النقل و الانتقال اسباب شرعية توقيفية (و إليه) اى ما استفدناه من كلام العلامة و فخر المحققين (يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من ان العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر) غير اللفظ الدائر فى لسان الشارع (ليس من جنسه) اى من جنس لفظ الشارع و الحاصل يعتبر وجود مادة «لفظ الشارع» فى العقد مثلا الشارع قال «زوجناكها» فاللازم وجود مادة «زوج» فى العقد، اما جنس آخر كمادة «و ه ب» فلا يصح به العقد.

ص: 245

و ما عن المسالك من انه يجب الاقتصار فى العقود اللازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة و مراده بالمنقولة شرعا هى المأثورة فى كلام الشارع.

و عن كنز العرفان فى باب النكاح انه حكم شرعى حادث فلا بد له من دليل يدل على حصوله و هو العقد اللفظى المتلقى من النص ثم ذكر لايجاب النكاح الفاظا ثلاثة و عللها بورودها فى القرآن و لا يخفى ان تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه من توقيفية العقود و انها متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار على المتيقن و من هذا الضابط

______________________________

(و) كذلك أيضا يشير الى ما ذكرناه (ما عن المسالك من انه يجب الاقتصار فى العقود اللازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة) كون تلك الألفاظ للعقود الفلانية (و مراده بالمنقولة شرعا) ليس التوقيف الّذي ذكره المدعى بل (هى المأثورة فى كلام الشارع) كما عرفت.

(و عن كنز العرفان فى باب النكاح انه) اى النكاح (حكم شرعى حادث) بمعنى ان الشارع يحكم بحدوث علاقة بين الرجل و المرأة (فلا بد له من دليل يدل على حصوله) اى حصول هذا الحكم الحادث (و هو العقد اللفظى المتلقى من النص) اى لفظ «النكاح» و «الزواج» و «المتعة» مثلا (ثم ذكر لايجاب النكاح الفاظ ثلاثة و عللها) اى جواز هذه الالفاظ الثلاثة المتقدمة- (بورودها فى القرآن) قال تعالى «زوجناكها» و «انكحوا الايامى» و «فما استمتعتم» (و لا يخفى ان تعليله هذا) اى قوله «بورودها فى القرآن» (كالصريح فيما ذكرناه من توقيفية العقود) اى لزوم اتباع العناوين الموجودة فى الشرع (و انها) اى العناوين (متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار على المتيقن) من الّذي ورد فى الشرع (و من هذا الضابط)

ص: 246

تقدر على تمييز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الالفاظ المتقدمة فى باب العقود المذكورة من غيره.

و ان الاجارة بلفظ العارية غير جائزة و بلفظ بيع المنفعة او السكنى- مثلا- لا يبعد جوازه و هكذا.

اذا عرفت هذا فلنذكر الفاظ الايجاب و القبول

اشارة

منها لفظ «بعت» فى الايجاب و لا خلاف فيه فتوى و نصا و هو و إن كان من الاضداد بالنسبة الى البيع و الشراء لكن كثرة استعماله فى

______________________________

و هو لزوم اتباع العناوين الشرعية فى إنشاء العقود (تقدر على تميز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الالفاظ المتقدمة فى باب العقود المذكورة) كلفظ «ن ك ح» و «ر ه ن» و «ب ى ع» فى النكاح و الرهن و الاجارة و هكذا (من غيره) متعلق ب «تميز».

(و) بذلك تعرف (ان الاجارة بلفظ العارية غير جائزة) لعدم الورود شرعا و لا معهود لغة (و بلفظ بيع المنفعة او السكنى) كان يقول صاحب الدار للمستأجر بعتك منفعة هذه الدار سنة، بمائة دينار، او يقول بعتك سكنى هذه الدار الخ (- مثلا- لا يبعد جوازه) لوروده فى بعض الاخبار و العبارات (و هكذا) بالنسبة الى سائر اقسام العقود و الايقاعات (اذا عرفت هذا فلنذكر الفاظ الايجاب و القبول) فى باب البيع (منها لفظ «بعت» فى الايجاب).

اما استعماله فى القبول بمقتضى ان «البيع موضوع لكل من البيع و الشراء» فسيأتى الكلام فيه (و لا خلاف) فيه نصا و فتوى (و هو) اى لفظ «البيع» (و إن كان من الاضداد) اى يستعمل فى معنيين متقابلين ككثير من الالفاظ الاخر، كالقرء و نحوه (بالنسبة الى البيع و الشراء) فان باع يستعمل فى البائع و فى المشترى على حد سواء (لكن كثرة استعماله فى

ص: 247

وقوع البيع تعينه

و منها لفظ شريت فلا اشكال فى وقوع البيع به لوضعه له كما يظهر من المحكى عن بعض اهل اللغة بل قيل لم يستعمل فى القرآن الكريم الا فى البيع.

و عن القاموس شراه يشريه ملّكه بالبيع و باعه كاشتراه فهما ضد و عنه أيضا كل من ترك شيئا و يتمسك بغيره فقد اشتراه و ربما يستشكل فيه بقلة

______________________________

وقوع البيع) مقابل الشراء وصلت الى حدّ (تعينه) و تغنيه عن القرينة المعيّنة فاذا قال صاحب السلعة بعت تبادر معنى «البيع» منه و ترتب عليه احكام البيع، لا احكام الشراء، و ان قلنا بجواز تقديم القبول على الايجاب فلا اشكال فى وقوع البيع به كما ربما توهم من ان لفظ «ب ى ع» مشترك، و لا يجوز استعمال المشترك فى العقود و الايقاعات.

(و منها لفظ شريت فلا اشكال فى وقوع البيع به) فيقول الموجب «شريتك الكتاب بدينار» فيقول القابل «قبلت» (لوضعه) اى شريت (له) اى للبيع (كما يظهر من المحكى عن بعض اهل اللغة) فهو حقيقة فى البيع (بل قيل لم يستعمل) الشراء (فى القرآن الكريم الا فى البيع) كقوله سبحانه: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ».

(و عن القاموس شراه يشريه ملّكه بالبيع) ثم قال (و باعه كاشتراه) بمعنى واحد (فهما ضد) اى كل واحد منهما يدل على معنيين متقابلين (و عنه) اى القاموس (أيضا كل من ترك شيئا) كالبائع الّذي يترك السلعة (و يتمسك بغيره) كالثمن (فقد اشتراه) و هذا التعريف صادق على البائع و على المشترى على حداء سواء- (و ربما يستشكل فيه) اى فى جواز استعمال «الشراء» فى ايجاب البيع كان يقول البائع «شريت هذا الكتاب بدينار» (بقلة

ص: 248

استعماله عرفا فى البيع و كونه محتاجا الى القرينة المعينة و عدم نقل الايجاب به فى الاخبار و كلام القدماء و لا يخلو من وجه.

و منها لفظ ملكت بالتشديد و الاكثر على وقوع البيع به بل ظاهر نكت الارشاد الاتفاق حيث قال انه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت و يدل عليه ما سبق فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض- المنحل الى مبادلة العين بالمال- هو المرادف للبيع لغة و عرفا

______________________________

استعماله عرفا فى البيع) فيحتاج الى القرينة و يكون من قبيل المجاز الممنوع استعماله فى العقود (و كونه محتاجا الى القرينة المعينة) كما هو الحال فى كل مشترك لفظى (و عدم نقل الايجاب به) اى بلفظ الشراء (فى الاخبار و كلام القدماء) و قد عرفت لزوم ان تكون المادة مستعملة فى الاخبار (و لا يخلو) هذا الاشكال (من وجه) و إن كان الاوجه خلافه اذ قلة الاستعمال لا تمنع عن صحة الاستعمال، و الاحتياج الى القرينة ليس بمانع بعد كونه حقيقة كاحتياج لفظ «البيع» أيضا الى القرينة، منتهى الامر ان القرينة فى البيع «الشهرة» و فى الشراء القرائن الحالية او المقالية، و الايجاب به فى الاخبار لا يحتاج إليه بل يكفى وروده فى القرآن و اللغة و كلام غير واحد من الفقهاء، فالاقوى الكفاية.

(و منها لفظ ملكت بالتشديد) اما التخفيف فهو بمعنى التملّك (و الاكثر على وقوع البيع به) فيصح ان يجعل ايجابا للبيع (بل ظاهر نكت الارشاد الاتفاق) على كونه ايجابا للبيع (حيث قال انه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت) فانه يدل على الاتفاق على صحة لفظ «ملكت» فى ايجاب البيع (و يدل عليه) اى جواز «ملكت» فى الايجاب (ما سبق فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض- المنحل الى مبادلة العين بالمال- هو المرادف للبيع لغة و عرفا) حيث انه ليس هناك مورد يكون فيه «تمليك بعوض» الا و هو

ص: 249

كما صرح به فخر الدين حيث قال: ان معنى «بعت» فى لغة العرب: ملكت غيرى و ما قيل من ان التمليك يستعمل فى الهبة- بحيث لا يتبادر عند الاطلاق غيرها

فيه ان الهبة انما تفهم من تجريد اللفظ عن العوض لا من مادة التمليك فهى مشتركة بين ما يتضمن المقابلة و بين المجرد عنها فان اتصل بالكلام ذكر العوض افاد المجموع المركب بمقتضى الوضع التركيبى البيع و ان تجرد اقتضى تجريده الملكية المجانية

______________________________

كما تقدم- من اعتبار الالفاظ الواردة فى الشرع و اللغة، و مراد فاتها (كما صرح به فخر الدين حيث قال: ان معنى «بعت» فى لغة العرب: ملكت غيرى) فالبيع هو التمليك، و انما قيد المصنف بقوله «المنحل» الخ، لوضوح ان «التمليك» اعم من البيع، اما «التمليك المنحل» اى الّذي ذكره فيه لفظ العوضين- كما لو قال ملكت الكتاب بدينار- فليس هو الا البيع (و ما قيل من ان التمليك يستعمل فى الهبة- بحيث لا يتبادر عند الاطلاق) للفظ «التمليك» (غيرها) اى غير الهبة، فاذا قيل ملك زيد ماله لعمرو، كان الظاهر منه انه وهب ماله لعمرو (فيه ان الهبة انما تفهم) من «التمليك» (من تجريد اللفظ عن العوض) بان قال «ملك» دون ما لو قال «ملك بعوض» (لا) ان الهبة مستفادة (من مادة التمليك) اى «م ل ك» (فهى) اى مادة التمليك (مشتركة بين ما يتضمن المقابلة) نحو ملكتك الكتاب بدينار (و بين المجرد عنها) اى عن المقابلة، نحو ملكتك الكتاب (فان اتصل بالكلام ذكر العوض افاد المجموع المركب) من التمليك و العوض (بمقتضى الوضع التركيبى) لا بمقتضى ذى القرينة و القرينة- حتى يكون مجازا- (البيع و ان تجرد) الكلام عن ذكر العوض (اقتضى تجريده الملكية المجانية) اى الهبة.

ص: 250

و قد عرفت سابقا ان تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقى فلو اراد منه الهبة المعوضة او قصد المصالحة بنى على صحة العقد بلفظ غيره مع النية و يشهد لما ذكرنا قول فخر الدين فى شرح الارشاد: ان معنى بعت فى لغة العرب ملكت غيرى.

و اما الايجاب باشتريت ففى مفتاح الكرامة انه قد يقال بصحته- كما هو الموجود، فى بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها فى نسختين من تعليق الارشاد.

القول: و قد يستظهر ذلك من عبارة كل من عطف على بعت و ملكت شبههما او ما يقوم مقامهما

______________________________

(و قد عرفت سابقا) عند تعريفنا للبيع (ان تعريف البيع بذلك) اى بالتمليك بعوض (تعريف بمفهومه) اى بمفهوم التمليك (الحقيقى) لا ان التمليك ليس معنى للبيع الا مجازا (فلو اراد) المتكلّم (منه) اى من التمليك (الهبة المعوضة او قصد المصالحة) بان قال ملكتك الكتاب بدينار، و اراد «وهبتك او صالحتك» (بنى على صحة العقد) اى عقد الهبة و المصالحة (بلفظ غيره مع النية) لان «التمليك» ليس للهبة و لا للمصالحة (و يشهد لما ذكرنا) من ان التمليك حقيقة فى البيع (قول فخر الدين فى شرح الارشاد: ان معنى بعت فى لغة العرب ملكت غيرى) فانه صريح فى كون التمليك معنى حقيقيا للبيع.

(و اما الايجاب باشتريت) بان يقول اشتريت الكتاب منك بدينار، فيقول صاحب الدينار قبلت (ففى مفتاح الكرامة انه قد يقال بصحته- كما هو الموجود فى بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها) اى عن التذكرة (فى نسختين من تعليق الارشاد) انتهى كلام مفتاح الكرامة.

(القول: و قد يستظهر ذلك) اى جواز الايجاب بلفظ اشتريت (من عبارة كل من عطف على بعت و ملكت شبههما) بان قال ايجاب البيع ببعت و ملكت و شبههما (او) عطف قوله (و ما يقوم مقامها) و انما يشمل كلامهم لنحو

ص: 251

اذ إرادة خصوص لفظ اشتريت من هذا بعيد جدا و حمله على إرادة ما يقوم مقامها فى اللغات الاخر للعاجز عن العربية ابعد فتعين إرادة ما يراد فها لغة او عرفا فيشمل شريت و اشتريت لكن الاشكال المتقدم فى شريت اولى بالجريان هنا لان شريت استعمل فى القرآن الكريم فى البيع بل لم يستعمل فيه الا فيه بخلاف اشتريت و دفع الاشكال

______________________________

«اشتريت» (اذ إرادة خصوص لفظ اشتريت من هذا) اى من «شبههما» و «ما يقوم مقامها» (بعيد جدا) اذ لو كان لفظ واحد لجي ء به، و لا داعى للاتيان بلفظ كلى لا مصداق له الا واحد، فان المتعارف ان يؤتى باللفظ الكلى فيما اذا كان هناك افراد متعددة (و حمله) اى حمل لفظ «شبههما» و «ما يقوم مقامهما» (على إرادة ما يقوم مقامها فى اللغات الاخر) كالفارسية و الهندية و التركية (للعاجزين العربية) او مطلقا (ابعد) اذ الظاهر كون الكلام فى لغة العرب (فتعين إرادة) العاطف «للشبه» و «ما يقوم» (ما يراد فها) اى يرادف بعت و ملكت (لغة او عرفا فيشمل شريت و اشتريت) هذا غاية ما يقال فى تصحيح البيع بلفظ الاشتراء (لكن الاشكال المتقدم فى شريت) من عدم تعارف جعله ايجابا للبيع (اولى بالجريان هنا) فى اشتريت (لان شريت استعمل فى القرآن الكريم فى البيع بل لم يستعمل) شريت (فيه) اى فى القرآن الحكيم (الا فيه) اى فى البيع (بخلاف اشتريت) فانه لم يستعمل فى القرآن الكريم فى معنى البيع، و قد عرفت سابقا توقيفية الصنع (و دفع الاشكال) اى الاعتماد، و هذا اشكال آخر على الايجاب بلفظ «اشتريت» و حاصله انه غير ظاهر فى كونه ايجابا.

و ان قلت: يظهر كونه للايجاب بقرينة تقديمه، قلت: هذا لا يصح اذ

ص: 252

فى تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال على كونه ايجابا اما بناء على لزوم تقديم الايجاب على القبول و اما لغلبة ذلك.

غير صحيح لان الاعتماد على القرينة غير اللفظية فى تعيين المراد من الفاظ العقود قد عرفت ما فيه الا ان يدعى ان ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد و تميزه عما عداه من

______________________________

الاعتماد حينئذ يكون على قرينة غير لفظية و قد سبق منع الاعتماد على القرائن غير اللفظية فقوله «و الاشكال» مبتدأ خبره «غير صحيح» فان الاعتماد (فى تعيين المراد منه) اى من لفظ اشتريت (بقرينة) اى على قرينة (تقديمه) اى تقديم لفظ اشتريت (الدال) ذلك التقديم (على كونه ايجابا) لا قبولا (اما بناء على لزوم تقديم الايجاب على القبول) فاذا تقدم «اشتريت» عرف انه ايجاب.

(و اما لغلبة ذلك) التقديم و ان صحّ التأخير كما فى الاستيجاب و الايجاب بان يقول المشترى يعنى الكتاب بدينار فيقول البائع بعتك- و قوله «اما» بيان لوجه قرينية التقديم لكونه ايجابا- (غير صحيح) خبر قوله «و الاتكال» (لان الاعتماد على القرينة غير اللفظيّة فى تعيين المراد من الالفاظ العقود) «من» متعلق ب «المراد» (قد عرفت ما فيه) اذ قد سبق ان العقد بجميع شئونه يلزم ان يكون لفظيا حتى يكون صريحا (الا ان يدعى) ان الاعتماد على التقديم فى تعيين الايجاب لا يضر بالصراحة اذ (ان ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة) فى العقد (مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد و تميزه) اى العقد (عما عداه من) سائر العقود مثلا لا يأتى بلفظ «الصلح» و يريد «البيع» او بلفظ «الاجارة» و يريد «المتعة» و هكذا، و الحاصل

ص: 253

و اما تمييز ايجاب عقد معين عن قبوله الراجع الى تميز البائع عن المشترى فلا يعتبر فيه الصراحة بل يكفى استفادة المراد و لو بقرينة المقام او غلبته او نحوهما. و فيه اشكال.

و اما القبول فلا ينبغى الاشكال فى وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و شريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا و اما بعت فلم ينقل الا من الجامع مع ان المحكى عن جماعة من اهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء

______________________________

يلزم ان يكون العقد صريحا فى مفاده، (و اما تميز ايجاب عقد معين عن قبوله) بان يعلم «اشتريت» المقدم «ايجاب» لا انه «قبول» (الراجع الى تمييز البائع عن المشترى) اذ المقدم هو البائع (فلا يعتبر فيه) اى فى التمييز (الصراحة بل يكفى استفادة المراد) و انه بائع او مشتر (و لو بقرينة المقام) اى مقام التقديم- اذا قلنا بجواز تقديم الايجاب- (او غلبته) اى غلبة المقام- اذا قلنا باغلبية تقديم الايجاب- (او نحوهما) من سائر القرائن المقامية غير المربوطة باللفظ (و) لكن لا يخفى ما (فيه) اى فى «الا ان يدعى» من (اشكال) اذ الكلام السابق الّذي اشترط الصراحة كان مفاده الصراحة فى كل شي ء مربوط بالعقد سواء من جهة مفاده او من جهة تميز البائع عن المشترى او غيرهما.

(و اما القبول) للعقد (فلا ينبغى الاشكال فى وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و شريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا) اى لا من باب التفعيل و انما لا اشكال فى هذه الالفاظ لوضعها لغة و استعمالها عرفا، و بعضها واردة فى القرآن الحكيم، و السنة المطهرة (و اما بعت) بان يقول البائع «بعتك الكتاب بدينار» فيقول المشترى «بعت» لان البيع حقيقة فى كل واحد من البيع و الشراء (فلم ينقل الا من الجامع مع) انه يؤيّده (ان المحكى عن جماعة من اهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء) فيصح ان يقوله المشترى

ص: 254

و لعل الاشكال فيه كالاشكال اشتريت فى الايجاب.

و اعلم ان المحكى عن نهاية الاحكام و المسالك ان الاصل فى القبول «قبلت» و غيره بدل لان القبول على الحقيقة ما لا يمكن به الابتداء و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن و سيأتى توضيح ذلك فى اشتراط تقديم الايجاب.

ثم ان فى انعقاد القبول بلفظ الامضاء و الاجازة و الانقاذ و شبهها وجهان

______________________________

(و لعل الاشكال فيه كاشكال اشتريت فى الايجاب) بانه اعتماد على القرينة المقامية و هو لا يجوز فى العقود، لكن مقتضى القاعدة الصحة فيه كالصحة فى الايجاب بلفظ «اشتريت».

(و اعلم ان المحكى عن نهاية الاحكام و المسالك ان الاصل فى القبول «قبلت» و غيره) كرضيت و نحوه (بدل) عنه (لان القبول على الحقيقة) اى قبولا حقيقيا (ما لا يمكن به الابتداء) فانه مطاوعة و المطاوعة لا يعقل الابتداء بها (و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن) اذ يصح افادة البدلية من جانب المشترى قبل ان يعقدها البائع، و من المعلوم ان ما لا يحتمل امرين ك «قبلت» اصل بالنسبة الى ما يحتمل امرين نحو «اشتريت» (و سيأتى توضيح ذلك فى اشتراط تقديم الايجاب) على القبول.

(ثم ان فى انعقاد القبول بلفظ الامضاء و الاجازة و الانفاذ و شبهها) كأن يقول المشترى امضيت و اجزت و انفذت و اجريت (وجهان) من انها دالات على القبول فتصح، و من انها ليست مما ورد فى الشريعة و قد عرفت لزوم ورود الالفاظ فى الشريعة، فلا تصح.

ص: 255

فرع لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة بين الايجاب و القبول ثم اختلفا فى تعيين الموجب و القابل

اما بناء على جواز تقديم القبول و اما من جهة اختلافهما فى المتقدم فلا يبعد الحكم بالتحالف.

ثم عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء على واحد منهما

______________________________

(فرع) على الالفاظ المشتركة (لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة بين الايجاب و القبول) كأن قالا: «بعت» (ثم اختلفا فى تعيين الموجب و القابل) مما كان له اثر شرعى كما لو باع الحيوان بالصوف فإن كان صاحب الحيوان بائعا كان للمشترى خيار الحيوان و الا كان البيع لازما- بناء على المشهور من اختصاص خيار الحيوان بالمشترى (اما بناء على جواز تقديم القبول) و كان تقدم احدهما على الاخر واضحا (و اما من جهة اختلافهما فى المتقدم) و قلنا بعدم جواز تقديم القبول، اما لو كان المتقدم معلوما انه زيد مثلا، و قلنا بعدم جواز تقديم القبول فلا اشكال فى عدم صحة الاختلاف، لان المتقدم ان نوى كونه بائعا فلا اشكال و ان نوى كونه مشتريا فالمعاملة باطلة، (فلا يبعد الحكم بالتحالف) اذ ليست المسألة هنا من باب المدعى و المنكر، بل من باب الدعويين، و لا يقال «المدعى من اذا ترك ترك» و الاخذ للحيوان هو الّذي يكون كذلك، لانه الّذي يريد رد الحيوان فى ضمن الثلاثة ايام، لانه يقال هذا المقياس ليس كليا كما حقق فى باب القضاء.

(ثم) اذا تحالفا يجب (عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء على واحد منهما) كما هو مقتضى التحالف فى موارد الدعويين، و لا يضر ذلك

ص: 256

مسألة المحكى عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية فى العقد

للتأسى كما فى جامع المقاصد و لان عدم صحته بالعربى غير الماضى يستلزم عدم صحته بغير العربى بطريق اولى و فى الوجهين ما لا يخفى و اضعف منهما منع صدق العقد على

______________________________

بالعلم الاجمالى، لانه من قبيل درهمى الودعى.

نعم لو تبدل بالعلم التفصيلى لزم الاخذ به كما لو كان العوضان حيوانين و فسخا انفسخ العقد، لان ايهما كان هو المشترى يكون فسخه موجبا لابطال البيع، و المسألة تحتاج الى تطويل خارج عن شأن الشرح و اللّه سبحانه العالم.

«مسألة» فى اعتبار العربية فى العقد (المحكى عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان) صاحب جامع المقاصد و الروضة، (اعتبار العربية فى العقد للتأسى) بالرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة لقوله سبحانه «و لكم برسول اللّه اسوة حسنة» فاذا اجرينا العقد بالعربية كفى قطعا، بخلاف ما ذا اجريناه بغير العربية فاذا شك فى الانعقاد كان الاصل عدمه (كما فى جامع المقاصد) فانه استدل للعربية بالتأسى (و لان عدم صحته بالعربى غير الماضى) كما لو قال «ابيعك» (يستلزم عدم صحته بغير العربى) كالفارسى (بطريق اولى) لان العربية اهم من الماضوية (و فى الوجهين ما لا يخفى) اذ يرد على الوجه الاول ان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الائمة انما كان لسانهم العربى و لا اطلاق لادلة التأسى على وجوبه فى كل شي ء، و على الوجه الثانى انه لا اولوية للعربية على الماضوية (و اضعف منهما منع صدق العقد على

ص: 257

غير العربى مع التمكن من العربى فالاقوى صحته بغير العربى و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء على اشتراط العربى الاقوى ذلك بناء على ان دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقن من اسباب النقل و كذا اللحن فى الاعراب و حكى عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك- بفتح الباء- و بين ما لو قال زوجتك بدل زوجتك فصحح الاول دون

______________________________

غير العربى مع التمكن من العربى) لان المنع باطل قطعا فان العقد هو ابرام امر سواء كان بالعربى او بغيره (فالاقوى صحته بغير العربى) فى باب البيع و سائر العقود و الايقاعات.

نعم وقع الاشكال فى باب النكاح و الطلاق لمسألة الفروج كما فصل الكلام حوله فى كتابهما (و هل يعتبر عدم اللحن) اى ان لا يقرأ الصيغة غلطا (من حيث المادة) كان يقول «عبت» مكان «بعت» او يبدل «العين» «همزة» مثلا (و الهيئة) كان يفتح الباء من «بعت» (بناء على اشتراط العربى) اذ لو لم نقل باشتراط العربى لم يكن وجه للاشكال فى الملحون اذ الملحون الدال، حكمه حكم الفارسى فتأمل (الاقوى ذلك) الاعتبار لعدم اللحن (بناء على ان دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقن من اسباب النقل) و هذا الدليل آت فى غير الملحون، فكما ان المتيقن العربى كذلك المتيقن غير الملحون (و كذا اللحن فى الاعراب) المتيقن انعقاد العقد بالصحيح فيلزم ان لا يكون ملحونا، كان يقول «بعتك الكتاب» برفع الكتاب او بفتح «التاء» مثلا (و حكى عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك- بفتح الباء-) الّذي هو لحن فى هيئة الكلمة (و بين ما لو قال جوزتك بدل زوجتك) الّذي هو لحن فى مادة الكلمة (فصحح الاول) و انه يقع به العقد (دون

ص: 258

الثانى الا مع العجز عن التعلم و التوكيل و لعله لعدم معنى صحيح فى الاول الا البيع بخلاف التجويز فانه له معنى آخر فاستعماله فى التزويج غير جائز و منه يظهر ان اللغات المحرفة لا بأس بها اذا لم يتغير بها المعنى ثم هل المعتبر عربية جميع اجزاء الايجاب و القبول كالثمن و المثمن أم تكفى عربية الصيغة الدالة على إنشاء الايجاب و القبول حتى لو قال: بين اين كتاب را بدل درهم كفى و الاقوى هو الاول لان غير العربى كالمعدوم فكانه لم يذكر فى الكلام

______________________________

الثانى) فلا يقع به العقد (الا مع العجز عن التعلم و التوكيل) فانه يصح مع العجز (و لعله) اى لعل وجه الفرق (لعدم معنى صحيح فى الاول) بعتك بفتح الباء- (الا البيع) فيؤخذ به (بخلاف التجويز) فى «جوزتك» (فانه له معنى آخر) غير النكاح (فاستعماله فى التزويج غير جائز) لكن الظاهر ان الفخر يريد الفرق بين اللحن فى الهيئة و بين اللحن فى المادة، لا انه يريد خصوص «جوزت» حتى اذا قال العاقد «زوجت» يقول بالصحة، لانه لا معنى له الا «الزواج» (و منه) اى مما ذكرنا فى وجه كلام الفخر بقولنا «لعله» (يظهر ان اللغات المحرفة لا بأس بها اذا لم يتغير بها المعنى) بان لم يكن من قبيل «زوج» و «جوز» (ثم هل المعتبر) على القول باشتراط العربية (عربية جميع اجزاء الايجاب و القبول كالثمن و المثمن) و سائر المتعلقات كزمان التسليم فى السلم و الشرط و غيرها (أم تكفى عربية الصيغة الدالة على إنشاء الايجاب و القبول حتى لو قال: بعتك اين كتاب را بده درهم كفى) احتمالان (و الاقوى هو الاول لان غير العربى) على هذا القول (كالمعدوم) فكانه ذكر البيع بدون المتعلق (فكانه لم يذكر فى الكلام) هذا بناء على لزوم ذكر المتعلقات حتى انه اذا قال البائع «بعتك» و قال المشترى «قبلت» لم يصح.

ص: 259

نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب كما لا يجب فى القبول و اكتفى بانفهامها و لو من غير اللفظ صح الوجه الثانى لكن الشهيد «ره» فى غاية المراد فى مسألة تقديم القبول نص على وجوب ذكر العوضين فى الايجاب.

ثم انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعنى اللفظ بان يكون مفرقا بين معنى «بعت» و ابيع و انا بائع او يكفى مجرد علمه بان هذا اللفظ يستعمل فى لغة العرب لانشاء البيع الظاهر هو الاول لان عربية الكلام ليست باقتضاء نفى الكلام بل بقصد المتكلم منه المعنى الّذي وضع له عند العرب

______________________________

(نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب كما لا يجب) ذكر المعلقات (فى القبول) بلا اشكال (و اكتفى بانفهامها) اى المتعلقات (و لو من غير اللفظ) كما لو اخذ السلعة بيده و اعطاها المشترى قائلا بعتك (صح الوجه الثانى) بان يأتى بالفارسية- مثلا- سائر المتعلقات لان كونها كالمعدوم حينئذ غير ضائر (لكن الشهيد «ره» فى غاية المراد فى مسألة تقديم القبول) على الايجاب (نص على وجوب ذكر العوضين فى الايجاب) بمعنى لزوم ذكر المتعلقات.

(ثم انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعنى اللفظ) الّذي يتلفظ به فى العقد (بان يكون مفرقا بين معنى) «بعت» الماضى (و ابيع) المضارع (و انا بائع) اسم الفاعل (او يكفى مجرد علمه بان هذا اللفظ يستعمل فى لغة العرب لانشاء البيع) و ان لم يفرق بين الالفاظ الثلاثة (الظاهر هو الاول) و لزوم عرفانه (لان عربية الكلام ليست باقتضاء نفى الكلام) فان قال انسان «بعت» و اراد «الامر بالخروج» مثلا، لم يكن تكلم بالعربية (بل بقصد المتكلم منه) اى من اللفظ العربى (المعنى الّذي وضع له عند العرب) فاذا لم يعرف معنى «بعت» لم يقصد المعنى تفصيلا فيكون حاله حال ما لو

ص: 260

فلا يقال انه تكلم و ادّى المطلب على طبق لسان العرب الا اذا ميز بين معنى بعت و ابيع و اوجدت البيع و غيرها بل على هذا لا تكفى معرفة ان بعت مرادف لقوله «فروختم» حتى يعرف ان الميم فى الفارسى عوض تاء المتكلم فيميز بين بعتك و بعت بالضم و بعت بالفتح فلا ينبغى ترك الاحتياط و إن كان فى تعينه نظر

______________________________

قال بعت مريدا الامر بالخروج- مثلا- (فلا يقال) عرفا (انه تكلم وادى المطلب على طبق لسان العرب الا اذا اميز بين معنى بعت و ابيع و اوجدت البيع) اى الماضى و المضارع و المصدر (و غيرها) من سائر المشتقات كهذا مبيع- فى اسم المفعول- و انا بائع فى اسم الفاعل، و هكذا (بل على هذا) الّذي ذكرنا من لزوم كونه مفرقا و عارفا باللغة تفصيلا (لا تكفى) فى اجراء العقد (معرفة ان بعت مرادف لقوله «فروختم») بدون معرفة التفاصيل بين اللفظين (حتى يعرف ان الميم فى الفارسى عوض تاء المتكلم ف) اللازم ان (يميز بين بعتك) بكاف الخطاب بعد الفاعل (و بعت بالضم) بدون الخطاب (و بعت بالفتح) و انه خطاب لا إنشاء (فلا ينبغى ترك الاحتياط) فى معرفة تفاصيل الصيغة (و إن كان فى تعينه) اى لزوم هذه المعرفة (نظر) لانه فرق بين «عدم المعرفة اصلا» بان يستعمل «بعت» فى الامر بالخروج- مثلا- و بين المعرفة اجمالا، فان من كان قاصدا للمعنى و اجرى اللفظ يقال عرفا انه تكلم بالعربية الا ترى انه من يقرأ القرآن يقال انه يقرأ العربية و ان لم يكن عارفا لمعانيه فكيف بمعنى يعرف معانيه اجمالا كما لو علم اجمالا بان «سلام عليكم» تحية و لم يعلم تفاصيل المعنى، و قاله بقصد التحية يقال عرفا انه سلّم باللغة العربية.

و الحاصل انه لا دليل على اكثر من التلفظ بقصد المعنى اما كون ذلك

ص: 261

و لذا نص بعض على عدمه.

مسألة المشهور كما عن غير واحد: اشتراط الماضوية

بل فى التذكرة الاجماع على عدم وقوعه بلفظ ابيعك او اشتر منى و لعله لصراحته فى الانشاء اذ المستقبل اشبه بالوعد و الامر استدعاء لا ايجاب مع ان قصد الانشاء فى المستقبل خلاف المتعارف و عن القاضى فى الكامل و المهذب عدم اعتبارها و لعله لاطلاق البيع و التجارة و عموم العقود

______________________________

المعنى مفهوما عنده من اللفظ تفصيلا او اجمالا فلا دليل على اعتبار المعرفة التفصيلية (و لذا) الّذي ذكرناه من التطرف فى اشتراط المعرفة التفصيلية (نص بعض على عدمه) اى عدم لزوم المعرفة تفصيلا.

(مسألة) فى اعتبار ماضوية صيغة العقد (المشهور كما عن غير واحد: اشتراط الماضوية) فى صيغة العقد بان يقول «بعت» فلا يصح ان يقول «ابيع» او «انا بائع» او ما اشبه (بل فى التذكرة الاجماع على عدم وقوعه بلفظ ابيعك او اشتر منى) بلفظ الامر (و لعله) اى اشترط الماضوية (لصراحته) اى الماضى (فى الانشاء) و هو معتبر فى العقد (اذ المستقبل اشبه بالوعد) و إن كان يصح استعماله فى الانشاء، لكنه ليس بصريح، و قد عرفت سابقا لزوم الصراحة (و الامر) كاشتر منى (استدعاء) و طلب من المشترى ان يشتريه (لا ايجاب) فلا يصح به ان قصد الامر، و ان قصد الانشاء كان مجازا، و هو ممنوع فى العقد- كما سبق- (مع ان قصد الانشاء فى المستقبل خلاف المتعارف) فيكون غير صريح و ان اتى بقرينة تدل على المراد (و عن القاضى فى الكامل و المهذب عدم اعتبارها) اى الماضوية فى الصيغة (و لعله لاطلاق البيع) فى قوله سبحانه «احل اللّه البيع» فانه يقال انه باع ماله- و إن كان اتى بلفظ المضارع- (و التجارة) فى قوله: الا ان تكون تجارة عن تراض (و عموم العقود) فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- فان كل ذلك

ص: 262

و ما دل فى بيع الآبق و اللبن فى الضرع من الايجاب بلفظ المضارع و فحوى ما دل عليه فى النكاح و لا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحة المضارع فى الانشاء على وجه لا يحتاج الى قرينة المقام فتأمل.

______________________________

صادق فى ما اذا أتى بلفظ المضارع او ما اشبه- (و)- (ما دل فى بيع الآبق و اللبن فى الضرع من الايجاب بلفظ المضارع) كصحيحة رفاعة قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له: أ يصلح لى ان اشترى من القوم الجارية الآبقة و اعطيهم الثمن و اطلبها انا؟ قال عليه السلام: لا يصلح شرائها الا ان تشترى منهم معها ثوبا او متاعا فتقول لهم اشترى منكم جاريتكم فلانة بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز و نحوها غيرها.

و كموثقة سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن اللبن يشترى و هو فى الضرع؟ قال عليه السلام: لا الا ان يحلب فى سكرّجة فتقول اشتر منى هذا اللبن الّذي فى السكرجّة و ما فى ضروعها بثمن مسمى، الخبر فان الاول بلفظ «المضارع» و الثانى بلفظ «الامر»، و مراد المصنف من «لفظ المضارع» انما هو بالنسبة الى الاول (و فحوى ما دل عليه فى النكاح) فان جاز غير الماضى فى النكاح الّذي هو اهم- لمكان الفرج- جاز فى البيع الّذي هو ليس بتلك الاهمية، كخبر ابن ابى نصر، قال: «اتزوجك متعة على كتاب الله و سنة نبيه، الحديث و كذا ما ورد فى بيع ورق المصحف، قال عليه السلام: قل اشترى منك هذا بكذا و كذا، الى غيرهما من الروايات (و لا يخلو هذا) اى عدم اشتراط الماضوية (من قوة لو فرض صراحة المضارع) و غيره (فى الانشاء على وجه لا يحتاج الى قرينة المقام) ليخرج من كونه لفظا، اذ قد عرفت الاشكال فى كون العقد و لو ببعض اجزائه غير اللفظ (فتأمل) فانه كيف يمكن الفتوى بذلك مع

ص: 263

مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب على القبول

و به صرح فى الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة- كما عن الايضاح- و جامع المقاصد و لعله للاصل بعد حمل آية وجوب الوفاء على العقود المتعارفة كاطلاق البيع و التجارة فى الكتاب و السنة و زاد بعضهم ان القبول فرع الايجاب فلا يتقدم عليه و انه

______________________________

دعوى العلامة الاجماع، لكن لا يخفى ما فى الاجماع المدعى صغرى لمخالفة القاضى و غيره و كبرى لانه محتمل الاستناد الى الوجوه المذكورة، و الاجماع المحتمل الاستناد ليس بحجة.

(مسألة) فى تقديم الايجاب (الاشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب على القبول و به) اى باللزوم (صرح فى الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة- كما عن الايضاح-) أيضا نقل قوله باللزوم (و) كذا عن (جامع المقاصد و لعله للاصل) اى ان المعتاد فى البيوع تقديم الايجاب (بعد حمل آية وجوب الوفاء) فى قوله سبحانه «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (على العقود المتعارفة) فلا يقال ان اطلاق الآية شامل لصورة تقديم القبول أيضا (كإطلاق) آية (البيع و التجارة) «احل اللّه البيع» و «تجارة عن تراض» فان الاطلاق فيهما محمول على المتعارف- و هو ما كان ايجابه مقدما على قبوله- (فى الكتاب و السنة) فانه ورد فى السنة روايات اطلق فيها حلية البيع و التجارة، و قوله «آية» المراد بها المثال، اى «آية و رواية» ليلائم قوله «و السنة» فهو من قبيل قول الشاعر: «علفتها تبنا و ماء باردا» اى سقيتها ماء (و زاد بعضهم) فى الاستدلال على لزوم تقديم الايجاب- زيادة على الاصل الّذي ذكرناه- (ان القبول فرع الايجاب) لانه قبول لامر، فاذا لم يكن امر سابق، لا معنى للقبول (فلا يتقدم عليه) اذ هو حينئذ فرع بدون اصل (و انه) اى القبول

ص: 264

تابع له فلا يصح تقدمه عليه و حكى فى غاية المراد عن الخلاف الاجماع عليه و ليس فى الخلاف فى هذه المسألة الا ان البيع مع تقديم الايجاب متفق عليه فيوخذ به فراجع خلافا للشيخ فى المبسوط فى باب النكاح و ان وافق الخلاف فى البيع الا انه عدل عنه فى باب النكاح بل ظاهر كلامه عدم الخلاف فى صحته بين الامامية حيث انه بعد ما ذكر ان تقديم القبول بلفظ الامر فى النكاح «بان يقول زوجنى فلانة» جائز بلا خلاف قال اما البيع فانه اذا قال

______________________________

(تابع له) اى للايجاب (فلا يصح تقدمه عليه) و إلا لزم الخلف، اذ معنى التابع البعدية (و حكى عن غاية المراد) انه حكى (عن الخلاف الاجماع عليه) اى على لزوم تقديم الايجاب (و) الحال انه (ليس فى الخلاف فى هذه المسألة) اى مسألة تقديم الايجاب (الا ان البيع مع تقديم الايجاب متفق عليه) و انه صحيح (فيوخذ به) و من المعلوم ان هذا ليس دعوى لاجماع تقديم الايجاب، بل دعوى للاجماع على ان ما قدم فيه الايجاب كان صحيحا- و لا يخفى الفرق بينهما- (فراجع) كتاب الخلاف ليظهر لك الحق (خلافا للشيخ فى المبسوط فى باب النكاح) فانه اجاز تقديم القبول (و ان وافق) الشيخ فى المبسوط، كتاب (الخلاف) فى لزوم تقديم الايجاب (فى) كتاب (البيع) منه (الا انه) اى الشيخ (عدل عنه) اى عما ذكره فى باب البيع من المبسوط- من لزوم تقديم الايجاب (فى باب النكاح) من المبسوط، و اجاز تقديم القبول (بل ظاهر كلامه) اى كلام الشيخ فى نكاح المبسوط (عدم الخلاف فى صحته) اى تقديم القبول (بين الامامية) و من المعلوم انه لو جاز تقديم القبول فى باب النكاح جاز فى البيع بطريق اولى (حيث انه بعد ما ذكر ان تقديم القبول بلفظ الامر فى النكاح «بان يقول زوجنى فلانه» جائز بلا خلاف، قال اما البيع فانه اذا قال) المشترى

ص: 265

بعنيها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى.

و كيف كان فنبسة القول الاول الى المبسوط مستند الى كلامه فى باب البيع و اما فى باب النكاح فكلامه صريح فى جواز التقديم كالمحقق فى الشرائع و العلامة فى التحرير و الشهيدين فى بعض كتبهما و جماعة ممن تأخر عنهما للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها و فحوى جوازه فى النكاح الثابت بالاخبار مثل خبر ابان بن تغلب الوارد فى كيفية الصيغة المشتمل على صحة تقديم

______________________________

(بعنيها فقال) البائع (بعتكها، صح عندنا و عند قوم من المخالفين، و قال قوم منهم لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى) فان ظاهر قوله «عندنا» و انه قابل ذلك باختلاف المخالفين فى الصحة و العدم ان المسألة غير مختلف فيها عند الامامية.

(و كيف كان فنبسة القول الاول) اى عدم جواز تقديم القبول (الى المبسوط مستند الى كلامه فى باب البيع و اما فى باب النكاح فكلامه صريح فى جواز التقديم) للقبول على الايجاب (ك) صراحة كلام (المحقق فى الشرائع و العلامة فى التحرير و الشهيدين فى بعض كتبهما و جماعة ممن تأخر عنهما) فانهم اجازوا تقديم القبول (للعمومات السلمية عما يصلح لتخصيصها) فان أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيرها شاملة لما كان القبول مقدما، و لا مخصص لهذه العمومات يدل على اشتراط تقديم الايجاب (و) يدل على جواز التقديم فى باب البيع (فحوى جوازه) اى جواز التقديم (فى النكاح الثابت) ذلك الجواز (بالاخبار مثل خبر ابان بن تغلب الوارد فى كيفية الصيغة المشتمل على صحة تقديم

ص: 266

القبول بقوله للمرأة اتزوجك متعة على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الى ان قال- فاذا قالت نعم فهى امرأتك و انت اولى الناس بها.

و رواية سهل الساعدى المشهور فى كتب الفريقين- كما قيل- المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت و رضيت و اما ان يكون بطريق الامر و الاستيجاب

______________________________

القبول) على الايجاب (بقوله للمرأة اتزوجك متعة على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- الى ان قال- فاذا قالت نعم فهى امرأتك و انت اولى الناس بها) فاذا جاز تقديم القبول على الايجاب فى باب النكاح الّذي له اهمية- لمكان البضع- كان جوازه فى باب البيع اولى.

(و رواية سهل الساعدى المشهور فى كتب الفريقين- كما قيل-) بانه مشهور فى كتبهم (المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها) و الرواية هى ان امرأة انت النبي صلى اللّه عليه و آله، و قالت يا رسول اللّه انى و هبت لك نفسى و قامت قياما طويلا فقام رجل فقال: يا رسول اللّه زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: هل عندك من شي ء تصدقها اياه؟ فقال: ما عندى الا ازارى هذا، فقال صلى اللّه عليه و آله ان اعطيتها ازارك حبست بلا ازار التمس و لو خاتما من حديد، فلم يجد شيئا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: هل معك من القرآن شي ء؟ قال:

نعم سورة كذا و سورة كذا سور سماها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله زوجتك بما معك من القرآن، و نحوها الصحيح عن ابى جعفر عليه السلام (و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت و رضيت و اما ان يكون بطريق الامر و الاستيجاب) اى طلب الايجاب- و هو عطف بيان للامر.

ص: 267

نحو بعنى، فيقول المخاطب بعتك و اما ان يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت، فإن كان بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه وفاقا لمن عرفت فى صدر المسألة بل المحكى عن الميسيّة و المسالك و مجمع الفائدة انه لا خلاف فى عدم جواز تقديم لفظ «قبلت» و هو المحكى عن نهاية الاحكام و كشف اللثام فى باب النكاح و قد اعترف به غير واحد من متأخرى المتأخرين أيضا بل المحكى هناك عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه و يدل عليه مضافا الى ما ذكر و الى كونه خلاف المتعارف من العقد ان القبول الّذي هو احد ركنى عقد المعاوضة فرع الايجاب فلا يعقل تقدمه عليه و ليس المراد من هذا

______________________________

نعم قد يكون الاستيجاب بغير الامر، فالامر (نحو بعنى، فيقول المخاطب بعتك) و غير الامر نحو الاستفهام مثل هل تبيعنى فيقول بعتك (و اما ان يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت، فإن كان) القبول (بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه) على الايجاب (وفاقا لمن عرفت فى صدر المسألة) كالخلاف و الوسيلة و التحرير و غيرها (بل المحكى عن الميسيّة و المسالك و مجمع الفائدة انه لا خلاف فى عدم جواز تقديم لفظ «قبلت» و هو المحكى عن نهاية الاحكام و كشف اللثام فى باب النكاح) حيث ادعيا عدم الخلاف (و قد اعترف به) اى بعدم الخلاف (غير واحد من متأخرى المتأخرين أيضا بل المحكى هناك) فى باب النكاح (عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه و يدل عليه) اى على عدم الجواز (مضافا الى ما ذكر) من الاجماع (و الى كونه خلاف المتعارف من العقد) فالادلة لا تشمله لان الادلة- ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- منصرفة الى العقود المتعارفة (ان القبول) فاعل «يدل» (الّذي هو احد ركنى عقد المعاوضة فرع الايجاب) لان مطاوعة، و المطاوعة لا تكون الا بعد الفعل اذ لا يفعل الانفعال بدون الفعل (فلا يعقل تقدمه) اى الفرع (عليه) اى على الاصل (و ليس المراد من هذا

ص: 268

القبول الّذي هو ركن للعقد مجرد الرضا بالايجاب حتى يقال الرضا بشي ء لا يستلزم تحققه فى الماضى فقد يرضى الانسان بالامر المستقبل بل المراد منه الرضا بالايجاب على وجه يتضمن إنشاء نقل ماله- فى الحال- الى الموجب على وجه العوضية لان المشترى ناقل كالبائع و هذا لا يتحقق الا مع تأخر الرضا عن الايجاب اذ مع تقدمه لا يتحقق النقل فى الحال فان من رضى بمعاوضة ينشئها الموجب فى المستقبل لم ينقل ماله فى الحال الى الموجب بخلاف من رضى بالمعاوضة التى انشأها الموجب سابقا فانه يرفع- بهذا الرضا يده من ماله و ينقله الى غيره على وجه العوضية

______________________________

القبول الّذي هو ركن للعقد مجرد الرضا بالايجاب حتى يقال) يصح تقدم (الرضا بشي ء لا يستلزم تحققه) اى تحقق ذلك الشي ء (فى الماضى) و انما لا يستلزم (فقد يرضى الانسان بالامر المستقبل) قوله «فقد» علة لقوله «لا يستلزم» (بل المراد منه) اى من القبول- الّذي قلنا لا يمكن تقدمه على الايجاب- (الرضا بالايجاب على وجه يتضمن) هذا الرضا (إنشاء نقل ماله- فى الحال-) قبل الايجاب (الى الموجب على وجه العوضية) و علّل كون المشترى ينقل ماله فى الحال بقوله (لان المشترى ناقل كالبائع) بالإضافة الى انه قابل لمال البائع (و هذا) اى النقل فى الحال (لا يتحقق الا مع تاخر الرضا عن الايجاب اذ مع تقدمه) الى الرضا، على الايجاب (لا يتحقق النقل فى الحال) و انما لا يتحقق النقل فى الحال (فان من رضى بمعاوضة ينشئها الموجب فى المستقبل لم ينقل ماله فى الحال الى الموجب) بل رضى بنقل ماله الى الموجب بعد ايجابه- لا فى الحال- (بخلاف من رضى بالمعاوضة التى انشأها الموجب سابقا) بان كان القبول بعد الايجاب (فانه يرفع- بهذا الرضا-) المتأخر (يده من ماله و ينقله الى غيره على وجه العوضية) و الحاصل «القبول: رضى بانشاء النقل المتأخر

ص: 269

و من هنا يتضح فساد ما حكى عن بعض المحققين فى رد الدليل المذكور و هو كون القبول فرع الايجاب و تابعا له و هو ان تبعية القبول للايجاب ليس تبعية اللفظ للفظ و لا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه و انما هو انما على سبيل الفرض و التنزيل بان يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقى إليه من الموجب و الموجب مناولا كما يقول السائل فى مقام الانشاء: انا راض بما تعطينى و قابل لما تمنحنى فهو متناول

______________________________

عن الايجاب» «فلا يعقل تقدم القبول على الايجاب» و الا لزم الخلف، و لا يخفى ما فى الادلة الثلاثة، اذ الاجماع غير حجة لانه محتمل الاستناد على تقدير وجوده، و كونه خلاف المتعارف ليس بحيث يوجب انصراف الدليل فأي فرق بين ان يقول «زوجنى» و بين ان يقول «انى اقبل زواجك»، و عدم المعقولية غير تام، اذ اى مانع من ان ينشئ المشترى نقل ماله فى الحال فى مقابل النقل الّذي يحدثه البائع بعد ذلك فقوله «القبول رضى الخ» غير تام (و) كيف كان ف (من هنا) الّذي ذكرنا ان القبول يتضمن إنشاء النقل (يتضح فساد ما حكى عن بعض المحققين فى رد الدليل المذكور) الّذي ذكرناه بقولنا «ان القبول الّذي هو احد ركن المعاوضة، الخ» (و) حاصله (هو كون القبول فرع الايجاب و تابعا له و) حاصل رد ذلك المحقق (هو ان تبيعة القبول للايجاب ليس تبعية اللفظ للفظ) كالتابع فى اصطلاح النحاة فما يقصد منه تبعية اللفظ للفظ (و لا القصد للقصد) كتبعية قصد القربة لقصد الفعل القربى (حتى يمتنع تقديمه) و الا لم يكن تابعا (و انما هو) اى كونه تبعا، فى باب قبول البيع و نحوه (انما هو على سبيل الفرض و التنزيل) و معنى الفرض و التنزيل (بان يجعل القابل نفسه متناولا) و آخذا (لما يلقى إليه من الموجب و) يجعل (الموجب مناولا) و معطيا (كما يقول السائل فى مقام الانشاء: انا راض بما تعطينى و قابل) اى اقبل (لما تمنحنى ف) على كل حال (هو متناول

ص: 270

قدم انشاءه اواخر فعلى هذا يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت ان لم يقم اجماع على خلافه انتهى، و وجه الفساد ما عرفت سابقا من ان الرضا بما يصدر من الموجب فى المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه ليس فيه إنشاء نقل من القابل فى الحال بل هو رضى منه بالانتقال فى الاستقبال و ليس المراد ان اصل الرضا بشي ء تابع لتحققه فى الخارج أولا

______________________________

قدم إنشاء) اى إنشاء التناول (اواخر) عن الايجاب (فعلى هذا) الّذي ذكرناه من انه على سبيل الفرض و التنزيل (يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت ان لم يقم اجماع على خلافه انتهى).

و الحاصل: انه لو كان هناك محذور شرعى من تقديم القبول لزم القول بعدم جوازه و الا فلا محذور عقلى فى ذلك (و وجه الفساد) لكلام هذا المحقق (ما عرفت سابقا من ان) القبول يتضمن امرين:

الاول: الرضا بما يفعله الموجب و هذا يمكن ان يقدم و يمكن ان يؤخر.

الثانى: نقل القابل مال نفسه الى الموجب نقلا هو كالانفعال لنقل الموجب، و من المعلوم ان النقل الانفعالى لا يعقل ان يقدم على نقل الموجب الّذي هو فعل، و عليه ف (الرضا بما يصدر من الموجب فى المستقبل) اى بعد القبول (من نقل ماله) اى مال الموجب (بإزاء مال صاحبه) اى المشترى (ليس فيه إنشاء نقل من القابل فى الحال بل هو) اى الرضا بما يصدر من الموجب (رضى منه) اى من القابل (بالانتقال فى الاستقبال) فليس الكلام و وجه الاشكال فى تقديم القبول من جهة «الرضا» حتى يقول ذلك المحقق انه يمكن ان يقدم على الايجاب، كما يمكن ان يؤخر (و ليس المراد) من الاشكال (ان اصل الرضا بشي ء تابع لتحققه) اى تحقق ذلك الشي ء (فى الخارج أولا

ص: 271

قبل الرضا به حتى يحتاج الى توضيحه بما ذكره من المثال بل المراد الرضا الّذي بعد قبولا و ركنا فى العقد.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فى المنع عن تقديم القبول بلفظ الامر كما لو قال بعنى هذا بدرهم فقال بعتك لان غاية الامر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل

______________________________

قبل الرضا به) اى بذلك الشي ء مثلا الرضا من المشترى بالبيع تابع لتحقق البيع من البائع و لا يستلزم ذلك ان يكون المرضى به متحققا فعلا قبل الرضا به (حتى يحتاج) اثبات ان الرضا ليس بتابع لتحقق الشي ء- كالبيع- (الى توضيحه) اى توضيح عدم التابعية للتحقق (بما ذكره من المثال) بقوله كما يقول السائل فى مقام الانشاء، الخ (بل المراد) اى مرادنا من الاشكال فى عدم صحة تقديم القبول (الرضا الّذي يعد قبولا و ركنا فى العقد) المشتمل ذلك الرضا على امرين: الرضا بفعل البائع، و إنشاء نقل المشترى ماله انفعالا لنقل البائع و قد عرفت ان الانفعال لا يعقل قبل الفعل.

(و مما ذكرنا) من ان الرضا لا يعقل تقديمه لانه مشتمل على الانفعال (يظهر الوجه فى المنع عن تقديم القبول بلفظ الامر) كما يمتنع تقديم القبول بلفظ «قبلت» (كما لو قال) المشترى (بعنى هذا بدرهم فقال) البائع (بعتك) وجه المنع (لان غاية الامر) اى غاية المطلب (دلالة طلب) المشترى (المعاوضة) بقوله «بعنى» (على الرضا بها) اى بالمعاوضة (لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة) التى يجريها البائع (نقل) من المشترى

ص: 272

فى الحال للدرهم الى البائع كما لا يخفى.

و اما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا على الصحة به فموهون بما ستعرف من مصير الاكثر على خلافه و اما فحوى جوازه فى النكاح ففيها بعد الاغماض عن حكم الاصل بناء على منع دلالة رواية سهل على كون لفظ الامر هو القبول لاحتمال تحقق القبول بعد ايجاب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يؤيده انه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الايجاب و القبول

______________________________

(فى الحال) اى حال قوله «بعنى» (للدرهم) الثمن (الى البائع كما لا يخفى) فوجه المنع فى تقديم «قبلت» آت هنا فى تقديم «بعنى».

(و اما ما يظهر من المبسوط هنا) فى تقديم القبول بلفظ الامر (على الصحة) للعقد (به) اى بالقبول المقدم بلفظ «بعنى» (فموهون بما ستعرف من مصير الاكثر على خلافه) و انهم لا يجوزون تقديم القبول بلفظ «الامر» (و اما فحوى جوازه) اى تقديم القبول بلفظ الامر (فى النكاح) لانه اذا جاز فى النكاح جاز فى البيع بطريق اولى (ففيها) اى الفحوى (بعد الاغماض عن حكم الاصل) الّذي هو نكاح، بان نقول انه لا يجوز فى النكاح أيضا (بناء على منع دلالة رواية سهل) المتقدمة (على كون لفظ الامر) المتقدم على الايجاب (هو القبول) للنكاح (لاحتمال تحقق القبول) من الصحابى (بعد ايجاب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم) لنكاحها له (و يؤيده) اى كون القبول كان بعد الايجاب من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، (انه لو لا) وجود قبول متأخر- بان كان امر الصحابى قبولا- (يلزم الفصل الطويل بين الايجاب و القبول) اذ صار بين قول الصحابى زوجنيها يا رسول اللّه و بين قول زوجتكها كلمات- كما لا يخفى- و حيث ان الفصل الطويل بين الايجاب و القبول ضار كان اللازم ان نقول، ان الصحابى اجرى لفظ القبول بعد ايجاب النبي صلى

ص: 273

منع الفحوى و قصور دلالة رواية ابان من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة «نعم» فى الايجاب.

ثم اعلم ان فى صحة تقديم القبول بلفظ الامر اختلافا كثيرا بين كلمات الاصحاب فقال فى المبسوط ان قال بعنيها بالف فقال بعتك صح و الاقوى عندى انه لا يصح حتى يقول

______________________________

اللّه عليه و آله و سلم للنكاح (منع الفحوى) و الاولوية، و قوله «منع» مربوط بقوله «ففيها» اذ من الممكن ان يكون الشارع وسع فى باب النكاح بما لم يوسع مثله فى باب البيع فانه لو ضيق فى باب النكاح لزم كثرة السفاح الّذي هو من اشد المحرمات، بخلاف التضييق فى باب البيع اذ لا يلزم منه الا الضمان الّذي امره سهل (و) اما رواية ابان الدالة على جواز تقديم القبول، ففيه انه لا يمكن الاعتماد عليها ل (قصور دلالة رواية ابان) على جواز تقديم القبول (من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة «نعم» فى الايجاب) للنكاح، و من المعلوم ان «نعم» ليس ايجابا فاللازم ان نقول ان مراد الامام عليه السلام:

«ايجابها» ركن عن ايجابها ب «نعم» لا ان نعم ايجاب، و اذا كان قوله عليه السلام كناية كان اللازم ان نقول ان مراد الامام: «ان رضيت و اجرى النكاح الشرعى» هذا و لكن انت خبير بعدم وجه لهذه المناقشات، اذ اى دليل على عدم جواز الفصل الطويل، و اى دليل على عدم كفاية «نعم» و اى وجه لإنكار الفحوى، و اى مانع من اشتمال القبول المتقدم على الرضا و الانشاء لنقل الثمن فى مقابل نقل المثمن المستقبل، و اللّه الموفق.

(ثم اعلم ان فى صحة تقديم القبول بلفظ الامر اختلافا كثيرا بين كلمات الاصحاب) فهل انه يعقد به البيع أم لا؟ (فقال فى المبسوط ان قال بعنيها بالف فقال) البائع (بعتك صح) عند قوم (و الاقوى عندى انه لا يصح حتى يقول

ص: 274

المشترى بعد ذلك: اشتريت و اختار ذلك فى الخلاف و صرح به فى الغنية فقال و اعتبرنا حصول الايجاب من البائع و القبول من المشترى حذرا من القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و هو ان يقول بعنيه بالف فيقول بعتك فانه لا ينعقد حتى يقول المشترى بعد ذلك اشتريت او قبلت و صرح به فى السرائر و الوسيلة و عن جامع المقاصد ان ظاهرهم ان هذا الحكم اتّفاقى و حكى الاجماع عن ظاهر الغنية أيضا او صريحها و عن المسالك المشهور بل قيل ان هذا الحكم ظاهر كل من اشترط الايجاب و القبول و مع ذلك فقد صرح الشيخ فى المبسوط فى باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الامر فى البيع و نسبه إلينا

______________________________

المشترى بعد ذلك: اشتريت) ليكون القبول متأخرا (و اختار ذلك) اى عدم الصحة (فى الخلاف و صرح به) السيد ابن زهرة (فى الغنية فقال و اعتبرنا حصول الايجاب من البائع و القبول من المشترى حذرا من القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و هو) مثل (ان يقول بعنيه بالف فيقول) البائع (بعتك فانه لا ينعقد حتى يقول المشترى بعد ذلك اشتريت او قبلت و صرح به) اى بعدم الانعقاد (فى السرائر و الوسيلة و عن جامع المقاصد ان ظاهرهم ان هذا الحكم) بعدم الانعقاد فى صورة الاستدعاء و الايجاب (اتّفاقى و حكى الاجماع عن ظاهر الغنية أيضا او صريحها) الاجماع ظاهرا، كان يقول «عندنا» و صريحا كان يقول بالاجماع- مثلا- (و عن المسالك المشهور) اى عدم الانعقاد (بل قيل ان هذا الحكم ظاهر كل من اشترط الايجاب و القبول) اذ لا قبول فى صورة الاستدعاء و الايجاب (و مع ذلك) الّذي رأيته من الاقوال و دعاوى الشهرة و الاجماع على عدم الانعقاد (فقد صرح الشيخ فى المبسوط فى باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الامر) اى تقديم القبول (فى) باب (البيع و نسبه إلينا) بان قال «عندنا» الظاهر فى الاتفاق من

ص: 275

مشعرا- بقرينة السياق- الى عدم الخلاف فيه بيننا فقال اذا تعاقدا فان تقدم الايجاب على القبول فقال زوجتك فقال قبلت التزويج صح و كذا اذا تقدم الايجاب على القبول فى البيع صح بلا خلاف

و اما تأخر الايجاب و سبق القبول فإن كان فى النكاح فقال الزوج زوجنيها فقال زوجتكها صح و ان لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر الساعدى قال زوجنيها يا رسول اللّه فقال زوجتكها بما معك من القرآن فقدم القبول و تأخر الايجاب و إن كان هذا فى البيع فقال بعنيها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم

______________________________

الخاصة (مشعرا- بقرينة السياق- الى عدم الخلاف فيه بيننا) و قرينة السياق عبارة، عبارة عن انه «ره» قال ذلك فى مقابل كلام العامة، فليس المراد من «عندنا» فى كلامه، عنده فقط بل عند الامامية (فقال اذا تعاقدا فان تقدم الايجاب على القبول فقال) العاقد و هى المرأة (زوجتك فقال) الزوج (قبلت التزويج صح و كذا اذا تقدم الايجاب على القبول فى البيع صح بلا خلاف) بان قال البائع: بعت، فقال المشترى: قبلت.

(و اما ان تأخر الايجاب و سبق القبول فإن كان فى النكاح فقال الزوج) لولى الزوجة (زوجنيها فقال) الولى (زوجتكها صح و ان لم يعد الزوج القبول) بان لم يقل بعد قول الولى «زوجتكها»، قبلت، و قوله «لم يعد» من اعاد يعيد (بلا خلاف) فى الصحة (لخبر الساعدى قال زوجنيها يا رسول اللّه فقال زوجتكها بما معك من القرآن) اى بان يكون تعليمك لها ما تعرفه من القرآن مهرا لها (فقدم القبول و تأخر الايجاب و إن كان هذا) التقديم للقبول على الايجاب (فى البيع فقال) المشترى (بعنيها فقال) البائع (بعتكها) اى السلعة (صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم

ص: 276

لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى و حكى جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضى فى الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم الى كل من جوز تقديم القبول على الايجاب- بقول مطلق- و تمسك له فى النكاح برواية سهل الساعدى المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج الا ان المحقق مع تصريحه فى البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب صرح بجواز تقديم القبول على الايجاب.

و ذكر العلامة (قدّس سرّه) الاستيجاب و الايجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الايجاب و القبول- كالمعاطاة-

______________________________

لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى) كلام المبسوط (و حكى جواز التقديم) للقبول فى باب البيع (بهذا اللفظ) اى بلفظ الامر (عن القاضى فى الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم) بجواز التقديم بلفظ الامر (الى كل من جوز تقديم القبول على الايجاب- بقول مطلق-) فانه شامل لصورة كون القبول بلفظ الامر أيضا- (و تمسك له) اى لجواز التقديم (فى النكاح برواية سهل الساعدى المعبر فيها عن القبول) للتزويج (بطلب التزويج) فان الاستدلال بهذه الرواية لباب البيع يدل على ان مثله فى باب البيع، بتقديم القبول بلفظ الامر، كاف فى الانعقاد (الا ان المحقق مع تصريحه فى البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب صرح بجواز تقديم القبول على الايجاب) فانه يدل على عدم التلازم بين القول بجواز تقديم القبول، و بين القول بصحة الاستيجاب و الايجاب، و قوله «الا» استثناء عن قوله «بل يمكن».

(و) كذلك العلامة فانه تردد فى اعتبار تقديم القبول، مع انه جزم بعدم صحة الاستيجاب و الايجاب فانه (ذكر العلامة (قدّس سرّه) الاستيجاب و الايجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الايجاب و القبول- كالمعاطاة-) فكما ان المعاطات لا ايجاب و قبول فيها، قال الاستيجاب و الايجاب أيضا لا ايجاب

ص: 277

و جزم بعدم كفايته مع انه تردد فى اعتبار تقديم القبول.

و كيف كان فقد عرفت ان الاقوى المنع فى البيع لما عرفت بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ قبلت يمكن المنع هنا بناء على اعتبار الماضوية فيما دل على القبول ثم ان هذا كله بناء على المذهب المشهور بين الاصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ فى اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة فى الملك.

و اما على ما قوّيناه سابقا- فى المعاطاة- من ان البيع العرفى موجب

______________________________

و قبول فيه، فقولهم فى باب البيع «يعتبر فيه الايجاب و القبول» يخرج المعاطاة، و الاستيجاب و الايجاب (و جزم بعدم كفايته) اى الاستيجاب و الايجاب (مع انه تردد فى كفاية تقديم القبول) على الايجاب.

(و كيف كان) اقوال الفقهاء (فقد عرفت ان الاقوى المنع) عن القبول بلفظ الامر- المتقدم- (فى البيع لما عرفت) من ان القبول يتضمن رضى و إنشاء و الرضا و ان تحقق فى المتقدم لكن الانشاء لا يتحقق.

نعم يصح القول بذلك فى النكاح لمكان الروايات المتقدمة (بل لو قلنا بكفاية التقديم) للقبول (بلفظ قبلت يمكن المنع هنا) فى لفظ الامر (بناء على اعتبار الماضوية فيما دل على القبول) اذ الامر فى قبال الماضى (ثم ان هذا كله) الّذي نذكره من عدم الانعقاد بتقديم القبول سواء بلفظ قبلت او بلفظ الامر (بناء على المذهب المشهور بين الاصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ فى اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة فى الملك) قوله «و عدم كفاية» اعم من قوله «و عدم القول» لان الاول يعتبر مطلق اللفظ و لو لم يكن بصورة الصيغة، و الثانى يعتبر صورة الصيغة و ان لم تكن مشتملة على شرائط العقد من الايجاب و القبول و العربية و الماضوية و ما اشبه.

(و اما على ما قوّيناه سابقا- فى المعاطاة- من ان البيع العرفى موجب

ص: 278

للملك و ان الاصل فى الملك اللزوم فاللازم الحكم باللزوم فى كل مورد لم يقم اجماع على عدم اللزوم و هو ما اذا خلت المعاملة عن الانشاء باللفظ رأسا او كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الاجماع على عدم افادتها اللزوم و اما فى غير ذلك فالاصل اللزوم و قد عرفت ان القبول على وجه طلب البيع قد صرح فى المبسوط بصحته بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكى عن الكامل أيضا فتأمل و إن كان التقديم بلفظ اشتريت او ابتعت او تملكت او ملكت هذا بكذا فالاقوى جوازه لانه انشأ ملكيته بإزاء ماله عوضا ففى الحقيقة انشأ المعاوضة كالبائع الا ان البائع ينشئ ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه و المشترى ينشئ ملكية مال صاحبه لنفسه مال نفسه

______________________________

للملك و ان الاصل فى الملك اللزوم) فالبيع العرفى ملك لازم (فاللازم الحكم باللزوم فى كل مورد لم يقم اجماع على عدم اللزوم و هو) اى المورد الّذي قام الاجماع على عدم اللزوم (ما اذا خلت المعاملة عن الانشاء باللفظ رأسا) كالمعاطاة العملية (او كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الاجماع على عدم افادتها اللزوم) كالكنايات مثلا (و اما فى غير ذلك) الموردين بأن كان لفظ و لم يقم اجماع على عدم افادة ذلك اللفظ اللزوم (فالاصل اللزوم و) حيث (قد عرفت ان القبول على وجه طلب البيع) بصيغة الامر (قد صرح فى المبسوط بصحته، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكى عن الكامل) للقاضى (أيضا) فاللازم ان نقول بكفاية ذلك فى افادة الملك اللازم (فتأمل) لان كلام المبسوط و الكامل لا يضر بالاجماع الّذي صرح به جماعة من عدم صحة الاستيجاب، و الايجاب فهو لفظ قام الاجماع على عدم افادته اللزوم هذا كله فيما اذا كان القبول المتقدم بلفظ «قبلت» او بلفظ «بعنى» (و إن كان التقديم بلفظ اشتريت او ابتعت او تملكت او ملكت) بالتخفيف (هذا بكذا) من الثمن (فالاقوى جوازه لانه انشأ ملكيته) اى المشترى (للمبيع بإزاء ماله) الّذي هو الثمن (عوضا، ففى الحقيقة) هذا (إنشاء المعاوضة) اى المشترى (كالبائع الا ان البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه) اى المشترى (و المشترى ينشئ ملكية مال صاحبه) اى البائع (لنفسه) بإزاء

ص: 279

ففى الحقيقة كل منهما يخرج ماله الى صاحبه و يدخل مال صاحبه فى ملكه الا ان الادخال فى الايجاب مفهوم من ذكر العوض و فى القبول مفهوم من نفس الفعل و الاخراج بالعكس و حينئذ فليس فى حقيقة الاشتراء- من حيث هو- معنى القبول لكنه لما كان الغالب وقوعه عقيب الايجاب و إنشاء انتقال مال البائع الى نفسه اذا وقع عقيب نقله له إليه يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول اطلق عليه القبول و هذا المعنى مفقود فى الايجاب المتاخر لان المشترى انما ينقل ماله الى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله

______________________________

و الفرق اعتبارى (ففى الحقيقة كل منهما) البائع و المشترى (يخرج ماله الى صاحبه و يدخل مال صاحبه فى ملكه الا ان الادخال) لمال المشترى (فى الايجاب مفهوم من ذكر العوض) لان قول البائع «بعتك الكتاب بدينار يكون قوله «بدينار» منهما بان البائع ادخل الدينار فى ملك نفسه (و فى القبول مفهوم من نفس الفعل) اى «قبلت» فانه يفهم ادخال الكتاب فى ملك المشترى (و الاخراج بالعكس) ففى الايجاب مفهوم من «بعت» و فى القبول مفهوم من ذكر العوض اى قول المشترى «بدينار» (و حينئذ) الّذي كل منهما يدخل و يخرج (فليس فى حقيقة الاشتراء- من حيث هو-) اشتراء (معنى القبول لكنه لما كان الغالب وقوعه) اى الاشتراء (عقيب الايجاب و إنشاء انتقال مال البائع الى نفسه) اى نفس المشترى و قوله «و إنشاء» مبتدأ خبره «يوجب» و قوله «اطلق جواب» «لما» (اذا وقع عقيب نقله) اى البائع (له) اى للمال (إليه) اى الى المشترى (يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول) لان البائع نقل، و المشترى قبل (اطلق عليه) اى على الاشتراء (القبول و هذا المعنى) اى تحقق المطاوعة و مفهوم القبول (مفقود فى الايجاب المتأخر لان المشترى انما ينقل ماله الى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله

ص: 280

عوضا و البائع انما ينشئ انتقال الثمن إليه كذلك لا بمدلول الصيغة و قد صرح فى النهاية و المسالك على ما حكى بان اشتريت ليس قبولا حقيقة و انما هو بدل و ان الاصل فى القبول: قبلت لأن القبول- فى الحقيقة- ما لا يمكن الابتداء به و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به و مرادهما: انه بنفسه لا يكون قبولا فلا ينافى ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه اذا وقع عقيب تمليك البائع كما ان رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله- الى

______________________________

عوضا) لان المشترى ينقل الثمن ابتداءً (و البائع انما ينشئ انتقال الثمن إليه) اى الى نفسه (كذلك) التزاما (لا بعد لول الصيغة) للبيع اذ مدلولها نقل المثمن فلا مطاوعة فى طرف البائع، و لا نقل صريح فى طرف المشترى (و قد صرح فى النهاية و المسالك على ما حكى) بما يدل على ان «الاشتراء» ليس فى مفهومه القبول و هذا يؤيد كلامنا المتقدم و هو قولنا «فليس فى حقيقة الاشتراء من حيث هو معنى القبول» فانهما قالا (بان اشتريت ليس قبولا حقيقة و انما هو بدل) عن القبول (و ان الاصل فى القبول: قبلت) ثم استدلا على كون اشتريت بدلا، و ليس قبولا، بقولهما: (لأن القبول- فى الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به) اذ هو انفعال و مطاوعة، و من المعلوم ان الانفعال يقع بعد الفعل، و المطاوعة انما تكون بعد التأثير (و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به) اذ الاشتراء معناه المبادلة من جانب المشترى و ذلك قابل للابتداء به كما ان البيع مبادلة من جانب البائع فيجوز الابتداء به (و مرادهما) اى النهاية و المسالك (انه) اى اشتريت (بنفسه لا يكون قبولا) بدون قرينة (فلا ينافى ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه اذا وقع عقيب تمليك البائع) و الحاصل ان «قبلت» نص فى القبول و «اشتريت» انما يكون للقبول اذا كانت هناك قرينة (كما ان رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله- الى

ص: 281

البائع الا اذا وقع متأخرا و لذا منعنا من تقديمه فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة الى افادة نقل المال و مطاوعة البيع- عند التقدم و المتأخر متعاكسان

فان قلت: ان الاجماع على اعتبار القبول فى العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتى يقع قبولا لان إنشاء مالكيته لمال الغير اذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معنى الانتقال و قبول الاثر، فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالاثر.

______________________________

البائع الا اذا وقع متأخرا) عن البيع، فاشتريت مثل رضيت، و ليس مثل قبلت (و لذا) الّذي ذكرنا من انه ليس نصا و انما يكون دالا بقرينة التأخير (منعنا من تقديمه) على البيع (فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة الى افادة نقل المال و مطاوعة البيع- عند التقدم و التأخر- متعاكسان) فاذا تقدم «اشتريت» كان نقلا لا مطاوعة و اذا تأخر كان مطاوعة للبيع الّذي تقدم عليه و اذا تقدم «رضيت» كان مطاوعة و رضى بما سيصدر من البائع، و لم يكن نقلا. و اذا تأخر كان نقلا فرضيت عكس اشتريت ففى الصورة التى احداهما للنقل يكون الاخر للمطاوعة. (فان قلت) كيف تقولون بجواز تقدم «اشتريت» و الحال انه اذ تقدم يكون «العقد» ايجابا بلا قبول. اذ «بعت» المتأخر ليس قبولا، و «اشتريت» المتقدم ليس قبولا و من الواضح ان من اركان العقد القبول اذ (ان الاجماع على اعتبار القبول فى العقد يوجب تأخير قوله اشتريت) عن «البيع» (حتى يقع) اشتريت (قبولا) و انما يكون «اشتريت» قبولا، اذا تأخر (لان إنشاء مالكيته لمال الغير) اى مالكية المشترى لمال البائع (اذا وقع عقيب تمليك الغير له) بأن قال «اشتريت» عقيب قول البائع «بعت» (يتحقق فيه) اى فى اشتريت المتاخر (معنى الانتقال و) معنى (قبول الاثر، فيكون اشتريت) فى حال كونه (متأخرا) عن البيع (التزاما بالاثر

ص: 282

عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم فان مجرد إنشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول كما لو نوى تملك المباحات او اللقطة فانه لا قبول فيه راسا.

قلت: المسلم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشترى بالمعنى الشامل للرضا بالايجاب.

و اما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الاثر فلا فقد تبين من جميع ذلك ان إنشاء القبول لا بد ان يكون جامعا لتضمن إنشاء النقل و للرضا بانشاء البائع تقدم او تأخر و لا يعتبر

______________________________

عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم) على «بعت» فلا يتحقق القبول- الّذي هو شرط فى العقد اجماعا- (فان مجرد إنشاء) المشترى (المالكية لمال) هو مال البائع (لا يوجب تحقق مفهوم القبول) فان التملّك لا يلازم القبول (كما لو نوى تملك المباحات او اللقطة فانه) تملّك (و لا قبول فيه رأسا) و على هذا- فاللازم رفع اليد اما عن اشتراط العقد بالقبول و اما عن جواز تقدم «اشتريت» (قلت) لا نسلم اشتراط العقد بالقبول- بمعنى المطاوعة- و لا اجماع على ذلك- فان (المسلم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشترى بالمعنى الشامل للرضا بالايجاب) فاذا تحقق الرضا تحقق القبول- المجمع على اعتباره فى العقد-.

(و اما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و- قبول الاثر فلا) اجماع على ذلك و كيف كان (فقد تبين من جميع ذلك) الّذي ذكرنا من الادلة على اشتراط العقد- بالقبول (ان إنشاء القبول لا بدّ ان يكون جامعا) لامرين: (لتضمن إنشاء النقل) من المشترى للثمن الى البائع (و للرضا بانشاء البائع) سواء (تقدم) هذا النوع من القبول (او تأخر) عن البيع (و لا يعتبر)

ص: 283

إنشاء انتقال نقل البائع فقد حصل مما ذكرناه صحة تقديم القبول اذا كان بلفظ اشتريت وفاقا لمن عرفت بل هو ظاهر اطلاق الشيخ فى الخلاف حيث انه لم يتعرض الا للمنع عن الانعقاد- بالاستيجاب و الايجاب.

و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل اشتريت و كذا السيد فى الغنية حيث اطلق اعتبار الايجاب و القبول و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الايجاب و كذا ظاهر اطلاق الحلبى فى الكافى حيث

______________________________

فى القبول (إنشاء انتقال نقل البائع) حتى يقال بان الانتقال لا بدّ من تأخيره فلا يصح تقديم «اشتريت» على «بعت» (فقد تحصل مما ذكرناه) من الفرق بين «اشتريت» و «قبلت» (صحة تقديم القبول اذا كان بلفظ اشتريت) لا ما اذا كان بلفظ «قبلت» (وفاقا لمن عرفت) (بل هو) اى جواز تقديم القبول بلفظ اشتريت (ظاهر اطلاق الشيخ فى الخلاف) حيث قال:

«لان ما عداه- اى الاستيجاب و الايجاب- مجمع على صحته» فان لفظ «ما» الموصولة يشمل تقديم «اشتريت» أيضا (حيث انه لم يتعرض الا للمنع عن الانعقاد- بالاستيجاب و الايجاب) الّذي ظاهره عدم المنع عن تقديم لفظ «اشتريت».

(و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه) اى الاستيجاب و الايجاب (و) بين (المنع عن تقديم مثل اشتريت) فلا يدل منع الشيخ «الاستيجاب» على منعه عن تقديم «اشتريت» (و كذا) مثل الشيخ (السيد فى الغنية حيث اطلق اعتبار الايجاب و القبول و احترز بذلك) الاعتبار (عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الايجاب) مما يدل على صحة تقديم «اشتريت» عنده و الا اخرجه أيضا (و كذا ظاهر اطلاق الحلبى- فى الكافى حيث) انه

ص: 284

لم يذكر تقديم الايجاب من شروط الانعقاد.

و الحاصل ان المصرح بذلك فيما وجدت من القدماء الحلبى و ابن حمزة فمن التعجب بعد ذلك حكاية الاجماع عن الخلاف على تقديم الايجاب مع انه يزد على الاستدلال لعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب بان ما عداه مجمع على صحته و ليس على صحته دليل و لعمرى ان مثل هذا مما يوهن الاعتماد على الاجماع المنقول و قد نبهنا على امثال ذلك فى مواردها.

______________________________

ذكر شروط انعقاد العقد و (لم يذكر تقديم الايجاب من شروط الانعقاد) و لو كان تقديم الايجاب شرط عنده لذكره فى عداد الشروط.

(و الحاصل ان المصرح بذلك) اى بلزوم تقديم الايجاب- مطلقا- (فيما وجدت من القدماء الحلبى و ابن حمزة) فقط (فمن التعجب بعد ذلك) الّذي رأيت من ان المصرح بذلك فقط نفران، و اطلاق غيرهما دال على جواز التقديم (حكاية الاجماع عن الخلاف على) اشتراط (تقديم الايجاب) فى الانعقاد (مع انه لم يزد على الاستدلال) على اشتراط تقديم الايجاب (لعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب) اى موضع استدلاله «عدم كفاية الاستيجاب» و دليله هو (بان ما عداه) اى ما عدا الاستيجاب و الايجاب (مجمع على صحته و على صحته) اى الاستيجاب و الايجاب (دليل) و من المعلوم ان هذا الدليل لا يكفى للمنع عن تقديم القبول اذا كان بلفظ «اشتريت» (و لعمرى ان مثل هذا) الاجماع الّذي لا يوافقه الا نفران فقط (مما يوهن الاعتماد على الاجماع المنقول و قد نبهنا على امثال ذلك) الاجماع الّذي ليس بمشهور فكيف بمجمع عليه (فى مواردها) اى موارد الاجماعات، خصوصا فى كتاب الرسائل فى باب الاجماع فراجع.

ص: 285

نعم يشكل الامر بان المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الايجاب و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه فى المسألة الآتية و هو الوصل بين الايجاب و القبول فالحكم لا يخلو عن شوب الاشكال.

ثم ان ما ذكرنا جار فى كل قبول يؤدى بانشاء مستقل كالاجارة التى يؤدى قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا او ملكت و النكاح الّذي يؤدى قبولها بلفظ نكحت و تزوجت.

______________________________

(نعم يشكل الامر) بتقديم القبول (بان المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الايجاب) فاللازم تنزيل طلقات حلية البيع و تجارة عن تراض و الوفاء بالعقود عليه (و لا فرق بين المتعارف هنا) فى باب تقديم الايجاب (و بينه) اى بين المتعارف (فى المسألة الآتية و هو الوصل) اى الموالاة (بين الايجاب و القبول) فكما ان هناك نقول بالموالاة المتعارفة، كذلك يلزم ان نقول بتقديم الايجاب هنا لكونه المتعارف أيضا (فالحكم) بصحة تقديم القبول (لا يخلو عن شرب الاشكال) اللهم الا ان يفرق بين- المسألتين ببعض النصوص الواردة فى هذه المسألة الدالة على تقديم القبول، و هذا هو الاقرب.

(ثم ان ما ذكرنا) من الاشكال فى جواز تقديم القبول (جاز فى كل قبول يؤدى بانشاء مستقل) بان كان القبول إنشاء لامر، لا مجرد قبول فعل الموجب- (كالاجارة التى يؤدّى قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا) كالدار- مثلا- (او ملكت) بالتخفيف حيث ان المستأجر يأخذ شيئا و يعطى شيئا (و النكاح الّذي يؤدى قبولها) اى قبول صيغة النكاح (بلفظ نكحت و تزوجت) يقولهما الزوج بعد ايجاب الزوجة او قبل ايجابها، فان الزوج يعطى شيئا فى قبال اخذه لشي ء.

ص: 286

و اما ما لا إنشاء فى قبوله الا قبلت او ما يتضمنه كارتهنت فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه اذ لا التزام فى قبوله لشي ء كما كان فى قبول البيع التزاما بنقل ماله الى البائع بل لا ينشئ به معنى غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم ان الرضا يجوز تعلقه بامر مترقب كما يجوز تعلقه بامر محقق فيجوز ان يقول رضيت برهنك هذا عندى فيقول: رهنت و التحقيق عدم الجواز لان اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن و لا يخفى انه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص الا بعد تحقق الرهن

______________________________

(و اما ما لا إنشاء فى قبوله الا قبلت او ما يتضمنه) اى يتضمن القبول (كارتهنت) يقوله من يأخذ الوثيقة (فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه) بدون ورود الاشكال الّذي كان يرد فى باب البيع و ما اشبه، (اذ لا التزام فى قبوله) اى قبول ما لا إنشاء فيه- (لشي ء كما كان فى قبول البيع التزاما بنقل ماله الى البائع) فان المشترى- فى باب البيع- يفعل امرين: «القبول و الاعطاء» اما فى باب الرهن- مثلا- فلا يفعل اخذ الوثيقة الا القبول (بل لا ينشئ به) اى بالقبول فيما لا إنشاء فى قبوله الا قبلت (معنى غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم ان الرضا يجوز تعلقه بامر مترقب) فى المستقبل (كما يجوز تعلقه بامر محقق) فى الماضى (فيجوز ان يقول) آخذ الرهن (رضيت برهنك هذا) الشي ء- كالدار مثلا (عندى فيقول) معطى الرهن (رهنت) و كذا فى سائر الاشياء المماثلة للرهن. مما لا يزيد قبوله على مجرد إنشاء القبول (و التحقيق عدم الجواز) هنا أيضا، فلا يصح تقديم القبول (لان اعتبار القبول فيه) اى فى الرهن (من جهة تحقق عنوان المرتهن) فان الرهن قائم بالراهن و المرتهن فاذا لم يتحقق عنوان المرتهن لم يتحقق الرهن، و عنوان المرتهن انما ينطبق على آخذ الوثيقة اذا قبل الرهن (و لا يخفى انه لا يعد الارتهان) اى هذا العنوان- (على قبول الشخص الا بعد تحقق الرهن) و تحقق الرهن متوقف على إنشاء الراهن

ص: 287

لأن الايجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال و كذا القول فى الهبة و القرض فانه لا يحصل من إنشاء القبول فيهما التزام بشي ء و انما يحصل به الرضا بفعل الموجب و نحوها قبول المصالحة المتضمنة للاسقاط او التمليك بغير عوض.

و اما المصالحة المشتملة على المعاوضة فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين

______________________________

فاللازم كون القبول بعد الايجاب- أيضا كباب البيع- و انما قلنا انه لا يصدق عنوان «الارتهان» الا بعد القبول الّذي هو بعد الايجاب (لأن الايجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال) فالانفعال يتوقف على الفعل و عليهما يتوقف العنوان، و قوله «لان» علة لقوله «لا يصدق».

(و كذا) مثل الرهن (القول فى الهبة و القرض) فانهما ليسا كالبيع (فانه لا يحصل من إنشاء القبول فيهما التزام بشي ء) زائدا على مجرد الرضا (و انما يحصل به) اى بالقبول فيهما (الرضا بفعل الموجب) فيمكن القول بجواز تقديم القبول فيهما و ان لم نقل بذلك فى باب البيع (و نحوها) اى الرهن و الهبة و القرض (قبول المصالحة المتضمنة للاسقاط او التمليك) نحو ان يقول الدائن للمدين صالحتك لما بذمتك، او ان يقول مالك العارية للمستعير صالحتك عما فى يدك، اذا كان اسقاطا و تمليكا (بغير عوض) اذ الصلح كما قد عرفت فى بعض المباحث السابقة- تفيد فائدة جميع العقود.

(و اما المصالحة المشتملة على المعاوضة) كصلح داره لزيد فى مقابل مائة دينار (ف) لا تنطبق عليها القاعدة المتقدمة فى باب البيع من عدم جواز تقديم القبول لانه (لما كان ابتداء الالتزام بها) اى بالمصالحة (جائزا من الطرفين)

ص: 288

و كان نسبتها إليهما على وجه سواء و ليس الالتزام الحاصل من احدهما امرا مغايرا للالتزام الحاصل من الاخر كان البادى منهما موجبا لصدق الموجب عليه لغة و عرفا ثم لما انعقد الاجماع على توقف العقد على القبول لزم ان يكون الالتزام الحاصل من الاخر بلفظ القبول اذ لو قال أيضا صالحتك كان ايجابا آخر فيلزم تركيب العقد من ايجابين و تحقق من جميع ذلك

______________________________

صاحب الدار و صاحب الدينار- فى المثال- (و كان نسبتها) اى المصالحة (إليهما) اى الى الطرفين (على وجه سواء و ليس الالتزام الحاصل من احدهما امر مغايرا للالتزام الحاصل من الاخر) فكل واحد منهما يلتزم باعطاء شي ء و اخذ شي ء (كان البادى) و الاول (منهما) بتلفظ لفظ الصلح (موجبا لصدق الموجب عليه) اى على البادى (لغة و عرفا) فالصلح خارج عن موضوع الكلام اذ موضوع البحث- فى انه هل يصح تقديم القبول أم لا- انما هو فيما اذا كان القبول مغاير للايجاب، و هنا يصلح ان يكون كل طرف موجبا كما يصلح ان يكون قابلا، فلا يتصور تقديم القبول، و لا يخفى ما فى هذا الكلام من الاشكال.

(ثم) ان قلت: فاذا كان كل طرف يصح ان يكون مصالحا فلم لا يصح ان يقول كل منهما: «صالحتك».

قلت: (لما انعقد الاجماع على توقف العقد على القبول لزم ان يكون الالتزام الحاصل من الاخر) اى الثانى منهما فى التلفظ (بلفظ القبول) فيقول زيد- مثلا- «صالحتك» و يقول خالد «قبلت» (اذ لو قال أيضا صالحتك كان ايجابا آخر) لا قبولا (فيلزم تركيب العقد من ايجابين و تحقق من جميع ذلك) الّذي ذكرنا من ان العقد يحتاج الى القبول، و لذا لا يصح تكرار

ص: 289

ان تقديم القبول فى الصلح أيضا غير جائز اذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت.

و قد عرفت ان قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل على إنشاء لنقل العوض فى الحال فتلخص مما ذكرنا ان القبول فى العقود على اقسام، لانه اما ان يكون التزاما بشي ء من القابل كنقل مال عنه او زوجية.

و اما ان لا يكون فيه سوى الرضا بالايجاب و الاول على قسمين لان الالتزام الحاصل من القابل اما ان يكون نظير الالتزام الحاصل

______________________________

صالحتك، فى باب الصلح (ان تقديم القبول فى الصلح أيضا غير جائز اذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت) و شبههما كامضيت و انفذت.

(و قد عرفت) سابقا (ان قبلت و رضيت مع التقديم) على الايجاب (لا يدل على إنشاء لنقل العوض فى الحال) و نقل العوض فى الحال هو المحقق للعقد، و الا كان اخبارا عن امر مستقبل، و الاخبار مقابل الانشاء، و بهذا كله تحقق ان «البيع» و «الرهن» و «الصلح» كلها من واد واحد من حيث عدم صحة تقديم القبول فيها على الايجاب، و الفروق المذكورة لا تصلح ان تكون فارقة من جهة جواز تقديم القبول (فتلخص مما ذكرنا ان القبول فى العقود على اقسام، لانه اما ان تكون التزاما بشي ء من القابل) بالإضافة الى كونه قبولا و رضى بما اوجبه الموجب (كنقل مال عنه) اى عن القابل، فى باب المشترى (او زوجية) من القابل فان الزوج بالإضافة الى انه يقبل ايجاب الزوجة يجعل نفسه زوجا لها.

(و اما ان لا يكون فيه) اى فى القبول (سوى الرضا بالايجاب) كما عرفت من مثال الرهن و الهبة و القرض (و الاول) و هو ما كان قبولا و زيادة (على قسمين لان الالتزام الحاصل من القابل اما ان يكون نظير الالتزام الحاصل

ص: 290

من الموجب كالمصالحة او متغايرا كالاشتراء و الثانى أيضا على قسمين لانه اما ان يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض.

و اما ان لا يثبت فيه اعتبارا زيد من الرضا بالايجاب كالوكالة و العارية و شبههما و تقديم القبول على الايجاب لا يكون الا فى القسم الثانى من كل من القسمين ثم ان مغايرة الالتزام فى قبول البيع لالتزام ايجابه

______________________________

من الموجب كالمصالحة) فان كل طرف يعطى شيئا فى مقابل شي ء فكل منهما يصالح شيئا فى مقابل مصالحة طرفه شيئا (او متغايرا كالاشتراء) فان عمل المشترى ليس مثل عمل البائع (و الثانى) و هو ما لا يكون فيه الارضى بالايجاب (أيضا على قسمين لانه اما ان يعتبر فيه عنوان المطاوعة) و قبول الاثر من المؤثر و الانفعال عن الفعل (كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض) و قد سبق تفصيل ذلك.

(و اما ان لا يثبت فيه اعتبار ازيد من الرضا بالايجاب كالوكالة و العارية و شبههما) و الفرق بين الارتهان و قبول الوكالة واضح فان الارتهان مطاوع للرهن، و لا يكون الا بعده كالانكسار الّذي لا يكون الا بعد الكسر.

اما قبول الوكالة فليس الا رضى سواء كانت الوكالة قبلا او بعدا (و تقديم القبول على الايجاب لا يكون) جائزا و صحيحا (الا فى القسم الثانى من كل من القسمين) اى كالاشتراء و قبول الوكالة، و هذا مع الغض عن وجود الاجماع المدعى على عدم جواز تقديم القبول.

(ثم) حيث ذكرنا الفرق بين المصالحة و الاشتراء كان للقائل ان يقول بعدم الفرق بينهما، لان الاشتراء أيضا كالبيع فلا فرق بينه و بين المصالحة و لذا اجاب عنه بقوله: (ان مغايرة الالتزام فى قبول البيع لالتزام ايجابه) اى

ص: 291

اعتبار عرفى فكل من التزم بنقل ماله على وجه العوضية لمال آخر يسمى مشتريا و كل من نقل ماله على ان يكون عوضه مالا من آخر يسمى بايعا و بعبارة اخرى كل من ملك ماله غيره بعوض فهو البائع و كل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشترى و إلا فكل منهما- فى الحقيقة- يملك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله

و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله

ذكره الشيخ فى المبسوط فى باب الخلع ثم العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و الشيخ المقداد.

______________________________

التزام المشترى لالتزام البائع (اعتبار عرفى) لا ان المغايرة حقيقة واقعية (ف) العرف يرى ان (كل من التزم بنقل ماله على وجه العوضية لمال آخر يسمى مشتريا) فان المشترى ينقل الثمن عوضا عن المثمن (و كل من نقل ماله على ان يكون عوضه مالا من آخر يسمى بايعا) فان البائع ينقل المثمن على ان يكون عوضه ثمنا من المشترى (و بعبارة اخرى كل من ملك ماله) ل (غيره بعوض فهو البائع) بان ابتدأ فى املاك ماله (و كل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشترى) بان ابتدأ فى تملك مال الغير (و الا ف) لا فرق فى الحقيقة بين البائع و المشترى اذ (كل منهما- فى الحقيقة-) و الواقع (يملّك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله) «يملك» الاول بالتشديد، و الثانى بالتخفيف هذا تمام الكلام فى اشتراط تقديم الايجاب على القبول (و من جملة شروط العقد الموالاة) اى التتابع من «والى» «يوالى» (بين ايجابه و قبوله) سواء كان القبول مقدما او مؤخرا (ذكره الشيخ فى المبسوط فى باب الخلع ثم العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و الشيخ المقداد) ثم سائر الفقهاء.

ص: 292

قال الشهيد فى القواعد: الموالاة معتبرة فى العقد و نحوه و هى مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه فقال بعض العامة لا يضر قول الزوج- بعد الايجاب- الحمد لله و الصلاة على رسول اللّه:

قبلت نكاحها و منه الفورية فى استتابة المرتد فيعتبر فى الحال و قيل الى ثلاثة ايام و منه السكوت فى اثناء الاذان فان كان كثيرا ابطله و منه السكوت الطويل فى اثناء القراءة او قراءة غيرها خلالها

______________________________

(قال الشهيد فى القواعد: الموالاة معتبرة فى العقد و نحوه) اى نحو العقد كالصلاة و الاذان و غيرهما (و هى) اى الموالاة (مأخوذة) اى الاصل فى اعتبار هذا الشرط (من اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه) فى باب الاقرار قطعا فلو قال له على الف ثم قال بعد ساعة الا عشرة، لم يقبل منه بخلاف ما لو اوصله، و فى سائر الابواب لغة، فانه يقبح بالخطيب ان يقول «ان الانسان لفى خسر» ثم يقول بعد ساعة «الا المؤمن» مثلا (فقال بعض العامة لا يضر قول الزوج- بعد الايجاب-) من الزوجة، بان قالت الزوجة: «زوجتك نفسى بمائة» فيقول الزوج (الحمد لله و الصلاة على رسول اللّه: قبلت نكاحها) مثلا فقد فصل بين الايجاب و القبول بالتحميد و التصلية (و منه) اى من نحو العقد المعتبر فيه الفورية فالضمير فى «منه» عائد الى قوله «و نحوه» (الفورية فى استتابة المرتد) الملّى (فيعتبر) فى قبول توبته ان يتوب (فى الحال و قيل الى ثلاثة ايام) فلا يضر التأخير الى هذا المقدار (و منه السكوت فى اثناء الاذان فان كان كثيرا ابطله) كما لو قال «اللّه اكبر» ثم بعد ربع ساعة قال «اشهد ان لا إله الا اللّه» (و منه السكوت الطويل فى اثناء القراءة) فى الصلاة (او قراءة غيرها) اى غير القراءة كالتسبيحات الاربع و اذكار الركوع و السجود و نحوهما (خلالها) اى خلال القراءة.

ص: 293

و كذا التشهد و منه تحريم المأمومين فى الجمعة قبل الركوع فان تعمدوا اونسوا حتى ركع فلا جمعة و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة و منه الموالاة فى التعريف بحيث لا ينسى انه تكرار و الموالاة فى سنة التعريف، فلو رجع فى اثناء المدة استونفت ليتوالى انتهى.

اقول: حاصله ان الامر المتدرّج شيئا فشيئا اذا كان له صورة اتصالية فى العرف

______________________________

(و كذا) السكوت الطويل فى اثناء (التشهد) او السلام (و منه تحريم المأمومين فى) صلاة (الجمعة قبل الركوع) للامام (فان تعمدوا) التأخير (اونسوا) التكبير (حتى ركع) الامام (فلا جمعة) لهم (و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة) فلا يجوز تأخيرهم حتى فى اثناء الفاتحة (و منه الموالاة فى التعريف) للضالة سنة (بحيث لا ينسى انه تكرار) اى لا ينسى السامعين انه تكرار للتعريف السابق فانه اذا عرف متاعا فى هذا اليوم، ثم عرفه بعد شهر لم يعرف الناس انه تكرار للتعريف السابق (و الموالاة فى سنة التعريف، فلو رجع فى اثناء المدة) اى اثناء مدة السنة (استونفت) السنة (ليتوالى) فهناك فى تعريف اللقطة نوعان من الموالاة الاول المولاة فى التعريف بحيث يكون التعريف الثانى بعد التعريف الاول، و هكذا الثانى الموالاة فى شهور السنة فلا يصح التعريف فى كل سنة شهرا بان يعرف اثنتى عشرة سنة و لو متفرقة فى ضمن سنوات، بل اللازم ان تكون الاشهر فى سنة واحدة و الى النوع الاول اشار بقوله: و منه الموالاة و الى النوع الثانى اشار بقوله و الموالاة الخ (انتهى) كلام الشهيد «ره».

(اقول: حاصله ان الامر المتدرّج شيئا فشيئا اذا كان له صورة اتصالية فى العرف) بان كان للمجموع وحدة عرفية بحيث لا تتحقق تلك الوحدة

ص: 294

فلا بد فى ترتب الحكم المعلق عليه فى الشرع من اعتبار صورته الاتصالية فالعقد المركب من الايجاب و القبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئة الاتصالية و لذا الا يصدق المعاقدة اذا كان الفصل مفرطا فى الطول كسنة او ازيد و انضباط ذلك انما يكون بالعرف فهو فى كل امر بحسبه فيجوز الفصل بين الايجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما و يجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف

______________________________

العرفية الا بالموالاة (فلا بد فى ترتب الحكم المعلق عليه فى الشرع) اى الحكم المعلق ذلك الحكم على ذلك الامر المتدرج (من اعتبار صورته الاتصالية) بأن يسميه العرف بذلك الامر، مثلا يسميه العرف «فاتحة الكتاب» التى هى موضوع للوجوب و هكذا فى سائر الامور التى يعتبر فيها الموالات (فالعقد المركب من الايجاب و القبول القائم) ذلك العقد (بنفس المتعاقدين) انما هو (بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض) و عليه (فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئة الاتصالية) فلا يكون عقدا (و لذا لا يصدق المعاقدة اذا كان الفصل) بين الايجاب و القبول (مفرطا فى الطول كسنة او ازيد) او اقل من ذلك كشهر و نحوه (و انضباط ذلك) الفصل الطويل (انما يكون بالعرف) و حسب رؤيته انه هل تحقق الفصل الطويل أم لا (فهو) اى التوالى- و عدم الفصل الطويل (فى كل امر بحسبه) اى بحسب ذلك الامر عند العرف (فيجوز الفصل بين الايجاب و القبول بما) اى بمقدار (لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما و يجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف) فمثلا بين «بعتك الكتاب بدرهم» و «قبلت ذلك» يجوز فصل عشر دقائق، بينما لا يجوز بين «بعتك» و «الكتاب» الافصل دقيقتين، ثم لا يجوز الفصل بين «ب» و «ع» من «بعتك» الا مقدار عشر ثانية، و هكذا

ص: 295

كما فى الاذان و القراءة و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم فى المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا كما هو مقتضى التمسك بآية الوفاء بالعقود و بإطلاق كلمات الاصحاب فى اعتبار العقد فى اللزوم بل الملك.

اما لو كان منوطا بصدق البيع او التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد و اما جعل المأخذ فى ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه

______________________________

(كما فى الاذان و القراءة) أيضا كذلك، لا يجوز الفصل بين فصول الاذان و آيات الحمد باكثر من المتعارف (و ما ذكره) الشهيد من اشتراط الموالاة فى العقد (حسن لو كان حكم الملك) اى الحكم بالملكية التابعة للمعاملة (و اللزوم) للمعاملة (فى المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا) فانه- على هذا- لو لا الموالاة لا يكون عقد، و لو لم يكن عقد، لم يتحقق الملكية و اللزوم (كما هو) اى اناطة الملك و اللزوم بصدق العقد (مقتضى التمسك باية الوفاء بالعقود و بإطلاق كلمات الاصحاب فى اعتبار العقد فى اللزوم) حتى انه لو لم يكن عقد لم يكن لزوم (بل) لم يكن (ملك) اصلا.

(اما لو كان) الملك و اللزوم (منوطا بصدق البيع او التجارة عن تراض) فى قوله سبحانه: احل اللّه البيع، و تجارة عن تراض منكم (فلا يضره صدق العقد) فلا يشترط بالتوالى، لان صدق العقد كان منوطا بالتوالى بين الايجاب و القبول، اما صدق التجارة فلا يناط بالموالاة فانه اذا قال البائع لزيد بعتك الكتاب بدينار فقال زيد- بعد سنة- قبلت، و اعطى البائع و اخذ المشترى، صدق انه تجارة عن تراض.

(و اما جعل) الشهيد (المأخذ فى ذلك) الموالاة (اعتبار الاتصال بين الاستثناء) اى المستثنى (و المستثنى منه) حيث قال- فى كلامه المتقدم

ص: 296

فلأنه منشأ الانتقال الى هذه القاعدة فان اكثر الكليات انما يلتفت إليها من التأمل فى مورد خاص و قد صرح فى القواعد- مكررا- بكون الاصل فى هذه القاعدة كذا و يحتمل بعيدا ان يكون الوجه فيه ان الاستثناء اشد ربطا بالمستثنى منه من سائر اللواحق لخروج المستثنى منه معه عن حد الكذب الى الصدق فصدقه يتوقف عليه فلذا كان طول الفصل هناك اقبح

______________________________

(و هى مأخوذة) الخ (فلأنه) اى باب الاستثناء (منشأ الانتقال الى هذه القاعدة) اى قاعدة الموالات (فان اكثر الكليات) التى يعرفها الانسان (انما يلتفت إليها من التأمل فى مورد خاص) مثلا الانتقال الى «رفع كل فاعل» و «كون الضرب كذا» و «قاعدة ارخميدس فى الماء» و ما اشبه انما كان من بعض الجزئيات- كما لا يخفى- (و قد صرح) الشهيد «ره» (فى القواعد مكررا- بكون الاصل فى هذه القاعدة كذا) و اراد بالاصل المنشأ فى الانتقال (و يتحمل بعيدا ان) لا (يكون) مراد الشهيد من قوله «و هى مأخوذة» مجرد الاول فى الالتفات، بل المراد الموضع الّذي يكون الاتصال فيه اقوى ف (الوجه فيه) اى فى كون الاستثناء اصلا، فى باب الموالاة (ان الاستثناء اشد ربطا بالمستثنى منه من سائر اللواحق) كالوصف و الحال و التميز و المفعول و ما اشبه (لخروج المستثنى منه معه) اى من وجود المستثنى- متصلا به- (عن حد الكذب الى الصدق) فانك اذا قلت «لم يأت احد» و سكت كنت كاذبا فلما الحقته ب «الازيد» صار الكلام صدقا، و هذا بخلاف سائر اللواحق فانك اذا قلت «ضربت زيدا» و لم تأت ب «فى الدار» او «بالعصا» او ما اشبه لم تك كاذبا (فصدقه) اى المستثنى منه (يتوقف عليه) اى على المستثنى (فلذا كان طول الفصل هناك) فى باب الاستثناء (اقبح

ص: 297

فصار اصلا فى اعتبار الموالاة بين اجزاء الكلام ثم تعدى منه الى سائر الامور المرتبطة بالكلام لفظا او معنى او من حيث صدق عنوان خاص عليه لكونه عقدا او قراءة او اذانا و نحو ذلك.

ثم فى تطبيق بعضها على ما ذكره خفاء كمسألة توبة المرتد فان غاية ما يقال فى توجيهه ان المطلوب فى الاسلام الاستمرار فاذا انقطع فلا بد من اعادته فى اقرب الاوقات اما فى مسألة الجمعة

______________________________

فصار) الاستثناء- من هذه الجهة- (اصلا فى اعتبار الموالاة بين اجزاء الكلام ثم تعدى منه الى سائر الامور المرتبطة بالكلام) ارتباطا (لفظا) كالعطف- خصوصا بدل الغلط مثلا- (او معنى) كالوصف (او من حيث صدق عنوان خاص عليه) اى على الارتباط (لكونه عقدا) فانه لا ربط بين الايجاب و القبول لفظا و لا معنى، و انما صدق عنوان العقد متوقف على الموالاة (او قراءة) كالحمد، فان آياتها لا ترتبط بعضها ببعض لفظا او معنى، و انما صدق عنوان العقد متوقف على ذلك (او اذانا و نحو ذلك) من سائر الامور المنوطة صدقها على الاتصال.

(ثم) لا يخفى ان (فى تطبيق بعضها على ما ذكره) من الموالاة (خفاء كمسألة توبة المرتد) التى جعلها الشهيد «ره» من امثلة الموالاة اذ لا معنى للموالاة هنا (فان غاية ما يقال فى توجيهيه) اى توجيه كون توبة المرتد مثالا للموالاة (ان المطلوب فى الاسلام الاستمرار فاذا انقطع) الاستمرار بسبب الارتداد (فلا بد من اعادته) اى الاسلام (فى اقرب الاوقات) و هو ان بعد الارتداد.

و (اما) الموالاة (فى المسألة) صلاة (الجمعة) التى ذكرها الشهيد «ره»

ص: 298

فلان هيئة الاجتماع فى جميع احوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود مطلوبة فيقدح الاخلال بها و للتأمل فى هذه الفروع و فى صحة تفريعها على الاصل المذكور مجال.

ثم ان المعيار فى الموالاة موكول الى العرف كما فى الصلاة و القراءة و الاذان و نحوها و يظهر من رواية سهل الساعدى المتقدمة فى مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الايجاب و القبول بكلام اجنبى بناء على ما فهمه الجماعة من ان القبول

______________________________

(فلان هيئة الاجتماع فى جميع احوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود) و سائر احوال الصلاة (مطلوبة) عند الشرع (فيقدح الاخلال بها) و لو بتأخير النية، او يقال ان الموالاة بين تكبيرة الاحرام للمأموم و الامام مطلوبة لقوله عليه السلام: انما جعل الامام إماما ليؤتم به. فالفصل الطويل ضار (و) لا يخفى ان (للتأمل فى هذه الفروع) و انها يشترط فيها الموالاة أم لا- حسب ما ذكره الشهيد «ره»- (و فى صحة تفريعها على الاصل المذكور) اى اعتبار الاتصال بين المستثنى و المستثنى منه (مجال) واسع لعدم ارتباط بين ذلك الاصل و هذه الفروع، ثم لا دليل على بعض هذه الفروع، و اللّه سبحانه العالم.

(ثم ان المعيار فى الموالاة موكول الى العرف كما فى الصلاة) حيث يلزم التتابع فيها و الا انمحت صورة الصلاة (و القراءة و الاذان و نحوها) كاعمال العمرة و غيرها (و يظهر من رواية سهل الساعدى المتقدمة) فى قصة النكاح (فى مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الايجاب و القبول بكلام اجنبى) عن النكاح (بناء على ما فهمه الجماعة) من الرواية و ان القبول كان مقدما لان القبول كان بعد الايجاب- مباشرة- كما هو محتمل، فقالوا (ان القبول

ص: 299

فيها قول ذلك الصحابى: زوجنيها و الايجاب قوله- ص- بعد فصل طويل:

زوجتكها بما معك من القرآن و لعل هذا موهن آخر للرواية فافهم.

و من جملة الشرائط التى ذكرها جماعة: التنجيز فى العقد

بان لا يكون معلقا على شي ء باداة الشرط بان يقصد المتعاقد ان انعقاد المعاملة فى صورة وجود ذلك الشي ء لا فى غيرها و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلى و العلامة و جميع من تأخر عنه كالشهيدين و المحقق الثانى و غيرهم قدس اللّه ارواحهم و عن فخر الدين فى شرح الارشاد فى باب الوكالة: ان تعليق الوكالة على الشرط لا يصح عند الامامية، و كذا غيرها من العقود لازمة كانت او جائزة.

______________________________

فيها قول ذلك الصحابى: زوجنيها و الايجاب قوله) صلى اللّه عليه و آله و سلم (بعد فصل طويل زوجتكها بما معك من القرآن و) لكن (لعل) الفصل الطويل (هذا) الّذي ذكرناه (موهن آخر) غير تقديم القبول (للرواية) المذكورة (فافهم) فقد عرفت انه لا دليل على اشتراط تقديم الايجاب، كما انه لا دليل على الموالاة الا العرف، و من المعلوم ان هذا المقدار من الفصل المذكور فى الرواية لا يضر الموالاة (و من جملة الشرائط التى ذكرها جماعة) من العلماء (التنجيز فى العقد بان لا يكون) العقد (معلقا على شي ء باداة الشرط) كأن يقول البائع «بعتك ان جاء زيد» (بان يقصد المتعاقد ان انعقاد المعاملة فى صورة ذلك الشي ء) الّذي ذكر بصورة الشرط (لا فى غيرها) اى غير تلك الصورة (و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلى و العلامة و جميع من تأخر عنه) اى عن العلامة (كالشهيدين و المحقق الثانى و غيرهم قدس الله ارواحهم و عن فخر الدين فى شرح الارشاد فى باب الوكالة ان تعليق الوكالة على الشرط لا يصح عند الامامية، و كذا غيرها من العقود لازمة كانت) كالبيع (او جائزة) كالهبة و قوله لا يصح ظاهرة عدم صحة تلك المعاملة المعلقة لا عدم صحة الشرط.

ص: 300

و عن تمهيد القواعد دعوى الاجماع عليه، و ظاهر المسالك فى مسألة اشتراط التنجيز فى الوقف الاتفاق عليه و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد و ان لم يتعرض الاكثر فى هذا المقام و يدل عليه فحوى فتاويهم و معاقد الاجماعات فى اشتراط التنجيز فى الوكالة مع كونها من العقود الجائزة التى يكفى فيها كلما دل على الاذن حتى ان العلامة ادعى الاجماع على ما حكى عنه على عدم صحة ان يقول الموكل انت وكيلى فى يوم الجمعة فى ان تبيع عبدى و على صحة قوله انت وكيلى و لا تبع عبدى الا فى يوم الجمعة مع كون المقصود

______________________________

المعاملة المعلقة لا عدم صحة الشرط.

(و عن تمهيد القواعد دعوى الاجماع عليه، و ظاهر المسالك فى مسألة اشتراط التنجيز فى الوقف الاتفاق عليه) هذا (و الظاهر) لدى التتبع فى كلمات الفقهاء- (عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد و ان لم يتعرض الاكثر) لهذا الشرط (فى هذا المقام) اى مقام البيع فان تعرضهم له فى متفرقات الابواب دال على ان رأيهم عدم الانعقاد فى باب البيع (و يدل عليه) اى على عدم الخلاف (فحوى) و اولوية (فتاويهم و معاقد الاجماعات فى اشتراط التنجيز فى الوكالة مع كونها من العقود الجائزة التى يكفى فيها كلما دل على الاذن) فاذا كان التنجيز شرط فى العقد الجائز كان شرطا فى العقد اللازم بطريق اولى اذ العقد الجائز اخف مئونة من العقد اللازم (حتى ان العلامة ادعى الاجماع على ما حكى عنه على عدم صحة ان يقول الموكل) لمن يريد توكيله (انت وكيلى فى يوم الجمعة فى ان تبيع عبدى) حيث علق الوكالة على يوم الجمعة (و على صحة قوله انت وكيلى و لا تبع عبدى الا فى يوم الجمعة) اذ الوكالة مطلقة، و انما ظرف العمل يوم الجمعة (مع كون المقصود)

ص: 301

واحدا و فرق بينهما جماعة- بعد الاعتراف بان هذا فى معنى التعليق- بان العقود لما كانت متلقاة من الشارع انيطت بهذه الضوابط و بطلت فيما خرج عنها و ان افادت فائدتها فاذا كان الامر كذلك عندهم فى الوكالة فكيف الحال فى البيع و بالجملة فلا شبهة فى اتفاقهم على الحكم

و اما الكلام فى وجه الاشتراط فالذى صرح به العلامة فى التذكرة انه مناف للجزم حال الانشاء بل جعل الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق قال الخامس من الشروط الجزم فلو

______________________________

من العبارتين (واحدا) هو البيع يوم الجمعة (و فرق بينهما جماعة- بعد الاعتراف بان هذا فى معنى التعليق-) اى التسليم ان العبارتين كليهما تعليق لكن احدهما تعليق لفظى و الاخر تعليق معنوى (بان العقود لما كانت متلقاة من الشارع انيطت بهذه الضوابط) التى من جملتها عدم التعليق (و بطلت) العقود (فيما خرج عنها) اى عن تلك الضوابط فلا ينافى اتحاد المعنى فى العبارتين صحة احداهما دون صحة الاخرى (و ان افادت فائدتها) اى و ان افادت «ما خرج» فائدة «ما اذا كانت مشمولة للضابطة» مثلا «استأجرتك» و «متعتك» يفيدان معنى واحد و مع ذلك جاز الثانى- فى باب المتعة- دون الاول (فاذا كان الامر كذلك) مشروطا بعدم التعليق (عندهم فى الوكالة فكيف الحال فى البيع) الّذي هو اهم بالنظر الى كونه عقدا لازما (و بالجملة فلا شبهة فى اتفاقهم على الحكم) الّذي هو اشتراط التنجيز.

(و اما الكلام فى وجه الاشتراط فالذى صرح به العلامة فى التذكرة انه مناف للجزم حال الانشاء) و ما لا جزم فيه لا عقد (بل جعل) العلامة (الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق، قال الخامس من الشروط الجزم فلو

ص: 302

علق العقد على شرط لم يصح و ان كان الشرط المشية للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدته و هو احد قولى الشافعى و اظهرهما عندهم الصحة لان هذه صفة يقتضيها اطلاق العقد لانه لو لم يشأ لم يشتر انتهى.

و تبعه على ذلك الشهيد فى قواعده قال لأن الانتقال بحكم الرضا و لا رضا الا مع الجزم و الجزم ينافى التعليق، انتهى. و مقتضى ذلك ان المعتبر هو عدم التعليق على امر مجهول الحصول كما صرح به المحقق فى باب الطلاق و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان فى الجامع و المسالك فى مسألة-

______________________________

علق العقد على شرط لم يصح و ان شرط المشية) اى مشية المشترى كما لو قال بعتك ان شئت، فقال المشترى: قبلت، و انما لم يصح و لو كان التعليق بالمشية (للجهل بثبوتها) اى مشية المشترى (حال العقد و) للجهل ب (بقائها) اى المشية (مدته) اى مدة العقد لاحتمال انه شاء اوّل العقد و لم يشأ اخر العقد بان تبدل رأيه فى الوسط (و هو) اى البطلان و ان علق على المشية (احد قولى الشافعى و اظهرهما عندهم) اى العامة (الصحة لان هذه)- المشية (صفة يقتضيها اطلاق العقد لانه لو لم يشاء) المشترى (لم يشتر) فالتعليق عليه غير ضار (انتهى) كلام العلامة.

(و تبعه على ذلك الشهيد فى قواعده قال لأن الانتقال) للعوضين انما هو (بحكم الرضا) اى ان الرضا يحكم، و يوجب الانتقال لقوله تعالى: «الا ان تكون تجارة عن تراض منكم» (و لا رضا الا مع الجزم) اذ لو لا الجزم يكون التردد المنافى للرضا (و الجزم ينافى التعليق، انتهى. و مقتضى ذلك) الوجه و هو ان التعليق ينافى الجزم- المعتبر فى البيع- (ان المعتبر هو عدم التعليق على امر مجهول الحصول) اذ التعليق على امر معلوم الحصول لا ينافى الجزم (كما صرح به) اى بكون التعليق على المجهول محظور (المحقق فى باب الطلاق و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان فى الجامع و المسالك فى مسألة

ص: 303

ان كان لى فقد بعته ان التعليق انما ينافى الانشاء فى العقود و الايقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول.

لكن الشهيد فى قواعده ذكر فى الكلام المتقدم ان الجزم ينافى التعليق لانه بعرضة عدم الحصول و لو قدر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف لان الاعتبار بجنس الشرط دون انواعه فاعتبر المعنى العام دون خصوصيات الافراد.

ثم قال فان قلت فعلى هذا يبطل قوله فى صورة انكار التوكيل

______________________________

ان كان لى فقد بعته) هل يصح مثل هذا البيع أم لا؟ (ان التعليق انما ينافى الانشاء فى العقود و الايقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول) كقدوم زيد لا مثل طلوع الشمس.

(لكن الشهيد فى قواعده ذكر فى الكلام المتقدم ان الجزم ينافى التعليق) مطلقا و لو بامر معلوم الحصول (لانه) اى الشرط (بعرضة) و معرضية (عدم الحصول) اذ الشرط فى نفسه له وجهان (و لو قدر) و فرض (العلم بحصوله كالتعليق على الوصف) الّذي هو معلوم الحصول، و انما نقول بان فرض علمنا بحصول الشرط لا يكفى (لأن الاعتبار بجنس الشرط) و الشرط فى نفسه له وجهان- كما تقدم- (دون انواعه) التى منها معلوم الحصول (فاعتبر) الشهيد (المعنى العام) فى الشرط و هو كونه ذا وجهين: الحصول و العدم (دون خصوصيات الافراد) اى افراد الشرط كالفرد الّذي نعلم انه يحصل مثلا-.

(ثم قال) الشهيد (فان قلت فعلى هذا) الّذي ذكرتم من ان التعليق مبطل للعقد (يبطل قوله) اى العاقد (فى صورة انكار التوكيل) كما لو قيل لزيد المال مالك و انت وكلت خالدا فى بيعه، فينكر أن يكون المال ماله

ص: 304

ان كان لى فقد بعته.

قلت هذا تعليق على واقع لا متوقع الحصول فهو علة

______________________________

و ينكر توكيله لخالد فى بيع ماله- و لا يخفى ان قوله: «فى صورة انكار التوكيل» لا ربط له بالاشكال و الجواب، و انما هو كالجملة المعترضة (ان كان لى فقد بعته) و حاصل الاشكال انه لو كان الاعتبار بجنس الشرط دون انواعه، لزم بطلان العقد بهذه الصورة بان قال البائع: «إن كان لى فقد بعته» فى حال كون المال له، مع بداهة صحة مثل هذا البيع، و عليه فالضار انما هو بعض انواع التعليق، لا كل تعليق اذ التعليق على ثلاثة اقسام:

الاول: التعليق على امر متوقع لا يعلم حصوله كقوله: «ان جاء زيد فقد بعتك».

الثانى: التعليق على امر يحصل قطعا و هما يعلمان بذلك فيقول: «ان جاء زيد بعتك هذا الشي ء».

الثالث: ان يكون الشرط واقعا الآن نحو: «إن كان لى فقد بعتك»

و الشهيد يقول: ببطلان القسم الثانى أيضا، كبطلان القسم الاول و المستشكل يقول: و على هذا فاللازم بطلان القسم الثالث أيضا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 5، ص: 305

(قلت) لا تلازم بين بطلان القسم الثانى و بطلان القسم الثالث فان (هذا) القسم الثالث ليس تعليقا فى الواقع بل هو صورى محض، لانه (تعليق على واقع) اذ الملك واقع و ثابت للعاقد- و كلاهما يعلمان بذلك- (لا) على امر (متوقع الحصول) فى المستقبل بخلاف القسم الثانى فانه تعليق على امر مستقبل لكنهما يعلمان وقوعه، فحاله حال القسم الاول الّذي هو تعليق على امر مستقبل لا يعلمان حصوله (فهو) اى قول البائع: «ان كان لى» (علة

ص: 305

للوقوع او مصاحب له لا معلق عليه الوقوع.

و كذا لو قال فى صورة انكار وكالة التزويج- حيث تدعيه المرأة- ان كانت زوجتى فهى طالق انتهى كلامه و علل العلامة فى القواعد صحة «ان كان لى فقد بعته» بانه امر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا

______________________________

للوقوع) اى وقع البيع فقوله: «إن كان لى فقد بعته» بمنزله «لما كان لى فقد بعته» فالعلة فى البيع كونه للبائع (او مصاحب له) اى للوقوع فقوله «إن كان لى فقد بعته» بمنزله «هو لى فبعته» حيث ان العلة للبيع شي ء آخر، و على كلا التقديرين (لا) يكون قوله «ان كان لى» (معلق عليه الوقوع) فالبيع لم يعلق على شي ء، اذ «الشرط» اما علة او مصاحب و ليس «شرطا» واقعيا بل هو صورة الشرط فقط و عليه ففرق بين القسم الثانى الّذي هو شرط واقعا و بين القسم الثالث الّذي هو شرط صورة فقط فلا يلزم من بطلان الثانى بطلان الثالث.

(و كذا) لا تلازم بين بطلان التعليق و بطلان صورة التعليق فى مسئلة الطلاق كما (لو قال) الرجل فى صورة ما اذا نسب إليه انه و كلّ خالدا فى تزويج هند- مثلا- فقال (فى صورة انكار وكالة التزويج) و انكار التزويج- (حيث تدعيه المرأة-) فيما اذا جاءت الى الحاكم و قالت: ان فلانا وكل فى زواجى لنفسه و قد زوجت منه فقال الرجل (إن كانت زوجتى فهى طالق) فان الطلاق يقع لو كانت زوجته- واقعا- اذ ليست الزوجية امرا متوقعا فى المستقبل بل انما هو امر حاصل واقع (انتهى كلامه) اى كلام الشهيد «ره» (و علّل العلامة فى القواعد صحة «إن كان لى فقد بعته») المعلق على شرط و قد كان مقتضى القاعدة بطلانه- لما عرفت من لزوم التنجيز فى العقد- (بانه امر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا) لانه شرط صورى- و ليس

ص: 306

و كذا كل شرط علم وجوده فانه لا يوجب شكا فى البيع و لا وقوفه انتهى.

و تفصيل الكلام ان المعلق عليه اما ان يكون معلوم التحقق، و اما ان يكون محتمل التحقق و على الوجهين فاما ان يكون تحققه المعلوم او المحتمل فى الحال او المستقبل و على التقادير فاما ان يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد ككون الشي ء مما يصح تملكه شرعا او مما يصح اخراجه عن الملك كغير أمّ الولد و غير الموقوف عليه و نحوه و

______________________________

شرطا حقيقيا.

(و كذا كل شرط علم وجوده فانه لا يوجب شكا فى البيع) و انه هل وقع أم لا؟ بخلاف الشرط الّذي لا يعلم هل يكون أم لا؟ كما لو قال بعتك ان جاء زيد (و لا) شكا فى (وقوعه) اذ الشرط المحقق لا يجعل العقد ذا احتمالين، احتمال الوقوع و احتمال العدم (انتهى) كلام العلامة.

(و تفصيل الكلام) فى باب الشرط (ان المعلق عليه اما ان يكون معلوم التحقق، و اما ان يكون محتمل التحقق و على الوجهين فاما ان يكون تحققه المعلوم او) تحققه (المحتمل فى الحال او المستقبل) فمعلوم التحقق فى الحال نحو «ان كان لى» و فى المستقبل نحو «ان طلعت الشمس» و محتمل التحقق فى الحال نحو «ان كان زيد جائيا» و فى المستقبل نحو «ان جاء زيد» (و على التقادير) الاربعة (فاما ان يكون الشرط مصححا للعقد) بحيث لو لا هذا الشرط لم يصح العقد (ككون) الشرط كون (الشي ء مما- يصح تملكه شرعا) كقوله «ان لم يكن خنزيرا فقد بعته» (او مما يصح اخراجه عن الملك) بان كان ملكا لكنه لا يصح اخراجه عن الملك (كغير أمّ الولد و غير الموقوف عليه و نحوه) كغير منذور التصدق بعينه كما لو قال «ان لم يكن وقفا فقد بعته» و الفرق ان «الخنزير» لا يصح ملكه و الوقف الخاص لا يصح اخراجه عن الملك مع انه بذاته ملك (و

ص: 307

كون المشترى ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا او ممن يجوز العقد معه بان يكون بالغا. و اما ان لا يكون كذلك.

ثم التعليق اما مصرح به، و اما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة و قوله فى القرض و الهبة خذ هذا بعوضه او خذه بلا عوض يوم الجمعة فان التمليك معلق على تحقق الجمعة فى الحال او فى الاستقبال و لهذا احتمل العلامة فى النهاية و ولده فى الايضاح بطلان بيع الوارث

______________________________

كون المشترى ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا) على القول بعدم ملك العبد، فيقول: «ان لم تكن عبدا فقد بعتك» فان القلم الّذي يريد بيعه مثلا- ملك و قابل للاخراج عن الملك لكن المشترى ليس قابلا للانتقال إليه (او ممن يجوز العقد معه) بان يصح تملكه لكنه لا يجوز العقد معه (بان يكون بالغا) فان غير البالغ لا يصح العقد معه و ان صح تملّكه، فانه ليس كالعبد.

(و اما ان لا يكون كذلك) اى ليس شرطا مصححا للعقد (ثم التعليق اما مصرح به) بان صاغه فى صورة الشرط كما يقول «إن كان اليوم جمعة فقد بعتك».

(و اما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة) فان يوم الجمعة شرط فى هذه الصورة (و قوله فى) بابى (القرض و الهبة «خذ هذا بعوضه») يوم الجمعة (او خذه بلا عوض يوم الجمعة فان) يوم الجمعة شرط اذ (التمليك معلق على تحقق الجمعة فى الحال او فى الاستقبال) فيما كانت صورته الشرطية «إن كان هذا اليوم الجمعة» او «ان جاء يوم الجمعة» (و لهذا احتمل العلامة فى النهاية و ولده فى الايضاح بطلان بيع الوارث

ص: 308

لمال موروثه بظن موته معللا بان العقد و إن كان منجزا فى الصورة الا انه معلق و التقدير ان مات مورثى فقد بعتك فما كان منها معلوم الحصول حين العقد فالظاهر انه غير قادح، وفاقا لمن عرفت كلامه كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و الصيمرى، و حكى أيضا عن المبسوط و الايضاح فى مسألة ما لو قال «ان كان لى فقد بعته» بل لم يوجد فى ذلك خلاف صريح و لذا ادعى فى الرياض فى باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحا

و ما كان معلوم الحصول فى المستقبل و هو المعبّر عنه بالصفة فالظاهر انه داخل فى معقد اتفاقهم على

______________________________

لمال موروثه بظن موته معللا) البطلان (بان العقد و إن كان منجزا فى الصورة) لانه يقول «بعتك هذه الدار التى هى لابى» (الا انه معلق) فى التقدير و الواقع، (و التقدير ان مات مورثى فقد بعتك) فقول المصنف «و لذا» بيان ان الشرط قد يكون تقديريا، و ان لم يكن صوريا، و ان حاله كحال الشرط الصورى (فما كان منها) اى من اقسام الشرط (معلوم الحصول حين العقد فالظاهر انه غير قادح، وفاقا لمن عرفت كلامه) من الفقهاء (كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و الصيمرى، و حكى أيضا عن المبسوط و الايضاح فى مسألة ما لو قال «ان كان لى فقد بعته») فى حال كون المال له واقعا (بل لم يوجد فى ذلك) اى صحة مثل هذا التعليق (خلاف صريح و لذا ادعى فى الرياض فى باب الوقف عدم الخلاف فيه) اى فى التعليق على الشرط المعلوم حصوله (صريحا و ما كان معلوم الحصول فى المستقبل) مثل ان طلعت الشمس (و هو المعبّر عنه) فى كلام الفقهاء (بالصفة) لان اوّل هذا الشرط الى الوصف اذ معنى «ان طلعت الشمس فقد بعتك» «بعتك وقت طلوع الشمس» فوقت الطلوع صفة للبيع (فالظاهر انه داخل فى معقد اتفاقهم على

ص: 309

عدم الجواز و إن كان تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه و نحو الشهيد الثانى فيما حكى عنه بل يظهر من عبارة المبسوط فى باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة فانه قال اذا قال الواقف «اذا جاء رأس الشهر فقد وقفته» لم يصح الوقف بلا خلاف لانه مثل البيع و الهبة و عندنا مثل العتق أيضا انتهى فان ذيله يدل على ان مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص بالامامية.

نعم مماثلته للعتق مختصة بهم و ما كان منها مشكوك الحصول و ليس صحة العقد معلقة فى الواقع عليه

______________________________

عدم الجواز، و إن كان تعليلهم للمنع) و عدم الجواز (باشتراط الجزم لا يجرى فيه) اذ الشرط هنا مجزوم به فانهما يعلمان طلوع الشمس- مثلا- (كما اعترف به) اى بكون الوصف مجزوما به، و ليس كالشرط المجهول حصوله (الشهيد فيما تقدم عنه و نحوه الشهيد الثانى فيما حكى عنه بل يظهر من عبارة المبسوط فى باب الوقف كونه) اى عدم الجواز (مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة) أيضا (فانه قال اذا قال الواقف «اذا جاء رأس الشهر فقد وقفته» لم يصح الوقف بلا خلاف لانه مثل البيع و الهبة) فكما لا يصح الشرط فيهما كذلك لا يصح فى الوقف (و عندنا) معاشر الشيعة (مثل العتق أيضا) لا يصح ان يقول «اذا جاء رأس الشهر اعتقتك» بخلافه عندهم فان العامة يصححون العتق المشروط (انتهى) كلام المبسوط (فان ذيله) و هو قوله «و عندنا مثل العتق» (يدل على ان مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص بالامامية) بل العامة أيضا قائلون ببطلان مثل هذا الشرط.

(نعم مماثلة) اى الوقف (للعتق مختص بهم) هذا تمام الكلام فى معلوم الحصول فى الحال، و فى المستقبل (و ما كان منها) اى من الشرائط (مشكوك الحصول و) الحال انه (ليس صحة العقد معلة عليه فى الواقع) اى ليس من قبيل

ص: 310

كقدوم الحاج فهو المتيقن من معقد اتفاقهم و ما كان صحة العقد معلقة عليه كالامثلة المتقدمة فظاهر اطلاق كلامهم يشمله الا ان الشيخ فى المبسوط حكى فى مسألة «إن كان لى فقد بعته» قولا من بعض الناس بالصحة و ان الشرط لا يضره مستدلا بانه لم يشترط الا ما يقضيه اطلاق العقد لانه انما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل اذا كان اذن له فى الشراء فاذا اقتضاه

______________________________

قابلية المبيع للملك، او قابليته للاخراج عن الملك او ما اشبه مما تقدم (كقدوم الحاج) فان صحة العقد ليس معلقا على قدوم الحاج و انما هو شرط يشترط المتعاملان فيما لو قال بعتك اذا جاء الحاج (فهو المتيقن من معقد اتفاقهم) بالبطلان (و ما كان) من الشروط (صحة العقد معلقة عليه) فى الواقع (كالامثلة المتقدمة) من الملكية، و الاخراج عن الملك، و قابلية المشترى للملك و قابليته للعقد (فظاهر اطلاق كلامهم) بعدم صحة التعليق (يشمله) فاذا قال «إن كان هذا شاة لا خنزيرا» او «اذا كان طلقا لا وقفا» او «اذا كنت ايها المشترى حرا لا عبدا» او «اذ كنت ايها المشترى بالغا لا مراهقا»- مثلا- فقد بعتك، لم يصح البيع و ان كان الشرط شرطا فى الواقع (الا ان الشيخ فى المبسوط حكى فى مسألة «إن كان لى فقد بعته» قولا من بعض الناس بالصحة) مع انه تعليق على شرط صحة العقد المتوقف عليه (و) قال (ان- الشرط لا يضره) اى لا يضرّ العقد (مستدلا بانه لم يشترط الا ما يقضيه اطلاق العقد) فانه اذا اطلق العقد، و قال «بعتك» كان معناه «ان كان لى هذا المبيع» (لانه انما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل) اى يصح البيع للوكيل من قبل الموكل (اذا كان اذن) الموكل (له) اى للوكيل (فى الشراء) اى فى البيع (فاذا اقتضاه) اى هذا الشرط

ص: 311

الاطلاق لم يضر اظهاره و شرطه كما لو شرط فى البيع تسليم الثمن او تسليم المثمن او ما اشبه ذلك انتهى و هذا الكلام و ان حكاه عن بعض الناس الا ان الظاهر ارتضاؤه له و حاصله انه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه فى الواقع و تعليقه ببعض مقدماته كالالزام ببعض غاياته فكما لا يضر الزام بما يقتضي العقد التزامه كذلك التعليق بما كان الاطلاق معلقا عليه و مقيدا به و هذا الوجه و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق فى إنشاء العقد

______________________________

(الاطلاق) للعقد (لم يضر اظهاره) لفظا (و شرطه) فى ضمن العقد (كما لو شرط فى البيع تسليم الثمن او تسليم المثمن او ما اشبه ذلك) مما يقتضيه الاطلاق (انتهى) كلام الشيخ (و هذا الكلام و ان حكاه) الشيخ (عن بعض الناس الا ان الظاهر) من سكوته عليه و عدم مناقشته له (ارتضاؤه له و حاصله انه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه) كالقبض او فعلية التسليم او ما اشبه (كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو) اى العقد (معلق عليه فى الواقع) نحو ان كان لى فقد بعته (و تعليقه) اى العقد (ببعض مقدماته) اى مقدمات العقد ككون المال للبائع (كالالزام ببعض غاياته) مثل الزام المشترى بان يدفع الثمن حالا، قوله «و تعليقه» مبتدأ خبره «كالالزام» (فكما لا يضر الالزام) كإلزام البائع للمشترى تسليم الثمن حالا- مثلا- (بما يقتضي) اطلاق (العقد التزامه) اذ لو لا هذا الشرط فى اللفظ، اقتضاه العقد فى نفسه (كذلك) لا يضر (التعليق بما كان الاطلاق) للعقد (معلقا عليه) فى الواقع (و مقيدا به) فى الحقيقة (و هذا الوجه) الّذي ذكره الشيخ لتصحيح التعليق (و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق فى إنشاء العقد) اذ ظاهر الشرط انه شرط للانشاء و الحال انه شرط للأثر فكون المثمن مال البائع فى قوله

ص: 312

لان المعلق على ذلك الشرط- فى الواقع-: هو ترتب الاثر الشرعى على ذلك العقد دون إنشاء مدلول الكلام الّذي هو وظيفة المتكلم فالمعلق فى كلام المتكلم غير معلق فى الواقع على شي ء و المعلق على شي ء ليس معلقا فى كلام المتكلم على شي ء بل و لا منجزا بل هو خارج عن مدلول الكلام الا ان ظهور ارتضاء الشيخ له كاف فى عدم الظن بتحقق الاجماع عليه مع ان ظاهر هذا التوجيه

______________________________

«إن كان لى فقد بعتك» شرط لترتب الاثر، انه شرط للانشاء، فان الاثر لا يحصل الا بكون المثمن مال البائع، اما الانشاء فهو يحصل و لو لم يكن المثمن مال البائع (لان المعلق على ذلك الشرط) نحو «إن كان لى» (- فى الواقع-:

هو ترتب الاثر الشرعى على ذلك العقد) فلولا الشرط لم يحصل نقل و انتقال (دون إنشاء مدلول الكلام) اى مدلول «بعت» (الّذي) اى الانشاء الّذي (هو وظيفة المتكلم) و ليس من وظائف الشارع، فالانشاء وظيفة المتكلم و ترتيب الاثر وظيفة الشارع (فالمعلق فى كلام المتكلم) الّذي هو الانشاء (غير معلق فى الواقع) و الحقيقة (على شي ء) اذ الانشاء للبيع ليس معلقا على كون المال للمتكلم (و المعلق على شي ء) و هو الاثر شرعى الترتب على الانشاء (ليس معلقا فى كلام المتكلم على شي ء) لان البائع لم يعلق الاثر الشرعى، و انما علق انشائه (بل و لا منجزا) فى كلامه، فان الاثر الشرعى وظيفة الشارع فلم يعلقه البائع و لم ينجّزه، اذ هو خارج عن عمله و وظيفة (بل هو) اى الاثر (خارج عن مدلول الكلام) لانه امر واقعى (الا ان ظهور ارتضاء الشيخ له) اى لكلام هذا القائل بصحة الشرط (كاف فى عدم الظن بتحقق الاجماع عليه) فلا اجماع على بطلان التعليق و كيف ينعقد الاجماع مع مخالفة مثل الشيخ (مع ان ظاهر هذا التوجيه) الّذي وجه الشيخ به كلام القائل بجواز التعليق

ص: 313

لعدم قدح التعليق يدل على ان محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم و يؤيد ذلك ان الشهيد فى قواعده جعل الاصح صحة تعليق البيع على ما هو شرط فيه كقول البائع بعتك ان قبلت و يظهر منه ذلك أيضا فى اواخر القواعد.

ثم انك قد عرفت ان العمدة فى المسألة هو الاجماع و ربّما يتوهم ان الوجه فى اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الانشاء للتعليق

______________________________

(لعدم قدح التعليق) بالمعاملة (يدل على ان محل الكلام) فى جواز التعليق و عدمه، انما هو (فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه) اما اذا علم وجود المعلق عليه فلا بأس بالتعليق (فلا وجه لتوهم اختصاصه) اى اختصاص محلّ الكلام (بصورة العلم) بان يقال ان صورة الجهل بوجود الشرط مفروغ عنها فى كونه موجبا للبطلان، و ان محل الخلاف صورة العلم بوجود الشرط، و الحاصل ان محل الكلام صورة الجهل، اما صورة العلم فلا كلام فى صحته (و يؤيد ذلك) الّذي ذكرنا من عدم الاجماع فى التعليق على شرط معلوم الحصول (ان الشهيد فى قواعده جعل الاصح صحة تعليق البيع على ما هو شرط فيه) واقعا (كقول البائع بعتك ان قبلت) فان القبول شرط فى انعقاد البيع، فاشتراط البائع له لا بأس به (و يظهر منه) اى من الشهيد (ذلك) الجواز و الصحة (أيضا فى اواخر القواعد) فلا اجماع فى المسألة حتى يستند إليه فى بطلان التعليق فى صورة العلم.

(ثم انك قد عرفت ان العمدة فى المسألة) اى مسألة عدم صحة التعليق (هو الاجماع) و اذا لم يكن اجماع فلا مستند لعدم الجواز (و ربّما يتوهم ان الوجه فى اعتبار التنجيز) فى العقد و بطلان التعليق (هو عدم قابلية الانشاء للتعليق) لان الانشاء ايجاد و الايجاد بين وجود و عدم، اما ان يكون معلقا

ص: 314

و بطلانه واضح لان المراد بالانشاء ان كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصور فيه الا ان الكلام ليس فيه و ان الكلام فى انه كما يصح إنشاء الملكية المتحققة على كل تقدير فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة على تقدير دون آخر كقوله هذا لك ان جاء زيد و خذ المال قرضا او قراضا اذا اخذته من فلان و نحو ذلك فلا ريب فى انه امر متصور واقع فى العرف و الشرع كثيرا فى الا و امر و المعاملات من العقود و الايقاعات و يتلو هذا الوجه فى الضعف ما قيل من ان ظاهر ما دل على سببية

______________________________

فلا يعقل (و بطلانه) اى بطلان «ان الانشاء ليس قابلا للتعليق» (واضح) لدى التأمّل (لان المراد بالانشاء) الّذي قلتم بانه لا يعقل فيه التعليق (ان كان هو مدلول الكلام) و معناه (فالتعليق غير متصور فيه) اى المدلول يوجد بوجود الكلام فليس له حاله معلقه (الا ان الكلام) اى كلامنا «فى صحة تعليق الانشاء» (ليس فيه) اى ليس فى الانشاء الّذي بمعنى مدلول الكلام (و ان الكلام) فى عدم صحة تعليق الانشاء- على ما ذكره القائل بالبطلان- (فى انه كما يصح إنشاء الملكية المتحققة على كل تقدير) مثلا سواء جاء زيد أم لا (فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة على تقدير دون) تقدير (آخر) أم لا يصح هذا النحو من التعليق (كقوله هذا لك ان جاء زيد و خذ المال قرضا) فى باب القرض (او قراضا) فى باب المضاربة (اذا اخذته من فلان و نحو ذلك) من الشرائط (فلا ريب فى انه) هذا النحو من التعليق (امر متصور واقع فى العرف و الشرع كثيرا فى الاوامر) كان يقال اضف زيدا ان احترمك و كقوله سبحانه:

«كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا» (و المعاملات من العقود و الايقاعات) كقولك بعتك ان جاء زيد، و زوجته طالق ان فعل كذا، فتبين ان قول القائل «لا يعقل التعليق فى الانشاء» ليس بتام «و يتلو هذا الوجه» اى عدم امكان التعليق فى الانشاء (فى الضعف ما قيل من ان ظاهر ما دلّ على سببية

ص: 315

العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه فتعليق اثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك و فيه بعد الغض عن عدم انحصار ادلة الصحة و اللزوم فى مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لان دليل حلية البيع و تسلط الناس على اموالهم كاف فى اثبات ذلك ان العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا مفاد اوفوا بالعهد فى ان العقد كالعهد اذا وقع على وجه التعليق فترتب تحقق المعلق

______________________________

العقد) للاثر الخاص كسببية عقد البيع الانتقال الملك و سببية النكاح للزوجية و كذلك فى الايقاعات كسببية الطلاق للتفرقة بل و فى الاحكام كسببية الزنا للجلد- مثلا- (ترتب مسببه عليه) فى (حال وقوعه) اى وقوع السبب (فتعليق اثره) اى اثر العقد (بشرط من المتعاقدين) كتعليق اثر البيع بشرط طلوع الشمس او قدوم زيد (مخالف لذلك) الاقتضاء و التلازم بين السبب و المسبب (و فيه بعد الغض عن عدم انحصار ادلة الصحة) للعقد (و) ادلة (اللزوم فى مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حتى يقال بان ظاهر اوفوا لزوم الوفاء بعد العقد مباشرة، مما لازمه كون الاثر بعد العقد متصلا بالعقد (لان دليل حلية البيع) نحو احل اللّه البيع (و تسلط الناس على اموالهم) فى الحديث الوارد بان الناس مسلطون على اموالهم (كاف فى اثبات ذلك) التعليق، اذ حلية البيع ظاهرها الحلية كيف ما اوقعاه و سلطنة الناس تقتضى صحة ايقاع المعاملة و لو معلقة بالشرط لان الناس مسلطون على مالهم يبيعونه بلا شرط او بشرط (ان العقد) كما فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله) ان مطلقا او معلقا فلا دلالة ل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على كون العقد سبب لوقوع الاثر بعده مباشرة (فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا) مثل (مفاد اوفوا بالعهد فى ان العقد كالعهد اذا وقع على وجه التعليق فترتب تحقق المعلق

ص: 316

عليه فى تحقق المعلق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد.

و الحاصل انه ان اريد بالمسبب هو مدلول العقد فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التى لا يعقل خلافها و ان اريد به الاثر الشرعى و هو ثبوت الملكية فيمنع كون اثر مطلق البيع الملكية المنجزة بل هو مطلق الملك فان كان البيع غير معلق كان اثره الشرعى الملك غير المعلق و ان كان معلقا فاثره الملكية المعلقة مع ان تخلف الملك عن العقد كثير جدا

______________________________

عليه) اى الشرط (فى تحقق المعلق) اى العهد (لا يوجب عدم الوفاء بالعهد) فلو قال اعاهدك عدم الحرب من اوّل السنة الآتية كان مقتضى العهد ذلك لا ان مقتضاه عدم الحرب بعد التلفظ بالعهد مباشرة و كذلك فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و الحاصل انه) اى المستشكل (ان اريد بالمسبب) للعقد الّذي قال بانه يلزم اتصاله بالعقد الّذي هو سبب (هو مدلول العقد) اللفظى (فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التى لا يعقل خلافها) اذ مدلول كل شي ء لا يتخلف عنه، لكن هذا الكلام لا ربط له بما نحن فيه الّذي هو عبارة عن صحة العقد المعلق و عدم صحته (و ان اريد به) اى بالمسبب (الاثر الشرعى و هو ثبوت الملكية) بان يكون مراده ان الملك يثبت بمجرد التلفظ بلفظ العقد فلا يصح تأخير الملكية بسبب الشرط و التعليق (فيمنع كون اثر مطلق البيع الملكية المنجزة) الحالية، حتى يقال بانه كيف تخلف الملك عن العقد؟ (بل هو) اى الاثر (مطلق الملك فإن كان البيع غير معلق كان اثره الشرعى الملك غير المعلق) فيكون الاثر بعد اجراء لفظ العقد (و ان كان) البيع (معلقا فاثره الملكية المعلقة) انما يحصل بعد ذلك الشرط (مع ان تخلف الملك عن العقد كثير جدا) فالعقد ليس سببا تاما بل السبب العقد و امور اخر، فاذا كان

ص: 317

مع ان ما ذكره لا يجرى فى مثل قوله بعتك ان شئت او ان قبلت فقال قبلت فانه لا يلزم هنا تخلف اثر العقد عنه مع ان هذا لا يجرى فى الشرط المشكوك المتحقق فى الحال فان العقد حينئذ يكون مراعى لا موقوفا مع ان ما ذكره لا يجرى فى غيره من العقود التى قد يتأخر مقتضاها عنه

______________________________

بعض السبب متأخرا- كالشرط- يكون المسبب الّذي هو الملك متأخرا عنهما و من جملة تخلف الملك عن العقد الفضولى على القول بالنقل و الوصية بالنسبة الى ملك الموصى له، و الوقف الخاص بالنسبة الى البطون و غيرها (مع ان ما ذكره) من لزوم التخلف فى ما اذا كان البيع معلقا و التخلف غير ممكن فالتعليق غير صحيح (لا يجرى فى مثل قوله) اى قول البائع (بعتك ان شئت) بصيغة الخطاب (او ان قبلت) او ان رضيت او ما اشبه (فقال) المشترى (قبلت فانه لا يلزم هنا تخلف اثر العقد عنه) اى عن العقد، فلا بطلان، مع انه تعليق فالكلية التى ادعاها المستدل من ان كل شرط تعليق و التعليق مستلزم للتخلف الباطل، غير تام اذ ليس كل تعليق مستلزما للتخلف (مع ان هذا) الاستدلال الّذي ذكره لبطلان الشرط من انه مستلزم للتخلف (لا يجزى فى الشرط المشكوك التحقق فى الحال) فيما كان فى الواقع موجودا كما لو قال بعتك ان كان زيد فى الدار (فان العقد حينئذ) اى حين شرط الشرط المشكوك (يكون مراعى) بوجوده فى الخارج و عدمه- مراعى ظاهريا- (لا موقوفا) و متوقفا على شرط استقبالى (مع ان ما ذكره) من ان التخلف غير جائز فلا يصح التعليق (لا يجرى فى غيره) اى غير البيع (من العقود التى قد يتأخر مقتضاها عنها) فهذا الاستدلال لو تم فانما يتم فى البيع لا فى مثل

ص: 318

كما لا يخفى و ليس الكلام فى خصوص البيع و ليس هذا الشرط فى كل عقد دليل على حدة ثم الاضعف من الوجه المتقدم التمسك فى ذلك بتوقيفية الاسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقن و ليس الا العقد العارى عن التعليق اذ فيه ان اطلاق الادلة مثل «حلية البيع» و «تسلط الناس على اموالهم» و «حل التجارة عن تراض»

______________________________

الوقف و الوصية و نحوهما (كما لا يخفى) فاذا صح تأخير المسبب عن السبب فى تلك العقود فى الجملة فلم لم يجز التأخير فيها بسبب الشرط (و ليس الكلام) فى انه هل يجوز الشرط أم لا (فى خصوص البيع) فمن يريد منع الشرط فى العقد يلزم عليه ان يأتى بدليل جار فى البيع و غير البيع لا بدليل جار فى البيع دون ما سواه (و) الحال انه (ليس على هذا الشرط) اى شرط التنجيز فى العقود، و بطلان التعليق (فى كل عقد دليل على حده) حتى يقال بانه نشترط فى البيع التنجيز بهذا الدليل- اى عدم امكان تخلف المسبب عن السبب و نشترط فى سائر العقود التنجيز بدليل آخر.

ثم لا يخفى ان قوله «و ليس الكلام» و «ليس على هذا الشرط» من تتمة قوله «مع ان ما ذكره لا يجرى» (ثم الاضعف) فى كونه دليلا على اشتراط التنجيز فى البيع (من الوجه المتقدم) الّذي بينه بقوله «و يتلو هذا الوجه فى الضعف ما قيل» (التمسك فى ذلك) اى فى اشتراط التنجيز فى العقود (بتوقيفية الاسباب الشرعية الموجبة) تلك التوقيفية (لوجوب الاقتصار فيها) اى فى الاسباب الشرعية (على المتيقن) كونه سببا (و ليس) ذلك المتيقن (الا العقد العارى عن التعليق) فاللازم الاقتصار عليه (اذ فيه ان اطلاق الادلة مثل «حلية البيع» و «تسلط الناس على اموالهم» و «حل التجارة عن تراض»

ص: 319

و «وجوب الوفاء بالعقود» و ادلة سائر العقود كاف فى التوقيف و بالجملة فاثبات هذا الشرط فى العقود مع عموم ادلتها و وقوع كثير منها فى العرف على وجه التعليق بغير الاجماع محققا او منقولا مشكل.

ثم ان القادح هو تعليق الانشاء و اما اذا إنشاء من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشئ مترددا فى ترتب الاثر

______________________________

و «وجوب الوفاء بالعقود» و ادلة سائر العقود) كالدليل الدال على صحة الرهن و المزارعة و المساقاة و المضاربة و ما اشبه (كاف فى التوقيف) اى فى ان الشارع اجاز ما يسمى بهذه العقود سواء كان المسمى بدون التعليق او مع التعليق.

و الحاصل انا نسلم توقيفية العقود لكن نقول ان الاطلاقات شاملة للعقد المعلق أيضا فلا وجه لقولكم بان القدر المتيقن العقد بدون التعليق اذ القدر المتيقن انما يلزم فى صورة الاجمال فى الدليل لا فى صورة الاطلاق (و بالجملة فاثبات هذا الشرط) اى شرط التنجيز (فى العقود مع عموم ادلتها) اى ادلة العقود، العموم الشامل للمعلق أيضا كشموله للمنجّز (و وقوع كثير منها) اى من العقود (فى العرف على وجه التعليق) مما يسبب كون الاطلاقات الشرعية- المنزلة على الامور العرفية، لانهم المخاطبون بتلك الاطلاقات- شاملة للعقود ذوات التعليق (بغير الاجماع محققا او منقولا مشكل) فالمستند منحصر فى الاجماع، و الاجماع مناقش فيه كبرى و صغرى لكونه- بعد وجوده- محتمل الاستناد كما فى قرر الاصول من عدم حجية الاجماع المحتمل الاستناد.

(ثم ان القادح) بالعقد- على القول بقدح التعليق- (هو تعليق الانشاء) كان يقول «بعتك ان جاء زيد» (و اما اذا إنشاء من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشئ) بصيغة اسم الفاعل (مترددا فى ترتب الاثر

ص: 320

عليه شرعا او عرفا كمن ينشئ البيع و هو لا يعلم ان المال له او ان المبيع مما يتمول او ان المشترى راض حين الايجاب أم لا؟ او غير ذلك مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا او شرعا بل الظاهر انه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الاثر عليه اذا تحقق القصد الى التمليك العرفى.

و قد صرح بما ذكرنا بعض المحققين حيث قال لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد.

نعم ربما يشكل الامر فى فقد الشروط المقومة كعدم الزوجية

______________________________

عليه شرعا او عرفا) بان لم يعلم هل ان الشارع يصحح هذا البيع أم لا؟ او لم يعلم هل ان العرف يرون نفوذ هذا البيع أم لا؟ (كمن ينشئ البيع) على مال خاص (و هو لا يعلم ان المال له او ان المبيع ما يتمول) او ليس مما يتمول عرفا كبيع الهرة مثلا (او ان المشترى راض حين الايجاب أم لا) ليس براض بناء على اشتراط رضايتهما من اوّل الايجاب الى اخر القبول (او غير ذلك) من الشرط (مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا او شرعا) اذ الشروط العرفية أيضا مما امضاها الشارع غالبا (بل الظاهر انه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الاثر عليه) اى على العقد (اذا تحقق القصد الى التمليك العرفى) اذ مقومات البيع حينئذ موجودة و الاعتقاد لا يضر فان المعاملات ليست من الامور الاعتقادية.

(و قد صرح بما ذكرنا) من عدم قدح الاعتقاد بعدم ترتب الاثر (بعض المحققين حيث قال لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن) الزعم المذكور (سببا لارتفاع القصد) فالضار حينئذ عدم القصد لا زعم الفساد.

(نعم ربما يشكل الامر فى فقد الشروط المقومة ك) اعتقاد (عدم الزوجية

ص: 321

او الشك فيها فى إنشاء الطلاق فانه لا يتحقق القصد إليه منجّزا من دون العلم بالزوجية.

و كذا الرقية فى العتق و حينئذ فاذا مست الحاجة الى شي ء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الانشاء على ما هو شرط فيه فلا بد من ابرازه بصورة التنجيز و ان كان فى الواقع معلقا او يوكل غيره الجاهل بالحال بايقاعه

______________________________

او الشك فيها) هل انها زوجة أم لا؟ (فى إنشاء الطلاق) و انما نقول بفقد الشرط المقدم (فانه لا يتحقق القصد إليه منجّزا من دون العلم بالزوجية) فمع الشك يفقد القصد المقدم فكيف بما اذا قطع بانها ليست زوجة.

(و كذا الرقية فى العتق) فانه اذا لم يعلم انه عبده سواء شك فى ذلك او قطع بانه ليس عبده لا يتمكن من القصد الى إنشاء الحرية (و حينئذ) اى حين اذ لا يمكن الانشاء فى الطلاق و العتق مع الشك (فاذا مست الحاجة الى شي ء من ذلك) الطلاق او العتق او نحوهما (للاحتياط) كما لو تزوج امرأة ثم شك فى انها رضيعة معه أم لا فأراد طلاقها حتى يتخلص من الشبهة و تتمكن المرأة من الزواج بلا شبهة و كذلك لو نذر عتق عبد ثم شك فى انه عبده أم لا و اراد الاحتياط بالعتق (و قلنا بعدم جواز تعليق الانشاء) تعليقا (على ما هو شرط فيه) اى على الزوجية العبدية- فى المثالين- فانهما شرطان فى العتق و الطلاق (فلا بد من ابرازه) اى الطلاق و العتق (بصورة التنجيز) بان يقول فلان طالق و فلان حرّ (و ان كان فى الواقع معلقا) فان الطلاق و العتق معلقان فى الواقع على الزوجية و العبدية له (او يوكل غيره الجاهل بالحال) اى الجاهل بكون الطلاق و العتق للاحتياط، و انما يشرط الجهل حتى يتمكن من قصد الانشاء (بايقاعه) اى لايقاع الطلاق و العتق

ص: 322

و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا على كون الموكل مالكا للفعل لان فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الاذن الا ان ظاهر الشهيد فى القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوج امرأة يشك فى انها محرمة عليه فظهر حلها و علل ذلك بعدم الجزم حال العقد قال و كذا الايقاعات كما لو خالع امرأة او طلقها و هو شاك فى زوجتيها او ولى نائب الامام قاضيا لا يعلم اهليته و ان ظهر اهلا ثم قال و يخرج من هذا بيع مال مورثه لظنه حياته فبان

______________________________

(و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا على كون الموكل مالكا للفعل) اى لفعل الطلاق و العتق، اذ لو لم يكن الموكل يملك مورد الوكالة كانت الوكالة باطلة كما لو و كله زيد لبيع دار ليست له، و انما قلنا لا يقدح (لان فساد الوكالة بالتعليق) الواقعى- و ان لم يأت بالشرط فى اللفظ- (لا يوجب ارتفاع الاذن) و من المعلوم ان الاذن كاف فى صحة الطلاق و العتق اذا كانت زوجة الموكل و كان عبدا له (الا ان ظاهر الشهيد فى القواعد الجزم بالبطلان) فى صورة التعليق (فيما لو زوج امرأة يشك فى انها محرمة عليه) لرضاع او نسب او مصاهرة، أم لا؟ (فظهرت)، تلك المرأة بعد الزواج (حلها و علل ذلك) البطلان للزواج (بعدم الجزم حال العقد) ثم (قال) الشهيد (و كذا الايقاعات) باطلة اذا لم يكن هناك جزم- و هذا الكلام من الشهيد مناف لما ذكرناه من صحة الطلاق و العتق و ان لم يكن جازما- قال (كما لو خالع امرأة او طلقها و هو شاك فى زوجيتها) له (او ولى نائب الامام قاضيا لا يعلم اهليته) اذ تولية القاضى من الايقاعات فمع الشك فى اهليته لا يصح توليته (و ان ظهر) بعد ذلك كونه (اهلا) للقضاء (ثم قال) الشهيد (و يخرج من هذا) الّذي ذكرناه من عدم صحة العقد و الايقاع مع الشك (بيع مال مورثه لظنه حياته) و ان البيع فضولى بالنسبة الى البائع (فبان) انه حين

ص: 323

ميتا لان الجزم هنا حاصل لكن خصوصية البائع غير معلومة و ان قيل بالبطلان امكن لعدم القصد الى نقل ملكه و كذا لو زوج امة ابيه فظهر ميتا انتهى.

و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه بامكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق فافهم و قال فى موضع اخر و لو طلق بحضور خنثيين

______________________________

البيع كان (ميتا) و انما نقول بصحة البيع مع ان البائع لا يجزم بكون المال لنفسه (لان الجزم) بالبيع (هنا حاصل لكن خصوصية البائع) و انه المورث او الوارث (غير معلومة و ان قيل) هنا (بالبطلان) للبيع (امكن) اذ له وجه (لعدم القصد) من الوارث (الى نقل ملكه) و انما قصد نقل ملك مورثه (و كذا لو زوج امة ابيه فظهر) الأب (ميتا) و ان الامة كانت لنفسه فان له وجهين الصحة و البطلان لما عرفت (انتهى) كلام الشهيد «ره».

(و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه) المراد بالطلاق الاعم من الخلع- لانه أيضا طلاق- و الطرفان هما مسألة الزواج و مسألة تولية القاضى (بامكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق) اذ الطلاق اخذ فى مفهومه ازاله علقة الزوجية- فاللازم الجزم بالزوجية حتى يتحقق مفهوم الطلاق- بخلاف الزواج فانه لم يؤخذ فى مفهوم «عدم المحرمية» و كذلك لم يؤخذ فى مفهوم التولية للقاضى «العدالة» فمن الممكن جزم الشاك فى المحرمية و العدالة عند اجراء الزواج و التولية، و لكن الطلاق لا يمكن الجزم به فى حال شكه فى انها زوجة أم لا (فافهم) اذ لا فرق فى عدم امكان الجزم مع الشك، فى كون شي ء داخلا فى المفهوم او شرطا، فان الشاك فى المحرمية لا يتمكن من ان يجزم بالزواج كما ان الشاك فى الزوجية لا يتمكن من ان يجزم بالطلاق فحشر الشهيد الامثلة الثلاثة فى باب واحد لا بأس به (و قال فى موضع اخر و لو طلق بحضور خنثيين) فانه يشك فى صحة الطلاق

ص: 324

فظهرا رجلين امكن الصحة و كذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا و يشكلان فى العالم بالحكم لعدم قصدهما الى طلاق صحيح انتهى

و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول

اشارة

فلو اختلفا فى المضمون بان اوجب البائع البيع على وجه خاص من حيث خصوص المشترى او المثمن او الثمن او توابع العقد من الشروط فقبل المشترى على وجه اخر لم ينعقد و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالايجاب

______________________________

حينئذ اذ شرط الطلاق حضور رجلين عدلين و الخنثى لا يعرف انه رجل او انثى (فظهرا) بعد الطلاق كونها (رجلين امكن الصحة) لانه جازم بالطلاق و انما الشك فى الشرط، و قد كان الشرط موجودا واقعا (و كذا) اذا طلق (بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا) ثم قال (و يشكلان) اى صحة الطلاق فى موردى الشك فى الذكورة و فى العدالة (فى العالم بالحكم) بان علم بانه لا يصح الطلاق بحضور غير الرجل و غير العادل (لعدم قصدهما الى طلاق صحيح) فلا يتمش منهما الانشاء (انتهى) كلام الشهيد «و من جملة شروط العقد» المعتبرة فيه (التطابق بين الايجاب و القبول فلو اختلفا فى المضمون بان اوجب البائع البيع على وجه خاص من حيث خصوص المشترى) كما لو باع مقيدا بكون المشترى زيدا فبان عمروا (او الثمن) كان باع الفرس، لا الحمار (او الثمن) كان باع بالف دينار، لا عشرة آلاف درهم (او توابع العقد من الشروط) كان باع بشرط سكنى زيد فيها- مثلا- لا سكنى عمرو (فقبل المشترى على وجه اخر) كما لو اشتراه بقيد عمرو او الحمار او الدرهم او سكنى عمرو (لم ينعقد) البيع (و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالايجاب) و هنا لا رضى للمشترى بالايجاب الصادر من البائع، و انما رضى بشي ء اخر، و ان شئت قلت: لم ينصب

ص: 325

و حينئذ لو قال بعته من موكلك بكذا فقال اشتريته لنفسى لم ينعقد و لو قال بعت هذا من موكلك فقال الموكل غير المخاطب: قبلت، صح.

و كذا لو قال بعتك فامر المخاطب وكيله بالقبول فقبل و لو قال بعتك العبد بكذا فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن او نصفه لم ينعقد.

و كذا لو قال بعتك العبد بمائة درهم فقال اشتريته بعشرة دنانير و لو قال للاثنين بعتكما العبد بالف فقال احدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم

______________________________

البيع و الشراء على شي ء واحد فلا معاملة و لا عقد (و حينئذ) اى حين اشتراط هذا الشرط (لو قال) البائع للمشترى (بعته من موكلك بكذا فقال) المشترى (اشتريته لنفسى لم ينعقد) البيع (و لو قال) البائع (بعت هذا) الشي ء كالفرس (من موكلك فقال الموكل) الّذي هو (غير المخاطب: قبلت، صح) لان اركان المعاملة تامة فان البيع كان من زيد الموكل فعدم جواب الوكيل لا يضرّ.

(و كذا لو قال بعتك) خطابا لزيد (فامر المخاطب وكيله بالقبول فقبل) صح أيضا اذ الاعتبار بوحدة البائع و المشترى و قد حصلت اما كون الجواب صادرا من الموكل او الوكيل فليس من مقومات المعاملة (و لو قال بعتك العبد بكذا) دينارا (فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن او) اشتريت نصفه ب (نصفه) اى نصف الثمن (لم ينعقد) اذ البيع كان للكل و الاشتراء للنصف فلم يصب الايجاب و القبول على شي ء واحد و لكن يحتمل الصحة هنا اذ هو من قبيل ظهور بعض السلعة للغير و انما يتدارك بالخيار.

(و كذا لو قال بعتك العبد بمائة درهم فقال اشتريته بعشرة دنانير) لم يصح لان الثمن فى القبول غير الثمن فى الايجاب (و لو قال للاثنين) اى لنفرين (بعتكما العبد بالف فقال احدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم

ص: 326

يقع و لو قال كل منهما ذلك لا يبعد الجواز و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشترى اشتريت كل نصف منه بخمسين و فيه اشكال

و من جملة الشروط فى العقد ان يقع كل من ايجابه و قبوله فى حال

يجوز لكل واحد منهما الانشاء فلو كان المشترى فى حال ايجاب البائع غير قابل للقبول او خرج البائع حال القبول عن قابلية الايجاب لم ينعقد ثم ان عدم قابليتهما ان كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الاغماء بل النوم فوجه الاعتبار عدم تحقق معنى المعاقدة

______________________________

يقع) لان البائع انما اوقع البيع على المجموع و لم يكن الاشتراء كذلك و انما كان على نصفه و تحتمل هنا الصحة لما تقدم (و لو قال كل منهما) اى من الاثنين (ذلك) اللفظ، بان قالا اشترينا نصفه بنصف الثمن (لا يبعد الجواز) اى الصحة لان الايجاب و القبول انصبا على شي ء واحد (و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشترى اشتريت كل نصف منه بخمسين) فانه لا يبعد الجواز (و فيه اشكال) اذ الايجاب كان منصبا على المجموع بما هو مجموع و القبول انصب على كل نصف نصف فلم يتواردا على شي ء واحد (و من جملة الشروط فى العقد) و هذا الشرط ليس فى الحقيقة راجعا الى العقد كما لا يخفى (ان يقع كل من ايجابه و قبوله فى حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء فلو كان المشترى فى حال ايجاب البائع غير قابل للقبول) كأن كان مجنونا ثم افق فى حال القبول (او خرج البائع حال القبول عن قابلية الايجاب) بان اوجب فاغمى عليه و فى حال اغمائه قال المشترى: قبلت- مثلا- (لم ينعقد) العقد (ثم ان عدم قابليتهما) فى وقت الايجاب او القبول (إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الاغماء بل النوم) لان النائم أيضا غير قابل (فوجه الاعتبار) لهذا الشرط (عدم تحقق معنى المعاقدة

ص: 327

و المعاهدة حينئذ.

و اما صحة القبول من الموصى له بعد موت الموصى فهو شرط حقيقة لا ركن فان حقيقة الوصية الايصاء و لذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه و لو رد جاز له القبول بعد ذلك و ان كان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه أيضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لان المعتبر فيه

______________________________

و المعاهدة حينئذ) فانه لا يسمى عقدا ما لو كان احد الطرفين حين العقد مجنونا، اذ العقد انما يتحقق من اوّل الايجاب الى تمام القبول و من المعلوم ان المجنون- مثلا- فى نصف العقد موجب لعدم صدق معاقدة العاقل فلا يشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و اما) الاشكال فى ذلك بانه لو اشترط كون الايجاب و القبول فى حال توفر الشروط فيها فكيف تقولون ب (صحة القبول من الموصى له بعد موت الموصى) مع انه حال القبول ميت (ف) الجواب عنه انه (هو) اى القبول (شرط حقيقة لا ركن) بخلاف ما نحن فيه اى الايجاب و القبول، اذ هما ركنان (فان حقيقة الوصية الايصاء) و الايصاء يتحقق بالايجاب فقط (و لذا) الّذي ذكرنا من انه ايصاء لا معاقدة (لو مات) الموصى له (قبل القبول قام وارثه مقامه و) كذلك (لو رد) الموصى له الوصية (جاز له القبول بعد ذلك) و لو كان القبول ركنا لم يكن لقيام الوارث وجه و كذلك لم يكن وجه لصحة القبول بعد الرد فتبين انه فرق بين العقد و بين الوصية (و إن كان) عدم قابليتهما و هذا عطف على قوله «ثم ان عدم»- (لعدم الاعتبار برضاهما) كما لو كان الموجب حال الايجاب محجورا، او صار حال القبول محجورا (ف) لا يصح البيع أيضا (لخروجه أيضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لان المعتبر فيه) اى

ص: 328

- عرفا- رضى كل منهما لما ينشئه الآخر حين انشائه كمن يعرض له الحجر بفلس او سفه او رق- لو فرض- او مرض موت و الاصل فى جميع ذلك ان الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الايجاب السابق.

و كذا لو كان المشترى فى زمان الايجاب غير راض او كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير

______________________________

فى التعاهد (- عرفا- رضى كل منهما لما ينشئه الآخر حين انشائه) و الرضا لا بدّ ان يكون موجبا للاثر و من المعلوم ان رضى المحجور- سواء فى حال إنشاء نفسه او فى حال إنشاء طرفه- لا قيمة له عرفا (كمن يعرض له الحجر بفلس او سفه او رق- لو فرض-) كما لو كان كافرا حربيا فاجرى الايجاب و قبل قبول الطرف استرق او ذميّا خرج بين الايجاب و القبول عن شرائط الذمة مثلا- (او مرض موت) بناء على عدم صحة منجزات المريض، فانه فى كل ذلك لا تصح المعاملة (و الاصل) اى الوجه (فى جميع ذلك) الّذي ذكرنا من انه لا يصح البيع حال كون ايجاب او القبول فى حال كون احد الطرفين خارجا عن القابلية (ان الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الايجاب السابق) بخلاف ما لو قلنا بان الالغاء لا يوجب اللغوية- لانه فعل ما من طرفه، فلم يبق الا ان يأتى قابل بما من طرفه- فانه على هذا اذا اوجب و هو حي أو حر مثلا- ثم مات قبل القبول او استرق، كان اللازم القول بالصحة، لانه- على هذا- الايجاب اذا ثبت دام، لا يرفعه لا الالغاء و لا خروج الموجب عن اهلية الايجاب.

(و كذا) لا يصح البيع (لو كان المشترى فى زمان الايجاب غير راض) ثم رضى حال القبول فانه لا يصح اذ المعاقدة المتوقفة على الطرفين لا تصدق مع عدم رضائهما من اوّل العقد الى آخره (او كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير)

ص: 329

فصحة كل من الايجاب و القبول بكون معناه قائما فى نفس المتكلم من اوّل العقد الى ان يتحقق تمام السبب و به يتم معنى المعاقدة فاذا لم يكن هذا المعنى قائما فى نفس احدهما او قام و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معنى المعاقدة ثم انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره من احدهما حين العقد بل يكفى حصوله بعده فضلا عن حصوله بعد الايجاب اللهم الا ان يلتزم بكون الحكم فى المكره على خلاف القاعدة لاجل الاجماع.

______________________________

و على هذا (فصحة كل من الايجاب و القبول) انما هى (بكون معناه قائما فى نفس المتكلم) الّذي يصح منه الايجاب و القبول (من اوّل العقد الى ان يتحقق تمام السبب و به) اى بهذا القيام من البدو الى الختم (يتم معنى المعاقدة) المصححة للمعاملة (فاذا لم يكن هذا المعنى قائما فى نفس احدهما او قام و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معنى المعاقدة) المصححة للمعاملة (ثم انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره) اى الرضا (من احدهما حين العقد بل يكفى حصوله) اى الرضا (بعده) اى بعد العقد (فضلا عن حصوله بعد الايجاب) حال القبول، و هذا ينافى ما ذكرناه من الاشتراط (اللهم الا ان يلتزم بكون الحكم فى المكره على خلاف القاعدة لاجل الاجماع) و لا يخفى ان فى بعض الاستدلالات السابقة نظر فلا تبعد الصحة فى بعض الامور الصور السابقة و اللّه العالم.

ص: 330

فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا او تقليدا فى شروط الصيغة

فهل يجوز ان يكتفى كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا؟ وجوه. ثالثها: اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا فى النقل كما لو فرضنا انه لا قائل بجواز تقديم القبول على الايجاب و جواز العقد بالفارسى. اردئها: اخيرها. و الاولان مبنيان على ان الاحكام الظاهرية المجتهد

______________________________

(فرع) مبنى على شروط الصيغة (لو اختلف المتعاقد ان اجتهادا او تقليدا) او اجتهادا و تقليدا (فى شروط الصيغة) كالعربية مثلا بان قال احدهما بالاشتراط و قال الاخر بعدم الاشتراط (فهل يجوز ان يكتفى كل منهما بما يقتضيه مذهبه) فيأتى المشترط للعربية بالعربى و غير المشترط بالفارسى و يصح العقد حتى للمشترط (أم لا وجوه) الاكتفاء مطلقا و عدم الاكتفاء مطلقا (ثالثها اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا فى النقل) مثلا (كما لو فرضنا) هناك قائل بجواز الفارسية لا يقول بجواز تقديم القبول و قائل بجواز تقديم القبول لا يقول بالفارسية ف (انه لا قائل بجواز تقديم القبول على الايجاب و جواز العقد بالفارسى) فان اجريا عقدا منهما كان باطلا بنظر الكل فمثل هذا العقد باطل بنظر المفصل بخلاف ما اذا كان المحذور تقديم القبول فقط، او كونه فارسيا فقط (اردئها) اى الوجوه (اخيرها) فان هذا التفصيل مما لا وجه له اذ بعد كون العقد مركبا من الصحيح بنظر هذا فى جزء و بنظر الاخر فى جزئه الاخر لم يكن وجه للقول ببطلانه لانه لا يطابق بمجموعه نظر احد (و) القولان (الا و لان مبنيان على ان الاحكام الظاهرية المجتهد

ص: 331

فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية فالايجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة اشارة الاخرس و ايجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة الى واجد الماء أم هى احكام عذرية لا يعذر فيها الا من اجتهد او قلد فيها. و المسألة محررة فى الاصول. هذا كله اذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا الى فعل الاخر كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب. و اما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين على صفات صحة الانشاء الى آخر العقد فالظاهر ان اختلافهما يوجب فساد المجموع

______________________________

فيها) و المراد بالحكم الظاهرى ما وصل إليه نظر المجتهد، اذ قد تحقق فى الاصول انه ليس هنا حكم ظاهرى و حكم واقعى، و انما الحكم واقعى فقط منتهى الامر هناك التنجيز و الاعذار (بمنزلة الواقعية الاضطرارية) مما هو صحيح فى هذا الحال (فالايجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة اشارة الاخرس و) بمنزلة (ايجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة الى واجد الماء) حيث ان اعمال هؤلاء صحيحة و ان لم تكن واقعية اولية فكذلك الامور الاجتهادية المخالفة للواقع هى صحيحة و ان لم تكن صحيحة بالواقعية الاولية (أم هى احكام عذرية لا يعذر فيها الا من اجتهدا و قلد فيها) فالطرف الاخر الّذي ليس اجتهاده او تقليده ذلك لا يصح العمل بالنسبة إليه (و المسألة محررة فى الاصول) و لذا نتركها لمحلّها (هذا كله اذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا الى فعل الاخر كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب) بان اجرى احدهما بالكناية او الفارسية او بصيغة المستقبل او مقدما القبول، و كان رأى الاخر بطلان ذلك (و اما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين على صفات صحة الانشاء الى آخر العقد فالظاهر ان اختلافهما يوجب فساد المجموع) فاذا كان رأى احدهما عدم اشتراط الموالاة

ص: 332

لان الاخلال بالموالاة او التنجيز او البقاء على صفات صحة الانشاء يفسد عبارة من يراها شروطا. فان الموجب اذا علق مثلا او لم يبق على صفة صحة الانشاء الى زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الايجاب بالقبول. و كذا القابل اذا لم يقبل الا بعد فوات الموالاة- بزعم صحة ذلك- فانه يجب على الموجب اعادة ايجابه اذا اعتقد اعتبار الموالاة، فتأمل.

______________________________

مثلا، و رأى الاخر اشتراطها فاجريا عقلا بلا موالاة كانت باطلة و ان قلنا بالصحة فى صورة الاختلاف فى الشرائط المتقدمة (لان الاخلال بالموالاة او التنجيز او البقاء على صفات صحة الانشاء) كالبلوغ و العقل و ما اشبه (يفسد عبارة من يراها شروطا) فالعقد باطل مطلقا (فان الموجب اذا علق مثلا) كما لو قال بعتك ان جاء زيد (او لم يبق على صفة صحة الانشاء الى زمان القبول) كما لو نام مثلا قبل ان يقبل المشترى (باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا) القسم من العقد (تعقيب هذا الايجاب بالقبول) و معنى لم يجز: عدم الصحة، لا عدم جوازه شرعا (و كذا القابل اذا لم يقبل الا بعد قوات الموالاة- بزعم صحة ذلك-) و ان العقد بدون الموالاة صحيح (فانه يجب على الموجب اعادة ايجابه اذا اعتقد اعتبار الموالاة) و الا كان العقد بنظره فاسدا (فتأمل) فانه أىّ فرق بين فوات هذه الشرائط و بين شرط تقديم الايجاب مثلا، اذ يمكن ان يقال: ان الموجب اذا اعتقد عدم تأثير الايجاب المتأخر لم يجز له ان يأتى بالايجاب المتأخر، و الحاصل ان الشرائط كلها من مساق واحد فاذا قلنا بالصحة مع الاختلاف لزم ان نقول بها فى الجميع و الا فالبطلان فى الجميع.

الى هنا ينتهى الجزء الاول من اجزاء كتاب البيع حسب تجزئتنا. و يبدأ الجزء

ص: 333

التالى بمسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

و للّه الحمد أولا و اخيرا و صلى الله على خير رسله و اشرف بريته محمد و على آله الطيبين الطاهرين.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

ص: 334

تفصيل محتوى الكتاب

الموضوع رقم الصفحة

كتاب البيع 3

البيع لغة 3

فى بيان حقيقة البيع 4

فى وقوع الحقوق مورد البيع 7

البيع حقيقة عرفية 10

فى تعريفات البيع 11

فى التعريف المختار للبيع 13

فى عكس التعريف و طرده 14

ملخص تعريف البيع 19

القرض ليس بيعا 21

فى معانى اخر للبيع 22

فى نقض هذه المعانى 24

هل البيع اسم للصحيح او للاعم؟ 29

عدم جواز التمسك بالإطلاق على الصحيحى 31

فى توجيه كلام الشهيدين فى المقام 33

ص: 335

الموضوع رقم الصفحة

(الكلام فى المعاطاة)

فى تعريف المعاطاة 34

فى الوجوه المحتملة فى المعاطاة 35

فى تحقيق مفاد المعاطاة 37

فى نقل كلمات العلماء فى المقام 41

فى ان المشهور قائلون بالإباحة دون الملك 54

فى ان القائل بالإباحة ينفى كون المعاطاة بيعا 59

فى عدم امكان توجيه كلماتهم فى المقام 61

فى ان الاقوال فى المعاطاة ستة 62

فى ان المشهور عدم ثبوت الملك 64

فى تأييد افادة المعاطاة للملك 67

فى ان منع صدق اسم البيع على المعاطاة مكابرة 68

فى الاستدلال على افادة المعاطاة الملك 70

فى كلام بعض الاساطين: من استلزام تأسيس قواعد جديدة 79

فى نقض هذا الكلام و الرد عليه 88

فى ان الايرادات المذكورة استبعادات محضة 97

فى التمسك باصالة اللزوم فى المقام 99

فى الاستدلال على افادة المعاطاة اللزوم 102

فى كفاية مطلق اللفظ الدال على الرضا 115

فى تفسير «انما يحلل الكلام و يحرم الكلام» 117

فى استظهار اعتبار اللفظ فى الايجاب 125

ص: 336

الموضوع رقم الصفحة

يشترط فى المعاطاة جميع شروط البيع ما عدا الصيغة 131

جريان احكام البيع جميعا فى المعاطاة 141

فيما تتحقق به المعاطاة خارجا 143

المعيار فى المعاطاة هو وصول العوضين إليهما 146

فى تمييز البائع عن المشترى فى المعاطاة 147

فى الوجوه المتصورة فى المعاطاة 151

فى توجيه التصرفات المتوقفة على الملك 157

فى احتمال ان تكون المعاطاة معاملة مستقلة 173

هل تجرى المعاطاة فى غير البيع؟ 175

فى ملزمات المعاطاة 184

فيما اذا وقعت المعاطاة بعقد فاسد 213

فى عدم كفاية الرضا الشأنى فى المعاملة 221

(مقدمة)

فى خصوص الفاظ البيع 225

فى اعتبار اللفظ فى البيع 225

فى كفاية الكتابة عن اللفظ 227

فى الخصوصيات المعتبرة فى اللفظ 228

فى عدم وقوع الكناية و اعتبار الصراحة 229

فى الاشكال فى استعمال الالفاظ المشتركة 240

فى الاختلاف فى تعيين الموجب عن القابل 256

ص: 337

الموضوع رقم الصفحة

فى اعتبار العربية فى الصيغة 257

فى اعتبار العلم بتفاصيل اللفظ 261

فى اعتبار كون اللفظ ماضيا 262

فى لزوم تقديم الايجاب على القبول 264

فى عدم صحة الاستيجاب و الايجاب 273

فى عدم صحة القبول بلفظ الامر 275

فى اعتبار الموالاة فى العقد 293

فى اعتبار التنجيز فى العقد 300

فى عدم صحة التعليق 303

فى اعتبار الجزم فى العقد 323

فى اعتبار التطابق بين الايجاب و القبول 325

فى اعتبار بقاء المتعاقدين على الشرائط 327

فيما اذا اختلف المتعاقدان نظرا او تقليدا 331

الفهرست 335

ص: 338

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.