بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح
عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي
تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.
خصائص المظهر: ج 16
شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):
لسان : العربية
ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا
ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون
عنوان آخر: المكاسب. شرح
موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير
موضوع : معاملات (فقه)
موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13
المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح
ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385
تصنيف ديوي: 297/372
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816
ص: 1
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين
و بعد .. يقول محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى: هذا هو الجزء الثاني من كتابنا (ايصال الطالب) في شرح (المكاسب) للعالم العامل التقى الزاهد آية اللّه الحاج الشيخ المرتضى الانصارى- قدس اللّه سره، و اجزل أجره-.
و يبتدئ بالنوع الرابع من انواع المكاسب المحرمة.
كتبته تبصرة للمبتدئين، و اللّه المسئول ان يوفقنى للاتمام، و يجعله مبينا لمنهج الاسلام، و خالصا لوجهه الكريم، و هو المستعان.
كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى
ص: 2
و هذا النوع و ان كان افراده هى جميع الاعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها، في الاجارة، و الجعالة، و غيرهما، الا انه جرت عادة الاصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و غير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به، كالغيبة، و الكذب، و نحوهما.
______________________________
(النوع الرابع) من انواع المكاسب المحرمة: (ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه).
(و هذا النوع و ان كان افراده هى جميع الاعمال المحرمة القابلة) عرفا (لمقابلة المال بها، في الاجارة، و الجعالة، و غيرهما، الا انه جرت عادة الاصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و) ذكر (غير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به، كالغيبة، و الكذب، و نحوهما).
و حيث ان الفقهاء- رضوان الله عليهم- لم يجد و امكانا مناسبا لذكر المحرمات ادرجوا جملة منها في العدالة، في باب صلاة الجماعة.
و جملة منها هنا في المكاسب المحرمة. و جملة في القضاء. و فرقوا جملا اخرى في الابواب المناسبة كباب الصوم، و الحج، و الحدود، و الديات، و القصاص، و ما اشبه.
و الانصاف ان الجدير ان يجمع كل المحرمات في كتاب مستقل، مفصلا دليلها و خصوصياتها، و قد ذكر المجلسى- رحمه الله- جملة
ص: 3
و كيف كان فنقتفى آثارهم بذكر اكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف اوائل عنواناتها ان شاء الله تعالى. فنقول:
كما عن الرياض- و عن مجمع الفائدة الاجماع عليه.
______________________________
منها في آخر كتابه «عين الحياة»، و ذكر الوالد جملة كبيرة منها في آخر رسالته العملية «بداية الاحكام».
لكن الامر بحاجة الى استدلال و تفصيل.
(و كيف كان) الامر، سواء كان ذكر المحرمات هنا حسنا أم لا (ف) نحن (نقتفى آثارهم بذكر اكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف اوائل عنواناتها ان شاء الله تعالى) من غير مراعاة لمادة الكلمة، و انما اللفظ فنقدم «التدليس» على «حفظ كتب الضلال» مثلا، لكن نراعى الحرف الثاني في الترتيب أيضا بتقديم «التدليس» على «تزيين الرجل» (فنقول).
(المسألة الاولى: تدليس الماشطة) و هى المرأة المزينة للنساء و اللفظ مشتق من المشط لانها تمشط رأس النساء (المرأة التى يراد تزويجها او الامة التى يراد بيعها حرام) خبر قوله «تدليس» (بلا خلاف) بين الفقهاء (- كما عن الرياض- و عن مجمع الفائدة الاجماع عليه) و الاجماع اقوى من عدم الخلاف، اذ عدم الخلاف يلائم مع سكوت جماعة بعدم تعرضهم للمسألة اصلا، بخلاف الاجماع، فانه لا يكون الا بعد اتفاق الكل
ص: 4
و كذا فعل المرأة ذلك بنفسها و يحصل بوشم الخدود كما في المقنعة و السرائر و النهاية و عن جماعة.
قال في المقنعة: و كسب المواشط حلال اذا لم يغششن و لم يدلسن في عملهن فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس و يشمن الخدود و يستعلمن ما لا يجوز في شريعة الاسلام فان وصلن شعرهن بشعر غير الناس فلا بأس، انتهى.
______________________________
(و كذا فعل المرأة ذلك) التدليس (بنفسها و يحصل بوشم الخدود كما في المقنعة و السرائر و النهاية و عن جماعة) تغريرا للزوج او المولى.
(قال) المفيد (في المقنعة: و كسب المواشط حلال اذا لم يغششن) النساء (و لم يدلسن في عملهن) تغريرا لمن يريد التزويج او الاشتراء (فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس) بوضع الشعر عارية، فيظن من لا اطلاع له ان لها شعرا جميلا طويلا (و يشمن الخدود) او غير الخدود مما يزيد المرأة جمالا، و الوشم عبارة عن غرز الابرة في مكان مكررا ثم جعل النيل و نحوه في ذلك المكان لينفذ في الجسم و يبقى لونه بعد ذلك (و يستعملن ما لا يجوز) استعماله أو لا يجوز هيأته (في شريعة الاسلام) كاستعمال النجاسة في مكان الوشم، كاجزاء الميت، و مثل وشم الصليب في الجسم، و ما اشبه (فان وصلن شعرهن) اى النساء (بشعر غير الناس) كالصوف او شعر التيس او ما اشبه (فلا بأس) و لعل المراد من البأس في وصل شعرهن بشعر غيرهن من الناس، شعر غيرهن من النساء، و يكون البأس لنظر الرجل الاجنبى إليه، و الا فلا يخفى حصول التدليس بالوصل سواء كان بشعر انسان او شعر حيوان (انتهى).
ص: 5
و نحوه بعينه عبارة النهاية.
و قال في السرائر في عداد المحرمات: و عمل المواشط بالتدليس، بان يشمن الخدود، و يحمرنها، و ينقشن بالايدى، و الارجل، و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن، و ما جرى مجرى ذلك، انتهى.
و حكى نحوه عن الدروس و حاشية الارشاد.
و في القواعد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل لان الوشم في نفسه زينة
و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الانسان و وصله بشعر غيره، فان ذلك لا مدخل له في التدليس و عدمه.
______________________________
(و نحوه بعينه عبارة النهاية).
(و قال في السرائر في عداد المحرمات: و عمل المواشط بالتدليس بان يشمن الخدود، و يحمرنها، و ينقشن بالايدى، و الارجل، و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن، و ما جرى مجرى ذلك) من اقسام التدليس (انتهى).
(و حكى نحوه عن الدروس و حاشية الارشاد).
(و في القواعد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل، لان الوشم في نفسه زينة) و ليس كل زينة تدليسا.
(و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الانسان و وصله بشعر غيره، فان ذلك) اى كون الشعر للانسان او غيره (لا مدخل له في التدليس و عدمه).
ص: 6
الا ان يوجه الاول بانه قد يكون الغرض من الوشم ان يحدث في البدن نقطة خضراء حتى يتراءى بياض سائر البدن و صفاؤه اكثر مما كان يرى لو لا هذه النقطة.
و يوجه الثاني بان شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الاصلى للمرأة فلا يحصل التدليس به، بخلاف شعر المرأة.
و كيف كان يظهر من بعض الاخبار: المنع عن الوشم و وصل الشعر بشعر الغير. و ظاهرها: المنع و لو في غير مقام
______________________________
(الا ان يوجه الاول) اى كون الوشم تدليسا (بانه قد يكون الغرض من الوشم ان يحدث في البدن نقطة خضراء حتى يتراءى بياض سائر البدن و صفاؤه اكثر مما كان يرى لو لا هذه النقطة) الخضراء، فيكون الوشم سببا لإراءة غير الواقع.
(و يوجه الثاني) اى وجه التفصيل بين شعر الانسان و غيره (بان شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الاصلى للمرأة) للفرق بين شعر الانسان و شعر غيره في المنظر (فلا يحصل التدليس به، بخلاف شعر المرأة) او الرجل، اذا وصل بشعر المرأة فانه يحصل التدليس، و يظن الرجل الّذي لا خبرة له انه شعر اصلى، و الظاهران التدليس في ذلك انما هو لجواز نظر الّذي يريد التزويج او الاشتراء الى شعر المرأة، و الا فاصل وصل الشعر بعد الزواج و الاشتراء ليس تدليسا فلا يكون حراما.
(و كيف كان) مراد المقنعة و غيره (يظهر من بعض الاخبار: المنع عن الوشم و وصل الشعر بشعر الغير) مطلقا (و ظاهرها: المنع و لو في غير مقام
ص: 7
التدليس.
ففى مرسلة ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله- عليه السلام- «قال- عليه السلام-: دخلت ماشطة على رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فقال لها: هل تركت عملك او اقمت عليه؟ فقالت: يا رسول اللّه، انا اعمله الآن الا ان تنهانى عنه فانتهى عنه فقال صلّى اللّه عليه و آله:
افعلى فاذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرقة فانها تذهب بماء الوجه و لا تصلى شعر المرأة بشعر امرأة غيرها» و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة.
______________________________
التدليس) لانها لم تقيد المنع بصورة التدليس.
(ففى مرسلة ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال- عليه السلام- دخلت ماشطة على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال لها: هل تركت عملك او اقمت) اى استمررت (عليه؟ فقالت: يا رسول الله، انا اعمله الآن) في الحال الحاضر (الا ان تنهانى عنه فانتهى عنه) فلا اعمله بعد (فقال- صلى اللّه عليه و آله-: افعلى) اى لا بأس ان تستمرى عليه (فإذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرقة) بذلك الوجه بها (فانها تذهب بماء الوجه) و رونقه، اذ دلك الشي ء، بالبدن يوجب كثرة جذب الدم الى الموضع المدلوك فيختلف لونه عن لون سائر الجسد بالإضافة الى حدوث نتو و انخفاض و امتقاع مما يسئ الهيئة و البريق الطبيعى الموجود (و لا تصلى شعر المرأة بشعر امرأة غيرها» و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة) قوله «و اما شعر المعز» من زيادة الفقيه و ليس في
ص: 8
و في مرسلة الفقيه: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطى و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة.
و عن معانى الاخبار بسنده عن على بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال لعن رسول الله- صلى الله عليه و آله- النامصة و المنتمصة، و الواشرة، و الموتشرة، و الواصلة، و المستوصلة، و الواشمة، و المستوشمة، قال الصدوق- رحمه الله- قال على بن غراب:
النامصة: التى تنتف الشعر.
______________________________
الكافي. و يحتمل ان يكون توضيحا من الصدوق.
(و في مرسلة الفقيه: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطى) قوله «و قبلت» بيان لقوله «لم تشارط» (و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة).
(و عن معانى الاخبار) للصدوق- رحمه الله- (بسنده عن على ابن غراب عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع) قال لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله- النامصة و المنتمصة، و الواشرة، و الموتشرة، و الواصلة، و المستوصلة، و الواشمة و المستوشمة) و بعد هذا الحديث (قال الصدوق- رحمه الله-: قال على بن غراب):
(النامصة: التى تنتف الشعر) لتجميل المرأة بازالة الشعور الزائدة التى في خدها و جبهتها، بل يدها و رجلها، و جميع جسمها.
ص: 9
و المنتمصة: التى يفعل ذلك بها.
و الواشرة: التى تشر اسنان المرأة و تفلجها و تحددها.
و الموتشرة: التى يفعل ذلك بها.
و الواصلة: التى تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها.
و المستوصلة: التى يفعل ذلك بها.
و الواشمة التى تشم و شما في يد المرأة او في شي ء من بدنها، و هى ان تغرز بدنها او ظهر كفها بابرة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوها بالكحل او بشي ء من النورة، فتخضر.
______________________________
(و المنتمصة: التى يفعل ذلك بها) لانها تعين على الاثم.
(و الواشرة: التى تشر اسنان المرأة و تفلجها و تحددها) و الوشر عبارة عن تحديد الاسنان و ترقيقها لتظهر جميلة لا كبيرة عريضة.
(و الموتشرة: التى يفعل ذلك بها)
(و الواصلة: التى تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها).
(و المستوصلة: التى يفعل ذلك بها).
(و الواشمة التى تشم و شما في يد المرأة او في شي ء من بدنها) و لعل ذلك لايهام ان الوشم خلقى فيظن الرجل انها شامة اصلية او ما ذكره المصنف فيما تقدم، او لكونه ايذاء لا يجوز حتى مع رضى المرأة بذلك (و هى ان تغرز بدنها او ظهر كفها) او ما اشبه (بابرة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوها بالكحل او بشي ء من النورة، فتخضر) او تسود.
ص: 10
و المستوشمة: التى يفعل بها ذلك
و ظاهر بعض الاخبار: كراهة الوصل و لو بشعر غير المرأة.
مثل ما عن عبد الله بن الحسن قال «سألته عن القرامل. قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن. قال:- عليه السلام- ان كان صوفا فلا بأس، و ان كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و المستوصلة
و ظاهر بعض الاخبار: الجواز مطلقا.
ففى رواية سعد الاسكاف قال «سئل ابو جعفر عليه السلام عن القرامل التى
______________________________
(و المستوشمة: التى يفعل بها ذلك) انتهى.
(و ظاهر بعض الاخبار: كراهة الوصل) بالشعر مطلقا (و لو بشعر غير المرأة).
(مثل ما عن عبد الله بن الحسن قال «سألته عن القرامل. قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن. قال- عليه السلام- ان كان صوفا فلا بأس، و ان كان شعرا فلا خير فيه) فان ظاهر «لا خير فيه» الكراهة، مضافا الى ان التجويز في بعض الروايات السابقة يوجب حمل هذا على الكراهة، حتى و لو كان بلفظ النهى (من الواصلة و المستوصلة) هذا من تتمة الرواية، و معناه الكراهة لهما.
(و ظاهر بعض الاخبار: الجواز مطلقا) مما يشمل اطلاقها حتى الوصل بشعر النساء.
(ففى رواية سعد الاسكاف قال «سئل ابو جعفر عليه السلام عن القرامل التى
ص: 11
بضعها النساء في رءوسهن، يصلن بشعورهن، قال:- عليه السلام- لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها قال: قلت له: بلغنا ان رسول الله (ص) لعن الواصلة و المستوصلة! فقال: ليس هناك، انما لعن رسول الله الواصلة التى تزنى في شبابها فاذا كبرت قادت النساء الى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة.
______________________________
يضعها النساء في رءوسهن، يصلن بشعورهن، قال- عليه السلام- لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها قال: قلت له: بلغنا ان رسول الله (ص) لعن الواصلة و المستوصلة! فقال: ليس هناك) اى ليس الرسول- صلى الله عليه و آله- اراد ما فهمت، او ليس معنى حديث الرسول صلى الله عليه و آله هناك الّذي فهمت انت (انما لعن رسول الله الواصلة التى تزنى في شبابها، فاذا كبرت قادت النساء الى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة) فالواصلة من تصل الرجال بالزنا، و المستوصلة التى تطلب وصول النساء الى الرجال.
«ثم» لا يخفى انه لا يبعد إرادة النبي- صلى الله عليه و آله- للمعنيين، و انما ذكر الامام- عليه السلام- المعنى الّذي هو اهم، او اراد النبي- صلى الله عليه و آله- الكلى فبين الامام المصداق الاهم كما هو المتعارف في المحاورات، و منه ما ورد من السؤال عن قول «عورة المؤمن على المؤمن حرام» فقال- عليه السلام-: يعنى اذاعة سره، و هكذا غيره.
ص: 12
و يمكن الجمع بين الاخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر كما في رواية عبد الله بن الحسن، و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة.
و عن الخلاف و المنتهى: الاجماع على انه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان او امرأة.
و اما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معانى الاخبار فيمكن حملها أيضا على
______________________________
(و يمكن الجمع بين الاخبار) الدال بعضها على النهى المطلق، و بعضها على الاجازة مطلقا، و بعضها على التفصيل بين شعر الانسان و بين غير الانسان (بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر) حسب رواية النهى المطلق، و انما تحمل على الكراهة دون التحريم لمكان رواية الجواز المطلق (كما في رواية عبد اللّه بن الحسن، و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة) كما في رواية ابن ابى عمير.
و انما نحمل هذه الرواية على الكراهة، مع انها اخص من الجواز المطلق، لقوة المطلق في الدلالة، و ضعف المقيد. و قد تقرر في الأصول ان العام او المطلق اذا كان قويا حمل الخاص و المقيد على الكراهة لا انه يتصرف في العام و المطلق بالتقييد و التخصيص.
(و) مما يؤيد حمل المقيد على الكراهة، لا تقييد المطلق به ما (عن الخلاف و المنتهى) من: (الاجماع على انه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان) ذلك الغير (او امرأة) هذا كله حكم الوصل.
(و اما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معانى الاخبار) اى النمص و الوشر و الوشم (فيمكن حملها أيضا على
ص: 13
الكراهة، لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة.
خصوصا مع صرف الامام للنبوى الوارد في «الواصلة» عن ظاهره المتحد سياقا مع سائر ما ذكر في النبوى.
و لعله اولى من تخصيص عموم الرخصة بهذه الامور، مع انه لو لا الصرف لكان الجواب
______________________________
الكراهة، لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة) و قد تقدم ان المطلق اذا كان اقوى دلالة حمل المقيد على الكراهة، لا ان المقيد يقيد المطلق.
(خصوصا) مع ان المستفاد من كلام الامام عليه السلام عدم حرمة الوصل بمعنى وصل الشعر، في رواية سعد الاسكاف، فيدل على ان الوصل بمعنى وصل الشعر ليس حراما، و حيث ان الوصل ذكر في سياق الوشم و الوشر و النمص، في النبوى- و السياق يفيد وحدة الحكم- كان اللازم حمل المذكورات أيضا على الكراهة و الى هذا اشار المصنف- رحمه الله- بقوله خصوصا (مع صرف الامام للنبوى الوارد في الواصلة عن ظاهره) الّذي هو وصل الشعر الى خلاف ظاهره الّذي هو الزنا و القيادة (المتحد) اى الواصلة و التذكير باعتبار اللفظ- (سياقا مع سائر ما ذكر في النبوى).
(و لعله) اى حمل ما ذكر في النبوى على الكراهة، بقرينة «الواصلة» (اولى من تخصيص عموم الرخصة) فى رواية سعد (بهذه الامور) المذكورة في النبوى، بان يقال: كل زينة حلال الا الوشم و الوشر و النص (مع انه لو لا الصرف) اى صرف الامام عليه السلام «الواصلة» عن ظاهرها، بان قلنا ان «الوصل» حرام كما يقتضيه ظاهر النبوى (لكان الجواب) تقييد حرمة
ص: 14
اما تخصيص الشعر بشعر المرأة، او تقييده بما اذا كان هو او احد اخواته في مقام التدليس.
فلا دليل على تحريمها في غير مقام التدليس، كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها.
خصوصا بملاحظة ما في رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام «عن المرأة تحف الشعر عن وجهها؟ قال: لا بأس».
______________________________
الواصلة باحد شيئين اما بما اذا كان بشعر المرأة- لما دل على جواز الوصل بغير شعر المرأة- و اما بما اذا كان الوصل و الوشر و النص و الوشم للتدليس- لما دل على جواز التزيين مطلقا خصوصا للزوج- و اطلاق ادلة التزيين اقوى من النبوى- كما عرفت- و الحاصل ان اللازم (اما تخصيص الشعر) فى الواصلة المحرمة (بشعر المرأة) فلا يحرم الوصل بشعر غير المرأة (او تقييده) اى الوصل المحرم (بما اذا كان هو) اى الوصل (او احد اخواته) الوشر و الوشم و النمص (فى مقام التدليس)
و على هذا (فلا دليل على تحريمها) اى الامور الاربعة المذكورة (فى غير مقام التدليس، كفعل المرأة المزوجة ذلك) اى احد هذه الامور (لزوجها) و كذا صنع المرأة لنفسها.
(خصوصا بملاحظة ما في رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن المرأة تحف الشعر) اى تنتفه (عن وجهها؟ قال:
لا بأس).
ص: 15
و هذه أيضا قرينة على صرف اطلاق «لعن النامصة»- فى النبوى- عن ظاهره بإرادة التدليس، او الحمل على الكراهة.
«نعم» قد يشكل الامر في وشم الاطفال، من حيث انه ايذاء لهم بغير مصلحة، بناء على ان لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة الا التدليس باظهار شدة بياض البدن و صفائه، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن.
لكن الانصاف: ان كون ذلك تدليسا مشكل، بل ممنوع
______________________________
(و هذه) الرواية (أيضا) كصرف الواصلة عن ظاهرها، التى هى كانت قرينة لصرف النبوى عن ظاهره (قرينة على صرف اطلاق لعن النامصة في النبوى عن ظاهره) اما (بإرادة التدليس، او الحمل على الكراهة) فلا وجه للتحريم مطلقا.
(نعم قد يشكل الامر في وشم الاطفال من حيث انه ايذاء لهم بغير مصلحة بناء على ان لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة الا التدليس) و مثل هذا التدليس و ان كان حلالا في نفسه الا انه من جهة كونه ايذاء بدون مصلحة لا يجوز اما كونه تدليسا فذلك (ب) سبب (اظهار شدة بياض البدن و صفائه، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن) فهى ترى خلاف الواقع او بسبب زعم الناس انه وشم طبيعى خلقى، مع انه ليس كذلك.
(لكن الانصاف: ان كون ذلك تدليسا مشكل، بل ممنوع) سواء في الطفل، او في غيره، و لو كانت امرأة تريد التزويج، اذا لم تقصد تغرير الرجل بانه وشم خلقى، و لم تقصد تغريره باراءة جسمها اكثر بياضا
ص: 16
بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة، فهو تزيين لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء.
«نعم» مثل نقش الايدى و الارجل بالسواد يمكن ان يكون الغالب فيه إرادة ايهام بياض البدن و صفائه.
و مثله الخط الاسود فوق الحاجبين، او وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما.
______________________________
من واقعه، بل قصدت ايجاد تزيين واقعى في البدن فليس تدليسا (بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة، فهو تزيين، لاموهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء).
و على هذا ففيه مصلحة بالنسبة الى الطفل، لان تجميل الطفل مطلوب و الايذاء الحاصل له بسببه لا دليل على تحريمه، اذا صدر عن الولى لمصلحته كتحجمه و فصده و ما اشبه.
( «نعم» مثل نقش الايدى و الارجل بالسواد يمكن ان يكون الغالب فيه إرادة ايهام بياض البدن و صفائه) لا قصد التزيين الطبيعى بايجاد الزينة الجسمية.
(و مثله الخط الاسود فوق الحاجبين، او وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما) لان اطراف القوس كلما كانت اكثر امتدادا كان القوس اظهر تقوسا.
ص: 17
«ثم» ان التدليس بما ذكرنا انما يحصل بمجرد رغبة الخاطب او المشترى و ان علما ان هذا البياض و الصفاء ليس واقعيا، بل حدث بواسطة هذه الامور، فلا يقال: انها ليست بتدليس، لعدم خفاء اثرها على الناظر.
______________________________
( «ثم») المراد بالتدليس هنا اعم من ترغيب الناظر، لا تغريره فقط، ف (ان التدليس بما ذكرنا انما يحصل بمجرد رغبة الخاطب او المشترى و ان علما) اى خاطب المرأة و مشترى الامة (ان هذا البياض و الصفاء ليس واقعيا، بل حدث بواسطة هذه المور) العارضة من الوشم و نحوه (فلا يقال: انها) اى الامور المذكورة (ليست بتدليس، لعدم خفاء اثرها على الناظر).
لكن الانصاف: ان مثل هذه الامور لا تعد تدليسا، اذا لم يخف اثرها، فان التدليس اخفاء العيب، او اظهار زينة او كمال بحيث يغرر به الجاهل.
و ان شئت قلت: ان مراد المصنف ان كان اثبات الموضوع فليس ذلك بعرفى، و ان كان اثبات الحكم- اى الحرمة- فى هذا الامر الّذي ليس بتدليس فهو خلاف النص و الفتوى، لاقتصارهما الحكم على موضوع التدليس، و الأدلة الخاصة انما دلت على المنع عن هذه الامور سواء كانت تدليسا أم لا، فليس السبب التدليس، بل اما لعلة اخرى او للتعبد، و مما ذكرنا يظهر وجه النظر في قوله:
ص: 18
و حينئذ فينبغى ان يعد من التدليس لبس المرأة او الامة الثياب الحمر او الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه و الله العالم.
«ثم» ان المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت على كراهة كسب الماشطة مع شرط الأجرة المعينة. و حكى الفتوى بها عن المقنع و غيره.
______________________________
(و حينئذ) اى حين كان المراد بالتدليس اظهار جمال غير واقع- و ان علم الخاطب و المشترى بالواقع- (فينبغى ان يعد من التدليس لبس المرأة او الامة الثياب الحمر او الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه) و مما تقدم يظهر أيضا حكم لبس الذهب او تحمير الوجه، او تخطيط الشفة، او كل شي ء يوجب تسمين البدن موقتا او ما اشبه (و اللّه العالم) و قد ظهر مما سبق ان الحكم ليس خاصا بالماشطة و انما هى من باب المثال.
( «ثم» ان المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت على كراهة كسب الماشطة مع شرط الاجرة) حيث قال عليه السلام «لا بأس بكسب الماشطة اذا لم تشارط و قبلت ما تعطى» (المعينة) اما اذا شرطت اصل الاجرة فلا كراهة (و حكى الفتوى بها) اى بالكراهة (عن المقنع) للصدوق (و غيره) و انما حمل الشرط في الرواية على الكراهة للاجماع على عدم التحريم مضافا الى ضعف السند، مما لا يصلح لاثبات التحريم، و ان كان لا يبعد حجية جميع روايات الفقيه، لالتزام الصدوق في اوّل الكتاب بحجية ما ينقله، فان هذا الالتزام ليس اقل من توفيق الراوى في الظن بصحة الرواية، و قد بنوا على حجية الظنون الرجالية.
ص: 19
و المراد بقوله عليه السلام «اذا قبلت ما تعطى» البناء على ذلك حين العمل و الا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته.
«ثم» ان اولوية قبول ما يعطى و عدم مطالبة الزائد، اما لان الغالب عدم نقص ما تعطى عن اجرة مثل العمل، الا ان مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم كثيرا ما يتوقعون ازيد مما يستحقون، خصوصا من اولى المروة و الثروة، و ربما
______________________________
(و) كيف كان ف (المراد بقوله عليه السلام: اذا قبلت ما تعطى البناء) منها (على ذلك) اى قبول ما تعطى (حين العمل) فان بنت على ذلك لم يكن عملها مكروها و الا كان مكروها (و الا ف) لو لم نفسر «قبلت ما تعطى» بالبناء، يشكل الحكم بالكراهة الدائرة مدار قبول ما تعطى بعد العمل اذ (لا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته) فان الكراهة و سائر الاحكام الخمسة اوصاف للفعل حين وقوعه، لا ان الوصف يلحق بعد وقوع الفعل اللهم الا ان يقال: الكراهة بالشرط المتأخر. فلو بنت على عدم الاشتراط ثم لم تقبل ما اعطيت كره عملها، بمعنى انه تبين الكراهة من اوّل الامر، و بالعكس لو بنت على عدم القبول ثم قبلت تبين عدم الكراهة من اوّل الامر.
( «ثم» ان) الحكمة في (اولوية قبول ما تعطى و عدم مطالبة الزائد اما لان الغالب عدم نقص ما تعطى عن اجرة مثل العمل، الا ان مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم) من امثال عاملى هذه الاعمال كالفصاد مما يتفق للناس نادرا، و في مناسبات متباعدة و له جلبة و ضوضاء (كثيرا ما يتوقعون ازيد مما يستحقون خصوصا من اولى المروة و الثروة، و ربما
ص: 20
يبادرون الى هتك العرض اذا منعوا و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة او بعضه الا استحياء و صيانة للعرض و هذا لا يخلو من شبهة فامروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد فلا ينافى ذلك جواز مطالبة الزائد، و الامتناع عن قبول ما يعطى، اذا اتفق كونه دون اجرة المثل.
و اما لان المشارطة في مثل هذه الامور لا تليق بشأن كثير من الاشخاص لان المماكسة فيها خلاف المروة. و المسامحة فيها قد لا يكون مصلحة، لكثرة طمع هذه الاصناف
______________________________
يبادرون الى هتك العرض) و التكلم بما لا يليق (اذا منعوا) و لم يعطوا ما يتوقعون من الزيادة (و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة او بعضه) اى بعض ما يتوقعون (الا استحياء و صيانة للعرض و هذا لا يخلو من شبهة) لان المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا (فامروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد) و بناء على ان تكون الحكمة منعهم عن مطالبة الزائد عن حقهم (فلا ينافى ذلك) الّذي ذكرنا من كراهة مطالبة الزائد (جواز مطالبة الزائد و الامتناع عن قبول ما يعطى اذا اتفق كونه) اى ما اعطى (دون اجرة المثل) فالشريعة في صدد بيان ان لا يظلم هؤلاء الناس، لا في مقام بيان قبولهم ما يعطون، و ان ظلمهم الناس.
(و اما لان المشارطة في مثل هذه الامور لا تليق بشأن كثير من الاشخاص) الذين يحتاجون الى الماشطة و الحجام و الختان (لان المماكسة فيها خلاف المروة. و المسامحة فيها قد لا يكون مصلحة) للناس (لكثرة طمع هذه الاصناف)
ص: 21
فامروا بترك المشارطة، و الاقدام على العمل باقل ما يعطى و قبوله و ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل، و ان وجب على من عمل له ايفاء تمام ما يستحقه من اجرة المثل، فهو مكلف وجوبا بالايفاء و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة خصوصا على ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء.
او لأن الاولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل و قبول ما يعطى على وجه التبرع، أيضا.
______________________________
فالشارع لاحظ حال الناس في حكمه بكراهة المشارطة (فامروا) اى اصحاب هذه المهن (بترك المشارطة، و الاقدام على العمل باقل ما يعطى و قبوله) قليلا كان او كثيرا بدون شرط (و) لا يخفى ان (ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل، و ان وجب على من عمل له ايفاء تمام ما يستحقه) العامل (من اجرة المثل فهو) اى صاحب العمل (مكلف وجوبا بالايفاء) الا اذا رضى العامل باقل منه (و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة خصوصا) اى ان هذا التكليف الندبى يتأكد في حق الذين اعتادوا سوء الاقتضاء (على ما يعتاده هؤلاء) اى الحجام و الختان و الماشطة (من سوء الاقتضاء) و الطلب المنافى للآداب.
(او لان الاولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل و قبول ما يعطى) له (على وجه التبرع أيضا) قوله «او» عطف على قوله «اما لان الغالب»
ان قلت: كيف يصح هذا الاحتمال مع استحباب المقاطعة في باب الاجارة، لقوله عليه السلام «لا تستعملن اجيرا حتى تقاطعه»؟
قلت: عدم المنافاة بين «لا تستعملن» و بين «عدم المشارطة» فى
ص: 22
فلا ينافى ذلك ما ورد من قوله- عليه السلام-: «لا تستعملن اجيرا حتى تقاطعه».
______________________________
المقام على الاحتمالين الاولين- اى قولنا «اما لان الغالب» و قولنا «اما لان المشارطة»- تخصيص، فيستحب المشارطة في كل مقام الا في مقامنا هذا، و على الاحتمال الثالث- و هو قولنا «او لان الاولى»- تخصص لا تخصيص لان الفرض تبرع العامل.
(فلا ينافى ذلك) الاحتمال الثالث مع (ما ورد من قوله عليه السلام:
«لا تستعملن اجيرا حتى تقاطعه») لان العامل على هذا الفرض ليس اجيرا و انما هو متبرع، فعدم المشارطة لفقد موضوعها- و هو الاجير-
ص: 23
لما ثبت في محله من حرمتهما على الرجال.
و ما يختص بالنساء من اللباس، كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات، على ما ذكره في المسالك، و كذا العكس اعنى تزيين المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة و العمامة، و يختلف باختلاف العادات
______________________________
(المسألة الثانية) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:
(تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب) و هو (حرام) فى غير صورة الاستثناء اى في حالة الحرب و نحوها (لما ثبت في محله من حرمتهما على الرجال) قال رسول الله صلى اللّه عليه و آله- مشيرا الى الذهب و الحرير-: ان هذين حرامان على ذكور امتى.
(و) كذا يحرم على الرجل (ما يختص بالنساء من اللباس، كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات) عند الناس. و ما ورد من اخبار النبي صلى اللّه عليه و آله بعض صحابته بلبس اسورة كسرى ملك الفرس لا ينافى ذلك، لان العادة في ذلك كانت بلبس الرجل السوار (على ما ذكره في المسالك و كذا) يحرم (العكس اعنى تزيين المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة) الخاصة بهم (و العمامة، و يختلف) هذا أيضا (باختلاف العادات) فان بعض النساء من اهل القرى يعتدن لبس العمائم.
ثم: ان حرمة لبس الذهب للرجال لا اشكال فيه و لا خلاف، اما حرمة
ص: 24
و اعترف غير واحد بعدم العثور على دليل لهذا الحكم عدا النبوى المشهور المحكى عن الكافى و العلل: «لعن الله المتشبهين من
______________________________
التزيين به بدون اللبس كان يجعل قطعة من الذهب في صدره، فقد وقع فيه خلاف.
و استدل القائلون بالحرمة بما تقدم من النبوى لاطلاقه بالنسبة الى التزيين اذ الحرمة اذا نسبت الى العين كان الظاهر منها الامر الملائم لتلك العين فحرمة الامهات- فى الآية- يراد بها المباشرة و نحوها و حرمة الدم- فى الآية- يراد بها الشرب و حرمة الذهب يراد بها التزيين و اللبس
و بخبر روح بن عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لامير المؤمنين عليه السلام: لا تختم بالذهب فانه زينتك في الآخرة فان التعليل ظاهر في حرمة التزيين به في الدنيا.
و خبر النمرى عن الصادق عليه السلام: و جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجل لبسه. بناء على ان المفهوم منه عدم جواز تزيين الرجل به.
نعم يستثنى من ذلك جواز شدّ الاسنان به لما ورد من الاخبار. و في المسألة كلام ليس هنا محل ذكره.
هذا كله دليل حرمة التزيين بالذهب.
(و) اما لبس كل من الرجل و المرأة ما يختص بالآخر فقد (اعترف غير واحد) من العلماء (بعدم العثور على دليل لهذا الحكم عدا النبوى المشهور المحكى عن الكافى و العلل: «لعن اللّه المتشبهين من
ص: 25
الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال».
و في دلالته قصور، لان الظاهر من التشبه: تأنث الذكر و تذكر الانثى لا مجرد لبس احدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه.
و يؤيده المحكى عن العلل ان: عليا- عليه السلام- رأى رجلا به تأنث في مسجد رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فقال له: اخرج من مسجد رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فانى سمعت رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- يقول: لعن اللّه ... الخ.
______________________________
الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال») بناء على شمول التشبه للبس كل واحد منهما لباس الآخر.
(و) لكن (فى دلالته) اى النبوى لهذا الحكم (قصور، لان الظاهر من التشبه تأنث الذكر) بالملوطية (و تذكر الانثى) بالمساحقة (لا مجرد لبس احدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه) بل يدل على الجواز ما فعل الامام امير المؤمنين- عليه السلام- بأربعين من نساء همدان حيث البسهن العمائم و لباس الرجال حينما اراد ارجاع عائشة الى المدينة.
(و يؤيده) اى ما ذكرنا من ان ان المراد بالتشبه المساحقة و الملوطية (المحكى عن العلل ان عليا عليه السلام رأى رجلا به تأنث في مسجد رسول الله) «فى» متعلق ب «رأى» (فقال له: اخرج من مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله فانى سمعت رسول الله- صلى الله عليه و آله- يقول: لعن الله ... الخ) اى ذكر عليه السلام الحديث المتقدم.
ص: 26
و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة: ان فيهن قال رسول الله- صلى الله عليه و آله- «لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء ... الخ».
و في رواية ابى خديجة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «لعن رسول الله- صلى الله عليه و آله- المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال، و هم المخنثون و اللائى ينكحن بعضهن بعضا».
«نعم» فى رواية سماعة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «عن الرجل يجر ثيابه؟ قال: انى لاكره ان يتشبه بالنساء».
______________________________
(و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة ان فيهن قال رسول الله- صلى الله عليه و آله- «لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء») فان وحدة السياق بين هذه الرواية و النبوى السابق تعطى ان المراد بالتشبه هناك أيضا هو المساحقة و اللواط لا التشبه في اللباس
(و في رواية اى خديجة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و هم المخنثون) الذين يؤتى في ادبارهم (و اللائى ينكحن بعضهن بعضا) بالمساحقة.
(و في رواية سماعة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «عن الرجل يجرّ ثيابه؟) اى على الارض، في حال المشى (قال: انى لاكره ان يتشبه بالنساء») فان النساء كن يجررن ذيولهن تحفظا على اقدامهن من
ص: 27
و عنه- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- يزجر الرجل ان يتشبه بالنساء، و ينهى المرأة ان تتشبه بالرجال في لباسها.
و فيهما- خصوصا الاولى بقرينة المورد- ظهور في الكراهة فالحكم المذكور لا يخلو عن اشكال.
______________________________
الظهور، و هذا الخبر مما يؤيد إرادة التشبه في اللباس من النبوى السابق.
(و عنه- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- كان رسول الله صلى الله عليه و آله يزجر الرجل ان يتشبه بالنساء و ينهى المرأة ان تتشبه بالرجال في لباسها) و هذا أيضا مما يؤيد إرادة اللباس في النبوى المتقدم.
(و فيهما) اى في هذين الخبرين- (خصوصا الاولى) منهما (بقرينة المورد) اى جر الثياب على الارض- (ظهور في الكراهة) لوجود لفظ «اكراه» فى الاول و «يزجر» الظاهر في الكراهة، في الثاني.
هذا مضافا الى ما عرفت من قصة فعل على- عليه السلام- و انه لو اريد التشبه مطلقا يلزم القول به حتى في غير اللباس كان تشتغل الرجل بعمل النساء و بالعكس.
و كيف كان (فالحكم المذكور لا يخلو عن اشكال) كما ان الحكم بالجواز مطلقا خصوصا فيما اذا لبست المرأة الزى الكامل للرجال و لبس الرجل الزى الكامل للنساء مشكل.
ص: 28
«ثم» الخنثى يجب عليه ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة، كما صرح به جماعة لانه يحرم عليه لباس مخالفه في الذكورة و الانوثة و هو مردد بين اللبسين، فيجتنب عنهما مقدمة، لانهما من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة احدهما.
و يشكل- بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه- بان الظاهر من التشبه صورة علم المتشبه.
______________________________
( «ثم» الخنثى) ان قلنا انه طبيعة ثالثة يحل عليه الاتيان بالزينتين لاختصاص الادلة بالرجل و الانثى، و الخنثى ليس احدهما و ان قلنا انه احدهما (يجب عليه ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة كما صرح به جماعة) كما يجب عليه الاتيان بواجب كل واحد منهما فيجهر في الجهرية و يأتى بتروك الحائض اذا رأى الدم و اذا دار الامر بين المحذورين تخير في اختيار احدهما (لانه يحرم عليه لباس مخالفه في الذكورة و الانوثة و هو) اى المحرم من اللباس (مردد بين اللبسين، فيجتنب عنهما مقدمة) لتحصيل العلم باتيانه بالتكليف المردد بين الامرين (لانهما) اى اللباسين (من قبيل) الامرين (المشتبهين المعلوم حرمة احدهما) كما لو اشتبه الخمر بالخل، و الطاهر بالنجس، و ما اشبه. و على هذا فلا يجوز له ان ينظر الى الرجل و المرأة، و ان يتزوج او يزوج و ان وقع في العسر و الحرج من جهة ترك التزويج.
(و يشكل) حرمة اللباسين عليه (بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه بان الظاهر من التشبه صورة علم المتشبه) فانه لا يقال تشبه الا اذا
ص: 29
..........
______________________________
علم المتشبه بانه تشبه. و الخنثى لا يعلم بانه تشبه اذا لبس احد اللباسين.
نعم لا يجوز له لبس كليهما تدريجا اذا قلنا بحرمة الارتكاب تدريجا في باب العلم الاجمالى.
و المسألة طويلة الذيل رواية و فتوى و اشكالا نكتفى منها بهذا القدر لعدم الخروج عن شرح اللفظ و توضيح المراد. و الله العالم.
ص: 30
و هو كما في جامع المقاصد ذكر محاسنها، و اظهار شدة حبها بالشعر- حرام، على ما عن المبسوط و جماعة، كالفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني.
و استدل عليه بلزوم تفضيحها. و هتك حرمتها و ايذائها و اغراء الفساق بها و ادخال النقص عليها و على اهلها.
______________________________
(المسألة الثالثة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:
(التشبيب بالمرأة المعروفة) مقابل المجهولة (المؤمنة المحترمة) لا الكافرة و الفاجرة.
(و هو) اى التشبيب (- كما في جامع المقاصد-: ذكر محاسنها، و اظهار شدة حبها) اى حب الشخص لتلك المرأة (بالشعر) و سيأتى الكلام في النثر (حرام) خبر قوله «التشبيب» (على ما عن المبسوط و جماعة كالفاضلين) المحقق و العلامة (و الشهيدين): الاول و الثاني (و المحقق الثاني): الكركى.
(و استدل عليه بلزوم تفضيحها) و معنى الفضيحة: ابداء ما من شأنه الاخفاء عملا او قولا، سواء كان المفضوح متصفا به أم لا و سواء كان صفة جمال او صفة نقص او امرا عاديا، كان يصف جمال المرأة او بغائها او كيفية مباشرته لها و ان كانت المباشرة حلالا لانها زوجته مثلا (و هتك حرمتها و ايذائها و اغراء الفساق بها و ادخال النقص عليها و على اهلها)
ص: 31
و لذا لا ترضى النفوس الآبية ذوات الغيرة و الحمية ان يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و اخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم.
و الانصاف ان هذه الوجوه لا تنهض لاثبات التحريم، مع كونها اخص من المدعى، اذ قد لا يتحقق شي ء من المذكورات في التشبيب.
بل و اعم منه من وجه
______________________________
و يكفى في التحريم كونه ايذاء فانه محرم و ان لم يوجد سبب آخر للتحريم.
نعم في بعض المواضع لم يكن ايذاء كما اذا لم تعلم هى و لا اقرباؤها فاللازم التماس دليل آخر مما ذكروه.
(و لذا لا ترضى النفوس الآبية ذوات الغيرة و الحمية ان يذكر ذاكر عشق) نفسه او غيره ب (بعض بناتهم و اخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم).
(و الانصاف ان هذه الوجوه) التى تقدمت (لا تنهض لاثبات التحريم) لان التحريم حينئذ ليس من حيث التشبيب و انما هو من حيث عنوان كل محرم منطبق عليه فجعل التشبيب عنوانا خاصا غير تام (مع كونها) اى هذه الوجوه (اخص من المدعى) الّذي هو حرمة التشبيب مطلقا (اذ قد لا يتحقق شي ء من المذكورات في التشبيب) كما لو وصف امرأة مؤمنة في محضر غير الفساق مما كان بينهم و بينها مسافات شاسعة.
(بل و اعم منه من وجه) فهناك تشبيب ليس فيه ما ذكر، كما تقدم من المثال، و هناك العناوين المذكورة بدون التشبيب و قد يجمعان، و اذا كان التشبيب اعم من وجه من الامور المذكورة في وجه حرمته، كيف يمكن ان
ص: 32
فان التشبيب بالزوجة قد يوجب اكثر المذكورات.
و يمكن أيضا ان يستدل عليه بما سيجي ء من عمومات حرمة اللهو و الباطل.
و ما دل على حرمة الفحشاء.
و منافاته للعفاف المأخوذ في العدالة.
______________________________
يستدل بها للتحريم؟ و قد مثل المصنف بما يكون تشبيبا محرما و لا يقولون بحرمته بعنوان التشبيب، بقوله (فان التشبيب بالزوجة قد يوجب اكثر المذكورات) و مع ذلك فانهم لا يقولون بحرمته بعنوان التشبيب و ان قالوا بحرمته بعنوان الفضيحة و الهتك و ما اشبه بل قيدوا المحرم بالشعر مع ان العناوين المذكورة تنطبق في النثر أيضا بل في الاشارة أيضا و الكتابة و ما اشبه و كذلك قيدوا المرأة بالمؤمنة مع ان الذمية و المعاهدة اذا انطبقت على التشبيب بها الوجوه المحرمة كان أيضا حراما.
(و يمكن أيضا ان يستدل عليه) اى على تحريم التشبيب (بما سيجي ء من عمومات حرمة اللهو و الباطل) فانه من اقسام اللهو و الباطل و ينطبق عليه الميزان الّذي ذكره الامام- عليه السلام- فى انه اذا ميز اللّه الحق و الباطل كان مع الباطل.
(و ما دل على حرمة الفحشاء) بعد ان العرف يرى ان فاعل ذلك من الآتى بالفحشاء و المنكر.
(و منافاته) اى التشبيب (للعفاف المأخوذ في العدالة) فى قوله عليه السلام: ان يكون معروفا بالستر و العفاف، و غيره من الاحاديث
ص: 33
و فحوى ما دل على حرمة ما يوجب- و لو بعيدا- تهيج القوة الشهوية بالنسبة الى غير الحليلة، مثل ما دل على المنع عن النظر، لانه سهم من سهام ابليس و المنع عن الخلوة بالاجنبية لان ثالثهما الشيطان و كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان.
و برجحان التستر عن نساء اهل الذمة لانهن يصفن لازواجهن.
______________________________
فان من يصف النساء بالتشبيب لا يسمى عفيفا قطعا، و اذا كان منافيا للعدالة كان موجبا للفسق- بناء على عدم الواسطة بين الفسق و العدالة-.
(و فحوى) اى المناط و الاولوية و الملاك المستفاد من (ما دل على حرمة ما يوجب- و لو بعيدا-) اى ايجابا بعيدا (تهيج القوة الشهوية بالنسبة الى غير الحليلة مثل ما دل على المنع عن النظر) الى الاجنبية (لانه سهم من سهام ابليس) و من المعلوم ان سهمية التشبيب ان لم تكن اقوى من سهمية النظر كانت مثلها. (و المنع عن الخلوة بالاجنبية لان ثالثهما الشيطان) فانه ليس ذلك الا لاجل تهيج الشهوة و من المعلوم ان التشبيب اقوى في التهييج او مثله. (و كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان) فان هذا يؤيد تحريم التشبيب فانه اذا لم يرض الشارع- و لو كراهة- بجلوس الرجل في مكان المرأة اذا كان حارا فكيف يرضى بذكر محاسنها و ما اشبه؟
(و برجحان التستر) للنساء المؤمنات (عن نساء اهل الذمة لانهن يصفن لازواجهن) فاذا لم يرض الشارع بوصف المؤمنة عند الرجل فهل يرضى بالتشبيب بها؟ و قد اشير الى ذلك في قوله تعالى «او نسائهن»
ص: 34
و التستر عن الصبى المميز الّذي يصف ما يرى.
و النهى في الكتاب العزيز عن ان «يخضعن بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ» و عن ان «يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ» الى غير ذلك من المحرمات و المكروهات التى يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها، خصوصا ذات البعل التى لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول «رب راغب فيك».
______________________________
المفهوم منه عدم الجواز بالنسبة الى نساء غيرهن، اى الكافرات.
(و التستر عن الصبى المميز الّذي يصف ما يرى) و المراد بالمميز غير البالغ الّذي يميز بين الجميلة و القبيحة و يعرف محاسن المرأة، مما يسمى في العرف مميزا، و ليس له حد محدود و عمر مقدر في الشريعة.
(و النهى في الكتاب العزيز عن ان يخضعن بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) فان «الطمع» كالعلة في التحريم. و من المعلوم وجوده في التشبيب (و عن ان يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) كالخلخال و ما اشبه. و من المعلوم ان المحرم الاعلام بما تخفى، و لا فرق بين ان يكون الاعلام منها او من غيرها (الى غير ذلك من المحرمات و المكروهات التى يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها) كحرمة مصافحة المرأة و مفاكهتها و حبسها لاجل الزنا- و ان لم يزن- و كراهة التكلم معها اكثر من خمس كلمات و ما اشبه ذلك من الامور المذكورة في كتاب النكاح (خصوصا) التشبيب ب (ذات البعل التى لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول: رب راغب فيك) او شائق أليك
ص: 35
«نعم» لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد تزويجها، لم يكن بعيدا، لعدم جريان اكثر ما ذكر فيها و المسألة غير صافية عن الاشتباه و الاشكال.
«ثم» ان المحكى عن المبسوط و جماعة: جواز التشبيب بالحليلة، بزيادة الكراهة.
و عن المبسوط و ظاهر الكل: جواز التشبيب بالمرأة المبهمة، بان يتخيل امرأة و يتشبب بها.
______________________________
( «نعم» لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد بل مطلق من يراد تزويجها) عندها لا فيما اذا سبب ذلك انطباق بعض العناوين المحرمة السابقة (لم يكن بعيدا لعدم جريان اكثر ما ذكر فيها) و انطباق بعض الوجوه الاخر غير الدالة على الحرمة، غير ضار (و) على كل حال، ف (المسألة غير صافية عن الاشتباه) لمورد المحرم بغير المحرم (و الاشكال) في وجه التحريم، بناء على عدم انطباق عنوان محرم آخر عليه.
( «ثم» ان المحكى عن المبسوط و جماعة جواز التشبيب بالحليلة) اى الزوجة المحللة (بزيادة الكراهة) اى بكراهة زائدة. و لعل مرادهم التشبيب بها وحدها، لا في محل حضور اشخاص خصوصا الفساق و ما اوجب الهتك و الفضيحة اذ الدليل في المقامين واحد- كما لا يخفى-.
(و عن المبسوط و ظاهر الكل) الذين قيدوا التحريم ب «المعينة» (جواز التشبيب بالمرأة المبهمة بان يتخيل امرأة و يتشبب بها) كما هو عادة الشعراء بل الأدباء الاتقياء منهم أيضا. و يدل عليه بالإضافة الى
ص: 36
و اما المعروفة عند القائل دون السامع- سواء علم السامع اجمالا بقصد معينة أم لا- ففيه اشكال.
و في جامع المقاصد- كما عن الحواشى-: الحرمة في الصورة الاولى
و فيه اشكال، من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم.
و كذا اذا لم يكن هناك سامع.
______________________________
الاصل قصيدة السيد الحميرى «لام عمر باللوى مربع» و قد قررها الامام عليه السلام و لا يخفى ان التشبيب شامل لها.
نعم اذا انطبق على ذلك بعض العناوين المحرمة لم يجز و كذلك صورة النساء الخيالية.
(و اما) التشبيب بالمرأة (المعروفة عند القائل دون السامع- سواء علم السامع اجمالا بقصد) القائل امرأة (معينة أم لا- ففيه اشكال) من جهة انه تشبيب و اثارة للشهوة و ما اشبه. و من جهة ان المرأة المجهولة لا احترام لها كالشخص المجهول في جواز الغيبة.
(و في جامع المقاصد) التفصيل و هو (- كما عن الحواشى- الحرمة في الصورة الاولى) و هى ما لو علم السامع بقصد المتكلم امرأة معينة.
(و فيه اشكال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم) فبعضها- نحو اثارة الشهوة- عام لعلم السامع و عدمه و بعضها- كاغراء الفساق و هتك الحرمة و ما اشبه- لا يشمل المجهولة مطلقا سواء علم السامع بقصد المتكلم معينة أم لا.
(و كذا اذا لم يكن هناك سامع) ففى التشبيب اشكال من جهة انه ليس
ص: 37
و اما اعتبار الايمان فاختاره في القواعد و التذكرة، و تبعه بعض الاساطين لعدم احترام غير المؤمنة.
و في جامع المقاصد- كما عن غيره- حرمة التشبيب بنساء اهل الخلاف و اهل الذمة لفحوى حرمة النظر إليهن و نقض بحرمة النظر الى نساء اهل الحرب. مع انه صرح بجواز التشبيب بهن.
______________________________
باغراء و لا هتك و لا اثارة شهوة و ما اشبه، فهو جائز و من جهة انه خلاف الستر و العفاف و ما اشبه، و لذا قالوا بانه لا يجوز الكذب على الله و الرسول و لو في الخلوة، فليس بجائز.
(و اما اعتبار الايمان) فى المرأة (فاختاره في القواعد و التذكرة، و تبعه بعض الاساطين، لعدم احترام غير المؤمنة) فيشمله اصل الجواز و قاعدة «الحل» و قاعدة «الناس مسلطون على انفسهم» فانها تقتضى حلية جميع الاعمال، الا ما خرج بالدليل.
(و في جامع المقاصد- كما عن غيره-) أيضا (حرمة التشبيب بنساء اهل الخلاف و اهل الذمة لفحوى حرمة النظر إليهن) فان التشبيب مثل النظر او أسوأ فاذا حرم النظر حرم التشبيب (و نقض) هذا الفحوى (بحرمة النظر الى نساء اهل الحرب) أيضا فان احدا من الفقهاء لم يجوز النظر الى جسد نساء اهل الحرب قبل الاسترقاق و التملك و يشمله عمومات ادلة التحريم (مع انه صرح بجواز التشبيب بهن) بالإضافة الى ان بعض ادلة التشبيب شاملة لمطلق النساء.
ص: 38
و المسألة مشكلة من جهة الاشتباه في مدرك اصل الحكم.
و كيف كان فاذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع، كما صرح به في جامع المقاصد.
و اما التشبيب بالغلام فهو محرم على كل حال، كما عن الشهيدين و المحقق الثاني، و كاشف اللثام، لانه فحش محض.
______________________________
(و المسألة مشكلة من جهة الاشتباه في مدرك اصل الحكم) فانه ليس هناك لفظ «التشبيب» فى رواية حتى ينظر الى انه هل يعم أم لا؟
(و كيف كان) فهذا كله حال المتكلم اما السامع (فاذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع، كما صرح به في جامع المقاصد) لاصالة البراءة.
و ربما يقال بلزوم الفحص لوجوب الفحص في الشبهات الموضوعية و لان المحرم لا اصالة في السكوت عليه الا اذا علم بالمخرج للفاعل له، الا ترى انه لا يجوز السكوت على من يشرب الخمر، الا اذا علمنا انه يشربها للاضطرار، فان حمل فعل المسلم على الصحيح انما هو في غير المحرمات المحتاجة الى المخرج، و لذا قالوا: انه لو رأيناه يبيع وقفا لم يجز الاشتراء منه الا اذا علمنا بجوازه له. و المسألة لها مقام آخر.
(و اما التشبيب بالغلام فهو محرم على كل حال) بدون تلك التفاصيل المذكورة في التشبيب بالمرأة (كما عن الشهيدين، و المحقق الثاني، و كاشف اللثام، لانه فحش محض).
و المراد بالفحش: المعصية الخارجة للحد، من فحش: اذا تعدى و كونه فحشا
ص: 39
فيشتمل على الاغراء بالقبيح.
و عن المفاتيح: «ان في اطلاق الحكم نظرا» و الله العالم.
______________________________
لان التشبيب بالغلام حرام مطلقا، و جريان جملة من الادلة المتقدمة هنا (فيشتمل على الاغراء بالقبيح) و هو قبيح، و حيث انه في سلسلة العلل فيجرى «كلما حكم به العقل حكم به الشرع».
(و عن المفاتيح: «ان في اطلاق الحكم نظرا») لان التشبيب به في الخلوة خصوصا اذا كان غلاما خياليا لم يدل دليل على تحريمه (و الله العالم) ثم التشبيب بزوجة امام زوجة او تشبيب المرأة بالرجل الاجنبى، او الزوج، او التشبيب بلغة لا يفهمها الحاضرون، او التشبيب بحيوان او مجسمة كانت قابلة للمواقعة كالاجسام المطاطة المتعارفة الآن لدى الفساق، او غير قابلة، او التشبيب بالجان او الحور او الولدان او التشبيب بنفسه امرأة كانت او غلاما، او ما اشبه ذلك يعرف حكمها مما تقدم
ص: 40
اذا كانت الصورة مجسمة، بلا خلاف فتوى و نصا.
______________________________
(المسألة الرابعة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:
(تصوير صور ذوات الأرواح) و هو (حرام).
و التصوير على أربعة اقسام، لانه اما مجسم، او لا. و كل واحد منها اما ذو روح، او لا.
و قد اختلفوا فيها على خمسة اقوال:
الاول: الحرمة مطلقا.
الثاني: حرمة ذى الروح مجسمة كانت أم لا. دون غير ذى الروح.
الثالث: حرمة المجسمة ذات روح كانت أم لا دون سواها.
الرابع: حرمة ذات الروح مطلقا و المجسمة، دون غيرها.
الخامس: حرمة ذات الروح المجسمة فقط.
ثم ان الحرمة (اذا كانت الصورة) لذات روح (مجسمة، بلا خلاف فتوى و نصا) و هذا هو المتيقن من النصوص.
و مناقشة بعض بان هذه أيضا ليست بمحرم اذا لم يرد بها العبادة، بدعوى انصراف النصوص الى ما اريد بها العبادة لا الفن و اللعب و ما اشبه خالية عن الشاهد.
ص: 41
و كذا مع عدم التجسم، وفاقا لظاهر النهاية، و صريح السرائر، و المحكى عن حواشى الشهيد، و الميسية، و المسالك، و إيضاح النافع، و الكفاية و مجمع البرهان، و غيرهم.
للروايات المستفيضة:
مثل قوله- عليه السلام- «نهى ان ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم».
و قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت، قلت: و ما تزويق البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل».
و المتقدم عن تحف العقول «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحانى».
______________________________
(و كذا) تحريم صورة ذات الروح (مع عدم التجسم، وفاقا لظاهر النهاية، و صريح السرائر، و المحكى عن حواشى الشهيد، و الميسية و المسالك، و إيضاح النافع، و الكفاية، و مجمع البرهان و غيرهم).
و ذلك (للروايات المستفيضة):
(مثل قوله- عليه السلام- «نهى ان ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم»).
(و قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت، قلت: و ما تزويق البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل») بناء على ان «الحيوان» و «الخاتم» من باب المثال، و كذا «البيوت» فى الخبر الثاني.
(و المتقدم عن تحف العقول «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحانى») منسوب الى الروح، و ذلك يشمل المجسم و غير
ص: 42
و قوله- عليه السلام- فى عدة اخبار: «من صور صورة كلفه اللّه يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ».
و قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة، من حيث ان نفخ الروح لا يكون الا في الجسم.
و إرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف ظاهر.
______________________________
المجسم.
(و قوله- عليه السلام- فى عدة اخبار: «من صوّر صورة كلفه اللّه يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ»).
و من المعلوم ان «النهى» فى الروايتين الاوليين ظاهر في التحريم كما حقق في الأصول-، و الاستثناء من الجواز- فى رواية تحف العقول- ظاهر في التحريم، كما ان الظاهر من العقاب: ترتبه على الحرام، فلا يقال: ان التكليف بالنفخ لا يدل على التحريم، لانه عقاب، و ما اكثر ما ورد العقاب على المكروهات، كما يظهر من مراجعة «عقاب الاعمال» للصدوق- رحمه اللّه-.
(و) هذه الاخبار كما تراها تشمل النقش كما تشمل المجسم، و لكن (قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة، من حيث ان نفخ الروح لا يكون الا في الجسم).
(و) ان قلت: نفخ الروح لا يلازم الجسمية فيراد بالحديث الاعم من الجسم و النقش، ب (إرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه).
قلت: هذا (خلاف الظاهر) و خلاف الظاهر لا يؤخذ به.
ص: 43
و فيه: ان النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله، بل بدونها كما في امر الامام الاسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة.
او بملاحظة لون النقش الّذي هو في الحقيقة اجزاء لطيفة من الصبغ.
و الحاصل: ان مثل هذا لا يعد قرينة عرفا على تخصيص الصورة بالمجسم.
و اظهر من الكل صحيحة محمد بن مسلم «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام
______________________________
(و فيه) ان الحديث اعم و ما ذكر من العلة لوجه الانصراف الى خصوص الجسم غير تام، ف (ان النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله بل بدونها) اى بدون هذه الملاحظة (كما في امر الامام) الرضا عليه السلام- فى مجلس المأمون (الأسد المنقوش على البساط) او الستار (باخذ الساحر في مجلس الخليفة) فان الاعجاز كما يجعل من الجسم الجامد الّذي لا اجهزة له جسما حيا كامل الاجزاء و الاعضاء، كذلك يجعل من الصورة جسما.
(او بملاحظة لون النقش الّذي هو في الحقيقة اجزاء لطيفة من الصبغ) اذا فالرواية اعم من ذات الجسم و غيرها.
(و الحاصل: ان مثل هذا) اى «النفخ» (لا يعد قرينة عرفا على تخصيص الصورة بالمجسم) بحيث لا يشمل اطلاق الحديث غير المجسم.
(و اظهر من الكل) فى الدلالة على حرمة غير المجسم أيضا (صحيحة محمد بن مسلم «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام-
ص: 44
عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان» فان ذكر الشمس و القمر قرينة على اراده مجرد النقش، و مثل قوله- عليه السلام- «من جدّد قبرا او مثّل مثالا فقد خرج عن الاسلام».
فأن المثال و التصوير مترادفان- على ما حكاه كاشف اللثام عن اهل اللغة.
______________________________
عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان») و المراد بالشي ء الافراد، لا الاجزاء، (فان ذكر الشمس و القمر قرينة على إرادة مجرد النقش) لان المتعارف نقشهما لا تجسمهما (و مثل قوله- عليه السلام- «من جدّد قبرا او مثّل مثالا فقد خرج عن الاسلام»).
و المراد بتجديد القبر: دفن ميت آخر في قبر سابق، مما يستلزم النبش، او قتل انسان حتى يكون سببا لتجديد قبر.
او يقرأ بالحاء المهملة، و المراد تسنيم القبر، او بالجيم و المراد:
تجديد بنائه بعد الاندراس.
او يقرأ بالخاء المنقطة من فوق، و المراد: شقه و نبشه.
و على بعض: الاحتمالات: العمل حرام، و على بعض: العمل مكروه.
و الشاهد في الفقرة الثانية (فان المثال و التصوير مترادفان- على ما حكاه كاشف اللثام عن اهل اللغة-) فالحديث شامل للنقش، و لكن ربما ينافيه الانصراف، و خصوص خبر على بن جعفر- عليه السلام قال «سألت اخى موسى- عليه السلام- عن مسجد يكون فيه تصاوير و تماثيل يصلى فيه؟ فقال- عليه السلام- تكسر رءوس التماثيل و تلطخ رءوس التصاوير
ص: 45
مع ان الشائع من التصوير و المطلوب منه هى الصور المنقوشة على اشكال الرجال و النساء و الطيور و السباع، دون الاجسام المصنوعة على تلك الاشكال.
و يؤيده أن الظاهر ان الحكمة في التحريم هى حرمة التشبه بالخالق في ابداع الحيوانات و اعضائها على الاشكال المطبوعة، التى يعجز البشر عن نقشها على ما هى عليه، فضلا عن اختراعها.
______________________________
و يصلى فيه» (مع ان الشائع من التصوير و المطلوب منه هى الصور المنقوشة على اشكال الرجال و النساء و الطيور و السباع، دون الاجسام المصنوعة على تلك الاشكال) فالأخبار المتضمنة للنهى شاملة للصورة لانها شائعة.
و لكن لا يخفى ان في كلام المصنف- رحمه اللّه- تأملا، اذ المطلوب القسمان كما هو المشاهد.
(و يؤيده) اى اطلاق التحريم حتى للنقش المجرد عن الجسم (أن الظاهر) من الانصراف العرفى من النهى (ان الحكمة في التحريم هى حرمة التشبه بالخالق، في ابداع الحيوانات و اعضائها على الاشكال المطبوعة) اى الملائمة للطبع (التى يعجز البشر عن نقشها على ما هى عليه) من الدقائق و المزايا و الخصوصيات (فضلا عن اختراعها).
و انما استظهر المصنف هذه الحكمة، من جهة ما دل على انه يؤمر بالنفخ فيها، فان كون التعذيب بعد العجز عن النفخ يدل على ان السبب انه تشبه بمن لا يتمكن من ان يعمل عمله.
ص: 46
و لذا منع بعض الاساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك.
و من المعلوم ان المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة
______________________________
لكن لا يخفى ما في استظهار هذه الحكمة من الضعف، بل لا يبعد كون الحكمة المنع عن عبادة الاصنام و توابعها، حتى العمل بصنع التصاوير و التماثيل، اما كون العذاب بعد الامر بالنفخ فذلك للمناسبة بين الصورة و بين النفخ، كالمناسبة بين اكل اموال اليتامى و بين اكل النار، و المناسبة بين اكل الربا و بين إرادة القيام و عدم التمكن منه، لانه ملأ بطنه فكبر و ظهرت له حالة كحالة المصروع المربوط بالعقل و الدماغ، لمشاركتهما في عدم العقل، و هكذا.
و مما يؤيد عدم كون الحكمة ذلك، الجواز في مثل الشجر مع اشتراكه للحيوان في التشبه، بل لعل هذا مما يؤيد ما ذكرناه من كون الحكمة العبادة فان المتعارف لدى الجاهلية كان عبادة التماثيل لا الاشجار و نحوها.
(و لذا) الّذي ذكرناه من ان الحكمة في المنع التشبه بالخالق (منع بعض الاساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك) التصوير، فانه فهم من الاحاديث شدة الحرمة حتى ان غير المكلف أيضا يلزم اجتنابه، و من المعلوم ان هذه الشدة في الحرمة لا تكون الا بسبب التشبه بالخالق، و الا فلم يمنع غير المكلف عنه.
(و) حيث تحقق ان الحكمة ما ذكر نقول: (من المعلوم ان المادة) الجسمية كاللحم و العظم و الدم (لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة) اى البشر و الحيوان فان عجب الاختراع ليس لانه لحم و دم، و انما
ص: 47
فالتشبه انما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير.
و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الارواح، فان صور غيرها كثيرا ما يحصل بفعل الانسان للدواعى الاخر من غير قصد التصوير و لا يحصل به تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه، بل
______________________________
العجب بسبب الشكل كما قال سبحانه: وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ*، و اذا كان المناط الصورة (فالتشبه انما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير) فليس الجسم حراما بدون الشكل و انما الشكل حرام سواء كان مع الجسم أم لا فيدل ما ذكرناه على كون النقش أيضا حراما، و لا يخفى ان ما ذكره المصنف- رحمه اللّه- وجه خطابى لا دخل له بالاستدلالات الفقهية.
(و من هنا) اى من كون الحكمة التشبه بالخالق (يمكن استظهار) وجه (اختصاص الحكم بذوات الارواح، فان صور غيرها) كالشجر و الحجر (كثيرا ما يحصل بفعل الانسان) كأن يصنع الباب او البناء بشكل جبل او شجر او ما اشبه (للدواعى الاخر) من الحاجات (من غير قصد التصوير).
و الحاصل: ان التشبه انما يحصل بصنع ذى الروح، اما صنع غير ذى الروح فانه من فعل اللّه و من فعل الانسان، فاذا صنع انسان صورة غير ذى الروح، او جسم غير ذى الروح، لم يتشبه بالخالق، لان المشبه به امر مشترك بين الخالق و المخلوق (و) لذلك (لا يحصل به) اى بتصوير غير ذات الروح (تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه) فلا يحرم (بل) ليس صنع صورة غير ذى الروح من البشر امرا اتفاقيا- حتى يقال حيث ان صنع صورة غير ذى الروح الاكثر كونه من فعل اللّه، يحصل التشبه
ص: 48
كل ما يصنعه الانسان من التصرف في الاجسام فيقع على شكل واحد من مخلوقات اللّه تعالى.
و لذا قال كاشف اللثام- على ما حكى عنه- فى مسألة «كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل»: «انه لو عمت الكراهة لتماثيل ذى الروح و غيرها كرهت الثياب
______________________________
باللّه أيضا اذا صور انسان صورة غير ذى الروح- فان (كل ما يصنعه الانسان من التصرف في الاجسام) من صنع الدار و القصر و الكتاب و الدرج و ما اشبه (فيقع على شكل واحد من مخلوقات اللّه) فحيث ان صنع صورة غير ذى الروح يقع من الانسان بكثرة، كما انه يقع من اللّه تعالى لا يكون الاتيان بتصويره تشبها بالخالق، بخلاف صنع صورة ذى الروح، فانه خاص باللّه تعالى، و لذا يكون الاتيان بتصويره تشبها بالخالق.
اقول: لا يخفى ما في هذا الكلام من الاشكال، فان كون كل شي ء يصنعه الانسان شبيها بواحد من مخلوقات اللّه محل منع، و عدم حصول التشبه بصنع صورة الشجر و الانهار و النجوم و ما اشبه بالخالق أيضا محل منع.
(و لذا) الّذي ذكرنا من ان صنع كل شي ء يشبه مصنوعا من مصنوعات اللّه (قال كشف اللثام- على ما حكى عنه- فى مسألة «كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل»: انه لو عمت الكراهة لتماثيل ذى الروح و غيرها) بان قلنا ان المثال سواء كان لذى الروح او غير ذى الروح، مكروه في ثوب المصلى (كرهت) اى لزم ان تكره (الثياب) مطلقا في الصلاة
ص: 49
ذوات الاعلام لشبه الاعلام بالاخشاب و القصبات و نحوها و الثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها، بل الثياب قاطبة، لشبه خيوطها بالاخشاب و نحوها» انتهى.
و ان كان ما ذكره لا يخلو عن نظر- كما سيجي ء-.
هذا، و لكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الارواح: أصالة الاباحة
______________________________
اما (ذوات الاعلام) من الثياب، التى فيها طرائق تخالف لون القماش ف (لشبه الاعلام بالاخشاب و القصبات) الممتدة طولا (و نحوها) من سائر المخلوقات المستقيمة الشكل، كالاغصان (و) اما (الثياب المحشوة) اى التى لا اعلام لها و قد حشت بالقطن (لشبه طرائقها المخيطة بها) اى بالاخشاب و القصبات (بل الثياب قاطبة، لشبه خيوطها بالاخشاب و نحوها).
و حاصل استدلال كشف اللثام: انه لو اريد بالتماثيل الاعم من ذى الروح و غير ذى الروح كراهة الصلاة في كل ثوب لكن هذا مخالف للضرورة و الاجماع فاللازم تخصيص الكراهة بالثوب ذى التماثيل الحيوانية فقط.
(و ان كان ما ذكره) كاشف اللثام (لا يخلو عن نظر- كما سيجي ء-).
(هذا) كله استظهار لحكمة الحكم و تفريع عليه، و قد عرفت انه اشبه ببعض الاستحسانات التى هى في غاية الوهن، و لا اعلم كيف اصر المصنف رحمه اللّه- على هذا الاصرار، (و لكن العمدة في اختصاص الحكم) بتحريم التصوير (بذوات الارواح: أصالة الاباحة) فى غير ذوات الارواح
ص: 50
مضافا الى ما دل على الرخصة، مثل صحيحة ابن مسلم السابقة، و رواية التحف المتقدمة، و ما ورد في تفسير قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ» من قوله: «و الله ما هى تماثيل الرجال و النساء، و لكنها تماثيل الشجر و شبهه» و الظاهر شمولها للمجسم و غيره فبها يقيد بعض ما مر من الاطلاق خلافا لظاهر جماعة. حيث انهم بين من يحكى عنه
______________________________
(مضافا الى ما دل على الرخصة، مثل صحيحة ابن مسلم السابقة، و رواية التحف المتقدمة، و ما ورد في تفسير قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ» من قوله) اى الامام- عليه السلام- فى تفسير الآية الكريمة، (و الله ما هى تماثيل الرجال و النساء، و لكنها تماثيل الشجر و شبهه) و صحيح زرارة عن الباقر- عليه السلام- «لا بأس بتماثيل الشجر» (و الظاهر شمولها للمجسم و غيره) فالمجسم و غير المجسم كلاهما جائزان اذا لم يكن مثال ذى الروح (فبها) اى باصالة الاباحة مضافا الى الاخبار الخاصة (يقيد ما مر من الاطلاق) الدال على حرمة كل تصوير
و الظاهر: ان مراد المصنف من «اصالة الاباحة»: العمومات المؤيدة بهذه الاخبار الخاصة، و الا فلو اراد الاصل العملى لم يكن ذلك العمدة في المسألة، فان نوبة الاصل بعد الدليل، و انما تكون العمدة حينئذ الروايات الخاصة، بل الاصل على هذا كالحجر في جنب الانسان.
(خلافا لظاهر جماعة) حيث لم يخصصوا التحريم بذى الروح فقط (حيث انهم بين من يحكى عنه
ص: 51
تعميمه الحكم لغير ذى الروح- و لو لم يكن مجسما- لبعض الاطلاقات اللازم تقييدها بما تقدم، مثل قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت» و قوله- عليه السلام- «من مثل مثالا» الخ.
و بين من عبر بالتماثيل المجسمة، بناء على شمول التماثيل لغير الحيوان،- كما هو كذلك- فخص الحكم بالمجسم.
لان المتيقن من المقيدات للاطلاقات، و الظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال و الوجود: النقوش لا غير
______________________________
تعميمه الحكم) بالتحريم (لغير ذى الروح- و لو لم يكن مجسما-) و ذلك (لبعض الاطلاقات) الناهية، (اللازم تقييدها بما تقدم) من الادلة الدالة على جواز غير ذى الروح، و الاطلاقات (مثل: قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت»، و قوله عليه السلام- «من مثل مثالا») و غيرهما من الاطلاقات.
(و بين من عبر بالتماثيل المجسمة) المطلق لذى الروح او غير ذى الروح (بناء على شمول التماثيل لغير الحيوان،- كما هو كذلك-) فان التماثيل ليس خاصا بذى الروح (فخص الحكم) بالتحريم (بالمجسم) حيوانا كان او غير حيوان، و لا حرمة في غير المجسم و ان كان صورة حيوان او انسان.
و استدل لذلك بقوله: (لان المتيقن من المقيدات للاطلاقات) الدالة على التحريم مطلقا (و الظاهر منها) اى من المقيدات (بحكم غلبة الاستعمال و) غلبة (الوجود: النقوش لا غير) يعنى ان المقيد الّذي دل
ص: 52
و فيه: ان هذا الظهور لو اعتبر لسقط الاطلاقات عن نهوضها لاثبات حرمة المجسم، فتعين حملها على الكراهة دون التخصيص بالمجسمة.
و بالجملة
______________________________
على خروج الصورة من التحريم، الظاهر من ذلك المقيد «النقش» سواء كان نقش حيوان او غيره، و ذلك لان «الصورة» يغلب استعمالها و يغلب وجودها في «النقش» فقط، و على هذا ف «التمثال» و ان كان لغير ذى الروح، باق تحت النهى.
(و فيه: ان هذا الظهور لو اعتبر) بان قلنا ان المقيد ظاهر في النقش فقط (لسقط الاطلاقات عن نهوضها لاثبات حرمة المجسم) اذ بناء على هذا الاستظهار تكون اطلاقات النهى شاملة لتمثال غير ذى الروح لكن من المعلوم أن تمثال غير ذى الروح لا بأس به، فان الامام- عليه السلام قال: «لا بأس» بعد ما سئل عن تماثيل الشجر و نحوه (ف) اذا علمنا بالدليل ان تمثال غير ذى الروح ليس بمحرم (تعين حملها) اى المطلقات (على الكراهة) و ذلك لان النهى ان اشتمل على المنهى عنه المكروه سقطت دلالته على التحريم، و ذلك (دون التخصيص) للتحريم (بالمجسمة) كما يريده هذا القائل.
(و بالجملة) نقول- فى رد هذا القائل بان المجسم مطلقا حرام و النقش مطلقا حلال-: ان هناك دليلين: احدهما: يحرم التمثال مطلقا و الآخر: يحل التمثال مطلقا، فما هو وجه حمل التمثال في الأخبار المحللة على النقش، و في الاخبار المحرمة على المجسم؟ فان
ص: 53
التمثال في الاطلاقات المانعة مثل قوله- عليه السلام- «من مثل مثالا» ان كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم، كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان، كرواية تحف العقول، و صحيحة ابن مسلم، و ما في تفسير الآية.
فدعوى ظهور الاطلاقات المانعة في العموم، و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم.
«ثم» انه لو عممنا الحكم بغير الحيوان مطلقا او مع التجسم فالظاهر
______________________________
(التمثال في الاطلاقات المانعة مثل قوله- عليه السلام- «من مثل مثالا» ان كان ظاهرا في شمول الحكم) بالتحريم (للمجسم، كان) التمثال شاملا (كذلك) للمجسم (فى الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان، كرواية تحف العقول، و صحيحة ابن مسلم، و ما في تفسير الآية) فيكون دليل حرمة التمثال، و دليل حليته متعارضان، فيحمل ما دل على التحريم على الكراهة كما هو مقتضى ادلة الجواز و المنع-.
(فدعوى) هذا القائل (ظهور الاطلاقات المانعة في العموم) للمجسم و غير المجسم (و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش) مع ان اللفظ في الاخبار المانعة و المجوزة واحد (تحكم) اى حكم بدون دليل.
( «ثم» انه لو عممنا الحكم) بالتحريم (بغير الحيوان مطلقا) اى قلنا بان صورة غير الحيوان- مطلقا سواء كانت مجسمة أم لا- كالحيوان محرم أيضا (او مع التجسم) بان قلنا بان صورة غير الحيوان محرمة اذا كانت مجسمة، كما ان صورة الحيوان مطلقا حرام (فالظاهر) ان نقول: يشترط
ص: 54
ان المراد به ما كان مخلوقا للّه سبحانه على هيئة خاصة معجبة للناظر، على وجه تميل النفس الى مشاهدة صورتها، المجردة عن المادة او معها فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الابنية و السفن، مما هو مصنوع للعباد، و ان كانت في هيئة حسنة معجبة خارج.
و كذا مثل تمثال القصبات و الاخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه اللّه لا على هيئة معجبة للناظر، بحيث تميل النفس الى مشاهدتها
______________________________
فى التحريم ان يكون «الممثل» صورة مخلوقة للّه تعالى، و ان تكون صورة معجبة، فصورة غير المخلوق- كصورة السيف- و صورة مخلوق غير معجبة كصورة القصب، لا بأس بها، أما الاستثناء الاول فواضح، و اما الاستثناء الثاني، فلان المنصرف من التمثال الصور المعجبة لا مطلق الصورة، ف (ان المراد به) اى بتحريم غير الحيوان أيضا (ما كان مخلوقا للّه سبحانه) أولا و (على هيئة خاصة معجبة للناظر، على وجه تميل النفس الى مشاهدة صورتها، المجردة عن المادة) فى النقش (او معها) اى مع المادة، اى الصور المخلوقة ثانيا، و ذلك كبعض الاشجار الجملية، او الكواكب، او المناظر الخلابة المخلوقة (فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الابنية و السفن مما هو مصنوع للعباد، و ان كانت في هيئة حسنة معجبة خارج) عن التحريم لانها من صنع البشر، و قد شرطنا في التحريم ان يكون من صنع اللّه تعالى.
(و كذا مثل تمثال القصبات و الاخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه اللّه) و لكن (لا على هيئة معجبة للناظر، بحيث تميل النفس الى مشاهدتها
ص: 55
و لو بالصور الحاكية لها، لعدم شمول الادلة لذلك.
هذا كله مع قصد الحكاية و التمثيل، فلو دعت الحاجة الى عمل شي ء يكون شبيها بشي ء من خلق اللّه، و لو كان حيوانا، من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا.
و منه يظهر
______________________________
و لو بالصور الحاكية لها) اى ان النفس لا تميل الى المشاهدة لكل من الصور الاصلية و الصور النقشية، و انما تميل الى مشاهدة الصور الاصلية فقط فان صنع صور هذه الامور أيضا جائز، اذ قد شرطنا في التحريم ان تكون الصورة معجبة (لعدم شمول الادلة لذلك).
لكن اذ اسلمنا عموم الادلة لم يكن وجه للتقييد، بان تكون الصورة معجبة فالانصراف ممنوع، كما يمنع الانصراف الى صورة الحيوان المعجبة فكل صورة حيوان محظورة.
(هذا كله) تمام الكلام في التصوير (مع قصد الحكاية و التمثيل ف) اما اذا لم يقصد التمثيل، و انما قصد صنع شي ء يكون هو مثال الحيوان او نحوه، كما (لو دعت الحاجة الى عمل شي ء يكون شبيها بشي ء من خلق اللّه، و لو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا) عند المصنف و آخرين، و كأنه لدعوى الانصراف، و ربما يقال: بالمنع، اذ لا وجه للتخصيص بالقصد بعد الاطلاق، و الانصراف، و هل يقال مثل ذلك في صنع الصليب و الصنم و المزمار و ما اشبه؟
(و منه) اى مما ذكرنا من اشتراط قصد الحكاية في التحريم (يظهر
ص: 56
النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام.
«ثم» ان المرجع في الصورة الى العرف، فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء.
و ليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها، أو كسر رأسها دلالة على جواز تصوير الناقص.
______________________________
النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام) الّذي اشكل في الصلاة في مطلق الثياب بناء على الاشكال في مطلق الصور- حيث ان الثياب لا يقصد من اعلامها و خياطتها الحكاية، و قد عرفت اشتراط قصد الحكاية.
لكن ربما يقال: ان الادلة المانعة عن الصلاة في الثوب ذى الصور لا وجه لتقييدها بقصد الحكاية، أ رأيت انه لو قال المولى: يكره الصلاة في البيت الّذي فيه تمثال، لم ير العرف فرقا بين قصد صاحب التمثال و عدم قصده في كراهة الصلاة هناك.
( «ثم» ان المرجع في الصورة الى العرف) فما سمى صورة حرم سواء كانت ناقصة أم كاملة (فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الاعضاء).
(و) ان قلت: ان كانت الصورة الناقصة محرمة فلما ذا يكفى تنقيص بعض اجزاء الصورة.
قلت: (ليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها، او كسر رأسها، دلالة على جواز تصوير الناقص) لإمكان ان يكون الاحداث للصورة الناقصة محرما، اما الابقاء لها بعد التنقيص ليس محرما- بناء على تحريم ابقاء الصورة- بل سيأتى ان الظاهر جواز ابقاء الصورة كاملة
ص: 57
و لو صور بعض اجزاء الحيوان ففى حرمته نظر، بل منع، و عليه فلو صور نصف الحيوان، من رأسه الى وسطه، فان قدر الباقى موجودا بأن فرضه انسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه حرم، و ان قصد النصف لا غير لم يحرم، الا مع صدق الحيوان على هذا النصف.
و لو بدا له في اتمامه حرم الاتمام، لصدق التصوير باكمال الصورة، لانه ايجاد لها.
______________________________
فانه لا ملازمة بين الاحداث و الابقاء.
(و لو صور بعض اجزاء الحيوان ففى حرمته نظر، بل منع) لان المنصرف من الصورة تمام الصورة لا بعضها (و عليه) اى بناء على جواز تصوير الناقص (فلو صور نصف الحيوان، من رأسه الى وسطه، فان قدر) المصور (الباقى موجودا، بان فرضه انسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه، حرم) لصدق الصورة الكاملة عليه (و ان قصد النصف لا غير) بان كانت الصورة ناقصة (لم يحرم، الا مع صدق الحيوان) الكامل (على هذا النصف).
فالمصور و ان قصد بعض الحيوان، و لكن العرف كان يراه حيوانا كاملا.
(و) لو صور بعض الحيوان ف (لو بدا له في اتمامه) بان اخذ في اتمامه (حرم الاتمام) لان المحرم انما يتحقق حينئذ، دون حالة اوّل التصوير (لصدق التصوير) الكامل (باكمال الصورة) حينئذ (لانه ايجاد لها) الآن و الايجاد انما يتحقق حال الاتمام، لا حال الشروع الّذي لم يرد الا بعض
ص: 58
و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما، حتى لو بدا له في اتمامه.
و هل يكون ما فعل حراما، من حيث التصوير، او لا يحرم الا من حيث التجرى؟ وجهان:
من انه لم يقع الا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه.
______________________________
الصورة.
(و لو اشتغل بتصوير حيوان) بان اراد من الابتداء ان يصور حيوانا كاملا (فعل حراما، حتى لو بدا له في اتمامه) بان بنى على عدم اتمامه فلم يتممه.
لكن ربما يقال: بالحرمة من الاول في الصورة الاولى، و بعدم الحرمة و انما بالتجرى فقط- فى الصورة الثانية، لان مدار الحرمة: الحيوان الكامل، لا القصد، فان المصور في الاول شرع في الحرام و ان لم يقصد الحرام، و في الثانية لم يأت بالحرام و ان زعم انه يأتى به.
(و) كيف كان ففى صورة ما لو قصد الاتمام من اوّل الامر، ثم لم يتم ف (هل يكون ما فعل) من بعض التصوير (حراما، من حيث التصوير او لا يحرم الا من حيث التجرى؟ وجهان):- و ذلك بناء على حرمة التجرى لا على ما اختاره المصنف- رحمه اللّه- فى الرسائل من عدم حرمة التجرى.
اما وجه عدم الحرمة الا من حيث التجرى.
ف (من) جهة (انه لم يقع الا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه) فالفعل ليس بمحرم.
ص: 59
و من ان معنى حرمة الفعل- عرفا- ليس الا حرمة الاشتغال به عمدا، فلا يراعى الحرمة باتمام العمل.
و الفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على اتمامه، و بين الحرام، هو قضاء العرف فتأمل.
«بقى الكلام» فى جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه:
فالمحكى عن شرح الارشاد- للمحقق الاردبيلى-: «ان المستفاد من
______________________________
(و) اما وجه حرمة الفعل لا من حيث التجرى ف (من) جهة (ان معنى حرمة الفعل) اى التصوير (- عرفا- ليس الا حرمة الاشتغال به عمدا، فلا يراعى الحرمة باتمام العمل) فالشروع حرام، و ان لم يتم.
(و) ان قلت: على هذا لو شرع في الصلاة لزم ان يكون آتيا بالواجب و ان لم يتمها، مع ان احد الا يقول بذلك؟
قلت: (الفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على اتمامه و بين) فعل (الحرام) الّذي قلنا انه و ان لم يتمه فعل حراما، (هو قضاء العرف) و كفى به قاضيا في مقام الاطاعة و العصيان (فتأمل) فان الثابت من العرف ليس الا الاشتغال بالحرام واقعا، و بعض الصورة ليس حراما واقعا- و ان زعم المصور انه يأتى بالحرام-.
( «بقى الكلام» فى جواز اقتناء) و حفظ (ما حرم عمله من الصور و عدمه) اى عدم الجواز:
(فالمحكى عن شرح الارشاد- للمحقق الاردبيلى-: «ان المستفاد من
ص: 60
الاخبار الصحيحة، و اقوال الاصحاب: عدم حرمة ابقاء الصور» انتهى و قرره الحاكى على هذه الاستفادة.
و ممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة: المحقق الثاني في جامع المقاصد- مفرعا على ذلك جواز بيع الصور المعمولة، و عدم لحوقها بآلات اللهو و القمار و أوانى النقدين-، و صرح في حاشية الارشاد بجواز النظر إليها.
لكن ظاهر كلام بعض القدماء: حرمة بيع التماثيل و ابتياعها:
ففى المقنعة- بعد ان ذكر فيما يحرم
______________________________
الأخبار الصحيحة، و اقوال الاصحاب، عدم حرمة ابقاء الصور» انتهى) مضافا الى أصالة عدم حرمة الإبقاء، حيث لم يوجد دليل على حرمة الابقاء (و قرره الحاكى على هذه الاستفادة).
(و ممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة: المحقق الثاني في جامع المقاصد- مفرعا على ذلك) اى على جواز الابقاء و عدم جواز الابقاء (جواز بيع الصور المعمولة) فان قلنا بجواز ابقاء الصور جاز بيعها، و ان قلنا بعدم جواز ابقاء الصور لم يجز بيعها (و عدم لحوقها) اى الصور (بآلات اللهو و القمار و أوانى النقدين-) بناء على جواز بيع الصور، و عدم جواز بيع تلك الامور.
(و صرح في حاشية الارشاد بجواز النظر إليها) و لعل المراد بجواز النظر جواز الابقاء، و الا فالنظر جائز حتى الى ما يجب افنائه كالصليب و الصنم.
(لكن ظاهر كلام بعض القدماء: حرمة بيع التماثيل و ابتياعها).
(ففى المقنعة) للمفيد- رحمه اللّه- (- بعد ان ذكر فيما يحرم
ص: 61
الاكتساب به، الخمر و صناعتها و بيعها- قال: «و عمل الاصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة، و الشطرنج، و النرد، و ما اشبه ذلك حرام، و بيعه و ابتياعه حرام» انتهى.
و في النهاية: «و عمل الاصنام، و الصلبان، و التماثيل المجسمة، و الصور و الشطرنج، و النرد و سائر انواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز و التجارة فيها، و التصرف فيها و التكسب بها، محظور» انتهى، و نحوها ظاهر السرائر.
«و يمكن» ان يستدل للحرمة- مضافا الى ان الظاهر من تحريم عمل الشي ء مبغوضية وجود المعمول ابتداءً و استدامة- بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله- عليه السلام-
______________________________
الاكتساب به الخمر و صناعتها و بيعها- قال: «و عمل الاصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة، و الشطرنج، و النرد، و ما اشبه ذلك حرام، و بيعه و ابتياعه حرام» انتهى) كلام المفيد.
(و في النهاية: «و عمل الاصنام، و الصلبان، و التماثيل المجسمة، و الصور، و الشطرنج، و النرد و سائر انواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز و التجارة فيها، و التصرف فيها) بالحفظ و الاقتناء و الهبة (و التكسب بها محظور») ممنوع شرعا (انتهى، و نحوها ظاهر السرائر) لابن ادريس.
(و يمكن ان يستدل للحرمة) اى حرمة اقتناء الصور (- مضافا الى ان الظاهر من تحريم عمل الشي ء مبغوضية وجود المعمول ابتداءً) بالصنع (و استدامة) بالاقتناء- (بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله- عليه السلام-
ص: 62
«لا بأس ما لم يكن حيوانا» بناء على ان الظاهر من سؤال الراوى عن التماثيل، سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها، العام البلوى، و هو الاقتناء، و اما نفس الايجاد فهو عمل مختص بالنقاش، الا ترى انه لو سئل عن الخمر فاجاب بالحرمة، او عن العصير، فاجاب بالإباحة، انصرف الذهن الى شربهما دون صنعتهما.
بل ما نحن فيه اولى بالانصراف لان صنعة العصير و الخمر تقع من كل احد بخلاف صنعة التماثيل.
______________________________
«لا بأس ما لم يكن حيوانا») هذا نقل للحديث بالمعنى، و الا فلفظ الحديث «شي ء من الحيوان» (بناء على ان الظاهر من سؤال الراوى عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف) عند الناس (المتعلق بها) اى بالتماثيل (العام البلوى) اى الابتلاء (و هو الاقتناء) و الحفظ، فالسائل سأل عن الحفظ، و الامام اجاب بعدم الجواز في الحيوان (و اما نفس الايجاد فهو عمل مختص بالنقاش) و لا يقع عنه السؤال بمثل هذه الالفاظ بل المناسب ان يقال في السؤال عنه: ما تقول فيمن يرسم او ينقش او يصور او ما اشبه (الا ترى انه لو سئل عن الخمر، فاجاب) المسئول (بالحرمة، او) سئل (عن العصير، فاجاب بالإباحة، انصرف الذهن الى شربهما دون صنعتهما).
(بل ما نحن فيه) من السؤال عن التصاوير (اولى بالانصراف) الى الاقتناء، من سؤال الشخص عن الخمر و العصير (لان صنعة العصير و الخمر تقع من كل احد) فيمكن ان يكون السؤال عن التخمير و العصر (بخلاف صنعة التماثيل) فانها لا تقع الا من اشخاص مخصوصين.
ص: 63
و بما تقدم من الحصر، في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول انما حرم اللّه الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا، و لا يكون منه و فيه شي ء من وجوه الصلاح، الشي ء.
فان ظاهره: ان كل ما
______________________________
(و بما تقدم) عطف على «بما تقدم في صحيحة الخ».
و هذا دليل ثان على حرمة اقتناء الصور (من الحصر، في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول) المتقدمة في اوّل الكتاب (انما حرم اللّه الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا) و فيها، اعم من ان يكون ظرفا للفساد، مثل آلات اللهو و الغناء، حيث انها مثل الظرف للفساد، او ان يكون مبعثا للفساد، مثل الصنم الّذي لا يعد عرفا ظرفا للفساد، و انما هو مبعث للفساد.
و انما قلنا: بان «فيها» اعم بقرينة قوله: (و لا يكون منه و فيه شي ء من وجوه الصلاح) و تذكير الضمير في «منه و فيه» باعتبار (الشي ء) و تأنيثه في «فيها» باعتبار الصناعة الى قوله عليه السلام يحرم جميع التقلب فيه فان ضميمة الجملتين «انما حرم» و «يحرم» تعطى: ان كل شي ء ليس فيه صلاح يحرم جميع انواع التقلب فيه فاذا ضممنا هذه الكبرى الكلية المستفادة من النص الى صغرى خارجية: و هى ان الصور يجئ منها الفساد محضا، انتجت المقدمتان، ان الصور يحرم جميع انواع التقلب فيها، و من اقسام التقلب الاقتناء.
(فان ظاهره) اى ظاهر قوله عليه السلام: انما حرم اللّه (ان كل ما
ص: 64
يحرم صنعته- و منها التصاوير- يجئ منها الفساد محضا فيحرم جميع التقلب فيه، بمقتضى ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة.
و بالنبوى: لا تدع صورة الا محوتها و لا كلبا الا قتلته، بناء على إرادة
______________________________
يحرم صنعته- و منها التصاوير- يجئ منها الفساد محضا) و «يجئ» خبر «ان كلما».
و بضميمة هذا الظاهر الى قوله عليه السلام يحرم جميع التقلب يتم المطلوب في باب التصاوير (فيحرم جميع التقلب فيه) اى فيما يحرم صنعته التى منها التصاوير.
و انما قلنا: يحرم (بمقتضى ما ذكر في الرواية) «ما ذكر» هو قوله عليه السلام «فيحرم ...» (بعد هذه الفقرة) اى فقرة «انما حرم اللّه ...».
و الحاصل ان الرواية تقول هنا «ما يأتى منه الفساد» و «ما يأتى منه الصلاح».
و الاول يحرم جميع انواع التقلب فيه، فالرواية حصر حقيقى، و لا قسم ثالث، بحيث يأتى منه الفساد و لا يحرم جميع انواع التقلب فيه.
(و بالنبوى) عطف على «بما تقدم» و هو دليل ثالث على حرمة اقتناء الصور (لا تدع صورة الا محوتها، و لا كلبا الا قتلته) فان: لا تدع، ظاهر في حرمة الابقاء، فيحرم اقتناء الصور.
لا يقال: لا تدع، محمول على الكراهة بقرينة و لا كلبا فان قتل الكلب ليس واجبا، فلا دلالة في النبوى على حرمة الاقتناء، بل على كراهة اقتناء الصور.
لانه يقال: لا تدع ظاهر في الحرمة (بناء على إرادة
ص: 65
الكلب الهراش المؤذى الّذي يحرم اقتنائه.
و ما عن قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عليه السلام، عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن التماثيل، هل يصلح ان يلعب بها؟
قال: لا.
و بما ورد في انكار ان المعمول لسليمان على نبينا و آله و عليه السلام هى تماثيل الرجال و النساء
______________________________
الكلب الهراش) الّذي لا عمل له، كحفظ البستان و الغنم و نحوهما (المؤذى الّذي يحرم اقتنائه).
فكما ان حفظ مثل هذا الكلب حرام، كذلك حفظ الصورة حرام.
و انما يحرم ابقاء كلب الهراش المؤذى، لوجوب قطع مادة الفساد، و كلب الهراش منها.
(و) ب (ما عن قرب الاسناد) عطف على «بما تقدم» و هو دليل رابع لحرمة اقتناء الصور (بسنده عن على بن جعفر عليه السلام، عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن التماثيل، هل يصلح ان يلعب بها؟ قال) عليه السلام (لا).
وجه الاستدلال: انه لو جاز الاقتناء جاز اللعب، اذ اللعب بما هو لعب ليس بحرام، فاذا لم يجز اللعب دل على انه لا يجوز الاقتناء.
(و بما ورد في انكار ان المعمول لسليمان على نبينا و آله و عليه السلام هى تماثيل الرجال و النساء) عطف على «بما تقدم» و هو دليل خامس لحرمة اقتناء الصور، فقد ورد في الآية الكريمة: يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ
ص: 66
فان الانكار انما يرجع الى مشيّة سليمان للمعمول، كما هو ظاهر الآية، دون اصل العمل
______________________________
مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ.
و حيث توهم ان المراد تماثيل الانسان و انه كيف يجوز ذلك؟ و الحال ان صنع التمثال حرام، نفاه الامام عليه السلام و بين ان المراد بالآية: تماثيل الشجر و نحوه، لا تماثيل الرجال و النساء.
و وجه الاستدلال بانكار الامام عليه السلام ما ذكره المصنف بقوله:
(فان الانكار انما يرجع الى مشيّة سليمان للمعمول، كما هو ظاهر الآية).
بيان ذلك، ان الانسان قد يقول: انى اكره عمل الصورة، و قد يقول:
انى اكره الصورة.
فاذا قال، الاول لم يدل على كراهته لبقاء الصورة.
و اما اذا قال الثاني دل على كراهته لبقاء الصورة.
اذا عرفت هذا نقول: هذا الاستدلال الخامس يقول: ان انكار الامام عليه السلام راجع الى مشيّة سليمان للصورة.
فمعنى كلام الامام ان سليمان ما كان يحب الصور فيدل على حرمة الاقتناء، و الا فلما ذا كان يكره سليمان الصور؟ (دون اصل العمل) عطف على «للمعمول».
و عليه: فليس انكار الامام راجعا الى مشيّة سليمان لعمل الصور، حتى لا يرتبط كلام الامام عليه السلام بالاقتناء.
و انما قال المصنف: كما هو ظاهر الآية لان قوله: يعملون تعلق ب «ما».
ص: 67
فدل على كون مشيّة وجود التمثال من المنكرات التى لا يليق بمنصب النبوة.
و بمفهوم صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: لا بأس بان يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و ترك ما سوى ذلك.
و رواية المثنى عن ابى عبد اللّه عليه السلام: ان عليا عليه
______________________________
فالمعنى: يعملون مشيئة سليمان: المشيئة التى هى تماثيل، و الامام انكر هذا، اى لا يكون مشيئة سليمان الصور.
و اذ انكر الامام عليه السلام (فدل على كون مشية وجود التمثال من المنكرات التى لا يليق بمنصب النبوة).
و حيث ان الأنبياء اسوة، و ان الشريعة السابقة- اذا لم يعلم نسخها- جارية الى يومنا هذا، كان اللازم بقاء هذا الحكم، و هو كون اقتناء الصور منكرا و محرما.
(و بمفهوم صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: لا بأس بان يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و ترك ما سوى ذلك) من اجسادها.
و هذا عطف على «بما تقدم» و هو دليل سادس لحرمة اقتناء الصور، فان مفهوم الرواية البأس في بقاء التماثيل، اذا لم تغير، فيدل على حرمة الاقتناء لان معنى الباس الحرمة.
(و) ب (رواية المثنى عن ابى عبد اللّه عليه السلام: ان عليا عليه
ص: 68
السلام يكره الصور في البيوت بضميمة ما ورد في رواية اخرى مروية في باب الربا ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال.
و رواية الحلبى المحكية عن مكارم الاخلاق، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: اهدى إليّ طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر، فامرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر هذا.
و في الجميع نظر.
اما الاول: فلان الممنوع هو ايجاد
______________________________
السلام) كان (يكره الصور في البيوت) فيدل على عدم جواز الاقتناء، و هذا عطف على «بما تقدم» و هو دليل سابع لحرمة الاقتناء، (بضميمة ما ورد في رواية اخرى مروية في باب الربا ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال).
فمعنى ان عليا عليه السلام كان يكره الصور، ان بقاء الصور ليس بحلال.
(و) ب (رواية الحلبى المحكية عن مكارم الاخلاق، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: اهدى إليّ طنفسة) هى نوع من الفرش (من الشام فيها تماثيل طائر، فامرت به) الضمير في «به» عائد الى «الشي ء المهدى» اى الطنفسة (فغير رأسه) اى رأس الطائر (فجعل كهيئة الشجر).
وجه الاستدلال بهذه الرواية: انه لو لم يكن الاقتناء حراما، لم يكن وجه لتغيير رأس الطائر المنقوش على الطنفسة (هذا) تمام الاستدلال على حرمة اقتناء الصور.
(و) لكن (فى الجميع) جميع الاستدلالات التسعة (نظر).
(اما الاول) الّذي قال: مضافا الى ان الظاهر .. (فلان الممنوع هو ايجاد
ص: 69
الصورة، و ليس وجودها مبغوضا حتى يجب رفعه.
نعم قد يفهم الملازمة من سياق الدليل او من خارج كما ان حرمة ايجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه المستلزم
______________________________
الصورة) اى صنعها، لانه الظاهر من النهى عن عمل الصور (و ليس وجودها مبغوضا حتى يجب رفعه).
و لا تلازم بين الامرين فقد ينهى الأب ولده عن صبغ الغرفة مثلا و يكون النهى بداعى ان لا يشغل وقته و يتأخر عن الدراسة، مع ان بقاء الصبغ ليس مبغوضا.
و لذا اذا خالفه و صبغ، لا يريد ازالة الصبغ، بل احيانا يكون بقاء الصبغ محبوبا عنده، فلعل داعى نهى الشارع عن عمل الصور، ان لا يتخذه الناس مهنة، و هو شي ء لا ينفع الدين و لا الدنيا، اما اذا صنعه انسان و خالف لم يكن بقائها منهيا عنه.
(نعم قد يفهم الملازمة) بين مبغوضية الصنع، و بين مبغوضية البقاء (من سياق الدليل) بان كانت هناك قرينة داخلية.
مثلا: يقول: لا تصنع التمثال لان بقائه يشبه الكفار الذين يكون في بيتهم الصنم (او من خارج) بان كانت هناك قرينة خارجية.
مثلا يقول: لا تأت بعدوّى الى دارى، حيث ان الواضح انه يكره ان يكون عدوه في داره.
و قد مثل المصنف بالقرينة المفهمة للتلازم بقوله: (كما ان حرمة ايجاد النجاسة في المسجد يستلزم) حيث فهم العرف (مبغوضية وجودها فيه) اى في المسجد، فالايجاد حرام و الابقاء حرام (المستلزم) اى
ص: 70
لوجوب رفعها.
و اما الروايات فالصحيحة الاولى غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء لان عمل الصور مما هو مركوز في الاذهان، حتى ان السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها، اذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله.
______________________________
يستلزم كون البقاء حراما (لوجوب رفعها) لانا علمنا من الخارج ان الشارع يريد طهارة بيته، قال سبحانه: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ، الآية.
(و اما الروايات فالصحيحة الاولى) لابن مسلم (غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء) بل ظاهرها كون السؤال عن العمل، فقول الامام عليه السلام في جواب السؤال: لا بأس، اى لا بأس بالعمل، اذا لم يكن حيوانا.
و عليه فمفهومها البأس عن العمل اذا كان حيوانا، و ليس مفهومها البأس عن الاقتناء اذا كان حيوانا.
و انما كانت الصحيحة ظاهرة في السؤال عن العمل (لان عمل الصور مما هو مركوز في الاذهان) ففهم حكمه مطلوب لكل انسان (حتى ان السؤال عن حكم اقتنائها) اقتناء الصور، انما يكون (بعد معرفة حرمة عملها).
فالسؤال أولا عن العمل، ثم عن الاقتناء.
فالصحيحة ظاهرة في ان السؤال عن العمل.
و انما كان السؤال عن العمل أو لا (اذ لا يحتمل) عرفا (حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله).
و لذا كان الاسلوب الطبيعى ان يسأل الانسان أولا: هل عمل الصورة حرام، أم لا؟
ص: 71
و اما الحصر في رواية تحف العقول فهو بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في تقسيم الصناعات الى ما يترتب عليه الحلال و الحرام و ما لا يترتب عليه الا الحرام، اضافى بالنسبة الى هذين القسمين
______________________________
فاذا قيل له: يحل، فلا سؤال لانه يعلم بديهة جواز اقتنائها.
اما اذا قيل: يحرم جاء دور السؤال الثاني: هل اقتنائها حرام أم لا؟
(و اما الحصر في رواية تحف العقول) حيث دلّت على ان جميع التقلب انما يحرم، اذا كان يأتى من الشي ء الفساد محضا.
و حيث ان الصور يأتى منها الفساد محضا، فلا بد ان يحرم جميع التقلب فيها التى منها الاقتناء (فهو) اى الحصر لا نسلم كونه حقيقيا حتى يستلزم حرمة الاقتناء، على التقريب المتقدم، بل نقول: بان الرواية تقول: ان ما ذكرها من القسمين، اذا كان قسم الحرام، يحرم جميع انواع التقلب، و لا دلالة في الرواية على انه ليس هناك قسم ثالث بحيث يحرم في الجملة، و لا يحرم جميع انواع التقلب فيه.
اذ: (بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في تقسيم الصناعات الى ما يترتب عليه الحلال و الحرام، و ما لا يترتب عليه الا الحرام، اضافى) «اضافى» خبر «الحصر» (بالنسبة الى هذين القسمين) فانه حيث ذكر في الرواية قسمين فقط، فاذا حصرت الرواية بعد ذلك الحكم في ما يحرم كل تقلب فيه، و في ما لا يحرم ان تقلب فيه لم يدل الحصر على انه لا قسم ثالث يكون حكمه حرمة التقلب في الجملة، و حلية التقلب في الجملة.
فالحصر الاضافى لا يقول: ان كل محرم عمله يحرم كل تقلب فيه بل
ص: 72
يعنى لم يحرم من القسمين الا ما ينحصر فائدته في الحرام، و لا يترتب عليه الا الفساد.
نعم يمكن ان يقال: ان الحصر وارد في مساق التعليل، و اعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور.
______________________________
يقول: و (يعنى) انه (لم يحرم من القسمين الا ما ينحصر فائدته في الحرام، و لا يترتب عليه الا الفساد).
فلا مانع ان يكون هناك قسم ثالث يحرم عمله و لكن لا يحرم كل تقلب فيه، و من القسم الثالث: الصورة، حيث يحرم عملها، و لا يحرم اقتنائها.
(نعم يمكن ان يقال: ان الحصر) فى الرواية حقيقى بملاحظة انه (وارد في مساق التعليل) اى العلة لحرمة عمل، و لحلية عمل (و اعطاء الضابطة) عطف على «مساق التعليل».
و انما اعطى الضابطة (للفرق بين الصنائع) فإرادة الحصر لبيان العلة (لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور) من القسمين.
و لا يمكن ان يخرج من الضابطة قسم، حتى يكون هناك قسم ثالث.
و انما يكون ما لبيان الضابطة حصرا حقيقيا، لانه لو كان الحصر اضافيا لا تكون ضابطة.
و الحاصل: ففهمنا من العلة في الرواية، الضابطة.
________________________________________
شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق
إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 73
و يفهم من الضابطة: كون الحصر حقيقيا.
و انما يفهم من العلة، الضابطة لان ظاهر العلة: انها في مقام بيان سبب الحرام و الحلال، و اذا كان قسم خارج لم يكن بيان كل اسباب
ص: 73
و اما النبوى، فسياقه ظاهر في الكراهة كما يدل عليه عموم الامر بقتل الكلاب.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض من الروايات و لا قبرا إلا سويته.
و اما رواية على بن جعفر عليه السلام، فلا تدل الا على كراهة اللعب بالصورة، و لا نمنعها بل و لا الحرمة، اذا كان اللعب على وجه اللهو.
______________________________
الحرام و الحلال.
(و اما النبوى، فسياقه ظاهر في الكراهة) فيدل على كراهة ابقاء الصور، لا حرمة ابقائها (كما يدل عليه) اى على هذا السياق (عموم الامر بقتل الكلاب) اذ لم يقل اقتل الكلاب المؤذية، حتى يدل على الوجوب، بل قال: اقتل الكلاب، اى الهراش، فيشمل المؤذى و غير المؤذى.
و من المعلوم: ان قتل كل كلب هراش ليس بواجب.
(و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عطف على «عموم» (فى بعض من الروايات) لان الروايات الواردة في امر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السلام حين وجهه الى اليمن متعددة (و لا قبرا الا سويته) مع وضوح ان تسوية القبور مستحبة لا واجبة.
فكما ان ترك التسوية مكروه، كذلك ترك الصور مكروه.
(و اما رواية على بن جعفر عليه السلام، فلا تدل الا على كراهة اللعب بالصورة، و لا نمنعها) اى لا نمنع كراهة اللعب بالصورة.
و من المعلوم: ان كراهة اللعب لا تلازم حرمة الاقتناء (بل و لا) نمنع (الحرمة) اى حرمة اللعب بالصورة (اذا كان اللعب على وجه اللهو)
ص: 74
و اما ما في تفسير الآية، فظاهره رجوع الانكار الى مشيئة سليمان على نبينا و آله و عليه السلام لعملهم بمعنى اذنه فيه او الى تقريره لهم في العمل.
و اما الصحيحة فالبأس فيها محمول على الكراهة لاجل الصلاة، او مطلقا مع دلالته على جواز الاقتناء
______________________________
المحرم، اى غاية دلالة رواية على بن جعفر انه يحرم اللعب بالصورة، و حرمة اللعب لا تلازم حرمة الاقتناء.
(و اما ما في تفسير الآية) آية: يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ (ف) لا نسلم ان الرواية نفت مشيئة سليمان عليه السلام وجود التمثال، اذ (ظاهره) اى ظاهر ما في تفسير الآية (رجوع الانكار الى مشيئة سليمان على نبينا و آله و عليه السلام لعملهم) فلم يرد سليمان عليه السلام عمل التمثال، لا انه لم يرد ذات التمثال (بمعنى) ان الامام عليه السلام انكر (اذنه) اى اذن سليمان عليه السلام (فيه) فى العمل (او) رجوع الانكار (الى تقريره) اى تقرير سليمان عليه السلام (لهم) للعملة (فى العمل).
فالرواية تقول: ان سليمان عليه السلام لم يأذن، و لم يقرر عملهم، لا ان الرواية تقول: ان سليمان عليه السلام لم يرد ذات التمثال.
(و اما الصحيحة) لزرارة (فالبأس فيها محمول على الكراهة) لا الحرمة (لاجل الصلاة) كما هو المشهور في باب الصلاة في ثوب فيه صور (او مطلقا) و انه يكره لبس الثوب الّذي فيه الصور، فلا علاقة للصحيحة بالمقام (مع دلالته) اى دلالة البأس، اذا كان للكراهة (على جواز الاقتناء) للصور
ص: 75
و عدم وجوب المحو.
و اما ما ورد من ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال فمحمول على المباح المتساوى طرفاه، لانه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا.
و اما رواية الحلبى، فلا دلالة لها على الوجوب اصلا و لو سلم الظهور في الجميع فهى معارضة بما هو اظهر
______________________________
(و عدم وجوب المحو) اذ لو كان الاقتناء حراما لزم النهى لا ان يقول بالكراهة
(و اما ما ورد من ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال) بضميمة انه عليه السلام كان يكره الصور في البيوت، مما يدل على ان الصور حرام (ف) هو (محمول على المباح المتساوى طرفاه) اى انه لم يكن يكره المباح.
و يدل على هذا الحمل ما ذكره بقوله: (لانه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا) فلا دليل على انه عليه السلام كان اذا كره شيئا كان حراما، بل كان يكره الحرام، كما كان يكره المكروه، فاذا ورد انه كان يكره الصور كان المنصرف منه الكراهة لا الحرمة.
(و اما رواية الحلبى) حيث قال عليه السلام: فامرت به فغير رأسه (فلا دلالة على الوجوب اصلا) حتى يدل على حرمة ترك التغيير، فيدل على حرمة الاقتناء.
فان امر الامام عليه السلام اعم من الاستحباب و الوجوب، هذا وجه عدم دلالة روايات القائل بحرمة اقتناء الصور، على مطلوبه (و لو سلم الظهور في الجميع) اى جميع تلك الروايات (فهى معارضة بما هو اظهر) دلالة مما يوجب صرف ظاهر تلك الروايات الى الكراهة، لقاعدة الجمع
ص: 76
و اكثر.
مثل صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السلام ربما قمت اصلّى، و بين يدى الوسادة فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا.
و رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير، او سبع، أ يصلّى فيه؟ قال (ع) لا بأس.
و عنه عن اخيه عن البيت فيه صورة سمكة او طير، يعبث به اهل البيت هل يصلى فيه قال: لا حتى يقطع رأسه، و يفسد.
و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن
______________________________
بين الظاهر و الاظهر (و اكثر) عددا.
(مثل صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السلام) قال: (ربما قمت اصلّى، و بين يدى) اى امامى (الوسادة) المخدة (فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا) مما يدل على وجود التماثيل في بيت الامام عليه السلام.
(و رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام) موسى الكاظم (ع) سأله (عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير، او سبع، أ يصلّى فيه) هل يجوز ذلك؟ (قال «ع» لا بأس) مما يدل على عدم حرمة الاقتناء.
(و عنه) اى عن على بن جعفر «ع» (عن اخيه) الكاظم «ع» سأله (عن البيت فيه صورة سمكة او طير) او شبههما (يعبث به اهل البيت، هل يصلى فيه قال) «ع» (لا حتى يقطع رأسه، و يفسد) فانه لو كان بقائه في البيت حراما، لكان اللازم ان ينهى عنه الامام فعدم نهيه دليل على عدم حرمة الاقتناء، (و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن
ص: 77
الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل، قال: لا بأس به يكون في البيت، قلت: ما التماثيل؟ قال: كل شي ء يوطأ فلا بأس و سياق السؤال مع عموم الجواب يأبى عن تقييد الحكم بما يجوز عمله، كما لا يخفى.
______________________________
الوسادة و البساط) الفرش (يكون فيه التماثيل) هل يجوز ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا بأس به يكون في البيت، قلت: ما) هى (التماثيل؟ قال كل شي ء يوطأ) عليه بالاقدام (فلا بأس) فانه دليل على عدم حرمة الاقتناء.
و قوله عليه السلام «يوطأ» يراد به في مقابل الاحترام للعبادة، كما يتخذها عباد الاصنام لذلك.
و لذا، فلا خصوصية للوطء، كما هو المفهوم عرفا من الرواية.
(و) ان قلت: ظاهر الرواية: ان السؤال و الجواب انما هما بالنسبة الى ما يجوز عمله من تماثيل الشجر و نحوها، فلا دلالة في الرواية لمحل البحث من تماثيل ذوى الارواح.
قلت: (سياق السؤال) حيث ان غير ذوى الارواح كان واضحا عند الروات عدم حرمته (مع عموم الجواب) حيث لم يفصل الامام عليه السلام بين تماثيل ذى الروح، و تماثيل غير ذى الروح (يأبى عن تقييد الحكم) بالجواز (بما يجوز عمله) من التماثيل (كما لا يخفى) على الخبير بكلام امثال ابى بصير، و بكلام الائمة عليهم السلام.
فان الفقهاء من اصحابهم عليهم السلام لا يسألون عما حليته واضحة، كما انهم عليهم السلام لا يطلقون الكلام، اذا كان هناك تقييد في الحكم.
ص: 78
و رواية اخرى لابى بصير، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: انا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها قال: لا بأس منها بما يبسط و يفرش، و يوطأ و انما يكره منها ما نصب على الحائط و على السرير.
و عن قرب الاسناد عن على بن جعفر عن اخيه عليه السلام سألته عن رجل كان في بيته تماثيل، او في ستر و لم يعلم بها، و هو يصلى في ذلك البيت، ثم علم ما عليه قال (ع): ليس عليه فيما لم يعلم شي ء، فاذا علم،
______________________________
(و رواية اخرى لابى بصير، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: انا نبسط) اى نفرش (عندنا الوسائد) جمع و سادة، لانهم كانوا يجلسون على الوسادة (فيها التماثيل و نفرشها) اى نجعلها فراشا (قال: لا بأس منها بما يبسط و يفرش، و يوطئ و انما يكره منها ما نصب على الحائط و على السرير) فيدل على جواز الاقتناء، و انما يكره جعله في مكان التعظيم مثل المنصوب على الحيطان، و المنصوب على المرتفع من السرير- كالحائط-.
اما الموضوع على مكان المقعد من السرير فهو مثل المفروش على الارض، كما لا يخفى.
(و عن قرب الاسناد عن على بن جعفر) عليه السلام (عن اخيه عليه السلام) قال: (سألته) عليه السلام (عن رجل كان في بيته تماثيل، او) كان التماثيل (فى ستر)- بالفارسى-: پرده- (و لم يعلم بها، و هو يصلى في ذلك البيت، ثم علم، ما عليه) اى علم بالحال التى كان على تلك الحالة من وجود التماثيل في بيته، او في ستره (قال (ع): ليس عليه فيما لم يعلم شي ء، فاذا علم،
ص: 79
فلينزع الستر و ليكسر رءوس التماثيل.
فان ظاهره ان الامر بالكسر، لاجل كون البيت مما يصلى فيه.
و لذلك لم يأمره بتغيير ما على الستر، و اكتفى بنزعه.
و منه يظهر ان ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة- مع عدم تغيير الرءوس- انما هو لاجل الصلاة.
______________________________
فلينزع الستر و ليكسر رءوس التماثيل).
فان الرواية تدل على عدم البأس بوجود التماثيل في البيت او الستر
فان قلت: فلما ذا قال الامام عليه السلام فليكسر رءوس التماثيل؟
قلت: قاله عليه السلام لاجل الصلاة.
(فان ظاهره ان الامر بالكسر، لاجل كون البيت مما يصلى فيه) و انما استظهرنا ذلك للانصراف.
(و لذلك) الّذي كان الكسر لاجل الصلاة- لا لاجل حرمة الاقتناء- (لم يأمر (ع) بتغيير ما على الستر) من الصور (و اكتفى بنزعه) حيث لا ينافى الصلاة، اذا لم تكن الصور ظاهرة.
و الا فلو كان الامر بكسر التماثيل لاجل حرمة اقتنائها، كان اللازم ان يأمر عليه السلام بمحو التماثيل من الستر أيضا- كما لا يخفى-.
(و منه) اى مما ذكرناه في هذه الرواية (يظهر ان ثبوت البأس في) مفهوم (صحيحة زرارة السابقة- مع عدم تغيير الرءوس- انما) البأس (هو لاجل الصلاة) لا لاجل حرمة الاقتناء- كما زعمه المستدل-.
ص: 80
و كيف كان فالمستفاد من جميع ما ورد من الاخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الّذي فيه تماثيل الا اذا غيرت او كانت بعين واحدة او القى عليها ثوب جواز اتخاذها.
و عمومها يشمل المجسمة و غيرها.
و يؤيد الكراهة الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت و اقتناء الكلب و الاناء المجتمع فيه البول، في الاخبار الكثيرة.
______________________________
(و كيف كان) الامر، سواء كانت للروايات السابقة دلالة، و انما تسقط بدلالة هذه الروايات، او انه لا دلالة للروايات السابقة (فالمستفاد من جميع ما ورد من الاخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الّذي فيه تماثيل الا اذا غيرت) فلا تكره الصلاة (او كانت بعين واحدة) بان كانت ناقصة، فلا تكره الصلاة (او القى عليها ثوب) حتى لا تكون ظاهرة.
و انما تكره الصلاة اذا كانت التماثيل ظاهرة.
فقوله: (جواز اتخاذها) خبر «المستفاد».
(و عمومها) اى عموم تلك الروايات (يشمل المجسمة و غيرها) بان كانت ذات جسم او صورة فقط، اذ لو كان الاقتناء حراما لزم التنبيه على حرمتها لا الاكتفاء بذكر ما يدل على الكراهة، خصوصا ما دل على كفاية القاء ثوب عليها.
(و يؤيد الكراهة) كراهة الاقتناء دون حرمته (الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت، و) بين (اقتناء الكلب و الاناء المجتمع فيه البول، في الاخبار الكثيرة).
ص: 81
مثل ما روى عنهم عليهم السلام مستفيضا عن جبرئيل على نبينا و آله و عليه السلام انا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، و لا بيتا يبال فيه، و لا بيتا فيه كلب و في بعض الاخبار اضافة الجنب إليها و الله العالم باحكامه.
______________________________
مع ان اقتناء الكلب و مجمع البول مكروه لا حرام، فارداف التماثيل لهما يدل على كراهة اقتناء الصورة أيضا.
(مثل ما روى عنهم عليهم السلام مستفيضا) اى في اخبار كثيرة (عن جبرئيل على نبينا و آله و عليه السلام) انه قال: (انا) معاشر الملائكة (لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، و لا بيتا يبال فيه، و لا بيتا فيه كلب) و الظاهر ان المراد بالبيت الغرفة لا كل الدار (و في بعض الاخبار اضافة الجنب إليها) اى الى الثلاثة مع ان وجود الجنب في البيت ليس بحرام.
و انما قال المصنف (ره) «يؤيد» لان السياق شاهد، و ليس بدليل.
اذ من الممكن جمع المحرم و المكروه في كلام واحد (و الله العالم باحكامه) و ان كان حسب الظواهر الواردة عن اهل العصمة عليهم السلام: ان الاقتناء مكروه و ليس بحرام.
بل ربما قيل: ان عمل الصور مجسمة و غير مجسمة- أيضا- ليس بحرام اذا لم يكن بقصد العبادة، و انما المحرم عملها بقصد العبادة بقرينة الانصراف الى ذلك، و لو بمعونة كون المتعارف في ذلك الزمان عبادة المشركين لها.
ص: 82
..........
______________________________
و نفى الامام عليه السلام قصة تماثيل سليمان عليه السلام، لان اهل الكتاب نسبوا إليه عليه السلام انه صنع الاصنام للعبادة.
و يؤيده ما تقدم من ذكره عليه السلام عدم البأس فيما يوطؤ من التماثيل لئلا يكون موضع الاحترام و الله العالم.
ص: 83
ذكره في القواعد في المكاسب و لعله استطراد، او المراد اتخاذه كسبا، بان ينصب نفسه كيالا او وزانا، فيطفف للبائع.
______________________________
المسألة (الخامسة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:
(التطفيف) اى النقص في الكيل و الوزن و هو (حرام) بلا اشكال و لا خلاف و يدل عليه الادلة الاربعة:
اما الكتاب فقوله سبحانه: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» و قوله: «وَ لٰا تَنْقُصُوا الْمِكْيٰالَ وَ الْمِيزٰانَ» و قوله: «لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ»* بل و قوله:
«لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»*.
و اما السنة فروايات كثيرة متواترة، كقول الصادق- عليه السلام- فى جملة من الاوصاف المحرمة: «و رأيت الرجل معيشته من بخس المكيال و الميزان».
و اما الاجماع فهو مستفيض الدعوى و النقل في كلامهم.
و اما العقل فلاستقلاله بقبح اكل مال الغير بالباطل و حيث ان القبح في سلسلة العلل، يشمله «كلما حكم به العقل حكم به الشرع».
(ذكره في القواعد في المكاسب) المحرمة (و لعله استطراد) اذ ليس التطفيف من انواع الكسب، (او المراد اتخاذه) اى التطفيف (كسبا، بان ينصب) الشخص (نفسه كيالا او وزانا، فيطفف للبائع) او لنفسه بان يبيع ناقصا و يأخذ الزائد لنفسه.
ص: 84
و كيف كان فلا اشكال في حرمته، و يدل عليه الادلة الاربعة.
«ثم» ان البخس في العدوّ و الذرع يلحق به حكما، و ان خرج عن موضوعه.
و لو وازن الربوي بجنسه فطف في احدهما، فان جرت المعاوضة على الوزن المعلوم الكلى فيدفع الموزون على انه بذلك الوزن اشتغلت ذمته بما نقص
______________________________
(و كيف كان) مراد العلامة (فلا اشكال في حرمته، و يدل عليه الادلة الاربعة) كما عرفت الاشارة إليها.
(ثم ان البخس) و التنقيص (فى العدّ) بأن يبيع عشرة بيوض ثم يعطى تسعة مثلا (و الذرع) كأن يبيع عشرين ذراعا و يسلم تسعة عشر (يلحق به حكما) اى بالتطفيف، فذلك حرام قطعا للعقل و النقل (و ان خرج عن موضوعه) لان الغالب من استعمال التطفيف انما هو في المكيل و الموزون، و لذا فسر التطفيف في المصباح بالتقليل الشامل لكل اقسام التقليل و عليه فالخروج موضوعا محل مناقشة.
(و لو وازن الربوي) اى الامور التى يجرى فيها الربا (بجنسه) لان ربا المعاملة لا يكون الا بالجنس (فطفف في احدهما، فان جرت المعاوضة على الوزن) او الكيل (المعلوم الكلى) بان باع منّا من حنطة، بمنّ من حنطة، و كلاهما كان كليا (فيدفع) بعد ذلك (الموزون) الناقص كثلاثة ارباع المنّ- مثلا- بناء (على انه) اى هذا المدفوع (بذلك الوزن) الّذي جرت عليه المعاوضة (اشتغلت ذمته بما نقص) و صح البيع، لان النقص
ص: 85
و ان جرت على الموزون المعين باعتقاد المشترى، انه بذلك الوزن فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الربا.
و لو جرت عليه، على انه بذلك الوزن بجعل ذلك عنوانا للعوض، فحصل الاختلاف بين العنوان و المشار إليه، لم يبعد الصحة.
و يمكن ابتناؤه
______________________________
كان في مقام الوفاء (و ان جرت) المعاوضة (على الموزون المعين) الكامل (باعتقاد المشترى) و (انه بذلك الوزن) الناقص واقعا (فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الربا) لان المقابلة انما وقعت بين الجنسين و احدهما ناقص، و هذا هو موضوع الربا، الموجب للفساد وضعا، و الحرمة تكليفا، الا انه حيث يجهل الربا في المقام لا تكون حرمة تكليفية.
(و لو جرت) المعاوضة (عليه، على انه بذلك الوزن) المساوى للجنس في الطرف الآخر (بجعل ذلك) الوزن (عنوانا للعوض) بان يكون الملحوظ في المعاوضة هو الجنس المقيد بالوزن الكذائى، و ذلك بخلاف الصورة الثانية حيث ان الملحوظ نفس الجنس فقط (فحصل) فى الصورة الثالثة (الاختلاف بين العنوان و المشار إليه، لم يبعد الصحة) لان مصب العقد «المقيد بما هو مقيد» و هو مساو للثمن، اما المشار إليه فليس هو مصب العقد، حتى يكون التفاوت بينه و بين الثمن موجبا للربا.
لكن يمكن ان يقال: ان المناط هو «المشار إليه» و هو مخالف للثمن وزنا و لذا اضرب المصنف- رحمه الله- عن القول بالصحة بقوله:
(و يمكن ابتناؤه) اى البطلان و الصحة في مسألة تخلف الذات و
ص: 86
على ان: لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض، أم لا، فعلى الاول يصح دون الثاني.
______________________________
الوصف (على ان لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض) كأنه جزء حكمى، فاذا باع نصف منّ حنطة بشرط كونه منّا بمقابل منّ من الحنطة، كان «المن الثمن» نصفه في مقابل «ذات المثمن» و نصفه في مقابل «شرط كونه منّا» (أم لا) بان لا يكون الشرط بمنزلة الجزء (فعلى الاول يصح) لعدم لزوم الربا، اذ وقعت المعاوضة بين «نصف من» و «نصف منّ» و بين «الشرط» و «نصف منّ آخر».
(دون الثاني) اذ: لو قلنا ان الشرط ليس بمنزلة الجزء كان «المن» واقعا في مقابل «نصف منّ» فيلزم الربا، و هو موجب للبطلان.
ص: 87
و هو- كما في جامع المقاصد-: الاخبار عن احكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية.
______________________________
المسألة (السادسة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:
(التنجيم) و هو (حرام) فى الجملة بلا اشكال و لا خلاف
(و هو- كما في جامع المقاصد-: الاخبار عن احكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية) مثلا يقول: «ان الهواء يبرد لانه مقتضى حركة الكوكب الفلانى» (و الاتصالات الكوكبية) اى اتصال بعض الكواكب ببعض و المراد بالاتصال: الاقتراب، او دخول كوكب في برج كدخول الشمس في برج الحمل، و الحاصل من «الحركة» و «الاتصال» انه قد يحكم حكما مستندا الى الكواكب بمجرده، و قد يحكم حكما مستندا الى الكواكب باعتبار معيته مع كوكب آخر.
(و توضيح المطلب) ليعرف المحلل من المحرم (يتوقف على الكلام في مقامات):
( «الاول» الظاهر) من الاخبار و كلمات العلماء، مضافا الى الاصل (انه لا يحرم الاخبار عن الاوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب كالخسوف
ص: 88
الناشئ عن حيلولة الارض بين النيرين و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر او غيره بل يجوز الاخبار بذلك اما جزما اذا استند الى ما يعتقده برهانا، او ظنا اذا استند الى الامارات.
و قد اعترف بذلك جملة ممن انكر التنجيم:-
«منهم» السيد المرتضى، و الشيخ ابو الفتح الكراجكى- فيما حكى عنهما-
______________________________
الناشئ عن حيلولة الارض بين النيرين): الشمس و القمر، و لذا لا يستفيد القمر من نور الشمس فينخسف، (و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر) فى الكسوف المرئى (او غيره) من سائر الكواكب في الكسوف غير المرئى، الا بالارصاد، بين الشمس و الارض، فاذا حال القمر حجب قسما من نور الشمس فلا يصل الى الارض، فلا يرى قسم من الشمس، او تمامها و ذلك هو الكسوف المرئى، فهذا القسم من التنجيم جائز و ليس بمحرم (بل يجوز الاخبار بذلك) الوضع الفلكى (اما جزما اذا استند) الاخبار (الى ما يعتقده) المخبر (برهانا) و دليلا (او ظنا، اذا استند الى الامارات) و العلامات التى لا تورث العلم.
و قوله: «بل» ترقّ عن قوله: «لا يحرم الاخبار» اذ الاخبار شامل للاحتمالى، فالاخبار العلمى و الظنى ارقى منه درجة.
(و قد اعترف بذلك) الّذي ذكرنا من جواز الاخبار بمثل هذه الامور (جملة ممن انكر التنجيم) و قالوا ببطلانه.
( «منهم» السيد المرتضى، و الشيخ ابو الفتح الكراجكى- فيما حكى عنهما-
ص: 89
فى رد الاستدلال على اصابتهم في الاحكام باصابتهم في الاوضاع ما حاصله-: ان الكسوفات و اقتران الكواكب و انفصالها من باب الحساب و سير الكواكب، و له اصول صحيحة، و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه عن تأثير الكواكب في الخير و الشر، و
______________________________
فى رد الاستدلال على اصابتهم في الاحكام باصابتهم في الاوضاع)
فان بعض الناس قالوا: ان المنجم كما يصيب في اخباره بالاوضاع الفلكية من قبل الكسوف و الخسوف، كذلك يصيب في اخباره بالاحكام الفلكية، مثل ان الجيش اذا تحرك يوم كذا يظفر، او الانسان اذا ولد في ساعة كذا يطول عمره، و ما اشبه ذلك، لكن السيد و الشيخ لم يقبلا هذا القياس ورداه فقالا (ما حاصله-: ان الكسوفات) الكلية و الجزئية و الشمسية و القمرية و الكوكبية (و اقتران الكواكب) باقتراب بعضها من بعض (و انفصالها) بابتعاد بعض الكواكب عن بعض (من باب الحساب و سير الكواكب) فان الانسان اذا حسب ان القمر يسير في كل يوم كذا سيرا و ان بينه و بين عقدة الذنب مثلا مسافة كذا يوم، و ان الشمس في يوم كذا في العقدة، علم بحيلولة القمر بين الشمس و بين الارض، فيحدث الكسوف، و هذا كما انك تخبر ان الانسان الفلانى يصل في الساعة الفلانية الى المكان الكذائى اذا عرفت مقدار سير هذا الانسان كل ساعة، و عرفت المسافة بين هذا الشخص و بين ذلك المكان (و له) اى لهذا الحساب (اصول صحيحة، و قواعد سديدة) مبتنية على الرؤية و الحدس المورث للعلم، (و ليس كذلك) داخلا في الأصول و القواعد (ما يدعونه عن تأثير الكواكب، في الخير و الشر و
ص: 90
النفع و الضرر، و لو لم يكن الفرق بين الامرين الا الاصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجرى مجراها فلا يكاد تبين فيها خطاء، و ان الخطاء الدائم المعهود انما هو في الاحكام حتى ان الصواب فيها عزيز، و ما يتفق فيها من الاصابة قد يتفق من المخمن اكثر منه.
______________________________
النفع و الضرر) كان يكون زحل نحسا فاذا ولد عند اقترانه بالكوكب الكذائى مولود- مثلا- كان صاحب شر و ظلم، و ان تكون الزهرة مباركة، و هكذا (و لو لم يكن الفرق بين الامرين) بين الكسوف و الاتصال و الانفصال و بين الاحكام الكوكبية (الا الاصابة الدائمة المتصلة) لبعض افرادها ببعض (فى الكسوفات و ما يجرى مجراها) من تغير الهواء في ابراج خاصة، و ما اشبه ذلك (فلا يكاد تبين فيها) اى في الكسوفات و ما يجرى مجراها (خطاء) تقريبا (و ان الخطاء الدائم المعهود) الّذي نعهده في كلام المنجمين (انما هو في الاحكام) الباقية اى ما يقولونه من الخير و الشر المربوط بالنجوم (حتى ان الصواب فيها) اى في الاحكام الباقية (عزيز) نادر (و ما يتفق فيها) اى في الاحكام الباقية (من الاصابة) و صحة القول (قد يتفق من المخمن) الّذي يقول تخمينا و ببعض الشواهد الاحتمالية، كما يقول بعض النساء: ان الليلة الفلانية اذا جاء فيها الضيف يورث النكبة او الفرح و اذا اصبن مرة كان اتفاقا، لا من باب الاستناد الى تلك الليلة (اكثر منه) اى من احكام المنجمين في الخير و الشر «لكفى» فى كونه فارقا، و قولنا «لكفى» خبر لقوله: «لو لم يكن الفرق» و قد حذف الخبر في الكلام، للعلم به. قال ابن مالك: «و حذف ما يعلم جائز كما» «تقول زيد بعد من عندكما».
ص: 91
فحمل احد الامرين على الآخر بهت و قلة دين انتهى المحكى من كلام السيد.
و قد اشار الى جواز ذلك في جامع المقاصد مؤيدا ذلك بما ورد من كراهة السفر و التزويج في برج العقرب
______________________________
(فحمل احد الامرين) من الحسابات الفلكية الاحكام الفلكية (على الآخر) بان نقول: كما انهم يصيبون في الحساب كذلك يصيبون في الاحكام (بهت و قلة دين) لان الشارع منع من الاحكام، و لم يمنع من الحساب لان الّذي يقول بذلك لا حياء له حتى يخجل فلا يقيس الباطل بالحق (انتهى المحكى من كلام السيد).
(و قد اشار الى جواز ذلك) اى الاخبار عن الاوضاع الفلكية (فى جامع المقاصد مؤيدا ذلك) الجواز- بعد الاصل- (بما ورد من كراهة السفر و التزويج في) وقت كون القمر في (برج العقرب) فان هذا مؤيد لجواز اخبارهم اذ لو لا كون اخبارهم بان القمر في برج كذا صحيحا، لم يعرف هذا الموضوع، حتى نتمكن من تجنب التزويج و السفر في ذلك البرج، فقد ورد عنهم عليهم السلام «من سافر او تزوج و القمر في برج العقرب لم ير الحسنى ابدا» و وجه كونه تأييدا لا دليلا: احتمال ان كون القمر في برج العقرب لا يبنى على قول المنجم، و انما هو واضح للعيان لان الانسان يرى القمر في السماء محاذيا للبرج الّذي فيه صورة العقرب.
«ثم» ان كون المعيار في الكراهة صورة العقرب، او برجها، محل اشكال.
ص: 92
لكن ما ذكره السيد من الاصابة الدائمة في الاخبار عن الاوضاع محل نظر، لان خطأهم في الحساب في غاية الكثرة، و لذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك على عدولهم فضلا عن فساقهم.
لان حسابهم مبتنية على امور نظرية مبتنية على نظريات اخر.
______________________________
(لكن ما ذكره السيد) المرتضى (من الاصابة الدائمة) للمنجم (فى الاخبار عن الاوضاع) الفلكية (محل نظر، لان خطأهم في الحساب في غاية الكثرة) و يدل على خطأهم اختلاف التقاويم في هذه الامور، و لو كانت الاصابة دائمة لم يكن هناك اختلاف اصلا (و كذلك) اى مع الخطاء الكثير منهم (لا يجوز الاعتماد على عدولهم فضلا عن فساقهم) اذ العدل انما يعتمد عليه اذا لم يظهر خطأه المستمر، فانه خارج عن ادلة الاخذ بقول العادل
و حيث لا يصح الاعتماد عليهم لم يكن قولهم حجة فيما كان الموضوع الفلكى الكذائى مورد حكم من الاحكام الشرعية، فاللازم جريان الأصول العملية فيها أو الاحتياط، اذا كان هناك مجال للاحتياط، مثل ان يؤخذ ماء النيسان في وقت يكون قطعا من النيسان، و الا فلو قال المنجم: دخل الوقت، استصحب عدم الدخول، كاستصحاب عدم الفجر للشاك فيه (لان حسابهم مبتنية على امور نظرية) كالافلاك التى اثبتوها لكل كوكب مثلا قالوا «المائل الحامل ثم الجوزهر» «و هكذا التدوير افلاك القمر» (مبتنية) تلك الامور النظرية (على نظريات اخر) فان وجود تلك الافلاك مبتنية على نظرية ان الحركات الكوكبية لا تكون إلا طبق مدارات، لما ذكروه من استحالة حركة الكوكب حركة غير طبيعية، و كلتا النظريتين محل نظر، اذ- أوّلا-
ص: 93
الا فيما هو كالبديهى مثل اخبارهم يكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب و انتقال الشمس عن برج الى برج في هذا اليوم
______________________________
من الممكن كون الافلاك اكثرا و اقلا و لا افلاك اطلاقا و ثانيا- من الممكن ان تكون حركات الكواكب تحت نظام ارادى لا نظام طبيعى.
و يظهر ما ذكرنا بهذا المثال، كان يرى انسان راكب في قطار- يظنه واقفا، و هو يتحرك كل ساعة فرسخا- ان سيارة تقترب منه في كل ساعة فرسخين، فيقول «هذه السيارة تسير في كل ساعة فرسخين، و بيننا و بينها أربعة فراسخ، فهى تصل إلينا بعد ساعتين، بينما ان قوله «تسير في كل ساعة فرسخين» خطاء لان السير موزع بين القطار ثلاث ساعات، و بين السيارة ساعة و قوله «أربعة فراسخ» خطاء، لان المسافة اكثر.
و الحاصل ان المنجم يرى النتائج، لكن هذه النتائج متوقفة على تلك المقدمات التى رتبها او على مقدمات اخرى، فذلك غير معلوم- أولا- و كون النتائج دائمية غير معلوم- ثانيا- كما نرى الآن ان المنجمين ينسبون «الفصول الاربعة» بحركة الارض، و القدماء كانوا ينسبونها الى حركة الشمس.
(الا فيما هو كالبديهى مثل اخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب) لأنهم يرون القمر محاذيا لصورة الكواكب التى تسمى ب «العقرب» (و انتقال الشمس عن برج الى برج في هذا اليوم) لان الفصول الاربعة هى التى تعين مواضع الشمس من البروج، و الفصول امر باد للحس: و قوله «كالبديهى» و لم يقل «بديهى» لان رؤية المحاذاة لا تدل على
ص: 94
و ان كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع الى تفاوت يسير.
و يمكن الاعتماد في مثل ذلك على شهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين او نحوه.
______________________________
انه واقعا محاذ، فان الاجسام البعيدة لا ترى كالواقع، و لذا نرى الشمس الكبيرة صغيرة جدا، و الفصول انما تحدد المكان للشمس تقريبا لا تحقيقا (و ان كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع الى تفاوت يسير) فى ان الساعة الكذائية وقت الخسوف، او ساعة قبلها او بعدها- كما هو المشاهد في اختلاف التقاويم-.
(و يمكن الاعتماد في مثل ذلك) الامر الّذي هو كالبديهى (على شهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين) جعلاه عند البرج الكذائى (أو نحوه) كما لو جعل اوّل سنة زرعه أو اغنامه اوّل برج كذا و قلنا بصحة السنة الشمسية للخمس في مثل هذه الامور- كما ليس ببعيد-
«ثم» ان قول المصنف- رحمه الله- «شهادة عدلين» مبنى على الاحتياج الى «العدد، و العدالة» فى اهل الخبرة، و لا يبعد عدم الاحتياج فان قول اهل الخبرة حجة، و ان كان واحدا غير عادل، و لذا يعتمد على الطبيب المسيحى، و المكارى غير المسلم، و من اشبه.
و يدل على ذلك- بالإضافة الى عدم شمول الادلة المشترطة للعدد و العدالة، لاهل الخبرة- اعتماد النبي صلى الله عليه و آله في «قصة غزوة بدر» حيث سأل احد الكفار عن مقدار جيش المشركين، و غيره و تفصيل المسألة في محلها.
ص: 95
بان يحكم بوجود كذا في المستقبل عند الوضع المعين من القرب و البعد و المقابلة و الاقتران بين الكوكبين، اذا كان على وجه الظن المستند الى تجربة محصلة أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة اللّه تعالى عند الوضع الخاص من دون اعتقاد ربط بينهما اصلا.
______________________________
( «الثاني»)- من الامور التى توقف الكلام في التنجيم عليها (يجوز الاخبار بحدوث الاحكام) الفلكية كموت كبير، أو فيضان الماء، أو ما اشبه (عند الاتصالات) الكوكبية (و الحركات المذكورة) سابقا اى حركات الكواكب (بان يحكم بوجود كذا) من الاخبارات (فى المستقبل عند الوضع المعين من القرب) بين كوكبين (و البعد) بينهما (و المقابلة) بان يكون نصف الفلك فاصلا بينهما (و الاقتران بين الكوكبين) بان يكون احدهما محاذيا للآخر (اذا كان) الاخبار (على وجه الظن) اى اخبارا ظنيا بان يقول «اظن ان كذا سيقع» (المستند) ذلك الظن (الى تجربة محصلة) لنفس هذا المنجم (أو منقولة) عن المنجمين السابقين (فى وقوع تلك الحادثة) «فى» متعلق ب «اخبار» (بإرادة الله تعالى عند الوضع الخاص) كالبعد و القرب و الاقتران (من دون اعتقاد ربط بينهما) اى بين ذلك الوضع الخاص و بين ذلك الحادث (اصلا) بل بمجرد المصادفة الغالبة و الدائمة كما ان من يقول: ان وصول عقرب الساعة الى علامة الاثنى عشر على الصفحة يدل على دق اثنى عشرة مرة، فانه لا يعتقد ان الدق معلول للوصول المذكور، بل يعتقد التقارن بينهما للفن الّذي اعمل في الساعة
ص: 96
بل الظاهر حينئذ جواز الاخبار على وجه القطع اذا استند الى تجربة قطعية، اذ لا حرج على من حكم قطعا بالمطرفى هذه الليلة نظرا الى ما جربه من نزول كلبه عن السطح الى داخل البيت- مثلا- كما حكى انه اتفق ذلك لمروج هذا العلم بل محييه نصير الملّة و الدين، حيث نزل في بعض اسفاره على طحان له طاحونة خارج البلد فلما دخل منزله صعد السطح، لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل: انزل و نم في البيت تحفظا من المطر فنظر المحقق الى الاوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر، فقال صاحب المنزل: ان لى كلبا
______________________________
و هكذا كل امرين متلازمين لعلة ثالثة فالنجم يعتقد ان وصول الشمس لبرج الحوت مثلا علامة كثرة الامطار المعلولة لارادة الله تعالى.
(بل الظاهر حينئذ) اى حين وجود العلامة و عدم الاعتقاد بالربط (جواز الاخبار على وجه القطع) و الجزم، لا الظن (اذا استند الى تجربة قطعية اذ لا حرج على من حكم) حكما (قطعا، بالمطر في هذه الليلة نظرا الى ما جربه من نزول كلبه عن السطح الى داخل البيت، مثلا كما حكى انه اتفق ذلك لمروج هذا العلم) اى النجوم (بل محييه نصير الملة و الدين) الطوسى- رحمه الله- (حيث نزل في بعض اسفاره على طحان له طاحونة خارج البلد فلما دخل منزله صعد السطح) للنوم (لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل) الطحان: (انزل و نم في البيت تحفظا من المطر) لئلا يصيبك (فنظر المحقق الى الاوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر) اى علامة نزوله (فقال صاحب المنزل ان لى كلبا
ص: 97
ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها الى البيت، فلم يقبل منه المحقق ذلك و بات فوق السطح فجائه المطر في الليل و تعجب المحقق.
«ثم» ان ما سيجي ء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا او ينصرف الى غيره، لما عرفت من معنى التنجيم.
______________________________
ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها الى) داخل (البيت فلم يقبل منه المحقق ذلك) الاخبار عن المستقبل (و بات فوق السطح فجائه المطر في الليل و تعجب المحقق) من حس الكلب فان كاشفية شي ء عن امر مستقبل كثير و قد جعل الله تعالى ذلك الكاشف لذلك المكشوف، ككشف انفلاق الصبح عن طلوع الشمس، منتهى الامر ان بعض اقسام الانكشاف يعرفه غالب الناس و بعض اقسام الانكشاف لا يعرفه الا المنجم.
(ثم ان ما) ذكرناه من جواز هذا القسم من التنجيم انما هو للاصل و ما (سيجي ء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا) القسم (او ينصرف الى غيره لما عرفت من معنى التنجيم) الّذي ذكره المحقق الثاني في اوّل المبحث، حيث يراد بالتنجيم في الاخبار الناهية الاخبار بتأثير الوضع الفلكى في الحادث الكذائى اما بالاستقلال عن الله تعالى او بالضميمة إليه، كما ان الكفار يعتقدون ذلك الى هذا اليوم.
( «الثالث») من الامور التى يتوقف الكلام في التنجيم عليها (الاخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا الى تأثير الاتصالات) بين الكواكب
ص: 98
المذكورة فيها بالاستقلال او بالمدخلية، و هو المصطلح عليه بالتنجيم فظاهر الفتاوى و النصوص حرمته مؤكدة:
فقد ارسل المحقق في المعتبر عن النبي- صلى الله عليه و آله-:
من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد- صلى الله عليه و آله-
و هو يدل على حرمة حكم المنجم بابلغ وجه.
______________________________
(المذكورة) بعدا او قربا او تقارنا او ما اشبه (فيها) اى في الحادثات (بالاستقلال او بالمدخلية) بان يرى استقلال الكواكب في التأثير او مدخليتها في التأثير بان تكون الكواكب جزء علة (و) هذا المعنى (هو المصطلح عليه) في كلام الفقهاء (بالتنجيم فظاهر الفتاوى و النصوص حرمته) حرمة (مؤكدة).
(فقد ارسل المحقق في المعتبر) اى نقل خبرا مرسلا بدون ذكر السند (عن النبي- صلى الله عليه و آله- انه من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد- صلى الله عليه و آله-) فالمنجم هو الّذي يخبر عن المستقبل عن الاوضاع الفلكية و الكاهن هو الّذي يخبر عن المستقبل عن قواعد ثابتة عنده.
و المراد الكفر عملا ان لم يدخل التصديق في عنوان ينطبق عليه تكذيب شي ء من اصول الدين و الا كان المراد بالكفر الكفر عقيدة مما يوجب الخروج عن زمرة المسلمين.
(و هو) اى هذا الخبر (يدل على حرمة حكم المنجم بابلغ وجه) كما لا يخفى.
ص: 99
و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق عليه السلام «ان المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون».
و في نهج البلاغة أنه عليه السلام لما اراد المسير الى بعض اسفاره فقال له بعض اصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك- من طريق علم النجوم- فقال عليه السلام له: «أ تزعم انك تهدى الى الساعة التى من سار فيها انصرف عنه السوء، و تخوف الساعة التى من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا القول فقد كذب القرآن
______________________________
(و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق- عليه السلام- ان المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون) و اللعن ظاهر في التحريم و ان استعمل في الروايات في الكراهة أيضا.
(و في نهج البلاغة انه) اى الامام امير المؤمنين (عليه السلام لما اراد المسير الى بعض اسفاره فقال له بعض اصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك- من طريق علم النجوم-) اى ان ما اقول هو من الاكتشاف عن علوم النجوم (فقال) الامام (عليه السلام له: أ تزعم انك تهدى الى الساعة التى من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف الساعة التى من سار فيها حاق) و احاط (به الضر فمن صدقك بهذا القول فقد كذب القرآن) الدال على ان الامور كلها بيد الله فان المنجمين كانوا يرون الارتباط بين الوضع الفلكى و بين الحوادث قطعيا، و من المعلوم ان إرادة الله فوق كل شي ء فمن لم ير لارادته سبحانه قيمة في
ص: 100
و استغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب و دفع المكروب الى ان قال-: ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر أو بحر فانها تدعو الى الكهانة فالكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار» الى آخره.
______________________________
مقابل الاوضاع الفلكية كان مكذبا بالقرآن (و استغنى عن الاستعانة بالله) اذ لو كان بين الوضع الفلكى و بين الحوادث ملازمة تامة فاين تكون الاستعانة بالله في جلب محبوب و دفع مكروه (فى نيل المحبوب و دفع المكروب) و من المعلوم ان الاستغناء عن الاستعانة بالله خلاف الدين و الاسلام (- الى ان قال-) الامام عليه السلام: (ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر او بحر) فى الطرق الى البلاد، و وقت الرياح، و الحر و البرد، و ما اشبه. فان ذلك كله هداية للناس كما قال سبحانه «وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» فان اهل السفن مثلا يعرفون بالنجوم الرياح التى توجب الامواج فيرسون في البحر، و هكذا السائرون في البر، الى غير ذلك، و الامام عليه السلام في مقام التحذير عن الاخبارات الخاصة، كالظفر و الموت و الحياة و الولد و ما اشبه، التى يربطها المنجم بالحوادث الفلكية (فانها) اى النجوم (تدعو الى الكهانة) فان من يخبر عن الاوضاع الفلكية يترقى و يتدرج الى ان يخبر عن الدلائل و الخصوصيات التى يراها في سائر الاشياء فان الكهانة ادق من التنجيم فيصل التنجيم إليها (فالكاهن كالساحر و الساحر كالكافر) فان هؤلاء الاربعة مشتركون في الانحراف عن طريق الله سبحانه (و الكافر في النار الخ)
ص: 101
و قريب منه ما وقع بينه و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام له: «أ تدري ما في بطن هذه الدابة اذكر أم انثى؟ قال:
ان حسبت علمت. قال عليه السلام: فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرآن، قال الله: إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْأَرْحٰامِ» الآية.
______________________________
و ان كان الكافر اشد من الساحر، و الساحر اشد من الكافر و الكاهن اشد من المنجم.
(و قريب منه) اى من هذا الحديث المتقدم عن نهج البلاغة (ما وقع بينه عليه السلام و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام له: أ تدري ما في بطن هذه الدابة اذكر أم انثى؟ قال) المنجم (ان حسبت علمت: قال عليه السلام فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرآن) حيث (قال الله) سبحانه (إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ) اى وقت يوم القيامة (و ينزل الغيث) اى المطر (و يعلم ما في الارحام) الى آخر (الآية).
«ثم» لا يخفى: ان ظاهر الآية الحصر، يعنى ان العلم بقيام الساعة و العلم بما في الارحام خاص بالله، و انزال الغيث لا يقدر عليه الا الله سبحانه فمن ادعى علم ذلك او القدرة على الامطار فقد كذب بالقرآن الّذي يخص هذه الامور به سبحانه.
لا يقال: فقد كان الائمة عليهم السلام يعلمون ذلك و يقدرون على الامطار باذن الله تعالى.
لانه يقال: المراد العلم بدون تعليم الله، و القدرة المستقلة لا
ص: 102
ما كان محمد- صلى الله عليه و آله- يدّعى ما ادّعيت أ تزعم انك تهدى
______________________________
العلم المأخوذ من علمه، و القدرة المستمدة منه.
ان قلت: فكيف يخبرون في الحال الحاضر بالجنين بسبب العلامات الطبية و الأشعة و كيف ينزلون المطر بالقنبلة؟
قلت: فرق بين العلم بجميع خصوصيات الجنين من الذكورة و الانوثة و اللون و العمر و السمن و الهزال و الصفات الباطنية و مزايا الجسم و غيرها، و بين العلم بخصوصية ما- كالذكورة و الانوثة- فان الاول خاص به سبحانه و لا يكشف لا بالعلامات و لا بالاشعة و لا بغيرهما بخلاف الثاني و الآية المباركة في صدد الامر الاول، و قول الامام عليه السلام من باب المثال فان المنجم الّذي يدعى العلم بالذكورة و الانوثة بالحساب يدعى العلم بكل المزايا، كما نراهم في الحال الحاضر يدعون كل ذلك و اما نزول المطر بسبب القنبلة الموجب لتكثيف الندى الموجود في الجو و نزوله فانه غير نزول المطر الّذي كان الآية المباركة بصدده.
و الحاصل: ان نزول المطر بالاسباب الكونية خاص بالله سبحانه و كذلك بالنسبة الى «مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً، وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» فان المراد منهما الدراية التامة اما الدراية الناقصة و الجزئية فكثيرا ما يحصل لبعض الناس، و هذه أيضا قرينة على المراد بعلم ما في الارحام و نزول الغيث.
ثم قال الامام عليه السلام لذلك المنجم (ما كان محمد صلى الله عليه و آله يدعى ما ادعيت أ تزعم انك تهدى) و ترشد الناس
ص: 103
الى الساعة التى من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التى من سار فيها حاق به الضر! من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله في هذا الوجه، و احوج الى الرغبة أليك في دفع المكروه عنه.
و في رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه قلت لابى عبد الله عليه السلام انى قد ابتليت بالنظر في النجوم فاريد الحاجة فاذا نظرت الى الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم اذهب فيها، و اذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة! فقال عليه السلام لى: أ تقضي؟ قلت:
______________________________
(الى الساعة التى من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التى من سار فيها حاق به الضر؟ من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله في هذا الوجه) لانك انت ترشده الى خيره و ضره، فلا يحتاج الى ان يستعين بالله في دفع مكروه او جلب محبوب (و) كان ذلك المصدق بك (احوج الى الرغبة أليك) من الرغبة الى الله (فى دفع المكروه عنه) الى آخر كلامه عليه السلام.
(و في رواية عبد الملك بن اعين المروية عن الفقيه قلت لابى عبد الله عليه السلام: انى قد ابتليت) بالنجوم (فاريد الحاجة فاذا نظرت الى الطالع) الاصل في «الطالع» الكوكب الطالع ثم استعمل في الامور الفلكية التى يزعمون انها دخيلة او علامة للامور المستقبلة (و رأيت الطالع الشر جلست و لم اذهب فيها) اى في تلك الحاجة (و اذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة) فما تقول في هذا العمل (فقال عليه السلام لى أ تقضي؟) و تحكم بان الامور الفلكية دخيلة في مستقبل الانسان (قلت:
ص: 104
نعم. قال عليه السلام احرق كتبك.
و في رواية الفضيل بن عمرو المروية عن معانى الاخبار في قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ»
«ثم» ان مقتضى الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء
______________________________
نعم. قال عليه السلام احرق كتبك) لانها سبب ضلالك، و هذا بخلاف ما لو كان يحتمل و لا يقضى فانه لم يكن بذلك بأس.
(و في رواية الفضيل بن عمرو المروية عن معانى الاخبار في قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ» قال: و اما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم بارئه) و خالقه (و توحيده و تنزيهه عن الشبيه حتى نظر) ابراهيم عليه السلام (الى الكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول) و غروب (كل منها على حدوثه و) استدل (بحدوثه على محدثه) اذ كل حادث لا بد له من محدث (جل شانه ثم اعلم ان الحكم بالنجوم خطاء) فكانه سبحانه اراد ان يبين لابراهيم ما يدل عليه النجوم و ما لا يدل عليه فما يدل عليه هو الصانع و ما لا يدل عليه هو الحكم و الحوادث.
( «ثم» ان مقتضى الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء
ص: 105
بالنجوم بعد النظر و عدمه: انه لا بأس بالنظر اذا لم يقض به بل اريد به مجرد التفاؤل ان فهم الخير، و التحذر بالصدقة ان فهم الشر، كما يدل عليه ما عن المحاسن عن ابيه عن ابن ابى عمير عن عمرو بن اذينة عن سفيان بن عمر قال: كنت انظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع فيدخلنى من ذلك شي ء فشكوت ذلك الى ابى الحسن عليه السلام فقال عليه السلام اذا وقع في نفسك من ذلك شي ء فتصدق على اوّل مسكين ثم امض، فان الله تعالى يدفع عنك.
______________________________
بالنجوم بعد النظر) إليها (و عدمه) اى عدم القضاء، كما استفيد هذا الاستفصال من قوله عليه السلام «أ تقضي» (انه لا بأس بالنظر اذا لم يقض بل اريد به مجرد التفاؤل) و الاستبشار (ان فهم الخير و التحذر بالصدقة) و الدعاء و نحوهما (ان فهم الشر، كما يدل عليه) اى على جواز ذلك (ما عن المحاسن عن ابيه عن ابن ابى عمير عن عمرو بن اذينة عن سفيان بن عمر قال: كنت انظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع) المربوط بالحوادث المستقبلة- على زعمهم- (فيدخلنى من ذلك) العرفان (شي ء) اذ كنت اكف عن المضى فيما اريد اذا رأيت الشر (فشكوت ذلك الى ابى الحسن عليه السلام) و ان الشر الّذي اراه في النجوم يمنعنى عن المضى في اعمالى فما ذا اصنع (فقال عليه السلام: اذا وقع في نفسك من ذلك شي ء فتصدق على اوّل مسكين) تراه في طريقك (ثم امض) لحاجتك (فان الله تعالى يدفع عنك) الشر بالصدقة- لو كان شر في الواقع-.
ص: 106
و لو حكم بالنجوم على جهة ان مقتضى الاتصال الفلانى و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية، و ان كان الله يمحو ما يشاء و يثبت لم يدخل أيضا في الاخبار الناهية.
لانها ظاهرة في الحكم على سبيل البت، كما يظهر من قوله عليه السلام «فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله» فى دفع
______________________________
(و لو حكم بالنجوم على جهة ان مقتضى الاتصال الفلانى) بين كوكب و كوكب (و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية) اى ان مقتضى الاتصال الحادثة الكذائية ف «الحادثة» خبر «مقتضى» (و ان كان الله يمحو ما يشاء و يثبت) بمعنى ان الله سبحانه جعل هذا النجم في حركته و اتصاله سببا لحادثة خاصة و ان الامر بعد أيضا بيد الله تعالى فان شاء ابطل سببية هذه العلة لذلك المعلول (لم يدخل أيضا) هذا القسم من الاخبار (فى الاخبار الناهية) عن التنجيم بل يكون مثله مثل من يقول: ان الله سبحانه جعل النار سببا للاحراق فاذا وقع شي ء في النار احترق و الامر بيد الله بعد فان شاء ابطل تأثير النار كما في قصة ابراهيم عليه السلام و هارون المكى و من اشبه.
و انما قلنا بان مثل هذا الاخبار لا يدخل في الاخبار الناهية (لانها) اى الاخبار الناهية (ظاهرة في) النهى عن (الحكم على سبيل البت) و القطع (كما يظهر من قوله عليه السلام فمن صدقك بهذا) الّذي تقول من انك تقدر على معرفة الذكر من الانثى في الرحم (فقد استغنى عن الاستعانة بالله) اى (فى دفع
ص: 107
المكروه بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الاسباب.
نظير تأثير نحوسة الايام الواردة في الروايات، ورد نحوستها بالصدقة، الا ان جوازها مبنى على جواز اعتقاد الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية، و سيجي ء انكار المشهور لذلك و ان كان يظهر ذلك من المحدث الكاشانى.
______________________________
المكروه بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الاسباب) الرافعة للمكروهات كالتوسل بالأئمة الطاهرين عليهم السلام فان ظاهر كلام الامام عليه السلام ان الاخبار القطعى محظور، لا الاخبار المقيد بمشية الله تعالى اذ الاخبار المقيد بالمشية لا يكون استغناء عن الله تعالى و على هذا فحال تأثير الكوكب:
(نظير تأثير نحوسة الايام الواردة) تلك النحوسة (فى الروايات) المروية عن اهل البيت عليهم السلام (ورد نحوستها بالصدقة) و الدعاء و القرآن و ما اشبه (الا ان جوازها) اى جواز مثل هذه الاعتقادات بان للاجرام العلوية تأثيرا ما في الكرة الارضية (مبنى على جواز اعتقاد الاقتضاء) و العلية (فى العلويات للحوادث السفلية و سيجي ء انكار المشهور لذلك) و انه لا ربط بين العلويات و الامور الواقعة في الارض (و ان كان يظهر ذلك من المحدث الكاشانى) و انه ربط للحوادث في العالم بالحركات العلوية بل الربط في الجملة مسلم عند علماء الفلك كحوادث المدّ و الجزر و الحر و البرد و نضج الثمار و ما اشبه كما يستفاد ذلك أيضا من بعض الاخبار مما لا يخفى ذلك على من راجع البحار في كتاب السماء و العالم.
ص: 108
و لو اخبر بالحوادث بطريق جريان العادة على وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها اصلا كان اسلم.
قال في الدروس: و ان اخبر بان الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم و ان كره انتهى.
بحيث
______________________________
(و لو اخبر) المنجم (بالحوادث بطريق جريان العادة على وقوع الحادثة) الفلانية في الارض (عند الحركة الفلانية) للكوكب في السماء (من دون اقتضاء لها) اى لتلك الحركة بهذه الحادثة (اصلا) فهو كالاخبار بمجي ء زيد عند الظهر مما ليس الظهر سببا في المجي ء و انما جوعه هو الّذي يحركه، و انما الجوع و الظهر متقارنان فقط (كان) اخباره (اسلم) عن الاشكال، و من احتمال شمول الاخبار الناهية له.
(قال في الدروس: و ان اخبر بان الله تعالى يفعل كذا) فى الارض (عند كذا) اى الحركة الفلانية- مثلا- فى السماء (لم يحرم و ان كره) لما يظهر من بعض الاخبار من عدم الحوم حول النجوم اطلاقا (انتهى) كلام الدروس.
( «الرابع») من الامور التى يتوقف الكلام في التنجيم عليها (اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات) الارضية (و الربط يتصور على وجوه) أربعة:
( «الاول» الاستقلال) اى ما في الفلك من الاجرام (فى التأثير بحيث
ص: 109
يمتنع التخلف عنها، امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية. و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا.
قال السيد المرتضى- رحمه الله- فيما حكى عنه-: «و كيف يشتبه على مسلم بطلان احكام النجوم، و قد اجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين، و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان احكامهم. و معلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون و الازراء عليهم و التعجيز لهم. و في الروايات عنه صلى اللّه عليه و آله ما لا يحصى كثرة و كذا عن علماء اهل بيته و خيار اصحابه. و ما اشتهر بهذه الشهرة في دين الاسلام كيف يفتى بخلافه
______________________________
يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية) التامة (و ظاهر كثير من العبارات) التى ذكرها الفقهاء (كون هذا) الاعتقاد (كفرا).
(قال السيد المرتضى- رحمه الله- فيما حكى عنه-: و كيف يشتبه على مسلم بطلان احكام النجوم، و قد اجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان احكامهم و معلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة) اى علما ضروريا (تكذيب) الرسول صلى الله عليه و آله ل (ما يدعيه المنجمون و الازراء) اى الاهانة (عليهم و التعجيز لهم) اى بيان عجزهم عن الاخبار بالامور المستقبلة (و في الروايات عنه صلى اللّه عليه و آله ما لا يحصى كثرة) فى التكذيب و التعجيز (و كذا) ورد (عن علماء اهل بيته) الائمة الطاهرين عليهم السلام (و خيار اصحابه) المؤمنين (و ما اشتهر بهذه الشهرة) المحققة المتكثرة (فى دين الاسلام كيف يفتى بخلافه
ص: 110
منتسب الى الملة و مصلّ الى القبلة» انتهى.
و قال العلامة في المنتهى- بعد ما افتى بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة أو ان لها مدخلا في التأثير و النفع قال: «و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر» انتهى.
و قال الشهيد في قواعده «كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له فلا ريب أنه كافر».
______________________________
منتسب الى الملة) الاسلامية (و مصلّ الى القبلة) باعتبار انه مسلم فانه لا يجتمع الاسلام و التصديق بالنجوم (انتهى) كلام السيد المرتضى.
(و قال العلامة في المنتهى- بعد ما افتى بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة) كاملة في الكون (أو ان لها مدخلا في التأثير و النفع) على وجه الجزئية للعلة (قال: و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية) التى تصدر عن النفس كالاقدام و الاحجام و البخل و السخاء، و ما اشبه من صفات الناس و الحيوانات التى لها نفس و (الطبيعية) كالمد و الجزر و الحر و البرد و ما اشبه (بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية) بان تكون الافلاك و الكواكب علة تامة، او جزء علة، و الجزء الاخر هو إرادة الله سبحانه، فهو (كافر) لانه اما انكار لله، او جعل شريك له
(و قال الشهيد) الاول (فى قواعده كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له فلا ريب انه كافر).
ص: 111
و قال في جامع المقاصد «و اعلم ان التنجيم، مع اعتقاد ان للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية- و لو على جهة المدخلية- حرام و كذا تعلم النجوم على هذا النحو بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر و نعوذ بالله» انتهى.
و قال شيخنا البهائى: «ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا انها هى العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو انها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنى على هذا كفر. و على هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم و النهى عن اعتقاد صحته» انتهى.
______________________________
(و قال) المحقق الثاني (فى جامع المقاصد: و اعلم ان التنجيم مع اعتقاد ان للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية- و لو على جهة المدخلية-) و الجزئية للعلة (حرام و كذا تعلم النجوم على هذا النحو بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر و نعوذ بالله) من الكفر (انتهى) كلام جامع المقاصد.
(و قال شيخنا البهائى: ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا انها هى العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال) بدون مدخلية لله سبحانه (او انها شريكة) لله سبحانه في التأثير (فهذا) اى كل واحد من هذين الزعمين (لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنى على هذا كفر) لانه اما انكار لله، او جعل الشريك معه (و على هذا) المعنى من الاستقلال او الشراكة (حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم و النهى عن اعتقاد صحته انتهى) و
ص: 112
و قال في البحار: «لا نزاع بين الامة في ان من اعتقد ان الكواكب هى المدبرة لهذا العالم و هى الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فانه يكون كافرا على الاطلاق» انتهى.
و عنه في موضع آخر: ان «القول بانها علة فاعلية بالارادة و الاختيار و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر كفر» انتهى
______________________________
انما يحمل على هذا المعنى لان غير هذا المعنى لا دليل على بطلانه بل ورد في الحديث عن الامام امير المؤمنين عليه السلام: انما العلوم اربع: علم الفقه لحفظ الاديان و علم النجوم لحفظ الازمان و علم النحو لحفظ اللسان و علم الطب لحفظ الابدان.
(و قال في البحار: لا نزاع بين الامة في ان من اعتقد ان الكواكب هى المدبرة لهذا العالم و هى الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فانه يكون كافرا على الاطلاق، انتهى) و المراد الكفر المطلق الّذي يصح اطلاق الكافر عليه بدون تقييد، مقابل الكفر العملى الّذي يصح اطلاق الكفر مقيدا بان يقال انه كافر بالحج اى تارك له عالما عامدا و قد ورد في بعض المباحث السابقة ان الكفر على قسمين كفر في العقيدة و كفر في العمل.
(و عنه) اى البحار (فى موضع آخر ان القول بانها) اى الكواكب (علة فاعلية بالارادة و الاختيار) كعلية الانسان لصنع الدار (و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر) من العلة المادية و الغائية و الصورية (كفراه) و انما يكون كفرا لانه انكار لفاعلية الله سبحانه التى ثبتت بالضرورة من الدين و نطقت به الآيات و الروايات كالآيات التى تسند الافعال و الخلق و الرزق و الخير
ص: 113
بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده الى جميع علمائنا حيث قال- رحمه الله- «قد صرح علمائنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها او مدخليتها في التأثير و ذكروا ان بطلان ذلك من ضروريات الدين» انتهى.
بل يظهر من المحكى عن ابن ابى الحديد: ان الحكم كذلك عند علماء العامة أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة «ان المعلوم ضرورة من الدين ابطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهى و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا معنى قول امير
______________________________
و الشر إليه سبحانه.
(بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده الى جميع علمائنا) فهو- رحمه الله- مدع للاجماع.
و الضرورة في المسألة (حيث قال- رحمه الله- قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها او مدخليتها في التأثير و ذكروا ان بطلان ذلك) الاستقلال او الاشتراك (من ضروريات الدين، انتهى) فمن قال بعدم بطلان التنجيم- بهذا المعنى- كان منكرا للضرورة.
(بل يظهر من المحكى عن ابن ابى الحديد ان الحكم) فى التنجيم (كذلك) كما عند علمائنا (عند علماء العامة أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة: ان المعلوم ضرورة من الدين ابطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهى و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا) الّذي ذكرناه (معنى قول امير
ص: 114
المؤمنين عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه، انتهى.
«ثم» لا فرق في اكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور الى انكار الصانع جل ذكره، كما هو مذهب المنجمين.
و بين تعطيله تعالى عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الاجرام العلوية على وجه تتحرك على وجه مخصوص سواء قيل بقدمها
______________________________
المؤمنين عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه انتهى) و قد كان المنجم يربط الحوادث بالكواكب و الطبيب يربط الحوادث بالطبيعة، و لذا نسب الى الامام امير المؤمنين- عليه السلام- أنه قال:
«قال المنجم و الطبيب كلاهما» «لن يحشر الاموات قلت إليكما».
«ان كان قولكما فلست بخاسر» «أو كان قولى فالخسار عليكما».
( «ثم» لا فرق في اكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور في باب التنجيم «الى»).
1- (انكار الصانع جل ذكره، كما هو مذهب بعض المنجمين) حيث يرون ان النجوم هى صانع العالم.
2- (و بين تعطيله تعالى عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الاجرام العلوية على وجه تتحرك على وجه مخصوص) من الاقامة و الاستقامة و الرجوع و ما اشبه (سواء قيل يقدمها) اى قدم الكواكب قدما زمانيا، اذ لا يناسب القدم الذاتى لكونها مخلوقة- كما هو المفروض-
ص: 115
كما هو مذهب بعض آخر.
أم قيل بحدوثها و تفويض التدبير إليها، كما هو المحكى عن ثالث منهم.
و بين ان لا يرجع الى شي ء من ذلك، بان يعتقد ان حركة الافلاك تابعة لارادة اللّه، فهى مظاهر لارادة الخالق تعالى، و مجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع- جل ذكره- كالآلة.
أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره تعالى
______________________________
(كما هو مذهب بعض آخر).
3- (أم قيل بحدوثها و تفويض) اللّه (التدبير) للعالم (إليها، كما هو المحكى عن ثالث منهم).
4- (و بين ان لا يرجع الى شي ء من ذلك) الثلاث المتقدم (بان يعتقد ان حركة الافلاك تابعة لارادة اللّه، فهى مظاهر لارادة الخالق تعالى) بان إرادة الخالق تظهر من الافلاك فالاشياء السفلية انما تكون تابعة للارادة التى تظهر من الافلاك (و مجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع كالآلة) فكما ان النجار يقطع الخشب لكن بواسطة المنشار كذلك اللّه سبحانه يخلق الانسان لكن بواسطة الكواكب.
5- (او بزيادة) للكواكب على الآلة المجردة ب (أنها مختارة باختيار هو عين اختياره تعالى) كتنوير الزجاج بنور هو عين نور الشمس.
و ان شئت قلت: ان الاقسام ستة: لانها اما «مستقلة بدون وجود اللّه» أو «مستقلة مع الاعتراف بوجود اللّه» أو «شريكة للّه» أو «آلة لله في الخلق و الصنع» أو «مختارة باختيار هو عين اختيار اللّه» أو «مختارة
ص: 116
عما يقول الظالمون.
لكن ظاهر ما تقدم في بعض الاخبار- من ان المنجم بمنزلة الكاهن الّذي هو بمنزلة الساحر الّذي هو بمنزلة الكافر- من عدا الفرق الثلاث الاول، اذ الظاهر عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من اكفر الكفار لا بمنزلتهم.
و منه يظهر
______________________________
كاختيار الانسان الّذي وهبه اللّه اياه» تعالى (عما يقول الظالمون).
(لكن ظاهر ما تقدم في بعض الاخبار- من ان المنجم بمنزلة الكاهن الّذي هو بمنزلة الساحر الّذي هو بمنزلة الكافر-).
اقول: حيث قال الامام عليه السلام- بعد قوله «فانها تدعو الى الكهانة»: «المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر، الخ» و كان فقرة «المنجم كالكاهن» سقطت من عبارة المصنف- قبل صفحة- أو ان السقط من النساخ، و لذا لا يرد الاشكال على المصنف بانه لم يتقدم منه «كون المنجم كالكافر» (من عدا الفرق الثلاث الاول) التى اشرنا إليها برقم «1- 2- 3» (اذ الظاهر) من الادلة العقلية (عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من اكفر الكفار) اى اكثرهم كفرا، في مقابل سائر الكافرين كالوثنيين و النصارى و اليهود و المجوس (لا بمنزلتهم) فما ورد في الحديث من ان الكاهن- بالأخرة- بمنزلة الكافر، يراد به غير الاقسام الثلاثة الاول.
(و منه) اى مما ذكرنا من ان المراد من عدا الفرق الثلاث (يظهر
ص: 117
ان ما رتبه- عليه السلام-، على تصديق المنجم- من كونه تكذيبا للقرآن و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة باللّه، في جلب الخير و دفع الشر يراد منه ابطال قوله، بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة من كذب القرآن و الاستغناء عن اللّه، كما هو طريقة كل مستدل من انهاء بطلان التالى الى ما هو بديهى البطلان عقلا أو شرعا او حسا او عادة.
______________________________
ان ما رتبه) امير المؤمنين (- عليه السلام-) فى الحديث السابق (على تصديق المنجم- من كونه تكذيبا للقرآن، و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة باللّه، في جلب الخير و دفع الشر- يراد منه) «يراد» خبر «ما رتبه» (ابطال قوله) اى اراد الامام ابطال قول المنجم (ب) سبب (كونه) اى كون قول المنجم (مستلزما لما هو في الواقع) و الحقيقة (مخالف للضرورة) و البديهة (من كذب القرآن و الاستغناء عن اللّه) «من» بيان «لما هو» و الاستدلال هكذا «تصديق المنجم يستلزم كذب القرآن لكن التالى باطل- بالضرورة- فتصديق المنجم باطل- (كما هو) اى ايقاع التلازم بين قضية و قضية اخرى، (طريقة كل مستدل) اذا اراد ابطال القضية الاولى أو اثبات القضية الاولى (من انهاء) و ايصال (بطلان التالى) فى الشرطية- و لو قال «المقدم» كان احسن، لان المستدل دائما يريد ابطال المقدم أو اثباته (الى ما هو بديهى البطلان عقلا) كاجتماع النقيضين (أو شرعا) كعدم الثواب للمثيب (او حسا) كعدم اللون للاجسام الملونة (أو عادة) كتواطى اناس مختلفين متباعدين على الكذب، فيما لو قال: «يمتنع اجتماع الامر و النهى و إلا لزم اجتماع النقيضين» او «الحسن و القبح
ص: 118
و لا يلزم من مجرد ذلك الكفر، و انما يلزم ممن التفت الى الملازمة و اعترف باللازم.
و الا فكل من افتى بما هو مخالف لقول اللّه- واقعا- اما لعدم تفطنه لقول اللّه أو لدلالته، يكون مكذبا للقرآن.
______________________________
العقليان موجودان و إلا لزم عدم الثواب للمثيب» أو «ليس النور هو المولد للالوان لكن عدم اللون للاجسام الملونة مخالف للحس» او «التواتر ان لم يكن حجة لزم تواطئ أناس مختلفين على الكذب، لكنه مخالف للعادة».
(و لا يلزم من مجرد ذلك) التلازم بين شي ء و بين امر باطل بالضرورة (الكفر) لمن يلتزم بذلك المقدم (و انما يلزم) الكفر (ممن التفت الى الملازمة) بين المقدم الّذي يلتزم به و بين التالى الموجب للكفر (و اعترف باللازم) كمن ينكر وجوب الصلاة، ملتفتا الى التلازم بينه و بين كذب النبي و ان تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله موجب للكفر.
(و الا) فلو كان مجرد التلازم بين مقدم و تال باطل بالضرورة موجبا لكفر الملتزم بالمقدم (فكل من افتى بما هو مخالف لقول اللّه- واقعا-) اى مخالفة في مقام الواقع و الحقيقة، و قد افتى بذلك (اما لعدم تفطنه لقول اللّه) بان لم يعلم ان اللّه سبحانه قال كذا (أو) لعدم تفطنه (لدلالته) بان علم ان اللّه قال كذا، و لكنه لم يعلم أن قوله سبحانه يدل على ذلك المعنى- المخالف لما يقوله المفتى- (يكون مكذبا للقرآن) «يكون» خبر «فكل» و قد اراد المصنف من قوله «و لا يلزم» الى هنا، اثبات ان المنجم المسلم المعترف بكل ما انزل على محمد- صلّى اللّه عليه و آله- ليس
ص: 119
و أما قوله- عليه السلام-: «من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله» فلا يدل أيضا على كفر المنجم و انما يدل على كذبه فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له، و يدل عليه عطف الكاهن عليه.
______________________________
كافرا و كذلك من يصدقه و انما يكون فاعلا للحرام، كما أن الساحر و الكاهن ليسا بكافرين.
نعم لو علم هؤلاء بلازم قولهم، و علموا بان لازمه تكذيب القرآن و الرسول، كانوا داخلين في زمرة الكفار.
(و) ان قلت فما ذا تصنع بما صرح فيه بان المصدق للمنجم كافر الدال على كفر المنجم دلالة عرفية أيضا؟ قلت (اما قوله- عليه السلام- من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله فلا يدل أيضا على كفر المنجم) و لا على كفر من يصدق بكلامه (و انما يدل على كذبه) أى المنجم، لانه لو كان صادقا لم يكن التصديق به كفرا، و انما تصديق الكاذب في الامور الاعتقادية كفر (فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له) كما لو قال زيد «السماوات ثمانية» و قال الشارع «السماوات سبعة» فصدق شخص بكلام زيد كان المصدق كافرا لانه كذب الشارع بتصديقه لزيد، و اما زيد القائل فليس بكافر لانه اخبر خبرا كان منافيا لكلام الشارع (و يدل عليه) اى على ان كفر المصدق لا يلزم كفر المنجم (عطف الكاهن عليه) و من المعلوم ان الكاهن ليس بكافر.
ص: 120
و بالجملة فلم يظهر من الروايات تكفير المنجم- بالمعنى الّذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة- كفرا حقيقيا.
فالواجب للرجوع فيما يعتقده المنجم الى ملاحظة مطابقته لاحد موجبات الكفر من انكار الصانع أو غيره مما علم من الدين بديهة.
______________________________
(و بالجملة) المنجم اما ينكر بعض اصول الدين، أو يكون لازم كلامه منافيا لبعض ما جاء به النبي أم لا، فالأوّل كافر، و الثاني فاسق حيث خالف الشرع، و الثالث عمل عملا جائزا و المصدق بالمنجم ان رجع تصديقه الى انكار شي ء كان كافرا- ان كان متوجها الى الاستلزام و بطلان اللازم و الا لم يكن كافرا، و الكفر المذكور في الروايات، اما يخصص بما اذا ارجع الى انكار اصل من اصول الدين، او انكار ضرورى من ضرورياته و اما يحمل على الكفر العملى ككفر تارك الحج، و كفر النمام و ما اشبه مما كثر اطلاقه في الروايات (ف) تحصل انه (لم يظهر من الروايات تكفير المنجم) او المصدق به (بالمعنى الّذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة) اعنى اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات (كفرا حقيقيا) كسائر الكفار.
(فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم الى ملاحظة مطابقته) اى اعتقاد المنجم (لاحد موجبات الكفر من انكار الصانع او غيره مما علم من الدين بديهة) فان كان مطابقا كان كافرا و الا كان مسلما و ان كان عاصيا لانه فعل محرما بالنظر في النجوم، مثلا من كانت عقائده صحيحة لكنه ينظر الى النجوم و يخبر عن الذكر و الانثى و الطالع و السعد و النحس و النجاح و الفشل في الاعمال لا يكون كافرا بل عاصيا.
ص: 121
و لعله لذا اقتصر الشهيد فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم على من يعتقد في الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجدة له، و لم يكفر غير هذا الصنف كما سيجي ء تتمة كلامه السابق.
و لا شك ان هذا الاعتقاد انكار، اما للصانع، و اما لما هو ضرورى الدين من فعله تعالى و هو ايجاد العالم و تدبيره.
بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم في الاول:
قال السيد الشارح للنخبة
______________________________
(و لعله لذا) الّذي ذكرنا من عدم كفر المنجم مطلقا (اقتصر الشهيد) الاول (فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم على من يعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له، و لم يكفر غير هذا الصنف كما سيجي ء تتمة كلامه السابق) و أنه يخطئ- و لا ينسب الى الكفر- بعض المنجمين الآخرين غير من يعتقد كون الكواكب مدبرة للعالم.
(و لا شك ان هذا الاعتقاد) اى كون الكواكب مدبرة (انكار، اما للصانع) اذا اعتقد المنجم ان الكواكب مدبرة وحيدة للعالم، و ليس مدبر سواها (و اما لما هو ضرورى الدين من فعله تعالى و هو ايجاد العالم و تدبيره) له اذا كان المنجم يعتقد وجود اللّه لكنه يرى ان الكواكب هى الخالقة.
(بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم) الموجب للكفر (فى الاول) و هو كون الكواكب موجدة للعالم.
(قال السيد الشارح للنخبة) و هى رسالة للشيخ الكلباسى- رحمه
ص: 122
«ان المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك و لا خالق و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالأنواء معدودون من فرق الكفار في مسفورات الخاصة و العامة، يعتقدون في الانسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا فاذا مات بطل و اضمحل و ينكرون جميع الأصول الخمسة» انتهى.
ثم قال ره: و اما هؤلاء الذين يستخرجون بعض
______________________________
اللّه- ( «ان المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك) اى جاعل الفلك فلكا (و لا خالق، و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون) اى يطلبون المطر (بالأنواء) اى النجوم، جمع «نوء» و هو النجم، فان الجاهليين كانوا ينتظرون الامطار وقت طلوع بعض الكواكب كالثريا و الدبران و نحو ذلك، فيقولون مطرنا بنوء كذا، نعم من يقول ان طلوع النوء الكذائى وقت للمطر، لا انه يرى النوء علة للمطر لم يكن بذلك بأس، (معدودون) هؤلاء (من فرق الكفار في مسفورات الخاصة و العامة) اى كتبهم (يعتقدون في الانسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا فاذا مات بطل و اضمحل) كما حكى اللّه سبحانه عنهم «وَ قٰالُوا مٰا هِيَ إِلّٰا حَيٰاتُنَا الدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا» و كما تقدم في بيت الامام- عليه السلام- «قال المنجم و الطبيب كلاهما- لن يحشر الاموات» (و ينكرون جميع الأصول الخمسة) التوحيد و العدل و النبوة و الامامة و المعاد (انتهى) كلام السيد الشارح.
(ثم قال ره: و اما هؤلاء) المسمون بالمنجمين (الذين يستخرجون بعض
ص: 123
اوضاع السيارات و ربما يتخرصون عليها باحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الاقدمين مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد» انتهى.
اقول: فيه- مضافا الى عدم انحصار الكفار من المنجمين فيمن ذكر بل هم على فرق ثلاث كما اشرنا إليه و سيجي ء التصريح به من البحار في مسألة السحر- ان النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعنى الّذي ذكره اخيرا
______________________________
اوضاع السيارات و ربما يتخرصون) اى يقولون قولا بدون علم و دليل (عليها باحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الاقدمين) كقولهم- مبهما-: يحتمل موت كبير، او زلزال في مكان او محاربة بين دولتين، او ما اشبه ذلك، من الاحكام المبهمة التى نشاهدها اليوم- فى التقاويم (مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد) فى الاخبار المروية عن الائمة الاطهار عليهم الصلاة و السلام (انتهى) كلام شارح النخبة.
(اقول: فيه- مضافا الى عدم انحصار الكافر من المنجمين فيمن ذكر) من المنكرين لكل الأصول (بل هم على فرق ثلاث كما اشرنا إليه) حيث قلنا «ثم لا فرق» و قد رقمنا عليه ب «1- 2- 3» (و سيجي ء التصريح به من البحار في مسألة السحر- ان النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعنى الّذي ذكره) السيد الشارح (اخيرا) بقوله «و اما هؤلاء»
ص: 124
كما عرفت من جامع المقاصد، و المطاعن الواردة في الاخبار المتقدمة و غيرها كلها او جلها على هؤلاء، دون المنجم بالمعنى الّذي ذكره أولا.
و ملخص الكلام، ان ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل ظاهر ما عرفت خلافه.
و يؤيده ما رواه في البحار عن محمد و هارون ابنى سهل النوبختى:
أنهما كتبا الى أبى عبد اللّه عليه السلام: «نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا أليك هل يحل النظر فيها؟
______________________________
الخ (كما عرفت من جامع المقاصد، و المطاعن الواردة في الاخبار المتقدمة و غيرها) من الاخبار التى لم ننقلها (كلها او جلها) اى غالبها (على هؤلاء) و هم المسلمون الذين صحت عقائدهم و لكنهم يخبرون بالامور المستقبلة (دون المنجم بالمعنى الّذي ذكره أولا) لما تقدم من ان هذا القسم من المنجم من اكفر الكفار، و انما الّذي بمنزلة الكاهن انما هو المسلم الّذي يحتاج كفره الى مئونة، ثم ان ما ورد في كفرهم قد عرفت أنه لا يدل على الكفر بمعناه المعروف.
(و ملخص الكلام ان ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل ظاهر ما عرفت خلافه) و المراد بما عرفت تنزيلهم بمنزلة الكاهن الخ عند قولنا «بل ظاهر ما تقدم» و قولنا «و اما قوله عليه السلام من صدق كاهنا».
(و يؤيده) اى عدم الكفر (ما رواه في البحار عن محمد و هارون ابنى سهل النوبختى: انهما كتبا الى أبى عبد اللّه عليه السلام «نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا أليك هل يحل النظر فيها؟) اى في النجوم
ص: 125
فكتبت نعم، و المنجمون يختلفون في صفة الفلك، فبعضهم يقولون: ان الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر- الى ان قال- فكتب- عليه السلام: نعم ما لم يخرج عن التوحيد».
كما يقوله بعضهم، على ما ذكره العلامة و غيره.
قال العلامة- فى محكى شرح فص الياقوت-: اختلف قول المنجمين على قولين: احدهما، قول من يقول: انها حية مختارة.
______________________________
(فكتبت: نعم، و المنجمون يختلفون في صفة الفلك، فبعضهم يقولون:
ان الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر- الى ان قال- فكتب- عليه السلام-: نعم ما لم يخرج عن التوحيد) فالامام عليه السلام اجاز النظر في النجوم اذا لم يصادم «التوحيد» و ذكر «التوحيد» من باب المثال فان المراد اصول الدين و ضرورياته، و لعل ذكر التوحيد من جهة مصادمة النجوم ذلك الوقت للتوحيد فقط.
( «الثاني»)- من وجوه اعتقاد الربط بين الحركات الفلكية و الكائنات (أنها) اى الحركات الفلكية (تفعل الآثار إليها، و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم كما يقوله) اى هذا القول (بعضهم) اى بعض المنجمين (على ما ذكره العلامة و غيره).
(قال العلامة- فى محكى شرح فص الياقوت-: اختلف قول المنجمين) حول الاجرام الفلكية (على قولين):
(احدهما- قول من يقول انها) اى الاجرام الفلكية (حية مختارة)
ص: 126
الثاني- قول من يقول: انها موجبة، و القولان باطلان.
و قد تقدم عن المجلسى- رحمه اللّه- ان القول بكونها فاعلة بالارادة و الاختيار- و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر- كفر.
و هو ظاهر اكثر العبارات المتقدمة، و لعل وجهه ان نسبة الافعال التى دلت ضرورة الدين على استنادها الى اللّه تعالى: كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و غيرها- الى غيره تعالى، مخالف لضرورة الدين.
______________________________
كحياة الانسان و اختياره.
(الثاني- قول من يقول انها موجبة) بصيغة اسم الفاعل، بمعنى ان الافعال تصدر عنها بالايجاب (و القولان باطلان) لان الاجرام الفلكية لا تأثير لها في الامور الارضية حتى يقع الكلام حول أنها الافاعيل بالاختيار او بالجبر.
(و قد تقدم عن المجلسى- رحمه اللّه- ان القول بكونها) اى الاجرام الفلكية (فاعلة بالارادة و الاختيار- و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر- كفر).
(و هو) اى ما ذكره العلامة المجلسى من بطلان هذا القول و كونه كفرا (ظاهر اكثر العبارات المتقدمة، و لعل وجهه ان نسبة الافعال- التى دلت ضرورة الدين على استنادها الى اللّه تعالى: كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و غيرها- الى غيره تعالى، مخالف لضرورة الدين) فهو باطل، و القول به كفر، لان من مراتب التوحيد توحيد الافعال بنسبة
ص: 127
لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم، فانه- بعد ما ذكر الكلام الّذي نقلناه منه سابقا- قال: و ان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم فهو مخطئ اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلى و لا نقلى» انتهى.
و ظاهره ان عدم القول بذلك
______________________________
الافعال الكونية الى اللّه تعالى، فقد قال المتكلمون: ان التوحيد على أربعة مراتب: توحيد الذات، و توحيد الصفات، و توحيد الافعال، و توحيد العبادة.
(لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم) اى عدم كون هذا الاعتقاد كفرا (فانه- بعد ما ذكر الكلام الّذي نقلناه منه سابقا- قال: و ان اعتقد انها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم) كما ان الانسان يفعل الاشياء، و اللّه هو المؤثر الاعظم، مثلا الزرع من الانسان و اللّه هو المؤثر الاعظم، و لذا قال سبحانه «أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّٰارِعُونَ» و هكذا بالنسبة الى الامانة و الشفاء بل و الرمى و لذا قال تعالى «وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ» (فهو مخطئ اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة) تلك الحياة (بدليل عقلى و لا نقلى) و ما استدل به لذلك كقوله- عليه السلام- «أيها الخلق المطيع» و ما اشبه لا يدل على الحياة كما لا يخفى، اذ الاطاعة اعم من الحياة فهى من قبيل «ائْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ» و قد ثبت في الروايات ان الملائكة هى التى تجرى بعض الحركات الفلكية.
(و ظاهره) اى ظاهر كلام الشهيد (ان عدم القول بذلك) اى
ص: 128
لعدم المقتضى له- و هو الدليل- لا لوجود المانع منه، و هو انعقاد الضرورة على خلافه فهو ممكن غير معلوم الوقوع.
و لعل وجهه ان الضرورى عدم نسبة تلك الافعال الى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار اللّه كما هو ظاهر قول المفوضة.
______________________________
يكون الاثر من الكواكب مع كون اللّه هو المؤثر الاعظم ككون الاثر من الطبيب و الزارع مع ان اللّه هو المؤثر الاعظم (لعدم المقتضى له- و هو الدليل لا لوجود المانع منه، و هو انعقاد الضرورة على خلافه فهو) اى كون الكواكب هى المؤثرات (ممكن) فى ذاته (غير معلوم الوقوع).
(و لعل وجهه) عدم كونه في نفسه مخالفا للدين، و انما لا نقول به لعدم الدليل (اذ الضرورى) البديهى (عدم نسبة تلك الافعال الى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار اللّه) بان يكون اللّه سبحانه فوض تلك الافعال الحادثة في الارض الى الكواكب حتى أنها تفعل كل شي ء مستقلا، كما يفعل الانسان المصنوعات الجزئية بإرادة مستقلة (كما هو ظاهر قول المفوضة) فانهم يزعمون ان اللّه سبحانه فوض الامر كله الى النبي و الامام و قسم آخر منهم يزعمون ان اللّه سبحانه فوض جميع الاعمال الى البشر من دون مدخلية له اصلا- و هؤلاء مفوضة في مقابل المجبرة بخلاف القسم الاول من المفوضة، و كلا القولين باطل.
اما قول الامام عليه السلام في خطبة نهج البلاغة «نحن صنائع اللّه و الناس بعد صنائع لنا» فمعناه انهم يفعلون بامر اللّه و ارادته كما ان ملك الموت يقبض الارواح بامره سبحانه، و هذا غير التفويض الّذي
ص: 129
اما استنادها الى الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيته و اختياره حتى يكون كالآلة بزيادة الشعور و قيام الاختيار به، بحيث يصدق انه فعله و فعل الله فلا.
اذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل الى الله تعالى على وجه
______________________________
زعمه جماعة من الغلاة- و تفصيل الكلام في كتب اصول الدين-.
(اما استنادها) اى الافعال (الى الفاعل بإرادة الله) اى الّذي يفعل و لكن لا بإرادة نفسه بل بإرادة الله تعالى فاذا اراد الله خلق زيد فعله الكواكب الكذائى كما ان اللّه اذا اراد قبض روح زيد أماته ملك الموت (المختار) صفة «الفاعل» اى يختار الفاعل اختيارا- (بعين مشيته) و ارادته (و اختياره) سبحانه، فاختياره من اختيار الله تعالى (حتى يكون) الكواكب (كالآلة بزيادة الشعور) مثلا المنشار آلة و لكن لا شعور له، و لكن ملك الموت آلة و له شعور (و قيام الاختيار به بحيث يصدق انه فعله و فعل الله) باعتبارين فباعتبار انه المباشر يقال انه فعله، و باعتبار ان الله هو القابض للروح حقيقة يقال انه فعل الله، و لذا ورد تارة «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ» و تارة «اللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا» و كذلك معاجز الأنبياء فهى تارة تنسب إليهم لانهم المباشرون لاظهارها، و تارة الى الله تعالى لانه سبحانه فاعل تلك المعاجز (فلا) جواب «اما» اى ليس استناد الافعال الى فاعل مختار بمنزلة الآلة ضرورى العدم حتى يستلزم القول به الكفر.
(اذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل الى الله تعالى على وجه
ص: 130
الحقيقة لا اثباته لغيره أيضا، بحيث يصدق انه فعله.
«نعم» ما ذكره الشهيد من عدم الدليل عليه حق، فالقول به تخرص و نسبة فعل الله الى غيره بلا دليل، و هو قبيح.
و ما ذكره- قدس سره- كأن مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله- عليه السلام- فقال: «ما تقول فيمن يزعم ان هذا التدبير الّذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟ قال- عليه السلام-: يحتاجون الى دليل ان هذا العالم الاكبر
______________________________
الحقيقية) بان يقول الشخص ان الفعل الكذائى ليس فعل الله حقيقة (لا) ان الضرورى انكار (اثباته لغيره) تعالى (أيضا، بحيث يصدق انه فعله) اى فعل ذلك الغير.
( «نعم» ما ذكره الشهيد) فى القواعد (من عدم الدليل عليه) و أنه لم يدل على نسبة الافعال الى الاجرام العلوية (حق فالقول به تخرص) و قول بدون دليل (و نسبة فعل الله الى غيره بلا دليل، و هو قبيح) قوله «و نسبة» عطف على «تخرص».
(و ما ذكره) الشهيد (قدس سره) من ان القول بذلك قول بلا دليل (كأن مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله- عليه السلام- فقال: «ما تقول فيمن يزعم ان هذا التدبير الّذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟) القمر و العطارد و الزهرة و الشمس و المريخ و المشترى و الزحل (قال- عليه السلام-:
يحتاجون الى دليل ان هذا العالم الاكبر) المشاهد من الامور الكونية
ص: 131
و العالم الاصغر من تدبير النجوم التى تسبح في الفلك، و تدور حيث دارت، منقبة لا تفتر، و سائرة لا تقف.
ثم قال- عليه السلام-: و ان كل نجم منها موكل مدبر فهى بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال، الخبر
______________________________
(و العالم الاصغر) اى الانسان (من تدبير النجوم التى تسبح في الفلك و تدور حيث دارت منقبة لا تفتر، و سائرة لا تقف).
و كان الامام- عليه السلام- وصف «النجوم» بقوله «تسبح» الخ اشارة الى عدم كونها ازلية اذ القديم لا يتغير- كما اشار الى ذلك فيما يأتى من كلامه عليه السلام- فكأنه عليه السلام اراد بيان امرين: الاول- ان كون شي ء خالقا يحتاج الى الدليل. الثاني- ان النجوم لا يعقل ان تكون خالقة بالاستقلال، و لعله عليه السلام اراد ردّ طائفتين: من يزعم ان الافلاك و النجوم قديمة كما يقوله جمع من فلاسفة يونان. و من يزعم انها خالقة بالاستقلال و ان لم تكن قديمة (ثم قال- عليه السلام- و ان كل نجم منها موكل مدبر فهى بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال، الخبر).
الظاهر ان «موكل» و «مدبر» بصيغة المفعول. اى ان كل كوكب وكّل به الملائكة- كما ورد في الاحاديث ان الشمس تجرها كثرة من الملائكة و ان كل كوكب دبر الله امره، فهى ليست آمرة ناهية- كما يزعم الفلاسفة- و انما هى مأمورة منهية، و انما قال «بمنزلة العبيد» و لم يقل «عبيد» لان
ص: 132
و الظاهر ان قوله- عليه السلام- «بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين» يعنى: فى حركاتهم، لا انهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم فهى مدبرة باختياره المنبعث عن امر الله تعالى.
«نعم» ذكر المحدث الكاشانى في الوافى- فى توجيه البداء-.
______________________________
للعبيد اختيارا و إرادة، و ليس للانجم اختيار و لا إرادة فهى «بمنزلة العبيد» فى كون امرها الى مولاها.
ثم انه قد ثبت في علم الكلام التنافى بين القدم و التغير، اذ التغير يلازم الحدوث، و الحادث ليس بقديم، و لذا قال عليه السلام «فلو كانت قديمة الخ».
(و الظاهر ان قوله- عليه السلام- «بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين» يعنى: فى حركاتهم) فهى تتحرك الى جهة وفق امر الله و لا تتحرك الى اخرى وفق نهى الله عن الحركة الى تلك الجهة الاخرى (لا) ان مراده عليه السلام (انهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم) اى ان الله امرهم بحركات، و تلك الحركات تدبر امر العالم (فهى مدبرة باختياره المنبعث) ذلك الاختيار (عن امر الله تعالى) قوله «فهى» من تتمة «المنفى» اى ليس الأمر كذلك.
( «نعم» ذكر المحدث الكاشانى في الوافى- فى توجيه البداء-) و معناه بالنسبة الى الله سبحانه، و انه كيف يمكن البداء في حقه تعالى و هو يعلم كل شي ء.
اقول: «البداء»: هو الاظهار بعد الاخفاء، و هو المراد حيث
ص: 133
كلاما ربما يظهر منه مخالفة المشهور.
حيث قال: «اعلم ان القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة لعدم تناهى تلك الامور، بل انما تنقش فيها
______________________________
ينسب البداء الى الله تعالى، لان المراد الظهور بعد الخفاء.
ان قلت: اذا كان الله يعلم ان زيد الا يموت مثلا من هذا المرض فما وجه الصدقة و الدعاء و ما اشبه؟.
قلت: ان الله يعلم ان زيد الا يموت من هذا المرض، و يعلم ان سبب عدم موته الدواء و الدعاء و الصدقة فالله سبحانه يعلم بالامرين، كما ان الله يعلم ان زيدا يتزوج فيولد له، فلا يقال: ان الله اذا علم ان زيدا يولد له فما هو وجه الاحتياج الى الزواج، و اذا علم ان زيدا لا يولد له فالازدواج لا تأثير له.
و كيف كان فمسألة البداء من اوضح الواضحات التى لا غبار عليها، و لا يلزم منه جهل او نحوه، و تفصيل الكلام في علم الكلام (كلاما ربما يظهر منه مخالفة المشهور) الذين قالوا بعدم كون الكواكب مدبرة للعالم- حتى تدبيرا منبعثا عن امر الله تعالى-.
(حيث قال: «اعلم ان القوى المنطبعة الفلكية») اى القوى التى انطبقت في الافلاك (لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور) فى العالم احاطة (دفعة واحدة) و انما لم تحط دفعة واحدة (لعدم تناهى تلك الامور) و القوى الفلكية متناهية، فما يتناهى لا يمكن ان يحيط بما لا يتناهى، (بل انما تنقش فيها) اى في القوى الفلكية
ص: 134
الحوادث شيئا فشيئا فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الافلاك و نتائج بركاتها، فهى تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا» انتهى موضع الحاجة
______________________________
(الحوادث شيئا فشيئا) اى تدريجا (فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد) «هذا العالم يسمى بالكون و الفساد» لان الامور تتكون و توجد فيها ثم تفسد و تفنى و تضمحل (انما هو من لوازم حركات الافلاك و نتائج بركاتها فهى) اى الافلاك (تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا») اى انه كلما كان مثلا الدعاء كان دفع البلاء.
و كان الكاشانى اراد بهذا ان ظهور «ان زيدا لا يموت» فى الافلاك انما يكون بعد «الدعاء» اما قبله فلم يكن ذلك ظاهرا و منقوشا فيها- و هذا هو معنى البداء-.
و لا يخفى مواضع النظر في كلامه اذ- أولا- لم يثبت علم الافلاك.
و ثانيا- عدم تناهى المخلوقات غير تام اذ: المخلوق مهما امتد طولا او عرضا فهو متناه و إلا خرج عن كونه مخلوقا.
و ثالثا- لو كانت الافلاك متناهية لم يمكن ان تحيط بغير المتناهى اطلاقا، و لو تدريجا، و اذا لم تكن متناهية امكن ان تحيط بالاشياء دفعة واحدة.
و رابعا- كون ما في هذا العالم من لوازم حركات الافلاك اوّل الكلام فأي دليل على ذلك.
و خامسا- ان ما ذكره هو معنى البداء، خلاف ظاهر الاخبار، بل و
ص: 135
و ظاهره أنها فاعلة بالاختيار، لملزومات الحوادث.
و بالجملة فكفر المعتقد بالربط على هذا الوجه الثاني لم يظهر من الاخبار.
و مخالفته لضرورة الدين لم يثبت أيضا، اذ: ليس المراد العلية التامة كيف و قد حاول المحدث الكاشانى بهذه المقدمات اثبات البداء!
______________________________
خلاف الادلة العقلية.
و كيف كان فهذا الكلام من فروع القول بالعقول العشرة الّذي ثبت خلافه كما فصل في شرح التجريد و غيره فراجع.
(و) كيف كان فان (ظاهره انها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث) اى للحركة التى يلزم منها الحوادث الكونية فالحركة «ملزومة» و الحوادث «لازمة»
(و بالجملة فكفر المعتقد بالربط) بين الحركات الفلكية و الحوادث الارضية (على هذا الوجه الثاني) سواء قلنا أنها كالآلة بلا شعور أو انها كملك الموت بالارادة و الاختيار (لم يظهر من الاخبار).
(و) لا من الادلة العقلية و النقلية، كما ان (مخالفته) اى اعتقاد الربط المذكور (لضرورة الدين لم يثبت أيضا، اذ ليس المراد) بهذا النحو من الربط (العلية التامة) للافلاك، بالنسبة الى الأمور الكونية و (كيف) يراد بهذا النحو من الربط العلية التامة (و قد حاول المحدث الكاشانى بهذه المقدمات) التى من جملتها الربط بين الكواكب و الحوادث (اثبات البداء) و دفع الاشكال عن بعض صفات الله تعالى، فهل يعقل ان ينكر وجود الله تعالى من يريد اثبات بعض صفاته.
ص: 136
و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفرا، الا انه قال شيخنا المتقدم في القواعد- بعد الوجهين الاولين-: و اما ما يقال من استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار و غيرها من العاديات، بمعنى ان الله تعالى اجرى عادته: انها اذا كانت على شكل مخصوص او وضع مخصوص
______________________________
و ان شئت قلت: «الربط بين الافلاك و الحوادث» مما يدفع الاشكال عن بعض صفات الله تعالى، فكيف يمكن ان يكون «القول بالربط» مخالفا للأصول أو لضرورى الدين؟.
( «الثالث»-) من وجوه ربط الحركات الفلكية بالكائنات الارضية (استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار) بان تكون الكواكب فاعلة بالقسر.
(و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم) من العلماء (كون هذا الاعتقاد كفرا الا انه قال شيخنا المتقدم) الشهيد الاول- رحمه الله- (فى القواعد- بعد الوجهين الاولين-) اى كونها مستقلة بالتأثير، و المؤثرة مع كون المؤثر الاعظم هو الله سبحانه (و اما ما يقال من استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار و غيرها) اى غير النار (من العاديات) كاستناد التبريد الى الثلج و ما اشبه (بمعنى ان الله تعالى اجرى عادته أنها) اى الكواكب (اذا كانت على شكل مخصوص) من القرب و البعد و الاقتران و ما اشبه (او وضع مخصوص) ككونه في الاوج او الحضيض، او ان المراد بالشكل هذا
ص: 137
يفعل ما ينسب إليها، و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادى، لا الربط العقلى الحقيقى، فهذا لا يكفر معتقده لكنه مخطئ، و ان كان اقل خطاء من الاول لان وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم و لا اكثرى انتهى.
______________________________
المعنى، و كونه في وضع مخصوص المعنى الاول (يفعل ما ينسب إليها، و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الاغذية بها) اى بالادوية و الاغذية (مجازا) اى كون النسبة مجازا، و الا فالنسبة الحقيقية الى الله تعالى، فالنسبة الى المسببات (باعتبار الربط العادى لا الربط العقلى الحقيقى، فهذا) الاعتقاد (لا يكفر معتقده) لانه ليس مصادما مع اصل من اصول الدين (لكنه مخطئ، و ان كان اقل خطاء من الاول) الّذي يزعم التأثير لها و لكن المؤثر الاعظم هو الله سبحانه بمعنى أن لها حياة.
و انما نقول بانه مخطئ اذا اعتقد كونه سببا عاديا (لان وقوع هذه الآثار) الارضية (عندها) اى عند تلك الاشكال و الاوضاع للاجرام (ليس بدائم و لا اكثرى انتهى) و لو كانت اسبابا عادية لكانت الآثار دائمية كاحراق النار او اكثرية كاسهال السقمونيا.
و قوله «ان الله اجرى عادته» بناء على ان ظهور الآثار عند وجود الاسباب من باب عادة الله كما ذهب الى ذلك جمع من الحكماء، قال السبزوارى:
«و هل بتوليد أو اعداد ثبت» «او بالتوافى عادة الله جرت».
«و جرى عادة خطاء شديدا» «و ليست العلية توليدا».
ص: 138
و غرضه من التعليل المذكور الاشارة الى عدم ثبوت الربط العادى لعدم ثبوته بالحس، كالحرارة الحاصلة بسبب النار، و الشمس، و برودة القمر، و لا بالعادة الدائمة و لا الغالبة، لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتى يحصل العلم او الظن.
«ثم» على تقديره فليس فيه دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث فلعل الأمر بالعكس او كلتاهما مستندتان
______________________________
«ثم» لا يخفى ان تخطئة الشهيد و غيره من العلماء لمن يقول بالتأثير العادى انما يريدون التأثير مطلقا لا مثل تأثير الشمس في الفصول و ما اشبه مما هو معلوم واضح.
(و) كيف كان ف (غرضه) اى الشهيد (من التعليل المذكور) اى قوله «لان وقوع» (اشارة الى عدم ثبوت الربط العادى، لعدم ثبوته بالحس كالحرارة الحاصلة بسبب النار، و الشمس، و برودة القمر و لا بالعادة الدائمة) التى لا تتخلف (و لا الغالبة) التى يغلب وجود المسبب عند وجود السبب (لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتى يحصل العلم او الظن) باستناد تلك الحوادث الى تلك الاسباب.
( «ثم» على تقديره) اى تقدير وجود العادة الدائمة او الغالبة (فليس فيه) اى في ذلك التلازم او الغلبة بين الحركات و بين المسببات (دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث) التى ترى بعد تلك الحركات (فلعل الأمر بالعكس) و ان حدوث هذا الشي ء في الأرض سبب حدوث ذلك الشي ء في السماء (او كلتاهما) اى الحركات السماوية و الارضية (مستندتان
ص: 139
الى مؤثر ثالث، فيكونان من المتلازمين في الوجود.
و بالجملة- فمقتضى ما ورد من انه «ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسبابها» كون كل حادث مسببا، و اما ان السبب هى الحركة الفلكية او غيرها فلم يثبت و لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين، بل في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على ثبوت التأثير للكواكب.
مثل ما في الاحتجاج عن ابان بن تغلب- فى حديث اليمانى الّذي دخل على أبى عبد الله- عليه السلام- و سماه باسمه الّذي لم يعلمه احد و هو سعد فقال له: «يا سعد و ما صناعتك قال انا من اهل بيت ننظر في النجوم- الى ان قال-
______________________________
الى مؤثر ثالث، فيكونان من المتلازمين في الوجود) كالنور و الحرارة للشمس، لا ان احداهما مستندة الى الأخرى، فالقول بان هذه المسببات مستندة الى تلك الحركات تخرص بدون دليل.
(و بالجملة- فمقتضى ما ورد من انه ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسبابها كون كل حادث مسببا) عن سبب (و اما ان السبب) فى الامور الارضية (هى الحركة الفلكية أو غيرها فلم يثبت و) كذلك (لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين) حتى يكون المعتقد لذلك كافرا (بل في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على ثبوت التأثير للكواكب) فى الجملة.
(مثل ما في الاحتجاج عن ابان بن تغلب- فى حديث اليمانى الّذي دخل على ابى عبد الله- عليه السلام- و سماه) اى الصادق عليه السلام (باسمه الّذي لم يعلمه احد، و هو سعد- فقال له: «يا سعد و ما صناعتك؟ قال) سعد: (انا من اهل بيت ننظر في النجوم- الى ان قال-)
ص: 140
(ع) ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الابل؟ فقال: ما ادرى. قال عليه السلام: صدقت فقال عليه السلام: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت البقر؟ قال: ما ادرى قال عليه السلام: صدقت فقال: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الكلاب؟ قال: ما ادرى قال (ع) صدقت في قولك: لا ادرى فما زحل عندكم في النجوم؟ فقال سعد اليمانى: نجم نحس! فقال أبو عبد الله عليه السلام لا تقل هذا فانه نجم امير المؤمنين- عليه السلام و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الّذي قال الله تعالى: فى كتابه.
______________________________
الامام (عليه السلام: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الابل؟) تريد السفاد و الازدواج (فقال: ما ادرى. قال عليه السلام: صدقت. فقال عليه السلام: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت البقر؟ قال: ما ادرى.
قال عليه السلام صدقت. فقال: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الكلاب؟ قال: ما ادرى. قال عليه السلام: صدقت في قولك لا ادرى).
و هذا ظاهر في علية طلوع تلك الكواكب لهيجان هذه الحيوانات.
اما احتمال ان يكون سؤال الامام من باب التعجيز فهو خلاف الظاهر، و ذلك بان لا يكون هناك نجم هكذا، كما ان احتمال ان يكون طلوع النجم وقتا للهيجان لا سببا أيضا خلاف الظاهر.
فقال عليه السلام (فما زحل عندكم في النجوم؟) اى باية صفة من السعد و النحس (فقال سعد اليمانى: نجم نحس! فقال) له (ابو عبد الله (ع): لا تقل هذا فانه نجم امير المؤمنين- عليه السلام- و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الّذي قال الله تعالى: فى كتابه).
ص: 141
و في رواية المدائنى عن الكافى عن ابى عبد الله- عليه السلام-:
قال «ان الله خلق نجما في الفلك السابع، فخلقه من ماء بارد، و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار، و هو: نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم امير المؤمنين، يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها، و يأمر بافتراش
______________________________
لا يخفى ان النجم لا يكون بذاته سعدا أو نحسا، و انما تكون نحوسته أو سعوده بواسطة التعلق بشي ء او بواسطة تأثيره في اثر خاص حسنا او سيئا و المنجمون انما يعتبرون زحل نحسا لانه يتعلق ببعض الشرور الكونية على زعمهم- كما قال سبحانه «وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» و كلام الامام- عليه السلام- تنبيه الى أنه مربوط بالامام و الأوصياء، و لعل معنى الارتباط من قبيل ارتباط الدار بالانسان، أو من قبيل ارتباط النور بالشمس و سيأتى توضيح لذلك.
(و في رواية المدائنى المروية عن الكافى عن أبى عبد الله- عليه السلام- قال «ان الله خلق نجما في الفلك السابع، فخلقه من ماء بارد و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار، و هو) اى النجم الّذي في الفلك السابع (نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم امير المؤمنين، يأمر) اما بمعنى الامر التكوينى، و ان من طبيعته اشعاع هذا الامر في النفوس كما ان من طبيعة الشمس اشعاع الحرارة الى الاجسام، او بمعنى الامر حقيقة- كاوامر الناس- لكن بلغة خاصة يعرفها الأنبياء و الائمة (بالخروج) اى بخروج القلب (من الدنيا) كما قال- عليه السلام- «اخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها ابدانكم» (و الزهد فيها و يأمر بافتراش
ص: 142
التراب و توسد اللبن، و لباس الخشن و اكل الجشب، و ما خلق الله نجما اقرب الى الله منه».
و الظاهر ان امر النجم بما ذكر من المحاسن كناية عن اقتضائه لها.
و الظاهر ان هذا الاعتقاد لم يقل احد بكونه كفرا.
______________________________
التراب و توسد اللبن) جمع لبنة على وزن كلم و كلمة، (و لباس الخشن و اكل الجشب) اى الاطعمة غير اللذيذة (و ما خلق الله نجما اقرب الى الله منه) اى قربا معنويا بمعنى اكثرية لطف الله له كما ان معنى قرب الانسان إليه تعالى كونه سبحانه اكثر لطفا إليه.
(و الظاهر ان امر النجم بما ذكر من المحاسن) فى هذه الرواية (كناية عن اقتضائه لها) كما ان الظاهر ان المراد بالنجم «زحل» حسب ما ثبت كونه في الفلك السابع، و حسب ما تقدم في الرواية السابقة من انه نجم الامام و سائر الأوصياء.
( «الرابع»)- من وجوه ارتباط الحركات الفلكية بالكائنات الارضية (ان يكون ربط الحركات) الفلكية (بالحوادث) الارضية (من قبيل ربط الكاشف و المكشوف) فحركة كذا في الفلك تدل و تكشف عن وقوع شي ء في الارض.
(و الظاهر ان هذا الاعتقاد لم يقل احد بكونه كفرا) فانه من قبيل كشف النور في جانب الشرق عند الصبح عن خروج الشمس بعد ساعة و
ص: 143
قال شيخنا البهائى- رحمه الله- بعد كلامه المتقدم الظاهر في تكفير من قال بتأثير الكواكب أو مدخليتها ما هذا لفظه «و ان قالوا: ان اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته و ارادته، كما ان حركات النبض و اختلافات اوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه، و كما يستدل باختلاج بعض الاعضاء على بعض الاحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده، و ما روى
______________________________
نصف عن ذلك الموضع او وصول النجم الكذائى الى وسط السماء من انتصاف الليل او ما اشبه.
(قال شيخنا البهائى- رحمه الله- بعد كلامه المتقدم الظاهر) ذلك الكلام (فى تكفير من قال بتأثير الكواكب او مدخليتها) فى التأثير (ما هذا لفظه «و ان قالوا) اى المنجمون (: ان اتصالات تلك الاجرام) بالاقتران و الاقتراب و ما اشبه (و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله بقدرته و ارادته) و للاوضاع الفلكية مجرد الكشف (كما ان حركات النبض و اختلافات اوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه، و كما يستدل باختلاج) و ضربان (بعض الاعضاء على بعض الاحوال المستقبلة) كما هو مذكور في علمى الطب و التشريح (فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده، و ما روى) من النهى عن علم النجوم محمول على غير
ص: 144
فى صحة علم النجوم و جواز تعلمه محمول على هذا المعنى» انتهى.
و مما يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من قول العلامة- رحمه اللّه- «ان المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة، و بين من قال انها موجبة».
و يظهر ذلك من السيد- رحمه اللّه- حيث قال- بعد اطالة الكلام في التشنيع عليهم- ما هذا لفظه المحكى «و ما فيهم احد يذهب الى ان
______________________________
هذا المعنى و ما ورد (فى صحة علم النجوم و جواز تعلمه) كرواية الامام أمير المؤمنين عليه السلام: انما العلوم اربع كما تقدم، و غيره (محمول على هذا المعنى) فلا تنافى بين الطائفة المانعة و الطائفة المجوزة (انتهى) كلام الشيخ البهائى.
(و مما يظهر منه خروج هذا) المعنى من معانى التنجيم (عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من قول العلامة- رحمه اللّه- «ان المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة، و بين من قال انها) فاعلة (موجبة).
فمن المعلوم ان العلامة لم يحسب من لا يقول بالفاعلية اصلا في عداد المنجم حتى ينصب عليه الطعن الّذي ذكره في كلامه.
(و يظهر ذلك) اى خروج هذا القسم من مورد طعن العلماء (من السيد) المرتضى (- رحمه اللّه- حيث قال- بعد اطالة الكلام في التشنيع عليهم- ما هذا لفظه المحكى «و ما فيهم) اى في المنجمين (احد يذهب الى ان
ص: 145
اللّه تعالى اجرى العادة بان يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده افعالا من غير ان يكون للكواكب بانفسها تأثير في ذلك، قال: و من ادعى منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء و متجمل بهذا المذهب عند اهل الاسلام» انتهى.
لكن ظاهر المحكى عن ابن طاوس- رحمه اللّه- انكار السيد لذلك أيضا حيث انه بعد ما ذكر ان للنجوم علامات و دلالات
______________________________
اللّه تعالى اجرى العادة بان يفعل عند قرب بعضها من بعض) اى قرب بعض النجوم من بعض (او بعده) اى بعد بعض الكواكب عن بعض (افعالا) فينسب الافعال إليه تعالى، لا الى الكواكب (من غير ان يكون للكواكب بانفسها تأثير في ذلك) الفعل (قال) السيد: (و من ادعى منهم هذا المذهب الآن) بان اللّه اجرى العادة بخلق الشي ء الفلانى عند وضع خاص للكواكب (فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء) من المنجمين (و متجمل) اى جمل نفسه (بهذا المذهب) الّذي يلائم الدين (عند اهل الاسلام اه) فان الظاهر من السيد ان هذا المذهب لا يخالف العقيدة الاسلامية حتى ان القائل به انما يقول للمجاملة مع المسلمين و لو كان مخالفا لاهل الاسلام لم يكن ستارا يتستر به.
(لكن ظاهر المحكى عن ابن طاوس- رحمه اللّه- انكار السيد) المرتضى- رحمه اللّه- (لذلك) الاعتقاد بان النجوم علامات و ان اللّه اجرى عادته بخلق شي ء معين عند وضع خاص للنجوم (أيضا) كما انكر التأثير (حيث انه بعد ما ذكر) السيد ابن طاوس (ان للنجوم علامات و دلالات
ص: 146
على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم تعالى ان يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الاسباب»، و جوز تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به، اذا لم يعتقد انها مؤثرة.
و حمل اخبار النهى على ما اذا اعتقد انها كذلك، ثم انكر على «علم الهدى» تحريم ذلك، ثم ذكر لتأييد ذلك اسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به انتهى.
______________________________
على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم تعالى ان يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الاسباب) التى توجب رفع الشر و النحوسة المقدرة للانسان، كما كان المقدر موت تلك العروس ليلة العرس لكن حيث تصدقت ارتفع ذلك الشر منها.
(و جوز) السيد ابن طاوس (تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به، اذا لم يعتقد) المتعلم (انها مؤثرة).
(و حمل) ابن طاوس (اخبار النهى) عن النجوم (على ما اذا اعتقد انها) اى النجوم (كذلك) اى مؤثرة (ثم انكر على علم الهدى) السيد المرتضى (تحريم ذلك) اى تحريم النظر حتى لمن يعتقد انها ليست بمؤثرة، و ان المؤثر هو اللّه سبحانه (ثم ذكر) السيد ابن طاوس (لتأييد ذلك) الجواز الّذي ذهب إليه- خلافا للسيد المرتضى- (اسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به انتهى) اى بعلم النجوم و لو كان النجوم حراما مطلقا لم يكن وجه لتعلم علماء الشيعة له.
ص: 147
و ما ذكره ره حق الا ان مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدى مع عدم الاحاطة بتلك العلامات، و معارضاتها، و الحكم مع عدم الاحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا.
______________________________
(و ما ذكره) ابن طاوس (ره حق) فان للنجوم علامات و دلالات، و يجوز تعلم علم النجوم اذا لم يعتقد بتأثيرها (الا ان مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدى) فى جواز الحكم على طبقها.
و لعل الفرق بين العلامة و الدليل، ان بينهما عموما من وجه، فان زيد الّذي يدلك على دار عمرو يسمى دليلا، و لا يسمى علامة، و علم الثوب الّذي فيه طرائق يخالف لونها لون الثوب علامة، و ليس دليلا، و يجتمعان في مثل علم الطريق فانه دليل و علامة.
او ان بينهما عموما مطلقا، فان كل علامة دليل و ليس كل دليل علامة.
و انما قلنا: لا يجدى، لانه (مع عدم الاحاطة بتلك العلامات، و معارضاتها) كيف يجوز الحكم (و) ذلك، لان (الحكم مع عدم الاحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا) فان من يعرف مثلا ان سرعة النبض دليل الحمى في الجملة و لا يعلم في اىّ مورد يكون ذلك دليلا و لا يعلم ان المعارض لدلالة السرعة على الحمى ما هو؟ كيف يمكن ان يستدل من سرعة النبض على الحمى اذ لعل السرعة ناشئة من الركض، او من الخوف، او ما اشبه ذلك.
ثم ان قول المصنف «الا» اشكال اوّل على ابن طاوس، حيث ان ظاهر كلام ابن طاوس جواز الحكم و اشكل المصنف عليه اشكالا ثانيا حيث ان ابن طاوس نسب الى السيد انكار دلالة النجوم، و الحال ان السيد
ص: 148
و السيد علم الهدى انما انكر من المنجم امرين، احدهما اعتقاد التأثير، و قد اعترف به ابن طاوس.
و الثاني: غلبة الاصابة في احكامهم، كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة.
و هذا امر معلوم بعد فرض عدم الاحاطة بالعلامات، و معارضاتها.
______________________________
لا ينكر دلالة النجوم.
(و) ذلك، لان (السيد علم الهدى انما انكر من المنجم امرين، احدهما اعتقاد التأثير) بان النجوم مؤثرات في امور الارض (و قد اعترف به) اى بان النجوم لا تأثير لها (ابن طاوس) ففى هذه النقطة لا خلاف بين السيدين.
(و الثاني: غلبة الاصابة في احكامهم) اى ان اغلب احكام المنجمين اصابتها للخارج، فاذا قالوا شيئا كان الغالب صدقهم، فان السيد المرتضى ينكر هذا (كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة).
حيث تقدم قوله «ان الخطأ الدائم المعهود انما هو في الاحكام- اى احكام المنجم- حتى ان الصواب فيها عزيز».
(و هذا) الّذي ذكره السيد المرتضى في الامر الثاني (امر معلوم) و لا وجه لان ينكر ابن طاوس هذا الكلام من السيد (بعد فرض عدم الاحاطة بالعلامات، و معارضاتها) كما فرضناه.
و الحاصل: ان لا مجال لانكار ابن طاوس على السيد، لان السيد قال امرين اولهما ما يسلم ابن طاوس به، و ثانيهما امر معلوم لا يصح انكاره.
ص: 149
و لقد اجاد شيخنا البهائى أيضا حيث انكر الامرين.
و قال بعد كلامه المتقدم في انكار التأثير، و الاعتراف بالامارة و العلامة، اعلم: ان الامور التى يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية اصول بعضها مأخوذة من اصحاب الوحى سلام اللّه عليهم.
و بعضها يدعون لها التجربة.
و بعضها مبتن على امور منشعبة، لا تفى القوة البشرية بضبطها و الاحاطة بها.
______________________________
(و لقد اجاد شيخنا البهائى ره أيضا حيث انكر الامرين) الذين انكرهما السيد قبله.
(و قال بعد كلامه المتقدم في انكار التأثير) للكواكب (و) فى (الاعتراف بالامارة و العلامة) اى ان النجوم أمارة و علامة للحوادث (اعلم: ان الامور التى يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية) مثلا ولادة مولود كذائى و انتصار الجيش او انكسارهم، و موت فلان و مرض فلان و نحو ذلك (اصول بعضها مأخوذة من اصحاب الوحى سلام اللّه عليهم) من الأنبياء و الائمة و اصحابهم الخواص الذين كانوا يعرفون البلايا، و المنايا بارشاد منهم عليهم السلام.
(و بعضها يدعون لها التجربة) بانه اذا كان النجم الفلانى في البرج الفلانى امطرت السماء، او صار القحط، او مات السلطان، او ما اشبه ذلك.
(و بعضها مبتن على امور منشعبة، لا تفى القوة البشرية بضبطها و الاحاطة بها).
ص: 150
كما يؤمى إليه قول الصادق عليه السلام: كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتج.
و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم، و تطرق الخطأ الى بعض احكامهم
______________________________
اذا كان القمر في العقرب و كان في فصل الصيف، و كان الزحل في جوزاء و لم تكن الريح عاصفة، كان الزواج مباركا، او المنجم لا يعرف من هذا الا ان القمر في العقرب يوجب نحوسة الزواج، بينما هذا الزواج ليس نحسا حيث منع عن نحوسته المانع، او فقد شرطا.
(كما يؤمى إليه) اى الى عدم ادراك الامور المنشعبة، فلا يمكن الحكم بادراك بعض الامور فقط (قول الصادق عليه السلام: كثيره) اى الكثير من علم النجوم (لا يدرك) للمنجم، و ان كان يدركه المعصوم بالهامه تعالى (و قليله لا ينتج) علما، فلا يمكن الحكم على طبق النجم.
(و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم، و تطرق الخطاء الى بعض احكامهم).
فهذا المنجم يقول: ان الجيش ينتصر، و الآخر يقول: انه ينكسر، و ليس مثل الرياضيات حيث انه لا خطأ فيها اصلا، فالكل يقول: ان أربعة في أربعة ستة عشر، و ان المجهول يمكن تحصيله بضرب الطرفين المعلومين احدهما في الآخر، و تقسيم الحاصل على الوسط المعلوم، او بضرب الوسطين احدهما في الآخر و تقسيم الحاصل على الطرف المعلوم فحاصل التقسيم هو المجهول، لا يقال الخطأ و الاختلاف ينصرف الى قول الفقهاء و الاطباء و غيرهم من اهل الخبرة، فهل ان معنى ذلك عدم صحة كلامهم؟ لانه يقال: لا كلام في ان المنجم اهل خبرة، و انما الكلام
ص: 151
و من اتفق له الجرى على الأصول الصحيحة صح كلامه، و صدقت احكامه، لا محالة، كما نطق به الصادق عليه السلام.
و لكن هذا امر عزيز المنال، لا يظفر به الا القليل، و اللّه الهادى الى سواء السبيل، انتهى.
و ما افاده ره أولا: من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية علامات.
و آخرا: من عدم النفع في علم النجوم، الا مع الاحاطة التامة هو
______________________________
فى ان ما يقوله ليس كله مطابقا، و هذا لا يصححه النقض باهل الخبرة في سائر العلوم.
(و من اتفق له الجرى على الأصول الصحيحة صح كلامه، و صدقت احكامه لا محالة، كما نطق به الصادق عليه السلام).
فان قوله عليه السلام: كثيره لا يدرك، انه لو ادرك كان ما يقوله المنجم صحيحا، كما يدل عليه بعض الروايات الاخر الآتية.
(و لكن هذا) الجرى على الأصول الصحيحة (امر عزيز المنال) «منال» مصدر «نال» اى: ادرك، اى قليل النيل (لا يظفر به الا القليل، و اللّه الهادى الى سواء السبيل، انتهى) كلام الشيخ البهائى ره.
(و ما افاده) البهائى (ره أولا: من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية علامات) للاحداث الأرضية.
(و آخرا: من عدم النفع في علم النجوم، الا مع الاحاطة التامة) بالعلامات و ما يعارضها في الدلالة (هو
ص: 152
الّذي صرح به الصادق عليه السلام، في رواية هشام الآتية، بقوله ان اصل الحساب حق.
و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق.
______________________________
الّذي صرح به الصادق عليه السلام، في رواية هشام الآتية، بقوله) عليه السلام (ان اصل الحساب حق) فانه دليل الكلام الاول للبهائى ره.
(و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق) فانه دليل الكلام الآخر للبهائى ره.
و المراد ب: انه لا يعلم ذلك، ان الاحاطة اذا حصلت، علم الانسان مواليد الخلق، و انه من يلد و في اى وقت يلد، الى غير ذلك.
و من المعلوم: ان هذا العلم خاص بالله سبحانه، و بمن علّمه سبحانه، كالانبياء و الائمة.
و من الواضح: انه يمكن ان يعلم بعض الناس بالعلم بعض ذلك، كما يعلم به ما في الارحام.
و لا ينافى ذلك حصر علم ما في الارحام فيه سبحانه، لان العلم الكامل بما في الارحام من ذكر و انثى و خنثى، جميل او قبيح، طويل او قصير، كريم او بخيل، شجاع او جبان، الى غيرها من الصفات الجسدية النفسية، و المستقبلية، خاص به سبحانه.
و كذلك في النجوم، بل كل العلوم، كل جزئياتها خاصة باللّه سبحانه و بمن علّمهم سبحانه، و نتف منها يحصلها الانسان بالتعلم، فان فوق كل ذى علم من المخلوقين عليم، حتى ينتهى إليه تعالى، حيث ان الى ربك
ص: 153
و يدلّ أيضا على كل من الامرين: الاخبار المتكثرة، فما يدل على الاول- و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة-.
مضافا الى ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال على سببية طلوع الكواكب، لهيجان الابل، و البقر، و الكلاب
______________________________
المنتهى.
(و يدل أيضا على كل من الامرين) اصل الحساب حق، و لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق (الاخبار المتكثرة، فما يدل على الاول- و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة-) «فى الجملة» بمعنى: لا لكل منجم، و انما لمن علم مواليد الخلق.
و ليس المراد ان الثبوت الواقعى في الجملة لانه الكل في الكل.
(مضافا الى ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها) الظاهر (الدال على سببية طلوع الكواكب، لهيجان الابل، و البقر، و الكلاب).
و لا يخفى انه ان اراد بالخبر السببية الحقيقية، بدون ان يكون اللّه سبحانه جعل تلك، فاللازم الصرف، لكن هذا ما لا يريده الخبر.
و ان اراد السببية المجعولة له تعالى، كجعله سبحانه النار سببا للإحراق، فلا وجه للصرف، بل قد ثبت في العلم الحديث ذلك، و لا منافات له لا للعقل و لا للنقل.
و كون الحركات علامات لا ينافى كونها مؤثرات أيضا، كما ان النار التى
ص: 154
على كونه أمارة و علامة عليه المروى في الاحتجاج عن رواية دهقان المنجم الّذي استقبل امير المؤمنين حين خروجه الى نهروان.
فقال له عليه السلام يومك هذا، يوم صعب
______________________________
تشعل لاجل ارائة الطريق- فى الصحراء- علامة، و في نفس الوقت مؤثرة في طبخ الطعام أيضا، و الشهب علامة و قاتلة للشياطين كما ورد (على كونه أمارة و علامة) «على» متعلق «بالمحمولة» (عليه) اى علامة على هيجان الحيوانات المذكورة.
اما نفس الهيجان، فسببه اما ارادته تعالى مباشرة، او شي ء كامن في ابدان الحيوانات- مثلا- على رأى المصنف.
قوله (المروى) خبر «فما يدل» (فى) كتاب (الاحتجاج) للطبرسى ره (عن رواية دهقان المنجم الّذي استقبل امير المؤمنين) عليه السلام (حين خروجه الى) حرب اهل (نهروان) و هم الخوارج الذين انشقوا عن الامام في قصة التحكيم الّذي صنعه معاوية و ابن العاص.
و لا يخفى: ان رضوخ الامام للتحاكم الى القرآن كان معناه: ارتياب الناس بانه عليه السلام لا يعلم الحق لنفسه.
و اما وضوخه للحكم كان تحت وطأة الاضطرار، و كان هذا اهون الشرين لان انكساره عن الحكم ليس دليلا الا على ان الحكم لم يختره.
اما انكساره عن الاستدلال بالقرآن كان معناه: ان القرآن لا يؤيّده و لذا قبل بالحكم اضطرارا، و لم يقبل بالتحاكم الى القرآن اضطرارا.
(فقال) الدهقان: (له عليه السلام يومك هذا، يوم صعب) فى قضاء
ص: 155
قد انقلب منه كوكب و انقدح من برجك النيران، و ليس لك الحرب بمكان فقال عليه السلام له: ايها الدهقان المنبئ عن الآثار المحذر عن الاقدار ثم سأله عن مسائل كثيرة من النجوم، فاعترف الدهقان بجهلها، الى ان قال عليه السلام له:
اما قولك انقدح من برجك النيران،
______________________________
الحاجات و الوصول الى الاهداف (قد انقلب منه كوكب) بان رؤى و قد سقط، او تقلب وجها الى وجه، دلالة على انقلاب الحال، و سقوط الكوكب رؤية من تموج الهواء لا حقيقة له، و منه تناثر النجوم لموت عالم و نحوه (و انقدح) اى ظهر (من برجك) اى البرج الّذي يطابق ولادتك او يطابق يومك هذا و هى الابراج الاثنى عشر المعروفة (النيران) ظهرت فيه الشهب (و ليس لك الحرب بمكان) اى لا موضع لنجاحك في الحرب.
________________________________________
شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق
إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 156
(فقال عليه السلام له: ايها الدهقان المنبئ) اى المخبر (عن الآثار) آثار الكواكب في الأرض (المحذر عن الاقدار) تحذر ان يكون تقدير الانسان سيئا، اذا تحرك في هذا اليوم (ثم سأله) الامام عليه السلام (عن مسائل كثيرة من النجوم، فاعترف الدهقان بجهلها).
و قد اراد الامام بذلك ان يعرّفه انه جاهل فكيف يمكنه معرفة الخير و الشر، و الأثر و المؤثر، و السعد و النحس (الى ان قال) الامام (عليه السلام له:) ردا على موضع تكهنه بالنسبة الى خروج الامام و ان استنباطه باطل.
(اما قولك انقدح من برجك النيران) الّذي استنبطت منه الشرّ لى
ص: 156
فكان الواجب ان تحكم به لى، لا عليّ اما نوره و ضيائه فعندى و اما حريقه و لهبه فذهب عنى، فهذه مسألة عميقة، فاحسبها ان كنت حاسبا.
و في رواية اخرى: انه عليه السلام قال له: احسبها ان كنت عالما بالاكوار و الادوار قال لو علمت هذا
______________________________
(فكان الواجب ان تحكم به) اى بانقداح النيران (لى) و لنفعى (لا على) و على ضررى.
و وجه انه لى، لا على، لانه (اما نوره و ضيائه فعندى) لانه اذا خرجت النار من مكان، انارت ذلك المكان (و اما حريقه و لهبه فذهب عنى) لان النار ابتعدت فلا أثر لها عليّ (فهذه مسألة عميقة، فاحسبها ان كنت حاسبا) كحجر الزناد اذا قدح، ظهرت النار فأضاءت الحجر، لكن ناره ابتعدت فلا توجب حرارة و تأثيرا في الحجر.
و لعل الامام عليه السلام اراد بالمسألة العميقة، مسألة كمون النار في الحجر، كما هو رأى في علم الفيزياء.
و عليه: فالمراد بالحساب الدقة، لا التعداد، كما يقال: هل حسبت للامر الفلانى حسابه؟ قال تعالى «حَسِبَتْهُ لُجَّةً».
(و في رواية اخرى: انه عليه السلام قال له: احسبها ان كنت عالما بالاكوار و الادوار) فان الفلك و كل شئ له دور يقطعه، و له كور اى هلاك قال تعالى: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» اى ذهب ضيائها، اى ان كنت بمسير الاشياء و مصيرها.
ثم (قال) عليه السلام: (لو علمت هذا) الّذي اقوله، يا دهقان من
ص: 157
لعلمت انك تحصى عقود القصب في هذه الأجمة.
و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة، هذا حساب اذا حسبه الرجل، و وقف عليه، عرف القصبة التى في وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها، و عدد ما عن يسارها، و عدد ما خلفها، و عدد ما امامها، حتى
______________________________
الادوار و الاكوار (لعلمت انك تحصى عقود القصب في هذه الأجمة).
فكانه كانت هناك اجمة، و هى محل نبت القصب، فقال عليه السلام ان من يعلم النجوم يعلم كم عقدة في الاجمة فان في كل قصبة، عدة عقود، و في الأجمة مئات الالوف من القصب و هذا من باب التعجيز مثل:
حتّى يلج الجمل في سم الخياط.
و الحاصل: ان علم الطالع و علم الادوار و الاكوار و علم عقود القصب كلها متلازمة، و حيث لا تعلم الادوار و الاكوار و لا عقود القصب لا تعلم الطالع أيضا.
(و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة) قال عليه السلام (هذا حساب اذا حسبه الرجل، و وقف عليه، عرف) اى معرفة (القصبة التى في وسط الأجمة) وسطها من حيث المساحة لا من حيث اعداد ما على اطرافها اذ لو اريد وسط الاعداد اكتفى من ذكر طرفين فقط.
اذ الطرفان الآخران- حينئذ كالطرفين الاولين، كما هو واضح- (و عدد ما عن يمينها، و عدد ما عن يسارها، و عدد ما خلفها و عدد ما امامها)
فان وسط المساحة يمكن ان يختلف اعداد كل ما عن جوانبه الاربع بخلاف وسط التعداد، فان كل جانبين لهما عدد متساو للآخر (حتى
ص: 158
لا يخفى عليه شي ء من قصب الأجمة.
و في البحار، وجد في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعلى ابن ابى طالب عليه السلام: هل كان للنجوم اصل.
______________________________
لا يخفى عليه شي ء من) عدد (قصب الأجمة) و ذكر القصب من باب المثال و الا فالمراد كالشي ء.
اذ: كيف يمكن ان يعرف الانسان المستقبل غير الموجود، و كانكسار الامام عليه السلام في الحرب، و لا يعرف الحاضر الموجود.
ثم انه قد تبين اشتباه الدهقان، فان الامام عليه السلام: انتصر في نهروان على الخوارج، كما انه انتصر في الجمل، و كذلك انتصر في صفين اذ مهمة الامام في صفين كانت كشف معاوية، و انه ليس من حملة الاسلام و اللائقين بامارته.
و من هذا القبيل قوله سبحانه: إِنّٰا لَنَنْصُرُ رُسُلَنٰا ... فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا، فانهم عليهم السلام يريدون كشف الطغاة، و نشر حسن الحسن، و قبح القبيح، و كلهم عليهم السلام قد تمكنوا من الامرين.
و الحاصل: ان مهمتهم مبدئية لا عسكرية، فان انتصروا عسكريا فيها و نعمت الزيادة و ان لم ينتصروا عسكريا فقد ادوا مهمتهم و انتصروا فيما يبغونه
(و في البحار، وجد في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعلى ابن ابى طالب عليه السلام: هل كان ل) علوم (النجوم) المتداولة عند المنجمين ما يحكمون بها على المستقبل (اصل) صحيح، ثم ذهب و بقيت منه اثارة مختلطة صحيحها بباطلها، أم لا اصل لها؟
ص: 159
قال نعم، نبى من الأنبياء قال له قومه انا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق، و آجالهم.
فاوحى الله عز و جل الى غمامة فامطرتهم، و استنقع حول الجبل ماء صافيا ثم اوحى الله الى الشمس و القمر و النجوم ان تجرى في الماء ذلك ثم اوحى الله الى ذلك النبي ان يرتقى هو و قومه الى الجبل فارتقوا الجبل،
______________________________
(قال) عليه السلام: (نعم نبى من الأنبياء قال له قومه انا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق) اى زمان ولادة المواليد، و انه لمن يولد، و في اى وقت يولد.
و يحتمل ان يكون المراد كيف بدء خلق الكون.
لكن الظاهر الاول بقرينة قوله: (و آجالهم) اى مدة بقاء كل انسان او وقت موته، مثل قوله: كَيْفَ يُبْدِئُ اللّٰهُ الْخَلْقَ.
و لعلهم ارادوا ذلك من النبىّ علامة لصدق نبوته.
(فاوحى الله عز و جل) اى امر (الى غمامة فامطرتهم، و استنقع) اى وقف، و باب الاستفعال هنا ليس بمعنى الطلب (حول الجبل) الّذي كان هناك (ماء صافيا ثم اوحى الله الى الشمس و القمر و النجوم ان تجرى) امثالها (فى الماء ذلك) فان كلا من هذه الاجرام العلوية تقع اشباحها في الماء.
و الظاهر انه ليس المراد سيرا خاصا لها، و انما وقع شبحها في الماء بسيرها الطبيعى، فان كل سيرها بامره سبحانه و ارادته.
(ثم اوحى الله الى ذلك النبي ان يرتقى هو و قومه الى الجبل، فارتقوا الجبل) و الظاهر انهم بقوا هنالك نهارا و ليلا
ص: 160
فقاموا على الماء، حتى عرفوا بدء الخلق، و آجالهم بمجارى الشمس، و القمر، و النجوم، و ساعات الليل و النهار و كان احدهم يعرف متى يموت و متى يمرض، من ذا الّذي يولد له، و من ذا الّذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم.
ثم ان داود قاتلهم على الكفر، فاخرجوا الى داود عليه السلام في القتال من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلّفوه في بيوتهم.
______________________________
(فقاموا) اى وقفوا و اطلعوا (على الماء، حتى عرفوا بدء الخلق و آجالهم بمجارى الشمس، و القمر، و النجوم، و ساعات الليل و النهار).
مثلا: اراهم ان الشمس اذا كانت جارية في دائرة مثل كذا، و كان النجم الفلانى في برج كذا حبلت من النساء من كانت لها سبع عشرة سنة في الساعة الفلانية من الليل، اذا جامعها زوجها.
و كذلك يموت من له عمر كذا، اذا كان القمر في برج السنبلة و العطارد في برج حوت في ساعة كذا من النهار (و كان احدهم يعرف متى يموت و متى يمرض، من ذا الّذي يولد له، و من ذا الّذي لا يولد له).
الظاهر ان ذكر هذه الامور الاربعة من باب المثال و الارتباط بما يأتى من الكلام في حروبهم، و الا فقد تقدم ان التنجيم الصحيح يوجب معرفة كل شئ (فبقوا كذلك برهة من دهرهم) يعلمون امور مستقبلهم.
(ثم ان داود) عليه السلام (قاتلهم على الكفر) اى على كفرهم (فاخرجوا الى داود عليه السلام في القتال من لم يحضر اجله) حتى لا يموت (و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم) ليموت في البيت، حتى
ص: 161
فكان يقتل من اصحاب داود، و لا يقتل من هؤلاء احد.
فقال داود: ربّ اقاتل على طاعتك، و يقاتل هؤلاء على معصيتك يقتل اصحابى؟ و لا يقتل من هؤلاء احد
______________________________
لا ينكسر الجيش بموته أولا، و حتى لا تنزل معنويات جيشهم بموت بعضهم قتلا في المعركة، بينما تنزل معنويات جيش داود عليه السلام حيث يرون انهم يقتلون و لا يقتلون.
و هنا سؤال، و هو انه ان كان من قدّر موته بدون القتل، يصلح لان يقتل، لم يكن المقدر صحيحا، و ان كان لا يصلح لان يقتل لم يكن اخراجه ضارا؟
ثم هل يمكن ان يكون من قدر قتله يموت و هل يمكن العكس؟
و الجواب، اما عن الاول لعلّهم ما كانوا يعرفون كيفية الموت، انه قتل او حتف الانف، و انما كانوا يعرفون اصل الموت.
و اما عن الثاني: ان المقدر كائن، و علم الله قبل حدوثه بالمقدر يشبه علم احدنا به بعد حدوثه.
فكما انه اذا حدث الحادث لا يعقل تبدله، كذلك اذا لم يحدث بعد (فكان يقتل من اصحاب داود، و لا يقتل من هؤلاء احد) مما سبب كسر معنويات جيش داود عليه السلام- و ان كان من الممكن انه لم يستلزم ذلك انهزامهم عسكريا-.
(فقال داود: ربّ اقاتل على طاعتك، و يقاتل هؤلاء على معصيتك) فكيف (يقتل اصحابى؟) مع انك ناصر المؤمنين (و لا يقتل من هؤلاء احد)
ص: 162
فاوحى الله عز و جل إليه انى علّمتهم بدء الخلق و آجاله.
و انما اخرجوا أليك من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم، و من ثم يقتل من اصحابك، و لا يقتل منهم احد.
قال داود عليه السلام: ربّ على ما ذا علمتهم؟ قال: على مجارى الشمس و القمر و النجوم، و ساعات الليل و النهار، قال: فدعا الله عز و جل، فحبس الشمس عليهم فزاد في النهار، و اختلطت الزيادة
______________________________
مع انهم من اصحاب الشيطان، «و كان كيد الشّيطان ضعيفا».
(فاوحى الله عز و جل إليه انى علمتهم بدء الخلق و آجاله) «الخلق» باعتبار لفظه مفرد، و باعتبار معناه جمع و لذا رجع ضمير المفرد إليه هنا و رجع ضمير الجمع إليه في السابق.
(و انما اخرجوا أليك من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم و من ثم) «ثم» بالفتح بمعنى من اجل ذلك (يقتل من اصحابك و لا يقتل منهم احد).
و في هذا اشارة الى وجوب المشى حسب سنن الكون في الوصول الى الغايات.
(قال داود عليه السلام) يا (ربّ على ما ذا علمتهم؟ قال: على مجارى الشمس و القمر و النجوم، و ساعات الليل و النهار، قال) على عليه السلام (فدعا) داود عليه السلام (الله عز و جل) فى ان يرفع عنهم هذا العلم (فحبس الشمس عليهم) مقدارا ما، فان الشمس لو تأخرت مقدار دقيقة تعطّل كل الحسابات، كما هو واضح (فزاد في النهار، و اختلطت الزيادة
ص: 163
فى الليل و النهار و لم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم قال على عليه السلام: فمن ثم كره النظر في علم النجوم.
______________________________
فى الليل و النهار) لان الليل ينقص اذا زاد النهار، فتؤثر زيادة النهار في تخريب الليل أيضا (و لم يعرفوا قدر الزيادة) حتى ينظموا حساباتهم بذلك المقدار (فاختلط حسابهم) و لم يعرفوا من يموت، و من لا يموت.
ثم (قال على عليه السلام: فمن ثم) بفتح الثاء (كره النظر في علم النجوم) حيث انها مختلطة.
فعدم امكان الاعتماد، لعدم صحة نتائجه اوجب الكراهة، فيما اذا اراد الانسان الحكم على طبقها.
لا يقال: كيف صارت معصية جماعة سببا لحرمان البشر من هذه الفائدة العظيمة.
لانه يقال: الكشف عن المستقبل، يهدم نظام هذا العالم.
و انما كان الكشف لاولئك، لاجل تعريف البشر- بمثال عملى- انهم غير قابلين لتحمل هذا العلم، و لذا يعلمه الذين لهم تحمل ذلك كالانبياء و من إليهم.
ثم انه كان بالامكان محو علم هذا من صدور أولئك القوم، بدل تخريب النظام السماوى، لكن حيث ان الثاني كان ادلّ على قدرته تعالى، كما في ان الله يأتى بالشمس من المشرق، قدم هذا على الاول و لعل هناك سببا آخر و الله العالم.
ص: 164
و في البحار أيضا عن الكافى بالاسناد عن ابى عبد الله عليه السلام:
قال: سئل عن النجوم فقال: لا يعلمها، الا اهل بيت من العرب، و اهل بيت من الهند.
و بالاسناد عن محمد بن سالم، قال: قال ابو عبد الله عليه السلام قوم يقولون النجوم اصح من الرؤيا
______________________________
(و في البحار أيضا عن الكافى بالاسناد عن ابى عبد الله) الصادق (عليه السلام: قال: سئل عن النجوم) هل هناك من يعلمها؟ (فقال) عليه السلام: (لا يعلمها، الا اهل بيت من العرب،) لعلهم اهل بيت النبوة عليهم السلام (و اهل بيت من الهند) لعلهم عائلة «بوذا» او من اشبه.
فان من المحتمل قريبا ان يكون بوذا نبيا، و يكون هو «يوذاسف» الّذي وردت قصته في كلام الامام العسكرى عليه السلام فان من قرية إِلّٰا خَلٰا فِيهٰا نَذِيرٌ، و تحريف قومه تعاليمه، لا يدل على ان تعاليمه كان كذلك من الاول فحالة تعاليمه المحرفة الآن، حال تعاليم سائر الأنبياء عليهم السلام، الذين حرفوا اممهم تعاليمهم.
و كيف كان فهذا الحديث يدل على صحة اصل علم النجوم.
(و بالاسناد عن محمد بن سالم، قال: قال ابو عبد الله عليه السلام قوم يقولون النجوم اصح من الرؤيا) فان كلا منهما يكشف عن المستقبل.
ففى الحديث النبوى صلى الله عليه و آله و سلّم: ان الرؤيا جزء من النبوة اى كما ان النبوة اخبار عن المستقبل و الماضى، كذلك الرؤيا.
ص: 165
و كان ذلك صحيحا، حين لم يردّ الشمس على يوشع ابن نون و امير المؤمنين عليه السلام فلما ردّ الله الشمس عليهما ضل فيها علماء النجوم.
و خبر يونس قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك اخبرنى عن علم النجوم ما هو؟ قال علم من علوم الأنبياء
______________________________
لكن الرؤيا ليست دائما صادقة، بخلاف النبوة، فكانها جزء منها.
ثم رد الصادق عليه السلام عليهم بقوله: (و كان ذلك صحيحا، حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون) عليه السلام (و امير المؤمنين عليه السلام)
و قد قرأت في بعض الصحف الصادرة من الكويت، ان علماء الفلك اكتشفوا ان في الكون تغييرا، يدل على ان الشمس ردت، بمعنى دوران الارض عكس دورانها المعتاد (فلما ردّ اللّه الشمس عليهما ضل فيها) اى في النجوم (علماء النجوم) لما تقدم من قصة داود عليه السلام.
و على هذا فسبب ضياع هذا العلم، رد الشمس ثلاث مرات.
و منه ان النجوم و الرؤيا سيان، لا ان الاول اصح من الثاني.
نعم: لا اشكال ان كلامه عليه السلام، انما هو بالنسبة الى المغيبات لا بالنسبة الى الحسابات، امثال الخسوف و الكسوف.
(و خبر يونس قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك اخبرنى عن علم النجوم ما هو) كانه اراد السؤال عن مدعى صحة هذا العلم او انه عند من؟ او انه كيف بدء هذا العلم؟ او كان سؤاله عن مجموع هذه الاسئلة.
(قال) عليه السلام: (علم من علوم الأنبياء) فانهم ألهموه من اللّه
ص: 166
فقلت: كان على ابن ابى طالب عليه السلام يعلمه قال: كان اعلم الناس به، الخبر.
و خبر ريان بن الصلت، قال: حضر عند ابى الحسن الرضا عليه السلام،
______________________________
سبحانه (فقلت: كان على بن ابى طالب عليه السلام يعلمه) كانه توهم السائل عدم علم الامام به، لانه ليس بنبي، و لذا استفسر عن الصادق عليه السلام (قال: كان اعلم الناس به، الخبر) اى اعلم الناس العاديين او اعلم من الأنبياء، لانه عليه السلام كان افضل من سائر الأنبياء، الا من محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما في حديث اصبغ.
و لا يخفى ان الظاهر ان كلام الامام امير المؤمنين عليه السلام مع اصبغ كان على سبيل ذكر ما يدركه الطرف الآخر، بمقتضى: امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم، فان الافضلية حقيقية، الا ان مدارك اصبغ كانت لا تحمل اكثر من الامثلة التى ذكرها الامام عليه السلام، و الا فالامثلة لا تكفى لاثبات الافضلية.
فمثلا بعض الزهاد أيضا لا يأكلون المباح، فهل هذا دليل انهم افضل من آدم عليه السلام؟ و على (ع) كان اكثر تزهدا من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا، مع انه لم يكن دليلا على انه عليه السلام افضل من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الى غير ذلك مما بينه في وجه الافضلية، و ليس المقام يسع تفصيل الكلام.
(و خبر ريان بن الصلت، قال: حضر عند ابى الحسن الرضا عليه السلام.
ص: 167
الصباح ابن نصر الهندى، و سأله عن علم النجوم، فقال هو علم في اصله حق، و ذكروا ان اوّل من تكلم به في النجوم ادريس عليه السلام.
و كان ذو القرنين به ماهرا، و اصل هذا العلم من اللّه.
و عن معلى بن خنيس، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم احق هى؟ قال: نعم ان اللّه بعث المشترى الى الارض في صورة رجل.
______________________________
الصباح ابن نصر الهندى، و سأله عن علم النجوم، فقال) عليه السلام:
(هو علم في اصله حق).
ثم قال عليه السلام: (و ذكروا ان اوّل من تكلم به في النجوم ادريس «ع»).
و قوله عليه السلام «ذكروا» اما لاجل اقناع الهندى، او لاجل انه عليه السلام كان منكرا لذلك.
و انما ذكره لاجل انه كان حسب معتقد الهندى.
فعلى الاول «ذكروا» صحيح، و على الثاني ليس بصحيح.
(و كان ذو القرنين به ماهرا) و لعله بسبب ذلك تمكن من السيطرة على الدنيا، ثم قال: (و اصل هذا العلم من اللّه) اى انه اوحى به الى انبيائه، لا مثل بعض العلوم الاخر الّذي ادركه البشر بذكائه، و إلا فكل علم يكون بالهامه تعالى للانبياء، او ايحاء الى ادمغة الناس.
(و عن معلى بن خنيس، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم احق هى؟ قال: نعم) ثم بين اصله بقوله: (ان اللّه بعث المشترى الى الارض في صورة رجل).
ص: 168
فاتى رجلا من العجم، فعلّمه، فلم يستكملوا ذلك، فاتى بلد الهند، فعلم رجلا منهم.
______________________________
الظاهر ان المراد به ملك، لا كما يتوهم من ان المراد به الكوكب، فانه و ان كان ممكنا بان يقطع اللّه منه قطعة ثم يجعله رجلا، كما قطع من الجبل قطعة جعلها ناقة صالح عليه السلام.
و كما ان قطعة من القمر نزلت حتى سقطت امام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في حديث شق القمر، اذ ان اللّه سبحانه قادر على ان ينزل القمر، و كلما اقترب من الارض مما يقتضي ان يرى اكبر، ينثرا جزائه في الهواء ذرات، حتى يكون بمقدار من الحجم، يراه الرائى مقدار حجمه و هو في مكانه من السماء، حتى يبقى منه حين وصوله الى الارض مقدار قرص خبز، فاذا رجع التحقت به الذرات تدريجيا بحيث يرى بنفس المقدار الى حين وصوله الى مكانه من السماء.
اقول بالنسبة الى المشترى الكوكب، و ان كان الامر ممكنا، الا انه خلاف المنصرف.
(فاتى رجلا من العجم، فعلّمه، فلم يستكملوا) اى اخلاف ذلك الرجل و لعل من علمه كان نبيا من الأنبياء (ذلك) العلم، و لذا لم يحتووه احتواء كاملا (فاتى) المشترى (بلد الهند، فعلم رجلا منهم) و لعله كان نبيا، كما تقدم في حديث آخر، و كان اهل الهند- اخلاف ذلك الرجل استوعبوه.
ص: 169
فمن هناك صار علم النجوم بها.
و قد قال قوم: هو علم من علوم الأنبياء خصوا به لاسباب شتى فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها، فشاب الحق بالكذب الى غير ذلك مما يدل على صحة علم النجوم في نفسه.
______________________________
(فمن هناك صار علم النجوم بها) المراد ان هناك اكثر اتفاقا، و الا فقد تقدم انه لا يستوعبه، الا الأنبياء و الائمة، و من إليهم.
(و قد قال قوم) الظاهر انه من الرواية.
و يحتمل ان يكون من كلام الراوى، اى جامع الروايات، و اذا كان من الرواية، فالظاهر ان كلا الامرين كان واقعا، فللنجوم سببان (هو علم من علوم الأنبياء خصوا به لاسباب شتى).
منها: انهم اكثر ذكاء للاستيعاب.
و منها: انهم اكثر امانة، لعدم افشاء السر.
و منها: انهم اطوع لله تعالى فلا يجلبون به ضرر الاحد، الى غير ذلك (فلم يستدرك المنجمون) «استدرك» معناه الطلب، فكانه اراد بذكر باب الاستفعال انهم طلبوا الادراك، لكنهم لم يصلوا إليه (الدقيق منها) اى الامور الخفية، و انما ادركوا بعض الامور الظاهرة التى لا تنفع في فهم ما يشاءون (فشاب) اى اختلط (الحق بالكذب) لانهم يذكرون كل شي ء مستقبل، مع انهم لا يعلمون منها الا بعضها، كما نراهم الى الآن، يذكرون الخسوفين، و الامطار، و الحر، و البرد، و الاسعار، و غير ذلك (الى غير ذلك مما يدل على صحة علم النجوم في نفسه).
ص: 170
مثل قوله عليه السلام في الرواية الاخيرة: فشاب الحق بالكذب، و قوله عليه السلام: ضل فيها علماء النجوم، و قوله (ع) فى تخطئة ما ادعاه المنجم، من ان زحل عندنا كوكب نحس، انه كوكب امير المؤمنين و الأوصياء.
______________________________
و لا يخفى: ان فائدة علمنا بانه كان للنجوم اصل انما هو فائدة تاريخية لا اثر له عمليا.
(و اما ما دل على كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين، فهى كثيرة).
(منها: ما تقدم في الروايات السابقة، مثل قوله عليه السلام في الرواية الاخيرة: فشاب الحق بالكذب، و قوله عليه السلام: ضل فيها علماء النجوم، و قوله (ع) فى تخطئة ما ادعاه المنجم، من ان زحل عندنا كوكب نحس) هذا مقالة المنجم (انه كوكب امير المؤمنين) عليه السلام (و الأوصياء) هذا متعلق بقوله: قوله في تخطئة.
و لعل معنى كونه للامام و الأوصياء، علاقة خاصة لهذا الكوكب بالامام و الأوصياء، كعلاقة الشمس بتربية النبات.
و لا يخفى: انه ربما توهم ان نحوسة زحل، سببت فشل الامام فانه مع مؤهلاته العديمة المثال في غير نبى الاسلام، كان يعانى من دهره ما هو معروف، لكنه نظر سطحى، فان الامام بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم انجح انسان على وجه الارض، انه يحكم على ثمانمائة مليون مسلم،
ص: 171
و تخطئة امير المؤمنين عليه السلام للدهقان الّذي حكم بالنجوم، بنحوسة اليوم الّذي خرج فيه امير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك: ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها، و هى تعجبنى،
______________________________
منهم أربعمائة مليون شيعى الآن، و قد كان حاكما على ارواحهم و اموالهم و اتجاهاتهم، منذ أربعة عشر قرنا.
فهل يمكن ان يقال: لمثل هذا الانسان انه لم ينجح؟ و هل ان النجاح ان يأكل الانسان طيبا، و تقل مشاكله حتى يكون من توافه الزمان.
اما معاوية الّذي يظن بعض الناس بنجاحه، فهو من اكبر الاخطاء، فهل الانسان الّذي يلعن طول ثلاثة عشر قرنا ناجح، و قد اجتث جذوره و لم يبق ذكره الا للعنة.
اما الامام فاولاده و احفاده الى اليوم موضع احترام الجماهير حيا و ميتا، و لتفصيل الكلام مقام آخر.
(و تخطئة امير المؤمنين عليه السلام للدهقان الّذي حكم ب) سبب (النجوم، بنحوسة اليوم الّذي خرج فيه امير المؤمنين عليه السلام) الى نهروان- كما تقدم-.
(و منها) اى و مما دلّ على كثرة خطأ المنجم (خبر عبد الرحمن ابن سيابة، قال: قلت: لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك: ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها، و هى تعجبنى) ان انظر فيها و
ص: 172
فان كان يضر بدينى، فلا حاجة لى في شي ء يضر بدينى، و ان كان لا يضر بدينى، فو اللّه انى لاشتهيها، و اشتهى النظر إليها.
فقال ليس كما يقولون لا يضر بدينك.
ثم قال: انكم تنظرون في شي ء كثيره لا يدرك، و قليله لا ينفع، الخبر.
قال: قال لى ابو عبد اللّه عليه السلام: كيف بصرك بالنجوم؟ قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم منى.
ثم سأله عليه السلام عن اشياء لم يعرفها.
______________________________
اعرف المستقبل (فان كان يضر بدينى، فلا حاجة لى في شي ء يضر بدينى) فاتركه من الآن (و ان كان لا يضر بدينى، فو اللّه انى لاشتهيها، و اشتهى النظر إليها) اى ان علمه محبوب لدى، و مطالعته و بحثه محبوب أيضا.
(فقال) عليه السلام (ليس كما يقولون) من انه لا يحل.
و اردف عليه السلام- قائلا، انه (لا يضر بدينك)- اى مجرد النظر اما الحكم بها، فانه ضار كما لا يخفى.
(ثم قال: انكم تنظرون في شي ء كثيره لا يدرك، و قليله لا ينفع) الى آخر (الخبر)، فهذا الخبر يدل على كثرة الخطأ في النجوم.
(و منها: خبر هشام، قال: قال لى ابو عبد اللّه عليه السلام: كيف بصرك بالنجوم؟ قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم منى) فانى اعلم من جميع منجمى العراق.
(ثم سأله) الامام (عليه السلام عن اشياء) فى النجوم (لم يعرفها) هشام، و كان الامام عليه السلام اراد بذلك كسر كبريائه الّذي اوجب له
ص: 173
ثم قال فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في ذاك حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، و يحسب هذا لصاحبه بالظفر، فيلتقيان، فيهزم احدهما الآخر، فاين كانت النجوم؟ قال: فقلت: و اللّه ما اعلم ذلك.
فقال عليه السلام: صدقت ان اصل الحساب حق، و لكن لا يعلم ذلك الا
______________________________
انه اعلم اهل العراق بالنجوم.
(ثم قال) الامام له في بيان بطلان اصل علم النجوم المعمول به في ذلك الزمان (فما بال العسكرين) اى ما شأنهما (يلتقيان في هذا حاسب و في ذاك حاسب) كما كانت العادة في ذاك الزمان ان الجيش لا يتحرك للمحاربة الا اذا قال منجمه «حاسبه» انك تظفر و عدوك ينهزم (فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، و يحسب هذا) الآخر أيضا (لصاحبه بالظفر، فيلتقيان فيهزم احدهما الآخر، ف) اذا كانت النجوم صحيحة (اين كانت النجوم؟) لاحدهما.
و هذا يدل على ان ما بايديهما لا يكفى في استكشاف الواقع، و لا يمكن ان يقال: ان الظافر كان على حق.
اذ المفروض ان كلا الحاسبين حسب عن مدرك واحد.
و انما قال احدهما بالظفر اتفاقا لا علما، كما ان الآخر قال: بالظاهر اعتباطا لا علما (قال: فقلت: و اللّه ما اعلم ذلك) و لما ذا الاختلاف بين الحاسبين.
(فقال عليه السلام: صدقت ان اصل الحساب حق، و لكن لا يعلم ذلك) كاملا (الا
ص: 174
من علم مواليد الخلق كلهم
عن ابى عبد اللّه عليه السلام، في حديث ان زنديقا.
______________________________
من علم مواليد الخلق) و ان اى طفل يولد في اى يوم (كلهم) و هو النبي و الامام، و من كان من اتباعهم المرضيين.
كما ورد ان من جملة اصحابهم اناس كانوا يعلمون المنايا و البلايا، مثل كميل و غيره، و لا يرد انهم اذا كانوا يعلمون فلما ذا لم يكونوا يتجنبون الاخطار، و لما ذا لم يكونوا يجلبون الخيرات.
فان الجواب عن ذلك ان اللّه سبحانه لا يعطى ذلك الا لمن لا يستعمله لانه سبحانه يريد سير الكون على النظام الّذي جعله له، و الا فالانبياء كانوا يتمكنون من الجاء اعدائهم على الايمان، و ان يحفظوا اتباعهم من كل اذى و مكروه.
كما انهم عليهم السلام لما اذنهم الله سبحانه في اعجازاتهم فعلوا.
و ما ذكرناه لا ينافى قوله تعالى: وَ مٰا أَدْرِي مٰا يُفْعَلُ بِي وَ لٰا بِكُمْ، اذ معناه حسب طبعىّ البشرى لا بالهام اللّه سبحانه، كيف و الشيطان كان يعلم الغيب حيث قال: وَ لٰا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ، و في القرآن الحكيم: و لٰا تَقْصُصْ رُؤْيٰاكَ عَلىٰ إِخْوَتِكَ، و فيه: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ، و هذا اكثر من العلم بالغيب الى غيرها من الآيات المربوطة الدالة على انهم كانوا يعلمون الغيب، و فوق ذلك كانوا يحسون بالغيب (و منها المروى في الاحتجاج، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، في حديث ان زنديقا) معرب «زندك» نسبة الى «زند» كتاب المجوس.
ص: 175
قال له ما تقول في علم النجوم قال عليه السلام: هو علم قلّت منافعه و كثرت مضاره، لانه لا يدفع به المقدور و لا يتقى به المحذور ان خبّر المنجم
______________________________
و قد كانوا ينسبون الى المجوس كل من انحرف.
و لا يخفى ان اكثر ما نسب في كتب العامة من تواريخهم و غيرها، الى الزنادقة و القرامطة و من اشبه موضع شك، بل ظن بالعدم.
فاللازم التحقيق الدقيق، لان السلطات كانت قد اشترت الضمائر كما ان التعصب ضد الصالحين كان له دور كبير، في رمى كل من خالف السلطنة، او كان ضد المتطرف من مذهب ما، بمختلف النسب الباطلة.
و قد جرى بعض ذلك في كتب الشيعة غفلة، او من جهة حسن الظن فاللازم الدقة في ذلك.
(قال له ما تقول في علم النجوم) هل هو حق او باطل؟ (قال عليه السلام: هو علم قلّت منافعه، و كثرت مضاره).
اما منفعته: فلانه احيانا يخبر بما اذا تبعه الإنسان نجى من محذور او ادرك غاية.
و اما مضاره: فلانه كثيرا ما يخطئ مما يسبب حزنا للانسان، الى مدة كشف خلافه، او ضررا على الانسان باتباع ما فيه ضرر.
مثلا: يخبر المنجم ان فلانا يموت يوم كذا، بينما لا يموت او يخبران بضاعة تترقى فيشترى منها التاجر كمية كبيرة رجاء الربح، فيخسر بذلك، حيث ينكشف خلافه ما قاله المنجم (لانه لا يدفع به المقدور، و لا يتقى به المحذور)- اى غالبا- لان كلامه ليس مطابقا للواقع (ان خبّر المنجم
ص: 176
بالبلاء، لم ينجه التحرز عن القضاء.
و ان اخبر هو بخير لم يستطع تعجيله و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه، و المنجم يضادّ الله في علمه يزعمه انه يردّ قضاء الله عن خلقه الخبر الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان ما وصل إليه المنجمون اقل قليل من أمارات الحوادث من دون وصول الى معارضاتها.
______________________________
بالبلاء) مثل: ان فلانا يموت كذا (لم ينجه التحرز عن القضاء) فان الفرار لا ينجى من الموت المحتوم.
(و ان اخبر هو)- المنجم- (بخير لم يستطع تعجيله) فما فائدة خبر بخير يأتى هو بنفسه سواء اخبر به المنجم، أم لم يخبر به؟ (و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه) فان المنجم مخبر، و ليس صارف بلاء (و المنجم يضادّ الله في علمه بزعمه انه يردّ قضاء الله عن خلقه).
فان المنجمين الذين كانوا في السابق، كانوا يزعمون انهم يقدرون ردّ القضاء، و ذلك لعدم ايمان اكثرهم، فما ذكره عليه السلام من باب القضية الخارجية، لا من باب القضية الحقيقية.
فهو مثل الشعر المنسوب الى الامام امير المؤمنين عليه السلام:
قال المنجم و الطبيب كلاهما لن يحشر الاموات قلت: إليكما ان كان قولكما فلست بخاسر او كان قولى فالخسار عليكما
الى آخر (الخبر، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان ما وصل إليه المنجمون اقل قليل من أمارات، الحوادث) و علامات الامور المستقبلة (من دون وصول الى معارضاتها) و شرائطها.
ص: 177
و من تتبع هذه الاخبار لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها فضلا عن القطع
نعم: قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف، الظن، بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية.
فالاولى التجنب عن الحكم بها، و مع الارتكاب فالاولى الحكم على سبيل التقريب، و انه لا يبعد ان يقع كذا عند كذا و الله المسدد.
______________________________
فهو كمن يعلم ان النار تحرق، لكن لا يعلم ان شرطه المقارنة مع الجسم و مانعه الرطوبة- مثلا-.
(و من تتبع هذه الاخبار) الواردة عن الائمة الاطهار عليهم السلام (لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها، فضلا عن القطع) خصوصا و المشاهد بطلان و كذب اكثرها.
(نعم: قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف، الظن، بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية) مثل انخساف القمر و الشمس بالوصول الى عقدة الرأس او الذنب لحيلولة الارض بين الشمس و القمر و لحيلولة القمر بين الشمس و الارض.
و كذا في مدّ و جزر البحر المستندين الى القمر، و ظهور الهلال في ليلة كذا في العرض الشمالى او الجنوبى، الى غيرها من الامور المرتبطة بالقياسات و الحسابات.
(فالاولى التجنب عن الحكم بها) فى غير المقطوعات (و مع الارتكاب) و إرادة الحكم (فالاولى الحكم على سبيل التقريب) بان يقول هذا ممكن او قريب (و) كان يقول: (انه لا يبعد ان يقع كذا) حادث (عند كذا) امر فلكى (و الله المسدد) للصواب، و هو اعلم بما وضعه في الكون من الحساب.
ص: 178
بلا خلاف كما في التذكرة و عن المنتهى.
و يدل عليه مضافا الى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد.
و الذم المستفاد من قوله تعالى: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ.
______________________________
المسألة (السابعة: حفظ كتب الضلال) و الكتاب من باب المثال و الا فالورقة أيضا كذلك، الا ان يراد بالكتاب اصله اللغوى، اى المكتوب.
فحفظها: (حرام في الجملة) كما يأتى تفصيل الكلام فيه (بلا خلاف) في ذلك (كما) رايناه (فى التذكرة) للعلامة ره (و) حكى لنا (عن المنتهى) له ره أيضا.
(و يدل عليه) اى على كونه حراما (مضافا الى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد).
و حيث ان حكم العقل في سلسلة العلل للاحكام يستلزم حكم الشرع أيضا، لقاعدة: كلما حكم به العقل حكم به الشرع.
اما موضوع كون الحفظ مادة للفساد في الجملة فلا اشكال فيه.
(و) مضافا الى (الذم المستفاد من قوله تعالى: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ) فان الذم انما هو لاجل انتهاء الاشتراء الى الاضلال و هذه العلة موجودة في حفظ كتب الضلال.
ص: 179
و الامر بالاجتناب عن قول الزور، قوله عليه السلام فيما تقدم من رواية تحف العقول: انما حرم الله تعالى الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا، الخ.
بل قوله عليه السلام: قبل ذلك، او ما يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصى، او باب يوهن به الحق، الى آخره.
و قوله عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة، حيث شكا الى الصادق عليه السلام، انى ابتليت بالنظر الى النجوم، فقال عليه السلام
______________________________
(و) مضافا الى (الامر بالاجتناب عن قول الزور، قوله عليه السلام فيما تقدم) فى اوّل الكتاب (من رواية تحف العقول) حيث قال عليه السلام:
(انما حرم الله تعالى الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا، الخ).
فاذا كان ما يجئ منه الفساد محضا حراما، يكون حفظ كتب الضلال- حيث انها يأتى منها الفساد- حراما أيضا.
(بل) يدل عليه (قوله عليه السلام: قبل ذلك، او ما يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصى، او باب يوهن به الحق، الى آخره).
فان حفظ كتب الضلال مشمول لقوله باب يوهن به الحق، فانه شامل للأصول و الفروع.
كما ان كتاب الضلال لو كان ضلالا في اصول الدين، كان مشمولا لقوله ما يقوى به الكفر و الشرك.
(و قوله عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة، حيث شكا الى الصادق عليه السلام، انى ابتليت بالنظر الى النجوم، فقال عليه السلام)
ص: 180
أ تقضي؟ قلت: نعم، قال احرق كتبك.
بناء على ان الامر للوجوب، دون الارشاد، للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم.
و مقتضى الاستفصال في هذه الرواية انه اذا لم يترتب على ابقاء
______________________________
له: (أ تقضي) و تحكم على طبق النجوم؟ (قلت: نعم، قال) عليه السلام (احرق كتبك) فانه يدل على وجوب اتلاف كتب الضلال.
و اذا كان الاتلاف واجبا كان الحفظ حراما، لان ترك كل واجب حرام كما ان ترك كل حرام واجب.
(بناء على ان الامر) فى: احرق (للوجوب، دون الارشاد، للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم).
اذ لو كان الامر للارشاد، لم يدل على وجوب التخلص فلا يدل على حرمة الحفظ، فان الامر الارشادى ليس مولويا حتى يدل على الوجوب.
و انما يكون الحكم على طبق النجوم حراما، فلا ربط له بمقامنا فان الامر المولوى له مصلحة في ذات المأمور به، بخلاف الامر الارشادى، فان المصلحة في الشي ء الّذي جعل الامر طريقا إليه.
مثلا: اذا قال المولى «صل» كانت المصلحة في ذات الصلاة، اما اذا قال راجع الطبيب تكون المصلحة في شرب الدواء لا في مراجعة الطبيب.
(و مقتضى الاستفصال في هذه الرواية) بين من يقضى، فيجب احراق كتبه، و بين من لا يقضى، فلا يجب احراق كتبه (انه اذا لم يترتب على ابقاء
ص: 181
كتب الضلال مفسدة، لم يحرم.
و هذا أيضا مقتضى ما تقدم من اناطة التحريم بما يجئ منه الفساد محضا
نعم: المصلحة الموهومة او المحققة النادرة، لا اعتبار بها، فلا يجوز الابقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك، مع كون الغالب ترتب المفسدة
______________________________
كتب الضلال مفسدة، لم يحرم) حفظها.
فان التفصيل، هو المفهوم من قوله عليه السلام «أ تقضي»
(و هذا) اى التفصيل (أيضا مقتضى ما تقدم) فى رواية تحف العقول (من اناطة التحريم بما يجئ منه الفساد محضا) لان معناه ان ما لا يجي ء منه الفساد محضا بان كان يأتى منه الصلاح تارة و الفساد تارة اخرى لا يكون حراما.
(نعم) تجب ان تكون المصلحة الموجبة لعدم تحريم الشي ء مصلحة واقعية محققة كثيرا، ف (المصلحة الموهومة) اى الاقل من المفسدة من الوهم الّذي هو المرجوح في قبال الظن الراجح، كما اذا كان يستعمل الشي ء في الصلاح عشر مرات، و في الفساد يستعمل مرة.
او ان المراد بالموهومة المحتملة و هذا اظهر لانه في قبال قوله عليه السلام: (او المحققة النادرة، لا اعتبار بها) فى جواز الشي ء الّذي يأتى منه الفساد و الصلاح.
و يؤيد المعنى الثاني قوله: (فلا يجوز الابقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك، مع كون الغالب ترتب المفسدة).
اللهم الا اذا كانت تلك المصلحة المترتبة احتمالا من الاهمية بمكان،
ص: 182
و كذلك المصلحة النادرة غير المعتد بها.
و قد تحصل من ذلك: ان حفظ كتب الضلال لا يحرم الا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا، او احتمالا قريبا.
______________________________
بحيث يرى العقل لزوم ابقاء الشي ء و ان ترتب عليه بعض المفاسد القطعية
مثلا: كان نثر شي ء من السّم على الارض يوجب مفسدة تسمّم دواجن الدار قطعا، لكن ذلك يكون لاجل احتمال مجي ء حيّة تلدغ الانسان فتميته.
فاذا نثر هذا السم كان مانعا عن وصول الحية، فان العقل و الشرع يقدم ايذاء الحيوان المقطوع بها على موت الانسان المحتمل، و لو كان الاحتمال موهوما كان يكون واحدا في المائة او اقل.
(و كذلك المصلحة النادرة غير المعتد بها) ينبغى هنا الاستثناء المتقدم أيضا، فان المصلحة النادرة قد توجب تقديمها على المفسدة المقطوعة، عقلا و شرعا و لعل المصنف ره ذكر «المعتد بها» لاجل هذا الاستثناء.
(و قد تحصل من ذلك) الّذي ذكرناه في حرمة حفظ كتب الضلال (ان حفظ كتب الضلال لا يحرم الا من حيث ترتب مفسدة الضلالة) فاذا ترتبت المفسدة (قطعا، او احتمالا قريبا) حرم الحفظ، و الا لم يحرم الحفظ و قد عرفت ان المراد بالضلالة، اعم من الضلال في العقيدة او الضلال في الشريعة اى ما يورث الحرام مثل كتب تعليم لعب القمار، و الغناء، و ما اشبه.
ص: 183
فان لم يكن كذلك او كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة اقوى او عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة اقوى، او اقرب وقوعا منها فلا دليل على الحرمة الا ان يثبت اجماع، او يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفى الخلاف
______________________________
(فان لم يكن) الحفظ (كذلك) موجبا لترتب المفسدة (او كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة اقوى) و لو كانت تلك المصلحة الاقوى احتمالية- كما مثلنا في «السم» (او عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة اقوى، او اقرب وقوعا منها)- اى من المفسدة-.
و الظاهر ان المراد بالاقرب القرب الاحتمالى، لا القرب الزمانى، كما اذا كان في كتب الضلال احتمال المفسدة و احتمال المصلحة، لكن كان احتمال المصلحة اقرب.
مثلا: كان احتمال المفسدة واحدا في المائة، و احتمال المصلحة اثنين في المائة (فلا دليل على الحرمة)- جزاء «فان لم يكن»
اذ الادلة السابقة لا تشمله، بالإضافة الى انه في صورة التعارض يتنازع دليل الاهم و المهم، و الا هم يقدم على المهم، فان تقديم الاهم على المهم استفيد من الشرع حيث نراه قدم الاهم حتى قتل الانسان المحترم- فى مسئلة ما لو تترس الكفار بالمسلمين مما توقف النصر على قتل المسلم- بالإضافة الى ان تقديم الاهم على المهم- فى الدوران بين المحذورين- عقلى في سلسلة العلل (الا ان يثبت اجماع) و لا اجماع (او يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفى الخلاف) الّذي ادعاه العلامة في التذكرة و المنتهى.
ص: 184
الّذي لا يقصر عن نقل الاجماع.
و حينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان، و ان المراد بالضلال ما يكون باطلا في نفسه.
فالمراد الكتب المشتملة على المطالب الباطلة.
او ان المراد به مقابل الهداية.
______________________________
و المراد بالمعقد الّذي ذكره أولا، ثم قال انه مما لا خلاف فيه، او ذكره بعد قوله «انه مما لا خلاف فيه» (الّذي لا يقصر عن نقل الاجماع) فان عدم الخلاف في المسألة مثل ان يكون اجماع فيها.
و فيه ان سكوت بعض الفقهاء لا يضر بعدم الخلاف، لكنه يضر بالاجماع، فتأمل.
(و حينئذ) اى حين كان الحكم بحرمة الحفظ ثابتا (فلا بد من تنقيح هذا العنوان) اى الموضوع (و ان المراد بالضلال) ما هو، لان في كتب الضلال احتمالين.
الاول: (ما يكون باطلا في نفسه) و ان لم يوجب اضلال احد.
(فالمراد) بكتب الضلال (الكتب المشتملة على المطالب الباطلة) مثل الكتب التى تنقل قصصا مكذوبة لا اساس لها من الصحة مما وضعها اصحابها لا ملاء الفراغ، و قتل الوقت، و طرد السأم.
(او ان المراد به) الاحتمال الثاني، اى (مقابل الهداية).
فالمراد بكتب الضلال الكتب التى توجب انحراف الانسان في عقيدته او طريقته الشرعية، بان تورث له كفرا، او فعل الحرام.
ص: 185
فيحتمل ان يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال.
و ان يراد ما اوجب الضلال، و ان كان مطالبها حقة، كبعض كتب العرفاء و الحكماء.
______________________________
(فيحتمل ان يراد بكتبه) اى بكتب الضلال (ما وضع لحصول الضلال) في الناس.
(و) يحتمل (ان يراد) به (ما اوجب الضلال، و ان كان) واضع تلك الكتب لم يقصد الاضلال، بل كانت (مطالبها حقة).
و قوله: و ما اوجب، على سبيل منع الخلو، فان الاحتمال الثالث شمول كتب الضلال لكلا القسمين (كبعض كتب العرفاء و الحكماء).
لا يخفى ان هناك كتب الحكمة و الفلسفة و كتب الكلام و كتب العرفان و كتب التصوف.
فالاول: يتكلم عن الكون و الحياة و المبدأ و الحياة حسب ما وصل إليه العقل، و الاستحسان و التجربة.
و الثاني: يتكلم- أولا و بالذات- عن المبدأ و المعاد، و يتبعهما توابعهما، و مقدماتهما الكونية، حسب ما وصل إليه العقل بضميمة النقل.
و الثالث: يتكلم عن الامور الموجبة لكيفية التأمّل في المبدأ و المعاد و الاستغراق في اعماق النفس، و الكون.
و الرابع: يتكلم حول الامر الثالث باضافة ارائة الطريق العملى للزهد و العالم بالاول: حكيم و فيلسوف و بالثاني متكلم. و بالثالث: عارف و بالرابع صوفى.
ص: 186
المشتملة على ظواهر منكرة.
______________________________
و لا يخفى ان ما ذكرناه الماع الى ما ذكره اصحاب هذه العلوم من تعريفها من دون ان نقصد تصديقا لصحة ما قالوا، و انا لا نرى الا اخذ الأصول و طريقة العمل و التأمل من الادلة الاربعة حسب ما شرح في كتب علمائنا الاخيار، و الله الهادى الموفق.
و من اراد الاطلاع على كتب الحكمة و الكلام، فعليه بالاسفار و المنظومة و شروح التجريد، و ما اشبه.
و من اراد الاطلاع على كتب العرفان و التصوف فعليه بالمثنوى، و كتب ابن العربى، و الشبسترى و من إليهم.
لكن اللازم ان يكون المطالع لهذه الكتب محصنا عقيدة و عملا، حتى لا ينحرف ببعض ظواهرها.
نعم امثال شرح تجريد العلامة و نحوه لا يوجب انحرافا، لانه لا ظواهر لها تخالف العقيدة و الشريعة.
و انى ارى ان من اللازم ان يجرد جماعة من العلماء البارعين حملة لوضع كتب في العلوم الاربعة خالية عن الشوائب و الاشكالات و الظواهر المخالفة، و يضيفوا إليها الردّ لما استجدّ من الادلة و الافكار في العصر الحاضر، لتكون تبعا صافيا لمن شاء الاطلاع و العمل.
و لا اقصد بوضع كتب التصوف الاوضع كتب الزهد الصحيح، حسب ما ورد في الكتاب و السنة، و ايده الاجماع و العقل.
و كيف كان فبعض كتب العرفاء و الحكماء (المشتملة على ظواهر منكرة)
ص: 187
يدعون ان المراد غير ظاهرها.
فهذه أيضا كتب ضلال، على تقدير حقيتها
ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرّفة، لا تدخل في كتب الضلال
______________________________
كوحدة الوجود، او وحدة الموجود، او كون الاعجاز لا حقيقة له، و انما هو تصرف في مدارك الحاضرين، او ان الله لا يعرف الجزئيات، او ان الجنة و النار نفسية لا جسدية، او ما اشبه ذلك.
و ان كان اتباعها (يدّعون ان المراد غير ظاهرها) يلزم اجتنابها و عدم ابقائها، اذا خيف من اضلالها.
(ف) ان (هذه) الكتب (أيضا كتب ضلال، على تقدير حقيتها) بان كان مراد اصحابها المطالب الحقة.
و ذلك لان بيان المراد لا يدفع الايراد، و لا يوجب اخراج الكتب من خوف ضلال الناس بها.
(ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرّفة) اذ الفرض وجودها، كما يقال من انجيل برنابا، او فرض وجدان التورات الاصلية مثلا (لا تدخل في) هذا الاسم، فلا يقال لها (كتب الضلال) تنزيها لان يسمى كلام الله ضلالا.
اما اذا اورث اضلال الناس كان داخلا في هذا الحكم، كما انه اذا اوجب دعوة اصحابها للناس إليها و ترك القرآن.
و قد ورد ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم، نهى بعض اصحابه ان يذهب فيستمع الى التورات، قائلا: لو كان موسى عليه السلام حيا
ص: 188
و اما المحرفة كالتورات و الإنجيل على ما صرح به جماعة
______________________________
لما وسعه الا اتباعى.
فان ظاهر تعليله صلى الله عليه و آله و سلّم: ان التورات كانت غير محرفة، و الا علله صلى الله عليه و آله و سلّم بانها محرفة، و ان كان يحتمل انه صلى الله عليه و آله و سلّم علله باحدى العلتين.
(و اما المحرفة كالتورات و الإنجيل على ما صرح به جماعة) من تحريفهما و يدل على ذلك الكتاب، كقوله تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ* و السنة المتواترة، و دليل العقل، حيث انهما مشتملان على ما لا يعقل من نسبة الله و انبيائه الى الكذب و الخرافة و مخالفات العقل على ما ذكرنا جملة منها في كتاب «هؤلاء اليهود» و «ما ذا في كتب النصارى».
و لا ينافى ذلك قوله تعالى «إِنّٰا أَنْزَلْنَا التَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ» و قوله سبحانه «وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فِيهِ» و قوله سبحانه «وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ» حيث ان ظاهر الهيمنة حفظه عن الانحراف، و قوله تعالى «إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ» حيث ان: الذكر كل كلام الله سبحانه.
اذ يرد على الاول ان النزول لا يدل على البقاء كذلك.
و على الثاني: ان المراد به في حكم خاص كما ورد في التفاسير، فالقرينة الخارجية مانعة عن انعقاد الاطلاق.
و على الثالث: ان الهيمنة قد تكون ببيان مواضع الانحراف.
و على الرابع: ان المراد بالذكر القرآن، لان الكلام فيه فلا اطلاق له
ص: 189
فهى داخلة في كتب الضلال بالمعنى الاول بالنسبة إلينا، حيث انها لا يوجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة، نعم توجب الضلالة لليهود و النصارى قبل نسخ دينهما فالادلة المتقدمة لا
______________________________
(فهى داخلة في كتب الضلال بالمعنى الاول) اى ما يكون باطلا في نفسه (بالنسبة إلينا) فقط (حيث انها لا يوجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة) الّذي هو المعنى الثاني.
و كان المصنف ره نظر الى زمانه، و الا ففى زماننا يورث الكتابان للمسلمين ضلالة، فكم قد اخرج النصارى المسلمين عن دينهم الى المسيحية، و قد رأيت بعضهم و باحثت معهم، فهما بالنسبة الى المسلمين كتاب ضلالة أيضا.
هذا بالإضافة الى ان الضلالة بمعنى الاضلال، و يكون وصف الكتاب في نفسه، لا انه امر نسبى.
و الا فكتب الحكمة و العرفان التى سلم المصنف انها كتب الاضلال، ليست تورث الاضلال بالنسبة الى كل احد.
و منه يظهر الاشكال في قوله ره (نعم توجب الضلالة لليهود و النصارى قبل نسخ دينهما) لانهم يظنون انهما صحيحان، مع انهما باطلان.
و فيه ما عرفت ان الكتاب مضل في نفسه سواء قبل نسخ الدين او بعد نسخه.
و على هذا (فالادلة المتقدمة) المحرمة لحفظ كتب الضلال (لا) ريب
ص: 190
تدل على حرمة حفظهما قال رحمه الله في كتاب المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد فان كان في المغنم كتب، نظر، و ان كانت مباحة يجوز اقرار اليد عليها، مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات فجميع ذلك غنيمة.
و كذلك المصاحف و علوم الشريعة
______________________________
فى انها (تدل على حرمة حفظهما) بكلا معنيى الضلال، اى ما يكون باطلا في نفسه و ما يكون مورثا لضلال الناس.
ان قلت: اذا حرف الكتابان من قبل نبى الاسلام، فبما ذا كان المؤمن مأمورا.
قلت: الارض لا تخلو عن الحجة، و قد كان اوصياء موسى عليه السلام الى زمان عيسى عليه السلام و اوصياء عيسى عليه السلام الى زمان محمد صلى الله عليه و آله و سلّم، و كان عندهم النسخة الصحيحة، و كان الناس مأمورين باتباع الأوصياء.
و يؤيد ما ذكرناه من انهما كتابا ضلال، ما (قال) الشيخ (ره في كتاب المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد) بما لفظه: (فان كان في المغنم كتب، نظر) إليها. (و ان كانت مباحة) بحيث (يجوز اقرار اليد عليها، مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات) بين الملوك و الرؤساء و العلماء و من اشبههم، فانها كانت تجعل كتبا لاجل التاريخ و الادب، و كذلك الكتب التى كان يكتبها البلغاء لاجل تعليم فنّ الكتابة و المراسلة (فجميع ذلك غنيمة) لاطلاق ادلّتها الشامل لهذه الكتب.
(و كذلك المصاحف و علوم الشريعة) ككتب تواريخ الاسلام، و التفسير
ص: 191
الفقه و الحديث لان هذا مال يباع و يشترى و ان كانت كتبا لا يحل امساكها كالكفر و الزندقة و ما اشبه ذلك فكل ذلك لا يجوز بيعه.
فان كان ينتفع باوعيته اذا غسل كالجلود و نحوها، فانها غنيمة.
و ان كانت مما لا ينتفع باوعيته كالكاغذ فانها تمزق،
______________________________
و (الفقه و الحديث) و الكلام و غيرها، فانه كثيرا ما يكون عند الكفار موجودا فاذا غلب المسلمون عليهم غنموها.
و انما قلنا: انها داخلة في الغنيمة (لان هذا) كله (مال يباع و يشترى).
و كل مال يملكه المسلمون من الكفار غنيمة.
نعم مالية القرآن من باب جلده و نحوه، لان المصحف الشريف لا يباع و لا يشترى، كما قرر في محلّه (و ان كانت) الغنيمة (كتبا لا يحل امساكها ك) كتب (الكفر و الزندقة) تقدم في معنى الزنديق ما يفيد المقام.
و كان مراده بالزندقة الاشد من الكفر، كما هو المتبادر منه، فبينهما عموم مطلق (و ما اشبه ذلك) مثل كتب السحر (فكل ذلك لا يجوز بيعه) لانها لا تملك اذ يأتى منها الفساد محضا.
(فان كان ينتفع باوعيته اذا غسل) ظروفه و طرفيه (كالجلود و نحوها) كما اذا كان من القماش، او الخشب، او الحديد، او غيرها (فانها) تكون حينئذ (غنيمة) كسائر الغنائم.
(و ان كانت مما لا ينتفع باوعيته ك) ما اذا كان الوعاء من (الكاغذ) و نحوه (فانها تمزق) و ينتفع بالممزق منه في وضع الادوية فيه، او ما اشبه
ص: 192
و لا تحرق، اذ ما من كاغذ، إلا و له قيمة.
و حكم التورات و الإنجيل هكذا، كالكاغذ فانه يمزق لانه كتاب مغيّر مبدل، انتهى.
و كيف كان فلم يظهر من معقد نفى الخلاف، الا حرمة ما كان موجبا للضلال و هو الّذي دلت عليه الادلة المتقدمة.
______________________________
ذلك (و لا تحرق) لان الاحراق اسراف (اذ ما من كاغذ إلا و له قيمة) فاتلافه لا يجوز.
(و حكم التورات و الإنجيل هكذا، كالكاغذ، فانه يمزق) و لا يحرق (لانه كتاب مغيّر مبدل) التغيير يشمل مثل الحذف و الزيادة و التبديل رفع شي ء و وضع شي ء آخر مكانه (انتهى) كلامه.
و لا يخفى: ان الظاهر جواز بيع مثل التورات و الإنجيل الى اصحابها ان لم يوجب ذلك مفسدة اما من باب استنقاذ اموالهم برضاهم، كما ذكروا في باب بيع الميتة ممن يستحل، او من باب شمول اطلاقات البيع له، فان الممنوع بيع ما يأتى منه الفساد، و المفروض انه لا يأتى منه الفساد محضا
و كذلك يجوز بيعها ممن ينتفع بها، لردّ و نحوه، و اعطائها لبعض المسلمين من باب حصته من الغنيمة اذا كان اهلا للردّ، و نحوه.
ثم ان اطلاق ما ذكره ره من ان كل كاغذ له قيمة، محل نظر.
(و كيف كان فلم يظهر من معقد نفى الخلاف، الا حرمة ما كان موجبا للضلال) لا ما كان باطلا في نفسه (و هو الّذي دلت عليه الادلة المتقدمة).
لكن ربما يقال: بان حال ما كان باطلا في نفسه، حال ما كان مضلا،
ص: 193
نعم: ما كان من الكتب جامعا للباطل من نفسه، من دون ان يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الاموال، فلا يقابل بالمال لعدم المنفعة المحللة
______________________________
لقوله عليه السلام: اذا ميّز الله الحق من الباطل، و قوله تعالى، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْبٰاطِلَ، و قوله سبحانه: إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً فالباطل يلزم محوه، و ازالته.
(نعم: ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه، من دون ان يترتب عليه ضلالة) كما اذا كان مشتملا على قصة مكذوبة لا تضر.
اما الاشتمال على قصة مكذوبة تنفع، مثل كليلة و دمنة.
او مشتملا على اشعار المدح الكاذب، فالظاهر انه لا يدخل تحت الباطل، مثل قوله في العباس عليه السلام
لو لا القضا، لمحا الوجود بسيفه و الله يقضى ما يشاء و يحكم
و ذلك لانصراف ادلة الكذب عن ذلك و منه: لسان الحال، كقول على عليه السلام على قبر فاطمة عليها السلام:- فيما ينسب إليه
قال الحبيب و كيف لى بجوابكم و انا رهين جنادل و تراب اكل التراب محاسنى فنسيتكم و حجبت عن اهلى و عن اترابى
مع انه لم يقل الحبيب، و لم يأكل التراب محاسنه، و لم ينسهم (لا يدخل تحت الاموال) شرعا فحاله حال الخمر و الخنزير، و ان كان ما لا عرفا
و انما لم يكن ما لا بدليل انه باطل يجب افتائه، و ما كان واجب الا فناء لا يكون ما لا (فلا يقابل بالمال) فلا يصح بيعه (لعدم المنفعة المحللة
ص: 194
المقصودة فيه.
مضافا الى آيتى لهو الحديث، و قول الزور اما وجوب اتلافها، فلا دليل عليه.
و مما ذكرنا ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول، و الفروع، و الحديث، و التفسير، و اصول الفقه، و ما دونها من العلوم، فان المناط في وجوب
______________________________
المقصودة فيه).
و قد تقدم في اوّل الكتاب ان ما لا منفعة محلّلة مقصودة فيه، لا يصح بيعه، اذ البيع مبادلة مال بمال، كما يأتى في اوّل كتاب البيع.
(مضافا) فى الدلالة على انه لا يقابل بالمال (الى آيتى لهو الحديث و قول الزور).
فالادلة على عدم صحة بيع الكتاب الباطل ثلاثة 1- عدم المنفعة 2- آية لهو الحديث 3- آية قول الزور.
و قد تقدم تقريب الآيتين في اوّل هذا المبحث.
و (اما وجوب اتلافها) اى اتلاف الكتب الباطلة التى لا توجب ضلالا (فلا دليل عليه) الا ما ذكرناه من وجوب ازهاق الباطل.
(و مما ذكرنا) من ان كتب الباطل- غير المضلّة- لا يقابل بالمال، و لكن لا دليل على وجوب اتلافها (ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول و الفروع) الفقهية (و الحديث، و التفسير، و اصول الفقه و ما دونها من العلوم) كالنحو، و الصرف و اللغة، و البلاغة (فان المناط في وجوب
ص: 195
الاتلاف: جريان الادلة المتقدمة فان الظاهر عدم جريانها في حفظ شي ء من تلك الكتب الا القليل مما الّف في خصوص اثبات الجبر، و نحوه و اثبات تفضيل الخلفاء او فضائلهم و شبه ذلك.
و مما ذكرنا أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج على اهلها، او الاطلاع على مطالبهم ليحصل به التقية،
______________________________
الاتلاف: جريان الادلة المتقدمة) فان الاتلاف يجب اذا كانت موجبة للضلالة.
اما اذا لم تكن موجبة للضلالة، فلا يجب الاتلاف، و ان كانت باطلة في نفسها (فان الظاهر عدم جريانها) اى الأدلّة المتقدمة (فى حفظ شي ء من تلك الكتب) للعامة (الا القليل مما الّف في خصوص اثبات الجبر و نحوه) من عدم عدالة الله، و عدم عصمة الأنبياء، و بطلان إمامة الأئمة، و ما الى ذلك (و اثبات تفضيل الخلفاء) على على عليه السلام (او فضائلهم) المكذوبة (و شبه ذلك).
لكن ربما يقال: ان كتبهم الدينية توجب الانحراف، فتدخل في كتب الاضلال، الا ما شذ، فلا وجه لما ذكره المصنف ره من استثنائه لها الا القليل بل المستثنى هو القليل.
(و مما ذكرنا) من ان وجه وجوب الاتلاف لكتب الضلال، هو ايجابها الاضلال (أيضا يعرف) «أيضا» اى كما عرف مما ذكرنا «حكم تصانيف المخالفين» (وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج على اهلها، او الاطلاع على مطالبهم ليحصل به التقية).
ص: 196
او غير ذلك.
و لقد احسن جامع المقاصد، حيث قال: ان فوائد الحفظ كثيرة.
و مما ذكرنا أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال.
فان الواجب رفعه و لو بمحو جميع الكتاب الا ان يزاحم مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال.
______________________________
و لا يخفى ان التقية هى الاخفاء لاجل السير و الوصول الى الغاية، فهى ايجابية، لا انها للوقوف و ترك السير لتكون سلبية (او غير ذلك) كالمقارنة لاجل افادة الاتباع بمحاسن الدين و المذهب فان الاشياء تعرف باضدادها.
(و لقد احسن جامع المقاصد، حيث قال: ان فوائد الحفظ كثيرة) فلا يلزم اتلاف كتب الضلال الا نادرا، حتى لا يتوهم وجوب اتلاف كتب الضلال مطلقا انسياقا مع اطلاق جماعة من الفقهاء ذلك.
(و مما ذكرنا) من ان وجه وجوب الاتلاف لكتب الضلال هو ايجابها الاضلال (أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال) دون بعضه الآخر.
كما اذا كتب في اصول الدين، فكان بحثه في الوحدانية صحيحا دون بحثه في استحالة رؤيته سبحانه، حيث اثبت انه قابل للرؤية و هكذا
(فان الواجب رفعه) اى رفع ما يوجب الضلال (و لو بمحو جميع الكتاب) اذا لم يمكن محو الضلال فقط (الا ان يزاحم مصلحة وجوده) اى وجود القدر الصالح من الكتاب (لمفسدة وجود الضلال).
ص: 197
و لو كان باطلا في نفسه، كان خارجا عن المالية.
فلو قوبل بجزء من العوض المبذول تبطل المعاوضة بالنسبة إليه.
ثم الحفظ المحرم يراد به الاعم من الحفظ، بظهر القلب و النسخ و المذاكرة، و جميع ماله دخل في بقاء المطالب المضلّة.
______________________________
فحينذاك يلاحظ ان ايهما اهم، فيقدم على المهم.
و لو كانا متساويين في الاهمية تخيّر بين الابقاء و الاتلاف.
(و لو كان) بعض الكتاب (باطلا في نفسه) بدون ان يوجب الاضلال (كان خارجا عن المالية) كما تقدم.
(فلو قوبل بجزء من العوض المبذول) كما لو اشترى الكتاب بدينار، و كان نصفه باطلا، فان نصف الدينار يكون في قبال هذا النصف الباطل (تبطل المعاوضة بالنسبة إليه) فاذا كان جاهلا، كان له خيار تبعض الصفقة.
(ثم الحفظ المحرم) الّذي يأتى منه الفساد (يراد به الاعم من الحفظ، بظهر القلب و النسخ) اى الكتابة (و المذاكرة، و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلّة) كما يشمل القراءة و التسجيل و غيرهما لان كل ذلك يورث الفساد، فيحرم و الله العالم.
ص: 198
و في جامع المقاصد و المسالك: ان على تحريمها اجماع المسلمين و يدل عليه الكتاب و السنة.
و في المستفيضة: انها كفر بالله العظيم، او شرك
______________________________
المسألة (الثامنة: الرشوة حرام) بلا اشكال و لا خلاف.
(و في جامع المقاصد و المسالك: ان على تحريمها اجماع المسلمين) بل تحريمها من الضروريات التى يعرفها كافة المسلمين، بل البشر عامّة.
(و يدل عليه الكتاب و السنة) بل و العقل بالنسبة الى الرشوة، من جهة احقاق الباطل او ابطال الحق.
اما الكتاب، فقوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*، فانه اكل للمال بالباطل بلا اشكال.
(و في) الروايات (المستفيضة: انها كفر بالله العظيم، او شرك).
و يراد بالكفر هنا الكفر العملى، لان الكفر على نحوين.
الاول: الكفر العقيدى، و هو ما اذا انكر او شك في شي ء من اصول الدين.
الثاني: الكفر العملى، و هو ما اذا ترك حكما من احكام الله تعالى و عدم اطلاق الكفر الا على بعضها، مثل قوله تعالى في الحج: و من كفر، و في ترك الشكر: و لئن كفرتم، الى غيرهما انما هو لاجل التنبيه على
ص: 199
ففى رواية الاصبغ ابن نباته، عن امير المؤمنين عليه السلام، قال:
ايّما وال
______________________________
شدة ذلك.
و من الممكن ان يراد بالكفر في ترك الاحكام معنا الكفر الاعتقادى مجازا، اى انه كالكفر.
اما اطلاق الشرك على الرشوة، فانه اما مجازى مبالغة، و ما اشتهر في السنة بعضهم، من ان المعصوم لا يبالغ يراد به المبالغة التى ليست من طريقة البلغاء، و الا فهى من محسنات الكلام.
نعم المبالغة التى هى خارجة عن اسلوب البلغاء، لا مجال له في كلام المعصوم.
كما ان المجاز الّذي ليس من طريقتهم، لا مجال له في كلامهم عليهم السلام، فان كلا من المجاز و المبالغة و هو فرع من المجاز اذا لم يرد بهما معناهما البلاغى، بل اريد بهما المعنى الحقيقى كان كذبا، و العادل لا يكذب، فكيف بالمعصوم.
و اما المراد به انه شرك خفى، حيث ان المعطى و الآخذ يشركان بالله سبحانه هوى النفس.
كما ورد ان الرياء شرك فان الشرك- كما حقق في محلّه- ينقسم الى شرك جلى و شرك خفى.
(ففى رواية الاصبغ ابن نباته، عن امير المؤمنين عليه السلام، قال:
ايّما وال) و الوالى من باب المثال، و الا فالمراد به كل من يتولى شئون
ص: 200
احتجب عن حوائج الناس، احتجب الله عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و ان اخذ هدية كان غلولا
______________________________
الناس، و لو كان موظفا صغيرا (احتجب عن حوائج الناس) بان ابتعد عنهم، كانما بينه و بينهم حجاب (احتجب الله عنه يوم القيامة) كناية عن عدم نجاته تعالى لهم عن العذاب (و عن حوائجه) فلا يدفع عنه عذابا و لا يشمله برحمته (و ان اخذ هدية كان غلولا) الغلول ما يسرق من الغنيمة و قد شبه عليه السلام الهدية بالغلول، لانها خيانة لعامة المسلمين.
فكما ان الغلول خيانة لهم عامة، لان الغنيمة ملك لجميعهم.
كذلك الهدية خيانة لجميع المسلمين.
اما من جهة انها تفتح باب عدم قضاء حوائجهم الا بالمال.
و اما من جهة ان مال الفرد كمال الجماعة، كما قال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً، فان القانون الشامل للكل اذا خولف فقد خرق الشي ء المرتبط بالكل، فحاله حال ما اذا ثقّب المكان الصغير من السفينة فانه ثقب السفينة، او انه اى فرق بين ان يخالف الانسان القانون بالنسبة الى الفرد، او بالنسبة الى الكل، فان القانون حفاظ، و من لا يراعى الحفاظ لا فرق بين ان لا يراعيه بالنسبة الى البعض او بالنسبة الى الكل.
و لذا من قتل انسانا او هتك عرضا، استوحش منه الكل.
ثم ان الهدية التى يراد بها المصانعة لاجل الحكم، نوع من استمالة الوالى بالمال، فهو كالرشوة.
ص: 201
و ان اخذ رشوة فهو شرك.
و عن الخصال في الصحيح عن عمار ابن مروان، قال كل شي ء غلّ من الامام فهو سحت.
______________________________
و الفرق بينهما: ان الرشوة تبذل في قبال الحكم، و الهدية تبذل لاجل ميل نفس الوالى الى هذا المعطى، فتكون العاقبة الحكم له مثل الفرق بين ان يعطى الزانى ما لا للزانية في قبال الزنا، او يعطيها ما لا هدية مما يوجب ميلها الى المعطى و ينتهى الامر الى الزنا.
و لذا كانت الرشوة اشد فقال عليه السلام: (و ان اخذ رشوة فهو شرك) اما اذا اهدى الانسان الى الوالى مالا، لا لاجل الحكم بل لانه قريب له، او ما اشبه ذلك، فلا تدخل في هذه الرواية.
لان مناسبة الحكم و الموضوع تعطى المنع عن الهدية تكون في سبيل الحكم.
مثلا: كان اخ يهدى لاخيه كل عيد اضحى مقدارا من لحم الاضحية او من الصدقة ثم ترقى اخوه و صار واليا، فانه لا اشكال ان اعطائه في هذه السنة ذلك المقدار من اللحم لا يدخل في هذا الباب.
(و عن الخصال في الصحيح عن عمار ابن مروان، قال) عليه السلام (كل شي ء غل من الامام فهو سحت).
الغل انما سمى غلا، لانه يقيد الانسان و المال الّذي يأخذه الانسان غلولا، يغله و يقيده عن ارتفاع النفس، او يقيده عن الانطلاق حسب الشرافة، فان المعاصى قيود و هى تنافى الحرية.
ص: 202
و السحت انواع كثيرة.
منها: ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة.
و منها: اجور القضاة، و اجور الفواجر، و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة
______________________________
و قد تقدم في اوّل الكتاب ان: السحت، هو اشد انواع الحرام و من المعلوم «غل الامام» ابشع من غل غيره.
(و السحت انواع كثيرة).
(منها: ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة).
مثلا: الوالى الظالم له عمل كبناء داره، فاذا بنى البناء داره في قبال اجر، كان الاجر اصابه من عمل الوالى الظالم، و هذا الاجر حرام و ان كان نفس البناء ان لم يكن للوالى- بل كان لسائر الناس- كان حلالا.
(و منها: اجور القضاة) لان القضاء، لا يحق للقاضى ان يأخذ المال في قباله.
نعم: اذا كان محتاجا اعطاه بيت المال لاجل انه محتاج كما يعطى سائر المحتاجين، و هذا يسمى رزقا (و اجور الفواجر) لان الله اذا حرم شيئا حرّم ثمنه (و ثمن الخمر و النبيذ المسكر).
اما النبيذ الّذي ينبذ التمر في الماء، ليغيّر طعم الماء الى الافضل فيشرب نهارا، او ينبذ نهارا ليشرب ليلا فليس بحرام، لانه ليس بمسكر (و الربا بعد) قيام (البينة) اى فهم الانسان ان الربا حرام.
ص: 203
و اما الرشاء في الاحكام، يا عمار، فهو الكفر بالله العظيم.
و مثلها رواية سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام.
و في رواية يوسف ابن جابر لعن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم من نظر الى فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان اخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة
______________________________
اما الربا قبل علم الانسان بحرمته، فقد عفى عنه الشرع.
و لذا قال سبحانه: وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا.
(و اما) اخذ (الرشاء في) قبال (الاحكام) اى اصدار الحكم للناس (يا عمار، فهو الكفر بالله العظيم) و الاتيان بلفظ: العظيم انما هو للتشديد في التخويف.
(و مثلها) اى مثل الرواية السابقة عينا (رواية سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام).
(و في رواية يوسف ابن جابر لعن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم من نظر الى فرج امرأة لا تحل له) و ان جاز له النظر الى جسمها، لكونها محرمة له (و رجلا خان اخاه) المسلم (فى امرأته) بنظرة او قبلة او زنا، او لمس او ضمّ (و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه، فسألهم الرشوة) فلا يبين لهم الحكم، او لا يقضى لهم الا في قبال المال، هذا كله حكم الرشوة.
و اما موضوع الرشوة و انها ما هى، فقد اختلفوا في انها هل هى ما يبذل في قبال الباطل فقط.
او ما يبذل في قبال الوصول الى الهدف حقا كان او باطلا.
ص: 204
و ظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه، فيكون ظاهرا في حرمة اخذ الرشوة للحكم بالحق، او للنظر في امر المترافعين، ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير اجرة.
و هذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل.
______________________________
او ما يبذل حتى في قبال الحق او يفصل في المسألة، كما يأتى حكايته عن المختلف، و بصدد تنقيح المصنف الموضوع، بيّن أو لا اطلاق الرشوة حتى للحكم بالحقّ، فقال: (و ظاهر هذه الرواية) ليوسف (سؤال الرشوة لبذل فقهه، فيكون ظاهرا في حرمة اخذ الرشوة للحكم بالحق) بان كانت الرشوة في قبال الحكم (او للنظر في امر المترافعين، ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق) فاخذه الرشوة لاجل نظره في امرهما اما حكمه بينهما فقد صدر (من غير اجرة).
لكن في الرواية احتمال ثالث، و هو انه لا يبين المسائل، الا في قبال المال.
و كان المصنف لم يذكر هذا المعنى، لظهور الرشوة في كونها لاجل الحكم، و هذا الظهور اقوى من ظهور «الفقه» فى بيان المسألة، و لذا قال «و ظاهر هذه الرواية» حيث ان الرواية لا ظهور لها في بيان المسألة
(و هذا المعنى) اى بذل المال في قبال الحكم او في قبال النظر في امر المترافعين (هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل) لان الجعل للقاضى لا يكون الا لاحد الامرين المذكورين.
ص: 205
و إليه نظر المحقق الثاني، حيث فسر في حاشية الارشاد: الرشوة بما يبذله احد المتحاكمين.
و ذكر في جامع المقاصد ان الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة و هو صريح الحلى أيضا في مسئلة تحريم اخذ الرشوة مطلقا، و اعطائها الا اذا كانت على اجراء حكم صحيح فلا يحرم على المعطى، هذا و لكن عن مجمع البحرين: قلّما يستعمل الرشوة الا فيما يتوصل به الى ابطال حق، او تمشية باطل.
______________________________
(و إليه) اى الى نفس هذا المعنى (نظر المحقق الثاني، حيث فسّر في حاشية الارشاد: الرشوة بما يبذله احد المتحاكمين) لان البذل يكون في قبال الحكم، او في قبال النظر.
(و ذكر) أيضا (فى جامع المقاصد ان الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة، و) هذا المعنى (هو صريح) ابن ادريس (الحلى أيضا في مسئلة تحريم اخذ الرشوة مطلقا) سواء اخذه لاجراء الحكم الصحيح او الباطل (و اعطائها، الا اذا كانت على اجراء حكم صحيح، فلا يحرم على المعطى هذا) لانه مجبور في الاعطاء و الضرورات تبيح المحظورات.
نعم: اذا لم يكن مجبورا في الاعطاء كان اعطائها أيضا حراما.
و لما فرغ المصنف من تقريب كون الرشوة تشمل حتى الحكم بالحق شرع في تقريب انها لا تشمل الا ما اذا كان للحكم بالباطل.
فقال: (و لكن عن مجمع البحرين: قلّما يستعمل الرشوة الا فيما يترصل به الى ابطال حق، او تمشية باطل).
ص: 206
و عن المصباح هى ما يعطيه الشخص للحاكم، او غيره ليحكم له او يحمله على ما يريد.
و عن النهاية: انها الوصلة الى الحاجة بالمصانعة و الراشى الّذي يعطى ما يعينه على الباطل، و المرتشى الآخذ، و الرائش هو الّذي يسعى بينهما ليزيد لهذا او ينقص لهذا.
و مما يدل على عدم عموم الرشا، لمطلق الجعل على الحكم، ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لا جور القضاة
______________________________
(و) كان ينبغى للمصنف ان ينقل كلام المصباح في سياق المعنى الاول، لان كلامه اعم من ما يبذل للحق او للباطل، فقد حكى (عن المصباح) ان الرشوة (هى ما يعطيه الشخص للحاكم، او غيره ليحكم) الحاكم (له) اى لمعطى الرشوة (او يحمله) اى يحمل المعطى الآخذ (على ما يريد) المعطى، مثلا يعطى مالا لحرس السجن حتى يطلق سراحه.
(و عن النهاية) لابن اثير (انها الوصلة) اى سبب الوصول (الى الحاجة) اى حاجة المعطى (بالمصانعة) اى يجعل المعطى الآخذ صنيع نفسه، ليعمل للمعطى ما يريده (و الراشى الّذي يعطى ما يعينه على الباطل، و المرتشى الآخذ) للرشوة (و الرائش هو الّذي يسعى بينهما ليزيد لهذا) الآخذ (او ينقص لهذا) المعطى اذ الآخذ يريد الزيادة، و المعطى يريد اعطاء اقل.
(و مما يدل على عدم عموم الرشا، لمطلق الجعل على الحكم، ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل الرشاء في الحكم، مقابلا لا جور القضاة)
ص: 207
خصوصا بكلمة اما.
نعم: لا يختص بما يبذل على خصوص الباطل، بل يعم ما يبذل لحصول غرضه، و هو الحكم له حقا كان، او باطلا، و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية.
______________________________
فان الرشوة لو كانت عامة شاملة لكل ما يعطى للحاكم، لم يكن وجه للتقابل بين الرشوة و بين اجر القاضى، اذ حينئذ يكون اجر القاضى من اقسام الرشوة، فجعل الرواية اجر القاضى في قبال الرشوة، دليل على عدم عموم الرشوة (خصوصا بكلمة اما).
اذ هذه الكلمة تمنع من جعل ما بعدها عطف بيان لما قبلها، حتى يقال: بانه من عطف العام على الخاص، من قبيل ذهبت الى العراق الى النجف الاشرف.
(نعم: لا يختص) لفظ الرشوة (بما يبذل على خصوص الباطل، بل يعم ما يبذل لحصول غرضه، و هو الحكم له) بل تمشية امره (حقا كان، او باطلا) كما هو ظاهر اطلاقها في العرف، فيقول: ارشيت حرس الحدود لادخال بضاعتى او لادخال الخمر، او ارشيت القاضى ليحكم بان الدار لى- سواء كانت الدار له واقعا، أم لا، بل اراد اغتصابها من صاحبها الشرعى- (و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية).
لكن يرد على المصنف ان ظاهر كلام النهاية: ان الرشوة تستعمل في خصوص الباطل.
اللهم الا ان يقال: ان صدر كلام النهاية مطلق، و ذيله من بلب
ص: 208
و يمكن حمل رواية يوسف ابن جابر على سؤال الرشوة للحكم للراشى حقا او باطلا.
او يقال: ان المراد الجعل فاطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة.
و منه يظهر حرمة اخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين، مع تعيّن الحكومة عليه كما يدل عليه قوله عليه السلام: احتاج الناس إليه لفقهه
______________________________
المثال، فتأمل.
(و يمكن حمل رواية يوسف ابن جابر) التى تقدم ان قلنا ان ظاهرها كون الرشوة للحكم بالحق (على سؤال الرشوة للحكم للراشى حقا او باطلا) فالرواية أيضا دليل على اطلاق الرشوة على الاعم.
(او يقال: ان) الرواية ليست في الرشوة اصلا، بل (المراد) بالرشوة في الرواية (الجعل) الّذي يعطيه الشخص للفقيه (فاطلق عليه الرشوة) من باب المجاز (تأكيدا للحرمة).
و على كلا التقديرين: لا تكون الرشوة في رواية يوسف خلاف ما ذكرناه من عموم الرشوة للحكم بالحق، او بالباطل.
(و منه) بناء على ان المراد بالرشوة في رواية يوسف «الجعل» (يظهر حرمة اخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين، مع تعيّن الحكومة عليه).
و انما قلنا: مع تعيّن الحكومة عليه، (كما يدل عليه قوله عليه السلام:
احتاج الناس إليه لفقهه) فان الاحتياج يكون دليلا على انه معيّن عليه
لكن فيه ان الاحتياج اعم من التعيّن عليه، اذ لو كان الفقيه متعددا صح ان يقال انى احتاج الى الفقيه الفلانى، اذا كان الاحتياج الى النوع
ص: 209
و المشهور المنع مطلقا.
بل في جامع المقاصد: دعوى النص و الاجماع.
و لعله لحمل الاحتياج في الرواية على الاحتياج الى نوعه و لاطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل اجور القضاة من السحت بناء على ان الأجر- فى العرف- يشمل الجعل
______________________________
و الى هذا الاشكال الّذي ذكرناه اشار المصنف بقوله: (و المشهور المنع) من اخذ القاضى الجعل (مطلقا) سواء كان الحكم معينا عليه أم لا بان كان هناك فقهاء متعددون.
(بل في جامع المقاصد: دعوى النص و الاجماع) على الحرمة مطلقا (و لعله) اى لعل وجه نسبة جامع المقاصد الاطلاق الى النص «مع انك عرفت ان ظاهر رواية يوسف الحرمة، اذا كان بذل الفقه متعينا عليه» (لحمل) جامع المقاصد (الاحتياج في الرواية على الاحتياج الى نوعه) اى نوع الفقيه لا الى شخصه (و لاطلاق) عطف على «لحمل» و هذا دليل آخر لقول جامع المقاصد بالإطلاق (ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل اجور القضاة من السحت) فانه مطلق يشمل ما اذا كان القضاء معينا عليه، او لم يكن معينا عليه، لتعدد القاضى.
ان قلت: ما في رواية عمار ليس الجعل، بل الاجر، و كلامكم في الجعل.
قلت: لا بأس بذلك (بناء على ان الأجر- فى العرف- يشمل الجعل) فما قلناه من حرمة الجعل، مطلقا يستفاد من الرواية لاطلاقها الاجر،
ص: 210
و ان كان بينهما فرق عند المتشرعة.
و ربما يستدل على المنع بصحيحة ابن سنان، قال سئل ابو عبد الله عليه السلام، عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال عليه السلام: ذلك السحت.
و فيه ان ظاهر الرواية كون القاضى منصوبا من قبل السلطان الظاهر بل الصريح في سلطان الجور اذ ما يؤخذ من العادل، لا يكون
______________________________
الشامل على الجعل (و ان كان بينهما) اى بين الاجر و الجعل (فرق عند المتشرعة) اما في اللغة و العرف العام يطلق كل واحد منهما على الآخر
(و ربما يستدل على المنع) اى منع اخذ الجعل للحكم بالحق (بصحيحة ابن سنان، قال سئل ابو عبد الله عليه السلام، عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان، قال عليه السلام: ذلك السحت) فاطلاقه شامل لما اذا قضى بالحق، بل الغالب في القضاة القضاء بالحق.
(و) لكن (فيه) ان الاستدلال بهذه الرواية غير تام.
اذ: (ان ظاهر الرواية كون القاضى منصوبا من قبل السلطان) الّذي كان في زمان الامام عليه السلام (الظاهر بل الصريح في سلطان الجور)
وجه الصراحة ان القضية من القضايا الخارجية، لا الحقيقية، فان ظاهر القضاء و ان كانت الحقيقية الا ان وجود القرينة في المقام و امثاله توجب صرفها عن ظاهرها.
و يؤيد كونها خارجية ما ذكره بقوله: (اذ ما يؤخذ من العادل، لا يكون
ص: 211
سحتا قطعا.
و لا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه
و لو فرض كونه قابلا للقضاء، لم يكن رزقه من بيت المال، او من جائزة السلطان محرّما قطعا فيجب اخراجه عن العموم الا ان يقال: ان المراد الرزق
______________________________
سحتا قطعا) كيف و قد امر الامام امير المؤمنين عليه السلام في عهده المشهور لمالك الاشتر ره باعطاء القضاء ما يزيح علّتهم.
(و) على هذا فكون ما يأخذه سحتا، ليس من جهة انه اخذ الجعل للحكم بالحق، بل لانه (لا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه) اى كونه موظفا عند الجائر.
نعم اللازم استثناء ما اذا كان قضائه عند الجائر جائزا لعنوان ثانوى كسائر الوظائف التى تباح عند الجائر لعنوان ثانوى.
و لذا كان الشهيد قاضى نور الله ره، و غيره قضاة عند الظلمة.
(و لو فرض كونه قابلا للقضاء، لم يكن رزقه من بيت المال، او من جائزة السلطان محرّما قطعا).
اذ لا وجه للحرمة، لا من جهة كونه وظيفة عند الجائر و لا من جهة نفس القضاء، فانه رزق يعطيه السلطان لمن يقومون بشئون المسلمين التى من اهمّها القضاء (فيجب اخراجه) اى اخراج هذا الفرد من كونه قابلا للقضاء (عن العموم) اى عموم قوله: يأخذ على القضاء الرزق.
و قد عرفت ان اخراجه بدليل العقل و النقل (الا ان يقال: ان المراد) ب (الرزق) فى رواية ابن سنان الرزق
ص: 212
من غير بيت المال.
و جعله على القضاء بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض.
و كيف كان فالاولى في الاستدلال على المنع ما ذكرنا خلافا لظاهر المقنعة و المحكى عن القاضى من الجواز.
______________________________
(من غير بيت المال).
و لا يراد به الرزق بالمعنى المتعارف الّذي هو جائز، بل المراد به العوض.
(و) ذلك لان (جعله على القضاء) الّذي هو (بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض) فالرواية تدل على احد امرين.
اما ان الرزق من سلطان الجور حرام.
و اما ان عوض القضاء من غير بيت المال حرام.
و على المعنى الثاني: تكون الرواية دليلا للمنع حيث قلنا و قد يستدل للمنع.
(و كيف كان) معنى الرواية (فالاولى في الاستدلال على المنع) اى منع اخذ الجعل للحكم بالحق (ما ذكرنا) من روايات عمار، و سماعة و يوسف
و ذلك لعدم صحة الاستناد الى رواية ابن سنان لذلك، لما عرفت من انها محتملة لامرين، فلا يصلح دليلا بعد اجمالها (خلافا لظاهر المقنعة و المحكى عن القاضى) ابن البراج (من الجواز).
________________________________________
شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق
إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 213
و لا يخفى ان المقنعة للمفيد، و المقنع للصدوق و كلاهما في الفقه، فعندهما يجوز اخذ الجعل للقضاء بالحق.
ص: 213
و لعله للاصل، و ظاهر رواية حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت: ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم، و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الّذي يفتى بغير علم، و لا هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا، الخبر.
______________________________
(و لعله) اى الجواز (للاصل) لاصالة كل ما لم يرد على تحريمه دليل (و ظاهر رواية حمزة بن حمران، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول:
من استأكل بعلمه افتقر) اى طلب المال من علمه (قلت: ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم، و يبثونها في شيعتكم، فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام) اى ان شيعتكم يكرمونهم لاجل ما يبثون فيهم من علومكم.
و لا يخفى ان البر عمل الخير و الصلة الخير الواصل الى الغير و الاكرام، ما كان العطاء مع احترام الطرف المقابل، فالبرّ اعمّ من الصلة و هى اعمّ من الاكرام.
(فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين) الذين عنيت، و ان كانوا اذا طلبوا لاكل سمّوا مستأكلين- لغة- (انما ذاك) المستأكل الّذي قصدته، هو (الّذي يفتى بغير علم، و لا هدى من الله).
لعل الفرق ان العلم الوجداني، و الهدى ما كان طريقا مجعولا، و ان لم يورث العلم، كما قال سبحانه: بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لٰا هُدىً وَ لٰا كِتٰابٍ مُنِيرٍ*، (ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا) الى آخر (الخبر).
فان ظاهر هذا الخبر عدم الذم اذا كان حكما بالحق.
ص: 214
و اللام في قوله: ليبطل به الحقوق، اما للغاية او للعاقبة.
و على الاول: فيدل على حرمة اخذ المال في مقابل الحكم بالباطل
و على الثاني: فيدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا.
و على كل تقدير، فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لاجل الحكم بالباطل، او مع عدم معرفة الحق
______________________________
(و اللام في قوله: ليبطل به الحقوق، اما للغاية) اى قصده من اخذ المال الحكم بالباطل، مثل ابى هريرة، كان يأخذ المال من معاوية ليضع الاحاديث المكذوبة (او للعاقبة) مثل اللام في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً.
(و على الاول) اى لام الغاية (فيدل على حرمة اخذ المال في مقابل الحكم بالباطل).
و من الواضح انه حرام، فان الله اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه.
(و على الثاني) اى لام العاقبة (فيدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا).
و من المعلوم: ان الانتصاب، سابق على اخذ المال.
(و على كل تقدير) سواء كانت اللام للغاية، او للعاقبة (فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لاجل الحكم بالباطل، او) لاجل الحكم (مع عدم معرفة الحق) لقوله عليه السلام، في عداد القضاة الذين هم في النار، و رجل قضى بالحق و هو لا يعلم.
ص: 215
فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق.
و دعوى كون الحصر اضافيا بالنسبة الى الفرد الّذي ذكره السائل فلا يدل الا على عدم الذم على هذا الفرد
______________________________
فمناط الحكم بالباطل الموجود في الرواية «ليبطل به الحقوق» موجود في المقام، و هو الحكم بما لا يعلم، بل يظهر ذلك من قوله: بغير علم.
و عليه (ف) الرواية تدل على انه (يجوز الاستيكال مع الحكم بالحق) و هذا هو ما افتى به المفيد و القاضى.
(و) ان قلت: ان رواية حمزة لا تدل على جواز الحكم بالحق في قبال الجعل مطلقا، بل حيث ان الراوى سئل عن افراد مخصوصين اجاب الامام عليه السلام بالجواز بالنسبة إليهم، فالحصر في قول الامام «انما ذاك» اضافى بالنسبة الى مقابل «ذاك» و المقابل هو: الافراد الذين سألهم الراوى فقط، لا كل فرد يحكم بالحق.
و فرق بين ان يحصر الامام الحرام في طائفة ابتداءً فان الحصر حينئذ حقيقى، و يدل على ان كل من ليس من تلك الطائفة فعملهم حلال و بين ان يحصر الامام الحرام في طائفة بعد سؤال الراوى عن جماعة فان الحصر حينئذ اضافى، و يدل على ان عمل تلك الجماعة حلال، و لا يدل على ان عمل ما عداهم حلال- مطلقا-.
قلت: (دعوى كون الحصر) فى كلام الامام (اضافيا بالنسبة الى الفرد الّذي ذكره السائل) فيدل كلامه عليه السلام على ان من ذكره السائل عمله حلال (فلا يدل) كلامه عليه السلام (الا على عدم الذم على هذا الفرد)
ص: 216
دون كل من كان غير المحصور فيه خلاف الظاهر.
و فصّل في المختلف: فجوز اخذ الجعل و الاجرة مع حاجة القاضى و عدم تعيين القضاء عليه و منعه مع غناه او عدم الغناء عنه، و لعل اعتبار عدم تعين القضاء لما تقرر عندهم من
______________________________
الّذي في كلام السائل (دون) دلالة لكلامه عليه السلام على عدم الذم، ل (كل من كان غير المحصور فيه) «غير المحصور فيه» هم «كل من يفتى بالحق» لان الامام حصر الذم في «من يفتى بغير علم».
و الحاصل: ان حصر الامام الذم في من يفتى بغير علم لا يدل على عدم الذم في من لا يفتى بغير علم، (خلاف الظاهر) اذ ظاهر الحصر انه حقيقى، فكل من يفتى بعلم، لا بأس باخذه الجعل.
و قد تحقق الى هنا قولان.
الاول: ان من يفتى بالحق لا يجوز له اخذ الجعل.
الثاني: انه يجوز له اخذ الجعل.
(و فصّل) العلامة (فى المختلف: فجوز اخذ الجعل و الاجرة) و الفرق بينهما هو الفرق بين الاجارة و الجعالة كما ذكروه في كتب الفقه (مع حاجة القاضى) الى المال (و عدم تعيين القضاء عليه) بان لا يكون القاضى منحصرا فيه (و منعه) اى اخذ الجعل و الأجرة (مع غناه) اى عدم حاجة القاضي (او عدم الغناء عنه) بان كان القاضى منحصرا.
و المصنف ره ذكر وجه هذا التفصيل، بقوله: (و لعل اعتبار) العلامة (عدم تعين القضاء) على القاضى (لما تقرر عندهم) اى عند الفقهاء (من
ص: 217
خرمة الاجرة على الواجبات العينية.
و حاجته لا تسوّغ اخذ الاجرة عليها، و انما يجب على القاضى و غيره رفع حاجته من وجوه اخر.
و اما اعتبار الحاجة، فلظهور اختصاص ادلة المنع بصورة الاستغناء كما يظهر بالتأمل في روايتى يوسف، و عمار المتقدمتين.
______________________________
حرمة) اخذ (الاجرة على الواجبات العينية).
فاذا وجب القضاء على القاضى حرم اخذه الاجرة له.
و لا يخفى ان حال الجعل في هذه المسألة حال الاجرة لان بنائهم لزوم ان يؤتى بالعمل المعين مجانا، فلا فرق بين ان يأخذ مصلى اليومية اجرة على صلاته، او ان يأخذ جعلا.
(و) ان قلت: كيف يحرم اخذه الاجرة، و الحال ان القاضى محتاج فمن اين يمرّر معاشه.
قلت: (حاجته) اى احتياج القاضى (لا تسوّغ اخذ الاجرة عليها) اى على فتاواه في القضاء (و انما يجب على القاضى و غيره) ممن يؤدى الواجبات العينية مع حاجته (رفع حاجته من وجوه اخر) كالخمس و الزكات
(و اما اعتبار) العلامة (الحاجة) فى جواز اخذ القاضى الاجرة (فلظهور اختصاص ادلة المنع) اى الروايات التى تقدمت مما دلّت على المنع من اخذ القاضى الاجرة (بصورة الاستغناء) اى غنى القاضى (كما يظهر بالتأمل في روايتى يوسف، و عمار المتقدمتين).
فان ظاهر الرشوة في رواية يوسف انها تكون بدون الاحتياج بالإضافة
ص: 218
و لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائى، كما هو احد الاقوال في المسألة الآتية في محلها ان شاء الله.
______________________________
الى انها اردفت مع امور غير محتاج إليها، مثل النظر الى فرج المرأة و الخيانة لاعراض الناس.
و منه يعلم وجه دلالة رواية عمار، فان اجر الفاجرة يكون غالبا مع عدم الاحتياج، فتأمل.
(و) لكن لا يخفى ان تفصيل العلامة ضعيف اذ ما ذكرناه من الوجهين لكلامه ره بقولنا «و لعل» و «اما اعتبار» غير تامين.
اذ يرد على اولهما انه (لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه) «من» متعلق «بمانع» اى وجوب القضاء لا يمنع التكسب بالقضاء.
فان الوجوب (الكفائى) لا يمنع التكسب (كما هو احد الاقوال في المسألة) اى مسئلة جواز اخذ الاجرة على الواجبات (الآتية في محلها ان شاء الله) تعالى.
ثم ان المصنف لم يذكر ردّ التعليل الثاني للعلامة، اى قوله «و اما اعتبار الحاجة» اكتفاء بما تقدم، من كون «الادلة تمنع الرشوة مطلقا لا في خصوص صورة غنا القاضى».
لكن المنع انما هو فيما اذا كان الحكم بالباطل.
و لا تمنع الادلة الرشوة فيما اذا كان حكمه بحق.
ثم ان المصنف بعد ان ذكر مسئلة الأجرة في قبال القضاء بالحق، اراد ان يذكر سائر العناوين التى تكون في قبال القضاء بقوله:
ص: 219
و اما الارتزاق من بيت المال فلا اشكال في جوازه للقاضى مع حاجته بل مطلقا، اذا رأى الامام المصلحة فيه، لما سيجي ء من الاخبار الواردة في مصارف الاراضى الخراجية.
و يدل عليه: ما كتبه امير المؤمنين عليه السلام، الى مالك الاشتر من قوله عليه السلام: و افسح له، اى للقاضى بالبذل ما يزيح علّته و يقل معه حاجته الى الناس
______________________________
(و اما الارتزاق من بيت المال) بان يكون القاضى كسائر موظفى الدولة يعطى له من بيت المال (فلا اشكال في جوازه للقاضى مع حاجته) للاصل و دلالة الادلة على جوازه (بل مطلقا) و ان لم يكن محتاجا (اذا رأى الامام المصلحة فيه) لوضوح انه اذا لم ير الامام المصلحة فلا يعطى من بيت المال.
و انما قلنا: بجواز الارتزاق (لما سيجي ء من الاخبار الواردة في مصارف الاراضى الخراجية) من ان رزق القاضى على بيت المال، فانه معدّ لكل مصالح المسلمين، و منها رزق القاضى.
(و يدل عليه) اى على جواز رزقه من بيت المال (ما كتبه امير المؤمنين عليه السلام: الى مالك الاشتر) حين ولّاه مصرفى عهده المعروف (من قوله عليه السلام: و افسح له، اى للقاضى بالبذل) و العطاء (ما يزيح) اى يزيل (علّته) اى حاجته، فان الحاجة علة لكثير من المعاصى و الآثام (و يقلّ معه) حاجته اى مع بذلك له (حاجته الى الناس).
و انما قال عليه السلام «يقل» و لم يقل «يزول» لان الحاجة لا تزول
ص: 220
و لا فرق بين ان يأخذ الرزق من السلطان العادل، او من الجائر لما سيجي ء من حلية بيت المال لاهله، و لو خرج من يد الجائر.
______________________________
فان نهمة النفس الى المال، لا تزول مهما كان للانسان من ثروة.
ثم لا يخفى: ان عهد الامام عليه السلام الى مالك الاشتر من افخر مفاخر الاسلام، لكن لا ينفع كتابته و طبعه و قراءته و الافتخار ما لم يضعه المسلم موضع التنفيذ، فان مثل هذا العهد، مثل الماء النازل من السماء يحتاج الى مدّ السواقى و الجد اوّل له، بالإضافة الى احتياجه الى الزرع بسببه حتى يعطى الثمار المطلوبة.
و عهد الامام عليه السلام هكذا بحاجة الى استخراج الفروع منه، و جعل الضوابط و الخطوط البارزة لما بينه الامام عليه السلام من الخطوط العامة في العهد، حتى يمكن ان تستفاد منه حكومة عصرية تعطى حاجات العصر بنحو افضل، مما تعطى سائر المبادئ و المذاهب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، هذا في الجانب العلمى ثم يأتى الدور الاهم و هو: الجانب العملى، بالسعى لتطبيق ذلك في الحياة.
و من المعلوم ان السعى يلزم ان يكون مناسبا لحجم المهمة و اللّه المستعان.
(و لا فرق بين ان يأخذ الرزق من السلطان العادل، او من الجائر).
اما العادل فواضح، و اما الجائر، ف (لما سيجي ء من حلية بيت المال لاهله، و لو خرج من يد الجائر) فان ما يملكه الانسان يصبح حراما اذا مرّ في يد غاصبة.
ص: 221
و اما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من اخذ الرزق من السلطان، فقد عرفت الحال فيه.
و اما الهدية و هى ما يبذله على وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان، او باطلا، و ان لم يقصد المبذول له الحكم الا بالحق اذا عرف و لو من القرائن: ان الباذل قصد الحكم له على كل تقدير،
______________________________
(و اما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من اخذ الرزق من) يد (السلطان، فقد عرفت الحال فيه) و انه حيث لا يكون المنصوب اهلا للقضاء، الى آخر ما تقدم في توجيه الرواية.
(و اما الهدية) التى تبذل للقاضى- و هى القسم الرابع، اذ قد تقدم الاجرة و الجعل و الرزق- (و هى ما يبذله على وجه الهبة).
و الفرق بين الهدية و الهبة: ان الاول هبة فيها نوع اكرام (ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا، كان) الحكم (او باطلا) بان كان قصد الباذل الوصلة الى مقصده (و ان لم يقصد المبذول له) و هو الحاكم الآخذ للهدية (الحكم الا بالحق) فالظاهر حرمته من جهة قصد الباذل (اذا عرف) الحاكم (و لو من القرائن: ان الباذل قصد الحكم له على كل تقدير) باطلا او حقا.
و انما شرط المصنف الحرمة بقوله: اذا، لانه اذا لم يعرف الحاكم ذلك- و ان احتمله- فانه لا بأس باخذها، لاصالة الصحة في فعل المسلم، بل في فعل كل انسان، و لو كان كافرا، لانه اصل عقلائى لم يردع عنه الشارع، بل بالنسبة الى فعل المسلم فرده بقوله عليه السلام: ضع
ص: 222
فيكون الفرق بينها و بين الرشوة، ان الرشوة تبذل لاجل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له على الحكم، على وفق مطلبه فالظاهر حرمتها، لانها رشوة، او بحكمها بتنقيح المناط.
و عليه يحمل ما تقدم من قول امير المؤمنين عليه السلام: و ان اخذ، يعنى الوالى هدية، كان غلولا، و ما ورد من ان هدايا العمال غلول، و في آخر، سحت، و عن عيون الاخبار عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام، في تفسير قوله تعالى: أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ
______________________________
امر اخيك على احسنه (فيكون الفرق بينها و بين الرشوة، ان الرشوة تبذل لاجل الحكم) فكانها في قبال الحكم (و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له) اى للحاكم (على الحكم، على وفق مطلبه) اى مطلب الباذل.
قوله (فالظاهر حرمتها) جواب «و اما الهدية» و قد ذكرنا الجواب نحن قبل اسطر إيضاحا للمطلب، بدون فصل طويل (لانها رشوة) عرفا فتشملها ادلة الرشوة (او بحكمها بتنقيح المناط) اذ لا يرى العرف فرقا بين الامرين.
(و عليه) اى على هذا النحو من الهدية (يحمل ما تقدم من قول امير المؤمنين عليه السلام) فى رواية اصبغ (و ان اخذ، يعنى الوالى هدية، كان غلولا، و ما ورد) فى حديث آخر (من ان هدايا العمال غلول، و في) حديث (آخر) انها (سحت، و) روى (عن عيون الاخبار) لمؤلفه الصدوق (عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام، عن امير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى: أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ) حيث ذم اللّه سبحانه قوما من
ص: 223
قال هو الرجل يقضى لاخيه حاجته، ثم يقبل هديته.
و للرواية توجيهات، تكون الرواية على بعضها محمولة على ظاهرها من التحريم، و على بعضها محمولة على المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من اهل الحاجة إليه، لئلا يقع في الرشوة يوما.
و هل يحرم الرشوة في غير الحكم بناء على صدقها،
______________________________
علماء الاديان السابقة (قال) عليه السلام: (هو الرجل يقضى لاخيه حاجته، ثم يقبل هديته) فانها تحمل على المعنى الّذي ذكرناه للهدية، و الا لا تكون الهدية حراما، بلا اشكال.
(و) لا يخفى: ان (للرواية توجيهات) متعددة (تكون الرواية على بعضها) اى بعض تلك التوجيهات (محمولة على ظاهرها من التحريم) كما اذا كان من قبيل هدية العمال، و قد تقدم انها غلول (و على بعضها محمولة على المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من اهل الحاجة إليه، لئلا يقع في الرشوة يوما) و هو ما اذا قلنا: ان المراد اخذ الهدية التى يخشى ان تنتهى الى الرشوة، و على بعضها محمولة على الكراهة العادية و هو ما اذا حمل على الأخذ للهدية لانه نوع من افساد العمل.
فما كان لله لا ينبغى ان يؤخذ في قباله شي ء، فهو مثل ان يصلى ثم يأخذ الهدية على صلاته.
(و هل يحرم الرشوة في غير الحكم) سواء كان ذلك العمل واجبا على المرتشى، أم لم يكن واجبا (بناء على صدقها) اى الرشوة على غير
ص: 224
كما يظهر مما تقدم عن المصباح و النهاية، كان يبذل له مالا، على ان يصلح امره عند الامير، فان كان امره منحصرا في المحرم، مشتركا بينه، و بين المحلل لكن بذل على اصلاحه حراما، او حلالا، فالظاهر حرمته، لا لاجل الرشوة لعدم الدليل عليه عدا بعض الاطلاقات المنصرف الى الرشا في الحكم، بل لانه اكل للمال بالباطل، فتكون الحرمة هنا لاجل الفساد،
______________________________
الحكم أيضا.
اما بناء على عدم صدقها موضوعا، فلا تشملها ادلة التحريم (كما يظهر) صدقها (مما تقدم عن المصباح و النهاية) حيث عرفا الرشوة بما يشمل غير الحكم أيضا (كان يبذل له) اى لمن يعمل (مالا، على ان يصلح امره عند الامير) واجبا كان ذلك، بان كان دفعا للظالم الّذي يريد ظلمه، فان دفع المنكر للقادر واجب، أم لا.
كما اذا اراد ارضا من الامير للتجارة و الاسترباح (فان كان امره منحصرا في المحرم) مثل ان يجيز له في بيع الخمر (او مشتركا بينه، و بين المحلل) مثل تحصيل رخصة للبناء (لكن بذل على اصلاحه حراما، او حلالا) رخصة يصلح بها ان يبنى مخمرا او مخبزا (فالظاهر حرمته لا لاجل) انه (الرشوة).
و انما قلنا: لا (لعدم الدليل عليه) اى على تحريم هذا النحو من الرشوة (عدا بعض الاطلاقات) المتقدمة (المنصرف الى الرشا في الحكم).
و مراده ببعض الاطلاقات ما تقدم من النهاية و المصباح، بل و ما تقدم عن مجمع البحرين (بل) حرمته انما هى (لانه اكل للمال بالباطل، فتكون الحرمة هنا لاجل الفساد) فيدخل في رواية تحف العقول فالاعطاء
ص: 225
فلا يحرم القبض في نفسه، و انما يحرم التصرف، لانه باق على ملك الغير.
نعم: يمكن ان يستدل على حرمته بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال.
و اما بذل المال على وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة، فلا حظر فيه، كما يدل عليه ما ورد في ان الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه، قال لا بأس و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و السوق
______________________________
حرام، لانه اعانة على الفساد، و عليه: فالقبض حرام أيضا.
لكن المصنف قال: (فلا يحرم القبض في نفسه، و انما يحرم التصرف، لانه باق على ملك الغير) فيشمله قوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.*
(نعم: يمكن ان يستدل على حرمته بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال) فانها اذا كانت محرمة مع انها للحلال، فالاولى حرمة ما نحن فيه بعد اذا كان العمل منحصرا في الحرام، او اعطاه لاجل ان يصلحه حراما كان او حلالا- كما لا يخفى-.
(و اما بذل المال على وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة) و هو القسم الثالث لقوله: فان كان منحصرا في المحرم، (فلا حظر فيه) اى لا منع شرعا، للاصل (كما يدل عليه ما ورد في ان الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه، قال) عليه السلام: (لا بأس).
و المراد: المنزل الّذي يريد ايجاره اى اشترائه فيما كان للمستأجر السابق الحق في ان لا يخليها، ا (و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و السوق
ص: 226
و نحوها.
و مما يدل على التفصيل في الرشوة، بين الحاجة المحرمة، و غيرها، رواية الصيرفى، قال سمعت أبا الحسن عليه السلام، و سأله حفص الاعور، فقال: ان عمال السلطان يشترون منا القرب و الأدوات فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا فرشوه حتى لا يظلمنا فقال: لا بأس بما تصلح به مالك، ثم سكت ساعة، ثم قال: اذا انت رشوته يأخذ منك اقل من الشرط.
______________________________
و نحوها).
اما اذا لم يحق للساكن السكنى، فاخذه المال في قبال الاخلاء حرام لانه اكل للمال بالباطل.
(و مما يدل على التفصيل في الرشوة، بين الحاجة المحرمة) فالرشوة حرام (و غيرها) فالرشوة حلال (رواية الصيرفى، قال سمعت أبا الحسن) موسى ابن جعفر (عليه السلام) فان أبا الحسن «المطلق» هو الامام الكاظم، و الثاني الرضا عليه السلام، و الثالث الهادى عليه السلام.
نعم في السنة الخطباء و تواريخ الرسول هو الامام امير المؤمنين عليه السلام (و سأله حفص الاعور، فقال: ان عمال السلطان يشترون منا القرب و الأدوات فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا) يعطينا الثمن، و يأخذ المثمن (فرشوه) اى اعطى عمالى للوكيل الرشوة (حتى لا يظلمنا) فلا يعطينا الاقل من حقنا، و لا يأخذ منا الأكثر من حقه (فقال) عليه السلام (لا بأس بما تصلح به مالك، ثم سكت) عليه السلام (ساعة، ثم قال: اذا انت رشوته يأخذ منك اقل من الشرط) المراد بالشرط القدر المقرّر من
ص: 227
قلت: نعم، قال فسدت رشوتك.
و مما يعد من الرشوة، او يلحق بها المعاملة المشتملة على المحابات كبيعه من القاضى ما يساوى عشرة دراهم بدرهم، فان لم يقصد من المعاملة الا المحابات التى في ضمنها، او قصد المعاملة، لكن جعل المحابات لاجل الحكم له بان كان الحكم له من قبيل ما تواطيا عليه من الشروط غير المصرح بها في العقد، فهى الرشوة،
______________________________
المثمن، او يأخذ منه دون الصفة المشترطة.
(قلت: نعم، قال) عليه السلام: قد (فسدت رشوتك).
و الظاهر ان فساد الرشوة فيما اذا لم يكن له في بيت المال حق قد ظلمه السلطان بعدم اعطائه له، و الا كان له الحق في ذلك المقدار اقتصاصا.
و حيث ذكر المصنف حكم الرشوة، و الهدية و نحوهما بيّن حكم قسم آخر، فقال:
(و مما يعد من الرشوة، او يلحق بها) حكما لوحدة المناط (المعاملة المشتملة على المحابات، كبيعه من القاضى ما يساوى عشرة دراهم بدرهم) او اشترائه من القاضى ما يساوى درهما بعشرة دراهم.
و كذلك صلحه معه و جعالته له، الى غير ذلك من صنوف المعاملات (فان لم يقصد من المعاملة الا المحابات التى في ضمنها) بحيث لو لا المحابات لم يعامل اصلا (او قصد المعاملة، لكن جعل المحابات لاجل الحكم له) و ذلك (بان كان الحكم له من قبيل ما تواطيا عليه من الشروط) الضمنية (غير المصرح بها في العقد، فهى الرشوة).
ص: 228
و ان قصد اصل المعاملة، و حابى فيها، لجلب قلب القاضى فهو كالهدية ملحقة بالرشوة.
و في فساد المعاملة المحابى فيها، وجه قوى.
ثم ان كلما حكم بحرمة اخذه، وجب على الآخذ ردّه، و ردّ بدله مع التلف اذا قصد مقابلته بالحكم، كالجعل و الأجرة حيث حكم بتحريمهما، و كذا الرشوة، لانها حقيقة جعل
______________________________
و يدل على ذلك تسمية العرف لها بالرشوة، فيشملها دليل حرمة الرشوة (و ان قصد اصل المعاملة، و) لكن (حابى فيها، لجلب قلب القاضى فهو كالهدية) التى تقدم الكلام فيها (ملحقة بالرشوة) فى الحرمة عطاء و اخذا.
(و في فساد المعاملة المحابى فيها، وجه قوى) لانه من اكل المال بالباطل.
و لا يخفى ان اضافة القاضى و الاحسان الى ولده، و ذويه، و العمل في داره ببناء و نحوه مجانا، او شبه المجان الى غير ذلك، كلها داخلة في الرشوة على التفصيل المتقدم.
(ثم ان كلما حكم بحرمة اخذه، وجب على) القاضى (الآخذ ردّه) ان كان موجودا (و ردّ بدله مع التلف) لقاعدة ضمان اليد (اذا قصد) المعطى (مقابلته) اى مقابلة ما اعطاه (بالحكم) بان اعطاه في قبال الحكم (كالجعل) للقاضى (و الأجرة) له (حيث) اى في اىّ مكان (حكم بتحريمهما و كذا) اللازم ردّ عين او بدل (الرشوة، لانها) اى الرشوة (حقيقة جعل
ص: 229
على الباطل.
و لذا فسرها في القاموس بالجعل، و لو لم يقصد بها المقابلة، بل اعطى مجانا، ليكون داعيا على الحكم، و هو المسمى بالهدية، فالظاهر عدم ضمانه، لان مرجعه الى هبة مجانية فاسدة، اذ الداعى لا يعد عوضا، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.
______________________________
على الباطل) فلا يصح عطائه و أخذه.
(و لذا فسرها) اى الرشوة (فى القاموس بالجعل) لان الرشوة نوع جعل أيضا- هذا كله اذا قصد المقابلة بالحكم- (و لو لم يقصد بها المقابلة، بل اعطى) الرشوة (مجانا، ليكون داعيا على الحكم، و هو المسمى بالهدية) كما تقدم من انها لجلب قلب القاضى (فالظاهر عدم ضمانه، لان مرجعه الى هبة مجانية فاسدة).
و انما كانت مجانية (اذ الداعى) اى ما يطلبه من القاضى (لا يعد عوضا) حتى اذا كان العوض فاسدا يكون المعوض باقيا على ملك المعطى.
و اذا تحقق انها هدية فاسدة قلنا: (و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) كما تحقق في محله.
فكما ان الهبة الصحيحة لا يضمن آخذها، كذلك الهبة الفاسدة لا يضمن آخذها.
لكن لا يخفى ان عينها لو كانت موجودة، كان له اخذها، كما له اخذ كل هبة، بل يحتمل ان له الاخذ حتى فيما اذا كان من مستثنيات اخذ الهبة، كالمتصرف فيها، و القريب، لانصراف ادلة المستثنيات عن المقام.
ص: 230
و كونها من السحت، انما يدل على حرمة الاخذ، لا على الضمان.
و عموم على اليد مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط المجانى.
و لذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام و في كلام بعض المعاصرين ان احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد، معلّلا بتسليط المالك عليها مجّانا.
______________________________
(و) ان قلت: ان كون مثل هذا المال من السحت يقتضي ضمان الآخذ له.
قلت: (كونها من السحت، انما يدل على حرمة الاخذ لا على الضمان) بل الاصل عدم الضمان.
(و) ان قلت: ان «على اليد» دال على وجوب ردّه.
قلت: (عموم على اليد مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط المجانى) لان اطلاق: على اليد، منصرف الى غير المجانى.
(و لذا) حيث لا يشمل المقام عموم: على اليد (لا يضمن) الآخذ (بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام) أيضا (و في كلام بعض المعاصرين ان احتمال عدم الضمان) اى عدم ضمان الحاكم (فى الرشوة مطلقا) بمختلف اقسامها (غير بعيد، معلّلا بتسليط المالك عليها) اى على الرشوة للحاكم (مجّانا) فقد اذهب المالك احترام مال نفسه، فهو من قبيل القاء المال في الشارع، بقصد الاعراض عنه.
فكما: ان «على اليد» لا يشمل المال الملقى في الشارع اذا اخذه انسان، كذلك لا يشمل الرشوة، فان الملك موضوع عرفى قرّره الشارع،
ص: 231
قال: و لأنها تشبه المعاوضة، و ما لا يضمن بصحيحه، لا يضمن بفاسده.
و لا يخفى ما بين تعليله من التنافى.
لان شبهها بالمعاوضة يستلزم الضمان، لان المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما ما وصل إليه بعوضه الّذي دفعه.
______________________________
فاذا ازال هذا الموضوع العرفى، و لم يكن دليل من الشرع على بقائه كان مقتضى القاعدة عدم الضمان.
(قال: و لأنها) اى الرشوة (تشبه المعاوضة) حيث انها تعطى في مقابل الحكم (و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) اذ المعاوضة لو كانت صحيحة لم يضمن الآخذ، فكذلك فيما اذا كانت فاسدة- حسب ما عرفت-.
(و لا يخفى ما بين تعليله) لعدم الضمان (من التنافى).
اذ كون الرشوة مجانية ينافى كونها كالمعاوضة، فانها لو كانت كالمعاوضة، لم تكن مجانية، بالإضافة الى ان كونها كالمعاوضة، يستلزم الضمان- لا عدم الضمان-.
(لان شبهها بالمعاوضة يستلزم الضمان) و ذلك (لان المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما) اى من الشخصين الذين عاوضا (ما وصل إليه بعوضه).
فالبائع ضامن للمال بمقابل المتاع.
و هنا الحاكم ضامن للرشوة بمقابل الحكم (الّذي دفعه) فكان الحاكم دفع الحكم الى الباذل في مقابل اخذه الرشوة منه.
ص: 232
فيكون مع الفساد مضمونا بعوضه الواقعى و هو المثل، او القيمة.
و ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه حتى لا يضمن بفاسده نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات بالنسبة الى غير العوض، كما ان العين المستأجرة غير مضمونة في يد المستأجر بالاجارة
______________________________
(ف) اذا كان اعطاء الرشوة كالمعاوضة (يكون مع الفساد) لاعطاء الرشوة (مضمونا) ذلك المال المعطى رشوة (بعوضه الواقعى و هو المثل) فيما اذا كانت الرشوة مثلية، كالحنطة (او القيمة) فيما اذا كانت الرشوة قيمية، كالانعام الثلاث.
و الحاصل: ان ما نحن فيه من صغريات قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» لا من صغريات قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»
(و) ان قلت: فلتكن الرشوة من المعاوضات التى لا يضمن كل من الطرفين بصحيحها.
قلت: (ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه، حتى لا يضمن بفاسده).
اذ معنى المعاوضة المبادلة بين شيئين.
و من المعلوم ان المبادلة لا تكون الا بضمان كل جانب للآخر.
(نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات) لكن لا بالنسبة الى العوضين، بل (بالنسبة الى غير العوض، كما ان العين المستأجرة) كالدار التى آجرها زيد بمائة دينار (غير مضمونة في يد المستأجر بالاجارة) اى بسبب الاجارة، لكن العين ليست في طرف العوض، بل المنفعة
ص: 233
فربما يدعى انها غير مضمونة، اذا قبض بالاجارة الفاسدة.
لكن هذا كلام آخر.
و الكلام فعلا في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة.
و التحقيق: ان كونها معاوضة، او شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها، لا لعدم الضمان.
______________________________
و هى مضمونة.
(فربما يدعى انها غير مضمونة، اذا قبض بالاجارة الفاسدة).
اذ المعاوضة وقعت بين مال الاجارة، و بين المنفعة، فالعين كما لا تضمن في الاجارة الصحيحة، كذلك لا تضمن بالاجارة الفاسدة، و انما يضمن الطرفان المنفعة و الاجرة.
(لكن هذا) الكلام و هو ضمان العين في الاجارة الفاسدة (كلام آخر) غير مربوط بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
(و الكلام فعلا) الآن (فى ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة).
(و) الحاصل: ان تعليل هذا المعاصر لعدم ضمان الرشوة بقاعدة:
ما لا يضمن، بكونها شبيهة بالعوض، تعليل للشي ء بضده.
اذ: (التحقيق: ان كونها) اى الرشوة (معاوضة، او شبيهة بها) اى بالمعاوضة (وجه لضمان العوض فيها، لا) انه وجه (لعدم الضمان) فتأمل جيدا.
(فروع في اختلاف الدافع) للرشوة (و القابض) اى الحاكم.
ص: 234
لو ادعى الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد و الحرمة و ادعى القابض انها هبة صحيحة، لداعى القربة، او غيرها احتمل تقديم الاول، لان الدافع اعرف بنيّته.
و لأصالة الضمان في اليد، اذا كانت الدعوى بعد التلف.
______________________________
(لو ادعى الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد) للدفع الموجب لاسترجاعها (و الحرمة) فى اكلها للآخذ (و ادعى القابض انها هبة صحيحة، لداعى القربة) الى الله تعالى (او غيرها) من سائر الدواعى الحسنة، كصلة الرحم، و مساعدة الفقير. بدون القربة.
اذ لا يشترط في الهبة القربة- كما قرر في كتاب الهبة- (احتمل تقديم الاول) اى قول الدافع (لان الدافع اعرف بنيّته).
و ربما يشكل فيه: بان اصالة الصحة مقدمة على هذه الاعرفية اذ لو اريد بالاخذ بهذه الاعرفية لزم تقديم قول كل انسان فعل شيئا يحتاج الى القصد، لدى اختلافه مع الطرف الآخر، مضافا الى انه لا دليل على حجية هذه الاعرفية.
(و لاصالة الضمان في اليد، اذا كانت الدعوى بعد التلف).
اذ قاعدة: على اليد ما اخذت، تفيد ان كل يد ضمانية الا ما خرج بالدليل و حيث لم تعلم ان المقام مما خرج، فالاصل «قاعدة اليد».
و انما قيده بما اذا كانت الدعوى بعد التلف لانه اذا كانت الدعوى قبلها كان للمعطى، اخذها مطلقا، لانها اما رشوة فاسدة، و اما هبة، و الهبة قبل التلف يصح استرجاعها.
ص: 235
و الاقوى: تقديم الثاني لانه يدعى الصحة.
و لو ادعى الدافع انها رشوة، او اجرة على المحرم و ادعى القابض كونها هبة صحيحة، احتمل انه كذلك لان الامر يدور بين الهبة الصحيحة و الاجارة الفاسدة.
و يحتمل العدم، اذ لا عقد مشترك هنا، اختلفا في صحته و فساده، فالدافع منكر، لاصل العقد الّذي يدعيه القابض، لا
______________________________
و لكن فيه، انها اذا كانت لذى رحم، او زوج، او ما اشبه، فلا يحق الاسترجاع و لو قال المصنف: فيما لو كانت الدعوى فيما لا يصح استرجاعها اذا كانت هبة، كان اولى.
(و الاقوى: تقديم الثاني) اى عدم كونها رشوة فاسدة، بل هبة صحيحة (لانه) اى الحاكم (يدعى الصحة) و اصالة الصحة محكّمة.
(و لو ادعى الدافع انها رشوة) محرّمة (او اجرة على المحرم) بان اعطيتك لاثبات باطل او ابطال حق (و ادعى القابض كونها هبة صحيحة احتمل انه كذلك).
يأتى فيه الاحتمالان السابقان من «قاعدة اليد» المقتضية للضمان و «اصالة الصحة» المقتضية لعدم الضمان، مع قوة الاحتمال الثاني (لان الامر يدور بين الهبة الصحيحة و الاجارة الفاسدة) فاصالة الصحة محكمة.
(و يحتمل العدم) بان لا يكون القول قول الحاكم (اذ لا عقد مشترك هنا، اختلفا في صحته و فساده) حتى يقال: ان قول مدعى الصحة مقدم (فالدافع منكر، لاصل العقد الّذي يدعيه القابض، لا) انه يعترف بالعقد
ص: 236
لصحته، فيحلف على عدم وقوعه.
و ليس هذا من مورد التداعى، كما لا يخفى.
و لو ادعى الدافع انها رشوة، و القابض انها هدية فاسدة، لدفع الغرم عن نفسه، بناء على ما سبق، من ان الهدية المحرمة لا يوجب الضمان.
______________________________
و ينكر (لصحته) حتى يقال: بان المقام مجرى اصالة الصحة (فيحلف على عدم وقوعه) اى عدم وقوع العقد، فتكون حينئذ هبة، و يصح الرجوع في الهبة اذا لم تكن مما لا يصح الرجوع فيها.
(و ليس هذا) المقام (من مورد التداعى، كما لا يخفى).
وجه احتمال التداعى، ان الباذل يدعى انه رشوة لا هبة و القاضى يدعى انه هبة لا رشوة فاللازم التحالف، ثم الرجوع الى اصالة الصحة.
و وجه عدم كونه تداعيا انه انما يكون تداعيا اذا لم يكن مع احدهما الاصل- كما لو ادعى احدهما البيع و الآخر الرهن-.
اما لو كان الاصل موجودا مع احدهما كما في ما نحن فيه، فليس الباب من التداعى.
(و لو ادعى الدافع انها رشوة، و القابض انها هدية فاسدة) و انما يدعى الدافع انها رشوة ليكون له الحق في الاسترجاع، و يدعى القابض انها هدية فاسدة (لدفع الغرم عن نفسه، بناء على ما سبق، من ان الهدية المحرمة لا يوجب الضمان) لقاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.
ص: 237
ففى تقديم الاول، لاصالة الضمان في اليد.
او الآخر، لاصالة عدم سبب الضمان و منع اصالة الضمان.
وجهان، أقواهما: الاول، لان عموم خبر: على اليد، يقضى بالضمان الا مع تسليط المالك مجّانا، و الاصل عدم تحققه.
و هذا حاكم على اصالة عدم سبب الضمان، فافهم.
______________________________
(ففى تقديم الاول، لاصالة الضمان في اليد) لقاعدة: على اليد ما اخذت حتى تؤدى.
فكل مورد شك في الخروج عن هذه القاعدة كانت الاصالة محكمة.
(او الآخر لاصالة عدم سبب الضمان و منع اصالة الضمان) اذ الضمان شي ء خلاف الاصل.
فكلما شك فيه، كان الاصل عدمه.
(وجهان، أقواهما: الاول) اى الضمان (لان عموم خبر: على اليد، يقضى بالضمان، الا مع تسليط المالك) للقابض (مجّانا و الاصل عدم تحققه) اى التسليط المجانى.
(و هذا) الاصل (حاكم على اصالة عدم سبب الضمان، فافهم) لعله اشارة الى ان بعد تحقق التسليط يشك في انه كان مجانيا او بمقابل، و حيث ان المقابلة مئونة زائدة، كان الاصل عدمها.
ثم: انه لو اخذ القاضى، او الدال، او العامل، الهدايا المحلّلة فهل للامام ان يأخذها منه أم لا؟ احتمالان:
من ان الشي ء انما قدم للوالى و اخويه، فهو المالك و ليس للامام ان
ص: 238
..........
______________________________
ينزع مالهم عن ايديهم.
و من: ان الشرط الضمنى ان الولاية او القضاء او العمالة بمقابل ما يعطيه الامام و ان كلّما عدا ذلك فهو للامام، فالمال و ان اهدى إليهم لكنه حسب الشرط الضمنى عمال رسول الله صلى الله عليه و آله جاءوا إليه، و جاءوا بالاموال يقسمونها قائلين هذا لكم و هذا لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما بال العامل نبعثه على اعمالنا، يقول: هذا لكم و هذا اهدى الى، فهلا جلس في قعر بيته، او بيت ابيه، او بيت أمه ينظر أ يهدى إليه أم لا؟.
و الّذي نفسى بيده لا يأخذ احد منها شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، الحديث، و تفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله.
ص: 239
في الجملة، بالأدلّة الاربعة لانه ظلم، و ايذاء و اذلال.
ففى رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و اكل لحمه معصية، و حرمة
______________________________
المسألة (التاسعة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرّما في نفسه (سبّ المؤمنين) و هو (حرام، في الجملة، بالأدلّة الاربعة).
اما من الكتاب فقوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، فان السبّ من اظهر مصاديق قول الزور.
و اما من العقل فلاستقلال العقل بقبح الظلم و من مصاديق الظلم السبّ و اما الاجماع فانه لا خلاف بين العلماء كافة في ذلك و (لانه ظلم، و ايذاء، و اذلال) و اهانة و تحقير و مورث للعداوة، الى غيرها من العناوين المحرمة و اما من السنة فمتواتر الروايات.
(ففى رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: سباب المؤمن فسوق) اى خروج عن طاعة الله فان الفسق بمعنى الخروج (و قتاله كفر) تقدم ان المراد بالكفر في مثل هذه الاحاديث الكفر العملى، و غالبا ما يطلق على المعصية الشديدة، و ان كانت كل معصية كفرا بهذا المعنى (و اكل لحمه) بالغيبة (معصية، و حرمة
ص: 240
ماله كحرمة دمه.
و في رواية السكونى، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة.
و في رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: جاء رجل من تميم الى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له: اوصنى فكان فيما اوصاه لا تسبوا، فتكتسبوا العداوة.
و في رواية ابن الحجاج، عن ابى الحسن عليه السلام:
______________________________
ماله كحرمة دمه).
فكما لا يجوز اراقة دم المؤمن، كذلك لا يجوز التصرف في ماله بدون اذنه.
(و في رواية السكونى، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة) سباب صيغة مبالغة على وزن فعال.
(و في رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: جاء رجل من تميم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال له: اوصنى، فكان فيما اوصاه) الرسول صلّى اللّه عليه و آله (لا تسبوا، فتكتسبوا العداوة) فان السب يوجب العداوة بين طائفة الساب و المسبوب- كما لا يخفى-.
(و في رواية ابن الحجاج، عن ابى الحسن عليه السلام) اى موسى بن جعفر عليه السلام.
فان أبا الحسن المطلق و أبا الحسن الاول، يراد به الكاظم عليه السلام.
ص: 241
فى الرجلين يتسابان، قال: البادى منهما اظلم، و وزره على صاحبه «و وزر صاحبه عليه» ما لم يعتذر الى المظلوم.
و في مرجع الضمائر اغتشاش، و يمكن الخطأ من الراوى.
و المراد- و اللّه اعلم-: ان مثل وزر صاحبه عليه لإيقاعه اياه في السب من غير ان يخفف عن صاحبه شي ء.
______________________________
و أبا الحسن الثاني يراد به الرضا عليه السلام.
و أبا الحسن الثالث عليه السلام يراد به الهادى عليه السلام.
اما اطلاقه على امير المؤمنين، عليه السلام، فذلك يحتاج الى القرينة (فى الرجلين يتسابان، قال) عليه السلام (البادى) اى الّذي ابتدأ (منهما اظلم) لانه ساب، و سبب لسب انسان آخر (و وزره على صاحبه) الظاهر ان معناه: وزر سب الثاني للبادى، على البادى.
و في بعض النسخ «وزر صاحبه عليه» (ما لم يعتذر) البادى (الى المظلوم) الّذي ظلمه بسبه له أولا، فاذا اعتذر حتى غفر له المسبوب، و استغفر اللّه تعالى، طهر عن ذنبه، هذا هو المعنى المفهوم من الرواية عرفا.
(و في مرجع الضمائر) «وزره» و «صاحبه» و «يعتذر» (اغتشاش، و يمكن الخطأ من الراوى) فى هذا التعبير الموجب للاغتشاش في مرجع الضمائر.
(و المراد- و اللّه اعلم-: ان مثل وزر صاحبه) المسبوب (عليه) اى على الساب (لإيقاعه اياه في السب) فان البادئ هو الّذي اوقع المسبوب في السب (من غير ان يخفف) تحمل الساب لوزر المسبوب (عن صاحبه شي ء) بل للمسبوب وزر واحد، و للساب وزران.
ص: 242
فاذا اعتذر الى المظلوم، عن سبه و ايقاعه اياه في السب، برء من الوزرين.
ثم ان المرجع في السب الى العرف، و فسره في جامع المقاصد باسناده ما يقتضي نقصه إليه مثل: الوضيع، و الناقص.
و في كلام بعض آخر: ان السب و الشتم بمعنى واحد.
و في كلام ثالث: ان السب ان تصف الشخص بما هو ازراء و نقص، فيدخل في النقص كلما يوجب الاذى كالقذف،
______________________________
(فاذا اعتذر) الساب (الى المظلوم، عن سبه) له (و) عن (ايقاعه اياه في السب، برء من الوزرين) وزر السب، و وزر ايقاع الغير في السب.
اقول: و من المحتمل ان لا يكون للمسبوب وزر في سبه للبادئ- كما افتى بذلك جمع- تمسكا بإطلاق قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ.
(ثم ان المرجع في السب الى العرف، و فسره في جامع المقاصد باسناده) اى اسناد الساب (ما يقتضي نقصه) اى نقص المسبوب (إليه) و ذلك السب (مثل: الوضيع، و الناقص) و ما اشبه.
(و في كلام بعض آخر: ان السب و الشتم بمعنى واحد) قال في مجمع البحرين، السب: الشتم، و مثله السباب بالكسر، و خفة الموحدة انتهى.
(و في كلام ثالث: ان السب ان تصف الشخص بما هو ازراء و نقص، فيدخل في النقص كلما يوجب الاذى كالقذف) بان ينسب إليه الزنا، و
ص: 243
و الحقير، و الوضيع، و الكلب، و الكافر، و المرتد، و التعيير بشي ء من بلاء اللّه تعالى، كالاجذم و الابرص.
ثم الظاهر: انه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب.
نعم يعتبر فيه قصد الاهانة و النقص، فالنسبة بينه و بين الغيبة،
______________________________
اللواط، و ما اشبه، او ينسب الى احد المربوطين به، نحو يا زاني، و يا لوطى و يا ابن الزنا، و ما اشبه.
و في بعض النسخ، كالقذى، مكان: القذف، و المعنى: ان يقال:
له يا قذى، كانه من فرط اذيته قطعة من القذى من باب زيد عدل (و الحقير و الوضيع، و الكلب، و الكافر، و المرتد، و) ما اشبه، او (التعيير) و الملامة (بشي ء من بلاء اللّه تعالى، كالاجذم و الابرص) او ما صنع به من القبيح او التشويه حقيقة كالملوط، و الاشتر، او ما اشبه ذلك، مما يعد في العرف سبا، و ان كان له حقيقة.
(ثم الظاهر: انه لا يعتبر في صدق السب) عرفا الّذي هو ميزان الحرمة شرعا (مواجهة المسبوب) فاذا سب انسان غائبا، صدق السب.
نعم: الظاهر انه يعتبر فيه المواجهة في الجملة، فلو سب زيدا- في داره الخالية- بحيث لم يسمعه احد، و لا يسمعه احدا فيما بعد لم يكن سبا، لانصراف الادلة عنه.
نعم اذا كانت مسجّلة تسجلّه عدّ سبّا.
(نعم يعتبر فيه قصد الاهانة و النقص، فالنسبة بينه) اى بين السب (و بين الغيبة،
ص: 244
عموم من وجه.
و الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع، لان مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه- و لو لا لقصد الاهانة- غيبة محرمة، و الاهانة محرم آخر.
ثم: انه يستثنى من المؤمن المتظاهر بالفسق، لما سيجي ء في الغيبة من: انه لا حرمة له.
______________________________
عموم من وجه).
فان التنقيص مواجهة، سب لا غيبة.
و ذكر الشخص بما لا يرضاه في غيابه بدون تنقيص او اهانة، غيبة لا سب.
و ذكره بظهر الغيب بالتنقيص سب و غيبة.
لكن لا يبعد وحدة العقاب، و ان تعدد الملاك في المجمع بينهما.
(و) اما قول المصنف: (الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع، لان مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه- و لو لا لقصد الاهانة- غيبة محرمة، و الاهانة محرم آخر) خلاف المتفاهم عرفا، و إلا لزم تكثر العقاب لانه غيبة، و اهانة و سب، و اذلال، و تحقير و تنقيص، و تعاون على الأثم، الى غيرها من العناوين المحرمة.
و لا اظن ان يلتزم بذلك احد، و على كل حال فالمسألة كلامية لا فقهية، و المرجع فيها العرف.
(ثم: انه يستثنى من المؤمن المتظاهر بالفسق، كما سيجي ء في) باب (الغيبة، من: انه لا حرمة له) فيجوز سبه، كما تجوز غيبته، بالنسبة الى
ص: 245
و هل يعتبر في جواز سبّه كونه من باب النهى عن المنكر؟ فيشترط بشروطه، أم لا؟ ظاهر النصوص و الفتاوى- كما في الروضة- الثاني.
و الاحوط الاول.
و يستثنى منه المبتدع أيضا، لقوله صلى الله عليه و آله: اذا رأيتم اهل البدع من بعدى فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبّهم و الوقيعة فيهم.
______________________________
الفسق المتظاهر فيه.
كان يقول له: يا خمار، او يا زانى- اذا كان يرتكب احد العملين بلا خفاء- بل يجوز سبّه و سب المنتسب إليه، اذا كانا فاسقين كما قال حبيب ابن مظاهر ره لذلك الفاسق: يا ابن الخمارة و ما اشبه.
(و هل يعتبر في جواز سبّه) حين كان متظاهرا (كونه من باب النهى عن المنكر فيشترط بشروطه) المذكورة في باب النهى عن المنكر، من احتمال التأثير، و ما اشبه (أم لا) يشترط، بل يجوز سبّه مطلقا- باستثناء خوف الضرر-.
ف (ظاهر النصوص و الفتاوى- كما في الروضة-) للشهيد الثاني (الثاني) فيجوز السبّ مطلقا.
(و الاحوط الاول) الا في مثل ما تقدم عن حبيب بن المظاهر رضوان الله عليه، و ما اشبه، فانه لا اشكال في جوازه مطلقا.
(و يستثنى منه) اى من حرمة السبّ (المبتدع أيضا، لقوله صلى الله عليه و آله: اذا رأيتم اهل البدع من بعدى فاظهروا البراءة منهم، و اكثروا من سبّهم، و الوقيعة فيهم)
ص: 246
و يمكن ان يستثنى من ذلك ما اذا لم يتأثر المسبوب عرفا بان لا يوجب قول هذا القائل في حقه: مذلة و لا نقصا، كقول الوالد لولده او السيد لعبده- عند مشاهدة ما يكرهه-: يا حمار، و عند غيظه يا خبيث، و نحو ذلك سواء لم يتأثر بذلك، بان لم يكرهه اصلا او تأثر به بناء على ان العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا.
______________________________
و الظاهر انه لا يخص المسلم المبتدع، بل يعم غير المسلم.
و لكن هل يجوز سبّ غير المسلم مطلقا او المبتدع و ذو النشاط منهم؟
و هل يجوز سبّ اتباع المبتدع الذين لا بدعة و لا نشاط لهم الآن؟
للمسألة صور، و فيها وجوه.
(و يمكن ان يستثنى من ذلك) السب المحرم أيضا (ما اذا لم يتأثر المسبوب عرفا بان لا يوجب قول هذا القائل في حقه: مذلة و لا نقصا، كقول الوالد لولده او السيد لعبده- عند مشاهدة ما يكرهه-: يا حمار، و عند غيظه) و غضبه منه (يا خبيث و نحو ذلك) من الفاظ السباب، نحو: يا احمق، و يا مجنون، و يا سفيه (سواء لم يتأثر بذلك، بان لم يكرهه اصلا) كما هو المتعارف عند صفاء القلوب (او تأثر به).
و انما يجوز مع تأثره (بناء على ان العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا).
و انما نقول: بالاستثناء، لانصراف ادلة الحرمة عن مثل ذلك.
لكن الظاهر: لزوم القول بإطلاق الحرمة، الا في صورة الرضا، اذ لا يبعد فهم العرف من ادلة الحرمة صورة الكراهة.
ص: 247
و يشكل الثاني بعموم ادلة حرمة الايذاء.
نعم: لو قال السيد ذلك في مقام التأديب، جاز لفحوى جواز الضرب و اما الوالد فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام: انت و مالك لابيك، فتأمل.
مضافا الى استمرار السيرة بذلك، الا ان يقال: ان استمرار السيرة، انما هو مع عدم تأثر السامع، و تأذيه بذلك.
______________________________
و مع ذلك فهو مشكل أيضا في مثل القذف، و ما اشبه و ان رضى المقذوف.
(و يشكل الثاني) اى جواز السبّ في صورة التأثر (بعموم ادلة حرمة الايذاء) بل عموم ادلة حرمة السب، فانه شامل للمقام أيضا.
(نعم: لو قال السيد ذلك في مقام التأديب) و لم يكن قذفا و ما اشبه (جاز، لفحوى جواز الضرب).
و ربما يشكل ذلك أيضا: بان جواز الضرب لا فحوى له، و لذا يجوز ضرب الزوجة، و لا يجوز سبّها- فى مورد النشوز- فتأمل.
(و اما الوالد فيمكن استفادة الجواز) حتى في صورة تأثر الولد بذلك (فى حقه) بالنسبة الى الولد (مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام: انت و مالك لابيك) فان المال يجوز سبّه، كان يقول الانسان لفراشه يا منحرف و ما اشبه (فتأمل) فان المالية للاب مجاز، مضافا الى ان المالية لا يوجب جواز كل تصرف حتى مثل السبّ.
(مضافا الى استمرار السيرة بذلك، الا ان يقال: ان استمرار السيرة انما هو مع عدم تأثر السامع، و تأذيه بذلك) فالسيرة اخص من المدعى.
ص: 248
و من هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلّم للمتعلّم فان السيرة انما نشأت في الازمنة السابقة، من عدم تالم المتعلم بشتم المعلم لعدّ نفسه ادون من عبده، بل ربما كان يفتخر بالسبّ لدلالته على كمال لطفه.
و اما زماننا هذا الّذي يتألم المتعلم فيه من المعلم، مما لم يتألّم به من شركائه في البحث من القول و الفعل، فحل ايذائه يحتاج الى الدليل و الله الهادى الى سواء السبيل.
______________________________
كما ربما يستدل لذلك، بقول امير المؤمنين عليه السلام، لمحمد بن الحنفية في حال الحرب «ادركك عرق من امك» فانه يعد سبّا عرفا فتأمل.
(و من هنا) اى من جهة ان السيرة اخص (يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلّم للمتعلّم) و صاحب الدكان لعامله، و ما اشبه (فان السيرة انما نشأت في الازمنة السابقة، من عدم تألّم المتعلّم بشتم المعلّم لعدّ نفسه ادون من عبده، بل ربما كان) المتعلم (يفتخر بالسبّ لدلالته على كمال لطفه) اى لطف الاستاد بالنسبة إليه.
(و اما زماننا هذا الّذي يتألّم المتعلّم فيه من المعلّم، مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول و الفعل) الصادرين من المعلم في حقه (فحلّ ايذائه يحتاج الى الدليل) و هو مفقود (و الله الهادى الى سواء السبيل).
بالإضافة الى انه ينبغى الاجتناب عنه مطلقا و ان كان جائزا و اللّه الموفق.
ص: 249
بل هو ضرورى، كما سيجي ء و الاخبار به مستفيضة منها: ما تقدم من ان الساحر كالكافر.
و منها قوله عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر، قليلا او كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربّه، و حدّه ان يقتل الا ان يتوب.
______________________________
المسألة (العاشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه (السحر) و هو: (حرام في الجملة).
و انما قيده ب «فى الجملة» لما سيأتى من بعض الصور المستثناة (بلا خلاف، بل هو) اى كونه حراما (ضرورى، كما سيجي ء، و الاخبار به مستفيضة) بالإضافة الى الكتاب و العقل، فيما لو كان مضرا.
فقد قال سبحانه: وَ اتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا الشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا، يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ، حيث دل على ان تعلّم الناس السحر كفر.
اما الروايات، ف (منها: ما تقدم من ان الساحر كالكافر) فى باب التنجيم.
(و منها قوله عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر، قليلا او كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربّه، و حدّه ان يقتل الا ان يتوب).
و معنى الكفر، العملى، لا الاعتقادى، كما تقدم.
و معنى آخر عهده بربّه، انه انقطع عن الله تعالى فليست بينه و بين الله صلة الايمان و الطاعة.
ص: 250
و في رواية السكونى، عن الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل، قيل يا رسول الله (ص) لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لان الشرك اعظم من السحر، و لان السحر و الشرك مقرونان.
و في نبوى آخر: ثلاثة لا يدخلون الجنّة، مدمن خمر، و مدمن سحر و قاطع رحم، الى غير ذلك من الاخبار.
______________________________
(و في رواية السكونى عن الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل، قيل يا رسول الله (ص) لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال) صلى الله عليه و آله: (لان الشرك اعظم من السحر، و لان السحر و الشرك مقرونان).
و المعنى انه حيث اقترن السحر و الشرك، و كان الشرك اعظمهما، لزم ان يقتل بالشرك لا السحر.
لكن الشرك لا يوجب القتل اذ القتل للمشرك تابع لموازين خاصة فاذا لم يؤثر الاعظم في القتل، لم يؤثر الادون في القتل.
بخلاف ساحر المسلمين فانه واجب القتل لسحره- حدّا-.
(و في نبوى آخر: ثلاثة لا يدخلون الجنة، مدمن خمر، و مدمن سحر و قاطع رحم، الى غير ذلك من الاخبار) و المشهور قتل الساحر حدّا، كما ذكروا في كتاب الحدود.
(ثم ان الكلام هنا يقع في مقامين، الاول في المراد بالسحر) موضوعا
ص: 251
و هو لغة على ما عن بعض اهل اللغة هو ما لطف مأخذه و دقّ.
و عن بعضهم: انه صرف الشي ء عن وجهه.
و عن ثالث انه الخدع.
و عن رابع انه اخراج الباطل في صورة الحق.
و قد اختلفت عبارات الاصحاب في بيانه، فقال العلامة ره في القواعد و التحرير: انه كلام يتكلم به، او يكتبه او رقية،
______________________________
(و هو لغة على ما عن بعض اهل اللغة هو ما لطف مأخذه و دقّ) فلا تصل إليه افهام العامّة.
(و عن بعضهم: انه صرف الشي ء عن وجهه).
مثلا: من يسحر اعين الناس بجعله في العصا زيبقا فتتحرك في الشمس، فيظن الناس انها حية تسعى، لطف مأخذ عمله و دقّ.
كما انه صرف العصى عن وجهها الى صورة الحية، بالتدبير المذكور.
(و عن ثالث انه الخدع) للناس بتصوير غير الواقع واقعا.
(و عن رابع انه اخراج الباطل في صورة الحق) فكون العصى حية باطلا، لكنه يخرجه في صورة الحية الواقعية.
(و قد اختلفت عبارات الاصحاب في بيانه) و انه ما هو (فقال: العلامة ره في القواعد و التحرير: انه كلام يتكلم به، او يكتبه او رقية) من «الرقى» طالب الشفاء، و تسمى «عوذة» أيضا.
و لعل الفرق بين «يكتبه» و «رقية» ان الثاني خاص بالشفاء و نحوه، او انه خاص بما اذا كتب و اعطاه للمسحور، بان جعله معه.
ص: 252
او يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، او قلبه، او عقله، من غير مباشرة.
و زاد في المنتهى: او عقد.
و زاد في المسالك: او اقسام، و عزائم، يحدث بسببها ضرر على الغير و زاد في الدروس: الدخنة و التصوير، و النفث.
______________________________
و لا يخفى: انه ليس كل رقية سحرا، كما ان كل سحر ليس برقية (او يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور) تمريضا، او تلوينا، او ما اشبه (او قلبه) بالانحصار او الفرح او الحزن او ما اشبه (او عقله) بالجنون و ما اشبه (من غير مباشرة) بان يكون الساحر بعيدا، و يؤثر سحره في المسحور و قد يكون بالمباشرة كان يطعمه شيئا مثلا.
(و زاد في المنتهى: او عقد) اى يعقد الساحر بالخيط، فيعقد الرجل عن حليلته مثلا، كما قال سبحانه: وَ مِنْ شَرِّ النَّفّٰاثٰاتِ فِي الْعُقَدِ.
(و زاد في المسالك: او اقسام) كما يقول الساحر: اقسمك يا فلان و يا فلان، و يذكر اسماء من الجن او الملائكة او الارواح او الجمادات او ما اشبه (و عزائم) كما يقول الساحر: عزمتك يا ارواح الاجنة، (يحدث بسببها ضرر على الغير) او احضار جن او روح او ما اشبه.
(و زاد) الشهيد الاول (فى الدروس: الدخنة) بضم الدال و سكون الخاء، دخان يصنعه الساحر عند السحر (و التصوير) فان بعضهم يصور صورة من السواد، ثم يقول للشخص انظر فيه، او يصوّر صورة، ثم يقطع رأس الصورة، و بذلك يقطع رأس ذلك الانسان الّذي رسمه باسمه كما اتفق لبعض السحرة قبل قرن تقريبا- و القصّة مشهورة- (و النفث) بان
ص: 253
و تصفية النفس.
و يمكن ان يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد: او يعمل شيئا.
نعم: ظاهر المسالك و محكى الدروس: ان المعتبر في السحر الاضرار فان اريد من التأثير في عبارة القواعد و غيرها، خصوص الاضرار بالمسحور، فهو، و الا كان اعمّ.
ثم ان الشهيدين عدّا من السحر استخدام الملائكة.
______________________________
ينفخ في شي ء من ماء او عقدة او طعام فيؤثر فيه اثرا خاصا (و تصفية النفس) تصفية شيطانية، فاذا صفت نفس الانسان، تمكن ان يؤثر في الغير بمجرد الإرادة، و تصفية النفس تحصل بالرياضة، و نحوها.
(و يمكن ان يدخل جميع ذلك) اى الاقسام التى ذكروها (فى قوله في القواعد: او يعمل شيئا) فان كل ذلك عمل شي ء كما لا يخفى.
(نعم: ظاهر المسالك و محكى الدروس: ان المعتبر في السحر الاضرار) بالغير.
(فان اريد من التأثير في عبارة القواعد و غيرها: خصوص الاضرار بالمسحور، فهو) اذ يطابق كلامه حينئذ كلامهما (و الا كان) كلام القواعد (اعمّ) من كلامهما.
و الظاهر: عدم شرط الاضرار لصدق السحر عرفا بكل تأثير، و لو لم يحدث ضررا.
(ثم ان الشهيدين) ره (عدا من السحر استخدام الملائكة) و هل هذا حقيقة استخدام للملائكة؟ او اسم فقط؟ و انما الشي ء الواقع حصول
ص: 254
و استنزال الشياطين، في كشف الغائبات، و علاج المصاب و استحضارهم و تلبيسهم ببدن صبى او امرأة و كشف الغائبات عن لسانه.
______________________________
المطلوب بامر خارق للعادة، احتمالان.
من ان الملائكة ارواح طاهرة خارجة عن قدرة البشر خصوصا بعد قوله سبحانه: لٰا يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ.
و من المعلوم: ان مستخدمى الملائكة- بزعمهم- قد يفعلون بسبب ذلك المحرمات.
و من ان الملائكة ليسوا باشرف من البشر الصالحين، فاذا اثر السحر فيهم اثر في الملائكة بطريق اولى.
و يدل على تأثير السحر في البشر الصالحين، ما ورد في شأن نزول «المعوذتين» فراجع (و استنزال الشياطين) و سمّى استنزالا، تبعا لقوله تعالى: عَلىٰ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيٰاطِينُ.
و قد ثبت في الاخبار- كما كشف عنه العلم الحديث- ان محل الشياطين و الجن فوق سبعة اذرع من الارض، فراجع في ذلك الاخبار في استحباب عدم علو البناء اكثر من سبعة اذرع، و كتاب: على حافة العلم الاثيرى لاحد علماء الغرب (فى كشف الغائبات، و علاج المصاب، و استحضارهم، و تلبيسهم ببدن صبى او امرأة).
و معنى التلبيس ان الصبى و المرأة يتكلم بدون الشعور، و الموحى لذلك الكلام هو الشيطان، فهو يلقى الكلام على الصبى او المرأة (و كشف الغائبات عن لسانه).
ص: 255
و الظاهر ان المسحور في ما ذكراه هى الملائكة، و الجن و الشياطين و الاضرار بهم يحصل بتسخيرهم، و تعجيزهم من المخالفة له، و الجائهم الى الخدمة.
و قال في الايضاح: انه استحداث الخوارق اما بمجرد التأثيرات النفسانية، و هو السحر
______________________________
(و الظاهر ان المسحور في ما ذكراه) الشهيدان (هى الملائكة، و الجن، و الشياطين).
و الفرق بين الجن، و الشيطان، و الملك، و الروح، ان الروح خاص بالانسان، و الملك روح طاهرة، و الشيطان روح شريرة، و الجن قسم خاص من الروح، بعضه شرير و بعضه طاهر.
لكن كل واحد من الاقسام الاربعة غير الآخر، و ان اشترك الجميع في كونها غير مرئية، و قابلة للتقمص و الرؤية، و قادرة على ما لا يقدر عليه الانسان، في كثير من الاحيان.
(و الاضرار بهم) اى بهؤلاء الارواح (يحصل بتسخيرهم، و تعجيزهم من المخالفة له) بسبب السحر (و الجائهم الى الخدمة).
او المراد اعم من ما ذكره المصنف، بان يكون المسحور الارواح المذكورة او باضافة سائر الناس بان يسحر بسببهم انسانا.
(و قال في الايضاح) فى تعريف السحر (انه استحداث الخوارق) اى الخارق للعادة، باسباب خفية (اما بمجرد التأثيرات النفسانية، و هو السحر) بان تؤثر نفسه في شفاء، او مرض، او عقد رجل عن حليلته، او ما
ص: 256
او بالاستعانة بالفلكيات فقط و هو دعوة الكواكب، او بتمزيج القوى السماوية بالقوّة الارضية و هى الطلسمات او على سبيل الاستعانة بالارواح السازجة و هى العزائم.
و يدخل فيه النيرنجات.
______________________________
اشبه ذلك (او بالاستعانة بالفلكيات فقط) فانهم يسخرون الكواكب و الشمس و القمر- بزعمهم- فاذا طلبوا منها شيئا فارقا، كنقلهم الى مكان بعيد، او احضار شي ء بعيد، صار ذلك الشي ء (و هو) المسماة ب (دعوة الكواكب، او بتمزيج القوى السماوية بالقوّة الارضية) فيزعمون ان للارض قوّة مسيطرة و للسماء قوة مسيطرة.
فاذا تمكن الانسان من مزج هاتين القوتين- كما تمزج قوة رجلين حين رفع حمل ثقيل، بحيث لا يقدر كل واحد منهما على رفعه- تمكن المازج بينهما من خرق العادة، و احداث أثر خارق (و هى) المسماة ب (الطلسمات) و الطلسم في اللغة الشي ء الغامض (او على سبيل الاستعانة بالارواح السازجة) اى البسيطة بدون تركيب، كالقوة الارضية او السماوية او الجن او الملك، او روح الميت (و هى) المسماة ب (العزائم) كان الساحر يعزم على تلك القوة ان تفعل كذا.
(و يدخل فيه) اى في السحر (النيرنجات) و هو جمع «نيرنج» معرب «نيرنگ» اى «بدون لون».
و قد يسمى بالفارسية «چشم بندى» كالذى يحلب من صورة البقرة الموجودة في الجدار، اللبن، بجعل كيس مطاطى من اللبن تحت
ص: 257
و الكل حرام في شريعة الاسلام، و مستحله كافر، انتهى.
و تبعه على هذا التفسير في محكى التنقيح، و فسر النيرجات في الدروس باظهار غرائب خواص الامتزاجات، و اسرار النيرين.
و في الايضاح اما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الاجسام السفلية فهو علم الخواص،
______________________________
ابطه، و مدّ انبوب منه الى اصابعه و يلبس ثوبا طويل الاكمام، فاذا ضغط على الانبوب خرج الحليب، فيظن الجاهل انه حلب من الصورة، فانه «چشم بندى» و العمل «بدون لون» واقعى، و انما له لون خيالى.
(و الكل حرام في شريعة الاسلام، و مستحله كافر) كالذى يستحل سائر المحرمات (انتهى) كلام الايضاح.
(و تبعه على هذا التفسير) للسحر، بالامور المذكورة (فى محكى التنقيح، و فسر النيرجات) بغير ما تقدم (فى الدروس باظهار غرائب خواص الامتزاجات).
مثلا: ان امتزج دواء ان ظهرت النار، و هذا غريب على الاذهان لعدم معرفتهم ذلك (و اسرار النيرين) اى الشمس و القمر فان تسخيرهما ثم فعل اشياء خارقة، يسمى سرا لهما، فان السر هو الشي ء المخفى الّذي لا يطلع عليه الا النادر.
(و في الايضاح اما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الاجسام السفلية فهو علم الخواص) كالامور التى يذكرها الدميرى في حياة الحيوان، و منه سحر، اذا كان خفى السبب و العلة، و منه ليس بسحر.
ص: 258
او الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل، و جر الاثقال و هذان ليسا من السحر، انتهى.
و ما جعله خارجا قد ادخله غيره.
و في بعض الروايات دلالة عليه.
و سيجي ء المحكي و المروى.
و لا يخفى ان هذا التعريف اعم من الاول، لعدم اعتبار مسحور فيه فضلا عن الاضرار ببدنه، او عقله.
______________________________
مثلا: اذ اكتحل الانسان بالشي ء الفلانى رأى الناس، و الناس لا يرونه (او الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل) جمع حيلة بمعنى علاج الامور بطرق فنية من نصب الجسور، و السرعة في السير (و جر الاثقال) و ما اشبه (و هذان ليسا من السحر) الا ما ذكرناه من الاستثناء (انتهى) كلامه ره (و ما جعله خارجا) من السحر (قد ادخله غيره) فى اقسام السحر و الظاهر ان مقتضى القاعدة التفصيل الّذي ذكرناه.
(و في بعض الروايات دلالة عليه) اى على كونه من السحر، كما يأتى في رواية الاحتجاج.
(و سيجي ء المحكى) اشارة الى قوله «قد ادخله» (و المروى) اشارة الى قوله «و في بعض الروايات».
(و لا يخفى ان هذا التعريف اعم من الاول) اى تعريف الايضاح للسحر، اعم من التعريف الاول (لعدم اعتبار مسحور فيه) اى في هذا التعريف بخلاف الاول (فضلا عن) اعتبار (الاضرار ببدنه، او عقله) مما اعتبره
ص: 259
و عن الفاضل المقداد في التنقيح: انه عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على افعال غريبة باسباب خفية، و هذا يشمل علمى الخواص و الحيل.
و قال في البحار بعد ما نقل عن اهل اللغة: انه ما لطف و خفى سببه انه في عرف الشرع مختص بكل امر يخفى سببه، و يتخيل على غير حقيقته و يجرى مجرى التمويه و الخداع، انتهى.
و هذا اعم من الكل، لانه ذكر بعد ذلك ما حاصله:
______________________________
التعريف الاول.
(و عن الفاضل المقداد في التنقيح: انه عمل) كالرياضات البدنيّة (يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على افعال غريبة باسباب خفية، و هذا) التعريف (يشمل علمى الخواص و الحيل) لصدق هذا التعريف عليه لكن لا يخفى ان قوله: ملكة نفسانية، يوجب خروج بعض اقسام الخواص و الحيل مما لا تحتاج الى الملكة.
و الظاهر من هذا التعريف ان مراد القائل، الخوارق التى يقوم بها اصحاب النفوس القوية التى يكتسبون تلك النفوس بالرياضات و المجاهدات
(و قال في البحار بعد ما نقل عن اهل اللغة) فى تعريف السحر (انه ما لطف و خفى سببه، انه في عرف الشرع مختص بكل امر يخفى سببه، و يتخيل على غير حقيقته، و يجرى مجرى التمويه و الخداع) كسحر السحرة في قبال موسى عليه السلام (انتهى).
(و هذا اعم من الكل، لانه ذكر بعد ذلك ما حاصله: ان السحر على اقسام).
ص: 260
و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون انها المدبرة لهذا العالم، و منها تصدير الخيرات، و الشرور، و السعادات، و النحوسات.
ثم ذكر انهم على ثلاثة مذاهب.
فمنهم: من يزعم انها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.
و منهم من يزعم انها قديمة لقدم العلة المؤثرة فيها.
و منهم: من يزعم انها حادثة مخلوقة، فعالة مختارة
______________________________
(الاول: سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر، و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون انها المدبرة لهذا العالم، و منها) اى من الكواكب (تصدير الخيرات) كالرخاء و الصحة (و الشرور) كالبلايا و الامراض (و السعادات و النحوسات) للافراد و الاشياء، فيوم كذا سعد، و شهر كذا نحس، و هكذا.
(ثم ذكر) البحار (انهم على ثلاثة مذاهب).
(فمنهم: من يزعم انها) اى الكواكب (الواجبة لذاتها الخالقة للعالم)
و لا يخفى بطلان قولهم، لاستحالة تعدد الواجب، كما قرر في محله بالإضافة الى ان فيها لوازم الحدوث كالحركة و الجسمية، و ما اشبه.
(و منهم من يزعم انها قديمة لقدم العلة المؤثرة فيها) حيث يرون هؤلاء ان الواجب تعالى فاعل بالجبر فالكواكب بالنسبة إليه كالحرارة بالنسبة الى النار.
(و منهم: من يزعم انها حادثة مخلوقة، فعالة مختارة) فى افعالها
ص: 261
فوض خالقها امر العالم إليها.
و الساحر عند هذه الفرق من يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها، و يعرف ما يليق بالعالم السفلى و يعرف معداتها ليعدها، و عوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية فيكون متمكنا من استحداث ما يخرق العادة
______________________________
(فوض خالقها امر العالم إليها).
(و الساحر عند هذه الفرق) الثلاثة (من يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها).
مثلا: ان زحل، فيه قوة فعالة غالبة على قوة الزهرة المنيرة، فاذا تعارضت القوتان غلبت قوة زحل على قوة زهرة، و القوة البسيطة هى التى تعمل وحدها، و القوة المركبة هى التى تعمل بمعاونة الغير (و يعرف ما يليق بالعالم السفلى) من قوى الكواكب (و يعرف معداتها) اى ما تهيئ تلك القوى (ليعدها).
مثلا: يعرف ان المثلث المنقوش بصورة كذا يعد قوة عطارد ليؤثر في الانسان الحامل له رفعة و سموا، كما ان الزجاجة الجامعة للاشعة تعدّ نور الشمس للتمركز في نقطة خاصة فتوجب الاحراق مثلا (و عوائقها ليرفعها) فاذا عرف ان الكوكب الفلانى يؤثّر في ايجاد الامطار الكثيرة، هيّئ ما يسبب بطلان هذه الخاصة، بكتابة طلسم او ما اشبه يمنع الامطار.
كل ذلك (بحسب الطاقة البشرية) علما و اعدادا، و منعا (فيكون) هذا الساحر بسبب هذه العلوم (متمكنا من استحداث ما يخرق العادة) التى لو لا عمل هذا الساحر لجرت العادة في مجراها الطبيعى.
ص: 262
و قد انكرها بعض الفلاسفة، و قال بها الاكابر منهم، و هى في انفسها مختلفة، فمنهم خيرة، و هم مؤمنو الجن، و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم.
مثل
______________________________
(الثاني: سحر اصحاب الاوهام و النفوس القويّة) عطف بيان للاوهام فان الشخص اذا زجر بدنه، و راضه تكون نفسه قوية.
فاذا قويت نفسه يتمكن من التأثير في الاشياء بالارادة.
فاذا كانت رياضته و عمله شرعيا، كان مشروعا، و الا كان غير مشروع.
(الثالث: الاستعانة بالارواح الارضية) اى الارواح الموجودة في الارض (و قد انكرها بعض الفلاسفة، و قال بها الاكابر منهم، و هى في انفسها مختلفة، فمنهم خيرة، و هم مؤمنو الجن).
و لعل المراد بغير الجن- المفهوم من هذا الكلام- الارواح للاموات و إلا فإني لم اجد روحا خيرة سوى الجن (و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم) اى القسم الشيطانى من الجن، فان الشيطان من قسم الجن أيضا، كما قال سبحانه: كٰانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، و قد تقدم الفرق بين الشيطان و بين الجن.
(الرابع: التخيلات) بعمل شي ء يوجب خيال الطرف المقابل و ان لم يكن له حقيقة (و الاخذ بالعيون) بسبب شي ء خفى حتى لا ترى العين الحقيقة.
و ذلك (مثل) هذا المثال الّذي ليس بسحر، و انما يبين معنى
ص: 263
راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا.
كرقاص يرقص و فارسان يقتتلان.
مثل ان تجعل في الطعام بعض الادوية المبلدة، او المزيلة للعقل، او الدّخن المسكر او عصارة البنج المجعول في الملبس.
______________________________
اشتباه العين، ك (راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا) او راكب القطار يتخيل اتصال خطى الحديد مسافة بعيدة.
(الخامس: الاعمال العجيبة التى تظهر من تركيب الآلات المركبة على نسب الهندسة) بشرط ان يسمى في العرف سحرا- أيضا- و الا، فالراديو و التلفزيون، و ما اشبه كلها من هذا الباب (كرقاص يرقص) بسبب الفنر المخفى (و فارسان يقتتلان) بالفنر او الكهرباء او ما اشبه.
(السادس: الاستعانة) فى تغيير منظر الشي ء او ايجاد حالة في الغير (بخواص الادوية، مثل ان تجعل في الطعام بعض الادوية المبلّدة) اى الموجبة للبلادة، فان التأثير في بدن الغير تمريضا و عقد او تبليد او ما اشبه من السحر، اذا كان سببه خفيا (او المزيلة للعقل او الدّخن المسكر) فاذا اكل الطعام جنّ او سكر (او عصارة البنج المجعول في الملبس) فانه يؤثر تخديرا في الجسم اذا وضع في اللباس.
و يحتمل ان يكون «ملبّس» بصيغة المفعول بالتشديد و هو قسم من الحلويات يلبس فيه المسكر بشي ء و يسمى بالفارسية «نقل».
ص: 264
و هذا مما لا سبيل الى انكاره، و اثر المغناطيس شاهد.
و علم الليمياء و الاسم الاعظم حتى يميل إليه العوام، و ليس له اصل.
______________________________
(و هذا) القسم (مما لا سبيل الى انكاره) حتى لمن ينكر السحر بالتأثيرات النفسية (و اثر المغناطيس شاهد) فانه يؤثر في جذب الحديد فاذا اخفى كان قسما من التمويه.
كما ينقل ان بعض المنحرفين ركب المغناطيس في الاركان الاربعة لقبة، فعلقت بسببها الضريح الحديدى، للمدفون في الفضاء، فكان يقول ان هذا من كرامة المدفون، فهدم احد العلماء جانبا من الاركان الاربعة، و لما اختل التوازن سقط الضريح.
(السابع: تعليق القلب) و توجيه الناس الى نفسه (و هو ان يدعى الساحر انه يعرف علم الكيمياء) و هو علم به يعرف الانسان كيف يبدل النحاس ذهبا (و علم الليمياء) و هو الطلسمات المؤثرة في امور مطلوبة.
و قد قالوا ان العلوم التى تؤثر تأثيرا غريبا خمسة تجمعها لفظة «كله سر» الكيمياء، و الليمياء، و الهيمياء، و السيمياء، و الريمياء (و الاسم الاعظم حتى يميل إليه العوام، و ليس له) اى لادعائه (اصل).
اقول: ان المجلسى بصدد بيان الامور المربوطة بالسحرة و السحر و لا يريد ان مثل هذا الادعاء سحر.
(الثامن: النميمة) لانها تفعل فعل السحر في التفريق بين المرء و
ص: 265
فنقول: اما الاقسام الاربعة المتقدمة من الايضاح فيكفى في حرمتها- مضافا الى شهادة المحدث المجلسى ره في البحار بدخولها في المعنى المعروف للسحر، عند اهل الشرع، فيشملها الاطلاقات- دعوى فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين، و ان مستحلّها كافر، و هو ظاهر الدروس أيضا، فحكم يقتل مستحلّها
______________________________
(المقام الثاني) من المقامين (فى حكم الاقسام المذكورة فنقول:
اما الاقسام الاربعة المتقدمة من الايضاح) و هى السحر، و دعوة الكواكب، و الطلسمات و العزائم (فيكفى في حرمتها- مضافا الى شهادة المحدث المجلسى ره في البحار) فيما تقدم من كلامه (بدخولها في المعنى المعروف للسحر، عند اهل الشرع، فيشملها الاطلاقات-) الدالة على حرمة السحر (دعوى فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين، و ان مستحلها كافر).
انما استفاد من كلام الايضاح دعوى الضرورة بمناسبة حكمه بان المستحل كافر، اذ لا يقتل مستحل غير الضرورى- كما لا يخفى- (و هو ظاهر الدروس أيضا، فحكم بقتل مستحلها).
و الحاصل: ان كون الاقسام الاربعة حراما، يدل عليه امران:
الاول: شهادة المجلسى بكونها سحرا، فتدخل في ادلة حرمة السحر.
الثاني: دعوى هؤلاء العلماء ضرورة الدين على الحرمة.
ان قلت: و هناك دليل ثالث على الحرمة، و هو الاجماع المدعى في
ص: 266
فانا و ان لم نطمئن بدعوى الاجماعات المنقولة.
الا ان دعوة ضرورة الدين مما يوجب الاطمينان بالحكم و اتفاق العلماء عليه، في جميع الاعصار.
______________________________
كلام جمع.
قلت: لا اطمينان بالاجماع، بعد مخالفة بعض العلماء في بعض الاقسام، كشارح النخبة و غيره.
و الى هذا اشار بقوله: (فانا و ان لم نطمئن بدعوى الاجماعات المنقولة) حتى نجعل الاجماع دليلا ثالثا على حرمة الاقسام الاربعة.
(الا ان دعوة ضرورة الدين) فى كلام من تقدم (مما يوجب الاطمينان بالحكم) بحرمة الاقسام الاربعة (و) ب (اتفاق العلماء عليه) اى على التحريم (فى جميع الاعصار).
اذ: لو لا اتفاقهم لا يمكن دعوى الضرورة، اى ان دعوى الضرورة كاشفة عن اتفاق العلماء.
ان قلت: كيف الجمع بين كلام المصنف اى قوله: «لم نطمئن بدعوى الاجماعات» و قوله: «اتفاق العلماء»،؟
قلت: كلامه الاول في صدد نفى الاجماع على كون الاقسام الاربعة داخلة في موضوع السحر، و كلامه الثاني في صدد كون الاقسام الاربعة محرمة- سواء كانت سحرا، أم لا-.
و الحاصل: ان المصنف لما قال في اوّل كلامه: «و المهم بيان حكمه لا موضوعه» صار بصدد ان حكم الاقسام الاربعة التحريم.
ص: 267
نعم ذكر شارح النخبة ان ما كان من الطلسمات مشتملا على اضرار او تمويه على المسلمين، او استهانة بشي ء من حرمات اللّه، كالقرآن و ابعاضه، و اسماء اللّه الحسنى، و نحو ذلك.
______________________________
ثم استدل لذلك بكلام المجلسى «انها سحر، و كل سحر حرام» و بدعوى بعض «ضرورة الدين على تحريم الاقسام المذكورة» ثم نفى الاطمينان ب «الاجماع على كونها سحرا».
نعم هناك اجماع على كونها محرمة، و لا تلازم بين كونها ليست بسحر و بين عدم حرمتها.
________________________________________
شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق
إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 273
فمن الممكن خروج بعض الاقسام الاربعة عن السحر، موضوعا، مع كونها محرمة، لاجل دليل آخر، مثلا: ما تقدم في كلام المجلسى من «جعل المبلد في طعام الشخص» لا شك في كونه حراما، لكن في كونه من اقسام السحر اشكال.
(نعم) يشكل دعوى الاتفاق التى ذكرناها بمخالفة بعض العلماء.
فانه (ذكر شارح النخبة ان ما كان من الطلسمات مشتملا على اضرار او تمويه على المسلمين) و المراد: التمويه المحرم، فانه لا دليل على ان كل تمويه حرام.
مثلا: من موه على الناظر، بان لونه ابيض ناصع، و الحال ان لونه اصفر، لا دليل على حرمة مثل هذا التمويه- الا اذا اطلق عليه لفظ السحر (او استهانة بشي ء من حرمات اللّه، كالقرآن و ابعاضه، و اسماء اللّه الحسنى، و نحو ذلك) كالاستهانة باسم الأنبياء و الائمة، كما يحكى عن
ص: 268
فهو حرام بلا ريب، سواء عد من السحر، أم لا و ما كان للاغراض كحضور الغائب و بقاء العمارة و فتح الحصون للمسلمين، و نحوه فمقتضى الاصل جوازه.
و يحكى عن بعض الاصحاب.
و ربما يستندون في بعضها الى امير المؤمنين و السند غير واضح.
______________________________
بعض الناس من انهم يهينون المقدسات بالنجاسة- و العياذ باللّه- فيخبرهم الارواح الشريرة بالمغيبات (فهو حرام بلا ريب، سواء عد من السحر، أم لا).
و ذلك: لشمول ادلة السحر، لما عدّ منها سحرا، و شمول ادلة تحريم الاستهانة بالمقدسات، و ما اشبه في ما سوى ذلك (و ما كان) من الطلسمات (للاغراض) الاخر غير الاضرار، و التمويه، و الاستهانة (كحضور الغائب) سريعا (و بقاء العمارة) بعدم انهدامها بالعواصف و نحوها (و فتح الحصون للمسلمين، و نحوه) كزواج البنت، و رواج السوق، و قضاء الحاجة (فمقتضى الاصل جوازه) فان كل شي ء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه.
(و يحكى) الجواز لهذه الاقسام من الطلسمات (عن بعض الاصحاب) أيضا.
(و ربما يستندون في بعضها) اى بعض الطلسمات (الى امير المؤمنين) عليه السلام (و السند غير واضح).
و لعل مراده: بما يسند إليه عليه السلام «جنة الاسماء» المشهورة لمختلف الحوائج.
و كون السند غير واضح، لان في طريقها جمع من العامة.
ص: 269
و الحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر، و وجهه غير واضح، انتهى.
و لا وجه اوضح من دعوى الضرورة من فخر الدين و الشهيد قدس سرهما.
______________________________
لكن لا يخفى ان «الجنة» عبارة عن اسماء اللّه تعالى و آيات من القرآن.
و لا ينبغى الاشكال في جواز الطلسم الّذي يكون مركبا من الاشياء الجائزة، كالقرآن و الادعية، و اسماء المقدسات لشمول الاطلاقات له، نحو «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» و «قال ربكم: ادعونى استجب لكم» و ما دل على ان التوسل بالأئمة الطاهرين يوجب قضاء الحاجة- كما في تفسير الامام العسكرى عليه السلام، و غيره-.
و لا يخفى: ان كلام شارح النخبة الى قوله: و السند، غير واضح.
(و الحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر، و وجهه غير واضح، انتهى).
اذ لا دليل على كون الطلسمات مطلقا من السحر.
(و لا وجه اوضح) فى تحريم الطلسمات (من دعوى الضرورة من فخر الدين و الشهيد قدس سرهما) فهما و ان لم يصرحا بلفظ «الضرورة» الا ان فتواهما بقتل المستحل، يلازم كونه ضروريا، اذ لا يقتل غير مرتكب ضرورى التحريم- كما حقق في كتاب الحدود-.
و بالجملة: فالمصنف ينكر كون الطلسمات، سحرا، و لذا رد الدروس الملحق لها بالسحر، بقوله «وجهه غير واضح».
و لكنه يثبت التحريم للطلسمات، من جهة دعوى المجلسى و دعوى
ص: 270
و اما غير تلك الاربعة فان كان مما يضر بالنفس المحترمة، فلا اشكال أيضا في حرمته.
و يكفى في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى ارادته فمثل احداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا، روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على ان تسحر زوجها بسنده عن السكونى عن جعفر،
______________________________
الضرورة على التحريم، من الفخر و الشهيد.
(و اما غير تلك) الاقسام (الاربعة) المذكورة في كلام الايضاح، من سائر الاقسام التى ذكرها بعضهم للسحر (فان كان مما يضر بالنفس المحترمة، فلا اشكال أيضا في حرمته) لان الضرر حرام، و ان لم يكن سحرا.
نعم: اذا لم يكن الضرر بالغا، و لم يسمى سحرا، و رضى الطرف المقابل بذلك، لم يكن دليل على التحريم.
(و يكفى في الضرر) المحرم (صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى ارادته) فلو يوقف الطلسم الطرف عن الحركة، او عن بناء الدار، او ما اشبه كان حراما و ان لم يكن سحرا- مثلا-.
و ذلك لان مثل هذا ضرر عرفا، و لا ضرر و لا ضرار في الاسلام، بل و ان لم يكن ضررا عرفا حرام أيضا، لانه سلب لارادة الشخص، و خلاف:
الناس مسلطون على انفسهم.
و كيف كان (فمثل احداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا، روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على ان تسحر زوجها بسنده عن السكونى) و هو ثقة، كما حقق في الرجال (عن جعفر،
ص: 271
عن ابيه عن آبائه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لامرأة سألته ان لى زوجا و به غلظة عليّ، و انا صنعت شيئا لاعطفه على، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اف لك، كدرت البحار، و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الاخيار، و ملائكة السماء و الأرض، قال فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: ان ذلك لا يقبل منها بناء على ان الظاهر
______________________________
عن ابيه عن آبائه) عليهم السلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لامرأة سألته ان لى زوجا و به غلظة على، و انا صنعت شيئا لاعطفه على فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: افّ لك، كدرت البحار، و كدرت الطين).
و المعنى: ان هذا العصيان سبّب تكدر البحار و الارض.
و لعل ذلك كناية عن تأذيهما، او عن عدم تمكنهما من عملهما الّذي يأتى منهما، كالمرأة اذا تكدرت، لا ترى فيها الصورة واضحة (و لعنتك الملائكة الاخبار، و ملائكة السماء و الأرض، قال) الامام عليه السلام (فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها) بالعبادة استغفارا عن المعصية، و توبة الى اللّه بالتقرب إليه بسبب الاعمال الصالحة (و حلقت رأسها) لتذيق نفسها المذلة، فان مقاسات غير الملائم توجب سمو النفس، و لعل حلق الشعر لم يكن محرما ذلك الحين (و لبست المسوح، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: ان ذلك لا يقبل منها) فان قبول التوبة مشروط برضى المتضرر، فلو اضر انسان انسانا، كانت توبته بالإضافة الى الاستغفار ارضاء المتضرر- كما ورد في الروايات- (بناء على ان الظاهر
ص: 272
من قولها: صنعت شيئا، المعالجة بشي ء غير الادعية و الصلوات و نحوهما.
و لذا فهم الصدوق منها السحر، و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.
و اما ما لا يضر، فان قصد به رفع ضرر السحر او غيره من المضار الدنيوية او الأخروية.
فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه
______________________________
من قولها: صنعت شيئا، المعالجة) لجلب حبه (بشي ء غير الادعية و الصلوات و نحوهما).
(و لذا فهم الصدوق منها) اى من هذه الرواية (السحر، و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية) بل هو الظاهر من الحديث بقرينة تداول سحر المرأة للزوج، هذا كله فيما يضر من اقسام السحر غير الاقسام الاربعة المذكورة-.
(و اما ما لا يضر، فان قصد به رفع ضرر السحر) كان يفعل شيئا يفك المسحور الّذي عقد عن حليلته مثلا (او غيره من المضار الدنيوية) كان يمنع الظالم بواسطة الطلسم عن الظلم (او الأخروية) كان يكره بواسطة السحر الى اللاطى، اللواط- كما سئل عن بعض فقال: اتمكن ان اعمل شيئا انفّر به فلان اللاطى عن عمل اللواط-.
(فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه) لانه لا يحرم من حيث السحر، و كونه تصرفا في الغير لا يحرم، اذا كان ذلك التصرف الّذي يريده الغير حراما، كتصرف الظالم و اللاطى.
ص: 273
للاصل، بل فحوى ما سيجي ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا، و الا فلا دليل على تحريمه الا ان يدخل في اللهو او الشعبدة.
نعم لو صح سند رواية الاحتجاج، صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنه، و كذا لو عمل بشهادة من تقدّم
______________________________
نعم يلزم ان يكون تصرف الغير العصيانى اقل من تصرف هذا الانسان المانع له، فلا يجوز ان يشربه دواء يذهب شهوته تحفظا عليه من اللواط.
و بما ذكرنا ظهر انه لا فرق بين كون المانع ضارا، أم لا، لانه اذا كان دفعا للضرر الاهم جاز ذلك.
و الحاصل ان الاضرار بالغير و التصرف فيه خلاف ارادته كلاهما حرام، فاذا تعارض هذا الحرام بشي ء اهم جاز ارتكابه، لانه ليس بحرام في هذا الحال.
و انما نقول بالجواز (للاصل، بل فحوى ما سيجي ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا) فما لا يعلم كونه سحرا، يجوز بطريق اولى (و الا) يقصد بما لا يضر، دفع الضرر (فلا دليل على تحريمه) لانه ليس بسحر و لا ضار، و لا مناف لقاعدة: الناس مسلطون على اموالهم و انفسهم (الا ان يدخل في اللهو) المحرم (او الشعبدة) التى يأتى بيان موضوعها و حكمها.
فتحصل انه لو حصل احد العنوانات المذكورة من السحر او الاضرار او التصرف في الآخرين او اللهو و الشعبدة حرم، و الا فلا دليل على الحرمة.
(نعم لو صح سند رواية الاحتجاج) المتقدمة (صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنه، و كذا لو عمل بشهادة من تقدم) فى كون الاشياء المذكورة من السحر
ص: 274
كالفاضل المقداد، و المحدث المجلسى ره بكون جميع ما تقدم من الاقسام داخلا في السحر، اتجه الحكم بدخولها تحت اطلاقات المنع عن السحر.
لكن الظاهر استناد شهادتهم الى الاجتهاد.
مع معارضته بما تقدم من الفخر من اخراج علمى الخواص و الحيل من السحر، و ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره: السحر بما يحدث ضررا بل عرفت تخصيص العلامة له بما يؤثر في بدن المسحور، او
______________________________
(كالفاضل المقداد، و المحدث المجلسى ره بكون جميع ما تقدم من الاقسام داخلا في السحر) «بكون» متعلق ب «شهادة» (اتجه الحكم بدخولها تحت اطلاقات المنع عن السحر).
(لكن) لا يمكن الاستناد الى رواية الاحتجاج، لضعفها، و لا الى كلام من تقدم، لان (الظاهر استناد شهادتهم الى الاجتهاد) الشخصى، لا الى اللغة و العرف.
(مع) انه لو سلم استنادهم الى اللغة و العرف، لم يمكن الاخذ بهذه الشهادة (معارضته) اى كلام من تقدم من المقداد و المجلسى ره (بما تقدم من الفخر من اخراج علمى الخواص و الحيل من السحر، و) ب (ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره: السحر بما يحدث ضررا).
و اذا تضاربت اقوال اهل الخبرة، سقطت، فان كان هناك اصل موضوعى اخذ به، و الا كان المرجع: الأصول العملية، و هى تقتضى في المقام: الحل و الاباحة (بل عرفت تخصيص العلامة له) اى للسحر (بما يؤثر في بدن المسحور، او
ص: 275
قلبه، او عقله، فهذه شهادة من هؤلاء على عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الاقسام.
و تقديم شهادة الاثبات لا يجرى في هذا الموضع، لان الظاهر استناد المثبتين الى الاستعمال و النافين الى الاطلاع على كون الاستعمال مجازا للمناسبة.
______________________________
قلبه، او عقله، فهذه شهادة من هؤلاء) العلماء (على عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الاقسام) المذكورة في البحار.
(و) ان قلت: ان شهادة من يقول بانها سحر مقدمة على شهادة من ينفى كونها سحرا، لان الاثبات دائما مقدم على النفى- كما ذكروا في باب تعارض الشهادات-.
قلت: (تقديم شهادة الاثبات لا يجرى في هذا الموضع، لان الظاهر) ان كلتا الشهادتين علم و اطلاع، كما لو قال احدهم: زيد فاسق لانه شرب الخمر في الساعة الفلانية، و قال الآخر بل شرب الماء.
و انما تقدم شهادة الاثبات اذا كانت شهادة النفى عدم العلم، و المقام من قبيل شهادتى العلم ل (استناد المثبتين) لكون الاقسام المذكورة سحرا (الى الاستعمال) و هداية الحقيقة (و) استناد (النافين الى الاطلاع على كون الاستعمال مجازا للمناسبة) بين السحر و بين هذه الامور.
و يشهد للمجازية ذكرهم الادوية المبلدة و النميمة من السحر، مع معلومية انهما ليسا من السحر بمكان- الا على نحو من التأويل-.
ص: 276
و الاحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الاقسام في البحار، بل لعله لا يخلو عن قوة، لقوة الظن من خبر الاحتجاج، و غيره.
بقى الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر
و يمكن ان يستدل له مضافا الى الاصل بعد دعوى انصراف الادلة الى غير ما قصد به غرض راجح شرعا- بالاخبار.
منها: ما تقدم في خبر الاحتجاج.
و منها: ما في الكافى عن القمى، عن ابيه، عن شيخ من اصحابنا الكوفيين، قال: دخل عيسى بن السقفى على ابى عبد اللّه عليه السلام،
______________________________
(و الأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الاقسام في البحار) الا ما علم خروجه (بل لعله لا يخلو عن قوة، لقوة الظن من خبر الاحتجاج، و غيره) بكون جميع تلك الاقسام من السحر.
(بقى الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر و يمكن ان يستدل له مضافا الى الاصل- بعد دعوى انصراف الادلة الى غير ما قصد به غرض راجح شرعا) اذ لو لا دعوى هذا الانصراف لم يكن مجال للاصل، فان الاصل لا محل له عند وجود الادلة الاجتهادية من الاطلاقات و العمومات.
و قوله: (بالاخبار) متعلق ب «يستدل».
(منها: ما تقدم في خبر الاحتجاج) حيث دل على ان الملكين يدلان الناس الى علاج السحر بسحر مثله.
(و منها: ما في الكافى عن القمى، عن ابيه، عن شيخ من اصحابنا الكوفيين، قال: دخل عيسى بن السقفى على ابى عبد اللّه عليه السلام،
ص: 277
قال: جعلت فداك، انا رجل كانت صناعتى السحر، و كنت آخذ عليه الاجر و كان معاشى، و قد حججت منه، و قد منّ الله على بلقائك، و قد تبت الى اللّه من ذلك، فهل لى في شي ء من ذلك مخرج، فقال له: ابو عبد اللّه عليه السلام: حلّ و لا تعقد.
و كان الصدوق ره في العلل اشار الى هذه الرواية حيث قال: روى ان توبة الساحر ان يحل و لا يعقد.
و ظاهر المقابلة بين الحل و العقد، في الجواز و العدم كون كل منهما بالسحر.
______________________________
قال: جعلت فداك، انا رجل كانت صناعتى السحر، و كنت آخذ عليه الاجر و كان معاشى) من الاجور التى آخذها من السحر (و قد حججت منه، و قد منّ اللّه على بلقائك، و قد تبت الى اللّه من ذلك، فهل لى في شي ء من ذلك مخرج) بمعنى انه هل يقبل اللّه توبتى؟ و هل اتمكن في المستقبل من تعاطى هذا العمل، أم لا؟ (فقال له: ابو عبد اللّه عليه السلام: حل) الرجل المعقود عن حليلته (و لا تعقد) فانه دال على جواز الحل الّذي يكون بالسحر أيضا غالبا.
(و كان الصدوق ره في العلل اشار الى هذه الرواية حيث قال:
روى ان توبة الساحر ان يحل و لا يعقد).
و مراده ان التوبة تلازم ذلك، لا ان ذلك نفس التوبة- كما لا يخفى-.
(و ظاهر المقابلة) فى كلام الامام عليه السلام (بين الحل و العقد، في الجواز) للحل (و العدم) للعقد (كون كل منهما بالسحر) فيدل على جواز السحر حلا.
ص: 278
فحمل الحل على ما كان بغير السحر من الدعاء، و الآيات، و نحوهما كما عن بعض لا يخلو عن بعد.
و منها: ما عن العسكرى عن آبائه عليهم السلام، في قوله تعالى: وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ قال كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموهون بعث الله ملكين الى نبىّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يردّ به كيدهم
______________________________
(فحمل الحل على ما كان بغير السحر من الدعاء، و الآيات و نحوهما) كالادوية (كما عن بعض) حمل الرواية على هذا المعنى (لا يخلو عن بعد)
(و منها: ما عن العسكرى عن آبائه عليهم السلام، في قوله تعالى:
وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ) بابل، ارض بقرب الحلة، المتوسطة بين كربلاء و النجف و بغداد.
و معنى الآية ان الناس اتبعوا السحر الّذي كان الشياطين يصفونه عند ملك سليمان عليه السلام، و السحر الّذي انزل على الملكين الذين كانا ببابل، و اسمهما هاروت و ماروت (قال) عليه السلام في تفسير الآية (كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموّهون) من التمويه، بمعنى الباس الشي ء لباس غيره حتى يظن الرائى- مثلا- ان الشي ء حيّة- و الحال انه عصى حشيت بالزيبق، فتتحرك اذا اشرقت عليه الشمس، ف (بعث اللّه ملكين الى نبى ذلك الزمان) مصاحبين (بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يرد به كيدهم).
و اما لما ذا كانا ملكين، فيعلمه الله تعالى.
ص: 279
فتلقاه النبي عن الملكين، و اداه الى عباد الله بامر الله، و امرهم ان يقضوا به على السحر و ان يبطلوه و نهاهم عن ان يسحروا به الناس و هذا كما يقال: ان السمّ ما هو؟ و ان ما يدفع به غائلة السم ما هو؟ ثم يقال للمتعلم هذا السّم من رأيته سمّ فادفع غائلته بهذا و لا تقتل بالسم، الى ان قال: و ما يعلمان من احد ذلك السحر و ابطاله حتى يقولا للمتعلم انما
______________________________
و لعل احدهما كان يعلم السحر و الآخر كان يعلم ما يبطله، كما ان احد الملكين يكتب الحسنات و الآخر يكتب السيئات (فتلقاه) اى السحر و مبطل السحر (النبي عن الملكين، و اداه الى عباد الله بامر الله و امرهم) النبي (ان يقضوا به) بسبب هذا العلم (على السحر و ان يبطلوه) فالتعلم لاجل الابطال، (و نهاهم عن ان يسحروا به الناس، و) حيث انه كان الكلام موضع ايها انه اذا كان السحر حراما، فلما ذا علمهم النبي السحر و لم يقتصر تعليمه على مبطل السحر؟ قال عليه السلام: (هذا كما يقال:
ان السمّ ما هو؟ و ان ما يدفع به غائلة السم ما هو؟) كى يعرف اقسام السموم و بذلك يعرف علاج كل سم.
مثلا: عقد الرجل عن الحليلة قد يكون بالبنج و علاجه كذا، و قد يكون بالطلسم الكذائى و علاجه كذا، و قد يكون بالتسخير و علاجه كذا، فانه لا بدّ للمعلم ان يبين المرض و يبين العلامة و يبين العلاج (ثم يقال للمتعلم هذا السم) ف (من رأيته سمّ، فادفع غائلته بهذا) الدواء، و الغائلة: الاثر السيّئ (و لا تقتل) احدا (بالسم، الى ان قال) عليه السلام (و ما يعلمان من احد ذلك السحر و ابطاله حتى يقولا للمتعلم انما
ص: 280
نحن فتنة، و امتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا، و يبطلوا به كيد السحرة، و لا تسحروهم، فلا تكفروا باستعمال هذا السحر، و طلب الاضرار، و دعاء الناس الى ان يعتقدوا انك تحيى و تميت، و تفعل ما لا يقدر عليه الا الله فان ذلك كفر، الى ان قال: فيتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم، لانهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به، فقد تعلموا ما يضر بدينهم، و لا ينفعهم، فيه
______________________________
نحن فتنة، و امتحان للعباد).
و يظهر من الحديث: ان الملكين علّما نبىّ ذلك الزمان، و انهما كانا يعلمان الناس أيضا (ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا، و يبطلوا به كيد السحرة، و) كانا يقولان (لا تسحروهم) اى ايّها المتعلمون لا تسحروا الناس (فلا تكفروا باستعمال هذا السحر).
و قد تقدم ان المراد الكفر العملى، لا الكفر الاعتقادى (و) ب (طلب الاضرار) بالناس بسبب السحر (و) ب (دعاء الناس الى ان يعتقدوا انك) ايها المتعلم (تحيى و تميت، و تفعل ما لا يقدر عليه الا الله) بان تفعل سحرا يوجب موجب موت المسحور، او ان تفعل سحرا يوجب صحة المريض فتدعى انك احييت و امّت، و ما اشبه ذلك، كالاغناء و الافقار و نحوهما (فان ذلك) السحر، و الاضرار، و ادعاء الاحياء و الاماتة (كفر، الى ان قال) عليه السلام (فيتعلمون) الناس من الملكين (ما يضرهم و لا ينفعهم، لانهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به) الناس (فقد تعلموا ما يضر بدينهم و لا ينفعهم فيه).
ص: 281
الحديث.
و في رواية محمد بن الجهم، عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث قال: و اما هاروت و ماروت، فكانا ملكين علما الناس السحر، ليحترزوا به عن سحر السحرة، فيبطلوا به كيدهم، و ما علّما احدا من ذلك شيئا حتى قالا انما نحن فتنة، فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه، و جعلوا يفرّقون بما تعلّموه بين المرء و زوجه، قال الله تعالى: وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ، يعنى بعلمه
______________________________
اذ المتاع الدنيوية، لا تعد منفعة في مقابل الاضرار الاخروية الى آخر (الحديث) و هو طويل.
(و في رواية محمد بن الجهم، عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث قال) عليه السلام (و اما هاروت و ماروت، فكانا ملكين علما الناس السحر، ليتحرزوا به) اى بذلك السحر الّذي تعلموه (عن سحر السحرة، فيبطلوا به كيدهم، و ما علما احدا من ذلك) السحر (شيئا حتى قالا انما نحن فتنة) و امتحان (فلا تكفر) باستعمال السحر (فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه، و جعلوا يفرقون بما تعلموه) من السحر (بين المرء و زوجه، قال الله تعالى: و ما هم) اى أولئك الناس الذين تعلموا السحر (بضارّين به) اى بذلك السحر (من احد) «من» للتعميم، اى واحدا (الا باذن اللّه، يعنى بعلمه).
و يمكن ان يكون معنى الاذن الاجازة التكوينية كما في قوله سبحانه:
كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّٰهِ، فان الفئة القليلة اذا كانت
ص: 282
هذا كله مضافا الى ان ظاهر اخبار الساحر إرادة من يخشى ضرره، كما اعترف به بعض الاساطين.
و استقرب لذلك جواز الحل به بعد ان نسبه الى كثير من اصحابنا، لكنه مع ذلك كله قد منع العلامة في غير واحد من كتبه، و الشهيد ره في الدروس و الفاضل الميسى، و الشهيد
______________________________
مستعدة نفسيا للغلبة، و مهيئة لها الظروف الخارجية، كان ذلك اذنا تكوينيا لها بالغلبة.
و بهذا يجاب عن الاشكال: بانه لم لم يتغلب عيسى عليه السلام على اليهود الذين اراد و اصلبه، و على عليه السلام و خلّص شيعته على غاصبى الخلافة، و الحسن و الحسين عليهما السلام و انصارهما الاطياب على الخلفاء الجائرين.
و محل الكلام غير هذا المقام (هذا كله) دليل على ان ابطال السحر ليس بممنوع منه (مضافا الى ان ظاهر اخبار الساحر إرادة من يخشى ضرره، كما اعترف به بعض الاساطين).
لا يخفى ان هذا ظاهر بعض الاخبار و لكنه خلاف ظاهر بعض الاخبار الاخر كخبر المرأة التى عملت لمحبّة الزوج، و خلاف اطلاقات اخر.
(و استقرب لذلك جواز الحل به) اى حل السحر بالسحر (بعد ان نسبه الى كثير من اصحابنا، لكنه مع ذلك كله) ظهور بعض الروايات، و كلام بعض الاساطين الناسب للجواز الى كثير من الاصحاب (قد منع العلامة في غير واحد من كتبه و الشهيد ره في الدروس و الفاضل الميسى و الشهيد
ص: 283
الثاني ره من حل السحر به.
و لعلهم حملوا ما دل على الجواز- مع اعتبار سنده- على حالة الضرورة و انحصار سبب الحل فيه لا مجرد دفع الضرر مع امكانه بغيره من الادعية و التعويذات.
و لذا ذهب جماعة منهم الشهيد ان، و الميسى، و غيرهم: الى جواز تعلمه ليتوقى به من السحر و يدفع به دعوى المتنبى.
و ربما حمل اخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت و ماروت على جواز ذلك في
______________________________
الثاني ره من حل السحر به) اى حل السحر بالسحر.
(و لعلهم حملوا ما دل على الجواز- مع اعتبار سنده- على حالة الضرورة) فى ابطال السحر (و انحصار سبب الحل فيه) اى في السحر، بان لا يمكن حل السحر الا بسحر آخر، لا بدواء، او ما اشبه.
ف (لا) يجوز حل السحر بالسحر، ب (مجرد دفع الضرر مع امكانه) اى امكان دفع الضرر الوارد من السحر (بغيره من الادعية و التعويذات).
(و لذا) الّذي ذكرنا من الجواز في صورة الاضطرار، و عدم امكان دفع الضرر بغير السحر (ذهب جماعة منهم الشهيدان، و الميسى، و غيرهم:
الى جواز تعلمه) اى تعلم السحر (ليتوقى به من السحر) اى يتحفظ المتعلم للسحر (و يدفع به) اى بسبب السحر (دعوى المتنبى) اى الّذي يدعى النبوة و يأتى بالسحر لاغراء الناس.
(و ربما حمل اخبار الجواز) لدفع السحر بالسحر (الحاكية لقصة هاروت و ماروت، على جواز ذلك) السحر لدفع السحر (فى
ص: 284
الشريعة السابقة.
و فيه نظر.
______________________________
الشريعة السابقة) جمعا بينها و بين ما دل على اطلاق المنع.
(و فيه نظر) اذ الظاهر من الاخبار جواز ذلك مطلقا.
و وجه الجمع تخصيص ما دل على المنع المطلق بهذه الاخبار، ان لم نقل بالتخصص.
ثم ان الظاهر امكان اقتران دعوى النبوة بالسحر، لان السحر لا يوجب اغراء اهل الخبرة الذين هم محور فهم الحقائق.
اما اغراء الجهال فذلك لا يجب دفعه على الله تعالى، حتى يقال:
كيف يمكن تسليط الله للساحر بان يأتى بالخارق مقترنا بدعواه النبوة.
و ان هذا خلاف ما ثبت من ان الله لا يمكن الكاذب من الخارق الموجب لضلال الناس.
و على هذا المبنى بنى في اصول الكلام لزوم الاذعان بالذى يدعى النبوة، و يأتى بالخارق.
و على هذا فمن الجائز عقلا عدم ردع الله تعالى تكوينا من يدعى النبوة و يأتى بالسحر مؤيّدا لدعواه، فان ذلك لا يوجب اغراء اهل الخبرة، و الجهال اغرائهم كثير، حتى بدون الاتيان بالسحر.
و ليس حفظهم واجبا عقلا على الله تعالى، لان المقدمات المضلّة باختيارهم، فان تكليفهم- الّذي يرشد إليه عقولهم- المراجعة الى اهل الخبرة، فعدم رجوعهم الى اهل الخبرة، حجة عليهم.
ص: 285
ثم ان الظاهر: ان التسخيرات باقسامها
______________________________
و مثال ذلك: ما اذا راجع الجهال، الدجالين من مدعى الطب، فهل يعذرون عرفا اذا قالوا بانا لم نميز بين الدجال و الطبيب؟ أم يلامون بانهم لم تسرعوا الى قبول مدعى الطبابة بدون سؤال اهل الخبرة عن الطبيب الواقعى.
هذا كله حال امكان اقتران دعوى النبوة، من الكذاب لاظهاره خارقا بالسحر.
و اما وجوب دفعه و لو بابطال سحره بسحر آخر فلان مصلحة الابطال اهم من مفسدة السحر.
و اذا جاز الابطال بالسحر، جازت مقدماته التى منها تعلم السحر.
و من ذلك ما يحكى من ان مدعيا للنبوة ظهر في زمن شيخنا البهائى رحمه الله و كان يقرن ذلك بالسحر، فطلبه الشيخ البهائى بمحضر الملك الصفوى، و كان المجلس في سطح مرتفع و لما جادله الشيخ و رأى منه الانكار و العناد، رأوا الناس هطول المطر بشدة حتى وصل ماء المطر الى السطح، و هناك جاءت سفينة بامر الشيخ لتقلّهم حتى لا يغمرهم الماء المتزايد، و قدّم الشيخ المتنبى فلما ان وضع رجله في السفينة سقط من السطح و مات، و تبين انه لم يكن ماء و مطر و سفينة اطلاقا، و انما كان تصرفا من الشيخ لقتل هذا المتنبى الساحر.
(ثم ان الظاهر: ان التسخيرات باقسامها) سواء كان تسخير ملك، او جن، او روح، او انسان، او حيوان، او جمادات كالشمس، و ما اشبه
ص: 286
داخلة في السحر، على جميع تعاريفه.
و قد عرفت ان الشهيدين مع اخذ الاضرار في تحريم السحر، ذكرا:
ان استخدام الملائكة و الجن من السحر، و لعل وجه دخوله تضرر المسخّر بتسخيره.
و اما سائر التعاريف فالظاهر شمولها لها.
و ظاهر عبارة الايضاح أيضا دخول هذه في معقد دعواه الضرورة على التحريم
______________________________
(داخلة في السحر، على جميع تعاريفه) المتقدمة.
لكن ربما يشكل عدم الانطباق في بعض الاقسام كتسخير الحيوانات و ما اشبه، فراجع المفصلات.
(و) ان قلت: ان شرط السحر الاضرار- كما ذكر جمع- فكيف تنسبون اطلاق الحرمة الى الجميع حتى فيما اذا لم يكن ضررا؟ او لم يكن الضرر حراما- كتسخير الشمس، او تسخير الحيوان-.
قلت: الذين اشترطوا الضرر ذكروا للتسخير عنوانا مستقلا، اذ (قد عرفت) بما تقدم (ان الشهيدين مع اخذ الاضرار في تحريم السحر، ذكرا:
ان استخدام الملائكة و الجن من السحر، و لعل وجه دخوله) اى التسخير في السحر مع اشتراطهم الاضرار (تضرر المسخّر بتسخيره) فتأمل.
(و اما سائر التعاريف) للسحر التى لم تأخذ عنوان الاضرار قيدا (فالظاهر شمولها) اى سائر التعاريف (لها) اى للتسخيرات.
(و ظاهر عبارة الايضاح أيضا دخول هذه) التسخيرات (فى معقد دعواه الضرورة على التحريم) اى ضرورة الدين المستفادة من فتواه بقتل
ص: 287
لان الظاهر دخولها في الاقسام، و العزائم، و النفث.
و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات من الهوام، و السباع و الوحوش و غير ذلك خصوصا الانسان.
و عمل السيميا ملحق بالسحر اسما، او حكما.
______________________________
المستحل، لما تقدم من ان مستحل الضرورة يقتل.
فاذا افتى بالقتل كان معناه انه ضرورى التحريم.
و انما قلنا: بانه ظاهر عبارة الايضاح (لان الظاهر دخولها) اى التسخيرات (فى) ما ذكره من (الاقسام، و العزائم، و النفث) فان التسخير لا يكون الا بهذه الامور.
(و يدخل في ذلك) المحرم من انواع التسخيرات (تسخير الحيوانات من الهوام، و السباع، و الوحوش، و غير ذلك) كالطيور و الحيتان.
و على هذا فتسخير العقرب و الحية بعدم اللدغ من انواع السحر (خصوصا الانسان) لانه بالإضافة الى دخوله في عنوان السحر خلاف سلطنته على نفسه، و ضرر عرفا عليه.
(و) كذلك (عمل السيميا ملحق بالسحر اسما) لانه ليس سحرا (او حكما) لوجود المناط فيه.
و السيميا علم خواص الاشياء التى تؤثر تأثيرا غريبا كوضع عظم الهدهد في مكان خاص ليتكلم النائم بما يسأل عنه، و ما اشبه ذلك هذا و سيأتي من المصنف تعريفه بغير ذلك.
ص: 288
و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس، و المراد به على ما قيل احداث خيالات لا وجود لها في الحسّ يوجب تأثيرا في شي ء آخر.
______________________________
(و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس، و المراد به على ما قيل احداث خيالات) فى ذهن المسحور (لا وجود لها) حقيقة (فى الحسّ) بحيث (يوجب تأثيرا في شي ء آخر) «يوجب» صفة «وجود» اى ليس لتلك الخيالات وجود حقيقى حتى تؤثر في الخارج، و انما خيال يؤثر في الذهن فقط.
مثلا: ارائة الساحر للنار فانها لا وجود لها حقيقة حتى تؤثر في الطبخ و الاحراق، و انما خيال يؤثر في الذهن فقط.
ص: 289
و ما ذكره من وجوه السحر، بعضها قد تقدم عن الايضاح، و بعضها قد ذكر في ما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الّذي سئل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة، منها: ما ذكره بقوله: اخبرنى عن السحر، ما اصله؟ و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه؟ و ما يفعل؟ قال ابو عبد الله عليه السلام ان السحر على وجوه شتى، منها: بمنزلة الطبّ كما ان الاطباء وضعوا لكل داء دواء، و كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة، و لكل معنى حيلة.
______________________________
زوجه، و بين الصديقين (انتهى الملخص منه) رحمه الله.
(و ما ذكره من وجوه السحر، بعضها قد تقدم عن الايضاح، و بعضها قد ذكر في ما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الّذي سئل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة، منها: ما ذكره) ذلك الزنديق (بقوله:
اخبرنى عن السحر، ما اصله؟ و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه؟ و ما يفعل) من الامور الخارقة للعادة (قال ابو عبد الله عليه السلام ان السحر على وجوه شتى، منها: بمنزلة الطب) ف (كما ان الاطباء وضعوا لكل داء دواء، و كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة) فيعرفون كيف يمرضون الصحيح بادوية خفية؟ (و لكل عافية عاهة) فانهم يعرفون كيف يفرقون بين الناس فيبدلون العافية بضدها؟ او يكسدون سوق من له الحظ من الرواج، و ما اشبه ذلك (و لكل معنى حيلة) و علاجا، كالتصرف في النفوس بإلقاء الحب بين الزوجين، او ما اشبه ذلك
ص: 290
و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق، و خفّة.
و نوع منه ما يأخذه اولياء الشياطين منهم.
قال: فمن اين علم الشياطين السحر قال: من حيث علم الاطباء الطب بعضه بتجربة، و بعضه بعلاج.
______________________________
(و نوع آخر منه) اى من السحر (خطفة) يخطفون المرئى بسرعة، فيظن من لا يلتفت الى الدقائق ان الشي ء اعدم، كما يركبون تحت الجسم الثقيل ثقبة مبوّبة، فاذا سقط جاء الباب مكان الثقب فيظن الغبى ان الجسم اعدم من نفسه (و سرعة) فى الحركة، كسرعة اخذ الخاتم من وسط الخيط من طرف رأسه، فيظن الرائى انه اخذ من وسط الخيط (و مخاريق) ما يلعب به الصبيان من الخرق المفتولة فيصنعون فتائل يحشونها بالزيبق او نحوه، فيظن الرائى انها حيوانات تتحرك و ما اشبه ذلك (و خفة) فى الحركة، كما تقدم من مثال حلب البقرة على الحائط.
(و نوع منه ما يأخذه اولياء الشياطين منهم) اى من الشياطين كما قال سبحانه: إِنَّ الشَّيٰاطِينَ لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ، فيخبرون عن المغيبات، و ما اشبه.
(قال) الزنديق (فمن اين علم الشياطين السحر) حيث قال: وَ لٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ، (قال:) عليه السلام (من حيث علم الاطباء الطب بعضه بتجربة) كمعرفة ان العناب ينفع في تصفية الدم (و بعضه بعلاج) كمعرفة ان الضغط على موضع الجرح مدة يوجب وقوف الدم فانه علاج واضح، لا يحتاج الى التجربة لمعرفته.
ص: 291
قال: و ما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بانهما يعلمان الناس السحر؟ قال انما هما موضع ابتلاء و موقف فتنة، تسبيحهما اليوم لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا، و لو تعالج بكذا و كذا لصار كذا فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم، انما نحن فتنة، فلا تأخذ و اعنّا ما يضرّكم و لا ينفعكم.
قال: أ فيقدر الساحر على ان يجعل الانسان بسحره في صورة كلب او حمار او غير ذلك، قال: هو اعجز من ذلك، و اضعف من ان يغير خلق الله،
______________________________
(قال) الزنديق (و ما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بانهما يعلمان الناس السحر) فهل ما يقوله الناس صحيح، أم لا؟
(قال) عليه السلام (انما هما) كانا (موضع ابتلاء) و امتحان للناس (و موقف فتنة) الفتنة بمعنى الامتحان (تسبيحهما اليوم) يمكن ان يراد: «ذلك اليوم» او يراد «اليوم الحاضر» و لكن الناس لا يسمعونهما و معنى التسبيح الورد و الكلام المستمر- تشبيها- (لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا و لو تعالج بكذا و كذا لصار كذا) فانهما يبينان انواع العلاج و العلاقة بين الاسباب الخفية و المسببات (ف) كان الناس (يتعلمون منهما ما يخرج عنهما) من اقسام العلاج (فيقولان لهم، انما نحن فتنة) و امتحان (فلا تأخذوا عنّا ما يضرّكم و لا ينفعكم) و انما كانا يبينان الاسباب من جهة الامتحان.
(قال) الزنديق (أ فيقدر الساحر على ان يجعل الانسان بسحره في صورة كلب او حمار او غير ذلك، قال) الامام عليه السلام (هو اعجز من ذلك، و اضعف من ان يغير خلق الله) بمثل هذا النحو من التغيير.
ص: 292
ان من ابطل ما ركّبه اللّه تعالى، و صوّر غيره فهو شريك لله في خلقه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض، و لنفى البياض عن راسه و الفقر عن ساحته.
و ان من اكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، و يجلب بها العداوة على المتصافين، و يسفك بها الدماء، و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور و النمام شر من وطئ الأرض بقدم، فاقرب اقاويل السحر من الصواب، انه بمنزلة الطب
______________________________
ف (ان من ابطل ما ركبه اللّه تعالى، و صور غيره) بان ابطل صورة، و اتى مكانها صورة اخرى (فهو شريك لله في خلقه، تعالى اللّه عن ذلك) الشريك (علوا كبيرا).
و (لو قدر الساحر على ما وصفت) من تغيير الصورة (لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض، و لنفى البياض عن راسه و الفقر عن ساحته) لان من يقدر على تبديل الانسان حمارا مثلا، يكون لهذه الامور اقدر.
(و ان من اكبر السحر النميمة، يفرق) بصيغة المجهول، او المراد «النمام» المعلوم من الكلام (بها بين المتحابين، و يجلب بها العداوة على المتصافين، و يسفك بها الدماء) لان النميمة توجب العداوة، و العداوة تنتهى الى سفك الدماء (و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور) اى الاشياء المستورة، من: الاخلاق و الصفات و العداوات.
او المراد ستر النساء (و النمام شر من وطئ الارض بقدم) لما يترتب عليه من الشرور (فاقرب اقاويل السحر من الصواب، انه بمنزلة الطب) اى
ص: 293
ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء، فجائه الطبيب فعالجه بغير ذلك فابرئه، الحديث.
ثم لا يخفى ان الجمع بين ما ذكر في معنى السحر في غاية الاشكال.
لكن المهم بيان حكمه لا موضوعه.
______________________________
الاقوال التى قيلت بالنسبة الى السحر- و يكفى في الاضافة ادنى ملابسة- (ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء، فجائه الطبيب فعالجه بغير ذلك فابرئه، الحديث).
فهذا الحديث تعرض لبعض اقسام السحر المذكورة سابقا في كلام المجلسى.
نعم: يمكن ادخال سائر الاقسام في قوله عليه السلام «احتالوا ... الخ».
(ثم لا يخفى ان الجمع بين ما ذكر في معنى السحر) فى تعاريف اللغويين، و الفقهاء (فى غاية الاشكال) لانه يرد على كل واحد من تلك التعاريف عدم الاطراد و الانعكاس.
(لكن المهم بيان حكمه لا موضوعه) و احالة الموضوع الى العرف.
ص: 294
و هى الحركة السريعة بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشي ء الى شبهه كما يرى النار المتحركة على الاستدارة دائرة متصلة، لعدم ادراك السكونات المتخللة بين الحركات.
و يدل على الحرمة- بعد الاجماع- مضافا الى انه من الباطل و اللهو، دخوله في السحر، في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج
______________________________
المسألة (الحادية عشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما (الشعبدة) و هى (حرام بلا خلاف) بين العلماء (و هى الحركة السريعة بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشي ء الى شبهه) و اذا مثل لذلك بعمل محلل نقول: (كما يرى النار المتحركة على الاستدارة دائرة متصلة) مع انها ليست في الحقيقة دائرة، و انما ترى دائرة (لعدم ادراك السكونات المتخللة بين الحركات).
و هذا التعريف عبارة اخرى عن بقاء ارقام الحركة في النظر، لعدم مجال لمحوها عن الناظر.
(و يدل على الحرمة- بعد الاجماع-) الّذي ادعاه الجواهر و غيره (مضافا الى انه من الباطل و اللهو) و سيأتى حرمة مثل هذا اللهو و ان لم نقل بحرمة كلّ لهو (دخوله في السحر، في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج) حيث قال عليه السلام و نوع آخر «خطفة و سرعة و مخاريق و خفة»
ص: 295
المنجبر وهنها بالاجماع المحكى.
و في بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها.
______________________________
(المنجبر و هنها بالاجماع المحكى) المتقدم.
(و في بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها) كالمحكى عن البحار الرابع: التخيلات و الأخذ بالعيون مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا، انتهى.
و لا يخفى: ان الشعبدة لا تطلق الا على نوع من الخفة و السرعة يرى في العرف انه قسم من السحر، فلا يستشكل على ذلك انه ان اراد مطلق السرعة فهذا خلاف الواقع، فهل يقول احد بان تحريك النار الجوالة حرام؟ او السرعة في السير؟ او ما اشبه.
و ان اراد سرعة خاصة، فما هو ميزان ذلك.
و ان شئت قلت: ان السحر من الموضوعات العرفية، فكما يصدق على بعض انحاء التصرف في الانسان و الحيوان و الجماد و على بعض الايهامات كصنع الحيّات الزيبقية، كذلك يصدق على بعض انواع الخفة و لذا لا يشك احد في تسمية ذلك بالسحر.
ثم الظاهر: ان التنويم المغناطيسى مع رضاية الطرف ليس محرما لعدم صدق السحر و عدم الضرر، و عدم كونه تصرفا في الاخر بدون ارادته.
و الوالد ره اشكل في ذلك في خاتمة «البداية» و ان كانت المسألة بعد تحتاج الى التنقيح.
كما ان الظاهر ان ما تبين واقعه لدى الناس حتى لم يسم سحرا يخرج عن
ص: 296
و الاخبار به متواترة نذكر بعضها تيمنا.
فعن النبي صلى الله عليه و آله باسانيد متعددة: ليس من المسلمين من غشهم.
______________________________
هذا العنوان.
كما لو فرض صنع الحيات الزيبقية للعب الاطفال بكثرة، بحيث يعرف ذلك الناس.
و كذلك لا اشكال في الشفاء المغناطيسى الّذي يكون بقوة الروح و الله العالم.
المسألة (الثانية عشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما في نفسه (الغش) و هو (حرام بلا خلاف، و الاخبار به) اى بتحريمه (متواترة نذكر بعضها تيمنا) اى لليمن و البركة- و قد تقدم تفسير ذلك-.
(فعن النبي صلى الله عليه و آله باسانيد متعددة: ليس من المسلمين من غشهم) المراد بكونه ليس منهم، عدم كونه كامل الاسلام لا انه كافر حقيقة.
و المنصرف عدم كونه جامعا لشرائط الاسلام اللازمة، لا انه ليس جامعا لشرائط الاسلام المكملة، كالتارك للآداب و السنن الّذي ليس بمؤمن كامل و لذا يدل الحديث على الحرمة.
ص: 297
و في رواية العيون، باسانيده قال رسول الله صلى الله عليه و آله:
ليس منّا من غش مسلما او ضره او ماكره.
و في عقاب الاعمال، عن النبي صلى الله عليه و آله، من غش مسلما في بيع او شراء، فليس منا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لانه من غش الناس فليس بمسلم- الى ان قال- و من غشنا فليس منا، قالها ثلاثا و من غش اخاه المسلم نزع الله بركة رزقه افسد عليه معيشته
______________________________
(و في رواية العيون باسانيده قال رسول الله صلى الله عليه و آله:
ليس منّا من غشّ مسلما او ضره او ماكره) يراد بالمكر مقابل الغش و الضر و ان كان ربما يطلق كل من الثلاثة على الآخرين لدى الاطلاق.
(و في عقاب الاعمال، عن النبي صلى الله عليه و آله، من غشّ مسلما في بيع او شراء، فليس منا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لانه من غش الناس فليس بمسلم).
و الظاهر ان سبب حشره مع اليهود كون الغش شبيها باعمالهم و قد قال سبحانه: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوٰاجَهُمْ، (- الى ان قال) صلى الله عليه و آله (- و من غشنا فليس منا، قالها ثلاثا) اى كرّر هذه الجملة ثلاث مرات (و من غش اخاه المسلم نزع الله بركة رزقه) فيكون رزقه غير ثابت فان البركة من «برك» اذا استقر و دام، و نزع البركة من الغاش- بالإضافة الى انه واقعى من عالم الغيب- خارجى مشاهد أيضا فان الانسان الغاش يتفرق الناس عنه، و لا يعاملونه، فتذهب بركة رزقه، و كذلك الامة الغاشّة و ان دام رزق الغاش، فانما هو ايام قلائل و (افسد عليه معيشته)
ص: 298
و وكله الى نفسه.
و في مرسلة هشام، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، انه قال لرجل يبيع الدقيق: اياك و الغش، فان من غشّ، غشّ في ماله، فان لم يكن له مال غش في اهله.
و في رواية سعد الاسكاف، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: مر النبي صلّى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما ارى طعامك إلا طيبا؟ فاوحى
______________________________
اما عطف بيان.
و اما ان يراد به ان يعيش منفورا بين الناس، حيث يرون منه الغش (و وكله الى نفسه) فلا يساعده في اموره حتى تنمو و تزدهر.
(و في مرسلة هشام، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، انه قال لرجل يبيع الدقيق: اياك و الغش، فان من غش) الناس (غش في ماله) فان الناس أيضا يجازونه بالمثل (فان لم يكن له مال غش في اهله) فان عمله لا بدّ و ان يظهر للناس، فاذا ظهر، غشه الناس، ان كان له مال ففى ماله و الا ففى اهله.
و الغش في الاهل قابل الانطباق على اقسام كان ينظر الى اهله بنظر الخيانة.
(و في رواية سعد الاسكاف، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: مرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما ارى طعامك إلا طيبا) الظاهر ان مراد النبي صلّى اللّه عليه و آله انه يرى ظاهره كذلك- و لذا لم يقل ليس طعامك الا طيبا-، بل قال: ما ارى- (فاوحى
ص: 299
اللّه إليه ان يدس يده في الطعام، ففعل فاخرج طعاما رديّا، فقال لصاحبه: ما اراك الا و قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين.
و رواية موسى بن بكير، عن ابى الحسن عليه السلام، انه اخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه، فقطعها نصفين ثم قال لى: القه في البالوعة حتى لا يباع بشي ء فيه غشّ و قوله: فيه غشّ، جملة ابتدائيّة، و الضمير في لا يباع راجع الى الدّينار.
و في رواية هشام بن الحكم، قال: كنت ابيع السّابرى
______________________________
اللّه إليه ان يدس) الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و يدخل (يده في الطعام) و الظاهر ان المراد به الحنطة و الشعير (ففعل فاخرج طعاما رديّا، فقال لصاحبه: ما اراك الا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين) الاتيان بلفظ «ما ارى» لعله من باب المماثلة، كقوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ.
(و رواية موسى بن بكير، عن ابى الحسن عليه السلام، انه اخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه، فقطعها نصفين) ليسقط عن المالية (ثم قال لى: القه في البالوعة حتى لا يباع بشي ء فيه غش) فان الدينار كان مغشوشا.
و قد وجه المصنف الرواية بما يكون «فيه غش» جملة تعليلية لتشمل كل غش، فقال: (و قوله: فيه غش، جملة ابتدائية، و الضمير في لا يباع راجع الى الدينار) اى لا يباع الدينار بشي ء، لان فيه غشا.
(و في رواية هشام بن الحكم، قال: كنت ابيع السابرى) معوب «شابورى» ثوب جيد منسوب الى شاپور ملك فارس، و شاپور معناه ابن الملك
ص: 300
فى الظلال فمر بى ابو الحسن الاول فقال: لى يا هشام ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل.
و في رواية الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يشترى طعاما فيكون احسن له، و انفق له ان يبله من غير ان يلتمس زيادته فقال: ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك، و لا ينفقه غيره من غير ان يلتمس فيه زيادة، فلا بأس، و ان كان انما يغش به المسلمين، فلا يصلح.
و روايته الاخرى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يكون
______________________________
(فى الظلال) اى تحت السقف (فمر بي ابو الحسن الاول) عليه السلام (فقال لى: يا هشام ان البيع في الظلال غش) لان المشترى لا يراه جيدا (و الغش لا يحل).
(و في رواية الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يشترى طعاما فيكون احسن له) اى للمشترى (و انفق له) اى اكثر رواجا في السوق (ان يبله) بالماء (من غير ان يلتمس) و يطلب بذلك (زيادته) فانه لا يريد ان يزيد وزن الطعام، بسبب الماء الّذي يشربه عند البلل (فقال:
ان كان بيعا) اى مبيعا (لا يصلحه الا ذلك) البلل (و لا ينفقه غيره) النفق الرواج، اى لا يروج طعامه بغير البلل (من غير ان يلتمس) و يطلب (فيه) اى في ذلك البلل (زيادة، فلا بأس، و ان كان انما يغش به) اى بالبلل (المسلمين، فلا يصلح) ان يفعل ذلك.
(و روايته الاخرى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يكون
ص: 301
عنده لونان من الطعام، سعرهما شتى، و احدهما اجود من الآخر، فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد فقال: لا يصلح له ان يغش المسلمين حتى يبينه.
و رواية داود بن سرحان، قال كان معى جرابان من مسك، احدهما رطب و الآخر يابس، فبدئت بالرطب، فبعته، ثم اخذت اليابس ابيعه، فاذا انا لا اعطى باليابس الثمن الّذي يسوى، و لا يزيدونى على ثمن الرطب فسئلت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، أ يصلح لى ان أنديه؟ قال: لا الا ان تعلمهم، قال فنديته ثم اعلمتهم.
______________________________
عنده لونان من الطعام، سعرهما شتى) جمع شتيت اى مختلف (و احدهما اجود من الآخر، فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد) هل يجوز ذلك؟ (فقال) عليه السلام (لا يصلح له ان يغش المسلمين حتى يبيّنه) بان يقول: هذا جنسان و احدهما اجود من الآخر، حتى لا يزعم المشترى ان الجنس كله جيد- بسبب ما يرى من بعض الاجزاء الجيدة-.
(و رواية داود بن سرحان، قال كان معى جرابان من مسك، احدهما رطب و الآخر يابس، فبدئت بالرطب، فبعته، ثم اخذت اليابس) اريدان (ابيعه، فاذا انا لا اعطى باليابس الثمن الّذي يسوى، و لا يزيدونى على ثمن الرطب).
قوله «و لا يزيدونى» عطف بيان ل «يسوى» فان اليابس ازيد ثمنا من الرطب، لان اليابس اكثر مقدارا فيما اذا كان هو و الرطب متساويين (فسئلت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، أ يصلح لى ان أنديه؟ قال) عليه السلام (لا، الا ان تعلمهم) بانه يابس انديته (قال فنديته ثم اعلمتهم
ص: 302
قال: لا بأس.
ثم ان ظاهر الاخبار هو كون الغش بما يخفى، كمزج اللبن بالماء، و خلط الجيد بالردي ء، في مثل الدهن فمنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا، و نحو ذلك.
و اما المزج و الخلط بما لا يخفى فلا يحرم، لعدم انصراف الغش إليه. ______________________________
قال) عليه السلام (لا بأس) اذا اعلمتهم، الى غير ذلك من الروايات الكثيرة.
(ثم ان ظاهر الاخبار هو كون الغش) انما يتحقق (بما يخفى) و الموضوع شخصى.
فكل انسان يخفى عليه بالنسبة إليه يكون غشا له، و كل انسان لا يخفى عليه لا يكون غشا بالنسبة إليه (كمزج اللبن بالماء، و خلط الجيد بالردي ء، في مثل الدهن) و انما مثل لذلك لان الخفاء فيه واضح (فمنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا، و نحو ذلك) من اقسام الغش.
(و اما المزج و الخلط بما لا يخفى فلا يحرم، لعدم انصراف) لفظ (الغش) الوارد في الاخبار (إليه) بل الغش منصرف عنه.
الا ترى انه لو علم المشترى ان ثلث هذا اللبن ماء، ثم اشتراه لا يقال عرفا انه مغشوش، و ان البائع غشه.
(و يدل عليه) اى على كون الغش انما يصدق مع الخفاء لا مع الظهور (- مضافا الى بعض الاخبار المتقدمة-) كرواية الحلبى «حتى يبينه» (صحيحة ابن مسلم عن
ص: 303
احدهما عليهما السلام انه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه اجود من بعض، قال: اذ رؤيا جميعا فلا بأس، ما لم يغط الجيد الردي ء.
و مقتضى هذه الرواية، بل و رواية الحلبى الثانية و رواية سعد الاسكاف انه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف، الا من قبل البائع فيجب الاعلام بالعيب غير الخفى الا ان ينزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما اذا تعمد الغش برجاء التلبيس على المشترى، و عدم التفطن له
______________________________
احدهما عليهما السلام) اى الصادق او الباقر «ع» فانه قد كان ينسى انه سئل ايهما عليهما السلام، فيروى عن احدهما مرددا (انه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه) ذلك الطعام (اجود من بعض، قال) عليه السلام (اذ رؤيا جميعا) اى رآهما المشترى (فلا بأس، ما لم يغطّ الجيد الردي ء) «الجيد» فاعل، و «الردى ء» مفعول.
(و مقتضى هذه الرواية، بل و رواية الحلبى الثانية و رواية سعد الاسكاف انه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف، الا من قبل البائع) بل يمكن تحقق الغش و ان امكن ان يعرفه غير البائع، فان الطعام الجيد الّذي يعطى الردي ء، مما يمكن ان يعرف ذلك المشترى بتقليب الطعام، و لكن مع ذلك فهو غش (فيجب الاعلام بالعيب غير الخفى) أيضا (الا ان ينزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما اذا تعمد الغش برجاء التلبيس) و الاشتباه (على المشترى، و) برجاء (عدم التفطن له) اى تفطن المشترى للغش- كما لا يبعد ذلك- فان من يجعل اعلى الطعام جيدا و اسفله رديئا، انما يفعل ذلك- غالبا- لاجل الغش و عدم تفطن
ص: 304
و ان كان من شأن ذلك العيب ان يتفطن له فلا تدل الروايات على وجوب الاعلام، اذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشترى و سامح في الملاحظة.
ثم ان غش المسلم انما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله.
فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله، او بغيره فلو حصل اتفاقا او لغرض
______________________________
المشترى (و ان كان من شأن ذلك العيب ان يتفطن له) المشترى، لكن البائع يفعل ذلك رجاء الغش.
و على هذا (فلا تدل الروايات) الثلاث (على وجوب الاعلام، اذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشترى و سامح في الملاحظة).
و لكن لا يخفى انه اذا قلنا بعدم وجوب الاعلام لا بدّ و ان يكون للمشترى خيار العيب، لان تقصيره في التفطن لا يسقط خياره.
نعم اذا اقدم كيفما كان، او علم و اقدم لم يكن له خيار.
(ثم ان غش المسلم) المحرم (انما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله) بالغش.
اما جهلا مطلقا او جهلا في الجملة، كما اذا علم ان في اللبن ماء لكن ظنه نصفا فتبين ثلثين.
(فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله، او ب) فعل (غيره) و لو كان ذلك الغير شيئا لا يعقل، كما لو كان وضع اناء اللبن في الارض فمطرت السماء فيه (فلو حصل) الاغتشاش (اتفاقا) اى من باب الاتفاق بدون القصد- كالمثال- (او لغرض) صحيح، كما اذا اراد شرب اللبن فمزجه بالماء، ثم بدا له في بيعه،
ص: 305
فيجب الاعلام بالعيب الخفى و يمكن ان يمنع صدق الاخبار المذكورة الا على ما اذا قصد التلبيس، و اما ما هو ملتبس في نفسه، فلا يجب عليه الاعلام.
نعم يحرم عليه اظهار ما يدل على سلامته من ذلك.
فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الامر على المشترى، سواء كان العيب خفيا أم جليا- كما تقدم- لا بكتمان العيب مطلقا او خصوص
______________________________
(فيجب الاعلام بالعيب الخفى).
و هل يحرم كتمان العيب مطلقا، او يحرم كتمان العيب الخفى، او لا يحرم الكتمان مطلقا، و انما يحرم قصد التلبيس، احتمالان.
و الى هذا اشار المصنف بقوله: (و يمكن ان يمنع صدق الاخبار المذكورة) الدالة على حرمة الغش (الا على ما اذا قصد التلبيس، و اما ما هو ملتبس في نفسه، فلا يجب عليه الاعلام) لعدم صدق الغش حينئذ.
(نعم يحرم عليه اظهار ما يدل على سلامته من ذلك) العيب.
فاذا كانت الحنطة رديئة و لها ظاهر حسن، لا يجب اعلام المشترى بذلك، و انما يحرم عليه ان يقول هذه حنطة جيدة.
(فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الامر على المشترى، سواء كان العيب خفيا أم جليا).
فاذا قصد التلبيس، كان حراما و ان كان العيب جليا.
و ان لم يقصد التلبيس لم يكن حراما و ان كان العيب خفيا (- كما تقدم-) انه يحرم لو قصد التلبيس و ان كان العيب جليا، و (لا) عبرة (بكتمان العيب مطلقا) اى ليس كتمان العيب محرما، سواء كان العيب خفيا او جليا (او خصوص
ص: 306
الخفى، و ان لم يقصد التلبيس.
و من هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الاعلام بالعيب غشا.
و في التفصيل المذكور في رواية الحلبى اشارة الى هذا المعنى، حيث انه عليه السلام جوّز بلّ الطعام بدون قيد الاعلام، اذا لم يقصد به الزيادة و ان حصلت به و حرّمه مع قصد الغش.
______________________________
الخفى، و ان لم يقصد التلبيس) اى ليس كتمان اى عيب، او العيب الخفى محورا للحرمة، و انما المحور قصد التلبس.
(و من هنا) الّذي ذكرنا من ان المحور للحرام: قصد التلبيس، (منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا) خفيا كان العيب او جليا (مع عدم الاعلام بالعيب غشا) و معناه جواز بيع المعيب في بعض الصور- و هى صورة ما اذا لم يقصد التلبيس-.
(و في التفصيل المذكور في رواية الحلبى اشارة الى هذا المعنى) الّذي ذكرناه، و هو ان المحور للحرام قصد التلبيس، لا العيب الواقعى (حيث انه عليه السلام جوز بلّ الطعام بدون قيد الاعلام، اذا لم يقصد به) البائع ببلّه (الزيادة) فى مقدار الطعام (و ان حصلت) الزيادة (به) اى بالبلل، قوله «و ان» وصيلة (و حرمه) الامام عليه السلام- اى البل- (مع قصد الغش) فيتبين منه ان المحور للحرام قصد الغش، لا العيب واقعا.
اقول لا يخفى: ان ما في هذا الاستظهار من الاشكال، لصدق الغش بمجرد السكوت.
ص: 307
نعم يمكن ان يقال: فى صورة تعيب المبيع، بخروجه عن مقتضى خلقته الاصلية بعيب خفى، او جلى، ان التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشترى كما لو صرح باشتراط السلامة فان العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط مع علمه بالعيب انه غاش.
______________________________
و الرواية ليست شاهدة على التفصيل، بل هى للتلازم بين قصد الغش و الغش واقعا- تلازما غالبيا- كما لا يخفى.
(نعم يمكن ان يقال: فى صورة تعيب المبيع، ب) سبب (خروجه عن مقتضى خلقته الاصلية بعيب خفى) كالمرض الخفى في الحيوان (او جلى) كالتورم فيه- مثلا- (ان التزام البائع بسلامته) اى المبيع (عن العيب) و ان كان الالتزام بسبب السكوت في مقام يقتضي البيان (مع علمه به) اى بذلك العيب (غش للمشترى).
و يكون حال ذلك (كما لو صرح باشتراط السلامة) فان السكوت و الاشتراط للسلامة بمنزلة واحدة.
و لذا يقولون ان شرط السلامة شرط ضمنى و ان لم يصرحوا به، و لهذا الشرط الضمنى يحق للمشترى ان يرد المبيع ان ظهر فيه العيب (فان العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط) اى باع بشرط السلامة- لفظا او مقاما- (مع علمه بالعيب انه غاش).
و المحصل من كلام المصنف أولا، بقوله: و يمكن ان يمنع الخ الّذي مقتضاه دوران الحرمة مدار قصد التلبيس.
و ثانيا: بقوله: نعم، الّذي مقتضاه الحرمة في صورة اشتراط السلامة
ص: 308
ثم ان الغش يكون باخفاء الادنى في الاعلى كمزج الجيد بالردي ء.
او غير المراد في المراد، كادخال الماء في اللبن.
و باظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا، و هو التدليس.
و باظهار الشي ء على خلاف جنسه، كبيع المموّه على انه ذهب او فضة
______________________________
لفظا او مقاما، ان البائع اذا لم يقصد الغش لم يكن حراما، الا اذا شرط السلامة- شرطا لفظيا او شرطا مقاميا-.
فلا يقال: ان بين قوله «يمكن» و بين قوله: «نعم» تهافت.
اذ قوله: «نعم» كالاستثناء عن اطلاق «يمكن» لا انه مضاد له، كما لا يخفى.
(ثم ان الغش) على اقسام، فانه (يكون) تارة (باخفاء الادنى في الاعلى كمزج الجيد بالردي ء).
(او) تارة اخرى بمزج (غير المراد) للمشترى (فى المراد) له (كادخال الماء في اللبن).
(و) تارة ثالثة (باظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا، و هو التدليس) كاظهار جمال الامة و الحال انها قبيحة.
(و) تارة رابعة (باظهار الشي ء على خلاف جنسه، كبيع المموّه على انه ذهب او فضة).
و له اقسام اخر مثل اظهار الصفة الرديئة التى هى مطلوبة للمشترى كبيع البكر باعتبار انها ثيب، فيما اذا كان المشترى يريد الثيب.
و مثل اظهار الخلو عن الصفة مع كونه متصفا بها، و ان لم تكن تلك
ص: 309
ثم ان في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى- بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء- وجهين في صحة المعاملة و فسادها من حيث ان المحرم هو الغش، و المبيع عين مملوكة ينتفع بها.
و من ان المقصود بالبيع هو اللبن، و الجارى عليه العقد هو المشوب.
ثم قال: و في الذكرى في باب الجماعة ما حاصله: انه لو نوى الاقتداء بامام معين على انه زيد، فبان عمرو، ان في الحكم نظرا.
______________________________
الصفة جمالا و لا قبحا كاظهار ان العبد لا اقرباء له او له اقرباء فيما اذا كان الواقع بالعكس، و كان يريد المشترى قسما خاصا منهما، و هكذا.
(ثم ان في جامع المقاصد ذكر في الغش بما) لا (يخفى- بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء- وجهين في صحة المعاملة و فسادها).
اما وجه الصحة، ف (من حيث ان المحرم هو الغش، و المبيع عين مملوكة ينتفع بها) فالبيع صحيح، منتهى الامر تدارك ذلك بالخيار او اخذ التفاوت- مثلا-.
(و) اما وجه الفساد، ف (من) جهة (ان المقصود بالبيع هو اللبن، و الجارى عليه العقد هو المشوب).
فالمبيع غير العين و العين غير المبيع، و يكون من قبيل ما لو باعه حمارا فظهر فرسا.
(ثم قال) صاحب جامع المقاصد (و في الذكرى في باب الجماعة ما حاصله: انه لو نوى الاقتداء بامام معين على انه زيد، فبان عمرو، ان في الحكم) بصحة الصلاة او فسادها (نظرا).
ص: 310
و مثله لو قال: بعتك هذا الفرس، فاذا هو حمار.
و جعل منشأ التردد تغليب الاشارة، او الوصف، انتهى.
و ما ذكره من وجهى الصحة و الفساد جار في مطلق العيب، لان المقصود هو الصحيح، و الجارى عليه العقد هو المعيب.
و جعله من باب تعارض الاشارة و الوصف
______________________________
من جهة ان المقصود بالايتمام زيد، فلا يصلح الايتمام، حيث لم يكن زيدا.
و من جهة انه لا دليل على لزوم كون الامام مقصودا، بل صحة الجماعة في الجملة بتوفر شرائط الامامة في الامام.
(و مثله لو قال: بعتك هذا الفرس، فاذا هو حمار) فان في الحكم بصحة المعاملة نظرا.
(و جعل) صاحب جامع المقاصد (منشأ التردد) فى هذه المقامات، هل يصح، أم لا؟ (تغليب الاشارة) على الوصف، فيصح البيع و الصلاة، لانه اشار الى الامام الحاضر، و الحيوان الحاضر (او الوصف) على الاشارة، فيبطل، لانه وصف الامام بكونه زيدا، و ليس بزيد، و وصف الحيوان بانه فرس و ليس بفرس (انتهى) كلام جامع المقاصد.
(و ما ذكره من وجهى الصحة و الفساد) بقوله: من حيث، و من ان المقصود (جار في مطلق العيب، لان المقصود هو الصحيح) او المتصف بوصف كذا (و الجارى عليه العقد هو المعيب) فله وجه صحة، و له وجه فساد.
(و جعله) اى جعل جامع المقاصد مسئلة ما نحن فيه- اى الغش- (من باب تعارض الاشارة و الوصف) من قبيل هذا حمار، فاذا هو فرس،
ص: 311
مبنى على إرادة الصحيح من عنوان المبيع، فيكون قوله: بعتك هذا العبد- بعد تبين كونه اعمى-: بمنزلة قوله: بعتك هذا البصير.
و انت خبير بانه ليس الامر كذلك- كما سيجي ء في باب العيب- بل وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية، و عدم كونه مقوما للمبيع، كما يشهد به العرف و الشرع.
______________________________
(مبنى) هذا الجعل (على إرادة الصحيح من عنوان المبيع) حتى يكون العنوان الّذي انصب عليه البيع صحيحا، و الواقع المشار إليه خارجا معيبا، فيكون من قبيل الفرس و الحمار (فيكون قوله: بعتك هذا العبد- بعد تبين كونه اعمى-: بمنزلة قوله: بعتك هذا البصير) بان يكون مصب العقد «البصير» و المشار إليه «الاعمى» حتى تندرج مسئلة الغش في مسألة «الحمار و الفرس».
(و انت خبير بانه ليس الامر كذلك) اى ليس الوصف المفقود عنوانا و مصبا للعقد (- كما سيجي ء في باب العيب-) من انه ليس مصب العقد الصحة (بل) مصب العقد هو: العبد، في المثال.
و انما (وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية، و عدم كونه) اى وصف الصحة، «و عدم» عطف على «وجه» (مقوما للمبيع، كما يشهد به العرف و الشرع) فان العرف لا يرى الا تخلف الشرط فيما كان اعمى و الشرع صرح بصحة البيع، و انما للمشترى الخيار.
و لو كان مصب العقد الصحيح، على وجه العنوانية، لا الاشتراط، لزم ان يكون بنظر العرف و الشرع باطلا.
ص: 312
ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح لم يكن اشكال في تقديم العنوان على الاشارة بعد ما فرض
______________________________
نعم: مثال «الحمار و الفرس»- فيما اذا لم يكن المقصود مطلق الحيوان، و الحمارية و الفرسية من باب الوصف- يختلف فيه مصب العقد فالمبيع شي ء، و المشار إليه شي ء آخر.
و ان شئت قلت: انه لو باعه العبد على انه بصير، فبان اعمى، راى العرف خلاف الشرط، و لذا يصح البيع مع الخيار.
و لو باعه الحمار، فبان فرسا رأى العرف خلاف ذات المبيع، و لذا يراه باطلا.
فتمثيل جامع المقاصد لما نحن فيه بالحمار و الفرس، في غير محله.
و على هذا فليس في مسألة الغش الاوجه الصحة.
و لا مجال للقول لفساد المعاملة- كما جعل جامع المقاصد المسألة ذات وجهين-.
و اما مسألة الجماعة فقد ذكروا انه لو اراد زيدا على وجه التقييد، بطلت الصلاة- او الجماعة- لانه لا يقصد الصلاة حينئذ، و ان اراده على وجه الخطاء في التطبيق صحت الصلاة و الجماعة.
(ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح) بان كان مصب العقد «البصير» فى مثال العبد الاعمى (لم يكن) وجه لاحتمال الصحة كما احتمله جامع المقاصد- و هذا اشكال آخر، على جامع المقاصد.
اذ لا (اشكال في تقديم العنوان على الاشارة بعد ما فرض) جامع
ص: 313
ره، ان المقصود بالبيع هو اللبن و الجارى عليه العقد هو المشوب، لان ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.
و لذا اتفقوا على بطلان الصرف، فيما اذا تبين احد العوضين معيبا من غير الجنس.
______________________________
المقاصد (ره، ان المقصود بالبيع هو اللبن) فقط (و الجارى عليه العقد هو المشوب).
و انما نقول بالبطلان، و تقديم العنوان (لان ما قصد) ه المشترى من اللبن (لم يقع، و ما وقع) من المشوب (لم يقصد).
و من المعلوم: ان العقود تتبع القصود، اذ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معناه العقد الّذي اوقعتم، و المفروض ان المشترى لم يوقع العقد على المشوب.
(و لذا) الّذي ذكرناه من عدم الاشكال في تقديم العنوان حيث يكون العنوان مصبّ العقد- المستلزم بطلان العقد- (اتفقوا على بطلان) بيع (الصرف) و هو بيع الذهب و الفضة، بعضها ببعض (فيما اذا تبين احد العوضين معيبا من غير الجنس) كان يكون الذهب الثمن- مثلا- ذهبا مخلوطا بنحاس، لانه يستلزم حينئذ الربا، اذ المثمن مثقال من ذهب و الثمن نصف مثقال، و النصف الآخر النحاس، ليس مبيعا حتى يقابل بنصف مثقال ذهب المثمن.
فتحصل ان الاشكال على جامع المقاصد بامرين.
الاول: ان جعل مسئلة الغش من باب تعارض الوصف و العنوان، ليس في محله.
ص: 314
و اما التردد في مسألة تعارض الاشارة و العنوان، فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات، بحسب الدلالة اللفظية، فانها مردّدة بين كون متعلق العقد أولا و بالذات: هو العين الحاضرة، و يكون اتصافه بالعنوان مبنيا على الاعتقاد.
و كون متعلقه هو العنوان.
______________________________
الثاني: انه لو فرض كون الغش من باب تعارض الاشارة و العنوان، يلزم القول بالبطلان.
فلا وجه لما ذكره جامع المقاصد من ان فيه وجهين- احتمال الصحة و احتمال البطلان-.
(و) ان قلت: اذا كان اللازم القول بالبطلان في مسألة تعارض الاشارة و العنوان فلما ذا نرى الفقهاء يترددون بين الصحة و البطلان في هذه المسألة.
قلت: (اما التردد) منهم (فى مسألة تعارض الاشارة و العنوان فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات) للمتبايعين (بحسب الدلالة اللفظية، فانها) اى الدلالة اللفظية- فى مثل بعتك: البصير- (مردّدة بين كون متعلق العقد) و مصبّه (أولا و بالذات: هو العين الحاضرة) اى ذات العين (و يكون اتصافه بالعنوان) اى البصير، حين التلفظ بالعقد (مبنيا على الاعتقاد) بكونه بصيرا فيكون البصر شرطا، لا مصبّا للعقد- و على هذا يصح العقد و للمشترى خيار تخلف الشرط-.
(و) بين (كون متعلقه) اى متعلق العقد (هو العنوان) فصب العقد
ص: 315
و الاشارة إليه باعتبار حضوره.
اما على تقدير العلم بما هو المقصود بالذات، و مغايرته للموجود الخارجى- كما في ما نحن فيه- فلا يتردد احد في البطلان.
و
______________________________
«البصير بوصف كونه بصيرا» (و الاشارة إليه) اى الى ذات العبد ليست باعتبار ان الذات مقصودة، بل (باعتبار حضوره) خارجا.
و على هذا يبطل العقد، لان ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.
و الحاصل ان تردد الفقهاء في الصحة و البطلان، من جهة انه هل المصب ذات العبد او البصير؟
اما اذا تبين ان المصبّ ذات العبد، فلا اشكال في الصحة، كما انه اذا تبين ان المصبّ وصف البصير، فلا اشكال في البطلان.
فالتردد منهم في الصحة و البطلان من جهة التردد في مقصود المتبايعين:- الذات، او الوصف-.
(اما على تقدير العلم بما هو المقصود) للمتبايعين (بالذات، و مغايرته) اى المقصود (للموجود الخارجى- كما في ما نحن فيه-) من مثال ما اذا قصد الصحيح- كالبصير، في المثال- (فلا يتردد احد في البطلان) لان ما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع.
(و) ان قلت: بناء على ما ذكرتم من انه لا وجه للتردد، و انه يلزم القول بالبطلان، في صورة كون المقصود الوصف، و القول بالصحة في صورة كون المقصود الذات، فلم ذكر الذكرى: ان مسألة الاقتداء، من
ص: 316
اما وجه تشبيه مسألة الاقتداء- فى الذكرى- بتعارض الاشارة و الوصف فى الكلام- مع عدم الاجمال في النية.
فباعتبار عروض الاشتباه للنّاوى- بعد ذلك- فيما نواه.
اذ كثيرا ما يشتبه على النّاوى انه حضر في ذهنه العنوان و نوى الاقتداء به معتقدا لحضوره
______________________________
باب تعارض الوصف و الاشارة؟ بل اللازم ان نقول ببطلان الجماعة، فيما اذا اراد وصف زيد، و بالصحة فيما اذا اراد هذا الحاضر، و زعم انه زيد
قلت: (اما وجه تشبيه مسألة الاقتداء- فى الذكرى- بتعارض الاشارة و الوصف- فى الكلام-) اى في كلام المتبايعين، فيما لو قال:
بعتك هذا البصير، و لم يعلم ان مصب العقد ذات العبد او وصف البصير فيما اذا اشار الى اعمى و وصف بصيرا (مع عدم الاجمال في النية) اى كيف شبّه الذكرى «الاقتداء» ب «البيع» مع ان البيع له لفظ، فيمكن الاجمال فيه و الّذي يسبب ذلك الاجمال ان لا نعلم ان المصبّ «الوصف» او «الذات» بخلاف «الاقتداء» فانه تابع للنية، فاذا عرف المصلى من نيته «الذات» بخلاف «الاقتداء» فانه تابع للنية، فاذا عرف المصلى من نيته الوصف بطلت الجماعة، و اذا عرف من نيته الذات صحت، فكيف تشبه مسألة الاقتداء الواضحة بمسألة العقد المجملة.
(ف) الجواب انه (باعتبار عروض الاشتباه للناوى- بعد ذلك-) الّذي نوى (فيما نواه) فى اوّل الصلاة.
(اذ كثيرا ما يشتبه على الناوى) للجماعة (انه حضر في ذهنه) حين الاقتداء (العنوان) و انه زيد (و نوى الاقتداء به معتقدا لحضوره)
ص: 317
المعتبر في امام الجماعة، فيكون الامام هو المعنون بذلك العنوان.
و انما اشار إليه معتقدا لحضوره او انه نوى الاقتداء بالحاضر و عنونه بذلك العنوان لاحراز معرفته بالعدالة، او تعنون به بمقتضى الاعتقاد من دون اختيار، هذا
______________________________
فمتعلق نيته عنوان خاص، و هو كونه زيدا (المعتبر) ذلك الحضور (فى امام الجماعة) فكونه حاضرا، ليس مصب النية، و انما لكون الحضور معتبرا في امام الجماعة (فيكون الامام) بناء على هذا القسم من النية (هو المعنون بذلك العنوان) اى عنوان انه زيد.
(و انما اشار إليه معتقدا لحضوره) فالاشارة تطفلية (او انه نوى الاقتداء بالحاضر)- اى بهذا الذات-.
و قوله «او» عطف على قوله «نوى الاقتداء بالعنوان»
(و) انما (عنونه بذلك العنوان) اى انه زيد (لاحراز معرفته بالعدالة او) لاجل انه (تعنون) الحاضر (به) اى بهذا العنوان- اعنى كونه زيدا- (بمقتضى الاعتقاد) من المأموم (من دون اختيار) المأموم (هذا) العنوان بالذات.
فتحصل ان في الامام «ذات» و «وصف».
فان اقتدى المأموم ب «الذات» صحت الجماعة، و ان خرج الوصف بكونه زيدا مخالفا، بان بان انه عمرو.
و ان اقتدى المأموم ب «الوصف» بطلت الجماعة اذا خرج الوصف بكونه زيدا مخالفا بان بان انه عمرو، و قد يتردّد المأموم انه نوى في اوّل
ص: 318
ثم انه قد يستدل على الفساد- كما نسب الى المحقق الاردبيلى ره- بورود النهى عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعه، كما اشير إليه في رواية قطع الدينار و الامر بإلقائه في البالوعة، معللا بقوله عليه السلام: حتى لا يباع بشي ء و لان نفس البيع غش منهى عنه.
______________________________
الصلاة اى النحوين، و لذا يتردد في صحة الجماعة و بطلانها و هذا بخلاف مسألة الوصف و الاشارة، في البيع، فان اللفظ في العقد قد يكون مجملا و ذلك الاجمال يسبب التردد في صحة البيع او بطلانه.
فتشبيه الذكرى العقد بالصلاة في التردّد في الصحة و البطلان، فيما اذا تخلف الوصف عن الاشارة، من باب تشبيه «العقد المجمل لفظه» ب «الصلاة التى جهل المأموم في الاثناء انه نوى الوصف، او الحاضر»
اما لو كان مصب العقد واضحا: انه وصف او اشارة، و مصب النية واضحا انه الحاضر، او الموصوف، فلا اشكال، و لا تردّد.
(ثم) انه بعد ان تحقق عدم فساد بيع المغشوش من جهة القواعد الاولية، فلننظر هل هناك وجه آخر للفساد، أم لا؟.
ف (انه قد يستدل على الفساد- كما نسب) هذا الاستدلال (الى المحقق الاردبيلى ره- بورود النهى عن هذا البيع) بالغش (فيكون المغشوش منهيا عن بيعه، كما اشير إليه) اى الى النهى المذكور (فى رواية قطع الدينار) المغشوش نصفين (و الامر بإلقائه في البالوعة، معللا بقوله عليه السلام: حتى لا يباع بشي ء) فيه غش، فالبيع فاسد (و لان نفس البيع غش منهى عنه) و هذا في الحقيقة دليلان على الفساد.
ص: 319
و فيه نظر فان النهى عن البيع- لكونه مصداقا لمحرم، هو الغش- لا يوجب فساده كما تقدم في بيع العنب ممن يعمله خمرا.
و اما النهى عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر.
و اما خبر الدينار فلو عمل به خرج المسألة عن مسألة الغش
______________________________
الاول: الرواية.
الثاني: انطباق عنوان الحرام على هذه المعاملة.
(و فيه نظر) اما الجواب عن انطباق عنوان محرم عليه (ف) فيه (ان النهى عن البيع- لكونه مصداقا لمحرم، هو الغش- لا يوجب فساده) اى فساد البيع (كما تقدم في بيع العنب ممن يعمله خمرا) فان النهى في المعاملات لا يوجب الفساد، الا اذا كان ارشادا الى عدم مالية الثمن او المثمن او عدم امضاء الشارع للنقل و الانتقال.
اما مجرد النهى فليس موجبا للفساد.
و لذا لو نهاه والده عن البيع، و باع لم يكن فاسدا، و انما عصى، و قد تقدم تفصيل ذلك في اوّل الكتاب، فراجع.
(و اما النهى عن بيع المغشوش لنفسه) اى نهيا نفسيا، بحيث يدل على عدم صلاحية المغشوش للانتقال (فلم يوجد في خبر) حتى يدل على الفساد.
(و اما) الجواب عن الرواية، اى (خبر الدينار) المتقدم (فلو عمل به خرج المسألة عن مسألة الغش) اذ قد يكون شي ء حراما لحرمة ما يقصد منه كآلات اللهو، و هذا لا يجوز بيعه.
ص: 320
لانه اذا وجب اتلاف الدينار، و القائه في البالوعة، كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما، نظير آلات اللهو و القمار.
و قد ذكرنا فيما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما فيحمل الدينار على المضروب من غير جنس النقدين او من غير الخالص منهما لاجل التلبيس
______________________________
و قد يكون شي ء حراما لانطباق عنوان محرم عليه.
و رواية الدينار ظاهرها انها من القسم الاول، لان الامام عليه السلام قال: حتى لا يباع، مما ظاهره ان التحريم لاجل قصد المحرم منه و يوضح ذلك الامر بإلقائه في البالوعة (لانه اذا وجب اتلاف الدينار، و القائه في البالوعة، كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما، نظير آلات اللهو و القمار) لا انه مما يحرم، لانطباق عنوان محرم عليه.
(و قد ذكرنا) ذلك الّذي يكون المقصود منه حراما (فيما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما).
و تكون الرواية على هذا اجنبية عن المقام.
فان قلت: كيف تقولون بان الدينار، المغشوش كالقمار، مع وجود فرق بينهما، اذ المقصود من القمار الحرام المحض و المقصود من الدينار البيع و الشراء.
قلت: حيث وردت الرواية بوجوب كسره و القائه في البالوعة لا بدّ و ان نقول: ان الدينار كان قسما خاصا، او لاجل غاية خاصة (فيحمل الدينار) فى الرواية (على المضروب من غير جنس النقدين) فاللازم كسره لانه لا يأتى منه الا الحرام (او من غير الخاص منهما لاجل التلبيس
ص: 321
على الناس.
و معلوم ان مثله بهيئته لا يقصد منه الا التلبيس، فهو آلة الفساد لكل من دفع إليه.
و اين هو من لبن الممزوج بالماء و شبهه.
فالاقوى حينئذ في المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع.
______________________________
على الناس).
(و معلوم ان مثله) مما ضرب لاجل التلبيس (بهيئته) الخاصة (لا يقصد منه الا التلبيس، فهو آلة الفساد لكل من دفع إليه).
و لذا يجب التخلص منه، بل لا يبعد ان يقال: انه كان من غير جنس النقدين اطلاقا.
اذ لو كان من جنسهما اشكل القائه في البالوعة بعد الكسر، لانه تلف للمال.
الا ان يقال: ان الالقاء في البالوعة كناية عن عدم الانتفاع في المعاملة، بعنوان انه دينار لا ان المراد القائه في البالوعة حقيقة.
(و) كيف كان، ف (اين هو) الدينار المغشوش المحرم المعاملة به (من لبن الممزوج بالماء و شبهه) حتى يقال: اذا لم تجز المعاملة بالدينار، لم تجز المعاملة باللبن المغشوش.
(فالاقوى حينئذ) اى حين لم يكن دليل على تحريم بيع المغشوش حرمة توجب البطلان (فى المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع) من اقسام الغش، و هو بيع المموّه على انه ذهب او فضة.
ص: 322
ثم العمل على ما يقتضيه القاعدة عند تبين الغش، فان كان قد غش في اظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس.
و ان كان من قبيل شوب اللبن بالماء، فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن، فهو لبن معيوب.
و ان كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة، و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد
______________________________
و انما يبطل البيع في هذا القسم، لانه غير مقصود بالبيع للمشترى، فكما لو اشترى انسانا فسلّمه دابة، الا فيما اذا كان المبيع الجامع، و لكن بشرط كونه ذهبا حيث انه يدخل في مسألة تخلف الشرط.
(ثم) بعد صحة البيع في المغشوش (العمل على ما يقتضيه القاعدة عند تبين الغش، فان كان قد غش) البائع- عمدا و بلا عمد- (فى اظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس) كان وصف الامة بالجمال، فظهرت قبيحة.
(و ان كان من قبيل شوب اللبن بالماء فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن، فهو لبن معيوب).
و ربما يحتمل هنا خيار تبعض الصفقة، لانه اشترى لترا من حليب، فظهر نصف لتر و الماء الممزوج ان كانت له قيمة كان البائع شريكا مع المشترى و الا كان المال كله للمشترى مع خيار تبعض الصفقة.
(و ان كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة، و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد) عن المقدار المتعارف
ص: 323
لانه غير متمول، و لو كان شيئا متمولا بطل البيع في مقابله.
______________________________
الموجود في غالب الحنطة (لانه غير متمول، و لو كان) الخليط (شيئا متمولا) كالزوان الداخل في الحنطة مثلا (بطل البيع في مقابله) لانه غير مبيع، و كان للمشترى الخيار بالنسبة الى المقدار الموجود من المثمن
و مما تقدم تعرف حكم ما لو كان الغش في وجود وصف الكمال لمن شرط النقص و غيره من سائر الاقسام.
ص: 324
و ادعى في الايضاح تواترها.
في قوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.
ففى صحيحة الشحام، و مرسلة ابن ابى عمير، و موثقة ابى بصير المرويات عن الكافى، و رواية عبد الاعلى المحكية عن معانى الاخبار، و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمى ره: تفسير قول الزور بالغناء.
______________________________
المسألة (الثالثة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما في نفسه (الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة).
نعم في بعضها خلاف كالغناء في الاعراس- مثلا- كما سيأتى.
(و الاخبار بها مستفيضة و ادعى في الايضاح تواترها).
(منها ما ورد مستفيضا، في تفسير قول الزور، في قوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) اى الباطل.
(ففى صحيحة الشحام، و مرسلة ابن ابى عمير، و موثقة ابى بصير المرويات عن الكافى، و رواية عبد الاعلى المحكية عن معانى الاخبار و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمى ره: تفسير قول الزور) فى الآية الكريمة (بالغناء).
و لا يخفى انه من باب ذكر المصداق، كما ان مثله كثير في الروايات حيث
ص: 325
كما في صحيحة ابن مسلم، و رواية مهران ابن محمد، و رواية الوشاء، و رواية الحسن بن هارون و رواية عبد الاعلى السابقة.
في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، كما في صحيحة ابن مسلم عن ابى عبد الله تارة بلا واسطة، و اخرى بواسطة ابى الصباح الكنانى.
و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاولى،
______________________________
يفسر الكلى الموجود في الآية ببعض مصاديقه، فلا ينافى سائر المصاديق.
و بهذا يرفع الاشكال الوارد في تفسير الروايات بعض الآيات بتفسيرين مختلفين، كما حقق في محله.
(و منها: ما ورد مستفيضا) أيضا (فى تفسير: لهو الحديث) فى الآية الكريمة بالغناء (كما في صحيحة ابن مسلم، و رواية مهران ابن محمد، و رواية الوشاء، و رواية الحسن بن هارون، و رواية عبد الاعلى السابقة) فاذا دلّت الآية على حرمة لهو الحديث، اى الحديث اللهو، دلت على حرمة الغناء بعد ذكر الامام عليه السلام ان لهو الحديث الغناء.
(و منها ما ورد في تفسير: الزور، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، كما في صحيحة ابن مسلم عن ابى عبد الله) عليه السلام (تارة بلا واسطة، و) تارة (اخرى بواسطة ابى الصباح الكنانى).
و حيث ان الزور بمعنى الباطل دل المدح في الآية على حرمة الزور.
(و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاولى)
ص: 326
بل الثانية في ان الغناء من مقولة الكلام، لتفسير قول الزور به.
و يؤيده ما في بعض الاخبار من ان: من قول الزور ان يقول للذى يغنّى احسنت.
و يشهد له قول على ابن الحسين عليه السلام- فى مرسلة الفقيه الآتية فى الجارية التى لها صوت: لا بأس لو اشتريتها، فذكرتك الجنة، يعنى بقراءة القرآن، و
______________________________
التى وردت في تفسير قوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (بل الثانية) التى وردت في تفسير لهو الحديث (فى ان الغناء من مقولة الكلام، لتفسير قول الزور به) اى بالغناء.
و من المعلوم ان: القول، كلام، و كذا: الحديث، في الطائفة الثانية من مقولة الكلام.
(و يؤيده) اى يؤيد كون الظاهر من الطائفة الاولى، كون الغناء من مقولة الكلام (ما في بعض الاخبار من ان: من قول الزور ان يقول) السامع (للذى يغنى: احسنت).
و وجه التأييد واضح، لان هذه الرواية تدل على ان «احسنت» هو كلام من مصاديق قول الزور فقول الزور من مقولة الكلام، و الغناء، من مقولة الكيفية.
و النتيجة ان الكلام الباطل الغنائى محرم، لا مطلق الغناء.
(و يشهد له) اى لكون الكلام الباطل الغنائى محرم، لا مطلق الغناء (قول على ابن الحسين عليه السلام- فى مرسلة الفقيه الآتية- فى الجارية التى لها صوت: لا بأس لو اشتريتها، فذكرتك الجنة، يعنى بقراءة القرآن، و) ذكر
ص: 327
الزهد و الفضائل التى ليست بغناء.
و لو جعل التّفسير من الصدوق دل على الاستعمال أيضا.
و كذا لهو الحديث بناء على انه من اضافة الصفة الى الموصوف فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل فلا تدل على حرمة نفس الكيفية و لو
______________________________
مواعظ ترتبط ب (الزهد و الفضائل التى ليست بغناء) فان كان تفسير الرواية ب «يعنى» من الامام، فالدلالة واضحة.
(و لو جعل التفسير من الصدوق) كانت الرواية أيضا شاهدة لنا، اذ (دل) التفسير (على الاستعمال) للغناء في الكيفية (أيضا) كما يستعمل في نفس «الكلام» فالكيفية ليست بغناء، و انما قد يكون الكلام المكيّف باطلا فيسمى غناء و قد لا يكون الكلام المكيّف باطلا فلا يسمى غناء.
و الحاصل: ان قوله: ليست بغناء يكون لغوا لو كان الغناء «الكيفية».
اذ لا معنى لاستثناء الكيفية من الكلام، بخلاف ما لو كان: الغناء، الكلام الباطل، فانه يصح وصف القرآن و الزهد و الفضائل بانها متصفة بكونها ليست كلام باطل.
(و كذا لهو الحديث) لا دلالة له في كون الكيفية محرمة، و انما يدل على ان الكلام الباطل «لهو الحديث» (بناء على انه من اضافة الصفة الى الموصوف) اى: الحديث اللهو لا انه من اضافة المصدر الى المفعول اى:
كيفية الحديث التى هى لهو (فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل) كما كانت عادة اهالى الغناء من التغنى بالاباطيل (فلا تدل) آية «قول الزور» و «لهو الحديث» (على حرمة نفس الكيفية و لو
ص: 328
لم يكن في كلام باطل.
و منه يظهر الخدشة في الطائفة الثالثة، حيث ان مشاهد الزور التى مدح الله تعالى من لا يشهدها هى مجالس التغنّى بالاباطيل من الكلام فالانصاف انها لا تدل على حرمة نفس الكيفية
______________________________
لم يكن في كلام باطل).
و بهذا التقريب سقطت دلالة الآيتين- بضميمة تفسيرهما- على حرمة الغناء مطلقا، سواء كان التغنى بقول باطل او بقول حق.
و لكن لا يخفى ان مناقشة الشيخ غير واردة، و ان شئت التفصيل فراجع تعليقة المجاهد الشيرازى و غيره.
(و منه) اى مما ذكرنا من الخدشة في دلالة الآيتين (تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة) من الاخبار التى استدل بها على حرمة الغناء و هى ما ورد في تفسير قوله تعالى وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (حيث ان مشاهد الزور التى مدح الله تعالى من لا يشهدها هى مجالس التغنى بالأباطيل من الكلام) لا مطلق الغناء.
و انما ظهرت الخدشة، حيث ان «الزور» اذا اريد به في الآية السابقة الكلام الباطل، لا الكيفية، كانت قرينة وحدة لفظ «الزور» فى الآية، و قرب سياق إحداهما من الاخرى، كافيان في ان يراد من الآية الثانية نفس المراد من الآية الاولى.
(فالانصاف انها) اى هذه الآيات (لا تدل على حرمة نفس الكيفية) اطلاق «اللهو» و اطلاق «الزور».
ص: 329
الا من حيث اشعار لهو الحديث بكون اللهو عن اطلاقه مبغوضا لله تعالى و كذا: الزور، بمعنى الباطل و ان تحققا في كيفية الكلام، لا في نفسه كما اذا تغنّى في كلام حق من قرآن او دعاء او مرثية.
و بالجملة: فكل صوت يعدّ في نفسه- مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به- لهوا و باطلا، فهو حرام.
______________________________
و حيث ان للاطلاق قدرا متيقنا هو الكلام الباطل في ضمن الكيفية- لما عرفت من القرائن السابقة- لم يبق في الادلة المذكورة دلالة على حرمة مطلق الكيفية.
اذ الاطلاق ليس (الا من حيث اشعار لهو الحديث بكون اللهو عن اطلاقه) سواء كان في المادة كالكذب، او في الهيئة كما في الغناء (مبغوضا لله تعالى، و كذا: الزور، بمعنى الباطل) مبغوض له سبحانه، سواء في المادة او في الهيئة (و ان تحققا) اللهو و الزور (فى كيفية الكلام، لا في نفسه كما اذا تغنى في كلام حق من قرآن او دعاء او مرثية) او ما اشبه، و قوله: «و ان» وصلية.
(و بالجملة) ان الدلالة للآيتين على حرمة مطلق الكيفية، متوقفة على اطلاق حرمة الله و الزور (فكل صوت يعد في نفسه- مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به- لهوا و باطلا، فهو حرام).
و لو قال «لهوا، و زورا» كان احسن، لكن دلالة الآيتين على هذا الاطلاق ممنوع فلا دلالة على حرمة مطلق الغناء، و لو كان كيفية لكلام حق و قرآن و ما اشبه.
ص: 330
و مما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا رواية عبد الاعلى- و فيها ابن فضال- قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء، و قلت انهم يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه و آله رخص في ان يقال جئناكم جئناكم، حيونا حيونا نحيّكم فقال كذبوا: ان الله تعالى يقول وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ
______________________________
(و مما يدل على حرمة الغناء) لا من حيث انه كيفية خاصة، بل (من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا) مما يؤيد ما تقدم من عدم دلالة الآيات على ان الكيفية- بما هى هى- محرمة، بل الكلام الباطل المشتمل على الكيفية الغنائية (رواية عبد الاعلى- و فيها ابن فضال- قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الغناء و قلت انهم) اى العامة (يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه و آله رخص في ان يقال: جئناكم جئناكم، حيّونا حيّونا نحيّكم) و لو لا الحبة السوداء لم نحلل بواديكم- و هذا انما كان يقال في الاعراس- (فقال) عليه السلام (كذبوا) لم يجوزه رسول الله صلى الله عليه و آله (ان الله تعالى يقول: وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ) اى لاجل اللعب و اللهو بدون غاية و مصلحة (لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ولدا و ما اشبه و اصناما (لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا) من جنس الملائكة و العليين (إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ) لاتخاذ اللهو (بل) ليس فقط عدم اتخاذنا للهو، و انما نمحى اللهو، ف (نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ) و يزيله بان نسلط الحق على الباطل ليثبت بطلانه (فَإِذٰا هُوَ) اى الباطل (زٰاهِقٌ) زائل (وَ لَكُمُ) ايها الذين
ص: 331
الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ، ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس الخبر
فان الكلام المذكور المرخص فيه- بزعمهم- ليس بالباطل و اللهو اللذين يكذّب الامام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه و آله فيه.
______________________________
تدعون ان الله تعالى اتخذ اللهو (الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ) من وصفه سبحانه باتخاذه اللهو (ثم قال:) عليه السلام (ويل لفلان مما يصف) و يقول (رجل لم يحضر المجلس، الخبر) اى فكيف ينسب الى النبي صلى الله عليه و آله هذا الرجل الّذي لم يحضر مجلس النبي صلى الله عليه و آله انه اجاز هذا الكلام.
و كيف كان فان هذا الخبر يدل على ان الحرمة من حيث كون التغنى بهذا الكلام لهوا، لا من حيث ذات الكيفية.
(فان الكلام المذكور) اى «جئناكم جئناكم ... الخ» (المرخص فيه يزعمهم-) لان العامة كانوا يزعمون ان النبي صلى الله عليه و آله اجاز ذلك (ليس) بنفسه بدون التغنى به (بالباطل و اللهو اللذين يكذّب الامام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه و آله فيه) فان الامام كذبهم في ان قولهم: النبي (ص) رخص هذا الكلام.
وجهة تكذيب الامام، انه كيف يرخص النبي صلى الله عليه و آله للّهو؟
و قد ذكرت الآية: ان الله لا يتخذ اللهو، و حيث نرى ان ذات «جئناكم» ليس لهوا، نعرف ان مصب الكلام «جئناكم» المتغنى به.
فيدل الحديث على حرمة التغنى بالكلام الّذي لا فائدة فيه فلا دليل على حرمة التغنى بمثل القرآن و الحكمة، مما لا يسمى لهوا.
ص: 332
فليس الانكار الشديد المذكور، و جعل ما زعموا الرخصة فيه، من اللهو و الباطل، الا من جهة التغنى به.
و رواية يونس قال سئلت الخراسانى عن الغناء و قلت: ان العباسى زعم انك ترخص في الغناء فقال كذب الزنديق، ما هكذا قلت له و انما سألني عن الغناء، قلت له ان رجلا اتى أبا جعفر عليه السلام، فسئله عن الغناء فقال له اذا ميّز الله بين الحق و الباطل، فاين يكون الغناء؟ قال مع الباطل، فقال: قد حكمت
______________________________
(فليس الانكار الشديد المذكور) من الامام عليه السلام لتجويز النبي صلى الله عليه و آله ل «جئناكم» (و جعل) الامام عليه السلام (ما زعموا الرخصة فيه، من اللهو و الباطل، الا من جهة التغنى به).
و الحاصل: ان المستفاد من هذا الحديث ان الغناء اللهوى باطل لا مطلق الكيفية.
(و رواية يونس) عطف على رواية عبد الاعلى (قال سئلت الخراسانى) عليه السلام يعنى الامام الرضا عليه السلام (عن الغناء، و قلت: ان العباسى) و هو هشام بن ابراهيم (زعم انك ترخص في الغناء) فهل نقله عنك صحيح، أم لا؟ (فقال) عليه السلام (كذب الزنديق ما هكذا قلت له) و لم اجوز الغناء بل (و انما سألني عن الغناء، قلت له ان رجلا اتى أبا جعفر عليه السلام، فسئله عن الغناء، فقال له) ابو جعفر (اذا ميّز الله بين الحق و الباطل، فاين يكون الغناء؟ قال) الرجل (مع الباطل، فقال) ابو جعفر عليه السلام (قد حكمت) بان الغناء حرام اذ ما يكون مع الباطل لا يكون الا حراما
ص: 333
و رواية محمد بن ابى عباد- و كان مستهترا بالسماع، و يشرب النبيذ- قال سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال لاهل الحجاز فيه رأى و هو في حيّز الباطل و اللهو، أ ما سمعت الله عز و جل يقول: وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً.
و الغناء من السماع، كما نص عليه في الصحاح، و قال: أيضا جارية مسمعة اى مغنية
______________________________
فهذا الخبر يدل على ان الغناء من حيث انه باطل محرم فلا دليل على حرمة الغناء الّذي ليس بباطل، كالغناء في القرآن و ما اشبه.
(و رواية محمد بن ابى عباد- و كان مستهترا بالسماع، و يشرب النبيذ-) الاستهتار كثرة ارتكاب ما لا يليق، و المراد بالسماع سماع الاغانى و الالحان و ما اشبه (قال سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال) عليه السلام: (لاهل الحجاز فيه رأى) اى بالجواز و كان الامام عليه السلام قال ذلك تقية (و) لكن (هو) عندى (فى حيّز الباطل و اللهو، أ ما سمعت الله عز و جل يقول) فى صفات المؤمنين (وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً) يعنى انهم لا يجلسون عند اللغو، بل يمرون عليه مرور الكرام.
فان كان المقام مقام الانكار انكروا و ان كان المقام مقام السكوت سكتوا.
و ليس معنى «مرور الكرام» السكوت كما ربما يزعمه غير المطلع بالتفسير.
(و) ان قلت: لفظ الرواية «السماع» لا الغناء.
قلت: (الغناء من السماع، كما نص عليه في الصحاح، و قال) الصحاح (أيضا جارية مسمّعة اى مغنّية).
ص: 334
و في رواية الاعمش الواردة في تعداد الكبائر، قوله: و الملاهى التى تصدّ عن ذكر الله، كالغناء و ضرب الاوتار.
و قوله عليه السلام:- و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب.
و ظاهر هذه الاخبار باسرها حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل.
فالغناء- و هى من مقولة الكيفية للاصوات-
______________________________
و انما قال «من السماع» لان السماع شامل لالحان اهل الفسوق مما لا يسمى غناء أيضا.
فهذه الرواية تدل على ان الغناء الباطل و اللغو حرام، لا مطلق الكيفية
(و في رواية الاعمش الواردة في تعداد الكبائر، قوله) عليه السلام (و الملاهى) جمع ملهى- بمعنى اللهو- (التى تصدّ) و تمنع (عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار) فان هذا الخبر يدل على النهى عن الغناء لكونه لهوا فيدل على عدم النهى عن مطلق الغناء و لو في ضمن قرآن او دعاء- مثلا-.
(و قوله عليه السلام:- و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل الجارية تلهيه) فما تقول فيها؟.
قال عليه السلام (و ما ثمنها إلا كثمن الكلب) فالمحرم اللهو الى غير ذلك من الروايات.
(و ظاهر هذه الاخبار باسرها) اى باجمعها (حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل) و لا يخفى ان هذا الاستظهار محل نظر و ان اصر عليه الشيخ ره
(فالغناء- و هى من مقولة الكيفية) لانه كيف مسموع (للاصوات-) لان
ص: 335
كما سيجي ء ان كان مساويا للصوت اللهوى و الباطل- كما هو الاقوى و سيجي ء- فهو.
________________________________________
شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق
إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 336
و ان كان اعم وجب تقييده بما اذا كان من هذا العنوان كما انه لو كان اخصّ وجب التعدّى عنه الى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.
و بالجملة، فالمحرم هو ما كان من لحون اهل الفسوق و المعاصى التى
______________________________
الكيف قد يكون للامر المبصر، و قد يكون للامر المسموع، و قد يكون للامر الملموس و هكذا (كما سيجي ء) تعريف الغناء بهذا التعريف (ان كان مساويا للصوت اللهوى و الباطل- كما هو الاقوى) اى تساوى الغناء و الصوت اللهوى (و سيجي ء-) وجه القوة (فهو) المطلوب، اذ يثبت حرمة الغناء مطلقا، فان الروايات منعت عن اللهو، و الغناء- على هذا- من اللهو- مطلقا-
(و ان كان) الغناء (اعم) من الصوت اللهوى، كما يظهر من بعض، و انه كل صوت لهوى غناء، و بعض الغناء ليس بصوت لهوى كالقرآن و الدعاء اذا تغنى بها (وجب تقييده) اى الغناء المحرم (بما اذا كان من هذا العنوان) اى عنوان اللهو (كما انه لو كان) الغناء (اخص) من الصوت اللهوى، بان صدق الصوت اللهوى على ما لم يصدق عليه الغناء (وجب التعدى عنه) اى عن الغناء- فى الحرمة- (الى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو).
فالمدار هو الصوت اللهوى سواء كان غناء او اخص من الغناء او اعم من الغناء
(و بالجملة، فالمحرم) فى باب الغناء (هو ما كان من لحون اهل الفسوق و المعاصى التى
ص: 336
ورد النهى عن قراءة القرآن بها سواء كان مساويا للغناء، او اعم او اخص.
مع ان الظاهر: ان ليس الغناء الا هو، و ان اختلف فيه عبارات الفقهاء و اللغويين، فعن المصباح: ان الغناء الصوت.
و عن آخر انه مدّ الصوت.
و عن النهاية عن الشافعى انه تحسين الصوت و ترقيقه.
و عنها أيضا ان كل من رفع صوتا و والاه، فصوته عند العرب غناء
______________________________
ورد النهى عن قراءة القرآن بها)
فان اهل المعاصى- غالبا- لهم كيفية خاصة في الترجيع و التصنيف و ما اشبه (سواء كان) لحن اهل الفسوق (مساويا للغناء، او اعم) منه (او اخص) و ليس المحور الغناء.
(مع ان الظاهر: ان ليس الغناء الا هو) اى ان بين لحن اهل الفسوق و بين الغناء تساويا مطلقا (و ان اختلف فيه) اى في الغناء (عبارات الفقهاء و اللغويين، فعن المصباح: ان الغناء الصوت) و هذا تعريف بالاعم، من قبيل «سعدانة نبت».
(و عن آخر انه مدّ الصوت) و هذا أيضا اعم، لان كل مدّ الصوت ليس بغناء، بل بينه و بين الغناء عموم من وجه، اذ ليس في كل غناء مدّ الصوت
(و عن النهاية عن الشافعى انه تحسين الصوت و ترقيقه) و الظاهر انه ان لم يكن اعم من الغناء، فلا بد و ان يكون اعم من وجه منه.
(و عنها) اى النهاية (أيضا ان كل من رفع صوتا و والاه) اى والى اجزاء الصوت بعضها لبعض (فصوته عند العرب غناء) و الظاهر العموم من
ص: 337
و كل هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها، و عدم صدق الغناء عليها فكلها اشارة الى المفهوم المعين عرفا.
و الاحسن من الكل ما تقدم من الصحاح.
و يقرب منه المحكى عن المشهور بين الفقهاء من انه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب.
______________________________
وجه أيضا بين هذا التعريف و بين الغناء.
(و) لذا قال الشيخ ره ان (كل هذه المفاهيم) التى ذكروها لتعريف الغناء (مما يعلم عدم حرمتها) بذاتها (و عدم صدق الغناء عليها) بقول مطلق
نعم: يصدق على بعض اقسامها الغناء (فكلها) اى كل هذه المفاهيم المذكورة في تعريف الغناء (اشارة الى المفهوم المعين عرفا) كما هى عادة اللغويين في تعاريف اللغات، و لذا قالوا: ان تعريفات اللغويين لفظية.
(و الاحسن من الكل ما تقدم من الصحاح) حيث فسر الغناء بانه من السماع، و قال جارية مسمعة اى مغنية.
و لكن لا يخفى ان هذا التعريف لو لم يكن باخفى فليس باجلى.
اذ مفهوم الغناء اوضح لذى العرف من مفهوم السماع، بالإضافة الى ان الصحاح فسر كل واحد من السماع و الغناء بالآخر، فراجع.
(و يقرب منه) اى من تعريف الصحاح للغناء (المحكى عن المشهور بين الفقهاء من انه) اى الغناء (مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب).
و معنى الترجيع طروّ حالة للصوت يوهم انه يرجع الى الحلق بعد خروجه منه
ص: 338
و الطرب على ما في الصحاح خفة يعترى الانسان لشدة حزن او سرور و عن الاساس للزمخشرى خفة لسرور، أو همّ.
و هذا القيد هو المدخل للصوت في افراد اللهو و هو الّذي اراده الشاعر بقوله: اطربا و انت قنسرى، اى شيخ كبير، و الا فمجرد السرور او الحزن، لا يبعد عن الشيخ الكبير.
و بالجملة: فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب او و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا.
______________________________
(و الطرب على ما في الصحاح خفة يعترى الانسان لشدة حزن، او) شدة (سرور، و عن) كتاب (الاساس للزمخشرى) تعريف المطرب بانه (خفة لسرور، اوهم) فان الانسان اذ اكثر سروره او حزنه طرأت عليه حالة يشعر بانه قد خفّ وزنه حتى كان روحه يقدر على اخضاع جسمه بحركات سريعة قفزا و عدوا و ما اشبه.
(و هذا القيد) اى قيد الطرب، في تفسير الغناء (هو المدخل للصوت في افراد اللهو) اذ مجرد الترجيع لا يوجب لهوا (و هو) اى الطرب بمعنى الخفة اللهوية (الّذي اراده الشاعر بقوله: اطربا و انت قنسرى اى) أ تطرب، و انت (شيخ كبير) فان التأنيب على الخفة التى لا تناسب الانسان الكبير السن (و الا فمجرد السرور او الحزن، لا يبعد عن الشيخ الكبير) كيف و هما غير مقدورين- فى الجملة-.
(و بالجملة: فمجرد مدّ الصوت لا مع الترجيع المطرب) على ما عرف به الغناء في كلام بعض (او و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا) كما نرى ان
ص: 339
و من اكتفى بذكر الترجيع كالقواعد، اراد به المقتضى للاطراب.
قال جامع المقاصد في الشرح: ليس مجرد مدّ الصوت محرما، و ان مالت إليه النفوس ما لم ينته الى حدّ يكون مطربا بالترجيع المقتضى للاطراب انتهى
ثم ان المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة الى المغنى او المستمع او ما كان من شأنه الاطراب، و مقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت او غيره.
و اما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة الى كل احد، و خصوصا
______________________________
الخطباء و المؤذنين و من اشبه يمدّون اصواتهم و ليس بغناء و لا لهو.
(و من اكتفى بذكر الترجيع) بدون ذكر الاطراب (كالقواعد، اراد به المقتضى للاطراب) اذ الترجيع بدون الاطراب لا يسمى أيضا غناء.
(قال) فى (جامع المقاصد في الشرح: ليس مجرّد مدّ الصوت محرما، و ان مالت إليه النفوس) فيما اذا كان حسنا كالمؤذن الصيّت (ما لم ينته الى حدّ يكون مطربا بالترجيع المقتضى للاطراب) و خفة النفس (انتهى) كلام جامع المقاصد.
(ثم ان المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة) شأنا، و في بعض النفوس المستقيمة (بالنسبة الى المغنى او المستمع، او ما كان من شأنه الاطراب، و) كان (مقتضيا له) اى للاطراب (لو لم يمنع عنه) اى عن اطرابه فعلا (مانع من جهة قبح الصوت) فى المغنى (او غيره) ككثرة افكار السامع بحيث لا يطربه الغناء.
(و اما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة الى كل احد و خصوصا
ص: 340
بمعنى الخفة لشدّة السرور او الحزن، فيشكل بخلو اكثر ما هو غناء عرفا عنه.
و كأنّ هذا هو الّذي دعى الشهيد الثاني الى ان زاد في الروضة و المسالك- بعد تعريف المشهور- قوله: او ما يسمى في العرف غناء، و تبعه في مجمع الفائدة، و غيره.
و لعل هذا أيضا دعى صاحب مفتاح الكرامة الى زعم: ان الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسّر في الصحاح بخفة، لشدة سرور او حزن
______________________________
بمعنى الخفة لشدّة السرور او الحزن، فيشكل) جعل هذا تعريفا للغناء (ب) سبب (خلو اكثر ما هو غناء- عرفا- عنه) اى عن مثل هذه الصفة، اذ ليس كل غناء مطربا لكل احد- كما لا يخفى-.
(و كان هذا) الّذي ذكرناه من عدم انطباق هذا التعريف على كل فرد من افراد الغناء (هو الّذي دعى الشهيد الثاني الى ان زاد في الروضة و المسالك- بعد تعريف المشهور-) للغناء بما تقدم (قوله: او ما يسمى في العرف غناء، و تبعه في مجمع الفائدة و غيره) فى زيادة هذا القيد
(و لعل هذا) الّذي ذكرناه من عدم انطباق تعريف المشهور للغناء على جملة من اقسام الغناء (أيضا دعى صاحب مفتاح الكرامة الى زعم:
ان الاطراب في تعريف الغناء) فى كلام المشهور (غير الطرب المفسر في الصحاح بخفة، لشدة سرورا و حزن).
و ذلك لانه رأى ان فسّر الاطراب بما ذكره صاحب الصحاح لزم خروج كثير من اقسام الغناء، اذ كثير من اقسامه لا يوجب طربا بالمعنى الّذي ذكره الصحاح.
ص: 341
و ان توهمه صاحب مجمع البحرين، و غيره من اصحابنا.
و استشهد على ذلك بما في الصحاح، من: ان التطريب في الصوت مده و تحسينه، و ما عن المصباح من: ان طرّب في صوته رجّعه بالتضعيف و مده و في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرّب به، و ان التطريب الاطراب كالتطرب و التغنى قال ره: فيحصل من ذلك ان المراد بالتطريب و الاطراب غير الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن او سرور، كما توهمه صاحب
______________________________
(و ان توهمه صاحب مجمع البحرين، و غيره من اصحابنا) اى ان مفتاح الكرامة بعد ان زعم ان الاطراب غير الطرب.
قال لكن صاحب مجمع البحرين و غيره زعموا الاتحاد بين المعنيين.
(و استشهد) صاحب المفتاح (على ذلك) الّذي ذكره من ان الاطراب غير الطرب (بما في الصحاح، من: ان التطريب في الصوت مدّه و تحسينه و ما عن المصباح من: ان طرب في صوته، رجعه بالتضعيف و مدّه و في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرب به و ان التطريب الاطراب كالتطرب و التغنى)
فهذه التعريفات كلها تدل على ان الاطراب و التطريب بمعنى المدّ و الترجيع، فاذا علمنا ان الطرب بمعنى الخفة، تبين ان الطرب معناه غير معنى الاطراب.
و هذا هو الّذي ادعاه صاحب مفتاح الكرامة.
ثم (قال ره: فيحصل من ذلك) الّذي رايته من تعريف اللغويين للاطراب (ان المراد بالتطريب و الاطراب غير) المراد ب (الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن او سرور، كما توهمه) اى الاتحاد بين معنيهما (صاحب
ص: 342
مجمع البحرين و غيره من اصحابنا فكانه قال في القاموس: الغناء من الصوت ما مدّ، و حسّن، و رجّع فانطبق على المشهور، اذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس، فكان لازما للاطراب و التطريب انتهى كلامه ره.
و فيه ان الطرب اذا كان معناه على ما تقدم من الجوهرى و الزمخشرى هو ما يحصل للانسان من الخفة لا جرم يكون المراد بالاطراب و التطريب ايجاد هذه الحالة،
______________________________
مجمع البحرين و غيره من اصحابنا).
و الّذي يؤيد هذه المغايرة ما ذكره الفيروزآبادي فيما نقلناه عنه (فكانه قال في القاموس: الغناء من الصوت ما مدّ، و حسن و رجع) لانه عرف الغناء ب «ما طرّب به» و عرف التطريب بالتغنّى.
و حيث علمنا ان التطريب ما مدّ و رجّع- كما في المصباح- صار معنى الغناء- لدى القاموس- ما مدّ و حسن، و رجع (فانطبق) كلام القاموس (على) كلام (المشهور) فى تعريف الغناء (اذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس، فكان لازما للاطراب و التطريب انتهى كلامه ره).
و قد رأيت كيف حاول صاحب مفتاح الكرامة الى دعوى المغايرة بين التطريب و بين الطرب.
(و فيه) اى فيما ذكره مفتاح الكرامة (ان الطرب اذا كان معناه على ما تقدم من الجوهرى) فى الصحاح (و الزمخشرى) فى الاساس (هو ما يحصل للانسان من الخفة) و (لا جرم يكون المراد بالاطراب و التطريب) و هما من بابى الافعال و التفعيل (ايجاد هذه الحالة) اى حالة الطرب- لوحدة
ص: 343
و الا لزم الاشتراك اللفظى مع انهم لم يذكروا للطرب معنى آخر ليشتق منه لفظ التطريب و الاطراب مضافا الى ما ذكر في معنى التطريب من الصحاح و المصباح انما هو للفعل القائم بذى الصوت، لا الاطراب القائم بالصوت و هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور دون فعل الشخص.
______________________________
المادة فيهما- (و الا لزم الاشتراك اللفظى) فى الطرب بين الخفة و بين المد و الترجيع، و الاشتراك اللفظى مخالف للاصل أولا و ثانيا (مع انهم لم يذكروا للطرب معنى آخر) غير الخفة (ليشتق منه لفظ التطريب و الاطراب)
و لو كان للطرب معنيان لزم ان يذكروهما، لا ان يذكروا احدهما.
و حيث ان صاحب المفتاح ذكر ان التطريب بمعنى المد و التحسين و استشهد لذلك بكلام الصحاح و المصباح، و ان الطرب بمعنى الخفة، فاخذ النتيجة بان التطريب غير الطرب ردّه المصنف ره بان التطريب معناه ايجاد سبب الطرب بالمد، كما ان التفريح، معناه ايجاد سبب الفرح و هذا المعنى لا ينافى كون الطرب بمعنى الخفة.
و الى هذا اشار بقوله: (مضافا الى) انه يرد على مفتاح الكرامة ان (ما ذكر في معنى التطريب من الصحاح و المصباح) و ان التطريب المد و الترجيع (انما هو للفعل القائم بذى الصوت) فان طرّب صفة زيد (لا الاطراب القائم بالصوت) فان اطرب صفة الصوت يقال: طرّب زيد، و صوت مطرب (و هو) اى الاطراب (المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور) فانهم قالوا:
الغناء صوت مطرب- من باب الافعال- (دون فعل الشخص) فلم يأخذوا التطريب- الّذي هو فعل الشخص- فى تعريف الغناء، و لم
ص: 344
فيمكن ان يكون معنى تطريب الشخص في صوته، ايجاد سبب الطرب بمعنى الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه، كما ان تفريح الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه.
فلا ينافى ذلك ما ذكر في معنى الطرب.
و كذا ما في القاموس من قوله: ما طرّب به يعنى ما اوجد به الطرب مع انه
______________________________
يقولوا: الغناء صوت مطرب، من باب التفعيل.
(ف) اذا كان التطريب صفة الشخص (يمكن ان يكون معنى تطريب الشخص في صوته، ايجاد سبب الطرب معنى الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه، كما ان تفريح الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه) اى يوجب الفرح، كاعطائه المال- مثلا-.
(فلا ينافى ذلك) المذكور في معنى التطريب (ما ذكر في معنى الطرب) فان التطريب ايجاد الطرب بالمد و التحسين، و الطرب الخفة.
(و كذا ما) ذكر (فى القاموس) اى ان كلامه كلام الصحاح و المصباح (من قوله: ما طرب به) فى تعريف الغناء (يعنى ما اوجد به الطرب) و الطرب الخفة
و الحاصل: انه لا يظهر من اهل اللغة تفسيرهم ل «طرّب»- من باب التفعيل- ان له معنى مخالفا للطرب- كما يريد ذلك مفتاح الكرامة- (مع انه) يرد على مفتاح الكرامة اشكال آخر، و هو انه اذا جعلتم التطريب بمعنى التحسين و الطرب بمعنى الخفة، لزم ان يكون الطرب الّذي هو مادة التطريب بمعنى الحسن، و هذا خلاف الظاهر فليس معنى التطريب الا ايجاد الطرب- كما ذكرنا-.
ص: 345
لا مجال لتوهم كون التطريب- بمادته- بمعنى التحسين و الترجيع اذ لم يتوهم احد كون الطرب بمعنى الحسن و الرجوع، او كون التطريب هو نفس المد فليست هذه الامور الا اسبابا للطرب يراد من ايجاده فعل هذه الاسباب هذا كله مضافا الى عدم امكان إرادة ما ذكر: من المد و التحسين و الترجيع من الطرب في قول الاكثر ان الغناء مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب
______________________________
فانه (لا مجال لتوهم كون التطريب- بمادته-) اى الطرب (بمعنى التحسين و الترجيع اذ لم يتوهم احد كون الطرب) الّذي هو مادة التطريب (بمعنى الحسن و الرجوع، او كون التطريب هو نفس المد، فليست هذه الامور) التحسين و الترجيع و المد (الا اسبابا للطرب يراد من ايجاده فعل هذه الاسباب) اى يراد من فعل هذه الاسباب ايجاد الطرب ف «فعل» نائب فاعل «يراد» و «من» بمعنى «من جهة».
اى انما يريد الشخص هذه الاسباب من اجل ايجاد الطرب (هذا كله) يرد على صاحب مفتاح الكرامة (مضافا الى) اشكال آخر، و هو انه لو اخذ الاطراب و التطريب، بمعنى واحد- كما تقدم في كلامه- لزم، بشاعة عبارة المشهور و عدم استقامتها ل (عدم امكان إرادة ما ذكر: من المدّ و التحسين و الترجيع من الطرب) الموجود في تعريف الغناء (فى قول الاكثر) حين قالوا (ان الغناء مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب) اذ لو كان المطرب بمعنى المحسّن المرجّع كان المعنى: الغناء مدّ الصوت المحسّن المرجّع.
ص: 346
كما لا يخفى مع ان مجرد المدّ و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا لما مر و سيجي ء.
فتبين من جميع ما ذكرنا ان المتعين حمل الطرب في تعريف الاكثر للغناء على الطرب بمعنى الخفة و توجيه كلامهم بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض
______________________________
و هذا بخلاف ما ذكرنا من ان معنى الاطراب ايجاد الخفة، اذ المعنى حينئذ الغناء مدّ الصوت الموجد للخفة (كما لا يخفى).
فهذه خمسة اشكالات على صاحب مفتاح الكرامة الّذي اراد ايجاد الفرق بين التطريب و الاطراب و بين الطرب.
اشار المصنف الى الاول، بقوله: و فيه، و الى الثاني بقوله: مع انهم و الى الثالث بقوله: مضافا، و الى الرابع بقوله: مع انه، و الى الخامس بقوله: هذا كله (مع) ان هنا اشكالا آخر اذا لم نشترط الطرب بمعنى الخفة في الغناء، و هو (ان مجرد المدّ و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا) و ذلك (لما مر) بعد قول الشافعى «و كل هذه المفاهيم ... الى آخره» (و سيجي ء) من ان مقتضى الادلة حرمة اللهو و ذلك لا يكون الا بالخفة (فتبين من جميع ما ذكرنا ان المتعين حمل الطرب في تعريف الاكثر للغناء، على الطرب بمعنى الخفة، و) اما ما فرّ منه صاحب مفتاح الكرامة، حيث راى انه لو اخذ الخفة لم يحرم كثير من الغناء، اذ لا يوجب خفة و لذا اقتصر على كون المحرم ما فيه مد و تحسين، فلا موجب لهذا الفرار.
اذ لا يرد علينا الاشكال و ان اخذنا الخفة، في تعريف الغناء ل (توجيه كلامهم) اى الفقهاء المشترطين للخفة (بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض)
ص: 347
له بحسب وضع نوع ذلك الترجيع و ان لم يطرب شخصه لمانع من غلظة الصوت و مج الاسماع له، و لقد اجاد في الصحاح حيث فسّر الغناء بالسماع و هو المعروف عند اهل العرف.
و قد تقدم في رواية محمد بن ابى عباد: المستهتر بالسماع.
و كيف كان فالمحصل من الادلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو، فان اللهو
______________________________
«يعرّض» من باب التفعيل (له) اى للطرب (بحسب وضع نوع ذلك الترجيع و ان لم يطرب شخصه) فعلا (لمانع) خارجى (من غلظة الصوت) في المغنّى (و مجّ الاسماع له) «مجّ» بمعنى: رمى، او لاجل اشتغال السامع بهم او ما اشبه- كما تقدم- (و لقد اجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع) لفظة «السماع» كانت مشهورة في زمان المصنف في تفسير الغناء.
و التعبير عنه كما اشار إليه بقوله: (و هو المعروف عند اهل العرف) و لذا كرر المصنف اجادة الصحاح بهذا التفسير، و الا ففى زماننا «السماع» اخفى مدلولا من «الغناء».
(و قد تقدم في رواية محمد بن ابى عباد: المستهتر بالسماع) و قد اريد بالسماع الغناء.
(و كيف كان) سواء اخذت الخفة في «الغناء» كما فعلنا، أم لا، كما فعل مفتاح الكرامة (فالمحصل من الادلة المتقدمة) اى الروايات المذكورة (حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو، فان اللهو) على ثلاثة اقسام
ص: 348
كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الاوتار و نحوه، و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد فكل صوت يكون لهوا بكيفيته و معدودا من الحان اهل الفسوق و المعاصى فهو حرام، و ان فرض انه ليس بغناء.
و كل ما لا يعد لهوا، فليس بحرام و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق لعدم الدليل على حرمة الغناء الا من حيث كونه باطلا و لهوا و لغوا و زورا
______________________________
«آلة» و «صوت» و «آلة و صوت».
ف (كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الاوتار و نحوه) من سائر آلات اللهو (و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد) عن الآلة (فكل صوت يكون لهوا بكيفيته) فى مقابل كونه لهوا بمادته- كالكذب و ما اشبه- (و معدودا من الحان اهل الفسوق و المعاصى) فان لهم لحنا خاصا يعرفون به، يطلقونه غالبا في البساتين و ما اشبه (فهو حرام و ان فرض انه ليس بغناء) اذ قد عرفت ان الدليل انما قام على حرمة اللهو.
(و كل ما لا يعد لهوا، فليس بحرام، و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق).
و انما قال ره: غير محقق، لما تقدم من التساوى بين الصوت اللهوى و بين الغناء في قبال من يقول: ان قراءة القرآن بالصوت الغنائى لا يصدق عليه اللهو.
و انما جعلنا المحور للحرام اللهو (لعدم الدليل على حرمة الغناء الا من حيث كونه باطلا و لغوا و زورا) كما تقدم في الاحاديث المفسّرة
ص: 349
و ان لم يكن لهوا.
و ان لم يقصد به التلهى.
ثم ان المرجع في اللهو الى العرف.
و الحاكم بتحققه هو الوجدان، حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص، و لحضور ما يستلذه القوى الشهوية، من كون المغنى جارية او امردا و نحو ذلك.
______________________________
للآيات و غيرها.
(ثم ان اللهو يتحقق بامرين: احدهما: قصد التلهى و ان لم يكن لهوا) فعلا بالنسبة الى المستمع لخشونة صوت المغنى، او اشتغال السامع بهم و نحوه.
(و الثاني: كونه لهوا في نفسه عند المستمعين، و ان لم يقصد به التلهى) كان كان المغنى يريد قراءة القرآن و الدعاء.
و حاصل هذين الامرين يرجع الى ما تقدم منه ره من كونه مطربا شأنا في الجملة
(ثم ان المرجع في اللهو) و انه ما هو (الى العرف) فكلما ذكروا انه لهو فهو لهو، و كلما ذكروا انه ليس بلهو، فليس بلهو.
(و الحاكم بتحققه) اى اللهو (هو الوجدان) اذ الوجدان مرآة للعرف (حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص، و) مناسبا (لحضور ما يستلذه القوى الشهوية من كون المغنى جارية او امرد او نحو ذلك) من البسة خاصة، و تزينات مخصوصة فان هذه الامور كلها من مناسبات اللهو، و بعضها يناسب بعضا آخر.
ص: 350
و مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء، فقد يحسّ بعض الترجيع من مبادى الغناء، و لم يبلغه.
و ظهر مما ذكرنا انه
فقراءة القرآن و الدعاء و المراثى بصوت يرجّع فيه على سبيل اللهو لا اشكال في حرمتها، و لا في تضاعف عقابها لكونها معصية في مقام الطاعة،
______________________________
(و) لا يخفى ان (مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء فقد يحس بعض) الناس (الترجيع) المحرم (من مبادى الغناء و) الحال انه (لم يبلغه) اى لم يبلغ الغناء و لا يحسّ بعض بذلك لاختلاف نفوس الناس في تأثير الترجيع و مقدماته فيهم.
كما انهم مختلفون في تأثير الشعر فيهم، فبعضهم يهزه الشعر العادى بينما لا يهز البعض الآخر الا الشعر القوى، و هذا هو السر في اختلاف بعض المتدينين في ان الصوت الفلانى غناء، أم لا؟
و اذا شك العرف في صدق الغناء- بعد الفحص- كان المرجع اصالة الحل و البراءة.
(و) قد (ظهر مما ذكرنا) من ان الغناء لهو، و كل لهو حرام- حسب الادلة المتقدمة- (انه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق او باطل) فالكيفية محرمة، سواء كانت المادة محرمة، أم لا (فقراءة القرآن و الدعاء و المراثى بصوت يرجع فيه) القارى (على سبيل اللهو لا اشكال في حرمتها، و لا في تضاعف عقابها).
و انما نقول بتضاعف العقاب (لكونها معصية في مقام الطاعة) و العقل
ص: 351
و استخفافا بالمقرو، و المدعو، و المرثى و من اوضح تسويلات الشيطان ان الرجل المسترقد تدعوه نفسه لاجل التفرج و التنزه و التلذذ، الى ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهيّة فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثى و نحوها فيتغنى به او يحضر عند من يفعل ذلك و ربما يعد مجلسا لاجل احضار اصحاب الالحان و يسميه مجلس المرثية
______________________________
يستقل بان قبح المعصية المجرد اقل من قبح الطاعة المأتى بها في ضمن الطاعة.
مثلا: الرياء في اللباس اقل قبحا من الرياء في الصلاة (و استخفافا بالمقرو، و المدعو، و المرثى) اى بالقرآن، و الله، و الّذي يرثى كالإمام الحسين عليه السلام، و هذا امر طبيعى لا يحتاج الى القصد (و من اوضح تسويلات) اى تزيينات (الشيطان) الباطل حقا (ان الرجل المتستر) مقابل المستهتر (قد تدعوه نفسه لاجل التفرج) اى الفرجة و السعة على النفس (و التنزه) اى الخروج الى مكان النزهة، اى المبتعدة عن المكروه، و المراد هنا الابتعاد عن المضايقات النفسية (و التلذذ) بتحصيل اللذة (الى ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه) «الى» متعلق ب «تدعو» (من الزمزمة) متعلق ب «ما يوجب نشاطه» و الزمزمة عبارة عن التصوت في الحلق و الخيشوم (الملهية) التى تلهيه، و لها حالة لهو و باطل (فيجعل ذلك) التفرج (فى بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثى و نحوها، فيتغنى به) اى بذلك البيت (او يحضر عند من يفعل ذلك) فيأتيه اثم المستمع للغناء
(و ربما يعدّ مجلسا لاجل احضار اصحاب الالحان) الغنائية، (و يسميه مجلس المرثية
ص: 352
فيحصل له بذلك ما لا يحصل من ضرب الاوتار من النشاط و الانبساط.
و ربما يبكى في خلال ذلك لاجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره من فقد ما يستحضره القوى الشهوية، و يتخيل انه بكى في المرثية و فاز بالمرتبة العالية و قد اشرف على النزول الى دركات الهاوية فلا ملجأ الا الله
______________________________
فيحصل له بذلك) المجلس (ما لا يحصل) له (من ضرب الاوتار) و سائر آلات اللهو (من النشاط) الروحى (و الانبساط) النفسى.
(و ربما يبكى في خلال ذلك) الانبساط (لاجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره) فان النفس تختزن الحزن و السرور فاذا هاجت النفس حرك ذلك الحزن و السرور الكامنان في النفس للأعصاب و يأتى اثر ذلك في البكاء و الانبساط و لا يعلم الانسان سبب البكاء او الانبساط لعدم التفاته الى الامر المخزون في النفس (من فقد ما يستحضره) اى يطلب حضوره (القوى الشهوية) و قوله «من» متعلق ب «العموم» (و يتخيل) له حين البكاء المنبعث عن الحزن المخزون في النفس (انه بكى في المرثية، و فاز بالمرتبة العالية) و الدرجة الرفيعة عند الله تعالى (و) الحال انه (قد اشرف على النزول الى دركات الهاوية) الهاوية اسم جهنم.
اما باعتبار هوى الاجسام الثقيلة النارية فيها كالاحجار التى تنفصل من حافاتها او الاحجار التى تتقلب فيها صعودا و نزولا.
و اما باعتبار الحال، اى الناس، بعلاقة الحال و المحل من قبيل جرى النهر (فلا ملجأ) و لا مفر (الا) الى (الله
ص: 353
من شر الشيطان، و النفس الغاوية.
و ربما يجرى على هذا عروض
______________________________
من شر الشيطان، و النفس الغاوية) اللتين تورد ان الانسان موارد الهلكة عن شعور، او لا شعور-.
(و ربما يجرى على هذا) الاقدام، اى بسبب الجرأة على الاقدام على الغناء في القرآن و المرثية و نحوهما (عروض الشبهة في الازمنة المتأخرة) «عروض» فاعل «يجرى» اى يجرى عروض الشبهة، على الاقدام على الغناء في القرآن (فى هذه المسألة) اى مسألة جواز الغناء في القرآن و المرثية.
(تارة من حيث اصل الحكم) بالشبهة في حرمة اصل الغناء.
(و اخرى من حيث الموضوع) و انه هل هذا هو الفرد من الغناء، أم لا؟
للشك في كونه من مصاديق الغناء.
(و ثالثة من) جهة (اختصاص الحكم) بالتحريم (ببعض الموضوع) و ان بعض اقسام الغناء حرام دون بعض.
فلا بد في تنقيح المواضع الثلاثة، و رفع الشبهة منها، ببيان ان اصل الغناء حرام، سواء اقترن بمحرم آخر، أم لا؟ و بيان ان بعض الافراد التى شك بعض في كونها من الغناء أم لا؟ انما هو من الغناء.
ص: 354
اما الاول: فلانه حكى عن المحدث الكاشانى: انه خص الحرام منه بما اشتمل على محرم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو و دخول الرجال و الكلام بالباطل، و الا فهو في نفسه غير محرم.
______________________________
و بيان ان الغناء مطلقا حرام، لا ان الحرمة خاصة ببعض افرادها.
و لا يخفى: ان المقام الثاني لا يراد به انه لو شك واقعا في فرد انه هل من الغناء، أم لا؟ لا يكون حكمه الاباحة، بل المراد بعض الافراد الخاصة مما وقع الشك فيها.
اذ من المعلوم ان الافراد المشكوكة من كل موضوع محل اصل الحل و الاباحة.
(اما الاول) اى الشبهة الواردة على الغناء من حيث اصل الحكم، و انه هل هو حرام، أم لا؟ (فلانه حكى عن المحدث الكاشانى: انه خص الحرام منه) اى من الغناء (بما اشتمل على محرم من خارج، مثل) الغناء المنضم الى (اللعب بآلات اللهو، و دخول الرجال) على النساء (و الكلام بالباطل) كالكذب و التشبيب (و الا فهو في نفسه) اذا لم تنضم إليه الضمائم المذكورة (غير محرم).
و لا يخفى: ان الكاشانى لا يقول: بان من الغناء حراما، و من النساء حلالا، حتى يقال: بانه من القسم الثالث لا القسم الاول.
و انما يرى الكاشانى حلية مطلق الغناء و انما المحرم هى الضمائم المحرمة، بخلاف القسم الثالث، فانه تقسيم لذات الغناء الى محرم و محلل.
ص: 355
و المحكى من كلامه في الوافى- انه بعد حكاية الاخبار التى يأتى بعضها- قال: الّذي يظهر من مجموع الاخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء، و ما يتعلق به من الاجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهن و تكلمهن بالباطل، و لعبهن بالملاهى من العيد ان و القصب و غيرهما، دون ما سوى ذلك من انواعه، كما يشعر به قوله ليست بالتى تدخل عليها الرجال- الى ان قال-: و على هذا فلا بأس بالتغنى بالاشعار المتضمنة
______________________________
(و المحكى من كلامه في الوافى- انه بعد حكاية الاخبار التى يأتى بعضها- قال: الّذي يظهر من مجموع الاخبار الواردة) فى باب الغناء (اختصاص حرمة الغناء، و ما يتعلق به من) حرمة (الاجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء) للجارية المغنية (كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف) «بما» متعلق ب «اختصاص» (فى زمن الخلفاء، من دخول الرجال عليهن) اى على المغنيات (و تكلّمهن بالباطل) من مدح الفساق و ما اشبه (و لعبهن بالملاهى من العيدان و القصب و غيرهما) من آلات اللهو (دون ما سوى ذلك من انواعه) اى انواع الغناء، فانه ليس بمحرم اذا لم يصحبه ما ذكر من المحرمات (كما يشعر به) اى بعدم التحريم (قوله) عليه السلام:
في الرواية الآتية (ليست بالتى تدخل عليها الرجال) فان المفهوم منه ان المحرم انما هو الشي ء الّذي فيه دخول الرجال على النساء (- الى ان قال-) الكاشانى (و على هذا فلا بأس بالتغنى بالاشعار المتضمنة
ص: 356
لذكر الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم الملك الجبار و ذكر العبادات و الرغبات في الخيرات و الزهد في الفانيات و نحو ذلك.
كما اشير إليه في حديث الفقيه بقوله: ذكرتك الجنة، و ذلك لان هذا كله ذكر الله.
و ربّما تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ.
و بالجملة: فلا يخفى على اهل الحجى بعد سماع هذه الاخبار تمييز حق الغناء
______________________________
لذكر الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم الملك الجبار) و تفضلات الله سبحانه على البشر في الدنيا و الآخرة (و ذكر العبادات و الرغبات في الخيرات) بان يذكر في الغناء الصلاة و غيرها، ليزداد شوقا او تشويقا إليها (و الزهد في الفانيات و نحو ذلك) فان القراءة الغنائية لهذه الاشياء ربما تزيد تأثيرا في نفس المتكلم او السامع.
(كما اشير إليه في حديث) من لا يحضره (الفقيه بقوله) عليه السلام (ذكرتك الجنة، و ذلك) الّذي ذكرنا من جواز الغناء في هذه الامور (لان هذا كله ذكر الله) و ذكر الله حسن على كل حال.
(و ربّما تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ).
(و بالجملة: فلا يخفى على اهل الحجى) و العقل (بعد سماع هذه الاخبار تمييز حق الغناء) اى الغناء الحق- من اضافة الصفة الى
ص: 357
عن باطله، و ان اكثر ما يتغنى به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل انتهى.
اقول لو لا استشهاده بقوله: ليست بالتى تدخل عليها الرجال امكن بلا تكلف- تطبيق كلامه على ما ذكرنا من ان المحرم هو الصوت اللهوى الّذي يناسبه اللعب بالملاهى، و التكلم بالاباطيل، و دخول الرجال على النساء لحظ السمع و البصر من شهوة الزنا
______________________________
الموصوف- (عن باطله، و) ظهر (ان اكثر ما يتغنى به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل) لانه ليس ذكر الله، و انما ذكر الشهوات، فان لدى اكثرهم يجوز التشبيب بالامرد من الغلمان، لانه بزعمهم الفاسد قنطرة الى التعشق بالذات الربوبية (انتهى) كلام الكاشانى.
(اقول: لو لا استشهاده بقوله: ليست بالتى تدخل عليها الرجال، امكن- بلا تكلف- تطبيق كلامه) ره (على ما ذكرنا من) ان اللهو حرام، و ليس الغناء بعنوان انه غناء حراما.
ف (ان المحرم هو الصوت اللهوى الّذي يناسبه اللعب بالملاهى، و التكلم بالاباطيل، و دخول الرجال على النساء) دخولا محرما.
ذلك (لحظ السمع و البصر من شهوة الزنا) فان الداخل على المرأة المغنية يلتذ برؤيتها و بسماع صوتها المثير للشهوة، و كلاهما حرام.
لما روى من ان لكل عضو من اعضاء ابن آدم حظّ من الزنا، فزنا البصر الرؤية، و زنا السمع الاستماع.
و المراد بالاستماع هو المحرم منه، كما قال سبحانه: فَلٰا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
ص: 358
دون مجرد الصوت الحسن الّذي يذكر امور الآخرة، و ينسى شهوات الدنيا الا ان استشهاده بالرواية ليست بالتى تدخل عليها الرجال، ظاهر في التفصيل بين افراد الغناء لا من حيث نفسه
______________________________
اما مجرد الكلام غير المثير، فالمشهور عدم الحرمة مطلقا، بل في الآية السابقة دلالة عليه، لان المنهى عنه هو الخضوع (دون مجرد الصوت الحسن الّذي يذكر امور الآخرة، و ينسى شهوات الدنيا) فان النفس اذا توجهت الى الكلام الزهدي تنسى الدنيا، خصوصا اذا كان في قالب الصوت الحسن (الا ان استشهاده) اى الكاشانى (بالرواية ليست بالتى تدخل عليها الرجال، ظاهر في التفصيل بين افراد الغناء لا من حيث نفسه) بل من حيث اقترانه بالمحرمات الخارجية.
فالكاشانى لا يريد التفصيل بين الغناء المحرم، و الغناء المحلل- من حيث نفس الغناء- لانه لا يرى حرمة الغناء في نفسه اصلا، و انما يريد ان يفصل بين ما لو كان الغناء مقترنا بالمحرمات الخارجية فيحرم و الا فلا يحرم.
و الحاصل: ان الكاشانى قد يرى التفصيل في نفس الغناء، و انه محلل اذا لم يكن لهويا، و محرم اذا كان لهويا، و هذا خلاف ظاهر كلامه
و قد يرى التفصيل في الصوت اللهوى، و ان منه محلل فيما اذا لم يقترن بالمحرمات الخارجية و منه محرم فيما اذا اقترن بالمحرمات الخارجية و هذا هو الظاهر من كلامه، حيث استدل بقوله عليه السلام «ليست بالتى» فانه ظاهر في ان الكاشانى يرى التحريم لامر خارجى، و هو دخول الرجال لا لامر داخلى في نفس الغناء اعنى كونه لهويا.
ص: 359
فان صوت المغنية التى تزف العرائس على سبيل اللهو لا محالة.
و لذا لو قلنا: باباحته فيما يأتى كنا قد خصصناه بالدليل و نسب القول المذكور الى صاحب الكفاية أيضا، و الموجود فيها بعد ذكر الاخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره، ان الجمع بين هذه الاخبار يمكن بوجهين
احدهما تخصيص تلك الاخبار الواردة المانعة بما
______________________________
و استدل المصنف لما فهم من كلام الكاشانى من انه يفصل في امر خارجى عن الغناء، بقوله: (فان صوت المغنية التى تزف العرائس) انما يكون (على سبيل اللهو لا محالة) و مع ذلك يرى الكاشانى عدم حرمته اذا لم يقترن بدخول الرجال عليها.
و على هذا: فلا مجال لان نقول: ان الكاشانى يريد التفصيل بين الغناء اللهوى، و الغناء غير اللهوى.
(و لذا) الّذي ذكرنا من انه لهوى (لو قلنا: باباحته فيما يأتى) اى في مسئلة الاستثناء عن الغناء المحرم (كنا قد خصصناه) اى تحريم الغناء (بالدليل) الدال على جواز الغناء في الاعراس، و لم يكن من باب التخصص و انه ليس بلهو اصلا (و نسب القول المذكور) اى جواز الغناء اذا لم يقارنه محرم خارجى (الى) السبزوارى (صاحب الكفاية أيضا) كما انه قول للكاشانى (و الموجود فيها) اى في الكفاية (بعد ذكر الاخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره) كالمرثية و الحكم و المواعظ (ان الجمع بين هذه الاخبار يمكن بوجهين) «ان» خبر «و الموجود».
(احدهما تخصيص تلك الاخبار الواردة المانعة) عن الغناء (بما
ص: 360
عدا القرآن.
و حمل ما يدل على ذم التغنى بالقرآن على قراءة يكون على سبيل اللهو، كما يصنعه الفساق في غنائهم.
و يؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة اقرءوا القرآن بألحان العرب و ايّاكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر و سيجي ء من بعدى اقوام يرجعون
______________________________
عدا القرآن) فالغناء في القرآن جائز، و لكن لا مطلقا، بل الغناء الّذي ليس من لحون اهل الفسوق.
(و حمل ما يدل على ذم التغنى بالقرآن على قراءة) للقرآن (يكون على سبيل اللهو، كما يصنعه الفساق في غنائهم).
فتحصل: ان الغناء في غير القرآن حرام مطلقا، و الغناء في القرآن على نوعين، غناء محلل و غناء محرم.
فالمحرم ما كان بلحن الفساق، و المحلل غيره، و بهذا يجمع بين ما دل على حرمة مطلق الغناء، و ما دل على حلية الغناء في القرآن و ما دل على حرمة الغناء في القرآن.
(و يؤيده) اى يؤيد هذا الجمع بين الغناء المحرم في القرآن، و الغناء المحلل في القرآن بما ذكرنا (رواية عبد الله بن سنان المذكورة اقرأ و القرآن بألحان العرب، و ايّاكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر) حيث ان المنهى عنه لحن اهل الفسق، و المأمور به لحن العرب، و كلاهما من الغناء، لكن احدهما حرام و الآخر محلل.
و قوله عليه السلام في مقام الذم (و سيجي ء من بعدى اقوام يرجعون
ص: 361
القرآن ترجيع الغناء.
و ثانيهما ان يقال: و حاصل ما قال حمل الاخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان.
قال: و الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجوارى و غيرهن في مجالس الفجور و الخمور، و العمل بالملاهى و التكلم بالباطل و اسماعهن الرجال.
فحمل المفرد المعرف- يعنى لفظ: الغناء- على تلك الافراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد.
______________________________
القرآن ترجيع الغناء) و في مقام المدح، رجع بالقرآن صوتك.
(و ثانيهما) اى ثاني وجهى الجمع بين الاخبار المجوزة و الاخبار المانعة (ان يقال: و حاصل ما قال حمل الاخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان) اى زمان ورود الاخبار.
(قال: و الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجوارى و غيرهن) كالرجال المغنين (فى مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهى) اى آلات اللهو (و التكلم بالباطل) كالتشبيب المحرم (و اسماعهن الرجال) اسماعا حراما، اذ الخضوع بالقول الموجب لطمع الّذي في قلبه مرض حرام.
(فحمل المفرد المعرف- يعنى لفظ: الغناء-) فى الاخبار الناهية (على تلك الافراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد).
و الحاصل: ان الاخبار الناهية تنهى عن الغناء المشتمل على المحرمات الخارجية.
ص: 362
ثم ذكر رواية على بن جعفر الآتية و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة و قوله ليست بالتى يدخل عليها الرجال مؤيدا لهذا الحمل، قال ان فيه اشعارا بان منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور المحرمة المقترنة به، كالالتهاء و غيره الى ان قال: ان في عدة من اخبار المنع عن الغناء اشعارا بكونه لهوا باطلا.
و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الاذكار المقروّة بالاصوات الطيبة المذكرة
______________________________
و الاخبار المجوزة تجوز الغناء الّذي لا يشتمل على تلك المحرمات الخارجية.
(ثم ذكر) السبزوارى (رواية على بن جعفر الآتية) من قوله عليه السلام «لا بأس ما لم يزمر به» مما يدل على الجواز اذا لم يشتمل على المزمار المحرم (و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة) حيث دلت على جواز الغناء في القرآن (و قوله) عليه السلام (ليست بالتى يدخل عليه الرجال) حيث دلت على الجواز اذا لم يشتمل على دخول الرجال المحرم (مؤيدا لهذا الحمل) الثاني، و قوله «مؤيدا» حال عن «ذكر» (قال) السبزوارى (ان فيه) اى ما ذكر من الرواية (اشعارا بان منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور المحرمة المقترنة به، كالالتهاء و غيره) كالمزمار و دخول الرجال (الى ان قال) السبزوارى (ان في عدة من اخبار المنع عن الغناء اشعارا بكونه) اى الغناء (لهوا باطلا).
(و صدق ذلك) اللهو الباطل (فى القرآن و الدعوات و الاذكار المقروة بالاصوات الطيبة المذكرة) للنعيم و الجحيم، اذ الصدق الطيب حيث يؤثر
ص: 363
المهيجة للاشواق الى العالم الاعلى، محل تامل.
على ان التعارض واقع بين اخبار الغناء، و الاخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن و الادعية و الاذكار، مع عمومها لغة، و كثرتها و موافقتها للاصل.
و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه فاذا لا ريب في تحريم الغناء
______________________________
فى النفس، يكون اكثر تذكيرا و الفاتا (المهيجة للاشواق الى العالم الاعلى محل تامل) خبر قوله «و صدق».
(على) انه بالإضافة الى التعارض بين خبرى التحريم و التجويز في الغناء في القرآن الموجب ذلك التعارض للحمل باحد الوجهين المذكورين (ان التعارض واقع بين اخبار) تدل على تحريم (الغناء، و) بين (الاخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن و الادعية و الاذكار، مع عمومها) اى عموم اخبار فضل قراءة القرآن (لغة) بحيث يشمل القراءة الغنائية و غيرها (و كثرتها) عددا (و موافقتها للاصل) اذ الاصل جواز قراءة القرآن سواء بصوت غنائى، أم لا.
(و النسبة بين الموضوعين) حرمة الغناء، و فضل قراءة القرآن (عموم من وجه).
فالغناء في غير القرآن مورد التحريم فقط، و القرآن بدون الغناء مورد الفضل فقط، و الغناء في القرآن مجمع الأمرين، فيتساقط الدليلان في مورد الاجتماع، و يكون المرجع اصل الاباحة و الحل (فاذا) اى حيث ان بين الطائفتين عموما من وجه (لا ريب في تحريم الغناء
ص: 364
على سبيل اللهو، و الاقتران بالملاهى و نحوهما.
ثم ان ثبت اجماع في غيره و الا بقى حكمه على الاباحة و طريق الاحتياط واضح انتهى.
اقول: لا يخفى ان الغناء- على ما استفدنا من الاخبار، بل فتاوى الاصحاب و قول اهل اللغة- هو من الملاهى نظير ضرب الاوتار و النفخ في القصب و المزمار.
و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الاعمش الواردة في الكبائر فلا يحتاج في
______________________________
على سبيل اللهو، و) على سبيل (الاقتران بالملاهى و نحوهما) كدخول الرجال على النساء.
(ثم ان ثبت اجماع) بالتحريم للغناء (فى غيره) و هو ما اذا لم يقترن بشي ء من المحرمات، فهو (و الا بقى حكمه على الاباحة، و) الجواز.
نعم: (طريق الاحتياط) بالاجتناب عن كل قسم من اقسام الغناء (واضح) لا غبار عليه (انتهى) كلام السبزوارى.
(اقول: لا يخفى ان الغناء- على ما استفدنا من الاخبار، بل فتاوى الاصحاب و قول اهل اللغة- هو) بنفسه (من الملاهى) و قسم من اللهو المنهى عنه، و لذا قلنا كل غناء لهو (نظير ضرب الاوتار و النفخ في القصب و المزمار) فكما ان الضرب و النفخ لهو، كذلك الغناء.
(و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الاعمش الواردة في الكبائر) حيث قال عليه السلام: و الملاهى التى تصد عن ذكر الله، كالغناء و ضرب الاوتار (فلا يحتاج في
ص: 365
حرمته الى ان يقترن بالمحرمات الاخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين.
نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن، كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب توجه ما ذكراه، بل لا اظن احدا يفتى بإطلاق حرمة الصوت الحسن.
و الاخبار بمدح الصوت الحسن، و انه من اجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و انه حلية القرآن، و اتصاف الأنبياء و الائمة به في غاية الكثرة.
______________________________
حرمته الى ان يقترن بالمحرمات الاخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدم من) العبارات التى نقلناها عن (المحدثين المذكورين) الكاشانى و السبزوارى.
(نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن، كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب) بالتحسين للصوت (توجه ما ذكراه) المحدثان المذكوران، من انه بنفسه ليس محرما، و انما يحرم اذا اقترن بالمحرمات الخارجية (بل لا اظن احدا يفتى بإطلاق حرمة الصوت الحسن).
(و) كيف يمكن هذا الافتاء و الحال ان (الاخبار بمدح الصوت الحسن و انه من اجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و انه حلية القرآن) اى زينته (و اتصاف الأنبياء و الأئمة به في غاية الكثرة).
فعن النوفل عن ابى الحسن عليه السلام، قال: ذكرت الصوت الحسن عنده، فقال: ان على بن الحسين عليه السلام كان يقرأ القرآن
ص: 366
و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر ان غير واحد من الاخبار، يدل على جواز الغناء في القرآن بل استحبابه بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به و الظاهر ان شيئا منها
______________________________
فربما يمر به المار فصعق عن صوته، ان الامام لو اظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه.
و رواية ابى بصير عن رسول الله صلى الله عليه و آله: ان من اجمل الجمال الشعر الحسن، و نغمة الصوت الحسن.
و رواية عبد الله بن سنان عن النبي صلى الله عليه و آله: لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن.
و المروى عن ابى عبد الله عليه السلام: ما بعث الله نبيّا الا حسن الصوت، الى غيرها من الروايات الكثيرة.
(و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكران غير واحد من الأخبار، يدل على جواز الغناء في القرآن بل استحبابه).
و انما نقول بالاستحباب (بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به) اى بالقرآن.
فعن حفص، قال: ما رأيت احدا اشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر عليه السلام، و لا ارجى للناس منه، و كانت قراءته حزينة فاذا قرأ فكانه يخاطب انسانا.
ثم قال السبزوارى: (و الظاهر ان شيئا منها) اى من حسن الصوت و التحزين و الترجيع
ص: 367
لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام اهل اللغة، و غيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا، انتهى.
و قد صرح في شرح قوله عليه السلام: اقرءوا القرآن بألحان العرب ان اللحن هو الغناء.
و بالجملة فنسبة الخلاف إليه في معنى الغناء اولى من نسبة التفصيل إليه بل ظاهر اكثر كلمات المحدث الكاشانى أيضا ذلك، لانه في مقام نفى
______________________________
(لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام اهل اللغة، و غيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا، انتهى).
اقول: استظهاره ان حسن الصوت و التحزين لا يوجد بدون الغناء لا يخفى ما فيه، ان اريد بالغناء الصوت المطرب كما ان الترجيع لا يلازم الغناء.
(و قد صرح) السبزوارى (فى شرح قوله عليه السلام: اقرءوا القرآن بألحان العرب، ان اللحن هو الغناء) مما يظهر منه انه يرى الغناء اعم من المطرب.
(و بالجملة فنسبة الخلاف إليه) اى الى السبزوارى (فى معنى الغناء) و انه يرى لفظ الغناء شاملا للمطرب المحرم، و غير المطرب (اولى من نسبة التفصيل) بين اقسام الغناء المطرب بتحليله ما كان في القرآن و نحوه، و تحريمه ما كان مشتملا على محرم خارجى (إليه) لما عرفت من انه يرى الغناء لكل صوت حسن و تحزين و ترجيع.
(بل ظاهر اكثر كلمات المحدث الكاشانى) الفيض قدس سره (أيضا ذلك) الخلاف في معنى الغناء (لانه) اى الكاشانى (فى مقام نفى
ص: 368
التحريم عن الصوت الحسن المذكّر لامور الآخرة، المنسى لشهوات الدنيا.
نعم بعض كلماتهما ظاهرة فيما نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوى الّذي ليس هو عند التأمل تفصيلا بل قولا بإطلاق جواز الغناء و انه لا حرمة فيه اصلا، و انما الحرام ما يقترن به من المحرمات.
فهو- على تقدير صدق نسبته إليهما- فى غاية الضعف لا شاهد له يقيد الاطلاقات الكثيرة المدعى تواترها الا بعض الروايات التى ذكراها.
______________________________
التحريم عن الصوت الحسن المذكّر لامور الآخرة، المنسى لشهوات الدنيا).
و من المعلوم انه ليس كل صوت حسن هذا شأنه غناء مطربا.
(نعم بعض كلماتهما) الكاشانى و السبزوارى (ظاهرة فيما نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوى) بين المحلل و هو الّذي لا يشتمل على المحرمات الخارجية، و بين المحرم و هو المشتمل على المحرمات الخارجية.
فالتفصيل (الّذي ليس هو عند التأمل تفصيلا) بين اقسام الصوت اللهوى (بل قولا بإطلاق جواز الغناء، و انه لا حرمة فيه اصلا، و انما الحرام ما يقترن به من المحرمات) فهو كما لو فصل شخص بين اقسام الجلوس فما كان في مجلس منكر كان حراما، و ما كان في غيره كان حلالا، مما ليس تفصيلا، و انما هو اطلاق تحليل الجلوس.
(فهو) اى هذا القول بالتفصيل بين اقسام الغناء اللهوى الراجع الى تحليل الغناء مطلقا (- على تقدير صدق نسبته إليهما-) الكاشانى و السبزوارى (فى غاية الضعف لا شاهد له) بحيث (يقيد الاطلاقات الكثيرة) الواردة في تحريم الغناء (المدعى تواترها الا بعض الروايات التى ذكراها)
ص: 369
منها ما عن الحميرى- بسند لم يبعد في الكفاية الحاقة بالصحاح- عن على بن جعفر عن اخيه عليهما السلام، قال سألته عن الغناء في الفطر و الاضحى، و الفرح قال: لا بأس، ما لم يعص به.
و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية و لا مقدمة للمعاصى المقارنة له.
و في كتاب على بن جعفر عن اخيه قال سألته عن الغناء، هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال: لا بأس، ما لم يزمر به.
______________________________
الكاشانى و السبزوارى، مما يمكن ان تكون شاهدة لتقييد المطلقات.
ف (منها) اى من الشواهد على التقييد (ما عن الحميرى- بسند لم يبعد في الكفاية الحاقة بالصحاح- عن على بن جعفر عن اخيه عليهما السلام، قال سألته عن الغناء في) يومى (الفطر و الاضحى و) عند (الفرح) كالعرس و شبهه (قال) عليه السلام (لا بأس، ما لم يعص به) فانه ظاهر في جواز الغناء في الجملة.
(و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية) كاثارة الشهوات المحرمة (و لا مقدمة للمعاصى المقارنة له) كدخول الرجال على النساء و القول بالباطل.
(و في كتاب على بن جعفر عن اخيه) موسى عليه السلام (قال سألته عن الغناء، هل يصلح في الفطر و الاضحى و الفرح؟ قال لا بأس، ما لم يزمر به) فانه ظاهر في ان حرمة الغناء لاجل بعض الملابسات، لا انه حرام في نفسه.
ص: 370
و الظاهر: ان المراد بقوله: ما لم يزمر به، ما لم يلعب معه بالمزمار او ما لم يكن الغناء بالمزمار و نحوه من آلات الأغانى.
و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن كسب المغنيات، فقال: التى يدخل عليها الرجال حرام، و التى تدعى الى الاعراس لا بأس به، و هو قول الله عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ.
و عن ابى بصير، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: قال: اجر المغنية التى تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتى تدخل عليها الرجال.
______________________________
(و الظاهر: ان المراد بقوله: ما لم يزمر به، ما لم يلعب معه) اى مع الغناء (بالمزمار، او ما لم يكن الغناء بالمزمار) الّذي هو آلة و باطل (و نحوه من آلات الأغانى) اذ لا خصوصية للمزمار.
(و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن كسب المغنيات، فقال: التى يدخل عليها الرجال حرام و التى تدعى الى الاعراس لا بأس به، و هو) اى التى يدخل عليها الرجال (قول الله عز و جل وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ) فانه ظاهر في التفصيل بين اقسام الغناء و ان المحرم منه ما اقترن بمحرم خارجى.
(و عن ابى بصير، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: قال: اجر المغنية التى تزف العرائس ليس به بأس) لانها (ليست بالتى تدخل عليها الرجال) الموجب لحرمة اجرها.
ص: 371
فان ظاهر الثانية، و صريح الاولى ان حرمة الغناء منوطة بما يقصد منه فان كان المقصود اقامة مجلس اللهو حرم، و الا، فلا.
و قوله: فى الرواية و هو قول الله اشارة الى ما ذكره من التفصيل و يظهر منه ان كلا الغناءين من لهو الحديث لكن يقصد باحدهما ادخال الناس في المعاصى و الاخراج عن سبيل الحق، و طريق الطاعة دون الآخر.
______________________________
و (فان ظاهر) الرواية (الثانية، و صريح) الرواية (الأولى ان حرمة الغناء منوطة بما يقصد منه) و يقترن معه (فان كان المقصود اقامة مجلس اللهو حرم) و بتبعه يحرم ثمنه (و الا فلا) حرمة (و قوله) عليه السلام (فى الرواية) الاولى (و هو قول الله اشارة الى ما ذكره من التفصيل) اى ان المحرم ما كان اضلالا، لا ما ليس كذلك، و ليس ضمير «هو» راجعا الى «ما تدعى الى الاعراس».
اقول: و لكن الظاهر ان «هو» راجع الى «التى يدخل» و قوله «التى تدعى» كالمفهوم للجملة الاولى.
لكن الشيخ تبعا لاستظهاره في ضمير «هو» قال: (و يظهر منه) اى من قوله عليه السلام: و هو قول الله (ان كلا الغناءين من لهو الحديث) لان الامام طبق الآية على التفصيل الراجع الى قسمى الغناء (لكن يقصد باحدهما ادخال الناس في المعاصى و الاخراج عن سبيل الحق، و) عن (طريق الطاعة دون) القسم (الآخر).
و الحاصل: ان اشتراء لهو الحديث للاضلال حرام لا مطلق اشتراء لهو الحديث اقول: ان مثل هذه الاستفادة عن استشهاد الامام بالآية الكريمة
ص: 372
و انت خبير بعدم مقاومة هذه الاخبار للاطلاقات لعدم ظهور يعتد به في دلالتها، فان الرواية الاولى لعلى بن جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع و هو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم، و قد لا ينتهى الى ذلك فلا يعصى به.
______________________________
فى غاية البعد عن الفهم العرفى- كما لا يخفى- هذا غاية ما يستدل به من الروايات للقول بالتفصيل بين اقسام الغناء- كما نسب الى الكاشانى و السبزوارى-.
(و) لكن (انت خبير بعدم مقاومة هذه الاخبار) الاربعة (للاطلاقات) الناهية عن الغناء بقول مطلق (لعدم ظهور يعتد به في دلالتها) اى دلالة هذه الاخبار الاربعة (فان الرواية الاولى لعلى بن جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء) فان معنى الغناء لا بأس به ما لم يعص به، ان من الغناء محرما و من الغناء محللا، مثل ان يقول القائل لا بأس باكل السمك ما لم يكن املس (فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع، و هو) كلى (قد يكون مطربا ملهيا فيحرم، و قد لا ينتهى الى ذلك الحد فلا يعصى به).
فالمراد العصيان بنفس الغناء، لا بأمور آخر مقارنة له.
و ان شئت قلت ان «به» فى قوله «ما لم يعص به» ظاهر في كون نفس مرجع الضمير معصية، مثل: عصى فلان بشرب الخمر، لا ان الشي ء مقدمة للحرام، فانه يشبه ان يقال: عصى فلان بالذهاب الى دكان الخمار.
ص: 373
و منه يظهر توجيه الرواية الثانية لعلى بن جعفر، فان معنى قوله:
لم يزمر به، لم يرجع فيه ترجيع المزمار، او لم يقصد منه قصد المزمار، او ان المراد من الزمر: التغنّى على سبيل اللّهو.
و اما رواية ابى بصير، مع ضعفها سندا، بعلى بن ابى حمزة البطائنى فلا تدل الا على كون غناء المغنية التى يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث في الآية.
و عدم دخول غناء التى تدعى الى
______________________________
(و منه يظهر توجيه الرواية الثانية لعلى بن جعفر، فان معنى قوله:
لم يزمر به، لم يرجع فيه ترجيع المزمار).
فالغناء الشبيه بالمزمار حرام و غيره حلال، فيكون معنى الغناء مطلق الصوت الحسن (او لم يقصد منه قصد المزمار) اى التلهي و الطرب (او ان المراد من الزمر: التغنى على سبيل اللهو).
فالمعنى حينئذ اوضح، هذا بالإضافة الى قوة احتمال وحدة الحديثين لان الراوى و المروى عنه، و الموضوع في كليهما واحد، مع قرب المضمونين، فيكون المتن مضطربا لانه قال في الاول: ما لم يعص به، و قال في الثاني:
ما لم يزمر به.
(و اما رواية ابى بصير، مع ضعفها سندا، ب) وجود (على بن ابى حمزة البطائنى) فى السند، و هو من الواقفية (فلا تدل الا على كون غناء المغنية التى يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث) المذكور (فى الآية).
(و) كذلك يدل على (عدم دخول غناء) المرأة (التى تدعى الى
ص: 374
الاعراس فيها و هذا لا يدل على دخول ما لم يكن منهما في القسم المباح مع كونه من لهو الحديث قطعا.
فاذا فرضنا ان المغنّى يغنّى بأشعار باطلة فدخول هذا في الآية اقرب من خروجه، و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب: من انها تطلب للتّغنّى اما في المجالس المختصة بالنساء كما في
______________________________
الاعراس فيها) اى في لهو الحديث المذكور في الآية (و هذا) الحديث (لا يدل على دخول ما لم يكن منهما) اى من القسمين المذكورين (فى القسم المباح، مع كونه من لهو الحديث قطعا) بان علمنا من الخارج ان القسم الثالث من لهو الحديث، مثلا.
(فاذا فرضنا ان المغنى يغنى بأشعار باطلة، فدخول هذا) القسم من الغناء (فى الآية اقرب من خروجه).
لكن ربما يقال: ان اللهو الّذي يترتب عليه الضلال هو المحرم، كما يستفاد من الآية، فالحرمة في المثال الّذي ذكره الشيخ من جهة انطباق الآية، لا من جهة الغناء.
و لذا لو كان لهوا مضلا بدون التغنّى كان أيضا حراما، بالإضافة الى انه لو فرض تغنى الجارية في مجلس النساء بدون الاضلال و اللهو، كان خروجه اقرب، فلما ذا لا يقاس سائر اقسام الغناء على هذا الفرد.
و كيف كان فظهور الرواية في عدم الحرمة لا غبار عليه، لكنها ضعيفة السند كما عرفت (و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية، باعتبار ما هو الغالب: من انها تطلب للتغنى اما في المجالس المختصة بالنساء كما في
ص: 375
الاعراس.
و اما للتغنّى في مجالس الرجال.
نعم: الانصاف انه لا يخلو عن اشعار، بكون المحرّم هو الّذي يدخل فيه الرجال على المغنيّات.
لكن المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات لاجل هذا الاشعار
______________________________
الاعراس) فى البلاد الاسلامية سابقا، حيث كانت الاعراس خاصة بالنساء لا مثل ما راج في بعض البلاد الآن- و بعد شيوع السفور- من الاختلاط في مجالس الاعراس بين الرجال و النساء.
(و اما للتغنى في مجالس الرجال) فالرواية انما تدل على حلّية غناء المغنية في مجالس النساء في الاعراس و هذا مما نقول به.
اما جواز غنائها مطلقا اذا لم يكن هناك رجال- كما هو مطلوب المستدل بهذا الخبر- فلا دلالة للخبر على ذلك.
(نعم: الانصاف انه) اى رواية ابى بصير (لا يخلو عن اشعار بكون المحرّم هو الّذي يدخل فيه الرجال على المغنيات) فتدل على حلية ما سوى هذا القسم، سواء كان غناء الاعراس، او مطلق الغناء و لو في غير العرس.
و انما نقول بهذا الاشعار لان الرواية واردة في مقام ضابط الحلال و الحرام فاذا خصص الحرام بقسم، دلت على حلية سائر الاقسام.
(لكن) الانسان (المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات) المتقدمة الدالة على حرام الغناء بقول مطلق (لاجل هذا الاشعار) الضعيف في رواية
ص: 376
خصوصا مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنّية، و لو لخصوص مولاها، كما تقدم من قوله عليه السلام: قد يكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها الا كثمن الكلب، فتأمل.
و بالجملة: فضعف هذا القول بعد ملاحظة النصوص اظهر من ان يحتاج الى الاظهار.
______________________________
ابى بصير (خصوصا مع معارضته) اى هذا الاشعار (بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية، و لو لخصوص مولاها، كما تقدم من قوله عليه السلام: قد يكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها الا كثمن الكلب،) فان كون الثمن حراما لا يكون الا لاجل حرمة الغناء.
فالرواية و ان لم تصرح بحرمة الغناء، الا انها كالصريح في الحرمة، لذكرها حرمة الثمن الملازمة لحرمة الغناء (فتأمل).
فان الاشعار اذا تم، صلح لتقييد المطلقات، لانه اخص منها خصوصا بعد انصراف بعض المطلقات الى خصوص المجالس التى كانت معتادة في دور الخلفاء، من اختلاط النساء بالرجال، و وجود سائر المنكرات في تلك المجالس، كما ان الانصراف المذكور موجود في حديث: قد يكون للرجل الجارية تلهيه.
(و بالجملة: فضعف هذا القول) اى جواز الغناء في نفسه لو لا المحرمات المكتنفة به (بعد ملاحظة النصوص) الدالة على حرمة الغناء مطلقا (اظهر من ان يحتاج الى الاظهار) و البيان.
ص: 377
و ما ابعد ما بين هذا و بين ما سيجي ء من فخر الدين من عدم تجويز الغناء بالاعراس لان الروايتين و ان كانتا نصّين في الجواز الا انهما لا يقاومان الاخبار المانعة لتواترها.
و اما ما ذكره في الكفاية من تعارض اخبار المنع للاخبار الواردة في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل.
______________________________
(و ما ابعد ما بين هذا) القول الّذي ذكره الكاشانى من جواز الغناء مطلقا، الا ما خرج بالدليل (و بين ما سيجي ء من فخر الدين) ولد العلامة ره (من عدم تجويز الغناء بالاعراس) أيضا قال: (لان الروايتين) الدالتين على جواز الغناء في الاعراس و هما: روايتا ابى بصير (و ان كانتا نصّين في الجواز الا انهما لا يقاومان الاخبار المانعة) الدالة على الحرمة مطلقا (لتواترها).
و قد ذكروا في الأصول: ان المطلق انما يقيد بالمقيد، اذا كان المقيد له قوة في التقييد، و اذ اكثرت الاطلاقات و تظافرت لم يكن للمقيد ان يقيدها فاللازم معاملة باب التعارض بينهما ان لم يكن للمقيد محمل ممكن.
(و اما ما ذكره في الكفاية من تعارض اخبار المنع) عن الغناء (للاخبار الواردة في فضيل قراءة القرآن) فالقرآن المقروّ بالغناء منهى عنه، لانه غناء، و مأمور به لانه قرآن.
و اذا تعارض الدليلان تساقطا، و كان المرجع اصالة الجواز (فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل) الآتى و ان الجواز و الاستحباب و الكراهة لا يمكنها ان تعارض الوجوب و الحرمة كحرمة شرب الخمر، و ان طلبه شخص
ص: 378
ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا تقليد المن سبقه من اعياننا، من منع صدق الغناء في المراثى، و هو عجيب، فانه ان اراد ان الغناء مما يكون لموادّ الالفاظ دخل فيه، فهو تكذيب للعرف و اللغة.
اما اللغة: فقد عرفت.
و اما العرف: فلانه لا ريب ان من سمع من بعيد صوتا مشتملا على
______________________________
مسلم، فان استحباب اجابة المسلم لا توازيه حرمة شرب الخمر.
(و اما الثاني) من اقسام عروض الشبهة في حرمة الغناء (فهو الاشتباه في الموضوع، ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا تقليد المن سبقه من اعياننا) الذين منعوا صدق الغناء على المرثية، لقولهم بان كيفية الرثاء غير كيفية الغناء و الطرب.
لكن هذا البعض اشتبه فحمل كلامهم على غير محمله (من منع صدق الغناء في المراثى) اطلاقا سواء كان فيه طرب، أو لا.
و كانه زعم انصراف الغناء الى ما يكون للسرور و الفرح فقط (و هو عجيب فانه ان اراد ان الغناء مما يكون لمواد الالفاظ) كمادة الرثاء، و مادة الاطوار، و مادة الاخبار، و ما اشبه (دخل فيه، فهو تكذيب للعرف و اللغة) فانهما يرون الغناء كيفية لا مادة.
(اما اللغة: فقد عرفت) تعريفاتهم للغناء، بانه صوت مطرب، او ما اشبه ما لم يأخذوا لمادة اللفظ دخلا فيه.
(و اما العرف: فلانه لا ريب ان من سمع من بعيد صوتا مشتملا على
ص: 379
الاطراب المقتضى للرقص، او ضرب آلات اللهو، لا يتأمل في اطلاق الغناء عليه، الى ان يعلم موادّ الالفاظ.
و ان اراد ان الكيفية التى يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء، فهو تكذيب للحسّ.
فقد حكى في جامع المقاصد: قولا لم يسمّ قائله، باستثناء الغناء في
______________________________
الاطراب المقتضى) ذلك الاطراب (للرقص، او) ل (ضرب آلات اللهو، لا يتأمل) و لا يتوقف (فى اطلاق الغناء عليه) اى على ذلك الصوت المسموع من البعيد (الى ان يعلم مواد الالفاظ) و لو كان للمادة دخل لكان اللازم ان يتوقف حتى يعرف انه هل هو مرثية فليس بغناء، او غيره فهو غناء.
(و ان اراد) هذا القائل بان المرثية ليست بغناء (ان الكيفية التى يقرأ بها للمرثية) كيفية خاصة، لا علاقة لها بالاطراب، حتى يشمله الغناء.
ف (لا يصدق عليها) اى على تلك الكيفية (تعريف الغناء، فهو تكذيب للحس) فانا نحس ان المرثية تتأتى بنفس الكيفية التى تتأتى بها سائر اقسام الغناء.
اقول: لعل بعض الاعيان القائلين بان المرثية ليست غناء، ارادوا المراثى المتعارفة.
(و اما الثالث: و هو اختصاص الحرمة ببعض افراد الموضوع) بمعنى تسليم انه غناء، و لكن الكلام في انه غناء ليس بحرام.
(فقد حكى في جامع المقاصد: قولا لم يسم قائله، باستثناء الغناء في
ص: 380
المراثى، نظير استثنائه في الاعراس و لم يذكر وجهه.
و ربما وجهه بعض من متأخرى المتأخرين بعمومات ادلة الابكاء، و الرثاء، و قد اخذ ذلك مما تقدم من صاحب الكفاية من الاستدلال بإطلاق ادلة قراءة القرآن.
و فيه: ان ادلة المستحبات لا تقاوم ادلة المحرمات خصوصا التى يكون
______________________________
المراثى، نظير استثنائه في الاعراس و لم يذكر وجهه) اى وجه الاستثناء فان وجه استثناء الاعراس واضح، و هو النص، اما المراثى فلا نص خاص فيها يقتضي استثنائها.
(و ربما وجهه بعض من متأخرى المتأخرين) بالانصراف، لأدلّة الغناء عن مثله.
و وجهه آخرون (بعمومات ادلة الابكاء و الرثاء) كقوله عليه السلام:
من بكى او ابكى او تباكى وجبت له الجنة، و قوله عليه السلام: لبعض الشعراء إرث الحسين عليه السلام (و قد اخذ ذلك) التوجيه هذا البعض (مما تقدم من صاحب الكفاية) السبزوارى (من الاستدلال بإطلاق ادلة قراءة القرآن) حيث ان السبزوارى قال: بان اطلاق ادلة القراءة شامل للقراءة المقارنة بالغناء.
و هذا البعض قال: اطلاق ادلة الرثاء شامل للرثاء المقارن بالغناء
(و فيه: ان ادلة المستحبات لا تقاوم ادلة المحرمات) فاذا قال المولى يستحب اجابة المسلم، لم يشمل ما اذا طلب المسلم من غيره ان يأتى بالمحرم، كشرب الخمر مثلا (خصوصا) المحرمات (التى يكون) تلك
ص: 381
من مقدماتها، فان مرجع ادلة الاستحباب الى استحباب ايجاد الشي ء بسببه المباح لا بسببه المحرم، الا ترى انه لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن و اجابته بالمحرمات، كالزنا و اللواط و الغناء، و السر في ذلك
______________________________
المحرمات (من مقدماتها) اى مقدمات المستحبات، بان يتوقف المستحب على الحرام كتوقف الابكاء المستحب على الغناء الحرام، او كتوقف اجابة المؤمن الى المشى في الارض المغصوبة للوصول إليه.
اما ان دليل المستحب لا يقاوم دليل الحرام، لان الباب من قبيل المتزاحم.
و من المعلوم: ان الا هم مقدم على المهم، و اما الخصوصية التى ذكرها المصنف ره فيما اذا كان المحرم من مقدمات المستحب، فلان المقدمة للمستحب ليست مستحبة، فتبقى محرمة محضة.
فدليل المستحب لا يقاوم المحرم في نفس المستحب، فكيف يقاوم الحرام المقترن بمقدمة المستحب (فان مرجع ادلة الاستحباب الى استحباب ايجاد الشي ء بسببه المباح) كاعطاء زيد دينارا الّذي كان مباحا لى، لا اعطائه دينارا مغصوبا، و قضاء حاجته بالشي ء في الارض المباحة لا في الارض المغصوبة (لا بسببه المحرم، الا ترى انه) من البديهيات الاولية انه (لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن و اجابته) اى اجابة المؤمن- التى هى مستحبة في نفسها- (بالمحرمات، كالزنا و اللواط و الغناء، و السر في ذلك) الّذي ذكرنا من عدم مقاومة دليل المستحب
ص: 382
ان دليل الاستحباب انما يدل على كون الفعل، لو خلّى و طبعه خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه.
فلا ينافى ذلك طروّ عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله، او تركه، كما اذا صار مقدمة لواجب، او صادفه عنوان محرم، فاجابة المؤمن و ادخال السرور في قلبه ليس في نفسه شي ء ملزم لفعله او تركه.
فاذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه، كما انه اذا امر به
______________________________
لدليل المحرم (ان دليل الاستحباب انما يدل على كون الفعل، لو خلّى و طبعه خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه) وجودا ايجابا، او نفيا تحريما فخبر: كون، كلمة: مستحبا، التى حذفت من الكلام لوضوحها.
(فلا ينافى ذلك) الاستحباب الطبعى (طروّ عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله، او) لزوم (تركه، كما اذا صار مقدمة لواجب) فانه يلزم فعله و ان كان في نفسه مستحبا، كسقى المؤمن المشرف على الهلكة، فانه واجب لانه انقاذ نفس محترمة، و ان كان السقى في نفسه مستحبا (او صادفه عنوان محرم) فانه يلزم تركه و ان كان في نفسه مستحبا، كسقى المريض الّذي يضره الماء ضررا بالغا، فانه محرم و ان كان سقى المؤمن في نفسه مستحبا (فاجابة المؤمن و ادخال السرور في قلبه ليس في نفسه) و لو خلّى و طبعه (شي ء ملزم لفعله او تركه) اى لا يكون الانسان ملزما بان يفعله او يتركه بل مستحب في نفسه-.
(فاذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه) لان الزنا محرم، فلا يبقى مجال للاستحباب (كما انه اذا امر به) اى بهذا المستحب
ص: 383
الوالد او السيد، طرأ عليه عنوان ملزم لفعله.
و الحاصل: ان جهات الاحكام الثلاثة اعنى الاباحة و الاستحباب و الكراهة، لا تزاحم جهة الوجوب او الحرمة، فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع احدى الجهات الثلاث.
و يشهد بما ذكرنا من عدم تأدّى المستحبات في ضمن المحرمات، قوله
______________________________
الّذي هو اجابة المؤمن، و ادخال السرور في قلبه (الوالد) و قلنا بوجوب اطاعة الوالد حتى في مثل هذه الامور (او السيد طرأ عليه عنوان ملزم لفعله)
(و الحاصل: ان جهات الاحكام الثلاثة اعنى الاباحة و الاستحباب و الكراهة، لا تزاحم جهة الوجوب او الحرمة، فالحكم لهما) اى للوجوب و الحرمة (مع اجتماع جهتيهما مع احدى الجهات الثلاث) فاذا اجتمع وجوب مع كراهة او استحباب او إباحة، لزم الاتيان بالشي ء، و لا يجوز تركه، لانه مستحب او مكروه او مباح.
و كذا اذا اجتمعت الحرمة مع احدى الثلاث لزم الترك و لا يلاحظ تلك العناوين الثلاثة ليرتب عليها اثرها.
نعم في مقام التعارض يجب اعمال قواعد المعارضة من ترجيح السند و شبهه، و لا يلاحظ اقوائية الوجوب و الحرمة ملاكا.
فاذا ورد هناك خبران احدهما يدل على وجوب غسل الاحرام و حرمة تركه، و الآخر على استحبابه، و كان الثاني اقوى سندا او جهة- مثلا- قدم على الخبر الدال على الوجوب.
(و يشهد بما ذكرنا من عدم تأدّى المستحبات في ضمن المحرمات قوله
ص: 384
صلى الله عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب، و اياكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر، و سيجي ء بعدى اقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء، و النوح، و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم.
قال في الصحاح: اللحن واحد الالحان و اللحون، و منه الحديث: اقرءوا
______________________________
صلى الله عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب، و اياكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر، و سيجي ء بعدى اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء، و النوح) و الظاهر ان المراد بالنوح الغناء الحزين، كما جرت العادة على ذلك قديما و حديثا عند من لا يتورع (و الرهبانية) لعل المراد الاسلوب الّذي يقرئه رهبان النصارى للانجيل، فانه كيفية غنائية خاصة، فان الشخص قد يقرأ القرآن مثل قراءة اهل الفرح، و قد يقرئه مثل قراءة المرثية و قد يقرئه مثل قراءة الزهاد مما فيه شطحات و تصعدات و تأوهات، كما يفعل ذلك بعض الصوفية، و هو من اقسام الغناء أيضا.
ف (لا يجوز) قراءة القرآن (تراقيهم) فانه ليس بمقبول حتى يصعد الى من يصعد إليه الكلم الطيب و المراد بالترقوة: الحنجرة و (قلوبهم مقلوبة) كناية عن عدم استقرار الايمان و الفضيلة فيه، كالآنية المقلوبة التى لا يستقر فيها الماء و الطعام (و قلوب من يعجبه شأنهم).
اذ لو كان قلب ذلك الشخص سليما لم يعجبه المحرم.
(قال في الصحاح: اللحن واحد الالحان و اللحون، و منه الحديث: اقرءوا
ص: 385
القرآن بلحون العرب، و قد لحن في قراءته اذا طرب بها و غرّد، و هو الحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء انتهى.
و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعنى اللغة، اى بلغة العرب، و كانه اراد باللغة اللهجة.
و تخيل ان ابقائه على معناه، يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن و فيه ما تقدم من ان مطلق اللحن اذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء.
و قوله صلى الله عليه و آله و سلّم:
______________________________
القرآن بلحون العرب، و قد لحن في قراءته اذا طرب بها و غرّد) تغريد البلابل (و هو الحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء، انتهى) كلام الصحاح فهذا الكلام يدل على ان اللحن يستعمل بمعنى الحسن الجامع للغناء و القراءة الحسنة، و حيث نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، عن لحون اهل الفسوق، دل على حرمة الغناء في القرآن، و اما المراد بلحن العرب فهو لهجتهم المفهمة بالجمال.
(و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعنى اللغة اى بلغة العرب، و كانه اراد باللغة اللهجة) اى الكيفية اذ لا معنى للغة بمعناها المعروف.
(و تخيل ان ابقائه) اى اللحن (على معناه، يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن) و كانه رأى اللحن عبارة اخرى عن الغناء.
(و فيه ما تقدم من ان مطلق اللحن اذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء).
(و) محل الشاهد في هذا الخبر: ان (قوله صلى الله عليه و آله و سلّم
ص: 386
و اياكم و لحون اهل الفسق، نهى عن الغناء في القرآن.
ثم ان في قوله: لا يجوز تراقيهم، اشارة الى ان مقصودهم ليس تدبر معانى القرآن، بل هو مجرد الصوت المطرب.
و ظهر مما ذكرنا انه لا تنافى بين حرمة الغناء في القرآن، و ما ورد من قوله صلى الله عليه و آله و سلّم: و رجّع في القرآن صوتك، فان الله يحب الصوت الحسن.
فان المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق.
و من المعلوم ان مجرد ذلك لا يكون غناء، اذا لم يكن على
______________________________
و اياكم و لحون اهل الفسق نهى عن الغناء في القرآن) اذ ليس لاهل الفسوق كيفية خاصة في الكلام الا الغناء.
(ثم ان في قوله) صلى الله عليه و آله و سلّم: (لا يجوز تراقيهم، اشارة الى ان مقصود هم ليس تدبر معانى القرآن بل هو مجرد الصوت المطرب)
و لعل ما ذكرناه اظهر و ان كان بين ما ذكرناه و بين ما ذكره المصنف التلازم.
(و ظهر مما ذكرنا) من الفرق بين الصوت الحسن، و بين الغناء (انه لا تنافى بين حرمة الغناء في القرآن، و) بين (ما ورد من قوله صلى الله عليه و آله و سلّم: و رجع في القرآن صوتك، فان الله يحب الصوت الحسن)
(ف) وجه عدم المنافات (ان المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق) كانه يخرج و يرجع.
(و من المعلوم ان مجرد ذلك) الترجيع (لا يكون غناء، اذا لم يكن على
ص: 387
سبيل اللهو، فالمقصود من الامر بالترجيع ان لا يقرأ كقراءة عبائر الكتب عند المقابلة.
لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء، و لذا جعله نوعا منه في قوله صلى الله عليه و آله و سلّم يرجعون القرآن ترجيع الغناء.
و في محكى شمس العلوم: ان الترجيع ترديد الصوت، مثل ترجيع اهل الالحان و القراءة و الغناء، انتهى.
______________________________
سبيل اللهو، فالمقصود من الامر بالترجيع ان لا يقرأ) القرآن (كقراءة عبائر الكتب عند المقابلة) بل يستحب ان يكون للقراءة طور خاص كطور الخطابة مثلا
و قد اعتاد القراء في هذا الزمان الى نوعين من القراءة.
الاول: ما فيه ترجيع و مدّ و ترفيع و تخفيض.
الثاني: ما يعبرون عنه «القراءة باللحن» و هو اقل مدّا و ترجيعا.
و الظاهر ان كليهما داخل في الحان العرب المندوب إليه في الحديث السابق.
(لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء، و لذا) الّذي ذكرنا ان كل ترجيع ليس بغناء (جعله) اى الغناء (نوعا منه) اى من الترجيع (فى قوله صلى الله عليه و آله و سلّم) فى ذم الاقوام (يرجعون القرآن ترجيع الغناء) و لو كان كل ترجيع غناء كان القيد لغوا، كما لا يخفى.
(و في محكى شمس العلوم) ما يدل على ان الترجيع يمكن تحققه بدون الغناء، فانه قال: (ان الترجيع ترديد الصوت، مثل ترجيع اهل الالحان و القراءة و) ترجيع (الغناء، انتهى).
ص: 388
و بالجملة: فلا تنافى بين الخبرين، و لا بينهما و بين ما دل على حرمة الغناء حتى في القرآن كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية تبعا- فى بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره- لما ذكره المحقق الاردبيلى ره حيث انه بعد ما وجّه استثناء المراثى و غيرها من الغناء، بانه ما ثبت الاجماع الا في غيرها.
______________________________
و المراد باهل الالحان و القراءة شي ء واحد كما لا يخفى، و قد يكون المراد بالالحان ما يعبر عنه بالتصنيف، و هو قسم بين القراءة و الغناء.
(و بالجملة: فلا تنافى بين الخبرين) ما قال: رجع بالقرآن صوتك، و ما قال: و اياكم و لحون اهل الفسوق، (و لا) تنافى أيضا (بينهما) اى بين الخبرين الدالين على ترجيع القرآن، و قراءته بلحن العرب (و بين ما دل على حرمة الغناء حتى في القرآن) من الاطلاقات الناهية عن الغناء الشاملة للقراءة الغنائية (كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية) حيث انه قال بالتعارض بين ما دل على حرمة الغناء، و بين ما دل على استحباب القراءة الشامل للقراءة الغنائية، ثم قدم دليل استحباب قراءة القرآن، و جوز الغناء في القرآن (تبعا- فى بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره-) و لذا يجوز، اذ الاخبار الناهية عن الغناء تنهى عن اللهو، و قراءة القرآن ليست لهوا، و ان ادّاها القارى بصورة الغناء (لما ذكره المحقق الاردبيلى ره حيث انه) اى الاردبيلى (بعد ما وجه استثناء المراثى و غيرها من الغناء، بانه ما ثبت الاجماع) على التحريم (الا في غيرها) اى غير المراثى و نحوها.
ص: 389
و الاخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا ايّد استثناء المراثى بان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب، و فيه ثواب عظيم، و الغناء معين على ذلك، و انه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ الى زماننا هذا، من غير نكير.
ثم ايّده بجواز النياحة، و جواز اخذ الاجر عليها.
و الظاهر انها لا تكون الا معه.
______________________________
(و الاخبار) الدالة على التحريم مطلقا (ليست بصحيحة) و لا (صريحة في التحريم مطلقا).
و الحاصل انه لا اخبار تشمل المراثى و لا اجماع (ايّد استثناء المراثى)
و قوله «ايّد» هذا هو محل الشاهد الّذي اخذ منه صاحب الكفاية (بان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب، و فيه ثواب عظيم) على الامام الشهيد، او مطلقا اى على النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، و سائر الائمة الطاهرين، بما فيهم الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها (و الغناء معين على ذلك) البكاء و التفجع (و انه) اى الغناء في المراثى (متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ الى زماننا هذا، من غير نكير) و لو كان الغناء حراما مطلقا لنهى العلماء عن الغناء في المرثية.
(ثم ايّده) اى جواز الغناء في المرثية (لجواز النياحة، و جواز اخذ الاجر عليها) فى الروايات الواردة عن الائمة الطاهرين.
(و) قال: (الظاهر انها) اى النياحة (لا تكون الا معه) اى مع الغناء
ص: 390
و بان تحريم الغناء للطرب على الظاهر، و ليس في المراثى طرب، بل ليس الا الحزن، انتهى.
و انت خبير بان شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الّذي ذكرنا.
اما كون الغناء معينا على البكاء و التفجع، فهو ممنوع، بناء على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوى بل و على ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب لان الطرب الحاصل منه ان كان سرورا فهو مناف للتفجع لا معين،
______________________________
(و) ايّد الاردبيلي أيضا جواز الغناء في المراثى (بان تحريم الغناء) انما هو (للطرب على الظاهر) المستفاد من انصراف ادلة الغناء الى ما فيه الطرب (و ليس في المراثى طرب، بل ليس الا الحزن، انتهى) كلام المقدس الاردبيلى.
(و انت خبير بان شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الّذي ذكرنا) من انه الصوت اللهوى المطرب.
و ان دلت تلك الوجوه، فانما تدل على جواز حسن الصوت و الترجيع غير الغنائى.
(اما) قول المقدس (كون الغناء معينا على البكاء و التفجع، فهو ممنوع بناء على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوى، بل و على ظاهر تعريف المشهور) أيضا (من) تعريف الغناء بما فيه (الترجيع المطرب).
وجه المنع (لان الطرب الحاصل منه) اى من الغناء (ان كان سرورا فهو مناف للتفجع) و الحزن (لا معين) له.
ص: 391
و ان كان حزنا، فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية، لا على ما اصاب سادات الزمان، مع انه على تقدير الاعانة لا ينفع في جواز الشي ء لمستحب او مباح بل لا بدّ من ملاحظة عموم دليل الحرمة له.
فان كان فهو، و الا فيحكم باباحته، للاصل.
و على اى حال فلا يجوز التمسك للاباحة بكونه مقدمة لغير حرام
______________________________
(و ان كان) الطرب الحاصل، و الخفة الطارئة للنفس من الغناء (حزنا ف) لا يكون ذلك لاجل الائمة الطاهرين بل يكون (هو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية) فان الانسان اذا هاج تذكر المشتهيات و حرمانه منها، و لذا يحزن و يتفجع (لا على ما اصاب سادات الزمان) من المصائب و الاشجان (مع انه على تقدير الاعانة) من الغناء لتهييج الحزن على سادات الزمان (لا ينفع في جواز الشي ء) المحرّم بذاته (كونه مقدمة لمستحب او مباح، بل لا بدّ من ملاحظة عموم دليل الحرمة له) اى لذلك الشي ء.
(فان كان) دليل الحرمة موجودا (فهو) و يجب الحكم بالحرمة (و الا) يكن له دليل الحرمة (فيحكم باباحته، للاصل) لا لكونه مقدمة لمباح، او مستحب.
(و على اى حال) سواء كان دليل الحرمة موجودا، أم لا (فلا يجوز التمسك للاباحة بكونه مقدمة لغير حرام) كما صنعه الاردبيلى قدس سره، حيث استدل لكون الغناء ليس بحرام بانه مقدمة للحزن و البكاء الّذي
ص: 392
لما عرفت.
ثم انه يظهر من هذا، و ما ذكر اخيرا من ان المراثى ليس فيها طرب ان نظره الى المراثى المتعارفة لاهل الديانة التى لا يقصدونها الا للتفجع و كانه لم يحدث في عصره المراثى التى يكتفى بها اهل اللهو، و المترفون من الرجال و النساء عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الاوتار و التغنى بالقصب و المزمار، كما هو الشائع في زماننا الّذي قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلّم بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير كما ان زيارة سيدنا و
______________________________
ليس بمحرم، بل مستحب (لما عرفت) من ان المقدميّة لا توجب رفع الحرمة اذا كان الشي ء حراما ذاتا.
(ثم انه يظهر من هذا) الكلام للمقدس، اى قوله: ان الغناء مقدمة للتفجع و الحزن (و ما ذكر اخيرا من ان المراثى ليس فيها طرب) يظهر من هذين الكلامين (ان نظهره الى المراثى المتعارفة لاهل الديانة التى لا يقصدونها الا للتفجع) و الحزن (و كانه لم يحدث في عصره المراثى التى يكتفى بها اهل اللهو، و المترفون من الرجال و النساء عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الاوتار، و التغنى بالقصب و المزمار، كما هو الشائع في زماننا).
اقول: كان الّذي ذكره الشيخ ره، كان في زمانه فقط، اما في زماننا فلم اجد مثل هذه المجالس (الّذي قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير) اى يقرءونه في المزامير او يقرءونه كالطور الّذي ينفخ في المزامير (كما ان زيارة سيدنا و
ص: 393
مولانا ابى عبد الله عليه السلام صار سفرها من اسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين.
و قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، بنظيره في سفر الحج، و انه يحج اغنياء امتى للنزهة، و الاوساط للتجارة، و الفقراء للسمعة.
و كان كلامه صلى الله عليه و آله و سلّم كالكتاب العزيز وارد في مورد و جار في نظيره.
و الّذي اظن ان ما ذكرنا في معنى الغناء
______________________________
مولانا ابى عبد الله عليه السلام صار سفرها من اسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين) المترف بصيغة المفعول.
(و قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، بنظيره في سفر الحج و) قال صلى الله عليه و آله و سلّم ما حاصله: (انه يحج اغنياء امتى للنزهة) و السياحة (و الاوساط للتجارة) و الاكتساب (و الفقراء للسمعة) و ان يعرفوا باسم الحاج.
(و كان كلامه صلى الله عليه و آله و سلّم كالكتاب العزيز وارد في مورد) خاص و مصداق مخصوص (و جار في نظيره) مثلا قوله سبحانه: و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض، وارد في مورد بنى اسرائيل الذين اضطهدوا على يد فرعون و لكنه جار في كل مستضعف من قبل اهل الباطل
و من مصاديقه الامام المهدى عليه السلام، و شيعة الامام امير المؤمنين عليه السلام، فقول الرسول وارد في الحج و جار في زيارة الائمة الطاهرين.
(و الّذي اظن) حسب ظواهر كلام القوم (ان ما ذكرنا في معنى الغناء
ص: 394
المحرم: من انه الصوت اللهوى، ان هؤلاء و غيرهم غير مخالفين فيه.
و اما ما لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل على تحريمه، لو فرض شمول الغناء له لان مطلقات الغناء منزلة على ما دل على اناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الاخبار المتقدمة خصوصا مع انصرافها في انفسها- كاخبار المغنية- الى هذا الفرد.
______________________________
المحرم: من انه الصوت اللهوى، ان هؤلاء) الكاشانى و السبزوارى و الاردبيلى (و غيرهم غير مخالفين فيه) بل كلهم يقولون بالحرمة.
(و اما ما لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته) «المناسب» صفة «لهو» اى ما لم يكن لهويا بحيث يناسب آلات اللهو (فلا دليل على تحريمه، لو فرض شمول الغناء له) لانه قد تقدم ان المحرم هو اللهو.
اما الغناء فان ساوى اللهو حرم مطلقا، و الا لم يحرم فيما اذا لم يكن لهوا (لان مطلقات) تحريم (الغناء منزلة على ما دل على اناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الاخبار المتقدمة).
و انما ننزلها لقوة دلالة تلك الاخبار على اناطة الحكم مناط اللهو (خصوصا مع انصرافها) اى تلك الاخبار (فى انفسها) الى الغناء اللهوى (- كاخبار المغنية- الى هذا الفرد) اى اللهوى من الغناء، لكن تقدم من الشيخ انه يرى ان كل غناء لهوى، و انما ذكر هذا الكلام على سبيل الفرض و التسليم.
(بقى الكلام في ما استثناه المشهور من) حرمة (الغناء) فقالوا: بانه
ص: 395
و هو امران.
و في الكفاية ان المشهور: استثنائه، و قد صرح بذلك في شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس.
و على تقدير كونه من الاصوات اللهوية- كما يشهد به استثنائهم اياه عن الغناء، بعد اخذهم الاطراب في تعريفه- فلم اجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الاخبار بالتحريم- عدا رواية نبوية، ذكرها في المسالك من تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، لعبد الله ابن رواحة حيث حدا للابل و كان
______________________________
غناء حلال (و هو امران).
(احدهما الحداء بالضم، كدعاء) و هو (صوت يرجع فيه للسير بالابل)
(و) قال السبزوارى (فى الكفاية ان المشهور: استثنائه، و قد صرح بذلك) الاستثناء (فى شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس) انما جاء بلفظة «فى» ثانيا لبيان ان الاستثناء في الدروس ليس في كتاب الشهادات
(و على تقدير كونه من الاصوات اللهوية- كما يشهد به) لكونه لهوا (استثنائهم اياه) اى الحداء (عن الغناء، بعد اخذهم الاطراب في تعريفه-) و الا فلو لم يكن لهويا لم يكن وجه لاستثنائه من الغناء الّذي عرفوه بانه الصوت المطرب- اى اللهوى- (فلم اجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الاخبار بالتحريم-) للغناء مطلقا (عدا رواية نبوية، ذكرها في المسالك من تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، لعبد الله ابن رواحة حيث حدا للابل، و كان
ص: 396
حسن الصوت، و في دلالته و سنده ما لا يخفى.
من التكلم
______________________________
حسن الصوت، و في دلالته و سنده ما لا يخفى).
اذ لم يدل الحديث على ان حداه، كان من قسم الغناء، و سنده ضعيف جدا.
لكن لا يخفى ان ضعف السند مع عمل المشهور جابر، بمعنى ان عمل المشهور يكشف عن احد شيئين اما استنادهم الى هذه الرواية او الى رواية اخرى حجة، فتأمل.
و ضعف الدلالة فيه ان المفروض كون الحداء من قسم الغناء، فاذا ورد تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلّم له كان كافيا في الدلالة على الجواز
هذا بالإضافة الى ما دل على تقرير الامام الحسين عليه السلام للطرماح حين حدى ابل ركبه في سفر كربلاء باشعار، مطلعها:
يا ناقتى لا تذعرى من زجرى و امض بنا قبل طلوع الفجر
و ما رواه الصدوق عن السكونى عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء- اى الفحش- او جفاء او حنان و كذا رواه البرقى في المحاسن عن النوفلى عن السكونى هذا و للكلام مجال آخر فانه خارج عن غرض هذا الشرح.
(الثاني) من موردى جواز الغناء (غناء المغنية في الاعراس اذا لم يكتنف بها) و يكون معها (محرم آخر من التكلم
ص: 397
بالاباطيل و اللعب بآلات الملاهى المحرمة، و دخول الرجال على النساء
و المشهور استثنائه للخبرين المتقدمين عن ابى بصير، في اجر المغنية التى تزف العرائس و نحوهما ثالث عنه أيضا.
و إباحة الاجر لازمة لاباحة الفعل.
و دعوى: ان الاجر لمجرد الزف لا للغناء عنده مخالفة للظاهر.
لكن في سند الروايات ابو بصير، و هو غير صحيح.
______________________________
بالاباطيل و اللعب بآلات الملاهى المحرمة، و دخول الرجال على النساء)
فان الغناء حينئذ يحرم للدليل، و الا فالمحلل الّذي يكتنفه محرم، لا يحرم بنفسه، بل المحرم هو الشي ء الحرام المكتنف للشي ء الحلال.
(و المشهور استثنائه) فقالوا بجوازه (للخبرين المتقدمين عن ابى بصير، في اجر المغنية التى تزف العرائس و نحوهما ثالث عنه أيضا).
(و) هذه الاخبار و ان لم تصرح بحلّية الغناء، لكن اجازتها لاخذ الأجر كاشفة عن ذلك، اذ: (إباحة الاجر لازمة لاباحة الفعل) لما تقدم في اوّل الكتاب من ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه.
(و دعوى) ان الاخبار لا تدل على إباحة الغناء، ل (ان الاجر لمجرد الزف) للعروس، و الحفاوة بها الى زوجها (لا للغناء عنده) اى عند الزف (مخالفة للظاهر) فان الكلام حول كسب المغنية بما هى مغنية لا بما هى تزف العرائس.
(لكن في سند الروايات ابو بصير، و هو غير صحيح) لضعف في احدهما و جهل في الثاني، نعم الثالث صحيح، و يكفى حجية.
ص: 398
و الشهرة على وجه يوجب الانجبار غير ثابتة لان المحكى عن المفيد ره و المرتضى، و ظاهر الحلبى، و صريح الحلّى، و التذكرة، و الايضاح بل كل من لم يذكر الاستثناء- بعد التعميم- المنع.
لكن الانصاف ان سند الروايات، و ان انتهت الى ابى بصير، الا انه لا يخلو من وثوق.
و العمل بها تبعا للاكثر غير بعيد، و ان كان الاحوط كما في الدروس الترك و الله العالم.
______________________________
(و الشهرة على وجه يوجب الانجبار غير ثابتة) لعدم عمل جماعة من اعيان العلماء بهذه الاخبار، بدليل عدم استثنائهم له عن الغناء (لان المحكى عن المفيد ره، و المرتضى، و ظاهر الحلبى، و صريح) ابن ادريس (الحلى و التذكرة، و الايضاح، بل) ظاهر (كل من لم يذكر الاستثناء) للغناء في الاعراس (- بعد التعميم-) للمنع بان اطلق حرمة الغناء، و لم يذكر الاستثناء (المنع) خبر «لان».
(لكن الانصاف ان سند الروايات، و ان انتهت الى ابى بصير، الا انه لا يخلو من وثوق) و ذلك كاف في الحجية.
(و العمل بها) اى بروايات ابى بصير في جواز غناء الاعراس (تبعا للاكثر غير بعيد) للنص و الشهرة (و ان كان الاحوط كما في الدروس الترك) لما تقدم (و الله العالم).
و في المقام موارد للاشكال- بناء على القول بجواز الغناء في الاعراس- تنشأ من المناط، و من اصالة الاقتصار في موضع الاستثناء
ص: 399
..........
______________________________
على القدر المتيقن، كتغنّي الرجل للزوج، و الغناء في المتعة، و التحليل، و ملك اليمين، و امتداد الغناء الى اسبوع، و نحوه و تعدد المغنيات، و الغناء قبل العقد، بل بعده قبل ليلة الزفاف، و الغناء لمجرد العقد الّذي يعتاد للمحرمية فقط، و التقصد الى الغناء بالتوصل إليه بزفاف، و تغنى نفس الزوج للرجال و نفس المرأة للنساء، و تغنى احد الزوجين للآخر و حضور العرس من ليس مربوطا لاستماع الغناء فقط، و التغنى بالآلة في العرس كالمسجلة او فتح الراديو، او نحوهما و تغنى المرأة في المسجلة لاجل هذه الغاية، الى غيرها من الفروع الكثيرة و ان كان بعض الفروع اقرب الى المنع.
ص: 400