إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: السيّد نور اللّه الحسيني المرعشي التستري

الطبعة: 0

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 0 ه.ق

الصفحات: 486

المكتبة الإسلامية

إحقاق الحق و إزهاق الباطل

تأليف: العلامة في العلوم العقلية والنقلية متكلم الشيعة نابغة الفضل والأدب

القاضي السيد نور اللّه الحسيني المرعشي التستري

الشهيد

في بلاد الهندسة 1019

الجزء الأول

مع تعليقات نفيسة هامة

بقلم

فضيلة الأستاد الفقيه الجامع العلامة البارع

آية اللّه السيد شهاب الدين النجفي دام ظله

باهتمام السيد محمود المرعشي

المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد

احقاق الحَقِّ وازهاق الباطل

تأليف : العلّامة في العلوم العقليّة والنقليّة متكلّم الشّيعَة نابغة الفضل وَالادب

القَاضِي السيّد نور اللّه الحُسَيني المَرعشى التُّستري

الشهيدُ

في بلاد الهندسنة 119

الجزء الأوّل

مَعَ تعليقاتٍ نَفسيةٍ هَامَّةٍ

بقلم : فضيلة الأستاد الفقيه الجامع العلّامة البَارِعُ اية اللّه السيّد شَهَابَ الدّين النَّجفِى دامَّ ظلِّهُ

من منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي

قم - ایران

مصادر موضوعات الكتاب ومراجع المقدّمة و التعليقات عليه

(أ)

أبجد العلوم و الوشى المرقوم : للعلامة السيّد صديق حسن خان الهندي

الاتحافات السّنية في الاحاديث القدسيّة: للمحدّث الشّيخ السندى المدني

الاثنى عشرية : للعلامة السيّد ابن الصائغ العاملي

الاجازة الكبيرة * مخطوطة : للعلامة السيّد عبداللّه الجزائري

الاجازة : للعلامة السماهيجي البحراني

احقاق الحق مخطوط بتصحيح العلّامة الشّيخ مفيد الدّين الشيرازي: للعلامة القاضي الشّهيد المرعشي

احقاق الحق مخطوط بتصحيح المولى محمّد تقي: للعلامة القاضي الشّهيد المرعشي

احقاق الحق مخطوط بتصحيح بعض علماء الهند: للعلامة القاضي الشّهيد المرعشي

احقاق الحق مخطوط بتصحيح بعض علماء قاسان: للعلامة القاضي الشّهيد المرعشي

الأربعين : للعلامة الشّهير الشّيخ بهاء الدّين العاملي

الأربعين في الاعتقادات : للعلامة المحقّق فخر الدّين الرازي

الارشاد : لمولانا الامام القدوة أبي عبد اللّه المفيد

أسباب النزول : للعلامة الشّيخ أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري

الاستيعاب : للحافظ ابن عبدالبر الاندلسي

استقصاء النّظر في القضاء والقدر : امولانا العلّامة الحلي

ص: 1

اسد الغابة : للعلامة ابن الاثير

الأسديّة - مخطوط : للعلامة النسابة المير محمّد قاسم السبزواري المختاري

الإصابة للعلامة: ابن حجر العسقلاني

أعيان الشيعة: لمولانا العلّامة السيّد محسن الأمين العاملي

إلزام النّواصب : للعلامة المتكلم القاضي الشهيد المرعشي

أمل الآمل : للعلامة المحدث الشّيخ محمّد الحر العاملي صاحب الوسائل

الأمالي : لحجة الاسلام الشّيخ الصّدوق القمّي الرّازي

الأمالي : لمولانا القدوة الشّيخ الطوسي

الأنساب المشجرة «مخطوط» : للسيّد تاج الدّين ابن زهرة

أنساب النواصب «مخطوط» : للعلامة الزواري السبزواري

الأنساب: للعلامة عبدالكريم بن محمّد السمعاني

الانصاف : للمحقّق القاضي أبي بكر الباقلاني

آوستا : ينسب إلى زرادشت

(ب)

بحار الانوار : للعلّامة محيى علوم الشرع مولانا المجلسي

البحر المحيط : للمحقّق أبي حيان الاندلسي

بستان السياحة : للرحالة الحاج زين العابدين الشيرواني

البستان في اللغة : للأديب اللغوي الشّيخ عبداللّه البستاني

(ت)

تاج العروس : للعلامة السيّد محمّد مرتضى الزبيدي

التاريخ الكبير : للمورّخ المحدث الطبري

التاريخ الكبير : للمحافظ البخاري صاحب الصحيح

تاریخ طبرستان : للعلامة المورّخ السيّد ظهير الدّين المرعشي

تحفة الأبرار «مخطوط» : للعلامة الآقا محمّد جعفر الكرمانشاهي

ص: 2

التدوين في جبال شروين : للفاضل المورّخ اعتماد السلطنة

التذكرة : للعلامة السيّد العبيدلي

التذكرة : للعلامة شمس الدّين سبط ابن الجوزي الحنبلي البغدادي

التذكرة :للعلامة الشّيخ محمّد علي الحزين

تذكرة علماء الهند : للمولا رحمان على صاحب

تذكرة الشّعراء : لمحمّد عبدالعلي خان

تذکره شوشتر : للعلامة السيّد عبداللّه بن نور الدّين الجزائري

تذکره سرخوش : للفاضل محمّد أفضل خان

ترجمة خلاصة الرّجال بالفارسيّة «مخطوط»: للمولا تحمد باقر بن محمّد حسين التبريزي

تفسير مجمع البيان : للعلامة أمين الاسلام الطبرسي

التفسير : للعلامة نظام الدّين النيسابوري القمي

تفسير البرهان : للعلامة السيّد هاشم البحراني الكتكاني

التفسير : للعلامة ابن جرير الطبري

التفسير :للعلامة عماد الدّين بن كثير

تفسير الدر المنثور : للعلامة الشّيخ جلال الدّين السيوطي المصري

التعليقة على عمدة الطالب «مخطوط» : للعلامة الاستاذ السيّد شهاب الدّين النجفي

تقريب التهذيب : للعلامة ابن حجر العسقلاني

تلخيص الاقوال «مخطوط» : للعلامة الميرزا محمّد الاستر آبادي

تنقيح المقال في احوال الرجال : للعلامة المامقاني

(ج)

الجاسوس على القاموس : لأحمد فارس الشدياق

الجامع الصغير : للعلامة جلال الدّين السيوطي

ص: 3

جامع الرواة : للعلامة المولا محمّد الأردبيلي

جامع الاصول : للعلامة ابن الاثير الجزري الموصلي

جامع الشّواهد : للمحقّق المولا محمّد باقر اليزدي

الجبال والأمكنة : للعلامة جار اللّه الزّمخشري

الجواهر السنية في الأحاديث القدسيّة: للعلامة الشّيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي المشهدى

(ح)

الحاشية على شرح المواقف : للمولى المحقّق حسن الفاضل الجلبي

الحاشية على شرح المواقف : للمولى المحقّق عبدالحكيم السيالكوتي الهندي

حبيب السير : للمورخ الشهير خواند مير

حق اليقين : للعلامة السيّد عبداللّه شبر الكاظمي المؤلف بكثرة التأليف والتصنيف

حياة النّبي «مخطوط» : للاستاذ البحاثة الشّيخ قوام الدّين الوشنو القمّي مؤلف حديث الثقلين دام علاه

(خ)

الخصال : لحجة الاسلام الشّيخ الصدوق القمى

خلاصة تذهيب الكمال : العلّامة الشّيخ صفي الدّين الخزرجي

(د)

الدّرر الكامنة : للعلامة ابن حجر العسقلاني الشافعي

دساتیر وزردشت : لبعض علماء الزراد شنية

الدلالة والاشارة «مخطوط» : للعارف السّالك الشّهير القشيري

(ذ)

ذخائر العقبى: للعلّامة الشّيخ محب الدّين الطبرى المكي

(ر)

راموز الاحاديث: للعلامة الكمشخانوي

الرّجال : للعلامة الشّيخ عبدالنبي الكاظمي

الرّجال : للشيخ عبداللطيف الشامي العاملي

ص: 4

الرجال الكبير : للعلامة الاستر آبادي

الروضة البهية : للشيخ المحقّق أبي عذبة الماتريدي

روضة الصّفا : للمورّخ البحاثة غياث الدّين الهروى

الروضات : للعلامة الخوانسارى

رياض العلماء «مخطوط» : للعلامة راوية علم التراجم الميرزا عبداللّه افندى

ريحانة الأدب في الكنى واللّقب : للعلامة الميرزا محمّد علي المدرّس التبريزى الخياباني

زبور آل داود مخطوط : للعلامة السيّد ميرزا محمّد هاشم المرعشي

(س)

الساري في شرح البخارى : للمحدّث القسطلاني

سبائك الذّهب : الشّيخ النسابة السويدى البغدادي

سراج الأنساب «مخطوط» : للعلامة النسابة السيّد أحمد آل كيا

سفينة البحار : المحدث البحاثة العالم الجليل الحاج الشّيخ عبّاس القمّي

السنن : للمحدّث الدارمي

السنن: للمحدّث البيهقي

السنن: المحدث أبي داود

سواء السبيل في شرح الزاد القليل في الكلام: للعلامة السيّد أبي الحسن الهندي

سواطع الإلهام في التفسير : للعلامة الشّيخ أبي الفيض الفيضى الهندي اللاهوري

سوسنة سليمان في المذاهب والأديان: المنوفل أفندي الطرابلسي

(ش)

الشهاب: للعلامة القاضي القضاعي

شرح نهج البلاغة : العلّامة ابن أبي الحديد المعتزلي

ص: 5

شرح دعاء صنمی قریش «مخطوط»: لبعض تلاميذ الفاضل القزويني

شرح دعاء صنمی قریش «مخطوط»: للمولا عيسى بن علي الأردبيلي

شرح مبادى الوصول «مخطوط» : للعلامة الجرجاني

شرح المواقف : للمحقق الشريف الجرجاني

شرح القصائد العلويّة : للعلامة صاحب المدارك

شمع انجمن : للعلامة النواب السيّد محمّد صدیق حسن خان

شهداء الفضيلة : للعلامة النقاد المعاصر الأميني

(ص)

صبح روشن : للفاضل السيّد البهو بالي

صبح گلشن : للسيد علي حسن خان البهويالي الهندي

الصحيح : للفاضل الترمذي

الصحيح : المحافظ محمّد بن إسماعيل البخاري

الصحيح : للحافظ مسلم بن الحجاج النيسابوري

صراح اللغة : للعلامة الجوهري

الصوارم المهرقة: للعلامة القاضي الشهيد المرعشي

الصواعق المحرقة : للمحدّث الشّيخ ابن حجر المكي

(ض)

الضوء اللامع : للمحقق المورّخ البحاثة الشّيخ شمس الدّين السخاوى المصري

(ط)

طبقات أكبري : للمولا نظام الدّين أحمد بن محمّد مقيم الهروي

طبقات النّسابين «مخطوط» : للعلامة الاستاذ السيّد شهاب الدّين النجفي

طرح التثريب في شرح التقريب : للعلامة الشّيخ ابن الديبع الشيباني

(ع)

العقد الفريد : للعلامة الشّيخ ابن عبد ربه الاندلسي

علل الشرائع : لحجة الاسلام الشّيخ الشقة الصدوق القمي

عماد الإسلام في علم الكلام : للعلامة السيّد دلدار على الهندي

ص: 6

عمدة الطالب : للشريف الحسني الداودي النسابة

العيون والمحاسن : لفخر الشيعة السيّد الشريف المرتضى علم الهدى

(غ)

الغرر والدرر في كلمات أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : للعلامة الشّيخ عبد الواحد التميمي الامدي

الغيبة : لشيخ الطائفة الإماميّة أبي جعفر الطوسي

(ف)

فارس نامه : للعلامة السيّد حسن مهذب الدولة الفسائي

الفخري «مخطوط» : للعلامة السيّد إسماعيل المرندي

الفرق : للمتكلم البحانة النوبختي

الفرق بين الفرق : أ لأبي منصور البغدادي

فرمون : لبعض الزرادشتية

فروق مزدستی : لبعض علماء الزرادشتية

الفصل : للعلامة المحقّق ابن حزم الاندلسي

فضائل السادات : للعلامة السيّد محمّد اشرف العلوي

الفوائد البهية : للعلامة أبي الحسنات الهندي

الفوائد الرضوية : للمحدّث البحاثة العالم الجليل الحاج شيخ عبّاس القمي

الفهرست : لشيخ الطائفة

(ق)

القاموس : للعلامة محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي

قاموس الاعلام : للفاضل سامي أفندي

(ك)

الكافي : لثقة الاسلام الحافظ الشّيخ محمّد بن يعقوب الرازي الكليني

کتاب سلیم : لسليم بن قيس الهلالي الكوفي

كشف الغمة : للعلامة الشّيخ علي بن عيسى الاربلي البغدادي

ص: 7

كشف الحجب : للعلامة السيّد إعجاز حسين

كلمات الشعراء : لمحمّد افضل سرخوش

الكليات : للعلامة أبي البقاء الكفوي

الكنى والألقاب : للمحدّث البحاثة الجليل الحاج الشّيخ عبّاس القمي

الكنى والألقاب : للعلامة المحقّق المؤلف المصنف المولى حبيب اللّه الكاشاني

كنز العمال : للعلامة الشّيخ علاء الدّين المتقي الهندي

كنوز الحقائق : للشيخ العلّامة عبدالرؤف المناوي

(گ)

گلستان پیغمبر : للعالم الفاضل البحانة السيّد مصطفى الجزايري

گنج دانش : للمحقق محمّد تقى المتخلص بالحكيم

(ل)

لؤلؤة البحرين : للعلامة المحدث الشّيخ يوسف البحراني الحائري

اللؤلؤ المرصوع : للعلامة القاوقجي

لباب النقول : العلّامة الشّيخ جلال الدّين السيوطي المصري

لسان العرب : للعلامة اللغوي ابن منظور الاندلسي

لسان الميزان : للعلامة ابن حجر العسقلاني

(م)

مجالس الإماميّة «مخطوط» : للعلّامة المولا عبدالرشيد بن خواجه نورالدين التستري «من علماء مأة الحادية عشر»

مجالس المؤمنين : العلّامة القاضي الشهيد المرعشي

مجمع البحرين : للعلامة الشّيخ فخر الدّين الطريحي

مجمع التواريخ : للعلامة الميرزا عبدالخليل المرعشي

مجمع الزوائد : للعلامة ابن حجر المكي

ص: 8

المجدى «مخطوط» : للعلامة النسابة ابن الصوفي

المجموعة في الفوائد النسبية والرجالية: للعلامة الاستاذ السيّد شهاب الدّين النجفي

مجموعه نغز : للفاضل مير قدرت اللّه

مختصر جامع بيان العلم : للعلامة ابن عبد ربه الاندلسي

مراصد الاطلاع : للبحاثة المتبحّر ياقوت

مزيل الخفاء : للمحدّث العجلوني

المسلسلات في الاجازات «مخطوط» : للعلامة الاستاذ السيّد شهاب الدّين النجفي

المستدرك : للخافظ الشّيخ أبي عبداللّه الحاكم النيسابوري

مستدرك الوسائل : لشيخ مشايخنا ثقة الاسلام النّورى

المسند : للحافظ أحمد بن حنبل

المسند : للحافظ الشّيخ ابن ماجة القزويني

مشارق الانوار : للعلامة رضي الدّين الحسن الصاغاني

مشجّرات العلويّين «مخطوط» : للعلامة السيّد شمس الدّين محمود النجفي المرعشي

مشجّرات آل رسول اللّه : للعلامة الاستاذ السيّد شهاب الدّين النجفي

المشجّرة المرعشيّة «مخطوط» : للسيد جمال الدّين محمّد الحسيني

مشجرة السادة الخليفة سلطانية : للعلامة الميرزا محمّد امين

مصباح الظلام في علم الكلام : للعلامة الشريف السيّد محمّد باقر الحجة الحائري

مصباح الهداية في التعليقة على الكفاية (في الاصول) (مخطوط) : للعلامة الاستاذ السيّد شهاب الدّين النجفي

ص: 9

المعجم المفهرس : للاستاذ حمد فؤاد عبدالباقي المصري

معجم البلدان : للعلامة ياقوت

معجم ما استعجم : للفاضل البكري

مفتاح كنوز السنة : للدكتور ا. ى فنسنك

المقابيس : للعلامة المحقّق الفقيه الشّيخ اسداللّه التستري

الملل والنحل : للمحقق المتكلم محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني

منتخب التواريخ (مخطوط) : للمورخ ضياء السلطنة

المنجد : للأب لويس معلوف اللبناني

المواقف : للعلامة القاضي عضدالدين الايجي

الموضوعات «مخطوط»: للشيخ أحمد الشافعي الشيرازي ثمّ المصري

(ن)

ناسخ التّواريخ : للمورخ سپهر الكاشاني

نزهة الخواطر : للسيد عبدالحي الحسني

نظام الأقوال : للعلامة نظام الدّين الساوجي

نقد الرجال : للعلامة المصطفى التفرشي

نگارستان سخن : للبحاثة السيّد نور الحسن

نور الثقلين في التفسير (مخطوط) : للعلامة الشّيخ عبد علي الحويزي

النهاية : للمحقق ابن الاثير

نهج البلاغة : لمولانا الامام أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) جمعها السيد الشريف الرضي

(و)

الوافي : للعلامة الحافظ الفيض القاساني

وسائل الشيعة : للعلامة الحافظ الشّيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي

الهاشميات : لشاعر أهل البيت كميت الكوفي

(ي)

ينابيع المودة :للعلامة السيّد سليمان القندوزي البغدادي

ص: 10

کتاب اللئالى المنتظمة والدرر الثمينة

وهو سفر جليل حوى فرائد شريفة وفوائد لطيفة في بيان مظالم أهل السنة في حق الشيعة و عدم رعايتهم الاخوة بين المسلمين وترجمة مولانا آية اللّه على الاطلاق العلّامة الحلى قده، والسلطان المؤيد الجایتو محمّد خدابنده (رَحمهُ اللّه) والشيخ الفضل بن روزبهان

ومولينا القاضي السيّد نور اللّه الشهيد (قدّس سِرُّه)، صاحب کتاب

احقاق الحق وازهاق الباطل

من رشحات قلم فضيلة الأستاذ آية اللّه في الأنام السيّد شهاب الدّين الحسيني المرعشي النجفي

دام ظله العالی

باهتمام الحسن الغفاري

ص: 11

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدّمة

الحمد للّه الّذي تحيرت العقول والأفهام في كبرياء ذاته، وكلّت الألسن و الأقلام في بيداء ضفاته، و دلّ على وحدانيّته نظام مصنوعاته، تلألأت على جباه الكائنات أنوار عظمته، وتهللت على صفحات الممكنات آثار قدرته، والشكر على ما وفقنا لازهاق الباطل و إحقاق الحق، و من علينا بكشف الحق و سلوك نهج الصدق، و الصّلاة والسّلام على أشرف السفراء المقربين، و قدوة النبيّين، سيّدنا و مولانا أبي القاسم محمّد و على آله و أهل بيته، مصادر العلم ومنابع الحكمة، الّذين بهم تمت الكلمة، و عظمت النعمة، هداة الدّين و أئمة المسلمين، سعد من تبعهم و والاهم خاب من جحدهم و عاداهم، و أنكر فضلهم وناواهم، خسرت صفقة عبد أعرض عنهم واتخذ مطاعاً سواهم، اللّهم احشرنا في زمرة المتمسكين بهم، و اللائذين بفنائهم واجعلنا من المقتبسين من مشاكي أنوارهم، والمستضيئين من نبارس آثارهم وأخبارهم آمين.

و بعد فيقول العبد المسكين المستكين، خادم علوم أهل بيت الوحى و الرّحمة و المنيخ مطيته بأبوابهم، المعرض عن كلّ وليجة دونهم، و كلّ مطاع غيرهم، أبو المعالي شهاب الدّين الحسيني المرعشي النجفي حشره اللّه تحت لواء ج___ده ورزقه في الدنيا زيارة قبره :

إنّ أثمن المطالب و أغلاها، وأرفع المآرب وأعلاها، وأهنأ المشارب وأحلاها، و أعذب المناهل و أصفاها، هو العلم بالمعارف الحقة الإلهية، و الاصول الدينيّة الاعتقادية المتخذة من الأدلة الصحيحة السمعية، والبراهين العقليّة السليمة الفطريّة، إذ به تنال السعادة العظمى والكرامة الكبرى في الآخرة والاولى.

ص: 12

وقد شمّر الّذيول علماء الاسلام، وكشفوا عن ساق الجدّ والجهد في تصنيف الكتب والرسائل في هذا الشّأن، فأكثروا وأجادوا وحققوا ونقّحوا، و إن كان قدكبا جواد بعضهم ونباسيفه وخبت ناره احياناً.

ومن أحسن، مادون في هذا الموضوع كتاب احقاق الحق و ازهاق الباطل للسيد الشريف العلّامة فخر آل الرسول و شرف بنی الزهراء البتول، السيف الشاهر المنتضى على مبغضى أهل البيت، الامام الهمام، القدوة في المناظرة والكلام سیدنا و مولانا القاضى نور اللّه الحسينى المرعشى التسترى ثم الهندى السعيد الشهيد قدس اللّه لطيفه و أجزل تشريفه، وأيم اللّه رب الراقصات و داحى المدحوات، إنى مع سعة بحثى وكدى وكثرة تنقيبي في الكتب الكلامية لم أر مثله لا في المطولات ولا فى المختصرات تفرّد بين أمثاله بذكر الادلة القوية واقامة الحجج الباهرة في كلّ من الأقسام الثلثة الاعتقاديات والفقهيات و اصولها و تعرضه لكل ما قيل أوخطر، أو يمكن أن يقال أو يخطر في المسائل المذكورة، مع التصدى لدفعها بيان شاف وتحرير كاف، حاز السبق في المضمار، فأصبح قدوة لأترابه، اماماً يقتدى به في محرابه .

اماط كلّ ريب وأزاح العلل، أتم الحجة وأبان عن المحجة، سيما في المسائل التي تتعلق بصفات الباري تعالى شأنه العزيز، بحجج صادقة، وأدلة ناطقة، دحض بها مؤلفه الشهيد (قدّس سِرُّه) مسالك المبطلين، ورد بها كيد الكائدين، و مكر الماكرين، أيد بها الحق والمذهب، وسد على العدو كلّ مهرب، فللّه درّه بهذا الكتاب الّذي رفع به أعلام الحق، واحيى معالم الصدق، دمغ النصب النصب ومحى آثاره، قمع التسنّن وهدم مناره و بالجملة يقصر عن وصفه القول و إن كان بالغاً، و يتقلص عنه ذيله و إن كان سابقاً وفيه لمن رام الوقوف على الواقع مقنع و بلاغ، و عمّا عداه من جميع الكتب الكلامية غنية وفراغ، وسننقل كلمات العلماء في حق هذاا لكتاب قريباً حتّى تتبيّن

ص: 13

مكانته العلميّة بين أضرابه، وحيث كانت نسخ الكتاب بطبعيه : الايراني والمصري قد نفدت كثر إلحاح بعض الأفاضل على، وتردده إلى في نشره و إذاعته، م__ع تعاليق فيها تراجم الرجال المذكورين في المتن و شرح مقالات بعض الفرق و الأديان وأرباب الملل والأهواء وجملة من الفوائد العلميّة المناسبة لمباحث الكتاب و تبيين المشاكل والمعضلات، و تفسير اللغات والنكات، و تعيين موارد الآيات والمقتبسات منها، ومصادر الروايات والكلمات المنقولة عن كتب الفريقين بيان مضارب الأمثال والشواهد العرفيّة و مواردها، و كانت ترد عنى عن الاقدام عليه رعاية حفظ الاخوة و اتحاد الكلمة بين المسلمين، مع مانرى ما حل بهم من التشتت والتفرق إلى أن وقفت على عدة مناشير انتشرت من بلاد مصر وسوريا و بغداد وغيرها من مدن الاسلام، تحاملوا فيها على شيعة آل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و بالغوا في الازراء بهم، والوقيعة في حقّهم وهتك أعراضهم بالشتم والسباب، وأكثرها انتشرت من اللجنة الخائنة الكائنة بالقاهرة المحمّية التي تدعى العلم والسلوك في مهيع الانصاف. وليت شعري أىّ جواب هيتوا ليوم الحشر فيما أسندوا إلى الشيعة ممّا هم برآء منه و نفروا القلوب وأورثوا الشحناء والبغضاء بسوء صنيعهم وناهيك في ذلك أن ترجع إلى ما نسرد اسماء بعضها ذيلا

١- الوشيعة في عقيدة الشيعة (طبع مصر)

٢- عقيدة الشيعة (طبع مصر)

٣- الصراع بين الوثنية والاسلام للقصيمي (طبع مصر)

٤ - أسئلة موسى جار اللّه (طبع مصر)

5 - مقدّمة الشّيخ محمّد زاهد الكوثري وكيل المشيخة بالآستانة سابقاً لشرح المواقف (طبع مصر)

٦- مقدمته الملل والنحل للشهرستاني (طبع مصر)

ص: 14

7 - مقدمته لعقايد الشّيخ أبي الحسن الأشعري (طبع مصر)

8- مقدمته لرسالة عقائد المسلمين والمشركين لفخر الدّين الرازي (طبع مصر)

٩- مقالة الكوثري التي سماه الرد على الروافض (طبع مصر)

10- مقدمته لكتاب الفرق بين الفرق لأبي منصور البغدادي (طبع مصر)

11- مقدمته لكتاب الانصاف للباقلاني الّذي نشره السيّد عزة العطار الدمشقي (ط سوريا)

١٢- نقد العين للفاضل المعاصر الشّيخ محمّد بهجت البيطار الدمشقي من مشاهير تلك البلاد ومن أعضاء المجمع العلمي العربي (ط سوريا)

13 - مقدّمة الشّيخ سليم لشرح المقاصد للمحقق التفتازاني (ط مصر)

١٤ - مقدّمة بعض المصريين للتحفة الاثنى عشرية للسيد محمود الآلوسي البغدادي (ط مصر)

١٥- كتاب دفع الضلال لملا شمس الدّين الهروى (ط الهند)

١٦ - مقدّمة الشّيخ عبدالوهاب الشّيخ عبد اللطيف المدرس بكلية القاهرة الكتاب الصواعق المحرقة لابن حجر المطبوع بمصر 1375

17- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين وما كتبه الشّيخ مصطفى بيك عبد الرزاق في مقدمته والتعليق عليه (ط مصر)

18 - ماكتبه على سامى النشار في مقدّمة ذلك الكتاب والتعليق عليه (ط مصر)

١٩ - ما كتبه الشّيخ محمود بش ويشي المدرس بمدرسة دار العلوم على ذلك الكتاب (ط مصر)

20 - کتاب ابن تلميذ الحضرمي في انكار فضائل أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) (ط جاوه)

واللّه درّ الشريف العلّامة السيّد علوى الحداد الحضرمي الجاوى حيث رد عليه بكتاب سماه بالقول الفصل في مجلدين، لقد أحسن وأجاد و أتى فوق ما يؤمل و يراد، و بعث إلى نسخة منه بالبريد، و نروى عنه بالاجازة و هو يروى عنا فالاجازة بيننا (مدبجة) على اصطلاح المحدّثين.

ص: 15

٢١ - ما كتبه الشّيخ يوسف عز الدّين الدجوى الضرير في رسالة نفي التحريف المسماة بالقول المنيف (ط مصر)

22- ماكتبه السيّد داود النقشبندي في العرفان والتصوف (ط الهند)

٢٣ - ما كتبه السيّد عبد اللّه الغزنوي في مقدّمة كتاب اجتماع جيوش الاسلام على غزو المعطلة والجهمية للشيخ أبي عبد اللّه محمّد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي تلميذ ابن تيمية. ط بمبئى و ط امر تسر من بلاد الهند.

٢٤ - ماكتب في مقدّمة فرع الصفات في تقريع نفاة الصفات للشيخ أبي العبّاس أحمد بن محمّد المظفري المختار الرازي (ط بمبئى)

٢٥ - ما كتبه الشّيخ محمّد عبدالبارى الهندى الأصل لكتاب التمهيد في الرد على المعطلة والرافضة والمعتزلة والخوارج، تأليف القاضي أبي بكر محمّد بن الطيب الباقلاني المتكلم الشهير (ط ثاني بمبئی)

٢٦ - ما كتبه الشّيخ عبدالستار الهندي في مقدّمة كتاب إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق لأبي عبد اللّه السيّد محمّد بن المرتضى اليماني من علماء القرن الثامن (ط ثاني بمبئي)

٢٧ ما كتبه الدكتور محمّد جمال الدّين خريج بلدة باريس في مقدّمة كتاب الابانة للشيخ أبي الحسن الأشعري الشهير قدوة الأشاعرة (ط ثاني بمبئي)

28 - ما كتبه القاضي محمّد العدوي خريج جامعة الأزهر في مقدّمة كتاب الملل والنحل للشهرستاني (ط مصر)

٢٩ - كتاب حركات الشيعة المتطرفين تأليف الدكتور محمّد جابر عبدالعال طبع بالمطبعة الملكية في القاهرة سنة ١٣٧٣

30 - ساكتبه عبداللّه محيى الدّين في مقدّمة كتاب عقود الجواهر المنيفة للسيد محمّد مرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس (ط ثالث مصر)

ص: 16

هذا قليل من كثير ممّا يقف عليه المتتبّع البحّاثة في الكتب سيّما ما ينحدر من القاهرة إلى بلاد الاسلام، انحدار السيل الجارف، الّذي لا يبقي من قصور الوداد المشيمة حجراً ولا مدراً، ويشق عصا المسلمين، و يزيد الجرح على الجرح قبل الإندمال مضافاً إلى ما تمحل القوم سلفاً و خلفاً في جرح رواة الأحاديث وتعديلهم بجعل الملاك في التقوى و الوثوق بغض آل الرسول و التشنيع على من يواليهم، و ملاك الجرح الحب لهم والوداد في حقهم الّذي أوجبه اللّه وفرضه على عباده و جعله أجر الرّسالة.

و للّه در العلّامة الشريف سلالة السادة العلوية الحضارمة الأمائل، الناطق بلسان الصدق في الآخرين، والصادع بالحق غير خائف من لومة اللائمين، شيخنا في الرواية السيّد الجليل ابو علی محمّد بن عقيل بن عبداللّه العلوي الصادقي العريضي الحضرمي الأصل، الحديدي المسكن، المتوفى ١٣٥٠ حيث قال في كتابه النفيس (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ص 3 ط صيدا) ما لفظه بعد كلام طويل : و احتجت إلى البحث في بعض الأسانيد و الفحص عنها لرجاله الصناديد، فقرأت شيئا من كتب أهل الجرح والتعديل، فلمحت فيها بعض ما يوجب العتاب، والعتاب من موجبات ثبات المحبة بين الأحباب، إذ رأيتها خاوية الوطاب من النقل عن أهل البيت الطاهر، و من الرجوع إلى أحد من أئمّتهم الأكابر، في تعديل العدل وجرح الفاجر، بل رأيت فيها جرح بعضهم لبعض الأئمّة الطاهرين بما لا يسوغ الجرح به عند المنصفين أو بما يحتملون ما هو أشد منه بمراتب للخوارج والنواصب المبعدين، رأيتهم إذا ترجموا السادات أهل البيت أو لمن تعلق بهم، اختزلوا الترجمة غالباً و أوجزوا، و إذا ترجموا لأضدادهم أولا ذناب أعدائهم أطالوا، ولعذرهم أبرزوا، و من المعلوم ما يوهمه الاختزال، و مايفهم من الاسهاب

ص: 17

والاسترسال، رأيت فيها توثيقهم عن ناصبي غالباً و توهينهم الشيعي مطلقاً، ورأيت ورأيت.

لقدرا بنى من عامر أن عامراً***بعين الرضا يرنو إلى من جفانيا

يجي، فيبدى الود و النصح غاديا***و يمسي لحسادى خليلا مواخيا

و پالیته كان الخصيم المعاديا***فياليت ذاك الود والنصح لم يكن

فها لني هذا الصنيع، و أفزعني ذلك الحكم، و استغربته كلّ الاستغراب و قلت : إن هذا لهو التباب، غير أنه ظهر لي أن لكثير من المتقدمين بعض أعذار سوغت لهم ما سوغت، و قلدهم المتأخرون هيبة الانفراد عنهم، وفرقاً من أن ينبزوا بالرفض وقد كان في بعض الأعصار خير للانسان أن يتهم بالكفر فضلاً عما دونه من أن يتهم بموالاة علي وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ)، إلى أن قال بعد صفحات : فهل يجوز أن يكون المبغضون المؤذون عليا الّذين قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيهم ما أوردناه وكثيراً مثله عدولاً ثقات، أمناء على دين اللّه، تغلب فيهم العدالة والصدق والورع، و يعامل أعدائهم المحبون عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أهل الحقّ بالتوهين والجرح ؟!

في فمي ماء و هل ين.........طق من في فيه ماء ؟ الى أن قال (ص 33 من ذلك الكتاب (قلت : احتج السنة في صحاحهم بجعفر الصادق إلّا البخاري، على أنه احتج بمن قدمنا ذكرهم (أى بعض الشياطين النواصب و منافقيهم و الخوارج) وهنا يتحيّر العاقل ولا يدرى بماذا يعتذر عن البخارى ؟ و قد قيل في هذا المعنى شعر :

قضية أشبه بالمرزئة***هذا البخاري امام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج في***صحيحه واحتج بالمرجئة

و مثل عمران بن حطان أو***هروان و ابن المرأة المخطئة

مشكلة ذات عواد إلى***حيرة أرباب النهي ملجئة

و حق بيت يممته الورى***مغذة في السير او مبطئة

ص: 18

إنّ الامام الصادق المجتبى***بفضله الآى أنت منبئة

أجل من في عصره رتبة***لم يقترف في عمره سيئة

قلامة من ظفر إبهامه***تعدل من مثل البخاري مائة

و قال : هذه الأبيات من نظم شيخنا العلّامة السيّد أبي بكر بن شهاب الدّين العلوي المضرميّ.

ثم شرع في سرد أسماء جماعة من علماء أهل البيت الّذين ظلموا بالجرح من العامّة وهم عدّة :

منهم الحسن بن زيد بن الحسن المجتبى والد السبت الشريفة النفيسة المدفونة بمصر.

و منهم الحسن بن محمّد بن الحنفية المتوفى سنة ٩٩.

و منهم الحسن بن زيد الشهيد بن الامام سیدالساجدین (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ومنهم الحسن بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ومنهم عبداللّه بن محمّد بن الحنفيّة.

ومنهم أبو الحسن علي العريضي بن الامام جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ومنهم تحمل النفس الزكية بن عبداللّه المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ومنهم زيد الشّهيد المصلوب بكناسة الكوفة.

إلى أن قال (في ص ٤٠ من ذلك الكتاب) ما لفظه:

الباب الثاني في ذكر رجال من خواص أتباع أهل البيت الطاهر المعروفين بحبّهم و بخدمتهم جرحوهم.

فمنهم الاصبغ بن نباتة التيمي الكوفي.

ص: 19

و منهم ثعلبة بن يزيد الحماني الكوفي من أفراد شرطة على (عَلَيهِ السَّلَامُ).

و منهم الحارث بن عبداللّه الاعور الهمداني أبوزهير الكوفي.

و غيرهم من المخلصين في ولاء الآل.

وعد في الباب الثالث (ص (٤٦) أسماء جماعة من أجلة الصحابة التابعين ومن بعدهم الّذين جرحوهم لتشيعهم لآل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهم :

كاحمد بن الأزهر بن منيع،

و اسماعيل بن ابان الوراق الكوفي

و جعفر بن سليمان الضبعي البصري

و أسيد بن زيد الجمال،

و سوير بن أبي فاختة،

والحارث بن حصيرة الازدى

والحسن بن صالح بن حىّ،

والحسين بن الحسن الأشقر،

و الحكم بن ظهيرة الفزاري الكوفي،

و الحكم بن عتيبة الكندي،

والحكيم بن جبير الأسدي. وحمران بن أعين الكوفي،

و خالد بن مخلد القطواني الكوفي،

وداود بن أبي عوف البرجمى،

وزبيد بن الحارث اليامي الكوفي،

وسالم بن أبي حفصة العجلي الكوفي،

و سعاد بن سليمان الجعفى

ص: 20

وسعيد بن الأوس الأنصاري،

و سعيد بن عمرو بن أشوع الكوفي،

وسلمة بن كهيل الحضرمي،

وسليمان بن قرم بن معاذ النحوى

وعامر بن وائلة ابو الطفيل الصحابي و هو آخر من مات من الصحابة،

وعباد بن يعقوب الرواجني،

و عبدالرزاق بن همام الحميري

و عبد السلام بن الصالح أبو الصلت الهروي،

و عبيد اللّه بن موسى العبسي،

و على بن زيد التيمي

وعدى بن ثابت الأنصاري،

و على بن الجعد بن عبيد الجوهري،

وعلى بن غراب الفزاري أبو الحسن الكوفي

وعمر بن جابر الحضرمي أبوزرعة المصري،

و عمرو بن دينار المكي

و فطر بن الخليفة المخزومي،

وقابوس بن أبي ظبيان الجبني الكوفى

ومالك بن إسماعيل بن درهم،

وأبو غسان النهدي

وهند بن أبي هالة الاحدى امه خديجة أم المؤمنين، وأخته الزهراء سلام اللّه عليها

و وكيع بن الجراح الرواسي،

وأبو عبداللّه الجدلي الكوفي، إلى غير ذلك

ص: 21

ثم نقل في الباب الرابع (ص 71) عدة رجال من أعداء أهل البيت ذكروا عنهم ما تهدر به مروياتهم، ثم وتقوهم وروواعنهم، منهم:

خالد بن يزيد بن معاوية،

د عمر بن سعد بن أبي وقّاص الّذي قال في تهذيب التهذيب بعد ذكر اسمه مالفظه : هو تابعي، ثقة ثقة، وهو الّذي قتل الحسين،

ثم قال سيّدنا الشريف محمّد بن العقيل العلوي المتقدّم ذكره في كتابه المرقوم بعد نقل كلام التهذيب ما لفظه :

وأقول: لاحول ولا قوة إلّا باللّه، بخّ بخّ بخّ. ياله من تابعي ! ويالها من عدالة ويرحم اللّه القائل :

إن كان هذا نبيّاً***فالكلب لاشكّ ربي

ومن الّذين وثّقهم القوم مع مافيه من موجبات الجرح

عنية بن خالد أبي النجاد الأموى،

ومروان بن الحكم الأموي،

ووحشى بن حرب قاتل حمزة سيّد الشهداءعم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )

و ذكر في الباب الخامس (ص 75) عدة رجال من أعداء أهل البيت عدّلوهم و روواعنهم ولم يجرحوهم بقربهم من الطواعيت، وهم:

كزهير بن معاوية بن خديج حارس الخشبة التي صلب عليها زيد الشهيد بكناسة الكوفة و عبداللّه بن الطاوس اليماني

وعبدة بن سعيد بن العاص،

و قبيصة بن ذؤيب الخزاعي،

وكثير بن الصلت بن معد يكرب،

ص: 22

وابوعبيد المذحجي

وأبو غطفان بن الطريف المدني، إلى غير ذلك.

وذكر في الباب السادس (ص (77) عدة رجال عد لوهم وروواعنهم مع ذكر هم لنصبهم و بغضهم لأهل البيت مقرين به وظهور علامات النفاق عليهم وهم:

کابراهيم بن يعقوب الجوزجاني الحروري المذهب،

واسحق بن سويد بن هبيرة العدوي المتحامل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)،

و ثور بن زید الديلمي الخارجي المذهب،

وثور بن يزيد الحمصي الّذي يتبين حاله من قول عبداللّه بن المبارك

أيها الطالب علماً***إنت حماد بن زید

فاطلين العلم منه***ثم قيده بقيد

لا کثور و کجهم***وكعمرو بن عبيد

و منهم جابر بن زيد الأزدي،

ومنهم جرى بن كليب السدوسي

وحاجب بن عمر الثقفي الاباضي،

و حریز بن عثمان الحمصى المتحامل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

و حصين بن نمير الواسطي المتحامل على علمي و ذريته، لقول والفعل،

وخالد بن سلمة بن العاص المخزومي المعروف بالفافا من رؤساء المرجئة

وخالد بن عبد اللّه القسري المتحامل على على وسابه على المنابر وهو الّذي هدم المسجد، و بنى الكنيسة والبيعة، وولى المجوس على المسلمين،

و داود بن الحصين الاموي الخارجي،

وزياد بن جبير المتحامل على الحسنين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)،

و زياد بن علاقة الثعلبي المنحرف عن أهل البيت،

ص: 23

و السائب بن فروخ المكي،

وشبث بن ربعي التميمي الّذي حضر قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

و عبد اللّه بن زید بن عمر و الجرمي البصرى المتحامل على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)،

و عبد اللّه بن سالم الأشعري الوحاضي

وعبد اللّه بن شقيق العقيلي المتحامل على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)،

و عكرمة البربري الاصل الخارجي مولى عبداللّه بن عبّاس الّذي زهد الناّس في الصلاة على جنازته

و عمران بن حطان السدوسي الخارجي، وهو الّذي رئى عبدالرحمن بن ملجم قاتل على (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالأبيات السخيفة السائرة،

ولمازة بن زيار الأزدى المبغض لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

و محمّد بن زياد الالهاني الحمصي المشتهر بالنصب

و ميمون بن المهران الجزرى المتحامل على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)،

و نعيم بن أبي هند و إسمه النعمان بن اشيم الأشجعي المتناول عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)

و الوليد بن كثير المخزومي الخارجي الأباضي،

والهيثم بن الأسود النخعيا لمبغض لعلى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهو الّذي شهد على حجر بن عديّ،

و يعقوب بن حميد بن كاسب المدنى المتحامل على آل علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)،

و ابو بكر بن أبي موسى الأشعري المبغض لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)،

و أبو حسان الأعرج، ويقال: الأجرد الحروري أو الخارجيّ،

ثم أورد عدة أسماء أخر على النمط المذكور وتكلم و أشبع الكلام في هذه الأمور الى أن قال ما هذا الفظه: هذا بعض ما يتعلق بالأسانيد، وتجدهم إذا ضاقت عليهم السبل في التكذيب و التضعيف، اجتهدوا في مسخ المعاني بالتأويلات البعيدة والتحريفات السخيفة وإلقاء الشبه مثلاً يقولون : في قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (أنا مدينة العلم و علي بابها)

ص: 24

یعني مرتفعاً بابها.

ويقولون: لافضيلة خاصة يشهد بها قوله لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي) إلى أن قال : واذا أعياهم هذا، قالوا هذا معارض بكذا وإن لم يكن كذلك إلى أن قال: وأعذرني عن الاشارة إلى صنيع جماهير الأمة مع فاعلي ما تقدمت الاشارة إليه والمتسببين فيه ولكن فتش وابحث لتعلم: تمسكت الأمة بمن؟ وقلّدت من وتعلمت ممّن و أشارت بأعلمية من»، و اعتقدت أن الّذي يجدد لها أمر دينها من؟ و أن الفرقة الناجية من ؟ و أن الّذين إجماعهم حجة في الدّين يضل مخالفهم من؟

سلهم أرشدك اللّه عن أئمتهم الّذين يتعصبون لهم ويناضلون عنهم من ؟

ذكرنا فيما سبق ترجمة عكرمة الصفري، وما ذكروه عنه من كذب، وما نبزوه به من ترك الصلاة، وأنهم ناضلوا عنه، وصنف بعضهم في الإنتصارله، ولعلّ بعض المجادلين عنه يعلم أنه يجادل بالباطل و يجحد ما استيقن، وأن إمام الأئمّة ونبراس الأمة جعفر الصادق غمزوه ظلماً ولم يناضل عنه، فيصنف في ذلك أحد منهم، بل لما كتبنا في النصائح الكافية أسطراً في الذب عنهم بما يعلمون أنه الحق، أتتنا كتب العتاب تترى من الإخوان، و قد نعلم أنه ممّن لا يرضى بذلك الغمز، فما هو الحامل لهم على العتب المانع لهم عن نصر الحق ولو بالسكوت عن نصر الباطل ؟

فإنا نرى أن المتارك محسن ***و أن عدواً لا يضر وصول

الى أن قال في (ص109) : وليتهم إذلم يوجد فيهم من هو كذلك سلم الناصرون لمحمّد و آله عليه وعليهم الصلاة و السلام، و الذابون عنهم من سلق ألسنتهم وخز أسنتهم و أقلامهم، فقلما تعرض لنصر الوصي والذب عن آل النبي أحد الارموه بكل عظيمة واللّه المستعان، إلى أن قال: قال الامام جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ):

ص: 25

إن اليهود بحبّها لنيّتها***أهنت معرة دهره الخوان

و ذوى الصايب بحب عيسى أصبحوا***يمشون زهو افي ربى(قرى خل) نجران

و المؤمنون بحب آل محمّد***يرمون في الآفاق بالنيران

هذا ما أهمّنا نقله من ذلك الكتاب الشريف، وماذاك إلّا نموذج من صنيعهم في بابي الجرح والتعديل، والعجب من المعاصرين منهم حيث لم يدعوا تلك الروية، بل زادوا في الطنابير نغمات كماهو غير خفى على من راجع الكتب والرسائل والمقالات التي سردنا أسمائها وأتحفنا أكثرها أفاضل بلاد مصر المحمية، مضافاً إلى لدغات بدرت منهم في الجرائد والمجلات والرسائل والكتب المدرسية، وما تفو هوا بها في النوادي والإذاعات والخطابات التي ألقوها بمعشر من الشبان البسطاء الّذين لم يطلعوا على تلك المورات و للّه درّ بعض الأعلام و نوابغ الأيّام حيث صنفوا وألفوا و أكثروا فأجادوا في الرد عليهم و دفع سمومهم القتالة، وفي مقدّمة تلك الكتيبة المنصورة المؤيدة من اللّه سيّدنا المغفور له الآية العلّامة الأمين و مولينا الاستاذ العلّامة المجاهد آية الحق واعجوبة الدهر الشّيخ محمّد جواد البلاغي النجفي، و الاية الاستاذ المحقّق المدقق الشّيخ محمّد اسماعيل النجفي المحلاتي، ومولينا المجاهد الذاب عن المذهب الآية الباهرة السيّد عبدالحسین شرف الدین، دام ظلّه و المغفور له الآية العلّامة السيّد عبدالحسين نور الدّين العاملي صاحب كتاب الكلمات الثلث، و المغفور له المجاهد المدافع الآية الظاهرة السيّد محمّد مهدي القزويني الكاظمي الكويتي و العلّامة المعاصر المجاهد الآية الحجة الأميني صاحب كتاب الغدير و غيرهم من الاعلام، ولكن الأسف أنّ القوم سلكوا مسلك أسلافهم، شنشنة أعرفها من أخزم و لم يبالوا بماحل على الإسلام من هذا التشتت و افتراق الكلمة. وماذاك إلّا للداء الدفين و النصب الكامن في أودية قلوبهم، وهل هي إلّا الاحقاد

ص: 26

البدرية والحنينية؛ عصمنا اللّه من العصبية الجاهلية الباردة، وأن يوفقنا لاتباع الحق و نبذ الباطل أين ما كانا و هل الحق إلّا حقيق بالقبول ؟ و هل الباطل الاحري بالا عراض عنه؟

ثم كاتبت بعض علمائهم و شافهت بعضهم و أوضحت له التوالي الفاسدة المترتبة على هذه الشنشنة، فرأيته غائصاً في بحار العناد واللجاج غير مبال بماحل أو يحل، فتركت ورأيت أن الاحرى ترك التكلم معه ثم تأملت و غصت في تيار الفكر فرأيت إنا معاشر شيعة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) أصبحنا مظلومین مقهورين، مرامي لنبال القوم يتقربون إلى اللّه بهذا الصنيع السيىء، جزاهم اللّه بئس الجزاء، وحشرهم في زمرة المبغضين لمن جعل اللّه ودهم أجر الرسالة، وأنت إذا أحطت خبراً بماتلونا عليك

فانشدك باللّه أفيسوغ السكوت و الغميضة بعد هذه ؟ ! كلا ثم كلاكيف يحسن حتّى يزعم القوم عجز أصحابنا عن دفع تلك الردود وإبطال هاتيك النقود ؟!

ومن أجل ذلك استخرت اللّه في ذلك فأجبت مسئول الإخوان في نشر هذا الكتاب الشريف راجياً وجه اللطيف الخبير وخدمة لجدي سيّد المظلومين وقدوة المهضومين، مولينا أمير المؤمنين سلام اللّه عليه وعلى أولاده الطاهرين، ماذرّ شارق ولمع لامع فقيظ اللّه همة الرجل الموفق المؤيد المسجد المسدّد الوجيه النبيه الحاج أسد اللّه الخوئي.

بلّغه اللّه أقصى ما يتمنّاه وجعل مستقبله خيراً من اوليه حيث أقدم على طبع الكتاب و إذا عته فساعدت السواعد الالهيّة و التأييدات الرّبانية ثلة من نوابغ الأفاضل و عيون الأقران و الأمائل الّذين تركوا رغيد العيش في عنفوان الشباب و هجروا عن مؤانسة الأضراب والأتراب، قنعوا بلذّة العلم عن ملاذ الدنيا وزخارفها وزبرجها،

ص: 27

فسهروا الليالي وجدّوا وكدّوا في أمر هذا الكتاب، فترى لجنتهم كمدرسة ذات بهجة و روضة موفقة بين مصحح، و منقب في الكتب، وقاری، ومملی، و كاتب و غائص في بحار الفكر لاستخراج اللثالي و مراجع، إلى هامّة من زبر العلوم والفنون على ضروبها المتشعبّة، من الكلام و التفسير، و الرجال، و الحديث، والتاريخ، والسير، واللغة، و البلاغة، و الادیان، والنس، و الفقه، واصوله، والنوادر، والملح والمجون، والطرف، والظرائف، وغيرها ممّا يورث سرد اسمائه السامة والكلالة.

و هم : سرج الفضل ومشاكيه شهب العلم ونبارسه حجج الإسلام و مفاخر الأيّام فضيلة الشّيخ ابو طالب التحليل التبريزى و فضيلة الشّيخ قوام الدّين الوشنوى القمى و فضيلة السيّد مهدى الحسيني اللازوردي القمى و فضيلة الميرزا حسن الغفاري التبريزي و فضيلة الشّيخ رسول المرز آبادی التبريزي شدا اللّه بهم وبأضرا بهم أزر المسلمين و أنار بوجودهم نوادي المؤمنين بحق سيّدنا و نبيّنا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

و ساعدنا في كتابة النسخة من أوله إلى آخره ثمرة المهجة ومن أرجو أن يوفقه اللّه تعالى لإحياء الدّين ونشر آثار أجداده الطاهرين و هو ولدى و الروح التي بين جنبي السيّد جمال الدّين محمود الحسينى المرعشي النجفي هنّاء اللّه بالعيش السعيد و الحياة الطيبة المباركة.

فللّه درّهم و عليه تعالى أجرهم بما أتعبوا نفوسهم الزّكية و إني لمعترف بالعجز عن أداء حقهم وأرجو ممّن خصه اللّه بموهبة الولاية وأكرمنا بوده و الإستنارة من علمه الّذي صنف هذا الكتاب لإثبات حقه ومقهوريته : أن يجزيهم اللّه الجزاء الأوفى ويهنأهم بالكأس الّذي لاظمأ بعده أبد أو أشكره تعالى على التوفيق بإصدار الكتاب

ص: 28

و تحلّيه بخير حلى، وتجليه بأحسن جلوة من المزايا التي تتوجه اليه الهمم في نشر الكتب من جودة الطبع و الدقة في التصحيح، و اتقان القرطاس و ظرافة التجليد و كلّ ذلك من فضله تعالى أأشكر أم أكفر؟

النسخ التي كانت بأيدينا حال التصحيح:

١- النسخة المطبوعة بطهران بخط الميرزا أبي القاسم الخونساري سنة ١٢٧٣

2 - النسخة الناقصة المطبوعة بالقاهرة سنة ١٣٢٦ في مطبعة السعادة باهتمام العلّامة المرحوم الشّيخ حسن دخيل النجفي

3 - النسخة المخطوطة التي في خزانة كتبنا و تاريخ كتابتها سنة ١٢٣٦ بخط الشّيخ عبد علي بن معصوم الشيرازي.

٤ _ النسخة المخطوطة التي في مكتبة الفاضل الجليل البحاثة فخر الاسلام الشّيخ - عبدالرحيم الشيرازي الرباني، ويقال : إنّه كان من خزانة كتب العلّامة المولى محمّد تقي المجلسي.

5 _ النسخة المخطوطة التي أرسلها إلينا العالم الجليل الورع ركن الاسلام السيّد محمّد السليمي الكاشاني، وقد تفضل علينا بإرساله من بلدة كاشان، و تاريخ كتابة النسخة أواخر العشر الثاني من الشهر العاشر من السنة السادسة من العشر التاسع من المأة الحادي عشر بخط المولى محمّد علي الأبهريجي الإصفهاني ابن المولى محمّد مؤمن.

٦ - النسخة المخطوطة من خزانة كتب المرحوم الآية العلّامة البحانة المؤلف المصنف المجيد المجيد صديقنا وأليفنا الروحانى الميرزا محمّد على المدرس الخداباني التبريزي صاحب كتاب ريحانة الأدب في الكنى واللقب ويظن كون تاريخ كتابته قريباً من زمن المصنف.

ص: 29

7 - النسخة المخطوطة التي في خزانة كتب العالم الجليل والحبر النبيل الآية الحجة الحاج السيّد أحمد الحسيني الزنجاني أدام اللّه بركته وكثر أمثاله، و تاريخ كتابتها سنة ١١٢٩ بخط المولى محمّد زكي بن محمّد سليم البازرجاني التفرشي، و عليها آثار الصحة وقد قابلها بعض العلماء على نسخة مصححة وفرغ من المقابلة سنة ١١٣١

حول نهج الحق لاية اللّه العلّامة:

غير خفيّ على من دقيق النظر و أجال البصر في هذا الكتاب الشريف أنه من أنفس الكتب الكلامية مع صغر حجمه، حيث جمع المسائل الخلافية بيننا و بين القوم في الاصول الاعتقادية و الفروع و اصول الفقه ؛ مع ترجيح ما ذهبنا إليه في كلّ باب بالأدلة القوية و المرجحات المقبولة المتنوعة التي لو تأملها كلّ متأمل منصف تارك للاعتساف لرحب بها، وأقبل إليها بمجامع القلب، وزاد في حسن الكتاب جزالة اللفظ وسلاسة القوالب، فللّه در المصنف الهمام المقدام مفخر الشيعة ومن به تبتهج الشريعة.

ثم اعلم أنّ هذا الكتاب شرحه وترجمه جماعة من أرباب الفضل ومن المترجمين كما في تذكرة تستر (ص ١٥٦ ط كلكتة) المولى محمّد تقي بن المولى عيدي محمّد القاري التستري، قال في التذكرة : إن ترجمته لطيفة نفيسة، توفّى سنة ١١٥٧، و من شروحه على ما سمعت عن مولاى الوالد العلّامة السيّد شمس الدّين محمود الحسيني المرعشي المتوفى 1338 شرح جدى السيّد نصير الدّين المرعشي، و كان رحمه اللّه يثني على ذلك الشرح كثيراً، إلى غير ذلك من الشروح والتراجم والتعاليق.

مزايا الكتاب (احقاق الحقّ)

الف - اشتماله على كلمات القوم في الأقسام الثلاثة ومستنداتهم فيها ومداركهم،

ص: 30

والوجوه العقليّة التي لفقوها، وإقامة بعض الأدلة لهم من دون أن يلتفتوا إليه مع الرّدود والنقود عليه بحيث لا يبقى للمتأمّل فيها ريب

ب - تأدية المطالب بالعبائر المليحة و الألفاظ الفصيحة مع رعاية التطابق لمقتضى الحال والمحسنات البديعية بحيث لا يملّ الناظر إليها ولا يسأم.

ج -تكثير الاقتباس فيها من الآيات الشريفة و الأحاديث المنيفة والأدعية المأثورة والاشارة إليها.

د - احتوائه للامثال والأشعار و الشواهد العرفيّة والمجون و ملح الكلام و لطائفه و ظرائفه

ه_ - خلوص نية المصنف في تصنيفه ونقد ردود القوم وشبههم الواهية كما يظهر من كتاب كتبة إلى الامير يوسف على وفيه على ما نقله الفاضل المعاصر (الجهاردهي) مقدّمة ترجمة إلزام الناصب ما هذا لفظه : حقیر نام خود را در تصانیف ننوشته که تا قربة إلى اللّه باشد و بکسی اظهار نکرده که این تصانیف از حقیر است الخ.

ومما يدل على علوّ رتبة المؤلف وتأيّده بتأييدات البارى سبحانه تعالى أنه (قدّس سِرُّه)قد كان عند تأليف هذا الكتاب ببلاد الهند محصوراً بحصار التقية، مستّرا تشيعه بالتشفع (الا نتحال إلى الشافعيّة) في حال الغربة، والبعد عن الأهل و الوطن، و غيبة الكتب، و مع كلّ ذلك تراه صدر من فلمه الشريف كتاب حوى تلك المزايا و المحاسن التي قد ذكرنا بعضها، ولا توجد في غيره، وكانت مدّة التأليف سبعة أشهر وهل هذا الاكرامة من اللّه سبحانه تعالى عليه ببركة أهل بيت العصمة ؟

قال في مختتم الكتاب ما هذا لفظه : والمأمول عن أفاضل المؤمنين الّذين هم الامناء في حب الدّين أن يدعوني بدعاء الانتظام في زمرة الآمنين إذا وقفوا على ما قاسيته في نظم هذا العقد الثمين من عرق الجبين وكد اليمين، فانه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين وأن يصلحواما فيه من القصور والتقصير، ومظان المؤاخذة والتعبير، فان قلّة بضاعتي

ص: 31

لائحة، وإضاعة وقتى في الشواغل الدنيوية واضحة، مع ما أنافيه، مع ما أنا فيه من غربة الوطن و غيبة الكتب، وضيق البال، بمفارقة الأهل والآل، إذ بعد ماركبت غارب الإغتراب في مبادي الشباب لتحصيل الحكم، وتكميل الفيوض والنعم من وطني شوشتر المحروسة إلى المشهد الرضوية المقدسة المأنوسة، رماني زماني إلى الهند المنحوسة، فأمت تلك الشوهاء المأيوسة إلى ازدياد غمّى و اهتمت في عداوتي و إعداد همّى، حتّى ظننت أنها هى (هند) اللائكة لكبد عمّي، لكن اللّه سبحانه ببركات محبّة أهل البيت أحيى قلبى الميت، وأجرى بناني على منوال وما رميت إذرميت، فانتصرنا للمصنّف العلّامة حاشرين، و وسمنا على جائرة الأشاعرة القاصرين، و الناصبة الفاجرة الخاسرين، فانتقمنا من الّذين أجرموا، و كان حقاً علينا نصر المؤمنين، واللّه الناصر و المعين، و قد اتفق نظم هذه اللتالي التي وشحت عوالى المعالى سبعة أشهر من غير الليالي، لما شرحت من كثرة ملالى، و ضعف القوى و نحول البدن كالشنّ البالي الخ.

أقول : قوله (هند اللائكة لكبد عمّي) إشارة إلى هند آكلة الأكباد التي لئكت كبد حمزة سيدالشهداء عم النبي في غزوة أحد، ولا ريب في أنّ عمّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عمّ ذريته إلى يوم القيمة ومنهم المصنف (قدّس سِرُّه).

و بالجملة من صبر و أجال البصر في مطاوي هذا الكتاب الشريف يرى أن ناسق تلك الدّرر آية من آيات اللّه، قل ماترى سطراً من سطوره عرباً من اقتباس آية من الكتاب أو حديث من السنة أو أثر أو مثل أو شعر معروف، مضافاً إلى تبحّره وإحاطته بكلمات القوم في المسائل الاعتقادية والفروع الفقهية وأصولها، مع التعرض لكلّ شبهة من الشبهات التي خطرت ببال القوم أو أمكن أن تخطر، و تصدى لدفعها بحيث أزاح العلل وأزال الغيوم عن وجه شمس الحق بمثابة لا تبقي للناظر فيها شبهة

ص: 32

ولا ارتياب، لو كان من أهل الإنصاف متجنباً عن الاعتساف، غير معدود في أهل السوداء والسفسطة، و غير منسلك في من تعود لتحقير العلماء و أرباب الفضل.

و انى منذ عرفت يميني عن شمالي و ميزت الزين عن الشين و نأيت بجنبي عن الغين والر بن ام أرمثله في الإحاطة بمجامع المقصود ولم أجد ما يشبهه من الكتب الكلامية وهاهى بين يديك فراجع الشوارق و التجريد و الحادي عشر و شروحه و شرح المقاصد و شرح المواقف وبراهين النظم ومعارج الفهم و حق اليقين و شرح العلّامة المصنف للتجريد و شرح القوشچی له و شرح الشيرازى له و منهاج الكرامة و شرح الفاضل المقداد على كتاب المصنف و التسليك للمصنف و غيرها.

كلمات العلماء و أرباب الفضل في حق الكتاب :

يحكى عن العلّامة استاذ الكل الوحيد البهبهاني (قدّس سِرُّه) أنه كان يقول : من أراء إحكام عقيدته فليراجع الاحقاق، و فيه الكفاية عن غيره من الكتب.

وينقل عن العلّامة صاحب الحدائق (قدّس سِرُّه) ما يقرب منه.

و في كتاب عماد الاسلام للعلامة المتكلم النّظار محيى ما اندرست من آثار الإماميّة في الأقطار الهندية مولينا السيّد دلدار على النقوي الهندي ما محصله : ان كتاب إحقاق الحق عيبة العلم، وفيه الغنا لمن أراد الاستبصار في التشيّع، ولمن رام اتباع آل الرسول في الفروع والاصول.

وقال في كشف الحجب و الأستار (ص 27 ط كلكته) ما لفظه :

إنّ هذا الكتاب صنف في مدة يسيرة و أيّام قليلة لا يكاد لأحد أن ينسخه فيها فضلاً عن أن يصنفه، إلى آخر ما قال.

و يحكى عن المحقّق القمي صاحب القوانين أنه كان يقول : اعتقادي أنه لو كان

ص: 33

تصدّى العلّامة بنفسه لردّ كلمات ابن روزبهان لم يمكن له كما أمكن للقاضي الشهيد (قدره).

و يحكى عن المولى محمّد تقى المجلسي : أنه يلزم على كلّ فرد من الشيعة اقتناء نسخة من كتاب إحقاق الحق والاستفادة منه (انتهى).

و قال السيّد الجزائرى في كتابه مقامات النجاة على ما في الروضات في ترجمة ابن روزبهان ما هذا لفظه : و هو الّذي ردّ على العلّامة كتابه كشف الحق ونهج الصدق بأقبح رد، وسلط اللّه عليه الامام المتبحر السيّد نور اللّه التستري تغمده اللّه برحمته،فرد كلامه بكتاب سماه إحقاق الحق، ما رأيت أحسن من هذا الكتاب، لأن كلّ ما ذكر فيه من الرد على ذلك الناصبي من كتبهم وأحاديثهم، (الخ)

و تحكى عن الفقه العلّامة صاحب الرياض في، و العلّامة الميرزا محمّد مهدي الشهرستاني، والمولى المجلسى صاحب البحار : أمثال هذه الكلمات في مقام الثناء على هذا الكتاب ثم اعلم أنه صنفت عدة كتب حول إحقاق الحق، منها على ماذكره المحدث القمي في الفوائد الرضوية (ص ٦٩٦ ط طهران) كتاب ترجمة إحقاق الحق بالفارسيّة للعالم الفاضل الميرزا عحمد النائيني المتوفى سنة ٥ ١٣٠ (انتهى)، ومنها ترجمته بلسان الاردو لبعض علماء الهند ولم يتمها، ومنها تعليقة العلّامة الشّيخ مفيد الدّين بن عبد النبي الشيرازي الأديب المشهور، ومنها تعليقة المولى محمّد هادي بن عبدالحسين كمانص على ذلك في هامش الكتاب المخطوط. ومنها تلخيصه لبعض أحفاده، لم أره بل سمعته ومنها ترجمته بالفارسيّة لبعض علماء دولة الصفوية على ما في هامش المجلد الخامس من رياض العلماء و منها الحاشية التي علقها السيّد علاء الدولة نجل المصنف كما في هوامش بعض النسخ المخطوطة

ص: 34

هذا ما اقتضته الصّروف والظروف من إجالة القلم حول هذا الكتاب المنيف، العديم النظير، و حيث آل الأمر إلى هنا ألح بعض الحضّار أدام اللّه بركاتهم بذكر نبذ يسير من حياة مولانا آية اللّه العلّامة (قدّس سِرُّه) وحياة السلطان المؤيد اولجایتو محمّد خدابنده، و حياة القاضي الفضل بن روزبهان، و حياة مولانا القاضي الشهيد (قدّس سِرُّه) وغيرها من الفوائد الشريفة التي ينبغي أن تذكر في هذه العجالة، فاستخرت اللّه في ذلك، وأجبت مسئولهم، راجياً رحمته مبتدءاً بحياة مولانا العلّامة (قده).

حياة مولينا آية اللّه على الاطلاق العلّامة الحلى (قدّس سِرُّه)

اسمه وسرد نسبه

هو الشّيخ الامام، قدوة علماء الإسلام، جمال الدّين أبو منصور، الحسن بن يوسف ابن زين الدّين عليّ بن محمّد بن المطهر الحلّي، المشتهر بالعلّامة، كان مقداماً و قدوة في جل العلوم الإسلامية، اعترف بفضله المخالف والمؤالف، و أورده أرباب التراجم من الفريقين في معاجمهم مع الثناء الجميل عليه.

میلاده:

ليلة الجمعة ٢٧ رمضان سنة ٦٤٨ كما صرح بذلك نفسه في الخلاصة.

وفاته :

ليلة السّبت ٢١ محرم سنة ٧٢٦ بالحلّة المزيدية كما وجد بخط الشّيخ بهاء الدّين علي العودى العاملي على هامش الخلاصة، ونقل إلى الغري الشريف، ودفن في الحجرة الواقعة على يمين الداخل إلى الحضرة الشريفة العلوية من جهة الشمال، وقبره ظاهر يزار، و يقابله قبر المحقّق الأردبيلي، فأكرم بهما من بوّابين لتلك القبة السّامية، وجدير أن : يقال : أسد اللّه على المرتضى - اجتبى حبرين من نوّابه _ ليكونا بعد من بوابه.

ص: 35

كلمات العلماء في حقه :

قال العلّامة البحاثة راوية التراجم والسير مولينا الميرزا عبداللّه افندي (قدّس سِرُّه) في کتابه الوحيد (رياض العلماء) في المجلد الثاني في حرف الحاء المهملة في وصفه ما لفظه : الامام الهمام العالم العامل الفاضل الكامل الشاعر الماهر، علامة العلماء، وفهامة الفضلاء، استاد الدنيا، المعروف فيما بين الأصحاب، بالعلّامة عند الاطلاق، الموصوف بغاية العلم و نهاية الفهم و الكمال، و هو ابن اخت المحقّق، و كان قده، آية اللّه لأهل الأرض، وله حقوق عظيمة على زمرة الإماميّة و الطائفة الشيعة الحقة الاثنى عشرية، لساناً وبياناً تدريساً وتأليفاً وكان جامعاً لأنواع العلوم. مصنفاً في أقسامها، حكيماً متكلماً فقيهاً محدّثاً ُأصولياً أديبا شاعراً ماهراً، وقد رأيت، بعض أشعاره، ببلدة اردبيل، وهي تدل على جودة طبعه في أنواع النظم أيضاً، وافر التصنيف، متكاثر التأليف، أخذ واستفاد عن جم غفير من علماء عصره من العامّة والخاصة، وأفاد و أجاد على جمع كثير من فضلاء دهره من الخاصة والعامّة، كما يظهر من إجازات علماء الفريقين، إلى آخر ما ذكره.

وأورده صاحب الوسائل في أمل الآمل (الملحق في الطبع برجال الاستر آبادی ص ٤٦٩ ط تهران سنة ١٣٠٧)

وقال في حقّه : فاضل عالم علامة العلماء، محقّق مدقّق، ثقة ثقة، فقيه محدّث، متكلّم ماهر، جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون والعلوم العقليات والنقليات، وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى الخ.

وقال المولى نظام الدّين القرشي في نظام الأقوال في حقه : شيخ الطائفة و علامة وقته صاحب التحقيق والتدقيق، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف إلى آخره.

ص: 36

وقال مولينا السعيد القاضي الشهيد في كتابه المجالس ما ترجمته : حامي بيضة الدين، وما حي آثار المفسدين، ناشر ناموس الهداية، وكاسر ناقوس الغواية متمم القوانين العقليّة، حاوى أساليب الفنون النقلية، محيط دائرة الدرس والفتوى مركز الشرع،والتقوى، مجدد مآثر الشريعة المصطفوية، ومحدد جهات الطريقة المرتضوية الخ.

وقال الجرجانى في شرح مبادي الوصول : شيخنا المعظم، إمامنا الاعظم، سيّد فضلاء العصر، رئيس علماء الدهر، المبرز في فني المعقول والمنقول، المطرز للواء علمى الفروع والاصول، جمال الملة والدين سديد الاسلام و المسلمين الخ.

وعن بعض تلاميذ الشهيد (قدّس سِرُّه)، في حقه : هو فريد العصر و نادرته، له من الكتب المصنفة، في العلوم المختلفة مالم يشتهر عن غيره لاسيما في العلوم الالهية، فانيه قدفاق فيها الغاية، وتجاوز النهاية، وله فى الفقه والتدريس كلّ كتاب نفيس، اكبرها التذكرة و أصغرها التبصرة.

وعبر عنه شيخنا القدوة الشهيد الأول في أربعينه بقوله : الامام الأعلم، حجة اللّه على الخلق، جمال الدين، الخ.

وقال العلّامة الآية سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (ج ٢٤ ص ٢٧٩ ط دمشق) ما لفظه : هو العلّامة على الاطلاق الذى طار صيته في الآفاق، ولم يتّفق لأحد من علماء الإماميّة أن لقب بالعلّامة على الاطلاق غيره، ويطلق عليه أيضاً «آية اللّه»، برع في المعقول والمنقول، وتقدّم و هو في عصر الصبي على العلماء الفحول، و قال في خطبة المنتهى : إنّه فرغ من تصنيفاته الحكمية و الكلامية، و اخذ في تحرير الفقه من قبل أن يكمل له (٢٦ سنة)، سبق في فقه الشريعة، وألف فيه المؤلفات المتنوعة، من مطولات ومتوسطات ومختصرات، فكانت محط أنظار العلماء من عصره

ص: 37

إلى اليوم تدريساً وشرحاً وتعليقاً، فألف من المطولات ثلاثة كتب لا يشبه واحد منها الآخر، وهي «المختلف، ذكر فيه أقوال علماء الشيعة و حججهم، و «التذكرة» ذكر فيها خلاف علماء غير الشيعة وأقوالهم واحتجاجهم، و منتهى المطلب، ذكر فيه جميع مذاهب المسلمين، و ألف من المتوسطات كتابين لايشبه أحد هما الآخر، وهما «القواعد»، فكان شغل العلماء في تدريسها وشرحها من عصره الى اليوم وشرحت عدة شروح، و «التحرير»، و «التحرير» جمع فيه أربعين ألف مسألة، وألف من المختصرات ثلاثة كتب لا يشبه أحدها الآخر، وهى «إرشاد الأذهان» و «إيضاح الاحكام» أخصر منه و «التبصرة» لتعلم المبتدئين أخصر منهما الى ان قال : وبرع في الحكمة العقليّة حتّى أنه باحث الحكماء السابقين في مؤلفاته، وأورد عليهم. و حاكم بين شراح الاشارات لابن سينا، وباحث الرئيس ابن سينا وخطأه، الى أن قال : ولما سئل النصير الطوسي بعد زيارته الحلة عما شاهده فيها قال: رأيت، خريتاً ماهراً، وعالماً إذا جاهد فاق، عنى بالخريت المحقّق الحلى، وبالعالم المترجم، و جاء المترجم في ركاب النصير من الحلة إلى بغداد، فسأله في الطريق عن إثنتى عشر مسألة من مشكلات العلوم «إحديها»، انتقاض حدود الدلالات بعضها ببعض، ولما طلب السلطان (خدا بنده) عالماً من العراق من علماء الإماميّة ليسأله عن مشكل وقع فيه وقع الاخيتار عليه، وهو معادل على تفرده في عصره في الكلام والمناظرة، فذهب وكانت اء الغلبة على علماء مجلس السلطان إلى آخر ما قال.

وقال العلّامة البحاثة المدرّس في ريحانة الأدب (ج ٣ ص ١٠٦ ط طهران) في حق المترجم ما معناه: هو من العلماء الرّبانيّين، رئيس علماء الشيعة، و قائد الفرقة المحقة، الحاوى للفروع والاصول، حامي بيضة الدين، وما حى آثار الملحدين الّذي اتفق على جلالته وعظم شأنه المخالف والموافق، و هو الفائق على السابق واللاحق

ص: 38

اشتهر في العلوم العقليّة والنقلية في الآفاق، بحيث عرف بالعلّامة على الاطلاق، تفرد في مراتب الزهد والورع والتقوى، كان فقيهاً أصولياً محدثاً رجالياً أديبا رياضياً حكيماً متكلماً مفسّراً ماهراً أزهد الناّس وأورعهم، مكارمه في الكثرة خرجت عن الاحصاء والبنان والبيان جزا عن تحرير مناقبه إلى آخر ما قال

وقال العلّامة الرّجالى السيّد حسين البروجردي في نخبة المقال شعراً

و آية اللّه ابن يوسف الحسن***سبط مطهر فريدة الزمن

علامة الدهر جليل قدره***ولد رحمة (٦٤٨) وعز (٧٧) عمره

وقال ابن حجر العسقلاني الشافعى في الدرر الكامنة (ج 2 ص 71 ط حیدر آباد) بعد ما أورد أسمه الشريف ما لفظه : وصنف في الاصول والحكمة، وكان رأس الشيعة بالحلة و اشتهرت تصانيفه، وتخرج به جماعة، وشرحه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن في حل ألفاظ، وتقريب معانيه، وصنف في فقه الإماميّة، وكان قيماً بذلك داعية إليه، وله كتاب في الامامة ردّ عليه فيه ابن تيمية بالكتاب المشهور المسمى بالرد على الرافضي، وقد أطنب فيه واسهب وأجاد في الرد الا انه تحامل في مواضع عديدة ورد أحاديث موجودة، و إن كانت ضعيفة بانها مختلفة، إلى أن قال : وبلغت تصانيفه مأة وعشرين مجلدة، ثم قال : و حج في أواخر عمره و تخرج به جماعة في عدة فنون الخ.

و العجب منه أنه زعم اسم مولينا العلّامة «الحسين» مصغراً، وقال في آخر الترجمة: وقيل : اسمه الحسن بفتحتين. وهذا كما ترى من أبين الأغاليط وأوضح الزلات إذ كون اسمه الشريف الحسن ممّا صرح به نفسه في الخلاصة و الاجازات وسائر تصانيفه على كثرتها، مضافاً إلى اشتهاره بين علماء الاسلام بحيث لا يخفى حتّى على من كان حليس البيت و أنيس الخمول، و لكنه أنصف حيث أسند التحامل إلى ابن تيمية في الرد عليه

ص: 39

وفي هامش الدرر (ج 2 ص 72) ما لفظه : بخط السخاوي قال لى شيخنا تغمده اللّه برحمته (ابن حجر): إنّه بلغه أن ابن المطهر لما حج اجتمع هو وابن تيمية وتذاكرا، وأعحب ابن تيمية كلامه فقال له : من تكون يا هذا فقال : الّذي تسمّيه ابن المنجس فحصل بينهما انس ومباسطة.

وقال ابن حجر العسقلاني في المجلد الثاني من لسان المیزان (ص 317 ط حیدر آباد) ما لفظه : الحسين بن يوسف بن المطهر الحلى عالم الشيعة وإمامهم ومصنفهم، وكان آية في الذكاء، شرح مختصر ابن الحاجب شرحاً جيداً سهل الماخذ غاية في الايضاح واشتهرت تصانيفه في حياته، وهو الذى ردّ عليه الشّيخ تقي الدّين ابن تيمية في كتابه المعروف بالرد على الرافضي، و كان ابن المطهر مشتهر الذكر وأحسن الاخلاق، و لما بلغه بعض كتاب ابن تيمية قال : لو كان يفهم ما أقول أجبته، و مات في المحرم سنة ست وعشرين وسبع مائة عن ثمانين سنة، وكان في آخر عمره انقطع في الحلة إلى أن مات.

وقال ايضاً في الجزء السادس (ص 319 ط حیدر آباد) ما لفظه : يوسف بن الحسن ابن المطهّر الحلّى الرّافضي المشهور، كان رأس الشيعة الإماميّة في زمانه، وله معرفة بالعلوم العقليّة، شرح مختصر ابن الحاجب الموصلي شرحاً جيداً بالنسبة إلى حل الفاظه و توضيحه، وصنف كتاباً في فضائل على (رضى اللّه عنه)، نقضه الشّيخ تقي الدّين ابن تيمية في كتاب كبير، وقد أشار الشّيخ تقى الدّين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة حيث قال : وابن المطهر لم يظهر خلاففه و لابن تيمية رد عليه أى الرد واستيفاء أجوبة لكننا نذكر بقية الابيات في مايعاب به ابن تيمية من العقيدة، طالعت الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي فى الاستيفاء، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الاحاديث التي يوردها ابن المطهر وإن كان معظم ذلك من الموضوعات

ص: 40

والواهيات، لكنّه ردّ في رده كثيراً من الاحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدر، والانسان عامد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص علي رضى اللّه عنه وهذه الترجمة لا يحتمل ايضاح ذلك وايراد امثلته، وكان ابن المطهر مقيماً، وقد بلغه تصنيف ابن تيمية، فكاتبه باييات يقول فيها.

أقول : وقد غفل ابن حجر في ضبط اسم المترجم هنا غفل في الدرر فتارة يذكره في باب الحسين مصغراً واخرى ذكره في المسمين بيوسف، مع أن يوسف اسم والد المترجم، فباللّه عليك أيها القارى الكريم، من كانت كلماته بهذه المثابة في الاضطراب هل يعتمد على منقولاته ؟ كلاً ثم كلاً، وكون اسم المترجم (الحسن) مكبّراً ممّا نصّ على ذلك نفسه في الخلاصة كما أسلفنا وغيره في غيره.

ووصفه القاضي البيضاوي في مكاتباته بكلّ تجليل و أثنى عليه، وأذعن بشموخ مقامه وعلو درجته وكعبه في العلوم، وناهيك فى ذلك ما ذكره في كتابه إلى العلّامة في مسألة من تيقن بالطهارة والحدث وشكّ في المتقدم منهما والمتأخير بقوله مخاطباً إيّاه : يا مولينا جمال الدّين ادام اللّه فواضلك أنت إمام المجتهدين في علم الاصول الخ، وصورة الكتاب موجودة في كتاب لسان الخواص للعلامة آقا رضى القزويني وقال شيخنا القدوة الثقة الحسن بن داود الحلي في رجاله بعد ذكر اسمه الشريفما لفظه : شيخ الطائفة وعلامة وقته، صاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإماميّة إليه في المعقول والمنقول، مولده سنة ٦٤٨ توفّى ٧٢٦.

وقال العلّامة البحاثة الرجالي المولى محمّد الأردبيلي في جامع الرواة (ج 1 ص 203 ط طهران) ما لفظه : محامده اكثر من أن تحصى و أشهر من أن يخفى.

وقد ذكره المولى الجليل الرجالي النقاد الميرزا محمّد الاستراباذي في كتاب تلخيص

(41)

ص: 41

الأقوال المشهور بالرجال الوسيط (المخطوط) وأثنى عليه بما نقلناه عن جامع الرواة و قال العلّامة النقاد في الرجال الشّيخ أبو علي الحائري في كتاب منتهى المقال (ص ١٠٥ ط طهران) بعد ذكر اسمه الشريف ما لفظه : أقول : كان اللازم بالمير زاهره» أن يذكر في مثل هذا الكتاب البسيط والجامع المحيط أكثر من هذا المدح والوصف لهذا البحر القمقام والحبر العلام بل الأسد الضرغام، إلّا أنّ اللسان في تعداد مدائحه كال قصير، وكل إطناب في ذكر فضائله حقير، و لذا قال السيّد مصطفى : يخطر ببالي أن لا أصفه، إذلا يسع كتابي هذا ذكر علومه وتصانيفه و فضائله و محامده، و أنّ كلّ ما يوصف به الناّس من جميل وفضل فهو فوقه «الخ».

و قال فقيه الشيعة الشّيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق في كتاب لؤلؤة البحرين ما هذا لفظه : و كان هذا الشّيخ وحيد عصره وفريد دهره الّذي لم تكتحل حدقة الزمان له بمثيل ولا نظير، كما لا يخفى على من أحاط خبراً بما بلغ إليه من عظم الشأن في هذه الطائفة ولا ينبتك مثل خبير، إلى أن قال : ومن لطائفه أنه ناظر أهل الخلاف في مجلس السلطان محمّد خدابنده أنار اللّه برهانه وبعد إتمام المناظرة و بيان حقيقة مذهب الإماميّة الاثنى عشرية خطب الشّيخ (قدّس سِرُّه) خطبة بليغة مشتملة على حمد اللّه والصلاة على رسوله والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فلما استمع ذلك السيّد الموصلي الّذي كان من جملة المنكوبين بالمناظرة، قال ما الدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الأنبياء، فقره الشّيخ في جوابه بلا انقطاع الكلام : الّذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للّه وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فعال الموصلى على طريق المكابرة : ما المصيبة التي أصابت إليهم حتّى أنهم يستوجبون بها الصلاة : فقال الشّيخ (قدّس سِرُّه): من أشنع المصائب و أشدها أن حصل من ذراريهم مثلك الّذي يرجح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة و النكال على آل

ص: 42

رسول الملك المتعال، فاستضحك، الحاضرون وتعجبوا من بداهة آية اللّه في العالمين وقد أنشد بعض الشعراء :

إذ العلوي تابع ناصياً***بمذهبه فما هو من أبيه

و كان الكلب خيراً منه حقّاً***لأنّ الكلب طبع أبيه أبيه فيه

أقول : و في هذه المناظرة المشار إليها صنف كتاب كشف الحق و نهج الصدق ثم نقل كلام القاضي في الاحقاق، إلى أن قال : لو لم يكن له (قدّس سِرُّه) الا هذه المنقبة (تشيّع السلطان وأتباعه ببركته) لفاق بها على جميع العلماء فخراً، وعلابها ذكراً، ومناقبه لا تعد ولا تحصى، ومآثره لا يدخلها الحصر والإستقصاء، وبالجملة فإنه بحر العلوم الّذي لا يوجد له ساحل، وكعبة الفضائل التي تطوى إليها المراحل إلى آخر ما قال.

و قال المولى الجليل الرجالي الشّيخ عبدالنبي بن علي الكاظمي (قدّس سِرُّه) في كتاب الرجال الذى هو تعليقة على نقد الرجال للتفرشى ما لفظه : الحسن بن يوسف بن المطهر، هذا الرجل اتفق علماء الإسلام على وفور علمه في جميع الفنون و سرعة التصنيف، وبالغوا فيه وفي وثاقته (الخ).

و قال العلّامة الشّيخ عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي جامع الحارثي الشاميّ العاملي في رجاله ما هذا لفظه : أبو منصور الفاضل العلّامة الحلي مولداً و مسكناً، محامده أكثر من أن تحصى، ومناقبه أشهر من أن تخفى، عاش حميداً ومات سعيداً وكتبه اشتهرت في الآفاق.

و قال العلّامة السماهيجي البحراني في إجازته الكبيرة على ما نقله العلّامة الاستاذ المامقاني في رجاله (ج ١ ص ٣١٤ ط نجف) ما لفظه : إن هذا الشّيخ (رَحمهُ اللّه) بلغ في الاشتهار بين الطائفة بل العامّة شهرة الشمس في رايعة النّهار، و كان فقيهاً

ص: 43

متكلماً حكيماً منطقياً هندسياً رياضياً، جامعاً لجميع الفنون، متبحراً في كلّ العلوم من المعقول والمنقول، ثقة، إماماً في الفقه والاصول، وقد ملأ الآفاق بتصنيفه، وعطر الأكوان بتاليفه ومصنفاته الخ.

إلى أن قال : وبالجملة فالرجل لا ينكر فضله الغزير ولا يخفى حاله على الصغير و الكبير إلى آخر ماقال، ونقل الشّيخ عبدالنبيّ الكاظمي المتقدم ذكره هذه العبارة من السماهيجي أيضاً

و قال مولينا العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم في حق المترجم ما لفظه : علامة العالم وفخر نوع بني آدم، أعظم العلماء شأناً وأعلاهم برهاناً، سحاب الفضل الهاطل، و بحر العلم الّذي ليس له ساحل، جمع من العلوم ما تفرق في جميع الناس، وأحاط من الفنون مالا يحيط به القياس، مروج المذهب والشريعة في المأة السابعة، ورئيس علماء الشيعة من غير مدافعة، صنف في كلّ علم كتباً، و اتاه اللّه من كلّ شيء، سبباً و قال أيضاً بعد كلام له في جلالة المترجم و تقدمه في دولة السلطان المؤيد شاه خدا بنده تحمل، وكثرة تآليفه و تصانیفه و عباداته و زياراته و رعاية حقوق إخوانه ومناظراته مع المخالفين وغيرها من الشواغل والمشاغل، ما لفظه : إنّه مع ذلك كان شديد التورع، كثير التواضع، خصوصاً مع الذرية الطاهرة النبوية، و العصابة العلوية، كما يظهر من المسائل المدنية وغيرها. وقد سمعت من مشايخنا رضوان اللّه عليهم أنه كان يقضى صلاته إذا تبدل رأيه في بعض ما يتعلق بها من المسائل حذراً من احتمال التقصير في الاجتهاد، وهذا غاية الاحتياط ومنتهى الورع والسداد وليت شعري كيف كان يجمع بين هذه الاشياء التي لا يتيسر القيام ببعضها لأقوى العلماء والعباد، ولكن ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء، وفي مثله يصح قول القائل :

ليس من اللّه بمستبعد***أن يجمع العالم في واحد انتهى

ص: 44

و قال مولينا واستاذنا الآية الباهرة في جلّ العلوم، الحاج الشّيخ عبد اللّه المامقاني النجفي (قدّس سِرُّه)، ووفقني اللّه تعالى لاداء يسير من كثير حقّه على علماً وتربية وإحساناً في كتاب تنقيح المقال في أحوال الرجال (ج ١ ص ٣١٤ ط نجف) بعد ذكر اسمه الشريف ما لفظه : وضوح حاله وقصور كلّ ما يذكر عن أداء حقه و بيان حقيقته، و إن كان يقضى بالسكوت عنه كما فعل الفاضل التفرشي حيث قال يخطر ببالي أن لا أصفه، إذلا يسع كتابي هذا علومه وتصانيفه و فضائله ومحامده «انتهى»، لكن حيث إن ما لا يدرك كله لا يترك كله، و المسك كلما كررته يتضوع، لابد من بیان شطر من ترجمته، فنقل كلمات بحر العلوم والسماهيجي، و الخلاصة، و أمل الأمل وغيرها.

و قال العلّامة الفقيه الشّيخ اسداللّه التستري الكاظمي في كتاب المقابيس (ص17 ط تبريز) ما لفظه : الشّيخ الأجل الأعظم بحر العلوم والفضائل والحكم، حافظ ناموس الهداية، كاسر ناقوس الغواية، حامى بيضة الدين، ماحى آثار المفسدين، الّذي هو بين علمائنا الأصفياء كالبدر بين النجوم، وعلى المعاندين الأشقياء أشد من عذاب السموم، وأحد من الصارم المسموم، صاحب المقامات الفاخرة، والكرامات الباهرة والعبارات الزاهرة، والسعادات الظاهرة، لسان الفقهاء والمتكلمين والمحدّثين و المفسرين، ترجمان الحكماء والعارفين، والسالكين المتبحرين الناطقين، مشكات الحق المبين، الكاشف عن أسرار الدّين المتين، آية اللّه التامة العامّة، وحجة الخاصة على العامّة، علامة المشارق والمغارب، و شمس سماء المفاخر والمناقب و المكارم والمآرب، الخ.

و قال المحقّق الكركي في إجازته للشيخ علي الميسي ما لفظه في حقّ المترجم : الشّيخ الامام، شيخ الإسلام مفتي الفرق بحر العلوم، أوحد الدهر، شيخ الشيعة بلا مدافع، الخ،

ص: 45

و قال في إجازته للمولى حسين الاستراباذي : الامام السعيد، استاذ الكل في الكل شيخ العلماء الراسخين، سلطان الفضلاء المحقّقين، الخ،

و قال في إجازته للشيخ شمس الدّين محمّد الحرّ ما لفظه : الشّيخ الامام، والبحر القمقام، استاد الخلائق، ومستخرج الدقائق، الخ.

إلى غير ذلك من كلامات الأعاظم والفطاحل من الفقهاء ومؤلفي معاجم التراجم في حق هذا المولى الجليل الّذي عقمت أشكال الدهر أن تنتج مثله، وما نقلناه نقير من كثير، وقطرة من بحر تيار، اكتفينا بها رمزاً إلى علو مكانه وعظم خطره بين الفريقين حتّى يتبين أن الرجل الناسب الفضل بن روزبهان كيف ظلم في حق هذا الإمام الهمام، العلّامة في علوم الإسلام، و أساء الأدب بالنسبة إلى ساحة قدسه، وتفوه بكليمات الأوباش و سفلة الناّس في مضمار المسائل العلميّة أخذه اللّه تعالى بحقه يوم لا حكم الاحكمه، وهل ظلم فوق هتك المؤمن وسبابه والوقيعة فيه والبهت عليه ؟ عصمنا اللّه و جميع المسلمين من ذلك وطهر ألسنتنا و أقلامنا من تلك الدناسة، و ممّا يؤسف عليه أن بعض الدواسر بن مالك فى اخريات عمره تلام الطريقة الشوهاء و أعمل أغراضه الشخصية، و عدم نيله بمشتهياته النفسانية الجاهية والمادية في آثاره القلمية و أزال الاعتماد عن منقولاته ومن العجب أنه أطرى في الثناء و التبجيل و التوثيق في حق بعض الشبان المزنرين الموظفين ومن لا يعد في عداد المشتغلين فكيف فيما فوقهم، ومن هو متهم في عقيدته حسب ما تنقله الثقات، وكذا أثنى و وصف بالجميل بعض الكتاب المشهورين بفساد الآراء و الأفعال و حضوره في نوادى النساء السافرات المتبرجات الكاسيات العاريات وازري في مقادير رجال العلم وخدمة المذهب ومن صرفوا الأعمار في ترويج الشريعة الغرّاء.

فباللّه عليك، وهل وثوق بعد بكلمات هذا الرجل الّذي نقلنا شرذمة من صنيعه في

ص: 46

الإزراء بأهل الفضل والورع والثناء على من أومأنا إلى حاله، حاشا ثم حاشا، لاقيمة لتلفيقات من هذا حاله، إن أسعفت مأموله أكرمك، وإن لم تجب دعوته لمعاذير شرعية وعرفية شمّر الّذيل في حطك والوقيعة فيك وهتك عرضك، فإذن لاعصمة بينك وبينه وانقطعت الأخوة فكل أمره إلى اللّه سبحانه و تعالى فإنه نعم الحكم الفصل ان ربك لبالمرصاد.

ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فانه جل شأنه لا يسامح بكسر كسير.

مشايخه في العلم والرواية :

١ - والده العلّامة الشّيخ سديد الدّين ابو يعقوب يوسف بن زين الدّين عليّ بن المطهر الحلّي قرء عليه في العلوم الآليّة والفقه والأصول و الحديث، و يروى عنه بأكثر أنواع تحمّل الحديث كما يظهر من إجازاته.

٢- خاله المحقّق الحلي مولينا الشّيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الهذلي المتوفى سنة ٦٧٦ صاحب الكتب الشهيرة كالشرايع و المعتبر والمعارج والمبادى وغيرها من النفائس، أخذ المترجم عنه الفقه والاصول وروى الحديث.

٣- فيلسوف الشيعة بل الإسلام، أستاذ العقلاء، برهان المتكلمين والحكماء، القدوة في الفلسفة والرياضيات، والميزان و الفلكيّات، مولينا المحقّق الطوسى الخواجه نصير الدّين محمّد الجهرودي الوشاري الأصل، صاحب التآليف و التصانيف المنيفة، كالتجريد و الفصول و شرح الاشارات و أوصاف الاشراف و آغاز و انجام و غيرها المتوفى سنة ٦٧٢، أخذ المترجم عنه العلوم العقليّة و الرياضية، و يروى الحديث أيضاً.

٤- الفيلسوف المتأله المتبحر الشّيخ كمال الدّين ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني شارح نهج البلاغة المتوفى سنة ٦٧٩ قرء عليه العقليات وروى عنه الحديث

ص: 47

5 - العلّامة الفقيه الرجالي، ابوالفضائل السيّد جمال الدّين أحمد بن طاوس الحسني، صاحب كتابي البشری، و الملاذ، ورسالة عين العبرة في غبن العترة أخذ عنه الفقه و روى عنه.

٦- أخوه جمال الزاهدين، و قدوة الناسكين، السيّد رضي الدّين علي بن طاوس الحسني صاحب كتاب الإقبال و غيره المتوفى سنة ٦٦٤ يروي عنه الحديث.

7 - العلّامة السيّد أحمد العريضي الصادقي، يروى عنه الحديث

8 - الشّيخ نجيب الدّين يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي المتوفى سنة ٦٩٠ ابن عم المحقّق و مصنف كتابي الجامع و الأشباه والنظائر الفقهية، أخذ عنه الفقه و روى الحديث.

٩- الشّيخ نجيب الدّين محمّد بن نماء الحلي المتوفى سنة ٦٤٥ روى عنه الحديث.

10 - الشّيخ مفيدالدين، محمّد بن علي بن الجهم الحلي الأسدي، روى عنه الحديث.

11 - الشّيخ كمال الدّين حسن بن علي بن سليمان البحراني، روى عنه الحديث.

12 - الشّيخ محمّد بن محمّد بن أحمد الكيشي ابن اخت العلّامة الشيرازي، أخذ و روى عنه صحاحهم.

١٣- الشّيخ نجم الدّين عمر بن علي الكاتبي القزويني الشافعي صاحب كتاب الشمسيّة في المنطق، أخذ و روى عنه صحاحهم.

١٤- الشّيخ جمال الدّين حسين بن أبان النحوي، أخذ و روى عنه

١٥- الشّيخ برهان الدّين النسفي، أخذ و روى عنه صحاحهم.

١٦ - الشّيخ عز الدّين الفاروقي الواسطي أخذ و روى عنه صحاحهم.

١٧- الشّيخ تقي الدّين عبداللّه بن جعفر، أخذ على الصباغ الحنفي الكرخي، وروى عنه صحاحهم.

ص: 48

18 - السيّد شمس الدّين عبد اللّه البخاري، روى عنه صحاحهم.

١٩ - الشّيخ جمال الدّين محمّد البلخي، روى عنه صحاحهم

٢٠ - السيّد العلّامة النسابة عبد الكريم بن طاوس الحسني المتوفى ٦٩٣ أخذ وروى عنه أحاديثنا إلى غير ذلك من أعلام الفريقين.

تلاميذه في الدراية والرواية :

١- ولده فخر الإسلام الشّيخ محمّد بن الحسن الحلي، قره على والده في جل العلوم و روى عنه الحديث.

٢- المحقّق المتبحر الشّيخ قطب الدّين الرازي البويهي، شارح الشمسية والمطالع قرء عليه وروى عنه بالإجازة وتاريخها سنة ٧١٣.

3 - ابن أخت المترجم المحقّق السيّد عميد الدّين عبدالمطلب الحسيني الأعرجي الحلي، قرء عليه وروى عنه.

٤ - ابن اخته الآخر المحقّق السيّد ضياء الدّين عبداللّه، أخو عميد الدّين المذكور، قرء عليه وروى عنه.

٥ - السيّد النسابة المحقّق المؤرخ الثقة، تاج الدّين محمّد بن القاسم بن معية الحسني الحّلي استاذ صاحب عمدة الطالب وشيخه.

٦ - السيّد أحمد بن إبراهيم بن محمّد بن الحسن بن زهرة الصادقي الحلبي أخذ وروى عنه بالإجازة و تاريخها سنة ٧٢٣.

7 - الشّيخ زين الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن طراد المطار بادي، أخذ و روى عنه.

8 - السيّد محمّد بن علي الجرجاني، شارح المبادي في الاصول، أخذ عنه وقره عليه.

9 - الشّيخ رضي الدّين أبو الحسن على بن أحمد المزيدي الحلي، قرء عليه وروى عنه.

ص: 49

١٠- الشّيخ تقى الدّين إبراهيم بن الحسين بن علي العاملي، روى عنه

١١- السيّد تاج الدّين حسن السرا بشنوی، قرء عليه وروى عنه.

12 - السيّد النسابة مهنا بن سنان الحسيني الأعرجي المدني، روى عنه بالإجازة التي نقلها العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في آخر البحار.

١٣- المولى زين الدّين علي السروي،الطبرسي، رأيت إجازة له من المترجم على ظهر القواعد في الفقه.

١٤ - السيّد جمال الدّين الحسيني المرعشي الطبرسي الأملي، رأيت إجازة من المترجم في حقه، وقد قرء عليه الفقيه.

١٥- الشّيخ أبو الحسن محمّد الاستر آباذي رأيت إجازة من المترجم بخطه على ظهر القواعد،

١٦ - المولى زين الدّين النيسابوري، رأيت إجازة المترجم له بخطه على ظهر جوهر النضيد في شرح منطق التجريد.

١٧- السيّد شمس الدّين محمّد الحلي، روى عنه وقره عليه.

١٨- المولى تاج الدین محمود، ابن المولى زین الدین محمّد بن عبدالواحد الرازي وصورة إجازة المترجم له مذكورة في مجلد الإجازات من البحار تاريخها سنة ٧٠٩ ببلدة سلطانية. إلى غير ذلك من أعلام الفريقين الّذين أخذوا عنه و استفادوا من قدسي أنفاسه، و رووا مروياته ومسموعاته و مقرراته و كتاباته بلا واسطة، و أما مع الواسطة فلا تحصى عدتهم كثرة، و ممّا يعجبني ذكره أن فارس الشدياق نقل في كتابه الجاسوس على القاموس إجازة من فخر المحقّقين ابن مولينا العلّامة اصاحب القاموس وفيها إجازته لرواية مروياته عن والده صاحب الترجمة وتركنا سرد أسمائهم خوفاً من إطالة الكلام وإيران السامة للناظرين الكرام.

ص: 50

مؤلفاته و مصنفاته :

ذكر هو (قدّس سِرُّه) أسماء عدّة منها في كتابه (خلاصة الرجال) و نقل مولينا العلّامة الزاهد الشّيخ فخر الدّين الطريحي النجفي في مادة «علم»، عن بعض الأفاضل : أنه وجد بخطه خمسأة مجلّد من مصنفاته غير خط غيره من تصانيفه

وعن بعض شرّاح التجريد : أن للعلامة نحواً من ألف مصنف. و قال صاحب الحدائق في اللؤلؤة قيل : وزعت تصانيف العلّامة على أيّام عمره من ولادته إلى موته، فكان قسط كلّ يوم كراساً، مع ما كان عليه من الاشتغال بالإفادة والاستفادة والتدريس والأسفار، والحضور عند الملوك والمناظرات مع الجمهور، والقيام بوظائف العبادة والمراسم العرفيّة، ونحو ذلك من الأشغال. وهذا هو العجب العجاب، الذى لا شك فيه ولا ارتياب إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب «انتهى».

أقول : ورأيت عدّة تعاليق منه (قدّس سِرُّه)، على هوامش الكتب العلميّة غير تأليفه و تصانيفه المعروفة المذكورة في كتب التراجم.

ونحن نفتقي أثر مولينا العلّامة الأمين في أعيان الشيعة و ننقل أسماء كتب المترجم على نمط اختاره في سردها.

كتبه في الفقه :

١- منتهى المطلب في تحقيق المذهب ذكر فيه خلاف علمائنا خاصة و مستند كلّ قائل مع الترجيح لما صار إليه، و قد طبع ببلدة تبريز.

٢- تذكرة الفقهاء ذكر فيه خلاف علماء الاسلام في كلّ مسئلة مع تأييد قول الشيعة، خرج منه إلى النكاح أربعة عشرة جزءاً طبع.

٣- إرشاد الأذهان إلى أحكام الايمان، طبع.

٤- تحرير الفتاوى والأحكام، طبع.

ص: 51

5 - تلخيص المرام في معرفة الأحكام.

٦- غاية الأحكام في تنقيح تلخيص المرام،

7 - تسليك الأفهام في معرفة الأحكام.

8 - تسبيل الأذهان إلى معرفة أحكام الايمان.

9 - قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام طبع مرتين.

10 - تهذيب النفس في معرفة المذاهب الخمس.

11- تنقيح قواعد الدّين المأخوده عن آل يس.

١٢ - المعتمد في فقه الشريعة.

١٣ - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، طبع.

١٤ - تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، طبع مرات بایران و غيرها و عليها شروح. و تعاليق.

١٥- مدارك الأفهام، خرج منه الطهارة والصلاة.

١٦ - المنهاج في مناسك الحاج.

١٧- رسالة في واجبات الوضوء والصلاة ألفها باسم الوزير (ترمتاش أو طرمتاش)

١٨- رسالة في نية الصلاة.

١٩ - تعليقة على خلاف الشّيخ.

20- تعليقة على المعتبر للمحقق رأيتها بخط بعض تلاميذه.

كتبه في اصول الفقه :

١- غاية الوصول في شرح مختصر الاصول.

2- مبادى الوصول إلى علم الأصول.

٣- النكت البديعة في تحرير الذريعة، أى ذريعة سيّدنا المرتضى علم الهدى.

ص: 52

4 - نهج الوصول إلى علم الاصول.

5 - نهاية الوصول إلى علم الاصول

٦- منتهى الوصول إلى علمي الكلام والأصول.

7 - تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول.

8 - تعليقة على عدة الشّيخ في الأصول.

9 - تعليقة على المعارج لشيخه المحقّق رأيتها بخطه.

كتبه في الكلام واصول الدّين والاحتجاج و الجدل والمناظرة

1- معارج الفهم في شرح النظم أى نظم البراهين، والنسخة عندنا بخط بعض الأعلام، من القدماء.

2 - نظم البراهين في أصول الدّين متن المعارج المذكور

٣ - الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة. قال سيّدنا الأمين (قدّس سِرُّه) في كتاب أعيان الشيعه : إنّ عليه شروحاً منها شرح المتأله السبزواري.

٤- نهاية المرام في علم الكلام.

٥- كشف الفوائد في شرح قواعد العقايد. طبع.

٦- تسليك النفس إلى حظيرة القدس، و يقال : إنّه تحت الطبع.

7- مناهج اليقين أو منهاج اليقين

8 - أنوار الملكوت في شرح الياقوت لابراهيم النوبختى في الكلام وحدتي بعض الأفاضل أنه تحت الطبع على نفقة الكليّة بطهران.

٩- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد طبع مرات بالهند و ایران.

١٠- نهج المسترشدين في أصول الدّين طبع مرّات.

ص: 53

11 - مقصد الواصلين في معرفة اصول الدين.

١٢- منهاج الهداية ومعراج الدراية.

١٣ - كشف الحق و نهج الصدق الّذي صنفه باستدعاء السلطان المؤيد الجايتو قد شاه خدا بنده المغولي، كما صرح به في خطبته، و هو الّذي رد عليه الفضل بن روزبهان ورد على الفضل مولينا السيّد السعيد القاضي الشهيد في كتابه إحقاق الحق وهاهو بين يديك.

١٤ - الهادى في العقايد.

١٥ - واجب الاعتقاد في الاصول والفروع.

١٦- تحصيل السداد في شرح واجب الاعتقاد.

17 - منهاج الكرامة الّذي صنفه باسم السلطان المؤيد الجايتو محمّد، وهو الّذي ردّ عليه ابن تيميّة بكتاب سمّاء منهاج السنّة وحرى بان يسمّى بمنهاج النوم والسنة ورد عليه مولينا مروج الشرع الشريف المجاهد الغازي بينانه و بيانه آية اللّه السيّد محمّد مهدي القزويني نزيل بلدة (كويت) و من مشايخنا في الرّواية و سمّى كتابه منهج الشريعة جزاء اللّه عن الاسلام خيراً، و حشره مع أجداده الطاهرين و قد طبعت هذه الكتب الثلاثة.

18 - كتاب الألفين الفارق بين الصدق و المين تصدى فيه لذكر ألف دليل على ام_امة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و ألف دليل على إبطال شبه المخالفين، ولكن الأسف أن عمره لم يف بذكر تمام الألفين، بل ذكر الألف الأول تماماً و لم يذكر من الألف الثاني إلّا اليسير، وطبع مرات.

١٩- الرسالة السعديّة في الكلام، صنّفها باسم الخواجه سعدالدين السّاوجي وزير السلطان الجايتو محمّد، طبعت في طي مجموعة بطهران.

٢٠ - منهاج السلامة إلى معراج الكرامة.

21 - رسالة في تحقيق معنى الايمان.

ص: 54

22- كتاب إيضاح مخالفة أهل السنة للكتاب والسنة.

23- رسالة في خلق الأعمال.

٢٤ - كتاب في التناسب بين الأشعرية والفرق السوفسطائيّة.

٢٥ - الباب الحاديعشر في اصول الدين، ألحقه بمختصر مصباح المتهجد لشيخ الطائفة طبع مرّات، وعليها شروح بألسنة مختلفة.

٢٦ - أربعون مسئلة في أصول الدين.

27- تعليقة على شرحه على التجريد.

28- استقصاء النظر في القضاء والقدر صنفه بالتماس السلطان الجايتو محمّد وطبع بالنجف الأشرف. إلى غير ذلك من الآثار الخالدة

كتبه في الفلسفة والمنطق :

1- القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي والالهي.

2- الأسرار الخفية في العلوم العقليّة.

٣- المقاومات، قال في الخلاصة: باحثنافيه الحكماء السابقين وهو يتمّ مع تمام عمرنا.

٤- حلّ المشكلات من كتاب التلويحات.

5 - إيضاح التلبيس من كلام الشّيخ الرئيس باحث فيه الرئيس ابن سينا.

٦- إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد.

٧ - لبّ الحكمة.

8 - إيضاح المعضلات من شرح الاشارات.

9 - شرح حكمة الاشراق.

10 - نهج العرفان في علم الميزان في المنطق.

١١- تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث (المنطاق - الطبيعي - الالهى).

ص: 55

12 - كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار.

١٣ - الدر المكنون في علم القانون (أى المنطق).

١٤- مراصد التدقيق و مقاصد التحقيق ورأينا منه نسخة على ظهرها إجازة من المصنف في حق الشّيخ شمس الدّين الآوى بخطه وقد اثبتنا صورته الفوتوغرافية، لتكون نموذجاً من خطه الشّريف فليراجع.

١٥- كشف الخفاء من كتاب الشفاء في الحكمة لابن سينا.

١٦ - القواعد الجلية في شرح رسالة الشمسية في المنطق.

١٧ - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، وقد طبع.

18 - بسط الاشارات في شرح إشارات ابن سينا.

19 - محصل الملخص.

20- الاشارات إلى معاني الاشارات.

21 - النور المشرق في علم المنطق.

٢٢- التعليم الثاني العام.

23 - كشف المشكلات في كتاب التلويحات، و يظن أنه بعينه حل المشكلات الّذي مرّ ذكره.

٢٤- التعليقة على كتاب أوائل المقالات لمولينا الشّيخ المفيد. إلى غير ذلك.

كتبه في التفسير :

١- نهج الايمان في تفسير القرآن لخص فيه التبيان والكشاف وغيرهما.

٢- القول الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. وغيرهما.

كتبه في الحديث :

1 - استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار كما في الخلاصة، أورد فيه كلّ حديث

ص: 56

وصل إليه، و بحث في كلّ واحد عن صحة السند أو عدمها، وكون متنه محكماً أو متشابهاً، وما اشتمل المتن عليها من المباحث الاصولية والأدبية، وما يستنبط من المتن من الأحكام الشرعية وغيرها، و هو كتاب لم يعمل مثله، قال مولينا الآية الباهرة السيّد الأمين في الأعيان : إنّه أشار نفسه في كتاب المختلف في مسئلة سؤر ما يؤكل لحمه إلى أنه في غاية البسط.

٢ - النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح.

٣- الدر والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان.

4 - جامع الأخبار أو مجامع الأخبار

5 - مصابيح الأنوار، ذكر فيه كلّ أحاديث علمائنا وجعل كلّ حديث يتعلق بفنّ في بابه ورتب كلّ فن على أبواب، ابتدأفيه بما روي عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثم من بعد بماروى عن علي، وهكذا

6 - خلاصة الأخبار وهو كتاب صغير وعندنا نسخة، كتب بعض العلماء على ظهرها أنه بعينه خلاصة الأخبار من تأليف مولينا العلّامة.

كتبه في الرجال :

١ - كشف المقال في معرفة الرجال، وهو الكتاب الكبير الّذي يحيل إليه في الخلاصة كثيراً، ومن الأسف أنه لا أثر لهذا الكتاب في هذا العصر بل وقبله.

2 - خلاصة الأقوال في معرفة الرّجال طبع مرّات، و عليه شروح و تعاليق بعضها عندنا. وقد ترجمه المولى محمّد باقر بن محمّد حسين التبريزي بالفارسيّة و أتمه في سنة 1129 وعندنا منه نسخة. و لشيخنا العلّامة السعيد الشهيد الثاني تعليقة نفيسة عليه استكتبناها من نسخة قديمة زمن إقامتنا في الغري الشريف والتجائنا بتلك العتبة السامية

٣ - تلخيص فهرست الشّيخ.

٤ - إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة، وقد رتبها وهذ بها العلّامة المولى محمّد علم الهدى

ص: 57

نجل العلّامة المحدّث الفيض الكاشاني صاحب الوافي، وسمّاه نضد الإيضاح، وعندنا نسخة نفيسة منه يظن كونها بخط المؤلف، منّ علىّ بها الاستاذ الفيلسوف المتأله الميرزا علي أكبر اليزدي المشتهر بالحكيم نزيل بلدة قم ومدرس الفلسفة بها، ثم الايضاح للعلامة قد طبع وكذا النضد طبع بالهند منضماً.

كتبه في النحو :

-١ بسط الكافية في تلخيص شرح الكافية.

٢ المقاصد الوافية بفوائد القانون والكافية.

المطالب العلية في علم العربية.

٤- كشف المكنون من كتاب القانون و هو اختصار شرح الجزوليّة في النحو. و غيرها.

كتبه في الادعية :

-١- الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمّة الطاهرة.

2- منهاج الصلاح في اختصار المصباح (أي مصباح الشيخ):

كتب الفضائل :

١- كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

٢- جواهر المطالب في فضائل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

كتبه في الفنون المتنوعة :

1 - تلخيص شرح نهج البلاغة لشيخه ميثم البحراني.

2- رسالة في شرح الكلمات الخمس لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جواب صاحبه كميل ابن زياد النخعي وقد طبعت في ضمن مجموعة بطهران.

ص: 58

٣ - كتاب في الاجازات

وغيرها من الاثار.

أجوبة المسائل :

١- أجوبة مسائل السيّد مهنا بن سنان الحسيني المدني الأولى وطبعت.

٢- أجوبة مسائله الثانية.

٣- رسالة مختصرة في جواب سؤال السلطان المؤيد محمّد خدا بنده عن حكمة النسخ في الأحكام الشرعية.

٤- رسالة في جواب سؤالين سئل عنهما الخواجه رشیدالدین فضل اللّه الطبيب الهمداني وزیر غازان خان وغيرها.

اجازاته لتلاميذه ومعاصريه :

1- فقد مرّت أسماء عدة في تعداد تلاميذه فليراجع.

آثاره الخالدة :

كان (قدّس سِرُّه) هو السبب القريب لتشيع السلطان المؤيد اولجایتو محمّد خدا بنده، و ذلك بعد مناظرته بمحضر الملك المذكور علماء المذاهب و غلبته عليهم بحيث صار واضحاً لدى كلّ من حضر، فلو لم يكن له إلّا هذه الخدمة لكفى، كيف؟! وقد ملأت الطروس و الصحائف مناقبه الجمة وفضائله وملكاته العلميّة و العملية بحيث أذعن به المخالف والمؤالف، و منهم الكاتبي القزويني ونظام الدّين المراغي كما نقل عنهما.

كيفية استبصار أو لجاينو بس بيه

نقل سيّدنا العلّامة الأمين في الأعيان (ج ٢٤ ص ٢٩١) عن المولى العلّامة 291

ص: 59

التقي المجلسي في شرح الفقيه بما هذا لفظه : أن السلطان اولجايتو تحمل المغولى الملقب (بشاه خدا بنده) غضب على إحدى زوجاته، فقال لها أنت طالق ثلاثاً، ثم ندم فسأل العلماء، فقالوا : لابد من المحلل، فقال : لكم في كلّ مسألة أقوال فهل يوجد هنا اختلاف فقالوا : لا، فقال أحد وزرائه : في الحلة عالم يفتي ببطلان هذا الطلاق، فقال العلماء : إن مذهبه باطل، ولا عقل له ولالا صحابه، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى مثله، فقال الملك : امهلوا حتّى يحضر ونرى كلامه، فبعث فاحضر العلّامة الحلي،، فلما حضر جمع له الملك جميع علماء المذاهب فلما دخل على الملك أخذ نعله بيده و دخل و سلم و جلس إلى جانب الملك، فقالوا للملك : ألم نقل لك إنّهم ضعفاء العقول فقال : اسألوه عن كلّ ما فعل، فقالوا لماذا لم تخضع للملك بهيئة الرّكوع، فقال : لأن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يكن يركع له أحد، وكان يسلم عليه، وقال اللّه تعالى (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً) ولا يجوز الركوع والسجود لغير اللّه قالوا : فلم جلست بجنب الملك، قال : لأنه لم يكن مكان خال غيره، قالوا : فلم أخذت نعليك بيدك و هومناف للأدب، قال : خفت أن يسرقه بعض أهل المذاهب كما سرقوا نعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقالوا إن أهل المذاهب لم يكونوا في عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، بل ولدوا بعد المأة فما فوق من وفاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كلّ هذا، والترجمان يترجم للملك كما يقوله العلّامة، فقال للملك قد سمعت اعترافهم هذا، فمن أين حصروا الاجتهاد فيهم ولم يجوزوا الأخذ من غيرهم ولو فرض أنه أعلم، فقال الملك : ألم يكن أحد من أصحاب المذاهب في زمن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و لا الصحابة، قالوا : لا، قال العلّامة : و نحن نأخذ مذهبنا عن علي ابن ابيطالب نفس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و أخيه وابن عمّه ووصيّه وعن أولاده من بعده فسأله عن الطلاق ؛ فقال : باطل لعدم الشهود العدول وجرى البحث بينه وبين العلماء حتّى

ص: 60

ألزمهم جميعاً، فتشيع الملك وخطب بأسماء الأئمّة الاثنى عشر في جميع بلاده وأمر فضربت السكة بأسمائهم وأمر بكتابتها على المساجد و المشاهد، قال المجلسي : والم وجود باصبهان في الجامع القديم في ثلاثة مواضع بتاريخ ذلك الزمان و في معبد (بیرمکران لنجان) و معبد (الشّيخ نور الدّين النطنزي) من العرفاء و على منارة دار السيادة التي أتمها السلطان المذكور بعد ما ابتدأ بها أخوه غازان كله من هذا القبيل، (و كان) من جملة القائمين بمناظرته الشّيخ نظام الدّين عبدالملك المراغي أفضل علماء الشافعية فغلبه العلّامة، و اعترف المراغي بفضله كما عن تاريخ الحافظ (آبرو) من علماء السنّة و غيره الخ، ولأجل هذا السلطان صنف العلّامة كتابي كشف اليقين و منهاج الكرامة، و حكى هذه القصة صاحب مجالس المؤمنين عن تاريخ الحافظ (آبرو) وغیره، و آبرو لفظ فارسی ترجمته بالعربية (ماء الوجه) قال : حيث وقع في نفس اولجایتو محمّد خدا بنده اتباع مذهب الإماميّة أمر باحضار علمائهم، فلما حضر العلّامة وغيره من علماء هذه الطائفة تقرر أن يحضر من قبل علماء السنة الخواجه نظام الدّين عبد الملك المراغي الّذي هو أفضل علماء الشافعية بل أفضل علماء السنة مطلقاً فحضر وتناظر مع العلّامة في الامامة، فأثبت العلّامة مدعاه بالبراهين والأدلة القاطعة، وظهر ذلك للحاضرين بحيث لم يبق موضع للشّبك، فقال الخواجة نظام الدّين عبد الملك قوة هذه الأدلة في غاية الظهور أما ان السلف حيث سلكوا طريقاً والخلف لاجل الجام العوام ودفع تفرقة الاسلام اسيلوا السكوت عن زلل اولئك ومن المناسب عدم هتك ذلك الاستراه، قال صاحب المجالس : إن الحافظ آبرو نظراً لتعصبه لم يشأ أن يصرح بعجز الخواجه عبدالملك عن الجواب بل قال : وقعت مناظرات كثيرة بين الشّيخ جمال الدّين ومولانا نظام الدّين عبد الملك فاحترمه مولانا عبدالملك احتراماً عظيماً و بالغ في تعظيمه (انتهى كلامه).

ص: 61

ثمّ إن الملك الفاضل المؤيّد اولجایتو محمّد استدعى من حضرته تصنيف كتب في اصول الشيعة و فروعها، فصنّف باستدعائه نهج الحق و كشف الصّدق و منهاج الكرامة وغيرهما.

أعقابه :

خلف عدة أولاد ذكوراً و اناثاً أرباب الفضل و رباته، أشهرهم و أجلّهم الشّيخ الامام الهمام القدوة فخر الاسلام محمّد صاحب كتاب الايضاح في شرح القواعد المتوفى سنة ٧٧١.

من خدماته العلميّة :

ثمّ إنّه (قدّس سِرُّه) منّ على من بعده من المستفيدين بإقدامه على شرح كتب المتقدّمين والتعليقة عليها سيّما مصنفات أستاذه في العلوم العقليّة بحيث قال استاذه المذكور في حقه على ما في بعض المجاميع المخطوطة ما لفظه : لولم يكن هذا الشاب العربي، لكانت كتبي ومقالاتي في العلوم «كبخاتي» خراسان غير ممكنة من السلطة عليها «انتهى».

و ينقل عن شيخه و خاله المحقّق أنه وصفه بما يقرب من هذا بالنسبة إلى كتبه الفقهية والاصولية.

تبحره في بابي القضاء والفرائض :

رأيت بخط بعض العلماء الشّوافع في مجموعة : و قد أطرى في الثناء على المترجم و أنه فاق علماء الإسلام في عصره في بابي القضاء والفرائض، لم يرله مثيل، و نقل

ص: 62

عنه مسائل عويصة و معاضل مشكلة في هذين البابين

و مليحة شهدت لها ضراتها***و الفضل ما شهدت به الأعداء

نموذج من خطه الشريف

قد أخذناها من مكتبة العلّامة المرحوم صدر الأفاضل النصيري حشره اللّه مع مواليه ونشكر نجله الفاضل نصير الدّين النصيري على إرساله تلك الصورة، و كان خط المترجم على ظهر كتاب مراصد التدقيق و مقاصد التحقيق من تأليفه وقد قرأه عليه الشيخ شمس الدّين محمّد بن أبي طالب الآوى من تلاميذه والصورة هذه :

65jpg^

ص: 63

عبائر الاجازة

قرأ علىّ هذا الكتاب مراصد العالم الفقيه الفاضل الكبير العلّامة المحقّق الدّين ملك العلماء شمس الدّين محمّد بن أبي طالب الآوى أدام اللّه إفضاله وأعز إقباله قراءة بحث و إتقان و معرفة و إيقان، وسأل عن مباحثه الكلامية، وقد أجزت له رواية هذا الكتاب وغيره عنى فلير وذلك لمن شاء واحب. كتب العبد الفقير إلى اللّه تعالى حسن ابن يوسف بن المطهر الحلي مصنف الكتاب في رابع جمادى الأولى سنة عشر و. سبعماة بالسلطانية حماها اللّه تعالى، وصلى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين. «انتهى».

نموذج من شعره و نظمه

في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (ج 2 ص 71 ط حیدر آباد) نسب إليه ما هذا لفظه : ولما وصل إليه كتاب ابن تيمية في الرد عليه كتب أبياتاً أوّلها :

لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى***طراً لصرت صديق كلّ العالم

«انتهى ما في الدرر»

اقول : كتاب ابن تيمية هو منهاج السنّة.

وفي الروضات (ص 177 في باب الحاء) نقل بيتاً بعد ذلك البيت وهو هذا.

لكن جهلت فقلت إنّ جميع من***يهوى خلاف هويك ليس بعالم «انتهى»

و نقل في الرياض هذين البيتين عنه أيضاً : وقد رآهما في مجموعة ببلدة أردبيل

ليس (لستظ) في كلّ ساعة أنا محتا***ج و لا انت قادر أن تنيلا

فاغتنم حاجتي (خل عسرتي) ويسرك فاحرز***فرصة تسترق فيها الخليلا

أقول : قوله : فرصة تسترق الخ إشارة إلى كلمات مولينا أمير المؤمنين على (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 64

استعط من شئت تكن أسيره، استعن عمن شئت تكن نظيره، أحسن إلى من شئت تكن أميره.

وفي الروضات في تلك الصفحة أيضاً ما لفظه :

وله أيضاً على ما في الرياض ما كتبه إلى العلّامة الطوسي في صدر كتابه وأرسله إلى عسكر سلطان خدا بنده مسترخصاً للسفر إلى العراق من السلطانية :

محبتي تقتضي مقامي***و حالتي تقتضي الرحيلا

هذان خصمان لست أقضى***بينهما خوف أن أميلا

و لا يزالان في اختص_ام***حتّى نرى رأيك الجميلا

وصاياه التي حوت صنوف المكارم و الفضائل

منها ما أوصى به ولده فخر المحقّقين في آخر كتاب قواعد الأحكام (ص ٣٤٦ ط طهران)، وهذه صورتها :

اعلم يا بنىَّ أعانك اللّه على طاعته، و وفقك لفعل الخير وملازمته، وأرشدك إلى ما يحبه ويرضاه، وبلفك من الخير ما تأمله وتتمناه، وأسعدك في الدّارين، وحبك بكل ما تقر به العين، و مد لك في العمر السعيد و العيش الرعيد، و ختم أعمالك بالصالحات، ورزقك أسباب السعادات، وأفاض عليك من عظائم البركات، و وقاك اللّه كلّ محذور، ودفع عنك الشرور. إني قد لخصت لك في هذا الكتاب لب فتاوى الأحكام، وبينت لك فيه قواعد شرائع الاسلام بألفاظ مختصرة وعبارة محررة، و أوضحت لك فيه نهج الرشاد وطريق السداد، وذلك بعد أن بلغت من العمر الخمسين و دخلت في عشر الستين، و قد حكم سيّد البرايا بأنها مبده اعتراك المنايا فان حكم اللّه تعالى على فيها بأمره، وقضى فيها بقدره، وأنفذ ما حكم به على العباد، الحاضر منهم والباد،

ص: 65

فاني اوصيك كما افترض اللّه تعالى علىّ من الوصيّة، وأمرني به حين إدراك المنيّة بملازمة تقوى اللّه تعالى، فانها السنة القائمة، و الفريضة اللازمة، والجنة الواقية والعدّة الباقية، وأنفع ما أعدّه الانسان ليوم تشخص فيه الأبصار، ويعدم عنه الأنصار عليك باتباع أوامر اللّه تعالى، وفعل ما يرضيه، واجتناب ما يكرهه، والانزجار عن نواهيه، و قطع زمانك في تحصيل الكمالات النفسانية، وصرف أوقاتك في اقتناء الفضائل العلميّة، والارتقاء عن حضيض النقصان إلى ذروة الكمال، و الارتفاع إلى أوج العرفان عن مهبط الجهال، وبذل المعروف، ومساعدة الاخوان، ومقابلة المسيء بالإحسان، و المحسن بالامتنان، و إياك ومصاحبة الأرذال، ومعاشرة الجهال فانها تفيد خلقاً ذميماً، وملكة ردية، بل عليك بملازمة العلماء، ومجالسة الفضلاء فانها تفيداً استعداداً تام التحصيل الكمالات، وتشمر لك ملكة راسخة لاستنباط المجهولات وليكن يومك خيراً من أمسك، وعليك بالتوكل والصبر والرضاء، وحاسب نفسك في كلّ يوم وليلة، و أكثر من الاستغفار لربك، واتق دعاء المظلوم، خصوصاً اليتامى والعجائز، فان اللّه تعالى لا يسامح بكسر كسير، و عليك بصلاة الليل فان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حثّ عليها وندب إليها و قال : من ختم له بقيام الليل ثم مات فله الجنّة ؛ وعليك بصلة الرحم فانها تزيد في العمر، وعليك بحسن الخلق، فان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : إنكم لن تسعوا الناّس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم، و عليك بصلة الذرية العلوية، فان اللّه تعالى قد أكد الوصية فيهم، وجعل مودتهم أجر الرسالة والارشاد فقال تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، و قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): إني شافع يوم القيمة لأربعة أصناف ولوجاؤا بذنوب أهل الدّنيا، رجل نصر ذريتي، و رجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان و القلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا.

وقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذا كان يوم القيمة نادى مناد : أيها الخلائق أنصتوا فان عمداً

ص: 66

يكلمكم فينصت الخلائق، فيقوم النبي، فيقول : يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتّى الكافيه، فيقولون : بآبائنا وأمهاتنا و أى يد و أىّ منّة وأىّ معروف لنا، بل اليد والمنة والمعروف اللّه ولرسوله على جميع الخلائق، فيقول : بلى من آوى أحداً من أهل بيتي أو برّهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فلتقم حتّى اكافيه، فيقوم اناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند اللّه يا محمّد يا قد جعلت مكافاتهم إليك فاسكنهم من الجنة حيث شئت، فيسكنهم حبيبي في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات اللّه عليهم،

و عليك بتعظيم الفقهاء وتكريم العلماء، فان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : من أكرم فقيهاً مسلماً لقى اللّه تعالى يوم القيامة وهو عنه راض، ومن أهان فقيهاً مسلماً لقى اللّه تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان، وجعل النظر إلى وجه العلماء عبادة، والنظر إلى باب العالم عبادة، ومجالسة العلماء عبادة،

و عليك بكثرة الاجتهاد في ازدياد العلم والفقه في الدين، فان امير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لولده : تفقّه في الدّين فان الفقهاء ورثة الأنبياء، و أن طالب العلم يستغفر له من في السماوات و من في الأرض حتّى الطير في جو السماء والحوت في البحر و أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به، و ايّاك وكتمان العلم و منعه عن المستحقين لبذله، فان اللّه تعالى يقول : إن الّذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه الناّس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون و قال رسول اللّه :(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا ظهرت البدع في امّتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم،

و عليك بتلاوة الكتاب (القرآن خ ل (العزيز و التفكر في معانيه و امتثال أوامره ونواهيه، و تتبع الأخبار النبوية والآثار المحمّدية، والبحث عن معانيها واستقصا

ص: 67

النظر فيها، وقد وضعت لك كتباً متعددة في ذلك كلّه.

هذا ما يرجع إليك و أما ما يرجع إلى و يعود نفعه علىّ، فان تتعهدني بالترحم في بعض الأوقات، وأن تهدي على ثواب بعض الطاعات، و لا تقلل من ذكرى، فينسبك أهل الوفاء إلى الغدر، ولا تكثر من ذكري فينسبك أهل العزم إلى العجز، بل اذكرني في خلواتك وعقيب صلواتك، واقض ما على من الديون الواجبة، والتعهدات اللازمة، وزر قبري بقدر الامكان، و اقرء عليه شيئاً من القرآن، و كلّ كتاب صنفته وحكم اللّه تعالى بامره قبل إتمامه فأكمله و أصلح ما تجده من الخلل والنقصان و الخطأ و النسيان، هذه وصيتي إليك، و اللّه خليفتي عليك، و السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.

هذا مضافاً إلى ما نشاهد من وصاياه النافعة وكلماته الجامعة في ذيل الإجازات الشريفة لتلاميذه ومعاصريه، ومن رام الوقوف عليها والإستفادة منها فعليه بالمراجعة إلى تلك المظان، وبالجملة إنّه قده حسنة من حسنات الزمان علماً وعملاً، زهداً وعبادة، نظماً و نثراً، جمع اللّه فيه ضروب الفضائل وحلاه بصنوف الفواضل، فجدير لنا معاشر الشيعة أن نفختر به إلى يوم القيامة.

وداده للذرية العلوية وخلوصه في مودتهم :

كان معروفاً بالتفاني في حب السادة العلوية، والذرية الفاطمية، وله كلمات في هذا الباب أوردها في إجازاته الكثيرة الشهيرة.

منها قوله في أول الإجازة التي كتبها للسيد الأجل أبي الحسن عليّ بن زهرة الحلبي وغيره : فإن العبد الفقير إلى اللّه تعالى حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر غفر اللّه تعالى له ولوالديه و أصلح أمر داريه يقول : إنّ العقل والنقل متطابقان على أن كمال الإنسان هو بإمتثال الأوامر الإلهية والانقياد إلى التكاليف الشرعيّة، و قد حثّ

ص: 68

اللّه تعالى في كتابه العزيز الحميد الّذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، على مودة ذوي القربى وتعظيمهم والاحسان إليهم، و جعل مودتهم أجراً لرسالة سيّد البشر الخ.

منها قوله في إجازته للسيّد شمس الدّين السابق ذكره : و ممّا منّ اللّه علينا أن جعل بيننا الذرية العلوية تبتهج قلوبنا بالنظر إليهم، وتقر أعيننا برؤيتهم، حشرنا اللّه على ودادهم و محبّتهم، و جعلنا من الّذين أدّوا حق جدهم الأمين في ذريّته «الخ».

ومنها ما ذكره في إجازته لبعض تلاميذه و لم يصرح باسم المستجيز، وجدتها بخطه الشريف على ظهر كتاب الفقيه لشيخنا الصدوق (قدّس سِرُّه)، بقوله : وأوصيك بالوداد في حق ذرية البتول، فانهم شفعائنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأؤكد عليك بالتواضع في حقّهم، والاحسان و البر إليهم، سيما في حق الشيوخ والصغار منهم، و عليك بالتجنّب عما جعل اللّه لهم من الأموال وخصّهم بها كرامة لجدّهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). إلى غير ذلك من الكلمات الحاكية عن صفاء سريرته و حسن طويته في حق العترة الطاهرة، وكفى بها شرفاً وفخراً له.

مضافاً إلى ما اجتمعت في وجوده الشريف من الخصال الحميدة، والصّفات الملكوتية أكرم به من رجل حاز المكارم والعلى، وفاز بالقدح المعلى، و سبق على الأعاظم في مضامير الفضائل وميادين الكمالات، حشره اللّه مع ساداته الميامين الأئمّة البررة الكرام آمين.

هذا ما وسعه المجال واقتضته الحال من ذكر ترجمته الشّريفة، وهل هي إلّا قطرة من يم ذخار، وقاموس تفرق فيه السفن، ولو ساعدتنا السواعد الالهية والعنايات الربانية تؤلف كتاباً حافلاً وسفراً كافلاً في ترجمته وسيرته وفضائله، خدمة للدين فان الرجز كلّ الرجل كم له من خدمات للمذهب وإحياء معالم الشيعة و تجديد

ص: 69

دوارسها، حشره اللّه في زمرة المقربين ورزقنا شفاعته يوم الدّين ووفقنا لأداء يسير من حقوقه آمین آمین.

حياة السلطان المؤيد الجايتو محمّد الشهير بشاه خدا بنده

هو السلطان المؤيد الموفق المسدد غياث الدّين الجايتو محمّد المشتهر بخدا بنده ابن ارغون شاه بن أباقا خان بن هولاكو (هلاکو خ ل) خان بن تولوی (تولی خ ل) خان بن چنگیزخان، الملك المغولي الشهير، كان الجايتو من أعدل الملوك وأرأفهم وأبرّهم للمرعية، ذاشوكة ونجدة وعلو همة وحلم ووقار وسكينة وسلامة نفس وسخاء وكرم وسودد، وفقه اللّه للاستبصار، وانتقل إلى مذهب التشيع باختياره بعد ملاحظة أدلة الطرفين وكان استبصاره ببركة آية اللّه مولينا العلّامة الحلي. قال المورّخ الجليل معين الدّين النطنزي في كتابه منتخب التواريخ الّذي شرع في تأليفه سنة ٨١٦ وأتمه سنة ٨١٧، وطبع بطهران ١٣٣٦ ما ملخصه : إن السلطان عمد خدابنده الجايتو كان ذاصفات جليلة وخصال حميدة، لم يقترف طيلة عمره فجوراً و فسقاً، وكان أكثر معاشرته ومؤانسته مع الفقهاء والزهّاد والسّادة والأشراف، مصر بلدة سلطانية وبنى فيها تربة لنفسه ذات قبة سامية عجيبة، وعينها مدفناً له، وفقه اللّه لتأسيس صدقات جارية، منها : أنه بنى ألف دار من بقاع الخير والمستشفيات و دور الحديث و دور الضيافة ودور السيادة والمدارس والمساجد و الخانقاهات بحيث أراح الحاضر والمسافر، وكان زمانه من خير الأزمنة لأهل الفضل والتقى، ملك الممالك، وحكم عليها ستّة عشرة سنة، و كان من بلاد العجم إلى إسكندرية مصر، و إلى ماوراء النهر تحت سلطته، توفى سنة ٧١٧ أو ٧١٩ و دفن بمقبرته التي أعدها قبل موته في بلدة سلطانية إلى آخره.

وقال مولينا العلّامة السعيد القاضي الشهيد في المجالس ما محصّله : إن لفظة

ص: 70

(الجايتو) كلمة مغولية معناها بالفارسيّة (فرخنده)، وأن من آثار هذا السلطان بناء دار السيادة في اصفهان و کاشان و سیواس من بلاد الروم وفي مشهد امير المؤمنين و بالشام و ديار بكر وغيرها، وعين لهذه الأبنية عدة أوقاف، إلى أن قال : وراج حال أهل العلم والفضل في دولة هذا السلطان العادل بحيث رتب لهم مدرسة سيارة وكان ينتقل معه أين ما انتقل جماعة من العلماء و المدرسين والمشتغلين، كمولينا العلّامة الحلى و المولى بدر الدّين التسترى و المولى نظام الدّين عبد الملك المراغى والمولی برهان الدّين والخواجه رشيد الدّين والسيد ركن الدّين الموصلي والكاتبي القزويني و الكيشي وقطب الدّين الفارسي و غيرهم، توفى ليلة عيد الفطر سنة ٧١٦.

وفى كتاب تحفة الابرار (المخطوط في مكتبة العالم الفاضل السيّد مهدي اللازوردي القمي) للعلامة آقا محمّد جعفر الكرمانشاهي نقلاً عن حمد اللّه المستوفي أنه أنشد في تاريخ وفاته :

از هفتصد و شانزده چو ماه گذشت***از تاج و کلاه خسروی شاه گذشت

بگذشت و جهان بی وفا را بگذاشت***آگاه ز حال خویش ناگاه گذشت

و استقر بعده ابنه السلطان أبو سعيد بن شاه خدابنده، قال : وكان الجايتو من أفاضل الملوك، سريع الانتقال حاضر الجواب، و تحكى عنه في سرعة الذهن و حضوره غرائب و عجائب الخ.

كفي في جلالته وفضله ما ذكره مولينا العلّامة في حقه في ديباجة كتاب استقصاء النظر (ص ه ط نجف) من قوله : وقد منحه اللّه بالقوة القدسية، وخصه بالكمالات النفسانيّة والقريحة الوقادة و الفكرة الصحيحة النقادة، وفاق في ذلك على جميع الأمم، وزاد علماً وفضلا على فضلاء من تأخر وتقدّم، و ألهمه اللّه العدل في رعيّته والاحسان إلى العلماء من أهل مملكته، وإفاضة الخير والانعام على جميع الأنام،

ص: 71

إلى أن قال : لمّا أمرني بسطر الأدلة الدالة على أن للعبد اختياراً في أفعاله و أنه غير مجبر عليها، الخ.

و قال بعض أرباب التراجم ما لفظه : إن هذا الملك الجليل كان ذا فضل و أدب و شعر، وهو الّذي اختار لنفسه مذهب الإماميّة بعد التأمل والتعمل في دلائل فرق الاسلام وحجج المذاهب، وكان على هذه العقيدة الحقة إلى أن توفى.

أقول : والشاهد على ذلك كلمات الموثّقين من المورّخين و الدّراهم التي ضربت باسمه قبيل وفاته بأيّام قلائل.

ثم اعلم أنّ لهذا الملك الجليل عدة بنين و بنات أشهرهم ابنه السلطان أبوسعيد، وله ولاخوته عقب متسلسل وذرية مباركة، فيهم الفقهاء و الأمراء والشعراء وأرباب الفضل والحجى والورع والتقى، و قد ذكرت أسماء بعضهم في معاجم التراجم.

و لا يذهب عليك أنه بعد ما اختار التشيع لقب نفسه (بخدا بنده)، و بعض المتعصبين من العامّة كابن حجر العسقلاني غيروا ذاك اللقب الشريف إلى (خربنده)، و ذلك لحميتهم الجاهليّة الباردة، ومن الواضح لدى العقلاء أن صيانة قلم المورّخ وطهارة لسانه و عفة بيانه من البذاءة والفحش من الشرائط المهمة في قبول نقله و الاعتماد عليه و الركون إليه، و من العجب أن بعض المتأخرين من الخاصة تبع تعبير القوم عن هذا الملك الجليل ولم يتأمل أنه لقب تنابزوا به، و ما ذلك الالبغض آل الرسول الداء الدفين في قلوبهم، وتلك الأحقاد البدرية والحنينية وإلا فما ذنب هذا الملك ؟ بعد اعترافهم بجلالته وعدالته وشهامته ورقة قلبه، وحسن سياسته وتدبيره، و هاك صورة الدراهم التي ضربت باسمه في محيطها أسماء الأئمّة الطاهرين عليهم الصلاة و السلام، و في وسطها هذه الجمل (ضرب في أيّام دولة

ص: 72

75jpg^

السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم الجايتو سلطان غياث الدنيا والدین خدا بنده محمّد خلد اللّه ملكه.

هذا ما أهمّنا ذكره في هذا المقام من ترجمته، و تركنا الكثير منها روماً للاختصار و التفصيل يطلب من كتب التواريخ كروضة الصفا وحبيب السير وتاريخ المغول وتواريخ بلاد العجم وغيرها.

ص: 73

حياة الفضل بن روزبهان

اسمه وبعض الکلام في حقه

هو المولى فضل اللّه بن روزبهان بن فضل اللّه الخنجي الشيرازي الإصفهاني ثم القاساني كان من أعاظم علماء الشافعية في عصره، حكيماً عارفاً صوفياً محدثاً شاعراً أديباً، له تأليف وتصانيف أشهرها الرد على نهج الحق، فرغ من تصنيفه سنة ٩٠٩ في مدينة قاسان بماوراء النهر كما صرح به في آخر الكتاب وسماه باإبطال نهج الباطل.

مشایخه

الشيخ عميد الدّين الشيرازي، أخذ عنه العلوم العقليّة والنقليّة، والشيخ جمال الدّين الأردستاني، أخذ عنه العرفان والتصوف، وسار وسلك بإرشاده و لازمه حتّى توفى شيخه ببيت المقدس، و أخذ أيضاً عن بعض تلاميذ المحقّق الشريف الجرجاني وغيرهم.

قال الشّيخ شمس الدّين محمّد السخاوي المصري في كتابه الضوء اللامع (جزء ٦ ص 171 ط القاهرة) ما لفظه :

فضل اللّه بن روزبهان بن فضل اللّه الامين، أبو الخير بن القاضي باصبهان أمين الدّين الخنجي الأصل الشيرازي الشافعي الصوفي، ويعرف بخواجه ملا. لازم جماعة كعميد الدّين الشيرازي وتسلك بالجمال الأردستاني وتجرد معه، وتقدم في فنون من عربية ومعان وأصلين وغيرها، مع حسن سلوك و توجه و تقشف ولطف عشرة و انطراح وذوق وتقنع، قدم القاهرة فتوفيت أمه بها، وزار بيت المقدس والخليل، ومات شيخه الجمال ببيت المقدس فشهد دفنه، وسافر إلى المدينة المنورة النبوية فجاور بها أشهراً من سنة سبع وثمانين (887) ولقيني بها فسر بعد أن تكدرحين لم يجدني بالقاهرة، مع انه حسن له الإجتماع بالخيضري، فما انشرح به و قره على البخاري بالروضة وسمع دروساً في الاصطلاح واغتبط بذلك كله، و كان يبالغ في المدح بحيث عمل قصيدة يوم ختمه انشدت بحضرتنا في الروضة أوّلها:

ص: 74

روى النسيم حديث الأحباء***فصح ممّا روى أسقام أحشائي

وهي عندى بخطه الحسن مع ما قيل نظماً من غيره، وكذا عمل أخرى في ختم مسلم وقد قرأه على أبي عبداللّه محمّد بن أبي الفرج المراغي حينئذ أولها :

صححّت عنكم حديثاً في الهوى حسناً***أن ليس يعشق من لم يهجر الوسنا

وهي بخطه أيضاً في ترجمته من التاريخ الكبير، و كتبت له إجازة حافلة افتتحتها بقولي: أحمد اللّه ففضل اللّه لا يجحد، وأشكره فحق له أن يشكر ويحمد،، وأصلى على عبده المصطفى سيّدنا محمّد، ووصفته بما أثبته أيضاً في التاريخ المذكور، وقال لي: إنّه جمع مناقب شيخه الاردستاني، وأن مولده فيما بين الخمسين إلى الستين لقيني بمكّة في موسمها فحج ورجع إلى بلاده مبلغاً إن شاء اللّه سائر مقاصده و مراده. وبلغني في سنة سبع وتسعين أنه كان كاتباً في ديوان السلطان يعقوب لبلاغته وحسن إشارته. أقول : ومراده سنة ٨٩٧.

و قال في الروضات (ص ٥٠٠ الطبع الثاني بطهران) في باب الفاه ما لفظه :

فضل اللّه بن روزبهان بن فضل اللّه الخنجي الإصفهاني المعروف به (پاشا) كان من أعاظم علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع وأشعري الاصول، متعصباً لأهل مذهبه وطريقته، متصلباً فى عداوة أولياء اللّه وأحبته، له كتب و مصنفات ورسائل و مؤلفات منها كتاب المقاصد في علم الكلام و كتاب إبطال الباطل في نقض كشف الحق الّذي كتبه العلّامة في مخالفات أهل السنة والإماميّة في العقايد والأحكام، وهو الّذي ردّ عليه القاضي نور اللّه التستري الشهيد الموثق الموفق في كتابه الموسوم با حقاق الحق، وجعل الكلام فيه ثلاثة أرسام، أولها قال المصنف رفعه اللّه وثانيها قال الناصب خفضه اللّه وثالثها صورة ردّ. شكر اللّه و ثالثها صورة رد. شكر اللّه سعيه على ما ذكره الناصب المذكور وهو من أحسن الكتب المصنفة في الرد على علماء الجمهور.

قال السيّد نعمة اللّه الجزائرى في مقاماته عند انجرار كلامه إلى ذكر مقابح علماء أهل السنة ورؤسائهم، و من ذلك الناصبي المتأخر قاضي الحرمين الّذي يزعم أنّ

ص: 75

جدّه من الأم السيّد الشريف المشهور من الأب الفضل بن روزبهان المشهور وهو الّذي ردّ على العلّامة كتابه كشف الحق ونهج الصدق بأقبح رد، وسلط اللّه عليه الإمام المتبحر السيّد نور اللّه الشوشتري تغمده اللّه برحمته، فرد كلامه بكتاب إحقاق الحق، ما رأيت أحسن من هذا الكتاب لأن كلّ ما ذكر فيه من الرد على ذلك الناصبي من كتبهم وأحاديثهم. وكانت له بنت، فلما بلغت مبلغ النساء خطبها منه شرفاء مكة وعلماء الحرمين فقال بنتي هذا لاكفولها، لأن سلطان العجم وإن كان علوياً (أي السلطان الشاه إسماعيل الصفوي) إلّا انه من الرفضة، وسلطان الروم وإن كان من أهل السنة إلّا انه ليس بعلوى إلى آخرها قال.

أقول : لا يخفى أن ابن روزبهان شافعي الفروع وليس بحنفي، كما صرح به شيخ إجازته شمس الدّين السخاوي، وانا لم نقف على من ذكر له كتاباً في الكلام باسم المقاصد واحله سقطت كلمة (شرح) قبل المقاصد، ويقال : إن له شرحاً على مقاصد التفتازاني، و أن أصله من خنج من أكوار شيراز وسيأتي بيانه لا خنج من أكوار أردستان، و إنّ من تأليفاته تعليقة على الاحياء للغزالي و اخرى على الكشاف، و على شرح المواقف وعلى شرح الطوالع وعلى تفسير القاضي وعلى المحاكمات و على غيرها ، ومن آثاره شرح على المقاصد في الكلام وكتاب في الاجازات و كتاب في ترجمة شيخه الاردستاني و سيرته، صرح به نفسه على ما نقل السخاوي و غيرها.

تلامیذ ابن روزبهان

منهم ابن أخيه محمّد بن عبداللّه بن روزبهان بن الفضل، قرء عليه الصحاح والعلوم العقليّة، وروى عنه بالاجازة، رأيتها بطهران في مكتبة المرحوم بان الملك الاشتياني وغيره.

و ينبغي التنبيه على امور

منها ان الخنجي نسبة إلى (خنج) بضم الخاء المعجمة ثمّ النون ثمّ الجيم، وهي

ص: 76

من أكوار فارس لا إلى خنج من أعمال أردستان كما اسلفنا، و خنج فارس معرب (خنك) على ما ذكره الشريف الجليل المؤرخ الميرزا حسن (مهذب الدولة) الفسائي الشيرازي حفيد مولينا فخر الشيعة الإماميّة السيّد على خان شارح الصحيفة في كتابه فارسنامه في (ج 2 ص 197 ط تهران) و قال ما ترجمته ملخصاً : إن خنج من مشاتي فارس واقعة في جنوب شيراز طولها من قرية (بغرد) بضم الباء الموحدة إلى قرية (كورده) خمسة عشر فراسخ، وعرضها من قرية (تنكباد) إلى قرية (چاه مینا (تسعة فراسخ محدودة من جانب الشرق بكورة (لار) و كورة (بيد شهر) ومن الشمال إلى ييد شهر أيضاً إلى قرية (حكيم أفضل) و من أشهر قراء خنج، امین آباد، بغرد، بیخو، چاه طوس، شهرستان، جهلة، وغيرها.

و قال فيه ما ترجمته : إنّه قد خرج من خنج جماعة من الأفاضل في الفنون العقليّة والنقلية.

منهم الحكيم أفضل الدّين محمّد بن تامار بن عبدالملك الخنجي المتوفى في حدود سنة ٥٠٠، وقد شرح قانون الشّيخ فى الطب بشرح كان مورد الافادة والاستفادة بين العلماء في الطب اليوناني.

ومنهم القاضي زين الدّين عليّ بن روزبهان الخنجي المتوفى سنة ٧٠٧ بشيراز، ودفن في مدرسة شاهي، له كتاب المعتبر في شرح مختصر الأصول لابن الحاجب، أورده صاحب كتاب مزارات شيراز المسمى بحط الرحال و شدّ الإزار لزوّار المزار فليراجع.

ومنهم الشيخ أويس بن عبد اللّه الخنجي المتوفى سنة ٧٩٠ بشيراز أورده في مزارات شيراز الخ.

ومنهم الشّيخ روزبهان القاضي والد الفضل بن روزبهان الناصب الّذي تنقل كلماته في هذا الكتاب كثيراً.

ص: 77

ومنهم عمّه الشّيخ حمد محيي الدّين الّذي يروي عنه ابن أخيه الفضل المذكور وغيرهم. قال مهذب الدولة في فارسنامه (ص 197 ج 2) ما ترجمته : إن أهل خنج سنيون وكانوا من المعاضدين لجيش الأفغان في تخريب بلدة شيراز، فلما استولى السلطان نادرشاه أخذهم بالنكال وخرب دورهم وقتل رجالهم، و كانت معمورة ذات مساجد وحمامات و بساتين و طواحن، و هي باقية إلى الآن على تلك الحالة الخربة الخ فليراجع.

ومنها كلمة روزبهان تنطق بها بفتح الباء الموحدة و هو من الأغاليط والصحيح كسرها.

ومنها أن لابن روزبهان عقب بمصر، ولار، و الهند، و ماوراء النهر توجد تراجم بعضهم في الكتب المؤلفة لأعيان القرن الحادي عشر والثاني عشر.

ومنها أنّه يظهر من الروضات أن الشريف الجرجاني جد المترجم من قبل أمّه.

ومنها قد يعبر عن الفضل بن روزبهان بالقاساني فهو نسبة إلى قاسان من بلاد ماوراء النهر، لا قاسان معرب کاشان من بلاد العجم فلا تغفل. ومنها تظهر من كلمات المترجمين له : أنه تصدی منصب القضاء بشیراز و اصفهان و مصر و الحرمين و ماوراء النهر وغيرها.

ومنها أنّ سلسلة تصوّفه تنتهي إلى النقشبنديّة بواسطة شيخه جمال الدّين الأردستاني.

ومنها أن مدفنه قاسان في ماوراء النهر، نصّ على ذلك في الإحقاق في مسئلة اختيارية أفعال العباد، حيث قال في آخر كلامه ما لفظه : الحمد للّه الّذي فضح الناصب، و رفع، و رفع عنه الأمان، و أوضح سوء عاقبته على أهل الإيمان، حيث طرده من ايران وأماته في النيران أعني مظهر القهر من بلاد ما وراء النهر. وقال في موضع آخر واغترب إلى بخارا بل هرب، وهناك نجمه الشيوم قد غرب، وأن وفاته بعد

ص: 78

ظهور دولة السلطان المؤيد شاه إسماعيل و استيلائه على بلاد العجم، و ذلك بعد أن فر هارباً من اصفهان كما يؤمي إليه في مبتداء كلماته في الكتاب، وكذا تصريح القاضي به فراجع.

ومنها قد علم من كلمات السخاوي والروضات أن الرجل كان له لقبان (خواجه ملاً - پاشا).

مما يؤسف عليه :

أنّ هذا الرّجل ترك سلوك الأدب في التصنيف والتأليف، واتخذ بدله بذاءة اللسان، وخشونة الكلام، ورطانة العوام، والتكلم بما لا يعنى، والتفوه بما يوجد سخط الرب، ولوم العقلاء، وتقبيح العقل، عصمنا اللّه منها بجاه نبيّه وجعلنا ممّن يراعي الإنصاف و يتجنب عن الاعتساف في مضمار البحث والخوض في المطالب العلميّة. آمين آمين.

شعره ونظمه :

وله شعر كثير، فمنه قوله في مديح أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).

ثم المعاطس من أولاد فاطمة***علوا رواسي طود العزّ والشرف

فاقوا العرانين في نشر الندى كرماً***يسمح كف خلا من هجنة السرف

الى آخر ما يأتي في ص 28 من الكتاب فراجع.

ومن شعره في مديح الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) على ما صرح به في كتاب الرد على نهج الحق في أوائل المطالب الثاني في بيان فضيلة الزهراء و أولادها (عَلَيهِم السَّلَامُ) قوله :

سلام على المصطفى المجتبى***سلام على السيّد المرتضى

سلام على ستنا فاطمة***من إختارها اللّه خير النساء

ص: 79

سلام من المسك أنفاسه***على المسن الألمعي الرضا

سلام على الأوزعي الحسين***شهیدئوی (رمی خل) جسمه کربلا

سلام على سيّد العابدين***علي بن الحسين الزكي المجتبى

سلام على الباقر المهتدى***سلام علي الصادق المقتدى

سلام على الكاظم الممتحن***رضي السجايا إمام التقى

سلام على الثامن المؤتمن***على الرضا سيّد الأصفيا

سلام على المشقي التقى***محمّد الطيب المرتجى

سلام على الأريحي النقي***على المكرم هادي الورى

سلام على السيّد العسكري***إمام يجهز جيش الصفا

سلام على القائم المنتظر***أبي القاسم العرم نور الهدى

سيطلع كالشمس في غاسق***ينحيه (ينجيه خل) من سيفه المنتضى

ترى يملاء الأرض من عدله***كما ملئت جور أهل الهوى

سلام علیه و آبائه***وأنصاره ما تدوم (تدور خل) السّما

ولمولانا القاضي الشهيد مقالة في حق هذه الأبيات وأنها كيف صدرت من هذا الرجل مع نصبه وبغضه.

و من شعره في حق مولينا العلّامة في باب المطاعن في آخر المطلب الثالث و قد أساء الأدب بالنسبة إلى قدسي ساحته الشريفة قوله :

أجبنا عن مطاعن رافضي***على الأحلاف (الأخلاف خل) والأصحاب طاعن

فيلعنه الزكي إذا رآه***فصيّرنا مطاعنه ملاعن

وقد أجاب عنه نظماً القاضي الشهيد (قدّس سِرُّه)

ومن شعره على ما في الإحقاق في باب المطاعن قوله :

ص: 80

من يكن تاركا ولاء علياً***كيف بين الأنام يذكر سباً

لست أدعوه مؤمناً وزكياً***للذي كان للنبي وصياً

ليس قولي لفاعل السب إلا***لعن اللّه من يسبّ عليّاً

والعجب منه يا من من سب علياً ويلتزم بزعامة من سبه و خلافته على المسلمين ! و من شعره قوله :

لعصابة تركوا الجماعة والأموا***في الاعتزال لهم نفوس بالهة

في خلق أعمال الورى قد أشركوا***مثل المجوس تفوهوا بالآلهة

وقد أجاب عنه القاضي الشهيد «قده، نظماً بما سيأتي.

و من شعره قوله في الرد على من ذهب إلى الحسن والقبح العقليين

يا من يقول لدى تقرير مذهبه***بالحسن و القبح موجودين بالعقل

فالعقل يحكم أن الحسن مفقود***والقبح فيك الموجود من الجهل

وأجاب عنه القاضي نظماً بما سيأتي.

و من شعره قوله :

تمجس رافضي ذو اعتزال***بخلق الفعل بين المسلمينا

فواعجباً من التمجيس منهم***مجوسي يمجس مؤمنينا

و من شعره قوله في حق مولينا العلّامة :

لقد طولت و التطويل حشو***وفي ما قلته نفع قليل

وقالوا الحشو لا التطويل لكن***كلامك كله حشو طويل

وأجاب عنه القاضي الشهيد (قدّس سِرُّه)، نظماً بأحسن جواب.

و من شعره قوله في حق مولينا العلّامة :

اذا ما رأى طيباً في الكلام***بقاذورة الكذب قد دلسه

يخلط بالطهر أنجاسه ***فإبن المطهّر ما أنجسه

ص: 81

و قد أجاب عنه القاضي نظماً بخير جواب سيأتي نقله:

و من شعره قوله في الرد على المعتزلة

ظهر الحق من الأشعر والنور جلي***طلع الشمس ولكن عمي المعتزلي

و أجابه القاضي (قدّس سِرُّه)، نظماً بما سيأتي.

و من شعره قوله في قصيدة أنشأها يوم ختم قراءة صحيح البخاري على السخاوي المصري :

روى النسيم حديث الأحّباء***فصح ممّا روى أسقام أحشائي - الخ

ومنه قوله في قصيدة عملها في ختم قراءة صحيح مسلم :

صحّحت عنكم حديثا في الهوى حسنا***أن ليس يعشق من لم يهجر الوسنا - الخ

وقد مرّ نقله من السخاوي.

حياة مولينا القاضي (الشهيد)

إشارة:

هو الامام المؤيد المسدد المتبحر التحرير خريت المناظرة و الكلام، بحّاثة آل الرسول، الطائر الصيّت اللسن المنطيق، سيف الشيعة ورمحها الرديني العضب المسلول، المحدث الفقيه الأصولي المتكلم النّظار الأديب الشاعر الزاهد مولينا السيّد نور اللّه ضياء الدّين أبو المجد المشتهر بالامیر سید علی مافی رياض العلماء نقلا عن شرحه لدعاء الصباح والمساء لامير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن العلّامة محمّد شريف الحسينى المرعشى التسترى الشهيد حشره اللّه مع سيّد الشهداء و إمام السعداء في أعلى عليين.

ميلاده الشريف :

ولد في بلدة تستر من خوزستان سنة ٩٥٦ وبها نشأ وتربى.

اُمّه :

الشّريفة الجليلة فاطمة المرعشية بنت عمه كما في المشجرة المرعشية.

ص: 82

والده :

العلّامة الحبر الجليل في العلوم السمعية والعقليّة السيّد شريف الدين، كان من تلاميذ الشّيخ الفقيه إبراهيم بن سليمان القطيفي، و نقل مولينا العلّامة المجلسي صورة اجازة شيخه في حقّه، و تاريخ اختتامها ٩٤٤ و ذلك بعد قرائته كتاب الارشاد في الفقه عليه، و وصفه في تلك الاجازة بكل جميل و أطرى في الثناء عليه و تبجيله «انتهى»، ولهذا السيّد تآليف وتصانيف، منها رسالة حفظ الصحة في الطب رسالة في إثبات الواجب تعالى رسالة في شرح الخطبة الشقشقية، رسالة في الإنشاءات و المكاتيب، رسالة في علم البحث والمناظرة، رسالة في مناظرة الورد الأحمر مع النرجس، تعليقة على شرح التجريد.

وقال في الرياض في ترجمة صاحب الاحقاق ما لفظه: و قد كان أبوه أيضاً من أكابر العلماء، و قد ينقل عن بعض مؤلفاته ولده هذا في بعض تصانيفه، و كان معاصراً لأميرزا مخدوم الشريفي صاحب نواقض الروافض وكان شاعراً و من شعره على ما نسبه إليه نجله القاضي الشهيد قوله:

خواهی که شود خصم تو عاجز ز سخن***می بند بکار قول پیران کهن

خصم از سخن تو چون نگردد ملزم***او را بسخن های خودش ملزم کن

ومن شعره قوله :

گر خون تو ریخت خصم بد گوهر تو***شد خون تو سرخ روئی محشر تو

سوزد دل از آنکه کشته گشتی و چو شمع***جز دشمن تو کس نبود بر سر تو

قال في المشجرة المرعشية : إنّه توفى بتستر وقبر بها في مقبرة جده السيّد نجم الدّين محمود المرعشى صاحب المزار المشهور في تستر

نسبه الشريف :

هو السيّد المؤيّد الشهيد ضياء الدّين القاضي نور اللّه، بن شريف الدِّين، بن ضياء

(AP)

ص: 83

الدّین نوراللّه، بن محمّد شاه، بن مبارز الدین مانده، بن الحسين جمال الدّين، بن نجم الدّين أبي علي محمود، المهاجر من طبرستان إلى تستر، و هو ابن أحمد بن تاج الدّين الحسين بن أبي المفاخر محمّد بن علي أبي الحسن، بن أبي علي أحمد، ابن أبي طالب، بن أبي إسماعيل إبراهيم بن أبي الحسين يحيى، بن أبي عبداللّه الحسين بن أبي على عمد، بن أبي علي حمزة بن علي المامطري القاضي بن أبي القاسم حمزة، بن أبي الحسن علي المرعشي الّذي إليه ينتهى نسب كلّ مرعشي في العالم، و به اشتهروا؛ وهو ابن عبد اللّه أبي جعفر أمير العراقين (امير العافين خ ل) كما في تذكرة العبيدلي، وهو ابن محمّد السليق أبي الكرام يعرف بالمحدث الخطيب، ابن الحسن المحدث أبي محمّد الحكيم بن أبي عبد اللّه الحسين الأصغر، بن الإمام علي زين العابدين وسيد الساجدين سلام اللّه عليه.

اولئك آبائي فجئني بمثلهم***إذا جمعتنا يا جرير المجامع

نسب تضائلت المناسب دونه***والبدر من فخره في بهجة وضياء

تحصيله العلوم والفضائل

قال والدي العلّامة (قدّس سِرُّه) في المشجرة ما محصله : إن المترجم أخذ العلوم الآلية ببلدة تستر عن أفاضلها، و منهم والده المكرّم السيّد شريف الدين، ثم شرع في قراءة الكتب الأربعة، وكتب الفقه وأصوله و الكلام عليه أيضاً، ثم انتقل في سنة ٩٧٩ إلى مشهد الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فألقى عصا السّير به وحضر في درس العلّامة المحقّق المولى عبد الواحد التستري، و كان من مشاهير أهل الفضل بتلك البلدة المقدسة وغيره من الفطاحل، ثم انتقل سنة 993 إلى الديار الهندية فانسلك في سلك المقربين من السلطان (اكبر شاه)، و رقى أمره وحسن حاله جاهاً ومالاً ومنالاً، فنصبه الملك المذكور للقضاء والافتاء.

ص: 84

كلمات العلماء في حقه

قال علامة التاريخ وراوية السير و الرجال والتراجم مولانا الميرزا عبداللّه أفندي في المجلد الخامس من رياض العلماء في حق المترجم ما محصله : إنّه صاحب التصانيف الكثيرة الجيدة والتأليف العزيزة (الغريزة خ ل) الحسنة المفيدة، و هو (قدّس سِرُّه) فاضل عالم دین صالح علامة فقيه محدث بصير بالسير والتواريخ جامع الفضائل ناقد في كلّ العلوم، شاعر منشي مجيد في قدره، مجيد في شعره، وله يدفي النظم بالفارسيّة، وله أشعار و قصائد في مدح الأئمّة، وله ديوان شعر وكان من عظماء دولة السلاطين الصفوية، إلى أن قال: وله في جميع العلوم سيما في مسئلة الامامة تصانيف جيدة، وقد صدع بالحق الصريح والصدق الفصيح، تقريراً وتحريراً، نظماً ونثراً، و جاهد في إعلاء كلمة اللّه و باهر () ظاهر خ ل) بامامة عترة رسول اللّه، حتّى أن استشهد جوراً في بلدة لاهور من بلاد هند، وهو أول من أظهر التشيع في بلاد الهند من العلماء علانية إلى آخر ما قال. ثم شرع في تعداد مصنفاته

و قال مولينا العلّامة صاحب الوسائل في أمل الآمل (ص ٥١٢ الملحق في الطبع برجال الاستر آبادي) في حق المترجم ما لفظه :

فاضل عالم علامة محدث، له كتب منها إحقاق الحق الخ. و قال في الروضات (ص 731 ط الثاني) نقلا عن صاحب صحيفة الصفا ما لفظه : كان محدثاً متكلماً محققاً فاضلاً نبيلاً علامة، له كتب في نصرة المذهب ورد المخالفين. و قال أيضاً (ص ٥٠١) نقلاً عن السيّد الجزائري في كتاب المقامات و سلط اللّه علیه (ای ابن روزبهان) الامام المتبحّر السيّد نور اللّه الشوشترى تغمده اللّه برحمته، فردّ كلامه بكتاب سماء إحقاق الحق مارأيت أحسن منه في موضوعه، الخ.

و قال في كتاب شهداء الفضيلة (ص 71 ط نجف) في حقه : كعبة الدّين ومناره، ولجة العلم وتياره، بلج المذهب السافر، وسيفه الشاهر، و بنده الخافق، و لسانه

ص: 85

الناطق، أحد من قيظه المولى للدعوة إليه، والأخذ بناصر الهدى، فلم يبرح باذلاً كله في سبيل ما اختاره له ربه، حتّى قضى شهيداً، و بعين اللّه ماهريق من دمه الطاهر، هبط البلاد الهندية فنشر فيها الدعوة وأقام حدود اللّه و جلى ما هنالك من حلك جهل دامس، ببلج علمه الزاهر، و لعله أول داعية فيها إلى التشيع والولاء الخالص، تجد الثناء عليه متواتراً في أمل الآمل، ورياض العلماء، و روضات الجنات والاجازة الكبيرة لحفيد السيّد الجزائري، ونجوم السماء، والمستدرك، و الحصوم المنيعة، وغيرها من المعاجم.

وقال العلّامة السيّد إعجاز حسين أخو صاحب العبقات في كتاب كشف الحجب (ص 27 ط کلکته) بعد ذكر اسمه و الثناء عليه ما لفظه :

أقول : لما تشرفت بزيارة قبره الشريف في بلدة (آگره) شهر صفر سنة إحدى و سبعين و مأتين و ألف، رأيت مكتوباً على قبره أعلى اللّه مقامه أنه قتل شهيداً في عهد (جهانگير) في سنة تسع عشر بعد الألف، صنف كتاب الاحقاق في مدة بسيرة و أيّام قليلة، لا يكاد أحمد أن ينسخه فيها فضلاً عن أن يصنفه قال المولوى رحمن علي صاحب الهندى، في كتاب تذكرة علماء الهند (ص ٢٤٥ ط لكهنو) ما هذا لفظه : قاضي نور اللّه شوشتري شيعي مذهب بصفت عدالت و نيك نفسى وحيا و تقوی و حلم و عفاف موصوف، وبعلم وجودت فهم و و حدت طبع وصفای قریحه معروف بود، صاحب تصانیف لائقه، از آنجمله کتاب مجالس المؤمنين است، توقیعی بر تفسیر مهمل شیخ فیضی نوشته است که از حیز تعریف و توصیف بیرون است، طبع نظمی داشت، بوسیلۀ حكيم أبوالفتح بملازمت أكبر پادشاه پیوست، شیخ معین قاضی لاهور که بوجه ضعف پیرانه سالی معزول شده بجایش قاضی نور اللّه بعهده قضای لاهور از حضور أكبرى منصوب گردید، و انصرام آن عهده بدیانت وامانت کرده درسن (اى سنة) هزار و نوزده هجری وفات یافت. «انتهی»

ص: 86

و قال المولى نظام الدّين أحمد بن محمّد مقيم الهروي في تاريخه الموسوم (بطبقات أكبرى ص 392 المطبوع في مطبعة نول كشور) ما لفظه :

قاضی نور اللّه اثنی عشری شوشتری امروز بقضاء لاهور مشغول است و بدیانت وامانت وفضائل و كمالات اتصاف دارد.

وذكره محمّد عبدالغني خان في كتاب تذكرة الشعراء (ص 139 ط علی گره ط)

وقال العلّامة السيّد عبد الحي بن فخر الدّين الحسيني في الجزء الخامس من كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر (ص ٤٢٥ ط حیدر آباد) ما لفظه : السيّد الشريف نور اللّه بن شريف بن نور اللّه الحسيني المرعشي التستري المشهور عند الشيعة بالشهيد الثالث، ولد سنة ست وخمسين وتسعمأة بمدينة تستر ونشأ بها، ثم سافر إلى المشهد وقره العلم على أساتذة ذلك المقام، ثم قدم الهند و تقرب إلى أبي الفتح ابن عبدالرزاق الكيلاني، فشفع له عند أكبر شاه، فولاه القضاء بمدينة لاهور، فاستقل إلى أيّام جهانكير، وكان يخفي مذهبه عن الناّس تقية ويقضي على مذهبه مظهرا أنه يقضي على المذاهب الأربعة عند ما يظهر له الدليل، و كان يصنف الكتب في المذهب، ويشنع على الأشاعرة تشنيعا بالغاً، كما فعل في إحقاق الحق ومجالس المؤمنين، وكان يخفي مصنفاته عن الناّس ويبالغ في الإخفاء حتّى وصل مجالس المؤمنين إلى بعض العلماء فعرضه على جهانگير إلى آخر ما قال، وفي الختام ذكر بعض مصنفاته وسنة وفاته وشهادته ومدفنه بآكرة «انتهى».

وقال النواب الفاضل السيّد علي حسن خان البهويالي في كتابه (صبح گلشن) (ص ٥٥٩ ط شاهجهاني الكائنة في بلدة بهوپال) ما لفظه :

نوری قاضی نوراللّه از سادات شوشتر وعلماء نامور فرقة إثنى عشريه بود و در عهد اکبر پادشاه بهندوستان رسید و از حضور شاهي بعهده قضاء دار الحكومة لاهور مأمور گردید وبتأليف مجالس المؤمنين و إحقاق الحق پرداخت الى آخر ما قال.

ص: 87

وقال في (كشف الحجب ص 2) حول كتاب إبداء الحق في جواب الصواعق المحرقة و أنه ليس من تصانيف القاضي الشهيد ما لفظه : وأيضاً لا يضاهي بيان هذا الكتاب بيان هذا العلّامة التحرير ولا اسلوبه البالغ إلى أقصى المراتب في البلاغة وجودة التقرير، فلعله لابنه أو لبعض تلاميذه.

مشایخه

أخذ عن عدّة من أعيان العلماء. منهم والده العلّامة السيّد محمّد شريف الدّين، وقد مرت ترجمته الشريفة، أخذ عنه العلوم الآتية والفقه والحديث والتفسير والكلام والرياضيات وغيرها.

ومنهم المولي عبدالواحد بن علي التستري نزيل مشهد الرضا و كان عمدة تلمذه لديه، و أكثر قرائته عليه، أخذ عنه الفقه و أصوله والكلام والحديث والتفسير وغيرها.

ومنهم المولى محمّد الأديب القاري التستري، قره عليه العلوم الأدبية و تجويد القران الشريف.

ومنهم المولى عبدالرشيد التستري ابن الخواجه نور الدّين الطبيب صاحب كتاب مجالس الإماميّة في الاعتقاديات المتخذة من الكتاب والسنة، و عندنا منه نسخة، وعلى ظهرها أن المؤلف من مشائخ صاحب مجالس المؤمنين و مجيزه في الرواية.

و في بعض المجاميع أنه كان من تلاميذ المترجم.

و يمكن ان يكون كلّ منهما استاذاً لصاحبه في بعض العلوم واللّه أعلم و يظهر من الرياض أن المترجم أخذ عن المولى عبد الوحيد التستري، و يظن اتحاده مع المولى عبد الواحد المذكور فتأمّل.

تلاميذه ومن يروى عنه :

العلّامة السيّد شريف ابن صاحب الترجمة، وكان من أفاضل عصره، أخذ عن

ص: 88

والده وعن المولى عبداللّه التستري و عن شيخنا البهائي، وله حاشية على تفسير البيضاوي توفى سنة 1020.

و منهم العلّامة السيّد محمّد يوسف ابن صاحب الترجمه.

ومنهم العلّامة الشّيخ محمّد الهروي الخراساني على ما في المشجرة المرعشية الكبيرة.

ومنهم المولى محمّد على الكشميري الأصل الرضوي المسكن رأيت إجازة من القاضي الشهيد في حقه صرح فيها بكونه من تلاميذه.

ومنهم السيّد جمال الدّين عبداللّه المشهدي المجاز من القاضي بشراكة الكشميرى المذكور وغيرهم.

ومنهم على ما ذكره بعض السيّد علاء الملك ابن صاحب الترجمة.

مصنفاته و مؤلفاته :

و هذا السيّد الجليل ممّن وفقه اللّه تعالى بكثرة التأليف و التصنيف المشفوعة بجودة التحرير وسلاسة التعبير والتقرير، جزلة العبارة، لطيفة الاشارة، مليحة البيان، الآخذة بمجامع القلوب منيرة الأبصار، جاذبة الأفئدة، وقد سرد أسمائها العلّامة التحرير راوية التراجم والسير مولينا الميرزا عبداللّه الأفندي وصاحب المشجرة المرعشية والعلّامة والدي المبرور السيّد شمس الدّين محمود الحسيني المرعشي المتوفی 1338 في كتابه مشجرات العلويين (مخطوط) ونحن نقلنا هذه الكتب عن الثلاث و أضفنا إليها ما وقفنا عليه من تأليفه التي لم تذكر في تلك الزبر وسر دنا الأسماء التي وقفنا عليها، و أنا على يقين من أنه قد بقيت عدة من تأليفه لم نقف عليها ولا على أسمائها في معاجم التراجم، فإن هذا المولى الشهيد مجيد مجيد في فن التحرير، مكثر معدود في طبقة المكثرين المحقّقين، ومن محاسنه حسن خطه و جودته بحيث يعد من الخطاطين، و من محاسنه أيضاً صحية كتاباته وخلوّها من

ص: 89

الغلط والتحريف و دقته في تصحيحه كما هو غير خفي على من وقف ونظر إلى تلك الآثار، وهاهي أسماء الكتب :

١ - إحقاق الحق وقد طبع ثلاث مرّات.

2- أجوبة مسائل السيّد حسن الغزنوي

3- إلزام النواصب في الرد على الميرزا مخدوم الشريفي وقد ترجمه الأستاذ العلّامة الاية الميرزا محمّد علي الجهاردهي وطبعت باهتمام حفيده الفاضل المعاصر الميرزا مرتضى المدرسي.

٤- إلقام الحجر في الرد على ابن الحجر

5 - بحر الغدير في إثبات تواتر حديث الغدير سنداً ونصيّته دلالة.

٦ - البحر الغزير في تقدير الماء الكثير تصدى فيه لتحقيق مقدار الكر بالوزن والمساحة.

٧- تفسير القرآن في مجلدات وهو عجيب في بابه.

8 - كتاب في تفسير آية الرؤيا.

٩- تحفة العقول

١٠- حل العقول.

١١۔ حاشية على شرح الكافية للجامي في النحو.

١٢- حاشية على حاشية الجلبي على شرح التجريد للاصفهاني

13 - حاشية على المطول للتفتازاني.

١٤- حاشية على رجال الكشي حوت فوائد غزيرة في الرجال.

١٥- حاشية على تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي لم يتمها.

١٦- حاشية على كنز العرفان للفاضل المقداد في آيات الأحكام.

17- حاشية على حاشية تهذيب المنطق للدواني.

18 - حاشية على مبحث عذاب القبر من شرح قواعد العقايد

ص: 90

١٩ - حاشية على شرح المواقف في الكلام.

20- حاشية على رسالة الأجوبة الفاخرة.

21 - حاشية على شرح تهذيب الأصول.

22- حاشية على مبحث الجواهر من شرح التجريد للعلامة.

٢٣- حاشية على تفسير البيضاوي.

٢٤- حاشية على إلهيات شرح التجريد.

٢٥ حاشية على الحاشية القديمة.

٢٦ - حاشية على حاشية الخطائي في علوم البلاغة.

٢٧ - حاشية أخرى على تفسير البيضاوي.

28- حاشية على شرح الهداية في الحكمة

29 - حاشية على شرح الشمسية لقطب الدّين في المنطق.

30 - حاشية على قواعد العلّامة في الفقه

31- حاشية على التهذيب لشيخ الطائفة (قدّس سِرُّه).

32- حاشية على خطبة الشرايع للمحقق الحلى.

٣٣- حاشية على الهداية في الفقه الحنفي.

٣٤- حاشية على شرح الوقاية في الفقه الحنفي.

٣٥ حاشية على شرح رسالة آداب المطالعة.

٣٦- حاشية على شرح تلخيص المفتاح المعروف بالمختصر.

٣٧- حاشية على شرح الجغميني في الهيئة.

38- حاشية على المختلف للعلامة فى الفتق.

٣٩- حاشية على إثبات الواجب الجديد للدّواني.

٤٠ - حاشية على تحرير اقليدس في الهندسة.

ص: 91

٤١ - حاشية على خلاصة العلّامة في الرجال.

٤٢ - حاشية على خلاصة الحساب للبهائي.

٤٣ - حاشية على مبحث الأعراض من شرح التجريد.

٤٤ - حاشية على رسالة البدخشي في الكلام.

٤٥ - حاشية على حاشية شرح التجريد.

٤٦- حاشية على باب شهادات قواعد العلّامة.

٤٧ - حاشية على شرح العضدي في الأصول.

٤٨- حاشية على شرح الاشارات للمحقق الطوسي في الحكمة.

٤٩- دلائل الشيعة في الامامة بالفارسيّة.

50 - ديوان القصائد.

٥١- ديوان الشعر.

٥٢ - دافعة الشقاق. (دافعة النفاق خ ل).

٥٣ - الذكر الأبقى.

٥٤ - رسالة لطيفة.

٥٥- رسالة في تفسير آية إنما المشركون نجس.

٥٦- رسالة في أمر العصمة.

٥٧ رسالة في تجديد الوضوء.

٥٨- رسالة في ركنية السجدتين.

٥٩- رسالة في ذكر أسامي وضاعي الحديث وبيان أحوالهم.

٦٠ - رسالة في ردّ شبهة في تحقيق العلم الالهي.

٦١ - رسالة في ردّ بعض العامّة حيث نفى عصمة الأنبياء.

٦٢ - رسالة في لبس الحرير.

ص: 92

٦٣- رسالة في نجاسة الخمر.

٦٤ - رسالة في مسألة الكفارة.

٦٥ - رسالة في غسل الجمعة

٦٦ - رسالة في تحقيق فعل الماضي

٦٧. رسالة في حقيقة الوجود. ورسالة أخرى في أنه لا مثل له.

٦8- اللمعة في صلاة الجمعة أثبت فيها حرمتها في زمن الغيبة.

٦٩ - النور الأنور الأزهر في تنوير خفا يا رسالة القضاء و القدر للعلامة الحلي قال في الرياض : هو كتاب حسن جداً و قدردّ فيه رسالة بعض علماء الهند من أهل السنة ممّن عاصرناه و توفى في عصر في عصر هذا السيّد الخ، أقول فرغ من تصنيفه سنة ١٠١٨.

70- رسالة في يوم بابا شجاع الدّين نسبها إليه السيّد ميرزا محمّد رضا واقعه نويس في تفسيره نقلاً عن السيّد ماجد البحراني عن المولى عبدالرشيد التستري و نقلها بتمامها فيه.

71 - رسالة في تفسير قوله تعالى : فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام، في سورة : الأنعام وتعرض فيها لدفع كلام النيسابوري في تفسيره.

72 - الرّسالة المسحية مبسوطة ذكر فيها أدلة طائفة الشيعة و أهل السنّة في مسئلة غسل الرّجلين و مسخهما.

73 - رسالة على حاشية التشكيك من جملة الحواشي القديمة.

٧٤ - رسالة في رد رسالة الكاشي.

٧٥ - رسالة متعلقة بقول المحقّق الطوسي تخلف الجوهرية.

٧٦ - رسالة في الجواب عن اعتراض بعض من اعترض من العامّة على القاضي في حاشية الوقاية.

77- رسالة في حلّ بعض المشكلات.

ص: 93

78- رسالة في الرد على رسالة الدواني حيث ذهب إلى تصحيح إيمان فرعون.

٧٩- رسالة في الأدعية.

٨٠ - رسالة في الأسطرلاب تشتمل على مأة باب الفارسيّة. قال صاحب الرياض في هامش ترجمة القاضي ما لفظه : إن المحقّق الطوسي صنف في الاسطرلاب أولاً بيست باب بالفارسيّة ثم صنف ركن الدّين پنجاه باب في الأسطرلاب ثم صنّف القاضي صد باب، و صنف الشّيخ البهائي هفتاد باب و كلها بالفارسيّة :

81 - رسالة في أن الوجود لا مسئلة له (لا مثل له خ ل).

82- رسالة في ردّ مقدمات ترجمة الصواعق المحرقة. 83_ رسالة في بيان أنواع الكم.

٨٤ - رسالة في ردّ إيرادات اوردت في مسائل متنوعة

٨٥- رسالة في جواب شبهات الشياطين، قال في كشف الحجب : إنّه رد لبعض شبهات شياطين امة رسول اللّه.

٨٦- رسالة في مسألة الفأرة.

87- رسالة في وجوب المسح على الرجلين دون غسلهما. و الظاهر اتحادها مع المذكور قبيل هذا.

88- رسالة في تنجس الماء القليل بالملاقات مع النجاسة ردّ فيها على الأمير معز الدّين محمّد الاصفهاني الصدر الأعظم حيث ذهب إلى عدم الانفعال تقوية لمذهب ابن أبي عقيل.

89- رسالة في الكليات الخمس.

90 - رسالة انموزج العلوم ذكر فيه عدة مسائل من العلوم المختلفة.

91 - رسالة في إثبات التشيع للسيد محمّد نور بخش.

92 - رسالة في شرح كلام القاضي زاده. الرومي في الهيئة.

ص: 94

٩٣ - رسالة في شرح رباعي الشّيخ أبي سعيد بن أبي الخير.

٩٤- الرسالة الجلاليّة.

٩٥ - رسالة في علمه تعالى.

٩٦ - رسالة في جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده.

97 - رسالة في حل عبارة القواعد للعلامة (إذا زاد الشاهد في شهادته أو نقص قبل الحكم).

98 - رسالة أنس الوحيد في تفسير سورة التوحيد.

٩٩- رسالة رفع القدر

100- رسالة في الرد على ما ألف تلميذ ابن همام في نداء الجمعة بالشفعوية (الشافعية).

101 - ردّ ما ألف تلميذ ابن همام في اقتداء الجمعة بالشفعوية و يظن اتحادها مع ما قبلها.

102- رسالة في النحو.

١٠٣ - السبعة السيّارة.

١٠٤ _ السحاب المطير في تفسير آية التطهير.

١٠٥- شرح على مبحث التشكيك من شرح التجريد

١٠٦ - شرح گلشن راز شبستري.

١٠٧- شرح دعاء الصباح والمساء لعلىّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالفارسيّة فرغ منه سنة ٩٩٠ ألفه باسم العلوية خيرات بيكم من بنات الملوك.

108- شرح مبحث حدوث العالم من انموزج العلوم للدواني.

109 - شرح الجواهر.

١١٠ - شرح خطبة حاشية القزويني على العضدي.

111- شرح رسالة إثبات الواجب القديمة للدواني.

ص: 95

112 - الصوارم المهرقة في الردّ على الصواعق المحرقة.

١١٣۔ کشف العوار.

١١٤- گوهر شاهوار (بالفارسيّة).

١١٥ - گل وسنبل (بالفارسيّة).

١١٦ - النظر السليم.

117 - الخيرات الحسان

118- عدة الأمراء.

١١٩ - الأجوبة الفاخرة.

120- شرح على تهذيب الحديث لشيخ الطائفة (قدّس سِرُّه).

121- شرح على مبحث التشكيك من الحاشية القديمة والمظنون اتحادها مع ما مر قبيل هذا.

١٢٢ كتاب في القضاء والشهادات مبسوط جدّاً تعرض فيه لشرائط القاضي والقضاء والمقضي فيه وسائر ما يتعلق بذلك الباب عند الخاصة والعامّة نسب هذا الكتاب إلى المترجم صاحب المشجرة.

١٢٣ - العشرة الكاملة

١٢٤ - كتاب في مناظراته مع المخالفين.

١٢٥- كتاب في مناقب الأئمّة من طرق المخالفين.

١٢٦ - كتاب في منشآته بالعربية والفارسيّة.

١٢٧ - كتاب في أنساب اسرته المرعشية.

128 - مجموعة مثل الكشكول.

١٢٩ - مصائب النواصب، في هامش الرياض : أنه ألفه في سنة ٩٧٥ و أهداه إلى السلطان شاه عبّاس الماضي الصفوي وهو قد وقفه على خزانة كتب الحضرة الرضوية،

ص: 96

وقد ترجمه الأمير محمّد أشرف سنة 1070 في زمن السلطان شاه عبّاس الثاني بأمر أحمد بيك يوزباشي.

130- موائد الأنعام.

131- مجموع يجري مجرى الموسوعات رآه صاحب الرياض بخطه.

132 - مجالس المؤمنين وهو كتاب مشهور طبع مرات.

١٣٣ - نور العين.

١٣٤ - نهاية الإقدام.

١٣٥ - الشرح على مقامات الحريري على نمط عجيب لم يسبق.

١٣٦ - الشرح على مقامات بديع الزمان.

١٣٧- الشرح على الصحيفة الكاملة لم يتمه.

١٣٨- الحاشية على شرح اللمعة لم تتم.

١٣٩ - التعليقة على روضة الكافي.

١٤٠ - اللطائف - رسالة في بيان وجوب الأطف. إلى غير ذلك ممّا نسب إليه في معاجم التراجم و في المشجرات المرعشية هذا، مضافاً إلى تقاييده و إفاداته الغير المدونة الموشحة بها هوامش الكتب في فنون العلم.

شعره و نظمه بالعربية والفارسيّة

كان رحمه اللّه ذا قريحة وقادة وطبع سيال في فنون النظم وضروبه وله ديوان شعر كبير يتخلص بلفظة (نوري).

فمن شعره على ما في الإحقاق في الطعن على ابن روزبهان.

لملك أنت لم ترزق أديباً***لكى يعركك عركاً للأديم

انت الحشو تعزي الحشوجهلا***إلى عالي كلام من عليم ؟

براعته کوحی من کلام***براعته عصاً بيد الكليم

أما أنت الّذي أكثرت لحناً***و قد تنعق نعيقاً كالبهيم

ص: 97

و كم ألفت من لفظ ركيك***وكم رتبت من قول عقيم ؟

لأوهن من بيوت العنكبوت***و أهون من قوى العظم الرميم

لتبلغ دائماً من جوع جهل***فضولاً قاله طبع اللئيم

تعيد القول من سلف إلى من***مراراً رده رد العليم

كفاية أنه في سالف الد***هر جرى مجرى الكلام المستقيم

كمن يأكل خرى من غاية الحمق***لما قد كان خبزاً في القديم

لقد أنشدت و أنشدنا جزاءاً***فذق أنت العزيز بن الكريم

جزاءاً عاجلاً هذا ولكن***ستصلى آجلا نار الجحيم

لقد هاجت لدين اللّه نفسي***فعذري واضح عند الكريم

وماج الطبع مع حلمي وحسبي***معاذ اللّه من غضب الحليم

و ممّا ينسب اليه قوله :

لقد أسمعت لو ناديت حياً***ولكن لا حياة لمن تنادي

و نار لو نفخت بها أضاءت***ولكن أنت تنفخ في رمادي

و من شهره في الرد على القاضي البيضاوي قوله :

الجور و الشرك شأن المجبرين فلا يغررك دعواهم الإسلام والدينا قد أثبتوا تسع أرباب التسع أرباب خ ل (لهم فرأوا جواز تعذيب ذا الرب النبيّينا و من شعره قوله في الرد على ابن روزبهان :

يا من يسفسط في تقرير مذهبه***بأن عن حكمه عقلاً لمعزول

رسول عقلك سيف يستضاء به***مهنّد من سيوف اللّه مسلول

إن كنت تنكر حكم العقل في حسنٍ***و قلت القبح قبل الشرع مجهول

فالحسن منك لفرط القبح مهروب***و العقل منك لفرط الجهل معزول

ترى النبي بذا مغلول إفحام***و فائدة الإعجاز ممّا غالها غول

ص: 98

ومن شعره قوله في معارضة شعر ابن روزبهان

تمجس ناصبي قاسطي***لقد عادى أمير المؤمنين_ا

بأن أبدى من الإلحاد قولاً***بحل البنت للاباء فين_______ا

فواخبطا من الحاوي فنونا***من الكفر يكفر مؤمنينا

ومن شعره قوله في قصيدة في مديح على الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ):

سؤال از نوچه حاجت که جود ذات ترا***بود تقدم بالذات بر وجود سؤال

ومن شعره قوله في رد الفضل بن روزبهان :

أراك على شفا جرف عظيم***بما أوعيت جوفك من قصيم

ومن شعره قوله في الجواب عن طعن ابن روزبهان على العلّامة في آخر المطلب الثالث من المطاعن :

دفعنا ما أجاب به شقيّ***غويّ قد حوى كلّ الملاعن

فيلمنه ذووه و أن ما قال***جواب زاد في تلك المطاعن

فقد صدق اللعين إذاً بما قال***فصيرنا مطاعنه ملاعن.

و من شعره قوله في معارضة أبيات كمال الدّين المظفر من علماء القوم :

لجماعة قالوا برؤية ربهم***جهراً حمر لعمري موكفة

قد خيلونا في الصفات معطلاً***عنه الفعال فما لهم من معرفة

وتجسوافي الدّين بل صاروا أضلّ***إذ أثبتوا قد ماء تسع في الصفة

هم وصفوه بأفعال فبيحة قد***يأباه زمرة حاكة و أساكفة

بالجبر قد فتحوا باب المعاصي إذ***لولاه كان الخلق عنها موكفة

لهم مسائل في العقول سخيفة***و مذاهب مردودة مستقذفة

يحثو كتاب اللّه من تأويلهم***لعلى وجوههم تراباً موجفة

وكذا تبكي الأحاديث التي***استوضعوها نصرة للسفسفة

فاللّه أمطر من سحاب عذاب_ه***و عقابه أبدا عليهم أو كفة

ص: 99

ومن شعره في الرد على القاضي البيضاوي المفسّر من أئمة الأشاعرة قوله :

إمامك خال عن شعور و فطنة***و إن كان يدعى أشعرياً بجهرة

لقد ظنّ توحيداً وعدلاً مؤدياً***بشرك و جود من قصور لفطرة

ولو كان إشراك الخلائق مطلقاً***مع الرب شركاً فهو عام البلية

و إلّا فلا إشراك لو قال قائل***بايجادهم بعض الأمور بقدرة

و من شعره قوله مخاطباً للفضل بن روزبهان :

يا من هويت جماعة قد صدقوا***في النصب أنصابا ثلاثاً بالهة

أثبت تسعاً من قديم مضعفاً***ما للنصارى من ثلاث آلهة

ومن شعره قوله في معارضة قول بعض العامّة (عجباً لقوم ظالمين تلقّبوا بالعدل مافيهم لعمري معرفة) :

عجباً لجمع خربوا سنن النبيّ***فتلقّبوا بتسنن للمعرفة

قد جائهم من حيث لا يدرونه***كفر المجوس بقولهم قدم الصفة

قد ألزموا (ألزم خل) التعطيل إذلم يفهموا***نفى الصفات فمالهم من معرفة

وقوله في الرد على شمس الأئمّة البخاري:

أولست تعلم أن علم إلهنا ؟***قد تابع المعلوم عند المعرفة

فالعجز و التكذيب ليس بلازم***إلا لناقص عقلك يا كامل السفه

و من شعره قوله على ما نسب إليه في معارضة ابن روزبهان حيث نصر أباثور في فتواه :

هو الثور قرن الثور في حرّ أمه***و مقلوب اسم الثور في جوف لحيته

ومن شعره قوله :

الأشعري عن الشعور بمعزل***عوج مشاعره كضاف أعزل

ما كسبه عند المشاعر غير ما***دون الشعور تكن إدارة مغزل

ص: 100

ومما نسب إليه قوله :

خليلي قطاع الفيا في إلى الحمى***كثير و أما الواصلون قليل

و ممّا نسب إليه أيضاً قوله :

الحق ينكره الجهول لأنه***عدم التصور فيه والتصديقا

وهو العدو لكل ما هو جاهل***فاذا تصوره يعود صديقا

وممّا ينسب إليه قوله:

كلامك يا هذا كبندق فارغ***خلى عن المعنى ولكن يقرقر

ومنه قوله في مديح مولينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ):

شه سرير ولايت علي عالى قدر***که کنه او نشناسد جز ایزد متعال

بقرب پایۀ حقش نمیرسد هرچند***زشاخ سدره کندوهم نردبان خیال

بكار أهل طرب جود او چنان آمد***که ماند مرحله ها در عقب برید سؤال

سؤال خاتم از او بی محل میان نماز***لطیفه ایست نهانی ز ایزد متعال

إلى أن قال :

خوشا دمی که شوی ساقی شراب طهور***موالیان تو نوشند جام مالا مال

از آن مشی که گر ابلیس از آن خورد جامی***چو جبرئیل شود از مقربان جلال

چنان لطیف که گر دیو رو در او بیند***بلطف شکل پری مرتسم شود تمثال

ز جذب لطف تو دارم امید آنکه کند***بخاك كوى تو فارغ مرا زفكر مآل

بغیر از این حسنه هیچ مدعایم نیست***جز این دعا نبود بر زبان مرا مه وسال

امیدوار چنانم که مستجاب کند***دعای خسته دلان لطف ایزد متعال

إلى غير ذلك، وأورد شطراً من شعره شيخنا المجاهد المؤيد الآية الأميني في کتابه شهداء الفضيلة فليراجع.

ومن شعره ما نقله الأديب الشاعر الهندي محمّد أفضل المتخلص (بسرخوش) في كتابه

ص: 101

كلمات الشعراء (ص 119 ط لاهور) :

چنان کز در در آید اهل ماتم را عزا پرسی***فغان از بلبلان برخاست چون من در چمن رفتم

ومن شعره على ما ذكره أيضاً :

بتاراج دل ما هر زمان ای غم چه میآئی***متاع خانه درویش غارت را نمی شاید

ومن شعره كما في صبح گلشن (ص ٥٦٠ ط بهوپال) قوله :

عشق تو نهالی است که خواری نمر اوست***من خاری از آن بادیه ام کاین شجر اوست

برمائده عشق اگر روزه گشایی***هشدار که صد گونه بلا ماحضر اوست

وه کاین شب هجران تو بر ما چه دراز است***گوئی که مگر صبح قیامت سحر اوست

فرهاد صفت اینهمه جان کندن (نوری)***در کوه ملامت بهوای کمر اوست

و منه قوله في الرد على السيّد حسن الغزنوي كما في بعض المجاميع :

شکر خدا که نور الهی است رهبرم***و ز نار شوق اوست فروزنده گوهرم

اندر حسب خلاصه معنی و صورتم***و اندر نسب سلاله زهراء و حیدرم

دارای دهر سبط رسولم پدر بود***بانوی شهر دختر کسری است مادرم

هان اى فلك چواین پدرانم یکی بیار***یا سر ببندگي نه و آزاد زی برم

شکر خدا که چون حسن غزنوی نیم***یعنی نه عاق والد ونه ننگ مادرم

بادم زبان بریده چو آن ناخلف اگر***مدح مخالفان علی بر زبان برم

داند جهان که او بدر وغش گواه ساخت*** در آنکه گفت قره عین پیمبرم

فرزند را که طبع پدر در نهاد نیست***پاکی ذیل مادر او نیست باورم

شایسته نیست آنهم از آن نا خلف که گفت***شایسته میوه دل زهرا و حیدرم

ومن شعره كما في صبح گلشن (ص٥٦٠) قوله :

خوش پریشان شده با تو نگفتم نوري***آفتی این سروسامان تو دارد در پی

فمن نثره : ما كتبه مقرضاً على كتاب سواطع الإلهام في التفسير للشيخ أبي الفيض

ص: 102

الفيضي اللاهوري من علماء المأة الحادية عشر (ص ٧٤٢ط هند في مطبعة نولکشور) بقوله :

(بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

الحمد للّه مفيض سواطع الإلهام، ومنزل كلام ليس في إعجازه كلام، الّذي فضل طه على سائر أنبيائه الكرام، و مد لآل عمران رجالاً ونساءاً مائدة الأنعام، و والصلاة و السلام على نبيه المؤيد بقرآن صامت هو أفصح خطاب وأبلغ كلام، المعزز بفرقان ناطق هو أفصل حاكم و أفضل إمام، و على آله الّذين آل إليهم حفظ كلام الملك العلام، ونال المتمسك بأذيالهما والمقتبس من أنوارهما النجاة عن غيابة الضلالة وغياهب الظلام.

و بعد فقد تشرفت بلحاظ هذه المحلة الجميلة، فإذا هي ذكر مبارك أنزله اللّه من سماء مواهبه الجليلة، وتأملت ماحوته من المعاني السيارة، وتضمنته من المحاسن المستوقفه للمارة، فاذا هي فصل خطاب آتاه اللّه من فيض الطافه الب__ارة، و لقد خاض مبدعها لجنة لم يسبقه أحد إلى خوض غمرها، ومهد قاعدة هو أبو عذرها، كأنها سلسال ممزوج باملوج كلام اللّه الجليل، وسلسبيل ليس لغيره إليه سبيل، اتخذ سبيله عجباً، وأسمع من سواتي عيون الحدائق طرباً، آتاه اللّه في عجز القرآن من كلّ شيىء سبباً، فأتبع سبباً، قد حوت سلاسة الألفاظ وعذوبة المعاني، وجزالة العبارات و رشاقة المباني، ألفاظها تزري لكمال سلاستها على الماء الزلال، ومعانيها تباهي بجمال بدائعها على السحر الحلال، تسطع أسرارها خلال خطوطها كبارقة النور من وراء أصداغ الحور، وتلمع ألحاظها من مطاوي ألفاظها كنارموسى في الليلة الديجور ولا يخفى على من آنس بنار التوفيق و أتى بقبس من وادي التحقيق، أن نارموسى خال عن الدخان، وسواطع شمس الالهام غنية عن اقتران نجوم الدجان، قد افتخر سواد الهند بهذا الرق المنشور، ونورعينه بسواد هذا الزبور، فظهر سرّ تسميتها

ص: 103

بسواطع، و أضحى ما قبل النور في السواد من القواطع، بالغ في تجريدها عن مضاهاتها الأشباه والأمثال، فاخلى عذار حروفها عن نقطة الخال، بتخييل أنها من غاية الحسن والجمال كالخال على عذار مصحف كلام الملك المتعال، بل هي عرائس أبكار لن تمسها يد قط، فلم تلد أمهات حروفها سلالات النقط، أو بنات أفكار صفت خدودها عن و شي النقط، تأنفاً عن التجلي بالمستعار و الملتقط، أو ظنت النقط أعداماً و أصفارا، فتأنقت عنها ترفعاً واستصغاراً، لا بل هي سراج وهاج، لا يظهر ما يتطاير من شراره، ولايرى من غاية اللطافة دخان ناره، أو بحر مواج لا يتقر حبابه و لا يتميز فيه ما أفاض من الطل ضبابه، بل هي ملك مقرب جمد عينه رهبة من إنذار كلام اللّه العلام، فلم تسكب قطرات دموعه على صفحات الإعلان والاعلام، أو فلك محدد لجهات معاني خير الكلام، فصار كاسمه غير مكوكب بالنقط و الاعجام، ويمكن أن يصار إلى أنه جعل نجوم نقاطه رجوماً لشياطين الإنس، الّذين يحسدون الناّس على ما آتاهم اللّه من فضله من هذا الجنس، أو يقال لما فاز كلّ جملة من كلمات هذه المجلة المجلية بشرف جوار كلمة بل كلمتين من كلام اللّه العلى الجبّار و ركض في مضمار الفخار كالخيل المعار، أقنى نقود نقاطه النشار، لا بل شابهت نقاط حروفه بالدر و الدراري و ما يلفظه البحر من الغيري، تحصنت من خوف بذله لها على أدنى مستمع أو قاري بسنام كلام الملك الباري، و حلت فيه حلول السريان أو الجواري، ولعل في ذلك تأكيد لما أشار إليه من تسمية الكتاب بسواطع الالهام، فان سواطع نور الشمس مواقع النجوم و مغاربها و مساقطها في التخوم، ومن اللطائف أنه تعالى عبر عن القرآن أيضاً بمواقع النجوم، و إن كان بمعنى آخر لا يخفى على أولي الفهوم، لهذا وقد قرنت بما قدرت و ذيلت الظلمة

ص: 104

بالنور، و عقبت نغم الزبور بدوى الزنبور، أو قابلت شوهاء بحسناء، و نظرت إلى الحوراء بعين عوراء، بل نظمت خرزة في سلك اللآلي، و دفعت به عنها بل عن مبدعها عين الكمال، وهو شيخنا العارف الفاضل التحرير ملك فضلاء الشعراء من لدن سلطان نصير، صاحب المناصب العلية، و المراتب السنية و المناقب المشهورة، والفضائل المأثورة، والأخلاق الزكية، والسير المرضيّة، الّذي قرن بين الكمالات النفسية والرياسات الانسية، وجمع مع التوغل في نظم المصالح الدنيويّة مراعاة الدقائق العلميّة، ينادي الملاء الأعلى بعلو شأنه، و يعترف السماوات العلى بسمو مكانه، باسمه السامي وفيض فضله الشامي تباهي الأحساب والأنساب، و بذاته الملكية استغنى عن الاطراء في الممادح والألقاب، أسبغ اللّه تعالى سجال افضاله على الطالبين، و أدام فيوض سواطع إلهامه على المسترشدين، ويجزيه خير الجزاء بما قاسي في تأليف هذا الكتاب المبين، و نظم ذي العقد الثمين من عرق الجبين و كد اليمين، ولهذا دعاء بالأجابة قرين، فانه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين، حرره عبده خادم الشريعة الشريفة النبوية، ملازم الطريقة الرضية المرتضوية، العبدالمعيوب الّذي يرده المشتري، نور اللّه بن شريف الحسيني المرعشي الشوشتري، نور اللّه بالبر أحواله :، و حقق بلطفه آماله في شهور سنة إننى وألف هجرية في بلدة لاهور، صينت في ظل واليها عن شوائب الفتور، حامدا مصلياً مسلماً.

ص: 105

نموذج من خطه الشريف

أخذت صورته الموتوغرافية من مكتبة المرحوم صدر الأفاضل النصيري من أصدقائنا المعاصرين و من أجلة العلماء والأدباء صاحب الحرف الكثيرة والخطوط الجيّدة وقد تفضّل علينا بها نجله الفاضل الأكرم الأديب الأريب الميرزا فخر الدّين النصيري أدام اللّه توفيقه و وفقه لما يرضيه آمين.

106jpg^

العلماء والإجلاء في اسلاف القاضي

أبو محمّد الحسن المحدّث بن الحسين الأصغر، كان فقيه المدينة و محدّثها، نزل بلاد الروم وبها توفّى، كما في التذكرة، قال العبيدلي فيها في حقه ما لفظه : أبو عمد الحسن الفاضل المحدث المدني المشتهر بالدكة (بالبركة خ ل) بن الحسين الأصغر زاهد عابد ورع محدث ولده نقباء الأطراف الاجلاء ملقبون مطاعون «انتهى».

ص: 106

و منهم الشريف أبو عبد اللّه الحسين الأصغر المتوفى سنة ١٥٧ روى عن أبيه الإمام سيّد الساجدين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و عبداللّه بن مبارك، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، و ابن عمر الواقدي، ووجدت بخط العلّامة النسابة السيّد حسون البراقي شيخ والدي في علم النسب : أن الحسين امه أم ولد رومية هكذا قيل، والصحيح أنّ أمه امّ أخيه عبداللّه الباهر، و هي فاطمة بنت الإمام الحسن السبط (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و كان الحسين عالماً فاضلاً أشبه ولد أبيه به، و إنما اشتهر بالأصغر لأنه كان له أخ آخر أكبر منه، اسمه الحسين، توفى في حياة أبيه.

وقال شيخنا أبو عبداللّه المفيد في كتاب الارشاد : إن ابنة الحسين الأصغر خرجت إلى الصّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فولدت له ابنه إسماعيل إمام الاسماعيلية (انتهى).

وترجمة الحسين مذكورة في كتب أصحابنا وكتب المخالفين وكتب الأنساب، فراجع (ص 71 من كتاب تذهيب الكمال) و (ص 337 من الجزء الأوّل) من رجال شيخنا الاستاذ الآية المامقاني (قدّس سِرُّه).

و منهم السيّد الجليل الفقيه علي أبو الحسن الماطري القاضي بطبرستان، المحدث المذكور اسمه في كتب القدماء.

ومنهم الشريف أبو القاسم أبو يعلى حمزة بن علي المرعشي، كان فقيهاً محدّثاً، روی و روى عنه و اسند إليه.

و منهم ابنه الشريف أبو حمد الحسن الفقيه المتوفى سنة ٣٥٨، نزل بغداد سنة ٣٥٦ سمع منه التلعكبري سنة 328، وروى عنه شيخ الطائفة في كتاب الغيبة (ص ١٩٣) بالواسطة، وفي بعض الكتب أنّه دفن بكربلاء، وترجمته مذكورة في كتب الرّجال. و منهم أبو الحسن الشريف الجليل على المرعشي، الفقيه المحدث، الشاعر الأديب الزاهد، نزل بلدة مرعش بين الشام والتركية، و بها دفن، و هو الّذي إليه انتهت أسر السادة المرعشية في أقطار العالم.

ص: 107

وكان له أربعة عشر ابناً و هم حمزة أبو علي، وإليه ينتهى نسب القاضي الشهيد، و ابو محمّد الحسن المحدث الفقيه نزيل بلاد الروم أى التركية، وإليه ينتهي نسبنا و ابراهیم الماك آبادی (الملك آبادي خ ل) و عقبه بنواحي قزوين و منهم بنو سراهنك وبنو فغفور وغيرهما. والحسين و يحيى و جعفر وله عقب فيهم الاجلاء منهم الاخوان الجليلان العالمان الفاضلان المحدثان الحسن والحسين ابنا القاسم بن جعفر المذكور، و أحمد و له عقب و من نسله علي بن محمّد بن أحمد المذكور، و كان نسّابة، و زيد الفقيه و اسماعيل الشاعر و عبداللّه الزاهد و موسى و على و سمى باسم أبيه و الرضا و العبّاس وأكثرهم عقباً أبو عمد الحسن المحدث جدّنا وحمزة جد القاضي الشهيد وإبراهيم جد مراعشة قزوين.

و منهم والده الشريف عبد اللّه أمير العاقين كما في تذكرة العبيدلي أو أمير العراقين كما في غيرها، كان كافلا لا يا مى آل أبي طالب وأيتامهم مورداً لمن قصده من ذوي الحاجات و سيأتي حول كلمة المرعشي ما يدل على جلالة هذا السيّد ونبوغ عدة في أخلافه. و من نوابغ اسلافه و آبائه، العلّامة الحبر المتبحر السيّد نجم الدّين محمود الأملي، خرج من طبرستان و نزل بلدة تستر، و تزوج بنت السيّد الجليل عضد الدولة واملة الحسني نقيب السادات بتلك البلاد، وطارصيته، وعلت كلمته، ونفذ أمره، و بان قدره، و من آثاره إشاعة التشيع ببلاد خوزستان ببركته و قدسی أنفاسه و ترجمته مذكورة في روضة الصفا و تذكرة تستر (ص 33 ط كلكته) و گلستان پیغمبر (ص 5 ط نجف) ومجالس المؤمنين (ص ٢١٦ ط تبريز)، وقبر هذا السيّد ببلدة تستر مزار مشهور،

ومن نوابغهم المميد جمال الدّين حسين بن نجم الدّين محمود المذكور، قال في المشجرة : إنّه كان متبحراً في العلوم، زاهداً سائراً سالكاً، توفى ببلدة تستر وقبره بها بجنب قبر والده.

ص: 108

و من النوابغ السيّد مبارز الدّين مانده، كان أديباً شاعراً زاهداً، اسمه تحمل اشتهر بمانده أى (الباقي) تفالاً بطول عمره.

و من النوابغ العلّامة السيّد محمّد شاه بن مبارز الدّين مانده المذكور، كان من أجلة العلماء والزهاد، كما في المشجرة والأشراف كما في هامش التذكرة.

و من النوابغ العلّامة السيّد ضياء الدّين نور اللّه بن محمّد شاه المذكور، قال مولينا العلّامة الأفندي في المجلد الخامس من رياض العلماء في حقه : إنّه كان من أكابر جهابذة العلماء والأولياء المقدّسين، وكان ماهراً في علم الرياضي أيضاً، وقد أدرك أيّام دولة السلطان الغازي الشاه إسماعيل الصفوي الماضي، إلى أن قال : توجه هذا السيّد في عنفوان شبابه مع أخيه السيّد زين الدّين علي إلى شيراز، و أخذا عن المولى قوام الدّين الكرماني من فحول تلامذة الشريف الجرجاني، وعن السيّد محمّد نوربخش القهستاني، و عن الشّيخ شمس الدّين محمّد اللاهيجي شارح کتاب گلشن راز وغيرهم الخ.

و لهذا السيّد عدّة تصانيف وتأليف كما في الرياض، منها كتاب مأة باب في الاسطرلاب، قال في الرياض : وهو في غاية اللطافة، و يرغب في مطالعته الحكماء و الأعيان و الأكابر ابر، و كتاب شرح الزيج الجديد أودع فيه غرائب لطيفة، و عجائب صنايع شريفة، و له كتاب في علم الطب قدراعى فيه من المعالجات موافقة هواء خوزستان و مائها، رسالة في تفسير واذ قلنا للملائكة اسجدو الادم فجدوا الا ابليس، توفى سنة ٩٢٥، قال في الرياض : قد حكى الميرزا بيك المنشي في تاريخه : أن السلطان شاه إسماعيل الماضي الصفوي قد أرسل في أوائل دولته القاضي الفاضل ضياء الدّين نور اللّه المرعشي مع الشّيخ محيي الدّين المشهور بالشيخ زاده اللاهيجي للسفارة إلى شيبك خان ملك ماوراء النهر وخراسان بعد استيلاء شيبك خان على كلّ تلك البلاد و استيلائه ونهبه ببلاد كرمان الخ

ص: 109

أولاده:

أعقب خمسة أولاد، وهم علماء أذكياء شعراء نبلاء

-١ منهم العلّامة السيّد محمّد يوسف بن نور اللّه الحسيني المرعشي، تلمذ على والده المكرم وغيره.

2- و منهم السيد العلّامة شريف الدّين بن نور اللّه، كان من أجلة العلماء في عصره، ولد يوم الاحد ١٩ ربيع الأول سنة ٩٩٢، تلمّذ على والده في الحديث و التفسير والكلام وعلى المولى عبداللّه التستري في الحديث، وعلى شيخنا البهائي في الفقه، وعلى السيّد تقي الدّين النسابة الشيرازي في الفقه و اصوله، و على السيّد ميرزا إبراهيم الهمداني في المعقول والعرفان وغيرهم، له تصانيف وتأليف منها حاشية على شرح المختصر للعضدي و حاشية على تفسير البيضاوي و حاشية على شرح المطالع و رسالة في عويصات العلوم، توفى يوم الجمعة و ربيع الثاني سنة ١٠٢٠ ببلدة (آگرة) من بلاد الهند ودفن بها.

٣- ومنهم السيّد العلّامة علاء الملك بن نور اللّه، كان من أفاضل عصره، فقيهاً محدثاً مور خاً حكيماً متكلماً شاعراً بارعاً، تلميذ على والده الشهيد وعلى غيره من الأعلام، له تأليف وتصانيف : م

نها كتاب أنوار الهدى في الالهيات، والصراط الوسيط في إثبات الواجب، و كتاب محفل الفردوس في تراجم أسرته وبعض الأفاضل وفوائد جمة، ومن تأليفه كتاب المهذب في المنطق.

وليعلم أن السيّد علاء الملك هذا غير السيّد علاء الملك بن السيّد عبدالقادر المرعشي القزويني الّذي كانت بيده تولية بقعة (شاهزاده حسين) في قزوين، وكثيراً ما يختلط الأمر على البسطاء في علم التراجم.

قال في صبح گلشن (ص 290 ط بهوپال) ما محصّله : إن هذا السيّد الجليل

ص: 110

عيّنه السلطان شاه جهان ملك الهند معلماً لواده محمّد شجاع وكان شاعراً فمنه قوله:

ای چشم تو بر بستر گل خواب کند***زلف تو بروز سیر مهتاب کند

رو را همه کس بسوی محراب آرد***جز چشم تو کو پشت بمحراب کند

٤ - ومنهم السيّد أبو المعالي بن نور اللّه، قال في المشجرة ما محصّله : إنّه كان من العلماء الأذكياء الأذكياء، ولد يوم الخميس ٣ ذي القعدة سنة ١٠٠٤ و توفّى في ربيع الثاني ١٠٤٦، تلمذ لدى أخيه الشريف والمولى حسن التستري و السيّد محمّد الكشميري وغيرهم، له تأليف و تصانيف، منها كتاب في معضلات العلوم، رسالة في نفى رؤيته تعالى، رسالة في الجبرر التفويض، تعليقة على تفسير البيضاوي، كتاب في شرح ألفيّة النحو.

5 - ومنهم السيّد علاء الدولة بن قاضي نور اللّه الشهيد قال في المشجرة : كان من الأذكياء والشعراء، ولد في ٤ ربيع الأول 1012 ببلاد الهند، و قرء العلوم الآلية على إخوته الكرام، و على المولوي محمّد الهندي، و جاد خطه بحيث كان يعد من مشاهير الخطاطين، له تصانيف وتآليف، منها كتاب البوارق الخاطفة والرواعد العاصفة في الرد على الصواعق المحرقة، و حاشية على شرح اللمعة،، وعلى المدارك، و على تفسير القاضي، وديوان شعر وغيرهم.

النوابغ في أحفاده وأخلاقه

نبغ في أعقابه جماعة، منهم بنوه المذكورون سابقاً،

و منهم العلّامة السيّد علي بن علاء الدولة بن القاضي نور اللّه الشهيد، قال مولانا الافندي في المجلد الخامس من رياض العلماء في باب العين المهملة في ذيل ترجمة القاضي الشهيد ما لفظه : واعلم أن من أحفاد هذا السيّد الجليل السيّد علي بن علاء الدولة بن ضياء الدّين نور اللّه الحسيني الشوشتري المرعشي وكان يسكن بالهند و لعلّه موجود إلى الآن أيضاً، لأني وجدت في هراة في جملة كتب المولى رضي

ص: 111

المدرّس في ديباجة كتاب شرح الصحيفة الكاملة الموسوم بكتاب رياض العارفين الّذي كان من تأليفات المولى شاه محمّد بن المولى محمّد الشيرازي الدارابي :

أن هذا السيّد قد كان من تلامذته، و أن المولى شاه محمّد المذكور لما ورد إلى بلاد الهند، و لم تكن لشرحه المذكور ديباجة، التمس من ذلك السيّد بكتابة ديباجة لذلك الشرح، والظاهر أن المراد بالمولى شاه عمل المذكور هو المولى شاه محمّد الشيرازي المعاصر الساكن الآن بشيراز، فانّه قد رجع هو من الهند في قرب هذه الأوقات، الخ.

و منهم على ما ذكره الفاضل المعاصر السيّد محمّد فؤاد المرعشي في المشجرة المرعشية، وهي عندنا بخطه : السيّد عيسى شیخ الاسلام ابن صدر الدّين المرعشي، وكان فاضلاً محدثاً جليلاً أديباً شاعراً.

و منهم حفيده المير محمّد هادي بن محمّد بن عيسى شيخ الاسلام المذكور، وكان من أجلة العلماء في عصره في فنون العلم توفى سنة 1138، ذكره العلّامة السيّد عبداللّه الجزائري في الإجازة الكبيرة، وقال : إنّه من أعيان علماء بلادنا أكثر القراءة على جدي وأجازه إجازة عامة وقرأ في إصفهان على الشّيخ جعفر و غيره. أقول وعندنا نسخة من مستدركات الصحيفة الكاملة للقزويني والنسخة مقروة على هذا السيّد الجليل.

و منهم الأمير محمّد كريم بن المير محمّد هادي المذكور، وكان من نوابغ عصره في العلم و الأدب.

هذا ما وجدته في المشجّرة المذكورة، ولكن الّذي يظهر من كتاب گلستان پیغمبر (ص ٢٥ ط النجف) أن عيسى شيخ الاسلام وحفيد به عمل هادي و محمّد كريم من ذرية المير صدر الدّين من بني أعمام القاضي الشهيد.

و منهم المير محمّد شريف، كان قد نزل ببلدة لاهور، و يتخلص في شعره بالشريف

ص: 112

ووقفت على نسخة من الفقيه في مكتبة الفاضل الأديب (بيان الملك) الاشتياني، وعليه تعاليقه.

حول كلمة التسترى التي يوصف بها المترجم :

التستري نسبة إلى تستر معرب شوشتر بلدة في خوزستان، مشهورة إلى الآن، و قد خرج منه جمع كثير من رجالات العلم والفضل والعرفان والأدب والشعر، كالمولي عبدالواحد التستري، والمولى عبدالرشيد بن نور الدّين الطبيب، و المولى عبداللّه التستري الشهيد ببخارا، وابنه المولى حسن علي، والمولى حسين التستري، والمولى عبد اللطيف التستري، و السيّد عبداللّه الجزائري وأسرته الكريمة، والسيد ضياء الدّين نور اللّه بن محمّد شاء الحسيني المرعشي، و السيّد أبو القاسم بن محمّد بن عيسى شيخ الإسلام المرعشي كما في ص ١٢٥ من تذكرة شوشتر، و المولى أحمد بن كاظم الكبابي، و الحاج عبدالحسين الكركري، و المولى عبد الغفار بن الخواجه تقي، والخواجه على الصراف، و الحاج عنايت، و القاضي عنايت اللّه بن القاضي المعصوم، والمولى عيدي محمّد القاري، وفتحعلي آقا، والمولى فرج اللّه، و المولى فتحعلي آقا قزلباش بن المولى محمّد حسين، والسيد قد شاهي، والمولى محمّد بن علي النجار، المتوفى سنة ١٠٤١، ووالده العلّامة المولى على النجار من ذرية صاحب كتاب تفسير سورة يوسف، و ينتهي إليه نسب الأسرة المحلاتية بشيراز، ذوي الفضل و الزعامة.

و المولى محمّد باقر بن محمّد رضا شانه تراش المتوفى سنة ١٠٣٥، والسيد محمّد شاه بن مير محمّد حسين من أحفاد سيّد نور اللّه الأول المرعشي المتوفى سنة ١٠٢٥، والمولى محمّد طاهر بن كمال الدّين الأواف المتوفى سنة 1027، و السيّد محمّد هادي المرعشي أخو السيّد أبي القاسم من أحفاد السيّد نور اللّه الأول المرعشي توفى سنة ١٠٣٧، والمولى

ص: 113

نظر على الزجاجي المتوفى سنة ١٠٤٦، والقاضي نعمت اللّه أخو القاضي عنايت اللّه المذكور سابقاً توفى سنة 1112، والشيخ يعقوب بن إبراهيم توفى سنة ١٠٤٧، ببلدة حويزة، والسيد نور الدّين بن العلّامة الجزايري، ووالد السيّد عبداللّه، والسيد مرتضى المدفون بباب المسجد الجامع في تستر، و إليه ينتهي نسب عدة من سادات شوشتر، والسيد محمّد حسين المرعشي من أحفاد القاضي الشهيد، والسيد أبو الحسن من أحفاده أيضاً، والسيد سلطان عليخان المرعشي من أحفاد السيّد نور اللّه الأول والمولى الشّيخ شرف الدّين صاحب التعاليق الغير المدونة على الفقيه، و السيّد عبد الكريم الجزائري إمام الجمعة بتستر صاحب كتاب الدر المنثور في الفقه المأثور و المولى الجليل السيّد العلّامة عبدالصمد من سلالة سيّدنا الجزائري و من مشايخنا في الرواية، استجزت عنه وقد طعن في السن قدس اللّه روحه، والمولى شمس الدّين التستري، و القاضي محمّد تقي بن القاضي عنايت اللّه، و المير فضل اللّه المرعشي من تلاميذ السيّد نور الدّين الجزائري، و المير محمّد كريم المرعشي نزيل اصفهان جد السادات الدولت آبادية، و المولى نظر على المتوفى سنة ١١٤٦،

و المولى عبدالكريم نزيل نهاوند والحاج عبدالحسين بن كلبعلي التستري المتوفّى سنة ١١٤١ على ما في إجازة الجزائري، والمولى عنايت اللّه محمّد زمان المتوفى ١١٤٦ والمولى فرج اللّه بن محمّد حسين المتوفى،1128، والقاضي مجدالدين بن شفيع الدّين المتوفى ١١٦٧، والمولى محسن بن جان أحمد، والمولى محمّد باقر بن محمّد حسين التستري المتوفى ١١٣٥، والمولى عبد اللّه بن محمّد المتوفى ١١٤٣، وغيرهم من الأعلام المذكورين في تلك الإجازة وغيرها، تركنا ذكرهم رعاية للايجاز وتحرزاً عن الاطناب

ص: 114

و من الشعراء :

السيد عبد اللّه العلّامة الجزائري صاحب كتاب التذكرة جمع هو و أكثر من يذكر بعده بين العلم والأدب.

و السيّد محمّد شريف المرعشي من أحفاد القاضي الشهيد.

و السيّد أبو الحسن المرعشي من أحفاده أيضاً.

و السيّد عبد الكريم العلّامة الجزائري من تلاميذ سيّدنا بحر العلوم.

و السيّد محمّد الموسوي المدفون بباب المسجد الجامع في تستر.

و الشّيخ محمّد حسين المتخلص بالثاقب.

و المولى محمّد علي المتخلص بالغريب صاحب الديوانين بالعربية والفارسيّة.

و الوفائی، و المسكين، و عبدالمحمّد الزاهر، والمشتاقی، و محمود الحلمي، و المولى موسى، و الحاج نقد على، و القواس، و ذوالفقار، و المولى عبدالكريم، و ابوتراب النقاش، رأيت ديوان شعره عندالمرحوم بیان الملك الآشتياني، و السيّد محمّد شفيع المتخلص بناطق، رأيت شعره في مجموعة عند ذات المرحوم، والمولى حسين علي المتخلص بمسكين، رأيت المنقولات من شعره في المجاميع، إلى غير ذلك من الادباء و الشعراء الّذين كانوا من أهل تلك البلدة أو سكنوا بها، و من أراد الوقوف عليهم فليراجع الكتب التي الفت في أحوال الشعراء.

حول كلمة المرعشي :

المرعشي نسبة إلى جدّه الشريف الأجل الفقيه الزاهد المحدّث أبي الحسن علي المرعشي المذكور اسمه في عمود النسب، و كان قد نزل بلدة مرعش بين الشّام و التركية، وبها دفن فاشتهاره بالمرعشي من باب النسبة إلى تلك البلدة.

ص: 115

ثمّ لا بأس بنقل كلمات بعض العلماء في حق البلد المذكور.

قال الشّيخ صفيّ الدّين عبدالمؤمن بن عبدالحق البغدادي المتوفى سنة ٧٣٩ في کتاب مراصد الاطلاع (ج ٣ ص ١٢٥٩ ط القاهرة) ما لفظه :

(مرعش) بالفتح ثم السكون والعين مهملة مفتوحة وشين معجمة، مدينة بالثغور بين الشام وبلاد الروم، أحدثها الرشيد، وفي وسطها حصن كان بناء مروان الحمار، ولها ربض يعرف بالهارونية «انتهى».

و قال السمعاني في كتاب الأنساب «رقم 521» ما لفظه : المرعشي بفتح الميم وسكون اللام (الراء ظ) وفتح العين المهملة وفي آخرها الشين المعجمة، وهذه النسبة إلى مرعش وهي بلدة من بلاد الشام، خرج منها جماعة من أهل العلم :

منهم أبو عمرو عبد اللّه المرعشي إلى أن قال : والمرعشي اسم علوي من نسله أبو جعفر المهدى بن إسماعيل بن إبراهيم، وهو يعرف بناصر بن أبي حرب إبراهيم بن الحسين و هو يعرف بأميرك بن إبراهيم بن علي، وهو علي المرعش بن عبداللّه بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن على بن أيطالب العلوي المرعشي المعروف بناصر الدين، ذكر لي نسبه هذا أحمد بن على العلوي النسابة السقاء، فاضل متميز، سافر إلى الحجاز والعراق و خراسان و ماوراء النهر والبصرة و خوزستان، و رأى الأئمّة و صحبتهم، وكان بينه وبين والدي صداقة متأكدة، ولد (بدهستان) ونشأ بجرجان وسكن في آخر عمره (سارية مازندران)، ذكر لي أنه سمع (ببغداد) أبا يوسف عبد السلام بن محمّد بن يوسف القزويني، و بالكوفة أبا الحسين أحمد بن محمّد بن جعفر القيقي، و بجرجان أبا القاسم إسماعيل بن مسعدة الاسماعيلي، وباصبهان علي الحسن بن علي بن إسحاق الوزير بها، و بنها ولد أباعبداللّه الحسين بن نصر ابن مرهق القاضي، و بالبصرة أبا عمرو محمّد بن أحمد بن عمر النهاوندي وطبقتهم

ص: 116

وكان يرجع إلى فضل و تميز، وكان شيعياً معروفاً به، لقيته يعياً معروفاً به، لقيته بمر و أوّلاً وأنا صغير ثم لقيته بسارية، وكتبت عنه شيئاً يسيراً، وكانت ولادته في صفر سنة ٤٦٢ بدهستان وتوفى في رمضان سنة ٥٢٩.

و قال العلّامة السيّد مرتضى الزبيدي في تاج العروس (ج ٤ ص ٣١٣ ط بولاق) ما لفظه مازجاً بالقاموس : و مرعش بلد بالشام قرب أنطاكيه، وفي الصحاح بلد في الثغور من كور الجزيرة، هكذا ذكره، والصواب أنه من الشام لا من الجزيرة متاخم الروم، إلى أن قال : والمرعش كمكرم جنس من الحمام وهو الّذي يحلق في الهواء، نقله الجوهري، الخ.

و قال العلّامة البحاثة الشّيخ ياقوت بن عبداللّه الحموي الرومي البغدادي المتوفى سنة ٦٢٦ في كتابه (ج ٨ ص ٢٥ ط مصر) ما لفظه: مرعش بالفتح ثم السكون والعين مهملة مرفوعة وشين معجمة، مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم، لها سوران وخندق وفي وسطها حصن عليه سور يعرف بالمرواني، ثم أحدث الرشيد بعده سائر المدينة و بها ربض، الخ.

و قال العلّامة البحاثة المدرس التبريزي في كتاب ريحانة الأدب (ج ٤ ص ٩ ط تهران) ما ترجمته : قال السيّد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة ما محصّله : إن مرعش لقب علي بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسين الأصغر بن الامام سيّد الساجدين و أن علياً المذكور اشتهر بهذا اللقب لسكناه في تلك البلدة أو لكونه مرتعشاً، أو لتشبيهه بالحمامة المحلقة في الهواء، إلى أن قال : و السادة المرعشية من مشاهير البيوت العلوية، منهم من سكن بتستر ومنهم من حل بقزوين ومنهم من نزل باصبهان ومنهم من بقى بطبرستان،

ثم شرع في ذكر عدة من نوابغ هذه الاسرة الكريمة وسننتقل أسمائهم في محلها المناسب إنشاء اللّه تعالى.

ص: 117

و قال العارف الرحالة الجوالة السائح الحاج ميرزا زين العابدين الشيرواني في کتاب بستان السياحة (ص 000 تهران) ما لفظه :

مرعش شهری است دلکش از شهرهای شام، و جند قنسرین، و بلده ایست بغایت دلنشین، آنکه گفته بلده ایست از جزیره موصل غلط محض است، و دیگری نوشته که نام قلعه ایست میان ارمنیه ودیار بکر، اینهم از وجهی غلط محض است، و اما آنکه قریب بولایت ارمنیه است صحیح است، و جانب جنوبش بغایت گشاد و اصل شهر در زمین پست و بلند اتفاق افتاده، بنظر بیننده بغایت فرخنده و خوش آینده است، وقرب شش هزار خانه در اوست، و قریه های معموره مضافات اوست، آبش فراوان و در جميع عماراتش روان، هوایش طرب انگیز و خاکش حسن خیز، در اکثر خانه های آنجا حدیقه دلگشا و باغچه روح افزاست فواکه سردسیرش فراوان و حبوب و غلاتش ارزان، و اکثر مشتهياتش موفور، و مردمش همواره در عیش و سرورند،، هنگام بهار آن دیار رشك گلستان کشمیر و قندهار است، و همۀ آن دیار گلزار سیما در قرب آن ارغوان زاری است که راقم مثل آن کم دیده و کم شنیده است، دلبران آن سرزمین غیرت بتان فرخار و چین است، و عموماً خوب چهره و از متاع حسن با بهره اند و مدت بسیار آن ديار دار الملك ملوك ذوالقدریه بود، ابتدای دولت ایشان درسنه 780 هجري روی نمود و اول ایشان قراجا بن ذوالقدر بيك بود بعد از او علاء الدولة ذوالقدر بغایت محتشم بود و شاه اسماعیل با او مصاف داد و مکرر شکست بجانب ذوالقدر به افتاد، وسلطان سلیم خان قیصر روم برملك او مستولى گشت، و هم زبان دولت ایشان در سنه نهصد و چند هجری بدو در گذشت، اکنون نیز طوائف ذوالقدر در آنجا سکونت دارند و از جانب خواندگار روم حکومت گذارند، راقم چندگاه در مرعش بوده و با اکابر و اعاظم آنجا معاشرت نموده و

ص: 118

ارباب فضل و کمال و اصحاب وجد وحال در آن دیار بسیار دیده، و خداوندان حسن وجمال وصاحبان جاه و جلال مشاهده گردیده است که ذکر همه باعث طول کلام خواهد بود، إلى آخر ماقال.

و قال الفاضل البحاثة سامي أفندي في قاموس الأعلام (ج ٦ ص ٤٢٦٤ط الأستانة) ما ترجمته : مرعش لواء عاصمتها بلدة مرعش و هي كثيرة الفواكه سيما الزيتون، منقسمة إلى خمسة شعب، أكثرها العرب، إلى آخر ماقال.

و قال الشّيخ عبداللّه البستاني اللبناني في كتاب البستان (ج 1 ص 909 ط بیروت) ما لفظه : المرعش بالفتح ويضم : حمام أبيض يحلق في الهواء.

وذكر الفاضل البكري في كتاب ما استعجم (ج ٤ ص ١٢١٥ ط القاهرة) معجم ما يقرب من كلام صاحب المراصد فليراجع.

و قال القاضي الشهيد (قدّس سِرُّه) في كتاب مجالس المؤمنين ما ترجمته على سبيل الاختصار إن مرعش على ما في الصحاح اسم بلدة في جزيرة الموصل، ويستفاد من كلام السيّد عز الدّين النسابة أنه اسم حصن بين أرمنية وبين ديار بكر، وقال : الظاهر اتحاد القولين بحسب المآل، و أن المستفاد من كلام السيّد عز الدّين المذكور انتساب السيّد أبي الحسن علي المرعشي إلى تلك البلدة، وأنه كان شريفاً جليلاً أميراً كبيراً، إلى أن قال : الأولى حمل مرعش على معنى آخر و هي الحمامة المحلقة المتعالية في الطيران، اشتهر على المذكور به لعلو شأنه و رفعة محله، و جعل كلام السمعاني مؤيداً لهذا، إلى أن قال : إن السادة المرعشية انشعبوا إلى أربعة فرق، منهم من سكن طبرستان، و منهم من خرج من طبرستان و نزل بلدة تستر و منهم من هاجر من طبرستان إلى إصبهان و منهم من توطن بقزوين، فيهم الامراء و الوزراء و الأفاضل، و بيدهم، و بیدهم سدانة بقعة (شاه زاده حسين) المزار المشهور بتلك البلدة، إلخ.

ص: 119

هذا ما أهمنا من نقل كلمات العلماء و الأفاضل حول كلمة المرعشي، و الّذي تحصل منها أن اشتهار الشريف أبي الحسن علي المرعشي بهذا اللقب إما من جهة سكناه تلك البلدة، أو كونها ملكاً له على سبيل الإقطاع، أو من باب تشبيهه في علو المنزلة و القدر بالطائر السائر في الجو، والصحيح المعتمد عليه عندي وفاقاً لعدة من الأعلام المحتمل الأول، وأياً ما كان فلا شبهة في أن أول من اشتهر بالمرعشي هو هذا السيّد الجليل، وسرى الوصف في أعقابه و ذراريه تفصح عن ذلك کلمات النسابين ومهرة الفن وكفى بذلك شاهداً و دليلاً.

النوابغ في السادة المرعشية

اعلم أنّه قد نبغ في الأسرة الكريمة المرعشية عدة نوابغ منهم من نال السلطنة والامارة كملوك طبرستان ومنهم من تصدى الوزارة والصدارة كمر اعشة دماوند و منهم من فاز مشيخة الاسلام و منهم من برع في الفقه وأصوله و منهم من رقى ذروة العلوم العقليّة، و منهم من حظى بالعلوم الأدبية، و منهم من نال النقابة العلوية، و منهم من تقشف وزهد في الدنيا ونأى بجانبه عن زخارفها و زبارجها، تنسب إليه الكرامات وتحكى عنه المقامات، و لو تصدينا لذكرهم أجمعين لطال الكلام و أورث السامة و الكلال، ولكن حيث مالا يدرك كله لا يترك كله، نكتفي بذكر شرذمة من أعيانهم و نحيل التفصيل إلى المظان كالمشجّرات و كتب الأنساب و التراجم و الرجال والتواريخ والسّير.

فمنهم الشريف الأجل الفقيه المحدّث أبو محمّد الحسن الطبري، يعرف بالفقيه المرعشي، من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها، توفى سنة ٣٥٨ و دفن بكربلاء المشرفة ذكره الشّيخ في الفهرست، و النجاشي في الرجال، و العلّامة في الخلاصة، و

ص: 120

المامقاني في التنقيح، والأسترآبادي في المنتهى، والتفريشي في النقد، و غيرهم، روى عنه الشّيخ في كتاب الغيبة ص 93 بواسطة جماعة، ومدحه في (ست) بما لامزيد عليه وسمع منه التلعكبري في سنة ٣٢٨.

و منهم أخوه الشريف الأجل أبو الحسن على القاضي المحدث المامطيري، روى عن أخيه الحسن وعن غيره، كان فقيهاً محدثاً جليلاً ورعاً.

و منهم عمه أبو عبد اللّه الحسين (رامطه) القاضى المحدث ابن أبي الحسن علي المرعشي الشهير.

و منهم ابنه أبو محمّد الحسن بن أبي عبداللّه الحسين رامطه المذكور، كان فقيهاً محدثاً قاضياً بطبرستان، ذكره العلّامة المروزي في الفخري.

و منهم الشريف السيّد المرتضى أبو طالب بن أبي تراب محمّد سر اهنك بن أبي الكرام محمّد بن أبي زيد يحيى بن علي أبي الحسن بن أبي زيد يحيى بن علي أبي الجرة بن الحسين بن عبداللّه سراهنك بن حمزة أبي يعلى بن أبي محمّد الحسن القاضي بطبرستان ابن أبي عبداللّه الحسين رابطه المذكور كان فقيهاً مفسراً أديباً شاعراً زاهداً نسابة. و منهم أحمد أبو الحسن النقيب بن أبي عبد اللّه الحسين رامطه المذكور، كان نسابة فقيهاً زاهداً ورعاً، نال النقابة بشيراز، ثم في طبرستان، ذكره المروزي في الفخري.

و منهم أبو الحسين أحمد الفقيه المفسر حافظ القرآن بن أبي الفضل العبّاس بن أحمد أبي الحسن النقيب بشير از المذكور بعيد هذا، ذكره العبيدلي في التذكرة.

و منهم الشريف معين الدّين فغفور نقیب قزوین بن شمس الدّين محمّد بن أبي محمّد المرتضى بن أبي القاسم بن عبد اللّه بن محمّد بن عبداللّه بن القاسم بن محمّد بن عبداللّه بن القاسم بن عبداللّه بن أبي جعفر محمّد بن أحمد أبي الحسن نقيب شيراز المذكور قريباً

ص: 121

ومعين الدِّين هذا هو الّذي ينتهي إليه نسب المراعشة بقزوين، و بيدهم تولية بقعة الحسين في تلك البلدة على ما ذكره بعض النسابين، و كان المعين من رجال العلم و نوابغه فقهاً وأدباً، ذكره العبيدلي في التذكرة.

ومنهم الشريف عبداللّه أمير الحاج الزاهد الورع الناسك الفقيه بن معين الدّين المذكور، لقب (بفيل أمير) العظم قدره، وجلالة شأنه.

ومنهم الشريف أبو جعفر المهدي العلوي النسابة بن إسماعيل بن إبراهيم يعرف (ناصر) وهو ابن أبي حرب إبراهيم بن الحسين يعرف (أميرك) بن إبراهيم بن أبي الحسن علي المرعشي الشهير الّذي مر ذكره مكرراً، ذكره السمعاني في الأنساب (ص ٥٢١) من منشورات أوقاف مستر جيب E. J. w. Gibb memorial الكائنة بلندن. Series vol. XX

وأثنى عليه وقال : إنّه ولد بدهستان سنة ٤٦٢ و توفّى ٥٣٩، نشأ بجرجان و أقام بسارية مازندران، وسمع أبا يوسف عبد السلام القزويني، نروي عنه الخ. و ذكره ابن الأثير في اللباب (الجزء الثالث ص ١٢٥ ط القاهرة).

ومنهم إبراهيم الماك آبادي (الملك آبادي خ ل) بن أبي الحسن علي المرعشي الشهير المذكور، ذكره العبيدلي في التذكرة، كان قاضياً محدثاً نسابة ورعاً.

ومنهم إبراهيم بن إبراهيم الماك آبادي (الملك آبادي خ ل) المذكور، ذكره المروزي في الفخري في الخاتمة وقال : هو الفقيه النبيه.

ومنهم المهدي المشتهر بالناصر لدين اللّه بن أبي حرب الناصر بن أبي حرب بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم الماك آبادي المذكور قال المروزي في الفخري : إنّه كان من أجلاء علماء الشيعة.

ومنهم الشريف أبو أحمد شمس الدّين بن محمّد بن حمزة بن عبدالعظيم بن حمزة

ص: 122

ابن علي بن حمزة بن ابي الحسن العلي المرعشي المذكور، كان من فقهاء بغداد حافظاً للقرآن محدثاً، روى وروي عنه، قال ابن زهرة : هو شيخ رباط ابن الجويني الصاحب بمشهد مولينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ومنهم الشريف الأجل أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن علىّ المرعشي الشهير، كان من فقهاء عصره و زهاده و نساكه، وإليه ينتهي نسب الحقير ناسق هذه الدرر و ناظم تلك اللتالي الثمينة، روى الحديث عن مشائخ عصره و منهم والده و روی عنه جماعة.

ومنهم يحيى بن أبي الحسن علي المرعشي، ذكره شيخنا الشهيد الثاني في مجموعة بخطه الشريف على ما نقله شيخنا الأستاذ العلّامة المامقاني في الجزء الأول من التنقيح (ص ٢٧٤).

ومنهم الشريف أبو القاسم جعفر بن أبي الحسن علي المرعشي المذكور، كان فقيهاً زاهداً عابداً محدثاً، انتقل من طبرستان إلى المدينة المشرفة كما في تذكرة العبيد لي.

ومنهم أبو عبداللّه الحسين بن أبي محمّد الحسن بن أبي الحسن علي المرعشي المذكور الشاعر الفقيه الزاهد النسابة الأديب النقيب، ذكره العبيدلي في التذكرة وصاحب المشجرات و غيرهما، و إليه ينتهي نسبنا، قال أبو محمّد النسابة الخراساني ما لفظه : ولأبي عبداللّه الحسين عقب وذيل طويل، منهم شرفاء نقباء ببلاد طبرستان.

ومنهم أبو الحسن على نقيب طبرستان، قال الخراساني في حقه : الامام الزاهد العابد المجاهد النقيب، الخ.

و منهم أحمد الشريف النسابة بن علي بن علي بن أبي الحسن علي المرعشي الفقيه المحدث الورع من علماء المأة السادسة، نزل بلدة كربلا وبها توفى سنة ٥٣٩

ص: 123

على ما في هامش كتاب التذكرة وكانت ولادته سنة ٤٦٢.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي المشتهر (شمس الدّين كيا) بن حمد بن أحمد بن القاسم بن العبّاس من أحمد بن علي بن أبي عمد الحسن بن أبي الحسن علي المرعشي قال السيّد تاج الدّين بن زهرة في كتابه المشجر ما لفظه : سيّد كبير متفقه متزهد عالم فاضل، جم الفضائل والمحاسن، هو اليوم ببغداد على طريقة مثلى وقاعدة جميلة له أولاد من أعجمية.

ومنهم الشريف أبوهاشم النقيب بطبرستان و أمير الحاج صاحب الكتب في الفقه والحديث، ذكره ابن زهرة والعبيدلي والمروزي والخراساني و غيرهم، و إليه ينتهي نسبنا.

ومنهم الشريف أبوطالب العزيزي بن زيد بن أبي عمد الحسن بن أبي الحسن علي المرعشي المذكور، كان من نوابغ عصره في العلم والزهد والأدب، ذكره ابن زهرة في المشجرة والعبيدلي في التذكرة.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي بن أبو عبد اللّه الحسين النقيب بن الحسن بن أبي الحسن علي المرعشي، قال النيسابوري في أنسابه والبيهقي في اللباب الجزء الثاني منه ما هذا لفظه : الإمام الزاهد العابد المجاهد النقيب أبو الحسن على بن أبي عبداللّه الحسين ابن الحسن بن علي المرعشي.

ومنهم ابنه الشريف أبو محمّد هاشم النقيب بن أبي الحسن علي المرعشي المذكور هذا، كان نسابة فقيهاً محدثاً زاهداً.

ومنهم الشريف أبو عبداللّه محمّد الإمام النسابة الزاهد العابد الفقيه المحدث، هكذا قال البيهقي.

ص: 124

و منهم أخته الشريفة فاطمة المحدثة العالمة الزاهدة راوية عصرها كما في كتاب البيهقي ومبسوط الخراساني.

و منهم نور الدّين سيّد الأشراف أبو الحسن علي المرعشي من ذرية أبي الحسن علي المرعشي الأول، قال البيهقي: هو من أجلة الفقهاء، انتقل من الرى إلى همدان وصار ذاجاه وثروة عند السلطان أرسلان السلجوقي.

و منهم السيّد شمس الدّين أبو حمد الحسين، قال البيهقي في حقه : هو السيّد الأجل العالم شمس الدّين افتخار العترة مجد الطالبية، سكن خوارزم و عقبه بها.

و منهم على ما ذكره البهقي الأمير الشريف الوجيه سراهنك أبوتراب محمّد بن السيّد الأجل محمّد الأعرج المرعشي الّذي انتقل من الرى إلى همدان.

و منهم الشريف حمزة المتمتع بن علي بن الحسين بن علي المرعشي العالم الفقيه. قال البيهقي سكن شيراز و بها عقبه.

و منهم الشريف أحمد أبو الحسين الفقيه النقيب بن الحسين بن علي المرعشي، قال البيهقي : و عقبه قوم بقرية (كن (من ناحية قصران الخارج من كورة (رى) وهم رؤساء وكبراء.

و منهم الشريف قدوة الأشراف السلمان السيّد قوام الدّين المشهور بمير بزرك مؤسس الدولة المرعشية بطبرستان، وكان من أجلة الفقهاء والزهاد و الحكماء، عين بلدة آمل عاصمة مملكته و بها قبره الّذي يزار إلى الحال، أخذ العلم عن جماعة، منهم والده العلّامة السيّد صادق و منهم السيّد عز الدّين السوغندي السمرقندي وغيرهما، وله تصانيف في الفلسفة والعرفان والفقه والأدب والتفسير، ومن أراد الوقوف على سيرته فليراجع إلى تاريخ حبيب السير، وكتاب التدوين في جبال شروین و تاریخ طبرستان للسيد ظهير الدّين المرعشي، و آثار الشيعة للفاضل المعاصر الجواهري، والحصون المنيعة و مجالس المؤمنين، وأعيان الشيعة، ومطلع

ص: 125

السّعدين، وتاريخ الخاني، وتواريخ طبرستان، و ملك بنوه و أعقابه تلك البلاد إلى ظهور الدولة الصفوية، فراجع آثار الشيعة جزء الملوك ص 54.

و منهم والده العلّامة كمال الدّين الفقيه السيّد صادق بن عبداللّه النقيب بن محمّد بن أبي هاشم بن أبي الحسن المحدث علي بن أبي تمد الحسن بن أبي الحسن علي المرعشي كان من فقهاء طبرستان و أخذ الفقه والحديث و التفسير عن والده السيّد عبداللّه كما في مشجرة ابن زهرة.

و منهم السلطان السيّد كمال الدّين بن السيّد قوام الدّين مير بزرك المرعشي الّذي مر ذكره، ملك طبرستان بعد والده سنة 781 إلى أن غلب عليه الأمير تيمور الكوركاني، ونفاه إلى بلدة كاشغر، وكان هذا السلطان الجليل العلوي من أفاضل الملوك وأدبائهم و توفى بعد إيابه من كاشغر في زمن شاهرخ سنة ٧٩٥.

و منهم ابنه السلطان السيّد علي خان بن كمال الدّين المرعشي، ملك بلاد طبرستان من سنة 809 إلى سنة 821، و هو الفاضل المورّخ الورع و توفى سنة ٨٢١.

و منهم ابنه السلطان مرتضى خان المرعشي بن السيّد علي خان المذكور، كان ملكاً فاضلاً أديباً بارعاً، جلس على سرير الملك من سنة 821 إلى 823.

و منهم الشريف الأجل المير سيّد محمّد خان المرعشي، ملك طبرستان من سنة ٨٣٧ إلى سنة ٨٥٦، ابن السيّد مرتضى خان المذكور، كان فقيها مفسراً مورخاً.

و منهم السيّد زين العابدين خان المرعشي ملك طبرستان من سنة ٨٧٣ إلى سنة 880، ابن الأمير سيّد محمّد خان المذكور كان من أفاضل عصره ونوابغه.

ومنهم عمه السيّد عبد الكريم خان الأول المرعشي بن المير سيّد محمّد خان ملك بلاد طبرستان من سنة ٨٥٦ إلى سنة ٨٦٥ وكان ورعاً فقيهاً.

ص: 126

ومنهم ابنه السيّد عبد اللّه خان المرعشي بن عبد الكريم المذكور، ملك بلاد طبرستان سنة ٨٦٥ إلى سنة 87٣، و بنتهام السلطان شاه عبّاس الماضي الصفوي، نص على ذلك صاحب كتاب عالم آراء والعلّامة مير عمد أشرف في كتابه فضائل السادات. السلطان السيّد عبد الكريم خان الثاني المرعشي بن السلطان عبداللّه خان ابن السلطان عبدالكريم خان الأول المذكور ملك طبرستان من سنة ٨٨٠ إلى ٩٣٢.

و منهم السلطان السيّد عبداللّه خان الثاني المرعشي ملك طبرستان من سنة ٩٥٣ إلى ٩٦٦.

و منهم السلطان السيّد مراد خان المرعشي ملك طبرستان من سنة ٩٦٦ إلى سنة ٩٨٩.

قال في آثار الشيعة (جزء الملوك ص ٥٤) ما لفظه : وفي هذه السنة ملكت الصفوية طبرستان و مازندران، و انقرضت السلطنة المرعشية.

و منهم سيّد فلاسفة الشيعة جرثومة الفضائل أعجوبة الدهر نابغة الزمان الإمام القدوة في العلوم العقليّة الأمير محمّد باقر الحسيني المرعشي المشتهر بالدّاماد بن محمّد ابن محمود بن السلطان السيّد عبدالكريم خان الثاني المذكور كما في مشجرته الموشحة بخاتم السلطان شاه سليمان الأوّل الصّفوي، وهى موجودة في المكتبة الملية للوجيه النبيه الحاج حسين آقا ملك الكائنة بطهران، وعندنا صورتها، توفى المترجم سنة ١٠٤٠ وقيل سنة ١٠٤١ و قيل ١٠٤٢ وله تصانيف شهيرة كالقبسات و الجذوات وعيون المسائل والحواشي على الكافي وعلى الفقيه وعلى الإستبصار وعلى الشفاء وعلى شرح مختصر الأصول وغيرها من الكتب والرسائل.

و منهم العلّامة الآية الباهرة الحاج ميرزا محمّد حسين الحسيني المرعشي بن السيّد

ص: 127

محمّد علي بن محمّد حسين بن محمّد علي بن محمّد إسماعيل بن محمّد باقر بن محمّد تقي بن محمّد جعفر بن عطاء اللّه بن محمّد مهدي بن الأمير تاج الدّين حسين بن الأمير نظام الدّين علی بن السلطان میر عبداللّه خان المرعشي المذكور قبيل هذا، كان هذا المولى الجليل من أعاجيب الدهر في الاحاطة بالفنون المختلفة، وله ما يقرب من أربعين مصنفا طبع بعضها كالصحيفة الحسينية، وغاية المأمول في الأصول، وتعليقه القوانين، وتنبيه الأنام على إرشاد العوام للكرماني وغيرها، توفی 3 شعبان سنة ١٣١٥ وهومن مشائخ والدي العلّامة السيّد شمس الدّين محمود المرعشي في الدراية و الرواية، و هو يروي عن أستاذه الفاضل الأردكاني، و عن العلّامة السيّد مهدي القزويني الحلي. و منهم والده العلّامة الأمير محمّد على الشهرستاني، وكان من فقهاء كربلاء المشرفة و أجلة علمائها، وله تصانيف في الفقه وأصوله، ويروي عنه ولده المذكور.

و منهم العلّامة الأستاذ الآية الظاهرة والحجة الباهرة الحاج ميرزا علي الشهرستاني الحسيني المرعشي بن الحاج ميرزا محمّد حسين المذكور، له تصانیف و تالیف منها رسالة في قاعدة إعراض المالك عن ماله حسنة جداً وقد طبعت، و البيان المبرهن في عرس قاسم بن الحسن، والتبيان في تفسير غريب القرآن مجلدان كبيران، وشرح وجيزة شيخنا البهائي في الدراية طبع، و شرح باب الحادي عشر في الكلام لطبع، والتحفة العلوية و كتاب الاجازات والحاشية على المعالم وعلى متاجر شيخنا الأنصاري وعلى القوانين، توفسی ١١ رجب ١٣٤٤، تلمّذنا عليه في دراية الحديث وهو من مشايخنا في الرواية.

و منهم أخوه العلّامة الميرزا جعفر الشهرستاني المرعشي بن المرحوم الحاج ميرزا محمّد حسين له تصانيف في الفقه و العلوم الغريبة، سكن أخريات عمره في المشهد الرضوي وتحكى عنه غرائب في أمر الاستخارة

ص: 128

و منهم العلّامة الزاهد صاحب الكرامات و المقامات مجد المعالي السيّد قوام الدّين المرعشي النسابة مصنف كتاب نفي الريب عن نشأة الغيب في إثبات القيامة و المعاد بالأدلة النقلية والبراهين العقليّة، توفى سنة ١١٤٠، و أمه بنت الشاه سلطان حسين الصفوي الشهيد، وهو من أجدادنا، وستذكر صورة نسبنا إليه عن قريب إنشاء اللّه تعالى.

و منهم ابنه العلّامة الفقيه الزاهد النسابة النقيب السيّد شمس الدّين المرعشي المتوفى ١٢٠٠، أخذ العلم عن والده وروى عنه.

و منهم ابنه العلّامة الحاج السيّد محمّد إبراهيم المرعشي النسابة الزاهد المتوفى سنة ٠ ١٢٤ ابن السيّد شمس الدّين المذكور، وأمه من أحفاد العلّامة السيّد حسين، سلطان العلماء.

و منهم العلّامة السيّد نصير الدّين النسابة الفقيه المندر بن السيّد جمال الدّين المرعشي.

و منهم والده العلّامة الفقيه المحدث الشاعر الأديب النسابة النقيب السيّد جمال الدّين المتوفى سنة (1081) وكانت ولادته 1029، ابن السيّد علاء الدّين المرعشي، له تصانيف كاالحاشية على شرح المختصر وعلى حكمة الاشراق وعلى اصول الكافي، يتخلص في شعره (سيد).

و منهم العلّامة فخر الفقهاء الأعلام، نسابة المترة السيّد علاء الدّين نقيب الأشراف المرعشي، له تصانيف و تأليف ككناية الحكيم في الفلسفة والمصباح في الفقه، و النبراس في الميزان.

و منهم الدستور الأكرم والوزير الأعظم العلّامة النقيب السيّد فخر الدّين ميرحمة خان الثاني المرعشي، توفى سنة ١٠٣٤، و أمه من السادة الطباطبائية.

ص: 129

ومنهم العلّامة نقيب الأشراف السيّد أبو المجد المرعشي الزاهد الشهيد سنة ١٠٢٠ بید الأكراد الشافعية ابن الشريف المطاع الميرسيد محمّد خان الأول المرعشي.

و منهم آية اللّه في فنون العلم السيّد علي شرف الدّين المشتهر بسيد الأطباء و الحكماء المرعشي المتوفّى ١٣١٦، صاحب کتاب قانون العلاج والحاشية على المتاجر الشيخنا الأنصاري، وعلى الجواهر، وعلى قانون الشّيخ وغيرها، أخذ العلم عن صاحبي الجواهر والضوابط والعلّامة الأنصاري، وكان من أصدقاء العلّامة الشّيخ محمّد عبده مفتي الديار المصرية وجرت بينهما مطارحات ومكاتبات، فمن ذلك أنه لما عوفى السيّد المترجم من مرض حل به هنأه المفتي بقصيدة مطلعها :

صحت بصحتك الدنيا من العلل***يابن الوصي أمير المؤمنين علىّ

و منهم والده العلّامة النسابة الفقيه المحدث الرياضي الفلكي الحاج السيّد محمّد المرعشي المتوفّى سنّة ١٢٦٤، وله تصانيف كثيرة، أمه شريفة موسوية و أمّ أمّه بنت السلطان فتحعلیشاه قاجار.

ومنهم والدي العلّامة الزاهد المعرض عن الدنيا وزخارفها نسابة الذرية الطاهرة وجامع شملهم المتفنن في العلوم السيّد شمس الدّين محمود الحسيني المرعشي المتوفى سنة،1338 ابن السيّد شرف الدّين على سيّد الأطباء المذكور صاحب الحواشي علي شرح اللمعة والقوانين والمعالم والمتاجر والفرائد ومؤلف كتاب مشجرة العلويين الكرام وكتاب هادم اللذات في ذكر الموت وغيرها من الرسائل و الكتب، أخذ الفقه وأصوله عن الآيتين الإمامين الهمامين في العلمين السيّد محمّد كاظم اليزدي الطباطبائي والمولى عمد كاظم الطوسي الهروي، وأخذ الرجال والدراية عن الآيتين شيخ الشريعة و السيّد أبي تراب الخونساري النجفي و غيرهما، و أخذ العلوم العقليّة عن العلّامة الآخوند ملا إسماعيل القره باغي النجفي صاحب حاشية الرياض في الفقه و غيرها،

ص: 130

وأخذ علم النسب عن شيخه النسابة السيّد حسون البراقي النجفي صاحب كتاب تاريخ الكوفة المطبوع بالنجف، و عن النسابة السيّد جعفر الاعرجي الكاظمي صاحب كتاب مناهل الضرب في أنساب العرب وغيره من الكتب والرسائل، وأخذ العلوم الغريبة والشوارد عن والده العلّامة سيّد الأطباء وعن بعض علماء الهند ونروي عنه بالاجازة والقرائة والعرض وغيرها من أنحاء تحميل الحديث، وهو يروي عن ثقة الإسلام النوري وعن أساتيذه المذكورين، خلف من الذكور الحقير شهاب الدّين الحسيني النجفي جامع هذه الأحرف، و أخي الحجة السيّد ضياء الدّين مرتضى حرسه اللّه تعالى وكلاه بلطفه.

وصورة نسبه الشريف المنتهى إلى علي المرعشي هكذا، فخذ ما وعدناك و كن من الشاكرين.

هو العلّامة السيّد شمس الدّين محمود بن العلّامة السيّد علي شرف الدّين بن العلّامة الحاج السيّد محمّد الفلكي بن العلّامة الحاج السيّد محمّد إبراهيم بن العلّامة السيّد شمس الدّين بن العلّامة السيّد قوام الدّين مجد المعالي بن العلّامة السيّد نصير الدّين النسابة بن العلّامة النسابة السيّد جمال الدّين بن العلّامة النسابة السيّد علاء الدّين نقيب الأشراف بن الوزير الأكرم السيّد محمّد خان بن نقيب الأشراف السيّد أبي المجد النقيب الزاهد الشهيد بيد الأكراد الشافية ابن المطاع الأعظم السيّد عمد خان الوزير وهو الجامع بين هذه السلسلة الجليلة والسادة الشهرستانية المرعشية بكربلا و سلسلة السيّد المحقّق الداماد والسيد محمّد خان الوزير ابن السلطان الأعظم السيّد عبد الكريم خان الثاني بن السلطان الأعظم السيّد عبداللّه خان بن السلطان الأعظم السيّد عبدالكريم خان الأول بن السلطان الأعظم السيّد محمّد خان بن السلطان الأعظم السيّد مرتضى خان بن السلطان الأعظم

ص: 131

السيد علي خان بن السلطان الأعظم السيّد كمال الدّين صادق صاحب الحروب الشهيرة مع الأميرتيم ورا بن السلطان الأعظم صاحب السيف والقلم العلّامة في العلوم العقليّة والنقلية الفيلسوف الزّاهد الفقيه المتكلم السيّد قوام ن المشتهر بمير زرك المرعشي المتوفى سنة 780 أو 781 صاحب المزار في بلدة آمل وهوا بن الشريف العلّامة الأجل السيّد كمال الدّين صادق نقيب الأشراف ببلدة رى ابن الشريف الخلاص كافل أيتام العاويين وأراملهم عبداللّه أبي صادق النقيب بن الشريف أبي عبداللّه محمّد النقيب الزاهد بن الشريف الشاعر الأديب الفقيه أبي هاشم النسابة ابن الشريف الحسيب الفقيه أبي الحسن علي نقيب الأشراف في الرى وطبرستان ابن المحدث الشريف الراوى الزاهد الصائم القائم أبي محمّد الحسن النسابة المحدث ابن الشريف فخر آل رسول اللّه صاحب الكرامات الظاهرة الفقيه القاضي أبي الحسن علي المرعشي صاحب بلدة مرعش و هو الّذي ينتهي إليه نسب كلّ مرعشي في الدنيا ابن الشريف أبي محمّد عبداللّه أمير العافين و يقال له أمير العراقين النسابة المحدث الفقيه الشاعر ابن الشريف الهمام الليث الضرغام فارس بني الحسين صاحب السيف والقلم المحدث النسابة أبي الحسن محمّد الأكبر ويعرف بالسليق أيضاً لسلاقة لسانه وسيفه ابن الشريف الرئيس الفقيه الزاهد المحدث النسابة أبي محمّد الحسن المشتهر بالحكيم، الراوي المدني المتوفى بأرض الروم ابن شرف الأشراف فخر العلويين الزاهد الورع المحدث أبي عبد اللّه الحسين الأصفر المتوفى ١٥٧، يروي عن أبيه وعمته فاطمة بنت الحسين وعن أخيه الباقر وعن غيرهم، و عبداللّه بن المبارك وعبدالرحمان بن أبي المولى و ابن عمر الواقدي، وكان (رَحمهُ اللّه) أشبه ولد أبيه به أمه فاطمة بنت الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقيل أم ولد رومية قال شيخنا المفيد في الارشاد : إن ابنة الحسين الأصغر خرجت إلى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فولدت له ابنه إسماعيل امام الفرقة الإسماعيليّة، و هو ابن الإمام

ص: 132

قمر ليلة المتهجدين وشمس نهار المستغفرين مولينا سيّد السّاجدين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

(شعر)

هم العروة الوثقى لمعتصم بها***مناقبهم جائت بوحى و إنزال

مناقب في الشورى وسورة هل أتى***و في سورة الأحزاب يعرفها التالي

و هم أهل بيت المصطفى فودادهم***على الناّس مفروض بحكم و إسجال

فضائلهم تعلو طريقة منتهى***رواة علوا فيه______ا بشدّ و ترحال

(شعر)

نجوم لها برج الجلالة مطلع***عيون لها أرض الرسالة منبع

فيا نسباً كالشمس أبيض واضح***و يا رتبة من هامها النجم أرفيع

شعر لعمارة اليمنى

يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة***لك الملامة إن قصرت في عداي

إلى أن قال :

واللّه لا فاز يوم الحشر مبغضكم***ولا نجى من عذاب النار غير ولي

ولا سقي الماء من حر ومن ظماء***من كف خير البرايا خاتم الرسل

أتمتي و ه_داتي والذخيرة لي***إذا ارتهنت بما قدمت من عمل

تاللّه لم اوفهم في المدح حقّهم***لأن فضلهم كالوابل الهطل

باب النجاة فهم دنيا و آخرة***وحبّهم فهو أصل الدّين والعمل

واللّه لا زلت عن حبي لهم أبداً***ما أخر اللّه لي في مدة الأجل

عمارة قالها المسكين و هو على***خوف من القتل لاخوف من الزلل

شعر للسيد قريش البلجرامي الهندي

گل همان به که ز گلزار پیمبر باشد***مل همان به که زمیخانه کوثر باشد

گوهر آن نیست که از نطفه نیسان زاید***گوهر آن است که از معدن حیدر باشد

ص: 133

ای خوشاتازه نهالی که به بستان شرف***دست پرورده زهرای مطهر باشد

آنکه از جبهۀ او نور سیادت پیداست***عالم افروز تر از نیر اکبر باشد

در زمینی که بخندد گل خلق حسنش*** هر كف خاك بخاصيت عنبر باشد

چشم بد دور ز سیمای حسینی نسبی***چمن آرای جهان این گل احمر باشد

مدح او را نتوان در قلم آورد (عجیب)***زانکه از حوصله خامه فزونتر باشد

ثمّ إنما تركنا ترجمة حالنا ومشايخنا الّذين استفدنا من قدسي أنفاسهم و بركاتهم سيما العلّامة النقاد ومن تنيت له الوسادة في عصره قدوة الفقهاء والمجتهدين حجة الاسلام والمسلمين آية اللّه العظمى بين الأنام مولانا الحاج الشّيخ عبدالكريم الحائري اليزدي قدس سره وهو الّذي له حق عظيم على وأيادي جميلة، حشره اللّه مع أجدادي الطاهرين، و من أراد الوقوف على سوانحي العمرية فليراجع ما ألفناه في هذا الباب وما جادت به أقلام الأفاضل الاتقياء في زبرهم.

و منهم العلّامة السيّد ميرزا جعفر بن العلّامة السيّد علي سيّد الأطباء الحسيني المرعشي المذكور عمنا الأكبر، كان حكيماً متكلماً طبيباً فلكياً متقناً، ل_ه تصانيف، منها رسالة في مرض الجدري ورسالة في المطبقة و المحرقة و رسالة في حرقة البول وكتاب في تراجم الأطباء الاسلاميين وحاشية على شرح اللمعة، توفى سنة 1318، وقبره بمقبرة وادي السلام في النجف الأشرف، أورده صاحب الريحانة في الجزء الأول ص ٩٤.

و منهم السيّد إسماعيل شريف الاسلام بن السيّد علي سيّد الأطباء المرعشي المذكور أحد أعمامي، كان من تلامذة المحقّق الآشتياني والعلّامة الشهيد الحاج الشّيخ فضل اللّه النوري، كان عابد أزاهداً متفذ ناسيها في علم الحروف وسائر الغرائب له تصانيف منها كتاب أسرار الحروف وكتاب إصلاح المزاج في الطب وكتاب وقاية

ص: 134

الجسد في الطب وحاشية على الفرائد وغيرها، توفى سنة ١٣٥٤، بطهران ونقل إلى قم المشرفة و دفن بالمقبرة السكوئية، و أروي عنه بالاجازة و هو يروي عن شيخيه المذكورين.

و منهم ابن عمّ والدي العالم الجليل السيّد كمال الدّين علي المرعشي بن جمال الدّين بن العلّامة الحاج السيّد محمّد إبراهيم بن السيّد شمس الدّين بن السيّد مجد المعالي قوام الدّين صاحب كتاب نفى الريب المذكور الفاضل الفقيه المحدث، سكن في نواحي بلدة (مدراس) من بلاد الهند، أخذ العلم عن والده المرحوم وعن والدي العلّامة ويروي عنهما و أروي عنه بالاجازة، وكان آية في الذكاء وحدة الذهن، له تعاليق على الكتب التي عليها مدار التدريس، توفى في هذه السنة ١٣٧٦ و ام يخلّف أحداً في ما أعلم، حشره اللّه مع أجداده الطاهرين، وله ديوان شعر كبير يتخلص فيه (بالغريب).

و منهم السيّد نصير الدّين المرعشي ابن السلطان الأعظم السيّد كمال الدّين ابن السلطان الأعظم السيّد قوام الدّين الشهير بمير بزرك السابق ذكره، قال في الريحانة (الجزء الرابع ص 12) ما محصّله :

إنه كان مورخاً مشهوراً فاضلاً متبحراً، ألف كتاباً في أنساب السادة المرعشية. و منهم العلّامة السيّد ظهير الدّين المرعشي بن السيّد نصير الدّين المذكور، كان مؤرخاً شهيراً ثقة في منقولاته، له تصانيف وتآليف،

منها تاريخ جيلان و ديلم طبع ببلدة رشت في مطبعة عروة الوثقى باهتمام (رابينو)، ومنها تاريخ طبرستان طبع أولاً في بطرسبورغ قبل سنين، فلما نفدت نسخه شمر الّذيل في تجديد طبعه الفاضل النشيط (عبّاس شايان) من كتاب العصر فطيعه بطهران مع الدقة في التصحيح وإجادة الطبع والتعليق عليه. وهذا الكتاب من أشهر

ص: 135

كتب التواريخ التي يعتمد عليها أهل النقل، و هو مع تكونه في عصر استعمال الألفاظ الغريبة في المنشآت خال عن تلك المعاضل جزل سلس، وذكر في خاتمته أعقاب مير بزرك و مزاراتهم و قبورهم، و كانت وفاة المؤلف في حدود سنة ٩٠٠، أعقب عدة أولاد فيهم الأفاضل والكتاب والشعراء والأدباء، وفق اللّه الباقين منهم لمرضاته و حشر الماضين مع أجدادهم الطاهرين.

و منهم السيّد محمّد بن حمزة المرعشي كان فقيهاً محدثاً يروي عن الشّيخ أبي عبداللّه الحسين بن بابويه أخي شيخنا حجة الاسلام الصدوق (قدّس سِرُّه)، و عنه الشّيخ إبراهيم ابن أبي نصر الجرجاني وغيره.

و منهم السيّد رضي الدّين أبو عبد اللّه الحسين بن أبي الرضا المرعشي، الفقيه الصالح كما في فهرست الشّيخ منتجب الدّين بن بابويه.

و منهم السيّد المنتهى بن الحسين بن علي الحسيني المرعشي قال منتجب الدّين : إنّه عالم زرع. و منهم السيّد عز الدّين بن المنتهى المرعشي المذكور الفقيه الصالح كما في الفهرست.

و منهم السيّد كمال الدّين المرتضى بن المنتهي المرعشي المذكور، العالم المناظر الخطيب كما في الفهرست.

و منهم السيد عماد الدّين الرضي بن المرتضى المرعشي المذكور كما في الفهرست.

و منهم السيّد تاج الدّين المنتهى بن المرتضى المرعشي المذكور صاحب المناظرات الأصولية مع العلّامة الشّيخ سديد الدّين محمود الحمصي.

و منهم السيد أحمد بن أبي محمّد بن المنتهى المرعشي المذكور العالم الصالح كما في الفهرست.

ومنهم السيد قوام الدّين علي بن سيف النبي بن المنتهى المرعشي المذكور العالم الصالح كما في الفهرست.

ص: 136

و منهم السيد نظام الدّين محمّد بن سيف النبي بن المنتهى المرعشي المذكور العالم الصالح الدّين كما في الفهرستو

ومنهم السيّد بدر الدّين الحسن بن أبي الرضا عبداللّه بن الحسين بن على المرعشي ذكره في الفهرست.

و منهم السيد رضا بن أميركا المرعشي العالم الزاهد كما في الفهرست،

تلميذ الشّيخ عبدالجبار بن علي الرازي تلميذ شيخ الطائفة.

ومنهم السيّد مجد الدّين محمّد بن الحسن الحسيني المرعشي العالم الصالح كما في الفهرست.

ومنهم السيد أحمد بن الحسن المرعشى نزيل الجبل كما في الفهرست.

ومنهم السيد جلال الدّين محمّد بن حيدر بن مرعش المرعشي، العالم البارع كما في الفهرست، أقول : وأكثر هؤلاء الّذين نقلنا هم عن فهرست الشّيخ منتجب الدّين كانوا نازلين بقراء ورامين والرى. ومنهم العلّامة في الفنون العقليّة والعلوم النقلية الزاهد الورع التقي صدر الصدور شريف الأشراف السيّد علاء الدّين الحسين المشتهر بسلطان العلماء خليفة السلطان الحسيني المرعشي المتوفى سنة ١٠٦٤، صاحب الحواشي النافعة الشهيرة على شرح اللمعة والمعالم والفقيه وشرح المختصر والمختلف وتفسير القاضي وعلى حاشية الخفري على شرح التجريد وعلى حاشية الخطائي على شرح التلخيص وغيرها، تصدى الوزارة العظمى سنة ١٠٣٣، وقد قيل في تاريخه (زيبنده أفسر وزارت) وقيل أيضاً : (وزير شاه شد سلطان داماد) واشتهر بالداماد لكون زوجته بنت شاه عبّاس المذكور و هي أم أولاده في الدولة الصقوية، وتزوّج بنت السلطان الشاه عبّاس الماضي الصفوي، وينتهي نسبه الشريف إلى علي المرعشي كما في المجلد الثاني من الرياض

ص: 137

والمشجرة المرعشية ومشجرات العلويين للوالد العلّامة والمشجرة النوابية الموجودة في إصفهان و مشجرة سادات خليفه سلطان بإصفهان ومشجرة السادات للأستاذ السيّد رضا الصائغ البحراني النجفي ومشجرة النسابة المتبحر السيّد حسون البراقي النجفي استاذ والدي في علم النسب وغيرها من المدارك والدلائل.

ومنهم ابنه العلّامة السيّد ميررا إبراهيم بن سلطان العلماء، كان من أعاظم عصره في الفقه والأصول والحكمة والتفسير والحديث، وله حاشية على المدارك في الفقه وعلى شرح اللمعة، وعلى تفسير البيضاوي وغيرها توفى سنة،1098، وله عقب مبارك بإصفهان فيهم الأمراء و الشعراء والفقهاء والوزراء.

ومنهم العلّامة السيّد ميرزا حسن النواب بن سلطان العلماء المرعشي المذكور، كان من تلاميذ والده العلّامة وغيره، له حاشية على شرح اللمة و على الفقيه و غيرهما.

ومنهم أخوه العلّامة السيّد ميرزا على النواب المرعشي بن سلطان العلماء المذكور عن والده العلّامة، و له شرح على القواعد في الفقه، و من ذريته السادة النّوابية باصفهان

ومنهم أخوه العلّامة السيّد ميرزا رفيع الدّين المرعشي بن سلطان العلماء من تلاميذ والده و إخوته الكرام صاحب التعاليق على الكتب الدرسية ومعاجم اللغة. وأمّ هذه الإخوة الأربعة أولاد سلطان العلماء بنت السلطان شاه عبّاس الأول الصفوي.

ومنهم

العلّامة صدر الصدور في الدولة الصفوية السيّد ميرزا محمّد باقر الصدر المرعشي حفيد سلطان العلماء المذكور، كان من أعاظم عصره.

ومنهم العلّامة السيّد ميرزا نظام الدّين محمّد المرتشي من أعيان علماء إصفهان في

ص: 138

عصره والمتولي لقريتى خاوه وبوره الموقوفتين من توابع بلدة قم المشرفة اللتين وقفهما الشريفة زبيده بيكم بنت السلطان الشاه سليمان الصفوي السلطان الشاه سليمان الصفوي، و عندنا وقفنا مجة تلكما القريتين.

ومنهم العلّامة السيّد حسن المرعشي بن علي بن محمّد بن حسن بن ذي المجد المرتضى (شاه عرب) بن أبي الحسن عبد اللّه القاسم بن الرضي أحمد بن الحسين بن مهدي بن الحسن بن أبي الحرب المرعشي الحسيني المنتهى سبه إلى أبي الحسن علي المرعشي، سكن السيّد علي بلاد كرمان وعقبه في رفسنجان ذو وضياع وعقار تعرف على آباد، كشكو، كان السيّد علي من فقهاء عصره، مصنفاً مؤلفاً جليلاً توفى هناك، وله عقب مبارك فيهم الأفاضل، كذا في الرسالة التي ألفها العلّامة السيّد احمد المرعشي الرفسنجاني في تراجم أسرته.

ومنهم السيد المهدي بن الحسن بن أبي الحرب المرعشي المذكور، كان من أجلاء أصحابنا، وصفه الطبرسي في الاحتجاج بقوله : العالم العابد، وفي رجال الشّيخ أبي على أنه كان من أجاز، هذه الطائفة ومن مشائخ الاجازة.

ومنهم ابنه العلّامة السيّد على نزيل رفسنجان.

ومنهم ابنه السيّد محمّد باقر بن علي المرعشي نزيل رفسنجان من علماء عصره.

ومنهم ابنه العلّامة الآبة الباهرة علم التقى والورع استاذنا الحاج السيّد محمّد رضا المرعشي الرفسنحاني ثم النجفي، كان من فقهاء عصرنا ومن تلاميذ فقيه الشيعة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب كتاب العروة الوثقى، قرءنا عليه مبحثي القطع والطن من الفرائد، صار مقلداً صار مقلداً بعد وفاة أستاذه المذکور بیلاد کرمان و یزد و غيرهما، وكان على جانب عظيم من الورع، خلف ولدين صالحين فاضلين كاملين وهما ذخرا الإسلام السيّد آقا مهدي والسيد آقا كاظم، هاجرا من قم المشرفة إلى

ص: 139

الغري الشريف مجدّان في تحصيل العلوم الدينيّة، و أمهم الشريفة العلوية بنت الطبيب الحاذق مسيحي الأنفاس الحاج ميرزا اسد اللّه أخو الآية الباهرة زعيم الشيعة الحاج ميرزا محمّد حسن الشيرازي الشهير، أدام اللّه توفيقاتهما.

ومنهم أخوه العلّامة السيّد أحمد بن السيّد محمّد باقر المرعشي الرفسنجاني المذكور كان عالماً جليلاً، وله رسالة في تراجم آبائه وأسرته، عندنا نسختها.

ومنهم العلّامة الجليل السيّد مير علاء الملك بن مير عبد القادر الحسيني المرعشي، كان من علماء دولة السلطان الشاه طهماسب الصفوي وصدورها، وكانت بيده تولية بقعة (شاهزاده حسين أصغر) الواقعة في قزوين وهي بيد أعقابه إلى عصرنا هذا، والمتولي الفعلي الشريف الوجيه السيّد إبراهيم المرعشي أدام اللّه برکته، و كان المير علاء الملك عالماً متبحراً في الفقه والرجال كما يظهر من تعاليقه على الخلاصة والكشي و ابن داود، وتلك النسخة عندنا و فرغ من تحرير تلك التعاليق سنة ٩٦٤ ببلدة قزوين.

ومنهم والده العلّامة السيّد مير عبد القادر المرعشي، أثنى عليه ولده في تلك التعاليق.

ومنهم السيّد أحمد بن العلوي المرعشي الفاضل الفقيه النسابة نزيل بلدة ساري من بلاد مازندران، توفى سنة ٥٣٩ و عمره 72 كما في أعيان الشيعة و الريحانة (الجزء الرابع ص 10 ط تهران).

ومنهم السيّد أحمد بن محمّد بن علي المرعشي أباً والموسوي أمّاً الخراساني مولداً وموطناً من علماء المأة الثالثة عشر، قتل مسموماً في سنة ١٢٣٥، ويروي عن شيخه صاحب الحدائق والوحيد البهبهاني، و عنهما أخذ الفقه، كان من ندماء السلطان فتحعليشاه، له كتب منها إغاثة اللّهفان من ورطات النيران في المواعظ، التهذيب في الأخلاق شرح الفوائد الجديدة لأستاذه البههاني، شرح كفاية السبزواري في

ص: 140

الفقه، غنية المصلى في التعقيبات، منهج السداد في شرح الإرشاد «انتهى» هكذا في الريحانة في تلك الصفحة.

ومنهم أبو منصور الحسين بن محمّد الحسيني المرعشي من مشاهير المورّخين في دولة السلطان محمود الغزنوي، له كتاب الغرر في سير الملوك و أخبارهم ألفه باستدعاء أبي المظفر نصر أخ السلطان المذكور جمله في أربعة أجزاء، الاول في تاريخ ملوك الفرس إلى يزد جرد بن بهرام، الثانى في سقوط يزدجرد وظهور الإسلام و تواریخ ملوك اليهود والأنبياء وتبابعة اليمن وأمراء الروم والشام والعراق و غيرها والثالث والرابع في تواريخ الأموية والعبّاسية والدول الصغيرة المنشعبة في زمن العبّاسية كالطاهرية والسامانية والحمدانية والبويهية والغزنوية توفى سنة ٤٢١، كما في ص 11 من ذلك الجزء من الريحانة.

ومنهم العلّامة المورّخ السيّد ميرزا محمّد خليل المرعشي بن السيّد داود ميرزا بن السيّد محمّد خان المتولي في الحرم الرضوي بخراسان و ينتهي نسبه إلى السيّد قوام الدّين مير بزرك، كان ميرزا محمّد خليل فقيهاً فاضلاً أديباً شاعراً نسابة، له تصانيف وتآليف، منها الحواشي على تحرير اقلیدس و على تفسير البيضاوي و على المدارك وعلى الفقيه و على شرح التذكرة في الهيئة، و أشهر آثاره كتاب مجمع التواريخ، أورد فيه الحوادث الواقعة في بلاد إيران من سنة 1120 إلى 1207، وقد طبعه ونشره الفاضل المعاصر المورّخ المغفور له عبّاس خان إقبال الاشتياني بتهران سكن المترجم أواخر عمره في بنگاله من بلاد الهند، وتوفى هناك في حدود 1220 و بها عقبه.

ومنهم جده السلطان السيّد مير محمّد خان المرعشي المشتهر بالشاه سليمان الثاني لأن الشاه سليمان الصفوي الشهير جده من قبل أمه ملك بلاد خراسان أربعين

ص: 141

يوماً، و جعل عاصمة ملكه المشهد الرضوي و ضربت الدراهم والدنانير باسمه، ونقشت على إحدى طرفيها كلمة التهليل وأسماء النبي والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) و على الأخرى هذا البيت :

زد از لطف حق سکه کامرانی***شه عدل گستر سليمان ثاني

وكان جلوسه على أريكة السلطنة ٥ صفر ١١٦٣، ومدحه الشعراء بقصائد أوردها العلّامة ميرزا محمّد هاشم المرعشي في كتاب زبور آل داود، توفى ٦ ذي القعدة ١١٧٦ وكان من أفاضل الملوك أديباً شاعراً رياضياً فلكياً.

و منهم العلّامة الميرزا محمّد هاشم المرعشي بن السيّد ميرزا محمّد خان المذكور، كان من أجلة العلماء والمورّخين المعتمدين، ولد كما نص عليه هو في كتابه ليلة السبت ٢٠ صفر ١١٦٥ بالمشهد الرضوي، له تأليف و آثار علمية أشهرها كتاب (زبور آل داود) وهو كتاب جليل حاد لتراجم المشاهير من أسرته الكريمة، و عندنا منه نسخة أخذناها من نسخة قديمة في مكتبة الملك بطهران، و قد استفدنا من هذا الكتاب و نقلنا منه في تراجم المرعشيين كثيراً.

و منهم السيّد ميرزا محمّد شفيع المرعشي بن السيّد ميرزا رحمة اللّه بن ميرزا أبو المحسن ابن قوام الدّين محمّد بن الأمير عبد القادر بن قوام الدّين محمّد بن تاج الدّين حسن ابن الأمير نظام الدّين علي بن قوام الدّين محمّد بن مرتضى بن علي بن كمال الدّين ابن الميربزرك المرعشي، كان الميرزا محمّد شفيع من مشاهير المورّخين والكتاب والعلماء، ولد ١٠١٦ باصفهان رقى أمره إلى أن صار مستوفى كلّ الأوقاف في الدولة الصفوية. أخذ العلم عن المحقّق الداماد و سلطان العلماء السيّد حسين المرعشي صاحب الحاشية على المعالم و شرح اللمعة وغيرهما، له تأليف و تصانيف أشهرها كتاب بحر الفوائد في التواريخ و الأنساب، توفی باصفهان سنة ١٠٩٥، ودفن بالمدرسة

ص: 142

الشفيعية، وهي من آثاره الخيرية إلى آخر ما يستفاد من كتاب الزبور لحفيده.

و منهم السيّد ميرزا محمّد داود المرعشي بن عبداللّه بن محمّد شفيع المذكور كان من أجلة العلماء والسادات ولد بإصفهان وقد نظم تاريخ ولادته بقوله

طالع بندۀ سر گشته محمّد داود***عاصی و روسیه و قابل عفو وغفران

بود تاریخ ز هجران رسول عربی***سنة ألف وستين وخمس ازدوران

هر چه قوس آمده در خمسه عشرين درجه***در صفاهان که فضایش دهد از خلد نشان

قال حفيده في كتاب الزبور :

إنه كان علامة في العلوم العقليّة والنقلية سيما الحساب و النجوم و الهندسة ذايد طولى في الشعر والمعميات والتاريخ والسياق، وله ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بیت. ومن شعره قوله :

ناقوس نواز دیر گبران بودن***پاکار محله یهودان بودن

صد مرتبه خوشتر است نزد داود***از مبده شرع صدر ایران بودن

و تشرف بسدانة البقعة الرضوية سنة ١١١٠.

و منهم السيّد ميرزا أبو القاسم المرعشي بن ميرزا محمّد داود المذكور كان من العلماء والأدباء، ولد سنة 1080، و هو الّذي اشتغل بإجراء ماء (کوهرنگ) إلى إصفهان بأمر السلطان الصفوي، وله حروب ومدافعات مع الأفلاغنة إلى أن استشهد في إصفهان، ودفن بمزار امامزاده إسماعيل و له عقب مبارك من زوجته الشريفة العلوية بنت الميرزا إبراهيم الخليفة سلطاني المرعشي كما في الزبور.

و منهم السلطان الأكرم مير سيّد أحمد شاه المرعشي بن الميرزا أبي القاسم المذكور، وكان خروجه سنة ١١٣٩ وكان صك خاتمه :

تاج فرق پادشاهان أحمد است.

ص: 143

وضربت الدراهم باسمه وعلى صفحتها هذا البيت

سکه زد در هفت کشور چتر زر چون مهر و ماه***وارث ملك سليمان گشت احمد پادشاه

وله حروب مع الافاغنة المتغلبين، و كانت الغلبة لهم، وقتلوا هذا السيّد الجليل مع أخيه الميرزا عبد الأئمّة باصفهان سنة ١١٤٠ و دفن في مقبرة تخت فولاد كما في الزبور.

و منهم العلّامة السيّد حمد بن السيّد حسين المرعشي، ذكره في كتاب الزبور، ونقل عنه أنساب عدة و وصفه بالنسابة.

و منهم السيّد ضياء الدّين محمّد بن تاج الدّين حسن المرعشي ينقل عنه في الزبور ويظهر منه أن له كتاباً في نسب السادة المرعشية سماه ضياء القلوب.

و منهم السيّد أميرك بن الأمير أحمد بن أميرك بن علاء الدّين بن أميرك بن علاء الدّين بن ركن الدّين بن أحمد بن محمّد بن أبي الفضل السيّد أبي الفضل بن عبداللّه ابن أحمد بن زيد بن الحسن بن علي المرعشي، هكذا، وجدت بخط العلّامة السيّد مير علاء الملك المرعشي القزويني على ظهر كتاب خلاصة الرجال لمولينا العلّامة، و قد وصفه بعد سرد نسبه بالجلالة والتقى والفضل، والظاهر أنه من مراعشة قزوين.

و منهم السيّد بهاء الدّين أبو الشرف أحمد المرعشي نزيل الجبل، العالم الصالح كما في كتاب الفهرست للشيخ منتجب الدّين بن بابويه.

و منهم السيّد مير إسماعيل المرعشي المشتهر بمير ملايم بيك، كان من أجلة الأفاضل والمورّخين والكتاب في دولة السلطان الشبه صفي الصفوي، له كتاب سماه عالم آراء في التاريخ بالفارسيّة و إحدى مجلداته موجودة في مكتبة الحاج حسين آقا ملك بطهران، و قد شرع في تلك المجلدة من ظهور ملوك آق قوينلو إلى زمن

ص: 144

السّلطان الشّاه إسماعيل الصّفوي كما كتبه إلينا الفاضل الأديب المعاصر (السهيلي مدير المكتبة) و ذكر في مكتوبه : أن مير ملايم ينقل في كتابه عالم آراء عن كتاب عالم آراء لإسكندر بيك تركماني «انتهى».

و منهم صدر الصدور فخر الأشراف قدوة العلماء السيّد مير أسد اللّه المرعشي المشتهر بشاه میر بن زين الدّين علي بن محمّد شاه بن مبارز الدّين مانده بن جمال الدّين حسن بن نجم الدین محمود المهاجر من طبرستان إلى تستر، وقد مرت بقية النسب إلى علي المرعش فليراجع، ذكره العلّامة النسابة السيّد مير مدقاسم المختاري الأعرجي في كتابه الأسدية في الأنساب العلوية، وقد ألفه لهذا السيّد الجليل، وقال : إنّه أعقب ولدين السيّد مير علي والسيد ميرعبدالوهاب الّذي كان قائد جيش السلطان الشاه عبّاس الصفوي في فتح إيروان، وذكره القاضي الشهيدفي كتاب المجالس وأثنى عليه وفي بعض المجاميع انه كان من تلامذة المحقّق الكركي وان له تصانيفاً و تأليفاً.

منها رسالة كشف الحيرة في أسرار غيبة الحجة وفوائدها و رسالة في أن زينب و رقية هما بنتا رسول اللّه من صلبه، توفى سنة ٩٦٣، و نقل نعشه إلى مشهد الرضا وقيل في تاريخ وفاته شعر

تاریخ وفات صدر فرخنده صفات***از هجرت مصطفى عليه الصلوات

باشد سه عدد مرتبه آحادش***ضعفش عشرات وجمع این هر دو مآت

و منهم السيّد ميرزا شاه المرعشي بن الميرزا أبي القاسم بن الميرزا إسحاق بن المرزا سيّد على ذكره المحقّق السيّد نور الدّين محمّد الجزائري في كتاب الإسماعيلية في الأنساب المرعشية و أننى عليه، وقال : إن له ديوان شعر يتخلص (مرعش) و من شعره :

ص: 145

دم بدم دامنم از خون جگر رنگین است***میدهد هر که دل از دست سزایش این است

بعد از این روی نیاز من و خاك در دوست***كفر و إس__لام نمیدانم و دینم این است

نيك را قلب چو كردى نبود إلّا كين***آری آری دل نیکان جهان پر کین است

باید آورد بکف زلف بت تازه خطي***طلب علم نمائید اگر در چین است

گردهد دست مرا بی تو تماشای بهشت***رشته بر پای من از گیسوی حورالعین است

گاهگاهی بنگاهی دل ما را کن شاد***شاه را گاه نگاهی بسوی مسکین است

نشنود هر که ز من وصف لب او گوید***سخن مرعش دل خسته عجب شیرین است

توفّی دارجاً.

و منهم السيّد مير حبيب اللّه بن مير نور اللّه الأول بن السيّد محمّد شاه المرعشي التستري، قال في المشجرة المرعشية : إنّه كان من العلماء و الشعراء والأدباء، وهو عم القاضي الشهيد صاحب الاحقاق.

و منهم السيد مير محسن وجيه الدّين بن العلّامة مير محمّد شريف بن مير نور اللّه الأول المرعشي المذكور، قال في المشجرة : إنّه كان فاضلاً عالماً شاعراً و هو أصغر من أخيه القاضي الشهيد بسنين، و من العجيب أنه استشهد بخراسان.

و منهم العلّامة السيّد مير عبدالخالق بن میر مانده بن السيّد محمّد شاه المرعشي التستري،

ص: 146

قال في المشجرة : إنّه كان فقيهاً محدثاً نال نقابة العلويين في خوزستان، وهومن بني أعمام القاضي الشهيد.

ومنهم العلوية الهاشمية الفاطمة (بي بي شريفه خاتون) المرعشية أخت القاضي الشهيد، قال في المشجرة في حقها : العالمة الفقيهة الأديبة الشاعرة تتخلص (شريفة).

و منهم الميرزا أبو القاسم بن الميرزا إسحاق بن علي الثالث بن إسحاق بن المير أسد اللّه شاه مير، قال في المشجرة : كان عالماً فاضلاً.

و منهم الميرزا عبد اللطيف بن أبو الفتح خان بن على الثالث المذكور، كان شاعراً أديباً فاضلاً فقيهاً، سكن الغري الشريف إلى أن توفى به، ومن شعر مقوله في مديح مولانا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ما في گلستان پيغمبر ص ٥٥.

يا حبذ ابمقدم سلطان نوبهار***بلبل بگو که تحفه جانرا کند نثار

فراش کوکه صنع خزان را کند خراب***تا دیگرش نیفتد بربوستان گذار

برقع زرخ فکنده به بین دختران رز***تا همنشین شوند بیار و دهند بار

مرغان خوش نوا بنواهای دلفریب***گلهای با صفا چه صفای جمال یار

غلطان بروی آب بسی گوهر از سحاب***بر طرف جویبار گل و لاله صد هزار

داماد گل گرفته بزانو سر عروس***در حجره نشاط چه مستان هوشیار

فیروزه وزمرد و یاقوت و لعل بين***بیرون ز معدن آمده از صنع کردگار

بلبل بصد شعف بتماشای روی گل***گل غنچه کرده لپ که زند بوسه اش هزار

وه وه چه خوش بود که در این فصل دلبری***گیرد مرا چو وامق عذرا صفت کنار

گوید که ای زدانش و عقل و شعور دور***بخت خوشت ببین که چو من شد تر ادچار

نه عالمی نه فاضلی و نه امام خلق***نه واقفی از فقه و اصول و نه از بحار

نه میرفندرسك ونه سلطان أبا يزيد***نه شیخ عاملی که زهر علمت اعتبار

ص: 147

نه آگهی زعلم نجوم و نه صرف و نحو***نه آگهی ز هندسه در معرض شمار

نه مؤمنى نه صوفى نه شيخ أبوعلي***نه علم رمل و جفر که آید ترا بکار

نه خود طبیب حاذقی و نه مدرسی***نه کیمیاگری و نه از فرقه کبار

نه انوری و نه شیخ و نه خواجه بو فراس***نه مرشدی که شیوه درویشیت شعار

نه تاجر و نه زارع و نه نایب بلد***نه اهل دفتر و نه مشیر و نه مستشار

نه لایقی ببزم چه مستان هوشیار***نه قابلی به رزم چه مردان کارزار

نه پیر میفروشی و نه ساقینه مطربی***نه علم موسیقی و نه دارای تار تار

نه مهتری بقوم و نه سردار لشکری***نه یاور و نه شرف نه صاحب سوار

نه شیخ مکتبی و نه مجنون عامری***نه ذوق مسكرات و نه فعل بد قمار

نه قاری و نه اهل ریاضت نه خوشنویس***نه با خبر ز علم تواریخ روزگار

نه مرده شوری و نه معرفه روضه خوان***نه قاری قرائت قرآن بهر مزار

گیرم که سیدی و ز اولاد مرعشی***مانند تو که مفلس و بیچاره هزار

باللّه که مردنت بود اولی ز زندگی***روهمچه مور زیر زمین راکن اختیار

گویم که ای صنم نشناسی تو قدر کس***زیبد مرا که فخر نمایم بهر دیار

میشایدم که جمله شهان ارمغان دهند***بر فرق فرقدان بنهم پای افتخار

خاموش باش مادح سبط پیمبرم***شاهنشهی که عرش خدار است گوشوار

مالك رقاب عالم كن عالم الست***سلطان دين حسين علي شير کردگار

شاها توئی که قاسم رزق دو عالمي***محتاج خوان لطف عطای تو هفت و چار (الخ)

و رأيت في بعض المجاميع المخطوطة أبيا تاله بالعربية لا تحضرني تلك المجموعة حتى أنقل عنها.

ص: 148

و منهم الآية الحجة الميرزا عبدالحسين بن علي أصغر بن أبي الفتح خان بن علي الثالث بن إسحاق بن الشاه مير عبداللّه بن علي الثاني بن محمّد باقر بن علي الأول بن المير أسد اللّه صدر الصدور المتخلص بالشاه،مير، كان من أكابر العلماء و الفقهاء و المتكلمين تلميذ لدى أعيان عصره في الغري الشريف، وهو أول من سافر إلى زنجبار في إفريقا لترويج الشرع ونشر التشيع، له تصانيف.

منها متقن السداد في شرح نجاة العباد، ورسالة في كيفية تعلق علمه تعالى بالمحالات أجوبة المسائل التي سألها عنه سيف بن ناصر الخروصي قاضي زنجبار، فرغ من تحريرها سنة 1308، و تشيع ببركته جماعة كثيرة من أهالي تلك البلدة، توفى 1322 بمكة و دفن بجنب قبر عبدالمطلب، يروي عن العلّامة الفقيه الحاج الميرزا حسين الخليلي و غيره من الأعلام و يروي عنه والدي العلّامة السيّد شمس الدّين محمود المرعشي.

و منهم العلّامة المير محمّد خان بن أبي الفتح خان عم الميرزا عبدالحسين المذكور كان نابغة في الحكمة والكلام و الأدب والنجوم ولد في حدود 1207، وله كتاب كبير في النجوم وكتاب چهار دفتر في المناجات والمدائح و المناقب و المراثي، و منظومة كتاب إصلاح العمل للسيد المجاهد، وتكملة رسالة إسماعيلية في أنساب المرعشية، وكان شاعراً بارعاً يتخلص (رونق) و من شعره قوله لما تشرف بزيارة جده أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

زان پیش که جسم ناتوان خاك شود***واز دست أجل جامۀ جان چاك شود

رونق چو سك آورده بدرگاه تورو***شاید بنمك زار فتد پاك شود

وله أيضاً في مدح الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ):

ای خسروی که سوده شهان در زمان راز***که روی عجز و که بددت جبهه نیاز

ص: 149

وه وه چه در گهی که تراب أبو تراب***دارد بعرش برتری این فرش و امتیاز

آری کسی که قاسم خلد و جمعیم شد***کس نگندد بدون جواز وی از جواز

جبریل را بحاجبی آن در است امید***میکال را بخادمی آن سر است آز

جنت یکی از بخشش این صاحب در است***دوزخ بحكم او کند این سوز و این گداز

کی خلد راست رائحه و روح این سرا***باشد کجا نعیم باین لطف و اهتزاز

هر صبح و شام شمس و قمر را برشوه چرخ***آرد پی نیاز برفعت وز اوست ناز

بیگانه آنکه حلقه بدر آشنا نکرد***خاکش بسر سری که از او نیست سر فراز

مجرم چه کشت محرم کوی تو محرم است***بر اشتر توسل اگر بندد او جهاز

شاهنشهی که کشوردین است از او عمار***شیر افکنی که در صف هیجاست یکه تاز

زینت فراست فرق سلیمان دین ز تاج***از هل اتی ز دادن خانم که نماز

از طور او بدور فلك عقل در عجب***و از طرز او بششدر حیرت از این طراز

چون شد حریم كعبه محل ولادتش***گشته مطاف خلق از آن مگه در حجاز

آنکو که دوش صاحب معراج با نهاد***دستی کنم بمدحت جاهش چسان در از

ص: 150

اللّه لوحش اللّه از این قدر و منزلت***وه وه زهی ز رتبه این پار پاک باز

يا مرتضى على بتو ام روى التجا است***هر کار را باذن خدائي توکار ساز

من روسیاهم از عمل خویش در جهان***با وصف این بسوی تو روی امید باز

از بهر آخرت آخرت نبود زاد و راحله***از رحلتم ز کرده بود بیم و احتراز

دارم قصيده صله آن شفاعت است***در موت و قبرو برزخ و حشر تو دلنواز

تسلیم کردنم بامید تو است و بس***يكبار عرض کردم و گویم دو باره باز

(رونق) امیدوار تو در بذل رونقی است***اعمال او وگرنه نیرزد به نیم غاز

بادا محب خاص تو را عافیت مدام***همواره خصم شوم تو اندر دهان گاز

و منهم العلّامة السيّد سلطان علي بن الميرزا إبراهيم بن المير محمّد خان الفلكي المرعشي المذكور قبل هذا، كان عالماً فقيهاً جليلاً زاهداً أديباً مرتاضاً، أخذ السطوح عن العلّامة الحاج الشّيخ جعفر الشوشتري والخارج عن المحقّق الآشتياني والمدقق الجيلاني صاحب البدايع والمحقّق النهاوندي صاحب التشريح والعلّامة الخراساني صاحب الكفاية والعقيه النبيه الحاج ميرزا حسين الخليلي وغيرهم، وأخذ الرجال عن العلّامة السيّد أبي تراب الخوانساري، ويروي عنه أيضاً توفى ١٣ ذي الحجة سنة 1333 و دفن بوادي السلام فى الغري الشريف، خلف عدة أولاد علماء أمجاد، و كان شاعراً بارعاً وله أشعار رائعة عربية وفارسيّة.

و منهم العلّامة حجة الاسلام الحاج السيّد حمد بن السيّد سلطان علي، العالم الفاضل الفقيه، ولد 1301 وأحذ الفقه و الاصول عن الآيات : النائيني والعراقي والاصطهباناتي والشيرازي وغيرهم، ونجله العالم الحبر الجليل الحجة الحاج السيّد جعفر نزيل النجف الأشرف ومن فضلاء تلك البلدة المشرفة أدام اللّه بركاتهما.

و منهم العلّامة حجة الاسلام الحاج السيّد محمود المرعشي بن السيّد سلطانعلي

ص: 151

المذكور، الفقيه المتكلم الرّجالي، أخذ الفقه و اصوله عن الآيات : العراقي و القوچاني والجنابذي والنائيني، وأخد الرجال عن الآية الخوانساري و الكلام عن الآية استادنا البلاغي، ولد 1307، له تصانيف، منها الحاشية على المتاجر و على الكفاية، و منها رسالة ابقاء الحلية في وجوب إعفاء اللحية، كتاب في الرد على الصوفية، نفحة الرحمان في حكمة لقمان، طرق الوصول إلى دفائن العقول في الاعتقاديات، شرح دعاء الندبة، رسالة في وجوب الحجاب وغيرها. و بالجملة هذا الرجل من حسنات العصر علماً و ورعاً، و هو اليوم نزيل بلدة طهران، يبذل الجهد في ترويج الدّين وتقوية المذهب أدام اللّه أيّامه وكثير أمثاله، وله طبع شعر بالعربي والفارسي سكن مدة بأهواز ثم انتقل إلى طهران.

ومن أولاد المرحوم السيّد سلطانعلي العالم الجليل الحجة الحاج السيّد أحمد ابنه الأوسط كان من أصدقائنا وزملائنا زمن تشرفنا في مشهد الامامين بسر من رأى، وله أيادي على الشيعة هناك، وكم له من جهود ومتاعب في جمع شملهم، شكر اللّه مساعيه و حشره مع أجداده الطاهرين، توفى ١٤ صفر ١٣٦٠ و دفن في الرواق الشريف، قال الشاعر في رثائه :

قف عند باب العسكريين و قل***یا راقداً في عتبة الأمجاد

ما فاز مثلك مرعشي و لم يك***بحماية الآباء والأجداد

بشراك حصناً قلت في تاريخه***قد صار أحمد في ملاذ الهادي

و خلف عدة أولاد أمجادوهم السيّد عمد كاظم و السيّد إسماعيل و إخوتهما أدام اللّه توفيقاتهم.

ومن أولاد السيّد سلطانعلي المرعشي المذكور، العالم الحبر الجليل الحجة السيّد محمّد حسن المشتهر بالنجفي نزيل زنجبار و زعيم الشيعة بها، ولد ١٣١٤، أخذ الفقه

ص: 152

و الاصول عن مشايخنا وكان شريك الدرس معنا في السطوح العالية، متع اللّه المؤمنين ببقائه.

و منهم السيّد المير أشرف خان بن المير عبداللّه خان بن المير أشرف خان بن المير ميران المرعشي الدماوندي، كان من أفاضل الامراء، شاعر اأديباً، قتل في محاربة السلطان فتحعلي شاه مع الروس في بلاد قفقاز ونقل نعشه إلى الغري الشريف.

ومنهم السيّد الميرزا شجاع الدّين محمّد بن عبدالكريم بن أسد اللّه بن محمّد كريم بن محمّد بن العلّامة السيّد الميرزا إبراهيم بن العلّامة السيّد علاء الدّين حسين المرعشي المشتهر بسلطان العلماء، وبقية النسب إلى المير بزرك قد مرت، قال والدي العلّامة في المشجرة : إنّه كان فقيهاً مفسراً محدثاً خطاطاً.

و منهم العلّامة النواب الجليل السيّد أبو الحسين ميرزا المرعشي بن العلّامة الميرزا فتح اللّه بن العلّامة الميرزا رفيع الدّين محمّد بن العلّامة السيّد علاء الدّين حسين سلطان العلماء الحسيني، قال والدي المبرور في المشجرة : إنّه كان من أجلة المفسرين والادباء، انتقل من إصبهان إلى قرية محمّد آباد من أعمال جرقوية، و بها عقبه.

و منهم أخوه السيّد الميرزا جلال الدّين محمّد المرعشي بن الميرزا فتح اللّه المذكور وصفه في المشجرة بالعلّامة الجليل.

و منهم السيّد الميرزا عبدالواسع المرعشي بن السيّد أبو الحسين ميرزا المذكور كان فقيهاً اصولياً متكلماً بارعاً، و عندنا نسخة من الصحيفة السجادية الكاملة و هي بخطه الشريف.

و منهم العلّامة السيّد مرتضى خان بن العلّامة النّواب السيّد علي بن سلطان العلماء السيّد حسين الحسيني المرعشي، كان محدثاً فقيهاً جليلاً، تزوج بنت السلطان

ص: 153

الشاء عبّاس الثاني الصفوي وهي (مهد عليا زينب بيكم).

قال في المشجرة : كان من فقهاء العصر والمفسرين والأدباء والفلكيين، توفّى باصفهان و نقل نعشه إلى الغري الشريف و دفن بجنب قبر آية اللّه العلّامة الحلّي.

و منهم العلّامة النواب الميرزا السيّد مرتضى المرعشي بن الميرسيد علي بن السيّد مرتضى خان المذكور قبل هذا. قال مؤلف مشجرة السادة الخليفة سلطانيه ما لفظه : إنّه كان محدثاً تحريراً و علامة شهيراً، صدر الصدور في دولة الشاه السلطان حسين الصفوي وختنه على بنته وهي التي لها أوقاف جنب (ملك آباد و شاهدان) باصفهان و أوراق الوقف موشحة بخواتم العلّامة المجلسي و المحقّق آقا جمال الدّين الخوانساري والفاضل السبزواري وغيرهم.

و منهم النواب الميرزا أبو تراب، الفاضل العالم الأديب بن السيّد مرتضى المذكور قبل هذا، خرج مدعياً للسلطنة واشتهر بالشاه اسماعيل الثالث، كان من مشاهير أدباء عصره وله ديوان شعر عربی و آخر فارسی.

و منهم العلّامة الميرزا محمّد طاهر بن النواب الميرسيد علي بن سلطان العلماء السيّد حسين المرعشي، كان حكيماً متألهاً له حاشية لطيفة على شرح الهداية للميبدي، و أخرى على شرح الإشارات.

و منهم ابنه العلّامة الميرزا محمّد صادق المرعشي، له أيضاً حاشية على شرح الهداية في غاية التحقيق والدقة.

ومنهم العلّامة صاحب الكرامات والمقامات السيّد الميرزا ضياء الدّين محمّد بن العلّامة الميرزا محمّد صادق المرعشي المذكور، كان حكيماً متكلماً محدثاً زاهداً كما في المشجرة.

ومنهم العلّامة السيّد الميرزا هدايت اللّه بن العلّامة السيّد على النواب المرعشي

ص: 154

المذكور كان فقيهاً مدرساً بإصفهان. قال في مشجرة السادات الخليفة سلطانيه كان من فقهاء عصره والمدرسين صاحب التأليف الكثيرة والكرامات الظاهرة، ولد ١٠٦٧، وله أوقاف وبريات.

ومنهم العلّامة السيّد أحمد ميرزا المرعشي بن العلّامة السيّد مرتضى النواب ابن السيّد علي بن السيّد مرتضى النواب بن المير سيّد على النواب بن سلطان العلماء المذكور مراراً، كان عالماً فقيهاً نبيلاً شاعراً أديباً، وله ديوان شعر يتخلص (نیازی)، أمه بنت الشاه سلطان حسين الصفوي وزوجته بنت خاله الشاه طهماسب الثاني. قال في تذكرة (روز روشن ط بهوپال ص (٥٢٦ ما لفظه : نيازى إصفهاني نواب احمد میرزا خلف سید مرتضی از احفاد سلطان العلماء خليفه سلطان است ذهنى رسا وفكرى فلك فرسا داشت.

ومن شعره :

ما در ازل شکسته سنك ملامتيم***ای مدعي چه سعی کنی در شکست ما

و من شعره :

بيك كرشمه زلیخا وشی دل ما را***چنان ربود که یوسف دل زلیخا را

فغان که مرغ دلم صید طفل نادانی است***که بال و پر شکند مرغ رشته بر پا را

ومن شعره :

فغان زین دل که دایم در فغان است***دل است این با در آی کاروان است

مرا هست آشیان در گلشن اما***در آن گلشن که گلچین باغبان است

گلستان خوش چمن دلکش دریغا***که از پی آفت باغ خزان است

میان ماه ما و ماه گردون***تفاوت از زمین تا آسمان است

پری پنهان ز مردم آنچنان نیست***که از من آن پری پیکر نهان است

ص: 155

بخند ای گل که گل خندید در باغ***بنال ای دل که بلبل در فغان است

کجا با وی توانم هم عنان شد***بمن بخت بد من هم عنان است

ومن شعره :

از آتش عشق سوخت چون پیکر ما***مایل بوفا و مهر شد دلبر ما

آمد که زند بر آتش ها آبی***وقتی که بیاد رفت خاکستر ما

و أورده صاحب مجمع الفصحاء و آذر في تذكرة آتشكده وغيرهما ممّن ألف المعاجم في تراجم الأدباء، وقال والدي المرحوم : إنّه سكن في أخريات حياته بلدة بغداد حتى توفى ونقل إلى الغري الشريف و دفن بجنب مولانا العلّامة.

ومنهم أخوه العلّامة السيّد إسحاق ميرزا المرعشي بن السيّد مرتضى خان المذكور قال والدي العلّامة في المشجرة : إنّه كان من أفاضل عصره، ادعى السلطنة وتلقب بالشاه إسماعيل الثالث، أمه أم أخيه أحمد ميرزا نيازي

ومنهم العلّامة النواب الميرزا محمّد مقيم بن الميرزا محمّد نصير بن العلّامة الميرزا سيّد حسن بن سلطان العلماء السيّد حسين الحسيني المرعشي، قال في مشجرة السادة الخليفة سلطانية ما لفظه : إنّه كان عالماً جليلاً فقيهاً فاز برتبة الصدارة صاهر الملك الشاه سلطان حسين الصفوي على ابنته.

ومنهم العلّامة السيّد الميرزا محمّد علي المرعشي بن الميرزا محمّد رضا نزيل الهند ابن عبدالباقي بن علاء الدّين الحسين بن السيّد الميرزا محمّد باقر الصدر الخاصة ابن الميرزا السيّد حسن بن سلطان العلماء المذكور. قال في صبح روشن (ص ٥٢١ ط بهوپال) ما لفظه : «فروغ» ميرزا محمّد علي إصفهاني فرزند میرزا محمّد رضا از دودمان خلیفه سلطان و در علوم حكميه ونظم اشعار از مستعدان بود، در سنه أربعين ومأة وألف متولد گردید، و بعد سن تمیز بشوق تحصيل فضائل ببصره وبغداد

ص: 156

رفت و والدش ميرزا محمّد رضا در هندوستان آمد بذیل عاطفت نواب صفدر جنگ تمسك جست پس میرزا محمّد علي از سفر نزد پدر بهند رسیده از جانب ذوالفقار الدولة ميرزا نجف خان مراعات مراتب تعظيم وتكريم دید و بعمر هفتاد سال در شهر بنارس فروغ چراغ حیاتش منطفی گردید.

ومن شعره قوله :

باده زنگین مینماید روی تابان تو را***آبیاری میکند آتش گلستان تورا

چشمۀ آب بقا هر چند جانبخش است ليك***کی برابر میشود چاه زنخدان تو را

از خدنگت هر نفس دل را نشاطی رو دهد***داده اند از باده گو یا آب پیکان تو را

هذا ما وسع المجال لذكره من نوابغ السادة المرعشية من ذرية أبي الحسن علي نزيل بلدة مرعشى، وقد تقدم ذكر جماعة منهم بعنوان النوابغ في أسلاف القاضي الشهيد و أخلافه فليراجع.

و من رام الوقوف على تفاصيل تراجم هؤلاء وغيرهم ممّن لم نذكره فعليه بكتابنا ومن الّذي ألفناه في سالف الزمان في تراجم أعيان المراعشة و أجلاء هذه الطائفة من الملوك والصدور ومشيخة الإسلام والوزراء والأمراء والفطاحل في الفقه والفلسفة والتفسير والأدب والحديث والأصولين والعلوم الآلية وغيرها من التسعة الدوارة وفي الرجوع إليها شفاء العليل ورواء الغليل، و قد أكثرنا فيه من ذكر أسمائهم و سيرهم، والتقطنا منه في هذا الكتاب. ولو وفقنا اللّه تعالى وقيظ همّة ذي همّة لشمرنا الّذيل في إشاعته ونشره إنشاء اللّه تعالى.

ص: 157

كيفية قتله و شهادته و ما حل به من المصاب وأن دمه من الدماء التى لرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على رقبة أهل السنة والجماعة

قد مرّ سابقاً أنه (قدّس سِرُّه) هاجر من تستر إلى مشهد الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو أقام به سنين مكتبا على الإفادة والاستفادة، فلما برع وفاق في جل العلوم عزم على الرحيل إلى بلاد الهند سنة ٩٩٣ لا شاعة المذهب الجعفري، حيث رأى أن بتلك الديار لا ترفع لآل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) راية، فورد بلدة لاهور غرة شوّال من تلك السنّة، فلما وقف السلطان جلال الدّين أكبر شاه التيموري وكان من أعاظم ملوك الهند جاهاً ومالاً و منالاً على جلالة السيّد و نبالته وفضائله قربه إلى حضرته وأدناه، فصار من الملازمين له و ممّن يشار إليه بالبنان، ثم لما توفى قاضي القضاة في الدولة الأكبرية عينه السلطان للقضاء و الافتاء، فامتنع القاضي من القبول، فألح الملك عليه، فقبل على أن يقضى في المرافعات على طبق اجتهاده وما يؤدي إليه نظره بشرط أن يكون موافقاً لاحدى المذاهب الأربعة، وبقى مقرباً مبجلاً لدى الملك المذكور و كان يدرس الفقه على المذاهب الخمس الشيعة الحنفية المالكية الحنبلية الشافعية متقياً في مذهبه، و كان يرجح من أقوالهم القول المطابق لمذهب الشيعة الإماميّة، فطارصيت فضائله في تلك الديار إلى أن توجهت إليه أفئدة المحصلين من كلّ فجّ عميق للاستفاضة من علومه و الاستنارة من أنواره فحسده الحاسدون من علماء القوم من القضاة والمفتين إلى أن سمواذات يوم من القاضي الشهيد كلمة (عليه الصّلاة والسّلام) في حق مولانا علي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فاستنكره الحاضرون ونسبوه إلى الابتداع زعماً منهم أن الصلاة والسلام مختصتان بالنبيّ، فأفتوا باباحة دمه، وكتبوا في ذلك كتاباً و أمضاه كلهم إلّا أحد مشايخهم حيث خالف و كتب

ص: 158

هذا البيت إلى السلطان :

گر لحمك لحمى بحديث نبوي هي***بي صل على نام علي بي أدبي هى

فانصرف السلطان لأجل ذلك من قتله وزاد حبه في قلبه، هكذا سمعت عن والدي الشريف الآية العلّامة وعن شيخنا الاستاذ الاية الباهرة الشّيخ محمّد إسماعيل المحلاتي النجفي وعن استاذي خاتم المحدّثين خادم حرمي الامامين العسكريين الآية الحجة الشّيخ ميرزا محمّد بن علي العسكري و عن غيرهم نور اللّه مرا قدهم الشريفة و وفقني لأداء حقوقهم،

وبقي المترجم على مكانته العلميّة لدى الملك إلى أن توفى وجلس على سريره ابنه السلطان جهانگير شاه التيموري، وكان ضعيف الرأى، سريع التأثر، فاغتنم الفرصة علماء القوم وحسدتهم، فدسوا رجلا من طلبة العلم فلازم القاضي وصار خصيصاً به بحيث اطمأن قدس سره بتشيعه، واستكتب ذلك الشقي نسخة من كتاب احقاق الحق فاتى به إلى جهانگير، فاجتمع لديه علماء أهل السنة و أشعلوانار غضب الملك في حق السيّد حتّى أمر بتجريده عن اللباس و ضربه بالسياط الشائكة إلى أن انتشر لحم بدنه الشريف وقضى نحبه شهيداً وحيداً فريداً غريباً بين الأعداء متأسياً بجد. سيّد الشهداء وامام المظلومين أبي عبد اللّه الحسين عليه الصلاة والسلام، وفي بعض المجاميع المخطوطة أنه بعد ماضربوه بتلك السياط وضعوا النار الموقدة في إناء من الصفر أو الحديد على رأسه الشريف حتّى على مخه و لحق بأجداده الطاهرين، و كانت تلك الفجيعة سنة ١٠١٩.

هذا هو القول المختار عندنا لصحة سنده وقوة مدار كه، وهناك أقوال أخر في كيفية قتله، منها أن جهانگير أمر بضربه بالدبوس، فضرب حتّى توفى كما في قاموس الاعلام للسامي، ومنها ما أشار إليه في الطرائق وغيره أنه ضربه السفلة والأراذل

ص: 159

من النواصب في إحدى معابر لاهور بتحريك علمائهم بالأغصان الشائكة حتّى انتشر لحمه.

ومن الطريف الّذي يعجبني ذكره في المقام أنّ العالم الفاضل الحجّة الولد الرّوحاني والأخ الأيماني قرة العين وضياء البصر الشّيخ أبو طالب التجليل التبريزي السابق ذكره أدام اللّه أيّامه وأسعد اللّه أعوامه،

حدّثنا ذات يوم أنه رأى في المنام في إحدى ليالي شهر رمضان من سنة ١٣٧٦ أنَّ هذه اللجنة الكريمة المنصفة التي قامت بأمر كتاب الاحقاق جالسة حول بدن القاضي الشهيد عند قبره تبكي عليه وتخرج الأشواك من بدنه الشريف.

ممّا قيل في تاريخ شهادته

سر اکابر آفاق میر نور اللّه****سپهر فضل و وحید زمانه پاک سرشت

به نیمه شب بیست و شش از ربیع آخر***از این خرا به روان شد بسوی قصر بهشت

چودل زفکر طلب کرد سال تاریخش***خرد بصفحة دهر (أفضل العباد) نوشت

وقيل أيضاً : سیدنور اللّه شهید شد (1019).

مدفنه الشريف

دفن (قدّس سرّه) في أكبر آباد «آكرة»، ومرقده مزار تزوره العامّة و الخاصة و تقدم إليه النّذور،

بل سمعت عن الشريف التقي العالم الفاضل الورع السيّد محمّد الموسوي التبتي

الكشميري نزيل بلدة قم المشرفة : أنه قد تزوره الكفار الهنود وتتبرك به، و بالجملة أصبح قبره الشريف إحدى المزارات الشهيرة بالهند، و وفق اللّه بعض الراجات و أشراف تلك الديار بتعمير قبته السامية وتعيين أوقاف لها كما أشير إليه

ص: 160

في بعض كتب التراجم، و اشتهر قدس سره في كتب المعاجم و التراجم بالشهيد الثالث تارة و بالشهيد الرابع أخرى حباه اللّه بنعيم الجنة و حشره في زمرة الشهداء المقربين الّذين يحسبهم الناّس أمواتاً وهم أحياء عند ربهم يرزقون، و رزقنا شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون.

هذا مارمت ذكره في المقدّمة على سبيل الاختصار، وهناك امور قد طوينا عن ذكرها كشحاً من التراجم وانساب الاسر المرعشية و غيرها، تحرزاً من الاطالة، والمرجو من اخواني المؤمنين الدعاء في المظان فاني مفتاق إليه في حياتي وبعد الممات حشرني اللّه واياهم في زمرة الموالين لآل الرسول، والتابعين لهم في الفروع والاصول بحق القرآن الكريم، والنبي وبنيه اللّهاميم، آمين آمين.

و انا الراجي شفاعة اجداده الطاهرين شهاب الدّين الحسيني المرعشي النجفي أقال اللّه عثرته، وقد تم التأليف في منتصف شهر محرم الحرام 1377 ببلدة قم المشرفة حرم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) و عش آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً شاكراً لأنعمه تعالی آملا فضله وعميم كرمه.

ص: 161

فهرس مسائل المجلد الاول

من احقاق الحق

موضوعات البحث / الصفحة

خطبة الكتاب...2

مقدّمة الكتاب...4

خطبة الفضل بن روزبهان...22

جواب القاضي عن فقرات خطبة الفضل...35

خطبة العلّامة المصنف...75

المسئلة الاولى

في الادراك وفيه مباحث...75

المبحث الاول

في أعرفية الادراك...76

المبحث الثاني

في شرائط الادراك...92

المبحث الثالث

في وجوب الرؤية عند حصول شرائطها...102

المبحث الرابع

في امتناع الادراك عند فقد الشرائط...108

المبحث الخامس

عدم كون الوجود علة تامة للرؤية...117

المبحث السادس

في أن الادراك ليس بمعنى يحصل في المدرك...123

ص: 162

المبحث السابع

في استحالة رؤيته تعالى...128

المسئلة الثانية

في النظر وفيه مباحث...147

المبحث الاول

في أنّ النظر الصحيح يستلزم العلم...147

المبحث الثاني

في أن النظر واجب بالعقل...150

المبحث الثالث

في أن معرفة اللّه واجبة بالعقل...159

المسئلة الثالثة

في صفاته تعالى وفيه مباحث...163

المبحث الاول

في أنه تعالى قادر على كلّ مقدور...163

المبحث الثاني

في أنه تعالى مخالف لغيره بذاته...171

المبحث الثالث

في أنه تعالى ليس بجسم...172

المبحث الرابع

في عدم كونه تعالى في جهة...177

المبحث الخامس

في أنه تعالى لا يتحد بغيره...179

المبحث السادس

في أنه تعالى لا يحل في غيره...183

ص: 163

المبحث السابع

في أنه تعالى متكلم وفيه مطالب...203

المطلب الاول

في حقيقة الكلام...203

المطلب الثانى

في أن كلامه تعالى متعدد...215

المطلب الثالث

في حدوث كلامه تعالی...219

المطلب الرابع

في استلزام الأمر والنهي الإرادة والكراهة...223

المطلب الخامس

في أن كلامه تعالى صدق...228

المبحث الثامن

في أنه تعالى لا يشاركه شيىء في القدم...232

المبحث التاسع

في البقاء و فيه مطلبان...245

المطلب الاول

في أنه ليس زائداً على الذات...245

المطلب الثاني

في أنه تعالى باق لذاته...251

خاتمة

في بيان حكمين...255

الحكم الاول

في أن البقاء يصح على الاجسام بأسرها...255

ص: 164

الحكم الثانى

في صحة بقاء الاعراض...257

المبحث العاشر

في أنّ القدم والحدوث اعتباريان...268

المبحث الحادى عشر

في العدل وفيه مطالب...271

المطلب الاول

في نقل الخلاف في مسائل هذا الباب...271

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بحكم العقل بالحسن و القبح...274

تفرد الإماميّة ومتابعيهم بان جميع افعال اللّه تعالى حكمة وصواب...276

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بالرضا بجميع افعاله تعالی...278

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بعدم عقابه للناس على فعله تعالى...282

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بان اللّه تعالى لم يفعل شيئا عبثا...283

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بعدم حسن اظهاره تعالى للمعجزات على يد الكذابين...٢٨٦

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بانه تعالى لم يكلف احداً فوق طاقته...286

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بعدم اضلاله تعالى احداً من عباده عن الدّين...290

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بارادته تعالى للطاعات وكراهته للمعاصي...300

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بارادة النبي لما اراده اللّه وكراهته اما كرهه...305

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بارادته تعالى لما اراده النبي وكراهته لما كرهه...٣٠٦

في تفرد الإماميّة ومتابعيهم بامره تعالى لما اراده ونهيه عما كرهه...307

في مقايسة مقالة الفريقين في التوحيد...307

ص: 165

في مقايسة مقالة الفريقين في النبوة...311

في تحكيم الانصاف في ترجيح مقالة الفريقين...314

المطلب الثاني

في إثبات الحسن و القبح المقليين...339

في الوجوه الدالة على بطلان مقالة الأشعرية بنفى الحسن والقبح العقليين ٣٦٣

الوجه الأوّل...363

الوجه الثاني...367

الوجه الثالث...368

الوجه الرابع...369

الوجه الخامس...371

الوجه السادس...371

الوجه السابع...375

الوجه الثامن...376

الوجه التاسع...377

المطلب الثالث

في أن اللّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب...382

في عدّ ما يستلزمه مقالة الأشاعرة بارتكابه تعالى القبيح من التوالي الفاسدة...٣٨٤

في استلزامها امتناع الجزم بصدق الانبياء...384

في استلزامها لتكذيبه تعالى في آيات...386

ص: 166

في استلزامها لعدم الوثوق بوعده و وعيده...401

في استلزامها لنسبة المطيع الى السفه والحمق...401

في استلزامها لتكليفه تعالى بالمحال...402

في استلزامها لعدم العلم بنبوة أحد من الانبياء...402

في استلزامها لوجوب الاستعاذة منه تعالى...402

المطلب الرابع

فى أن اللّه تعالى يفعل لغرض وحكمة...422

في عدما تستلزمه مقالة الأشاعرة بانه تعالى يفعل لا لغرض وحكمة...422

في استلزامها لكونه تعالى لاعباً عابئاً...422

في استلزامها لعدم كونه تعالى محسناً إلى العباد...434

فى استلزامها لعدم كون منافع الاشياء مقصودة له تعالى...435

في استلزامها للطامة العظمى أعنى ابطال النبوات...438

في استلزامها مخالفة الكتاب العزيز...442

في استلزامها تجويز تعذيب أعظم المطيعين...444

المطلب الخامس

فى أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي...447

في عدّ ما تستلزمه مقالة الأشاعرة من المحالات...448

منها نسبة القبيح إلى اللّه تعالى...448

منها كون العاصي مطيعاً بعصيانه...451

منها كونه تعالى يأمر بما يكرهه...452

منها مخالفة النصوص القرآنية...453

ص: 167

منها مخالفة المحسوس...455

المطلب السادس

في وجوب الرضا بقضاء اللّه تعالى...456

المطلب السابع

في أن اللّه تعالى لا يعاقب الغير على فعله...464

المطلب الثامن

في امتناع تكليف مالا يطاق...470

المطلب التاسع

في أن إرادة النبي موافقة لارادة اللّه تعالى...485

ص: 168

فهرس تعاليق الكتاب

موضوعات البحث / الصفحة

في لطائف خطبة القاضي الشهيد (قدّس سِرُّه)

في تفسير المجاعة...

نكتة التعبير بالمتسمين...

رعاية البراعة في الايماء الى كتاب العلّامة...

في تفسير كلمة جنى...

محتملات كلمة «علياً» في الخطبة...٣

تفسير عدة من ألفاظ الخطبة...٤

الاشارة إلى قوله ألا من مات على حبّ آل محمّد الخ...4

في اقتباس القاضي جملا من خطبة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) في المسجد...4

تفسير كلمتى الأزلام والأنصاب...5

الفرق بين الصدق والصواب...5

الاشارة إلى قول علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حرب الصفين ما أسلموا قطّ...5

الإقتباس من قوله تعالى في سورة الفتح...5

لطائف التعبير بلفظتي التوشح والترشح...5

في لطف إسناد التبسم إلى الثغر...٦

قول الثاني لعلي بخ بخ و ذكر بعض من منهم...6

في كون اضافة الجديد إلى العهد من باب جرد قطيفة...6

في الإشارة الى ما رواه البخاري وابن حنبل والحميدي وغيرهم من قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انا فرطكم على الحوض و ذمّه للذين أحدثوا بعده من الأصحاب و ذكر أبيات بعض علمائهم في هذا المعنى في الاشارة إلى مجيىء القوم إلى باب بيت النبوّة و كسرهم ضلع البتول (عَلَيهَا السَّلَامُ)...8

في ترجمة عبّاس بن عتبة ذكر قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لتسلكن سنن من قبلكم حذ والنعل بالنعل ومن نقله منهم كابن حجر و الحاكم...٩

في لطف تقابل المسافة ومس الآفة...١٠

معني كلمة (الجلف)...10

النكتة في العدول عن لفظي

ص: 169

الخلافة والوصاية إلى لفظة السلطنة...١٠

في كلام السيّد إبراهيم الراوي البغدادي في حديث افتراق الامة...11

في معنى الاضفان والضغائن الاشارة إلى أن تشيع السلطان اولجایتو محمّد كان عن بصيرة و اختبار وتمييز...11

في البراعة إلى اسم كتاب العلّامة الاحتمال في كون كلمة «نقل» في المتن مبنية للمفعول...11

في كون الشافعي أقرب من سائر ذلك أتمتهم إلى أهل البيت وقرب فقهه من فقههم...12

في ترجمة صدر الشريعة البخاري ترجمة نظام الدّين المراغي الشافعي وفيه كيفية مناظرة علماء العامّة بعضهم مع بعض وكلهم مع العلّامة بمحضر السلطان...12

في التقاطنا لدراهم ذلك السلطان بين مسجدي الكوفة والسهلة في ترجمة مولينا العلّامة مختصرة ١٣

في الاشارة إلى كتاب القام الحجر للقاضي...14

في الصورة الفوتو غرافية لتلك الدراهم المضروبة...14

في ترجمة العلّامة الشيرازي...15

ترجمة الكاتبي القزويني ترجمة الكيشي و بيان المحتملات في بلده...15

في ترجمة السيّد ركن الدّين الموصلي...16

في الإقتباس من قوله تعالى الكتاب الخ...16

في كون كلمة روزبهان بكسر الباء الموحدة...16

في كون الحرى ترك بعض التعابير في المتن والاعتذار عنه...17

في معنى خلع إزاره...17

المراد بقتيل الدار...17

شيوع التوصيف بأسماء الأوصاف الملحوقة بياء النسبة في أواخر المأة الخامسة...17

ص: 170

في كون ابن روزبهان ظالماً لنفسه ولغيره ومظلوماً باغواء غيره إياه...١٧

في أوصاف الخفّاش...18

كون أصل لفظة «ريش» في الشعر كلمة ريشة...18

في كون آفتاب آفتاب من باب ظل ظليل وليل أليل...18

في الإشارة إلى رقية لتسخير (الكروان) عند اصطياده...18

في الاشارة إلى ألحان داود صاحب الزبور...19

في الاشارة إلى لقب العلّامة بیان تحامل ابن روزبهان علی الشيعة وسر ذلك...

في الاشارة إلى رواية الملاحم...19

کون ابن روزبهان من اصيب في واقعة إصبهان...19

في بيان فرقة الملاحدة...20

الفرق بين النصب بفتح الصاد والنصب بسكونها...20

في لطف تقابل النصب بالخفض...21

في الاشارة إلى مثل «استأصل بقلها»...21

قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا يزال طائفة من

امتي الخ وأنه قد نقله ابن حجر في المجمع وغيره...22

في أنه لا يسوغ التعبير بما في کلام ابن روزبهان عند من یری عدالة كلّ صحابي...22

في التشنيع على القوم على تركهم الحاق الآل في الصلاة على النبي مع روايتهم النهي عن الصلاة البتراء المفسرة بذلك عندهم...23

في بيان معني الاعتكار...23

المراد باقامة الملة...23

الاشارة إلى هجرة الاصحاب إلى الحبشة...23

في معنى الكرش و أن التعبير به ورد في حق الأنصار دون المهاجرين والناصب قد نسبها إلى المهاجرين...24

في كون حديث أصحابي النّجوم من الموضوعات...24

ص: 171

في قوله 4$: إن أقواماً من أمتي يمرقون من الدّين ومن نقله منهم كالحاكم والذهبي...٢٤

في الاقتباس في قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شاهت الوجوه للحيّ القيّوم...24

في أن كلمة قاسان يطلق على عدّة بلاد وذكر بعض العلماء المنسوبين إليها...25

في قلة أدب ابن روزبهان في استعمال كلمتي الهجرة والمدينة في سفره ومقصده...25

في معنى الرّصين...26

تعبیر روزبهان عن نفسه بما ورد به الخطاب في القرآن للنّبي...٢٦

في كون حديث من تمسك بسنتي عند فساد أمتى من الموضوعات...٢٦

في دنائة ابن روزبهان في التعبير عن شيعة آل الرسول...26

في عدم ذكر العلّامة من المطاعن إلّا ما أورده علماء الجمهور في الكتب...27

في انّ من فتح في المقالات العلميّة باب الشّتم والسب حقيق بان يسلّط اللّه عليه مثل القاضي بان یرد ترهاته...27

في معنى الشم والطود والعرانين و ما يستدل بها عليه في علمي الفراسة والقيافة بجلالة...28

في ترجمة الشّيخ علي بن عيسى الأربلي...29

نقل اربلي الحديث من ابن الجوزى و كونه معروفا بالتسنن والتحامل في حق الشيعة...29

في ترجمة يسيرة من ام فروة...29

ترجمة أبي عبداللّه النيسابوري الحاكم...30

في الاشارة إلى سوء ادب ابن روزبهان...30

طعن اكابر المخالفين بعضهم على بعض...31

في اسائة الادب من ابن روزبهان

في حق العلّامة مع كونه ممّن اتفق علماء الفريقين في عصر

ص: 172

على جلالة شأنه...31

في افتراء ابن روزبهان عدة أكاذيب وتعاميه عما في كتب التواريخ...٣٢

الاشارة إلى بعض الكتب العرية عن الجدوى من تأليف علمائهم...٣٢

في ايراده بدل التحقيقات العلميّة السب والشتم و قلة نظيره في بذائة الأسان بين مؤلفيهم...33

في نسبة ابن روزبهان الانصاف إلى نفسه مع تعانده للحقّ الصريح وقصده لا ثارة البغضاء وتشبته فيه بكل حشيش...34

في الاشارة إلى فتحه باب السب والشتم في مضمار العلم...34

في ضبط كلمة الفقرة وتعيين بعض فقرات الخطبة...35

في انكار المحقّقين من أصحابنا امتثال التكاليف و انّهما من تفضل اللّه...36

في الاشارة إلى الدعاء المروية اللّه عن أبي عبد اللّه بعد صلاة جعفر...٣٦

في شطر من ترجمة السيّد معين الدين الايجي...36

في الاشارة إلى التزام الناصب بوجوب وجود المعاليل عقيب العلل...37

في قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذين هم على ما أنا عليه وأصحابي وانه رواه ابن حجر في المجمع وكلام كنز الحقائق...37

في انقسامات القضية بحسب موضوعها وعدم دلالة الحديث المذكورفيه لفظ الأصحاب على مدعي الناصب...38

في مدرك حجية الاجماع عند الفريقين أن بيعة المبهم لا تصدر عمن له أدنى مراتب الادراك...

في تضعيفهم لحديث أصحابي كالنّجوم بايّهم اقتديتم اهتديتم...٣٩

استحقاق الأجر والثواب على في شطر من ترجمة العلّامة الدواني...٤٠

نبذ من ترجمة العلّامة الجهاردهي قتل بني اسرائيل للانبياء...

ص: 173

في أول رأس حمل على الرمح في الاسلام...42

في أن المراد بالفار في خيبر هو الأول...٤٣

ترجمة ابن أبي الحديد...43

ازلاق بصر الرجل الأول جيش الاسلام في غزوة حنين...44

في شطر من ترجمة عبدالرحمان الجامي...45

في ترجمة الشّيخ حسن النقوي...45

مستند قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من كانتهجرته إلى اللّه...45

في اختصاص عنوان الكرش في الروايات بالأنصار ونقل بعضها...46

شطر من ترجمة صاحب المواقف...٤٧

لعن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأبي سفيان في سبعة مواضع...48

في لمن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما...49

في البنج وما اصطلح عليه أهله...50

شطر من ترجمة صدر الشريعة البخاري...50

في استعمال رد العجز على الصدر في كلام القاضي...51

في الاشارة إلى المطاعن و بيان مدار کها...51

في كون الأوّل تيميا...52

كونه لكما والاشارة إلى قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا تذهب الدّنيا حتى تكون عند لكع بن لكع...٥٢

في كونه كرايسياً...52

عدم معرفته لمعنى الأب في الآية...52

عدم معرفته لمعنى الكلالة في الآية...52

كون الثاني عددياً...53

كونه فظاً غليظاً...53

اعترافه بانه أقل فقهاً من النسوان...53

تفسير بعض كلمات القاضي...54

الاشارة إلى حديث التقلين...54

مدارك حديث السفينة...54

حديث التمسك بالسنة...54

كتاب سليم بن قيس الهلالي...55

كون حديث من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النبار متواتراً...56

ص: 174

في ايراد أبيات تدل على دوران الناس مدار المال حيث دار...57

في تقسيم الناّس إلى أربعة أقسام كما في كتاب سليم وتوضيح ذلك...٥٧

في الفرق بين الأعرابي والعربي...٥٨

بیان مدارك حديث علي مع الحق والحق مع علي...58

في البدع المحدثة في الاسلام بعد عصر النبي في العقائد والفروع...٦٠

في الاشارة إلى كلمات مولانا الأمير في الخطبة الشقشقية...61

في خطبته المذكورة في کتاب سلیم...61

في التعجب عن الناصب في مخالفته المقوم حيث ذهبوا إلى انسداد باب الاجتهاد...62

في بطلان المسح على الخفين أنه لم ير من علماء القوم من اشتبه عليه الأمر في حقية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...٦٣

في نبذ من ترجمة ابن خلكان المورّخ

في ترجمة علي بن جهم...64

نقل كلام الحافظ المنذري في أن المروزي كان يضع الحديث و نقل كلمات جماعة من الأعلام في هذا الباب...65

في اشتباه الناصب في اسناد توصيف أبي بكر بالصديق إلى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)...٦٧

في شطر من ترجمة الذهبي...68

كون مضمون كلام القاضي متخذاً من الآية...68

في الانكار على الناصب في اسناد التعبير بالاب إلى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حق أبي بكر...68

في تعليم الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) التقية لبعض الأصحاب في مقام الخوف...69

٦٢في مثل معروف ونقله عن فرائد الأدب...70

في وجه ما ذكره القاضي قده في عدم اتجاه الوجهين والاشارة إلى قسمي البلاغة...71

في الآية التي اخترعها الناصب...72

ص: 175

في الرواية الدالة على التكلم مع الناس بقدر عقولهم...٧٣

في لطف التعبير بالرعى في كلام القاضى...٧٤

الاقتباس من الآية...74

شطر من ترجمة افلاطون بن أرسطن الالهي...74

في ايراد خطبة كتاب نهج الحق لمولانا العلّامة...74

في آلات النفس والتعابير المختلفة عنها والاختلاف في تعددها مع النفس و عدمه...77

في أن المراد من المشاركة معرفة الشيىء بامثاله...77

في مخالفة الماتريدية مع الأشاعرة...78

تعريف السفسطة في الصناعة العلميّة...78

نقل معنى الخفض عن ابن الاثير...78

طائفة الأشاعرة...78

رد ایراد الناصب على العلّامة...79

تعامى الناصب عن مصنفات العلّامة في العلوم العقليّة...80

في نقل كلام المصنف في آخر...81

البحث السادس...81

في استفادة الشيعة عقائدها من خطب أمير المؤمنين وأولاده (عَلَيهِم السَّلَامُ)...81

في الفرق بين الاطلاق والاستعمال في كون الادراك في كلام المحقّق محمولاً على مطلق الاحساس...82

في شرح حال رسالة الحدود في دفع اعتراض الناصب على كون الطفولية أسبق الأحوال...86

في شطر من ترجمة قطب الدّين الرازي شارح المطالع...87

في كون العلّامة من أئمة العلوم العقليّة...88

في شطر من ترجمة العلّامة السيّد صدر الدّين الشيرازي...88

في ذكر بعض الشبه الخيالية...89

ركاكة كلمات الناصب وبذائته في المسائل العلميّة...93

في الاشارة إلى محصل الامام الرازي ونقده للمحقق الطوسي

ص: 176

ومحصل المحصل للعلامة السيّد نصير الدّين المرعشي...94

في وجه ارتباط عبارة القاضي في المتن...95

في شطر من ترجمة الخطيب الكازروني حديث الحكمة ضالة المؤمن و بیان مستنده...95

في ترجمة أبي زرعة...97

أن المراد من الشهر زوري هو عبد اللّه بن القاسم الاربلي أو محمّد بن عبد اللّه بن القاسم أو غيرهما...٩٩

في تعيين مورد التمثل بالمثل المذكور في المتن...100

في شطر من ترجمة الفنادي وابن حزم و أبي إسحاق الاسفرايني...101

في اطلاقات كلمة عنان السماء وبيان عدة من الكواكب والنجوم...١٠٢

في حاشية من ابن روزبهان...104

حاشيتين أخريين له أيضاً...105

إمكان إحداث اللّه تعالى حاجباً معنوياً مانعاً عن الرؤية...106

في كون لفظ (المحال) من المثلثات...107

أنّ ما التزم به الامام الرازي من الصدفة ممّا يبكي العريس وتضحك النكلي...108

في معاني بعض الألفاظ...109

شطر من ترجمة فخر الدّين الرازي...110

معاني بعض الألفاظ...111

، حاشية عن ابن روزبهان...112

حاشيتين من ابن روزبهان في تأیید کلامه...112

طائفة اللا أدرية وطوائف العنادية...114

في شطر من ترجمة أبي الحسن الأشعري...118

في ابطال ما توهّمه من الدّليل العقلي على جواز الرؤية ونقل ما أورده عليه الامام الرازي من الوجوه الاثنى عشر...119

في الاشارة إلى الشرح الجديد للقوشجي...123

في شطر من ترجمة امام الحرمين...١٢٦

ص: 177

في شطر من ترجمة أبي العلاء المعرى و حاتم بن عبداللّه و قس بن ساعدة وباقل...127

في معاني بعض الألفاظ...128

الاشارة إلى ضعف سند الحديث الذى استندوا به علی جواز الرؤية...130

في نقل كلام الفاضل الجلبي في استظهار التأييد من آية نفي الرؤية...١٣١

في انتهاء جميع أسانيد الحديث المجوز للرؤية إلى قيس بن حازم...132

في اعتراف القوم بكون قيس بن حازم منكر الحديث و بخبطه واختلاله في أواخر عمره...133

في نقل كلام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (لم أعبد رباً لم أره) من الكافي...١٣٥

في أن المراد من أرباب اللغة في المتن وضعة الألفاظ دون اللغويين وعلماء اللغة...136

في أن التحقيق كون كلمة (لن) في قوله تعالى لن أبرح للتأبيد دون التأكيد وغيره...137

في حديث اغنوهم عن مسألتهم و محل نقله من كتب العامّة والخاصة...139

في شطر من ترجمة النظام النيسابوري...١٣٩

أن قائل الكلام المنقول في المتن هو عصام الدّين الاسفرايني...١٤٠

منع موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقومه عن سؤال الرؤية...141

في الاشارة إلى مثل معروف مولد...١٤١

شطر من ترجمة التفتازاني...142

اعتراف الامام الرازي بالعجز عن دفع الاشكالات الواردة على الدليل العقلي الّذي أقاموه على جواز رؤيته سبحانه...144

في شطر من ترجمة الشّيخ أبي منصور الماتريدي...143

في شطر من ترجمة الخيالي والغزالي...١٤٥

أن التعبير بألطف الأشياء في حقه تعالى من باب ضيق الخناق و انه غير مناسب لساحة قدسه تعالى...146

ص: 178

في ما روي من طرق الفريقين رفع المسخ عن هذه الامة...147

في الاشارة إلى كتاب الابانة للشيخ الأشعري...148

في ان المراد من الاتفاق في كلام العلّامة عدم الترتب القهري...149

في أن دلالة العقل على وجوب النظر ارشادي بالمعنى المصطلح بين المتأخرين دون المعنى الّذي أفاده شيخ الطائفة...150

في عدم المنافاة بين بداهة الشييء واحتياجه الى التنبيه...152

في رفع إشكال الدور في المتن بناء على مراتب الحكم...153

في القلندرية وبيان بعض عقائدهم وأفعالهم و أقوالهم...154

في أن لفظة العدلية تطلق على الإماميّة والمعتزلة والزيدية والكيسانية والظاهرية...155

في التنبيه على وجوب دفع الخوف بالمثال...156

من في أن صرف الدعوى ليس مسوغاً للقبول...57

في شطر من ترجمة أبي القاسم البلخي وأبي القاسم الكعبي...١٦٤

في الماتريدية ووجوه الفرق بينهم وبين الأشاعرة...165

في طائفتي الكرامية والظاهرية وعدّة من علمائهم...167

في أن أصحاب الحديث قد يراد بها طائفة الأخبارية من الخاصة والعامّة وصدور بعض الغرائب عن اخبارية العامّة وقد يراد بها من كانت همهم وتخصصهم في الحديث...168

في شطر من ترجمة العلّامة السيّد ركن الدّين الجرجاني...168

في شطر من ترجمة ابن الحاجب وأثير الدّين الأبهري...170

شطر من ترجمة الباقلاني في كون داود الجواربي كداود الأصبهاني ذاهباً إلى جواز التجسم...173

ص: 179

في نداء ملك ليلة الجمعة : هل من تائب...173

في نقل كلام صاحب المواقف في اثبات الجوارح له تعالى...173

في شطر من ترجمة مقاتل بن سليمان ومضر وكهمس وأحمد الهجيمي...175

في ضبط لفظة الحشوية ووجه التسمية بها...175

في مخالفة أصحاب أبي حنيفة في كثير من المسائل و ذكر بعض ما تقرر الفتوى بينهم على خلافه...176

في مستند حديث شهادة المرئة البكماء...176

في الخطاب لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بان الجنة مأوى من أحبهم والنار مثوى من خالفهم...179

في نبذ من ترجمة أبي يزيد البسطامي و سهل بن عبداللّه التستري...179

في شطر من ترجمة أبي القاسم جنيد البغدادي...180

في مدارك حديث من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب...180

في شعر من ترجمة سيّد المتألهين العبيد الي لاملي...181

في شيوع المناكير في حلقات الصوفية، وبيان أن الداء سرى إلى الاسلام من رهبة النصارى، و بیان ما ارتكبوها في تخريب الدین اصولها وفروعها، وأنهم طردوا العلم بأنه حجاب، و أخذوا شيئاً من فلسفة فيثاغورث مسمين ذلك بعلم التصوف، و حيازتهم بين الجهال مقاماً كمقام النبوة، وتأليفهم كتباً محشوة بحكايات مكذوبة وقضايا لا مفهوم لها حتّى ولا في مخيلة قائليها، وتشعبهم بشعب عديدة، اشتراك جميعهم في فتل الشوارب و أخذ الوجهة والتجمع في حلقات الأذكار...183

ص: 180

في شطر من ترجمة سهل بن عبد اللّه ابن يونس التستري...186

في شطر من ترجمة الشّيخ أبي عبداللّه محمّد بن الحنيف والمحاسبي والكلاباذي والقشيري...187

في شطر من ترجمة الشّيخ أبي النجيب والشيخ شهاب الدّين السهرورديين...188

في ذكر عدة من مناكير الصوفية...١٨٩

نقل أشعار السيّد غلامعلي آزاد الهندي في وحدة الوجود وغيره...190

في النقشبندية...191

أن التصوف لا يجتمع مع الحق والشرع...191

في ذكر ركن الدّين الصائن و شطر من ترجمة الخواجه محمّد حافظ الشيرازي...192

في كون الحديث المذكور في المتن منقولاً في بحار الأنوار...192

في معاني بعض الألفاظ...193

شطر من ترجمة أبي الحجاج مجاهد بن جبر...194

في بعض ما يدل على حرمة اللّهو من الكتاب و روايات العامّة والخاصة في ذلك...195

في ذكر عدة ممّن ارتكب وضع الحديث كأبي هريرة وغيره...196

في وصول التدليس في المتون والأسانيد الى حد صنف علمائهم كتباً في ذلك والارجاع إلى عدة من الكتب في هذا الشأن...١٩٧

في شطر من ترجمة ابن قيم الحنبلي وكونه تلميذ ابن تيمية و مروجاً لمذهبه، و تكفير علماء الاسلام لهما لمقالاتهما المنكرة والارجاع إلى بعض الكتب المؤلفة في الرد على الوهابية...198

في شطر من ترجمة اليافعي الشافعي...200

اطباق الكتب السماوية على كونه تعالي متكلماً...203

في أن ما عبروا عنه بالمعاني

ص: 181

المزورة أو الألفاظ المتخيلة مما لا يرجع إلى محصل...204

في معنى التزوير في النفس منشأ نزاع اتحاد الطلب والارادة و أنحاء البحث فيه و نقل بعض الأقاويل و بيان في بيان ارتكاب أبي الحسن مقتضى التحقيق...208

في بيان ضعف دعوى العينية بين الطلب والارادة...209

في مسئلة مخلوقية كلامه تعالى و اشتعال نائرة النزاع فيها بحيث انجر إلى القتل مع كونها من قبيل النزاع اللفظي عند بعض المحقّقين...211

في أن تحليل المشتق إلى ذات له العلم لا ينافي البساطة المرادة في المقام...214

في تعريف الصرع...214

أن الكسب من مصطلحات الأشاعرة ومخترعاتهم والاشارة إلى التعاليق السابقة...215

في معنى السورة...215

شطر من ترجمة عبداللّه بن سعيد...٢١٦

شطر من ترجمة النسفي...217

المراد من شارح العقائد النسفية المذكور في المتن...218

الأشعري الغلط في إثبات كلام الحق...218

في أول من تفوه بالكلام النفسي...٢٢٢

في نقل كلام الامام الرازي في المقام والرد عليه...225

في معنى ضيق الخناق...225

شطر من ترجمة أبي جعفر الأحول الشيعي وهشام بن الحكم...٢٢٦

في الارجاع إلى عدة من كتب القوم في تأييد كلام القاضي (قدّس سِرُّه)...228

في أول من تفوه بجملة (لا مؤثر في الوجود إلّا اللّه)...228

في بيان دفع دخل في كلام العلّامة (قدّس سِرُّه)...229

في المراد بالقول الخطابي...230

ص: 182

في بيان المراد من كلمتي المعاني والصفات في كلام الاشاعرة...232

في حيرة أفكار أهل النظر في شرح كلام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...233

في التوحيد واظهارهم العجز عنه...233

في نقل كلام من المواقف...236

نقل كلام شرح عقائد النسفي والرد عليه...237

في بيان مراد النصارى من كلمة (اقنوم)...239

في نقل كلام بعض القدماء في انتقال رائحة التفاح إلى ما يجاوره...٢٤٠

في الفرق بين الاستكمال والافتقار وكلام عين القضاة ونبذ من ترجمته...241

في الفرق بين معنى كلمة (إنشاء اللّه) متصلة وبينها منفصلة...242

في المراد من الظاهر بين في كلام القاضي...244

في شطر من ترجمة القاضي أبي بكر الباقلاني...247

في تحرير ابن روزبهان ما ذكره من الجواب في المتن...248

في حد الدليل الالزامي...250

مثل يضرب به في قصور الناقص عن اللحوق بالكامل...251

في وجه ما نسبه إلى الأشاعرة في المتن من الزعم...253

في تصنيف بعض المفرطين كتاباً في امتناع بقاء الأجسام...255

في الاشارة إلى الخلاف في كون الفلكيات أجساماً...255

في نقل حديث من غشنا فليس منا عنأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...258

في معنى كلمة (الانبوب) و وجه مناسبتها في المقام...260

في عدم تسلم كون كلّ عرض هما يحتاج إليه الجسم في البقاء...263

في كلمة (العنديّات)...263

إطلاقات كلمة الذات...265

انقطاع التسلسل بالانتهاء إلى الذات...269

ص: 183

في الاشارة إلى اختلاف انظار التابعين لمتبوعيهم في العلميات...269

في اشتراك الأمثال في الحكم...270

تعيين المراد من بعض أجلة المتأخرين المذكور في المتن...270

في تأخر رتبة مبحث العدل عما تقدم من المباحث وبيان المراد بالعدل...271

في أن العدلية لا يقولون بوجوب الجزاء...273

في شطر من ترجمة النظامي الكنجوي...275

في بعض التوالي الفاسدة المترتبة على قول الناصب في المتن...277

في شطر من ترجمة القاضي عبد الجباز والصاحب بن عباد...277

في معنى لفظة البهمشي وترجمة أبي هاشم...278

في الفرق بين القضاء والمقضى...279

ما ذكره أبو الحسن من كون المراد من القضاء ما تفهمه الأذهان...280

في مدرك حديث الخير فيما يقضى اللّه...٢٨٠

دفع شبهة ان التمكين من القبيح قبيح...281

في نقل كلام المصنف في نهاية الوصول في كون تشريع الأحكام لأجل مصالح العباد...285

في شطر من ترجمة الصقر المجبر والنظام وعيدان...289

في معنى بعض اللغات...290

معنى كلمة (ايش)...290

الاشارة إلى مثل معروف يضرب في حق من يرمي الأقوياء بمفتريات مع ضعفه في الغاية...292

في شطر من ترجمة أبي زيد...293

في ترجمة كميت شاعر آل الرسول...٢٩٤

توضيح كلام المتن...295

تبيين معنى الاضلال في الآية المذكورة في المتن...296

في اعتراف الرازي بما في المتن...297

موافقة الارادة مع العلم عند الأشعري ومع الأمر عند المعتزلي...301

ص: 184

في شطر من ترجمة ابن قيم الحنبلي، وأنه خصيص ابن تيمية، وتابعه في انكاره الشفاعة، وتحريم زيارة القبور، والنقد عليهما بعدم التأمل في مداليل الكتاب والسنة، و ذكر عدة ممّن كتب في الرد عليهما و قيام محمّد بن عبدالوهاب بتجديد مذهبهما والاشارة إلى عائلة ابن سعود و ما ارتكب من المظالم والجنايات العظيمة...301

في تعيين المراد من أبي يعلى في المتن...٣٠٣

حديث من لم يصبر على بلائي وذكر بعض من نقله...304

في كلام لابن همام و ذکر شطر من ترجمته...304

في المشبهة و عقايدهم و بيان أصنافهم كالعلمانية والجوارية والحدوثية...308

في الاشارة الى تحقيق المتأخرين في شمول الخطابات للمعدومين وعدمه...310

في نقل كلام لابن همام الحنفي...3111

نزاع تنزيه الأنبياء والاشارة إلى ما صنفه أصحابنا من الكتب في هذا الباب...311

في الاشارة إلى اعتراف ابن الجوزي مع شدة عداوته وبغضه بأن لعلى (عَلَيهِ السَّلَامُ) حق التعليم على جميع المسلمين...317

في الاقتباس من الاية...322

تعيين بعض المتأخرين المذكور في المتن...322

في الاشارة إلى كون الرضاء بالقضاء همّا التزم به الإماميّة...325

في الاشارة إلى تنزيه الإماميّة لناحيته تعالى عن مناسبات عالم النّاسوت...326

في شطر من ترجمة الحسن البصري...327

اشتباه سلام القاضي بسلام القاري وشطر من ترجمته...328

في ذكر القوم نسبة أبي بكر الخطأ

ص: 185

إلى نفسه...329

في ذكر القوم نسبة عمر و ابن مسعود الخطأ إلى أنفسهما...330

في الاشارة إلى أن الكلام النفسي غير خارج عن العلم والإرادة و سائر الكيفيات النفسانية...332

في تفسير لفظة (البلكفة)...333

عدم امكان رؤية ما لم يتكيف بالكيفيات المحسوسة بالبصر...333

في تحف الامام الرازي في جمل الرؤية في كلامهم على الانكشاف...333

في التزام عدة من أكابر العامّة بجواز معصية النبي بعد التلبس بالنبوّة...334

في شهادة عدة بكون ما اشتهر من أن حسنات الأبرار سيئات المقربين من الموضوعات و أنه من كلام بعض العرفاء...335

في مستند دعاء صنمي قريش وذكر شروحه المخطوطة...337

في أن التواريخ تشهد بأن بيعة

أكثر المهاجرين والأنصار كانت بتهديد أصحاب السقيفة إيّاهم...٣٣٨

في العناوين المترتبة على الفعل و بيان الوجوه والاقوال في الحسن والقبح والفوائد التي لا توجد في غير هذه التعاليق...339

في الاشارة إلى التزام صاحب المواقف بالتناقض حيلة للتخلص عن الشّناعة...342

في بعض ما ورد في كون العقل حجّة باطنة...345

في الارجاع في المقام إلى كتاب الروضة البهية و بيان شطر من ترجمة صاحب التوضيح...346

في المراد من بعض قريش المذكورين في المتن...348

في الفرق بين المكابرة والتحكم في الاصطلاح...349

في إطلاقات القلب وسمع القلب وفوائد في المقام...355

في شطر من ترجمة عبداللّه بن عبّاس...٣٥٨

ص: 186

في معنى الشرع والحكم...359

نقل كلام علماء الطبّ فيما هو المرض وما هو السبب في ذلك، وأن اللازم لمن يروم المعالجة قطع أسباب المرض، وحصول العلاج مع قوة الطبيعة من غير احتياج إلى التداوى، و نقل أخبار في النهي عن التداوي ما دامت للطبع قوة الدفع، و أنّ استعمال الدواء عند الاحتياج لابد أن يكون بقدر الاضطرار إليه كماً وكيفاً، و استنتاج تعريف الطب ممّا ذكر وفوائد نفيسة في المقام...360

في دفع التنافي بين ما ذكر في المتن وقولهم لا مؤثر في الوجود إلّا اللّه...362

في حقيقة الثواب و بيان أقسامه...٣٦٤

مثل معروف...364

حيرة العقول في تعيين المراد من لفظة (أنا) وما ترادفها في سائر اللغات...366

في البراهمة وشعبها...368

أن الحسن و القبح العقليين مذهب جميع الفرق ما عدا الأشاعرة...370

في خروج الناصب عن محل النزاع بين القوم من الصدر الأول إلى اليوم...370

في نقل كلام العلّامة في نهاية الوصول في تعيين الجهة المحسنة والمقبحة التي لا يدركها العقل...373

في تعيين المراد بنفس الأمر...376

اختلاف النسخ في وصف بدر الدّين بالتميمي أو الشمني التستري أو البهمني أو الشمني التميمي، وذكر شطر من ترجمة كل منهم...379

في عدم حلية الخمر في شريعة من الشرايع ونقل الروايات عن الكافي والاثنى عشرية في المقام...381

في الاشارة إلى مسيلمة الكذاب...٣٨٤

ص: 187

في نقل حديث لا نبي بعدي...386

وجه تسمية المجوس، و أنه يطلق عليهم الزراد شنية والأذريّة والخوريّة واليزدانيّة والاهرمانية، و بيان وجه تسميتها، وبيان فرقهم كالحرمينة والمزدكية والفريدونية، و بيان التزام المجوس بمبدئين و ذکر مراسمهم و آدابهم، و كلمات المورّخين في الزردشت وذكر عدة من كتب الزرادشتية معظمة عندهم، و في الختام ذكر كامة في حق كتاب دبستان المذاهب...388

في توضيح ما ذكر من الاشتباه في المتن...394

في اصطلاحات المتكلمين في المشيّة القطعيّة، والقسريّة والحزميّة واتخاذها من روايات أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...396

في كون الشرور اعداما و نقل كلام المتاله السبزواري...397

في بسط الكلام في تقدم القدرةعلى الفعل و تقارنه و تفسیر الكسب المصطلح بين الأشاعرة وفوائد مهمة اخر...398

في تفسير كلمة (علام)...405

احصاء الآيات التي يمكن للمتوهم استشمام رائحة الجبر منها وبيان أنواعها...406

في احصاء الآيات التي يستفاد منها اقداره تعالى للعبد ويمكن للمتوهم استشمام رائحة الجبر منها ودفع توهّمهم...410

في الأمر بين الأمرين وبيان كون الفعل مشتملا على جهتين و ذكر الوجوه والأقوال في حقيقة الأمر بين الأمرين...413

في نقد وايات الأمر بين الأمرين...٤١٥

كلام أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رسالتة إلى أهل الأهواز...419

في وقوع التشاجر بين المسلمين

ص: 188

في كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض وعدمه...422

في الفرق بين العبث واللعب...422

تعيين بعض المتألهين المذكور في المتن...424

في نقل كلام من نهاية الوصول في الايراد على قول الأشاعرة بنفى الغرض...425

في نقل كلام من المحصل في نفى الغرض ونقد المحقّق الطوسي عليه...٤٢٥

في تأييد الكلام المذكور في المتن...٤٢٧

بیان حاصل الكلام المذكور في المتن...428

في كتاب الطوالع وترجمة مصنفه...٤٣٠

نقل كلام القاوقجي في حديث لولاك لما خلقت الافلاك...430

في كون حديث كنت كنزاً مخفياً من الموضوعات...431

في عدم دلالة الحديث المذكور في المتن على مدعي الناصب...٤٣١

في معاني بعض الألفاظ كلفظة (تيتال) ونحوها...432

في ابطال الدليل المقام على عدم كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض...٤٣٣

في الاشارة إلى الآيات في المقام...٤٣٦

الروايات في التبريد بالماء و معنى كلمة المرّة...436

في نقل ما روي من كون الناسب شرّاً من اليهود والنصارى...439

في تعنت ابن روزبهان في نسبة الافتراء إلى مولينا العلّامة مع كون ما ذكره حديثاً مروياً ذكرنا مستنده في الحاشية المتقدمة...440

في نقل حديث القدرية مجوس هذه الامة عن كتاب كنز العمّال...٤٤١

في نزاع كونه تعالى مريداً للطاعات بین العامّة والخاصة وأشعار العلّامة الآية السيّد محمّد باقر الحجة الطباطبائي الكربلائي في المقام...447

في النعمانية و رئيسهم محمّد بن على

ص: 189

ابن نعمان ومناظرته مع أبي حنيفة وذكر عدّة من كتبه و اسناد النعمانية إليه مناكير هو بري، منها...449

في الاشارة إلى الروايات الدالة على ارادته تعالى للطاعات و کراهته للمعاصي من طرق الفريقين...٤٥٣

في إطلاق ابن روزبهان الارادة على الرضا مع عدم التزام أصحابه بذلك وتفرده في هذا المضمار...454

في اضطراب كلماتهم في تفسير معنى الكسب وأن هذا المخترع بأي معنى فسر لا يجدي شيئاً...٤٥٥

في وجوب الرضا بالقضاء والقدر والأدلة الدالة عليه من العقليّة والسمعية النبوية والولوية و أبيات مولينا الآية السيّد محمّد باقر الحجة الطباطبائي الكربلائي في المقام...456

في كلمة لاجرم والتحقيق في معانيها...٤٥٨

في محل نقل حديث من لم يرضبقضائي من طرق الفريقين...460

في ما يتعلق بأسانيد الأحاديث القدسية والاشارة إلى ما فيها من الأبحاث والمسائل الشريفة...٤٦١

في شطر من ترجمة العلّامة القوشجي و ذكر مستند رواية سئوال شيخ من أهل العراق عن مولينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...463

في نقل كلام مولينا العلّامة المجلسي في تعاليقه على شرح التجريد...464

في تحقيق المراتب بين الباري جلّت عظمته وبين عباده وأقسام الملكيّة وشئون رحمته في التكاليف وغيرها من الفوائد المهمة...466

في التحقيق في جبل قاف...471

في أن مقتضى كون ذاته مستجمعة للصفات الكمالية مقتض للعدل والحكمة...472

ص: 190

في أن تعليل الناسب بقوله تعالى يفعل مايشاء على صدور القبايح في غاية الفساد...472

في أن الحكم بامتناع فعل العبد و انسلاب اختیاره لعلمه تعالی بعدم وقوعه في غاية الوضوح من البطلان...473

في الاشارة إلى المسائل المبحوثة عنها في باب القدرة...473

في مسائل راجعة إلى تصور الممتنع والبحث عن الوجود الذهني...٤٧٤

في ترجمة أبي لهب عم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...٤٧٦

ترجمة العلّامة قطب الدّين الشيرازي...478

في نقل كلام مولينا العلّامة في نهاية الوصول...479

في البحث في طائفة الثنويّة...479

في ترجمة إدريس النبي على نبينا و آله و(عَلَيهِ السَّلَامُ) و استناد عدّة من العلوم والصنايع و الحرف إليه...480

ترجمة الفاضل الفناري الرومي...481

في ترجمة ابن حزم الاندلسي...481

في ترجمة أبي اسحاق الاسفرائني...٤٨٢

شرح المثل المعروف (لا يعرف أى طرفيه أطول)...483

في المشائيّين والاشراقيّين وذكر عدّة من كبراء المسلكين و تعاريف الحكمة وكلمات العلماء في حقها...483

في مقالة الفضل بن روزبهان الناصب ان اللّه تعالى قد يقدر مالا يرضی به فلا یرضی به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الخ...485

ص: 191

الخطبة...12

في تمجيد الكتاب وذكر مزاياه وتخصصه بين أمثاله بفوائد هامة وامور مهمّة...١٣

سبب الاقدام على طبع الكتاب...13

الاشارة إلى بعض ما تحتوى عليه التعليقات من الفوائد النفيسة والامور التي يتنافس فيها...14

في الاشارة إلى تحامل اللجنة الكائنة بالقاهرة على الشيعة وذكر بعض الكتب والرسائل التي تحومل فيها على الشيعة كمقالات الكوثري والقصيمي والشيخ عبدالوهاب والشيخ عبداللطيف والعدوي والدكتور محمّد جمال الدّين وغيرهم...15

في الاشارة إلى جعل القوم مناط التعديل للرواة بغض آل الرسول ومناط الجرح حبّهم ايّاهم...17

في نقل كلام من كتاب العتب الجميل في هذا الشأن...17

احتجاح أرباب الصحاح الستة بالإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا البخاري...18

سرد أسماء جماعة من علماء أهل البيت الّذين ظلموا بالجرح من العامّة، سرد أسماء جماعة من التابعين و من بعدهم الّذين جرحوهم لتشيعهم لآل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...20 - 19

في سرد أسماء عدة من أعداء أهل البيت الّذين وتقهم القوم لبغض آل الرسول...22

سرد أسماء عدة من أعداء أهل البيت وقد عد لهم القوم لقربهم من الطواغيت...22

سرد أسماء عدة عد لوهم مع ذكرهم لنصبهم...23

ص: 192

في ارتكابهم التأويلات البعيدة والتحريفات السخيفة في متون الأحاديث بعد ضيق السبل وانسداد الأبواب عليهم في تضعيف الأسانيد...24

في اعتذاره عن الاشارة إلى صنيع جماهير الامة...

نقله الاشعار المنسوبة إلى الامام جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)...26

التعجب من ديدن المعاصرين من علماء الجمهور...26

سرد أسماء عدة من أعلامنا الّذين كتبوا في الرد عليهم...26

الاسف من عدم مبالاة القوم بحلول التشتت والافتراق على الاسلام...26

الاشارة إلى مظلومية الشيعة...27

الاشارة إلى عدم جواز السكوت بعد هذا ولزوم الدفاع عن الحق...27

الاشارة إلى سبب نشر كتاب إحقاق الحق...27

ذكر افراد اللجنة القائمة بامر الكتاب...27

الاشارة إلى بعض مزايا طبع الكتاب...28

النسخ التي كانت بايدينا حال التصحيح...29

حول نهج الحق...30

في كونه من أنفس الكتب الكلاميّة...30ة

ذكر بعض شروح الكتاب وتراجمه بالفارسيّة والهنديّة...30

سرد مزايا إحقاق الحق...30

خلوص نية المصنف في تصنيفه...31

علو رتبة المؤلف وتأيده بتأييدات الباري...31

نقل عبائره في مختتم الكتاب في ذكر كيفية تأليف الكتاب...31

ص: 193

في التمجيد عن الكتاب والاعجاب في حقّه...32

ترجيح الكتاب على غيره من الكتب الكلاميّة...33

كلمات العلماء و ارباب الفضل في حق الكتاب...33

في كلام استاذ الكل الوحيد البهبهاني...33

في كلام العلّامة صاحب الحدائق...33

في كلام العلّامة مولينا السيّد دلدار على الهندي...33

في كلام صاحب كشف الحجب...33

في كلام صاحب القوانين...33

في كلام العلّامة المولى محمّد تقى المجلسي...34

في كلام السيّد الجزائري...34

في كلام عدة آخر من العلماء...34

سرد ما صنف من الكتب حول إحقاق الحق...34

حياة مولينا آية اللّه على الاطلاق العلّامة الحلى (قدّس سِرُّه)...

اسمه و سرد نسبه...35

میلاده...35

وفاته...35

كلمات العلماء في حقه...36

كلام مولينا العلّامة صاحب رياض العلماء...36

كلام صاحب الوسائل في امل الأمل...36

كلام المولى نظام الدّين القرشي الساوجي...36

ص: 194

كلام مولينا القاضي الشهيد (قدّس سِرُّه) في المجالس...37

كلام العلّامة الجرجاني...37

كلام بعض تلاميذ الشهيد...37

كلام العلّامة سيّدنا الأمين في الأعيان...37

كلام العلّامة المدرس في الريحانة...37

كلام العلّامة البروجردي في نخبة المقال...38

كلام ابن حجر العسقلاني...39

في اجتماع مولينا العلّامة مع ابن تيمية في الحج نقلاً من خط السخاوي في هامش الدرر لابن حجر...40

کلام ابن حجر في لسان الميزان واشتباهه في اسم المترجم...40

كلام العلّامة القاضي البيضاوي...41

كلام شيخنا القدوة الحسن بن داود الحلي...41

كلام المولى البحاثة عهد الأردبيلي...41

كلام المولى الميرزا محمّد الاسترابادي في رجاله الكبير...41

كلام الشّيخ أبي على الحائري الرجالي...42

كلام السيّد التفرشي في رجاله...42

كلام فقيه الشيعة الشّيخ يوسف البحراني...42

كلام المولى الجليل الرجالي الشّيخ عبدالنبي الكاظمي...43

كلام العلّامة الشّيخ عبداللطيف العاملي الجامعي...43

كلام العلّامة السماهيجي البحراني...43

ص: 195

كلام مولينا العلّامة السيّد مهدني بحر العلوم...44

کلام آخر له...44

كلام استاذنا العلّامة الحاج الشّيخ عبداللّه المامقاني...45

كلام العلّامة الفقيه الشّيخ أسد اللّه التستري...45

كلام المحقّق الكركي...45

كلام العلّامة المولى حسين الاستراباذي...46

كلام آخر له...46

في أن ما نقلناه من كلماتهم نقير من كثير...46

في اسائة أدب ابن روزبهان بالنسبة إلى ساحة المترجم...46

في إظهار الاسف عمّا صدر من بعض المعاصرين المؤلفين في حق معاصريهم من خدمة المذهب و سدنة الشرع...46

مشايخه في العلم والرواية...47

تلاميذه في الدراية والرواية...47

مؤلفاته ومصنفاته...51

سرد كتبه في الفقه...51

سرد كتبه في أصول الفقه...51

سرد كتبه في الكلام واصول الدّين والاحتجاج والجدل والمناظرة...53

سرد كتبه في الفلسفة والمنطق...55

سرد كتبه في التفسير...56

سرد كتبه في الحديث...56

ص: 196

سرد كتبه في الرجال...57

سرد كتبه في النحو...58

سرد كتبه في الأدعية...58

سرد كتبه في الفضائل...58

سرد كتبه في الفنون المتنوعة...58

أجوبة المسائل...59

اجازاته لتلاميذه ومعاصريه...59

آثاره الخالدة...59

كيفية استبصار اولجایتو بسببه...59

أعقابه...62

بعض خدماته العلميّة...62

تبحره في بابي القضاء والفرائض...62

نموذج من خطه الشريف وصورته الفوتو غرافية...63

عبائر الاجازة التي اخذت صورتها...64

نموذج من شعره ونظمه...64

وصاياه لابنه وغيره التي حوت صنوف المكارم والفضائل وتأكيده فيها بصلة الذرية الطاهرة...65

وداده للذرية العلوية وخلوصه في مودتهم...68

حياة السلطان المؤيد الجايتو محمّد شاه خدابنده...70

اسمه وسرد نسبه و بیان عدله وسلامة نفسه وكرمه وعلوّ همّته وورعه و تقاه...70

ص: 197

كلام المورّخ الجليل معين الدّين النطنزي في كونه ذات صفات حميدة وغيره من المورّخين...70

كلام مولينا العلّامة السعيد القاضي الشهيد في حقّه...70

كلام العلّامة آقا عمد جعفر الكرمانشاهي في حقّه...71

كلام بعض أرباب التراجم في حقّه...72

في أعقاب ذلك الملك الجليل وأولاده...72

في تلقبه بخدا بنده وتحريف العامّة تلك اللفظة الشريفة إلى غيرها...72

في ضربه الدراهم والدنانير منقوشة عليها أسماء المعصومين(عَلَيهِم السَّلَامُ) وصورته الفوتوغرافية...٧٣

حياة الفضل بن روزبهان...74

اسمه وبعض الكلام في حقه...74

مشايخه...74

كلام العلّامة الشّيخ شمس الدين محمّد السخاوي في حقّه...74

كلام العلّامة صاحب الروضات في حقه...75

كتبه ومصنفاته...75

كلام العلّامة السيّد نعمة اللّه الجزائري في حقه...75

مذهبه...76

تلاميذه...76

في التنبيه على امور...76

الأول ضبط كلمة الخنج وتفسيرها وذكر جماعة من العلماء خرجوا منها...76

الثاني ضبط كلمة روز بهان...78

ص: 198

الثالث عقبه في البلاد المختلفة...78

الرابع كون الشريف الجرجاني جدا اميا للمترجم...78

الخامس التعبير عن المترجم بالقاساني...78

السادس تصديه منصب القضاء...78

السابع انتهاء سلسلة تصوّفه إلى النقشبندية...78

الثامن تعيين مدفنه و زمان وفاته...78

في اسامة أدبه في كتبه العلميّة...79

في شعره ونظمه...79

في شعره في مديح أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...79

في شعره في مديح الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)...80

في شعره السيىء الردي في حق مولينا العلّامة وجواب القاضي عنه...80

في شعره في التحامل على الشيعة وجواب القاضي (قدّس سِرُّه)عنه بالنظم أيضاً...80

في بعض أشعار آخر له...81

حياة مولينا القاضي الشهيد...82

اسمه ونسبه...82

ميلاده...82

امّه...82

والده...83

نسبه الشريف...83

تحصيله العلوم والفضائل...84

ص: 199

كلمات العلماء في حقّه...85

كلام العلّامة الميرزا عبداللّه أفندي في رياض العلماء...85

كلام العلّامة صاحب الوسائل...85

كلام العلّامة صاحب الروضات...85

كلام العلّامة المعاصر صاحب شهداء الفضيلة...85

كلام العلّامة السيّد اعجاز حسين...86

كلام البحاثه المولى رحمان علي صاحب الهندي...86

كلام البحاثة المولا نظام الدّين أحمد بن محمّد مقيم الهروي...87

كلام البحاثة محمّد عبدالغني خان في التذكرة...87

كلام العلّامة السيّد عبدالحي في النزهة...87

کلام صاحب صبح گلشن...87

كلام صاحب كشف الحجب...88

مشايخه...88

تلاميذه ومن يروي عنه...89

مصنفاته ومؤلفاته...89

سرد أسماء كتبه على ترتيب الحروف المعجمة...90

شعره ونظمه بالعربية والفارسيّة...97

من شعره في الجواب عن طعن ابن روزبهان...97

من شعره في الرد على البيضاوي وعلى ابن روزبهان...98

من شعره في معارضة أبيات كمال الدّين المظفر...99

ص: 200

من شعره في التعريض علي ابن روزبهان...99

من شعره في معارضة كلام بعض العامّة...100

من شعره في الرد على شمس الأئمّة البخاري...100

من شعره في معارضة ابن روزبهان...100

من شعره في تقبيح قول الأشاعرة...100

من أشعاره المنسوبة إليه...101

من شعره في مديح مولانا أمير المؤمنين...101

من شعره المنقول في تذكرة سرخوش...101

من شعره المنقول في صبح گلشن...102

من نثره التقريظ على سواطع الالهام...102

نموذج من خطبه الشريف وصورته الفوتوغرافية...106

العلماء والأجلاء في أسلاف القاضي...106

أبو عمد الحسن المحدث...106

أبو عبداللّه الحسين الأصغر...107

أبو الحسن المامطيري...107

الشريف أبو يعلى حمزة بن علي المرعشي...107

ابنه الشريف أبو حمد الحسن الفقيه...107

الشريف أبو الحسن على المرعشي جد السادة المراعشة في أقطار الدنيا...107

سرد أسماء أولاده...108

ص: 201

والده الشريف عبداللّه أمير العافين وأمير العراقين...108

السيد نجم الدّين محمود المهاجر من طبرستان إلى تستر...108

ابنه السيّد جمال الدّين حسين...108

السيد مبارزالدین مانده...109

السيد محمّد شاه...109

العلّامة السيّد ضياء الدّين نور اللّه الأول...109

أولاده...110

إبنه السيّد محمّد يوسف...110

ابنه السيّد شريف الدّين...110

ابنه السيّد علاء الملك...110

ابنه السيّد أبو المعالي...111

ابنه السيّد علاء الدولة...111

النوابع في أحفاده و أخلاقه...111

السيد علي بن علاء الدولة...111

السيد عيسى شيخ الاسلام...112

المير محمّد هادي شيخ الإسلام...112

المير محمّد كريم بن المير محمّد هادي جد السادة الدولة آبادية باصفهان...112

المير تعمل شريف نزيل لاهور...112

حول كلمة التستري التي يوصف بها المترجم...113

ذكر بعض الأعلام من أهل تستر...113

ص: 202

ذكر بعض الشعراء من أهل تلك البلدة...115

حول كلمة المرعشي...115

وجه الاشتهار بالمرعشي...115

كلمات بعض العلماء في بلدة مرعش...116

کلام مراصد الاطلاع...116

كلام السمعاني...116

كلام الزبيدي في تاج العروس...117

كلام ياقوت في المعجم...117

كلام صاحب الريحانة...117

کلام صاحب بستان السياحة...119

كلام سامي أفندي في القاموس...119

كلام البستاني في البستان...119

كلام البكري في المعجم...119

كلام القاضي الشهيد في المجالس...119

المختار في الانتساب إلى مرعشى و أول من اشتهر بالمرعشي...120

ذكر بعض النوابغ في السادة المرعشية...120

في أن فيهم الوزراء والملوك والفقهاء و الصدور ومشيخة الاسلام والادباء والنقباء والأمراء والمحدثون والمتكلمون والزهاد...120

فمنهم أبو محمّد الحسن الطبري المرعشي الفقيه...120

ص: 203

ومنهم اخوه أبو الحسن على...121

ومنهم عمه أبو عبداللّه الحسين (رامطه)...121

ومنهم أبوطالب سراهنگ المرعشي...121

ومنهم ابنه أحمد أبو الحسن...121

ومنهم أبو الحسين أحمد الحافظ المرعشي...121

ومنهم معين الدّين فغفور المرعشي نقيب قزوين...121

ومنهم الشريف عبداللّه أمير الحاج ابن فغفور...122

ومنهم أبو جعفر المهدي الناصر المرعشي...122

ومنهم ابراهيم الملك آبادي المرعشي...122

ومنهم ابنه ابراهيم بن ابراهيم...122

ومنهم الناصر بن الناصر المرعشي الفقيه...122

ومنهم أبو أحمد شمس الدّين الفقيه المرعشي البغدادي...122

ومنهم الشريف أبو محمّد الحسن النقيب الفقيه المرعشي جد العلّامة ناسق هذه الدرر...123

الشريف يحيى بن علي المرعشي...123

أبو القاسم جعفر الفقيه المرعشي...123

النقيب أبو عبد اللّه الحسين بن أبي عبد الحسن المرعشي جد الاستاذ جامع المقدّمة...١٢٣

أبو الحسن علي المرعشي نقيب طبرستان...123

أحمد النسابة المرعشي الحائري...123

علي شمس الدّين كيا المرعشي...124

أبوهاشم النقيب المرعشي أمير الحاج...124

ص: 204

أبوطالب العزيزي المرعشي...124

أبو الحسن علي النقيب المرعشي من أجداد الاستاذ جامع المقدّمة...124

ابنه الشريف أبو حمد هاشم النقيب المرعشي...124

الشريف أبو عبداللّه محمّد النسابة المرعشي...124

اخته الشريفة فاطمة المحدثة المرعشية...125

نورالدين سيّد الأشراف على الهمداني المرعشي...125

شمس الدّين أبو عمد الحسين المرعشي الخوارزمي...125

سراهنك أبوتراب محمّد بن محمّد الأعرج المرعشي نزيل همدان...125

الشريف حمزة المتمتع المرعشي...125

أحمد أبو الحسن الفقيه المرعشي نزيل قرية (كن)...125

السلطان الاعظم السيّد قوام الدّين المرعشي مؤسس السلطنة المرعشية...125

والده السيّد كمال الدّين الفقيه المرعشي الطبرسي...126

السلطان الأعظم السيّد كمال الدّين بن قوام الدّين المرعشي المذكور جد الاستاذ جامع المقدّمة...126

ابنه السلطان الأعظم السيّد عليخان المرعشي...126

ابنه السلطان الأعظم السيّد مرتضى خان المرعشي...126

ابنه السلطان الأعظم المير سيّد محمّد خان المرعشي...126

ابنه السلطان الأعظم السيّد زين العابدين خان المرعشي...126

عمّه السلطان الأعظم السيّد عبد الكريم خان الأول المرعشي...126

ابنه السلطان الأعظم السيّد عبداللّه خان المرعشي...127

ص: 205

ابنه السلطان الأعظم السيّد عبدالكريم خان الثاني المرعشي...127

السيّد عبداللّه خان الثاني المرعشي...127

السلطان السيّد مراد خان المرعشي و اخر الملوك المرعشية...127

سيّد الفلاسفة والعلماء المحقّق الداماد السيّد محمّد باقر المرعشي...127

العلّامة الآية الحاج ميرزا محمّد حسين المرعشي الشهرستاني...127

ابنه العلّامة الحاج ميرزا علي الشهرستاني الحائري...128

اخوه العلّامة الميرزا جعفر المرعشي الشهرستاني...128

السيد مجد المعالي قوام الدّين النسابة المرعشي جد الاستاذ جامع الرسالة...١٢٩

ابنه العلّامة السيّد شمس الدّين النسابة المرعشي...129

ابنه العلّامة السيّد ابراهيم النسابة المرعشي...129

السيد نصير الدّين النسابة المرعشي...129

والده السيّد جمال الدّين المرعشي...129

السيد علاء الدّين المرعشي نقيب الأشراف...129

الدستور الا كرم السيّد فخر الدّين مير محمّد خان الثاني المرعشي...129

السيد أبو المجد النقيب المرعشي الشهيد...130

العلّامة السيّد شرف الدّين على سيّد الأطباء المرعشي جد الاستاذ...130

والده الحاج السيّد محمّد المرعشي الفلكي...130

حفيده العلّامة السيّد شمس الدّين محمود المرعشي والد الاستاذ...130

صورة نسب الاستاذ إلى الامام سيّد الساجدين سلام اللّه عليه...131

أشعار في مديح السادات و آل الرسول...133

ص: 206

السيد ميرزا جعفر المرعشي عم الاستاذ...134

السيّد إسماعيل الشريف المرعشي عم الاستاذ...134

السيّد كمال الدّين علي المرعشي ابن عم الاستاذ...135

السيد نصير الدّين المرعشي والد ظهير الدّين الآتي...135

السيّد ظهير الدّين المرعشي المؤرخ صاحب تاریخ طبرستان...135

السيد محمّد بن حمزة المرعشي الراوي عن أخي شيخنا الصدوق...136

السيد رضي الدّين المنسين المرعشي...136

السيد المنتهى بن الحسين المرعشي...136

ابنه عز الدّين المرعشي...136

ابنه الاخر كمال الدّين المرتضى المرعشي...136

السيّد عماد الدّين الرضي بن المرتضى المرعشي...136

السيّد تاج الدّين المنتهى بن المرتضى المرعشي...136

السيّد أحمد بن محمّد بن المنتهى المرعشي...136

السيّد قوام الدّين علي بن سيف النبي المرعشي...136

السيد نظام الدّين محمّد المرعشي...137

السيد بدر الدّين الحسن المرعشي...137

السيّد رضا بن أميركا المرعشي...137

السيد مجد الدّين محمّد المرعشي...137

السيّد أحمد بن الحسن المرعشي...137

السيد جلال الدّين المرعشي...137

ص: 207

العلّامة السيّد علاء الدّين الحسين المرعشي المشتهر بسلطان العلماء وخليفة السلطان...137

ابنه الميرزا إبراهيم المرعشي...138

ابنه الآخر الميرزا حسن النواب المرعشي...138

ابنه الثالث الميرزا رفيع الدّين محمّد المرعشي...138

ابنه الرابع المير سيّد علي النواب المرعشي...138

الميرزا محمّد باقر الصدر الخاصة المرعشي...138

الميرزا نظام الدّين محمّد المرعشي الاصفهاني المتولي لقريتي خاوه و بوره الموقوفتين من قرى بلدة قم المشرفة...138

لسيد حسن المرعشي نزيل رفسنجان...139

السيد المهدي ابن أبي حرب المرعشي المذكور في رجال الشّيخ...139

السيد علي بن الحسن المرعشي الرفسنجاني المذكور...139

ابنه السيّد محمّد باقر المرعشي...139

العلّامة الآية الحاج السيّد محمّد رضا المرعشي الرفسنجاني...139

العلّامة السيّد أحمد المرعشي الرفسنجاني...140

العلّامة السيّد مير علاء الملك المرعشي القزويني...140

والده المير عبد القادر المرعشي...140

السيد احمد بن العلوي الساروي المرعشي...140

السيد أحمد بن محمّد المرعشي الخراساني...140

أبو منصور الحسين المرعشي المؤرخ...141

ص: 208

العلّامة السيّد ميرزا محمّد خليل المرعشي صاحب مجمع التواريخ...141

السلطان السيّد مير محمّد خان المرعشي المشتهر بشاه سليمان الثاني...141

العلّامة السيّد ميرزا محمّد هاشم المرعشي صاحب کتاب زبور آل داود...142

العلّامة السيّد ميرزا محمّد شفيع المرعشي المستوفي صاحب كتاب بحر الفوائد في التواريخ والانساب وصاحب المدرسة الشفيعية باصفهان...142

العلّامة السيّد ميرزا داود المرعشي سادن الروضة المقدسة الرضوية...143

العلّامة السيّد ميرزا أبو القاسم المرعشي الّذي تصدى لإجراء ماء (کوهرنگ) إلى اصفهان...143

العلّامة السلطان السيّد أحمد خان المرعشي الشهيد بيدالأفاغنة...143

العلّامةالسيّد محمّد النسابة المرعشي...144

السيد ضياء الدّين محمّد النسابة المرعشي صاحب كتاب ضياء القلوب في نسب السادة المرعشية...144

السيد اميرك المرعشي القزويني...144

السيد بهاء الدّين المرعشي...144

السيد مير إسماعيل التبريزي الشهير بمير ملایم صاحب كتاب عالم آراالعلّامة صدر الصدور السيّد مير أسد اللّه شاهمير المرعشي التستري...145

السيد ميرزا شاه المرعشي ونبذ من شعره...145

السيّد مير حبيب اللّه المرعشي...146

السيد مير محسن وجيه الدّين المرعشي الشهيد اخ مولينا القاضي الشهيد...146

العلوية بي بي شريفه خاتون المرعشية اخت مولينا القاضي الشهيد...147

ص: 209

السيد ميرزا أبو القاسم المرعشي...147

السيد ميرزا عبداللطيف خان المرعشي التستري و نبذ من شعره...147

الحجة الآية الميرزا عبد الحسين المرعشي الزنجباري...149

السيد مير محمّد خان المرعشي و شيىء من شعره...1249

الحجة العلّامة السيّد سلطان علي خان المرعشي التستري النجفي من زملاء والد سيّدنا الاستاذ...151

الحجة الحاج السيّد محمّد المرعشي ابنه...151

الآية الحجة الحاج السيّد محمود المرعشي نزيل طهران ابنه الآخر...151

الحجة الحاج السيّد أحمد المرعشي نزيل سرمن راى ابنه الثالث...151

الحجة السيّد محمّد حسن المرعشي المشتهر بالنجفي نزيل زنجبار من افريقا من زملاء السيّد الاستاذ...152

الوزير الأكرم السيّد مير أشرف خان المرعشي نزيل دماوند...153

السيّد ميرزا شجاع الدّين محمّد المرعشي من ذرية سلطان العلماء...153

العلّامة أبو الحسين ميرزا النواب المرعشي من ذرية سلطان العلماء...153

أخوه الميرزا جلال الدّين محمّد المرعشي...153

السيد ميرزا عبد الواسع المرعشي الخطاط الفقيه من ذرية سلطان العلماء...153

العلّامة النواب السيّد مرتضى خان المرعشي حفيد سلطان العلماء...153

ابنه النواب الميرزا ابوتراب المرعشي...154

النواب العلّامة الميرزا محمّد طاهر المرعشي حفيد سلطان العلماء...154

ابنه العلّامة الميرزا محمّد صادق المرعشي...154

ص: 210

ابنه الميرزا ضياء الدّين محمّد المرعشي...154

النواب الميرزا هدايت اللّه المرعشي حفيد سلطان العلماء...154

السيّد أحمد ميرزا المرعشي المتخلص (نیازی) وشطر من شعره...155

أخوه العلّامة إسحق ميرزا المرعشي...156

العلّامة النواب الميرزا محمّد مقيم المرعشي من ذرية سلطان العلماء...156

الميرزا محمّد علي بن محمّد رضا المرعشي المتخلص (فروغ) من ذرية سلطان العلماء ونبذ من شعره...156

في أنه لم تستوف ذكر جميع العلماء و الأفاضل من السادة المرعشيين وما ذكرناه قليل من كثير وبقيت عدة تراجم غير مذكورة...157

كيفية قتله وشهادته وما حل به من المصاب...158

في إفتاء بعض علماء القوم بإباحة دمه ومخالفة بعضهم في ذلك...158

في أنه سمعناه عن أساتيدنا البلاغي والمحلاتي والطهراني...159

في بيان المختار من الأقوال المذكورة في كيفية قتله...159

في المنام الّذي رآه بعض الأخلاء...160

مما قيل نظماً في تاريخ شهادته...160

مدفنه الشريف...160

ص: 211

المؤلف: السيّد نور اللّه الحسيني المرعشي التستري

الطبعة: 0

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 0 ه.ق

الصفحات: 486

المكتبة الإسلامية

إحقاق الحق و إزهاق الباطل

تأليف: العلامة في العلوم العقلية والنقلية متكلم الشيعة نابغة الفضل والأدب

القاضي السيد نور اللّه الحسيني المرعشي التستري

الشهيد

في بلاد الهندسة 1019

الجزء الأول

مع تعليقات نفيسة هامة

بقلم

فضيلة الأستاد الفقيه الجامع العلامة البارع

آية اللّه السيد شهاب الدين النجفي دام ظله

باهتمام السيد محمود المرعشي

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جعل مقام شيعة الحقّ (1) عليّا (2) ، وصيّرهم مع نبيّه إبراهيم في ذلك الاسم سميّا ، ورقاهم إلى طور الطاعة بخفض جناح الإطاعة ، ورفض سنن أهل السّنة والمجاعة (3) المتّسمين (4) بأهل السنّة والجماعة ،

ص: 2


1- إيماء الى قوله تعالى : ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) الصافات. الآية 88 وقد ورد تفسيره بذلك في الخبر.
2- عليا من العلو.
3- المجاعة من الجوع أى زمان الجوع كما في مقدمة شرح البخاري «فتح الباري» لابن حجر ، ويقال : أرض بنى فلان سنة إذا كانت غير مجدبة منه «ره» أقول : وقد تجعل السنة بكسر السين وهي مقدمة النوم ، ولا يخفى لطف الجمع بين كلمتي السنة والمجاعة ، والجمع بين الرفض والسنة فيه براعة الاستهلال.
4- انما قال : المتسمين ، لان هذه التسمية لا تليق الا بالشيعة المجبولين على حب النبي صلى اللّه عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام ، فإنهم المحافظون للسنة وجماعة النبي صلى اللّه عليه وآله ، كما يدل عليه الحديث الطويل الذي ذكره صاحب الكشاف وفخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ، حيث رويا عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال : من مات على حب آل محمد مات شهيدا الى قوله صلى اللّه عليه وآله. ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. فان هذا يدل على أن السنة هي المتلقاة من آل محمد صلى اللّه عليه وآله ، وأن الجماعة جماعتهم وأما المتسمين بأهل السنة فهم يدينون ببغض الال عليهم السلام كما أظهر ذلك قاضيهم (ابن خلكان في كتاب وفيات الأعيان) عند ذكر أحوال على بن جهم القرشي الناصبي الباغض لال النبي صلى اللّه عليه وآله حيث قال : ما حاصله أنه كان معذورا في ذلك لان حب على لا يجتمع مع التسنن انتهى. منه «قده» أقول ونقل الثعلبي في التفسير والواحدي في الوسيط وغيرهما هذه الجمل المنقولة عنه صلى اللّه عليه وآله.

فأشرق نورهم سنيّا ، ووفقهم لكشف الحقّ والتزام نهج الصّدق (1) ، فلم يزل كانوا للحقّ شيعة (2) ، وللصّدق وليّا ، نحمده حمدا كثيرا طيّبا زكيّا (3) ، ونشكره شكرا لا يزال غصنه بالزّيادة جنيّا (4) ، ونشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له شهادة نكرّرها بكرة وعشيّا (5) ونسلك بها صراطا سويّا (6) ونشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله الذي ارتضاه صفيّا (7) وقرّبه نجيّا (8) واختار له ابن عمّه وكاشف غمّه (9) وصيّا ووليّا ، فأمّره يوم الغدير بالنّصّ في شانه نصّا جليّا ، قائلا : من كنت مولاه فمولاه هذا عليّا (10) صلى اللّه عليه وآله صلاة ينال بها ».

ص: 3


1- فيه لطف وإيماء الى كتاب المصنف آية اللّه العلامة «قده».
2- أريد بها الاتباع.
3- من الهوا جس والشوائب والرذائل
4- من جنى بمعنى اقتطف ومنه قول الشاعر : هذا جناي وخياره فيه *** وكل جان يده الى فيه
5- في الصلوات اليومية وغيرها.
6- إيماء الى قوله تعالى في سورة مريم. الآية 42 : ( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ) .
7- إشارة الى ما في خطبة الزهراء عليها الصلاة والسلام في المسجد بمعشر من المسلمين.
8- إيماء الى قوله تعالى في سورة مريم. الآية 51 : ( وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا ) .
9- بنصرته في الغزوات ووفاء دينه وأداء ما حمله من وصيته.
10- الظاهر أن يكون عليا في هذا التركيب علما ، ووجه حاليته مع كونه غير مشتق كونه كالبسر في قولهم : هذا بسرا أطيب منه رطبا ، لأنه يدل على صفة هي العلو ، كما أشار اليه الفاضل التفتازاني في شرح التلخيص عند التمثيل لا يراد المسند اليه علما لتعظيم أو اهانة بقوله : ركب على وهرب معاوية فان عليا يدل على العلو ومعاوية على عوى الكلب. ويحتمل أن يكون صفة بمعنى العالي والرفيع وح لا إشكال في الحالية ويتضمن إشارة لطيفة الى ما روى من أن النبي صلى اللّه عليه وآله عند ما قال في شأن امير المؤمنين عليه السلام قوله : من كنت مولاه فعلى مولاه ، أخذ بضبعه ورفعه حتى ظهر بياض إبطيهما ، فيكون معنى الكلام قائلا : من كنت مولاه فمولاه هذا حال كونه رفيعا عاليا بيدي من وجه الأرض ، ولفظ على مرفوعا في اصل الحديث يحتمل ذلك ايضا فتأمل منه «قده». (10 مكرر) ارتكب جعل عليا حالا بالتأويل اى بتأويل المسمى به رعاية للسجع فافهم منه «قده».

المؤمنون يوم العطش ريّا (1) ، ويحوزون (2) بها في جنّة المأوى حليّا (3) وعيشا رضيّا (4)،

أما بعد فإن اللّه تعالى بعث رسوله محمّدا على فترة (5) من الرّسل وحين شتات (6) من السّبل ، والنّاس كانوا حيارى في فلوات حبّ الشّهوات ، سكارى من نشوات (7) الجهل والهفوات ، يعبدون الأوثان والأصنام (8) ويعكفون على

ص: 4


1- روى من الماء واللبن كرضى ورياه. منه «قده».
2- من الحيازة بمعنى الجمع. منه «قده».
3- إشارة الى ما رواه عدة من مشاهير القوم ، كالثعلبي والواحدي والزمخشري في تفاسيرهم من قوله صلی اللّه عليه وآله في حجة الوداع : ألا من مات على حب آل محمد دخل الجنة وعليه حلة.
4- إشارة الى قوله تعالى : ( فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) الحاقة. الآية 21
5- الفترة : الانكسار والضعف ، وقد فتر الحر وغيره يفتر فتورا ، وفترة ، والفترة الزمان بين الرسولين.
6- الشتات : التفرق.
7- رجل نشوان : سكران بين النشوة. منه «قده».
8- اكثر هذه الجمل مقتبسه من كلمات درة صدف الرسالة ومشكاة الوحى والسفارة ، سيدتنا ومولاتنا الزهراء البتول ، في خطبتها الغراء التي ألقتها بمسجد المدينة ، وقد خاطبت بها المهاجرين والأنصار من أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وتصدى لشرحها فطاحل العلم والأدب ، وأظهر كل شارح عجزه عن أداء حقها في الختام.

الخمر والميسر والأنصاب (1) والأزلام (2) يخرّون في سجود اللّات والعزّى ، ويصرّون في كفران من نعمه لا تجزى ، يرفلون (3) في ثياب الإعجاب (4) ويستكبرون عن استماع الخطاب واتّباع طريق الصّدق والصّواب (5) فكشف اللّه تعالى برسوله طريق الحقّ وأوضح لهم نهج الصّدق(6) فأسلم القليل شوقا إلى نور الأنوار ، أو خوفا من دخول النار ، واستسلم (7) الكثير رغبة في جاه الرّسول المختار لما سمعوا في ذلك عن راهبيهم من الأخبار (8) أو رهبة عن اعتضاده بصاحب ذي الفقار ، والذين معه أشدّاء على الكفّار (9) فداموا مجبولين على توشّح (10) النّفاق

ص: 5


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة المائدة. الآية 89 : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ. ) الآية. وقال في شمس العلوم : النصب ما ينصب فيعبد من دون اللّه تعالى من حجر وغيره.
2- الزلم واحد الأزلام وهي السهام التي كانوا في الجاهلية يستهمون بها. منه «قده».
3- يقال : رفل في ثيابه يرفل. إذا أطالها وجرها متبخترا منه «قده».
4- الاعجاب من العجب بالضم وهو أن يظن الشخص بنفسه بعض الظنون. منه «قده»
5- الصدق في المقال والصواب في المعتقدات ، ولكن الظاهر في المقام كون العطف تفسيريا
6- إيماء الى اسم كتاب المصنف «قده»
7- فيه إشارة الى ما روى عن امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في نهج البلاغة ، انه قال في خطته لأصحابه في حرب الصفين : والذي خلق الخلق وبرء النسمة انهم ما أسلموا قط ، ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه أظهروه.
8- وفي بعض النسخ الأحبار جمع الحبر وعليه فكلمة من غير بيانية.
9- اقتباس من قوله تعالى في سورة الفتح. الآية 28 : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) الآية.
10- لا يخفى على العارف بأساليب الكلام العربي ما من اللطائف والدقايق والتشبيه والاستعارة في التعبير بالتوشح والترشح.

وترّشح الشقّاق ، يتبّسم(1) في كلّ وقت ثغورهم ، واللّه يعلم ما تكنّ صدورهم (2) وإذ قد تمّ الدليل (3) واتّضح السّبيل ، وأداروا عليهم كؤوس (خ ل كأس) السلسبيل (4) فما شرب منهم إلّا قليل ، عزم صاحب المجلس على الرّحيل (5) وأزمع على التّحويل ، (6)فأحال الجلّاس فيما بقي من ذلك الكأس على السّاقي الذي لا يقاس بالنّاس ، وأوفاه في غدير خمّ من كأس من كنت مولاه فعليّ مولاه فبخبخ (7)

ص: 6


1- لا يخفى ما في اسناد التبسم الى الثغر من اللطف في هذا المقام.
2- إشارة الى قوله تعالى في سورة النمل الآية 73 : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ) الآية.
3- فيه إشارة الى قوله تعالى في شأن خلافة أمير المؤمنين عليه السلام : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية. منه «قده»
4- إشارة الى قوله تعالى في سورة الدهر. الآية 17 و 18 : ( عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ) الآية.
5- اى قصد السير. منه «ره»
6- من هذه النشأة الى الآخرة.
7- قول عمر يوم الغدير : بخ بخ لك يا ابن أبى طالب لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. روى في ينابيع المودة (ص 239 ط اسلامبول) عن البراء بن عازب رضى اللّه عنه في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ، أى بلغ من فضائل على ما نزلت في غدير خم ، فخطب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) قال : من كنت مولاه فهذا على مولاه فقال عمر رضى اللّه عنه : بخ بخ لك يا على أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، رواه أبو نعيم وذكر أيضا الثعلبي في كتابه ، انتهى ما ذكره ، أقول : وفي ذخائر العقبى (المطبوع بمصر بدرب السعادة تحت اشراف مكتبة حسام الدين القدسي ص 67) ما هذا لفظه : عن البراء بن عازب رضى اللّه عنهما ، قال : كنا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم في سفر ، فنزلنا بغدير خم فنودي ، فينا : الصلاة جامعة وكسح لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد على وقال : ألستم تعلمون أنى اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا : بلى ، فأخذ بيد على ، وقال : اللّهم من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ؛ أخرجه احمد في مسنده ، وأخرجه في المناقب من حديث عمر إلخ.

عليه عمر ، وهنّاه ، وبايعه جلّ من حضر وحيّاه ، فلمّا رحل صاحب الكأس وانتفى أثر تلك الأنفاس ، خرج الأغيار من الكمين ، وضيّعوا وصيّة الرّسول الأمين ، فنسوا الكأس الذي عليهم ادير ، ونقضوا ونكثوا عهد الغدير ، وبيعة الأمير ، إذ سقاهم حبّ الجاه وعقد اللواء كأس الهوى فأعرضوا عن السّاقي الباقي مليّا ، وتركوه نسيا منسيّا ، فصار جديد عهدهم (1) رثّا ، وشمل بيعتهم هباء منبثّا وانجرّ دائهم الدفين ، وانتهى بهم إلى أن عادوا إلى الخلاف الأوّل ، وارتّدوا على أعقابهم كما يدلّ عليه حديث الحوض الذي رواه (2) مسلم والبخاري والحميدي و ل

ص: 7


1- من إضافة الصفة الى موصوفها كجرد قطيفة؟ ، فالمعنى عهدهم الجديد ، ولا يخفى ما في التعبير عن بيعتهم بالعهد الجديد من الإيماء ولطف الاشارة.
2- إشارة الى ما رواه البخاري (الجزء الثامن في باب الحوض ص 119 ط الاميرية) بقوله وحدثني عمرو بن على ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة ، قال سمعت أبا وائل ، عن عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، انه قال : أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معى رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابى ، فيقال : انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك. وروى مسلم بن الحجاج في صحيحه (الجزء السابع في باب الحوض ص 65 ط مصر) عدة روايات بهذا المضمون والحميدي في كتابه الجمع بين صحيحى المسلم والبخاري. وكذا احمد بن حنبل في مسنده (الجزء 5 ص 333 ط مصر). وايضا في الجزء الخامس ص 388 بإسناده عن حذيفة. ولبعض علماء الجمهور : قد اوتى المصطفى له عظم *** من خير ما قد آتاه اللّه للرسل لا شك فيه كما صح الحديث به *** عن صدق وعد فيسقي كل ذى عمل أصفى بياضا من الألبان أجمعها *** من أعذب الماء بل أحلى من العسل يذاد عنه أناس لا خلاق لهم *** قد قابلوا الدين بالتغيير والبدل

أضرابهم ، فهدموا أركان الشّرع وأكنافه ، وكسروا أضلاع الدين وقطعوا أكتافه (1) وهضموا حقّ أهل البيت ، ولم يلحقهم فيه مخافة ، ومنعوا إرث فاطمة من غير أن تأخذهم فيها رأفة ولا رحمة ، انتصبوا من غاية الجهل والجلافة للخلاف على الخلافة ، وغصبها بكلّ حيلة وجزافة ، فنصبوا الخالي عن العلم والشرافة ، المملوّ من الجهل والكثافة (2) ، فلم يزل كانوا بآيات اللّه يمترون ، ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ) (3) ، وكأنّه إلى ما ذكرناه من القضيّة أشار عباس بن عتبة بن أبي لهب (4) الهاشميّ عند وقوع الرّزية بقوله شعرا : د

ص: 8


1- إيماء الى مجيئهم الى باب بيت النبوة ومعدن الرسالة وكسرهم ضلع الزهراء البتول عليها السلام وشدهم كتفي وصى الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وجعل الحبل او نجاد السيف في عنقه وهذه السيئات مذكورة في كتاب سليم بن قيس وبعض كتب اهل السنة المخطوطة وكذا المطبوعات القديمة منها ، واما المطبوعات الحديثة فلا اعتماد عليها ولا قيمة ، إذ اللجنة الخائنة تدس فيها وتحذف ما تفصح عن سوء صنيع أسلافهم بآل الرسول وتكشف المخبيات ، ولو ساعدتنى سواعد التوفيق لجمعت تلك المحذوفات في كتاب وسميته (بخيانة الأقلام) او جناية اللجنة.
2- الحاصلة من مساوي الأخلاق ورذائل الصفات.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 187 : ( وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ. )
4- القائل هو العباس بن عتبة بن أبى لهب بن عبد المطلب ، وام عتبة ام جميل وهي حمالة الحطب بنت حرب بن أمية بن عبد شمس ، وفيها يقول الأحوص : ما ذات حبل يراها الناس كلهم *** وسط الجحيم ولا يخفى على احد كل الحبال حبال الناس من شعر *** وحبلها وسط اهل النار من مسد

من مبلغ عنّا النبيّ محمّدا *** إنّ الورى عادوا إلى العدوان

إنّ الذين أمرتهم أن يعدلوا *** لم يعدلوا إلّا عن الايمان

غصبوا أمير المؤمنين مكانه ، *** واستأثروا بالملك والسّلطان

بطشوا بفاطمة البتول وأحرزوا (خ ل أحوزوا) ميراثها طعنا على القرآن (1) وتلك النّكث والنقض والإبرام والغصب والنصب والاهتضام ، غير مستبعد عن أقوام ، صرفوا أكثر أعمارهم في عبادة الأصنام ، وليس أوّل قارورة كسرت في الإسلام ،(2) فقد صدر من أصحاب موسى عليه السلام عند توجّهه إلى الطّور ، أعظم من هذا الفتور والفطور ، إذ قد ارتدّ جمهور أصحابه من بني إسرائيل ، فضلّوا وأضلّوا السّبيل حتىّ وافقوا السّامريّ في عبادة العجل ، وعمدوا قتل هارون الوصيّ ودفعوه باليد والرّجل ، وقد روي (3) عن نبيّنا صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : يقع في امّتي ما وقع في امّة خلت من قبل حذو القذّة بالقذّة ، والنّعل بالنّعل.

ص: 9


1- وفي بعض كتب السير نسبة هذه الأبيات الى الفضل بن العباس الشاعر المشهور.
2- من الأمثال الدائرة السائرة بين الناس.
3- رواه في مجمع الزوائد (ج 7 ص 261 ط مصر) عن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. ويقرب منه ما رواه الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 129 ط حيدرآباد) عن على بن حمشاذ : حدثنا العدل ، حدثنا اسماعيل بن إسحاق القاضي والعباس بن فضل الاسفاطى ، قالا حدثنا اسماعيل بن أبى اويس ، حدثني كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف بن زيد ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا قعودا حول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجده فقال :لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل ، ولتأخذن مثل أخذهم ، ان شبرا فشبر ، وان ذراعا فذراع ، وان باعا فباع حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتم فيه الا ان بنى إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة ، كلها ضالة الا فرقة واحدة ، الإسلام وجماعتهم ، وانها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة ، الإسلام وجماعتهم ، ثم انهم يكونون على اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم ، وبهذا المضمون عدة روايات بأسانيد مختلفة ، منها روايتا عبد اللّه بن عمر ، وأبي هريرة وغيرهما عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، أورد بعضها الحاكم في المستدرك وغيره في غيره فليراجع.

ثم لما قصروا على أنفسهم المسافة ، مدّة امتداد مسّ الآفة ، (1) وغصب الخلافة بإناطة صحّتها فيها على مجرّد اختيار الامّة ، ونفوا اشتراط النصّ والعصمة في الأئمة ، ليتّسع لكلّ جلف جافّ بيّن الكثافة ، (2) تصدّى الخلافة بلا توجّه ملامة ، وتوقّع مخافة ، عن الكافّة ، وجعلوا ذلك من الأصول المطاعة ، وأهمّ مقالات المتّسمين بأهل السنّة والجماعة ، لا جرم كلّ من جاء بعدهم متقمّصا للسّلطنة (3) والإيالة مع خلّوه عن العصمة والعدالة ، بادر إلى تعظيم علماء المتّسمين بأهل السنّة واستمالتهم ، ومال إلى تكريم شأنهم وترويج مقالتهم ، وأبغض علماء الشيعة الحاكمين بجلافتهم القائلين : بعدم صّحة خلافتهم ، فقد كان لهذه الفرقة النّاجية (4) ، خصماء عظماء جهلاء سفهاء ، وأعداء أشدّاء وأغوياء و

====

(4)

ص: 10


1- لا يخفى لطف تقابل لفظي المسافة ومس الافة.
2- قال الجزري في النهاية : في الحديث فجائه رجل جلف جاف. الجلف : الأحمق ، وأصله من الجلف ، وهي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها ، ويقال للدن ايضا. جلف ، شبه الأحمق بهما لضعف عقله وقال : في الحديث ، من بدا جفا بالدال المهملة ، أى من سكن بالبادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس ، والجفاء غلظ الطبع منه «قده»
3- لا يخفى ما في العدول عن لفظي الخلافة والوصاية الى السلطنة والايالة من الإيماء الى كونهم متقمصين من غير أهلية لذلك ، وأن سلطتهم على المسلمين ليست من باب الخلافة.
4- التعبير بهذه الكلمة وقع اقتباسا واتباعا من قوله صلى اللّه عليه وآله : ستفترق أمتى على اثنين وسبعين كلها هالكة ، وواحدة منها ناجية ، وقد ذكر علامة الجمهور في عصره السيد ابراهيم الراوي البغدادي من مشايخنا في رواية صحاحهم ذات يوم في مجلس درسه للبخاري : أن حديث افتراق الامة على العدد المذكور مما رواه اعلام القوم انتهى ، وكان الراوي من أجلائهم في الإحاطة والتتبع حضرت حلقة دروسه في ثلاثيات البخاري والتفسير وغيرها في بغداد بجامع السلطان على روما لتحصيل الإجازة منه في رواية مروياتهم وكتب لي إجازة مبسوطة ذكر فيها مشايخه الى أرباب الصحاح.

أقوياء ، أولو السّيف والسّنان ، والبغض والشنآن ، والزّور والبهتان ، والبغي والعدوان ، والكفر والطغيان ، لما في قلوبهم من نتائج الأحقاد الجاهليّة ، والأضغان (1) البدريّة ، التي يتوارثونها بالعهود عداوة لمولانا أمير المؤمنين ووصىّ رسول رب العالمين ، إمام البررة وقاتل الكفرة والفجرة ، ولأولاده السّادة المعصومين والأئمة القادة المظلومين ، ولهذا كانوا في أكثر الأعصار مختفين في زاوية التقية ، متوقّعين عن ملوك عصرهم نزول البليّة ، إلى أن وفّق اللّه تعالى السلطان الفاضل الفاضل؟ (2)السعيد غياث الدين اولجايتو محمد خدا بنده أنار اللّه برهانه لخلع قلادة التقليد ، وكشف الحق ونهج الصّدق (3) بالتأمّل الصّادق والنظر السّديد فنقل (4) أوّلا عن مذهب الحنفي الذي نشأ فيه من الصغر إلى مذهب الشافعي

ص: 11


1- الاضغان والضغائن : ما يضمر من السوء ويتربص به إمكان الفرصة. والجملة مشيرة الى مضمون بعض الاخبار المروية في كتب أصحابنا الامامية رضوان اللّه عليهم من اعمال القوم واظهارهم أحقاد بدر وحنين.
2- إيماء الى تمييزه الحق عن الباطل وتشرفه بالتشيع ، وكان «ره» من أعدل الملوك وأرأفهم وأعبدهم ، توفى حدود سنة 726 وقبره في سلطانية قريبة من بلدة زنجان وهو معروف الى الآن ، وتعد بقعته من الآثار الخالدة والابنية الإسلامية العجيبة. وبجنبه قرية فيها سادة اجلاء وبيدهم مصحف منسوب الى الأئمة عليهم السلام وتحكى امور وكرامات عن ذلك المصحف.
3- إيماء الى كتاب المصنف العلامة «قده»
4- ولعل كلمة نقل مبنية للمفعول عبر بها لان انتقاله من باطل الى باطل كان باغواء الغير ، وأما تشرفه بالتشيع كان بإرادته واختياره ، ولذا عبر فيما سيأتي بقوله واختاره.

الذي كان أقلّ شناعة من المذاهب الأخر ، (1) ثم لما ظهر له من مناظرة ولد صدر جهان البخاري الحنفي (2) مع المولى نظام الدّين عبد الملك المراغي الشافعي (3) بطلان كلا المذهبين ، واطّلع على مجمل من حقيقة مذهب الشيعة في البين ،

ص: 12


1- وذلك لاخذ الشافعي عن جماعة من أهل البيت وبنى السبطين مضافا الى انتهاء نسب الشافعي الى آباء النبي الأكرم وكونه من قريش ، وارتضاعه من ثدي كانت موالية لآل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن هذا الباب تراه من المتفادين للعترة في ولائه ، وقريبا لهم في الفقه والفروع ، فكم له من منظومات في مديحهم والثناء عليهم أوردها الثقاة في كتبهم وممن نقل ذلك العلامة السيد ابو بكر بن الشهاب العلوي الحضرمي في كتابه رشف الصادي في فضائل بنى النبي الهادي الشبلنجي المصري في النور. وصاحب الاسعاف. ومؤلف المطالب وغيرهم من اعلام القوم.
2- هو صدر الشريعة عبيد اللّه بن مسعود بن تاج الشريعة الحنفي البخاري المتوفى 750 شارح الوقاية في الفقه الحنفي ومصنف كتاب تنقيح الأصول في اصول الفقه وغيرهما من الكتب والزبر
3- هو المولى الفاضل نظام الدين عبد الملك الشافعي المراغي نسبة الى (مراغة) آذربايجان (لا مراغة مصر) وكان المترجم من أعيان عصره في الفضل والعلم ومن أجلة الشافعية في عصره وله تآليف وتصانيف كثيرة منها (التوضيح تصدى فيه لشرح كتاب الام للشافعي لم يتمه) (وكتاب المشيخة) ذكر فيه طرقه وأسانيده وجرت بينه وبين صدر جهان البخاري الحنفي مناظرات وكان البخاري شديد العصبية لأبي حنيفة وعلى الشافعي والمراغي بالعكس فذكر كل منهما مثالب امام الآخر والفتاوى الغريبة التي تستمجها الطباع المعتدلة من فتيا الإمامين وكان هذا الباعث على انزجار طبع السلطان من مذهب الرجلين فلما آل الأمر الى هنا امر الملك بإحضار علماء سائر فرق المسلمين من المالكية والحنابلة والزيدية والشيعة الامامية ، فأشخص من الحنابلة (الشيخ مجد الدين الدمشقي وحماته) ومن المالكية (الشيخ تاج الدين المصري وحماته) ومن الزيدية (السيد محمد أبي المجد وغيره) ومن الامامية مولانا (الشيخ جمال الدين العلامة الحلي) وجرى البحث بين كل فريق وبين الآخر وكان السلطان محمد خدا بنده رجلا فاضلا ناقدا بصيرا حاذقا ذا قريحة وقادة فاستشعر بفساد المذاهب كلها الا مذهب شيعة أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله واختار ذلك وتشيع وأمر بذكر أسماء أئمة الهدى ومصابيح الدجى في الخطبة وضرب السكة مزينة بأساميهم عليهم السلام كما ترى صورتها الفوتوغرافية التي أخذناها عن عددين من تلك السكك المضروبة عثرت عليهما في النقيبات الحفرية بين مسجد الكوفة وبين مسجد السهلة زمن إقامتي في الغرى الشريف وهما من الفضة ، وفي متحف بلدة قم المشرفة الكائن في صحن الست الجليلة كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة سلام اللّه عليها يوجد عدد واحد من تلك السكك ، وفي متحف طهران توجد أعداد منها. وبالجملة صنيع السلطان وأمره بضرب السكة كذلك مما لا شك في وقوعه بنص المورخين ووجود هذه الدراهم وشهادة بعض الآثار والابنية الباقية من ذلك الزمان في بلاد ايران وقراها وعلى اللّه الاتكال.

حكم بإحضار علماء الإماميّة من الأمصار ، واختار من بينهم لمناظرة الأغيار ، الشّيخ الأجلّ المصنّف العلّامة تاج أرباب العمامة ، حجّة الخاصّة على العامّة : لسان المتكلمين ، سلطان الحكماء المتأخّرين ، جامع المعقول والمنقول ، المجتهد في الفروع والأصول ، الذي نطق الحقّ على لسانه ، ولاح الصّدق من بنانه (1) ، آية اللّه في العالمين جمال الحق والحقيقة الحسن بن الشيخ المؤيد في استنباط الحكم الملي بالسداد الفطري الجبلي سديد الدين يوسف بن المطهر الحلي (2)

ص: 13


1- في بعض النسخ المخطوطة بيانه بدل بنانه.
2- هو الشيخ الامام ، قدوة علماء الإسلام : صاحب التأليف الكثيرة في الفنون الإسلامية ، ولد سنة 648 توفى سنة 726 وقبره في النجف الأشرف في حجرة ملاصقة لباب الحضرة الشريفة ومن سعاداته بعد موته كونه مع مولانا المقدس الأردبيلي بمنزلة البواب للحرم الشريف العلوي إذ قبر مولانا العلامة على يمين الداخل الى الروضة المنورة وقبر مولانا الاردبيلي على يساره طوبى لهما وحسن مآب.

أحلّه اللّه في جوار النبيّ واله صلى اللّه عليه وآله وألبسه من حلل رحمته وحليّ إفضاله ، فناظرهم العلّامة وأثبت عليهم بالبراهين العقليّة ، والحجج النقليّة ، بطلان مذاهبهم العاميّة وحقيقة مذهب الإماميّة ، على وجه تمنّوا ان يكونوا جمادا أو شجرا ، وبهتوا (1) كأنّهم التقموا حجرا


1- إيماء الى قوله تعالى في سورة البقرة الآية 257 : ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) .

الخطبة والسّكة (1)بسوامي (2) أسامي الأئمة المعصومين الذين هم بالخلافة أولى وأحقّ ، وكان المعاصرون المناظرون للمصنّف العلّامة ، خلقا كثيرا من علماء العامة كالمولى قطب الدين الشيرازي (3) وعمر الكاتبي القزويني(4) وأحمد ابن محمد الكيشي (5)

ص: 15


1- وعندنا شيء من تلك السكك والضروب ، وقد نقشت اسماء المعصومين متصلة بمحيط الدائرة الكائنة على السكة ، وفي وسطها اسم السلطان خدا بنده.
2- من إضافة الصفة الى موصوفها.
3- هو الشيخ المحقق في الرياضيات والمنطق والفلسفة قطب الدين محمود بن مسعود ابن مصلح الشيرازي من تلاميذ المحقق الطوسي «قده» ومن شركائه في رصد مراغة توفى 24 رمضان سنة 710 وقيل 716 له تصانيف ، منها شرح قانون الشيخ الرئيس ، ودفن بجنب قبر القاضي البيضاوي في مقبرة چرنداب من مقابر بلدة تبريز. وللمترجم يد طولى في الطب أيضا.
4- هو أبو الحسن القزويني المشهور بالكاتبى ، العلامة في الرياضيات والمنطق والجدل والكلام ، وكان من تلاميذ المحقق الطوسي «قده» ومن شركائه في رصد مراغة له تصانيف ، منها الرسالة الشمسية في المنطق وشرحها العلامة قطب الدين الرازي من أصحابنا وهو الشرح الدائر السائر بين المحصلين الكرام ويعبر عن هذا الشرح بالقطبية ليمتاز عن شرح المحقق التفتازاني الذي يعبر عنه بالسعدية ثم من أشهر تصانيف الكاتبي كتاب حكمة العين وكم له من شروح توفى المترجم سنة 675.
5- نسبة الى كيش من الجزائر الواقعة في (خليج فارس) وكان الرجل من نوابغ عصره وله حاشية على الشفاء وغيره. وفي بعض المجاميع ان المناظر لمولانا العلامة قده هو احمد بن محمد الكبسى بالباء الموحدة بعد الكاف ثم السين المهملة وفي نسخة من الاحقاق أحمد بن محمد الكشنى بالشين المعجمة بعد الكاف ثم النون وكل نسبة الى مكان فالكيشى كما ذكرناه ، والظاهر أنه الصحيح المراد هنا نسبة الى تلك الجزيرة والكبسى نسبة الى محل باليمن وآخر في الشام وآخر في مصر ، والكشني نسبة الى كشن محل بما وراء النهر قريب من بلدة كش التي هي من أعمال سمرقند ، ومنه شيخنا الكشي الرجالي الشهير الذي من بتأليفه علينا وكتابه المعروف بالمختار من رجال الكشي من أمهات كتب الرجال التي عليها التعويل والاعتماد ثم ان بما وراء النهر بلد آخر سمى (كش) بضم الكاف واليه تنسب جماعة فلا تغفل.

وركن الدين المتسيد الموصلي(1) والمولى نظام الدين (2) المذكور وغيرهم من المولى والصدور ولم يتعرّض هؤلاء الأفاضل الأنجاب لذلك الكتاب المستطاب ، مع اشتماله على قدح أسلافهم وأجلّتهم ، ونقض ما اعتمدوا عليه من أدلتهم حذرا عن ظهور زيادة لجاجهم واعوجاجهم ، وحياء عن إطّلاع النّاقدين على قصور عيار احتجاجهم.

ثّم لما وصل ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه (3) إلى نظر الفضول السّفيه ، المعدود في خفافيش ظلمة العمى وخوافيه ، فضل بن روزبهان (4) الذي يخرج فضلته من فيه

ص: 16


1- هو ركن الدين الحسيني العبيدلي الأعرجي من ذرية نقباء الموصل العبيدليين وكان ذا فضل وقريحة له تصانيف وتآليف وكان يدرس في بغداد مدة ، وفي الموصل ثم اتصل بالسلطان شاه خدا بنده وصار في علماء دولته السنية وجرت بينه وبين مولانا العلامة مناظرات وكانت الغلبة للعلامة والرجل كان من المتعصبين في المذهب وله حاشية على الكشاف ثم ليعلم انه غير السيد ركن الدين الجرجاني نزيل الموصل فانه كان شيعيا وغير السيد ركن الدين الشيرازي الحسنى الحنفي صاحب رسالة المنطق وغير السيد ركن الدين البغدادي نزيل الموصل الحنبلي المذهب فلا تغفل.
2- قد مرت ترجمته فلاحظ.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة البقرة الآية 2 : ( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) .
4- بكسر الباء الموحدة. وقد مرت ترجمة الفضل في المقدمة.

(1) خلع العذار (2) ولم يتأسّ (خ ل يتأسّن) بحياء إمامه قتيل الدّار (3) ، فطوى الكشح عن الحياء ، ونهى النّفس عن الوقاء (4) ، واستهدف نفسه لسهام الملام ، بجسارته وجرأته على المصنّف العلّامة الإمام ، وتزييف كلامه بالشّتم وركيك الكلام ، كأنه قد نزل عليه نزول الضّيف على أقوام لئام ، فعاملوه بغير ما يليق به من الإجلال والإكرام ، وكأنه أشار المولوي الأولوي (5) إلى مثل هذا الخفّاش (6) المحروم عن رؤية الأنوار ، المرجوم الظالم المظلوم(7) المحبوس في ظلام الجهل والاستكبار في مقابلته لنيّر براهين العلّامة الذي كان في عالم العلوم كالشّمس في نصف النّهار بقوله في المثنوي المعنوي (8) :

ص: 17


1- وكان الحرى ترك هذه التعبيرات ، ولكن الذي حمل القاضي «قده» على ذلك ارتكاب ابن روزبهان أسوأ من ذلك بالنسبة الى مولانا العلامة «قده» المشتهر في الآفاق (كما تدين تدان ، لا تهتك فتهتك).
2- خلع عذاره وهو خليع العذار اى اتبع هواه وانهمك في الغي وصار يقول ويفعل وما يبالى كالدابة بلا رسن.
3- المراد به عثمان بن عفان ، وعدم تأسى الفضل به من جهة انه لما حوصر في الدار أظهر الندم فيما فعله ببيت المال وتسليطه بنى أمية على رقاب المسلمين.
4- في قبال قوله تعالى : ( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ) .
5- شاعت أمثال هذه الكلمات كالجمالى والكمالي والملكي في أواخر المائة الخامسة بالحاق حرف الياء أواخر الألقاب والصفات ، بل الاعلام والمولوى هو الشيخ جلال الدين محمد العارف الرومي صاحب كتاب المثنوى المتوفى سنة 672 والمدفون ببلدة قونية.
6- الخفاش كرمان طائر معروف ولود تحيض وترضع.
7- الظالم لنفسه ولغيره والمظلوم باغواء غيره إياه وغلبة جهله.
8- في الدفتر الثالث.

از همه محروم تر خفّاش (1) بود *** كو عدوى آفتاب فاش بود

نى تواند در مصافش زخم خورد *** نى بنفرين تاندش مهجور كرد

دشمن ار گيرى بحد خويش گير *** تا بود ممكن كه گردانى اسير

قطره با قلزم چه استيزه كند *** ابلهست او ريش (2) خود بر ميكند

با عدوى آفتاب اين بد عتاب *** اى عدوى آفتاب (3) آفتاب

وكأنّي أسمع من لسان حال ذلك العلم العلّامة إلى هذا الجاهل الجالب على نفسه الملامة السّالب للعافية والسّلامة ، شعر :

اى مگس عرصه سيمرغ نه جولانگه تو است *** عرض خود ميبرى وزحمت ما ميدارى

هيهات هيهات أين هو من المبارزة مع فرسان الكلام ، والمعارضة مع البدر التّمام ، أين الثّريا من الثّرى ، والنّعامة من الكرى أطرق (4) كرى أطرق كرى ، إنّ النّعامة .

ص: 18


1- الخفاش بضم الخاء ثم الفاء المشددة كرمان : الوطواط وهو الطائر المعروف الولود التي تحيض وترضع ولا تبصر في النهار.
2- ريش أصله ريشه ، خفف ورخم لضرورة الشعر ، ويجوز في الشعر ما لا يجوز في النثر.
3- مثله مثل قول العرب ظل ظليل وداهية دهياء وليل أليل وبهيم أبهم ، ويمكن جعل المورد من باب قاعدة التجريد في البديع كما لا يخفى على من ذاق حلاوة علوم البلاغة وارتضع من درها.
4- اطرق اى غض ، من اطراق العين وهو خفض النظر. والكرى هو الكروان بفتح الكاف والراء ؛ وجمعه الكروان بكسر الكاف وسكون الراء ؛ وهو طائر صغير شبهوا به الذليل ؛ وشبهوا الاجلاء بالنعام. والجملة تضرب مثلا للرجل الحقير إذا تكلم في الموضوع الجليل بما لا يتكلم فيه أمثاله ونعم ما قيل : جائى كه عقاب پر بريزد *** از پشه لاغرى چه خيزد ثم ان بعض أهل الأدب ذكر أن قولهم : اطرق كرى إلخ كان بمنزلة رقية عند العرب لتسخير الكروان واصطياده ؛ كما نص عليه بعض الأفاضل في تعليقته على شرح الجامى.

في القرى ، فهو فيما قرن به كلام المصنّف من النّقض والقدح ، وذيّل من الشّرح المقصور على الكلم (1) والجرح ، قد قرن الظلمة بالنّور ، وعقّب نغم الزّبور (2) بدويّ (3) الزّنبور ، أو قابل (4) شوهاء بحسناء ، ونظر إلى حوراء بعين عوراء ، بل نظم خرزة في سلك اللئال ، ودفع عن جمال المصنّف (5)عين الكمال ، ولعلّه جعل هذا النّقض والإبرام ، والجرح والإيلام ، انتقاما لما جرى على أصحابه في أصفهان من القتل العام (6) عند طلوع صبح السّلطنة العليّة ، وظهور نيّر الدّولة المؤيّدة (7) الصّفويّة الموسويّة ، أنار اللّه براهينهم الجليّة فاستولى عليه الحقد النّاشي عن مصيبة الأهل (8)والأصحاب ، وعاق عين بصيرته عن رؤية الحقّ والصّواب ، حتّى نظر

ص: 19


1- كلمه كلما : جرحه ؛ فالعطف تفسيري.
2- إشارة الى ألحان داود النبي (عليه السلام) صاحب الزبور.
3- دوى الرعد إذا سمع له دوى اى صوت ؛ وكذا دوى النحل وغيرهما ، شمس العلوم.
4- مثل معروف لدى العرب.
5- إشارة الى لقب مولانا العلامة المصنف «قده» وهو جمال الدين.
6- والعلة في تلك القضية كما في بعض مجاميع المخطوطة الانتقام والمكافأة من طرف السلاطين الصفوية ، وذلك لأنه افتى جماعة من علماء العامة القاطنين في أصبهان باباحة دماء الشيعة فقتل بسببها جمع كثير من الامامية ؛ فلما تسلط السلطان المؤيد ؛ الشاه اسماعيل الماضي الصفوي قتل منهم مقتلة عظيما انتقاما وتشفيا ، وكان ممن هرب من القتل الرجل الناصب.
7- إشارة الى رواية ملاحم مولانا الأمير عليه السلام التي طبقها جمع من المحدثين ومنهم مولانا صاحب البحار على ظهور السلطان المؤيد شاه اسماعيل الماضي الصفوي ، ويؤيدها كلمات المورخين في بيان غزوات السلطان المذكور وفتوحاته ، فليراجع
8- )8) بل يقال ان ابن روزبهان كان ممن أصيب في تلك الواقعة بماله وجاهه وحاله ومنا له فلهفه ونعيره من كبد حراء وهو ممن توسل في مضمار الانتقام بالبنان واللسان بدل السيف والسنان.

في شمايل كلام المصنّف بعين غير صحيحة ، وارتاب في مقدّمات حقّة صريحة ، كما قيل :

إذا لم تكن للمرء عين صحيحة *** فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

وها أنا بتوفيق اللّه تعالى انبّه على بطلان ما أورده على المصنّف العلّامة ، من القدح والملامة ، وابيّن أنّه من الجهل في بحر عميق ، وبدوام الحريق حقيق ، وأنّ شبهاته أضعف من إحتجاجه على حقيّة الجبت والطاغوت ، وأدلته أوهن من بيت العنكبوت (1) وتأويلات ملاحدة (2) ألموت ، وأوضح أنّه فيما أتى به تعصّبا وغلوّا واستكبارا أو علوّا ، جدير بأن يتّخذ عدوّا ، ويلعن آصالا وغدوّا ، ولعمري أنّ قصور باعه وكساد متاعه غير خاف على من له أدنى مناسبة بحقائق هذا المذهب الشّريف ، فلم يكن لنا حاجة إلى تلقّى شرحه الكثيف بالرّد والتزييف لكن لمّا صار ذلك الشّرح المنحرف عن النّهج المثير للرّهج (3) غبارا على مرايا صفحات الكتاب ، ومزايا خطابه المستطاب ، وأورث التباس الحق على ذهن القاصر المرتاب ، رأيت إزالة ذلك علىّ من الفرض ، وحرّمت على جنبي القرار على الأرض ، حتّى أزلت بتوفيقه سبحانه ذلك الغبار وأوضحت نهج الحق كضوء النّهار ، فأفضحت الشّارح الجارح الذي آل إلى شفا جرف هار (4) وبال في بئر زمزم للاشتهار (5)

ص: 20


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة العنكبوت الآية 40 : ( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) .
2- وهم فرقة من الاسماعيلية تأمروا مدة في حصن ألموت وهي من اعمال قزوين والديلم وتوابعهما ، ولهم أقاصيص واخبار ذكرها المؤرخون. فليراجع الباحث الى روضة الصفا وحبيب السير والملوك الاسماعيلية وسيرة الحسن الصباح.
3- الرهج : الغبار المثار.
4- اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة الآية 108 : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ) .
5- مثل يضرب به لمن ارتكب شنيعا في غاية الشناعة لأجل ان يعرف ويشتهر.

وأفصحت عمّا وقع له من الخبط والعوار ، وعار نصبه (1) ونصبه في تقليد كلّ عجل جسد له خوار (2) وسمّيت ما جهّزته لنصرة جند الحقّ من الجيوش الهواطل (3) وأحرزته لجهاد حزب الباطل ، من كلّ نصل قاتل ، ودرع ماطل (4) باحقاق الحق وإزهاق الباطل ، مناديا على أولياء الشّارح الذين مرقوا عن الدّين مروقا ، وملئوا من تعصّب الباطل عصبا وعروقا ، فاتّخذوا خفض النّصب (5) لأنفسهم علوا وشهوقا ، وقد ( جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) (6) حامدا لله تعالى ثانيا ، وللصّلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنان العزيمة ثانيا ، قائلا :

الحمد لله الذي نصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده (7) والصّلاة على من لا نبيّ بعده ، واله المعصومين الذين أنجز اللّه فيهم وعده ، وصبّ على أعدائهم برقه ورعده

ثمّ لمّا ضمّن الشّارح الجارح النّاصب خفضه اللّه تعالى خطبة شرحه الإشارة إلى حقيّة مذهب أصحابه ، المتّسمين بأهل السنّة والجماعة ، وبطلان مذهب غيرهم ، رأينا تقديم نقلها ، واستيصال (8) بقلها ، فنقول : إنه افتتح على شاكلة

ص: 21


1- النصب بفتح النون وسكون الصاد المهملة : بغض على عليه السلام وتقديم غيره عليه كذا ذكره ابن حجر في مقدمة شرح صحيح البخاري ، وغيره في غيره. والنصب بفتح النون والصاد هو التعب والكلفة والمشقة. منه «قده»
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة طه الآية 87 : ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ )
3- الهواطل : جمع هاطلة ، وهو المطر الكثير.
4- من مطل الحديد إذا ضربه ومده ليطول.
5- لا يخفى ما في تقابل الخفض بالنصب من اللطف.
6- اقتباس من قوله تعالى في سورة الإسراء آية 80 : ( قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ )
7- اقتباس من قوله (عليه السلام) في الدعاء : لا اله الا اللّه وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده إلخ ،
8- إشارة الى المثل العربي الذي يضرب في من غلب على خصمه واستأصله بالكلية.

الحامدين الشّاكرين مع ظهور كفرانه وكونه من الماكرين فقال : الحمد لله المتعزّز بالكبرياء والرّفعة والمناعة ، المتفرّد بإبداع الكون في أكمل نظام وأجمل بداعة ، المتكلّم بكلام أبكم كلّ منطيق من قروم (1) أهل البراعة ، فانخزلوا (2) آخرا في حجر العجز وإن بذلوا الوسع والاستطاعة ، أحمده على ما تفضّل بمنح (3) كرائم الأجور على أهل الطاعة ، وفضّل على فرق الإسلام ، الفرقة النّاجية من أهل السنّة والجماعة ، حتّى كشف نقاب الارتياب عن وجوه مناقبهم صاحب المقام المحمود والعظمى من الشفاعة بقوله صلى اللّه عليه وسلم (4) لا يزال طائفة من امّتى منصورين لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم السّاعة ، صلى اللّه عليه وسلم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد الذي فرض اللّه على كافّة النّاس اتباعه ، وجعل شيعة الحقّ وأئمّة الهدى أشياعه ، وهدى إلى انتقاد نهج الحقّ وإيضاح كشف الصّدق اتباعه ، ثمّ السّلام والتحية والرّضوان على عترته وأهل بيته وكرام (5) صحبه أرباب النّجدة والجود والشّجاعة ، الذين جعل اللّه موالاتهم في سوق الآخرة خير البضاعة ، ما دام ذبّ الباطل عن حريم الحق أفضل عمل وخير صناعة.

ص: 22


1- القروم : جمع القرم بفتح القاف وسكون الراء بمعنى السيد العظيم.
2- الانخزال : الانعزال والانقطاع.
3- المنح : جمع المنحة بكسر الميم اى العطية.
4- رواه في مجمع الزوائد (ج 7 ص 312 ط مصر) ويقرب منه ما رواه البخاري (في كتاب الاعتصام الجزء التاسع ص 101 ط الاميرية) : عن عبيد اللّه بن موسى ، عن اسماعيل ، عن قيس ، عن المغيرة بن شعبة ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللّه وهم ظاهرون.
5- لا يخفى أن من يرى كل صحابى عادلا جليلا ثقة ورعا لا يسوغ له هذا التعبير ، الا ان يجعل الكلام من باب جرد قطيفة ، ويريد من الصحب المضاف الى الضمير العموم.

(أما بعد) فانّ اللّه تعالى بعث نبيّه محمّد صلى اللّه عليه وسلم (1) حين تراكم الأهواء الباطلة ، وتصادم الآراء العاطلة ، والنّاس هائمون في معتكر حندس (2) ليل الضّلال يعبدون الأوثان و ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (3) عندها بالغدوّ والآصال ، لا يعرفون ملّة ولا يهتدون إلى نحلة ، ولا سير لهم إلى مراتع الحقّ ولا رحلة ، فأقام اللّه تعالى برسوله الملّة العوجاء (4) ، وهداهم بإيضاح الحقّ إلى السّنن المتناء [خ ل الغرّاء] ، فأوضح للملّة منارها وأعلم آثارها وأسّس قواعد الدّين ، على رغم من الكفرة الماردين ، هم الذين أبوا إلّا الإقامة على الكفر والبوار وإن هداهم إلى سبيل النجاح ، فما أذعنوا للحقّ إلا بعد ضرب القواضب (5) وطعن الرّماح ، فندب صلى اللّه عليه وسلم لنصرة الدّين ، وإعانة الحقّ ، عصبة من صحبه الصادقين ، فانتدبوا ونصروا ونصحوا وأوذوا في سبيل اللّه ثمّ هاجروا (6) واغتربوا ، هم كانوا

ص: 23


1- تعسا لقوم رووا عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه نهى عن الصلاة البتراء عليه وقيدوا أنفسهم بعدم إلحاق الال بعد اسم النبي ، مع انهم فسروا البتراء بعدم ذكر الال بعده. والبتراء فعلاء من البتر ، بمعنى قطع الآخر والذيل.
2- المعتكر : محل الاعتكار وهو الظلام. الحندس : الظلمة ، والمراد ان اللّه تعالى بعث نبيه صلى اللّه عليه وآله في وقت الظلام ليل الضلال وشدة ظلمته. من الفضل على ما في بعض النسخ المخطوطة.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة الاسراء الآية 107
4- المراد باقامة الملة إرجاعها بعد الاعوجاج الى الاستقامة. والمراد بالملة ملة ابراهيم حيث غيرها العرب فأقامها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. من الفضل.
5- القواضب : جمع القاضب اى القاطع.
6- إشارة الى هجرة أصحابه صلى اللّه عليه وآله الى حبشة ، وفي رأسهم جعفر بن ابى طالب الطيار الهاشمي ، أخو مولانا امير المؤمنين على عليه السلام.

لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الكرش (1) والعيبة ، حين كذّبه عتبة وشيبة (2) ، فأثنى اللّه تعالى عليهم في مجيد كتابه (3) ورضى عنهم وتاب عليهم ، وجعل مناط امور الدّين مرجوعة إليهم (4)، ثم وثب فرقة بعد القرون المتطاولة ، والدّول المتداولة ، يلعنونهم ويشتمونهم ويسبّونهم ، ولكلّ قبيح ينسبونهم ، فويل لهذه الفئة الباغية التي يسخطون العصبة الرضيّة ، يمرقون (5) (6) من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية ، شاهت الوجوه (7)، ونالت كلّ مكروه ، ثمّ إنّ زماننا قد أبدى من الغرائب ما لو

ص: 24


1- الكرش ما يضعه البعير في جوفه ليمضغه مرة أخرى. والعيبة مخزن الثياب. والمراد بهما محل الذخيرة وموطن السر ، والغرض أنهم كانوا مختصين برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) وكانوا محل ذخائره ونصيحته. من الفضل. وستأتي عدة روايات بهذا المضمون وكلها وردت في حق الأنصار دون المهاجرين ، فالناصب من قلة تتبعه نسبها الى المهاجرين.
2- قد مر حال عتبة ، وشيبة هو شبية بن عثمان بن طلحة جد بنى شيبة.
3- من إضافة الصفة الى موصوفها.
4- إيماء الى الحديث الموضوع المفترى على النبي صلى اللّه عليه وآله بشهادة بعض أعاظمهم : أصحابي النجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، فراجع الى كتاب الموضوعات للسبكى وغيره.
5- مرق من الدين : خرج منه بضلالة او بدعة.
6- (5 مكرر) إشارة الى عدة أحاديث قد عبر النبي فيها عن هذه الطائفة بالمروق وهي كثيرة متضافرة بأسانيد عديدة منها ما رواه ابو عبد اللّه الحاكم في المستدرك الجزء الثاني ص 146 بسنده المنتهى الى مسلم بن ابى بكرة عن أبيه رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ان أقواما من أمتي رشدة ذلقة ألسنتهم بالقران لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية الى آخر الحديث. ونقل الذهبي في ذيله في تلخيص المستدرك في تلك الصفحة بسنده المنتهى الى ابى بكرة عن أبيه مرفوعا. وروی الذهبي في تلخيص المستدرك عي« هذا الخبر وأيده.
7- شاهت الوجوه : قبحت والعبارة مأخوذة من قوله (صلی اللّه عليه وآله) في الغزوة شاهت الوجوه للحي القيوم.

رآه محتلم في رؤياه لطار من وكر (1) الجفن نومه ، ولو شاهده يقظان في يومه لاعتكر من ظلام الهموم بومه (2) ، وممّا شاع فيه أنّ فئة من أصحاب البدعة استولوا على البلاد ، وأشاعوا الرّفض والابتداع بين العباد ، فاضطرني حوادث الزّمان ، إلى المهاجرة عن الأوطان ، وإيثار الاغتراب وتوديع الأحبّة والخلّان ، وأزمعت الشّخوص (3) من وطني أصفهان ، حتّى حططت (4) الرّحل بقاسان (5) عازما على أن لا يأخذ جفني الغرار(6) ، ولا يضاجعني الأرض بقرار ، حتّى أستوكر مربعا (7) من مرابع الإسلام ، لم يسمعني فيه الزّمان صيت هؤلاء اللّئام وأستوطن مدينة أتّخذها دار هجرتي (8) ومستّقر رحلتي تكون فيها السنّة والجماعة فاشية،

ص: 25


1- الوكر : عش الطائر.
2- بوم : الطائر المعروف بالنحوسة.
3- الشخوص : الذهاب والارتفاع.
4- حططت الرحل : وضعته.
5- قاسان معرب كاسان مدينة بما وراء النهر منه احمد بن سليمان القاساني من علماء الأصول وعدة من رجال الحديث ، وايضا قاسان قرية بنواحي أصفهان منها على بن محمد القاساني الاصفهانى المرمى بالضعف في كتب الرجال. وقاسان ايضا معرب كاشان بلدة معروفة بين قم وأصفهان وقد خرج منه ثلة من أرباب الفقه والحديث والنجوم والأدب منهم المولى فتح اللّه الكاشاني المفسر والمولى محمد محسن صاحب الوافي والسيد العلامة ابو الرضا فضل اللّه الراوندي وغيرهم وقد يعبر عن كاسان بقاشان كما في رجال شيخ الطائفة في ترجمة على بن شبرة القاشاني من اصحاب الهادي (عليه السلام) والمراد بقاسان المذكورة في المتن هو المحل الاول فلا تغفل.
6- الغرار : الخدعة.
7- المربع : محل الاقامة
8- انظر الى قلة أدب هذا الرجل في استعماله كلمتي الهجرة والمدينة في سفره ومقصده بقوله : أستوطن مدينة أتخذها دار هجرتي.

ولم يكن فيها شيء من البدعة والإلحاد ناشية ، وأتمسّك بسنّة النبي صلى اللّه عليه وآله الرصين (1) وأعبد ربّي حتّى يأتيني اليقين (2) فانّ التمسّك بالسّنة عند فساد الامّة طريق رشيد ، وأمر سديد ، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، من (3) تمسّك بسنّتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد ، فلما استقرّ ركابي بمدينة قاسان اتّفق لي مطالعة كتاب من مؤلفات المولى الفاضل جمال الدين (4) بن المطهر الحلي غفر اللّه ذنوبه قد سمّاه بكتاب نهج الحق وكشف الصدق قد ألفه في أيّام دولة السلطان غياث الدين اولجايتو (5) محمد خدا بنده وذكر أنّه صنّفه بإشارته وقد كان ذاك الزّمان أوان فشو البدعة ونبغ نابغة الفرقة الموسومة بالاماميّة من فرق الشيعة ، فان عامة الناس يأخذون المذاهب من السلاطين وسلوكهم ، والناس على دين ملوكهم ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) وقليل ما هم ، وقد ذكر في مفتتح ذلك الكتاب : أنّه حاول بتأليفه إظهار الحق وبيان خطاء الفرقة الناجية (6) من أهل السنّة والجماعة لئلّا يقلّدهم المسلمون (7) ولئلّا يقتدوا بهم فان الاقتداء بهم ضلالة ، وذكر : أنه أراد بهذا إقامة مراسم الدين وحوز [حرز خ ل] أجور الآخرة واقتناء ثواب الذين يبيّنون الحقّ ولا يكتمونه ، ومع ذلك فان جلّ كتابه مشتمل على مطاعن

ص: 26


1- الرصين : المحكم الثابت ، وتوصيف السنة به بدون التاء غير رصين.
2- قف أيها الناطر على تأنف هذا الرجل كيف يعبر عن نفسه بكلمات وردت في القرآن الشريف خطابا للنبي الأكرم : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ؟!.
3- الخبر مرمى بالوضع فراجع الكتب المعدة لهذا الشان ككتاب الموضوعات للسبكى
4- قد مرت ترجمته الشريفة في المقدمة على نحو الاختصار.
5- قد مرت ترجمته مختصرة.
6- وهل هذا الا مصادرة وتحكم؟!
7- قف على دناءة هذا الرجل الناصب في تعبيره وتعريضه لشيعة آل الرسول صلى اللّه عليه وآله

الخلفاء (1) الراشدين ، والأئمة المرضيين ، وذكر مثالب العلماء المجتهدين ، فهو في هذا كما ذكر بعض الظرفاء على ما يضعونه على ألسنة البهائم : أن الجمّال سأل جملا من أين تخرج قال الجمل : من الحمّام قال : صدقت ظاهر من رجلك النظيف ، وخفّك اللّطيف (2) فنقول : نعم ظاهر على ابن المطهر انّه من دنس الباطل ودرن التعصّب مطهر ، وهو خائض في مزابل المطاعن (3) وغريق في حشوش الضغائن (4) فنعوذ باللّه من تلبيس إبليس ، وتدليس ذلك الخسيس ، كيف سوّل له وأملى له ، وكثر في إفشاء الباطل على رغم الحق إملائه؟ ومن الغرائب أنّ ذلك الرّجل وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر رضوان اللّه عليهم أجمعين ، وهم صدور إيوان الاصطفاء ، وبدور سماء الاجتباء ، ومفاتيح أبواب الكرم ، ومجاديح (5) هو اطل النعم ، وليوث غياض (6) البسالة ، وغيوث رياض الإيالة ، وسبّاق مضامير السماحة ، .

ص: 27


1- غير خفى لدى المنصف ان مولانا العلامة لم يذكر من المطاعن ما لم يورده علماء الجمهور في الكتب كما سنحققه ونشير الى المدارك والمستندات لتلك المطاعن في محلها إن شاء اللّه تعالى.
2- آن يكى پرسيد اشتر را كه هي! *** از كجا ميآئى اى فرخنده پى؟ گفت از حمام گرم كوى تو *** گفت اين پيدا است از زانوى تو
3- ولعمري من خرج عن زيه وفتح في المقالات العلمية باب السب والشتم وتفوه بكلمات تستمجها الغريزة الانسانية وسلك مسالك المكارين والجمالين والحمالين والحجامين ، جدير بأن يسلط اللّه عليه صقرا من صقور الشيعة وسيفا شاهرا وقاضبا هنديا من آل الرسول صلى اللّه عليه وآله كالشريف السعيد الشهيد القاضي السيد نور اللّه المرعشي «قده» بأن يعقبه ويرد عليه ترهاته وخزعبلاته.
4- الحشوش : جمع الحش وهو المزبل والضغائن جمع الضغينة وهي بالفارسية كينه ، من الفضل.
5- المجاديح : جمع المجداح وهو السحاب الماطر منه.
6- الغياض : جمع الفيضة ، والبسالة الشجاعة منه.

وخزّان نقود الرجاحة والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية ، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية ، وهم كما قلت فيهم شعر :

شمّ (1) المعاطس من اولاد فاطمة

علوا رواسى طود (2) العزّ والشّرف

فاقوا العرانين (3) في نشر الندى كرما *** بسمح كف خلا من هجنة السرف

تلقاهم في غداة الروح إذ رجفت *** أكتاف اكفائهم من رهبة التلف

مثل الليوث إلى الأهوال سارعة *** حماسة النّفس لا ميلا إلى الصّلف

بنو عليّ وصيّ المصطفى حقا *** أخلاف صدق نموا من أشرف السّلف

(4) وهؤلاء (5) الأئمة العظام قد كانوا يثنون على الصّحابة الكرام الخلفاء الرّاشدين رضى اللّه عنهم بما هم أهله من ذكر المناقب والمزايا ، وقد ذكر الشّيخ

ص: 28


1- الشم بضم الشين مأخوذ من الشمم بفتح الشين الارتفاع في قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها ، وان كان فيها احديداب فهو القنا ، ثم الشمم في الأنف علامة علو الهمة وسعة الصدر وقوة القلب كما ذكره علماء علم القيافة والفراسة ، والمعاطس جمع معطس كمجلس ومقعد الأنف ومن المجاز العاطس الصبح ، ثم شم المعاطس كناية عن جلالة قدر الأئمة الميامين والهداة المرضيين.
2- الطود الجبل العظيم المتطاول في السماء.
3- عرانين الناس وجوههم وسادتهم واشرافهم قال العجاج يصف حبيشا تهدى قداماه عرانين مضر فلله در هذه الأبيات الواقعة في محلها قد انطق اللّه لسان الناصب واجرى قلمه في بيان فضائل آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله).
4- الحمد لله الذي أظهر الحجة وبين المحجة ، فان أخذ الفرقة الاثني عشرية عن هؤلاء الأئمة الأخيار معلوم وظاهر لكل خبير ظهور الشمس في رايعة النهار. واعتراف الناصب على حقيتهم دليل واضح ، وأخذ الشيعة عنهم بين ولائح. انتهى. ويظن كون هذه التعليقة من العلامة الشيخ مفيد الدين الشيرازي الأديب الأريب المتخلص بداور
5- وهؤلاء (وهذه) في بعض النسخ المخطوطة.

عليّ بن عيسى الإربلى(1) رحمه اللّه تعالى في كتاب كشف الغمّة في معرفة الأئمّة واتفق جميع الإمامية على أنّ عليّ بن عيسى من عظمائهم والأوحدى النّحرير من جملة علمائهم ، لا يشقّ غباره (2) ولا يبتدر آثاره ، وهو المعتمد المأمون في النّقل ، وما ذكره هو في الكتاب المذكور نقل عن كتب الشيعة لا عن كتب علماء السّنة (3)إنّ الإمام أبا جعفر محمّدا الباقر صلوات اللّه وسلامه عليه سئل عن حلية السيف هل يجوز؟ فقال : نعم يجوز قد حلّى أبو بكر الصّديق سيفه بالفضّة ، قال الرّاوي : فقال السائل : أتقول هكذا ، فوثب الإمام من مكانه وقال نعم الصّديق فمن لم يقل له الصّديق فلا صدّقه (4) اللّه في الدّنيا والآخرة ؛ هذه عبارة كشف الغمّة وهو كتاب مشهور معتمد عند الإماميّة وذكر أيضا في الكتاب المذكور : أنّ الإمام أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق قال ولدني أبو بكر الصّديق مرّتين وذلك لأنّ امّ الإمام جعفر كانت امّ فروة (5) بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق وكذا (6)كانت إحدى

ص: 29


1- هو الشيخ الجليل العلامة بهاء الدين ابو الحسن على الوزير بن عيسى بن فخر الدين الإربلي المتوفى سنة 692 صاحب كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ، والإربلي نسبة الى بلدة اربل بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة ثم اللام قال ياقوت في المراصد : هي مدينة تقرب من الموصل.
2- إشارة الى مثل مشهور.
3- نعم وان كان الإربلي من أجلة أصحابنا ولكنه نقل الكلام المذكور في المتن عن كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي ، والرجل معروف بالتسنن والتحامل في حق الشيعة ، وببالي ان عدة من علماء القوم ضعفوه بالوضع والتدليس في متون الأحاديث وأسانيدها.
4- في نسخة مخطوطة مصححة (فلا صدق اللّه له قولا في الدنيا ولا في الآخرة)
5- ام فروة هي بنت القاسم الفقيه المدني ابن محمد بن ابى بكر ، وأمها اسماء بنت عبد الرحمن بن ابى بكر ، وكانت ام فروة من رواة الحديث جليلة الشأن.
6- هي بنت عبد الرحمن بن ابى بكر كما مر.

جدّاته الأخرى من أولاد أبي بكر ، وذكر الإمام الحاكم أبو عبد اللّه النيسابوري (1) المحدّث الكبير والحافظ المتقن الفاضل النحرير في كتاب معرفة علوم الحديث بإسناده عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه وعلى آبائه السّلام أنه قال : أبو بكر الصّديق جدّي وهل يسبّ أحد آبائه لا قدّ منى اللّه إن لا اقدّمه «انتهى» وقد اشتهر بين المحدّثين والعلماء أنّ الحاكم أبا عبد اللّه المذكور كان مائلا إلى التشيع فمن عجبي (2) كيف يجوز لهم ذكر المطاعن لذلك الإمام الحكيم الرّشيد ، وقد ذكر الأئمة الذين يدعون الاقتداء بهم في مناقبهم : أمثال هذه المناقب ومع هذا يزعمون أنّهم لهم (3) مقتدون وبآثارهم مهتدون ، نسأل اللّه العصمة عن التعصّب فإنّه ساء الطريق وبئس الرفيق.

ثمّ إني لمّا نظرت في ذلك الكتاب الموسوم بنهج الحق وكشف الصدق رأيت أنّ صاحبه عدل عن نهج الحقّ وبالغ في الإنكار على أهل السّنة حتّى ذكر : أنّهم كالسّوفسطائيّة ينكرون المحسوسات والأوّليات فلا يجوز الاقتداء بهم ، ووضع في هذا مسائل ذكرها من علم اصول الدين ومن علم اصول الفقه ومن

ص: 30


1- هو محمد بن عبد اللّه بن محمد بن حمدويه النيسابوري ، المعروف بالحاكم وابن البيع من أجلاء الشافعية فقها وأدبا وحديثا ، له تصانيف شهيرة. منها المستدرك على الصحيحين وتاريخ نيسابور وغيرهما ، توفى سنة 403 او 405 وكتاب المستدرك من احسن كتب القوم. وأبعدها عن الكذب ، وهو مشتمل على أحاديث في فضل آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله) كحديث الغدير وغيره ، ومن ثم نسب المؤلف الى التشيع وليس كذلك فان الرجل من العامة كما يفصح عنه بعض كلماته في المستدرك ومعرفة علوم الحديث وان صح ، فكفى به فخرا عند من يرى نفسه مسلما تابعا للنبي الأكرم صلى اللّه عليه وآله.
2- لو عبر بلفظة فمن العجب او فمما يعجبني وأمثالهما بدل ما في المتن لكان أولى
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة الزخرف الآية 23 وتبا لهذا الرجل السيئ الأدب وعادمه حيث عبر هكذا في بيان تبعية الشيعة لأهل البيت المقتبس علمهم من علم النبي صلى اللّه عليه وآله.

المسائل الفقهية ، وطعن على الأئمة (1) الأربعة بمخالفتهم نصّ الكتاب وبالغ في هذا أقصى المبالغة ، ولم يبلغني أنّ أحدا من علماء السّنة ردّ عليه كلامه ومطاعنه في كتاب وضعه لذلك ، وذلك الاعراض يحتمل أن يكون لوجهين ، أحدهما : عدم الاعتناء بكلامه وكلام أمثاله لأن أكثره ظاهر عليه أثر المكابرة والتّعصّب ، وقد ذكر ما ذكر في كلام بالغ في الرّكاكة على شاكلة كلام المتعرّبة (2) من عوام حلة وبغداد وشين الرطانة (3) وهجنة(4) العوراء تلوح من مخايله كرطانات جهلة أهل السواد كما ستراه واضحا غير خفيّ على أهل الفطانات.

ص: 31


1- ومن نظر وسبر في كلام المخالفين رأى ما أودع فيها من المطاعن في حق أسلافهم فترى الشافعية تطعن في أبى حنيفة وبالعكس ، وكذا أتباع مالك وأحمد والليث والأوزاعي والظاهرية أتباع داود بن على الاصفهانى وغيرهم ، كلما دخلت أمة لعنت أختها. وانظر ما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمة أبى حنيفة ترى ما يقضى منه العجب من كثرة المطاعن بحيث دعى بعض الحنفية الى تأليف كتاب في دفع تلك المطاعن وسماه بالسهم المصيب في كبد الخطيب فراجع، وهكذا ابن حزم في أصوله وابن رشد وابن القيم وغيرهم.
2- انظر الى هذا الرجل كيف أساء الأدب بالنسبة الى مولانا العلامة «قد» مع أنه ممن اتفق علماء الفريقين في عصره على جلالة شأنه وكونه من أئمة كلام العرب ومن فرسان مضامير البلاغة والفصاحة ، ويكفى في ذلك ما كتبه البيضاوي صاحب التفسير في كتابه اليه في مسألة من تيقن بالطهارة والحدث وشك في المتقدم منهما والمتأخر وكذا ما ذكره ابن حجر في الدرر وغيرهما من أعلامهم حيث أطنبوا وأطروا في الثناء عليه بما لا مزيد عليه ، ومن رام الوقوف عليها فليراجع كتب التراجم سيما المذكورة فيها رجال القرن الثامن.
3- امالة كلام العرب الى طريقة العجم. من الفضل.
4- هجنة : بضم الهاء ، ما يعيب الكلام.

والوجه الثاني : أن تتبّع ذلك الكلام وتكراره وإشاعته مما ينجرّ إلى اتّساع الخرق وتشهير ما حقّه الإعراض عنه ، ولم تكن داعية دينيّة تدعو إلى ذلك الرّد لسلامة الزّمان(1)عن آفة البدعة ، ومن عادة أجلّة علماء الدّين رضى اللّه عنهم أنّهم لا يخوضون في التّصانيف إلا لضرورة الدين (2) لا يصبغون بالمداد ثياب

ص: 32


1- لا يقال : ذكرت أن ذلك الكتاب صنف بحكم السلطان اولجايتو وهو كان شيعيا فكيف تقول : ان ترك الجواب بسلامة الزمان عن البدعة؟! لأنا نقول : لم يمتد زمان ثبات السلطان على التشيع ورجع بعد زمان يسير من تشيعه ، فسلم الزمان من البدعة ، ولم يتوجه الى رده احد من العلماء. من الفضل بن روزبهان في الهامش. أقول : فيا للعجب من هذا الناصب كيف يأتى بأكاذيب ومفتريات!؟ وكيف يتعامى عن ما في كتب التواريخ من أن السلطان مات شيعيا ، ومضى الى رحمة اللّه. ووصيته بجعل تربة الحسين واسماء الأئمة عليهم السلام في قبره مشهورة مأثورة.
2- فكأن الرجل غافل أو يتغافل عن عدة كتب من آثار مشاهير علمائهم كالسيوطى والقشيري والشعراني ، فإنهم قد ألفوا كتبا تضحك منها الثكلى ويبكى العريس لعدم جدواها ككتاب تنوير العلك في تعيين تكاليف الجن والملك وآكام المرجان في أحكام الجان وازاحة الشبهات عن أحكام الجنيات والرسائل المؤلفة في تعيين أن فرس النبي صلى اللّه عليه وآله كان إناثا او ذكورا والرسائل المؤلفة في شكل نعل النبي صلى اللّه عليه وآله والرسائل المؤلفة في أن الابدال ورجال الغيب ما أكلهم وشربهم والرسائل المؤلفة في تعيين من زوج أمنا حواء من أبينا آدم؟ ومن كان رابطة وواسطة في اصلاح هذا الأمر ونحوها من الترهات والخزعبلات التي يقف الناظر البصير النقاد في كلماتهم وكتبهم وقد رأيت في آثارهم ألوفا من أشباه ما ذكرنا عصمنا اللّه من اللغو واللّهو في القول والعمل والبنان والبيان ثم للسائل أن يسئل عن هذا الرجل متى كان قصد الشيعة كذلك؟ ومن الذي ذكر هذا من علماء الفريقين الذين يعتمد عليهم؟ وهل هو الا الافتراء والكذب ، بل الأمر بالعكس حيث ذكر أرباب التراجم أنه أحرقت كتب الشيعة زمن العباسية في محلة الكرخ وخزانة كتب شيخ الطائفة رئيس الشيعة «قده» وكتب المحقق الطوسي «قده» وكتب ابن فتال الشهيد النيسابوري مؤلف روضة الواعظين. وكتب بنى زهرة في حلب وكتب بعض علماء الشيعة في دولة أبى سعيد المغولى وهكذا كان ديدنهم حتى تبع خلفهم لسلفهم فأحرقت الافاغنة خزائن الكتب كمكتبة مولانا المجلسي في أصفهان وخانوا العلم والفضل كافيهم اللّه بصنيعهم.

الأقلام ، إلّا لقصارة الدّنس الواقع على جيوب حلل الإسلام ، ولمّا اطلعت على مضامين ذلك الكتاب وتأمّلت فيما سنح في الزّمان من ظهور بدعة الفرقة الإماميّة وعلوّهم في البلاد حتّى قصدوا محو آثار كتب السّنّة وغسلها وتخريقها بل تمزيقها وتحريقها حدثتني نفسي بأنّ فساد الزّمان ربّما ينجرّ إلى أنّ أئمّة الضّلال يبالغون بعد هذا في تشهير هذا الكتاب ، وربّما يجعلونه مستندا لمذهبهم الفاسد (1) ويحصّلون من قدح أهل السنّة بذلك الكتاب جلّ المقاصد ، ويظهرون على النّاس ما ضمّن ذلك الرّجل ذلك الكتاب من ضعف آراء الأئمّة الأشاعرة من أهل السّنة والجماعة ، ويصحّحون على العوام والجهلة أنّهم كالسّوفسطائية فلا يصحّ الاقتداء بهم وربّما يصير هذا سببا لوهن قواعد السّنّة فهنا لك تحتّم علىّ ورأيت المفروض علىّ أن أنتقد كلام ذلك الرّجل في ذلك الكتاب وأقابل في كلّ مسألة من العلوم الثلاث المذكورة فيه ما يكون تحقيقا (2) لحقيقة تلك المسألة وابيّن فيه حقيّة مذهب أهل السّنّة والجماعة في تلك المسألة أو أردّ عليه ما يكون باطلا ، وعن

ص: 33


1- قف على تعبير هذا الرجل وإساءة أدبه ، مع أنه يبرئ نفسه من مساوي الأخلاق ومذام الصفات.
2- ولعمري الرجل الناصب قد أورد بدل التحقيقات العلمية والأفكار الدقيقة في أكثر الموارد السب والشتم واللوم ، وقل نظيره بين مؤلفيهم في بذاءة اللسان ، مع مارووا بأسانيدهم الصحيحة لديهم من أنه صلى اللّه عليه وآله قال : ان اللّه يبغض بذي اللسان.

حلية الحقّ الصريح عاطلا على وجه التحقيق والإنصاف (1) لا عن جهة التعصّب والاعتساف ، وقد أردت أوّلا أن أذكر حاصل كلامه في كل مسألة بعبارة موجزة خالية عن التطويل المملّ الفارغ عن الجدوى وليسهل على المطالع أخذه وفهمه ، ولا يذهب إلى أباطيله ذهنه ووهمه ، ثمّ بدا لي أن أذكر كلامه بعينه وبعباراته الرّكيكة لوجهين أحدهما : أنّ الفرقة المبتدعة لا يأتمنون علماء السّنة وربما يتمسّك (2) بعض أصحاب التعصّب بأنّ المذكور ليس من كلام ابن المطهر ليدفع بهذا الإلزام عنه.

والثاني : أنّ آثار التّعصّب والغرض في تطويلات عباراته ظاهرة ، فأردت نقل كلامه بعينه ليظهر على أرباب الفطنة أنه كان من المتعصّبين لا من (3) قاصدي تحقيق مسائل الدّين ، وهذان الوجهان حداني إلى ذكر كلامه في ذلك الكتاب بعينه ، واللّه تعالى أسأل أن يجعل سعيي مشكورا وعملي لوجهه خالصا مبرورا ، وأن يزيد بهذا تحقيقا في ديني ورجحانا في يقيني ، ويثقل به يوم القيامة عند الحساب

ص: 34


1- أيها الرجل الناصب ، في قلبه عداوة أهل بيت النبوة وشيعتهم ومواليهم ، العاملين بقوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) . الآية ، التابعين لهم في الأصول والفروع ، كيف تنسب الإنصاف الى نفسك مع أنك تعاند الحق الصريح ، وتنكر الأدلة الواضحة ، وتغمض العين ، وتغض الطرف عن الحقيقة الراهنة؟!
2- ترى هذا الرجل الغريق في ماء اللجاج والحريق بنار العناد ، يتشبث بكل حشيش ، ويسرع الى كل سراب بقيعة يحسبه ماء حتى الافتراء والكذب والبهت والسب والشتم ، أخذه اللّه بنكاله وعامله بما يستحقه بنيته وباله.
3- أيها القارئ الكريم باللّه عليك ، انظر كلمات ابن روزبهان نظر منصف عدل ، حتى يتحقق لديك أنه من أشد المتعصبين ، وأن غرضه اللجاج والتعمية واثارة الشحناء والبغضاء في مضمار العلم ومجال التفكر والتعمق.

موازيني ، وأن يوفقني للتّجنّب (1) عن التّعصّب والتّأدّب في إظهار الحق أحسن التّأدب إنّه وليّ التّوفيق وبيده أزمّة التحقيق ، وها أنا أشرع في المقصود متوكلا على اللّه الودود ، وأريد أن أسمّيه بعد الإتمام إن شاء اللّه تعالى بكتاب إبطال نهج الباطل ، وإهمال كشف العاطل (انتهت الخطبة).

وأقول : لا يخفى أنّ الفقرة (2) الاولى والثانية لا مناسبة لهما (3) بما هو مقصوده الأصلي مع ما يظهر من سوق كلامه وحواشيه على بعض الفقرات من شدّة اهتمامه برعاية ذلك ، والثّالثة والرّابعة (4) إنما يناسب كتب التفسير والمعاني ونحوهما من العلوم ، وما ذكره في الفقرة الرّابعة مشيرا إلى أنّ الأجر والثواب فضل من اللّه تعالى لا أنّه يجب عليه كما ذهب إليه أهل العدل من الاماميّة والمعتزلة

ص: 35


1- والعجب كل العجب من هذا الرجل ، انه يرى نفسه متجنبة عن التعصب ، مع أنه فتح في مضمار العلم والبحث عن الحق الحقيق بالقبول ، باب السب والشتم وإساءة القول ، والتفوه بكلمات هي أقذر من كل قذارة عند أهل المعرفة وذوى الحجى ، ونعم ما قال بعض السادة الشرفاء لو امر بغسل الفم بعد التلفظ بالركيك لما كان بعيدا لدى العقلاء وأرباب الإدراك والحجى.
2- الفقرة بفتح الفاء وسكون القاف ويجمع على فقر بفتح الفاء وسكون القاف. والفقرة بكسر الفاء وسكون القاف يجمع على فقر بكسر الفاء وفتح القاف ، وفقرات بكسر الفاء وسكون القاف وفتحها.
3- المراد بالفقرة الاولى والثانية قوله : الحمد لله المتعزز الى قوله : وأجمل بداعة ، وعدم المناسبة من حيث ان الفضل على ما صرح ، بصدد الرد على كلمات مولانا العلامة «قده» ودفع مقالات الشيعة ، فالحرى للبليغ الذي ينسب الرطانة الى كلام غيره أن يراعى الاستهلال وساير المناسبات في مفتتح كتابه.
4- والمراد بالفقرة الثالثة والرابعة قوله : المتكلم بكلام أيكم الى قوله : وان بذلوا الوسع والاستطاعة.

مدخول بأنّ العدليّة في الحقيقة قائلون : بأنّ كلّ ما يصل من اللّه إلى عباده تفضّل منه وإحسان (1) والنّزاع لفظيّ كيف؟ وهم قائلون : بأنّ اصول النّعم من خلق الحيّ وخلق حياته وخلق شهوته وتمكّنه من المشتهى وإكمال العقل الذي يميّز به بين الحسن والقبيح كلّها تفضّل منه تعالى سابقة على استحقاق العبد ، فالفروع أولى بذلك ، وفي الادعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام : يا مبتدئا بالنعم (2) قبل استحقاقها! لكن تسمية بعضها استحقاقا وثوابا إنّما هو لأنه تعالى وعد به على الطاعات ، وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده ، فالوجوب الذي أثبته أهل العدل ليس المراد به الوجوب التكليفيّ الثّابت بإيجاب الغير حتّى يستلزم دعوى ويستدعي حاكما ، ولا يتصوّر بدونه كما زعمه الخصم (3) بل المراد الوجوب العقليّ وهو لا يستلزم ذلك ، لأنّ مرجعه إلى صدور بعض الأشياء عنه تعالى باقتضاء حكمته له. وقد استدلوا على الوجوب المذكور بقوله تعالى : ( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (4) وقال السّيد معين الدّين الإيجي (5) الشّافعي في بعض رسائله : أى

ص: 36


1- انظر الى كلمات المحققين من أصحابنا سيما بعض المتأخرين منهم تنادى بإنكار استحقاق الثواب والأجر على امتثال التكاليف ، وأن ما ورد في الأدلة السمعية في ترتب الثواب محمول على التفضل ونحوه من المحامل ، وقد حققنا ذلك أيضا في محله.
2- هذه العبارة من فقرات الدعاء المروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام بعد صلاة جعفر ، أولها : يا من أظهر الجميل وستر القبيح ثم ان هذا الدعاء الشريف مما اشتمل على جوامع الكلم ومضامين لم تمسسه أيدي الأفكار كيف لا وهى صادرة من منابع الحكمة والعلم والمشاكى النبوية الموقدة من عالم القدس.
3- وقد عرفت أن من أظهر المحامل التفضل ، ومنهم من جعل الثواب في مقابل الانقياد.
4- الانعام الآية 12.
5- هو السيد معين الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه الحسنى الحسيني ، صاحب كتاب جامع البيان في تفسير القرآن المتوفى سنة 905 والإيجي نسبة الى ايج وهي من كورة دارابجرد من بلاد فارس. واهل فارس يسمونها ايك كما في المراصد ثم ان هذا السيد بيته بيت الفضل والأدب.

أوجب على نفسه بموجب وعده أن يجازي الحسنة بعشرة (1) على أن الاشاعرة قد اشتركوا في اطلاق الوجوب على اللّه تعالى مع المعتزلة حيث قالوا في كتبهم الكلامية : بوجوب إرسال الأنبياء على اللّه تعالى ، وبوجوب عدم خلق المعجزة على يد الكاذب بطريق جرى العادة ، وبسبيّة القتل الذي يخلق اللّه عقيبة الموت بذلك الطريق (2) فإنه لو لم يكن جريان العادة واجبا عليه تعالى لم يكن مفيدا في إثبات شيء ممّا ادّعوه وبنوه على هذه المقدمة ، وتفصيل الكلام في هذا المرام مذكور في بعض رسائلنا ، وسنذكر جملة منه فيما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

وأما ما ذكره في الفقرة الخامسة من كون الفرقة النّاجية المفضّلة على سائر فرق الإسلام هم المتّسمون بأهل السّنة والجماعة (3) فمقتضاه خروج أهل السّنّة عن جملة فرق الإسلام وإلّا لزم تفضيل الشّيء على نفسه ، ولو سلّم الدّخول مع ظهور خروجهم فتفضيل اللّه تعالى لهم ممنوع واستدلالهم على ذلك بحديث ستفترق (4) مدفوع ، إذ بعد تسليم ما رووا من تعيينه عليه الصّلاة والسّلام الفرقة الواحدة النّاجية نحو تعيين بقوله : الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي (5) نقول : لا دلالة

ص: 37


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة الانعام الآية 160. ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) .
2- وممن عبر بالوجوب هو الناصب ابن روزبهان في مسائل الإدراك والتزم بوجوب وجود المعاليل عند وجود عللها حسب العادة وأسندها الى كتيبته الاشعرية كما سيأتي.
3- على أن الظاهر من الحديث الذي رواه المولى على المتقى في الكنز كون الشيعة التابعين لعلى والعترة النبوية أهل السنة والجماعة.
4- وقد سبق سند هذا الحديث ومدركه ومأخذه.
5- كما في مجمع الزوائد (ج 7 ص 259 ط مصر) رواه عن أبي الدرداء وأبى أمامة واصلة بن أصقع وأنس بن مالك.

له على مطلوبهم ، إذ المراد بالأصحاب (1) امّا كلّ الصحابة جمعا أو افرادا أو بعض مبهم أو معيّن ، لا سبيل إلى الأول ، لأنّ معنى العبارة يكون حينئذ : أنّ كلّ من اتّبع ما يتّفق عليه مجموع أصحابي فهو الناجي ، وهذا معنى الإجماع ولا دخل له في الاستدلال على أنّ الفرقة النّاجية أهل السّنة أو غيرهم ، بل يكون هذا دليل صحة الإجماع وحجيته ، ولا نزاع في أنّ إجماع الصّحابة بمعنى اتّفاقهم على أمر من الأمور يجب متابعته (2) وأين هذا من ذاك؟! ولو قيل متابعة الإجماع مخصوصة بأهل السّنة دون غيرهم فهو مكابرة ، لأنّ الإجماع بعد ثبوته لم يخالفه أحد من أهل الإسلام ، وأيضا يلزم على هذا التقدير أنّ من اتّبع قول بعض الصّحابة وترك العمل بقول البعض الآخر لم يكن من أهل النجاة ، وهو خلاف ما ذهب إليه بعض أهل السّنة : من أنّ قول الخلفاء الثلاث حجة ، وأيضا يلزم أنّ من قال : بإمامة أبي بكر يكون خارجا من أهل النجاة ، لأنّ إجماع الصّحابة لم يتحقّق على خلافته ، إذ كثير من خيار الصّحابة تخلّف عن بيعته كعليّ عليه السلام وسائر بني هاشم وأبي ذر وسلمان وعمّار ومقداد وسعد بن عبادة وأولاده وأصحابه وغيره ممن صرّح

ص: 38


1- إذ القضية خارجية لا حقيقية ، ثم قوله : جمعا أى مجموعا ، والحاصل أنه بعد فرض القضية الخارجية فاما أن يراد من هيئة الجمع الكل أو البعض المبهم أو المعين ، وعلى الاول العموم اما مجموعي أو أفرادى ، وعلى كونه أفراديا فأفراده الجماعات أو الآحاد ، وعلى التقادير العموم اما وضعي أو حكمى عقلي ، وعلى أى تقدير لا يثبت مدعى الناصب. وأنت أيها القاري الكريم إذا أحطت الخبر بما تلونا عليك عرفت أن مولانا القاضي الشهيد المرعشي لم يستوف جميع الأقسام في العبارة ، بل اكتفى بأمهات الأقسام روما للاختصار.
2- أما عند أصحابنا فلكون الاتفاق كاشفا عن قول المعصوم ، وأما عند الجمهور الذين جعلوا الاتفاق أصلا أصيلا فلأجل كونه حجة في نفسه.

بهم رواة الطرفين ، واتّفاق البعض ليس بحجة فالتّابع له يكون خارجا عن ربقة أهل النجاة ، ولا سبيل إلى الثاني أيضا وإلّا لاستحال المتابعة والإطاعه ، ولزم أيضا تأخير البيان عن وقت الحاجة (1) ولا إلى الثّالث : بأن يراد أىّ بعض كان كما يتراءى من روايتهم عنه صلى اللّه عليه وآله : أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم(2) إذ على تقدير صحّة الرّواية يلزم منها أنّ كلّ من اتّبع قول بعض الجهّال بل الفسّاق والمنافقين منهم وترك العمل بقول بعض العلماء الصالحين منهم يكون من أهل النجاة ، وهو بديهىّ البطلان ، وايضا يلزم أن يكون التّابع لقتلة عثمان والذي تقاعد عن نصرته تابعا للحقّ ، وأن يكون أتباع عائشة وطلحة وزبير ومعاوية الذين بغوا وخرجوا على على عليه السلام وقاتلوه ، على الحقّ ، وأن يكون المقتول من الطرفين في الجنّة. ولو أنّ رجلا حارب معاوية مثلا إلى نصف النّهار في نصرة عليّ عليه السلام ، ثمّ عاد في نصفه وحاربه عليه السلام في نصرة معاوية لكان في الحالين جميعا مهتديا للحقّ ، والتوالي بأسرها باطلة ضرورة واتّفاقا ، فتعيّن الرّابع وهو أن يكون المراد بعضا معيّنا ، ولا بدّ أن يكون ذلك المعيّن متّصفا بمزايا العلم والكمال ليكون متابعته وسيلة إلى النّجاة وذريعة إلى الفوز بالدرجات ، إذ على تقدير التّساوي يلزم الترجيح بلا مرجّح ، والمخصوص بهذه الأوصاف من بين الصّحابة هو عليّ وأولاده المعصومون عليهم السلام ، كما سيتضح في بحث الإمامة ، ولا نزاع في أنّ من كان تابعا لهم

ص: 39


1- على أن بيعة المبهم مما لا تصدر عن ذى مسكة ومن له أدنى مراتب الإدراك كما لا يخفى.
2- هذه الرواية ضعفها بعض علماء القوم بوجود الوضاعين في طريقه وفي إحدى أسانيده المغيرة بن شعبة وأبو هريرة وابن أشته وأضرابهم من الصحابة والتابعين وغيرهم المرميين بالضعف والوضع والتدليس ونحوها من العيوب ، ومن راجع في المظان صدق ما قلناه.

كان من أهل النّجاة ، فالفرقة النّاجية من تابعهم في العقائد الإسلاميّة وهم الشّيعة الإماميّة ، فظهر أنّ هذا الحديث دليل عليهم لا لهم كما موّه (1) به العلّامة الدّوابي (2) في شرحه على العقائد العضديّة ، على أنه لا دلالة للحديث المذكور على أنّ أهل السنّة هم اللّذون على ما عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأصحابه ، إذ ما من فرقة إلّا ويزعم أنّها النّاجية التي على ما عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأصحابه ، والباقية هالكون ، و ( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (3) فكل من ادّعى أنّ الفرقة النّاجية أهل السّنة لا بدّ له أوّلا من دليل يدلّ على أنّ طريقهم واعتقادهم يكون موافقا لما عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأصحابه ، حتّى يلزم أنّهم الفرقة النّاجية دون غيرهم. وأنت خبير بأنّ مجرّد الحديث لا يدل على هذا المطلوب بإحدى الدلالات ، ولو استند في ذلك بمجرد قول علماء أهل السّنة يكون مصادرة على المطلوب وهو ظاهر ، ولنا هنا زيادة بحث وتحقيق ذكرناها في كتابنا المسمّى بمصائب النّواصب (4) فليرجع إليه من أراد ، واللّه الموفق للسّداد. ثمّ ماروى الشارح النّاصب من قوله : لا يزال طائفة من امّتي منصورين لا يضرّهم من خذلهم حتى تقوم السّاعة ، فلا يخفى أنّه

ص: 40


1- موه الشيء طلاه بفضة وذهب وتحته نحاس أو حديد. ق.
2- هو العلامة جلال الدين محمد بن أسعد الدواني صاحب التآليف الشهيرة والتصانيف الكثيرة توفى في حدود سنة 907 أو 908 وغيرهما من المحتملات. والدواني نسبة الى دوان من توابع بلدة شيراز.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة المؤمنون الآية 53 : ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) .
4- وقد ترجمه جماعة من الاعلام ، منهم العلامة شيخنا الأستاذ آية اللّه الميرزا محمد على الرشتي الچهاردهى النجفي «قده» وطبعت تلك الترجمة منذ أعوام ببلدة تهران بمساعى حفيده الفاضل الآقا مرتضى المدرس أدام اللّه توفيقه.

أشدّ انطباقا بحال الشّيعة الإماميّة ، فإنّ المتبادر من شأن المقام (1) وتنكير لفظ طائفة ، الطائفة القليلة وقلة فرقة الشّيعة وكثرة جماعة أهل السّنة ظاهرتان.

وأيضا احتمال الخذلان إنّما يناسب الطائفة القليلة التي استمرّت عليها الخوف والتقيّة دون الكثيرين الذين كانوا متكئين دائما على أرائك الأمن (2) وعزّ الدّنيا الدنيّة ، فحاصل الحديث لا يزال طائفة قليلة من امّتي منصورين بالحجّة والبرهان ، لا يضرّهم خذلانهم في مواقف استعمال السّيف والسّنان وهذا المفهوم المحصل لا مصداق له سوى الاماميّة. وأيضا لو لم يكن المراد بالنّصر الموعود به الأنبياء والأولياء وسائر المؤمنين في القرآن والحديث النّصر بالحجج والبراهين كما ذكرناه ، وقد ذكره المفسّرون ؛ للزم كذب القرآن المجيد ، لأنّ كثيرا من أنبياء بني إسرائيل لم ينصروا في الدّنيا كما روي (3) من أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الشّمس إلى غروبها سبعين نبيّا ، ثم يجلسون يتحاكون في الأسواق كأنّهم لم يصنعوا شيئا ، وكذلك فعل بحبيب النّجار مؤمن آل ياسين فإنهم وطؤه (4) حتّى

ص: 41


1- اى المقام الذي وردت فيه الرواية المذكورة. منه «قده».
2- مأخوذ من قوله تعالى في سورة الدهر الآية 14 : ( مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى ) .
3- في تفسير ابن كثير (الجزء 1 ص 355 ط مصر) في ذيل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ ) الآية. قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) مخاطبا لأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ، قتلت بنو إسرائيل ثلثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة الحديث. وهكذا رواه ابن جرير. وعن عبد اللّه بن مسعود ، قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبى من أول النهار وأقاموا سوق بقلهم. وفي تفسير الدر المنثور للسيوطي في ذيل الآية 61 البقرة : أخرج أبو داود والطيالسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود ، قال : كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة مائة نبي.
4- بالأرجل وداسوه.

خرجت أمعاؤه ، ويحيى بن زكرّيا اهدى رأسه إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل ، وأبوه زكريا نشر ، (1) والحسين بن علي عليه السلام أحد سيّدى شباب أهل الجنة قتل وطيف برأسه البلاد (2) وأيضا قد قتل إمام النّاصب وأصحابه يوم الدّار ، فكانوا غير منصورين ، والذين قاتلوا إمامه وهازموا أصحابه كانوا منصورين ، فلم يكن إمامه وأصحابه مؤمنين بموجب ما زعمه في معنى الحديث وايضا سيقول في خطبته هذا : إنّ في زمانه قد استولى فئة من أصحاب البدعة على البلاد وأشاعوا الرّفض والابتداع وقتلوا وشرّدوا وطردوا أصحابه من أهل السّنّة ، وهذا النّاصب الشّقيّ كان من جملة من هرب منهم إلى بلاد ما وراء النّهر (3) فيجب على قوله أيضا أن لا يكون هو وأصحابه بمؤمنين ، بل إنّما المؤمنون الذين قتلوا أصحابه وطردوهم ومن كاس الحمام (4) جرّعوهم فرحمة اللّه عليهم ، أولئك حزب اللّه ألا إن حزب اللّه هم الغالبون (5). هذا وقد أجرى اللّه الحقّ على لسانه حيث قال عند توجيه الصلاة على النبي عليه الصلاة والسّلام : إنّه جعل شيعة الحقّ وأئمّة الهدى أتباعه (6) ، إذ يفهم منه الميل إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، لتبادرهم من هذا الوصف في لسان أهل الإسلام وشيوع استعماله في شأنهم عليهم السلام. وكذا يفهم منه الاعتراف بحقيّة الشّيعة ، فإن الشيعة اسم قديم لهذه الفرقة وليس لأغيارهم لو ارتقوا إلى السّماء سوى اسم أهل السّنة والجماعة بمعنى أهل

ص: 42


1- بالمنشار.
2- وهو أول راس حمل على الرمح في الإسلام ؛ كما ذكره السيوطي وغيره وهو المشهور بين المؤرخين.
3- ونزل بلدة قاسان من بلاد ما وراء النهر كما مر.
4- الحمام : بكسر الحاء المهملة الموت ، وبالفتح الطير.
5- اقتباس من قوله تعالى في سورة المجادلة الآية 22
6- في بعض النسخ أشياعه بدل أتباعه.

سنّة معاوية وجماعته الغاوية الذين سنّوا سب علي عليه السلام، واجتمعوا عليه فلما قطع دابر دولة الشّجرة الملعونة الأمويّة وآل الملك إلى العباسيّة المبغضين للأمويّة أوّلوا ذلك خوفا منهم ومن شناعته بسنّة النبيّ وجماعته. ثم الفقرة المذكورة بقوله : وهدى إلى انتقاد نهج الحقّ وكشف الصّدق أتباعه إنما يناسب في شأن طائفة الشيعة التي صنّف عالمهم العلّامة لهدايتهم الكتاب الموسوم بكشف الحقّ ونهج الصدق ، وهذا ممّا لا يخفى على من له صدق تأمّل في فنون المقال ووجوه براعة الاستهلال. ثمّ نعم ما فعل من تخصيص كرام الصّحب بالذّكر فإن توصيف مطلق الصحب بالجود والشّجاعة يشكل [خ ل مشكل] بحال من تخلف ، لغاية بخله عن تقديم شيء بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عند النّجوى (1) وبحال من فرّ في خيبر (2) وغيرها من المواقف التي عمّ بها البلوى ، كما نطق بها ما سيجيء من النّصوص والأحاديث المأثورة ، وصرّح بمضمونها ابن أبي الحديد المعتزلي (3) في بعض قصائده المشهورة حيث قال :

شعر

وأعجب إنسانا (4) من القوم كثرة *** فلم تغن شيئا ثمّ هرول مدبرا ب)

ص: 43


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة المجادلة الآية 12 : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) .
2- المراد بالفار في خيبر هو الاول.
3- هو العلامة الشيخ عز الدين عبد الحميد بن محمّد بن محمد بن الحسين ابن أبى الحديد المدائني شارح نهج البلاغة ولد سنة 586 توفى ببغداد سنة 655 وله قصائد شهيرة في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام تعرف بالعلويات منها قوله في قصيدة : ورأيت دين الاعتزال واننى *** أهوى لأجلك كل من يتشيع.
4- الإنسان يريد به الاول فانه قال في ذلك اليوم : لن نغلب اليوم من قلة فأصابهم بعينه حتى انكسروا. وقال : في ذلك بعض الفصحاء : أبو بكر عانهم وعلى أعانهم ، ويريد بالنص قول اللّه تعالى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) . والمراء ممدودا : المجادلة وقصره ضرورة ، وليس بنكر الى قوله وخيبرا يقول : في ذم الاول وفراره من الجهاد وغرضه الرد على من يقول : انه أفضل من على عليه السلام لعن اللّه من يقول به. ويوم حنين فر جميع الناس ولم يثبت مع النبي الا تسعة من بنى هاشم وأيمن بن عبيد بن ام أيمن مولاة رسول اللّه فقتل رحمه اللّه وبقي التسعة حول رسول اللّه وهم أمير المؤمنين والعباس والفضل بن عباس وأبو سفيان ونوفل وربيعة وابن الزبير وعتبة ومعتب ، وأما يوم احد وهو جبل كانت الوقعة عنده ففر الناس بأسرهم الا أمير المؤمنين وأبا دجانة ، ولم يزل أمير المؤمنين يذب عن الرسول ويحمى عنه كالليث الباسل حتى انكسر سيفه وأعطاه رسول اللّه سيفه ذا الفقار فقاتل حتى عجبت الملائكة من صبره وشجاعته ، وان قيل : كيف خص أبا بكر بالفرار يوم حنين ويوم احد وعيره بذلك وقد فر الناس جميعهم الا من استثنى يقال : انما خصه بذلك ردا على من يقول : انه افضل من أمير المؤمنين فذكر المناقب المشهورة لعلى والمثالب الظاهرة لأبي بكر وأما يوم خيبر فهزيمة أبى بكر ورجوعه بالرأية مشهورة لا يخفى (انتهى ما أخذ من شرح العلويات لصاحب المدارك وغيره من الكتب)

وضاقت عليه الأرض من بعد رحبها *** وللنصّ حكم لا يدافع بالمراء

وليس بنكر في حنين فراره *** ففي احد قد فرّ خوفا وخيبرا

وأما قوله بعد أما بعد : يعبدون الأصنام و ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) إلخ ، فهو مشير إلى عنوان حال أئمّته وخلفائه في عبادة الأصنام الملاعين فإنّهم ما أسلموا إلّا بعد أن مضى من عمرهم أكثر من أربعين وقد روي عمّن سبّح في كفّه الحصاة : من بلغ أربعين ولم يحمل العصا فقد عصى (1) وفسّر العصا بالإسلام كما اشتهر من مناظرة جرت في ذلك بين عبد الرّحمن الجامي (2) وبعض

ص: 44


1- وسيأتي مستنده في باب المطاعن إن شاء اللّه تعالى.
2- هو المولى عبد الرحمن بن احمد الدشتى الجامى العارف النحوي الشهير المتوفى سنة 898 وله تصانيف شهيرة كالفوائد الضيائية في النحو المعروف بشرح الجامى والرشحات وشرح اللمعات وتاريخ هراة وغيرها.

الأعلام (1).

ثمّ قوله : فندب صلى اللّه عليه وسلم لنصرة الدّين وإعانة الحقّ عصبة من صحبه الصّادقين إلى قوله ثمّ هاجروا ، غير مصدّق لمقصوده ضرورة أنّ مصداق الصادقين المهاجرين ، هم اللّذون لم يكن مهاجرتهم إليه صلى اللّه عليه وآله مشوبة بالأغراض الدّنية والأعراض (2) الزّائلة الدّنيوية ، كما روي في صحاح الجمهور (3) من قوله عليه الصّلاة والسلام من كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

وقد ذكر شرّاح الحديث أنّ سبب وروده ما نقل عن ابن مسعود رضى اللّه عنه من أنّه لما هاجر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم هاجر بعض أصحابه لله ولرسوله وهاجر بعض آخر للدنيا وهاجر رجل لامرأة يقال لها ام قيس حتّى يتزوجها فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم : هذا الحديث تذكيرا لأهل الاعتبار وتوبيخا لمن ليس له الادكار انتهى. وقد اتّضح بما ذكرناه ونقلناه أنّ كون من وقع فيهم النزاع من الصحابة مصداقا للهجرة الحقيقيّة والصّدق والاصابة محلّ بحث لا بدّ له من دليل ، بل سيقوم الدّليل القويم على نفيه في مسألة الامامة إن شاء اللّه تعالى ، وأما الوصف : بالكرس

ص: 45


1- والمراد ببعض الاعلام المولى النحرير علم العلامة الشيخ حسن النقوى الهروي وقد ذكرنا المناظرة المشار إليها مفصلا عند ذكر أحواله في كتابنا الموسوم بمجالس المؤمنين. والتقوى منسوب الى الامام على النقي ابن محمد التقى عليهما السلام.
2- الاعراض : جمع العرض بفتح الاول والثاني : المتاع وحطام الدنيا.
3- رواه في البخاري (ج 5 ص 56 ط مصر) عن مسدد بالسند المتصل الى علقمة بن وقاص قال : سمعت عمر قال : سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله. الحديث.

والعيبة فإنما روي (1) عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في شان الأنصار الذين فتنوا بحيلة الأغيار أولا ورجعوا إلى عليّ عليه السلام آخرا ، فلا نصيب للمتنازع فيهم من قريش في ذلك ، وكذا الكلام في قوله : فأثنى اللّه تعالى عليهم في مجيد كتابه ورضي عنهم وتاب عليهم ، إذ ليس في القرآن ما يدلّ على ثناء الصّحابة المبحوث عنهم ، ولا على عفوه تعالى ورضائه عنهم ، وأيضا الرّضاء الذي وقع في حقّ أهل بيعة الرّضوان كان مشروطا بعدم النّكث ، كما قال تعالى بعد ما أخبر بالرضا عنهم : ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) (2) والحاصل أنّ رضوان اللّه تعالى عن العباد إنّما يكون بحسب أفعالهم وأعمالهم ، فإذا فعلوا عبادة رضي اللّه تعالى عنهم. وإن فعلوا معصية سخط اللّه عليهم ، ولا يلزم من الرّضاء في وقت باعتبار أمر دوام الرّضاء له كما قال سبحانه :

ص: 46


1- قد تصفحنا مظان الحديث في الصحاح الستة وغيرها من كتب العامة فلم نجد رواية في توصيف غير الأنصار بالكرش والعيبة بل هما من خصائص الأنصار وقد ورد في توصيفهم بهما روايات (منها) ما رواه البخاري في صحيحه (ج 5 ص 35 ط اميرية) بالسند المنتهى الى هشام بن زيد قال سمعت أنس بن مالك يقول مر ابو بكر والعباس رضى اللّه عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال : ما يبكيكم قالوا : ذكرنا مجلس النبي (صلی اللّه عليه وآله) منا فدخل على النبي (صلی اللّه عليه وآله) فأخبره بذلك قال فخرج النبي (صلی اللّه عليه وآله) قد عصب على رأسه حاشية برد قال فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال : أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشى وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم (انتهى) ورواه عن عكرمة عن ابن عباس ايضا ملخصا عن قتادة عن أنس وعن عكرمة عن ابن عباس. ووردت في صحيح مسلم (الجزء السابع صفحة 174 ط مصر) وفي مجمع الزوائد (الجزء العاشر ص 30 و 36 و 37 ط مصر) أحاديث بهذا المضمون.
2- الفتح. الآية 10.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً ) (1) فانّ اللّه تعالى يرضى بايمانهم ، ويسخط بكفرهم ، ثم قوله وجعل امور الدّين مرجوعة إليهم ، مدفوع بأنّ اللّه تعالى لم يجعل امور الدّين مرجوعة إلى الخلفاء الثّلاثة الذين قصدهم النّاصب بهذه العبارة ، لتصريح الجمهور على ما ذكر في المواقف (2) وغيره : أنّ إمامة أبي بكر إنّما ثبتت باختيار طائفة من الصّحابة ، بل ببيعة عمر وحده ، وإمامة عمر ثبتت بتفويض أبي بكر إليه ، وخلافة عثمان بالشورى ، اللّهم إلّا أن يبنى ذلك على قاعدة الجبر ، ويقال : إنّ اختيار تلك الطائفة وبيعة عمر كسائر القبائح كان من فعل اللّه سبحانه ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

ثم قوله : ثم وثب فرقة بعد القرون المتطاولة والدّول المتداولة يلعنونهم ويشتمونهم ويسبونهم إلى آخره ، إن أراد به أنّ تلك الفرقة التي عنى بهم الشّيعة يلعنون جميع الصّحابة فهو افتراء ظاهر ، وإن أراد به أنّهم يلعنون بعض الصّحابة ممّن اعتقدوا أنّه أظهر بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله آثار الجلافة ، وغصب الخلافة ، وظلم أهل البيت بكلّ بليّة وآفة ، ففي هذا اسوة حسنة (3) باللّه تعالى ورسوله ووصيّه ، إذ قد لعن اللّه تعالى في محكم كتابه على الجاحدين والظالمين والمنافقين ، وأشار إلى وجوب متابعة ذلك او استحبابه بقوله : ( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (4) و

ص: 47


1- النساء. الآية 137.
2- صاحب المواقف هو القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن ركن الدين أحمد بن عبد الغفار الإيجي الشيرازي المتوفى محبوسا سنة 756 او 760 ، وله تصانيف كثيرة ، منها المواقف في الكلام وقد شرحه المحقق التفتازاني والشريف الجرجاني وغيرهما ، وما ذكره القاضي الشهيد «قده» في المتن موجود في الشرح الشريف من ص 72 الى 76.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 21 : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. )
4- البقرة : الآية 159.

بقوله : ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (1) واللعن في الآية وإن وقع بصورة الإخبار ، لكنّ المراد منه الإنشاء والأمر ، كما في قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (2) فانّ المراد منه ومن نظائره الأمر دون الاخبار على ما صرح به المفسرون. إذ لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع ، وعدم المطابقة في خبره تعالى محال. وقد روي (3) عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم : أنّه لعن

ص: 48


1- البقرة : الآية 161.
2- البقرة : الآية 228.
3- كما في شرح ابن ابى الحديد في نهج البلاغة (جزء 2 ص 102 ط مصر) فيما خطبه الحسن بن على عليه السلام وخاطب فيها معاوية الى أن توجه الى المسلمين وقال (عليه السلام) ايها الرهط نشدتكم اللّه الا تعلمون أن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) لعن ابا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها أولها يوم لقى رسول اللّه خارجا من مكة الى طائف يدعو ثقيفا الى الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وهم ان يبطش به فلعنه اللّه ورسوله وصرف عنه الثانية يوم العير إذ عرض على رسول اللّه وهي جائية من الشام فطردها ابو سفيان وساحل بها فلم يظفر المسلمون بها ولعنه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ودعى عليه فكانت وقعة بدر لأجلها والثالثة يوم احد حيث وقع تحت الجبل ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) في أعلاه وهو ينادى (أعل هبل) مرارا فلعنه رسول اللّه عشر مرات ولعنه المسلمون والرابعة يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) فابتهل والخامسة يوم جاء ابو سفيان في قريش فصدوا رسول اللّه «ص» عن المسجد الحرام والهدى معكوفا ان يبلغ محله ذلك يوم الحديبية فلعن رسول اللّه «ص» ابا سفيان ولعن القادة والاتباع وقال ملعونون كلهم وليس فيهم من يؤمن فقيل يا رسول اللّه أفما يرجى الإسلام لاحد منهم فكيف باللعنة فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الاتباع اما القادة فلا يفلح منهم احد والسادسة يوم الجمل الأحمر والسابعة يوم وقفوا رسول اللّه في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلا منهم ابو سفيان فهذا لك يا معاوية الى آخر ما قال عليه السلام. أقول وكفى في ذلك نقل ابن ابى الحديد وهو من أعاظم المعتزلة ولو تفحصت كتب السير والغزوات لوقفت على مواطن قد لعن فيها الرسول (صلی اللّه عليه وآله) ابا سفيان وعليك بالبحث والتنقيب.

أبا سفيان. وعن علىّ (1) عليه السلام أنّه كان يلعن في الصفين معاوية وعمرو بن العاص وأمثالهم من أهل البغي والعصيان ، ولا ريب في أنّ المكلّف إذا عمل بمقتضى أمر اللّه تعالى أو تأسّى بفعل نبيه ووصيّه عليهما السلام ، وكان عمله مقارنا للإخلاص يصير مستحقا للثواب.

ثم ان أراد بالشتم والسّب ما يرادف اللّعن في المعنى ، فلا نزاع معه في المعنى ، ولا محذور فيه كما مرّ ، وان أراد بهما القذف الذي مآله القدح من جهة العرض والتّعييب من جهة الآباء والأمهات ونحوهم ، فلا يجوز عند الشّيعة الإمامية شيء من ذلك بالنسبة إلى كافر مشرك مجاهر بالشّرك فضلّا عن مسلم أو متظاهر بالإسلام ، نعم لما قصد المتّسمون بأهل السّنة والجماعة تنفير العوام عن إتّباع مذهب الشيعة ، اصطلحوا على إطلاق السّب على الأعمّ من القذف والشتم واللعن ، حتّى يتأتّي لهم أن يقولوا : إنّ الشّيعة الإماميّة يتكلّمون بالفحش ، كما هو دأب العوام السّوقية ، والحاصل أنّا معشر الإماميّة لا نسبّ أصلا ولا نلعن كل الصحابة ، ولا جلّهم بل نلعن من كان منهم أعداء لأهل البيت عليهم السلام ، ونتقرّب بذلك إلى اللّه تعالى ورسوله وذوي القربى الذين أمرنا اللّه تعالى بمودّتهم أجرا (2)لتبليغ الرّسالة ، لاستحالة أن يجتمع الضدّان أو يحلّ قلبا واحدا نقيضان ، كما قال الشّاعر :

تودّ عدوّى ثمّ تزعم أنّنى *** صديقك إنّ الرأى عنك لعاذب(3)

ص: 49


1- في شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد (جلد 3 ص 288 ط مصر) كان على عليه السلام يقول : أللهم العن معاوية أولا وعمروا ثانيا ، وأبا الأعور السلمى ثالثا ، وأبا موسى الأشعري رابعا.
2- إشارة الى قوله تعالى في سورة الشورى ، الآية 23 : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. )
3- قوله : لعاذب : من العذب ، وهو المنع والامتناع.

ثم قوله : فويل لهذه الفئة الباغية التي يسخطون العصبة الرّضيّة يمرقون من الدّين إلخ ، لا يناسب ما قصده من جعل ذلك كناية عن الشّيعة ، لأن الفئة الباغية سمة قد اختصّ بها أصحاب معاوية الباغي (1) إمام هذا الشّارح النّاصب الطاغي ، والمروق (2) لقب من خرج على عليّ عليه السلام ، وقدح في عصمته وإمامته ، فهو أنسب بأن يكون لقب الشّارح النّاصب وعلامته.

ثم في قوله : من الغرائب مالورآه محتلم في رؤياه لطار من وكر الجفن نومه إلخ ، تطويل وركاكة لا يخفى ، ولو قال من الغرائب ما أطار نشأة البنج (3) عن أو كار رؤس أهل السنّة لكان أولى وأخصر (4) فإنّهم يبيحون (5) تناول البنج المسمّى بالحشيش ، بل يوجبون مقدار كفّ منه على ما نقلوا من لطائف صدر الشريعة البخاري (6) أنّه لمّا سئل عن حكم ذلك ، أجاب : بأنّ الكفّ منه واجب ، ولا ريب في أنّ إطارة هذه النشأة عن رؤسهم أشدّ بليّة عليهم من إطارة نومهم.

ثم قوله : وممّا شاع فيه أنّ فئة من أصحاب البدعة استولوا على البلاد وأشاعوا الرّفض والابتداع بين العباد ، كلام فيه اشتباه والتباس ، إذ لا يخفى أنّ

ص: 50


1- عبر به تبعا لكلام النبي صلی اللّه عليه وآله خطابا لعمار بن ياسر الصحابي ، تقلك الفئة الباغية.
2- المروق : الخروج من الدين ببدعة او ضلالة.
3- البنج : معرب بنگ وهو المعروف بالحشيش يتخذ من شاهدانج ويستعملها أهل النشوة بالآلات الخاصة التي يعبر عنها عند العوام في المقاهى «بغليان بالا»
4- وفي بعض النسخ (أجدر).
5- يبيحون : من أباح ، يبيح ، إباحة.
6- هو عبيد اللّه بن مسعود بن محمود الحنفي البخاري المتوفى سنة 745 او 747 او 750 صاحب كتاب شرح الوقاية في الفقه الحنفي ، ووجه اللطف في كلامه أن قوله : الكف منه واجب ؛ كلام ذو وجهين ، وله إيهام الى إرادة المنع من لفظ الكف أو اليد.

بمرور الزّمان وتعاقب تحريفات أهل العدوان تصير السّنة بدعة (1) والبدعة سنّة ، كما تصير بذلك الحجة شبهة والشّبهة حجة ، والمتّسمون بأهل السّنّة والجماعة لمّا استمرّوا على متابعة ما ابتدعه خلفائهم الثّلاثة في دين اللّه تعالى زعموا أنّ ما أظهره الشّيعة عليهم بعد مرور زمان التقيّة من أصل ما كان عليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته الزّكية ، إنّما هو بدعة ناشئة من الجهل والعصبيّة ، فإنّ من جملة ما زعموه من بدع الشّيعة تقريرهم حىّ على خير العمل في الأذان وإنكارهم صلاة التراويح (2) في شهر رمضان ، وانعكاس القضيّة بإنكار الأوّل وتقرير الثّاني (3) من بدع عمر كما سيجيء بيانه إن شاء اللّه تعالى.

ومن البدائع أنّ الشيّعة يتّبعون ما هو سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله اتّفاقا ، كالتّختم باليمين وتسطيح قبور المؤمنين ، والمتّسمين بأهل السنّة والجماعة ، يعدلون عنهما إلى التّياسر والتّسنيم (4) ومع ذلك يسمّون أنفسهم بأهل السّنّة ، والشّيعة بأهل البدعة ، وهذا من أعدل الشّهود على أنّهم أشدّ تحريفا من ملاعين اليهود.

واما قوله : ولم يسمعني فيه الزّمان صيت هؤلاء اللّئام ، فلا يخفى ما فيه ، إذ من البيّن أن اللّئيم هو من يرضى في دينه بمتابعة تيميّ (5) لكع (6) رذل

ص: 51


1- قد استعمل الشارح في المقام قاعدة رد العجز الى الصدر وهي من المحسنات البديعية.
2- يأتى في باب مطاعن الثاني.
3- يأتى في باب مطاعن الثاني ايضا من بدعه.
4- التسنيم : ضد التسطيح وجعل القبر كسنام البعير ، كما تفعله العامة في قبورهم وعليه ديدنهم.
5- لان أبا بكر ينتهى نسبه الى تيم هكذا : أبو بكر عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.
6- لكع. كصرد : العبد ، والشاهد على كونه لكعا ما ذكره ابن ابى الحديد في شرح النهج (ج 1 ص 52) أن أبا بكر كان يقال له الطليق ، وأما كونه ابن لكع فلما ذكره هو أيضا هناك من أن أبا قحافة كان ممن أسلم يوم الفتح ، أتى به أبو بكر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأسلم ، فيكون من طلقائه صلى اللّه عليه وآله يوم الفتح ، فتحقق مصداق ما رواه في مجمع الزوائد (ج 7 ص 320) وغيره عن ابن نيار ، قال سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) يقول : لا تذهب الدنيا حتى تكون عند لكع بن لكع ، وأيضا ما رواه عن بعض أصحاب النبي (صلی اللّه عليه وآله) قال النبي (صلی اللّه عليه وآله): يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع.

كرابيسى (1) معلّم للصّبيان لا يعرف أبّا (2) ولا كلالة (3) من القرآن

ص: 52


1- كنز العمال جلد 4 كتاب البيوع ، الحديث 167 ، عن النبي (صلی اللّه عليه وآله): لو كان في الجنة تجارة لأمرت بتجارة البز ، ان أبا بكر الصديق كان بزازا ، رواه الديلمي عن أنس.
2- روى ابن كثير في تفسيره (ج 4 ص 473 ط مصر) عن أبى عبيد القاسم بن سلام ، حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا العوام بن حوشب عن ابراهيم التيمي ، قال سئل أبو بكر الصديق رضى اللّه عنه عن قوله تعالى : ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) ، فقال : أى سماء تظلني ، وأى أرض تقلني بان قلت : في كتاب اللّه ما لم أعلم. وقد روى الطبري في تفسيره (ج 30 ص 33 ط مصر) عدة روايات في جهل عمر أيضا بذلك ، منها ما رواه عن ابن المثنى عن محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن موسى بن أنس، عن أنس قال : قرء عمر ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) ومعه عصاء في يده ، فقال : ما الأب ، ثم قال : بحسبنا ما قد علمنا وألقى العصاء من يده.
3- حيث قال في الكلالة لما سئل عنها : أقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن اللّه وان كان خطاء فمنى ، كما في شرح النهج لابن أبى الحديد في الطعن السادس (ج 5 ص 183) وغير الكلالة مما نقل القوم جهله بها من معاني آيات القرآن ، ومن قلة فهمه بأحكام اللّه جهله بميراث الجدة حيث سألته امرأة كانت جدة لميت عن إرثها فقال في جوابها : لا أجد لك شيئا في كتاب اللّه وسنة نبيه ، فأخبره المغيرة ومحمد بن سلمة بان الرسول «ص» أعطاه السدس وقالوا : أطعموا الجدات السدس. وهذا الأثر مروى في مسند احمد (جزء 4 ص 225 ط الاول بمصر) وكذا في الصواعق (ص 21 مصر) ومما يحكى من جهله بالاحكام أنه قطع يسار السارق كما في الصواعق (ص 21 مصر) ومنها أنه لم يعرف ميراث العمة والخالة كما في السياسة والامامة لابن قتيبة (جزء اول ص 31 مصر) الى غير ذلك مما يجده الباحث في خلال تلك الديار والواقف على الآثار في كتب الفريقين.

أو عدويّ (1) فظّ غليظ (2) جاهل اعترف بأنّه أقلّ فهما فقها من النّسوان (3) وأمّا الشّيعة

ص: 53


1- منسوب الى عدى. والعامة انهت نسبة الى عدى.
2- قد ذكر ابن أبى الحديد في الشرح (ج 1 ص 62) قضايا كثيرة في غلظة عمر منها ما ذكره بقوله : وعمر هو الذي اغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره الى مفارقة دار الهجرة ، بل مفارقة بلاد الإسلام كلها ، وعاد مرتدا داخلا دين النصرانية لأجل لطمة لطمها ، وابن عباس أخفى حكم العول ما دام عمر حيا خوفا منه ، واستدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا ، فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها ، ودفع عمر في صدر المقداد ، ووطأ في السقيفة سعد بن عبادة ، وحطم أنف الحباب بن المنذر ، وتوعد من لجأ الى دار فاطمة عليها السلام من الهاشميين وأخرجهم منها ، وروى أيضا أن اخت عمرو بعلها أسلما سرا من عمر فوشى بهما واش الى عمر فجاء دار أخته ، فقال ختنه : أرأيت ان كان هو الحق؟ فوثب عليه عمر فوطأه وطئا عظيما ، فجاءت أخته فدفعته عنه ، فنقحها بيده فدمى وجهها ، وفي الصحيح ان نسوة كن عند رسول اللّه قد كثر لغطهن ، فجاء عمر فهر بن منه ، فقال لهن : يا عديات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول اللّه «ص»؟ قلن نعم أنت غلظ فظ ورواه في البخاري (ج 8 ص 23).
3- قال ابن أبى الحديد (ج 1 ص 61 ط مصر) وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضده وخلافه. قضى في الجد مع الاخوة قضايا كثيرة مختلفة ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه وقال مرة : لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي الا ارتجعت ذلك منها ، فقالت له امرأة : ما جعل اللّه لك ذلك انه تعالى قال ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) . فقال : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ومر يوما بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه وقال : ان اللّه تعالى يقول ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) . فقال له الفتى : يا أمير المؤمنين انها ليست لك ولا لاحد من أهل القبلة ، اقرأ ما قبلها ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. فقال عمر : كل الناس افقه من عمر. وقيل : ان عمر كان يعس بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت فتسور الحائط فوجد امرأة ورجلا وعندهما زق خمر فقال : يا عدو اللّه أكنت ترى أن اللّه يسترك وأنت على معصيته. قال : يا أمير المؤمنين ان كنت قد أخطأت في واحدة فقد اخطأت في ثلاث قال اللّه تعالى ( وَلا تَجَسَّسُوا ) وقد تجسست ، وقال ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وقد تسورت ، وقال ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) وما سلمت.

فقد اتّبعوا. في دينهم وتحصيل يقينهم من أجمع على طهارته (1) وكرامته (2) وشرفه (3)وعلمه (4) وإمامته (5) أهل الإسلام ، وهم الأئمّة الهداة وسفن النّجاة الذين ورد فيهم : إنّ المتمسّك بهم لن يضلّ أبدا (6)

وإنّ مثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق (7) فلينظر النّاصب الغريق المتشبّث بكلّ حشيش ، أىّ الفريقين أحقّ بالأمن ، ثم ما روى من قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : من تمسّك بسنّتي عند فساد امّتي فله أجر مائة شهيد(8) إنّما ينطبق على حال الشّيعة حيث

ص: 54


1- في المولد ونزاهته من رذائل الأخلاق ومذام الصفات ووسمة الكفر.
2- في النفس وقوة الروح وشدة الايمان.
3- بالنسب والسبب والحجى والأدب.
4- بالاحكام والاقضية وغيرهما.
5- بتقدمه على غيره وافتقارهم اليه واستغنائه عنهم.
6- إشارة الى حديث الثقلين ، وله أسانيد متضافرة. وسيجيء الكلام فيه. وقد طبعت رسالة جامعة للاسانيد من كتب القوم ألفها بعض الفضلاء الأتقياء. حرسه اللّه بعينه التي لا تنام ، وقامت بطبعها جامعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بمصر المحمية.
7- أخرجه ابن حجر في مجمع الزوائد في باب فضيلة أهل البيت (ج 9 ص 166 ط مصر) بأسانيد متعددة ومتون مختلفة ، منها ما رواه أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله) يقول : انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجى ، ومن تخلف عنها غرق ، وانما مثل أهل بيتي مثل باب حطة في بنى إسرائيل من دخله غفر له.
8- ويقرب منه ما رواه في كنز العمال (الجزء الاول ص 194 ط حیدرآباد) بسنده المنتهى الى أبى هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلعم : المتمسك بسنتي عند فساد أمتى له أجر شهيد ومثله في هذا الجزء ص 192.

تمسّكوا عند فساد الامّة وظهور الغمّة(1)في زمان بني أميّة وبني العبّاس وغيرهم ، ممّن ملك رقاب النّاس بسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله المنتهية إليهم بتوسّط أولاده المعصومين المنزهين عن الكذب وساير الأرجاس ، وأمّا السنّة التي في أيدي المتّسمين بأهل السنّة فأكثرها موضوعات مأخوذة من غير مآخذها (2) متلقّاة من منافقي الصّحابة والجاهلين منهم بأكثر شرائط الرّواية بل فاقدها ، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في جواب سليم بن قيس الهلالي.

قال سليم : (3) قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وآله غير ما في أيدي النّاس (4) ثمّ سمعت منك تصديقك ما سمعت

ص: 55


1- الغمة جمع الغمم الحزن والكرب.
2- وفي نسخة مخطوطة : من غير ناقدها.
3- وكتابه معروف طبع بمرات ، وهو من أقدم الكتب عند الشيعة وأصحها ، بل حكم بعض العامة بصحته ايضا وممن نقل عنه واعتمد عليه شيخنا أبو عبد اللّه النعماني «ره» في كتاب الغيبة ، وشيخنا الصدوق «ره» في الفقيه والخصال ، والكليني «ره» في الكافي ، ومن العامة السبكى في كتابه «محاسن الوسائل في معرفة الأوائل» وقال فيه : ان أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس «انتهى» وسليم هو سليم بن قيس الهلالي أبو صادق العامري الكوفي التابعي ، أدرك مولانا الأمير والحسنين والسجاد والباقر عليهم السلام أجمعين وتوفى حدود سنة 90 ويروى عنه أبان بغير مناولة ، وفيروز بالمناولة. ونقل عن الصادق عليه السلام في حق هذا الكتاب أنه قال : من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء ، ولا يعلم من أسبابنا شيئا وهو أبجد الشيعة وهو سر من اسرار آل محمد عليهم السلام وقد حكى حجة الإسلام صدوق الطائفة هذا الخبر الشريف في كتاب الخصال عن كتاب سليم هذا واعتمد عليه.
4- وفي نسخة سليم المطبوعة بالنجف ص 83. بدل قوله : (وأحاديث عن نبى اللّه الى قوله : في أيدي الناس) قوله : (من الرواية عن النبي عليه السلام) :

منهم ورأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وآله أنتم تخالفونهم وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل أفترى النّاس يكذبون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متعمّدين ، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال فأقبل علىّ فقال : قد سألت ، فافهم الجواب ، إنّ في أيدي النّاس حقّا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعامّا وخاصّا ومحكما ومتشابها وحفظا وو هما ، وقد كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على عهده حتّى قام خطيبا فقال : أيّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار (1) ثمّ كذب عليه من بعده ، وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس ، رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متعمدا ، فلو علم النّاس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول اللّه ورآه وسمع منه وأخذ عنه ولاهم يعرفون حاله ، وقد أخبره اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم ، وقال عزوجل : ( وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (2) ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمة الضّلالة والدّعاة إلى النّار بالزّور (3) والكذب والبهتان فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب النّاس وأكلوا بهم الدّنيا ، وإنّما النّاس مع الملوك

ص: 56


1- رواه في كنز العمال (ج 3 ص 355 حديث 3105) عن صحيح أبى يعلى ، عن سعيد بن زيد ، وعن صحيحى البخاري والمسلم. في حديث قال : رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله): من كذب على متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار. وهذه الرواية الشريفة مما وردت بأسانيد عديدة في كتب الفريقين : بل قد ادعى بعض المحدثين تواترها اللفظي فان لم يكن كذلك فالتواتر المعنوي مسلم فراجع.
2- سورة المنافقين. الآية 4.
3- الزور يقال : زور الكذب اى زينه. والكذب مخالفة الواقع في الخبر كان بالتزيين او لم يكن. والبهتان ، الافتراء.

والدّنيا (1) إلّا من عصمه اللّه ، فهذا أحد الأربعة ، ورجل سمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله شيئا لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فلو علم المسلمون أنّه وهم فيه لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه ، ورجل ثالث سمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله شيئا أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ النّاسخ ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه ، وآخر رابع لم يكذب على اللّه تعالى ولا على رسوله صلى اللّه عليه وآله مبغض للكذب خوفا من اللّه تعالى ، وتعظيما لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع لم يزد فيه ، ولم ينقص منه ، وعلم النّاسخ من المنسوخ فعمل بالنّاسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله مثل القرآن (2) ناسخ ومنسوخ وعامّ وخاصّ ومحكم ومتشابه ، وقد كان يكون (3) من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الكلام له وجهان ، فكلام عامّ وكلام خاصّ مثل ى.

ص: 57


1- ونعم ما قيل : فان الناس قد ذهبوا الى من عنده ذهب *** فمن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا فان الناس قد مالوا الى من عنده مال *** فمن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا فان الناس منفضة الى من عنده فضة *** فمن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة الناس عبيد الدينار والدراهم
2- أى في بعض الجهات لا في كلها ، فان النسخ في القرآن والنسخ في الحديث يتفارقان في بعض الأمور ، كما حقق في محله.
3- هذا بيان أن الرجل الرابع يوجه الحديث على معرفته بمعناه وما قصد به وما خرج لأجله ، وقد يكون يوجهه على غير معرفته بمعناه وما قصد به لأجله ، مثلا قوله علیهم السلام صلى اللّه عليه وآله من كنت مولاه فعلى مولاه إلخ ، نقله الموافق والمخالف : وهو كلام صدر عنه ولم يهم فيه الناقل ، وليس مما يقبل النسخ الا أن الموافق حمله على ما هو معناه وما قصد به ، وما خرج لأجله ، والمخالف حمله على غير ذلك ، وقد ظهر بما ذكرنا أنه ليس رجل خامس في نقل الحديث كما لا يخفى.

القرآن وقال اللّه عزوجل : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (1) فيسمعه من لا يعرف ما عنى اللّه به ، ولا ما عنى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فيحمله السّامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه ، وما قصد به وما خرج لأجله [من أجله خ ل] ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يسأله عن الشّيء فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي (2) والطاري فيسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنا كلّ يوم دخلت عليه وكلّ ليلة دخلت عليه فيخلّيني فيها أدور (3) معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه لم يصنع ذلك بأحد من النّاس غيري ، فربّما كان في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلى بي ، وأقام عنّي نساءه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا أحد من بنيّ ، وكنت

ص: 58


1- الحشر الآية 7.
2- الأعرابي منسوب الى الاعراب ، يقال : رجل أعرابى إذا كان بدويا وان لم يكن من العرب ، والعربي منسوب الى العرب ، ويقال : رجل عربي إذا كان من العرب ، وان لم يكن بدويا ، كما يقال : رجل أعجم وعجمي إذا كانت في لسانه عجمة وان كان من العرب ، ويقال أيضا : رجل عجمي أى منسوب الى العجم وان كانت فصيحا. كذا يستفاد من كلمات السجستاني في الغريب ومن القاموس والنهاية والصحاح وغيرها.
3- ومن ثم قيل : على مع الحق والحق مع على ، يدور معه حيثما دار. وفي كتب القوم عدة روايات تدل عليها ، منها ما نقله القندوزى البلخي في ينابيع المودة (ص 91 ط اسلامبول) عن كتاب الحموينى عن ابن عباس، قال : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) الحق مع على حيث دار انتهى ، وفي كتاب التذكرة لسبط بن الجوزي البغدادي ص 38 قال النبي (صلی اللّه عليه وآله): اللّهم أدر الحق مع على حيث ما دار وكيف ما دار.

إذا سألته أجابني ، وإذا سكتّ وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملأها علىّ فكتبتها بخطي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها ، ودعا اللّه أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا ، فقلت يا نبيّ اللّه : بأبي أنت وامّي ، منذ دعوت اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم أكتبه ، أفتتخوّف علىّ النّسيان فيما بعد فقال : لا لست أتخوّف النّسيان والجهل. انتهى كلامه عليه الصّلاة والسّلام ، واما قوله : والناس على دين ملوكهم ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ) (1) فالمستثنى منه فيه إنّما ينطبق على الشّيعة الذين وصفهم النّاصب في مواضع من جرحه هذا بالقلّة والشذوذ دون أصحابه الذين افتخر بكثرتهم وعمومهم ، وإنّهم السّواد الأعظم فالتعريض الذي قصده في هذه الفقرة قد رجع إليه كما لا يخفى ، واما قوله : وقد ذكر في مفتتح ذلك الكتاب أنّه حاول بتأليفه إظهار الحقّ وبيان خطاء الفرقة النّاجية من أهل السّنة (إلخ) : ففيه إيهام أنّ المصنّف قدس سره حاول بيان خطاء أهل السنّة مع وصفه إيّاهم بأنّهم الفرقة النّاجية ، وهذا كذب بحت (2) لأنّ خطاء الفرقة النّاجية غير معقول ، وبالجملة الوصف بالنّجاة ممّا أضافه النّاصب في أثناء تقرير كلام المصنّف النّحرير على طريقه ، قصد تقرير سعر المتاع في خلال المشاحّة والنّزاع (3) ثم في قوله : وقد ألفه في أيّام دولة السلطان غياث الدين اولجايتو محمد خدا بنده غفلة عظيمة ، حيث لقّب مروّج مذهب الإماميّة الذين هم مبتدعة عنده بغياث الدّين ، اللّهم إلّا أن يقال : إنّه لقّبه بذلك على طريقة تسمية الشّيء باسم ما كان أو يكون ، لما افتراه في حاشية

ص: 59


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة ص الآية 24.
2- البحت ، الخالص الذي لا يشوبه شيء.
3- وهذا يساوق ما يقال في الفارسية : در اثناء نزاع تعيين نرخ ميكند.

شرحه على السّلطان الفاضل المستبصر بالدّليل ، من رجوعه آخرا عن ذلك السّبيل ، واما ما أشار إليه من أنّ شيوع مذهب الشّيعة في ذلك الزّمان إنّما كان بمجرّد اتّباع ميل السّلطان ، من غير دلالة حجّة وبرهان مردود ، بما أشرنا إليه سابقا من فضيلة هذا السّلطان ، وأنّه كان من أهل البصيرة والفحص عن حقائق المذاهب والأديان ، وأنّ نقل للمذهب وتغيير الخطبة والسّكة إنّما وقع بعد ما ناظر المصنف العلّامة الهمام ، علماء سائر المذاهب وأوقعهم في مضيق الإلزام والإفحام ، وأثبت عليهم حقّيّة مذهب أهل البيت الكرام ، فمن اختار مذهب الإماميّة في تلك الأيّام كان المجتهد دليله (1) وظهور الحقّ بين أظهر النّاس سبيله ، فكانوا آخذين عن المجتهد وسلوكه ، لا عمّن روّج المذهب من ملوكه ، فلا يتوجّه هاهنا ما كان يتوجّه في بعض الملوك وسلوكهم ، أنّ عامّة النّاس يأخذون المذاهب من السّلاطين وسلوكهم ، والنّاس على دين ملوكهم ، والحاصل أنّ السّلطان المغفور المذكور لم يكن مدّعيا لخلافة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا كان له حاجة في حفظ سلطنته إلى ما ارتكبه ملوك تيم وعدي وبنى أميّة وبني العبّاس ، من هضم إقدار أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وتغيير ديته اصولا (2) وفروعا (3) ترويجا لدعوى خلافتهم ، وليسلك النّاس مسلكهم من

ص: 60


1- اى كان المجتهد الذي رجع اليه هو دليله.
2- كالقول بقدم القرآن والكلام النفسي ، والجبر في الأفعال ، وقدم صفات الفعل. والتجسم وجواز الرؤية ، وعدم اشتراط العصمة في الأنبياء ، وتجويز القبيح العقلي في حقه تعالى ونحوها.
3- كابتداع صلاتي الضحى والتراويح : والقول بالعول؟ والتعصيب ، وتحريم طواف النساء ومتعتهن : والمسح على الخفين ، وترك الحيعلة العملية في الأذان ، وطهارة جلد الكلب بالدباغ ، وإلحاق الولد بالزوج مع عدم الدخول ، ونحوها مما تضحك منها ربات الخدور وتستهزى بها أوائل العقول ، بل البهائم العجم.

مخافتهم ، بخلاف هؤلاء الذين تقمّصوا (1) الملك والخلافة ، وابتلوا الدّين بكلّ بليّة وآفة ، فحرّفوا كتاب اللّه وغيّروا سنّة رسول اللّه ، متعمّدين بخلافه ، ناقضين لعهده ، مبالغين في محو آثار أهل بيته ، مهتمّين في غصب حقّهم وأخذ مستحقّهم (2) ليوقعوا بذلك في أوهام النّاس أنّهم من أصحاب الرأي والاجتهاد ، المطلعين على أسرار شريعة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأحكامها [خ ل المسطلعين] المتطلعين لطلع (3) الخلافة من أكمامها (4) وليتدرّجوا إلى إذ لال أهل البيت وخفض معاليهم ، وتشتّت شملهم (5) وتفرّق مواليهم ، فيتمّ الأمر لهم بلا منازع ، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في أثناء بعض خطبه (6) مقبلا بوجهه إلى من كان حوله من أهل بيته وخاصّته وشيعته ، فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا ، خالفوا فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

ص: 61


1- إشارة الى كلام على عليه السلام في خطبته الغراء المشتهرة بالشقشقية التي ألقاها بمعشر من المهاجرين والأنصار من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وهي مما تنفس فيه الصعداء وتنفث تنفث المصدور وبث الشكوى من كبد حراء وأراق الدموع من العيون ، وأعلى الزفرات ، فيا لها من خطبة كادت أن تنصدع منها الجبال الشوامخ وتتفطر منها الرواسخ!!
2- ولله در شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي حيث يقول : أرى فيئهم فنى غيرهم متقسما *** وأيديهم من فيئهم؟ صفرات.
3- الطلع. شيء يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان :
4- الكم بالكسر الغلاف الذي يحيط بالطلع فيستره ، ولا يخفى لطف الاستعارة وحسن التشبيه في هذه العبائر.
5- قال دعبل المذكور ويشير الى تفرقهم وخلو منازلهم الشريفة منهم. مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحى مقفر العرصات.
6- هذه الخطبة الشريفة مذكورة في كتاب سليم بن قيس الكوفي الهلالي (ص 130 ط نجف) بأدنى تفاوت ، وقد مر اعتبار ذلك الكتاب وترجمة سليم فليراجع ، وتقرب منه خطبة أخرى له عليه السلام مذكورة في ذلك الكتاب ص 121.

متعمّدين بخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت النّاس على تركها ، وحوّلتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي ، أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، ثم في قوله : فإنّ جلّ كتابه مشتمل على مطاعن الخلفاء الرّاشدين (إلخ) إهمال وإخلال ، وحقّ العبارة أن يقال : بعض الخلفاء (1) لظهور أنّ المصنّف قدس سره من خلّص (2) شيعة عليّ عليه السلام فلا يطعن فيه ، وحينئذ ينبغي ترك الوصف بالرّاشدين ، إذ الخصم لا يسلّم رشد من عدا عليّ عليه السلام في الدّين ، وكذا الكلام في وصف أئمّته بالمرضيّين ، وعلمائه بالمجتهدين (3) وأما ما نقله عن بعض الظرفاء (4) في تمثيل قدح المصنّف على خلفاء أهل السّنة وأئمّتهم ومجتهديهم ، بمقال جرى بين الجمّال وبعض الجمال ، فلا يخفى على الظرفاء الأذكياء عدم مناسبته بالمصنّف المكنّى بابن المطهر ، وكونه من أناس يتطهرون ، وإنّما يناسب ذلك حال الأنجاس ، من الناصبة الذين لا يبالون بالبول قائما كالجمال ، وفي إزالة البول والغائط لا يوجبون الاغتسال بل يمسّون أنفسهم كالحمار على الجدار ، ويمسحون أخفافهم (5) في وضوئهم ولو وطئت الأقذار وأشد مناسبة من بين هؤلاء

ص: 62


1- وذلك لان الجمع المعرف باللام يفيد العموم.
2- الخلص. جمع الخالص وهو المحض الصافي.
3- فوا عجبا! كيف يصف الرجل علماء القوم بالمجتهدين ، بعد انسداد باب الاجتهاد عندهم ، ولزوم تقليد أحد أئمتهم الأربعة على كل مسلم وان بلغ ما بلع من العلم؟! اللّهم الا أن يريد بالاجتهاد معناه اللغوي.
4- من قوله : ان الجمال سأل جملا إلخ.
5- المسح على الخفين قد اشتهر من مذهبهم ، وقد نطقت كلمة أهل البيت عليهم السلام ببطلانه ، وعدم جواز المسح إلا على البشرة ، وكذا أفتى فقهاء الشيعة تبعا لهم عليهم السلام.

الأنجاس هذا النّاصب الرّجس الفضول الذي سمّي بالفضل ، ومسمّاه فضلة فضول آخر ، وقد خرج عن مزبلة فمه بعرة الجمل مرّة وخرء الكلب أخرى (1) اما ما أنشده وذكره من مدحه للأئمة المهدّيين الاثنى عشر عليهم السلام ، فإنما ذلك حيلة وتلبيس منه ، لدفع (2) تهمة النّصب الذي قد انخفض (3) به في نظر أهل زمانه ، ولا اختصاص لهذا النّاصب بذلك اللّوم ، فإن قلوب أكثر نحلته في الأمس واليوم ، خالية عن حبّ أهل البيت (4) ومشكاة صدورهم (5) فاقدة لهذا الزّيت ، ولقد أظهر القاضي ابن خلّكان (6) هذا الداء الدفين الذي ورثه من بغاة صفّين ، حيث

ص: 63


1- ونعم ما قال بعض علماء الأخلاق : ان السباب والفحش التي تخرج من فم الإنسان ما أشبهها بخرء الكلاب ان كانت شديدة ، وببعرة المواشي ان كانت خفيفة!.
2- لا يخفى على من له أدنى درية بأساليب الكلام أن الرفع أنسب من الدفع في هذا المقام وكأنه من تصحيفات أولى الأقلام. منه «قده».
3- لا يخفى لطف تقابل النصب والخفض.
4- وانى لقيت عدة من علماء المذاهب الأربعة «كالسيد ابراهيم الراوي ببغداد» «والسيد محمد رشيد رضا المصري صاحب المنار زمن تسفيره الى العراق» «والسيد ياسين الحنفي مفتى كربلاء» «والسيد على خطيب النجف» «والسيد محمود شكرى الآلوسى» «وجمال الدين العاني» «والشيخ عبد السلام الكردي السنندجى» «والشيخ نور الدين الشافعي المشتهر بالنوري» «والشيخ داود الحلي الأصل» وغيرهم ، فما رأيت منهم أحدا اشتبه عليه الأمر واطلخم وأظلم ، بل ألفيته متيقنا لحقية اهل البيت عليهم السلام ولكنه غير مظهر لذلك عند أشياعه ، بغضا وعنادا أو حبا للجاه وملاذ الدنيا وزبرجها وزخرفها ومشتهياتها او تقية من صناديد قومه ووجدت أكثرهم صفر القلوب من حب آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله) للنصب الدفين والداء العياء كما ذكره القاضي الشهيد «قده»
5- مضمونه متخذ من آية النور في سورة النور الآية 35.
6- هو ابو العباس أحمد بن محمد بن ابراهيم الإربلي القاضي المشتهر بابن خلكان الشافعي المتوفى 26 رجب سنة 681 بدمشق ودفن بسفح جبل قاسيون ، وله تأليفات كثيرة أشهرها وفيات الأعيان.

قال في كتابه المشهور والموسوم بوفيات الأعيان عند ذكر ترجمة علىّ بن جهم القرشي (1) وكونه منحرفا عن عليّ عليه السلام : إنّ محبّة عليّ لا تجتمع مع التّسنن ، هذا كلامه بعبارته الملعونة التي قصد بها الاعتذار عن انحراف ابن جهم المذكور ، والفكر فيهم طويل ، وأما ما زعمه النّاصب من وقوع ثناء أئمّة أهل البيت عليهم السلام على الصّحابة والخلفاء الثلاثة ، فليس على ظاهره وإطلاقه ، ولعلّه غفل عن مغزى (2) كلامهم ومساقه على ما سيجري عليه القلم إنشاء اللّه تعالى مشمّرا عن ساقه ، وأما ما ذكر : من أنّ ما ذكر صاحب كتاب كشف الغمة فيه إنّما ذكره نقلا عن كتب الشيعة لا عن كتب السنّة ، فهو أوّل أكاذيبه الصّريحة ، ومفترياته الفضيحة ، التي حاول بها ترويج مذهبه الفاسد وتصحيح مطلبه الكاسد ، ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (3) ولا يستبعد ذلك من النّاصب الشقيّ ، فقد أباح بعض أعاظم أصحابه وضع الحديث لنصرة المذهب

ص: 64


1- هو على بن جهم بن بدر الشاعر المتوفى سنة 249 وكان من ندماء المتوكل العباسي منحرفا عن على عليه السلام وكافة أهل البيت ، معروفا ببغضهم والميل عنهم. وذكر الخطيب وابن خلكان وغيرهما مطاعن في حقه فليراجع. ثم انك أيها القاري الكريم المنصف ، لو نظرت الى كتب القوم في الرجال والتراجم والسير لرأيت امرا مهولا عجيبا فلا حظ حال ابن حجر في الدرر والذهبي في التهذيب والميزان وتذكرة الحفاظ ، والخزرجي في الخلاصة ، وابو حاتم في الجرح والتعديل والفتنى في المغني وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وغيرهم في غيرها ، حيث انهم يصفون رجلا بالزهد والورع والتقى ويقدحون فيه بقولهم : انه كان شيعيا أو يتشيع. وهذا هو البخاري ينقل عن أشد الخوارج الخارجين عن حوزة المسلمين ويعتمد عليه ولا يعتنى بالشيعة ، وما ذلك الا للداء الدفين. الذي أشار اليه سيدنا ومولانا القاضي الشهيد «قده»
2- غزاه غزوا. أراده وطلبه وقصده ومغزى الكلام مقصده. ق.
3- الأنعام. الآية 144.

كما ذكره الحافظ عبد العظيم المنذري الشّافعي (1) في آخر كتابه المسمّى بالتّرغيب والتّرهيب وغيره في غيره. وإنّما قلنا بكذب ما ذكره في شأن صاحب كتاب كشف الغمّة : لأنّه صرّح بخلاف ذلك في خطبة كتابه ، وقال : اعتمدت في الغالب النّقل من كتب الجمهور ليكون أدعى إلى تلقّيه بالقبول ، وأوفق برأى الجميع متى رجعوا إلى الأصول ، ولأنّ الحجّة متى قام الخصم بتشييدها ، والفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها وتقييدها ، كانت أقوى يدا وأحسن مردّا (2) وأصفى موردا ، وأورى (3)

ص: 65


1- قال عبد العظيم. ان نعيم بن حماد الخزاعي المروزي الامام المشهور قال : الأزدي كان يضع الحديث في تقوية السنة انتهى منه «قده» أقول : وقال الشريف الجرجاني في حاشية الكشاف ، انه سئل رجل كان يروى فضائل سور القرآن : من أين تروى هذا وتنسبه الى النبي صلى اللّه عليه وآله؟ أو ما سمعت قوله (صلی اللّه عليه وآله) : من كذب على فليتبوأ مقعده من النار؟! قال : ما كذبت عليه بل كذبت له ، حيث رأيت الناس معرضين عن كتاب اللّه فأردت أن أحثهم اليه ، وما أكثر من الوضاعين في طرق روايات القوم ، فلله در العلامة السيد محمد بن عقيل العلوي الحضرمي من مشايخنا في الإجازة المتوفى سنة 1350 حيث أفاد وأجاد وأتى فوق المراد في كتابه العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل وكذلك سيدنا الشريف الغطريف السيد عبد الحسين شرف الدين في كتاب أبى هريرة وغيره ، والمنذرى في طبقات المدلسين ، والقاوقچى في اللؤلؤ المصنوع، والسيوطي في الموضوعات ، والدمشقي في مزيل الخفا : وابن الديبع في الموضوعات الى غير ذلك من أعلام الفريقين. ثم ان عبد العظيم كان شيخ الإسلام ببلاد مصر وتوفى سنة 656، وكتابه الترغيب والترهيب قد طبع بمصر. مرات :
2- قال اللّه تعالى في سورة مريم : ( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا ، ) قال الطبرسي : اى خير مرجعا وعاقبة ، وخير منفعة من قولهم : ليس لهذا الأمرد ، وهو أرد عليك اى انفع انتهى : منه «ره» أقول الآية 76 من تلك السورة :
3- من ورت النار اتقدت.

زنادا (1) وأثبت قواعد ، وأركانا وأحكم أساسا وبنيانا ؛ وأقلّ شانئا ، وأعلى شأنا ، والتزم بتصديقها وإن أرمضته (2) وحكم بتحقيقها وإن أمرضته ، وأعطى القياد وإن كان حرونا (3) وجرى في سبيل الوفاق وإن كان حزونا (4) ووافق ويودّ لو قدر على الخلاف ، وأعطى النّصف من نفسه وهو بمعزل عن الإنصاف ولأنّ نشر الفضيلة حسن لا سيّما إذا نبّه عليه الحسود ، وقيام الحجّة بشهادة الخصم أو كد ، وإن تعددت الشهود. شعر :

ومليحة شهدت لها ضرّاتها *** والفضل ما شهدت به الأعداء

ونقلت من كتب أصحابنا ما لم يتعرّض له الجمهور انتهى ما قصدنا نقله من كتاب كشف الغمّة ، وهو صريح في كذب الشّارح النّاصب وانحرافه وتحريفه كما قلناه ، وكذا الحال فيما نقله عن رأس التّعصب والحيف من حديث حلية السّيف ، إذ ليس في ذلك الكتاب عنه خبر ولا عين ولا أثر (5) وأيضا لا مناسبة لذكر ذلك في هذا

ص: 66


1- جمع زند وهي العود الاعلى الذي يقتدح به النار.
2- ارمضه : أوجعه وأحرقه. ق. قال الجوهري : ارتمضت من كذا اشتد على وأقلقني وارتمضت كبده : فسدت ، وارتمضت لفلان : حزنت له.
3- حرون : الفرس الواقف الذي لا يتحرك من مكان.
4- حزون : المكان الغليظ ، والأرض المختلفة السطوح.
5- الحديث قد وجدناه في النسخة المخطوطة الموجودة عندنا ، ولعله كان ساقطا عن نسخة المصنف على أنه «قده» كان حين الاشتغال بتأليف هذا الكتاب في حصار التقية وضغط المخالفين كما أشار اليه في آخر هذا الكتاب ، ولم تكن الكتب تحت يده : بل على ما سمعناه انه ألف أكثره عن ظهر القلب ، وعليه فالانسب في رد الفضل ما ذكره القاضي ثانيا من حمله على التقية ، بل الحديث صريح فيها ويزيد في ضعفه أنه نقل على نحو الإرسال وما يوجد في بعض النسخ من ذكره مسندا لا يسمن ولا يغنى ، إذ بعض المذكورين في السند من المجاهيل وبعضهم من الوضاعين والمدلسين حسب اعتراف القوم.

الكتاب المقصور على ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، وذكر اسمائهم وكناهم واسماء آبائهم وامّهاتهم ومواليدهم ووفياتهم ومناقبهم ومعجزاتهم كما لا يخفى على من طالع ذلك الكتاب ، ولو أغمضنا عن ذلك كلّه نقول : لقائل أن يحمل ذلك الكلام منه عليه السلام على التّقيّة عن بعض المخالفين الحاضرين في مجلسه الشّريف ، ومع ذلك لا يكون مقصوده عليه السلام الإحتجاج بفعل أبي بكر ، بل بكونه مقرّرا بتقرير النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يكون معنى قوله عليه السلام : قد حلّى أبو بكر سيفه بالفضة ، أنّه فعل ذلك في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقرّره عليه ، فالحجّة حقيقة في تقرير النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا في فعل أبي بكر.

وأما ما نقله النّاصب بعد ذلك من حديث تولد مولانا أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فليس في المنقول عنه وصف أبي بكر بالصديق (1) وإنّما المذكور فيه في باب أحواله ومناقبه مجرّد قوله : ولقد ولدني أبو بكر مرتين ، ولا إشعار لسوقه هناك أيضا بما يفيد الثّناء والتّعظيم بل الظاهر أنّه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأمهات من غير إرادة الافتخار والمباهاة.

وأما استناده بالحديث الذي رواه عن الحاكم أبي عبد اللّه النيشابوري فمن قبيل استشهاد الثّعلب بذنبه ، فإنّه أيضا عندنا من جمهور ذوي الأذناب ، وأمّا ما نقل من ميله إلى التشيّع إنّما كان بمجرّد قدحه في عثمان فقط دون أبي بكر ، وعمر ،

ص: 67


1- التعبير بالصديق وقع في كلام الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي من علماء الجمهور لا في كلام الصادق عليه السلام ، وكأنه خلط الأمر على الفضل واشتبه حيث أسند التوصيف بالصديق الى الامام عليه السلام مع أن كلام الامام هكذا على ما نقله في كشف الغمة عن الجنابذي : ولقد ولدني أبو بكر مرتين ويحتمل قويا أن يكون الفضل دلس في متن الخبر ليروج متاعه كما هو ديدن أبناء السنة في اكثر كتبهم ، والأمر واضح لمن كان من فرسان مضمار التتبع والإحاطة بكلماتهم ولمن عاشر علمائهم وحضر نواديهم.

كما صرّح به الذّهبي (1) الشّافعي ذهب اللّه بنوره (2) في بعض تصانيفه ، وغيره في غيره ، وهذا القدر لا يوجب التّشيّع المانع عن وضع الحديث في مناقب أبي بكر على أنّ سوق الحديث المذكور صريح في صدوره على وجه التّقية ، إذ الظاهر كون ما روى عنه عليه السلام جوابا عن سؤال من اتّهمه بسبّ أبي بكر ، ودفع تلك التّهمة لم يمكن بأدنى من ذلك كما لا يخفى ، مع أنّ كلامه عليه السلام قد وقع على أسلوب جوامع الكلم حيث قال : الصّديق جدّي يعني من جانب الامّ ، ثمّ أظهر إنكار سبّ الآباء يعني لا من ذلك الجانب ، فإن إطلاق الأب على الجدّ من قبل الامّ إطلاق مجازيّ (3) على ما يدلّ عليه كلام النّاصب في ما سيأتي من مبحث الميراث ، وأيضا إنّما نفى عليه السلام السّب ، وقد سمعت منّا أن السّبّ بمعنى الشّتم لا يجوز عند آحاد الإماميّة أيضا بالنّسبة إلى أحد ، وإنّما المجوّز اللّعن ، ولمّا اتّهمه السائل المخالف بالسّب الذي استعملوه في الأعمّ من الشّتم واللّعن ، غالطه عليه السلام بنفي السّب مستعملا له في معناه الأصلي الذي هو الشّتم فقط كما مرّ ، فلا يلزم من كلامه عليه السلام نفيه للّعن ، على أنّه لا مانع شرعا ولا عقلا من لعن المؤمن ، بل المسلم بل الكافر آباءه إذا كانوا ظالمين ، ( أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (4).

ص: 68


1- هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الدمشقي التركمانى الشافعي المتعصب المتوفى سنة 848 ، وله كتاب ميزان الاعتدال وسير النبلاء والتهذيب وتاريخ الإسلام وغيرها والرجل معروف بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام والتحامل على الشيعة فلا قيمة لما يتفرد في نقله.
2- متخذ من قوله تعالى في سورة البقرة. الآية 17.
3- لا يخفى أن الموجود في كلام الحاكم هكذا : ومن اولاد البنات جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وكان يقول : ابو بكر جدي ، أفيسب الرجل جده لا قدمنى اللّه ان لم أقدم. وأنت ترى أن هذه العبارة لم تشتمل على اطلاق لفظة أب ولكن مخائل التقية عليها لائحة كالنار على المنار.
4- كما في قوله تعالى في سورة هود الآية 18.

واما الدعاء بجملة لا قدّمني اللّه إن لم اقدّمه. فمع ظهور مخائل الوضع عليه ، لعدم ظهور ارتباطه بما قبله ، يمكن أن يحمل على نحو من التقديم كتقديمه في الزّمان ، أو تقديمه على عمر وعثمان مثلا في إظهار الايمان ، فلا دلالة له على تقديمه على عليّ عليه السلام كما توهّمه النّاصبة ، ولا يستبعدنّ عنهم عليهم السلام صدور أمثال هذه الكلمات الايهاميّة الجامعة في مقام التّقية ومغالطة أهل الخلاف والعصبيّة ، فقد صدر عنهم أكثر من ذلك وأظهر : منها ما روى (1) أنّه سأل رجل من المخالفين

ص: 69


1- ويقرب منه ما رواه في مستدرك الوسائل (ج 2 ص 376 ط تهران): جاء رجل الى على بن محمد عليه السلام فقال : يا ابن رسول اللّه بليت اليوم بقوم من عوام البلده فأخذونى وقالوا : أنت لا تقول بامامة ابى بكر بن ابى قحافة؟ ، فخفتهم يا ابن رسول اللّه وأردت أن أقول : بلى : أقولها للتقية ، فقال لي بعضهم ، ووضع يده على فمي وقال : أنت لا تتكلم الا بمخوفة أجب عما لقنك قلت : قل فقال لي : أتقول ان ابا بكر بن ابى قحافة هو الامام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله امام حق عدل ولم يكن لعلى عليه السلام حق البتة ، قلت : نعم وانا أريد نعما من الانعام الإبل والبقر والغنم ، فقال : لا اقنع بهذا حتى تحلف ، قل ، واللّه الذي لا اله الا هو الطالب الغالب العدل المدرك العالم من السر ما يعلم من العلانية فقلت : نعم وأريد نعما من الانعام ، فقال : لا أقنع منك الا ان تقول ابو بكر بن أبى قحافة هو الامام ، واللّه الذي لا اله الا هو ، وساق اليمين فقلت : ابو بكر بن ابى قحافة امام اى هو امام من ائتم به واتخذه اماما واللّه الذي لا اله الا هو ومضيت في صفات اللّه ، فقنعوا بهذا منى وجزوني خيرا ، ونجوت منهم فكيف حالى عند اللّه؟ قال : خير حال قد أوجب اللّه لك مرافقتنا في عليين لحسن تقيتك «انتهى». وتقرب منه عدة روايات نقلها شيخ مشايخنا ثقة الإسلام النوري «قده» في تلك الصفحة من هذا الجزء من كتابه مستدرك الوسائل وكذا شيخنا العلامة الحاج الشيخ محمد باقر البيرجندى «قده» في تعاليقه على كتاب الوسائل ، وكذا شيخنا واستأذنا العلامة الشريف ابو محمد الحسن صدر الدين الكاظمي في شرحه للوسائل وغيرهم في غيرها.

عن الإمام الصّادق عليه السلام وقال : يا ابن رسول اللّه ما تقول في أبي بكر وعمر : فقال عليه السلام : هما إمامان عادلان قاسطان كانا على الحقّ ، وماتا عليه ، فعليهما رحمة اللّه يوم القيامة ، فلما انصرف النّاس قال له ، رجل من خاصته : يا ابن رسول اللّه لقد تعجبّت ممّا قلت في حقّ أبي بكر وعمر! فقال : نعم ، هما إماما أهل النّار كما قال اللّه سبحانه : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (1)وأما القاسطان فقد قال اللّه تعالى : ( وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) (2) وأما العادلان فلعدولهم عن الحقّ كقوله تعالى ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) (3) والمراد من الحقّ الذي كانا مستوليين عليه هو أمير المؤمنين عليه السلام حيث أذياه وغصبا حقّه عنه ، والمراد من موتهما على الحقّ أنّهما ماتا على عداوته من غير ندامة عن ذلك ، والمراد من رحمة اللّه ، رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه كان رحمة للعالمين (4) وسيكون خصما لهما ساخطا عليهما منتقما منهما يوم الدّين.

وبما قررناه اندفع أيضا العجب الذي فرّعه النّاصب على تلك الأحاديث الموضوعة تعصّبا وحيفا وظهر أنّ سؤاله للعصمة عن التّعصّب وذمّه إيّاه : بأنّه ساء الطريق وبئس الرّفيق ، من قبيل المثل المشهور : الشّعير يؤكل ويذّم (5) وأما ما ذكره في وجه إعراض علماء السنّة عن ردّ كلام المصنّف من الوجهين ،

ص: 70


1- القصص : الآية 41.
2- الجن الآية 15.
3- الانعام. الآية 1.
4- إشارة الى قوله تعالى في سورة الأنبياء. الآية 107.
5- مثل معروف يضرب في ما فعل الرجل فعلا ثم ذمه ، او كان متصفا وواجدا صفة ثم يذمها ، وقد ذكر المثل في فرائد الأدب ص 1070 وفي غيره من كتب الأمثال.

فقد مرّ منّا في الخطبة ما يرشدك إلى عدم اتّجاهه (1) فتذكر ، ومن العجب طعنه في ضمن الوجهين على كمال كلام المصنّف الذي جمع بين السّليقة (2) والكسب في العربية بنسبته إلى الركاكة والرّطانة! مع اشتمال شرحه بل جرحه هذا على العبارات الملحونة الخالية عن المتانة الملفقة من كلام غيره بألف حيلة وخيانة ، وتضمّنه للمعاني التي لا يليق قصدها بأهل الفهم والفطانة ، وكأنّه قيل في طعن أمثاله على كلام أهل الكمال :

طعنه بر هر كامل از گفتار ناموزون زند *** خر چو سرگينش كند بو ، خنده بر گردون زند

ثم ما ذكر : من أنّه ردّ على وجه التّحقيق والإنصاف لا عن جهة التّعصّب والاعتساف ، مردود بمناقضة ذلك لما أتى به من تناول المصنّف العلّامة بضروب

ص: 71


1- أما عدم اتجاه الوجه الاول فلان الحاصل من الوجه الاول : أنه لا اعتناء بكلامه وكلام أمثاله وهو مردود لان هذا التصنيف وقع في زمان اولجايتو محمد خدا بنده ، وكان باعثا لاستقامته في هذا المذهب وكان جم غفير من علماء الجمهور معاندا له : والمناظرون المعاصرون للمصنف العلامة خلق كثير من علماء الجمهور كقطب الدين الشيرازي والكاتب القزويني وأحمد بن محمد الكيشي وهم لا يزال تمنوا أن تسلطوا عليه بابطال مقدمة من المقدمات حتى ينحرف السلطان عنه : فكيف يتصور الاعراض عنه؟ لعدم الاعتناء بكلامه. أما عدم اتجاه الوجه الثاني فلان حاصله يرجع الى أنه لما لم تكن في ذلك الزمان آفة البدعة ، فلم تكن داعية دينية تدعو الى ذلك الرد ، وقد عرفت في الخطبة أن ذلك الزمان زمان ظهور هذا المذهب وشيوعه حتى أن السلطان والأمراء والعساكر وجما غفيرا من العلماء والأكابر عدلوا الى التزام المذهب الحق وزينوا الخطبة والسكة بأصحاب الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين هم بالخلافة أولى وأحق فكيف لا تتحقق الداعية الدينية حتى يتصور الاعراض :
2- إشارة الى قسمي البلاغة والفصاحة الفطرية كما في العرب العرباء والاكتسابى كما في غيرهم.

الشّتم والملامة ، وحينئذ يتوجّه عليه مثل ما تمثّل به سابقا في شأن المصنّف أعلى اللّه شأنه وصانه عمّا شانه ، من سؤال الجمّال عن الجمل ، فإنّا نقول : على طبق ما ذكره ثمة ، نعم ظاهر على النّاصب المجبول على عداوة أهل العصمة والتعفّف على وجه لا يعتريه النّدامة والتأسّف ، أنّه منزّه عن درن (1) التعصّب والتعسّف ، مع خوضه في مزابل الشّتم ، وجعل فمه بالوعة الفضلات على الحتم.

ثم ما ذكره من أنّ الفرقة المبتدعة لا يأتمنون علماء السنّة في رواياتهم ونقولهم ، كلام صحيح وحقّ صريح ، ولقد ظهر صدق ذلك من كذبه الصّريح على كتاب كشف الغمّة ، ووضع الحديث على لسان الأئمّة ، وتبيّن أنّ من عبّر عنهم بالمبتدعة معذورون في عدم ايتمانهم بعلماء السنّة ، واتّضح أنّ الكذب سنّة (2) هذا الرّجل وجماعة أصحابه ، لا من تنّزه عن تصوّر ذلك وارتكابه ، وسيتّضح لك في بحث الإجماع من مسائل اصول الفقه اختراعه (3) للاية وجرأته على اللّه تعالى

ص: 72


1- درن الثوب بفتح الدال والراء المهملتين : علاه الوسخ.
2- ولا يخفى لطف هذا التعبير.
3- الآية التي اخترعها الناصب خفضه اللّه تعالى مماثلا لما استدل به المصنف رفع اللّه درجته من آية التطهر هي هذه. يريد اللّه ليطهركم ويذهب عنكم رجس الشيطان ، ومقصوده أن نفى الرجس لا يستلزم نفى الكذب ، لان هذه الآية وردت في القرآن على زعمه الباطل لساير المسلمين ، ولا يراد به العصمة من الكذب في حقهم بالإجماع، فهنا ايضا كذلك ، فلا يلزم حجية إجماعهم ، والآية في سورة الأنفال وقعت هكذا : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) الآية ، فانه قاتله اللّه بدل متعلق الجار وهو قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً ) بقوله ( يُرِيدُ اللّهُ ) ، ثم بدل الرجز بالرجس ليشير له دعوى المماثلة بين الآيتين ، ولهذا أيضا حذف لفظة به في قوله تعالى : ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) ، وأنت تعلم أنه دليل واضح على إلحاده وكفره ، نعم مماثلته مع اليهود تقتضي هذا التحريف ، فانظر الى هذا الناصب المماثل لليهود كيف يتحرف الكلم عن مواضعه ويعمل على شاكلته؟ حشره اللّه تعالى مع أمثاله وزمرته من المحرفين الكلم عن مواضعه.

فوق الغاية ، وهذا ديدن (1) الأشاعرة القاصرة ، والحشويّة الفاجرة ، يشتهون المكابرة في جميع المسائل ويتشبثون في ذلك بسائر (2) الوسائل ، يخلقون الأكاذيب المموّهة ، ويبتدعون الأعاجيب المشوّهة ، ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (3) ( لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) (4).

وأما ما ذكره : من أنّ آثار التّعصّب والغرض في تطويلات عبارة المصنّف ظاهرة ، ففيه أنّه لو سلم وجود تطويل في كلام المصنّف الجليل لا يحتاج إليه من يفهم الكثير من القليل ، فقد راعى في ذلك سهولة وصوله إلى آذان المخالفين القاصرين في معقولهم ومنقولهم ، وتقريبه إلى أذهان فروعهم وأصولهم على طبق كلّم النّاس على قدر عقولهم (5) فإنه لو أجمل في الكلام ربما لم يتفطنوا بمراده ونسبوه إلى التّعمية والإلغاز ، وإيراد ما لا قرينة عليه من المجاز ، فتقصر عن إدراكه الآذان والأسماع ، وتنقبض عنه الأذهان والطباع ، كما قيل : نظم.

صد پايه پست كرده ام آهنگ قول خويش *** تا بو كه اين سخن بمذاق تو در شود .

ص: 73


1- الديدن : العادة والطريقة.
2- كلمة السائر بمعنى الجميع مأخوذة من سور البلد ، وبمعنى الباقي مأخوذة من سؤر الحيوان ، والمراد به هنا الاول.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة : الانعام. الآية 112.
4- اقتباس من قوله تعالى في سورة : المجادلة. الآية 2.
5- مضمونه متخذ من الأحاديث وكلمات العقلاء. قال الشاعر الفارسي. چونكه با كودك سر وكارت فتاد *** پس زبان كودكى بايد گشاد. ومن الروايات الدالة على هذا المعنى ما نقله الحافظ السيوطي في الجامع الصغير (الجزء الثاني ص 418 حديث 7838) ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان على بعضهم فتنة. رواه عن ابن عباس.

وقد أشار المصنّف قدس سره في آخر المبحث السّابع إلى ما ذكرناه حيث قال : ولو جاز ترك إرشاد المقلّدين ومنعهم من ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه مشايخهم إن أنصفوا لم نطوّل الكلام بنقل مثل هذه الطامّات إلى آخر الكلام.

وأما سؤال النّاصب عن اللّه تعالى أن يجعل سعيه مشكورا ، فها أنا ابشّره متهكّما مأجورا ، أنّه قد شكر اللّه تعالى سعيه ، وجعل في مرعى الزّقوم رعيه(1) وأمر زبانية الجحيم بإذاقته من الحميم وخطابه : يذق إنك أنت العزيز الحكيم (الكريم خ ل) (2) وأما تسميته بجرخه المهمل ، بالإهمال فمهمل ، وأما بالإبطال فمنشأه إهماله وو إخلاله في تحقيق الحقّ وقصر غرضه في ترويج الباطل ، ولنعم ما قال أفلاطون الإلهي (3) : إنّ من كان غرضه الباطل لم ينل الحقّ وإن كان بين يديه ، وسنكشف بعون اللّه تعالى هذا المعمى ونبيّن أن ذلك الاسم اسم بلا مسمّى.

ص: 74


1- لا يخفى ما في التعبير بالرعى من اللطف وإلحاق الفضل الناصب بالمواشي والدواب الراعية الراتعة.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة الدخان الآية 49.
3- هو الحكيم الفيلسوف المتأله أفلاطون بن أرسطن اليوناني ، الذي اليه انتهت رياسة الفنون العقلية ، وتلمذ لدى سقراط الحكيم ، وعنه أخذ أرسطو وتشعبت تلاميذ أفلاطون على فرقتين ، المشائيين والإشراقيين ، قال الاشكورى في محبوب القلوب : انه ولد في زمان أردشير بن دارا بعد ما مضت ستة عشر عاما من ملكه ، فكان أبوه أشرف اليونانيين من ولد اسقلبيوس وأمه من نسل اسولون صاحب الشرائع الى آخر ما أفاد ، وبالجملة كان أفلاطون من نوابغ عصره في الحكمة وسائر العلوم العقلية ، وله تصانيف كثيرة ترجمت أكثرها زمن المأمون العباسي ، وأكثر تلك التراجم من آثار أحمد بن متويه ، فمن تصانيف أفلاطون كتاب طيماوس الروحاني في علم النفس والعقل والربوبية وكتاب طيماوس الطبيعي في ترتيب عالم الطبيعة ، وكتاب في المثل الافلاطونية ، وكتاب قاذن في النفس ، وكتاب في الروح وغيرها ، عاش 81 سنة وتوفى في السنة التي ولد فيها إسكندر الرومي ، ويقال : ان قبره في بلدة مقدونية (ماكدونية) محفوظ الى الآن سنة 1376 واللّه أعلم ، ومجسمته كثيرة في بلاد يونان وأروبا ، وتوصيفه بالالهى ليمتاز عن سميه أفلاطون الطبيعي.

قال المصنف رفع اللّه درجته (1): المسألة الاولى في الإدراك : وفيه مباحث

ص: 75


1- خطبة المصنف : بسم اللّه الرحمن الرحيم و به ثقتي ، الحمد لله الذي غرقت في بحار معرفته أفكار العلماء وتحيرت في ادراك كنه ذاته أنظار العقلاء ، وحسرت عن معرفة كماله عقول الأولياء ، وقصرت عن وصف لاهوتيته ألسنة الفضلاء ، وعجزت عن تحقيق ماهيته أذهان (أفكار خ ل) الأذكياء ، ولم يحصل أحد منهم الاعلى الصفات والأسماء ، لا يشبهه شيء في الأرض ولا في السماء ، رافع درجات العلماء الى ذروة العلى ، وجاعلهم ورثة الأنبياء ، ومفضل مدادهم على دماء الشهداء. أحمده حمدا يتجاوز عن الحد والإحصاء ، ويرتفع عن التناهي والانقضاء ، وصلى اللّه على سيد الأنبياء محمد المصطفى ، وعلى عترته البررة الأصفياء ، الأئمة الأتقياء ، صلاة تملا أقطار الأرض والسماء. أما بعد فان اللّه تعالى حيث حرم في كتابه العزيز كتمان آياته وحظر إخفاء براهينه ودلالاته ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولِئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلا) ، أولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم اللّه يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب عليم ، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرهم على النار ، وقال رسول اللّه لعل اللّه : من علم علما وكتمه : ألجمه اللّه يوم القيمة بلجام من النار ، تفضلا منه على بريته وطلبا لإدراجهم في رحمته ، فيرجع الجاهل عن اللّه ، ويستوجب الثواب بعلمه وعمله ، وجب على كل مجتهد وعارف اظهار ما أوجب اللّه تعالى إظهاره من الدين ، وكشف الحق وارشاد الضالين ، لئلا يدخل تحت الملعونين على لسان رب العالمين ، وجميع الخلائق أجمعين بمقتضى الآيات صلى القرآنية والأحاديث النبوية وقد قال النبي عل اللّه : إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم منكم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه. ولما كان أبناء هذا الزمان ممن استغواهم الشيطان الا الشاذ القليل ، الفائز بالتحصيل حتى أنكروا كثيرا من الضروريات ، وأخطئوا في معظم المحسوسات وجب بيان خطأهم لئلا يقتدى غيرهم بهم ، فتعم البلية جميع الخلق ويتركوا نهج الصدق. وقد وضعنا هذا الكتاب الموسوم بنهج الحق وكشف الصدق طالبين فيه الاختصار وترك الإكثار ، بل اقتصرنا فيه على مسائل ظاهرة معدودة ، ومطالب واضحة محدودة ، وأوضحت فيه لطائفة المقلدين من طوائف المخالفين انكار رؤسائهم ومقلديهم، القضايا البديهية ، والمكابرة في المشاهدات الحسية ، ودخولهم تحت فرق السوفسطائية ، وارتكاب الاحكام التي لا يرتضيها لنفسه ذو عقل وروية ، لعلمي بأن المنصف منهم إذا وقف على من يقلده تبرأ منه وحاد عنه ، وعرف أنه ارتكب الخطأ والزلل ، وخالف الحق في القول والعمل ، فان اعتمدوا الإنصاف وتركوا المعاندة بالخلاف وراجعوا الى أذهانهم الصحيحة وما تقتضيه جودة القريحة ، ورفضوا تقليد الآباء ، والاعتماد على قول الرؤساء ، الذين طلبوا اللذة العاجلة ، وأهملوا أحوال الاجلة ، حازوا القسط الأوفى من الإخلاص ، وحصلوا بالنصيب الأوفر من النجاة والخلاص ، وان أبوا الا الاستمرار على التقليد ، فالويل لهم من نار الوعيد ، وصدق عليهم قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) . وانما وضعنا هذا الكتاب حسبة اللّه تعالى ورجاء لثوابه ، وطلبا للخلاص من أليم عقابه بكتمان الحق وترك ارشاد الخلق ، وامتثلت فيه مرسوم سلطان وجه الأرض ، الباقية دولته الى يوم النشر والعرض سلطان السلاطين وخاقان الخواقين مالك رقاب العباد وحاكمهم وحافظ أهل البلاد وراحمهم المظفر على جميع الأعداء المنصور من اله السماء المؤيد بالنفس القدسية والرياسة الملكية الواصل بفكره العالي الى أسنى مراتب المعالي البالغ بحدسه الصائب الى معرفة الشهب الثواقب غياث الملة والحق والدين اولجایتو خدا بنده محمد خلد اللّه ملكه الى يوم الدين ، وقرن دولته بالبقاء والنصر والتمكين وجعل ثواب هذا الكتاب واصلا اليه ، أعاد اللّه تعالى بركاته اليه بمحمد واله الطاهرين ، صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وقد اشتمل هذا الكتاب على مسائل.

الاول لمّا كان الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها على ما يأتي وبه تعرف الأشياء ،

ص: 76

وحصل فيه من مقالاتهم أشياء عجيبة غريبة ، وجب البداية به فلهذا قدّمناه اعلم أنّ اللّه تعالى خلق النفس الإنسانية في مبدإ الفطرة خالية عن جميع العلوم بالضرورة قابلة لها ، بالضرورة وذلك مشاهد في حال الأطفال ، ثمّ إنّ اللّه تعالى خلق للنّفس آلات (1) بها يحصل الإدراك وهي القوى الحاسّة فيحسّ الطفل في أوّل ولادته بحس اللّمس ما يدركه من الملموسات ، ويميّز بواسطة الإدراك البصري على سبيل التّدريج بين أبويه وغيرهما ، وكذا يتدرّج في الطعوم وباقي المحسوسات إلى إدراك ما يتعلّق بتلك الآلات ، ثمّ يزداد تفطنه فيدرك بواسطة إحساسه بالأمور الجزئية الأمور الكليّة من المشاركة (2) والمباينة ، ويعقل الأمور الكليّة الضّروريّة بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية ، ثمّ إذا استكمل العلوم وتفطن بمواضع الجدال ، أدرك بواسطة العلوم الضّروريّة العلوم الكسبيّة ، فقد ظهر من هذا أن العلوم الكسبيّة فرع على العلوم الضّروريّة الكليّة ، والعلوم الضرورية الكلية فرع على المحسوسات الجزئية ، فالمحسوسات إذن هي اصول الإعتقادات ولا يصحّ ت

ص: 77


1- وعبر بعض الفلاسفة عنها بخدام النفس تارة وموالي العقل أخرى والفرق بالاعتبار كما هو غير خفى لدى أهل الفن. ثم ان جعلها آلات للنفس إحدى المسالك هنا ، وذهب بعض بأنه لا تعدد بين النفس وتلك القوى ، واليه يومى على بعض الاحتمالات قول الحكيم في نظمه : النفس في وحدتها كل القوى *** وفعلها في فعله قد انطوى. وفي مسألة النفس مباحث عديدة ، ومنها اتحادها مع الآلات وعدمه ، ومنها اتحادها مع العقل وعدمه ، ومنها اتحادها مع الروح وعدمه ، ومنها انقسامها الى أقسام مذكورة في كتب القوم طوينا عنها كشحا روما للاختصار.
2- المشاركة إشارة الى معرفة الشيء بأمثاله كما أن المبائنة معرفته باضداده ، ومن ثم قيل : تعرف الأشياء بالاضداد والأمثال. از در رهائى كه پيغمبر بسفت *** تعرف الأشياء بالاضداد گفت

الفرع إلا بعد صحّة أصله ، فالطعن في الأصل طعن في الفرع ، وجماعة الأشاعرة الذين هم اليوم كلّ الجمهور من الحنفيّة والشافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلا اليسير من فقهاء (1) ما وراء النّهر ، أنكروا قضايا محسوسة على ما يأتي بيانه ، فلزمهم إنكار المعقولات الكليّة التي هي فرع المحسوسات ويلزمهم إنكار الكسبيّات ، وذلك عين السفسطة (2) انتهى كلامه قدس سره.

البحث الثاني في شرائط الإدراك

قال النّاصب خفضه اللّه

قال النّاصب خفضه اللّه(3)

اعلم أنّ هذه المباحث التي صدّر بها كتابه ، كلّها ترجع إلى بحث الرّؤية التي وقع فيها الخلاف بين الأشاعرة(4) والمعتزلة ومن تابعهم من الإماميّة وغيرهم وذلك في رؤية اللّه تعالى التي تجوّزه الأشاعرة وينكره المعتزلة كما ستراه واضحا

ص: 78


1- فإنهم كانوا ماتريدية من أتباع الشيخ أبى منصور الماتريدي ، وبين هذه الطائفة وبين الاشاعرة خلاف في عدة مسائل وسنشير إليها في المظان.
2- السفسطة : المغلطة ، وتعرف في الصناعة العلمية : بأنها القياس المركب من الوهميات والغرض منها تغليظ الخصم واسكاته ومثل لها بامثلة منها قولك : الجوهر موجود في الذهن ، وكل موجود في الذهن قائم بالذهن عرض لينتج : أن الجوهر عرض.
3- قال ابن الأثير في النهاية في أسماء اللّه تعالى ، الخافض هو الذي يخفض الجبارين والفراعنة اى يضعهم ويهينهم ويخفض كل شيء يريد خفضه ، والخفض ضد الرفع. منه «قده».
4- الاشاعرة : هم جماعة من العامة لهم مقالات منكرة من نفى الحسن والقبح واسناد الأفعال الاختيارية للعباد الى اللّه تعالى ونحوهما من الشنائع تبعوا في تلك الأمور شيخهم ابا الحسن ، على بن اسماعيل الأشعري الشهير ومن ثم عرفوا بالاشعرية وهم فرق كثيرة ذكرها مؤلفو كتب مقالات الأديان ، كتبصرة العوام لسيدنا الرازي والملل للشهرستانى والفضل لابن حزم والفرق بين الفرق ومقالات أرباب الأهواء والملل وغيرها من الزبر والاسفار.

إن شاء اللّه تعالى ، فجعل المسألة الاولى في الإدراك مع إرادة الرّؤية التي هي أخصّ من مطلق الإدراك ، من باب إطلاق العامّ وإرادة الخاصّ بلا إرادة المجاز وقيام القرينة ، وهذا أوّل أغلاطه ، والدّليل على أنه أراد بهذا الإدراك الذي عنون به المسألة الرّؤية : أنّه قال : لمّا كان الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها على ما يأتي ، وحصل فيه من مقالاتهم أشياء عجيبة غريبة ، وجب البدأة به ، وإنما ظهرت مقالاتهم العجيبة على زعمه في الرّؤية لا في مطلق الإدراك كما ستعرف بعد هذا ، فإن الأشاعرة لا بحث لهم مع المعتزلة في مطلق الإدراك ، فثبت أنّه أطلق الإدراك وأراد به الرّؤية وهو غلط ، إذ لا دلالة للعامّ على الخاصّ ، ثمّ إنّ قوله الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها وبه تعرف الأشياء ، كلام غير محصّل المعنى ، لأنّه إن أراد أنّ الرّؤية التي أراد من الإدراك هي أعرف الأشياء في كونها محقّقة ثابتة ، فلا نسلّم الأعرفية فإن كثيرا من الأجسام والأعراض معروفة محقّقة الوجود مثل الرّؤية ، وان أراد أنّ الاحساس الذي هو الرّؤية أعرف بالنّسبة الى باقي الإحساسات ، ففيه أنّ كلّ حاسّة بالنّسبة إلى متعلّقه ، حالها كذلك ، فمن أين حصل هذه الأعرفيّة للرّؤية ، وبالجملة هذا الكلام غير محصّل المعنى ثمّ قوله : إنّ اللّه تعالى خلق النّفس الإنسانية في مبدإ الفطرة خالية عن جميع العلوم بالضّرورة وقابلة لها بالضّرورة وذلك مشاهد في حال الأطفال ، كلام باطل ، يعلم (1) منه أنّه لم يكن يعرف شيئا من العلوم العقليّة ، فإنّ الأطفال لهم علوم ضروريّة كثيرة من المحسوسات البصريّة والسّمعيّة والذوقيّة ، وكلّ هذه المحسوسات علوم حاصلة من الحسّ ، ولمّا لم يكن هذا الرّجل من

ص: 79


1- لم يدع المصنف ، خلو نفوس الأطفال عن مطلق الإحساسات ، حتى يرد عليه بأن الأطفال لهم علوم ضرورية (إلخ) ، بل صرح بخلافه حيث قال : فيحس الطفل في اول ولادته فتدبر.

أهل العلوم العقلية (1) ، حسب أنّ مبدأ الفطرة الذي يذكره الحكماء ويقولون إنّ النّفس في مبدإ الفطرة خالية عن العلوم ، فهو حال الطفوليّة ، وذلك باطل عند من يعرف أدنى شيء من الحكمة ، فإن الجنين فضلا عن الطفل له علوم كثيرة ، بل المراد من بدء الفطرة آن تعلّق النّفس بالبدن ، فالنفس في تلك الحال خالية عن جميع العلوم إلا العلم بذاته ، وهذا تحقيق ذكر في موضعه من الكتب الحكميّة ، ولا يناسب بسطه في هذا المقام ، والغرض أنّه لم يكن من أهل المعقولات حتّى يظن أنّه شنع على الأشاعرة من الطرق العقلية : ثم قوله : وأنكروا قضايا محسوسة على ما يأتي بيانه فلزمهم إنكار المعقولات الكليّة ، أراد به أنّهم أنكروا وجوب تحقق الرّؤية عند شرائطها ، وعدم امتناع الإدراك (2) عند فقد الشرائط ، وأنت ستعلم أنّ كلّ ما ذكره ليس إنكارا للقضايا المحسوسة ، ثمّ إنّ إنكار القضايا المحسوسة أريد به أنّهم يمنعون الاعتماد على القضايا المحسوسة ، لوقوع الغلط في المحسوسات فلا يعتمد على حكم الحسّ ، وهذا هو مذهب جماعة من العقلاء ، ذكره الأشاعرة وأبطلوه ، وحكموا بأنّ حكم الحسّ معتبر في المحسوسات ، كما اشتهر هذا في

ص: 80


1- تبا وتعسا لهذا الرجل الذي أخذ العلوم العقلية عمن أخذ عن مولانا العلامة المصنف بالوسائط يعبر عن أستاذ أساتيذه في تلك الفنون هكذا ، وويحا له أهو أعمى أم تراه يتعامى ولا يرى كتاب معارج الفهم وانوار الملكوت وشرح التجريد وحاشية الشفاء وغيرها من مؤلفات المصنف الهمام في المسائل العقلية أو لا سمع ولا رأى ما ذكره المحقق الطوسي خريت العقليات في حق المصنف ، فكيف يجتري على التفوه بأمثال هذه الكلمات.
2- قد استعمل الناصب هنا الإدراك في معنى الرؤية كما لا يخفى ، مع أنه شنع على المصنف في هذا الاستعمال ، الا أن يقال : انه ساق كلامه هنا مساق كلام المصنف ، وفيه ما فيه منه «قدة»

كتبهم ومقالاتهم ، ولو فرضنا أنّ هذا مذهبهم ، فليس كلّ من يعتقد بطلان حكم الحسّ يلزمه إنكار كلّ المعقولات ، فإنّ مبادي البرهان أشياء متعدّدة ، من جملتها المحسوسات فمن أين هذه الملازمة ، فعلم أنّ ما أراد في هذا المبحث أن يلزم الأشاعرة من السفسطة لم يلزمهم ، بل كلامه المشوّش على ما بينّا عين الغلط والسّفسطة واللّه أعلم «انتهى».

أقول : فيه وجوه من الكلام وضروب من الملام ، اما أولا فلأنّا لا نسلّم رجوع المباحث المذكورة إلى بحث الرّؤية ، وإنما يكون كذلك لو كان البحث فيها مقصورا على البحث عن الرّؤية وليس كذلك ، كيف؟! وقد صرّح المصنّف في هذا المبحث ببيان أحكام العلم الضّروري والكسبي وإدراك الحواسّ الخمسة من الإبصار واللّمس وغيرهما ، حيث قال : بعد بيان حكم حسّ البصر واللّمس وكذا يتدرّج في الطعوم وباقي المحسوسات إلى إدراك ما يتعلّق بتلك الآلات «انتهى» وكذا في المباحث الآتية (1) عمّم الإلزام في باقي الحواسّ ، نعم عمدة ما وقع البحث فيه هي مسألة الرّؤية وأين هذا من الرّجوع؟ ، وأما ثانيا فلأن ما أشعر به كلامه من أنّ الاماميّة تابعون في هذه المسألة ونحوها للمعتزلة فرية بلا مرية ، فإنّ الإمامية أيّدهم اللّه بنصره مقدّمون على الكلّ في الكلّ ، متفرّدون بالعقائد الحقّة المقتبسة عن مشكاة النّبوة والولاية ، فكانت المعتزلة هم المتأخّرون المرتكبون موافقة الشّيعة في بعض المسائل (2)وبالجملة تقدّم الشّيعة وتابعيّة المعتزلة لهم

ص: 81


1- فقال في آخر البحث السادس : وأى عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب الى جواز رؤية الطعم والرائحة والحرارة والبرودة والصوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعوم والرائحة والصوت باليد ، وذوقها باللسان ، وشمها بالأنف ، وسماعها بالاذن ، وهل هذا إلا مجرد سفسطة وانكار للمحسوسات؟!
2- وذلك أمر ظاهر ، انظر الى خطب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكلماته حيث استفادت الشيعة بعض عقائدها منها كمسألة عينية بعض صفاته تعالى لذاته وعدم العينية في غيرها ، وكذا من كلمات الامام سيد الساجدين عليه السلام في الصحائف ، ومن كلمات الباقرين وغيرهم من أئمة أهل البيت عليهم السلام.

والأخذ عن أئمتهم عليهم السلام أمر ظاهر مشهور ، ويدلّ عليه كلام الشّهرستاني الأشعري في كتاب الملل والنحل ، حيث قال : إنّ أبا الهذيل ، حمدان بن الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ، ومقدّم الطائفة والمناظر عليها أخذ الاعتزال ، عن عثمان بن خالد الطويل ، وأخذ عثمان عن واصل بن عطا ، وأخذ واصل عن أبي هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفيّة «انتهى». ولا ريب في أنّ أبا هاشم وأباه رضي اللّه عنهما كانا أئمة الشّيعة ولهذا نسبت الكيسانيّة من فرق الشّيعة إليهما في بعض المسائل ، ولهذا قال الشهرستاني أيضا في ذيل أحوال طوائف المعتزلة : إنّ من شيوخ المعتزلة من يميل إلى الروافض ومنهم من يميل إلى الخوارج ، والجبائي وابنه هاشم قد وافقا أهل السنّة في الإمامية وأنّها بالاختيار إلخ ، واما ثالثا فلأنّا نقول : من أين علم أنّ المصنّف قدّس سره أطلق العامّ وأراد الخاصّ بلا إرادة المجاز؟ وأىّ فساد في عدم إرادة ذلك؟

مع ما تقرّر عند أئمة العربيّة من : أنّ اللّفظ إذا استعمل (1) في أمر خاصّ لا من جهة الخصوص ، بل من جهة أنّ الموضوع له في ذلك المخصوص ، كان حقيقة كإطلاق الإنسان على زيد فإنّه من حيث الخصوصيّة مجاز ، ومن حيث إنّه موضوع له حقيقة وقد صرّح بهذا سيّد المحقّقين قدس سره الشّريف في حاشية شرح العضدي ، وغيره في غيرها ، واما رابعا فلأنّا لا نسلّم ما ذكره من أنّ المصنّف جعل العنوان «الإدراك» بمعنى الرّؤية (2) ، وهو ظاهر ممّا قدّمناه ، نعم الإختلاف

ص: 82


1- وفرق أئمة البلاغة بين هذين وعبروا عن الاول بالإطلاق وعن الثاني بالاستعمال كما في شرح التلخيص للمحقق التفتازاني والحواشي المعلقة عليه.
2- ولقوة دلالة الإدراك على الاحساس وتبادره منه كما ذكرنا اعترض الفاضل الشيرواني (الشيرازي ظ) في بحث الوجود من حاشيته على شرح المواقف عند تقييد الإدراك الواقع في كلام المصنف بانه لا حاجة الى تقييد الإدراك بالاحساس، بل قد يستعمل الإدراك في معنى الاحساس على سبيل الاشتراك. انتهى منه «قده».

في الإبصار والرؤية أعظم من غيرها ، وهذا لا يستلزم حمل لفظ الإدراك هاهنا على الرّؤية ، واما خامسا فلأنّ آخر كلامه مناقض مبطل لأوّله ، حيث نفى قيام القرينة في إطلاق الإدراك على الرّؤية ، ثم قال : والدّليل على أنّه أراد بهذا الإدراك الذي عنون به المسألة «الرؤية» أنّه قال : لمّا كان الإدراك أعرف الأشياء انتهى ، وأعجب من ذلك أنّه بالغ في إظهار قوّة القرينة حتّى سمّاه دليلا ، فطريقته في تأسيس المقال وهدمه وإبطاله بلا إمهال [خ ل إهمال] ، يشبه بناء الأطفال بنوا وخربوا في الحال ، والتحقيق أنّ الإدراك قد يطلق ويراد به الإحساس بالحواسّ وقد يطلق على الصّورة الحاصلة من المدرك عند المدرك ، فيتناول الإحساس والتّخيّل والتوهّم والتعقّل ، وعلى المعنى الاول وقع قول المحقّق الطوسي طيّب اللّه مشهده في إلهيّات التجريد حيث قال في إثبات صفتي السّمع والبصر له تعالى : والنّقل دلّ على اتّصافه تعالى بالإدراك إلخ (1) بل ربّما يدعى تبادره في هذا المعنى كما صرّح به بعض الفضلاء (2) في رسالة الحدود (3) ، وقد صرّح المصنّف

ص: 83


1- لا يذهب عليك أن الإدراك في كلام المحقق هاهنا محمول على مطلق الاحساس أيضا لان المراد منه أنه تعالى مدرك للمحسوسات بلا آلة ، الا أنه لا يجوز عليه اطلاق اللامس والذائق والشام وان كان مدركا للمشمومات والمذوقات والملموسات ، وذلك لان اطلاق اسماء الصفات لا تجوز الجسارة عليها بغير اذن الشارع ، ولا اذن من الشارع فيها بخلاف السميع والبصير ، فان إطلاقهما عليه تعالى في الشرع واقع وقوله تعالى ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) على جوازه نص قاطع. منه «قده».
2- حيث قال الإدراك وجدان المرئيات وسماع الأصوات وغيرها فهو في الأصل لحوق جسم بجسم انتهى كلامه «قده».
3- وهي رسالة تصدى مؤلفها لتحديد الأشياء وتعريفها على ترتيب الحروف الهجائية ، وذكر لفظ الإدراك في باب الالف ويظن كونها للمحقق الشريف الجرجاني فليراجع.

أيضا بذلك في كتابه الموسوم بنهج المسترشدين ؛ حيث جعله قسما مقابلا للاعتقاد المنقسم إلى العلم والتّقليد والجهل المركب ، وأراد به اطلاع الحيوان على الأمور الخارجيّة بواسطة الحواسّ ، وحكم بكونه زائدا على العلم مستندا بأنّا نجد تفرقة ضروريّة بين علمنا بحرارة النّار وبين اللّمس الذي هو إدراكها ، إذ الثّاني مولم دون الأوّل ، وأيضا لو كان الإدراك غير زائد على العلم لزم أن يتّصف بالعلم كلّ ما اتّصف به وليس كذلك إذ الحيوانات العجم تتّصف به دون العلم ، واما سادسا فلأنّ ما ذكره من التّرديد في بيان كون كلام المصنّف غير محصّل المعنى ، ترديد مردود قبيح لا محصل له ، لاتّحاد عنوان الشقّين أعني قوله : الرّؤية التي أراد من الإدراك وقوله الإحساس الذي هو الرّؤية وهو ظاهر ثم إنّ إرادة الأعرفيّة في التّحقق والثّبوت كما ذكره النّاصب في الشّق الأول يقتضي أن يكون الإدراك أعرف تحقّقا وثبوتا ، لا مجرّد كونه محقّقا ثابتا حتّى يلزم اشتراكه مع كثير من الأجسام والأعراض كما زعمه النّاصب ، وأيضا كون كثير من الأجسام والأعراض محقّقا ثابتا لا يصلح سندا لمنعه أعرفيّة الإدراك بقوله : فلا نسلّم الأعرفيّة ، لأنّ كون كثير من الأجسام والأعراض محقّقة معروفة ، لا يقتضي عدم أعرفيّة الإدراك عنها ، وكذا لا محصّل لقوله في الشّقّ الثاني أنّه إن أراد أنّ الإحساس الذي هو الرّؤية أعرف بالنّسبة إلى باقي الإحساسات ، ففيه أنّ كلّ حاسّة بالنّسبة إلى متعلّقه حالها كذلك إلخ لظهور أنّه إذا اعتبر الأعرفيّة بالنّسبة إلى باقي الإحساسات ، وسلّم أنّ الاحساس البصري أعرف بالنّسبة إلى باقي الإحساسات ، تمّ كلام المصنّف (1) ، ولا يقدح فيه أن يكون لباقي الإحساسات أعرفيّة بالنّسبة إلى متعلّقاتها أو غيرها ، وبالجملة

ص: 84


1- ثم لا يخفى أن المصنف رفع اللّه درجته قد ذكر هذه المقدمة لبيان وجه الابتداء بذكر بحث الإدراك ، ويكفى في ذلك معرفة الأشياء به في الجملة تأمل. منه «قده».

أعرفيّة الرّؤية بالنّسبة إلى باقي الإحساسات يكاد أن يكون محسوسا ، ولهذا تراهم يقدّمون في الكتب الكلاميّة والحكميّة القوى المدركة الظاهرة على الباطنة لظهورها وقوّة الإبصار على غيرها من الظاهرة لأظهريّتها وأعرفيّتها كما نبّه عليه سيّد المحقّقين (1) في شرح المواقف ، وغيره في غيره ، وبما قررنا ظهر أنّه يمكن الجواب بإرادة الشّقّ الثّالث وهو أن يراد بالإدراك ما يشمل سائر الحواسّ الظاهرة ، فإنّها أعرف الإدراكات الباطنة من إدراك نفس النّفس وآلاتها الباطنة كما عرفت ، فظهر أنّ الشارح الجارح النّاصب لقصور فهمه واستعداده وبعده عن أهل التّحصيل ، لم يحصّل معنى كلام القوم ، ولا معنى كلام المصنّف الجليل ، وأما سابعا فلأنّ قوله وكلّ هذه المحسوسات علوم حاصلة من الحسّ ممّا لا محصّل له أصلا ، لأنّ المحسوسات معلومات لا علوم ، ومن قال : إنّ العلم والمعلوم متّحدان بالذّات ؛ أراد أنّ العلم بمعنى الصّورة الحاصلة في العقل متّحد مع المعلوم الحاصل فيه ، لا أنّ العلم بمعنى إدراك الحواسّ الظاهرة متّحد مع المحسوس الموجود في الخارج فإنّ هذا غلط وسفسطة كما لا يخفى ، وأما ما ذكره من أنّ المصنف حسب أنّ مبدأ الفطرة هو حال الطفولية مدخول بأنّ ذلك ممّا لا يفهمه من كلام المصنّف إلا معاند حريص في الرّد عليه ، فإنّ ظاهر معنى قوله وذلك مشاهد في حال الأطفال ، هو : أنّ خلوّ النّفس في مبدإ الفطرة عن مجموع العلوم وكونها قابلة لها مشاهد معلوم في حال الطفوليّة التي هي قريبة من مبدإ الفطرة ، فانّ النّفس خالية فيها أيضا عن جميع العلوم وقابلة لها ، غاية الأمر أنّ الخلوّ في مبدإ الفطرة أكثر من الخلوّ في حال الطفوليّة ، فقوله قدس سره : وذلك مشاهد في حال الأطفال ، تنبيه على دعوى خلوّ النفس الإنسانية في مبدإ الفطرة من مشاهدة خلوّها في حال الطفوليّة ، لا تفسير لمبدإ الفطرة بحال الطفوليّة كما توهمه هذا الجارح ، فلا يلزم من كلام المصنّف

ص: 85


1- المراد هو السيد الشريف الجرجاني.

الحكم بأنّ الطفل لا يعرف شيئا من العلوم العقليّة كما توهّمه ثانيا ، على أنّه لو تمّ ما أورده على عبارة المصنّف لكان أظهر ورودا على عبارة حاشية المطالع لسيّد المحقّقين (1) قدس سره الشريف الذي كان تلميذ تلميذه ، وممّن لا ينكر أحد كونه من علماء المعقولات سيما الجارح الذي استمد في جرحه هذا عن شرحه قدس سره على المواقف ، فقد قال قدس سره الشريف ، عند تحقيق قول شارح المطالع : ويمكن حمل قرائن الخطبة على مراتبها (إلخ) إنّ خلوّ النّفس في مبدإ الفطرة عن العلوم كلّها ظاهر وإن نوقش فيه بأنّها لا تغفل عن ذاتها أصلا ، وإن كانت في ابتداء طفوليّتها «انتهى» ، فإن مقتضى كلمة إن الوصليّة ، أن يكون ابتداء الطفوليّة أسبق الأحوال ولا أسبق من مبدإ الفطرة فيكون في كلامه أيضا إشعار بل تصريح باتّحادهما تأمل (2) ، واما ثامنا فلأنّ الحكم بخلوّ النّفس في مبدإ الفطرة عن العلوم وإيراد الاعتراض عليه بمثل ما ذكره النّاصب والجواب عنه مذكور في كتب القوم فلا وجه لذكر الاعتراض من غير ذكر جوابه ، وذلك لأنّ عمر (3) الكاتب القزويني من أهل نحلة النّاصب قال في بحر الفوائد في شرح عين القواعد : ووجه الحاجة إلى المنطق أنّ الإنسان في مبدإ الفطرة ليس له شيء من العلوم «إلخ» واعترض عليه بأنّ المراد من مبدإ الفطرة إمّا أوّل حال تعلّقت فيها النّفس(4) بالبدن أو حالة الولادة وأيّا ما كان ، فإنّ الإنسان في تلك الحالة عالم بخصوصيّة ذاته و

ص: 86


1- المراد منه الشريف الجرجاني.
2- فعل امر تدقيقى او تمريضى إشارة الى أن الظاهر من عبارة المصنف كون ابتداء الطفولية أسبق الأحوال في النشأة الدنيوية بعد الولادة فالاسبقية نسبية ، وعليه فلا مساغ لاعتراض الناصب أصلا.
3- قد مرت ترجمة أحواله.
4- ويعبر عنها بالحياة الاولية والحياة البدوية.

بسائر الوجدانيّات من اللّذة والألم والحرّ والبرد والجوع والشّبع ، فلا يكون عاريا عن جميع العلوم (1) ، وأجيب بأنّ الشّعور بخصوصيّة الذّات إدراك جزئي (2) ولا يسمّى علما ، لكنّه إذا طلب بعد العلم بتلك الخصوصيّة ماهيّة ذلك على وجه كلّي فهناك يسمّى علما ، مثل أن يعلم أنّ نفسه جوهر مجرّد قائم مفارق ، وهذا المجموع امور كلّية ، وكذلك الوجدانيّات ليست علوما ، بل هي من قبيل الإدراكات الشّبيهة بالإحساسات في كونها جزئيّة ، والعلوم إدراكات كلّية ، فلا يرد الإشكال على أنّ المصنّف لم يقل : إن النّفس خالية عن العلوم ، بل صرّح بخلوّها عن جميع العلوم ، والمراد أنّها خالية في مبدإ الفطرة عن جميع العلوم لا عن كلّ واحد (3) ، كما نبّه عليه شارح المطالع (4) رحمه اللّه بتأكيد العلوم بقوله : كلّها ، فلا يتوجّه

ص: 87


1- خلوه عن كل العلوم مما اختلف فيه كلماتهم ، ولا طريق لنا في استكشاف الحال الا الأدلة السمعية ، ويستشم من بعضها كونه عالما بالأسر لكن لا بالفعل.
2- ويطلق على الإدراك الجزئى المعرفة ، وغير خفى أن اتصاف الإدراك بالكلية والجزئية باعتبار المتعلق.
3- مراده أن المقام من باب نفى العموم لا عموم النفي.
4- هو العلامة المحقق المدقق في العلوم العقلية والنقلية والرياضية قطب الدين محمد الرازي البويهي صاحب كتاب المحاكمات وشرحي المطالع والشمسية وغيرها ، وكان من تلاميذ مولانا العلامة المصنف وابنه فخر المحققين ، توفى سنة 766 وقيل سنة 776 ، وله ذرية مباركة فيها العلماء والفقهاء والأدباء والحكماء ، وبالجملة كان المترجم من نوابغ الشيعة الامامية وممن يفتخر به ، والعجب كل العجب من بعض أرباب التراجم حيث زعم كون الرجل من علماء العامة ، ولله در شيخ مشايخنا ثقة الإسلام النوري في خاتمة المستدرك حيث أزاح العلة وأبان غفلة ذلك المؤلف في حسبانه ، عصمنا اللّه تعالى من الزلل في القول والعمل ، ويروى عن قطب الدين جماعة من فطاحل العلم من الفريقين العامة والخاصة.

ما أورده النّاصب من أنّ الجنين فضلا عن الطفل له علوم كثيرة ، بل لو لم يكن لفظ الجميع موجودا في العبارة لأمكن تصحيحها بحمل الألف واللام في العلوم على الاستغراق ، واما ما ذكره من أنّ المصنّف لم يكن من أهل المعقولات (1) فلا يروج على من وصلت إليه مصنّفات المصنّف في العلوم العقليّة ، كشرحه الموسوم بكشف الخفاء في حلّ مشكلات الشّفاء وحاشيته على شرح الإشارات وشرحه على التّجريد وغير ذلك ممّا اعترف بنفاستها العلماء الأعلام ، وإليه تنتهي سلسلة تلمّذ سيّد المدققين صدر الملّة والدّين محمّد الشيرازي (2) في العقليّات ، وأما تاسعا فلأنّ ما ذكره من أنّ المصنّف أراد بقوله : أنكروا قضايا محسوسة على ما يأتي أنهم أنكروا وجوب تحقّق الرّؤية عند شرائطها «إلخ» غير مسلّم ، وإنّما أراد إنكارهم

ص: 88


1- وكفى في كون مولانا العلامة قدس سره من أئمة العلوم العقلية ، كلام المحقق الطوسي المسلم كونه قدوة في هذه الفنون ما محصله : لولا هذا الشاب العربي لكانت تآليفى وتصانيفي كبخاتى خراسان ، لم يمكن لاحد قودها وسوقها ، وقد ابتذلت بشروحه تلك المشكلات والعوائص.
2- هو العلامة السيد صدر الدين محمد الحسيني الدشتكي الشيرازي المدقق المحقق في العقليات استشهد يوم الجمعة 12 رمضان سنة 903 ببلدة شيراز ، وقبره بباب المدرسة المنصورية في تلك البلدة معروف يزار الى الآن ، أخذ اللّه بحقه من قاتليه الاسرة التركمانية ، وله تآليف وآثار شهيرة كالحاشية على شرح التجريد ورسالة اثبات الواجب ، ورسالة في تحقيق المغالطة المشهورة بالجذر الأصم والحاشية على شرح الشمسية في المنطق والحاشية على شرح المطالع في المنطق ، وابنه الأمير غياث الدين منصور سيد الحكماء صاحب المدرسة المنصورية ، وهو جد العلامة مولانا السيد عليخان المدني شارح الصحيفة ، وينتهى نسبه الشريف الى زيد الشهيد ابن الامام على بن الحسين زين العابدين سلام اللّه عليه. وللمترجم عقب الى يومنا هذا فيهم الاجلاء في الفقه والأدب والحديث.

وجوب تحقّق أثر كلّ من الحواسّ عند تحقّق شرائطه كما أوضحناه سابقا ، وسيأتي من المصنّف في البحث الرّابع أيضا ما هو صريح في ذلك ، حيث نسبهم إلى تجويز خلاف ما يحكم به حسّ البصر والسّمع واللّمس ، وظاهر أن الاقتصار على هذه الثلاثة من باب الاكتفاء بالأهم ، فظهر صدق قول المصنّف : إنّهم ، أنكروا قضايا محسوسة مرادا به المحسوسة بالأعمّ من البصر والسّمع واللّمس والذّوق والشمّ ، مع أنّ وجه إنكارهم للمحسوس بواحد منها جار في الأعمّ فافهم ، واما عاشرا فلأنّ ما ذكره بقوله : ثمّ إنكار القضايا المحسوسة ، أراد به أنّهم يمنعون الاعتماد على القضايا المحسوسة «إلخ» (1) فيه نظر من وجوه ، الاول أنّا لا نسلّم أنّ

ص: 89


1- وقال بعض فضلاء الحنابلة : ان الشبهة التي أوردوها في التشكيك في الحسيات والبديهيات وان عجز كثير من الناس عن حلها ، فهم يعلمون أنها قدح فيما علموه بالحس والاضطرار ، فمن قدر على حلها والا فلم يتوقف جزمه بما علمه بحسه واضطراره على حلها «انتهى». وقال في موضع آخر : ان الأمور الحسية والعقلية اليقينية قد وقعت فيها شبهات كثيرة ، تعارض ما علم بالحس والعقل ، فلو توقف علمنا بذلك على الجواب عنها وحلها ، لم يثبت لنا ولا لاحد علم شيء من الأشياء، ولا نهاية لما تقذف به النفوس من الشبه الخيالية وهي من جنس الوساوس والخطرات والخيالات التي لا تزال تحدث في النفوس شيئا فشيئا بل إذا جزمنا بثبوت الشيء جزمنا ببطلان ما يناقض ثبوته ، ولم يكن ثبوت ما يقدر من الشبه الخيالية على نقيضه مانعا من جزمنا به ، ولو كانت الشبه ما كانت فما من موجود وصل بدرك الحس الا ويمكن لكثير من الناس أن يقيم على عدمه شبها كثيرة يعجز السامع عن حلها ، وقد رأينا وسمعنا ما أقامه كثير من المتكلمين من الشبه على أن الإنسان تتبدل نفسه الناطقة في الساعة الواحدة أكثر من ألف مرة ، وكل لحظة تذهب روحه وتفارق وتحدث له روح أخرى غيرها هكذا ابدا ، وما أقاموه من الشبه على أن السماوات والجبال والبحار تتبدل كل لحظة ويخلف غيرها ، وما أقاموه من الشبه على أن روح الإنسان ليست فيه ولا خارجة عنه ، وزعموا أن هذا أصح المذهب في الروح وما أقاموا من الشبه على أن الإنسان إذا انتقل من مكان الى مكان لم يمر على تلك الاجزاء التي من مبدإ حركته ونهايتها ولا قطعها ولا حاذاها ، وهي مسألة طفرة النظام وأضعاف أضعاف ذلك ، وهاهنا طائفة من الملاحدة الاتحادية كلهم يقولون : ان ذات الخالق هي عين ذات المخلوق ولا فرق بينهما البتة ، وان الاثنين واحد ، وانما الحس والوهم يغلط في التعدد ويقيمون على ذلك شبها كثيرة ، وقد نظمها ابن الفارض في قصيدته وذكرها صاحب الفتوحات في فصوصه (خ ل فتوحه) وغيرها ، وهذه الشبه كلها من واد واحد ، وهي خزانة الوساوس ، ولو لم نجزم بما علمناه الا بعد العلم برد تلك الشبهات لم يثبت لنا علم أبدا «انتهى» وقال صاحب المواقف : قلنا كون الإجماع حجة قطعية معلوم بالضرورة من الدين ، فيكون التشكيك فيه بالاستدلال في مقابلة الضرورة سفسطة لا يلتفت إليها «انتهى» وقال في شرحه لأصول ابن الحاجب : المقام الثاني النظر في ثبوته عنهم وهو العلم باتفاقهم ، وقد زعم منكرو الإجماع أنه على تقدير ثبوته في نفسه فثبوته عنهم محال قالوا في بيانه : ان العادة قاضية بانه لا يتفق أن يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب انه حكم في المسألة الفلانية بالحكم الفلاني ، ومن أنصف من نفسه جزم بأنهم لا يعرفون بأنفسهم فضلا عن تفاصيل أحكامهم ، هذا مع جواز خفاء بعضهم عمدا لئلا يلزمه الموافقة والمخالفة او انقطاعه لطول غيبته ، فلا يعلم له خبر لاسره في مطمورة او خمولة ، فلا يعرف له أثر ، او كذبه في قوله رأيى في هذه المسألة هكذا ، والعبرة بالرأى دون اللفظ ، وان صدق فيما قال لكن لا يمكن السماع منهم في آن واحد بل في زمان متطاول ، فربما يتغير اجتهاد بعض فيرجع عن ذلك الرأى قبل قول الآخر ، فلا يجتمعون على قول في عصر. المقام الثالث النظر في نقل الإجماع الى من يحتج به ، وقد زعم المنكرون انه مستحيل عادة لان الآحاد لا تفيد إذ لا يجب العمل به في الإجماع كما سيأتي ، فتعين التواتر ، ولا يتصور إذ يجب فيه استواء الطرفين والواسطة ، ومن البعيد جدا أن تشاهد أهل التواتر جميع المجتهدين شرقا وغربا ويسمعوا منهم وينقلوا عنهم الى أهل التواتر ، هكذا طبقة بعد طبقة الى ان يتصل بنا. والجواب عن شبهة المقامين واحد وهو ان ذلك تشكيك في مصادفة الضرورة ، فانا نعلم قطعا من الصحابة والتابعين الإجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون ، وما ذلك الا بثبوته عنهم وبنقله إلينا ، فانتقض الدليلان «انتهى». ولا يخفى على المنصف المتأمل أن دعوى الضرورة في مقامي الإجماع أخفى بمراتب من دعوى الضرورة فيما نحن فيه ، كما أن الشبهة الموردة فيهما أقوى وأظهر من الشبهة الموردة فيما نحن فيه فلا تكون تلك الشبهة الفاجرة الا محض العناد والمكابرة. منه «قده».

المصنّف أراد بالإنكار المذكور منع الاعتماد على القضايا المذكورة حتّى يتجه أنّ هذا مذهب جماعة من العقلاء غير الأشاعرة ، فإنّ الأشاعرة لم يعلّلوا إنكارهم للقضايا المحسوسة بشيء أصلا ، ولهذا نسبوا إلى المكابرة ، الثاني أنّ المذكور في شرح المواقف أنّ ذلك ينسب إلى جماعة من العقلاء ، وفيه إشارة إلى بطلان تلك النّسبة فحكم هذا النّاصب الجارح بأنّ هذا مذهب جماعة من العقلاء تمويه صريح وتدليس قد ارتكبه لدفع الاستبعاد عمّا وقع من أصحابه الأشاعرة قريبا من هذه المكابرة ، الثالث أنّ ما دلّ عليه كلامه من أنّ الأشاعرة ذكروا مذهب تلك الجماعة من

ص: 90

العقلاء وأبطلوه غير مسلّم ، وإنّما أبطل ذلك من تأخر عن هؤلاء الجماعة من عقلاء الحكماء ، ووافقهم المتأخّرون من الأشاعرة في ذلك الإبطال ، وذكروا ذلك في كتبهم مع عدم تنبيههم من إفضاء ذلك إلى بطلان ما ذهبوا اليه ، الرابع أنّ قوله : ليس كلّ من يعتقد بطلان حكم الحسّ يلزمه إنكار كل المعقولات مدخول : بأنّ المصنّف قد استدلّ على ذلك ، فمنع المدّعى المستدلّ عليها من غير تعرّض لدليلها مناقشة غير مسموعة.

ص: 91

قال المصنّف رفع اللّه درجته

أطبق العلماء بأسرهم عدى الأشاعرة على أنّ الإدراك مشروط بأمور ثمانية لا يحصل بدونها ، الاول سلامة الحاسّة ، الثاني المقابلة أو ما في حكمها كما في الأعراض والصّور في المرايا فلا تبصر شيئا لا يكون مقابلا ، ولا في حكم المقابل ، الثالث عدم القرب المفرط ، فإن الجسم لو التصق بالعين لم يمكن رؤيته ، الرابع عدم البعد المفرط لأن البعد إذا أفرط لم يمكن الرّؤية ، الخامس عدم الحجاب فإنّ مع وجود الحجاب بين الرّائي والمرئي لا يمكن الرّؤية ، السادس عدم الشفّافيّة ، فإن الجسم الشّفّاف الذي لا لون له كالهواء لا يمكن رؤيته ، السابع تعمّد الرائي للإدراك ، الثامن وقوع الضوء عليه ، فإن الجسم الملوّن لا يشاهد في الظلمة ، وحكموا بذلك حكما ضروريّا لا يرتابون فيه ، وخالفت الأشاعرة في ذلك جميع العقلاء من المتكلمين والفلاسفة ، ولم يجعلوا للإدراك شرطا من هذه الشرائط ، وهو مكابرة محضة ، لا يشكّ فيها عاقل «انتهى كلامه»

قال الناصب خفضه اللّه

أقول : اعلم أنّ شرط الشّيء ما يكون وجوده موقوفا عليه ويكون خارجا عنه ، فمن قال شرط الرّؤية هذه الأمور ما ذا يريد من هذا؟ إن أراد أنّ الرؤية لا يمكن أن يتحقّق عقلا إلا بتحقّق هذه الأمور ، واستحال عقلا تحقّقه بدون هذه الأمور فنقول : لا نسلّم الاستحالة العقليّة ، لأنّا وإن نرى في الأسباب الطبيعية وجود الرّؤية عند تحقّق هذه الشرائط وفقدانها عند فقدان شيء منها ، إلا أنّه لا يلزم بمجرد ذلك من فرض تحقّق الرّؤية بدون هذه الشّرائط محال ، وكلّ ما كان كذلك لا يكون

ص: 92

محالا عقليّا ، وإن أراد أنّ العادة جرت (1) بتحقّق المشروط الذي هو الرّؤية عند حصول هذه الشّرائط ، ومحال عادة أن تتحقّق الرؤية بدون هذه الشرائط مع جوازه عقلا ، فلا نزاع للأشاعرة في هذا ، بل غرضهم إثبات جواز الرّؤية عقلا عند فقدان الشّرائط ، ومن ثمّة تراهم يقولون إنّ الرّؤية أمر يخلقه اللّه في الحيّ ، ولا يشترط بضوء ولا مقابلة ، ولا غيرهما من الشرائط التي اعتبرها الفلاسفة ، وغرضهم من نفي الشرطيّة ما ذكرنا ، لا أنّهم يمنعون جريان العادة ، على أنّ تحقّق الرّؤية إنّما يكون عند تحقّق هذه الشّرائط ، ومن تتبّع قواعدهم علم أنّهم يحيلون كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار وعموم قدرته ، ولا يعتبرون في خلق الأشياء توقّفه على الأسباب الطبيعيّة كالفلاسفة ، ومن يلحس (2) فضلاتهم كالمعتزلة ومن تابعهم ، فحاصل كلامهم : إنّ اللّه تعالى قادر على أن يخلق الرّؤية في حىّ مع فقدان هذه الشّرائط وإن كان هذا خرقا للعادة ، فأين هذا من السّفسطة وإنكار المحسوسات والمكابرة التي نسب هذا الرّجل إليهم؟! وسيأتي عليك باقي التّحقيقات «انتهى كلام النّاصب».

أقول : فيه نظر من وجوه ، اما أولا فلأنّ حاصل كلام المصنّف «قدّس سره» في هذا المقام دعوى البداهة ، ومرجع ردّ النّاصب المطرود وترديده المردود منع البداهة ، وهو مكابرة لا يشكّ فيها عاقل ، كما قال المصنّف ، وكثيرا ما يجاب عن مثل هذا المنع بأنّه مكابرة لا يستحقّ الجواب أو لا يلتفت إليها ، كما

ص: 93


1- في بعض النسخ : ان في العادة جرى تحقق المشروط.
2- لا تخفى عليك ركاكة كلمات هذا العنيد وبذاءة لسانه في المسائل العلمية التي يدور البحث عليها بين الاعلام! ومع هذا يبرئ نفسه من العناد والتعصب ، وينسب نفسه الى مهيع الإنصاف وبراءتها من الاعتساف!.

أجاب به صاحب المواقف (1) عن مناقشة من قدح في حجّية الإجماع وغيره عن غيرها ، والحاصل أنّا لا نثبت اشتراط الأمور المذكورة في الرّؤية بدليل حتّى يتّجه إيراد المنع والنّقض على مقدّماته ، بل نقول : إنّ بديهة العقل الصّريح يقتضيه ، كما أجاب بمثله أفضل المحقّقين (2) قدس سره في نقد المحصّل عن شبهة من استشكل حكم الحسّ ، ونسبه إلى الغلط حيث قال : لو أثبتنا صحّة الحكم بثبوت المحسوسات في الخارج بدليل ، لكان الأمر على ما ذكره ، لكنّا لم نثبت ذلك إلا بشهادة العقل من غير رجوعه إلى دليل ، فليس لنا أن نجيب عن هذه الإشكالات انتهى» ، وقال المصنف فيما سيجيء من مسألة بقاء الأعراض : إنّ الاستدلال على نقيض الضّروري باطل ، كما في شبه السّوفسطائية ، فإنها لا تسمع لما كانت الاستدلالات في مقابلة الضّروريّات «انتهى» ولو سلمنا أنّه يمكن ذلك لعموم قدرته تعالى ، لكنّه خارج عن محلّ النّزاع ، إذ النزاع في إدراك الباصرة بالآلة المشهورة ، والقوة المودعة فيها ، والحاصل أنّ الرّؤية لها معنى معروف لا يتصوّر ، إلا بأن يكون المرئي في جهة والرائي له حاسة ، فلو أطلقوا الرّؤية على معنى آخر غير المعنى المشهور ، كالانكشاف التّام والإبصار بغير تلك القوّة ، فمسلم أنّه يمكن ذلك إمكانا عقليّا لكن يصير به النّزاع لفظيّا ، وهو كما ترى ، واما ثانيا فلأنّ ما نقله عن الأشاعرة : من أنّهم بنوا مسألة الرّؤية ونحوها على

ص: 94


1- وقد مرت ترجمته على سبيل الاختصار.
2- المحصل للإمام الرازي في اصول الدين ، ونقده للمحقق الطوسي الخواجة نصير الدين الشهير وهو المعنى هنا بأفضل المحققين ، وللعلامة السيد نصير الدين الحسيني المرعشي جدي المحقق كتاب سماه محصل المحصل في تلخيص المحصل وهو نفيس في بابه.

ما أسّسوه من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار وعموم قدرته ، ولا يعتبرون في خلق الأشياء توقّفه على الأسباب الطبيعية ، بل الواجب تعالى مع إرادته كاف فيها حقيقة ، بحيث لو فرض انتفاء جميع ما يتوهم أنّ له مدخلا فيها بحسب الظاهر من سائر العلل لم يلزم الاختلال في تلك الموجودات والمعدومات ، حتّى أنّه يجوز أن يتحقّق الاحتراق في شيء بدون النّار ، إذا أراد اللّه تعالى احتراق شيء ممّا يقبله ، فأقول : في ذلك الأساس اختلال والبناء عليه محال ، وذلك لظهور استلزامه محالا ظاهرا وهو عدم توقّف تحقّق الكلّ على تحقق جزئه ، واللازم باطل ، أما بيان الاستلزام فلأنّ تحقّق الجزء جزء تحقّق الكلّ وكون الكلّ متوقّفا على الجزء حقيقة ضروريّ ، بل أوّلى ، وكذا يستلزم عدم توقّف تحقّق العرض على الجوهر ووجه الاستلزام بيّن ممّا بيّن ، وبطلان اللازم ممّا حكم به بديهة العقل ، وإن قال شرذمة قليلة ، لا يعتنى بشأنهم ، بقيام العرض بنفسه ، على (1) أنّا نقول : لا يظهر حصول معلول حادث لا يكون قبله حادث بجرى العادة مع قولهم بحصول حادث كذلك (2) وقال الخطيب الكازروني (3) الشّافعي في بعض تعليقاته : إنّ القول بأنّ مذهب الأشعري أن لا شيء من الأشياء يستلزم شيئا آخر ، وأن لا علاقة بوجه بين الحوادث المتعاقبة بعيد جدا ، فإنّ وجود العرض مستلزم لوجود الجوهر ، و

ص: 95


1- وجه ارتباط هذه العلاوة مع ما قبلها من أجل كلام الاشاعرة ان ما ذكر هناك من قولهم : بنفي الأسباب الحقيقية مستلزم للقول بجرى العادة ، فتتوجه عليهم هذه العلاوة. منه.
2- والا لزم نفى انتهاء الحوادث الى الواجب القديم تعالى شأنه. كما هو واضح.
3- هو المحقق المولى سعيد بن محمد بن مسعود بن محمد بن مسعود الكازروني الشافعي الخطيب البليغ صاحب كتاب سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله) المشهور في بلاد اليمن ، وكان من أعيان المائة الثامنة.

لا يقول عاقل : بأنّ العرض يمكن وجوده بدون الجوهر كوجود حركة بدون متحرّك والحاصل أنّه قد يكون شيئان لا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر ، وقال فخر الدين الرّازي في المباحث المشرقية : الحقّ عندي أن لا مانع من استناد كلّ الممكنات إلى اللّه تعالى ، لكنّها على قسمين : منها ما إمكانه اللازم لماهيّته ، كاف في صدوره عن الباري تعالى من غير شرط ، (1) ومنها ما لا يكفي إمكانه (2) ، بل لا بدّ من حدوث أمر قبله ثمّ إن تلك الممكنات متى استعدّت للوجود استعدادا تامّا ، صدرت عن الباري تعالى ، ولا تأثير للوسائط في الإيجاد بل في الإعداد «انتهى» ، وظاهره يدلّ على توقف بعض الأشياء على بعض وإن كان التّأثير مخصوصا بالباري تعالى فتأمل (3) واما ثالثا ، فلأن ما ذكره من أنّ الإماميّة يلحسون من فضلات الفلاسفة فليس إلا مجرد إظهار العصبيّة على الحكماء والإماميّة وبعده عن سرائر الحكمة الإلهيّة ، وأنّه تعالى ما وفق النّاصب وأصحابه لفقه الحكمة (4) ضالة المؤمن أما تعصّبه على الحكماء فلظهور أنّ بالارتقاء إلى أعلام الفطنة والاهتداء إلى أقسام الحكمة يصير النّاظر في حقائق الأشياء بصيرا ، ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً

ص: 96


1- وفي بعض النسخ : فلا جرم يكون وجودها فائضا عن الباري من غير شرط.
2- وفي بعض النسخ : ومنها ما لا يكفى في إمكانه فيضانها عن الباري.
3- التأمل تدقيقى وإشارة الى التهافت بين توقف الشيء على شيء وكون التأثير منه تعالى.
4- في نسخة مخطوطة مصححة هكذا : الفقه : الحكمة ، والحكمة ضالة المؤمن ، وفي الجامع الصغير للسيوطي «الجزء الثاني ص 255 ط مصر» عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) أنه قال الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها. ونقلت في بعض الكتب تتمة وهي حيث ما وجد أحدكم ضالته فليأخذها. وفي كتاب الاثني عشرية (ص 8 ط قم) الحكمة ضالة المؤمن ، وأيضا الحكمة ضالة الحكيم.

كثيرا ) (1) وأما على الإماميّة فلأنّهم أساطين حكماء الإسلام الذين أخذوا جواهر الحكمة عن معادنها أهل البيت عليهم السلام ، وفازوا برحيق التّحقيق من منابعها الكافلة لإحياء الميت ، فاشتدّت في علوم الإسلام عراهم (2) وتأكدت في دقائق الحكمة قواهم ، وإن وافقوا الرّعيل (3) الأول من الحكماء في بعض المسائل والأحكام ، فلا يقتضي خروجهم عن قواعد الإسلام حتى يتوجّه عليهم الشّناعة والملام ، وإنّما الشّناعة كلّ الشّناعة على من لم تصل يده إلى مائدة الحكمة ولم يظفر على زلال الفطنة ، وشرب في ظماء الجهل من سؤر الحشويّة ، واختار الثوم والبصل على الطيور المشويّة ، ولنعم ما قال الحكيم الكامل أبو علي (4) عيسى بن زرعة في بعض رسائله

ص: 97


1- البقرة. الآية 1. وليس المراد من الحكمة في الآية الشريفة والخبر المومى اليه الفلسفة التي هي تراث اليونانيين ولا الغربية التي أهدتها إلينا الأروباويون ، بل المراد العلم الذي به حياة الأرواح وشفاءها من الأسقام ، وهل هي الا العلوم الدينية الإسلامية والمعتقدات الحقة واسرار الكون بشرط اتخاذها عن الراسخين في العلم الذين من تمسك بذيلهم فقد نجى ، كيف؟ وعلومهم مستفادة من المنابع الالهية ، واستنارت من أنوار الأنبياء والمرسلين والسفراء المقربين ، فهي التي ( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ) . واللّه در العلامة المحقق خادم علوم الأئمة الهداة المهديين المولى محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي ثم القمي «قده» حيث أبان الحق في كتابه الموسوم بحكمة العارفين وأثبت أن الحكمة الحقة هي المتخذة عن آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله) لا ما نسجته النساجون والحيكة التي تتبدل بتلاحق الأفكار والازمنة.
2- العرى : جمع عروة. وعروة الكوز معروفة.
3- الرعلة : قطعة من الخيل القليلة ، كالرعيل او مقدمتها. ق.
4- في نسخة مصححة ابو زرعة عيسى بن على ، وعليه فهو الفيلسوف النابغة الشهير الذي قال أبو حيان في حقه ، في كتاب المقايسات : وهذا الشيخ ممن قد أعلى اللّه كعبه في علم الأوائل ، ووفر حظه من الحكمة المبثوثة؟ في هذا العالم ، وله كلمات ، منها انه قال : الملك بحق من ملك رقاب الأحرار بالمحبة الى آخر ما قال ، وقال في كتابه المسمى بالامتاع والمؤانسة : واما عيسى بن على فله الذراع الواسع، والصدر الرحيب في العبارة ، حجة في الترجمة والنقل ، والتصرف في فنون اللغات الى آخر ما قال.

تعريضا على الأشاعرة ومن يحذو حذوهم من فرق أهل السنّة المحرومين عن ذوق الحكمة المنكرين لها الحاكمين بحرمة تعلّم المنطق ونحوه من العلوم الحكميّة حيث قال : إنّ علم الحكمة أقوى الدّواعي إلى متابعة الشّرع ، ومن زعم أنّ الحكمة تخالف الشّريعة فهي مفسدة لها قد بنى فيه على مقدّمة فاسدة غير كليّة ، تقريرها أنّ الحكمة مخالفة للشريعة وكلّ ما هو مخالف للشيء مفسد له ، والكبرى غير (1) كليّة ، فإنّ الحلاوة تخالف البياض ولا تفسده ، والصورة تخالف المادّة ولا تفسدها وإذا كانت غير كليّة ، فلا ينتج القياس. ومن قال : إنّ النّاظر في المنطق مستخفّ بالشّريعة ، فإنّ ذلك القائل طاعن في الشّريعة ، لأنّ كلامه في قوّة قول من يقول إنّ الشّريعة لا تثبت عند البحث والتّحقيق ، ومنزلته منزلة رجل حامل للدّراهم البهرجة (2) التي يهرب معها من النّقاد ، ويأنس بمن ليس من أهل المعرفة ، فمن قال : إنّ الحكمة تفسد الشريعة فهو الطاعن في الشريعة لا المنطقي الذي يميّز بين الصّدق والكذب «انتهى كلامه» وأيضا فذلك تشنيع بما هو وأصحابه أولى به ،

ص: 98


1- لا يخفى ان الاولى ان يردد ويقال ان عنى بالمخالفة التباين الكلى كما هو ظاهر لفظ المخالفة ففيه ان كل واحد من مسائل الحكمة ليست كذلك وان أريد بالمخالفة ما ينطبق على التباين الجزئى ففيه ان مخالفة بعضها لا تضر ببعضها الآخر.
2- البهرج : الباطل والردى.

لافتخار أجلّتهم (1) على الإماميّة والمعتزلة في مسألة خلق الأعمال وغيرها بموافقتهم للفلاسفة فيها ، فهو في ذلك حقيق بأن ينشد عليه شعر

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

وممّا ينبغي أن ينبّه عليه في هذا المقام : أن المقالات العجيبة التي تفرّد بها شيخ الأشاعرة ليست ممّا تنتهي إلى مقدّمات دقيقة قد اطلع هو عليها بدقّة الفكر وممارسة الفنون العقليّة والنقليّة ، لأنّه قد علم وتواتر أنّه لم يكن من أهل هذا الشّأن ، والعلماء المطلعين على قوانين الحدّ والبرهان ، بل إنّما ذهب إلى بعض تلك المقالات بمجرّد مخالفة أرباب الاعتزال ، وحبّ التّفرّد في المقال طلبا (2) لرئاسة الجهّال ، ولهذا ترى الحكيم شمس الدّين الشّهرزوري (3) جعل متابعة فخر الدين الرازي لمذهب الشّيخ الأشعري قدحا على ذكائه وشعوره ودليلا على نقصان كماله وقصوره عن مرتبة الحكماء المحقّقين ، والرّعيل الأوّل من المدققين فقال : وأعجب أحوال هذا الرّجل أنّه صنّف في الحكمة كتبا كثيرة ، توهّم أنّه من الحكماء المبرّزين الذين وصلوا إلى غايات المراتب ونهايات المطالب ، ولم يبلغ مرتبة أقلّهم ، ثمّ يرجع وينصر مذهب أبي الحسن الأشعري الذي لا يعرف أىّ طرفيه أطول (4)؟ لأنّه .

ص: 99


1- ومنهم الفخر الرازي.
2- وفي نسخة : وطلب رياسة الجهال.
3- هو العلامة العارف الشيخ عبد اللّه بن القاسم الإربلي البغدادي العارف الشهير المتوفى سنة 511 صاحب القصيدة السائرة الدائرة في العرفان مطلعها : لمعت نارهم وقد عسعس ال *** ليل ومل الحادي وحار الدليل فتأملتها وفكرى من ال *** بين عليل ولحظ عيني كليل أو المراد العلامة الشيخ محمّد بن عبد اللّه بن قاسم القاضي المتوفى سنة 586 او غيرهما والشهرزوري نسبة الى شهرزور على وزن عنكبوت كورة قريبة من اربل.
4- قال ابن الأعرابي : قولهم أى طرفيه أطول؟ طرفاه : ذكره ولسانه.

كان خاليا عن الحكمتين : البحثيّة والذّوقيّة ، لا يعرف يرتّب حدّا ولا يقيم برهانا ، بل هو شيخ مسكين متحير في مذاهبه الجاهليّة التي يخبط فيه خبط عشواء (1) «انتهى» وإني كنت أظنّ أوّلا أنّ الحكيم المذكور ربما يتعصّب في إظهار نقص الشّيخ الأشعري لعداوة دينيّة ونحوها ، حتى رأيت في رسالة عملها السيّد معين الدين الإيجي (2) الشافعي الأشعري صاحب التّفسير المشهور ، في مسألة الكلام ما يؤيّد كلام الحكيم المذكور ويصدّقه حيث قال : وليت شعري ما للأشعريّ لم يجعل مطلب الكلام كالاستواء والنّزول والعين واليد والقدم وغير ذلك ، فإنّه ذهب إلى أنّ كلّا من ذلك ، الايمان به واجب والكيفيّة مجهولة والسؤال عنه بدعة فلا أدري لم فرّ عن حقيقة الكلام إلى المجاز البعيد ، ثمّ قال : واعلم أنه رضي اللّه عنه قد يرعوي (3) إلى عقيدة جديدة بمجرّد اقتباس قياس لا أساس له ، مع أنّه مناف لصرائح القرآن وصحاح الأحاديث مثل أنّ أفعال اللّه تعالى غير معلّلة بغرض ، ودليله كما صرّح به في كتبه : أنّه يلزم تأثّر الرّب عن شعوره بخلقه وأنت تعلم أنّه لا يشك ذو فكرة (4)أنّ علمه تعالى بالممكنات والغايات المرتّبة عليه صفة ذاتيّة وفعله متوقف عليه ، فأين التأثر؟ نعم صفة فعليّة موقوفة على صفة ذاتيّة ، وكم من الصّفات

ص: 100


1- مثل مشهور عند العرب لمن غفل وخبط خبطا عظيما في شيء ، والعشواء : هي الناقة التي لا تبصر امامها فهي تخبط بيديها كل شيء ويقال : مركب عشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة كما في الصراح وكتب الأمثال.
2- قد مرت ترجمته.
3- اى يميل عن عقيدة مقررة عتيقة الى عقيدة جديدة مخترعة من عنده.
4- وفي نسخة أخرى : ذو مرة ، والمرة بكسر الميم وفتح الراء المهملة : قوة الخلق وإصابة العقل ، والخلط الصفراوي في البدن ، والمعنى الأخير غير مناسب للمقام.

الذّاتية موقوفة على صفة مثلها؟ «انتهى» بل يفهم من شرح جمع الجوامع (1) للفناري الرّومي في مبحث القدرة : أنّ أكثر تلك المسائل التي تفرّد بها الأشعري قد أخذها من ألسنة القصاص والوعّاظ ، حيث قال : أمّا المستحيلات فلعدم قابليّتها للوجود لم تصلح أن تكون محلّا لتعلّق الإرادة لا لنقص في القدرة ، ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم (2). فقال في الملل والنّحل : إن اللّه عزوجل قادر على أن يتّخذ ولدا ، إذ لو لم يقدر عليه لكان عاجزا ، وردّ ذلك بأن اتخاذه الولد محال لا يدخل تحت القدرة ، وعدم القدرة على الشّيء قد يكون لقصورها عنه وقد يكون لعدم قبوله لتأثيرها فيه ، لعدم إمكانه لوجوب أو امتناع ، والعجز هو الأوّل دون الثّاني. وذكر الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني (3) : أنّ أوّل من أخذ منه ذلك ، إدريس عليه السلام ، حيث جاءه إبليس في صورة إنسان وهو يخيط ويقول في كلّ دخلة (4) وخرجة : سبحان

ص: 101


1- الفنارى هو العلامة الشيخ محمد بن حمزة بن محمد الرومي الحنفي شمس الدين المتوفى سنة 834 ، كان متقلدا منصب مشيخة الإسلام في دولة السلطان محمد خان من بلوك آل عثمان ، وله تآليف كثيرة منها عويصات الأفكار في اختبار اولى الأبصار وغيره ، ثم ان جمع الجوامع في اصول الفقه تأليف تاج الدين عبد الوهاب السبكى المتوفى سنة 771 شرحه جماعة منهم الفنارى المذكور.
2- هو أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الأندلسي القرطبي الظاهري النسابة المحدث الفقيه الأصولي المتكلم المتوفى سنة 456 صاحب كتاب المحلى في الفقه والجمهرة في النسب والفصل في الأديان والاعتقادات ، وهو من نوابغ الظاهرية بل من أجلة علماء العامة وممن يرى انفتاح باب الاجتهاد وبطلان الرأى والقياس والاستحسان.
3- هو أبو إسحاق أحمد بن أبى طاهر الشافعي البغدادي ، أخذ عنه الخطيب البغدادي صاحب التاريخ الكبير وغيره توفى سنة 406.
4- الدخلة : مرة من الدخول ، والخرجة : مرة من الخروج.

اللّه والحمد لله ، فجاءه بقشرة وقال : هل اللّه تعالى يقدر أن يجعل الدّنيا في هذه القشرة فقال : اللّه قادر أن يجعل الدنيا في سمّ هذه الإبرة ونخس بالإبرة إحدى عينيه ، فصار أعور ، وهذا وإن لم يرو عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد اشتهر وظهر ظهورا لا ينكر قال : وقد أخذ الأشعري من جواب إدريس عليه السلام أجوبة في مسائل كثيرة من هذا الجنس «انتهى كلامه» وكفى بذلك شناعة وفضيحة لهم ولمذهبهم وقدوتهم في مذهبهم.

قال المصنف رفع اللّه درجته

البحث الثالث في وجوب الرّؤية عند حصول هذه الشّرائط. أجمع العقلاء كافة عدا الأشاعرة على ذلك للضرورة القاضية به ، فإنّ عاقلا من العقلا لا يشكّ في حصول الرّؤية عند استجماع شرائطها وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك وارتكبوا السّفسطة فيه ، وجوّزوا أن يكون بين أيدينا وبحضرتنا جبال شاهقة من الأرض إلى عنان (1) السّماء محيطة بنا من جميع الجوانب ، ملاصقة لنا تملأ

ص: 102


1- لعنان السماء إطلاقات في الهيئة وغيرها منها انه يطلق على أربعة عشر كوكبا ، اجتماعها على صورة رجل قائم خلف ممسك رأس الغول ، بين الثريا وبين كوكبة الدب الأكبر ، ونقل عن بطليموس ان كواكبه أربعة عشر ، وقيل أزيد ، ويؤيده كلام بعض المتأخرين من الغربيين. قال عبد الرحمن الفلكي الشهير المتوفى سنة 376 في كتاب الصور ص 89 ان كواكبه الأربعة عشر هي هذه : الأنور الجنوبي الأنور الشمالي العيوق النير المنكبي الايمنى اى الذي على منكبه الأيمن المرفقى الايمنى اى الذي على مرفقه الأيمن الكوكب الذي في خلف مرفقه الأيمن المرفقى الايسرى اى الذي على مرفقه الأيسر المعصمي الايسرى اى الذي على معصمه الأيسر الكوكب الذي يميل الى الجنوب في وسط المجرة الكعبي الايسرى اى الكوكب الذي على كعبه الأيسر في الحافة الغربية من المجرة كوكب نير عظيم على كعبه الأيمن ايضا و هو أعظم من الرابع المذكور الواقع على منكبه الأيمن كوكب منير واقع على اللفافة التي على ساق الرجل اليمنى الكوكب المنير المائل عن الواقع على اللفافة الى الشمال كوكب واقع تحت الرجل اليسرى. ثم اعلم انه كثيرا ما يقال ممسك الاعنة لصورة الرجل الحاصلة من أربعة عشر كوكبا المذكورة فلا تظنن التعدد. وليعلم ان ممسك رأس الغول الذي أشرنا اليه قريبا يسمى (برشاوش) أيضا ، والمراد منه صورة رجل قائم على رجله اليسرى وقد رفع رجله اليمنى ويده اليمنى فوق رأسه وبيده اليسرى رأس غول ، وكواكبها كلها فيما بين الثريا وبين ذات الكرسي ، وصورة الممسك حاصلة من ستة وعشرين كوكبا من الصورة وثلاثة حوالى الصورة وليست منها. وقد يطلق عنان السماء على وسط نصف الدائرة الموهومة فوق الرأس ، إحدى طرفيها متصلة بالمشرق والأخرى بالمغرب. وقد يطلق على وسط السماء وقد يطلق على مطلق الفوقية الى غير ذلك من الاستعمالات والإطلاقات في العرف الخاص أو العام.

الأرض شرقا وغربا بألوان مشرقة مضيئة ظاهرة غاية الظهور ، وتقع عليها الشّمس وقت الظهيرة ، ولا نشاهدها ولا نبصرها ولا شيئا منها البتّة. وكذا تكون بحضرتنا أصوات هائلة تملأ أقطار الأرض بحيث ينزعج منها كلّ أحد يسمعها أشدّ ما يكون من الأصوات ، وحواسّنا سليمة (غير مستقيمة) ولا حجاب بيننا وبينها ولا بعد البتّة ، بل هي في غاية القرب منّا ولا نسمعها ولا نحسّها أصلا ، وكذا إذا لمس أحد بباطن كفّه حديدة محماة بالنّار حتى يقبض (ينقبض ظ) ولا يحسّ بحرارتها ، بل يرمى في تنور اذيب فيه الرّصاص أو الزّيت ، وهو لا يشاهد التّنور ولا الرّصاص المذاب ، ولا يدرك حرارته ، وتنفصل أعضائه ، وهو لا يحسّ بالألم في جسمه ، ولا شكّ أنّ هذا هو عين السفسطة. والضرورة تقضي بفساده ، ومن يشكّ في هذا فقد

ص: 103

أنكر أظهر المحسوسات «انتهى كلامه».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ شرائط الرّؤية إذا تحقّقت لم تجب الرّؤية ، ومعنى نفى هذا الوجوب : إنّ اللّه تعالى قادر على أن يمنع البصر من الرّؤية مع وجود الشّرائط وإن كانت العادة جارية على تحقّق الرّؤية عند تحقق الأمور المذكورة ، ومن أنكر هذا وأحاله عقلا فقد أنكر خوارق العادات ومعجزات الأنبياء ، فإنّه ممّا اتّفق على روايته ونقله أصحاب جميع المذاهب من الأشاعرة والمعتزلة والإماميّة : أن النبّي صلى اللّه عليه وآله لمّا خرج ليلة الهجرة من داره ، وقريش قد حفّوا بالدار ، يريدون قتله ، فمرّ بهم ورمى على وجوههم بالتّراب ، وكان يقرأ سورة يس ، وخرج ولم يره أحد ، وكانوا جالسين غير نائمين ولا غافلين ، فمن لا يسلّم أنّ عدم حصول الرؤية جائز مع وجود الشّرائط بأن يمنع اللّه تعالى البصر بقدرته عن الرّؤية ، فعليه أن ينكر هذا وأمثاله ، ومن الأشاعرة من يمنع وجوب الرّؤية عند استجماع الشّرائط : بأنّا نرى الجسم الكبير من البعيد صغيرا ، وما ذلك إلا لأنّا نرى بعض أجزائه دون البعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط ، فظهر أنّه لا تجب الرّؤية عند اجتماع الشرائط. والتحقيق ما قدّمناه من أنّهم يريدون من عدم الوجوب جواز عدم الرّؤية عقلا وإمكان تعلّق القدرة به ، فأين إنكار المحسوسات؟ وأين هو من السّفسطة؟ ثم ما ذكر : من تجويز أن تكون (1)

ص: 104


1- والجواب على طريق الحل أن يقال : ان أريد بقوله : وإلا جاز ، أنه لو لم تجب الرؤية عند اجتماع شرائطها لأمكن بحسب الذات أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة لم نرها ، فمسلم وبطلانه ممنوع ، وان أريد أنه لو لم يجب لجاز عند العقل ذلك ولم يأب عنه فممنوع ، إذ التجويز العقلي انما يكون عند انتفاء العلم العادي بانتفائها ، وهو ممنوع ، بل الوجدان يقتضى تحقق هذا العلم العادي المنافى لأن يجوز العقل خلافه. من الفضل بن روزبهان في هامش بعض النسخ.

بحضرتنا جبال شاهقة مع ما وصفها من المبالغات والتقعقعات (1) الشّنيعة والكلمات الهائلة المرعدة المبرقة التي تميل بها خواطر القلندريّة ، والعوام إلى مذهبه الباطل ورأيه الكاسد الفاسد ، فهو شيء ليس بقول ولا مذهب لأحد من الأشاعرة ، بل يورد الخصم عليهم في الاعتراض ، ويقول : إذا اجتمعت شرائط الرّؤية في زمان وجب حصول الرّؤية ، وإلا جاز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة (2) ونحن لا نراها ، هذا هو الاعتراض. وأجاب الأشاعرة عنه بأن هذا منقوض بجملة العاديّات ، فإنّ الأمور العادية يجوز نقائضها (3) مع جزمنا بعدم وقوعها ولا سفسطة هاهنا ، فكذا الحال في الجبال الشّاهقة التي لا نراها ، فانّا نجوّز وجودها ونجزم بعدمها ، وذلك لأنّ الجواز (4) لا يستلزم الوقوع ، ولا ينافي الجزم بعدمه ، فمجرّد تجويزها

ص: 105


1- تقعقع : اضطرب وتحرك وصوت عند التحرك.
2- والتحقيق أنه ان أزيد من تجويز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة لم نرها ، الحكم بإمكانها الذاتي ، فهذا عين مذهب الاشاعرة ، وليس يظهر فيه فساد أصلا ، ولا سفسطة فيه قطعا ، وان أريد عدم اليقين بانتفائها وعدم إباء العقل من تحققها فهو ممنوع ، إذ عند الرجوع الى الوجدان نعلم تحقق العلم العادي بانتفائها ولا ينافيه الإمكان الذاتي من الفضل بن روزبهان أيضا في نسخة أخرى.
3- قوله : يجوز نقائضها ، اى يحكم بإمكانها الذاتي ، لا أن العقل لا يأبى من تحقق نقائضها في الواقع كيف؟ والعلم العادي لا يحتمل متعلقه النقيض. وقد صرح هاهنا أيضا بجزمنا بعدم وقوعها ، وكذا الكلام في قوله : فانا نجوز وجودها ، وقد عرفت تحقيق الكلام في الحاشيتين. من الفضل بن روزبهان.
4- أى الإمكان الذاتي لا التجويز العقلي ، لظهور أن الاول لا ينافي الجزم دون الثاني من الفضل بن روزبهان.

لا يكون سفسطة (1) وحاصل كلام الأشاعرة كما أشرنا إليه سابقا : أنّ الرّؤية لا تجب عقلا عند تحقّق الشرائط ، ويجوّز العقل عدم وقوعها عندها مع كونه محالا عادة ، والخصوم لا يفرقون بين المحال العقلي والعادي ، وجملة اعتراضاته ناشئة من عدم هذا الفرق. ثمّ ما ذكر من الأضواء وتوصيفها والمبالغات فيها فكلّها من قعقعة الشّنآن بعد ما قدّمنا لك البيان «انتهى».

أقول : ما ذكره لإصلاح سفسطة الأشاعرة في هذه المسألة من وقوع خرق العادة في معجزات الأنبياء سيّما ما اتّفقوا عليه من معجزة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله ليلة الهجرة بمروره على الكفّار من غير أن يراه أحد منهم لا يصلح لما قصده من الإصلاح.

مصراع : وهل يصلح العطار ما أفسد الدّهر (2) وذلك لأنّه لا يلزم أن يكون خرق العادة في المعجزة المذكورة بعدم الرّؤية مع وجود الشّرائط ، ولم لا يجوز أن يكون بإحداث حائل من غشاوة غيم أو دخان أو غبار (3) دفعة ، كما أشار إليه الباري سبحانه في سورة البقرة بقوله : ( خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) (4) وبقوله في سورة يس : ( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ، فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (5) ومعنى فأغشيناهم : جعلنا على أبصارهم غشاوة وحلنا بينهم وبينه ، كذا في أكثر .

ص: 106


1- أى القول بإمكانها الذاتي على ما عرفت غير مرة. من الفضل بن روزبهان.
2- ما قبلها : عجوز تمنت ان تكون فتية *** وقد يبس الجنبان واحد ودب الظهر
3- او حاجب معنوي غير محسوس كما هو المراد بقوله تعالى في كتابه العزيز : أخذ اللّه بسمعهم وأبصارهم الآية وكذا نحو المراد من الغشاوة المذكورة في الآية.
4- البقرة. الآية 7.
5- يس. الآية 9.

التّفاسير. وأما ما تكأكأ به (1) من بناء الأشاعرة ذلك على قاعدة جريان العادة ، وأنّ حاصل كلامهم هو أنّ الرّؤية لا تجب عقلا عند تحقّق الشرائط «إلخ» فمع ما سبق من الكلام على هذه القاعدة الميشومة ، مردود : بأنّ عند تحقّق الشّرائط واجتماعها تكون العلّة التّامة للرّؤية متحقّقة ضرورة ، فلو أمكن معها عدم الرّؤية لزم إمكان تخلّف المعلول عن العلّة التّامة (2) ، وهذا خلف. فظهر أنّ منشأ غلط الأشاعرة عدم الفرق بين ما نحن فيه من المحال (3) العقلي والمحال العادي ، وأنّ النّاصب المقلّد جرت عادته باعادة كلامهم ، فإن التّخلّف العادي فيما نحن فيه من الرّؤية وأسبابها وشرائطها إنّما يتصوّر : بأن يعدم القادر المختار جميع أجزاء علّتها التّامّة أو بعضها ، ويوجد بدلها معلولا آخر مثلا ، كما قيل في انقلاب الحجر ذهبا ونحوه ، لا أن يوجد ذلك المعلول أعني الرّؤية بعينه بدون علّته التّامة وأما نفيهم للعلّية والمعلوليّة الحقيقيّة بين الحوادث فهو سفسطة أخرى ، أولى بالتّشنيع وأحرى فافهم. واما ما ذكره النّاصب في حاشية جرحه هذا : من أنّه إن أريد من تجويز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة لم نرها ، الحكم بإمكانها الذاتي فهذا عين مذهب الأشاعرة ، وليس يظهر فيه فساد أصلا ، ولا سفسطة فيه قطعا ؛ وإن أريد عدم اليقين بانتفائها وعدم إباء العقل من تحقّقها فهو ممنوع ، إذ عند الرّجوع

ص: 107


1- التكاكؤ : الاجتماع.
2- ان قلت : ان العلة الثابتة للحوادث عند الأشعري ، هو الواجب تعالى ، لأنه ينفى العلية والمعلولية من الحوادث مطلقا كما مر. قلت : هذا أصل السفسطة كما مر بيانه. منه «قده».
3- لفظة محال من المثلثات ، فبالفتح عود ينصب على حافة البئر وتعلق به البكرة للاستقاء وبالكسر بمعنى القوة والشدة كما في قوله تعالى : ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ ) وبالضم مقابل الممكن والمحال من مادة الحوالة ايضا.

إلى الوجد ان نعلم تحقّق العلم العادي بانتفائها ، ولا ينافيه الإمكان الذّاتي «انتهى» فمردود : بأنّ المراد بالجواز هو الحكم بإمكان عدم تحقّق الرّؤية عند شرائطها التي هو نقيض ضرورة حكم العقل بأنّها واقعة عند شرائطها ، فلا يمكن أن يتحقّق مع الحكم بوجوب تحقّق الرّؤية عند شرائطها وقد قلت بخلافه [هذا خلف] والتّحقيق أنّ مبنى الدّليل وجوابه على مقدّمة اختلفت فيها الفرقتان ، وهي : أنّ المعلول عند تحقّق جميع ما يتوقف عليه بحسب العادة هل يجب تحقّقه أم لا؟ فمن قال : باستناد الأفعال إليه تعالى ، وهم الأشاعرة قال : بأنّه غير واجب (1) إلا أنّ عادته جارية بإيجاده عند تحقّق ما يتوقف عليه ، ومن قال : باستناد بعض الأفعال إلى غيره تعالى ، وهم الإماميّة والمعتزلة والحكماء ، قال : بوجوبه ، وهو الموافق للعقل ، والبديهة حاكمة به كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

البحث الرابع في امتناع الإدراك عند فقد الشّرائط ، والأشاعرة خالفوا جميع العقلاء في ذلك وجوّزوا الإدراك مع فقد جميع الشرائط ، فجوّزوا في الأعمى إذا كان في المشرق أن يشاهد ويبصر النّملة الصغيرة السوداء على صخرة سوداء في طرف المغرب في اللّيل المظلم ، وبينهما ما بين المشرق والمغرب من البعد ، وبينهما

ص: 108


1- ومما تضحك منها الثكلى ويبكى العريس ويتبسم الطير المشوى ، ما ذكره الامام الرازي في كتاب المحصل : انه يمكن تحقق العلة بأجزائها بالأسر وان لا يتحقق المعلول ، وذلك بارادة منه تعالى ، وعبر عنه «بالصرف» وعن وجود المعلول بعد العلة : «بالصدفة» وصرح بهذا في كتاب الأربعين قائلا : ان تحقق المعاليل بعد تحقق العلل من باب الصدفة الغالبة.

حجب جميع الجبال والحيطان ، ويسمع الأطروش (1) وهو في طرف المشرق ، أخفى صوت يسمع ، وهو في طرف المغرب ، وكفى من اعتقد ذلك نقصا ومكابرة للضّرورة ودخولا في السفسطة. هذا اعتقادهم ، وكيف يجوز لعاقل ، أن يقلّد من كان هذا اعتقاده؟! وما أعجب حالهم يمنعون من مشاهدة أعظم الأجسام قدرا وأشدّها لونا وإشراقا وأقربها إلينا مع ارتفاع الموانع وحصول الشّرائط ومن سماع الأصوات الهائلة القريبة ، ويجوّزون مشاهدة الأعمى لأصغر الأجسام وأخفاها في الظلم الشّديدة وبينهما غاية البعد ، وكذا في السّماع ، فهل بلغ أحد من السّوفسطائيّة في إنكارهم المحسوسات إلى هذه الغاية ، ووصل إلى هذه النّهاية؟! مع أن جميع العقلاء حكموا عليهم بالسفسطة ، حيث جوّزوا انقلاب الأواني التي في دار الإنسان حال خروجه أناسا فضلاء مدقّقين في العلوم حال الغيبة ، وهؤلاء جوّزوا حصول مثل هذه الأشخاص في الحضور ولا يشاهدون ، فهم أبلغ في السّفسطة من أولئك ، فلينظر العاقل المنصف المقلّد ، هل يجوز له أن يقلّد مثل هؤلاء القوم ويجعلهم واسطة بينه وبين اللّه تعالى ويكون معذورا برجوعه إليهم وقبوله منهم أم لا؟! فإن جوّز ذلك لنفسه بعد تعقّل ذلك وتحصيله ، فقد خلص المقلّد من إثمه وباء (2) هو بالإثم ، نعوذ باللّه من مزال الأقدام وقال بعض الفضلاء ونعم ما قال : كلّ عاقل جرّب الأمور فإنّه لا يشكّ في إدراك السّليم حرارة النّار إذا بقي فيها مدّة مديدة حتّى تنفصل أعضائه ، ومحال

ص: 109


1- الأطروش : الأصم ، وقد يطلق على السميع ، فاللفظ من الاضداد ، والمراد هاهنا المعنى الاول.
2- وقال في النهاية : أبوء بنعمتك أى ألتزم وأرجع وأقر ، وأصل البواء اللزوم ، ومنه الحديث فقد باء به أحدهما أى التزمه ورجع به ، والعرب يقول : باء بذنبه إذا احتمله كرها لا يستطيع دفعه عن نفسه ، ومنه قوله عليه السلام في الدعاء المروي : وأبوء إليك من ذنبي.

أن يكون أهل بغداد على كثرتهم وصحّة حواسّهم ، يجوز عليهم جيش عظيم ويقتلون وتضرب فيهم البوقات (1) الكثيرة ويرتفع الرّيح وتشتدّ الأصوات ولا يشاهد ذلك أحد منهم ولا يسمعه ، ومحال أن يرفع أهل الأرض بأجمعهم أبصارهم إلى السّماء ولا يشاهدونها ، ومحال أن يكون في السّماء ألف شمس ، وكلّ واحدة منها ألف ضعف من هذه الشّمس ولا يشاهدونها ، ومحال أن يكون لإنسان واحد مشاهد أنّ عليه رأسا واحدا ، ألف رأس لا يشاهدونها ، وكلّ واحد منها مثل الرّأس الذي يشاهدونها ، ومحال أن يخبر واحد بأعلى صوته ألف مرّة بمحضر ألف نفس كلّ واحد منهم يسمع جميع ما يقوله : بأنّ زيدا ما قام ويكون قد أخبر بالنّفى ، ولم يسمع الحاضرون حرف النّفى مع تكرّره ألف مرّة ، وسماع كلّ واحد منهم جميع ما قاله ، بل علمنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من علمنا بأنّا حال [خ ل حين] خروجنا من منازلنا ، لم تنقلب الأواني التي فيها ، أناسا مدقّقين في علم المنطق والهندسة ، وأن ابني الذي شاهدته بالأمس ، هو الذي شاهدته الآن ، وأنّه لم يحدث حال تغميض العين ألف شمس ، ثم انعدم عند فتحها ، مع أنّ اللّه تعالى قادر على ذلك كلّه ، وهو في نفسه ممكن ، وأنّ المولود الرّضيع الذي يولد في الحال إنما يولد من الأبوين ، ولم يمرّ عليه ألف سنة مع إمكانه في نفسه ، وبالنّظر إلى قدرة اللّه تعالى ، وقد نسبت السّوفسطائية إلى الغلط وكذبوا كلّ التكذيب في هذه القضايا الجائزة فكيف بالقضايا التي جوّزها الأشعرية التي تقتضي زوال الثّقة عن المشاهدات؟! ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم وأفضل متأخريهم فخر الدين الرازي (2) في هذا الموضع حيث قال : يجوز أن يخلق اللّه

ص: 110


1- جمع البوق وهي آلة ينفخ فيها.
2- هو العلامة فخر الدين محمد بن عمر الرازي الشافعي المشتهر بالإمام المتوفى سنة 606 صاحب التفسير الكبير المسمى بمفاتيح الغيب وعدة كتب ، وما نقله مولانا القاضي الشهيد هاهنا مذكور في كتاب محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء وهذا الرجل من النوابغ في الفنون ، وله يد طولى وباع غير قصير في إبداع الشكوك بالنسبة الى مسائل العلوم ، ومن ثم اشتهر بإمام المشككين ، وبالجملة الرجل من فطاحل العلم وفرسانه ، وفضله لا ينكر وان كانت له زلات في الأصول والفروع كتجويزه الرؤية والجبر في أفعال العباد وانسداد باب الاجتهاد وغيرها من المناكير عند المحققين ، ولا غرو أن يزل قدمه مع مقامه الشامخ حتى وصف بالإمام ، وذلك لبعده وحرمانه عن كلمات الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، المنتهية علومهم الى النبي صلى اللّه عليه وآله المتخذ من عالم الجبروت.

تعالى في الحديدة المحماة بالنّار برودة عند خروجها من النّار ، فلهذا لا يحسّ بالحرارة واللّون الذي فيها ، والضّوء المشاهد فيها يجوز أن يخلقه اللّه تعالى في الجسم البارد ، وغفل عن أنّ هذا ليس بموضع النّزاع ، لأن المتنازع فيه : أنّ الجسم الذي هو في غاية الحرارة يلمسه الإنسان الصحيح البنية السّليم الحواسّ حال شدّة حرارته ولا يحسّ بتلك الحرارة فإنّ أصحابه يجوّزون ذلك ، فكيف يكون ما ذكره جوابا؟ «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : حاصل جميع ما ذكره في هذا الفصل بعد وضع القعقعة (1) انّ الأشاعرة لا ينبرون وجود الشّرائط وعدمها في تحقّق الرّؤية وعدم تحقّقها ، ولعدم هذا الإعتبار دخلوا في السّوفسطائية ، ونحن نبيّن لك حاصل كلام الأشاعرة في الرّؤية لتعرف أنّ هذا الرّجل مع فضيلته ، (2) قد أخذ سبل (3) التّعصب عين

ص: 111


1- القعقعة : صوت السلاح.
2- انظر كيف يعترف بفضيلة المصنف؟ وقد نفاها سابقا من شدة التعصب والعناد ، والفضل ما شهدت به الأعداء.
3- السبل : بفتح الاول والثاني غشاوة تعرض للعين ، أو عرق أحمر يحدث في سطح العين.

بصيرته ، فنقول : ذهب السّوفسطائية إلى نفى حقائق الأشياء ، فهم يقولون : إن حقيقة كلّ شيء ليست حقيقته ، فالنّار ليست بالنّار ، والماء ليس بالماء ، ويجوز أن يكون حقيقة الماء حقيقة النّار وحقيقة الماء حقيقة الهواء ، وليس لشيء حقيقة ، فيلزمهم أن تكون النّار التي نشاهدها لا تكون نارا ، بل ماء وهواء ، أو غير ذلك ، وهذا هو السفسطة ، وينجرّ هذا إلى ارتفاع الثّقة من المحسوسات وتبطل به الحكمة الباحثة عن معرفة الأشياء وأما حاصل كلام الأشاعرة في مبحث الرّؤية وغيرها ممّا ذكره هذا الرّجل ، فهو أنّ الأشياء الموجودة عندهم إنّما تحصل وتوجد بإرادة الفاعل المختار وقدرته التي هي العلّة التّامة لوجود الأشياء فإذا كانت القدرة هي العلّة التّامة فلا يكون وجود شيء واجبا عند حصول الأسباب الطبيعيّة ، ولا يكون شيء مفقودا بحسب الوجود عند فقدان الأسباب والشرائط ، ولكن جرت عادة اللّه تعالى في الموجودات : أنّ الأشياء تحصل عند وجود شرائطها (1) وتنعدم عند انعدامها ، فهذه العادة في الطبيعة جرت مجرى الوجوب ، فالشّيء الذي له شرائط في الوجود يجب تحقّقه عند وجود تلك الشرائط وانتفائه عند انتفائها بحسب ما جرى من العادة ، وإن كان ذلك الشيء بالنسبة إلى القدرة غير واجب ، لا في صورة التحقّق لتحقّق الشرائط ولا في الانتفاء لانتفائها ، بل جاز في العقل تحقّق الشّرائط وتخلف ذلك الشيء وكذا تحقّق ذلك الشيء مع انتفاء الشرائط إذ لم يلزم منه محال عقليّ ، وذلك بالنّسبة إلى قدرة المبدأ الذي هو الفاعل المختار مثلا الرّؤية التي نحن نباحث فيها لها شرائط وجب تحقّقها عند تحقّقها وامتنع وقوعها عند فقدان الشّرائط ، كلّ ذلك بحسب ما جرى من عادة اللّه تعالى في خلق

ص: 112


1- ليس المراد بالشرط هنا ، هو المعنى الذي اصطلح عليه الفلاسفة ، بل المراد ما يقال له الشرط في العرف بحسب ما يشاهد من المصاحبة الدائمة او الاكثرية بينه وبين ما يعتبر أنه المشروط كالنار للإحراق ، والاكل للشبع. من الفضل بن روزبهان.

بعض الموجودات بإيجاده عند وجود الأسباب الطبيعيّة دون انتفائها ، فعدم تحقّق الرّؤية عند وجود الشرائط أو تحقّقها عند فقدان الشرائط محال عادة ، لأنّه جار على خلاف عادة اللّه وإن كان جائزا عقلا ، إذا جعلنا قدرة الفاعل وإرادته ، علّة تامّة لوجود الأشياء ، هذا حاصل مذهب الأشاعرة ، فيا معشر الأذكياء أين هذا من السّفسطة؟! وإذا عرفت هذا سهل عليك جواب كلّ ما أورده هذا الرّجل في هذه المباحث من الاستبعادات والتّشنيعات. وأما جواب الإمام الرّازي : فهو واقع بإزاء الاستبعاد فإنّهم يستبعدون أنّ الحديدة المحماة الخارجة من التنّور يجوز عقلا أن لا تحرق شيئا ، فذكر الإمام (1) وجه الجواز عقلا بخلق اللّه تعالى عقيب الخروج من التنّور برودة في تلك الحديدة ، فيكون جوابه صحيحا واللّه أعلم بالصّواب ، وأما قوله (إنّ المتنازع فيه أنّ الجسم الذي في غاية الحرارة يلمسه الإنسان الصّحيح البنية السّليم الحواسّ حال شدّة حرارته ولا يحسّ بتلك الحرارة فإنّ أصحابه يجوزون ذلك) فنقول فيه : قد عرفت آنفا ما ذكرناه من معنى هذا التّجويز ، وأنّه لا ينافي الاستحالة عادة ، فهم لا يقولون : إنّ هذا ليس بمحال عادة ولكن لا يلزم منه محال عقليّ (2)كاجتماع الوجود والعدم ، فيجوز أنّ تتعلّق به القدرة الشّاملة الإلهيّة ، وتمنع

ص: 113


1- حاصل الكلام ، أن جواب الامام الرازي ليس في موقع تصحيح ما ذهب اليه الاشاعرة ، من أنه يمكن بحسب الذات تحقق الأسباب الطبيعية مع انتفاء المسببات وان كان ذلك محالا عادة ، بل هو واقع بإزاء الاستبعاد ، واللّه أعلم. من الفضل بن روزبهان.
2- فان قيل : لا يلزم من انكار هذا انكار الآية ، لجواز أن تكون واقعة ابراهيم عليه السلام على طريقة أن اللّه تعالى سلب الحرارة من النار. قلت : الظاهر من لفظ على في قوله تعالى : ( بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، أن النار مع اتصافها بالحرارة كانت لم تؤثر في ابراهيم ، لا أنها صارت باردة والا كان الأنسب الاكتفاء بالبرد فقط ، وهذا مما يعرفه الذوق الصحيح. من الفضل بن روزبهان.

الحرارة من التّأثير ، ومن أنكر هذا فلينكر (1) كون النّار ( بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) «انتهى كلامه»

أقول : وحاصل ما ذكره في جلّ (2) هذا الفصل يرجع إلى التّشكيك في البديهي أو جعل النّزاع لفظيا كما حقّقناه سابقا ، ولنفصّل الكلام في تزييف ما نسجه من المقدّمات لئلا يظنّ بنا ظانّ أنّ اكتفاءنا بالإجمال للعجز عن إيضاح المقال ، فنقول أولا : لا نسلّم أنّ جميع السوفسطائيّة ذهبوا إلى نفى حقائق الأشياء فإنّ أفضل السّوفسطائية وهم اللاأدريّة (3)على ما في المواقف ، قائلون : بالتوقّف في بطلان الحسّيّات لا بنفي حقائق الموجودات ، وهم اللّذون نسبوا إليهم جواز انقلاب الأواني في الدّار أناسا فضلاء ، وشبّهوا مقالة الأشاعرة بمقالتهم ، فما ذكره في بيان الفرق من أنّ السّوفسطائية ذهبوا إلى نفى حقائق الأشياء ليس على إطلاقه نعم ذلك النّفى منسوب إلى طائفة أخرى منهم يسمّون بالعناديّة ، (4)ولا يلزم من

ص: 114


1- وأنت خبير لو جوز تخلف الآثار عن مؤثراتها لم يبق حجر على حجر ولا محال عقلي ؛ والالتزام بذلك مما لا يلتزم به.
2- جل كل شيء بالضم : معظمه.
3- هم قوم ينكرون العلم بثبوت شيء وبلا ثبوته ويزعمون أنه شاك ، وشاك في انه شاك وهلم جرا ، هكذا أفاد الجرجاني في رسالة الحدود انتهى. وسيأتي منا أن اللاادرية فرقة من السوفسطائية في مقابل العنادية بالمعنى الأخص المذكور في الكلام وعلم آداب البحث والمناظرة. ثم قد عد من رؤساء اللاأدرية حارث البلخي حتى ينقل عنه أنه قال حين موته : ما تيقنت بشيء ولا شككت فيه ، وألزمه بعض الحاضرين بجزمه بعدم يقينه وعدم شكه اللذين هما من الكيفيات النفسانية.
4- العنادية لها إطلاقات في علوم الكلام والميزان والمناظرة. ففي المنطق ، هي قضية يكون التنافي فيها لذاتي الجزئين مع قطع النظر عن الواقع ، كما بين الفرد والزوج ، والحجر والشجر. وفي الكلام يطلق على فرقة من السوفسطائية وهم الذون أذعنوا بحقيقة الشيء البديهي قلبا وأنكروها ظاهرا في مقام العناد واللجاج. وفي علم المناظرة وآداب البحث ، تطلق تارة ويراد منها المعنى المذكور ، وأخرى المعنى الأعم أى يطلق على كل معاند ولجوج في الأمور ، سواء كان المورد من الأمور الضرورية او النظرية والخصم شاكا او متيقنا ، وأنت إذا أحطت خبرا بما تلونا عليك دريت أن اللاأدرية تقابل المعنى الكلامى وأحد معنيي المناظرة فلا تغفل.

عدم مناسبة قول الأشاعرة ، لقول الفرقة الثّانية ، عدم مناسبته ومشابهته للسّفسطة مطلقا ، وبالجملة ما تكلّفه في بيان الفرق بين مذهبي السّوفسطائية والأشاعرة لا يدفع اشتراكهما في أصل السّفسطة ، لأن السّوفسطائية على ما قرّره ينفون كون أصل الحقائق من الأسباب والمسبّباب موجودة ، والأشاعرة ينفون كون سببيّة تلك الأسباب ومسببيّة مسبّباتها موجودة ، فكلا النّفيين نفى للموجود مخالف (1) لبديهة العقل كما لا يخفى ، ثم لا يخفى ما ذكره في تقرير كلام السّوفسطائية (من تجويزهم أن تكون حقيقة الماء حقيقة النّار إلخ) لأنّ هذا التّجويز فرع القول بثبوت الحقيقة ، والمفروض أنّهم ينفون حقائق الأشياء تأمل (2) [وايضا] ذكر في شرح المواقف : أنّه ليس يمكن أن يكون في العالم قوم عقلاء ينحلون ما نسب إلى جماعة سمّوهم بالسّوفسطائية ، بل كلّ غالط سوفسطائي(3) في موضع غلطه «انتهى ،» فلم لا يحمل كلام المصنّف العلامة في قوله : وهل بلغ أحد من

ص: 115


1- صفة للنفي المرفوع ، لا للموجود المجرور.
2- التأمل تدقيقى ، أو إشارة الى أنه على سبيل الفرض ، وان كان على خلاف مبنى أهل السفسطة.
3- وبعبارة أخرى : كل منكر للضرورة سوفسطائى.

السّوفسطائية «إلخ» على هذا المعنى؟ حتّى لا يقع في الغلط. (وثانيا) إنّما ذكره في بيان حاصل كلام الأشاعرة من أنّ الأشياء الموجودة عندهم إنّما تحصل وتوجد بإرادة الفاعل المختار وقدرته التي هي العلّة التّامّة لوجود الأشياء «إلخ» مدخول بأنّه كلام متناقض لأن حصره للعلّة التّامّة في القدرة آخرا مناف لقوله : إنّما يحصل ويوجد بإرادة الفاعل المختار ، بل ربّما يشعر بعدم مدخلية ذات الفاعل في ذلك ، وفيه ما فيه ، مع أنّ في كون الباري تعالى وقدرته القديمة علّة تامّة للحوادث كلام مذكور في علمي الحكمة والكلام ، وحاصله أنّه لو كان الواجب تعالى وقدرته القديمة علّة تامّة للحوادث لزم قدم الحادث أو حدوث الواجب تعالى ، واستوضح ذلك في الكتب المتداولة بما لا مزيد عليه ، فليطالع ثمة ، وباقي المقدّمات من تجويز الأمور المخالفة لبديهة العقل والحسّ إعادة لما ذكره في شرحه للمباحث السّابقة ، وقد ذكرنا ما فيه ثمّة فتذكر. (وثالثا) أنّ ما ذكره في تأويل جواب الرّازي غير منتهض على دفع الاستبعاد الذي قرّره هذا الشّارح ، فإن الاستبعاد إنّما وقع في تجويز عدم الإحساس بمسّ الجسم الحارّ حال حرارته لا مطلقا ، كما يدلّ عليه تصويره للصورة التي استبعدها الخصم ، وبما قرّرناه سابقا من عدم جدوى المعنى الذي ذكروه لتجويزهم ، ما وقع فيه الاستبعاد ، اندفع ما ذكره هاهنا بقوله : فقد عرفت آنفا ما ذكر من معنى هذا التّجويز «إلخ» ، (ورابعا) أنّ ما ذكره ، من أنّ من أنكر هذا فلينكر كون النّار ( بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) عليه السلام ، مدفوع بما ذكره في حاشية شرحه من أنّه لا يلزم من إنكار هذا إنكار الآية ، لجواز أن تكون واقعة إبراهيم عليه السلام على طريقة : أن اللّه تعالى سلب الحرارة من النّار ، وما ذكره ثمّة في جوابه من أنّ الظاهر من لفظة على في قوله تعالى : ( بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) أنّ النّار مع اتصافها بالحرارة لم تؤثر في إبراهيم عليه السلام لا أنّها صارت باردة ، وإلا كان الأنسب الاكتفاء بالبرد فقط مردود بإجماع المفسّرين على

ص: 116

خلاف ما حكم بأنسبيّته ، وكيف يكون كذلك؟ مع ظهور أنّ الاكتفاء بقوله : بردا يوهم كون البرد المتعدّي بعلى للمضرة ، وما قال من أنّ هذا يعرفه الذّوق الصحيح : إن أراد به مذاق نفسه فهو لا يصير حجّة على أحد ، فإنّ مذاقه الصّفراوي المبتلى بمرارة عداوة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، ربما يجد الأمر على خلاف ما هو عليه كما يجد الصفراوي العسل مرّا ، وإن أراد به ذوق غيره ، فعلى تقدير حجّيته لا نسلّم أنّهم يجدون معنى الآية على حسب ما وجده كما أوضحناه ، وهذا لم يكن مما يخفى على من به أدنى مسكة (1) ، لكن ديدن المحجوج المبهوت دفع الواضح وإنكار المستقيم بدعوى الذّوق والفهم السّقيم شعر :

وكم من عائب قولا صحيحا *** وآفته من الفهم السّقيم

قال المصنّف رفع اللّه درجته

البحث الخامس في أنّ الوجود ليس علة تامّة في الرّؤية. خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء هاهنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضّرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة تامّة في كون الشّيء مرئيّا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود (2) ، سواء كان في حيّز أولا وسواء كان مقابلا أولا ، فجوّزوا إدراك الكيفيّات النّفسانيّة كالعلم والإرادة والقدرة والشّهوة واللّذة ، وغير النّفسانية ممّا لا يناله البصر ، كالرّوائح والطعوم والأصوات والحرارة والبرودة وغيرها (غيرهما خ ل) من الكيفيّات الملموسة ، ولا شك في أن هذا مكابرة للضّروريّات ، فإنّ كل عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك

ص: 117


1- المسكة. بالضم العقل.
2- لا يخفى أن الإمكان الذاتي المصحح للقدرة العامة أمر لا يجزم العقل بانتفائه ، بل ربما يحققه ، فلا إشكال أصلا في تجويز شيء مما هو خلاف العادة.

بالذّوق لا بالبصر ، والرّوائح إنّما تدرك بالشّم لا بالبصر ، والحرارة وغيرها من الكيفيّات الملموسة إنّما تدرك باللّمس لا بالبصر ، والصّوت إنما يدرك بالسّمع لا بالبصر ولهذا (1) فإنّ فاقد البصر يدرك هذه الأعراض ، ولو كانت مدركة بالبصر لاختل الإدراك باختلاله. وبالجملة فالعلم بهذا الحكم لا يقبل التّشكيك وأنّ من شكّك فيه فهو سوفسطائي (2) ، ومن أعجب الأشياء تجويزهم عدم رؤية الجبل الشّاهق في الهواء مع عدم السّاتر بيننا ، وثبوت رؤية هذه الأعراض التي لا تشاهد ولا تدرك بالبصر ، وهل هذا إلا من تغفّل قائله؟ «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : اعلم أنّ الشّيخ أبا الحسن الأشعري (3) استدلّ بالوجود على

ص: 118


1- قوله : ولهذا فان فاقد البصر إلخ انما يتجه إذا كان مذهب الاشاعرة ادراك هذه الاعراض بالبصر فقط ، وليس فليس كما لا يخفى ، وهكذا قوله : ولو كانت مدركة بالبصر لاختل الإدراك. من الفضل بن روزبهان.
2- هذه العبارة مشعرة بما ذكره السيد «قده» في شرح المواقف من أن السوفسطائية ليس لهم نحلة فافهم. منه «قده».
3- هو الشيخ أبو الحسن على بن اسماعيل الأشعري قدوة الاشاعرة ومؤسس تلك الفرقة ؛ ينتهى نسبه الى أبى موسى الأشعري المشهور ومن ثم اشتهر بالاشعرى ، كان من تلاميذ أبى على الجبائي المعتزلي وللأشعري تآليف منها الابانة في اصول الديانة واللمع والموجز ، توفى ببغداد سنة 324 او 329 او 330 وقيل غيرها والرجل ممن اتى بالغرائب في الإسلام ، فجوز الرؤية والظلم في حقه تعالى وأنكر الحسن والقبح العقليين ونحوها مما ستقف عليها في الكتاب وفي تعاليقنا.

إثبات جواز رؤية اللّه تعالى وتقرير الدّليل كما ذكر في المواقف وشرحه : (1) أنّا

ص: 119


1- لا يخفى على الناقد البصير أن بناء الدليل المذكور ، كما ذكره في شرح المواقف عند التعرض لهذا الدليل ، (ج 2 ص 371) على تركب الجسم من الجواهر الفردة وأن الطول والعرض عين الجسم وليسا أمرين عرضيين عرضا عليه فان الطول والعرض ان كانا عرضين قائمين بواحد من تلك الجواهر الى آخر ما نقله الناصب أقول تركب الجسم من الجواهر الفردة هو قول ذيمقراطيس وهو قول مزيف ضعيف غاية الضعف ، والذي ذهب اليه أهل التحقيق منع انقسام الجسم الى أجزاء بالفعل وذكروا أن انقسام الجسم الى الاجزاء انما هو بالقوة لا بالفعل ، فانه لو اشتمل الجسم على أجزاء بالفعل للزم وقوع الاجزاء الغير المتناهية بين حاصرين ، فان كل جزء منها أيضا ينقسم الى أجزاء بالفعل حسب الفرض وكل جزء منها أيضا ينقسم الى أجزاء وهكذا ، فيلزم اشتمال كل جسم على أجزاء غير متناهية بالفعل وهو محال فانهدم بناء القول بكون الطول والعرض عين الجسم واندفع ما توهمه الأشعري محذورا لكون الطول والعرض من قبيل الاعراض فثبت أن التحقيق كما عليه قاطبة أهل التحقيق أن الطول والعرض من قبيل العرض من مقولة الكم وليسا جوهرين ، حتى يلزم من صحة رؤيتهما صحة رؤية الجواهر. ثم انه على تقدير تسليم ما توهمه الأشعري من كون الطول والعرض جوهرا يرد على استدلاله به على جواز رؤية مطلق الوجود الشامل لوجود الباري عز اسمه ، أن بين وجود الجوهر ووجود العرض جامع لا يشتمل وجود الباري جلت عظمته ، وهو الوجود الامكانى الذي هو مرتبة من مراتب الوجود لا يشمل ما فوقها من المرتبة ، فلا تكون صحة رؤية وجود الجوهر ووجود العرض الا مستلزما لصحة رؤية المرتبة الجامعة بينهما من الوجود دون مطلق الوجود هذا وقد ذكر فخر الدين الرازي في الأربعين (ص 198- 191) اثنى عشر وجها في الاعتراض على الدليل المذكور ونحن نذكر خلاصتها ، وقد اعترف بالعجز عن جوابها بعين العبارة التي سيذكرها القاضي الشهيد «قده» (أولها ) أن الصحة امر عدمي على ما تقرر في محله والأمر العدمي لا يفتقر الى العلة (ثانيها) أنه على تقدير كون الصحة امرا وجوديا لا يجب تعليله ، لما اتفق المتكلمون على أن من الاحكام ما لا يعلل كما أن صحة المعلومية والمذكورية والمخبرية لا تعلل لان هذه الاحكام ثابتة للمعدومات أيضا وهي لا تصلح للتعليل (ثالثها) أن صحة رؤية الجوهر مخالفة لصحة رؤية العرض فانه يمتنع قيام كل واحدة منهما مقام الآخر بدليل أن الجوهر يمتنع أن يرى سوادا والسواد يمتنع أن يرى جوهرا ، واختلافهما في النوع ولو مع اشتراك الجنس يوجب جواز تعليلهما بعلتين مختلفتين (رابعها) سلمنا أن صحة رؤية الجوهر وصحة رؤية العرض حكمان متماثلان ولكن يجوز تعليل المتماثلين بعلتين مختلفتين لوجوه تقرر في محله (خامسها) أن قولكم : لا مشترك بين الجوهر والعرض الا الوجود والحدوث لا نسلمه وعدم الدليل ليس دليل العدم (سادسها) أن قولكم : ان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم فهو مركب من الوجود والعدم باطل فان المسبوقية وصف ثبوتى ثابت للوجود والوجود لا يتصف بالعدم لاستحالة اتصاف الشيء بنقيضه (سابعها) أن حقيقة الشيء عند أبى الحسن الأشعري هو وجوده ولما كانت الحقائق مختلفة فوجود الواجب مختلف لا محالة مع وجود الممكنات (ثامنها) أن حصول العلة غير كافية في حصول المعلول ، فانه قد تحصل العلة ولا يحصل المعلول لعدم حصول شرطه او اقترانه بالمانع، كما أن الحياة علة لحصول الشهوة والألم واللذة وغير حاصلة في حقه تعالى مع أن الحياة ثابتة له (تاسعها) أن لازم القول : بصحة الرؤية القول : بصحة اللمس والذوق بعين ما ذكرتم في ذلك وهو مما لا تلتزمونه. (عاشرها) أن قولكم : الوجود علة لصحة الرؤية ان أردتم به صحة رؤية الوجود ، ففيه أن لازمه تعلق الرؤية في كل مبصر بالوجود المشترك بين جميع الموجودات وعدم تعلقه بالخصوصيات الخارجة عما به الاشتراك. (الحادي عشر) أنه يمكن الالتزام بصحة الرؤية في حقه تعالى ولا ينافي ذلك توقفها على شرط ممتنع، فيمتنع تحقق الرؤية لأجل امتناع الشرط. (الثاني عشر) النقض بالمخلوقية فإنها أمر مشترك بين الجواهر والاعراض ولا يجوز حصولها في حقه تعالى.

نرى الأعراض كالألوان والاضواء وغيرها من الحركة والسّكون والاجتماع

ص: 120

والإفتراق ، وهذا ظاهر ، ونرى الجوهر أيضا ، لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم لما تقرّر : من أنّه مركّب من الجواهر الفردة ، فالطول مثلا إن قام بجزء واحد فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر فيقبل القسمة ، هذا خلف ، وإن قام بأكثر من جزء واحد لزم قيام العرض الواحد بمحلّين ، وهو محال ، فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم ، فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصّحة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ، وذلك لتحقّقها عند الوجود وانتفائها عند العدم ، ولو لا تحقّق أمر مصحّح حال الوجود غير متحقّق حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجّح وهذه العلّة لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ، وإلا لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة وهو غير جائز ، ثمّ نقول : هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ، لكنّ الحدوث عدميّ لا يصلح للعلّية فإذن العلّة المشتركة ، الوجود ، فإنّه مشترك بينهما وبين الواجب ، فعلّة صحّة الرّؤية متحققة في حق اللّه تعالى فيتحقّق صحّة الرّؤية وهو المطلوب. ثمّ إنّ هذا الدّليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود كالأصوات والرّوائح والملموسات والطعوم كما ذكره هذا الرّجل ، والشّيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول : لا يلزم من صحّة الرّؤية لشيء تحقّق الرّؤية له ، وأنّا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من اللّه بذلك أى بعدم رؤيتها ، فإنّ اللّه تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فيها ولا يمتنع أن يخلق اللّه فينا رؤيتها ، كما خلق رؤية غيرها ، والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون : هذه مكابرة محضة وخروج عن حيّز العقل بالكليّة ، ونحن نقول : ليس هذا الإنكار إلا استبعادا ناشئا عمّا هو معتاد في الرّؤية ، والحقائق والأحكام الثّابتة المطابقة للواقع لا تؤخذ من العادات بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التّقليدات. ثم من الواجب

ص: 121

في هذا المقام أن نذكر حقيقة الرّؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السّليمة ، فنقول : إذا نظرنا إلى الشّمس فرأيناها ، ثم غمضنا العين فعند التّغميض نعلم الشّمس علما جليّا ، وهذه الحالة مغايرة للحالة الاولى التي هي الرّؤية بالضّرورة ، وهذه الحالة المغايرة الزّائدة ليست هي تأثر الحاسّة فقط ، كما حقّق في موضعه ، بل هي حالة أخرى يخلقها اللّه تعالى في العبد شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات ، وكما أنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء ومحلّها القلب ، كذلك البصر يدرك الأشياء ومحلّها الحدقة في الإنسان ، ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ وإن كان يستحيل أن تدرك الأشياء إلا بالمقابلة وباقي الشّروط عادة ، فالتّجويز عقليّ والاستحالة عاديّة ، كما ذكرنا مرارا فأين الاستبعاد إذا تأمّله المنصف؟ ومآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمناه «انتهى»

أقول : لا يخفى أنّ جميع ما ذكره من التّوجيه والتّعليل الذي سمّاه بالبرهان والدّليل تشكيك في البديهي ، كما ذكره المصنّف ، فلا يلتفت إليه كما في سائر البديهيّات على ما مرّ ثم انّ الدّليل الذي نسبه إلى شيخه الأشعري ، قد بلغ من الاختلال والفساد إلى غاية لا يليق أن يسمّى بالشّبهة ، وفيه سوى ما ذكر من النّقض مفاسد أخرى مذكورة في كتب الأصحاب وغيرهم ، حتّى أنّ فخر الدّين الرّازي أورد عليه في كتاب الأربعين عدّة من الأسؤلة واعترف بالعجز عن الجواب عنها وسيجيء كلامه بعينه عن قريب إن شاء اللّه تعالى ، وأقبح من ذلك التزامه لازم النّقض المذكور الذي لا يلتزمه إلا الأشعري الذي هو بمعزل عن الشّعور ، وما أشبه حال مدافعته مع الخصم الذي أوقعه في مضيق الإلزام بالالتزام بحال رجلين تضاربا وكان أحدهما أقوى في القدرة من الآخر فيطرحه ، فيدوس صدره حتّى ينقطع نفسه ، ثمّ لمّا سئل بالفارسيّة عن ذلك العاجز الذي لم يكن يعترف من غاية الجهل والعصبيّة بعجزه : ، چگونه بود ماجراى تو با فلان؟ ، قال في الجواب : او لگد

ص: 122

بر سينه من ميزد ومن نفس ميزدم ، فليضحك قليلا وليبك كثيرا (1) وأما ما ذكره في دفع الاستبعاد ، فقد مرّ فيه الكلام مكرّرا ثم ما ذكره من التّحقيق المشهور لا يقتضي أنّ الرّؤية ليست بالإبصار حتّى يدفع استبعاد ما جوّزه الأشاعرة : من عدم رؤية المرئيّ مع شرائطها ، بل هو إنما ذكر لتحقيق محلّ النّزاع ، وأنّه لا نزاع لنا في جواز الانكشاف التّام العلمي ، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام الصّورة من المرئيّ في العين ، أو اتصال الشّعاع في الخارج من العين بالمرئيّ ، وانما محل النّزاع (أنّا إذا رأينا الشمس إلخ) وهو مذكور في شرح المواقف والشّرح الجديد (2) للتّجريد ، فلا فائدة في ذكر ذلك إلا تكثير السّواد ، وتضييع المداد كما لا يخفى على من أمعن النظر وأجاد.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

البحث السادس في أنّ الإدراك ليس بمعنى ، والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا ، لزمهم بواسطته إنكار الضّروريات فإن العقلاء بأسرهم قالوا : إنّ صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منّا حيّا لا آفة به ، والأشاعرة قالوا إنّ الإدراك إنما يحصل بمعنى (لمعنى خ ل) حصل في المدرك فإن حصل ذلك المعنى في المدرك حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط ، وإن لم يحصل لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط ، وجوّزوا بسبب ذلك إدراك المعدومات ، لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمرئي على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل حال وجوده ، فإنّ الواحد منّا

ص: 123


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة. الآية 82 : ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً. )
2- المراد به شرح المولى على القوشچى المتوفى سنة 879 وله تصانيف كثيرة كالهيئة الفارسية وغيرها.

يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلق ، وحينئذ يلزم تعلق ، الإدراك بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد ، وبأن الشيء قد كان موجودا(1) وبأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ من الذّوق والشم واللّمس والسّمع ، لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والرّوائح وبين رؤية المعدوم ، وكما أنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والرّوائح ، (وأيضا) يلزم أن يكون الواحد منّا رائيا مع الساتر العظيم البتّة ، ولا يرى الفيل الأعظم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأوّل وانتفى في الثّاني ، وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنه موجود ، وعندهم أنّ كل موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ، لأنّ رؤية المعنى إنّما يكون بمعنى آخر ، وأىّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والحرارة والبرودة والصّوت بالعين وجواز لمس العلم والقدرة والطعوم والرّائحة والصّوت باليد وذوقها باللّسان وشمّها بالأنف وسماعها بالاذن؟ وهل هذا إلا مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات ولم يبالغ السّوفسطائية في مقالتهم هذه المبالغة؟ «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : الظاهر أنّه استعمل الإدراك وأراد به الرّؤية ، وحاصل كلامه أنّ الأشاعرة يقولون : إنّ الرّؤية معنى يحصل في المدرك ، ولا يتوقف حصوله على شرط من الشّرائط ، وهذا ما قدّمنا ذكره غير مرّة وبيّنّا ما هو مرادهم من هذا الكلام ثم ان قوله : وجوّزوا بسبب ذلك إدراك المعدومات لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمرئي على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل

ص: 124


1- إشارة الى قسمي المعدوم.

حال وجوده ، استدلال باطل على مدّعى مخترع له ، فإنّ كون الرّؤية معنى يحصل في الرّائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السّابق. وأما تعلّقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ولا يلزم من أقوالهم في الرّؤية. ثمّ ما ذكره من أنّ العلم باستحالة رؤية الطعوم والرّوائح ضروري مثل العلم باستحالة رؤية المعدوم ، فقد ذكرنا : أنّه إن أراد بهذه ، الاستحالة العقليّة فممنوع ، وإن أراد العاديّة فمسلّم ، والاستبعاد لا يقدح في الحقائق الثّابتة بالبرهان ، ثم ما ذكر من أنّه على تقدير كون ذلك المعنى موجودا كان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنّه موجود ، وكلّ موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ، لأن رؤية المعنى إنّما تكون لمعنى آخر ، فالجواب : أنّ العقل يجوّز رؤية كلّ موجود وإن استحال عادة ، فالرّؤية إذا كانت موجودة به يصحّ أن يرى بنفسها لا برؤية أخرى ، فانقطع التّسلسل كما ذكر في الوجود على تقدير كونه موجودا ، فلا استحالة فيه ولا مصادمة للضّرورة. ثم ما ذكره من باقي التّشنيعات والاستبعادات قد مرّ جوابه غير مرّة ونزيد جوابه في هذه المرّة بهذين البيتين : شعر

وذي سفه يواجهنى بجهل *** وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما *** كعود زاده الإحراق طيبا

«انتهى كلامه.»

أقول : لا يخفى أنّ كلام المصنّف قدس سره صريح في هذا المبحث أيضا في استعمال الإدراك في الأعمّ ، وأصرح من الكلّ في التّعميم للكلّ قوله في آخر هذا المبحث : وأىّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرّائحة والحرارة والبرودة والصّوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعوم والرّائحة «إلخ» واما ما قدّمه من البيان فقد أتينا عليه سابقا بما يجري مجرى

ص: 125

العيان ، وأما ما ذكره من أنّ كون الرؤية معنى يحصل في الرّائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السّابق وأما تعلقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ولا يلزم من أقوالهم ، فأقول وهنه ظاهر ، لأنّ ما ذكره المصنّف في الفصل السّابق ، هو أنّ الأشاعرة قالوا : إنّ الوجود علّة في كون الشّيء مرئيّا ، وقد ذكر الشّارح الجديد للتّجريد : تصريح إمام الحرمين (1) لدفع بعض مفاسد الدّليل المشهور المأخوذ فيه كون الوجود علّة للرّؤية كما نقله الشّارح سابقا : بأنّ المراد بالعلّة هاهنا ما يصحّ أن يكون متعلّقا للرّؤية الموثّر في الصّحة على ما فهمه الأكثرون ، ويلزم من ذلك رؤية المعدوم ، لأنّهم جعلوا الوجود بشهادة إمامهم متعلّقا للرّؤية ، وهو أمر اعتباريّ انتزاعىّ غير موجود في الخارج كما تقرّر في محلّه.

ان قلت : يمكن أن يكون المراد بالوجود ، الموجود ، كما يشعر به كلام الشّارح بناء على المسامحة المشهورة (2) قلنا لا يفيد لأنّه لا يخلو إمّا أن يراد من الوجود ، مفهوم الموجود الكلّي ، فالكلام فيه كالكلام في الوجود ، واما أن يراد به ما صدق عليه الموجود ، فهو ليس أمرا واحدا مشتركا بين الجوهر والعرض ، كما أخذ في الدّليل المذكور ثم ما ذكره من التّرديد في دفع استبعاد رؤية الطعوم والرّوائح (مردود) بما قدّمناه أيضا ، فتذكر ثمّ ما أجاب به عن لزوم التسلسل في الرّؤية من أن الرّؤية إذا كانت موجودة تصحّ أن ترى بنفسها ، تخصيص بارد من هذا الرّجس المارد في القاعدة الكليّة التي زعم أصحابه عقليّتها في الرؤية. وأفسد منه ما ذكره :

ص: 126


1- هو أبو المعالي ضياء الدين عبد الملك بن عبد اللّه الخراساني الجويني الشافعي المشهور بإمام الحرمين ، صاحب كتاب الإرشاد في اصول العقائد ، والبرهان في اصول الفقه ، تلمذ عند الحافظ أبى نعيم الاصفهانى وغيره توفى سنة 478.
2- من اطلاق المصدر وإرادة اسم الصفة منها.

من أن القوم دفعوا التسلسل في الوجود على تقدير كونه موجودا بمثل ما ذكره في دفع التّسلسل في الرّؤية ، فإنّه فرية (1) بلا مرية ، (2) فإنّ القوم ذكروا : أنّ الوجود ليس بموجود في الخارج ، وإلا لكان له وجود آخر موجود في الخارج أيضا ، وتسلسلت الموجودات الخارجيّة ، ولم يقولوا إنّ التّسلسل ينقطع بكون الوجود موجودا بنفسه لا بوجود آخر وأما ما أنشده في دفع استبعادات المصنّف قدس سره من البيتين ، فهو معارض بعدّة أبيات أنشأها أبو العلاء المعرّي (3) في شأن أمثاله من القاصرين المجاهرين في طعن الكملة الماهرين شعر

إذا وصف الطائي (4) بالبخل مادر (5) *** وعيّر قسّا (6) بالفهاهة باقل (7)

ص: 127


1- الفرية : الكذب.
2- المرية : الجدل.
3- هو أحمد بن عبد اللّه التنوخي من أهل معرة النعمان الشاعر الأديب المشهور توفى سنة 449 له آثار علمية منها كتاب سقط الزند ولزوم ما لا يلزم وملقى السبيل وغيرها وله محاضرات مع الشريفين الرضيين وغيرهما من أئمة الفضل والأدب وكفى في فضله رثاء الشريف له بعد موته وتابينه إياه فليراجع.
4- هو حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج ويضرب به المثل في الجود. وهو ممن ورد في حقه التخفيف في العذاب من الكفار.
5- لقب مخارق لئيم من بنى هلال بن مالك بن صعصعة. سقى ابله فبقى في الحوض قليل فسلح فيه وقذر الحوض ق.
6- هو قس بن ساعدة الإيادي بليغ حكيم ، ومنه الحديث، ويرحم اللّه قسا اني لأرجو يوم القيامة ان يبعث أمة واحدة ويقال له حكيم العرب ايضا.
7- باقل ، رجل اشترى ظبيا بأحد عشر درهما ، فسئل عن شراه ، ففتح كفيه وفرق أصابعه واخرج لسانه يشير بذلك الى احد عشر فانفلت الظبى ، فضربوا به المثل في العي.

وقال السّهى (1) للشمس أنت خفيّة *** وقال الدّجى (2) للصبح لونك حائل (3)

وطاولت الأرض السماء سفاهة *** وفاخرت الشّهب (4) الحصى والجنادل (5)

فيا موت زر إنّ الحياة ذميمة *** ويا نفس جدّي إنّ دهرك هازل (6)

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث السابع في أنّه تعالى يستحيل أن يرى ، خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء في هذه المسألة حيث حكموا : بأنّ اللّه تعالى مرئيّ للبشر ، أمّا الفلاسفة والإماميّة والمعتزلة فإنكارهم لرؤيته تعالى ظاهر ، ولا شك فيه. وأما المشبّهة والمجسّمة فإنّهم إنّما جوّزوا رؤيته تعالى ، لأنّه عندهم جسم وهو مقابل للرّائي فلهذا قالوا بإمكان رؤيته ، ولو كان تعالى مجرّدا عندهم لحكموا بامتناع رؤيته ، فلهذا خالفت الأشاعرة باقي العقلاء وخالفوا الضّرورة أيضا ، فإنّ الضّرورة قاضية بأنّ ما ليس بجسم ولا حالّ في جسم ولا في جهة ولا مكان ولا حيّز ولا يكون مقابلا ولا في حكم المقابل ، فإنّه لا يمكن رؤيته ، ومن كابر في ذلك فقد أنكر الحكم الضّروريّ ، وكان في ارتكاب هذه المقالة سوفسطائيّا ، وخالفوا أيضا آيات الكتاب العزيز الدّالة على امتناع رؤيته تعالى ، فإنّه قال عزّ من قائل : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (7) تمدّح (8) بذلك لأنّه ذكره بين مدحين ، فيكون مدحا ، لقبح إدخال ما

ص: 128


1- السهى : كوكب خفى في بنات النعش الكبرى ، والناس يمتحنون به أبصارهم. ص
2- الدجى بضم الدال : الظلمة.
3- الحائل : المتغير اللون.
4- الشهب : جمع الشهاب ، ما يرى كأنه كوكب انقض.
5- الجندل : الصخر العظيم.
6- الهزل. ضد الجد.
7- الانعام. الآية 103.
8- تمدح اى قرظ على نفسه وأثنى عليه وهو مأخوذ من التمدح.

لا يتعلّق بالمدح بين مدحين ، فإنّه لا يحسن أن يقال : فلان عالم فاضل يأكل الخبز زاهد ورع ، وإذا تمدّح بنفي الإبصار له ، كان ثبوته له نقصا ، والنّقص عليه تعالى محال ، وقال تعالى في حقّ موسى عليه السلام : ( لَنْ تَرانِي ) (1) ، و «لن» للنّفى المؤبد ، وإذا امتنعت الرّؤية في حقّ موسى عليه السلام ففي حقّ غيره أولى ، وقال اللّه تعالى : ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) (2) ولو جازت رؤيته لم يستحقّوا الذّم ولا يوصفوا بالظلم ، وإذا كانت الضّرورة قاضية بحكم ودلّ محكم القرآن أيضا عليه ، فقد توافق العقل والنّقل على هذا الحكم والأشاعرة قالوا : بخلافه وأنكروا ما دلت الضّرورة عليه ، وما قاد القرآن إليه ، ومن خالف الضّرورة والقرآن كيف لا يخالف العلم

النّظري والأخبار؟ وكيف يجوز تقليده والاعتماد عليه والمصير إلي أقواله وجعله إماما يقتدون به؟ وهل يكون أعمى قلبا ممّن يعتقد ذلك؟ وأىّ ضرورة تقود الإنسان إلى تقليد هؤلاء الذين لم يصدر عنهم شيء من الكرامات ، ولا ظهر عنهم ملازمة التّقوى والانقياد إلى ما دلت الضّرورة عليه ، ونطقت به الآيات القرآنيّة؟ بل اعتمدوا مخالفة نصّ الكتاب وارتكاب ضدّ ما دلت الضّرورة عليه ، ولو جاز ترك إرشاد المقلّدين ومنعهم من ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه مشايخهم إن أنصفوا (3) لم نطوّل الكلام بنقل مثل هذه الطامّات بل أوجب اللّه تعالى علينا إهداء (هداية ظ) العامّة بقوله تعالى : ( وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (4) ، ( فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما

ص: 129


1- النساء. الآية : 153.
2- البقرة. الآية : 55.
3- متعلق بقوله ارتكبه يعنى ان ارتكاب الخطأ واقع في مشايخهم ان أنصفوا ولم ينكروا عنادا «منه قده».
4- التوبة. الآية : 122.

يَضِلُّ عَلَيْها ) (1) «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : ذكر في هذا المبحث خلاف النّاس في رؤية اللّه تعالى وما اختصّ به الأشاعرة من إثباتها مخالفة للباقين ، وذكر أنّهم خالفوا الضّرورة لأنّه لا يمكن رؤية ما ليس بجسم ، فقد علمت أنّ الرؤية بالمعنى الذي ذكرناه ليست مختصّة بالأجسام ، ولا يشترط بشرط ، لكن جرى في العادة اختصاصها بالجسم المقابل ، وقد علمت أنّ اللّه تعالى ليس جسما ، ولا في جهة ، ويستحيل عليه مقابلة ومواجهة وتقليب حدقة ونحوه ، ومع ذلك يصحّ أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر ، كما ورد في الأحاديث الصّحيحة (2)، وأن يحصل لهويّة العبد بالنّسبة إليه هذه الحالة المعبّر عنها بالرّؤية ، فمن عبّر عن الرّؤية بما ذكرناه وجوّز حصولها في حقّه تعالى على الوجه المذكور ، فأين هو من المكابرة ومخالفة الضّرورة؟ ثمّ إنّ ما استدلّ به على عدم جواز الرّؤية من قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (3) ، فإنّ الإدراك في لغة العرب هو الإحاطة ، ألا ترى في قوله تعالى : ( قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) (4) ، فلا شكّ أنّه يريد به الإحاطة؟ ، وأمّا الإدراك بالمعنى المرادف للعلم ، فهو من اصطلاحات الحكماء ، لا أنّ في كلام العرب يكون الإدراك بمعنى العلم والإحساس ، ولا شكّ أنّ الإحاطة به تعالى نقص ، فيكون

ص: 130


1- الاسراء. الآية 15.
2- وسيأتي عدم صلاحية الاستناد بها لاشتمال أسانيدها على من كان عقله مختلا حين الرواية وعلى من كان مرميا بالكذب.
3- الظاهر أن خبر ان ساقط وهو لفظة غير صحيح وما بمعناها.
4- الشعراء. الآية 61.

نفيه مدحا ، والرّؤية التي نثبتها ليست إحاطة ، ثم الاستدلال بجواب موسى ، وهو قوله تعالى ( لَنْ تَرانِي ) لمّا سئل الرّؤية و «لن» لنفى المؤبد فامتنعت الرؤية في حقّ موسى ، ففي حقّ غيره من باب الأولى ، فقد أجاب عنه الأشاعرة بمنع كونه للنّفى المؤبّد ، بل هو للنّفي المؤكّد ، وعندي أنّه للنّفى المؤبّد وهذا ظاهر على من يعرف كلام العرب ، ولكنّ التّأبيد المستفاد منه بحسب مدّة الحياة ، مثلا إذا قال أحد لغيره : لن اكلّمك ؛ فلا شكّ أنّه يقصد التّأبيد في زمان حياته ، لا التّأبيد الحقيقي الذي يشمل زمان الآخرة ، وهذا معلوم في العرف ، فالمراد «ب ( لَنْ تَرانِي ) » نفى الرّؤية في مدّة الدّنيا ، وهذا لا ينافي رؤية موسى عليه السلام في الآخرة (1)وكذا في قوله تعالى : ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) (2) فإنّ المراد منه تأييد نفى التّمني مدّة الحياة للعلم بأنّ اليهود في الآخرة يتمنّون الموت للتخلّص من عذاب الآخرة. ثمّ ما ذكره : من إعظام اللّه تعالى سؤال الرّؤية من اليهود في القرآن والذّم لهم بذلك السّؤال ولو جاز ذلك لما استحقّوا الذّم بالسؤال ، فالجواب أنّ الاستعظام إنّما كان لطلبهم الرّؤية تعنّتا وعنادا ، ولهذا نسبهم إلى الظلم ، ولو كان لأجل الامتناع لمنعهم موسى عن ذلك كما منعهم حين طلبوا أمرا ممتنعا ، وهو أن يجعل لهم إلها فلمّا علمت أنّ العقل لا ينافي صحّة رؤية اللّه تعالى ، والنّصوص لا تدلّ على نفيه ، فقد تحقّقت أنّ ما ادّعاه هذا الرّجل من دلالة الضّرورة والنصّ وتوافقهما على نفي الرّؤية دعوى كاذبة خاطئة ،

ص: 131


1- يظهر منه ان الفضل بن روزبهان ممن يقول برؤية اللّه تعالى في الآخرة وان لم ير في الدنيا وهذا احد مذاهبهم الباطلة في باب الرؤية.
2- البقرة. الآية : 2. قال المولى حسن الفاضل الچلبى : لا يخفى أن هذه الآية ظاهرة في التأبيد : ولما تحقق أنهم يتمنونه في الآخرة ، علم أن المراد التأبيد بالنسبة الى اوقات الدنيا ونظير هذه الآية آيات أخر.

ولو لا أنّ الكتاب غير موضوع لبسط الدّلائل على المدّعيات الصّادقة الأشعريّة بل هو موضوع للرّد على ما ذكر من القدح والطعن عليهم ، لذكرنا من الدّلائل العقليّة على صحّة الرّؤية ، بل وقوعها ، ما تحيّرت فيه ألباب العقلاء لرزانتها(1) ومكان رصانتها ، ولكن لا شغل لنا في هذا الكتاب إلا كسر طامّات ذلك الرّجل ومزخرفاته ، وباللّه التّوفيق ثم اعلم أنّه قد سنح لي بعد التّأمّل في مسألة الرّؤية أنّ المنازعة فيها قريبة بالمنازعات اللّفظيّة ، وهذا شيء ما أظنّ سبقني فيه أحد من علماء السّلف ، وذلك أنّ المعتزلة ومن تابعهم من الإماميّة من نفاة الرّؤية يذكرون في معنى الحديث المشهور ، وهو قوله صلى اللّه عليه وآله : سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر(2) ، أنّ المراد الانكشاف التّام العلمي الذي لم يحصل في هذه النّشأة الدّنيوية ، وسيحصل هذا الانكشاف في النّشأة الثانية ، والأشاعرة المثبتون للرّؤية ذكروا : أنّ المراد بالرّؤية حالة يخلقها اللّه تعالى في الحىّ ، ولا يشترط بضوء ولا مقابلة ولا غيرهما من الشّرائط ، ثمّ ذكر الشيخ الأشعري في إدراكات الحواسّ

ص: 132


1- يقال : امرأة رزان ورزينة إذا كانت ذات ثبات ووقار وسكون (والرزانة) في الأصل ، الثقل كما في نهاية ابن اثير وغيره.
2- روى في المسند (ج 2 ص 360 ط مصر) قال حدثنا عبد اللّه حدثني أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن اسماعيل قال سمعت قيس بن حازم يحدث عن جرير قال كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الحديث ، وروى ايضا في المسند (ج 4 ص 362 ط مصر) قال حدثنا عبد اللّه حدثني ابى ثنا يحيى عن اسماعيل حدثنا قيس إلخ ، وروى أيضا في المسند (ج 4 ص 365 ط مصر) حدثنا عبد اللّه حدثني ابى ثنا وكيع ثنا اسماعيل بن ابى خالد عن قيس بن ابى حازم الحديث ، وكلها تنتهي الى رجل واحد وهو قيس بن ابى حازم ، وسيأتي القدح فيه وعدم صلاحية الحديث المشتمل في المسند على مثل هذا الرجل للاستناد في هذا الأمر الخطير الذي دلت على استحالته البراهين الواضحة النقلية والشواهد المتينة العقلية.

الخمس الظاهرة : إنّها علم بمتعلقاتها فإبصار الذي هو عبارة عن الإدراك بالباصرة يكون علما بالمبصرات ، وليست الرّؤية إلا إدراكا بالباصرة ، فعلى هذا تكون الرّؤية علما خاصا وانكشافا تاما ، غاية الأمر أنّه حاصل من هذه الحاسّة المخصوصة ، فظهر اتّفاق الفريقين على أنّ رؤية اللّه تعالى التي دلت عليها الأحاديث هي العلم التّام والانكشاف الكامل ، وبقي النّزاع في محلّ حصولها ، فكما يجوز أن يكون محلّ حصول هذه الانكشاف قلبا ، فليجوّز المجوّز أن يكون محلّه عضوا آخر ، هو البصر ، فيرتفع النّزاع بالكليّة واللّه تعالى أعلم «انتهى كلامه»

أقول : كلّ ما ذكره توهّمات باطلة وتخيلات مموّهة عاطلة ، لا يعود إلى طائل ولا يرجع إلى حاصل أما أولا فلما قد علمت من حال ما أحاله هاهنا على ما أسبقه بقوله (فقد علمت) وقد (1) علمت إذ قد سبق منّا ما حاصله : أنّ أحدنا لا يرى إلا بالحاسّة ، والرّائي بالحاسّة لا يرى إلا ما كان مقابلا كالجسم أو حالا في المقابل كاللّون ، أو في حكم المقابل كالوجه في المرآة ، واللّه تعالى ليس كذلك ، وقد ذكرنا : أنّ الضّرورة قاضية بذلك ، ولهذا نبادر إلى تكذيب من أخبر بأنّه رأى شيئا ليس كذلك ، كما نكذّب من أخبر بأنّه رأى جسما غير متحرّك ولا ساكن ، وجحد الضّرورة التي حكم بها عقول الحكماء وأهل العدل من الإماميّة والمعتزلة ومن تابعهم غير مستنكر من هذا الشّارح النّاصب وأصحابه ، لأنّ لهم مدخلا عظيما في المكابرة وصناعة التّمويه كما لا يخفى على العاقل النّبيه ، وأما ثانيا فلأنّ ما استدل به من حديث انكشاف اللّه تعالى على عبده انكشاف القمر ليلة البدر مدفوع بعدم صحّة سنده ، فانّ راويه قيس (2) بن أبي حازم ، وقد اختلّ عقله في

ص: 133


1- لفظة وقد علمت من كلام القاضي «قده».
2- قيس بن أبى حازم واسمه حصين بن عوف ، ويقال : عوف بن عبد الحارث ويقال : عبد عوف بن الحارث بن عوف البجلي الأحمسي أبو عبد اللّه الكوفي أدرك الجاهلية و رحل الى النبي صلى اللّه عليه وآله ليبايعه فقبض وهو في الطريق. روى عن أبيه والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبى بكر وعمر وأبى هريرة وعمرو بن العاص وجرير بن عبد اللّه والمغيرة بن شعبة وغيرهم ، روى عنه إسماعيل بن أبى خالد وبيان بن بشر والمغيرة ابن شبيل وغيرهم ، وحال الرجل مختلف فيه عند العامة ، فذهب جماعة كثيرة منهم الى تضعيفه ، وأنه كان يروى المناكير والغرائب ، ومنهم من حمل عليه في مذهبه ، وقالوا :كان يحمل على على عليه السلام والمشهور أنه كان يقدم عثمان ، ولذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه ، قال الحافظ بن حجر العسقلاني في كتاب تهذيب التهذيب (الجزء الثامن ص 388 ط حيدرآباد) ما لفظه : وقال يحيى بن أبى عبد اللّه : ثنا إسماعيل بن أبى خالد قال : كبر قيس حتى جاز المائة بسنين كثيرة حتى خرف وذهب عقله ، وقال ابن المديني : قال لي يحيى بن سعيد قيس بن أبى حازم منكر الحديث ، ثم ذكر له يحيى أحاديث مناكير إلخ.ولا يذهب عليك أن أحمد بن حنبل روى حديث الرؤية بأسانيد كلها منتهية الى قيس بن أبي حازم ، فظهر أن قول الناصب هناك عدة أحاديث ، مما لا أصل له ، بل هو حديث واحد رواه عدة عن شخص واحد ، وهو ممن لا يعتنى به لنقله المناكير والغرائب ، مضافا الى خبطه واختلاله في أواخر عمره ، على أنه كان متروك الحديث عند الكوفيين أهل البحث والتنقيب في قبول الرواية ، مضافا الى أن خبر الواحد الظني الصدور كيف يقاوم البراهين العقلية السديدة والأدلة النقلية الرصينة ، أفيمكن المصير الى رؤيته تعالى وجعل أمثال هذا الخبر مستمسكا ومتكئا؟

آخر عمره ، ولذا لا يقبل قوله ما لم يعلم تاريخه ، ولو سلّم صحّته فمن الجائز أن يكون المراد من الرؤية فيه ، العلم التّام كما في قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ) (1) ؛ ( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ ) (2) ويكون معناه أنّكم ستعلمون

ص: 134


1- الفيل. الآية : 1.
2- يس. الآية : 77.

ربّكم علما يقينيّا ضروريّا كما تعلمون القمر علما كذلك ، والتّشبيه المدلول عليه بقوله كما ترون القمر لا يقتضي مساواة طرفيه من كلّ وجه كما لا يخفى ، ويؤيد إرادة ما ذكرناه : ما روى (1) في المشهور عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عنه هل ترى ربّك؟ فقال لا أعبد ربّا لم أره قيل له كيف تراه قال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان ، لا يقال لو كان معنى الرؤية في الحديث ذلك لتعدّى إلى مفعولين ، لأنّا نقول : العلم قد يكون يقينيّا وحينئذ لا يتعدّى إلى المفعولين ، ولو سلّم فلم لا يجوز أن يكون له مفعول ثان قد حذف؟ لدلالة سوق الكلام عليه ، كما في قولة تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً ) (2) لهم ، على قراءة من قرأ بالياء وأما ثالثا فلأنّ ما ذكره : من أنّ الإدراك في لغة العرب هو الإحاطة ، فلعلّه أخذ ذلك من كلام الشّارح الجديد للتّجريد عند ذكر جواب الأشاعرة عن استدلال أهل التّنزيه بالآية المذكورة فإنّهم على ما ذكره أجابوا : بأنّا لا نسلّم أنّ الإدراك بالبصر هو الرّؤية أو لازم لها ، بل هو رؤية مخصوصة (3) وهو أن يكون على وجه الإحاطة بجوانب المرئي ، و (إذ خ ل) حقيقته النّيل والوصول مأخوذا من أدركت فلانا إذا لحقته ، ولهذا يصحّ رأيت القمر وما أدركه بصري ، لإحاطة الغيم به ، ولا يصحّ أدركه بصري وما رأيته «انتهى» وفساده ظاهر ، لأنّ تخصيص معنى الرّؤية بذلك ممّا لا يوجد في كتب اللّغة المعروفة ، فيكون القول به على سبيل التشهّى والعناد ، ولأنّ كون حقيقة الإدراك النّيل

ص: 135


1- رواه في الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية (ج 1 ص 98 الطبع الجديد بطهران) عن أبى الحسن الموصلي عن أبى عبد اللّه عليه السلام.
2- آل عمران. الآية 180.
3- قال في الصحاح : أدركته ببصرى اى رأيته وقال في القاموس : الدرك محركة اللحاق وأدركه لحقه. منه قدس سره.

والوصول كما اعترفوا به لا يدلّ على أنّ الإدراك بالبصر هو الرّؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي ، ولأنّ أخذ ذلك من أدركت فلانا إذا لحقته ، غير ظاهر ، ولأنّا لا نسلّم صحّة قوله : رأيت القمر وما أدركه بصري ، فلا يثبت ما هو بصدده ، على أنّه معارض بأنّهم يقولون : أدركت الشّمس ولا يريدون رؤيتها من جميع جوانبها ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره من أنّ نفى الإحاطة مدح له تعالى غير مسلّم ، لأنّ السّماء وغيرها من الأجسام العظيمة تشاركه في أنّه لا تحيط بها الأبصار «تأمّل» وما قال الرّازي : من أنّه إنّما يحصل التّمدّح بنفي الرّؤية إذا كانت الرّؤية جائزة عليه ، وكان تعالى قادرا على منع الإبصار عن ذلك ، مدفوع بجريان ذلك في المدح بنفي السّنة والنّوم والصّاحبة والولد وجوابه جوابنا وأما قياسه لذلك على المدح بنفي الظلم والعبث فغير صحيح ، لأنّ المدح هنا راجع إلى الفعل ، وما كان كذلك فلا يتمّ المدح فيه إلا مع القدرة عليه ، ولهذا لا يصحّ المدح بنفي الجمع بين الضدّين ونحو ذلك ، بخلاف ما كان راجعا إلى الذّات فإنّه غير مقدور وأما خامسا فلأنّه إنّ أراد بنفي كون الإدراك في لغة العرب بمعنى العلم أو الإحساس عدم كونهما داخلين تحت مفهوم الإدراك ، فتوجّه المنع عليه ظاهر ، وإن أراد عدم تفسيرهم إيّاه بذلك وإن كان ذلك التّفسير صادقا عليهما فلا يفيد ، فانّ أرباب اللّغة (1) يضعون بعض الألفاظ لمفهومات كلّية صادقة على أفرادها من غير تعقلهم لتفاصيل الأفراد عند الوضع ، بل يكفي عندهم في كون تلك الأفراد أفرادا لبعض المفهومات كونها بحيث يصحّ أن يحكم عليها بذلك ، وهذا حاصل فيما نحن فيه ، وارتكاب التجوّز في وصول العلم إلى المعلوم والإحساس إلى المحسوس ، والرّؤية إلى المرئي مطلقا (2) مشترك ، وأما سادسا فلأنّ ما ذكره : من جواب الأشاعرة

ص: 136


1- المراد بأرباب اللغة وضعة الألفاظ وأهل اللسان لا علماء اللغة بحسب الاصطلاح.
2- اى على سبيل الإحاطة وعدمها. منه «قده».

عن استدلال أهل العدل بقوله تعالى : ( لَنْ تَرانِي ) من أنّ كلمة «لن» للنّفى المؤكد دون المؤبّد مردود ، بأنّ الحمل على التّأكيد مجاز بدليل سبق الذّهن عند إطلاق هذه اللّفظة إلى التّأييد ، وأيضا الآية دالة على نفى رؤيته تعالى في المستقبل مطلقا ، فلا بدّ لجوازها أو وقوعها في وقت من المستقبل من مخصّص ، ولا مخصّص وما توهّم من تخصيصه بقوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (1) ، مدفوع بأنّ النّظر ليس بمعنى الرّؤية فقط ، بدليل أنّه يثبت عند انتفائها ، فيقال : نظرت إلى الهلال فلم أره وتثبت الرّؤية عند انتفاء النّظر ، فيقال في اللّه تعالى : راء ولا يقال ناظر ، وتعقّب الرّؤية بالنّظر فيقال : نظرت فرأيت ، ويجعل وصلة للرّؤية فيقال : انظر لعلّك ترى ، ويجعل غاية في الرّؤية ، فيقال : ما زلت أنظر حتّى رأيت وما قيل : من أنّ النّظر إذا قارن (بإلى) أفاد الرّؤية منقوض ، بقوله تعالى : ( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (2) إلى غير ذلك من الآيات والأشعار المنقولة في هذا المقام من كتب أصحابنا الأعلام في علم الكلام ، على أنّ نفى الإدراك في الآية على الإطلاق ينصرف إلى عموم الأوقات في المستقبل ، فيؤدّي إلى تأبيد النّفى بدلالة الإطلاق لا بدلالة النّافية عند من ينكر التّأييد فيها ثمّ إنّ تأييد لن ثابت بالنّقل (3) فالمنع في مقابله كما ترى ، نعم إذا دلّ الدّليل على إرادة خلاف الأصل كما في قوله تعالى : ( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي ) (4)، وجب العدول ، والحمل على النّفى المؤكّد (5) في ذلك الموضع لنوع من المبالغة ، فاندفع استدلال

ص: 137


1- القيامة. الآية : 22.
2- الأعراف. الآية : 198.
3- اى بالنقل من أرباب اللغة.
4- يوسف. الآية : 80.
5- وأنت خبير بأنه لا يلزم لحملها على النفي المؤكد ح أيضا يلي التحقيق حملها على المؤبد غاية الأمر أن التأبيد له ضروب كضروب الحصر وذلك واضح لمن تدرب واضطلع في علوم البلاغة وكان من فرسان تلك المضامير.

بعض شارحي الكافية على نفى كون «لن» للتّأبيد بالآية المذكورة (1) وأما سابعا فلأنّ ما ذكره من عند نفسه مدخول بأنّه لو سلّم أنّ العرف يفهم من كلمة «لن» التّأبيد في مدّة الحياة فإنّما يسلّم فهم ذلك إذا كان كلّ من المتكلّم بتلك الكلمة والمخاطب له قابلا للفناء ، ولا نسلّم أنّه يفهم ذلك إذا كان المتكلّم بها حيّا أبديّا باقيا سرمديّا كما فيما نحن فيه (فتدبّر). وأما ثامنا فلأنّ ما ذكره من أنّ المراد من قوله تعالى : ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) تأييد نفى التّمني في مدّة الحياة للعلم بأنّ اليهود في الآخرة يتمنّون الموت للتخلّص من عذاب الآخرة ، ففيه ما لا يخفى على معاشر العقلاء من أنّ أحدا لا يتمنّى الموت عن صميم القلب وخلوص العقيدة خصوصا في الآخرة التي يعلم كلّ أحد أنّ الحياة فيها أبديّة ، نعم يتمنّون التخلّص عن العذاب بأن يرحمهم اللّه تعالى ويخلّصهم عن العقوبة بلطفه ، ويعطيهم الحياة أبدا كسائر عباده المؤمنين ، أمّا أنّهم يتمنّونه عن صميم القلب فلا ، كما يشهد به وجدان غير المعاند ، وقد قيل في تفسير قوله تعالى : ( وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) (2) ، وفي موضع من الكشّاف تصريح بد ، ولو سلّم فنقول نظم الآية ظاهر في التّأبيد ، ولمّا تحقّق أنّهم يتمنّونه في الآخرة علم بهذه القرينة : أنّ المراد التّأبيد بالنسبة إلى أوقات الدّنيا ، فمنع كون «لن» للتّأبيد مطلقا والتّنظير بهذه الآية (3) محلّ نظر وأما تاسعا فلأنّ ما ذكره في جواب احتجاج العدليّة باستعظام اللّه تعالى أمر الرّؤية ، ففساده ظاهر ، أما أولا فلأنّ كلّ منصف لا ينكر أنّ العقاب والعتاب

ص: 138


1- اى قوله تعالى : ( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ ) .
2- النبأ. الآية : 40.
3- اى بآية ( لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) .

في كلتا الآيتين لطلبهم الرّؤية وامتناعها كما يظهر من التّأمّل في قوله تعالى : ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) ومن ينكر ذلك فهو ظالم فإنها لو كانت ممكنة لما عذّبهم اللّه تعالى بإيقاع الصّاعقة عليهم حين طلبها ، إذ نعلم بالضّرورة أنّ اللّه تعالى لا يرضى بتعذيب جماعة علّقوا ايمانهم على أمر ممكن وطلبوه واعترفوا بأن يؤمنوا بعد وقوعه ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً ) بل كان يخبرهم بعدم إمكانها على وجه ملائم ، كما قيل في قوله تعالى : ( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ) (1)وقال النبيّ العربيّ صلى اللّه عليه وآله أغنوهم عن مسألتهم ولو بصقرة (2) تمرة ، فعلى هذا ظهر : أنّ حمل ذلك على تعنّتهم وعنادهم تعنّت وعناد ، إذ لا يعقل تعذيب جماعة علّقوا ايمانهم على أمر ممكن ولو في الآخرة ، وطلبوا الهداية عن نبيّهم لكونهم متعنّتين باعتبار شيء آخر ، ولعلّهم فهموا التّعنّت من اقتراح دليل زائد يدلّ على صدق المدّعى بعد ثبوته كما ذكره الفاضل النّيشابوري (3) في تفسيره ، وفيه أنّ اقتراح دليل زائد سيّما إذا كان الدّليل

ص: 139


1- الضحى. الآية : 10.
2- ويقرب منه ما رواه الخاصة من قوله عليه السلام تصدقوا ولو بشق تمرة (الوسائل ج 2 كتاب الزكاة أبواب الصدقة ص 67 ط امير) وغيره. ورواه العامة عن النبي «ص» (الجامع الصغير ج 2 ص 384 ط مصر). وما رواه الخاصة عن حفص ابن عمر عن أبي عبد اللّه الا قال قال رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله لا تردوا السائل ولو بظلف محترق (الوسائل ج 2 كتاب الزكاة أبواب الصدقة ص 51 ط امير). ورواه احمد في (مسنده ج 5 ص 380).
3- هو المولى الحسن (الحسين خ ل) بن محمد بن الحسين النيسابوري المشتهر بالنظام الأعرج المفسر المحدث العارف صاحب التفسير الكبير المعروف وشرح شافية ابن الحاجب في الصرف المتداول بين المحصلين ويعرف بشرح النظام وله رسالة في الحساب وكتاب في وقوف القرآن توفى في حدود سنة 730 ببلدة نيسابور ثم ان لقبه النظام اى نظام الدين لا النظام على وزن شداد كما هو المشهور فلا تغفل. ثم الصحيح في وفاته ما ذكرنا لا ما في بعض كتب التراجم ولا ما في كشف الظنون فلا تغفل.

الأوّل نقليّا والزّائد دليلا عقليّا ليتوافق النّقل والعقل ويحصل الاطمينان التّام لا يدلّ على التعنّت ، ولا يوجب العقاب والعتاب ، كيف؟ وقد أتى شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام بمثل ذلك : حيث اقترح إراءة إحياء الموتى لاطمئنان قلبه كما أخبر عنه في القرآن مع علمه بذلك من الوحى وغيره من الأدلة ، حتّى أنّه لمّا خاطبه تعالى بقوله : ( أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) ، (1) أى بتعاضد الأدلة ، وأما ما قيل (2) : من أنّ قولهم ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ) ، يدلّ على لجاجهم ، وأنّه بعد ما ردّ موسى عليه السلام الرّؤية لجّوا وقالوا : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ) ، إذ لا يقال ابتداء : لن يقوم ، بل يقال : لا يقوم ، فإذا خولف يقال لتأكيد الرّد : لن يقوم «انتهى» ، فأقول سقوطه ظاهر ، لأن وقوع الرّد عليهم من موسى عليه السلام قبل ذلك من قبيل الرّجم بالغيب ولم يذكره أحد من المفسّرين في شأن نزول هذه الآية ، وما ذكره من دلالة كلمة لن على ذلك ، لأنه لا يذكر في ابتداء الكلام فهو مقدّمة كاذبة افتراها على أهل اللّسان ، وكم لها نظير في فصيح الكلام ، بل الوجه في إيراد كلمة (لن) هاهنا هو أنّهم لما سألوا موسى عليه السلام أوّلا أن يكلّمهم اللّه تعالى وأجاب اللّه تعالى سؤالهم فتشرّفوا بلذّة استماع كلامه ، ازداد طمعهم وحرصهم [جرّهم خ ل] إلى طلب ما هو أكبر وألذّ ، كما ورد في المشهور ، أنّ من كرم المولى سوء أدب غلمانه فلغاية الاهتمام في تحصيل ذلك المطلوب زادوا في الإبرام وأدرجوا كلمة لن في الكلام ، وأما ثانيا فلأنّ

ص: 140


1- البقرة. الآية : 260.
2- القائل عصام الدين الأسفرايني العربشاهى صاحب الحاشية على شرح الجامى في النحو والمطلب الذي نقله القاضي الشهيد مذكور في حاشيته على تفسير القاضي البيضاوي.

قوله : ولو كان لأجل الامتناع لمنعهم موسى عليه السلام عن ذلك (إلخ) يدلّ على أنّ موسى لم يمنعهم عنه وليس كذلك بل منعهم عنه (1) كما يدلّ عليه ما روى في شأن النزول وسياق قوله تعالى : ( إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) ، مع قوله أتهلكنا بما فعل السّفهاء (2) منّا كما يجده العارف بخواصّ الكلام ومقتضيات الحال والمقام وأما عاشرا ، فلأنّ ما أتى به من إظهار القدرة على إقامة الدّلائل الرّزينة والرّصينة العقليّة على صحّة الرّؤية ففيه إزراء (3) بجلالة قدر شيخه الأشعري وسائر مشايخه حيث لم يقدروا مع كثرتهم في مدّة ثمانمائة سنة على إقامة دليل عقليّ إقناعيّ على ذلك سوى الدّليل المشهور الذي قد صار من توارد سهام الاعتراض عليه كبيت الزّنبور ، بل في ذلك إهانة عظيمة لإمامه فخر الدّين الرّازي لما سنذكره : من أنّه هرب (4) عن هذا المضمار ، وارتكب عار الفرار ، فظهر أنّ ما ذكره من التّصلّف (5) زيادة نغمة (6) منه على

ص: 141


1- ويشهد لمنع موسى وإبائه عن مسألتهم إصرارهم له وقولهم لا واللّه ( حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً ) كما رواه الطبري في تفسيره (ج 1 ص 224) من ان موسى لما أتاهم بالالواح قد كتب فيها التورية وقال : ان هذه الألواح فيها كتاب اللّه فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه ، فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا واللّه حتى نرى اللّه جهرة حتى يطلع علينا.
2- البقرة. الآية : 155.
3- الإزراء. التعييب.
4- حيث التجاء في اثبات جواز الرؤية الى ظواهر الأدلة النقلية بعد الاعتراف بتعذر إثباته بالادلة العقلية وسيأتي كلامه قريبا.
5- التصلف. التملق.
6- إشارة الى مثل معروف ، قال الميداني في المجمع ص 221 : انه من الأمثال المولدة.

طنبور طامّات شيخه الأشعري لا كسرا لما سمّاه طامّاتا من كلام غيره وأما الحادي عشر ، فلأنّ ما سنح له بعد التّأمل في مسألة الرّؤية من جعل النّزاع لفظيّا وظنّ أنّه لم يسبقه أحد من علماء السّلف ، ففيه أنّه من بعض الظنّ ، (1) لأنّ إمامه فخر الدّين الرازي وشيخه الفاضل التّفتازاني (2) قد سبقاه في ذلك ، لكنّه رجوع صريح وهرب فضيح من غير عذر يفي بإصلاح قباحته ، ويدفع لوث لوم الفرار عن ساحته ، فإنّ جعل النّزاع المشهور الممتدّ بين الجمهور على مرّ الدهور لفظيّا بأمثال التكلّفات التي ارتكبوها كما ترى ، مع أنّ بعده عن التّوفيق في التّوفيق المذكور ظاهر ، لظهور أنّ ما فرّعه على ما نسجه بقوله : فعلى هذا تكون الرّؤية علما خاصّا وانكشافا تامّا غير متفرّع على ما نقله عن الإماميّة في معنى الحديث المشهور كيف؟ وقد نقلنا سابقا عن المصنّف في كتاب نهج المسترشدين : أنهم جعلوا الإحساس بأقسامه مقابلا للعلم والإعتقاد ، وبهذا ظهر كذب ما ذكره بعيد ذلك من اتّفاق الفريقين : على أن رؤية اللّه تعالى هي العلم التّام والانكشاف الكامل ، واتّضح أنّ ما تكلفه من التّوفيق بين الفريقين صلح من غير تراضى الخصمين ، فالأولى به أن يتركه في مخلات(3)حماقاته ، أو يخصّ نفعه بأعقابه وأهل موالاته ، وما أشبه تكلّفه هذا بما يحكى : أنّه قد سمع بعض الأكارين (4) والبقارين (5) أنّ العنبر

ص: 142


1- إيماء الى قوله تعالى : ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) في سورة الحجرات. الآية 12.
2- هو العلامة المحقق سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ، توفى سنة 793 أو 792 ، وله تآليف نفيسة اشهرها المطول في شرح تلخيص المفتاح ، وكتاب المقاصد في الكلام وغيرهما.
3- المخلات : ما يجعل فيه النبات ويعلق في عنق الدابة.
4- الأكارين. جمع الأكار وهو حارث الأرض.
5- البقارين. رعاة البقر وأربابها.

خثى (1) البقر البحري ، فتشاوروا في ذلك ، وأسرّوا النجوى مع الرّئيس ، فأجمعوا عن آخرهم على أنّ لنا ثيرانا (2) فنصنع حوضا عظيما ، وندخل تلك الثيران فيه ليحصل لنا من العنبر قدر كثير فنتطيّب به ونهديه إلى الأصحاب والأحباب ، ونبيع ما فضل من ذلك ونصرفه في حوائجنا ونستغني بذلك عمّا نحن فيه من الأعمال الشّاقّة والحركات العنيفة ، ونخلص بذلك الشّغل عن الإخراجات والخراجات والمطالبات الديوانيّة ، فجزموا على هذا الرّأي وصنعوا حوضا عظيما وأجروا فيه الماء وأدخلوا ثيرانهم فيه وقت الرّبيع ، فلمّا راثت الثيران أخذوا من خثاها واستطابوه ، لأنّ لخثاء البقر في ذلك الوقت رائحة غير منكرة ، فلمّا كثر ذلك عندهم وفضل عن حاجاتهم حملوا بعضا منه إلى العطار ليبيعوا منه ، فلما رآه العطار قال هذا عنبر زكي الرّائحة لا يوجد مثله في خزانة السّلاطين ، فاحفظوه لنفسكم ولأحبابكم وما فضل منكم فادّخروه لأعقابكم ، فانّه علق (3) نفيس لا يعرف قدره إلا بصير كامل خبير عاقل مثلكم ، وأنّى لكم الأمثال؟! ، ثمّ لا يذهب عليك أن الذي ألجأ فخر الدّين الرّازي وما تأخّر عنه إلى أن جعلوا النّزاع لفظيّا ، هو العجز عن إتمام الدّليل العقليّ على إمكان الرّؤية حتى أنّ الرّازي فضح نفسه في كتاب الأربعين ، فقال بعد ذكر دليل الأشاعرة وذكر الأسؤلة والإيرادات الكثيرة عليه : اعلم أنّ (4) الدّليل العقلي المعوّل عليه في هذه المسألة هذا الذي أوردناه ،

ص: 143


1- الخثي : بكسر الخاء مختوما بالألف المقصورة : الروث.
2- هو جمع ثور. يطلق على الذكور والإناث.
3- بكسر الاول وسكون الثاني. النفيس من كل شيء.
4- ذكره في كتابه المسمى بالأربعين في اصول الدين ص 197 ، طبع حيدرآباد ، في أواخر السؤال الثاني عشر وكذا في رد شبهات المعتزلة ، والتجأ في طي كلماته تارة بجعل الرؤية بمعنى الكشف المعنوي القلبي ، وأخرى بمعنى آخر وثالثة لاذ بالأخذ بظواهر الأدلة النقلية ، من دون تأويل ، كداود الجواربى وغيره فراجع.

وأوردنا هذه الأسئلة عليه واعترفنا بالعجز عن الجواب عنها ، إذا عرفت هذا فنقول مذهبنا في هذه المسألة ما اختاره الشيخ أبو منصور الماتريدي (1) وهو أنّا لا نثبت صحة رؤية اللّه تعالى بالدّلائل العقليّة ، بل نتمسّك في المسألة بظواهر القرآن والأحاديث ، فإن أراد الخصم تأويل هذه الدّلائل وصرفها عن ظواهرها بوجوه عقليّة يتمسك بها في نفى الرّؤية اعترضنا على دلائلهم وبينّا ضعفها ومنعناهم عن تأويل الظواهر «انتهى كلامه» ، وقال في شرح المواقف بعد ترويج الدّليل العقلي للأشاعرة بما أمكنه : فالأولى ما قد قيل : من أنّ التّعويل في هذه المسألة على الدّليل العقلي متعذّر ، فلنذهب إلى ما اختاره الشّيخ أبو منصور الماتريدي من التّمسك بالظواهر النقليّة هذا كلامه ونحن نقول : ليس لهذا الرّجل المتسمّى بالإمام ولا للسّيد المحقّق الشّريف الهمام ، مع علوّ شأنهما وشهرة مكانهما بين الأنام ايثار هذا الطريق وإثبات صحّة رؤية اللّه تعالى وإمكانه بالظواهر ، إذ لا يمكن التّمسّك بالظواهر النقليّة إلا بعد إثبات الإمكان الذّاتي للرّؤية بالبرهان العقلي وإلا وجب التّأويل كما في سائر آيات التجسّم ، وقد اعترف بذلك شارح المقاصد (2) حيث قال : ولم

ص: 144


1- هو الشيخ محمد بن محمد أبو منصور الحنفي المتكلم الباحث المتوفى سنة 333 ، والماتريدي نسبة الى ما تريد من أعمال سمرقند ، وله تآليف وتصانيف ككتاب أوهام المعتزلة وكتاب مآخذ الشرائع وكتاب الرد على القرامطة وكتاب التوحيد وكتاب تأويلات أهل السنة وغيرها ، تلمذ عند أبى نصر العياضي ، قال المولى على القمري الخراساني في ذيل كتاب الجواهر المضيئة (ص 556 ط حيدرآباد) : أن اتباع الماتريدي من الحنفية اكثر من غيرها ، واتباع ابى الحسن الأشعري من الشافعية اكثر من غيرها انتهى. ثم ان الفرقة الماتريدية أتباع أبى منصور المذكور تفترق عن الاشاعرة في امور سنوردها إن شاء اللّه تعالى قريبا فاصبر ( إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .
2- وهو التفتازاني السابق ذكره.

يقتصر الأصحاب على أدلة الوقوع مع أنّها تفيد الإمكان أيضا لأنّها سمعيّات ربما يدفعها الخصم بمنع إمكان المطلوب ، فاحتاجوا إلى إثبات الإمكان أوّلا والوقوع ثانيا ، ولم يكتفوا بما يقال : إنّ الأصل في الشيء سيّما ما ورد به الشّرع هو الإمكان ما لم يذد عنه الضّرورة أو البرهان (1) ، لأنّ هذا إنّما يحسن في مقام النّظر والاستدلال دون المناظرة والإحتجاج «انتهى كلامه» ، وقد صرّح بمثله تلميذه الخيالي (2) في بحث المعاد من حاشية شرح العقائد ، وقال الغزالي (3) في رسالته المشهورة .

ص: 145


1- مأخوذ من قول الشيخ الرئيس كل ما قرع سمعك من غرائب الأكوان فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان. والإمكان فيه بمعنى الاحتمال كما حقق في محله.
2- الخيالى هو الشيخ أحمد بن موسى الحنفي المتوفى سنة 862 وكان مدرسا في مدرسة ازنيق من طرف السلطان العثماني وله تآليف منها حاشية على شرح التفتازاني على العقائد النسفية.
3- الغزالي هو العارف العلامة الشيخ محمد بن محمد المشتهر في كتب القوم بحجة الإسلام توفى يوم الاثنين 14 جمادى الثانية سنة 505 وقيل 507 وله تآليف كثيرة أشهرها احياء العلوم في مجلدات ، والغزالي نسبة الى قرية غزالة من قرى طوس وكان شافعى الفروع ، أشعرى الأصول من تلامذة امام الحرمين الجويني. وللمترجم مشرب وذوق مخصوص في العرفان ، امتاز به عن أضرابه كما هو واضح لمن سبر في الاحياء وفي تشيعه خلاف بين ارباب التراجم ، فمنهم من ذهب الى استبصاره في أواخر عمره وتحكى في ذلك قصص ، ومنهم من قال بأنه مات سنيا ، ورأيت في بعض المجاميع المخطوطة أن سبب هدايته مصاحبته في سفر الحج أحد علماء الشيعة وأنه استبصر ببركة صاحبه وترنم بهذا البيت. شعر : يار بر ما عرض ايمان كرد ورفت *** پير گبرى را مسلمان كرد ورفت وكتاب سر العالمين مما يمكن استكشاف عقيدته منه واللّه العالم.

الكافلة لبيان معنى النّفخ والتّسوية في قوله تعالى : ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (1) (الآية) ، أنّ أمر الظواهر هيّن ، فإنّ تأويلها ممكن ، والبرهان القاطع لا يدرأ بالظاهر ، بل يسلّط على تأويل الظاهر كما في الظواهر التشبيهيّة (ظواهر التشبيه خ ل) في حق اللّه تعالى «انتهى» هذا. والحق أنّ الحقّ سبحانه وتعالى لا يرى ، فإنّه بالمنظر الأعلى (2) ، إذ لا يخفى على أحد أنّ نور الشّمس يكاد أن يذهب بالأبصار ، فكيف يقدر الإنسان على مشاهدة نور الأنوار الذي نسبة نور الشّمس إليه كنسبة نور الذّرة إليها ، بل أقلّ منه؟ وأنت خبير بأنّ الهواء لا يرى ، وكذا السّماء للطافتهما ، والظاهر أنّ اللّه تعالى ألطف (3) الأشياء ، ولذلك يقول جلّ جلاله في مقام التّمدّج : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) فظهر أنّ كونه مرئيّا نقص بالنّسبة إليه تعالى ، كيف لا؟ وقد عرفت مما مرّ أنّ الرّؤية بالبصر سواء كان في الحاضر أو الغائب مشروط بأمور ثمانية ، ومن الشّروط المقابلة أو ما في حكمها والجهة ، وهذان الأمران من اللّوازم المساوية لأخسّ الممكنات أى السّفليات الحسيّة الكثيفة ، لأنّك علمت : أنّ اللّطافة المفرطة مانعة عنها ، وكذا النّور المفرط ، وهو اللّه سبحانه مستور بحجب الأنوار ومحجوب بسرادقات الجلال والجمال ، فكيف تدركه عيون خفافيش الجهّال؟! تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، وقال جلّ جلاله : ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ

ص: 146


1- ص. الآية 70. حجر. الآية 29.
2- وهو مقتبس من قوله تعالى ( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ) النجم : الآية 7.
3- لا يخفى أن التعبير من باب ضيق الخناق والا فهو غير مناسب لساحة قدسه تعالى شأنه كما لا يخفى. ثم اطلاق الشيء عليه عزوجل قد ورد في قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : انه تعالى شيء لا كالأشياء. وكذا في بعض الادعية والروايات المأثورة عن أئمة اهل البيت عليهم السلام.

جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ؛ فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1)، والظاهر أنّ تسبيحه عليه السلام في هذا المقام تنزيهه عن مشابهة الأعراض والأجسام وتبرئة لسؤال الرّؤية ، ولهذا قالوا : إنّما أخذتهم الصّاعقة لذنوبهم بسؤال الرّؤية ، وقد يخطر بالبال أنّه لو لا كرامة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله في أنّه تعالى رفع عن امّته المسخ (2) وبعض العقوبات الفضيحة ، لنزلت عليهم أيضا صاعقة من السماء ، وإنّما أطنبنا في هذا المقام لكونه مزلة لأقدام الخصام وباللّه التّوفيق في نيل المطلوب وإصابة المرام.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المسألة الثانية في النّظر وفيه مباحث الاول أنّ النّظر الصّحيح يستلزم العلم ، الضّرورة قاضية بأنّ كلّ من عرف أنّ الواحد نصف الإثنين وأنّ الإثنين نصف الأربعة ، فإنّه يعلم أنّ الواحد نصف نصف الأربعة ، وهذا الحكم لا يمكن الشّكّ فيه ، ولا يجوز تخلّفه عن المقدّمتين السّابقتين ، وأنّه لا يحصل من تينك المقدّمتين السّابقتين أنّ العالم حادث ، ولا أنّ النّفس جوهر ، وأنّ الحاصل أوّلا اولى من حصول هذين ، وخالفت الأشاعرة كافّة العقلاء في ذلك ، فلم يوجبوا حصول العلم عند حصول المقدّمتين ، وجعلوا حصول العلم عقيب المقدّمتين اتّفاقيّا يمكن أن يحصل وأن لا يحصل ، ولا فرق بين حصول العلم بأنّ الواحد نصف نصف الأربعة عقيب قولنا : الواحد نصف الإثنين ، والاثنان نصف الأربعة ، وبين حصول العلم بأنّ العالم محدث أو أنّ النّفس جوهر ، أو أنّ الإنسان حيوان أو أنّ العدل حسن ، عقيب قولنا : الواحد نصف الإثنين ، والاثنان نصف الأربعة ، وبين حصول العلم بأنّ العالم محدث أو أنّ النّفس جوهر ، أو أنّ الإنسان حيوان أو أنّ العدل حسن ، عقيب قولنا : الواحد نصف الإثنين ، والاثنان نصف الأربعة ، وأىّ عاقل يرضى لنفسه

ص: 147


1- الأعراف. الآية 143.
2- كما تدل عليه عدة روايات مودعة في كتب علماء الإسلام من الفريقين الخاصة والعامة

إعتقاد أنّ من علم أنّ الواحد نصف الإثنين والاثنان نصف الأربعة ، يحصل له علم أنّ العالم محدث ، وأنّ من علم أنّ العالم متغيّر ، وأنّ كلّ متغير محدث ، يحصل له العلم بأنّ الواحد نصف نصف الأربعة؟ ، وأنّ زيدا يأكل ولا يحصل له العلم بأنّ العالم محدث ، وهل هذا إلا عين السّفسطة «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الشّيخ أبي الحسن (1) الأشعري أن حصول العلم الذي هو النّتيجة عقيب النّظر الصّحيح بالعادة ، وإنّما ذهب إلى ذلك بناء على أنّ جميع الممكنات مستندة عنده إلى اللّه سبحانه ابتداء ، أى بلا واسطة ، وعلى أنّه تعالى قادر مختار ، فلا يجب عنه صدور شيء منها ، ولا يجب عليه ولا علاقة بوجه بين الحوادث المتعاقبة إلا بإجراء العادة بخلق بعضها عقيب بعض كالإحراق عقيب مماسّة النّار والرّيّ بعد شرب الماء ، فليس للمماسّة والشّرب مدخل في وجود الإحراق والرّيّ ، بل الكلّ واقعة بقدرته واختياره تعالى ، فله أن يوجد المماسّة بدون الإحراق ، وأن يوجد الإحراق بدون المماسّة ، وكذا الحال في سائر الأفعال ، وإذا تكرّر صدور الفعل منه وكان دائما أو أكثريّا ، يقال : إنّه فعله بإجراء العادة ، وإذا لم يتكرّر أو تكرّر قليلا فهو خارق العادة أو نادر ، ولا شكّ أنّ العلم بعد النّظر ممكن حادث محتاج إلى المؤثّر ، ولا مؤثّر إلا اللّه ، فهو فعله الصّادر عنه بلا وجوب منه ، ولا عليه ، وهو دائم أو أكثرىّ فيكون عاديّا ، هذا مذهب الأشاعرة في هذه المسألة ، وقد بيّنا فيما سبق ، أنّ المراد من العادة ما ذا؟ فالخصم إمّا أن يقول : إنّ استلزام النّظر الصحيح

ص: 148


1- قد مرت ترجمته على سبيل الاختصار. فليراجع ومن رام الوقوف على مقالاته في الأصول الاعتقادية فليراجع كتابه المسمى بالابانة فانه يجد ضالته المنشودة فيه.

للعلم واجب وتخلّفه عنه محال عقلا فهذا باطل ، لإمكان عدم التّفطن للنّتيجة مع حصول جميع الشّرائط عقلا ، فلا يكون التخلّف محالا عقلا ، وإن أراد الوجوب عادة بمعنى استحالة التخلّف عادة وإن جاز عقلا ، فهذا عين مذهب الأشاعرة كما بينّا وأما قوله : إنّ الأشاعرة جعلوا حصول العلم عقيب المقدّمتين اتّفاقيّا ، فافتراء محض ، لأنّ من قال : بالاستلزام عادة على حسب ما ذكرناه من مراده ، لم يكن قائلا بكونه اتّفاقيا ، كما صوّره هو في الأمثلة على شاكلة طاماته وترهاته وكانّه لم يفرّق بين اللّزوم العادي وكون الشّيء اتّفاقيّا (1) أو يفرّق ولكن يتعامى ليتيسّر له التشنيع والتنفير واللّه أعلم «انتهى».

أقول : فيه نظر ظاهر ، أما أولا فلأنّ ما فرّعه على كونه تعالى قادرا مختارا من عدم وجوب صدور شيء ، ولا وجوب شيء عليه مردود ، بأنّه لا يلزم من كون الشيء قادرا مختارا أن لا يجب عليه شيء كما قالوا : إنّ الوجوب بالاختيار عين الإختيار ، فانّهم قالوا : إنّه يجب صدور الأشياء عن اللّه تعالى على مقتضى علمه ويمتنع عدم صدورها مع أنّه لا ينافي الإختيار ، واما ثانيا فلأنّ ما ذكره : من أنّ الخصم إمّا أن يقول : كذا ، وإمّا أن يريد : كذا ، مدفوع بأن الخصم لا يقول ولا يريد شيئا من ذلك ، بل يدّعى البداهة هنا لك مع تجشّم الأشعري تلفيق ألف ترديد وتشكيك مثل ذلك ، ويقول : إنّ بديهة العقل حاكمة بأنّ تخلّف النّتيجة عن النّظر الصّحيح المستجمع للشّرائط محال عقلا ، والمنكر مكابر لا يستحقّ الجواب ، وقد سبق ما يوضح هذا في أوائل الكتاب ، واما ثالثا فلأنّ ما ذكره من أنّ نسبة الأشاعرة إلى جعلهم حصول العلم عقيب المقدّمتين اتّفاقيّا افتراء محض

ص: 149


1- لا يخفى على من نظر الى كلام مولانا العلامة ظهر له ان مراده «قده» من الاتفاق عدم الترتب القهرى لا الاتفاقية المقابلة للزوم العادي كما لا يخفى.

غلط محض ، (1) وما ذكره في بيان ذلك تلبيس بحت (2) فإنّ القضيّة الاتّفاقيّة في مقابلة اللّزومية التي حكم فيها بلزوم أحد الطرفين للآخر لعلاقة بينهما من العلاقات المقرّرة في محلّه ، واللّزوم العادي ليس من العلاقات المعتبرة في القضيّة اللّزوميّة المقتضية لعدم التّخلّف عقلا ، بل قد اعترف هذا النّاصب هاهنا في بيان مذهب شيخه : بأنه لا علاقة بوجه بين الحوادث المتعاقبة إلا بإجراء العادة ، فتكون مصاحبة أمرين عادة مساوقة لوقوعهما اتّفاقا ، كما أشار إليه المصنّف قدس سره ، بل إطلاق اللّزوم على ذلك مجاز من قبيل إطلاقه على اللّزوم العرفي الذي اعتبره أهل العربيّة في الدّلالة الالتزاميّة ، ومن القضايا الاتّفاقيّة أن هذا النّاصب حاول ببيان الفرق رفع التّشنيع عن أصحابه ، فانعكست القضيّة ، بل زيدت نغمة في طنبور (3) البليّة زادهم اللّه مرضا ، وجعلهم لسهام البلايا غرضا (4) بحق النّبيّ الأمين وعترته المعصومين.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الثاني في أنّ النّظر واجب بالعقل ، ألحق أنّ مدرك وجوب النّظر عقليّ لا سمعيّ وإن كان السّمع (5) قد دلّ عليه أيضا بقوله تعالى ، ( قُلِ انْظُرُوا ) ، (6)

ص: 150


1- خبر قوله فلان.
2- البحت : الخالص.
3- الطنبور : بضم الطاء المهملة وسكون النون من آلات اللّهو.
4- الغرض : الهدف.
5- لكنه إرشادي بالمعنى المصطلح بين المتأخرين لا الارشادى بالمعنى الذي افاده شيخ الطائفة في العدة فراجع.
6- يونس. الآية : 110.

وقال الأشاعرة : قولا يلزم منه انقطاع حجج الأنبياء ، وظهور المعاندين عليهم وهم معذورون في تكذيبهم ، مع أنّ اللّه تعالى قال : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (1)، فقالوا : إنّه واجب بالسّمع لا بالعقل وليس يجب بالعقل شيء البتّة ، فيلزمهم إفحام الأنبياء واندحاض(2) حجّتهم لأن النبيّ صلى اللّه عليه وآله إذا جاء إلى المكلّف فأمر بتصديقه واتّباعه لم يجب ذلك عليه إلا بعد العلم بصدقه ، إذ بمجرّد الدّعوى لا يثبت صدقه ، ولا بمجرّد ظهور المعجزة على يده ما لم تنضمّ إليه مقدّمات ، منها أنّ هذه المعجزة من عند اللّه تعالى فعله لغرض التّصديق ، ومنها أنّ كلّ من صدّقه اللّه تعالى فهو صادق ، لكنّ العلم بصدقه حيث يتوقّف على هذه المقدّمات النّظريّة لم يكن ضروريّا بل يكون نظريّا ، فللمكلّف أن يقول : لا أعرف صدقك إلا بالنّظر والنّظر لا أفعله إلا إذا وجب على وعرفت وجوبه ، ولا أعرف وجوبه إلا بقولك ، وقولك ليس بحجّة قبل العلم بصدقك ، فتنقطع حجة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا يبقى له جواب يخلص به ، فتنتفى فائدة بعثة الرّسل حيث لا يحصل الانقياد إلى أقوالهم ويكون المخالف لهم معذورا ، وهذا هو عين الإلحاد والكفر نعوذ باللّه منه ، فلينظر العاقل المنصف من نفسه هل يجوز له اتّباع من يؤدّي مذهبه إلى الكفر؟ وإنّما قلنا : بوجوب النّظر لأنّه دافع للخوف ، ودفع الخوف واجب بالضّرورة «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : اعلم أنّ النّظر في معرفة اللّه تعالى واجب بالإجماع ، والإختلاف في طريق ثبوته ، فعند الأشاعرة طريق ثبوته السّمع ، لقوله تعالى : ( فَانْظُروا ) ، ولأنّ معرفة اللّه واجبة إجماعا ، وهي لا تتم إلا بالنّظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق

ص: 151


1- النساء. الآية : 165.
2- الاندحاض : البطلان.

إلا به فهو واجب ، ومدرك هذا الوجوب هو السّمع كما سنحقّق بعد هذا ، وأما المعتزلة ومن تبعهم من الإماميّة فهم أيضا يقولون : بوجوب النّظر ، لكن يجعلون مدركه العقل لا السّمع ، ويعترضون على الأشاعرة بأنّه لو لم يجب النّظر إلا بالشّرع لزم إفحام الأنبياء وعجزهم عن إثبات نبوّتهم في مقام المناظرة ، كما ذكره من الدّليل ، والجواب من وجهين : الاول النّقض ، وهو أنّ ما ذكرتم من إفحام الأنبياء مشترك بين الوجوب الشّرعي الذي هو مذهبنا ، والوجوب العقلي الذي هو مذهبكم ، فما هو جوابكم فهو جوابنا ، وإنّما كان مشتركا إذ لو وجب النّظر بالعقل فوجوبه ليس ضروريّا ، بل بالنّظر فيه والاستدلال عليه بمقدّمات مفتقرة إلى أنظار دقيقة من أنّ المعرفة واجبة وأنّها لا تتمّ إلا بالنّظر ، وأنّ ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب ، فيقول المكلّف حينئذ : لا أنظر أصلا ما لم يجب ولا يجب ما لم أنظر ، فيتوقّف كلّ واحد من وجود النظر مطلقا ووجوبه على الآخر لا يقال انه يمكن أن يكون وجوب النّظر فطرىّ القياس ، فيضع النّبي للمكلّف مقدّمات ينساق ذهنه إليها بلا تكلّف ، ويفيده العلم بذلك ، يعنى بوجوب النّظر ضرورة ، فيكون الحكم بوجوب النّظر ضروريّا محتاجا إلى تنبيه على طرفيه ، (1) لأنا نقول : كونه فطريّ القياس مع توقّفه على ما ذكرتموه من المقدّمات الدّقيقة الأنظار باطل وعلى تقدير صحّته بأن يكون هناك دليل آخر فللمكلّف أن لا يستمع إليه وإلى كلامه الذي أراد به تنبيهه ولا يأثم بترك النّظر أو الاستماع ، إذ لم يثبت بعد وجوب الشّيء أصلا ، فلا يمكن الدّعوة وإثبات النّبوة ، وهو المراد بالإفحام ،

والجواب الثاني الحل : وهو أن يقال : النبيّ له أن يقول إذا قال المكلّف :

ص: 152


1- ولا منافاة بين كون الشيء بديهيا ومحتاجا الى التنبيه لكثرة المشاغل والشواغل في نشاة الناسوت بحيث قد يكون الإنسان ذاهلا عن ما يعشقه ويتعلق به كما لا يخفى.

لا أعرف صدقك إلا بالنّظر ، والنّظر لا أفعله إلا إذا وجب علىّ وعرفت وجوبه ، إنّ الوجوب عليك محقّق بالشّرع في نفس الأمر ، ولكن لا يلزم أن تعرف ذلك الوجوب ، فإن قال : الوجوب موقوف على علمي به ، قلنا : لا يتوقّف ، إذ العلم بالوجوب موقوف على الوجوب ، فلو توقّف الوجوب على العلم بالوجوب لزم الدّور ، فليس الوجوب في نفس الأمر موقوفا على العلم بالوجوب ، (1) فان قال : ما لم أعرف الوجوب لم أنظر ، قلنا : ما ذا تريد من الوجوب الذي ما لم تعرفه لم تنظر؟ فان قال : أريد بالوجوب ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا ، قلنا : فقد أثبت الشّرع حيث قلت بالثّواب ، وإلا فبطل قولك : ووجوبه لا أعرف إلا بقولك ، فاندفع الإفحام وإن قال : أردت بالوجوب ما يكون ترك الواجب قبيحا لا يستحسنه العقلا ، ويترتّب عليه المفسدة ، فيرجع إلى استحسان العقل ، قلنا : فأنت تعرف هذا الوجوب إذا راجعت العقلاء وتأمّلت فيه بعقلك ، فإنّ كلّ عاقل يعرف أنّ ترك النّظر في معرفة خالقه مع بثّ النّعم قبيح وفيه مفسدة ، فبطل قوله : لم أنظر ما لم أعرف الوجوب واندفع الإفحام ، لا يقال : هذا الوجه الثّاني هو عين القول : بالحسن والقبح العقليّين ، وليس هذا مذهب الأشاعرة ، بل هذا إذعان لمذهب المعتزلة ومن تابعهم ، لأنا نقول : ليس هذا من الحسن والقبح الذين وقع فيهما المنازعة أصلا ، لأنّ الحسن والقبح بمعنى تعلّق المدح (2) والثواب والذّم و

ص: 153


1- وهذا غير متوجه بناء على الالتزام بالمراتب في الحكم وجعل العلم بمرتبة شرطا لتحقق مرتبة أخرى منه كما لا يخفى والمراتب هي الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجز اما لو نوقش في تعدد المراتب له كما ذهب اليه بعض اهل العصر نظرا الى ان مرتبة الاقتضاء ليست من الحكم إذ هي الداعية والداعي الى الشيء خارج عنه وان المراتب في الخارجيات والاحكام من سنخ الاعتباريات فلا مسرح للاعتراض المذكور.
2- وسيأتي ان الحسن والقبح بمعنى تعلق الثواب والعقاب مما اخترعه الناصب تبعا لبعض مشايخه الأشعريين وليس منه في كلمات من سبقه عين ولا اثر.

العقاب هو محلّ النّزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعيّ وعند المعتزلة عقليّ ، وأما الحسن والقبح بمعنى ملائمة الغرض ومنافرته وترتب المصلحة والمفسدة عليهما فهما عقليّان بالاتّفاق ، وهذا من ذلك الباب ، وسنبيّن لك حقيقة هذا المبحث في فصل الحسن والقبح إن شاء اللّه. ثم اعلم أنّا سلكنا في دفع لزوم الإفحام عن الأنبياء مسلكا لم يسلكه قبلنا أحد من السّلف ، وأكثر ما اطلعنا عليه من كلامهم لم يفد دفع الإفحام كما هو ظاهر على من يراجع كلامهم واللّه أعلم إذا عرفت هذا علمت أنّ الإفحام مندفع على تقدير القول : بالوجوب الشّرعيّ في هذا المبحث ، فأين الانجرار إلى الكفر والإلحاد؟ ، ثمّ من غرائب طامّات هذا الرّجل أنّه أورد شبهة على كلام الأشاعرة ، وهي مندفعة بأدنى تأمّل ، ثم رتّب عليه التّكفير والتّفسيق ، وهذا غاية الجهل والتّعصب ، وهو رجل يريد ترويج طامّاته ليعتقده القلندريّة (1)

ص: 154


1- القلندرية ، نسبة الى قلندر ، على وزن سمندر وسلندر ، يقال لجماعة من الدراويش الصوفية : قلندرية وهم الذين ، نشروا الشعور ، وأطالوا اللحى ، وفتلوا الشوارب ، وتركوا الأظافر بحالها ولم يقصوها ، ومشوا حفاة ، وشدوا حجر القناعة على بطونهم والمخلاة على أوساطهم ، وأخذوا الكشكول بأيديهم ، والطبرزين على عواتقهم والسبحة ذات الالف خرزة على أعناقهم ، وجلود السباع على أكتافهم ، وجعلوا الاستعطاء والسؤال وسيلة معاشهم ، وأراحوا نفوسهم من التكاليف العبادية ، واكثر مقالتهم لا مؤثر في الوجود الا هو هر چه هست از او است ، وحده لا الا هو است. هو هو هو يا هو يا من هو ، لا موجود الا هو كل ما في الكون وهم او خيال او عكوس في مرايا او ظلال وهم الذين اعتقدوا بان كل ملة ومذهب وطريقة حق من جهة انها الطرق الى اللّه تعالى. وهم الذين ذهبوا الى أنه لا شر ولا خير ولا سوء في النشأة الناسوتية بل الكل خير وهم الذين اعتادوا الأفيون ، والبنج ، والحشيش ، واقتناء الحياة ، والأفاعي ، والثعابين ، وهم الذين أطعموا (الديك جوش) وهو اللحم المطبوخ بطريق مخصوص ، وآداب وسنن ابتدعوها في طبخه وتقسيمه بين الفقراء على مصطلحهم. وهم الذين دققوا النظر والأبصار في المرد الحسان الوجوه فمنهم من يقول : اني ناظر الى صنع الصانع القادر كيف خلق من ماء دافق وجها الطف من الورد وعينا سحارة وثغرا كالدر وغيرها من التشبيهات ثم يقول سبحان ما أبدعه في صنعه ومنهم من يعتذر في تلك النظرة المسمومة التي هي سهم من سهام إبليس ويقول : انى انظر الى مجلى الحبيب كيف تجلى تعالى شأنه في هذه المراة ويقول المجاز قنطرة الحقيقة عصمنا اللّه وإياكم من الزلل ، وجعلنا من المتمسكين بأذيال آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله) ، الذين من تمسك بهم فقد نجى ، آمين آمين.

والأوباش (1) ورعاع (2) الجهلة من الرّفضة والمبتدعة «انتهى كلامه».

أقول : فيه نظر ، أمّا أوّلا فلأنّ ما ذكره في دفع الإيراد عن النقّض مردود ، بأنّ للعدليّ (3) أن يقول : نحن نعلم بالبديهة أنّ النّظر يزيل الخوف مع قطع النّظر عن تلك المقدّمات ، ودفع الخوف واجب ، فينتقل الذّهن بهما إلى وجوب النّظر ويحصل العلم من غير تعب ومشقّة وملاحظة مقدّمات خارجة عنهما فإنّا نعلم أنّه إذا جاء رجل موصوف بالصّفات الكاملة ، فقال أنا نبىّ اللّه وعندي خوارق شاهدة على دعواي ، فمن له عقل وفهم يحصل له خوف ، ودفع الخوف

ص: 155


1- الأوباش جمع وبش بمعنى سفلة الناس ، واخلاطهم ، ويقال للكلام الردى وبش الكلام ، ويقال ما بهذه الأرض ألا أوباش من شجر او نبات ، وهو مأخوذ من رقط الجرب يتفشى في جلد البعير والنمنم الأبيض يكون على الظفر.
2- الرعاع. السفلة من الناس.
3- العدلية تطلق على الامامية والمعتزلة والزيدية والكيسانية والظاهرية وكل من يثبت صفة العدل له تعالى من طوائف المسلمين.

واجب (1) بالضّرورة كما ذكره المصنّف ، وأيضا ما ذكره من أنّه على تقدير صحّة كونه فطريّ القياس للمكلّف أن لا يستمع إليه ، غير مسموع ، إذ ليس له أن لا يستمع إليه إذا كان وجوبه عقليّا ، فإنّ إلزام العقل له حينئذ لا يقتضي الاستماع عن النّبي بل عن العقل ، وليس له أن لا يستمع من العقل ، لوجود مقدّمات عقليّة فطريّة مثبتة له أنّه يجب سماعه قفاء (2) عليه ، والحاصل أنّه إذا كان شرعيّا فكلّ الواجبات بعد ثبوت الشّرع ، فللمكلّف أن يقول للنّبى ثبّت العرش ثمّ انقش (3) ، وإذا كان عقليّا فالكلّ بعد العقل وهو ثابت له ، فهو ينقش النّقوش قفاء عليه ، وما له محيص عنه وعن حكمه ، وله محيص قبل ثبوت الشّرع عن الشرع وأحكامه ، فلا يكون الإلزام مشتركا ، على أنّه يمكن أن يقال في دفع النّقض عن أهل العدل بناء على أصلهم وهو وجوب اللّطف على اللّه تعالى : إنّه يجب عليه تعالى إراءتهم المعجزة فلا يلزم الإفحام ، وأيضا يمكن تقرير الدّليل على وجه لا يتوجّه إليه النّقض ، بأن يقال : لو كان الحسن والقبح عقليّين أمكن أن يتحقّق الإلزام في بعض من الأوقات بالنّسبة إلى من حصّل تلك المقدّمات ، وعرف بها عقلا أنّ النّظر في المعجزة واجب سواء كانت تلك المقدّمات ظاهرة أو خفيّة ، أو بالنّسبة إلى من يلقى النّبي إليه تلك المقدّمات الموصلة إلى وجوب النّظر ، وبواسطة تلك المقدّمات حصل له العلم بوجوب النّظر ، وأما لو كانا شرعيّين فلا يمكن أن يتحقّق الإلزام ، لأنّه لا وسيلة حينئذ إلى معرفة

ص: 156


1- ويمكن أن ينبه عليه بأن السالك في الآجام قد احتمل عقله وجود السباع فيها إذا قال له رفيقه الماشي في أثره : إياك والأسد من يمينك ، فلم يلتفت الى يمينه دفعا للضرر الى أن افترسه الأسد نسبه الناس الى الحماقة والتقصير كما لا يخفى. منه «قده».
2- قفى على أثره قفاء اى تبع أثره.
3- مثل معروف يضرب به في من يثبت شيئا تحققه مبتن على آخر قبل ثبوت المبتنى ثم العرش خشبة السقف او هو نفسه.

وجوب النّظر إلا قول النّبي وإخباره الموقوف قبوله على معرفة صدقه الموقوفة على معرفة وجوب النّظر الموقوفة (1) على قوله ، والحاصل أنّهما لو كانا شرعيّين لزم عدم صحّة إلزام النّبي للمكلّف بالنّظر في بعض من الأوقات ، وكفى به محذورا ، وأما ثانيا فلأن ما ذكره في مقام الحلّ من كفاية تحقّق الوجوب في الشّرع في نفس الأمر إن أراد بنفس الأمر فيه مقتضى الضّرورة والبرهان ونحوه ممّا فسّروه به فهو راجع إلى الحسن والقبح العقليّين ، وإن أراد به ما في العقل الفعّال ونحوه من المعاني فيتوجّه عليه : أنّ نفس الأمر بهذا المعنى ممّا لا يطلع عليه إلا المعصومون فثبوت الوجوب في نفس الأمر لا يدفع الإفحام ، وإنّما يدفع بإثبات الوجوب على المكلّفين ، والحاصل أنّه لا نزاع لأحد في أنّ تحقّق الوجوب بحسب نفس الأمر بهذا المعنى لا يتوقّف (2)على العلم بالوجوب ، وإنّما النّزاع في أنّ وجوب الامتثال لقول النبي حين أمر المكلّف بالنّظر في المعجزة إنّما يثبت إذا ثبت حجيّة قوله ، وهي لا تثبت عقلا على ذلك التقدير ، فيكون بالسّمع ، فمتى لم يثبت السّمع لم يثبت ذلك الوجوب ، والسّمع إنّما يثبت بالنّظر ، فله أن لا ينظر ولم يأثم ، لأنّه لم يترك ما هو الواجب عليه بعلمه ، كما إذا وجب علينا حكم ولم يظهر عندنا وجوبه فلم نأت به لم نأثم ، فيلزم الإفحام بخلاف ما إذا ثبت الوجوب العقليّ ، فانّه إذا قال : انظر ليظهر لك صدق مقالتي ليس له تركه لوجوبه عقلا لثبوت الحسن

ص: 157


1- وقال بعض القدماء رب متنبى وليس بنبي (كمانى النقاش) و (منصور الحلاج) و (زرادشت) و (مسيلمة) وغيرهم. فلو كان صرف الدعوى مسوغا للقبول لكان متبعو هؤلاء المذكورين معذورين في اتباعهم.
2- وهذا مما لا غبار عليه سيما بعد تلطيف النظر فيما حققه المتأخرون من الاصحاب من الالتزام بالمراتب الأربعة في الاحكام وهي الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجز كما مر بيان ذلك والمناقشة فيه. فتدبر.

العقليّ الحاكم بحسن التّكليف ، ومن المكلف به ما لا يستقلّ العقل للاهتداء إلى دركه ، فيجب الرّجوع في مثله إلى المؤيّد من عند اللّه تعالى ، وأما ثالثا ، فلأنّ ما خصّ به في هذا المقام من إفاداته المضحكة الباطلة مردود من وجوه : أما أولا فلأنّه لا يلزم من قول المكلّف : أريد بالوجوب الذي ألزمتك إثباته على ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا إثباته للشّرع وإذعانه به ، إذ يكفى في إلزامه للنّبي سماعه تلك العبارات من أهل الشّرع قديما أو حديثا من غير إذعانه [خ ل إذعان] له بحقائقها ، واما ثانيا ، فلأنّ قوله : فإنّ كلّ عاقل يعرف أنّ ترك النّظر في معرفة خالقه مع بثّ النّعم قبيح وفيه مفسدة «إلخ» ، مدخول بأنّ مجرّد العلم بنحو من القبيح [خ ل القبح] لا يوجب إقدام المكلّف إلى الفعل الحسن أو امتناعه عن الفعل القبيح ، بل الدّاعي له إلى ذلك إنّما يكون كون الفعل حسنا أو قبيحا عقلا بالمعنى المتنازع فيه أى كونه مستحقّا للثّواب ، أو العقاب ، أو جديرا بالذّم من اللّه تعالى أو المدح منه ، فإنّ المعاني الأخر التي لا نزاع في عقليّتها لا تؤدّي بمفهومها إلى خوف المكلف من مؤاخذة في العاجل أو الآجل حتّى يوجب له الإقدام إلى الفعل أو الاحجام (1) عنه ، فإنّ كثيرا ممّن يعتقد الخير والشّر وترتّب الثّواب والعقاب من اللّه تعالى على الفعل ، ولا يستحلّ فعل القبيح وترك الحسن ، ربّما يخل بالواجب لتورّطه في الشّهوات ، فكيف بالمكلّف الذي نشأ في أيّام الجاهليّة ولم يعتقد بعد شيئا من ذلك؟ لظهور أنّ مجرّد تعقّله لكون الفعل متضمنا لصفة كمال أو نقص أو مشتملا على مصلحة أو مفسدة من غير توقّع خوف عاجلا أو آجلا لا يوجب له ذلك ، نعم لو كان المراد من المصلحة والمفسدة الثّواب والعقاب دون ما يعتبر من ذلك في مجاري العادات ، لحصل الخوف ، لكن إذا فسّر

ص: 158


1- الاحجام عن الشيء الكف عنه.

المصلحة والمفسدة بذلك يرجع إلى المعنى المتنازع فيه كما لا يخفى وأما ثالثا فلأنّ قوله : قلنا هذا ليس من الحسن والقبح الذين وقع فيهما المنازعة ، مدفوع بما أشرنا إليه : من أنّ إدراك حسن شيء أو قبحه بذلك المعنى لا يوجب كونه حسنا أو قبيحا عند اللّه مستحقا للثّواب أو العقاب منه ، فلا يوجب للمكلّف شيئا من الفعل أو التّرك ، وإنّما الموجب له علمه بأنّه حسن أو قبيح عند اللّه ، ومستلزم لنيل الثّواب أو العقاب ، وبما حقّقناه وقررناه ظهر أنّ ما سلكه في دفع لزوم الإفحام إنّما هو مسلك الشّيطان ، وحقيق بأن يضحك منه الصّبيان ، وأنّ انجرار أصحابه إلى الكفر والإلحاد متوجّه ، والتّعبير عن كلام المصنّف بالطامات غير متّجه ، وإنّما الطامات ما ذكره هو : من المقدّمات السخيفة والكلمات التي هي أوهن من استحسان أبي حنيفة ، فموّه بها العذب الفرات بالملح الأجاج (1) ، وتوقّع منها دفع مالا مدفع له من الإحتجاج ، ولعمري (2) لا يروج ذلك المزيف المردود إلا على أهل نحلته الذين هم أشدّ غباوة من كوادن (3) اليهود وأكثر غواية من عبدة العجل وقوم عاد وثمود.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الثالث في أنّ معرفة اللّه تعالى واجبة بالعقل ، الحق أن وجوب معرفة اللّه تعالى مستفاد من العقل وإن كان السّمع قد دلّ عليه ، لقوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللّهُ ) (4) ، لأنّ شكر النّعمة واجب

ص: 159


1- مقتبس من قوله تعالى في سورة الفرقان. الآية 53.
2- العمر : بفتح العين المهملة (الحياة جمعه أعمار) والدين وفي القسم يقال : لعمري اى لديني ولعمر اللّه وهكذا.
3- الكودن البرذون الهجين ويطلق في العرف العام على الشخص البليد وجمعه كوادن.
4- سورة محمد. الآية 19.

بالضّرورة وآثار النّعمة علينا ظاهرة ، فيجب أن نشكر فاعلها ، وإنّما يحصل بمعرفته ، ولان معرفة اللّه تعالى دافعة للخوف الحاصل من الإختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضّرورة ، وقالت الأشعريّة : إن معرفة اللّه تعالى واجبة بالسّمع لا بالعقل ، فلزمهم ارتكاب الدّور المعلوم بالضّرورة وبطلانه ، لأنّ معرفة الإيجاب تتوقّف على معرفة الموجب ، فإنّ من لا نعرفه بشيء من الاعتبارات البتّة نعلم بالضّرورة أنّا لا نعرف أنّه أوجب ، فلو استفيدت معرفة الموجب من معرفة الإيجاب لزم الدّور المحال ، وأيضا لو كانت المعرفة إنّما تجب بالأمر لكان الأمر بها إمّا أن يتوجّه إلى العارف باللّه تعالى ، أو إلى غير العارف ، والقسمان باطلان ، فتعليل الإيجاب بالأمر محال ، أما بطلان الأوّل فلأنه يلزم منه تحصيل الحاصل وهو محال ، واما بطلان الثاني فلأن غير العارف باللّه يستحيل أن يعرف أنّ اللّه تعالى قد أمره وأنّ امتثال أمره واجب ، وإذا استحال أن يعرف أنّ اللّه قد أمره وأن امتثال أمره واجب ، استحال أمره وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، وسيأتي بطلانه إن شاء اللّه تعالى.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : لا بدّ في هذا المقام من تحرير محلّ النّزاع أولا ، فنقول : وجوب معرفة اللّه تعالى الذي اختلف فيه ، هل أنّه مستفاد من الشّرع أو العقل؟ إن أريد به الاستحسان وترتّب المصلحة فلا يبعد أن يقال : إنّه مستفاد من العقل لأنّ شكر المنعم موقوف على معرفته ، والشّكر واجب بهذا المعنى بالعقل ، ولا نزاع للأشاعرة في هذا ، وإن أريد به ما يوجب ترتّب الثّواب والعقاب فلا شكّ أنّه مستفاد من الشّرع ، لأنّ العقل ليس له أن يحكم بما يوجب الثّواب عند اللّه ، والمعتزلة أيضا يوافقون أهل السّنة في أنّ الحسن والقبح بهذا المعنى مركوزان

ص: 160

في العقل ، ولكنّ الشّرع كاشف عنهما ، ففي المذهبين لا بدّ وأن يؤخذ من الشّرع إمّا لكونه حاكما أو كاشفا ، فكلّ ما يرد على الأشاعرة في هذا المقام بقولهم : إنّ الشّرع حاكم بالوجوب دون العقل ، يرد على المعتزلة بقولهم : إنّ الشّرع كاشف للوجوب ، لأنّ في القولين لا بدّ من الشّرع ليحكم أو يكشف ، ثم ما ذكر أنّ معرفة اللّه تعالى دافعة للخوف الحاصل من الإختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضّرورة ، فنحن نقول فيه بعد تسليم حكم العقل بالحسن والقبح في الأفعال وما يتفرّع عليهما من الوجوب والحرمة وغيرهما : بمنع حصول الخوف المذكور ، لعدم الشّعور بما جعلتم الشّعور به سببا له من الإختلاف وغيره ، ودعوى ضرورة الشّعور من العاقل ممنوعة ، لعدم الخطور في الأكثر ، فإنّ أكثر النّاس لا يخطر ببالهم أنّ هناك اختلافا بين النّاس فيما ذكر ، وأنّ لهذه النّعم منعما قد طلب منهم الشّكر عليها ، بل هم ذاهلون عن ذلك ، فلا يحصل لهم خوف أصلا ، وإن سلّم حصول الخوف ، فلا نسلّم أنّ العرفان الحاصل بالنّظر يدفعه ، إذ قد يخطي فلا يقع العرفان على وجه الصّواب ، لفساد النّظر فيكون الخوف حينئذ أكثر ثم ما ذكر من لزوم الدّور مندفع ، بأنّ وجوب المعرفة بالشّرع في نفس الأمر لا يتوقّف على معرفة الإيجاب وإن توقّف على الإيجاب في نفس الأمر فلا يلزم الدّور ، ثمّ ما ذكر : أنّ المعرفة لا تجب إلا بالأمر ، والأمر إمّا أن يتوجّه إلى العارف أو الغافل وكلاهما باطل ، فنقول في جوابه : المقدّمة الثّانية القائلة : بأنّ تكليف غير العارف باطل لكونه غافلا ممنوعة ، إذ شرط التّكليف فهمه وتصوّره لا العلم والتّصديق به ، لأن الغافل من لا يفهم الخطاب أو لم يقل له (1) إنّك مكلّف ، فتكليف غير العارف ليس من المحال في شيء واللّه أعلم «انتهى كلامه» ،

ص: 161


1- لم يقل مبنى للمفعول من قال يقول فلا تغفل.

أقول : فيه نظر ، أمّا أوّلا فلأنّا سنبيّن حكم العقل بالوجوب بمعنى ترتّب الثواب والعقاب فانتظر ، وأما ما ذكره من أنّ المعتزلة أيضا يوافقون أهل السنّة في أنّ الحسن والقبح بهذا المعنى مركوزان في العقل مسلّم ، لكن قوله : ولكنّ الشّرع كاشف عنهما لا يصحّ على مذهب المعتزلة فإنّهم لم يقولوا : بتوقّف حكم العقل بالحسن والقبح على انكشاف الشّرع عنهما ، بل قالوا : إنّ في ما هو حسنه وقبحه (1) نظرىّ ، لا يستقل العقل بمعرفة جهته المحسّنة أو المقبحة ، يكون الشّرع كاشفا عن جهته ، لا أنّ حكم العقل بالحسن والقبح مطلقا موقوف على كشف الشّرع عن ذلك كما يفهم من كلام هذا النّاصب الجارح بعيد ذلك ، فبطل ما فرّعه على ذلك بقوله : ففي المذهبين لا بدّ أن يؤخذ من الشّرع إمّا لكونه حاكما أو كاشفا وذلك لعدم صحّة الحصر المذكور ، فان العقل أيضا حاكم بالحسن والقبح في بعض أقسام الفعل من غير توقف على كشف الشّرع عنه كما ذكرنا ، فما ذكره صلح من غير تراضي الخصمين (2)كما لا يخفى ، وكذا بطل ما حكم به من استواء الأشاعرة مع المعتزلة فيما يتوجّه عليهم في هذا المقام وهو ظاهر ، وأما ثانيا ، فلأنّ تقديره لتسليم العقل بارد ، كما أشرنا إليه ، إذ يجب عليه تسليم ذلك بما سيذكره المصنّف من الأدلة المثبتة للحسن والقبح العقليّين ، وأما منعه لحصول الخوف المذكور مستندا بعدم شعور النّاس بما جعل سببا لذلك من الإختلاف ، فمدفوع ، بأنّ مراد المصنّف بالاختلاف ليس مجرّد الإختلاف الواقع من العلماء في هذه المسألة ، بل ما يعمّ الإختلاف والتردّد والاحتمال الذي ربما يحصل لعقل الشّخص الواحد عند النّظر

ص: 162


1- حاصله أن ما كان حسنه وقبحه نظريا ، لا استقلال للعقل فيه لمعرفة جهته المحسنة او المقبحة.
2- وتوجيه بما لا يرضى به المتحاكمان.

في هذه المسألة ، والحاصل أنّ احتمال وجوب المعرفة وعدمه حاصل في مشعر كلّ ذي شعور ، بل الرّاجح عنده وجوب المعرفة الذي يورث ترك النّظر فيه خوف العقوبة ، وهو قادر على دفع هذا الخوف الذي هو مضرّة ناجزة (1) له ، فإن لم يدفعه كان مستحقّا لأن يذمّه العقلاء فيكون واجبا عقليّا ، وأما ثالثا فلأنّ ما ذكره من منع أنّ العرفان الحاصل بالنّظر يدفع الخوف مستندا بأنّه قد يخطي ، فلا يقع العرفان على وجه الصّواب مردود ، بأن العرفان يدفع الخوف لاعتقاده أنّه مصيب ، واحتمال الخطأ في نفس الأمر لا يقدح في ذلك ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره في دفع الدّور اللازم على الأشاعرة من أنّ وجوب المعرفة ثابت في نفس الأمر «إلخ» ، فساقط جدّا ، لأنّه إن أراد بنفس الأمر مقتضى الضّرورة والبرهان فهو راجع إلى القول بالحسن والقبح العقليّين كما مرّ ، وإن أراد به مقتضى الأمر الشّرعي فالدّور بحاله ، وإن أراد به معنى آخر فليذكره أوليائه حتّى نتكلم عليه وأما خامسا فلأنّ ما ذكره في منع المقدّمة القائلة : بأنّ تكليف غير العارف باطل من أنّ شرط التّكليف فهمه وتصوّره لا العلم والتّصديق به «إلخ» فمدخول بأنّه بنى في ذلك على أنّ المصنّف أراد بالمعرفة العلم التّصديقي وليس كذلك ، بل أراد أنّ المعرفة في الجملة لو لم يجب إلا بالأمر كما يقتضيه كلام الأشاعرة لكان كذا ، ومن البيّن أنّه يلزم حينئذ تكليف الغافل كما ذكره المصنّف فلا تغفل.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المسألة الثالثة في صفاته تعالى وفيه مباحث الاول أنّه تعالى قادر على كل مقدور ، الحق ذلك لأنّ المقتضي لتعلّق القدرة بالمقدور هو الإمكان ، فيكون اللّه تعالى قادرا على جميع المقدورات ، وخالف في ذلك جماعة من الجمهور ، فقال

ص: 163


1- الناجزة. المبارزة وتوصيف المضرة بها لمكان مبارزتها مع الصحة والحسن.

بعضهم : إنّه تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد ، وقال آخرون : إنّه لا يقدر على عين (1) مقدور العبد ، وقال آخرون : إنّه لا يقدر على القبيح ، وقال آخرون : إنّه لا يقدر أن يخلق فينا علما ضروريّا ، يتعلّق بما علمناه مكتسبا ، وكلّ ذلك بسبب سوء فهمهم وقلّة تحصيلهم ، والأصل في هذه أنّه تعالى واجب الوجود ، وكلّ ما عداه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه إنّما يصدر عنه أو يصدر عمّا يصدر عنه ، ولو عرف هؤلاء اللّه سبحانه وتعالى حقّ معرفته لما تعدّدت آراؤهم ولا تشعبّوا بحسب تشعّب أهواءهم «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ قدرته تعالى تعمّ سائر الممكنات ، والدّليل عليه أنّ المقتضي للقدرة هو الذّات ، والمصحّح للمقدوريّة هو الإمكان ونسبة الذّات إلى جميع الممكنات على السّواء ، فإذا ثبت قدرته على بعضها ثبتت على كلّها ، هذا مذهبهم ، وقد وافقهم الاماميّة في هذا وإن خالفهم المعتزلة ، فقوله خالف في ذلك جماعة من الجمهور ، إن أراد به الأشاعرة فهو افتراء وإن أراد غيرهم فهو تلبيس وإراءة للطالبين أنّ مذهبهم هذا ، لأنّ الجمهور في هذا الكتاب لا يطلقه إلا على الأشاعرة ، وبالجملة تعصّبه ظاهر وغرضه غير خاف ، وأما قول بعضهم : إنّ اللّه تعالى لم يقدر على مثل مقدور العبد فهو مذهب أبي القاسم البلخي (2) ، واما

ص: 164


1- وفي بعض النسخ (غير مقدور العبد بدل عين مقدور العبد) ولكل منهما وجه وقائل ، كما يظهر من كتب الملل والأهواء.
2- في بعض النسخ ابو زيد البلخي ، وعليه فهو ابو زيد أحمد بن سهل البلخي ، المتكلم الحكيم الشهير ، المتوفى سنة 340 كما في الجواهر المضية ص 69 ، روى عنه حفيده عبد اللّه بن محمد بن سهل وعبد اللّه بن محمد بن شاه السمرقندي وغيرهما. وفي بعض النسخ ابو القاسم الكعبي وعليه فهو ابو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود البلخي المولد والكعبي النسب صاحب المقالات المشهورة ، توفى سنة 1. واليه تنتسب مسألة انكار المباحات فراجع ، وفي نسخة ، ابو القاسم البلخي ، وعليه فهو ابو القاسم بن أبى محمد بن أبى القاسم البلخي الأشعري العقيدة ، المتكلم النحوي صاحب كتاب الاختيار وغيره ، والظاهر من المحتملات الثالث كما هو واضح لدى التأمل.

أنّه تعالى لا يقدر أن يخلق فينا علما ضروريّا فهو مذهب جماعة مجهولين ولم أعرف من نقله سوى هذا الرّجل والحق ما قدّمناه «انتهى»

أقول : مراد المصنف من الجمهور في هذا الكتاب كلّ من خالف الإماميّة في مسألة الإمامة سواء كانوا أشاعرة أو ماتريدية (1)

ص: 165


1- الماتريدية هم أتباع الشيخ أبى منصور الماتريدي السمرقندي وستأتي ترجمته ، ثم الفرق بين الماتريدية والاشاعرة من وجوه ، منها في جواز تعذيب اللّه تعالى عبده المطيع ، فالاشاعرة جوزوه عقلا ومنعوه شرعا ، والماتريدية منعوه عقلا وشرعا ، ومنها في وجوب معرفة اللّه تعالى هل هي بالشرع او بالعقل؟ فالاشاعرة على أنها واجبة بالشرع والماتريدية على أنها بالعقل ، ومنها في صفات الأفعال كالخلق والرزق والاحياء والاماتة هل هي قديمة او حادثة؟ فعند الاشاعرة أنها حادثة وعند الماتريدية كل صفاته تعالى قديمة ، ومنها أنهما بعد ما اتفقا على ثبوت الكلام النفسي اختلفوا في أنه هل يجوز ان يسمع ام لا؟ فقال الأشعري : ان كلامه مسموع بناء على مبناه أن كل موجود يصح أن يرى فكذا يصح أن يسمع ، وعند الماتريدي أن كلام اللّه تعالى لا يجوز أن يسمع بوجه من الوجوه كما نقل ذلك العلامة النسفي في العمدة ، ومنها في مسألة التكليف بما لا يطاق ، فالاشاعرة يجوزونه والماتريدية يمنعونه. ومنها في عصمة الأنبياء عن الكبائر والصغائر ، فالاشاعرة لم يشترطوها ، والماتريدية ذهبوا كاصحابنا الى اشتراطها حتى صنفوا في ذلك كتبا ورسائل مفردة ككتاب تنزيه الأنبياء لسيدنا المرتضى وكتاب التنزيه للشيخ شكر البغدادي وكتاب التنزيه لا خطب خوارزم وغيرها. ومنها في مسألة ايمان المقلد ، فعند الأشعري لا يصح وعند الماتريدي يصح. ومنها في مسألة أن السعيد هل يشقى والشقي هل يسعد ام لا؟ فالاشعرى منع كون السعيد شقيا والشقي سعيدا ، والماتريدي جوز كون السعيد قد يشقى والشقي قد يسعد. ومنها في مسألة الكسب ، فالاشعرى فسر الكسب في فعل العباد بأن العبد إذا صمم عزمه فاللّه تعالى يخلق الفعل عنده ، والعزم أيضا فعل يكون واقعا بقدرة اللّه تعالى فلا يكون للعبد في الفعل مدخل على سبيل التأثير وان كان له مدخل على سبيل الكسب ، او أن الكسب عندهم هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور في محلها من غير تأثير ، وأما الكسب عند الماتريدي هو صرف القدرة الى أحد المقدورين وهو غير مخلوق ، وحاصل مرامه كما صرح أبو عذبة أن ذات الأفعال من حيث انها حركات منسوبة اليه تعالى ومن حيث العناوين كالصلاتية والزكاتية والزنائية منسوبة الى العبد لأنها الصفة التي باعتبارها جزم العبد المصمم ، فمن ثم يقال : ان قدرة اللّه تعالى تتعلق بأصل الفعل وقدرة العبد تتعلق بوصفه من كونه طاعة او معصية ، فمتعلق تأثير القدرتين مختلف كما في لطمة اليتيم تأديبا ، فان ذات اللطمة واقعة بقدرة اللّه تعالى وتأثيره وكونها طاعة او معصية بقدرة العبد وتأثيره لمتعلق ذلك بعزمه المصمم اعنى قصده الذي لا تردد معه. ثم ليعلم أن المحقق التفتازاني قال في شرح المقاصد : ان المشهور في ديار خراسان والعراق والشام واكثر الأقطار هم الاشاعرة اصحاب أبي الحسن الأشعري ، وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي انتهى. قال في الروضة : ان المشتهر ببلاد المغاربة عقائد الاشاعرة ، لان الغالب على تلك البلاد مذهب مالك والمالكية في المعتقدات توافق الأشعري ، وفي بلاد الهند على كثرتها وسعتها وبلاد الروم على كثرتها وسعتها مع كونهم بأسرهم حنفية عقائد الماتريدية «انتهى» أقول : واللّه در مذهب أصحابنا شيعة آل الرسول التابعين لهم في الفروع والأصول حيث ترى أنها مطابقة للبراهين السديدة والأدلة المتقنة الرمينة كما سيتحقق لك بعد هذا إن شاء اللّه في الكتاب والتعاليق التي علقناها؟ عليه.

ص: 166

أو كراميّة (1) أو معتزلة (2) أو ظاهرية(3) أو من أصحاب

ص: 167


1- الكرامية هم اصحاب محمد بن كرام السجستاني تزهد واغتر جماعة بزهده وظهرت منه مقالات منكرة مذكورة في الكتب الكلامية وهم من أهل السنة والجماعة ولهم فرق كثيرة أوردها الامام الرازي في رسالة اعتقادات المسلمين والمشركين وغيره في غيرها توفى ابن كرام سنة 256 وكان من أشد القائلين بتجسمه تعالى.
2- قد مرت ترجمة المعتزلة وأنهم أى طائفة من المسلمين وبيان مقالاتهم.
3- الظاهرية هم أتباع أبى سليمان داود بن على بن خلف الاصبهاني الظاهري المتوفى سنة 270 ، قال ابن النديم في الفهرست ص 303 ط مصر ، هو أول من استعمل قول الظاهر وأخذ بالكتاب والسنة وألغى ما سوى ذلك من الرأى والقياس وكان فاضلا صادقا ورعا ، له كتاب الإفصاح وكتاب الدعوى والبينات كبير الى آخر ما سردها من اسماء تآليفه ، وذكر من علماء الظاهرية جماعة : منهم ، محمد بن داود أبو بكر صاحب التأليف الكثيرة أخذ عن والده داود ، ومنهم أبو اسحق ابراهيم بن جابر صاحب كتاب الاختلاف ، ومنهم ابن المغلس وهو أبو الحسن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن المغلس ، واليه انتهت رياسة الظاهرية في عصره ، توفى لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة 324 ، ومنهم المنصوري وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن صالح صاحب كتاب المصباح ، ومنهم الرقى وهو أبو سعيد صاحب كتاب شرح الموضح ، ومنهم النهرياني وهو الحسن بن عبيد ابو سعید صاحب كتاب إبطال القياس ومنهم ابن الخلال ويكنى أبا الطيب صاحب كتابي إبطال القياس ونعت الحكمة وغيرهما ، ومنهم الرباعي وهو ابراهيم بن أحمد بن الحسن ويكنى أبا اسحق خرج من بغداد وسكن بلاد مصر وبها مات ، وله كتب : منها كتاب الاعتبار في إبطال القياس ، ومنهم : حيدرة ويكنى أبا الحسن من أصدقاء ابن النديم. ومنهم القاضي الحزرى وهو أبو الحسن عبد العزيز بن أحمد الاصبهاني الحزرى ، قال ابن النديم بعد الثناء عليه : انه ولاه عضد الدولة قضاء الربع الأسفل من الجانب الشرقي من مدينة السلام «بغداد» الى وقتنا هذا وهو سنة 377، وله من الكتب كتاب مسائل الخلاف انتهى ما أردنا نقله من كلام ابن النديم ، أقول : ويعبر عن الظاهرية والحنابلة بأصحاب الحديث أيضا. ومن أجلة الظاهرية ابو على محمد بن حزم الأندلسي صاحب كتابي المحلى والمدخل وغيرهما ، وهو ممن أيد هذا المذهب وشيد أركانه وعمر بنيانه وكان يرى باب الاجتهاد مفتوحا ، وقد مال بعض علماء العامة في عصرنا الى مذهب الظاهرية وذلك بعد ما وقف على شنائع الاقيسة والرأى والاستحسان وان دين اللّه لا يصاب بالعقول تامها فكيف بالناقصة ، وكان هذا البعض حنفيا ثم انتقل الى الظاهرية ، وللظاهرية كتب فمن أحسنها المحلى لابن حزم ، ثم الفرق بين الظاهرية والحنابلة بعد اتفاقهما بترك غير الكتاب والسنة أن الحنابلة تتصرف وتأول الظواهر فيهما بالقرائن دون الظاهرية الا في الظواهر التي قامت الأدلة القطعية على خلافها ، هذا في الفروع وأما في الأصول فأكثرهم ذهبوا الى مقالة الأشعريين.

الحديث (1) ولهذا كلّه يصرّح باسم الأشاعرة عند ذكر ما يخصّهم وكلامه

====

(1)

ص: 168


1- أصحاب الحديث يطلق تارة على جماعة قصروا النظر على الأحاديث ونبذوا حكم العقل والإجماع وجعلوا نصوص الكتاب وظواهره من المتشابهات ، ويقال لهم الاخبارية ايضا ، وهم عدة كثيرة في أصحابنا كالأمين الأسترآبادي والشيخ خلف وغيره من علماء البحرين ، وفي العامة كمحمد بن أبى ذئب المتوفى سنة 159 ، وزائدة بن قدامة الثقفي وسعيد بن أبى عروبة وغيرهم ويقال لهم الحشوية ايضا وتحكى من أصحاب الحديث من أهل السنة غرائب : منها جواز تجسمه ورؤيته أخذا بظواهر كلمات نسبت معانيها اليه تعالى كالبد والعين والسمع والاستواء والمجيء والناظرية والمنظورية وغيرها مما تنزهت ساحة قدسه منها وتعالى عنها علوا كبيرا ، وأما أصحاب الحديث من أصحابنا لم يتفوهوا بأمثال هذه المقالات ، وتارة يطلق اصحاب الحديث على من كان همه وتخصصه في الحديث بحيث توغل في جمعه وضبطه وتنقيح أسانيده ، ولهم مراتب في الشدة والضعف ، فمنهم من بلغ مرتبة يقال له الحاكم ، ومنهم من لم يبلغها وهناك درجات متفاوتة كالحفظة على زنة همزة ولمزة والحافظ والمسند والرحلة والمحدث الى غير ذلك من المصطلحات بين علماء الحديث والدراية.

في الفصل الآتي المتّصل بما نحن فيه نصّ في إرادته لما ذكرناه حيث قال : وذهب أبو هاشم من الجمهور وأتباعه «إلخ» فانّ أبا هاشم من المعتزلة دون الأشاعرة كما اعترف به النّاصب هناك أيضا مع أنّ المصنّف عدّه من الجمهور ، فظهر أنّ ما ذكره النّاصب من أنّ المصنّف لا يطلق الجمهور في هذا الكتاب إلا على الأشاعرة كذب وافتراء جريا على عادته ، ولعلّه زعم أنّ في التّعبير عن طائفة بالجمهور تعظيما لهم كما يفهم من افتخاره بكثرة أصحابه وكونهم السّواد الأعظم ، فتمنّى أن يكون ذلك مخصوصا بهم دون أن يشاركهم غيرهم من المعتزلة ، وباقي طوائف أهل السنّة وأنت خبير بأنّه لا خير في كثير (1)مع أنّ أتباع الحنفيّة والماتريديّة من أهل السّنة أكثر من أتباع الأشاعرة ، على أنّ جزم النّاصب هاهنا بأن المراد بالجمهور الأشاعرة ينافي ما ذكره في بحث الإمامة عند إيراد المصنّف الآية السّابقة من الآيات الواردة في شأن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حيث قال : لا نعرف هذا الجمهور ، وأما ما ذكره : من أنّ القول : بعدم قدرة اللّه تعالى على أن يخلق فينا علما ضروريّا مذهب جماعة مجهولين ، ولم أعرف من نقله سوى هذا الرّجل «إلخ» فيدلّ على قلّة معرفته بمذاهب العلماء فإنّ هذا ممّا نقله الحضرة النّصيريّة (2) قدس سره في قواعد العقائد ، وأوضحه تلميذه السّيد الفاضل ركن الدّين الجرجاني (3)في

ص: 169


1- هذه الجملة مقتبسة من قوله تعالى ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ ) النساء الآية 114.
2- اى المحقق الطوسي.
3- هو العلامة المحقق السيد ركن الدين محمد بن على بن محمد الجرجاني من معاصري مولانا العلامة الحلي له كتب نفيسة كشرح قواعد العقائد لاستاذه الطوسي وشرح النافع للمحقق الحلي وغيرهما.

شرحه له ، ويشعر به كلام أبي هاشم أيضا في مسألة وضع الألفاظ حيث استدلّ على كون اللّغات اصطلاحيّة بأنّها لو كانت توقيفيّة لكان إمّا بالعلم الضّروري ، بأنّه تعالى وضع تلك الألفاظ لمعانيها أولا ، والاول إمّا أن يكون ذلك العلم خلقه في عاقل أو غيره؟ والاول باطل ، وإلا لزم أن يكون العلم به تعالى ضروريّا ، إذ العلم بأنّه وضع اللّفظ للمعنى مسبوق بالعلم بالموصوف ، لكنّ التّالي باطل ، وإلا لبطل التّكليف ، لكن قد ثبت وجوب التّكليف على كلّ عاقل ، والثاني باطل لامتناع أن يخلق في غير العاقل علما ضروريّا بالألفاظ ومناسباتها وتراكيبها العجيبة ، وأما الثاني وهو أن لا يكون قد خلق العلم الضّروري بذلك فهو باطل أيضا ، وإلا لافتقر السامع في كون ما سمعه موضوعا بإزاء معناه إلى طريق ، وننقل الكلام إليه فإمّا أن يتسلسل أو ينتهى إلى الاصطلاح ، كذا في النّهاية للمصنّف قدسّ سرّه وقد أشار إليه ابن الحاجب (1) في بحث اللّغات من مختصره وفصّله الفاضل الأبهري (2) في حاشيته بما يقرب من تقرير النّهاية ، وغاية الأمر أنّه يلزم منه عدم قدرته على خلق العلم الضّروري في تلك المسألة ونحوها ممّا يتوقّف تصوّر طرفي الحكم فيها على العلم به تعالى لا عدم القدرة على خلق العلم الضّروري مطلقا ثم لا يخفى أنّ الجواب عن (خ ل على) كلّ من المذاهب الأربعة التي ذكرها المصنّف هاهنا شيء واحد ، وهو أنّ الغلط لهؤلاء إنّما نشأ من توهّم أنّ القدرة تستلزم الوقوع ، وهو وهم فاسد ، فإنّه ليس كلّ ما تعلّقت القدرة به وجب وقوعه ،

ص: 170


1- هو الشيخ عثمان بن عمر جمال الدين المالكي المشتهر بابن الحاجب المتوفى سنة 646 له تآليف وتصانيف شهيرة في النحو والصرف والأصول واللغة كالكافية والشافية والمختصر وشرح المفصل وغيرها.
2- هو الشيخ مفضل او الفضل بن عمر اثير الدين الأبهري المسكن السمرقندي الأصل المتوفى سنة 663 على احتمال وله كتب كرسالة ايساغوجى في الكليات الخمس وغيرها.

فإنّا بالضّرورة قادرون على كثير من القبائح ، ولا يقع منّا ونحن الضّعفاء ، فكيف بالقادر الحكيم؟ بل قدرته تعالى ثمّة متعلّقة بكلّ ما هو ممكن من حيث ذاته وإن امتنع وقوعه من حيث الحكمة ، فهو تعالى قادر على هذه الأشياء ، لإمكانها الذّاتي وامتناعها الغيري لا يخرجها عن كونها مقدورة ، لأنّ الامتناع الغيري لا ينافي الإمكان الذّاتي وامتناعها ليس ذاتيّا ، فصحّ تعلّق القدرة بها ، وهاهنا أجوبة مخصوصة بكلّ من المذاهب لأربعة مذكورة في كتب أصحابنا وفي كتب الجمهور فليطالع ثمّة.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الثاني في أنّه تعالى مخالف لغيره بذاته ، العقل والسّمع تطابقا على عدم ما يشبهه تعالى ، فيكون مخالفا لجميع الأشياء بنفس حقيقته ، وذهب أبو هاشم من الجمهور وأتباعه إلى أنّه يخالف ما عداه بصفة الالهيّة وأنّ ذاته مساوية لغيره من الذّوات ، وقد كابر الضرورة هاهنا الحاكمة بأنّ الأشياء المتساوية يلزمها لازم واحد لا يجوز اختلافها فيه ، فلو كانت ذاته تعالى متساوية لغيرها من الذّوات لساوتها في اللّوازم ، فيكون القدم أو الحدوث أو التّجرّد أو المقارنة إلى غير ذلك من اللّوازم مشتركا بينها وبين اللّه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا. ثم إنّهم ذهبوا مذهبا غريبا عجيبا : وهو أنّ هذه الصّفة الموجبة للمخالفة غير معلومة ، ولا مجهولة ولا موجودة ولا معدومة ، وهذا الكلام غير معقول في غاية السفسطة «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الشّيخ أبي الحسن الأشعري أنّ ذاته تعالى مخالف لسائر الذّوات ، والمخالفة بينه وبيننا لذاته المخصوص ، لا لأمر زائد عليه ، وهكذا ذهب إلى أنّ المخالفة بين كلّ موجودين من الموجودات إنّما هو بالذّات ، وليس بين الحقائق اشتراك إلا في الأسماء والأحكام دون الأجزاء المقوّمة ، وقال قدماء

ص: 171

المتكلّمين : ذاته تعالى مماثلة لسائر الذّوات في الذّاتية والحقيقة وإنّما يمتاز عن سائر الذّوات بأحوال امور أربعة ، الوجوب والحياة والعلم التّام والقدرة التّامة ، وأمّا عند أبي هاشم ، فانّه يمتاز عمّا عداها من الذّوات بحالة خامسة هي الموجبة لهذه الأربعة تسمّى بالإلهيّة ، وهذا مذهب أبي هاشم وهو من المعتزلة «انتهى.»

أقول لم يفعل النّاصب في هذا الفصل شيئا سوى إظهار أنّ أبا هاشم من المعتزلة ، فنقول : نعم هو من المعتزلة ، ومن الجمهور المخالفين للإماميّة في مسألة الإمامة التي هي عمدة ما وقع فيه النّزاع والإختلاف بين الامّة ، وما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان كما ذكره الشّهرستاني في الملل والنحل ، فهم وأهل السّنة في ذلك سواء ، والافتراق في بعض المسائل الذي لا يوجب الكفر ، والإسلام لا يدفع المساواة حقيقة «فتأمّل (1) على أنّه يجوز أن يكون مراد المصنّف من قوله أتباعه ، أى أتباع أبي هاشم في هذه المسألة سائر المثبتين للحال ، ومنهم القاضي أبو بكر الباقلاني (2) وأبو المعالي الجويني (3) من الأشاعرة فإنّ ظاهر كلام شارح المواقف حيث أشار إلى القول بالمخالفة بقوله : وإليه ذهب نفاة الأحوال «إلخ» يدلّ على أنّ سائر المثبتين قائلون بالمماثلة ، فقد شارك بعض الأشاعرة مع المعتزلة في هذه المسألة أيضا تدبّر.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الثالث في أنّه تعالى ليس بجسم ، أطبق العقلاء على ذلك إلا أهل

ص: 172


1- تدقيقى.
2- هو المحقق الشيخ ابو بكر محمد بن طيب القاضي الباقلاني الأشعري من مشاهير علماء الجمهور توفى سنة 403 ببغداد وقبره بها.
3- هو امام الحرمين الجويني الذي مرت ترجمته منا سابقا.

الظاهر كداود (1) والحنابلة كلّهم فإنّهم قالوا إنّ اللّه تعالى جسم يجلس على العرش ويفضل عنه من كلّ جانب ستّة أشبار بشبره ، وأنّه ينزل في كلّ ليلة جمعة على حمار وينادى إلى الصّباح هل من تائب هل من مستغفر (2)؟ وحملوا آيات التّشبيه على ظواهرها ، والسّبب في ذلك قلّة تميّزهم وعدم تفطنهم بالمناقضات التي تلزمهم وإنكار الضّروريات التي تبطل مقالتهم ، فانّ الضرورة قاضية بأنّ كلّ جسم لا ينفكّ عن الحركة والسّكون ، وقد ثبت في علم الكلام إنّهما حادثان ، والضّرورة قاضية بأنّ من لا ينفكّ عن المحدث فإنّه يكون محدثا فيلزم حدوث اللّه تعالى ، والضّرورة قاضية بأنّ كل محدث مفتقر إلى محدث ، فيكون واجب الوجود مفتقرا إلى مؤثّر ، ويكون ممكنا فلا يكون واجبا وقد فرض واجبا (هذا خلف) وقد تمادى [خ ل تمارى] أكثرهم فقال : إنّه تعالى يجوز عليه المصافحة ، وأنّ المخلصين في الدّنيا يعانقونه (3)في الدّنيا ، وقال داود : اعفوني عن الفرج واللّحية واسألوني عمّا وراء ذلك ، وقال : إنّ معبوده جسم ذو لحم ودم وجوارح وأعضاء (4) وإنّه بكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه وعادته

ص: 173


1- هو داود بن على الاصبهانى امام الظاهرية ومثله في المصير الى جواز تجسمه تعالى ورؤيته داود الجواربى الذي أثبت الأعضاء والحركة والسكون له تعالى ، وكان يقول : سلوني عن شرح سائر أعضائه تعالى ما عدى شرح فرجه ولحيته ، هكذا في رسالة اعتقادات المسلمين للفخر الدين الرازي وغيرها.
2- وفي اخبار أهل البيت عليهم السلام : أن اللّه تعالى يبعث ملكا ينادى ليلة الجمعة : هل من تائب وهل من مستغفر؟ من دون أن ينجسم تعالى شأنه.
3- ان لم يكن من قبيل هذا الاشخاص لبقي دين محمد (صلی اللّه عليه وآله) على الطريق النازل من عند اللّه.
4- قال صاحب المواقف انهم قالوا : انه تعالى مركب من لحم ودم وقال الغزالي ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتابا في جمع الاخبار المشتملة على المتشابهات فقال باب في اثبات الرأس وباب في اثبات اليد وباب في اثبات العين الى غير ذلك «انتهى» ولا ريب أن هذا المصنف من أهل السنة لا من المعتزلة ولا الامامية منه.

الملائكة لمّا اشتكت عيناه ، فلينصف العاقل المقلّد من نفسه هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء؟ وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الرّديّة والإعتقادات الفاسدة؟ وهل تثق النّفس باصابة هؤلاء في شيء البتّة؟! «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : ما ذكره من مذهب المشبّهة والمجسّمة وهم على الباطل ، وليسوا من الأشاعرة وأهل السّنّة والجماعة ، وأما ما نسبه إلى الحنابلة فهو افتراء عليهم ، (1) فإنّ مذهب الإمام أحمد بن حنبل في المتشابهات ترك التأويل ، وتوكيل العلم إلى اللّه تعالى ، ولأهل السّنة والجماعة هاهنا طريقان : أحدهما ترك التّأويل وهو ما اختاره أحمد بن حنبل ، وتوكيل العلم إلى اللّه تعالى كما قال اللّه تعالى : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) (2) ، فهؤلاء يتركون آيات التّشبيه على ظواهرها مع نفى الكيفيّة والنّقص عن ذاته وصفاته تعالى ، لا أنّهم يقولون بالجسميّة المشاركة للأجسام كما ذهب إليه المشبّهة ، فلم لا يجوز تقليد هؤلاء وأىّ فساد يلزم من هذا الطريق؟ مع أنّ نصّ القرآن يوافقهم في توكيل العلم إلى اللّه تعالى ، وما ذكره من الطامّات والتّرهات فليس من مذهب أهل الحقّ ، والرّجل معتاد بالطامّات «انتهى.»

ص: 174


1- كيف يتجرأ الرجل في الدفاع عن الحنابلة بالكذب أو لا ينظر الى كتب ابن تيمية وكتب الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي الصوفي الشهير.
2- آل عمران. الآية 7.

أقول : قد نسب في المواقف القول بالجسميّة إلى مقاتل(1) بن سليمان والكراميّة وغيرهم ، وسيعترف النّاصب بهذا فيما سيجيء من مسألة عدم كونه تعالى في جهة ، ولا ريب في أنّ الكراميّة ومقاتل من أهل السّنّة وقد صرّح الشّهرستاني في كتاب الملل والنّحل : أنّ مضر (2) ، وكهمس (3) ، وأحمد الهجيمي (4) وغيرهم من أهل السنّة قالوا : معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض «إلخ» ثمّ قال : وأمّا مشبهة الحشوية (5) من أصحاب الحديث فحكى الأشعري عن محمّد بن عيسى أنّه حكى عن مضر وكهمس وأحمد الهجيمي : أنّهم أجازوا على ربهم الملامسة

ص: 175


1- هو مقاتل بن سليمان بن زيد الرازي الخراساني البلخي القاري المفسر الراوي العامي كان من اصحاب الباقرين عليهما السلام وله تفسير كبير ينقل عنه في كتب التفسير ونواسخ القران وغيرهما توفى سنة 150 والشافعي كان يقول الناس في التفسير مرتزقة مقاتل.
2- هو مضر بن محمد بن عبيد صاحب الغرائب والعجائب في مروياته ضعفه الدارقطني وغيره وله مقالات منكرة وكذا سميه مضر بن نوح السلمى.
3- هو كهمس بن منهال أبو عثمان السدوسي البصري اللؤلؤي الراوي عن ابن عروبة
4- هو أحمد بن عطاء الهجيمي البصري القدري المشهور.
5- اختلف في الحشوية فقيل بإسكان الشين لان منهم المجسمة والمجسمة محشوة ، والمشهور انه بفتحها نسبة الى الحشاء لأنهم كانوا يجلسون أمام الحسن البصري في حلقته فوجد في كلامهم «رويا» فقال : رووا هؤلاء أحشاء الحلقة اى جانبها والجانب يسمى حشاء ومنه الأحشاء لجوانب البطن كذا في شرح منهاج الأصول للاسنوى المصري منه «قده». أقول : كلمة «رويا» اسمية وقعت مفعولة لقوله وجد. والمراد أن الحسن رأى قوما في حلقته يستندون في كل؟ من العقليات والسمعيات برواية رويت ولو لم تكن واجدة لشرائط الصحة.

والمصافحة والمعانقة في الدّنيا والآخرة «إلخ» ولا ريب أنّ أصحاب الحديث إنّما يطلق عندهم على سلف أهل السّنّة ، ويعلم من كلام صاحب الملل في موضع آخر : أنّ الحنابلة مشاركون معهم في بعض التّشبيهات فإنكار النّاصب بارد ، وأما ما ذكره من أنّ مذهب أحمد بن حنبل ليس كذلك ، ففيه أنّه كذلك ، بشهادة إمامهم فخر الدين الرّازي حيث قال في رسالته المعمولة لتفضيل مذهب الشّافعي : إنّ أحمد بن حنبل كان في نهاية الإنكار للمتكلّمين في التّنزيه ولمّا كان في غاية المحبّة للشّافعي ادّعت المشبّهة أنّه كان على مذهبهم «انتهى» ولو سلّم براءة أحمد عن التّشبيه ، فنقول : إنّ المصنّف لم يقل : إنّ أحمد بن حنبل قال بالتّشبيه وإنما نسب ذلك إلى الحنابلة ، وكون الحنابلة قائلين بشيء لا يستلزم كون إمامهم قائلا به حتّى يلزم من عدم كون أحمد قائلا بالتّشبيه أن تكون نسبة التشبيه إلى أصحابه كلا أو بعضا افتراء كما زعمه النّاصب ، ألا ترى أنّ الشّيخ الأشعري قائل بأنّ وجود كلّ شيء عين ذاته؟ مع أنّ الأشاعرة بأجمعهم مخالفون له في هذا كما صرّح به الشارح الجديد للتّجريد في أوائل كتابه ، وكذا أصحاب أبي حنيفة قد خالفوه في كثير من المسائل الفروعية (1) حتّى أن الفتوى قد تقرّر بينهم على ما خالفوه فيه (2) ثم لا يخفى أنّ النّاصب لم يذكر الطريق الثّاني لأهل السّنّة ، ولعلّه تفطن بأنّ فيه ما لا يمكنه التفصّي عنه وهذا في قوّة الاعتراف بما ذكره المصنّف ، فيكون ما ذكره النّاصب

ص: 176


1- وإذا شئت الاطلاع على ذلك فراجع كتب الحنفية كفقه القدورى والمبسوط للسرخسى ، وفتاوى قاضى خان ، والفتاوى العالمگيرية ، والفتاوى التاتارخانيه ، فمن سبر فيها عرف أنهم خالفوا امامهم في مسائل كثيرة.
2- ومن ذلك اتفاقهم على عدم استحباب غمض إحدى العينين في السجود وعدم لحوق الولد بالزوج لو لم تكن الزوجة مدخولة مع ان فتوى امامهم على خلاف ذلك في الموضعين

تطويلا بلا طائل ، وإطلاق الطامّات إنّما يليق بكلام مثله الذي لا يؤدّي إلى طائل (1)ولا يرجع إلى حاصل كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الرابع في أنّه تعالى ليس في جهة ، العقلاء كافّة على ذلك خلافا للكراميّة حيث قالوا : إنّه تعالى في جهة الفوق ، ولم يعلموا أنّ الضّرورة قضت بأنّ كلّ ما هو في جهة : فامّا أن يكون لابثا فيها أو متحرّكا عنها ، فهو إذن لا ينفك عن الحوادث ، وكلّ ما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث على ما تقدّم «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : هذا القول من الكراميّة : لأنّهم من جملة من يقول : إنّه جسم ولكن قالوا : غرضنا من الجسم أنّه موجود ، لا أنّه متصف بصفات الأجسام فعلى هذا لا نزاع معهم إلا في التّسمية ، ومأخذها التّوقيف ، ولا توقيف هاهنا ، وكونه تعالى في جهة الفوق على وجه الجسميّة باطل بلا خلاف ، لكن جرت العادة في الدعاء بالتّوجه إلى جهة الفوق ، وذلك لأنّ البركات الإلهيّة إنّما تنزل من السّماء إلى الأرض وقد جاء في الحديث : إنّ امرأة بكماء (2) أتي بها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : من إلهك؟ ، فأشارت إلى السّماء ، فقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إيمانها ، وذلك لجريان العادة بالتّوجه إلى السّماء عند ذكر الإله ، وهذا يمكن أن يكون مبنيّا على إرادة العلوّ والتفوّق فيعبّرون عن العلوّ العقلي بالعلوّ الحسّي ، فان أراد الكراميّة هذا المعنى فهو صحيح ، وإن أرادوا ما يلزم الأجسام

ص: 177


1- الطائل. الفائدة.
2- رواه في المواقف (ج 2 ص 339 ط مصر).

من الكون في الجهة (1) والحيز (2) فهو باطل «انتهى»

أقول كانّ النّاصب يريد بقوله : هذا القول من الكراميّة أنّهم ليسوا من أهل السّنّة وهو مكذوب بما صرّح به الشّهرستاني في كتاب الملل والنّحل رغما للنّاصب ، ثمّ ما ذكره من أنّ الكراميّة من جملة من يقول : إنّه تعالى جسم لا يقتضي توجّه اعتراض المصنّف إليهم ، بل يقتضي أن يكون هناك جماعة أخرى قائلون : بأنّه تعالى حقيقة الجسم ، وقد صرّح بوجودهم ، وأنّهم مقاتل بن سليمان وغيره صاحب المواقف فليكن اعتراض المصنّف متوجّها إليهم ، وبهذا يظهر أنّ قول النّاصب : وكونه تعالى في جهة الفوق على وجه الجسميّة باطل بلا خلاف «خلف باطل ،» وأما ما ذكره من التّرديد «فمردود» بأنّ الكراميّة أرادوا ما يلزم الجسميّة رغما لأنفهم وأنف من (3) يتصدّى لإصلاح كلامهم ، قال صاحب الملل والنّحل : نصّ أبو عبد اللّه محمّد بن كرام على أنّ لمعبوده على العرش استقرارا ، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتا ، واطلق عليه اسم الجوهر ، وقال في كتابه المسمّى بعذاب القبر : إنّه أحديّ الذّات أحدي الجواهر ، وإنّه مماسّ للعرش من الصّفحة العليا ، ويجوز عليه الانتقال والتحوّل والنّزول ، ومنهم من قال : إنّه على بعض أجزاء العرش ، وقال بعضهم : امتلأ العرش به إلى غير ذلك من الخرافات التي نسج النّاصب على

ص: 178


1- الجهة مثلثة الجيم جمعها الجهات مثلثة أيضا. الجانب والناحية.
2- الحيّز والحيز. المكان.
3- كالفضل بن روزبهان الناصب ومن يحذو حذوه ، ويقفو اثره ، من المتأخرين كالشيخ محمد زاهد الكوثرى ، والشيخ محمد بهجت البيطار الدمشقي ، والسيد محمود شكرى الآلوسى ، والقصيمى ، وجمال الدين القاسمى الدمشقي وغيرهم من اعلام القوم.

اسلوبها في هذا الكتاب ثم مما يجب أن ينبّه عليه أنّه خان في نقل الحديث المذكور ، فإنّ الحديث على ما ذكر في المواقف قد وقع السّؤال فيه بأين اللّه ، لا بمن إلهك لايق : إنّه نقل للحديث بالمعنى وهو جايز ، لأنّا نقول : اتّحاد المعنى ممنوع لأنّ أين. سؤال عن المكان ، ومن سؤال عن المهية ، ولأنّ الإله شامل للمعبود بالحقّ والباطل ، واللّه اسم خاصّ بذاته تعالى لم يطلق على غيره لا في الجاهليّة ولا في الإسلام كما صرّحوا به «تأمّل.»

قال المصنّف رفعه اللّه

المبحث الخامس في أنّه تعالى لا يتّحد بغيره ، الضّرورة قاضية ببطلان الاتّحاد ، فانّه لا يعقل صيرورة الشّيئين شيئا واحدا ، وخالف في ذلك جماعة من الصّوفية من الجمهور ، فحكموا بأنّه تعالى يتّحد بأبدان العارفين حتّى تمادى بعضهم وقال إنّه تعالى نفس الوجود وكلّ موجود هو اللّه تعالى : وهذا عين الكفر والإلحاد والحمد لله الذي فضّلنا باتّباع أهل البيت دون اتّباع أهل الأهواء الباطلة (1) «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة : أنّه تعالى لا يتّحد بغيره لامتناع اتّحاد الاثنين وأما ما نسبه إلى الصّوفيّة من القول بالاتّحاد ، فإن أراد بهم محقّقي الصّوفية كأبي يزيد البسطامي (2) وسهل بن عبد اللّه التّستري (3) وأبي القاسم الجنيدي

ص: 179


1- فما انسب بهذا المقام ان يقال يا أهل بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) بكم علمنا اللّه معالم ديننا <أصلح ما فسد من أمر دنيانا من اتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فانار مثواه هدی من اعتصم بكم وضل من فارقكم.
2- هو أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي العارف الشهير توفى سنة 180 وكونه من أصحاب الصادق مما يكذبه التاريخ.
3- هو سهل بن عبد اللّه بن يونس التستري أبو محمد العارف المعروف المتوفى سنة 273 وقيل 283 له كتاب تفسير القرآن على مشرب الصوفية التأويلية واليه تنتهي طريقة عدة من العرفاء.

البغدادي (1) والشّيخ السّهروردي ، فهذا نسبة باطلة وافتراء محض ، وحاشاهم عن ذلك ، بل صرّحوا كلّهم في عقائدهم ببطلان الاتّحاد ، فإنّه مناف للعقل والشّرع ، بل هم أهل محض التّوحيد ، وحقيقة الإسلام ناشئة من أقوالهم ظاهرة على أعمالهم وعقائدهم ، وهم أهل التّوحيد والتّمجيد ، وفي الحقيقة هم الفرقة النّاجية ، ولهم في مصطلحاتهم عبارات تقصر عنه أفهام غيرهم ، وفي اصطلاحاتهم البقاء والفناء ، والمراد من «الفناء» محو العبد صفاته ، وهويّته التعينيّة بكثرة الرّياضات والاصطلام من الوارد الحق ، و «البقاء» هو تجلّي الرّبوبيّة على العبد بعد السلوك والمقامات فيبقى العبد بربّه ، وهذه أحوال لا يطلع عليها إلا أربابها ، ومن سمع شيئا من مقالاتهم ولم يفهم إرادتهم من تلك الكلمات حمل كلامهم على الاتّحاد والحلول ، عصمنا اللّه عن الوقيعة في أوليائه ، فقد ورد في الحديث الصّحيح القدسي من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب

(2) وأما ما نقل عنهم إنّهم يقولون :

ص: 180


1- هو جنيد بن محمد البغدادي الخزاز النهاوندي الأصل المتوفى سنة 298 وقيل سنة 297 واليه تنتهي عدة من سلاسل الصوفية بين العامة.
2- في كنز العمال (الجزء 1 ط حيدرآباد ص 204) عن أبى أمامة : ان اللّه تعالى يقول : من أهان لي وليا فقد بارزني بالعداوة الحديث. وايضا عن انس، قال اللّه تعالى : من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة الحديث. وفي ص 205 عن عائشة : قال اللّه تعالى : من آذى لي وليا فقد استحل محاربتى الحديث. وفي ص 206 عن أنس، يقول اللّه تعالى : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة. وفي ص 207 عن ابن عباس يقول اللّه تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد ناصبني بالمحاربة. الحديث.

إنّه تعالى نفس الوجود ، فهذه مسألة دقيقة لا تصل حوم فهمها أذهان مثل هذا الرّجل وجملتها أنّهم يقولون : لا موجود إلا اللّه ويريدون به أنّ الوجود الحقيقي لله تعالى ، لأنّه من ذاته لا من غيره ، فهو الموجود في الحقيقة ، وكلّ ما كان موجودا غيره فوجوده من اللّه تعالى وهو في حدّ ذاته لا موجود ولا معدوم ، لأنّه ممكن وكلّ ممكن فإن نسبة الوجود والعدم إليه على السّواء ، فوجوده من اللّه تعالى ، فهو موجود بوجود ظلّي هو من ظلال الوجود الحقيقي ، فالموجود حقيقة هو اللّه تعالى ، وهذا عين التّوحيد وكمال التّفريد فمن نسبهم مع فهمه هذه العقيدة إلى الكفر فهو الكافر ، لأنّه كفّر مسلما بجهة إسلامه «انتهى»

أقول : قد ردّد النّاصب المردود بقوله : فإن أراد محقّقي الصّوفية كأبي يزيد البسطامي «إلخ» ولم يذكر عديله ، وهو أن يراد غير محقّقي الصّوفيّة ، وظاهر أنّ تشنيع المصنّف مخصوص بهم ، وهم الذين يعتقدهم المصنّف من صوفية الجمهور ، دون أبي يزيد والجنيد وأشباههم ، فإنهم من الشيعة الخالصة كما حققنا ذلك في كتاب مجالس المؤمنين ، قال سيد المتألهين حيدر بن علي العبيدلي الآملي (1) قدس سره في كتابه المسمى بجامع الأسرار ومنبع الأنوار : من شاهد الحقّ في مظاهره ، وشاهد نفسه معها بأنّه من جملتها حكم باتّحاده بالحق مع بقاء الاثنينيّة والغيريّة ، وصار اتّحاديّا ملعونا نجسا ، وهو مذهب للنّصارى وبعض الصّوفية لعنهم اللّه ، لكنّ الصّوفية الحقّة ما يقولون بالاتّحاد : وإن قالوا ما قالوا كذلك ، فانّهم يقولون : نحن إذا نفينا وجود الغير مطلقا لسنا إلا قائلين بوجود واحد ، فكيف

ص: 181


1- هو السيد حيدر بن على الاملى العبيد لي الفقيه المحدث العارف الشيعي المحقق المتوفى في حدود (سنة 800) له كتب منها كتاب الكشكول فيما جرى على آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله) حسن جدا ، وكتاب جامع الأسرار وغيرهما والعبيدلي نسبة الى عبيد اللّه الأعرج ابن الحسين الأصغر ابن الامام سيد الساجدين «ع».

نقول بالاتّحاد والحلول وأنّهما مبنيّان على الاثنينيّة والكثرة وغير ذلك «انتهى» وبالجملة هاهنا جماعة من المتصوّفة القائلين بالاتّحاد والحلول كما ذكره المصنّف قدس سره ، وقد وقع التصريح بذلك أيضا في المواقف وشرحه ، حيث قال : المخالف في هذين الأصلين يعني عدم الاتحاد وعدم الحلول طوائف ثلاث ، الاولى النصارى وضبط مذهبهم إلى أن قال ، الثّالثة بعض المتصوّفة وكلامهم مخبّط بين الحلول والاتّحاد ، والضّبط ما ذكرناه في قول النّصارى ، والكلّ باطل ، ورأيت من الصّوفية الوجوديّة من ينكره ويقول : لا حلول ولا اتحاد ، إذ كلّ ذلك يشعر بالغيريّة ونحن لا نقول بها : بل نقول ليس في الدّار غيره ديّار : وهذا العذر أشدّ قبحا وبطلانا من ذلك الجرم ، إذ يلزم تلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ولا مميّز له أدنى تمييز «انتهى» وقد ظهر بهذا أيضا أنّه ليس منشأ ما ذكره المصنّف عدم اطلاعه على مصطلحات الصّوفية الحقّة ، كيف وقد حقّق في مصنّفاته موافقا لغيره من المتألهين أنّ الوجود حقيقة اللّه تعالى ، ووجودات الممكنات إنّما هي انتسابها إليه ، فيقولون : قولنا زيد موجود بمنزلة قولنا ماء مشمّس ، وأما ما قيل : إنّ الكلّي الطبيعي موجود عند الصّوفية وغيرهم من محقّقي الحكماء والمتكلّمين ، والوجود المطلق الكلّي عين الواجب عندهم ، والممكنات المشاهدة تعيّنات له فلا استبعاد في القول بوحدة الوجود ، فمستبعد من وجهين في نظر العقل : أحدهما حصول الموجودات الكثيرة بسبب عروض التّعيّنات والاعتبارات لحقيقة واحدة موجودة ، وثانيهما انتفاء الحقائق المختلفة الموجودة في نفس الأمر ، ووجود الكلّي الطبيعي لو سلّم إنّما يفيد في دفع الاستبعاد الأوّل دون الثّاني «تأمّل» وأما ما ذكره النّاصب في تحقيق وحدة الوجود : من أنّ نسبة الوجود والعدم إلى الممكن على السّواء ، فهو ممّا يقوله (1) الظاهريّون من المتكلمين أيضا ، ولا يلزم من ذلك ما فرّعه النّاصب

ص: 182


1- قائله الفاضل الخرابادى في حاشية الدرة الفاخرة.

عليه من أن لا يكون للممكن وجود حقيقيّ ، وإلا لزم أن يكون كلّ أمر استفاد شيئا من غيره غير متّصف حقيقة بذلك الشيء ، فيلزم أن لا تكون النّاريّة الحاصلة في الأجزاء الدخانيّة الشّهابيّة الصّاعدة إلى كرة النّار نارا حقيقة ، لاستواء تلك الأجزاء إلى وجود النّاريّة وعدمها «فتدبّر.»

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث السادس في أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ، من المعلوم القطعي أنّ الحالّ مفتقر إلى المحلّ ، والضّرورة قضت بأنّ كلّ مفتقر إلى الغير ممكن ، فلو كان اللّه تعالى حالا في غيره لزم إمكانه فلا يكون واجبا (هذا خلف) وخالفت الصّوفية من الجمهور في ذلك ، وجوّزوا عليه الحلول في أبدان العارفين ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، فانظر إلى هؤلاء المشايخ الذين يتبرّكون بمشاهدهم (بمشاهدتهم خ ل) كيف اعتقادهم في ربّهم وتجويزهم عليه ، تارة الحلول وأخرى الاتّحاد ، وعبادتهم الرّقص والتّصفيق والغناء (1) وقد عاب اللّه تعالى على الجاهليّة الكفّار في ذلك ، فقال اللّه تعالى عزّ

ص: 183


1- وشيوع هذه المناكير محسوس لمن شاهد حلقات الصوفية القادرية والرفاعية والبدوية والمولوية والشاذلية والجلالية ، وان شئت الاطلاع على ذلك من قريب فراجع كتاب بديع الزمان الخراساني في ترجمة المولوى صاحب المثنوى فترى فيه الصور الفوتوغرافية المتخذة من مجالس الصوفية في قونية وغيرها ورأيت عدة نوادى لهم تنشد فيها هذه الأبيات وقائلها الشيخ أبو الحسن على الشاذلى قطب السلسلة الشاذلية المتوفى ستة 828 وهي هذه. من ذاق طعم شراب القوم يدريه *** ومن دراه غدا بالروح يشريه ولو تعرض أرواحا وجاد بها *** في كل طرفة عين لا يساويه وذو الصبابة لو يسقى على عدد الانفا *** س والكون كاسا ليس يرويه ؛ الى آخرها وعندي ان مصيبة الصوفية على الإسلام من أعظم المصائب تهدمت بها أركانه وانثلمت بنيانه ، وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجول في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم ان الداء سرى الى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاوس والزهري وجنيد ونحوهم ثم سرى منهم الى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما ابقوا حجرا على حجر من أساس الدين ، أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الاحكام الفطرية العقلية ، والتزموا بوحدة الوجود بل الموجود ، وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤسائهم! والتزامهم بما يسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعا من يمين القلب خاتما بيساره معبرا عنه بالسفر من الحق الى الخلق تارة ، والتنزل من القوس الصعودي الى النزولى أخرى وبالعكس معبرا عنه بالسفر من الخلق الى الحق والعروج من القوس النزولى الى الصعودي أخرى فيا لله من هذه الطامات ، فأسروا ترهاتهم الى الفقه ايضا في مبحث النية وغيره ورأيت بعض مرشديهم يتلو اشعار المغربي العارف من ديوانه ويبكى ويعتنى به كالاعتناء بآيات الكتاب الكريم فتعسا لقوم تركوا القرآن الشريف وأدعية الصحيفة الكاملة زبور آل محمد «ص» وكلمات موالينا وساداتنا الأئمة عليهم السلام ، واشتغلوا بأمثال ما أومأنا إليها ، ورأيت بعض من كان يدعى الفضل منهم يجعل بضاعة ترويج مسلكه أمثال ما يعزى إليهم عليهم السلام (لنا مع اللّه حالات فيها هو نحن ونحن هو) وما درى المسكين في العلم والتتبع والتثبت والضبط أن كتاب مصباح الشريعة وما يشبهه من الكتب المودعة فيها أمثال هذه المناكير مما لفقتها أيادى المتصوفة في الاعصار السالفة وأبقتها لنا تراثا. وخلاصة الكلام أنه آل أمر الصوفية الى حد صرفوا المحصلين عن العلم بقولهم : ان العلم حجاب وأن بنظرة من القطب الكامل يصير الشقي سعيدا بل وليا وبنفحة في وجه المسترشد والمريد او تفلة في فمه تطيعه الأفاعي والعقارب الضارية وتنحل تحت أمره قوانين الطبيعة ونواميس نشأة الكون والفساد ، وأن الولاية مقام لا ينافيها ارتكاب الكبائر بل الكفر والزندقة معللين بانه لا محرم ولا واجب بعد الوصول والشهود ، ثم ان شيوع التصوف وبناء الخانقاهات كان في القرن الرابع حيث ان بعض المرشدين من أهل ذلك القرن لما رأوا تفنن المتكلمين في العقائد ، فاقتبسوا من فلسفة فيثاغورس وتابعيه في الإلهيات قواعد وانتزعوا من لاهوتيات أهل الكتاب والوثنيين جملا وألبسوها لباسا اسلاميا فجعلوها علما مخصوصا ميزوه باسم علم التصوف او الحقيقة او الباطن او الفقر او الفناء او الكشف والشهود والفوا وصنفوا في ذلك كتبا ورسائل ، وكان الأمر كذلك الى ان حل القرن الخامس وما يليه من القرون فقام بعض الدهاة في التصوف فرأوا مجالا ورحبا وسيعا لان يحوزوا بين الجهال مقاما شامخا كمقام النبوة بل الالوهية باسم الولاية والغوثية والقطبية بدعوى التصرف في الملكوت بالقوة القدسية فكيف بالناسوت ، فوسعوا فلسفة التصوف بمقالات مبنية على مزخرف التأويلات والكشف الخيالى والأحلام والأوهام ، فالفوا الكتب المتظافرة الكثيرة ككتاب التعرف ، والدلالة ، والفصوص ، وشروحه ، والنفحات ، والرشحات ، والمكاشفات ، والإنسان الكامل ، والعوارف ، والمعارف ، والتأويلات ونحوها من الزبر والاسفار المحشوة بحكايات مكذوبة ، وقضايا لا مفهوم لها البتة ، حتى ولا في مخيلة قائليها كما ان قارئيها او سامعيها لا يتصورون لها معنى مطلقا وان كان بعضهم يتظاهر بحالة الفهم ويقول بان للقوم اصطلاحات ، لا تدرك الا بالذوق الذي لا يعرفه الا من شرب من شرابهم وسكر من دنهم وراحهم فلما راج متاعهم وذاع ذكرهم وراق سوقهم تشعبوا فرقا وشعوبا وأغفلوا العوام والسفلة بالحديث الموضوع المفترى (الطرق الى اللّه بعدد أنفاس الخلائق) وجعل كل فرقة منهم لتمييزها عن غيرها علائم ومميزات بعد اشتراك الجميع في فتل الشوارب وأخذ الوجهة والتجمع في حلقات الاذكار عاملهم اللّه وجزاهم بما فعلوا في الإسلام. وأعتذر من إخواني الناظرين عن إطالة الكلام حيث انها نفثة مصدور وتنفس صعداء وشقشقة هدرت وغصص وآلام وأحزان بدرت ، عصمنا اللّه وإياكم من تسويلات نسجة العرفان وحيكة الفلسفة والتصوف وجعلنا وإياكم ممن أناخ المطية بأبواب أهل بيت رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله وسلم ولم يعرف سواهم آمين آمين.

ص: 184

من قائل : ( وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً ) (1) وأىّ تغفل أبلغ من تغفّل

ص: 185


1- الأنفال. الآية 35.

من يتبرّك بمن يتعبّد اللّه بما عاب به الكفّار ، ( فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (1) ، ولقد شاهدت جماعة من الصّوفية في حضرة مولانا الحسين صلوات اللّه عليه ، وقد صلّوا المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا لم يصلّ ، ثمّ صلّوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشّخص ، فسألت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشّخص ، فقال : وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل ، أيجوز أن يجعل بينه وبين اللّه تعالى حجابا؟ فقلت لا ، فقال : الصّلاة حاجب بين العبد والرّب ، فانظر أيّها العاقل إلى هؤلاء وعقائدهم في اللّه تعالى كما تقدّم ، وعبادتهم ما سبق واعتذارهم في ترك الصّلاة بما مرّ ، ومع ذلك فإنهم عندهم الأبدال فهؤلاء هم أجهل الجهلاء [خ ل الجهال] «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول مذهب الأشاعرة أنه تعالى لا يجوز أن يحل في غيره ، وذلك لأنّ الحلول هو الحصول على سبيل التّبعية ، وأنه ينفي الوجوب الذاتي ، وأيضا لو استغنى عن المحلّ بذاته لم يحلّ فيه ، وإلا احتاج إليه لذاته ، ولزم حينئذ قدم المحلّ فيلزم محالان معا. (2) وأما ما ذكر : أنّ الجمهور من الصوفية جوّزوا عليه الحلول فقد ذكرنا في الفصل السابق أنه إن أراد بهذه الصوفية مشايخنا المحققين فانّ اعتقاداتهم مشهورة ، ومن أراد الإطلاع على حقائق عقائدهم فليطالع الكتب التي وضعوها لبيان الإعتقادات ، كالعقائد المنسوبة الى سهل بن عبد اللّه التستري (3) ، وكاعتقادات

ص: 186


1- الحج. الآية 46.
2- وهما قدم المحل الحادث وحدوث الحال القديم.
3- هو ابو محمد سهل بن عبد اللّه بن يونس التستري ، من اكابر الصوفية ورؤساء بعض سلاسلهم توفى سنة 273 وقيل 283 في بلدة بصرة ، وله كلمات وأوراد لدى القوم تحكى في نواديهم وتذكر في كتبهم ولسهل تآليف وتصانيف منها كتاب تفسير القرآن على مذاق الصوفية والعرفاء.

الشيخ أبي عبد اللّه محمّد بن الحفيف المشهور بالشيخ الكبير (1) ، وكاعتقادات الشيخ حارث بن الأسد المحاسبي (2) وكالتّعرف للكلاباذي (3) ، والرّسالة للقشيري (4)

ص: 187


1- هو أبو الحسين او ابو عبد اللّه محمد بن حفيف بن اسفكشاد الشيرازي العارف الشهير الذي يذكر اسمه في سلاسل الصوفية قال السبكى في الطبقات من الجزء الثاني ص 151 انه حدث عن حماد بن مدرك والنعمان بن احمد الواسطي ومحمد بن جعفر التمار وصحب رويما والجزري وطاهر المقدسي وغيرهم الى آخر ما قال توفى بشيراز في الليلة الثالثة من رمضان سنة 371 ومن كلماته التقوى مجانبة ما يبعدك من اللّه والتوكل الاكتفاء بضمانه ، وإسقاط التهمة عن قضائه الى غير ذلك.
2- هو الحارث بن اسد ابو عبد اللّه المحاسبى البغدادي الصوفي الشهير المبغض للشيعة روى عنه الجنيد وغيره ، مات سنة 243 كما في خلاصة الخزرجي ص 57 وللمحاسبى تصانيف كثيرة في التصوف والرد على المعتزلة.
3- هو أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين البخاري الكلاباذى المحدث الحافظ الصوفي المتوفى سنة 307 له تآليف كثيرة في الرجال والحديث والتصوف فمن آثاره رجال البخاري ورجال مسلم وكتاب التعرف في علم التصوف ، ونقل الذهبي بسنده المنتهى الى الكلاباذى بسنده الى الأوزاعي ففيه الشام انه قال : لبس الصوف في السفر سنة وفي الحضر بدعة فراجع التذكرة للذهبى ص 216 من الجزء الثالث ، وروى الكلاباذى عن جماعة منهم على بن المحتاج وسمع عن الكلاباذى وروى محمد بن جعفر المستغفري ثم الكلاباذى نسبة الى (كلاباذ) محلة من بخارى.
4- هو الشيخ ابو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري النيشابوري المتوفى سنة 465 من اكابر الصوفية وأعاظمهم الدائر السائر اسمه في ألسنة القوم وكتبهم ، وكان شديد التعصب في الاشعرية وله ردود ومقالات في الرد على المعتزلة ، ومن كتبه الرسالة القشيرية المعروفة في التصوف ، وكتاب تفسير القرآن ، وكتاب الدلالة والاشارة في التصوف ، ومن تدبر في آثاره رأى فيها الحالة الروحية لابن الفارض ، وله شعر كلها على مذاق القوم فمنه قوله : ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة *** فإّنى من ليلى لها غير ذائق وأكثر شيء نلته من وصالها *** أماني لم تصدق كخطفة بارق وروى عنه الخطيب البغدادي صاحب التاريخ وهو عن ابى على الدقاق ابى حليلته ثم القشيري نسبة الى جده قشير كزبير ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بطن من هوازن يعرفون بال قشير نص على ذلك علماء النسب.

وكالعقائد للشّيخ ضياء الدّين أبي النجيب السّهروردي (1) وكعوارف المعارف للشيخ شهاب الدّين أبي حفص عمر السّهروردي ، (2) لتظهر عليه عقائدهم المطابقة للكتاب والسنة ، وما بالغوا فيه من نفي الحلول والاتحاد ، وأما ما ذكره .

ص: 188


1- هو الشيخ ابو النجيب ضياء الدين عبد القادر بن عبد اللّه السهروردي الصديقى العارف الصوفي المشهور المتوفى سنة 563 واليه تنتهي السلسلة السهروردية من الصوفية له تآليف وآثار منها كتاب آداب المريدين وقبره ببلدة بغداد.
2- هو الشيخ شهاب الدين ابو حفص عمر بن عبد اللّه بن محمد القرشي السهروردي البغدادي المتوفى سنة 623 ببغداد وقبره بمقبرة الوردية من مقابر بغداد وكان من كبار الصوفية ورؤساء سلاسلهم أخذ التصوف عن عمه نجيب الدين وعن غيره وله شعر رائق فمنه ما أنشده ارتجالا : لا تسقني وحدي فما عودتني *** انى أشح بها على جلاسى أنت الكريم ولا يليق تكرما *** ان يعبر الندماء دور الكاس وتآليفه كثيرة وأكثرها في التصوف منها عوارف المعارف ومنها اعلام الهدى وعقيدة اهل التقى وغيرهما وله عقب الى الآن منهم الفضلاء والتجار والعرفاء وقد لقيت بعض الأفاضل من أولاده ببغداد وآخر في بلاد العجم «انتهى».

من أنّ عبادتهم الرّقص والتصفيق ، فو اللّه إنه أراد أن يفضح ، فافتضح ، فإذا لم يكن المشايخ الصوفية من أهل العبادات مع جهدهم في العبادة وتعمير الأوقات بوظائف الطاعات وترك اللّذات والإعراض عن المشتهيات ، فمن هو قادر على أن يعدّ نفسه من أهل الطاعات بالنسبة إليهم؟ نعم هذا الرّجل الطاماتي الذي يصنف الكتاب ، ويردّ على أهل الحقّ ، ويبالغ في إنكار العلماء والأولياء طلبا لرضى السّلطان محمّد خدا بنده ليعطيه إدرارا ويفيض عليه مدرارا ، فله أن لا يستحسن عبادة المشايخ المعرضين عن الدنيا الزّاهدين عن الشّهوات القاطعين بادية الرّياضات ، كما نقل : أنّ أبا يزيد البسطامي رضى اللّه عنه ترك شرب الماء سنة تأديبا لنفسه حيث دعته إلى شيء من اللّذات ، شاهت وجوه المنكرين ، وكلّت ألسنتهم وعميت أبصارهم ، وأما ما ذكر أنّ اللّه تعالى عاب على أهل الجاهليّة بالتّصدية فما أجهله بالتّفسير ، وبأسباب نزول القرآن وقد ذكر أنّ طائفة من جهلة قريش كانوا يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالمكاء والتّصدية عند البيت ليوسوسوا عليه صلواته ، فأنزل اللّه هذه الآية ، وقد أحلّ اللّه ورسوله اللّهو في مواضع كثيرة ، منه الختان والعرس والأملاك وأيّام العيد والسّماع الذي يعتاده الصّوفية مشروط بشرائط كلّها من الشّرع (1) ، ولهم فيها آداب وأحوال لا يعرفها الجاهل فيقع فيهم ، ثمّ ما نقل من قول واحد من القلندريّة الفسقة الذين يزورون مشهد مولانا الحسين أيّام الموسم والزّيارة ، جعله مستندا للرّد على كبائر المشايخ المحققين المشهورين ، فيا للعجب انسل إلى

ص: 189


1- تبا ثم تبا لهذا الرجل هل المزامير والدفوف والدوارى ذوات الحلق ورقص المردان الحسان الوجوه وضرب السكاكين ومضغ الزجاج وفتل الشوارب وحلق اللحى وشرب البنج والأفيون ونحوها من المناكير المنطبقة على كل منها عناوين عديدة من المحرمات التي ردع عنها الشرع الشريف موافقه له؟! أف لقوم كان عالمهم مثل هذا الرجل الناصبي الصوفي المعاند.

النّاس من كلّ حدب من حال هذا الرّجل الطامّاتي انّه لم ينظر إلى كتاب عوارف المعارف ، والرّسالة القشيرية ليعرف اهتمام القوم بمحافظة الصّلوات ودقائق الآداب الذي لا يشقّ أحد من الفقهاء من أهل جميع المذاهب غبارهم في رعاية دقائق الآداب والخشوع والاهتمام بحفظها ومحافظتها ليعتقد في كمالاتهم ، ويجعل قول قلندر فاسق فسّيق (1) سندا في جرحهم وإنكارهم ، وهذا غاية التّعصّب والخروج عن قواعد الإسلام نعوذ باللّه من عقائده الفاسدة الكاسدة «انتهى»

أقول : قد بينّا قبيل ذلك أنّ هاهنا جماعة من المتصوّفة القائلين بالحلول ، وكلام المصنّف فيهم ، ويدلّ عليه من أشعارهم أيضا قولهم شعر

أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا بدنا(2) .

ص: 190


1- فسيق بكسر الفاء كشرير مبالغة من الفسق.
2- ونظيره ما أنشده السيد غلامعلى العارف الأديب الهندي البلجرامى المتخلص (آزاد) صاحب كتاب سبحة المرجان في هذا الشان. قال صوفية من الفقراء *** عمدة الصاعدين في الخضراء انما الخلق مظهر الباري *** هو في كل جزئه سارى انا ألفيت فيه تمثيلا *** للصراط الدقيق تسهيلا أبصروا واحدا من الآحاد *** انه خارج من الاعداد وهو في كلهن موجود *** وهو في كلهن مشهود حاضر في السماء والغبراء *** وهو رب على على الإمكان «إلخ» وقول الآخر رق الزجاج ورقت الخمر *** فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح *** وكأنما قدح ولا خمر وان شئت الاطلاع بما هنا لك فراجع ديوان الشيخ ابن الفارض سيما قصيدته التائية الشهيرة والقصيدة اليائية التي شرحها الشيخ عبد الغنى النابلسى وكتابات قطب الدين ورسائل الشيخ العطار وغيرها.

وهكذا الكلام في إنكاره لكون عبادتهم الرّقص والتّصفيق فإن الكلام في متأخّري المتصوفّة من النّقشبنديّة(1) وأمثالهم لا في قدماء الصّوفية الحقّة ، (2)ومن يحذو حذوهم فإنّ حالهم وأقوالهم خال عن الغناء والتّصفيق ونحوهما ، ولو ذكر بعض المتأخرين منهم ما يدلّ على عدم إباحة شيء من ذلك فكذب ، أو محمول على التقيّة من أرباب الحديث والمتصوّفة من أهل السّنّة الذين يبالغون في حلّ الغناء ونحوه ، وأما ما ذكر من أنّه إذا لم يكن مشايخ الصّوفية من أهل العبادات مع جهدهم في العبادات وتعمير الأوقات بوظائف الطاعات وترك اللذات «إلخ» ففيه أنّ الطاعة الخالصة ، والعبادة المقبولة لا تعرف بمجرّد الجهد في العبادات وإقامة الطاعات وترك اللّذات ، فإن كثيرا من النّاس قد يترك الدّنيا للدّنيا ، فيترك اللذّات والشّهوات لحبّ الرّياسة والشيخوخة ، وخدعة النّاس بالتلبيس والوسواس» كما أشار إليه العارف عامر البصري (3) في قصيدته التّائية بقوله شعر

ومنهم أخو الطامات حليف (خ ل جلف) تصوّف *** ينمّس (4) تلبيسا بصمت وخلوة

ص: 191


1- النقشبندية سلسلة من سلاسل الصوفية ، رئيسهم العارف خواجة محمد النقشبند بهاء الدين البخاري المتوفى سنة 791 وقيل 790 وله كتاب دليل العاشقين ، كثر مريدوه وتابعوه ، وهم الى الآن كذلك ، وكان من مشاهيرهم في هذه الأواخر العارف الشهير الشيخ داود النقشبندى ، وكان منهم الشيخ عبد السلام السنندجى الأصل النقشبندى من مشايخنا في رواية صحاحهم.
2- يا ليت شعري كيف يجتمع التصوف مع الحق اهل يجتمع القول بوحدة الوجود والوجهة والبدع في العبادات والأوراد مع الحق ، وأرجو من الناظر المنصف أن يقضى بالحق ويسلك مهيع العدل ويأخذ بشرع الإنصاف.
3- لعل المراد به عامر بن عبد اللّه البصري الماجن الأديب النحوي الشاعر.
4- اى يلبس.

يقول لقد نلنا بكشف سرائرا *** بحالاتنا لا قال فيها بلفظة

أراذل خدّاعون زرقا (1) بخرقة *** وسجّادة مرقوعة وبسبحة

وقال ركن الدّين الصائن (2) بالفارسية :

اگر چه طاعت اين شيخكان سالوسست *** كه جوش ولوله در جان انس وجان انداخت

ولى بكعبه كه گر جبرئيل طاعتشان *** بمنجنيق تواند بر آسمان انداخت

وقال العارف الشّيرازي (3) :

نقد صوفي نه همه صافي وبيغش باشد *** اى بسا خرقه كه شايسته آتش باشد

خوش بود گر محك تجربه آيد بميان *** تا سيه روى شود آنكه در او غش باشد

وبالجملة لا ينبغي الاغترار بمجرّد رؤية أحد أنّه يكثر من الطاعات ، ويترك اللّذات بل ينبغي العلم بكونه غير مرائي (4) ، وأنّه ممّن جعل هواه تبعا لأمر اللّه ، وقواه مبذولة في رضاه ، كما أشار اليه مولانا علي بن الحسين في جملة ما روى (5) عنه مولانا الرّضا عليه السلام قال قال علي بن الحسين : إذا رأيتم الرّجل قد حسن )

ص: 192


1- الزرق جمع الأزرق : شديد العداوة.
2- هو ركن الدين الهروي الشاعر المتوفى بشيراز سنة 765.
3- هو الخواجة الحافظ شمس الدين محمد الشيرازي الشاعر الشيعي الشهير الذي يعد من مفاخر بلاد العجم لاتصاف شعره بكل ما يعد من محسنات الشعر من الجزالة والسلاسة والرقة وعلو كعب المضامين وشموخ المعاني ، توفى سنة 791 وقيل سنة 792 وقيل سنة 794 وديوان شعره مشهور ، وللأفاضل شروح عليه ، منها شرح المتأله السبزواري صاحب المنظومة.
4- ولنعم ما قال المولوى في المثنوى : اى بسا ابليس آدم روى هست *** پس بهر دستى نبايد داد دست
5- رواه في البحار (ج 16 ص 50 باب العشرة ط أمين الضرب وفي السفينة ج 2 ص 26) (ج 12)

شيمته [خ ل سمته] وهديته [خ ل هديه] (1) وتماوت (2) في منطقه وتخاضع في حركاته فرويدا لا يغرّنكم ، فما أكثر من يعجزه تناول الدّنيا وركوب الحرام منها لضعف نيّته ومهانته وجبن قلبه فنصب الدّين فخّا (3) لها ، فهو لا يزال يحيل [خ ل يختل] النّاس بظاهره ، فان تمكّن من حرام اقتحمه وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرنكم ، فان شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وان كثر ؛ ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتى منها (خ ل بها) محرما ، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما يعقده (خ ل عقده) عقله ، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ؛ ثم لا يرجع الى عقل متين ؛ فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله ، فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا أمع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها ، فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة يترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال والنّعم المباحة المحلّلة ، فيترك ذلك أجمع طلبا للرّئاسة حتّى إذا قيل له : اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم ، ( فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) (4) ، فهو يخبط عشواء ، يقوده (5) أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة ويمدّه ربّه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرّم اللّه ويحرّم ما أحلّ اللّه لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رياسته التي قد بغى من أجلها ، فأولئك

ص: 193


1- الهدية بكسر الهاء وفتحها : السيرة والطريقة.
2- التماوت : التظاهر بالموت.
3- الفخ : آلة يصاد بها ، والجمع : فخوخ.
4- البقرة. الآية 206.
5- من القود.

الذين (1) غضب اللّه عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذابا مهينا ، ولكن الرّجل كلّ الرّجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر اللّه وقواه مبذولة في رضاء اللّه يرى الذّل مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل ويعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه إلى دوام (خ ل النّعم في دار) نعم دار لا تبيد ولا تنفد ، وأنّ كثيرا ما يلحقه من سرّائها من تبع (خ ل ان اتّبع) هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلك (خ ل فذلكم) الرّجل نعم الرّحل فبه فتمسّكوا وبسنّته فاقتدوا ، وإلى ربكم به فتوسّلوا ، فإنّه لا تردّ له دعوة ، ولا تخيب له طلبة «انتهى» ، واما ما ذكره : من أنّ المصنّف جهل بالتفسير ، وأسباب النّزول وقد ذكر : أنّ طائفة من جهلة قريش كانوا يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله «إلخ» فهو يدلّ على تجاهله أو جهله وعدم تتّبعه لسائر ما ذكر في شأن نزول هذه الآية ، بل على جهله بمعنى ما نقله هو من شأن النزول ، اما الاول فلأنّ ما قدّمه المفسرون ورجّحوه عند ذكر شأن نزول هذه الآية هو ما روى (2) عن ابن عمر أنّهم كانوا يطوفون بالبيت عراة وهم يشبكون (3) بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون فالمكاء (4) والتّصدية (5) على هذا نوع عبادة لهم ، ولهذا وضعوها (خ ل وضعتا) موضع الصّلاة بناء على معتقدهم ، واما ما نقله النّاصب في شأن النّزول فهو ممّا قاله مجاهد (6) ومقاتل وهو مرجوح : يحتاج في

ص: 194


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء. الآية 93.
2- رواه الطبري في تفسيره (ج 9 ص 148 ط مصر) ويؤيده ما رواه أيضا عن ابن عباس ص 147.
3- شبك وشبك الشيء : أنشب بعضه في بعض ، تقول شبكت أصابعى وشبكت بين أصابعي.
4- مكا مكاء : صفر بفيه.
5- صدى بيديه تصدية : صفق.
6- هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر بإسكان الباء الموحدة المفسر المقرئ المكي أخذ التفسير عن ابن عباس وهو عن مولانا أمير المؤمنين ، روى عن ابن عباس وقرء عليه القرآن ، وعن ام سلمة وجابر ، وعنه عكرمة وعطاء وقتادة وحكم بن عيينة مات بمكة سنة 102 وقيل سنة 103 وكانت ولادته في سنة 21 فهو من التابعين وكلماته في التفسير مشهورة مذكورة في كتب الفريقين.

تصحيحه في اعتقادهم أيضا إلى التكلف في معنى الصلاة المذكورة في صدر الآية بأن يقال : جعل اللّه تعالى المكاء والتّصدية صلاة لهم ، كقولك زرت الأمير فجعل جفائي صلتي ، أى أقام الجفاء مقام الصّلة ، وهو مجاز مستبعد جدّا ، ومع ذلك لا ينافي ما ذكره المصنّف موافقا لما روى عن ابن عمر لجواز أن يكون صلاتهم الواقعة بهذه الصّفة مشوّشة للنبيّ صلى اللّه عليه وآله أيضا ، ولا استبعاد في أن يكون صلاتهم كذلك ، كما لا استبعاد في أن يكون صومهم كصوم مشركي الهند ، حيث يشربون اللّبن والماء ، ويأكلون الفواكه ونحوها في أيّام صومهم ، ولا يعتقدونها مخلا فيه ، واما ما ذكره من أنّ اللّه تعالى قد أحلّ اللّهو في مواضع كثيرة «إلخ» فهو كذب وافتراء على اللّه تعالى ورسوله كما يدلّ عليه حكمته تعالى ، بل القرآن والسّنة الصّحيحة مملوة من النّص على خلافه ، (1) والأحاديث التي فهموا منها إباحة اللّهو

ص: 195


1- من الآيات كقوله تعالى (في سورة لقمان الآية 6) : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، وقوله تعالى (في سورة الأعراف الآية 51) ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) ومن أحاديث العامة مثل ما رواه في كنز العمال (ج 4 ص 22 حديث 201 ط حيدرآباد) عن ابن ابى الدنيا في ذم الملاهي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : لا يحل بيع المغنيات ولا شرائهن ولا تجارة فيهن وثمنهن حرام انما نزلت هذه الآية في ذلك ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) والذي بعثني بالحق ما رفع رجل عقيرته بالغناء الا بعث اللّه تعالى عند ذلك شيطانين يرتقيان على عاتقيه ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره حتى يكون هو الذي يسكت وغيرها ومن أحاديث الخاصة روايات كثيرة منها ما رواه في الوسائل (ج 2 ص 565) بالسند المتصل الى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول : الغناء مما أوعد اللّه عليه النار وتلا هذه الآية ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) .

ونحوه (1) إنّما هي موضوعات علماء زمان بني أميّة لعنهم اللّه تعالى قد وضعوها (2) على وفق هواهم كما وضعوا غير ذلك على وفق مقاصدهم الأخر ، وسيذكر المصنّف شطرا من تلك

ص: 196


1- كشرب النبيذ والفقاع ونحوهما من الطامات.
2- كما هو واضح لمن سبر وتتبع وجاس خلال تلك الديار ، فانظر أيها المنصف ما نقلوه من وضع ابى هريرة بزيادة كلمة (لا ريش) أو لا (جناح) في حديث لا سبق الا في النصل والحافر باشارة من بعض المتقمصين للخلافة الذي كان مشغوفا بلعب الحمام وقال ابن ابى الحديد روى ابو يوسف قال قال ابو حنيفة الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ثم عد منهم أبا هريرة وانس بن مالك قال وروى عن على (عليه السلام) قال أكذب الناس على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ابو هريرة الدوسي وكذا ما نسب الى سمرة بن جندب الضار المضر من الوضع والافتراء على النبي الأكرم قال السيد عبد الرزاق الرضوى الهندي الشهير بالأمير على في كتابه المسمى بالتذنيب لتعقيب التقريب ص 15 طبع لكهنو ما لفظه ، وممن عرف بالوضع سعد بن طريف وضع في معلم الصبيان ، والمأمون بن احمد الهروي ، وضع في ذم الشافعي ومدح ابى حنيفة ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، وضع في بطلان الصلاة برفع الأيدي ، ومن الزنادقة محمد بن شجاع الثلجى وضع حديثا في اجراء الفرس وبيان بن سمعان النهدي وابو بشير احمد بن محمد المروزي الفقيه الى غير ذلك من الوضاعين ومن اجل هذه الرزية ، شمر الذيل علماء السنة بتأليف كتب في الموضوعات ، كاللؤلؤ المرصوع للقاوقجى ، والموضوعات لجلال الدين السيوطي وتمييز الطيب من الخبيث لابن الديبع الشيباني ومزيل الخفاء عن اخبار المصطفى وكشف الخفاء ومزيل الإلباس للمحدث العجلونى المتوفى سنة 1162 ومعرفة الجيد ، وكشف الستر الى غير ذلك من الكتب التي في هذا الشأن ، وما سردناه قليل من كثير ، و نزر من وفير هذا في الموضوعات. واما التدليس في المتون او الأسانيد بين رواتهم فوصل الى حد ، ألف جمع من علمائهم كتبا ورسائل فيه فمنهم ابن حجر العسقلاني ، ألف كتاب طبقات المدلسين ، وممن نص فيه على انه كان مدلسا في الغاية ابو الزبير المكي ، وبقية بن المخلد ، ويحيى بن أبي كثير ، وسهل بن سعد ، والحسن بن أبي الحسن البصري التابعي ، ونقل عن النسائي انه وصفه بالتدليس ، ومن المدلسين خارجة بن مصعب الخرساني ، نقل ابن حجر عن ابن معين ، انه كان يدلس عن الكذابين. ومنهم الهيثم بن عدى الطائي قال ابن حجر ، اتهمه البخاري ، وتركه النسائي وغيره وقال احمد ، كان صاحب اخبار وتدليس. ومنهم مالك بن سليمان الهروي ، قاضى هراة ، قال ابن حجر ضعفه النسائي ووصفه ابن حبان بالتدليس «انتهى». الى غير ذلك وان شئت الإحاطة والوقوف على تلك الأمور فراجع كتب القوم في الرجال ، كالتهذيب ، وتهذيب التهذيب ، والتقريب ، والتعقيب ، وتذنيب التعقيب والمغني للشيخ الفتنى الهندي ، والخلاصة ، ولسان الميزان ، والتجريد ، والإكمال لابن ماكولا ، وكتاب ابن حبان ، كتاب ابن معين ، والتاريخ الكبير للبخاري ، والاستيعاب ، واسد الغابة ، والاصابة ، والكنى للدولابي ، وكذا راجع ما ألفوه في علم الدراية ومقدمات علم الحديث ، ككتاب معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ، وكتاب الكفاية للخطيب البغدادي ، والنخبة لابن حجر العسقلاني ، والالفية للعراقى ، وشروحها الكثيرة ، وكتاب ما يلزم المحدث ، وكتاب الرعاية في الدراية ، وكتاب الدراية للمولى كمال الدين الفارسي ، وكتاب الدراية للكُمُشخانوي صاحب راموز الأحاديث ، وكتاب الهداية في الدراية للدهلوى وغيرها مما ألف في هذا الموضوع ، ويغنيك العيان عن البيان.

الأحاديث في مسألة النّبوّة ويردّ عليها ، ومن جملة تلك الأحاديث ما فيه تصريح

ص: 197

بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّى باطلا عين الغناء الذي كان يسمعه وآثر (1) سماعه ، وبأنّه علّل إعراض عمر عن سماعه بأنّه رجل لا يؤثّر سماع الباطل ، ويرشدك إلى أنّ الفتوى بحلّ الغنا ونحوه من اللّه ومخصوص بأهل السّنة ، وأنّه معمول متصوّفيهم صدور إنكار ذلك عن المعتزلة أيضا موافقا للإماميّة حيث قال صاحب الكشّاف في تفسير قوله تعالى : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) : (2) واما ما يعتقده أجهل النّاس وأعداهم للعلم وأهله وأمقتهم (3)للشّرع وأسوؤهم طريقة ، وإن كانت طريقتهم عند أمثالهم من الجهلة والسّفهاء شيئا واحدا ، وهم الفرقة المفتعلة (خ ل المتفعلة) من التّصوف (الصوف) ، وما يدينون به من المحبّة والعشق والتغنّي على كراسيهم خرّ بها اللّه ، وفي مراقصهم عطلها اللّه بأبيات الغزل المقولة في المرد ان الذين يسمّونهم شهداء وصعقاتهم التي أين عنها (4) صعقة موسى عند دكّ الطور؟ فتعالى اللّه عنه علوّا كبيرا «انتهى» فتأمّل وأما ما ذكره من أن المصنّف نقل قول واحد من القلندريّة «إلخ» ففيه أنّ المصنّف قدّس سره أعرف بحال من نقل منهم إباحة ترك الصّلاة وأنّهم من أهل السّنّة سواء سمّاهم النّاصب قلندريّة أو صوفيّة أو متصوّفة ، وقد سمعت أنّ هؤلاء يسمّون أنفسهم بالواصليّة ، ومرادهم من ذلك أنّهم وصلوا إلى اللّه تعالى وعرفوه حقّ المعرفة ، فسقط عنهم التّكليف ، وقد صرّح بذلك ابن قيّم الحنبلي (5)

ص: 198


1- آثر : اختاره.
2- المائدة : الآية 54.
3- المقت : شدة البغض ، يقال ، مقت ومقت وماقت. الرجل إذا أبغضه أشد البغض.
4- أى شتان ما بينهما.
5- هو الشيخ محمد بن أبى بكر الحنبلي المشهور بابن قيم الجوزية ، توفى سنة 751 تلميذ ابن تيمية ، والمروج لمسلكه الذي بقي تراثا للوهابية في عصرنا ، وابن تيمية وتلميذه هذا ممن كفره علماء الإسلام في عصره لظهور مقالات منكرة منه ، كالقول بالتجسم وانكار شفاعة الأنبياء والمقربين في الساحة الالوهية ونحوهما من المناكير ومن أراد الوقوف على ذلك فليرجع الى رسالة استأذنا آية اللّه السيد أبي محمد الحسن صدر الدين الموسوي الكاظميني فانه قده ألفها في اثبات تكفير الاعلام ابن تيمية ومن قال بمقالته ولابن تيم تأليفات كثيرة ككتاب زاد المعاد ونحوه وأكثرها محشو بالتعصب والسباب وتوهين علماء الشرع وحملة العلم وتكفير كافة أهل القبلة ونسبة الشرك إليهم ، فيا للعجب من اسرة كفرت المسلمين في القول بالشفاعة مع انه العمل بنصوص الكتاب والسيرة المستمرة والسنة القاطعة والحكم العقلي والحال أنها قائلة بالتجسم ورؤية اللّه وغيرهما مما يهدم أساس الدين تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، ولله در الاعلام من الشيعة والسنة حيث شمروا الذيل في الرد عليهم وردع شبهاتهم ، ومن أحسن ما صنف وألف في هذا الشأن : كتاب شفاء السقام ، للشيخ تقى الدين السبكى الشافعي المصري من علماء السنة ، وكتاب الرد على الوهابية ، للعلامة المرحوم آية اللّه السيد محسن الامين ، وكتاب الآيات البينات ، لآية اللّه منطيق الشيعة الامامية وطائرها الصيت استأذنا الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي ، وكتاب الرد على الوهابية لآية اللّه السيد مهدى الموسوي القزويني وغيرهم فإنهم أتعبوا نفوسهم الشريفة وسهروا الليالي في قلع هذه الشبهات وقمعها وأتموا الحجة على مثل القصيمى وابن بليهد وأضرابهما ممن قصروا النظر في آيات التوحيد ولم يتأملوا في أدلة الشفاعة وخطر تكفير المسلم واسناد الشرك اليه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

في شرح منازل السّائرين ، فقال : ويعرض للسّالك على درب الفناء معاطب (1) ومهالك لا تنجيه منها إلا بصيرة العلم ، منها أنّه إذا اقتحم (2) عقبة الفناء ظنّ أنّ صاحبها قد سقط عنه الأمر والنّهى ، ويقول قائلهم ، من شهد الحقيقة سقط عنه

ص: 199


1- عطب عطبا واعتطب الشيء : هلك ، والمعطب موضع العطب والهلاك ، جمعه معاطب.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة البلد. الآية 11.

الأمر ويحتجون بقوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (1) ، ويفسّرون اليقين بشهود الحكم الكوني وهي الحقيقة عندهم ، وهذا زندقة ونفاق (2) وكذب منهم على أنفسهم ونبيّهم وإلههم «انتهى» ولعلّ النّاصب توهّم من قول المصنّف : إنّهم يزورون مشهد الحسين عليه السلام أنّهم شيعة ليسوا بسنّة (3) ، ولم يعلم أنّ زيارتهم هذه كانت للّلهو وهو مشاهدة النّاس المجتمعين في أيّام الموسم ، وكيف يزور الحسين عليه السلام معتقدا لاستحبابها من قرّر على نفسه إسقاط الواجبات عنه فضلا عن المستحبات؟ «فتأمّل» ثمّ أقول : إنّ الذي يقلع مادّة إنكار النّاصب لزندقة المتصوّفة من أصحابه أنّ من أكابر أصحابه الذين يقتدون بهم في الشّريعة والطريقة اليافعي (4) اليمني الشّافعي ، وقد أقرّ بما نسبه المصنّف إليهم في هذا الكتاب و

ص: 200


1- الحجر. الآية 99.
2- نفق نفاقا بكسر النون. في دينه ستر كفره بقلبه واظهر ايمانه بلسانه ونفق نفاقا بفتح النون. الشيء نفد وفنا وقل.
3- ومما يؤيد كونهم من السنة تفريقهم بين العشاءين ، مع ان عمل الشيعة سيما العوام منهم على الجمع بينهما لقيام الأدلة القاطعة على ذلك.
4- هو الشيخ عبد اللّه بن اسعد بن على بن سليم عفيف الدين الشافعي اليماني اليافعي العارف المورخ المحدث الشهير توفى سنة 755 وقيل سنة 760 وقيل سنة 767 وقيل سنة 768 وقيل سنة 771 بمكة وله تآليف منها تاريخه المعروف المسمى بمرآة الجنان ، وكتاب روض الرياحين في حكايات الصالحين ، وخلاصة المفاخر في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ونشر المحاسن الغالية في فضل مشايخ الصوفية ، والدر النظيم في خواص القرآن العظيم ، وغيرها ، وتنتهي سلسلة تصوفه الى الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي الصوفي الشهير المدفون ببغداد بعدة وسائط ، وأخذ الشاه نعمة اللّه العارف الذي اليه تنتهي أكثر طرق الصوفية في بلاد ايران كالجنابذية ، والشمسية ، والطاوسية ، والصفائية ، وغيرها. ثم اليافعي نسبة الى يافع قبيلة باليمن وزعم بعض المعاصرين ان يافع اسم مكان باليمن وهو اشتباه.

جماعة في غيره ، حيث ردّ في كتابه الموسوم بروض (1) الصّالحين على ما أنكره الغزالي في الإحياء من بلوغ العبد بينه وبين اللّه تعالى إلى حالة أسقطت عنه الصّلاة واحلّت له شرب الخمر ولبس (2) الحرير وترك الصلاة ونحوها ، وحكم بأنّه يجب قتله وإن كان في خلوده في النّار نظر (3)«انتهى.» فقال في ذلك الكتاب ولو أنّ اللّه أذن لبعض عباده أن يلبس ثوب حرير مثلا ، وعلم العبد ذلك الإذن يقينا فلبسه لم يكن متهتّكا للشّرع ، ثمّ قال : فإن قيل من أين يحصل له علم اليقين؟ قلت : من حيث حصل للخضر عليه السلام حين قتل الغلام وهو وليّ لا نبيّ (4) على القول الصّحيح عند أهل العلم ، كما أن الصحيح عند الجمهور أنّه الآن حىّ ، وبهذا قطع الأولياء ورجّحه الفقهاء والاصوليّون وأكثر المحدثين «انتهى» وفساده ممّا لا يخفى ، فإنّ هذا كما قيل نسخ لبعض أحكام الشّريعة المطهّرة وإقدام على ما لم يقدم عليه غيره ، ومتابعة للزّنادقة الخالصة ، فانّهم قالوا : إن هذه الأحكام الشّرعية إنّما يحكم بها على

ص: 201


1- لا يخفى ان اليافعي سمى كتابه بروض الرياحين في حكايات الصالحين ، لا رياض الصالحين فلا حظ والخطب سهل.
2- لبس الثوب لبسا بضم اللام استتر به ، لبس الأمر لبسا بفتح اللام خلطه وجعله مشتبها بغيره.
3- إشارة الى النزاع بين السنة في ان مرتكب الكبائر هل يخلد في النار ام لا.
4- ما حكم بصحته محل نظر ، بل المستفاد من الأدلة النقلية الصحيحة ، نبوته ، ومن المفسرين من يرى انه نبى وموسى صاحبه وزميله ليس بنبي ، بل كان رجلا آخر غير موسى بن عمران صاحب التورية.

الأغبياء (1) أمّا أهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النّصوص ، بل إنّما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم ، وقد جاء فيما ينقلون : استفت قلبك وإن أفتاك المفتون «انتهى» وهذه زندقة وكفر صريح يقتل قائله ، لأنّه إنكار ما علم من الشّرائع ، فإن اللّه أجرى سنّته وأنفذ حكمته (خ ل حكمه) بأنّ أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السّفراء بينه وبين خلقه ، وهم المبلّغون عنه رسالته المظهرون أحكامه ، وبالجملة فقد حصل العلم القطعي واليقين الضّروري من دين نبيّنا صلى اللّه عليه وآله بأنّه لا طريق لمعرفة أحكام اللّه تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه إلا من جهة الرّسل من صريح العقل والوحى ، فمن قال : إنّ هناك طريق آخر يعرف به نهيه وأمره غير الرّسل فهو كافر ثم ان هذا قول بإثبات أنبياء بعد نبيّنا صلى اللّه عليه وآله الذي جعله خاتم أنبيائه ورسله فلا نبيّ بعده ولا رسول ، وبيان ذلك أنّ من قال : إنّه يأخذ عن قلبه وإنّما وقع فيه حكم اللّه فقد أثبت لنفسه خاصّة النّبوة التي أشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : إنّ روح القدس نفث في روعي (2) ، والملخّص أنّا لا ننكر أنّ الملك والشّيطان لهما تصرّفات في القلب ، وأن اللّه يلهم العبد بدليل ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (3) ، وليست بنبيّة بل ربّما يوحي إلى النّحل ونحوه ، كما دلّ عليه قوله تعالى ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) (4) الآية ونحوه وإنّما ننكر وحى الأحكام بالأمر والنّهى سيّما بعد ختم النبوة واللّه أعلم.

ص: 202


1- الأغبياء. جمع الغبي وهو البليد وقليل الفطنة.
2- بلغ روعه : اى سويداء قلبه وقد يطلق الروع مجازا على الروح.
3- القصص : الآية 7.
4- النحل : الآية 68.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث السابع في أنّه تعالى متكلم (1) : وفيه مطالب الاول في حقيقة الكلام ، الكلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة ، وأثبت الأشاعرة كلاما آخر نفسانيا مغايرا لهذه الحروف والأصوات ولتصوّر هذه الحروف والأصوات ، ولإرادة إيجاد هذه الحروف والأصوات ، وهذه الحروف والأصوات دالة عليه ، وهذا غير معقول فإنّ كلّ عاقل إنّما يفهم من الكلام ما قلنا : فأما ما ذهبوا إليه فإنّه غير معقول لهم ولغيرهم البتّة ، فكيف يجوز إثباته لله تعالى وهل هذا إلا جهل عظيم؟ لأنّ الضّرورة قاضية بسبق التّصوّر على التّصديق ، وإذ قد تمهّدت هذه المقدّمة فنقول : لا شكّ في أنّه تعالى متكلّم على معنى أنّه أوجد حروفا وأصواتا مسموعة قائمة بالأجسام الجماديّة ، كما كلّم اللّه تعالى موسى من الشّجرة فأوجد فيها الحروف والأصوات ، والأشاعرة خالفوا عقولهم ، وعقول كافّة البشر ، فأثبتوا له تعالى كلاما لا يفهمونه هم ولا غيرهم ، وإثبات مثل هذا الشّيء والمكابرة عليه ، مع أنّه غير متصوّر البتّة ، فضلا عن أن يكون مدلولا عليه ، معلوم البطلان ومع ذلك فانّه صادر عنّا أو فينا عندهم ولا نعقله نحن ولا من ادّعى ثبوته «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّه تعالى متكلم ، والدّليل عليه إجماع الأنبياء

ص: 203


1- أطبقت الكتب السماوية وكلمة أرباب الملل على أنه تعالى متكلم ، والاختلاف في حقيقة كلامه وكيفيته من الحدوث والقدم وعينيته للذات وعدمها وأنه من مقولة الألفاظ أو المعاني القائمة بذاته ، وسيأتي ما هو الحق الحقيق بالقبول.

عليهم السلام عليه ، فإنّه تواتر أنّهم كانوا يثبتون له الكلام ويقولون : إنّه تعالى أمر بكذا ونهى عن كذا وأخبر بكذا ، وكلّ ذلك من أقسام الكلام فثبت المدّعى ، ثمّ إنّ الكلام عندهم لفظ مشترك ، تارة يطلقونه على المؤلف من الحروف المسموعة وتارة يطلقونه على المعنى القائم بالنّفس الذي يعبّر عنه بالألفاظ ويقولون : هو الكلام حقيقة وهو قديم قائم بذاته تعالى ، ولا بدّ من إثبات هذا الكلام ، فإنّ العرف لا يفهمون من الكلام إلا المؤلف من الحروف والأصوات ، فنقول أوّلا : ليراجع الشّخص إلى نفسه إنّه إذا أراد التّكلم بالكلام فهل يفهم من ذاته أنّه يزوّر (1) ويرتّب معاني (2) فيعزم على التكلّم بها؟ كما أنّ من أراد الدخول على السّلطان أو العالم فانّه يرتّب في نفسه معاني وأشياء يقول في نفسه : سأتكلّم بهذا ، فالمنصف يجد من نفسه هذا البتّة ، فهذا هو الكلام النّفساني ، ثمّ نقول على طريقة الدّليل : إنّ الألفاظ التي نتكلّم بها لها مدلولات قائمة بالنّفس ، فنقول : هذه المدلولات هي الكلام النّفساني ،. فان قال : الخصم تلك المدلولات هي عبارة عن العلم بتلك المعاني

ص: 204


1- زور الشيء اى حسنه وقومه.
2- أقول عبر بعضهم عن ذلك بالألفاظ المتخيلة كما صرح بذلك مرارا علامة القوم السيد ابراهيم الراوي البغدادي في حلقة درسه بجامع السيد سلطان على ببغداد والعاقل المنصف لو تدبر لرأى ان هذه الأمور التي عبر عنها الناصب بالمعاني المزورة وغيره بالألفاظ المتخيلة ليست إلا صور حاصلة في الذهن مترتبة حسب أغراض المتكلمين واللافظين ، وعليه فهل هي الا تصورات وتصديقات ، وهل هما الا من مقولة العلم؟ فحينئذ فما معنى قولهم ان الكلام النفسي ليس من مقولة العلم بقسميه ولا الإرادة ولا الكراهة ولا مقدماتهما ولا الإذعان بالوقوع واللاوقوع ولا غيرها ، فيا معاشر العقلاء من أرباب الملل والنحل أقسمكم بما تبجلونه وتعظمونه ، أعرضوا مقالة هؤلاء الذين عقلوا عقولهم بإنكار الحسن والقبح على ألبابكم فانظروا بما ذا تحكم لنا أو لهم.

قلنا : هي غير العلم لأنّ من جملة الكلام الخبر ، وقد يخبر الرّجل عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه ، فالخبر عن الشّيء غير العلم به ، فان قال هو الإرادة ، قلنا هو غير الإرادة لأنّ من جملة الكلام الأمر ، وقد يأمر الرّجل بما لا يريده كالمختبر لعبده ، أهو يطيعه أولا فانّ مقصوده مجرّد الاختبار دون الإتيان بالمأمور به ، وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه فانّه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به ليظهر عذره عند من يلومه ، واعترض عليه بأنّ الموجود في هاتين الصّورتين صيغة الأمر لا حقيقته ، إذ لا طلب فيهما أصلا كما لا إرادة قطعا ، وأقول : لا نسلّم عدم الطلب فيهما لأنّ لفظ الأمر إذا وجد فقد وجد مدلوله عند المخاطب وهو الطلب ، ثمّ إنّ في الصّورتين لا بدّ من تحقّق الطلب من الآمر ، لأنّ اعتذاره واختباره موقوفان على أمرين : الطلب منه مع عدم الفعل من المأمور وكلاهما لا بدّ من أن يكونا محقّقين ليحصل الاعتذار والاختبار قال صاحب المواقف هاهنا : ولو قالت المعتزلة : إنّه أى المعنى النّفسي الذي يغاير العبارات (خ ل اعتبارات) في الخبر والأمر هو إرادة فعل يصير سببا لاعتقاد المخاطب علم المتكلم بما أخبر به أو يصير سببا لاعتقاده إرادته أى إرادة المتكلّم لما أمر به لم يكن بعيدا ، لأنّ إرادة فعل كذلك موجودة في الخبر والأمر ، ومغايرة لما يدلّ عليها من الأمور المتغيرة والمختلفة ، وليس يتّجه عليه أنّ الرّجل قد يخبر بما لا يعلم ، أو يأمر بما لا يريد ، وحينئذ لا يثبت معنى نفسي يدلّ عليه بالعبارات مغاير للإرادة كما تدّعيه الأشاعرة هذا كلام صاحب المواقف ، وأقول : من أخبر بما لا يعلمه ، قد يخبر ولا يخطر له إرادة شيء أصلا ، بل يصدر عنه الاخبار وهو يدلّ على مدلول ، هو الكلام النّفسي من غير إرادة في ذلك الإخبار لشيء من الأشياء ، وأمّا في الأمر وإن كان هذه الإرادة موجودة ، ولكن ظاهر أنّه ليس عين الطلب الذي هو مدلول الأمر ، بل شيء يلزم ذلك الطلب ، فإذن تلك الإرادة مغايرة للمعنى النّفسي الذي هو الطلب في هذا

ص: 205

الأمر وهو المطلوب ، ولمّا ثبت أنّ هاهنا صفة هي غير الإرادة والعلم فنقول : هو الكلام النّفساني ، فإذن هو متصوّر عند العقل ظاهر لمن راجع وجدانه غاية الظهور فمن ادعى بطلانه وعدم كونه متصوّرا فهو مبطل. وأما من ذهب إلى أنّ كلام اللّه تعالى هو أصوات وحروف يخلقها اللّه تعالى في غيره كاللّوح المحفوظ أو جبرئيل أو النّبي صلى اللّه عليه وآله وهو حادث ، فيتجه عليه أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلّم من قامت به صفة المتكلّم وخالق الكلام لا يقال : إنّه متكلّم ، كما أنّ خالق الذّوق لا يقال : إنّه ذائق وهذا ظاهر البطلان عند من يعرف اللّغة والصّرف فضلا عن أهل التحقيق نعم ، الأصوات والحروف دالة على كلام اللّه تعالى ويطلق عليها الكلام أيضا ، ولكن الكلام في الحقيقة هو ذلك المعنى النّفسي كما أثبتناه «انتهى.»

أقول : فيه نظر أما أولا فلأنّ إثبات الاشتراك لا يجديهم نفعا ، لأنّ الكلام يجب أن يكون مركّبا ، سواء كان لفظيّا أو نفسيّا ، أما اللّفظي فظاهر وأما النّفسي فلأنّ اللّفظي لما كان موضوعا بإزاء المعنى المطابق لما في النّفس فلو لم يكن النّفسي مركبا لم يكن المعنويّ مطابقا له ، وأيضا التّرتيب داخل في مفهوم الكلام ، ولا يوجد الكلام بدونه ، كما اعترف به الفاضل التفتازاني في شرح العقائد حيث قال : وهذا أى ما ذكره صاحب المواقف من أنّ الكلام النّفسي غير مرتّب الأجزاء جيّد لمن يتعقّل لفظا قائما بالنّفس غير مؤلف من الحروف المنطوقة أو المخيّلة المشروطة وجود بعضها بعدم البعض ، ولا من الأشكال المرتبة (خ ل المترتبة) الدّالة عليه ، ونحن لا نتعقّل من قيام الكلام بنفس اللافظ إلا كون صور الحروف مخزونة مرتسمة في خياله ، بحيث إذا التفت إليها كان كلاما مؤلفا من ألفاظ مخيّلة أو نقوشا مرتّبة ، وإذا تلفظ كان كلاما مسموعا «انتهى» وعلى هذا فما يزوره المتكلّم في نفسه عند إرادة التكلّم ، يجوز أن يكون عبارة عن الألفاظ

ص: 206

المخيّلة المرتّبة في النّفس ، فلا يجديهم ما تشبّثوا به من قول (1) عمر : زوّرت في نفسي كلاما بمعنى قدرته وفرضته ، كما يقال : زوّرت دارا وبناء ، فكما لا يدلّ هذا على كون حقيقة الدّار والبناء في النّفس ، كذلك لا يدلّ ذلك على كون حقيقة الكلام في النّفس ، وكذا كون الكلام في الفؤاد (2) يكون إشارة إلى تصوّره ، وأما ثانيا فلأنّ ما ذكره من أنّه قد يخبر الرّجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم خلافه فالخبر عن الشيء غير العلم به ، ففيه ما ذكره الشّارح الجديد للتّجريد حيث قال ولقائل أن يقول : إنّ المعنى النّفسي الذي يدّعون أنّه قائم بنفس المتكلم ومغاير للعلم في صورة الإخبار عمّا لا يعلمه ، هو إدراك مدلول الخبر ، أعني حصوله في الذّهن مطلقا يقينيا كان أو مشكوكا ، فلا يكون مغايرا للعلم ، والحاصل أنّ هذا إنّما يدلّ على مغايرته للعلم اليقيني (3) ، لا للعلم المطلق ، إذ كلّ عاقل تصدّى للأخبار ، تحصل في ذهنه صورة ما أخبرته بالضّرورة ، وأيضا ما ذكره (خ ل هذا) قياس الغائب على الشّاهد فلا يفيد وأما ثالثا فلأن ما ذكره في بيان مغايرة المعنى .

ص: 207


1- قال جار اللّه الزمخشرىّ في الفائق ج 1 ص 553 طبع مصر ، يقال رحم اللّه امرأ زور نفسه على نفسه ، اى اتهمها عليها ، يقال : انا أزورك على نفسك ، وحقيقته : نسبتها الى الزور كفسقه وجهله انتهى وذكر معاني أخر للتزوير من الجمع ، والعرض ، والتسوية ، وزوال العوج ، والتعفية الى غير ذلك ؛ وأنت ترى ان بعض المذكورات ، تناسب ما نحن فيه وقد تقدم في معنى التزوير ما هو انسب فراجع.
2- إشارة الى الشعر المشهور الذي تمسك به بعض الاشاعرة في اثبات الكلام النفسي (شعر) ان الكلام لفي الفؤاد وانما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا
3- وكأنه اختلط الأمر على الناصب ولم يتوجه الى ان المراد من العلم ما ذا ، هل هو المصطلح المنطقي او الأصولي أو اللغوي فكم فرق بينها كما لا يخفى.

النّفسي للإرادة «مردود» بالاعتراض الذي نقله وأما ما ذكره في دفع ذلك الاعتراض بقوله : أقول لا نسلّم عدم الطلب فيهما ، لأنّ لفظ الأمر إذا وجد فقد وجد مدلوله عند المخاطب «إلخ» مدخول ، بأنّ الاعتذار والاختبار إنّما يتوقّفان على أن يصدر من الآمر ما يدلّ بظاهره في مجاري الاستعمال على الطلب ، لا على تحقق الطلب في نفس الأمر ، إذ لا وقوف لغير اللّه تعالى بما في الصّدور ، فيحصل الاعتذار والاختبار من غير قصد الطلب كما لا يخفى وأما رابعا فلأنّ ما ذكره في جواب ما نقله ثانيا عن صاحب المواقف في تقوية المعتزلة من قوله : أقول من أخبر بما لا يعلمه قد يخبر ولا يخطر له إرادة شيء أصلا «إلخ» ففيه : أنّ هذا غير واقع ، ولو سلم فيجاب بمثل ما أجبنا عنه عمّا قيل : من أنّه قد يخبر الرّجل عمّا لا يعلمه فاعلم وأما ما ذكره من أن في الأمر وإن كان هذه الإرادة موجودة ، ولكن ظاهر أنّه ليس عين الطلب الذي هو مدلول الأمر ، بل شيء يلزم ذلك الطلب ، فإذن تلك الإرادة مغايرة للمعنى النّفسي الذي هو الطلب في هذا الأمر وهو المطلوب ، ففيه : أنّا لا نسلّم أنّ الطلب غير الإرادة(1) ، فإن الطلب

ص: 208


1- مسألة اتحاد الطلب والإرادة مما اختلفت فيه كلمة الفحول من الفريقين ، ومنشأ النزاع فيها ما صدر من الاشاعرة من الالتزام بالكلام النفسي في المائة الثالثة ، ثم سرى ذلك الى الأصول فصارت المسألة محل بحث في كلا العلمين ، فاختلفوا في المسألة على اقوال فمنهم من جعل النزاع لغويا في تعيين ما هو الموضوع له لكليهما بعد تسلم كونهما مترادفين؟ وانه هل هو الشوق المؤكد أو من مقدماته؟ او بالعكس. ومنهم من جعل النزاع عقليا وانه هل هناك اتحاد بين الطلب والإرادة حقيقة ام لا؟ فهم بين قائل باتحادهما مفهوما ومصداقا مع الاختلاف في المنصرف اليه عند العرف ولازمه كون اللفظين مترادفين وبين قائل بتغايرهما مفهوما واتحادهما مصداقا وبين قائل بتغايرهما مفهوما ومصداقا ، ذهب اليه اكثر الاشاعرة وعدة من أصحابنا المتأخرين. ثم ان القائلين بتغايرهما كذلك اختلفوا علي قولين ، فمنهم من جعل الإرادة والطلب كليهما من مقولة الكيف النفساني ، وجعل الإرادة في مرتبة متقدمة على الطلب ، ومنهم من جعل الإرادة من مقولة الكيف النفساني والطلب من مقولة الفعل النفساني وادعى وضوحه بشهادة الوجدان وذكر ان الإرادة صفة قائمة بالنفس موجبة لحركة نفسانية هي فعل النفس وهذه غير الحركة الخارجية القائمة بالأعضاء فتكون الحركة الخارجية في مرتبة ثالثة متأخرة عن مرتبة تحقق الحركة النفسانية وهي متأخرة عن مرتبة تحقق الإرادة ، وكان يعبر بعض المحققين من المتأخرين عن حركة النفس بالحملة النفسانية وكان يلتزم بأن هناك أمورا بنحو السلسلة الطولية هكذا (1) مقدمات الشوق المؤكد (2) نفس الشوق المؤكد (3) تحريك الشوق للنفس (4) حركة النفس بعد التحريك (5) حركة الأعضاء نحو الفعل أو مقدماته. وأنت خبير بأن ما حققه ودققه حقيق بالقبول ولا يشك ذو مسكة في تغاير التحريك أو الحركة مع الشوق القائم بالنفس ، لكنه مع التزامه بالتعدد خالف الاشاعرة في مسلكهم حيث ان الطلب عنده من مقولة الفعل النفساني أو الفعل الخارجي ، والأشعري مع كونه قائلا بالتعدد ينكر كونه من تلك المقولات بل جعله امرا نفسانيا مغايرا لجميع ذلك ، فيكون أحسن الاجوبة عن مقالة الأشعري ما افاده المتقدمون من أصحابنا رضوان اللّه عليهم من الاحالة الى الوجدان وأنا إذا راجعنا الى وجداننا لا نجد امرا مغايرا لما ذكر ، والبرهان عند شهادة الوجدان مما يستغنى عنه.

عين الإرادة (1) عند المعتزلة ، ولو سلّم فنقول : إنّ الكلام النّفسي عند الأشاعرة

ص: 209


1- وفيه إشارة الى ضعف دعوى العينية إذ نحن نجد تفرقة ضرورية بين مدلول قولنا : افعل ، وبين قولنا : أريد الفعل وهو ظاهر ، أو الى ضعف نسبة هذه الدعوى الى المعتزلة كما يدل عليه كلام الفاضل عبد الحي البدخشي الحنفي في شرح منهاج الأصول عند قول مصنفه : والطلب غير الإرادة خلافا للمعتزلة «إلخ» فيه بحث أما أولا : فلان المفهوم من كلامه حيث قال : ان النزاع في الطلب مطلقا أعم من أن يكون بالنسبة الى اللّه تعالى أو العبد وهو فاسد ، إذ الطلب باقسامه كطلب الفعل والكف والإقبال وغيرها من الكلام النفسي ، والمعتزلة أنكروا ثبوته لله تعالى لا أنهم جعلوها عين الإرادة ، فان أريد أنهم سموا الإرادة طلبا فهو مما لم ينقل عنهم ، كيف؟ وعند البصري منهم أن إرادته تعالى العلم بالمصلحة ، وعند النجار أنها معنى سلبي وهو أنه ليس بساه ولا مكره ولا مغلوب فيما فعل ، وعند النظام والكعبي أن إرادة فعل نفسه علمه بوقوعه ، وإرادة فعل غيره الأمر به ، والأمر عندهم الكلام اللفظي ، ولا خفاء في أنه لا يحسن اطلاق الطلب على شيء من هذه المعاني الا الأمر اللفظي مجازا ، ويؤكد ذلك ما في شرحه المختصر : من أن الطلب لما كان نوعا من الكلام النفسي الذي أنكروه ولم يمكنهم أن يحدوا الأمر به ، وتارة حدوه باعتبار اللفظ فقيل هو قول القائل لمن دونه : افعل ، وتارة باقتران صفة الإرادة ، فقيل هو صيغة افعل بارادة وجود اللفظ ودلالته على المعنى والامتثال ، وتارة جعلوه نفس صفة الإرادة فقيل : الأمر إرادة الفعل ، وهذا صريح في أنهم لم يجعلوا الإرادة طلبا ولا بالعكس، اللّهم الا أن يقال : انهم جعلوا الأمر اللفظي الذي يطلق عليه الطلب مجازا غير إرادة المأمور به ، أو يقال : ان بعضهم أثبت له إرادة حادثة لا في محل ، فيجوز أن يكونوا سموه طلبا «انتهى» منه قده.

قديم ، فلو كان عبارة عن الطلب كما ذكره النّاصب يلزم قدم من يطلب منه الفعل أيضا وإلا يلزم السّفه ، إذ الطلب بدون وجود من يطلب منه سفه بالضّرورة ، وسيجيء تفصيل الكلام فيه عن قريب إن شاء اللّه تعالى وأما خامسا : فلأنّ ما ذكره من أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلم من قام به صفة التكلم وخالق الكلام لا يقال له إنّه متكلم «إلخ» قد هرب فيه النّاصب عمّا قاله أصحابه قاطبة : من أنّ المتكلّم من قام به الكلام لما أورد عليهم الإماميّة ، من أنّه يلزم من ذلك أن لا يصحّ إطلاق المتكلّم على البشر ، إذ الكلام قائم بالصّوت الذي هو عرض لا بالبشر ، وحينئذ يتوجّه عليه : إنّ المبدأ الذي هو التكلم المهروب إليه بمعنى إيجاد الكلام قائم بذاته تعالى حقيقة ، فلا يحتاج إلى المعنى النّفسي

ص: 210

الأزليّ ، وأيضا نحن لا نشترط في صدق المتكلّم أن يكون ذلك الشيء موجدا للكلام ، بل نقول : لا بدّ أن يكون بين الكلام وذلك الشيء ملابسة كما في الحدّاد والصّباغ والتمّار وغيرها ، وهي محقّقة هاهنا. إذ الكلام مخلوق (1) له تعالى ،

ص: 211


1- مسألة مخلوقية كلامه تعالى ، وان القرآن قديم ، أو حادث ، مما وقع النزاع فيها من سالف الزمان ، بحيث قتل جمع من القائلين بقدمه ، وكذا من القائلين بحدوثه وكان المأمون العباسي ، من أشد العاضدين للحدوث. والقادر والمتوكل العباسيان قتلوا جماعة من القائلين بالحدوث واكثر الاشاعرة ، كالشيخ أبى الحسن شيخهم في كتاب الابانة والقاضي محمد بن الطيب الباقلاني وابن فورك والباهلي وامام الحرمين ذهبوا الى قدمه واستدلوا على ذلك بوجوه من السمع والعقل كلها مجاب عنها باجوبة شافية ، والمعتزلة وغيرهم ذهبوا الى حدوثه ، ولهم أدلة من النقل والعقل ، والرازي في كتاب الأربعين ص 179 وص 180 جمع بين كلمات الفريقين ، وجعل هذا النزاع الطويل الذيل قريبا من النزاع اللفظي ، وقال ان كلامه تعالى ، بمعنى الأصوات والحروف ، لا كلام في كونها حادثة ، واما كلامه الذي هو مدلول تلك الدوال فهو قديم واحد بالذات ، مختلف بالاعتبار ، من حيث اتصافه بالامرية والنهيية والخبرية وغيرها الى آخر ما قال وأنت خبير بان النزاع بين الاشاعرة ، وبين مخالفيهم في ثبوت ذاك الأمر الواحد القديم بجعله مغايرا للارادة والكراهة والعلم فالاشعرى يدعى التغاير ، وخصمائه ينكرون ذلك ، فعليه لا يكون النزاع لفظيا أو لغويا كما احتمله في طي كلماته. ثم ان من الاشاعرة من صرح ، بكون الأصوات والحروف كمدا ليلها قديمة أيضا ، كما ان الكرامية ، ذهبوا الى انه خلق تلك الأصوات والحروف في ذاته القديم وجعلوا ذاته تعالى شأنه محلا لتلك الحوادث. وبالجملة لو تأملت في هذه الأقوال والكلمات التي هي بين افراط وتفريط لرأيت بعين العيان ان النزاع ليس بلفظي كما توهمه وان هناك ابحاثا ، ومضامير فللنزاع في اثبات امر قديم قائم بذاته واحد بالذات مدلول للكلام اللفظي ، مضمار وللنزاع في كون الدال عليه قديما أو حادثا مضمار وللنزاع في قيام ذاك الدال الحادث بذاته تعالى أو عدمه مضمار ثالث وفي كل من هذه المعارك كم من فئة هالكة مهلكة والصراط الواضح ، والنجم اللامع اللائح ، ما أخذته الاصحاب رضوان اللّه عليهم ، عن أئمة اهل البيت عليهم السلام ، فان علومهم مستفادة ، من المشكاة النبوية والمصباح الذي استنير من النور الإلهي ، والوحى الرباني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ثبتنا اللّه تعالى على التمسك باذيالهم ، واتباع آثارهم ، وحشرنا في زمرة من لم يعرف سواهم آمين آمين.

وبالجملة لا يلزم أن يكون إطلاق الألفاظ على وتيرة (1) واحدة ، فانّ المضيء قد يطلق على ما كان نفس الضوء فلا يصدق عليه بمعنى ما قام به الضّوء ، وكذا التّمّار يطلق على من كان بائعا للتّمر لا على من قام به التّمر ، فلا يتّجه علينا النّقض بالذّائق ، كما ذكره النّاصب الخالي عن ذوق التّحقيق ، ولا بالمتحرّك كما أورده شارح العقائد ، ولا ما أورده الشّارح الجديد للتّجريد : من أنّا إذا سمعنا قائلا يقول : أنا قائم ، نسمّيه المتكلّم وإن لم نعلم أنّه الموجد لهذا الكلام ، بل وإن علمنا أنّ موجده هو اللّه تعالى (2) كما هو رأى الأشاعرة «انتهى» وقد اعترف بهذا فخر الدّين الرّازي في المسألة الثالثة والأربعين من الباب الأوّل من القسم الأوّل من الكتاب الأول من فواتح تفسيره الكبير حيث قال : والتّحقيق في هذا الباب أنّ الكلام عبارة عن فعل مخصوص ، جعله الحىّ القادر لأجل أن يعرّف غيره ما في ضميره من الإعتقادات والإرادات ، وعند هذا يظهر أنّ المراد من كون الإنسان متكلّما

ص: 212


1- الوتيرة. الطريقة.
2- لا يخفى ان هذا مقلوب عليهم فانا إذا سمعنا قائلا يقول : انا قائم نسميه المتكلم ، وان لم نعلم ان الكلام قائم به ، بل وان علمنا انه ليس قائما به بل بالهواء تأمل. منه «قده».

بهذه الحروف مجرّد كونه فاعلا لها لهذا الغرض المخصوص «انتهى» على أنّ ما ذكره النّاصب وشارح العقائد بحث لفظيّ لا يعتدّ به في المباحث العقليّة ، وإذا قام الدّليل على امتناع كونه تعالى متكلّما بالمعنى اللّغويّ المشهور ، وهو أنّ المتكلّم بمعنى من قام به الكلام ولم يتمّ الدّليل على المعنى القائم بالذّات ، فلا بدّ من التّشبث بالمعنى اللّغوي الغير المشهور ، وهذا كما قيل : في حمل الموجود عليه تعالى على قاعدة الحكماء ومن وافقهم من أنّ الوجود عين حقيقته غير قائم به ، إذ على هذا لا يصحّ لغة أن يقال : إنّه تعالى موجود ، إذ معنى الموجود لغة من قام به الوجود ، وهو يقتضي المغايرة ، وذلك باطل عندهم «تأمّل» والسّر في أنّ أهل اللّغة ربما يفسّرون صيغة الفاعل بمن قام به الفعل ، ما قاله بعض المحقّقين : من أنّ اللّغة لم تبن (1) على النّظر الدّقيق ، بل هم ينظرون إلى ظاهر الحال فيحكمون بقيام الكلام بالمتكلّم ويقولون باتّصاف المتكلّم به حال التّكلّم : وكيف لا؟ ولو بنيت اللّغة على النّظر الدّقيق لتعذّر في أكثر أفعال الحال؟ فانّه يلزم أن يكون مجازا ، مع أنّهم اتّفقوا على أنّ المضارع حقيقة في الحال ، في مثل يمشي ، ويتكلّم ، ويخبر ، بل يتوسّعون في معنى الحال ، ويعمّمونه عن المشي بين المشرق والمغرب ، ويريدون به الحال ، وقس عليه الحال في اسم الفاعل إذا قالوا : إنّه حقيقة في زيد ماش من المشرق إلى المغرب ، والحاصل أنّ النّظر الدّقيق يقتضي عدم قيام المبدأ وعدم بقائه في محلّ يقوم به ، وظاهر النّظر يميل إلى القيام والبقاء ، والملخّص أنّ معنى اسم الفاعل (2) مثلا هو الأمر المجمل الذي يعبّر عنه في الفارسيّة «بدانا» و

ص: 213


1- مضافا الى ان شأن اللغوي بيان موارد الاستعمال لا الوضع وان كان هذا لا يخلو عن مناقشة أوردناها في مباحث الألفاظ.
2- الظاهر أن كلمة «كالعالم» ساقطة من قلم الناسخ.

إذا أردنا تحليله(1) نعبّر عنه بذات له العلم ، مع أنّا نعلم أنّ الذّات غير مأخوذة في معنى العالم وكذا قيام معنى العلم ، امّا أن الذّات غير مأخوذة فلأنّا إذا قلنا زيد عالم نعلم يقينا أنّ زيدا بمنزلة الذات ، وليس المراد بزيد ذات له العلم ، بل المراد زيد له العلم ، وكيف لا؟ وقد استدلوا على ذلك بأنّه لو كان شيء أو ذات مأخوذا في المشتقّ لكان النّاطق مركبا من العرضي ، كما قاله سيّد المحقّقين (2) : قدس سره في حاشية المطالع ، فيلزم أن لا يصحّ التحديد به ، وفوق هذا كلام : وهو أنّ إطلاق اسم المتكلّم على الفاعل للكلام ثابت في لسان العرب ، بل ولا يطلقون اسم المتكلّم على القائم به الكلام أصلا ، لأنّ الفعل لا يوصف به المفعول ، بل إنّما يوصف به الفاعل كالضّرب مثلا ، فلا يقال : الضّارب لمن وقع عليه الضّرب ، بل لمن فعل الضّرب ، فحينئذ لا يقال المتكلّم من قام به الكلام بل من فعله ، وإلا لكان الهواء متكلّما لقيام الحروف والصّوت به ، وقالوا تكلّم الجنّ : على لسان المصروع (3) لاعتقادهم أنّ الكلام المسموع من المصروع فاعله الجنّ ، فأسندوه إلى الفاعل لا القائم به ، والأشاعرة لمّا قالوا إنّ الكلام هو المعنى قالوا : معنى كونه متكلما هو قيام ذلك المعنى بذاته ، ثمّ افتروا به على اللّغة. فان قلت الكلام على ما ذكرتموه يرجع إلى القدرة فلا يكون صفة مستقلّة أخرى ، قلت : لا محذور في إرجاعه إلى القدرة وعدّه صفة مستقلّة أخرى ، بناء على فائدة مخصوصة : هي أنّ

ص: 214


1- وذلك لا ينافي بساطة المشتق وعدم أخذ الذات في مفهومه كما حققه المتأخرون من الأصوليين والمنطقيين فمعاني المشتقات مفاهيم مجملة في الإدراك الاولى قابلة للتحليل بالتعمل والتأمل.
2- هو المحقق الشريف الجرجاني وقد مرت ترجمته.
3- الصرع. علة تمنع الأعضاء النفسانية عن افعالها منعا غير تام ، ويقال لمن غشى عليه مصروع.

أفعال العباد قولا وفعلا مخلوقة بقدرة العبد أو بقدرة اللّه ، وكسب العبد والقرآن مخلوق له بلا واسطة قدرة العبد وكسبه ، وتحقيقه : أنّ اللّه تعالى يعلم جميع المعلومات ، فعلم القرآن في الأزل بأنّه سيوجده بقدرته القديمة في جسم من الأجسام من غير كسب(1) ، بخلاف كلام البشر فانّه عالم في الأزل بأنّه سيوجده البشر بقدرته الحادثة أو بكسبه. وممّا يكسر سورة (2)استبعاد الخصم : أنّ صفتي السّمع والبصر راجعتان إلى العلم باتّفاق الأشاعرة معنا ، مع أنّهما عدّتا صفتين مستقلّتين متابعة للشّارع حيث أفردهما عن العلم في الذّكر لغاية اهتمامه باثباتهما ، وباعتقاد المكلّفين لاتصافه تعالى بهما.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الثاني في أنّ كلامه تعالى متعدّد ، المعقول من الكلام على ما تقدّم أنّه الحروف والأصوات المسموعة ، وهذه الحروف المسموعة إنّما تلتئم كلاما مفهوما إذا كان الانتظام على أحد الوجوه التي يحصل بها الإفهام ، وذلك بأن يكون خبرا أو أمرا أو نهيا أو استفهاما أو تنبيها ، وهو الشّامل للتّمنّي والتّرجي والتّعجب والقسم والنّداء ، ولا وجود له إلا في هذه الجزئيات ، والذين أثبتوا قدم الكلام اختلفوا : فذهب بعضهم إلى أنّ كلامه تعالى واحد مغاير لهذه المعاني ، وذهب آخرون إلى تعدّده ، والذين أثبتوا وحدته خالفوا جميع العقلاء في إثبات شيء لا

ص: 215


1- الكسب من مصطلحات الاشاعرة وقد مر شرحه وبيان المراد منه في تعاليقنا السابقة التي ذكرنا فيها الفروق بين الاشاعرة والماتريدية ، وسيجيء في كلام القاضي الشهيد شرحه أيضا.
2- السورة بفتح السين المهملة وسكون الواو ، يقال سورة الشيء لحدته وسورة السلطان لسطوته وسورة المجد لأثره وارتفاعه وسورة البرد لشدته.

يتصوّرونه هم ولا خصومهم ، ومن أثبت لله تعالى وصفا لا يعقله ولا يتصوّره هو ولا غيره فكيف يجوز أن يجعل إماما يقتدى به ويناط بكلامه الأحكام؟ «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : الأشاعرة لمّا أثبتوا الكلام النّفساني جعلوه كسائر الصّفات مثل العلم والقدرة ، فكما أنّ القدرة صفة واحدة تتعلّق بمقدورات متعدّدة ، كذلك الكلام صفة واحدة تنقسم إلى الأمر والنّهى والخبر والاستفهام والنّداء ، وهذا بحسب التّعلق ، فذلك الكلام الواحد باعتبار تعلّقه بشيء على وجه مخصوص يكون خبرا ، وباعتبار تعلّقه بشيء آخر أو على وجه آخر يكون أمرا ، وكذا الحال في البواقي وأمّا من جعل الكلام عبارة عن الحروف والأصوات فلا شكّ أنّه يكون متعدّدا عنده ، فالنّزاع بيننا وبين المعتزلة والإماميّة في إثبات الكلام النّفساني ، فان ثبت فهو قديم واحد كسائر الصّفات ، وإن انحصر الكلام في اللّفظي فهو حادث متعدّد ، وقد أثبتنا الكلام النّفسي فيما سبق ، فطامات الرّجل ليس إلا التّرهات «انتهى.»

أقول : إن أراد بقوله : الكلام صفة واحدة تنقسم إلى الأمر والنّهى «إلخ» أنّ كلامه تعالى جنس لهذه الأمور ، وهذه الأمور أنواع له ، فيلزم من قدمه وحدوثها وجود الجنس بدون أحد الأنواع ، وبطلانه ظاهر ، وإن أراد أنّه أمر معيّن يعرضه هذه الأمور كما يشعر به كلام الشّارح الجديد للتّجريد في تتميم جواب عبد اللّه بن سعيد (1) حتّى لا يلزم كون تلك الأنواع أنواعا حقيقيّة ، بل تكون

ص: 216


1- هو عبد اللّه بن سعيد بن الحصين الكوفي ، أبو سعيد الاشجّ الحافظ المتوفى سنة 257 وكان من كبار القوم فقها ، وحديثا وكلاما ، روى عن عبد السلام بن حرب وأبى خالد الأحمر والمحاربي وابن إدريس وهشيم ومن في طبقتهم فراجع الكتاب الخلاصة للخزرجى ص 169.

أنواعا بحسب العارض والاعتبار والأمور الخارجة ، فمسلّم أنّ هذا لا يستلزم محالا لأنّ غاية ما يلزم من ذلك وجود المعروض بدون العارض وهو ليس بمستحيل ، لكنّه خلاف ما هو المقرّر عندهم ، من أنّ هذه الأمور أنواع الكلام. وأيضا هذا غير معقول إذ لا يعقل كلام إلا على أحد الأساليب المعروفة عند العقلاء ، وبالجملة نحن لا نعقل من كلامه تعالى سوى الأمر والنّهى والخبر ، فإذا اعترفتم بحدوثها ثبت حدوث الكلام فان ادّعيتم قدم شيء آخر فبيّنوه ليتصوّر ، ثمّ أقيموا الدّلالة عليه وعلى اتصافه تعالى به وعلى قدمه ، وأيضا لو جوّز كون الكلام الواحد متكثّرا وأنواعه مختلفة باعتبار التّعلّقات لزم جواز أن يكون جميع الصّفات راجعة إلى صفة واحدة بل إلى الذّات بأن يكون باعتبار تعلّقه بالتّخصيص إرادة ، وباعتبار تعلّقه بالإيجاد قدرة إلى غير ذلك من الاعتبارات ، وقال السيّد معين الدين الصّفوي الإيجي الشافعي في رسالته في الكلام : إن العرف العامّ والخاصّ من الشّرع واللّغة لا يفهم من الكلام إلا المركب من الحروف لا مجرّد مفهوم اللّفظ الذي هو في الحقيقة (خ ل في التحقيق) نوع من العلم ، وليس من شأن النّبوّة دعوة الامّة إلى شيء غير معلوم ظاهره كذب وإلحاد من غير إشارة في موضع وموقع على المراد من إطلاقه ، مع أنّ العرف مطلقا يعرف تناقض الأخرس مع المتكلّم ، وعلى ما عرّفه الأشعري يجتمع الخرس وهذا المتكلّم (1) ، والتكلّم والسّكوت ، وأما ما في متن العقائد للنّسفي (2) انّ

====

(2)

ص: 217


1- الظاهر أن العبارة كذا : يجتمع الخرس والتكلم في هذا المتكلم.
2- هو نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد السمرقندي الحنفي الأصولي المتكلم الشهير المتوفى ببغداد سنة 537 له تآليف كثيرة منها كتاب العقائد المعروف بالعقائد النسفية وقد شرحه جمع كثير من علماء القوم ومنها كتاب طلبة الطلبة في المصطلحات الحنفية في الفقه ، ومنها تاريخ سمرقند ، والنسفي نسبة الى نسف كجبل بلد بما وراء النهر.

الكلام صفة متنافية للسّكوت والآفة ، وقال شارحه (1) العلامة : هذا إنّما يصدق على الكلام اللّفظي دون النّفسي ، إذ السّكوت والخرس إنّما ينافي التلفّظ ، وأجاب بأنّ مراده السّكوت والآفة الباطنيّتان بأن لا يدبّر في نفسه التّكلم ولا يقدر على ذلك ، فكما أنّ الكلام لفظي ونفسي ، فكذا ضدّه اعني السّكوت والخرس ، فأنت على يقين أنّ هذا التّوجيه تمحّل (2) لا يغني عن الحق شيئا (3) ، فأعرضنا عن التّعرّض بتفصيل الجواب.

ص: 218


1- المراد به قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي الكازروني الشافعي المشتهر بالعلامة المتوفى سنة 710 ببلدة تبريز ودفن بجنب قبر القاضي البيضاوي أو العلامة المحقق التفتازاني المولى مسعود بن عمر المتوفى سنة 791 صاحب كتاب المطول والظاهر الثاني.
2- قال بعض الفضلاء في بحث المغالطة من كتاب المسمى بمسالك الافهام في علم الكلام ان من أسباب الغلط أخذ ضد الشيء ضدا للازمه وهو باطل ، لان الحرارة يضاد البرودة ولا يضاد العرضية واللونية ، وأبو الحسن الأشعري ارتكب هذا في اثبات كلام الحق فقال : وجدنا كل من ليس بمتكلم اخرس فحكم بان الكلام والخرس متضاد ان ، فحكم بانه تعالى لو لم يكن متكلما لكان اخرس ، لأنه في الشاهد كذلك ، ثم أثبت للباري شيئا سماه كلام النفسي ولم يثبت له الكلام الذي اخذه ضدا للخرس (فانه يثبت للخرس) لعدم اشتراطه بالحرف والصوت ، فيجتمع مع الخرس ، فلا يكون ضده فبطل قوله ان الكلام والخرس ضد ان لان الخرس لا يزول بكلام النفس. منه «قده».
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة يونس. الآية : 36.

قال المصنّف رفعه اللّه

المطلب الثالث في حدوثه ، العقل والسّمع متطابقان على أنّ كلامه تعالى محدث ليس بأزليّ ، لأنه مركّب من الحروف والأصوات ، ويمتنع اجتماع حرفين في السّماع دفعة واحدة فلا بدّ أن يكون أحدهما سابقا على الآخر ، والمسبوق حادث بالضّرورة ، والسّابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضّرورة. وقد قال اللّه تعالى ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) (1) ، وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه ، وأنّه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين ، وإثبات ذلك في غاية السّفه والنّقص في حقّه تعالى ، فانّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا ، وقال يا سالم قم ، ويا غانم اضرب ويا سعيد كل ولا أحد عنده من هؤلاء ، عدّه كلّ عاقل سفيها جاهلا عادما للتّحصيل فكيف يجوز منهم نسبة هذا الفعل الدّال على السّفه والجهل والحمق إليه تعالى؟ وكيف يصح منه تعالى أن يقول في الأزل : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) (2)؟ ولا مخاطب هناك ولا ناس عنده ، ويقول ( يا أَيُّهَا النَّاسُ (3) اتَّقُوا رَبَّكُمُ ) ؟ ويقول ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ (4) آمَنُوا* أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ، ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ ) (5) ( ، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ ) (6) و ( ، أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (7)؟ وأيضا لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه

ص: 219


1- الأنبياء. الآية 21.
2- كما في سورة البقرة. الآية : 21
3- كما في سورة الحج. الآية : 1
4- كما في سورة البقرة. الآية 110 وغيرها من الآيات.
5- كما في سورة البقرة. الآية 188
6- كما في سورة الانعام. الآية 151
7- كما في سورة المائدة. الآية 1.

تعالى ، لأنّه إن لم يفد بكلامه في الأزل شيئا كان سفيها ، وهو قبيح عليه تعالى وإن أفاد فإمّا لنفسه أو لغيره ، والأوّل باطل ، لأنّ المخاطب إنّما يفيد لنفسه لو كان يطرب في كلامه أو يكرّره ليحفظه أو يتعبّد به كما يتعبّد اللّه تعالى بقراءة القرآن ، وهذه في حقّه محال لتنزّهه عنها. والثّاني باطل لأنّ إفادة الغير إنّما تصحّ لو خاطب غيره ليفهم مراده أو يأمره بفعل ، أو ينهاه عن فعل ، ولمّا لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه كان كلامه سفها وعبثا. وأيضا يلزم الكذب في إخباره تعالى ، لأنّه قال : ( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) (1) ، انا ( أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ ) (2) و ( أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ ) (3) ، ( وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ ) (4) ، مع أنّ هذه إخبارات عن الماضي ، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب تعالى اللّه عنه. وايضا قال تعالى ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (5) ، وهو إخبار عن المستقبل فيكون حادثا «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق الإشارة إلى النّزاع بين الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإماميّة في إثبات الكلام النّفساني ، فمن قال : بثبوته فلا شكّ أنّه يقول : بقدمه ، لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى ، ومن قال بأنّه مركّب من الحروف والأصوات ، فلا شكّ أنّه يقول بحدوثه ونحن نوافقه فيه فكلّ ما أورده على الأشاعرة فهو إيراد على غير محلّ النّزاع ، لأنّه يقول : إنّ الكلام مركّب

ص: 220


1- نوح. الآية 1.
2- النساء. الآية 163.
3- يونس. الآية 13.
4- ابراهيم. الآية 45.
5- النحل. الآية 40.

من الحروف ، ثمّ يقول بحدوثه ، هذا ممّا لا نزاع فيه ، نعم لو قال بإثبات الكلام النّفسي ثمّ يثبت حدوثه يكون محلّ النّزاع. واما ما استدل به على الحدوث من قوله تعالى : ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) ، فهو يدلّ على حدوث اللّفظ ولا نزاع فيه ، وأما الاستدلال بأنّ الأمر والخبر في الأزل ولا مأمور ولا سامع فيه سفه كما ذكره في طامّاته ، فالجواب أنّ ذلك السّفه الذي ادّعيتموه إنّما هو في اللّفظ ، وأمّا كلام النّفس فلاسفه فيه ، ومثاله على وفق ما ذكر ، انّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا ورتّب (1) في نفسه أنواع الأوامر لجماعة سيأتون عنده ولا يتلفّظ به ، فلا يكون سفها ولا حماقة ، بل السّفيه من نسبه إلى السّفه ، فالكلام النّفسي هو المعنى القائم بذات اللّه تعالى في الأزل ، ولا تلفّظ بذلك الكلام ، بل هو لجماعة سيحدثون ، ويكون التلفظ به بعد حدوثهم وحدوث أفعالهم التي تقتضي الأمر والنّهى والإخبار والاستفهام ، فلاسفه ولا حماقة كما ادّعاه ، وبهذا الجواب أيضا يندفع ما ذكره من لزوم صدور القبيح من اللّه تعالى ، لأنّ ذلك في التّلفّظ بالكلام النّفسي ، ونحن نسلّم أن لا تلفظ في الأزل ، بل هناك معان قائمة بذات اللّه تعالى قديمة. وأيضا يندفع ما ذكره من لزوم الكذب ، لأن الصّدق والكذب صفتان للكلام الذي يتلفّظ به لا المعاني المزوّرة في النّفس المقولة بعد هذا لمن سيحدث. وأمّا الاستدلال على حدوث الكلام بقوله تعالى : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) لأنّه إخبار عن المستقبل فيكون حادثا فالجواب عند أنّ لفظ كن حادث ، ولا نزاع لنا فيه ، إنّما النّزاع في المعنى الأزلي النّفساني ، ولا يلزم من كون مدلول لفظة كن في ذات اللّه تعالى حدوثه «انتهى.»

ص: 221


1- ولقائل ان يقول لهذا الناصب أهذا الترتيب وما اتصف به من المرتبات هل هي إلا صور حاصلة وهل هي الا من مقولة العلم ، عصمنا اللّه من اللداد والعناد.

أقول : غرض المصنّف قدس سره أنّ الكلام الذي فهمه وقرّره السّلف والخلف من أهل السّمع والعقل ليس إلا ما حكموا بحدوثه ، فمن أين جاء هذا الكلام النّفسي القديم؟ ، وحاصله أنّ إثبات الكلام النّفساني مع كونه غير معقول مخالف للإجماع ، ويؤيّده ما نقل السيّد معين الدّين الإيجي الشّافعي في بعض رسائله عن بعض العلماء انّه قال : ما تلفّظ بالكلام النّفسي أحد إلا في أثناء المائة الثالثة ، (1)ولم يكن قبل ذلك في لسان أحد «انتهى» ولا ريب أنّ هذا إيراد وارد على الأشاعرة ، وأما الجواب الذي ذكره من أنّ السّفه(2) إنما هو في اللّفظ دون الكلام النّفسي ، فهو مأخوذ من قواعد العقائد للغزالي والمواقف للقاضي عضد ، وحاصل ما قيل إنّه ليس من شرط الأمر أن يكون المأمور موجودا ، ولكن يجوز أن يقوم الطلب بذاته قبل وجود المأمور ، فإذا وجد المأمور كان مأمورا بذلك الطلب بعينه من غير تجدّد طلب واقتضاء آخر (3) ، فكم من شخص ليس له ولد ، ويقوم بذاته اقتضاء طلب العلم لولده على تقدير وجوده ، فله أن يقدّر في نفسه أن يقول لولده : اطلب العلم ،

ص: 222


1- قيل ان اول من تفوه بذلك وأبدى هذه الكارثة أبو محمد عبد اللّه المتكلم البغدادي من أهل القرن الثالث وأراد بذلك حسب زعمه الجمع بين ظواهر الأدلة النقلية من اسناد الكلام اليه تعالى وصدوره منه وبين المحاذير في الكلام اللفظي وما درى المسكين انه ابتلى بمحاذير أشد من التصرف في ظواهر الأدلة بعد قيام البراهين السديدة.
2- وأيضا لا يخفى على احد انه كما ان من العبث والسفه ان يتكلم احد بالكلام اللفظي ولا يكون له فائدة ، كذلك من العبث والسفه ان يلاحظ هذه الأمور ازلا وأبدا ولا تكون له فائدة سيما بعد تحقق الاخبار عنه أو تحقق الأمر والنهى وهو ظاهر منه. «قده»
3- نظير الواجبات المشروطة أو المعلقة التي حققها المتأخرون في كتب الأصول بما لا مزيد عليه.

وأورد عليه سيّد المحقّقين في شرح المواقف (1) : بأنّ ما يجده أحدنا في باطنه هو العزم على الطلب وتخيّله ، وهو ممكن وليس بسفه ، أمّا نفس الطلب فلا شكّ في كونه سفها ، بل قيل غير ممكن ، لأنّ وجود الطلب بدون من يطلب منه محال ، وأما ما ذكره في دفع لزوم الكذب عن مثل قوله تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) (2) «فمدخول» بأنّ مقتضى الكلام النّفساني في ذلك علمه تعالى وإخباره بانّه سيرسل نوحا ، والمقول بعد ذلك هو أنّه أرسله ، والخبر والعلم بأنّ الشيء سيوجد يمتنع أن يكون العلم بأنّه يوجد أو وجد ، فلا يصحّ قوله : المزوّرة المقولة بعد هذا ، لدلالته على أنّ أحدهما هو الآخر ، على أنّه يلزم من ذلك التغير في علمه تعالى ، وبطلانه ظاهر ، وبما قرّرناه يندفع باقي كلمات النّاصب كما لا يخفى على المتأمّل.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الرابع في استلزام الأمر والنّهي الإرادة والكراهة (الكراهية خ ل) كلّ عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فانّه يأمره به ، وإذا كره الفعل فانّه ينهى عنه ، وإنّ الأمر والنّهى دليلان على الإرادة والكراهة (الكراهية خ ل) ، وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، وقالوا : إنّ اللّه تعالى يأمر دائما بما لا يريده بل بما يكرهه وإنّه ينهى عمّا لا يكرهه ، بل عمّا يريده ، وكلّ عاقل ينسب من يفعل. هذا إلى السّفه والجهل تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ اللّه تعالى مريد لجميع الكائنات غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد له ، وما ليس بكائن ليس بمراد له ، ومذهب المعتزلة و

ص: 223


1- المراد به المحقق الشريف الجرجاني.
2- نوح. الآية 1.

من تبعهم من الإماميّة أنّه تعالى مريد للمأمور به كاره للمعاصي والكفر ، ودليل الأشاعرة أنّه تعالى خالق الأشياء كلّها ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضّرورة والصّفة المرجّحه لأحد المقدورين هو الإرادة ولا بدّ منها ، فإذن ثبت أنّه مريد لجميع الكائنات. وأمّا المعتزلة فانّهم لمّا ذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم وأثبتوا في الوجود تعدد الخالق (1) يلزمهم نفى الإرادة العامّة (2) ، فاللّه تعالى عندهم يريد الطاعات ويكره المعاصي ، فيأمر بالطاعات وينهى عن المعاصي لأنّها ليست من خلقه. وعند الأشاعرة أنّه تعالى يريد الطاعات ، ويأمر بها وهذا ظاهر ويريد المعاصي وينهى عنها ، والأمر غير الإرادة كما مرّ في الفصل السّابق وليس المراد من الإرادة الرّضا والاستحسان ، فقوله : إنّ الأشاعرة يقولون : اللّه تعالى يأمر بما لا يريده أراد به أنّ اللّه تعالى يأمر بإيمان الكافر ولا يريده ، فالمحذور الذي بما لا يريده أراد به أنّ تعالى يأمر بإيمان الكافر ولا يريده ، فالمحذور الذي ذكره من مخالفة العقلاء ناش من عدم تحقيق معنى الإرادة ، فانّ المراد بالارادة هاهنا هو التّقدير والتّرجيح في الخلق لا الرّضا والاستحسان كما هو المتبادر ، فذهب إلى اعتبار معنى الإرادة بحسب العرف ، وإذا حقّقت معنى الإرادة علمت مراد الأشاعرة ، وأنّه لا نسبة للجهل والسّفه إلى اللّه تعالى عن ذلك كما ذكره «انتهى»

أقول : كونه تعالى خالقا للأشياء كلّها ممنوع ، والاستناد بقوله تعالى ( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (3) ضعيف ، لأنّه عامّ مخصوص بما عدا ذاته تعالى وأفعال عباده ، وقد بيّنا في الفصول السّابقة أنّه تعالى ليس بخالق لأفعال

ص: 224


1- اى بالنسبة الى الأفعال ، فاللام عوض عن المضاف اليه اى خالق الفعل أو عهدي بقرينة المقام.
2- اى العامة للطاعات والمعاصي.
3- الانعام. الآية 102.

العباد ، وإنّما القدرة والتّمكّن (خ ل التمكين) لهم من اللّه تعالى ، وبينّا أنّ الأمر لا ينفكّ عن الإرادة وتكلّمنا (1) على المثال الذي أورده بقوله : إن الرّجل قد يأمر بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أولا؟ ، وأما تفسيره (2) للإرادة بالتقدير فهو من مخترعاته التي ألجأه ضيق الخناق (3) إلى التزامها إذ لو لم يكن ذلك معناه بحسب العرف كما اعترف به وظاهر أنّه ليس ذلك معنى لغويّا أيضا ولو مجازا مشهورا ، كما يظهر من تتّبع كتب اللّغة ، فقد خرج الكلام عن أسلوب أرباب التّحصيل ، ولا يبعد أنّه أخذ ذلك ممّا نسبه أصحابه إلى النّعمانيّة أصحاب محمّد بن

ص: 225


1- عند البحث عن صفة الكلام. منه «قده».
2- وقد وجدت بعد الفراغ من هذا التأليف في تفسير فخر الدين الرازي عند تفسير قوله تعالى : ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ما يحتمل أن يكون منشئا لتوهم الناصب في ذلك حيث قال : ان قيل ما معنى القضاء؟ قلنا : فيه وجوه أحدها كذا وثانيها كذا وثالثها القدر وهو يقال مع القضاء فيقال : قضاء اللّه وقدره ، والقضاء ما في العلم ، والقدر ما في الإرادة بقوله تعالى : ( كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) ، اى بقدرة مع الإرادة ، لا على ما يقولون : انه موجب ردا على المشركين ثم قال تعالى : ( وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ، اى الا كلمة واحدة وهو قوله : كن ، هذا هو الظاهر المشهور ، فعلى هذا فاللّه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، فهناك شيئان : الإرادة والقول ، فالارادة قدر ، والقول قضاء «انتهى» ولا يخفى أن كلام الرازي هاهنا محمول على المسامحة والا لم ينتظم أول كلامه مع آخره ، لأنه قال أولا : ان القضاء ما في العلم والقدر ما في الإرادة فافهم. منه قدس سره.
3- الخناق بكسر الخاء المعجمة : ما يخنق به العنق كالحبل ونحوه ، وشاع استعمال لفظة ضيق الخناق في مقام الاشارة الى تعسر الشيء وصعوبته بحيث ألجأ الشخص الى التشبث بكل حشيش.

نعمان (1) أبي جعفر الأحول الشّيعي الذي لقبّه الشيعة بمؤمن الطاق ، وأهل السنّة بشيطان الطاق ، وقد ذكرنا شرح فضائله وبراءته عمّا نسب إليه من الأقوال الفاسدة مع وجه تلقّبه بما ذكر في كتابنا الموسوم بمجالس المؤمنين ، والحاصل أن محمّد بن عبد الكريم الشّهرستاني الشّافعي الأشعري قد قال في كتاب الملل والنّحل عند ذكر النّعمان المذكور : إنّه وافق هشام بن الحكم (2) في أن اللّه تعالى لا يعلم شيئا حتّى يكون ، والتّقدير عنده إرادة فعله تعالى «إلخ» ، فقد دخل النّاصب في هذه المسألة في فرقة شاذّة مجهولة من الشّيعة قد أنكرهم الإماميّة أيضا «إلخ» ولعمري إنّه لو اطلع أهل ما وراء النّهر الذين ألف هذا الكتاب تأليفا لقلوبهم لرموه بالرّفض والسّخافة ، ولراموا قتله مع إحراقه ، ثم مع هذه المفسدة العظيمة يوجب

ص: 226


1- هو أبو جعفر محمد بن النعمان البجلي الكوفي الأحول من أصحاب مولانا الصادق عليه السلام ، كان متكلما حاذقا حاضر الجواب أديبا شاعرا ، وكان الصادق عليه السلام يحبه كثيرا ، وله كتب ، منها كتاب افعل ولا تفعل ، كتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول ، كتاب الرد على أبى حنيفة ، كتاب الاحتجاج في امامة على عليه السلام ، وكان له حانوت تحت طاق المحامل بالكوفة ، ومن ثم اشتهر بمؤمن الطاق ، وبشاه الطاق ، والمخالفون من العامة يلقبونه بشيطان الطاق لكثرة محاجته معهم وغلبته عليهم.
2- هو أبو محمد هشام بن الحكم الكندي ثم البغدادي ، النظار المتكلم الجدلي البحاثة ، ولد بالكوفة ، ثم انتقل الى بغداد في آخر عمره سنة 199 وقيل : انه توفى في تلك السنة ، روى عن أبى عبد اللّه ، وأبى الحسن عليهما السلام ، والمترجم من أجلة أصحابهما وممن فتق الكلام في الامامة وهذب ، وما يتراءى في عدة من الروايات من ذمه ، فلا اعتداد به لضعف سندها واشتمالها على عدة من المخالفين المبغضين ، حيث وضعوها لنفير قلوب عوام الشيعة وضعفائهم عن المترجم ، ولو سلمت صحة أسانيدها لكانت محمولة على ضرب من التقية حقنا لدمه كما ورد نظير ذلك في حق زرارة بن أعين.

القول بذلك جعل النّزاع المستمر بين الطائفتين قريبا من سبعمائة سنة لفظيّا ، ضرورة أنّ اهل (1) العدل حينئذ لا ينازعون في أنّ الشرور والقبائح الموجودة من الكفر والفسق وأمثالهما مرادة لله تعالى ، بمعنى أنّها مقدرة بالتّقدير المفسّر عندهم بالإعلام والتّبيين ونحوهما وكفاك في تصديق ما ذكرنا في أفعاله تعالى دون أفعال العباد من اختراعه وافترائه بذلك التّفسير على أصحابه : أنّ كتاب المواقف مع بسطه وتلخيص مقالات المتقدمين فيه خال في هذا المبحث وفي مبحث إرادة اللّه تعالى لجميع الكائنات عن تفسير الإرادة بهذا المعنى ، وإنّما فسر الإرادة بالصّفة المخصّصة ، ويدلّ عليه استدلاله في بحث إرادة اللّه تعالى للكائنات بقوله : لنا أما أنّه مريد للكائنات بأسرها. فلأنّه خالق للأشياء كلّها ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له ضرورة ، وأيضا فالصفة المرجحة لأحد المقدورين هو الإرادة كما مرّ ، ولا بدّ منها «إلخ» ثم ذكر أدلة المعتزلة على أنّه تعالى لا يريد الكفر والمعاصي ، ولم يجب في شيء منها بأنّ الإرادة هاهنا بمعنى التّقدير ، ولعلّ النّاصب اشتبه عليه الأمر من كلام مصنّف العقائد النّسفيّة وشارحه ، حيث قال المصنّف : وهي أى أفعال العباد كلّها بإرادته ، ومشيته وقضيّته وتقديره ، ثمّ قال الشارح : بعد تفسيره للتّقدير بتحديد كلّ مخلوق بحدّه «إلخ» : والمقصود تعميم إرادة اللّه تعالى وقدرته لما مرّ من أنّ الكلّ بخلق اللّه تعالى ، وهو يستدعي القدرة والإرادة «انتهى» ، وعرضه من ذلك أنّ مقصود المصنّف صاحب العقائد من قوله سابقا : وهي أى أفعال العباد كلّهم بإرادته ومشيّته «إلخ» تعميم إرادته وقدرته بالنّسبة إلى جميع الكائنات والنّاصب فهم منه أنّ المراد أنّ مقصود (2) الشّارح نفسه أو مقصود المصنّف

ص: 227


1- ؟؟؟ القائلون بعدالته تعالى من فرق المسلمين كالامامية والمعتزلة والزيدية وغيرهم سوى الاشاعرة النافين لها كما سبق ويأتى.
2- الظاهر ان حق العبارة هكذا : والناصب فهم منه ان مقصود الشارح نفسه أو مقصود المصنف تعميم «إلخ»

تعميم معنى إرادة اللّه تعالى وقدرته عن معنى القضاء والقدر المعطوفين على الإرادة في كلام المصنّف ، وهذا دليل على جهله وعجزه عن حلّ العبارات ، وبالجملة تفسيره للإرادة بالتّقدير (1) خلاف المقدّر المقرّر بين القوم ، ومع هذا لا يسمن ولا يغني من جوع (2) كما عرفت. وإذا أتقنت (خ ل تيقنت) ذلك علمت أنّ ما ذكره المصنّف وأراد لا محيص لهم عنه بما ذكره النّاصب والحمد لله.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الخامس في أنّ كلامه تعالى صدق ، اعلم أن الحكم بكون اللّه تعالى صادقا لا يجوز عليه الكذب إنّما يتمّ على قواعد العدليّة الذين أحالوا صدور القبيح عنه من حيث الحكمة ، ولا يتمشّى على مذهب الأشاعرة لوجهين : الأوّل أنّهم أسندوا جميع القبائح بأسرها إليه تعالى ، وقالوا : لا مؤثر (3) في الوجود من القبائح بأسرها وغيرها إلا اللّه ، ومن يفعل أنواع الشّر والظلم والجور والعدوان وأنواع المعاصي والقبائح المنسوبة إلى البشر كيف يمتنع أن يكذب في كلامه ، و

ص: 228


1- ومن رجع الى رسالة الحدود لابن سينا ، وكتاب الحدود للجرجانى ، ولسان الخواص للفاضل القزويني ، وكليات أبى البقاء ، وكتب المتكلمين في مسألة الإرادة ، تيقن أن الحق الحقيق بالقبول ما ذكره القاضي الشهيد «قده». نعم ذكر بعضهم فروقا بين المشية والإرادة ولعلنا نتعرض لها في محل مناسب لذلك بحوله تعالى وقوته.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة الغاشية. الآية 7.
3- وببالي أن اول من تفوه بهذه الجملة هو الشيخ أبو الحسن الأشعري قدوة الاشاعرة وتبعه المتأخرون منهم والصوفية من العامة ، ثم سرت الكلمة من أفواههم الى صوفية الشيعة حتى الآن وما دروا أنها كلمة مسمومة صدرت من قلب مريض يسند أفعال العباد الارادية بأسرها اليه تعالى ، وهذا لا يلائم مبنى الامامية وما ورثوها من الأئمة الطاهرين.

كيف يقدر الباحث على إثبات وجوب كون كلامه تعالى صدقا؟ ، الثاني أن الكلام النّفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات ، ولا طريق لهم إلى إثبات كونه تعالى صادقا في الحروف والأصوات «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّه تعالى يمتنع عليه الكذب ، ووافقهم المعتزلة في ذلك ، أمّا دليل الأشاعرة فلأنّه نقص ، والنقص على اللّه محال ، وأما عند المعتزلة فلأنّ الكذب قبيح ، وهو سبحانه لا يفعل القبيح (1) ، وقال صاحب المواقف اعلم أنّه لم يظهر لي فرق بين النّقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه فانّ النّقص في الأفعال هو القبح العقليّ بعينه فيها ، وإنّما تختلف العبارة ، أقول : الفرق أنّ النّقص هاهنا يراد به النقص في الصّفات ، فانّه على تقدير جواز الكذب عليه يتصف ذاته بصفة النّقص وهم لم يقولوا هاهنا بالنّقص في الأفعال ، حتّى لا يكون فرقا بينه وبين القبح العقلي كما ذكره صاحب المواقف ، فحاصل استدلال الأشاعرة : أنّه تعالى لو كان كاذبا لكان ناقصا في صفته ، كما أنّهم يقولون : لو كان عاجزا أو جاهلا لكان ناقصا في صفته ، ولم يعتبروا ما يلزم ذلك النّقص من القبح الذي يقول به المعتزلة فتأمّل ، والفرق دقيق ، ثم ما ذكره : من أنّ عدم الكذب عليه لا يتمشى على قواعد الأشاعرة ، فهذا كلام باطل عار عن التّأمل ، فانّ القول بأن لا مؤثر في الوجود

ص: 229


1- لما كان لقائل ان يقول : ان خلق الكاذب أيضا نقص في فعله فيعود المحذور بعينه أشار الى دفعه بقوله : اعلم إلخ ، فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي كيف يتمسكون في دفع الكذب عن الكلام اللفظي بلزوم النقص في أفعاله تعالى. اى لا يمكن لنا ان نتمسك بذلك على امتناع الكذب في كلام اللفظي أو تنزهه تعالى عن مثل هذا النقص ليس بواجب عندنا إذ ليس هذا نقصا.

إلا اللّه لا يستلزم إسناد القبائح إليه ، لأن فعل القبائح من مباشرة العبد فهو غير مستند إلى الخالق ثمّ من خلق القبائح فلا بدّ أنّه يكذب ، ولا يجوز أن يكون صادقا ، هذا غاية الجهل والعناد والخروج عن قاعدة البحث بحث لو نسب هذا الكلام إلى العوام استنكفوا منه ، وأمّا ثاني الاستدلالين على عدم التّمشي فهو أيضا باطل صريح ، فانّ من قال امتنع الكذب عليه للزوم النّقص فهذا الكذب يتعلّق بالدّال على المعنى النّفساني وهو أيضا نقص ، فكيف لا يتمشّى؟ «انتهى»

أقول : ما أخذ في دليل الأشاعرة من أنّ النّقص على اللّه تعالى محال إنّما استدلّ عليه بالإجماع كما صرّحوا به ، ولا برهان عليه من العقل ، حتّى قال فخر الدّين الرّازي : إنّ القول بالنّقص والكمال خطابيّ (1) ، وبالجملة الدليل المستند إلى الإجماع لا يفيد اليقين إلا إذا كان الإجماع مقطوعا به ، وهو فيما نحن فيه ممنوع ، على أنّ الإجماع المقطوع به لا يلزم أن يفيد اليقين على رأيهم ، وأيضا الإجماع إنما يكون حجّة عندهم لاستناده إلى النّصّ ، ودلالة النّص موقوفة على صدق كلام اللّه تعالى ، وإثبات صدق كلامه بما يستند إلى النّص يستلزم الدّور وما قال صاحب المواقف : من أنّ صدق النّبي صلى اللّه عليه وآله لا يتوقّف على صدق كلامه تعالى ، بل على تصديق المعجزة ، وهو تصديق فعليّ منه تعالى لا قوليّ على ما بين في محلّه ، منظور فيه ، لأنّ المعجزة إنّما تدلّ على صدق النّبي صلى اللّه عليه وآله في دعوى النّبوة وكونه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمّا صدقه في سائر الأحكام ، فالظاهر من كلامه أنّه لاستدعاء الرّسالة أن يكون أحكامه من عند اللّه ، فيتوقّف على صدق كلامه تعالى هذا. وأما ما نقله الناصب من كلام صاحب المواقف ، ثمّ أورد عليه بقوله :

ص: 230


1- القول الخطابي هو المؤلف من المظنونات ونحوها.

أقول : الفرق «إلخ» يدلّ على غاية جهله وخبطه(1) وخلطه (2) وعدم تفصيله لمقصود صاحب المواقف من ذلك الكلام ، فانّ صاحب المواقف بعد ما ذكر من الأشاعرة دليلهم المشتمل على محذور النّقص ، ذكر دليلا ثانيا لهم وهو قوله : وأيضا يلزم على تقدير أن يقع الكذب في كلامه تعالى أن يكون نحن أكمل منه في بعض الأوقات ، أعني وقت صدقنا في كلامنا ، ثم اعترض على هذا الدّليل الثاني بقوله واعلم «إلخ» وحاصله على ما أشار إليه الشّارح قدس سره الشّريف ، والشّارح الجديد للتّجريد (3)، أنّ هذا الدّليل إنّما يدلّ على صدق الكلام النّفسي الذي هو صفة قائمة بذاته تعالى ، وإلا لزم نقصان صفته تعالى مع كمال صفتنا ، ولا يدلّ على صدقه في الكلام اللّفظي الذي يخلقه في جسم دالا على معنى مقصود منه ، لأنّه على ذلك التّقدير يلزم النّقص في فعله ، ولا فرق بين النّقص في الفعل ، وبين القبح العقلي فيه ، وهم لا يقولون به ، مع أنّ الأهم بيان صدقه في الكلام اللّفظي ثمّ النّاصب لم يذكر الدّليل الثّاني لأنّه لم يفهم تعلّق الكلام المنقول به ، بل ولم يفهم محصّله ومعناه ، ومع هذا اعترض عليه بما تراه واهيا ساقطا لا ارتباط له بكلام صاحب المواقف أصلا ، ولا في دفع كلام المصنّف ، واما ما ذكره : من أنّ القول بأن لا مؤثر في الوجود إلا اللّه لا يستلزم إسناد القبائح إليه تعالى واه أيضا لأنّ خلق الكلام اللّفظي الكاذب قبيح عند العقلاء ، وهم يجوّزون (4) ذلك ، ولا

ص: 231


1- الخبط : التصرف في الأمور على غير بصيرة.
2- الخلط : والخلط في الشيء إفساده بمزج ما يفسده.
3- من المصرحين به شارح المواقف والشارح الجديد للتجريد. منه قدس سره.
4- وقد صرح بعض الاشاعرة بجوازه ، بناء على أصلهم الغير الأصيل من نفى الحسن والقبح العقليين.

يدفعه دليلهم كما اعترف به صاحب المواقف ، وبالجملة كما أشار إليه الشّارح قدس سره الشّريف لا يمكنهم التمسّك في دفع الكذب عن الكلام اللّفظي بلزوم النّقص في أفعاله ، إذ تنزّهه عن مثل هذا النّقص ليس بواجب عندهم ، إذ هو ليس نقصا عندهم فلا يمكنهم إثبات وجوب كون كلامه تعالى صدقا كما ذكره المصنّف ، وقد ظهر بما قرّرنا صحّة ثاني استدلالى المصنّف قدس سره أيضا فلا تغفل.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الثامن في أنّه تعالى لا يشاركه شيء في القدم ، العقل والسّمع متطابقان على أنّه تعالى مخصوص بالقدم ، وأنّه ليس في الأزل سواه ، لأنّ كلّ ما عداه سبحانه وتعالى ممكن ، وكلّ ممكن حادث ، وقال تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (1)، وأثبت الأشاعرة معه معاني قديمة ثمانية هي علل (2) في الصّفات ، كالقدرة والعلم والحياة إلى غير ذلك ، ولزمهم من ذلك محالات : منها إثبات قديم غير اللّه تعالى قال فخر الدّين الرّازي : النّصارى كفروا بأنّهم (لأنهم خ ل) أثبتوا ثلاثة قدماء (3) ، وأصحابنا قد أثبتوا تسعة ، ومنها أنّه يلزمهم افتقار اللّه تعالى في كونه عالما إلى إثبات معنى هو العلم ، ولولاه لم يكن عالما ، وافتقاره في كونه قادرا إلى القدرة ، ولولاها لم يكن قادرا ، وكذلك باقي الصّفات ، واللّه تعالى منزّه عن الحاجة والافتقار ، لأنّ

ص: 232


1- الحديد. الآية 3.
2- مراده من المعاني مبادي المشتقات المطلقة عليه تعالى كالقدرة والعلم ، ومراده من الصفات نفس مفاهيم المشتقات ، كمفهوم القادر والعالم والحي وبعض الاشاعرة عبر عن تلك الصفات بالقديمة وقال انها المتأخرة رتبة من الذات وهل هذا الا التهافت.
3- وهي الأقانيم الثلاثة ، ويأتى ذكرها في شرح كلمة اقنوم.

كلّ مفتقر إلى الغير فهو ممكن. ومنها أنّه يلزم إثبات ما لا نهاية له من المعاني القائمة بذاته تعالى وهو محال ، بيان الملازمة : أنّ العلم بالشيء مغاير للعلم بما عداه ، فانّ من شرط العلم المطابقة ، ومحال أن يطابق الشيء الواحد أمورا متغايرة متخالفة في الذّات (1) والحقيقة ، لكنّ المعلومات غير متناهية ، فيكون له علوم غير متناهية ، لا مرّة واحدة بل مرارا غير متناهية باعتبار كلّ علم يفرض في كلّ مرتبة من المراتب الغير المتناهية ، لأنّ العلم بالعلم بالشيء مغاير للعلم بذلك الشيء ، ثمّ العلم بالعلم بالشّيء مغاير للعلم بالعلم بالعلم بذلك الشيء وهكذا إلى ما لا يتناهى ، (خ ل ما لا نهاية له) وفي كلّ واحدة من هذه المراتب مراتب غير متناهية وهذا عين السّفسطة ، لعدم تعقله بالمرّة. ومنها أنّه لو كان اللّه تعالى موصوفا بهذه الصّفات ، وكانت قائمة بذاته كانت حقيقة الإلهيّة مركّبة وكلّ مركّب محتاج إلى جزئه ، وجزؤه (2) غيره فيكون اللّه تعالى محتاجا إلى غيره ، فيكون ممكنا ، وإلى هذا أشار مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث قال : أوّل الدّين معرفته ، وكمال معرفته التّصديق به ، وكمال التّصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفى الصّفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصّفة فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه ، فقد جزّاه ، ومن جزّاه فقد جهله (3)ومنها أنّهم ارتكبوا هاهنا

ص: 233


1- العطف تفسيري ، وفي الاصطلاح فرق بينهما بفروق سنتعرض لها في التعاليق الآتية
2- غيره اى باعتباره لا بشرط ، كما انه عينه باعتباره بشرط شيء.
3- نهج البلاغة. الخطبة الاولى ، حارت أفكار اهل النظر في شرح قوله عليه السلام ، وكمال الإخلاص له نفى الصفات عنه ، وببالي انى رأيت عدة رسائل ومقالات في شرحه ، وكل اظهر العجز عن فهم معناه والنيل بمغزاه ، وانه لم يصب ما رامه الامام ، وكيف يدرك شأو من كان كلامه تالى كلام اللّه الذي أعجز مصاقع البلغاء وفرسان الفصاحة عن الإتيان بسورة من مثله.

ما هو معلوم البطلان ، وهو أنّهم قالوا : إنّ هذه المعاني لا هي نفس الذّات ولا مغايرة لها ، وهذا غير معقول ، لأنّ الشيء إذا نسب إلى؟؟؟ فامّا أن يكون هو هو او غيره ولا يعقل سلبهما معا «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّه تعالى له صفات موجودة قديمة زائدة على ذاته ، فهو عالم بعلم وقادر بقدرة ، مريد اراده و؟؟؟ على هذا القياس ، والدّليل عليه أنّنا نفهم الصّفات الإلهية من صفات المّائده ، وكون علّة (1) الشيء عالما في الشّاهد هي العلم فكذا في الغائب ، وحدّ العالم هيها من قام به العلم ، فكذا حدّه هناك ، وشرط صدق المشتقّ على واحد؟؟؟ أصله ، فكذا شرط فيمن غاب عنّا ، وكذا القياس في باقي الصفات ، ثمّ؟؟؟ من عرف اللّغة وإطلاقات العرف فانّ العالم لا شك أنّه من يقوم به العلم؟؟؟ بنفي الصّفات لكذّبنا نصوص الكتاب والسّنة ، فإنّ اللّه تعالى في كتابه أثبت الصّفات لنفسه ، كقوله تعالى : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ ) (2) فإذا ثبت في النّصوص إثبات الصّفات له فلا بدّ لنا من الإثبات من غير تأويل ، فإنّ الاضطرار إلى التّأويل إنّما يكون بعد العجز عن الإجراء على حسب الواقع ، وذلك لدلالة الدّلائل العقليّة على امتناع إجرائه على حسب ظاهره ، و؟؟؟ ليس كذلك فوجب الإجراء على الظاهر من غير تأويل ، وعندي أنّ هذا هو العمدة في إثبات الصّفات الزّائدة ، فإنّ الاستدلالات العقليّة على إثباتها مدخولة ، ولله أعلم. ثم ما استدل به هذا الرّجل

ص: 234


1- الظاهر أن العبارة كذا «وعلة كون الشيء عالما».
2- البقرة. الآية 255.

على نفي الصّفات الزائدة من الوجوه فكلّها مجاب : الأوّل استدلاله بأن كلّ ما عداه ممكن وكل ممكن حادث ، فنقول : سلّمنا أنّ كلّ ما عداه ممكن ولكن نقول في المقدّمة الثّانية : إنّ كلّ ممكن ما عدا صفاته فهو حادث ، لأن صفاته لا هو ولا غيره ، كما سنبيّن بعد هذا الثاني الاستدلال بلزوم إثبات قديم غير اللّه تعالى وإثبات القدماء كفر وبه كفرت النّصارى ، الجواب : أنّ الكفر إثبات ذوات قديمة لا إثبات ذات وصفات قدماء هي ليست غير الذّات مباينة كلّية ، مثلا علم زيد ليس غير زيد بالكلّية ، فلو كان علم زيد قديما فرضا مثل زيد فأىّ نقص يعرض من هذا لزيد إذا كان متّصفا بالقدم ، لأنّ علمه ليس غيره بالكلّية ، بل هو من صفات كماله الثالث الاستدلال بلزوم افتقار اللّه في كونه عالما إلى إثبات معنى هو العلم ولولاه لم يكن عالما ، وكذا في باقي الصّفات ، والجواب إن أردتم باستكماله بالغير ثبوت صفة الكمال الزائدة على ذاته لذاته فهو جائز عندنا ، وليس فيه نقص وهو المتنازع فيه ، وإن أردتم به غيره فصوّروه أوّلا حتّى تفهموه (1) ثمّ بيّنوا لزومه لما ادعينا ، والحاصل : أنّ المحال هو استفادته صفة كمال من غيره لا اتّصافه لذاته بصفة كمال هي غيره ، واللازم من مذهبنا هو الثاني لا الأوّل الرابع الاستدلال بلزوم إثبات ما لا نهاية له من المعاني القائمة بذاته تعالى ، وذلك لأن العلم بالشيء مغاير للعلم بما عداه إلى ما ذكره إلى آخر الدّليل (2) ، والجواب أنّ العلم صفة واحدة قائمة بذاته تعالى ويتعدّد بحسب التّعلّق بالمعلومات الغير المتناهية ، فله بحسب كلّ معلوم تعلّق ، فكما يتصوّر أن تكون المعلومات غير متناهية كذلك يجوز أن تكون تعلّقات العلم الذي هو صفة واحدة غير متناهية بحسب المعلومات ، وليس يلزم منه محال فلا يلزم التّسلسل المحال ، لفقدان شرط التّرتب والوجود ، الخامس الاستدلال بأنّه لو كان موصوفا بهذه الصّفات لزم كون الحقيقة

ص: 235


1- الظاهر أن قوله : تفهموه نفهمه. من الفضل.
2- الظاهر : الى آخر ما ذكره من الدليل. من الفضل.

الإلهية مركّبة ، ويلزم منه الاحتياج ، والجواب أنّ المراد بالحقيقة الإلهيّة إن كان الذّات فلا يلزم من إثبات الصفات الزّائدة تركب في الذّات ، وإن كان المراد أنّ هناك ذاتا وصفات متعدّدة قائمة بتلك الذّات فليس إلا ملاحظة الموصوف مع الصّفات ، ثمّ إنّ احتياج الواجب إلى ما هو غيره يوجب الإمكان كما قدّمنا وأما ما استدل به من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، فالمراد من نفى الصّفات يمكن أن يكون صفات (1) تكون هي غير الذّات بالكلّية ، وليس هاهنا كذلك السادس الاستدلال بلزوم ارتكاب ما هو معلوم البطلان هاهنا ، وهو أنّ هذه المعاني لا هي عين الذّات ولا غيرها وهذا غير معقول ، والجواب أنّ المراد بعدم كون الصّفات عين الذات أنّها مغايرة للذّات في الوجود ، وكونها غير مغايرة لها أنّها صفات للذّات ، فليست بينهما مغايرة كلّية بحيث يصحّ إطلاق كونها مغايرة للذّات بالكلّية ، كما يقال : إنّ علم زيد ليس عين زيد ، لأنّه صفة له ، وليس غيره بالكلّية ، لأنّه قائم به ، وهذه الواسطة على هذا المعنى صحيح ، لأنّ سلب العينيّة باعتبار وسلب الغيريّة باعتبار آخر ، فكلا السّلبين يمكن تحقّقهما معا «انتهى»

أقول : فيه نظر أمّا أولا فلأنّ مبنى الدّليل الذي ذكره على قياس الغائب على الشّاهد ، وهو قياس باطل مردود عند الأشاعرة أيضا وقد استضعفه صاحب المواقف في مقدّمات كتابه (2) وأنكروا استعمالها على الشّيعة والمعتزلة في مواضع

ص: 236


1- وحق العبارة هكذا : يمكن ان يكون نفى صفات.
2- قال في المقصد الخامس من الرصد السادس : الطريق الثاني من ذينك الطريقين الضعيفين قياس الغائب على الشاهد ، ولا بد فيه من اثبات علة مشتركة بين المقيس عليه وهو اى هذا الإثبات بطريق اليقين مشكل جدا ، لجواز كون خصوصية الأصل الذي هو المقيس عليه شرطا لوجود الحكم فيه أو كون خصوصية الفرع الذي هو المقيس مانعا لوجوده فيه ، وعلى التقديرين لا تثبت بينهما علة مشتركة انتهى «منه قده»

متعدّدة (1) فكيف جاز للنّاصب استعماله هاهنا؟ وهذا دليل على عجزه ، بل عجز أصحابه عن الاستدلال بالدّلائل اليقينية ، وأما ثانيا : فلأنّا قد ذكرنا أنّ الإعتبار اللّغوي ممّا لا يعتدّ به في المطالب العقليّة ، ولا يلزم من التّأويل فيما نحن فيه بمعونة الدّليل العقلي تكذيب النّصوص كما زعمه ، وإلا لما جاز تأويل المتشابهات بوجه من الوجوه كاليد والقدم ونحوها بعد قيام الدّليل العقلي على استحالة الجسميّة على اللّه تعالى ، على أنّا قد بيّنا أن ليس يعتبر في معنى المشتق في اللّغة قيام مبدئه ، غايته أنّه في أكثر المواد يستلزم ذلك ، ألا ترى؟! أنّه صحّ بحسب اللّغة أنّ الضوء مضيء ولا يقوم به ضوء ، وأنّه يفسّر المشتقّات في اللّغة الفارسية بما لا يقتضي قيام المبدأ ، فيقال : العالم معناه «دانا» والقادر معناه «توانا» والبصير معناه «بينا» وغير ذلك من تفسيراتها ، وأما ما ذكر من أنّه ليس هاهنا دليل عقلي : يدلّ على امتناع إجراء النّصوص المتضمّنة لإثبات الصّفات على ظاهرها ، ففيه : أن النّصوص لا تدلّ (2) على ثبوت تلك الصّفات ووجودها في أنفسها ، وإنّما تدلّ على كونه تعالى عالما قادرا إلى غير ذلك ، وثبوت الصّفة للموصوف لا يتوقّف على وجودها في أنفسها ، فلا يثبت مطلوبهم ، ولو سلّم أنّ ظاهرها ما فهموه منها نقول : إنّ الدّلائل العقليّة على إرادة خلاف ظاهرها كثيرة مذكورة في التّجريد وغيرها ، وأخف ما

ص: 237


1- منها ما ذكره شارح العقائد النسفية في جواب استدلال المجسمة ان كل موجودين فرضا يكون أحدهما متصلا بالآخر مما سأله أو منفصلا عنه مباينا في الجهة واللّه تعالى ليس حالا ولا محلا للعالم ، فيكون مبائنا في الجهة فيتحيز ، فيكون جسما أو جزء جسم متصورا متناهيا حيث قال الشارح ، والجواب ان ذلك وهم محض ، وحكم على غير المحسوس بأحكام المحسوس «منه قده».
2- إشارة الى ان النصوص واقعة على حسب الاستعمال اللغوي ، والاستعمال اللغوي لا يستلزم اعتبار القيام في كل مشتق كما مر «منه قده».

رأينا ذكره هاهنا أنّه تعالى واجب لذاته فيكون غنيّا عن الغير في كمال ذاته وعلى تقدير كون الصّفات الحقيقية زائدة على الذّات يكون محتاجا في التّكميل إلى الصّفة المغايرة له ، وكلّ ما هو مغاير له فهو ممكن ، لاستحالة تعدّد الواجب ، فيلزم أن لا يكون مستكملا في حدّ ذاته ، بل محتاجا إلى الممكن فيه ، مع أنه ( غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (1) وتوضيح المرام أن العالم ما يعبّر عنه بالفارسية «بدانا» وكذا القادر ما يعبّر عنه «بتوانا» وقس عليه باقي الصّفات ، وتفسيره العالم بما قام به العلم والقادر بما قام به القدرة إنّما هو مقتضى اللّغة ومسامحتهم فيه كما مرّ ، ولمّا دلّ الدّليل على عدم قيام الوجود والعلم والقدرة وكذا سائر الصّفات به ، وأنّه موجود عالم قادر ، علم أنّ قيام المبدأ به غير لازم ، وبعد هذا نقول : إنّ صفة الشّيء على قسمين : أحدهما ما يقوم به في نفس الأمر كالعلم بالنسبة إلى زيد ، وثانيهما عرضيّ لا يقوم به كالعالم والقادر بالنّسبة إليه ، فإنّهما عين زيد في الخارج ، لصحّة حملهما عليه مواطاة (2) وزائدان على مهيته (3) ، والصّفة بالمعنى الأوّل زائد على اللّه تعالى في الخارج ، والثّاني عينه فيه ، والمراد أنّ صفاته تعالى من القسم الثاني لا الأوّل الزّائد على الذّات في الخارج ، وقيام المبدأ غير لازم ، فصحّ كون الصّفات عين الذّات ، كذا حقّقه صدر المدققين (4)في بعض مصنّفاته العليّة (العقلية خ ل) ، وأما ما أجاب به النّاصب عن أوّل استدلالات المصنّف فمن تخصيص المقدّمة الكليّة العقليّة القائلة : بأنّ كلّ ممكن حادث بما عدا صفاته ، فهو تخصيص بارد لا دليل عليه ، ومخالف لما

ص: 238


1- اقتباس من قوله تعالى في آل عمران. الآية 97.
2- إشارة الى الحمل المتواطى ، وسنتعرض لشرحه إن شاء اللّه في محل مناسب.
3- اى على صورته الحاصلة في العقل لا على ذاته وهويته الخارجية ، وهذه الزيادة في الذهن لا في الخارج فافهم «منه قده».
4- المراد به السيد صدر الدين الحسيني الشيرازي الدشتكي ، وقد مرت ترجمته.

يجده كلّ عاقل : من أنّ الواجب بالذّات لا يكون إلا ذاتا ، وما استدلّ به عليه من قوله : لأنّ صفاته لا هو ولا غيره مجرّد اصطلاح منهم لا يدفع التعدّد والتغاير في الواقع فلا يفيد ، وتحقيق ذلك على ما حقّقه سيّد المحقّقين (1) في شرح المواقف : أنّهم لمّا أثبتوا صفات موجودة قديمة زائدة على ذاته تعالى ، لزمهم كون القدم صفة لغير اللّه تعالى ، ولزمهم أيضا أن تكون تلك الصّفات مستندة إلى الذّات ، إمّا بالاختيار فيلزم التّسلسل في القدرة والعلم والحياة والإرادة ، ويلزمهم أيضا كون الصّفات حادثة ، وإمّا بالإيجاب فيلزمهم كونه تعالى موجبا بالذّات ولو في بعض الأشياء ، فتستّروا عن شناعة هذا بالاصطلاح المذكور كما تستّروا عن شناعة القول بالجسميّة بالتكلّفات. واما ما أجاب به عن الاستدلال الثّاني من أنّ الكفر إثبات ذوات قديمة «إلخ» ففيه أنّ النّصارى أيضا لم يثبتوا ذواتا ثلاثة وإنّما هذا شيء افتراه عليهم أصحاب النّاصب عند إرادة التقصي عن مشاكلتهم مستدلين عليه بأنّهم قالوا : بانتقال اقنوم (2) العلم إلى المسيح والمستقل بالانتقال لا يكون إلا ذاتا وهو مدفوع ،

ص: 239


1- المراد به المحقق الشريف الجرجاني.
2- الأقنوم ، بضم الهمزة وسكون القاف وضم النون ، كلمة رومية على الأصح ، معناها الأصل ، جمعها الأقانيم ، النصارى أثبتوا لله تعالى أقانيم ثلاثة ، وقالوا انه تعالى واحد بالجوهرية ، يعنون به القائم بالنفس لا التحيز والحجمية ثلاثة بالاقنومية ، ويعنون بالأقانيم الصفات ، كالوجود والحياة والعلم ، والأب والابن وروح القدس ، وقال بعض علمائهم ، ان العلم قد تدرع وتجسد بجسد المسيح ، دون سائر الأقانيم ، ولهم في كيفية الاتحاد والتجسد كلمات مختلفة ، ومذاهب متشتتة ، فمن بعض علماء الكهنوت ، انه أشرق على الجسد اشراق النور على الجسم المشف ، وعن بعض أهل اللاهوت ، انه ظهر به ظهور الروحاني بالجسمانى ، وعن بعضهم انه ، انطبع فيه انطباع النقش في الشمعة ، ومنهم من عبر بقوله ، مازجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللبن بالماء ، ومنهم من عبر بانه اللاهوت قد تدرع بالناسوت ، وقالوا ان القتل والصلب ، لم يرد على الجزء اللاهوتى من المسيح ، بل ورد على الجزء الناسوتي ، الى غير ذلك من الأقوال والتعابير التي تحكى عن ترددهم وتحيرهم فمن. ثم قيل ان النصارى كالحيارى ، وزنا ومعنا ، ومن رام الوقوف على ترهاتهم ، فليرجع الى كتبهم الصادرة من أقلام أعلامهم ، ككتاب البشرى وكتاب الرحمة وكتاب الحيوة ، وكتاب حيوة المسيح ، وكتاب اللاهوت ، وكتاب سيدنا المسيح وغيرها وكذا يرجع الى الكتب المؤلفة في الرد عليهم ككتاب تحفة الأريب ، وكتاب الهدى وغيره من كتب شيخنا الأستاذ آية اللّه الشيخ محمد الجواد البلاغى جزاه اللّه عن الإسلام خيرا ، وكتاب الفارق لباجه جي البغدادي ، وكتاب الدين والإسلام ، وكتاب اظهار الحق ، وكتاب التوضيح لشيخنا الأستاذ آية اللّه الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي ، الى غير ذلك من ألوف الكتب والرسائل التي ألفها علماء الإسلام واوضحوا المحجة بحيث لم يبق مورد للعذر ، فما من نصراني الا وقد تمت الحجة عليه سيما علمائهم ، واللّه الهادي الى سواء السبيل.

بأنّه لا يفيد ما هو المدّعى من إثبات كون الأقانيم الثّلاثة ذواتا ، وإنّما يفيد كون اقنوم واحد ذاتا ، على أنّا نقول يجوز أن يكون قولهم بانتقال اقنوم العلم بواسطة تجويزهم الانتقال على الصّفات (1)أو أرادوا بالانتقال حصول مثله لا حقيقة الانتقال ، وبقاء الواجب بلا علم فلا يلزم عليهم القول بكونه ذاتا ، ومن البيّن أنّ مجرد القول بانتقال الصّفة لا يستلزم الكفر ، وإن كان ذلك جهلا ، وبالجملة لا يجب أن يكون المعتقد للانتقال معتقدا للذّاتيّة لجواز أن يكون منكرا للّزوم بينهما.

ص: 240


1- كما ذهب اليه طائفة من القدماء متمسكين بان رائحة التفاح تنتقل الى ما يجاوره والحرارة تنتقل من النار الى ما يماسها كما يشهد به الواقع ، وأجيب عنه في شروح التجريد والمواقف وغيرهما بما لا يسع ذكره في المقام «منه» وقد أشار المحقق «قده» الى الجواب في التجريد بقوله : والموضوع من جملة المشخصات وبينه الشارحون بما لا مزيد عليه.

وأما ما ذكره : من المثال فانّما يصلح لتلاعب الأطفال ، فانّه في مرتبة أن يقال أىّ نقص يعرض اللّه تعالى من كون عرشه قديما؟ لأنّه محل استوائه ومن مجالي (1) عظمته بل الحنابلة يحكمون بجلوسه عليه ، تعالى عنه علوّا كبيرا وأما ما أجاب به عن الثالث بقوله إن أردتم باستكماله بالغير «إلخ» ففيه أن العقل السّليم حاكم بأنّ الواجب لذاته لا يفتقر في ذاته وفيما يتوقّف عليه ذاته إلى غيره ، وأنّ المفتقر إلى غيره كذلك ممكن. وأما ما ذكره من أنّ المحال هو استفادته تعالى صفة كمال من غيره لا اتّصافه لذاته بصفة كمال هو غيره فمردود بأنّه لا كمال لله تعالى في اتّصافه بصفة كمال هو غيره لأنّ غيريّة الصّفة تستلزم افتقار الذّات المستلزم للإمكان كما مرّ ، وإنّما يكون ذلك كمالا في الشّاهد الممكن النّاقص ، فهذا أيضا راجع إلى قياس الغائب على الشّاهد ، وقد عرفت ما فيه ، ثمّ لا يخفى أنّ أخذ الاستكمال بدل الافتقار إنّما وقع في تقرير صاحب المواقف لهذا الدّليل ، والنّاصب لقصور فهمه وعجزه عن التّقرير والتّحرير لم يقدر على تغيير التّقرير وتبديل الاستكمال بالافتقار ليصير جوابه مقابلا لكلام المصنّف؟ فذكر في جواب المصنّف عين ما أجاب به صاحب المواقف هناك مشتملا على لفظ الاستكمال ، مع أنّ بين الاستكمال (2) والافتقار

ص: 241


1- المجالى : جمع مجلاء محل الجلوة.
2- إذ الافتقار الاحتياج ضد الاستغناء ، والاستكمال الاستتمام ، وهما متغايران مفهوما متلازمان وجودا والفرق دقيق. وقال القاضي الشهيد المرعشي في الهامش ما لفظه : قال عين القضاة ذواتنا ناقصة ، وانما تكملها الصفات فاما ذات اللّه تعالى سبحانه فهي كاملة لا تحتاج في شيء الى شيء ، إذ كل ما يحتاج في شيء الى شيء فهو ناقص ، والنقصان لا يليق بالواجب تعالى ، فذاته تعالى كافية للكل في الكل فهي بالنسبة الى المعلومات علم وبالنسبة الى المقدورات قدرة وبالنسبة الى المرادات إرادة ولا اثنينية فيها بوجه من الوجوه «انتهى» وبعض عبارات غيره من الصوفية موافقة له وبعضها مخالف. منه «قده» أقول : عين القضاة هو الشيخ محمد بن عبد اللّه بن محمد بن على الميانجى الهمداني المتوفى سنة 533 صاحب التآليف ، وله تآليف وتصانيف في التصوف والكلام والفلسفة منها كتاب سوانح العشاق ألفه لشيخه أحمد الغزالي وكتاب شكوى الغريب عن الأوطان الى علماء البلدان وكتاب تازيانه سلوك في التصوف وكتاب زبدة الحقائق. ومن شعره في الغزل : تا با دل من عشق بر آميخته شد *** صد فتنه وآشوب برانگيخته شد از خنجر آبدار آتشبارت *** تا چشم زدم خون دلم ريخته شد

فرق لا يخفى وأما ما أجاب به عن الاستدلال الرّابع من أن العلم صفة واحدة قائمة بذاته تعالى ، ويتعدّد بحسب التّعلّق بالمعلومات «إلخ» فمدخول ، بأنّ المصنّف قدس سره لم يجعل المحذور في هذا الدّليل لزوم العلم بالمعلومات الغير المتناهية المراد بها الحوادث الكونية ، كما زعمه حتّى يتأتى دفعه بأنّه لا يلزم التّسلسل المحال ، بناء على أنّ عدم تناهي معلومات اللّه تعالى إنّما هو بمعنى أنّ تعلّق علمه تعالى بتلك المعلومات لا ينتهى إلى أمر معلوم لا يمكن تجاوزه عنه ، لا بمعنى أنّ تلك العلوم المتعلّقة بها حاصلة متحقّقة بالفعل كيف؟ ولو كان مراد المصنّف ذلك لورد عليه مثل ما أورده على الأشاعرة ، لظهور أنّه على تقدير أن يكون علمه تعالى عين الذّات يلزم من علمه بالمعلومات الغير المتناهية التفاتات غير متناهية ويكون الجواب الجواب ، بل مراده قدس سره من المعلومات الغير المتناهية العلوم المعلومة بما يغايرها من العلوم اللازمة على تقدير القول بزيادة الصّفات كما سنبيّنه عن قريب إن شاء اللّه تعالى (1) ، ومراده بالمرار الغير المتناهية المرار الحاصلة من لزوم العلوم .

ص: 242


1- كلمة ان شاء اللّه تعليقية ان كان الأمر المقترن به غير متيقن الوقوع ويكتب حرف ان حينئذ منفصلة عن المشية (ان شاء اللّه) وتيمنية ان كان الأمر المقترن به متيقن الوقوع وتكتب حرف ان حينئذ متصلة بالمشية (إنشاء اللّه) ونص على هذا الفرق جمع منهم المحقق القمي صاحب القوانين «قده» في تعاليقه على وافية الأصول للفاضل التوني.

الغير المتناهية في مرتبة إثبات كلّ من المعاني القديمة ، فانّ تأثيره تعالى في العلم الزّائد عليه في الخارج يتوقّف على علم آخر كما يتوقّف على قدرة وإرادة وغيرهما من المعاني الزائدة ، وكذا تأثيره في القدرة والإرادة المتوقّف عليهما التّأثير في العلم يتوقّف على قدرة وإرادة أخرى وهكذا ، فيلزم في هذه المرتبة علوم غير متناهية وقدر (1) غير متناهية وإرادة غير متناهية ، وكذا في مرتبة تأثيره تعالى ابتداء في القدرة الزائدة عليه تلزم السّلاسل الغير المتناهية ، لتوقّف تأثير القدرة على العلم والإرادة الزّائدتين وهكذا الكلام في تأثيره تعالى ابتداء في الإرادة الزائدة وهذا هو الذي أراده بقوله : وفي كلّ واحدة من هذه المراتب مراتب غير متناهية ويقرب منه ما ذكره قدس سره في (كتاب نهج المسترشدين) بقوله : ولأنّ صدور العلم عنه يستدعي كونه علما وذلك إنّما يكون بعد كونه عالما فيكون الشيء مشروطا بنفسه أو يتسلسل ، لأنّ العلم الذي هو شرط صدور هذا العلم إمّا أن يكون نفسه ، أو غيره ، فعلى الأوّل يلزم الأوّل ، وعلى الثّاني يلزم الثّاني ، وقد ذكر في النّهج دليلا آخر أخذ فيه لزوم حدوث الصّفات حيث قال : لنا أنه لا قديم سواه لأنّ كلّ موجود سواه فهو مستند إليه كما حقّق في إثبات وجوده تعالى ، وقد بينّا أنّه تعالى مختار ، وفعل المختار محدث ، وملخصها ما ذكره سيّد المحقّقين (2) قدس سره : في شرح المواقف من أنّ تأثيره تعالى في صفة القدرة مثلا إن كان بقدرة واختيار لزم محذور ان ، التّسلسل في صفاته وحدوثها ، وإن كان بإيجاب لزم كونه موجبا بالذّات ، فلا يكون الإيجاب نقصانا فجاز أن يتّصف به بالقياس إلى بعض مصنوعاته ، ودعوى أنّ إيجاب الصّفات كمال وإيجاب غيرها نقصان مشكلة «انتهى» وإنّما طوى المصنّف في تلك الأدلة احتمال الإيجاب لامتناعه عند الملّيين ، وبعد

ص: 243


1- القدر جمع القدرة على خلاف القياس.
2- المراد به المحقق الشريف الجرجاني.

التزام الخصم له ، وإنّما لم يذكر لزوم الحدوث مع لزوم التّسلسل ، إذ قد ناقش بعضهم في كون الإختيار مستلزما للحدوث ، ولا مناقشة في كونه مستلزما للتّسلسل في بعض الصّفات (1) فافهم ، هذا ويتوجه أيضا على النّاصب فيما ذكره من تعدّد العلم بحسب التّعلق بالمفهومات أنّ تلك التّعلّقات إن كانت قديمة يلزم قدم المعلومات وإن كانت حادثة يلزم عدم علمه تعالى بالمعلومات قبل تلك التّعلقات الحادثة ، قال (العلامة الدّواني (2) في شرحه على العقائد العضديّة) أما ما ذكره الظاهريون (3) من المتكلّمين من أنّ العلم قديم ، والتّعلق حادث لا يسمن ولا يغنى من جوع ، إذ العلم ما لم يتعلّق بالشيء لا يصير ذلك الشيء معلوما فهو يفضي إلى نفى كونه تعالى عالما بالحوادث في الأزل تعالى عن ذلك علوّا كبيرا «انتهى» وأما ما ذكره آخرا من أنّه لا يلزم التّسلسل المحال لفقدان شرط التّرتب «إلخ» فدليل على جهله بشرائط استحالة التّسلسل عند المتكلّمين ، فان وجود ما لا يتناهى في الخارج محال عندهم مطلقا سواء كان هناك ترتّب أولا كما صرّحوا به وعرفه من له أدنى تحصيل وأما ما أجاب به عن الدّليل الخامس فنختار الشّقّ الثّاني منه ، قوله : فليس هناك إلا ملاحظة الموصوف مع الصّفات قلنا : إن أراد به أنّه ليس هناك موصوف وصفة قائمة به في نفس الأمر ، وإنّما التّعدد بحسب ملاحظة مفهوم العالم والقادر وغيرهما فهو عين مذهب القائل بالعينيّة كما لا يخفى ، وإن أراد به أنّه تتحقّق هناك ملاحظة الموصوف مع الصّفة القائمة به فهو كلام لغو لا أثر له في دفع الاستدلال واما ما ذكره من أنّ احتياج الواجب إلى ما هو غيره يوجب الإمكان فالظاهر

ص: 244


1- اى القدرة والعلم والحياة والإرادة كما مر.
2- قد مرت ترجمة أحواله سابقا فليراجع.
3- المراد بهم من يأخذ بظواهر الأدلة النقلية في باب صفاته تعالى ، لا الظاهريون التابعون لداود بن على الاصفهانى الذي مرت ترجمته فلا تغفل.

أنّ له تتمة حذفها ، هي أن صفاته تعالى ليست غيرها كما هي ليست عينها ولعلّه إنّما حذفها هربا عن التّصريح بالفاسد ، لما مرّ من أنّ عدم المغايرة بين الذّات والصّفات إنّما هو بحسب اصطلاحهم ، ولا يفيد عدم المغايرة في نفس الأمر ، فلا يفيد أصلا ، وأما ما ذكره في تأويل كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام من احتمال إرادة صفات تكون هي غير الذّات بالكلّية فلا تخفى ركاكته ، ولقد أشبه قولهم الصّفات ليس غير الذّات بالكلّية قول الرّجل الخراساني الذي ضل حماره في قافلة وكان ذكرا ، فأخذ حمارا أنثى كان لأحد من رفقائه عوضا عنه ، فلمّا تكلّموا معه في ذلك وقالوا له إنك كنت تقول : إنّ حماري كان ذكرا وهذه أنثى قال : إنّ حماري أيضا لم يكن ذكرا بالكلّية ، فليضحك قليلا وليبك كثيرا (1) واما ما أجاب به عن الدّليل السّادس من أنّ المراد بعدم كون الصّفات عين الذّات أنّها مغايرة للذّات في الوجود «إلخ» فقد مرّ مرارا أنّ هذه الإرادة والاصطلاح منهم لا يدفع التّغاير في الواقع ، وهو ممّا يأباه العقل في باب التّوحيد ، على أنّ الواسطة بين الشيء وغيره ممّا يجدها كلّ عاقل ، وتخصيص الغير بما خصّصوه به لتصوير الواسطة تعسّف لا يخفى. واما ما ذكره بقوله كما يقال : إنّ علم زيد ليس عين زيد لأنّه صفة له وليس غيره بالكلّية «إلخ» فهو مثال من جملة مصنوعاته ، ولم نسمع إلى الآن من يقول : إنّ علم زيد ليس غيره بالكلّية ، وإنّما سمعنا نظيره عن الخراساني كما مر.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث التاسع في البقاء ، وفيه مطلبان الاول أنّه ليس زائدا على الذّات ، وذهبت الأشاعرة إلى أنّ الباقي إنّما يبقى ببقاء زائد على ذاته ، وهو عرض قائم

ص: 245


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة : الآية 82.

بالباقي ، وأنّ اللّه تعالى باق ببقاء قائم بذاته ، ولزمهم من ذلك المحال الذي تجزم الضّرورة ببطلانه من وجوه : الاول أنّ البقاء إن عنى به الاستمرار لزم اتّصاف العدم بالصّفة الثّبوتية وهو محال بالضّرورة ، بيان الملازمة : أنّ الاستمرار كما يتحقّق في جانب الوجود فكذا يتحقّق في جانب العدم ، لإمكان تقسيم المستمرّ إليهما ، ومورد التّقسيم مشترك ، ولأنّ معنى الاستمرار كون الأمر في أحد الزمانين كما كان في الزّمان الآخر ، وإن عنى به صفة زائدة على الاستمرار ، فان احتاج كلّ منهما إلى صاحبه دار ، وإن لم يحتج أحدهما إلى الآخر أمكن تحقّق كلّ منهما بدون صاحبه ، فيوجد بقاء من غير استمرار وبالعكس ، وهو باطل بالضرورة ، وإن احتاج أحدهما إلى صاحبه انفكّ الآخر عنه وهو ضروري البطلان ، الثاني أنّ وجود الجوهر في الزّمان الثّاني لو احتاج إلى البقاء لزم الدّور ، لأنّ البقاء عرض يحتاج في وجوده إلى الجوهر ، فإن احتاج إلى وجود هذا الجوهر الذي فرض باقيا كان كلّ من البقاء ووجود الجوهر محتاجا إلى صاحبه وهو عين الدّور المحال ، وإن احتاج إلى وجود جوهر غيره لزم قيام الصّفة بغير الموصوف وهو غير معقول ، أجابوا بمنع احتياج البقاء إلى الجوهر فجاز أن تقوم بذاته لا في محلّ ، ويقتضي وجود الجوهر في الزّمان الثّاني ، وهو خطأ ، لأنّه يقتضي قيام البقاء بذاته فيكون جوهرا مجرّدا والبقاء لا يعقل إلا عرضا قائما بغيره ، وأيضا يلزم أن يكون هو بالذاتيّة أولى من الذات ، وتكون الذات بالوصفيّة أولى منه ، لأنّه مجرّد مستغن عن الذات ، والذّات محتاجه إليه ، والمحتاج أولى بالوصفيّة من المستغني ، والمستغني أولى بالذّاتيّة من المحتاج ، ولأنّه يقتضي بقاء جميع الأشياء لعدم اختصاصه بذات دون أخرى حينئذ ، الثالث أنّ وجود الجوهر في الزّمان الثّاني هو عين وجوده في الزّمان الأوّل ، ولمّا كان وجوده في الزّمان الأوّل غنيّا عن هذا البقاء كان وجوده في الزّمان الثّاني كذلك ، لامتناع كون بعض أفراد الطبيعة محتاجا لذاته إلى شيء

ص: 246

وبعض أفرادها مستغنيا عنه «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : اتّفق المتكلّمون على أنّه تعالى باق ، لكن اختلفوا في كونه صفة ثبوتيّة زائدة أولا ، فذهب الشّيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وجمهور معتزلة بغداد إلى أنّه صفة ثبوتيّة زائدة على الوجود ، إذ الوجود متحقّق دونه كما في أوّل الحدوث ، بل يتجدّد بعده صفة هي البقاء ، ونفى كون البقاء صفة موجودة زائدة كثير من الأشاعرة كالقاضي ابى بكر (1) وامام الحرمين (2) والامام الرازي (3) وجمهور معتزلة البصرة ، وقالوا البقاء هو نفس الوجود في الزّمان الثّاني لا أمر زائد عليه ، ونحن ندفع ما أورده هذا الرّجل على مذهب الشّيخ الأشعري ، فنقول

ص: 247


1- المراد به القاضي ابو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم البصري الباقلاني صاحب التصانيف في علم الكلام ، سكن بغداد ، سمع ابا بكر القطيعي وأبا محمد بن ماسى ، وخرج له ابو الفتح بن ابى الفوارس ، روى عنه أبو ذر الهروي ، والحسين بن حاتم ، وخلق ، له كتب اشهرها ، كتاب الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ، توفى يوم السبت في ذى القعدة لسبع بقين منه سنة 403 ودفن بداره ثم نقل الى مقبرة باب حرب من مقابر بغداد ، وما نقله القاضي الشهيد عنه مذكور في كتاب الإنصاف ، فليراجع ، ومن طالعه رأى ان الرجل غير مالك لنفسه في التحامل والتعصب على المعتزلة ، والامامية ، والوقيعة في حقهم ، مع ان المسائل العلمية مضامير الأفكار والآراء ، لا الشتم والسباب ، وزاد الشيخ محمد زاهد الكوثرى في تعاليقه عليه في الطنبور نغمات عصمنا اللّه من الزلل في القول والعمل.
2- قد مرت ترجمته.
3- قد مرت ترجمته.

أورد عليه ثلاث إيرادات ، الأوّل : أنّ البقاء إن عنى به الاستمرار لزم اتّصاف العدم بالصّفة الثبوتيّة إلى آخر الدّليل ، والجواب : أنّ البقاء عنى به استمرار الوجود لا الاستمرار المطلق حتى يلزم اتّصاف العدم بالصّفة الثبوتيّة فاندفع ما قال. الثاني أنّ وجود الجوهر في الزّمان الثّاني لو احتاج إلى البقاء لزم الدّور ، ثمّ ذكر أن الأشاعرة أجابوا بمنع احتياج البقاء إلى الجوهر ، ورتّب عليه أنّه حينئذ جاز أن يقوم بذاته لا في محلّ ، وهذا الجواب افتراء عليهم ، بل أجابوا بمنع احتيّاج الذّات إليه ، وما قيل إنّ وجوده في الزّمن الثّاني معلّل به ممنوع ، غاية ما في الباب أنّ وجوده فيه لا يكون إلا مع البقاء وذلك لا يوجب أن يكون البقاء علّة لوجوده فيه ، إذ يجوز أن يكون تحقّقهما معا على سبيل الاتّفاق ، فاندفع كلّ ما ذكر من المحذور. الثالث : أنّ وجود الجوهر في الزّمان الثّاني هو عين وجوده في الزّمان الأوّل ولمّا كان وجوده في الزّمان الأوّل غنيّا كان في الثّاني كذلك ، والجواب : أنّ جميع أفراد الوجود محتاج إلى البقاء في الزّمان الثّاني غنيّ عنه في الزّمان الأوّل فلا تختلف أفراد الطبيعة (1) في الاحتياج والغنى الذّاتيين وهو حسب أنّ الوجود في

ص: 248


1- وعلم ان المقصود من هذا الجواب انه يلزم من تساوى افراد الطبيعة في الاستغناء والاحتياج اليه ان لا يكون الوجود في الزمان الثاني محتاجا الى البقاء ، وانما لزم ذلك منه ان لو كان الوجود في الزمان الثاني فردا مغايرا للوجود في الزمان الاول إذ حينئذ لما استغنى الوجود في الزمان الاول عنه فيجب استغناء الوجود في الزمان الثاني ايضا عنه ، الا انه لا مغايرة بينهما بل هو عينه كما نص عليه هذا الرجل في اول تقرير هذا الاعتراض فح جاز ان يكون كل فرد من افراد الوجود مستغنيا عن البقاء في الزمان الاول محتاجا اليه في الزمان الثاني ولا يلزم التفاوت في افراد طبيعة واحدة استغناء واحتياجا (من الفضل بن روزبهان).

الزّمان الأوّل فرد ، وفي الزّمان الثّاني فرد آخر ، وهذا غاية جهله وعدم تدرّبه (1) في شيء من المعقولات «انتهى.»

أقول : المصنّف قدس سره غير ذاهل عن أنّ البقاء في الباقي الموجود يراد به استمرار الوجود ، لكن غرضه في هذا الدليل إثبات عدم القيام في البقاء والاستمرار المطلق ليلزم منه عدم القيام في البقاء الخاصّ الحاصل للموجود الباقي ، وقد أشار إلى ما ذكرناه بقوله : الاستمرار كما يتحقّق في جانب الوجود ، كذلك يتحقّق في جانب العدم ، وحاصل الدّليل أنّ البقاء والاستمرار المطلق مفهوم واحد يستوي إطلاقه على الموجود والمعدوم ، فلو اقتضى القيام بالباقي ، لزم أن يكون قائما بالباقي المعدوم أيضا لما ذكرنا ، فيلزم اتّصاف المعدوم بأمر ثبوتيّ ، وإذا كان هذا محالا تعيّن عدم اقتضائه للقيام بشيء وبه تتمّ الحجّة على الأشعري ، ولا يفيد اختيار الشّقّ الثّالث كما زعمه النّاصب. وأمّا ما ذكره من أنّ الجواب الذي نقله المصنّف عن الأشاعرة في ردّ الدّليل الثّاني افتراء عليهم ، بل أجابوا بمنع احتياج البقاء إلى الجوهر «إلخ» فدليل على قصور باعه وقصر نظره على ظواهر الألفاظ من غير تمكّنه عن تحصيل حقيقة المعنى ، فكلّما وجد مخالفة ما بين العبارتين ولو بالتّفصيل والإجمال والإطناب والإيجاز حكم بمغايرة المعنى ، والحاصل أنّ الجواب الذي ذكره النّاصب مصدّرا بقوله بل أجابوا بمنع احتياج الذّات إليه «إلخ» وهو المذكور في المواقف متحد في المعنى مع ما ذكره المصنف (قدس سره) فانّ حاصل ما ذكره صاحب المواقف في مقام السّند من هذا الجواب بقوله : إذ يجوز أن يكون تحققهما معا على سبيل الاتّفاق راجع إلى ما ذكره المصنّف من الجواب يجوز أن يقوم البقاء بذاته لا في محلّ «إلخ» لظهور أنّ الحكم بتحقّق الذّات

ص: 249


1- التدرب : التعود والحذاقة الحاصلة من الممارسة.

والبقاء معا على سبيل الاتفاق بلا علاقة بينهما حكم بجواز أن يقوم البقاء بذاته لا في محلّ ، فيلزم ما ذكره المصنّف من المحذور لزوما لا مدفع له كما لا يخفى ، وممّا ينبغي أن ينبّه عليه أنّ البقاء قد فسره بعضهم باستمرار الوجود في الزّمان الثّاني كما مرّ ، وفسره آخرون بأنّه صفة تعلّل بها الوجود في الزّمان الثاني ، «والظاهر» أنّ الدّليل الثّاني الذي ذكره المصنّف وهو المذكور في المواقف أيضا إلزاميّ (1) لمن فسّر البقاء بالتّفسير الثاني مع القول بزيادته ، فما فعله صاحب المواقف في جوابه من منع كون الوجود في الزّمن الثّاني معلّلا بالبقاء كما ترى وأما ما ذكره في الجواب عن الدّليل الثالث فهو واه سخيف جدّا ، ولهذا اضطرب بعد ذلك ، وكتب في الحاشية ما هو أسخف منه. أما ما ذكره في أصل جرحه فلأنّ كلام المصنّف صريح في أنّه جعل المحذور لزوم اختلاف حكم فرد واحد من الوجود في الزّمانين بحسب الغنا والافتقار ، حيث قال : وجود الجوهر في الزّمان الثّاني عين وجوده في الزّمان الأوّل فكيف يتأتي للنّاصب أن يقول : إنّ المصنّف حسب أنّ الوجود في الزّمان الأوّل فرد وفي الزّمان الثّاني فرد آخر وهل هذا الاشتباه إلا دليل جهله وعدم تمكّنه من فهم معاني العبارات الصّريحة في مدلولاتها فضلا عن التفطن بدقائق العلوم ومعقولاتها. وأما ما ذكره في الحاشية من أنّ المقصد من هذا الجواب أنّه لا يلزم من تساوي أفراد الطبيعة في الاستغناء والاحتياج إليه أنّ لا يكون الوجود في الزّمان الثّاني محتاجا إلى البقاء وإنّما لزم ذلك منه لو كان الوجود في الزّمان الثّاني فردا مغايرا للوجود في الزّمان الأول ، إذ حينئذ لما استغنى الوجود في الزّمان الأوّل عنه ، فيجب استغناء الوجود في الزّمان الثّاني

ص: 250


1- الدليل الالزامى عند علماء آداب البحث والمناظرة كما في كتاب الحدود للجرجانى (ص 71 ط مصر) ما سلم عند الخصم ، سواء كان مستدلا عند الخصم أو لا ، فهو يقابل الدليل الإقناعي ، والدليل الخطابي ، فلا تغفل.

أيضا عنه ، إلا أنّه لا مغايرة بينهما ، بل هو عينه كما نصّ عليه هذا الرّجل في أوّل تقرير هذا الاعتراض ، فحينئذ جاز أن يكون كلّ فرد من أفراد الوجود مستغنيا عن البقاء في الزّمان الأوّل محتاجا إليه في الزّمان الثّاني ، ولا يلزم التّفاوت في أفراد طبيعة واحدة استغناء واحتياجا «انتهى» فأقول : مبناه على أنّ المصنّف أراد أنّه يلزم اختلاف أفراد طبيعة الوجود ، (وقد علمت) بما نبّهناك عليه من دلالة صريح كلام المصنّف على إرادة لزوم اختلاف فرد واحد من طبيعة واحدة في زمانين (أنّ ما فهمه النّاصب) في هذه الحاشية أيضا غير منفهم عن كلام المصنّف أصلا ، وإنّما النّاصب الشقي الجاهل قد التزم الردّ على هذا الكتاب تعصّبا من غير استعداد واستمداد ، فمقاصده عنه تفوت ، وينسج عليه أمورا واهية كنسج العنكبوت ، ويأتي بمثل هذا الجواب الواهي الشّنيع ، وأنى يدرك الضّالع (1) شأو (2)الضّليع (3)

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الثاني في أنّ اللّه تعالى باق لذاته ؛ الحقّ ذلك لأنّه لو احتاج في بقائه إلى غيره كان ممكنا ، فلا يكون واجبا للتّنافي الضّروري بين الواجب والممكن. وخالفت الأشاعرة في ذلك وذهبوا إلى أنّه تعالى باق بالبقاء وهو خطأ لما تقدّم ، ولأنّ البقاء إن قام بذاته تعالى لزم تكثره واحتاج البقاء إلى ذاته تعالى ، مع أنّ ذاته محتاجه إلى البقاء فيدور ، وإن قام بغيره كان وصف الشّيء حالا في غيره ولأنّ غيره محدث ، فإن قام البقاء بذاته كان مجردا. وأيضا بقاؤه تعالى

ص: 251


1- الضالع : المعوج الخلقة.
2- الشأو : الأمد والغاية.
3- الضليع : المستوي الخلقة وهذه الجملة مثل يضرب به في بيان قصور الناقص عن اللحوق بالتام الكامل فيما همه وأراد واين التراب ورب الأرباب.

باق لامتناع تطرق العدم إلى صفاته تعالى ، ولأنّه يلزم أن يكون محلا للحوادث فيكون له بقاء آخر ويتسلسل. وأيضا صفاته تعالى باقية فلو بقيت بالبقاء لزم قيام المعنى بالمعنى «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد عرفت فيما سبق أكثر أجوبة ما ذكره في هذا الفصل ، قوله : لو احتاج في بقائه إلى غيره كان ممكنا ، قلنا : الاحتياج إلى الغير الذي لم يكن من ذاته يوجب الإمكان ، ومن كان صفاته من ذاته لم يكن ممكنا. قوله ولأنّ البقاء إن قام بذاته لزم تكثّره ، قلنا : لا يلزم التّكثّر ، لأن الصّفات الزّائدة ليست غيره مغايرة كلّيّة كما سبق ، قوله : احتاج البقاء إلى ذاته وذاته محتاجة إلى البقاء فيلزم الدّور ، قلنا : مندفع بعدم احتياج الذّات إلى البقاء بل هما متحقّقان معا كما سبق ، فهو قائم بذاته من غير احتياج الذّات إليه بل هما متحققان (تحققا خ ل) معا. قوله : بقاؤه باق ، قلنا : مسلّم ، فالبقاء موصوف ببقاء هو عين ذلك البقاء كاتّصاف الوجود بالوجود ، قوله : ولأنّه يلزم أن يكون محلا للحوادث قلنا : ممنوع ، لأنا قائلون بقدمه. قوله : يكون له بقاء آخر ويتسلسل ، قلنا : مندفع بما سبق من أنّ بقاء البقاء نفس البقاء. قوله : صفاته تعالى باقية فلو بقيت بالبقاء لزم قيام المعنى بالمعنى ، قلنا : قد سبق أنّ الصّفات ليست مغايرة للّذات بالكلّية فيمكن أن يكون البقاء صفة للذّات ، وتبقى الصّفات ببقاء الذّات فلا يلزم قيام المعنى بالمعنى.

أقول : قد أوضحنا لك وهن تلك الأجوبة وما فيها من الاشتباه والخلط (1) والخبط ، وأما ما أجاب به هاهنا أوّلا من أنّ الاحتياج إلى الغير الذي لم يكن من ذاته يوجب الإمكان ومن كان صفاته من ذاته لم يكن ممكنا ففيه أنّه

ص: 252


1- قد مر الفرق بين الخلط والخبط فليراجع.

مكابرة على المقدّمة الكلّية العقليّة الضّروريّة ، فلا يستحقّ إلا الإعراض ، على أنّ ظاهر ما ذكره من أنّ الاحتياج إلى الغير الذي لم يكن من ذاته يوجب الإمكان يقتضي أنّ الواجب لو احتاج إلى شيء من السّماويات والأرضيات أيضا لا يكون ذلك موجبا لإمكانه ، لأن الكلّ ناش من ذاته (وفساده أظهر من أن يخفى). واما ما أجاب به هاهنا ثانيا بقوله : قلنا لا يلزم التكثّر ، لأنّ الصّفات الزّائدة ليست غيره مغايرة كلّية كما سبق فمردود ، بما سبق من كونه في السخافة ، نظير قول من ضل منه الحمار ، وأمّا النّاصب المهذار (1)فمثله كمثل الحمار الذي يحمل الأسفار (2) واما ما أجاب به ثالثا من جواز كون البقاء قائما بذاته تعالى من غير احتياج الذّات إليه فهو كلام فاسد ، كإثبات وجودات متعدّدة وتشخّصات متعدّدة ، وعلوم متعدّدة من غير حاجة له إليها ، وبالجملة ليس في ذلك سوى إثبات فضل نزه العقلا من الحكماء الأجرام الفلكية عنها لشرفها ، فكيف لا ينزّه اللّه سبحانه عنه ،؟ واما ما أجاب به رابعا من أنّ البقاء موصوف ببقاء هو عين ذلك البقاء «إلخ» ففيه أنّ المتنازع فيه بيننا وبينكم هو أنّه هل يجوز أن يكون تعالى باقيا بالبقاء الذي هو عين ذاته أم لا؟ فإذا جاز أن يكون البقاء باقيا بالبقاء الذي هو عين ذاته جاز أن يكون بقاؤه تعالى أيضا كذلك ، فانهدم بنيان ما استدلّ به شيخكم الأشعري (3) : من أنّ الواجب باق ، فلا بدّ أن يقوم به معنى هو البقاء كما ذكر في المواقف وشرح التجريد ، وأيضا الأشاعرة إنّما ذهبوا إلى زيادة الصّفات وأنكروا عينيّتها ، لزعمهم (4) أنّ القول :

ص: 253


1- المهذار : الرجل المبالغ في الهذر واللغو.
2- مقتبس من قوله تعالى في سورة الجمعة. الآية 5.
3- والقول بان البقاء لا يحتاج في البقاء الى بقاء زائد دون ذاته تعالى تحكم ، ودون إثباته خرط القتاد «منه قده».
4- وانما نسب هذا الى الزعم لان مرادهم من قولهم انه عالم لا علم له ، انه عالم لا علم له صفة موجودة فيكون بمنزلة قولنا أعمى لا عمى له صفة موجودة في الخارج وليس بمحال «منه قده».

بالعينيّة راجع إلى النّفي المحض ، وأن يكون مؤدّى ذلك أنّه تعالى عالم لا علم له ، وقادر لا قدرة له ، إلى غير ذلك كما صرّح به شارح العقائد ، وهذا المحذور الذي حملهم إلى القول بزيادة الصّفات آت في البقاء ، وبقائه أيضا ، فكيف نسوا إنكارهم للعينيّة واعترفوا به هاهنا؟ قائلين : بأنّ البقاء موصوف ببقاء هو عين ذلك البقاء ، وبالجملة كلام المصنّف هاهنا إلزامي لهم ، فان رجعوا عن ذلك ووافقوا ، فنعم الوفاق والحمد لله رب العالمين. واما ما أجاب به خامسا عمّا نقله من قول المصنّف : ولأنّه يلزم أن يكون محلا للحوادث فيكون له بقاء آخر فيتسلسل ، ففيه أنّ المنقول كلام يلوح عليه آثار السّقم ، لأن تفريع لزوم التّسلسل على كونه محلا للحوادث ممّا لا وجه له ، ويعضده أيضا كلام المصنّف في كتاب نهج المسترشدين حيث قال : ولأنّ البقاء لو كان زائدا على الذّات لزم التّسلسل «انتهى» فالظاهر أنّ النّاصب زاد في كلام المصنّف أو نقص كما وقع منه مثل هذا غير مرة ، فوجب الرّجوع إلى أصل مصحح من نسخة المصنّف هاهنا لتتّضح حقيقة الحال. واما ما أجاب به سادسا عن لزوم التّسلسل بما أسبقه فمدفوع : بما أسبقناه من لزوم انهدام دليلهم.

واما ما أجاب به سابعا من أنّ الصّفات ليست مغايرة للذّات بالكلّية ، فيمكن أن يكون البقاء صفة للذّات ويبقى ببقاء الذّات «إلخ» ففيه أنّ من جملة الصّفات الباقية لله تعالى البقاء ، فان أريد ببقاء البقاء بقاء الذّات عينه الذي بقي به الذّات يلزم ما ذكرنا سابقا من انهدام دليلهم على زيادة البقاء على الذّات ، وإن أراد به غير ذلك البقاء يلزم بقاء الذّات ببقائين وهو ممّا لم يقل به أحد ، فتعيّن أن يكون بقاء البقاء ببقاء قائم بذاته فيلزم ما ذكره المصنّف من قيام المعنى بالمعنى ، وأيضا هذا البحث إلزامي (1)

ص: 254


1- قد مر المراد من الدليل الالزامى فراجع.

على الأشاعرة حيث استدلوا على عدم بقاء الأعراض بوجوه ثلاثة مذكورة في المواقف ، منها أنّها لو بقيت لكانت متّصفة ببقاء قائم بها والبقاء عرض فيلزم قيام العرض بالعرض وإلا فالبقاء عند المصنّف وسائر المحقّقين ليس بعرض بل هو أمر اعتباري يجوز أن يتّصف به العرض كالجوهر ، وأيضا ليس قيام العرض بالعرض بمستحيل عنده كما صرّح به في نهج المسترشدين حيث قال : ولا يستحيل قيام عرض بعرض كالسّرعة القائمة بالحركة ، ولا بدّ من الانتهاء إلى محلّ جوهري وهذا صريح فيما ذكرنا من إرادة الإلزام واللّه تعالى أعلم بحقائق المرام.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

خاتمة تشتمل على حكمين الأوّل : البقاء يصحّ على الأجسام بأسرها وهذا حكم ضروريّ لا يقبل التّشكيك ، وخالف فيه النظام من الجمهور فذهب إلى امتناع بقاء (1) الأجسام بأسرها بل كلّ آن يوجد فيه جسم ما ، يعدم ذلك الجسم في الآن الذي بعده ، ولا يمكن أن يبقى جسم ما من الأجسام ، (2) فلكيها وعنصريها بسيطها ومركبها ، ناطقها وغيرها ، آنين ولا شك في بطلان هذا القول لقضاء الضّرورة بأنّ الجسم الذي شاهدته حال فتح العين هو الذي شاهدته قبل تغميضها والمنكر لذلك سوفسطائي (3) ، بل السّوفسطائي لا يشكّ في أنّ بدنه الذي كان بالأمس هو بدنه الذي كان الآن ، وأنّه لم يتبدّل بدنه من أوّل لحظة إلى آخرها

ص: 255


1- ومن المفرطين في هذا المعنى بعض من أدركناه في الغرى الشريف حتى انه صنف كتابا في هذا الشأن وسماه بكتاب الخلع واللبس واتى فيه على زعمه ما يدل على ذلك ومات على هذه العقيدة السخيفة سامحه اللّه.
2- هذا مبنى على كون الفلكيات أجساما ، وهذه مسألة متنازعة فيها ذات عرض عريض وذيل طويل.
3- قد مر المراد بالسوفسطائية فراجع.

وهؤلاء جزموا بالتّبدّل «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : الجسم عند النّظام (1) مركّب من مجموع أعراض مجتمعة ، والعرض لا يبقى زمانين لما سنذكر بعد هذا ، فالجسم أيضا يكون كذلك عنده ، والحقّ أنّ ضرورة موجوديّة البقاء وعدم جواز قيام العرض بالعرض دعتا (خ ل دعت) إلى الحكم بأنّ الأعراض لا تبقى زمانين وليست هذه الضّرورة حاصلة في الأجسام لجواز قيام البقاء بالجسم ، وأما ما ذهب إليه النّظام : أنّ الجسم مجموع الأعراض المجتمعة فباطل ، فمذهبه في عدم صحّة البقاء على الأجسام يكون باطلا كما ذكره «انتهى».

أقول : غرض النّاصب من ذكر حقه (2) الباطل إظهار أنّ فساد قول النّظام ليس لأجل فساد قوله : بعدم بقاء الأعراض الذي هو مبنى حكمه على عدم بقاء الأجسام ، بل هو لأجل فساد حكمه بأنّ الأجسام مركّبة من الأعراض لأنّ ما شارك فيه الأشعري معه من القول : بعدم بقاء الأعراض مبني على مقدّمتين ضروريتين هما موجوديّة البقاء وعدم جواز قيام العرض بالعرض ، هذا محصّل مرامه ويتوجّه عليه أنّ دعوى الضرورة في كلّ من المقدّمتين باطلة إذ التّحقيق أنّ البقاء أمر اعتباري كما مرّ ، واعترف به صاحب المواقف أيضا ، وقد مرّ أيضا جواز قيام العرض بالعرض كالسّرعة والبطوء بالحركة ، والدّليل المذكور في المواقف وغيره لإثبات عدم بقاء الأعراض مدخول ، كما سيجيء ما يوضحه ، فيكون النّظام والأشاعرة شريكين في شطر من الفساد ، غاية الأمر أن يكون مذهب النّظام أكثر فسادا ،

ص: 256


1- قد مرت ترجمته.
2- اى الذي زعمه حقا وكان باطلا واقعا.

وأما ما ذكره النّاصب في حاشية كلامه في هذا المقام : من أنّ دعوى الضّرورة في عدم تبدّل البدن مع تحلّله وورود البدل في محلّ المنع «إلخ» فمدخول بأنّ المراد بالبدن الأجزاء الأصليّة التي تقوم بها التّشخّصات البدنيّة وهي باقية من أوّل العمر إلى آخره كما صرّحوا به في بحث المعاد ، فلا يقدح في الحكم بعدم تبدّل البدن تحلّل فواضله التي هي الرطوبة الغريزية بواسطة الحارّ الغريزي (خ ل الحرارة الغريزية) كما ذكر في علم الطب تأمل.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

الحكم الثاني في صحّة بقاء الأعراض ، ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الأعراض غير باقية بل كلّ لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وحركة وسكون وحصول في مكان وحياة وطعم وعلم وقدرة وتركّب وغير ذلك من الأعراض ، فانّه لا يجوز أن يوجد آنين متّصلين ، بل يجب عدمه في الآن الثّاني من آن وجوده ، وهذا مكابرة للحسّ وتكذيب للضّرورة الحاكمة بخلافه ، فانّه لا حكم أجلى عند العقل من أنّ اللّون الذي شاهدته في الثّوب حين فتح العين هو الذي شاهدته قبل طبقها ، وأنّه لم يعدم ولم يتغيّر ، وأىّ حكم أجلى عند العقل من هذا وأظهر منه ، ثم إنّه يلزم منه محالات ، الاول أن يكون الإنسان وغيره يعدم في كلّ آن ثمّ يوجد في آن بعده لأنّ الإنسان ليس إنسانا باعتبار الجواهر الأفراد التي فيه عندهم ، بل لا بدّ في تحقّق كونه إنسانا من أعراض قائمة بتلك الجواهر من لون وشكل ومقدار وغيرها من مشخّصاته ، ومعلوم بالضّرورة أنّ كلّ عاقل يجد نفسه باقية لا تتغيّر في كلّ آن ، ومن خالف ذلك كان سوفسطائيّا وهل إنكار السّوفسطائي للقضايا الحسّية عند بعض الاعتبارات أبلغ من إنكار كلّ أحد بقاء ذاته وبقاء جميع المشاهدات آنين من الزّمان ، فلينظر المقلّد المنصف في هذه المقالة التي ذهب إليها إمامه الذي قلّده ويعرض على عقّله حكمه بها وهل

ص: 257

يقصر حكمه ببقائه وبقاء المشاهدات عن أجلى الضّروريّات ، ويعلم أنّ إمامه الذي قلّده إن قصر ذهنه عن إدراك فساد هذه المقالة فقد قلّد من لا يستحقّ التّقليد وأنّه قد التجأ إلى ركن غير شديد (1)وإن لم يقصر ذهنه عن ذلك فقد غشّه وأخفى عنه مذهبه وقال عليه السلام ، من غشّنا فليس منّا (2) ، الثاني أنه يلزم تكذيب الحسّ الدّال على الوحدة وعدم التّغيّر كما تقدّم ، الثالث انه لو لم يبق العرض إلا آنا واحدا لم يدم (خ ل لم يلزم تأييد نوعه) نوعه فكان السّواد إذا عدم لم يجب أن يخلفه سواد آخر ، بل جاز أن يحصل عقيبه بياض أو حمرة أو غير ذلك وأن لا يحصل شيء من الألوان إذ لا وجه لوجوب ذلك الحصول ، لكن دوامه يدلّ على وجوب بقائه ، الرابع لو جوّز العقل عدم كلّ عرض في الآن الثّاني من وجوده مع استمراره في الحسّ لجوّز ذلك في الجسم ، إذ الحكم ببقاء الجسم إنّما هو مستند إلى استمراره في الحسّ وهذا الدّليل لا يتمشّى لانتقاضه بالأعراض عندهم فيكون باطلا ، فلا يمكن الحكم ببقاء شيء من الأجسام آنين ، لكنّ الشّك في ذلك هو عين السّفسطة ، الخامس أنّ الحكم بامتناع انقلاب الشيء من الإمكان الذّاتي إلى الامتناع الذّاتي ضروريّ

ص: 258


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة هود. الآية 80.
2- رواه الصدوق «قده» في المجالس بسنده عن على بن موسى الرضا «ع» عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حديث : ليس منا من غش مسلما. في صحيح مسلم (الجزء 1 ط مصر ص 69) بسنده المنتهى الى أبى هريرة : ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قال : من حمل علينا السلاح فليس منا ، ومن غشنا فليس منا ، وكذا رواية أخرى بعد هذه الرواية. وفي كنز العمال (الجزء 4 ط حيدرآباد دكن ص 33) عن أبى الحمراء من غشنا فليس منا وكذا رواية أخرى عن أبى هريرة ليس منا من غش وأيضا من غش فليس منا وعن على «ع» ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره ، وعن أبى هريرة من غشني فليس منى.

وإلا لم يبق وثوق بشيء من القضايا البديهيّة ، وجاز أن ينقلب العالم من إمكان الوجود إلى وجوب الوجود فيستغني عن المؤثّر فينسدّ باب إثبات الصّانع تعالى ، بل ويجوز انتقال (خ ل انقلاب) واجب الوجود إلى الامتناع وهو ضروريّ البطلان ، وإذا تقرّر ذلك فنقول : الأعراض إن كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل فتكون كذلك في الآن الثّاني ، وإلا لزم الانتقال من الإمكان الذّاتي إلى الامتناع الذّاتي وإذا كانت ممكنة في الثّاني جاز عليها البقاء ، وقد احتجّوا بوجهين ، الاول : البقاء عرض فلا يقوم بالعرض ، الثاني : أنّ العرض لو بقي لما عدم لأنّ عدمه لا يستند إلى ذاته وإلا لكان ممتنعا ، ولا إلى الفاعل لأنّ أثر الفاعل الإيجاد ، ولا إلى طريان الضدّ ، لأنّ طريان الضّد على المحلّ مشروط بعدم الضّدّ الأوّل عنه ، فلو علّل ذلك العدم به دار ، ولا إلى انتفاء شرطه لأنّ شرطه الجوهر لا غير ، وهو باق ، والكلام في عدمه كالكلام في عدم العرض ، والجواب عن الأوّل المنع من كون البقاء عرضا زائدا على الذّات ، سلّمنا لكن نمنع امتناع قيام العرض بمثله ، فانّ السّرعة والبطوء عرضان قائمان بالحركة وهي عرض ، وعن الثاني أنّه لم لا يعدم لذاته في الزّمان الثالث كما يعدم عندكم لذاته في الزّمان الثاني ، سلّمنا لكن جاز أن يكون مشروطا بأعراض لا تبقى ، فإذا انقطع وجودها عدم ، سلّمنا لكن مستند إلى الفاعل ، ونمنع انحصار أثره في الإيجاد ، فانّ العدم ممكن لا بدّ له من سبب ، سلّمنا لكن يعدم بحصول المانع ونمنع اشتراط طريان الثاني بعدم الضّدّ الأوّل بل الأمر بالعكس ، وبالجملة فالاستدلال على نقيض الضّروري باطل كما في شبه السّوفسطائية فانّها لا تسمع ، لما كانت الاستدلالات في مقابلة الضّروريّات (خ ل الضّرورات) «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : ذهب الأشعري ومن تبعه من الأشاعرة إلى أنّ العرض لا يبقى

ص: 259

زمانين ، فالأعراض جملتها غير باقية عندهم بل هي على التّقضّي والتّجدّد ينقضي واحد منها ويتجدّد آخر مثله ، وتخصيص كلّ من الآحاد المتقضّية المتجدّدة بوقته الذي وجد فيه إنّما هو للقادر المختار فانّه يخصص بمجرّد إرادته كلّ واحد منها بوقته الذي خلقه فيه وإن كان يمكن له خلقه قبل ذلك الوقت وبعده ، وإنّما ذهبوا إلى ذلك لأنّهم قالوا : بأنّ السّبب المحوج إلى المؤثّر هو الحدوث ، فلزمهم استغناء العالم حال بقائه عن الصّانع بحيث لو جاز عليه العدم ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، لما ضرّ عدمه في وجوده ، فدفعوا ذلك بأنّ شرط بقاء الجوهر هو العرض ، ولمّا كان هو متجدّدا محتاجا إلى المؤثّر دائما كان الجوهر أيضا حال بقائه محتاجا إلى ذلك المؤثّر بواسطة احتياج شرطه إليه ، فلا استغناء أصلا ، واستدلوا على هذا المدّعى بوجوه منها : أنّها لو بقيت لكانت باقية متّصفة ببقاء قائم بها ، والبقاء عرض فيلزم قيام العرض بالعرض وهو محال عندهم هذا هو المدعى والدّليل. وذهبت الفلاسفة ومن تابعهم من المعتزلة والإماميّة إلى بقاء الأعراض ، ودليلهم كما ذكر هذا الرّجل أنّ القول بخلافه مكابرة للحسّ وتكذيب للضّرورة ، والجواب أن لا دلالة للمشاهدة على أنّ المشاهد أمر واحد مستمرّ لجواز أن يكون أمثالا متواردة بلا فصل ، كالماء الدّافق من الأنبوب (1) يرى أمرا واحدا مستمرّا بحسب المشاهدة وهو في الحقيقة أمثال تتوارد على الاتّصال فمن قال : إنّه أمثال متواردة كان ينبغي على ما يزعمه هذا الرّجل أن يكون سوفسطائيّا منكرا للمحسوسات ، وكذا جالس السّفينة إذا حكم بأنّ الشّط ليس بمتحرّك كان ينبغي أن يحكم بأنّه سوفسطائي لأنّه يحكم بخلاف الحسّ ، وقد صوّرنا قبل هذا مذهب السّوفسطائيّة ، ويا ليت هذا الرّجل كان لم يعرف لفظ السّوفسطائي ، فانّه يطلقه في مواضع لا ينبغي أن يطلق فيها وهو

ص: 260


1- الأنبوب : ما بين العقدتين من القصب ، أو الرمح ، ويستعار لكل أجوف مستدير كالقصب ومنه انبوب الكوز قصبته انتهى. ثم لو مثل الناصب بالشعلة الجوالة لكان انسب.

جاهل بمعنى السفسطة ، ثم ما قال : أن لا حكم عند العقل أجلى من أنّ اللّون الذي شاهدته في الثّوب حين فتح العين هو الذي شاهدته قبل طبقها ، فنقول : حكم العقل هاهنا مستند إلى حكم الحسّ ويمكن ورود الغلط للحسّ ، لأنّه كان يحسب المثل عين الأوّل كما ذكرنا في مثال الماء الدّافق من الأنبوب ، وكثير من الأحكام يكون عند العقل جليّا بواسطة غلط الحسّ ، فمن خالف ذلك الحكم كيف يقال إنّه مكابر للضّرورة ، ثم ذكر خمس محالات ترد على مذهبهم ، الأوّل أنّ الإنسان وغيره يعدم في كلّ آن ثمّ يوجد في آن بعده ، لأنّ الإنسان ليس إنسانا باعتبار الجواهر الأفراد ، بل لا بدّ في إنسانيّته من اللّون والشّكل ، وكلّ هذه أعراض ، ومعلوم أنّ كلّ أحد يجد من نفسه أنّها باقية لا تتبدّل في كلّ آن ، ومخالفة هذا سفسطة والجواب أنّ الأشخاص في الوجود الخارجي يتمايزون بهويّاتها لا بمشخّصاتها كما يتبادر إليه الوهم فالهويّة الخارجيّة التي بها الإنسان إنسان باقية في جميع الأزمنة وإن توارد عليه الأمثال من الأعراض ، فهذه المشخّصات ليست داخلة في ذاته وهويّته العينيّة حتى يلزم من تبدّلها تبدّل الإنسان ، فذات الإنسان وهويّته المشخّصة له باقية في جميع الأحوال ، وتتوارد عليها الأعراض ، وأى سفسطة في هذا ، والطامّات والخرافات التي يريد أن تميل بها خواطر السفهة إلى مذهبه غير ملتفت إليها ، الثاني أنه يلزم تكذيب الحسّ ، وقد عرفت جوابه ، الثالث أنه لو لم يبق العرض إلا آنا واحدا لم يلزم تأييد نوعه ، فكان السّواد إذا عدم لم يجب أن يخلفه سواد آخر إلى آخر الدّليل ، والجواب أنّ السّواد إذا فاض على الجسم أعدّ الجسم لأن يفيض عليه سواد مثله ، والمفيض للسّواد هو الفاعل المختار ، لكن جرى عادته بإفاضة المثل بوجود الاستعداد وإن جاز التّخلّف ، ولزوم النّوع يدلّ على وجوب إفاضته المثل ، وهذا ينافي قاعدة القوم في إسناد الأشياء إلى اختيار الفاعل القادر ، الرابع لو جوّز العقل عدم كلّ عرض في الآن الثّاني من وجوده مع

ص: 261

استمراره في الحسّ لجوّز ذلك في الجسم ، إذا الحكم ببقاء الجسم إنّما هو مستند إلى استمراره في الحسّ ، والجواب أنّ الأصل بقاء كلّ موجود مستمرا ، فالحكم ببقاء الجسم لأنّه على الأصل ، وتخلّف حكم الأصل في الأعراض لدليل خارجي ، فعدم الحكم ببقاء الأعراض لم يكن منافيا للحكم ببقاء الأجسام ، وأما ما قال : إنّ الشّك في ذلك عين السّفسطة فقد مرّ جوابه ، والخامس أنّ الحكم بامتناع انقلاب الشيء من الإمكان الذّاتي إلى الامتناع الذّاتي ضروري إلى آخر الدّليل ، والجواب أنّ الأعراض كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل ، وكذلك في الآن الثّاني ، قوله : وإذا كانت ممكنة في الثاني جاز عليها البقاء ، قلنا إمكان الوجود غير إمكان البقاء ، فجاز أن يكون العرض ممكن الوجود في الآن الثاني ولا يكون ممكن البقاء ، وليس على هذا التّقدير شيء من الانقلاب الذي ذكره ، وهذا استدلال في غاية الضّعف كما هو ديدنه(1) في الاستدلالات المزخرفة. ثم ما ذكر من الدّليلين الذين احتجّ بهما الأشاعرة فأوّل الدّليلين قد ذكرنا وما أورد عليه من منع امتناع قيام العرض بالعرض ومنع كون البقاء زائدا وثبوتهما مذهب للشّيخ الأشعري وقد استدلّ عليهما في محلّه فليراجع ، وثانى الدليلين مدخول بما ذكره وبغيره من الأشياء ، وقد ذكره علماء السّنة والأشاعرة منهم صاحب المواقف وغيره ، فاعتراضاته على ذلك الدّليل الثّاني منقولة من كتب أصحابنا «انتهى.»

أقول : فيه نظر أما أولا فلأنّ ما ذكره في وجه ذهاب الأشاعرة إلى عدم بقاء الأعراض لا يسمن ولا يغني من جوع ، إذ لا تقتضي صحّة تلك المقدّمة التي اضطرّوا إلى استعمالها لدفع ذلك الإشكال لجواز أن تكون فاسدة في نفسها كمقدّمة الطفرة التي التزمها النّظام لدفع الإشكال المشهور الوارد عليه في تحقيق حقيقة الجسم مع ظهور بطلانها ، وأيضا لو تمّ إنّما يقتضي القول بعدم بقاء الأعراض

ص: 262


1- الديدن : بفتح الدال المهملة بمعنى الطريقة.

التي يحتاج إليها بقاء الجوهر لا عدم بقاء الكلّ كما ذهبوا (1) إليه ، وأما ثانيا فلأن ما ذكره من جملة وجوه أدلة الأشاعرة مدخول ، بأنّ قيام العرض بالعرض ليس بمحال ، والعنديّات (2) سيّما عنديّات الأشاعرة لا تقوم حجة على الخصم. وأما ثالثا : فلأن ما ذكره من أنّ دليلهم كما ذكره هذا الرّجل «إلخ» مدخول. بأنّ الرّجل نعم الرّجل هو المصنّف قدس سره لم يذكر دليلا على ما ادعاه من بقاء الأعراض لظهور أنّه بديهي لا يحتاج إلى دليل ، وإنّما ذكر لوازم فاسدة لدعوى الأشاعرة يحصل منها التّنبيه على ذلك المدّعى البديهي أيضا ، والحاصل على ما أشار إليه المصنّف في اللازم الرّابع وشارح المواقف في ذيل هذا المقام ، أنّه كما أنّ الحكم ببقاء الأجسام ضروريّ يحكم به العقل (3) بمعونة الحسّ ، كذلك الحكم ببقاء الأعراض كالألوان ضروريّ يحكم به العقل بمعونته أيضا ، وما ذكر في صورة الاستدلال على ذلك تنبيه على حكم ضروريّ فالمناقشة فيها بأمثال توارد الأمثال لا يجدي طائلا ، وأيضا قد صرّح المصنّف في مفتتح إيراده : بأنّ التنبيه على ذلك ليس مجرّد حكم الحسّ والمشاهدة ، ومع ذلك قد توهّمه النّاصب من كلامه كيف؟ وقد ضمّ قدس سره إلى ذلك دعوى الضّرورة العقليّة حيث قال : هذا مكابرة للحسّ وتكذيب للضّرورة بخلافه ، فإنّه لا حكم أجلى عند العقل من أنّ اللّون «إلخ» وفيه إشارة إلى ما ذكره صاحب المواقف (4) في تأويل ما نسب إلى أفلاطون من

ص: 263


1- وكون كل عرض مما يحتاج اليه بقاء الجسم غير مسلم تأمل. منه قدس سره.
2- العنديات جمع مجعول لكلمة عندي ، يطلق في الكتب العلمية على آراء الشخص التي لا تقوم عليها حجة ولا يوافقها أحد.
3- دعوى الضرورة هاهنا اتفاقية من الفريقين ، ولا فرق بينها وبين دعوى الضرورة في بقاء العرض كما لا يخفى. منه قده.
4- فيه إشارة الى أن الناصب توارد في هذه المناقشة مع غيره فإنها مذكورة في المواقف. منه قده.

قدحه في الحسّيات ، وهو أنّ جزم العقل بالحسّيات ليس بمجرّد الحسّ ، بل لا بدّ مع الإحساس من امور تنضمّ إليه ، فتلجئ تلك الأمور العقل إلى الجزم بما يجزم به من الحسّيات ولا يعلم ما تلك الأمور المنضمّة إلى الاحساس الموجبة للجزم ، ومتى حصلت لنا وكيف حصلت؟ فلا تكون الحسّيات بمجرّد تعلق الاحساس بها يقينيّة ، وهذا حقّ لا شبهة فيه ، وقد صرّح سيد المحققين (1) قدس سره في شرحه : بأنّ الحسّيات والبديهيّات هما العمدة في العلوم ، وهما يقومان حجّة على الغير ، أمّا البديهيّات فعلى الإطلاق ، وأمّا الحسيّات فإذا ثبت الاشتراك في أسبابها ، أى فيما تقتضيها من تجربة أو تواتر أو حدس أو مشاهدة «انتهى» ، ولا ريب في أنّ مسألة بقاء الأعراض ممّا شارك فيها جميع العقلاء من الحكماء والإماميّة والمعتزلة ومن تابعهم سوى الأشاعرة الذين هم بمعزل عن الشعور والعقل. وأما ما ذكره من التّمثيل لغلط الحسّ في ماء الفوارة ، فالغلط فيه ظاهر ، لظهور سبب الغلط فيه ، وعدم اشتراك جماعة من العقلاء في إثباته ، بخلاف ما نحن فيه من الجسم وأعراضه ، فانّ السّبب الذي ذكروه في غلط الحسّ عند توارد الأمثال كما في ماء الفوارة ، هو أنّ الحسّ وإن تعلّق بكلّ واحد منها من حيث خصوصه ، لكنّ الخيال لم يستثبت ما به يمتاز كلّ منها عن غيره ، فيخيّل الرائي أنّ هناك أمرا واحدا مستمرا ، ثم العقل الخالص عن مزاحمة الوهم والخيال يجد في ماء الفوّارة اتّصال المدد (2)ويحكم على غلط الحسّ بأدنى توجّه والتفات ، وليس فيما ذهب إليه النّظام والأشاعرة من تقضّي الأجسام والأعراض وتجدّدها وصول مدد واتّصاله حتّى يتأتى للعقل تجويز الحكم بغلط الحسّ في الحكم بالبقاء ، وكان النّظام والأشاعرة وقعوا في ذلك ممّا قرّره الصّوفيّة

ص: 264


1- هو المحقق الشريف الجرجاني في شرحه على المواقف.
2- المدد : بضم الميم جمع مدة ، أو بفتح الميم كحجر.

من الخلق(1)الجديد من غير أن يتأمّلوا في حقيقة ما أرادوه من ذلك ، فإنّهم أرادوا بذلك أنّ الماء كما يدوم ويبقى بالعين وامدادها ، كذلك الأشياء الظاهرة كلّها تبقى بإفاضة اللّه تعالى ، ولو انقطع مدد الفيض عنها لحظة لارتفعت رأسا ، وليس في ذلك حكم بتقضّي المخلوقات وتجدّدها آنا فآنا كما ذهبوا إليه فتأمل. وأما رابعا فلأنّ ما أجاب به عن أوّل المحالات الخمسة التي ألزمها المصنّف قدس سره فيتوجّه عليه : أنّ شارح المقاصد قال موافقا لغيره : إنّ الماهيّة إن اعتبرت مع التّحقق سمّيت ذاتا (2) وحقيقة ، فلا يقال : ذات العنقاء وحقيقتها بل ماهيّتها

ص: 265


1- وعبر عنه بعضهم بالأخذ والدفع وغيرها من التعابير فراجع.
2- الذات كما أفاد أبو البقا في ص 172 طبع تهران من كتابه هو ما يصلح أن يعلم ويخبر عنه ، منقول عن مؤنث ذو بمعنى الصاحب ، لان المعنى القائم بنفسه بالنسبة الى ما يقوم به يستحق الصاحبية والمالكية ، ولمكان النقل جعلوا تاء التأنيث عوضا عن اللام المحذوفة ، فأجروها مجرى الأسماء ، فقالوا ذات قديم وذات محدث ، وقيل التاء فيه كالتاء في الوقت والموت فلا معنى لتوهم التأنيث الى آخر ما أفاد وأجاد. ثم اعلم أن للذات إطلاقات : منها إطلاقه على الشيء والنفس. ومنها إطلاقه على الرضا ومنه قولهم فلان فعل الجميل الكذائى في ذات اللّه ومرضاته. ومنها إطلاقه على مفهوم الشيء. ومنها إطلاقه على المستقل بالمفهومية ، ويقابله الصفة ، بمعنى الغير المستقل بالمفهومية ومنها إطلاقه على الشيء المستقل ويقابله التابع. ومنها إطلاقه على الحقيقة اى الماهية باعتبار تحققها كما أفاد الجرجاني في الحدود والقاضي الشهيد في الكتاب الى غير ذلك من الإطلاقات والاستعمالات. ثم انك إذا أحطت خبرا ودققت النظر فيما تلى عليك لرأيت إمكان إرجاع هذه الإطلاقات بعضها الى بعض بالاعتبار فتأمل. ثم اعلم أيضا أن في صحة اطلاق لفظ الذات عليه تعالى اختلافا فمنهم من منعه ذاهبا الى أن أسماءه توقيفية مذكورة في دعاء ليلة الفطر والجوشن وتوحيد الصدوق ولم يذكر الذات بينها. ومنهم من قال ان معناه قد اطلق عليه تعالى فان من معاينة النفس والشيء وهما يطلقان عليه تعالى فيقال اللّه شيء لا كالأشياء كما في النهج. والمختار صحة إطلاقه ، والتوقيف لم يقم عليه دليل متقن سليم السند واضح الدلالة كما هو ظاهر لمن كان من أهل الدقة.

أى ما يتعقّل منها وإذا اعتبرت لامع التّحقّق سمّيت هويّة وقد يراد بالهوية التّشخص ، وقد يراد به الوجود الخارجي «انتهى» فان أراد النّاصب بالهويّة في قوله : الأشخاص في الوجود الخارجي يتمايزون بهويّاتها لا بمشخّصاتها «إلخ» المهيّة المعتبرة لا مع التّحقّق ففساده ظاهر وإن أراد به الوجود فكذلك ، لأنّ الوجود مشترك بين الموجودات باتّفاق الأشاعرة فكيف يوجب تمايزها؟! وإن أراد بها معنى آخر فلينبّه أولياءه حتى ننظر في صحّته وفساده ، وأيضا إذا عزل النّاصب المشخّصات عن كونها مفيدة للتّشخّص وليس يظهر لها مدخليّة في أمر سوى ذلك فقد حكم أنّها في عدم ارتباطها بمحالها من الأشخاص بمنزلة الحجر الموضوع بجنب الإنسان وهو أسخف سفسطة أورثها إيّاه أسلافه من الأشاعرة. وأما خامسا فلأنّ ما أجاب به عن ثاني المحالات اللازمة مدفوع بما تقدّم ، وأما سادسا فلأنّ ما أجاب به عن ثالث المحالات اللّازمة مدخول بأنّ حكمه بأنّ مفيض الاستعداد هو السّواد الفائض على الجسم ، دون الفاعل المختار ، ينافي قاعدة الأشعري من نفي مدخليّة شيء سوى قدرته تعالى في حدوث شيء من الأشياء ، بل صرّح صاحب المواقف في بحث قدم إرادته تعالى : بأنّ هذا مذهب الحكماء حيث قال : وقالت المعتزلة :

ص: 266

إنّها حادثة قائمة بذاتها لا بذاته تعالى ، فكأنّه مأخوذ من قول الحكماء : إنّه عند وجود المستعدّ للفيض يحصل الفيض «انتهى» فظهر أنّ النّاصب لضيق الخناق عليه اضطرّ في إصلاح كلام الأشعري إلى ضمّ ما ذهب إليه الفلاسفة مع تشنيعه على أهل العدل في موافقتهم اتّفاقا في بعض المقال مع الفلاسفة ، وأيضا قد مرّ الكلام على قاعدة جريان العادة ، وبيّنا ما فيه من القصور والعيب وأنّه فيما نحن فيه من مظانّ الرّيب من قبيل الرّجم بالغيب وأما ما ذكره من أنّ لزوم النّوع يدلّ على وجوب إفاضة المثل «إلخ» ، فإن قصد به الإيراد على المصنّف قدس سره ، فيتوجّه أنّه لم يقل : بوجوب إفاضة المثل ، وإنّما القائل به النّاصب وأصحابه ، وإن قصد به الإيراد على أصحابه فهم لم يقولوا : بلزوم النّوع ووجوب دوامه على أنّه يمكن حمل كلام المصنّف على تقدير وجوب (وجود خ ل) إفاضة المثل فيه على الوجوب العادي إلزاما فافهم ، وأما سابعا فلأنّ ما أجاب به عن رابع المحالات مدفوع ، بأنّ الأصل والاستصحاب من المسائل التي اختلف الاصوليّون في كونها صالحة للتّمسك بها في العلوم الظنّية أولا ، فكيف يجعل حجة فيما يطلب فيه اليقين كما فيما نحن فيه؟ وأما ثامنا فلأنّ ما أجاب به عن خامس المحالات بأنّ إمكان الوجود غير إمكان البقاء «إلخ» فمردود ، بأنّ مراد المصنّف من قوله الأعراض كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل فيكون كذلك في الآن الثّاني «إلخ» انّ الأعراض كانت ممكنة البقاء لذاتها في الآن الأوّل أى كانت متّصفة بهذا الإمكان فيه ، فيجب أن يكون ممكن البقاء في الآن الثّاني ولم يرد أنّها ممكن الوجود في الزّمان الأوّل ، فيجب أن يكون ممكن الوجود في الزّمان الثاني حتّى يندفع بأن إمكان الوجود في الزّمان الثّاني باق بحاله ، وإنما ارتفع إمكان البقاء فيه فيجوز أن يكون العرض ممكن الوجود في الآن الثّاني ، ولا يكون ممكن البقاء وأما تاسعا فلأنّ ما ذكره من أنّ ثبوت ما منعه المصنّف من امتناع قيام العرض بالعرض ، ومنع كون

ص: 267

البقاء زائدا مذهب الأشعري وقد استدلّ عليهما في محلّه مجاب بقولنا : نعم قد استدلت الأشاعرة عليهما لكن بما يليق بلحيتهم ولحية شيخهم وشارب النّاصب الذي رزق مشرب شيخه في الكودنة والضّلالة ، ومحل ذكر ذلك الاستدلالات كتاب المواقف الذي فيه ما هو آخر كلام القوم ، وأودع فيه جميع ما أمكنهم في الذّب عن خرافات شيخهم ، فليطالع ثمّة وأما عاشرا فلأنّ قوله : ثاني الدّليلين مدخول بما ذكره وبغيره من الأشياء «إلخ» فيه اعتراف لصحّة كلام المصنّف والحمد لله ، وليعلم أنّ هذا الدّليل الثّاني هو العمدة عند أصحاب الأشعري كما صرّح به صاحب المواقف ، ومع هذا ظهر أنّه أسخف الأدلة التي في العالم بحيث اعترف النّاصب مع غاية تعصّبه بأنّه مدخول ، وأما ما ذكره من أنّ تلك الاعتراضات ممّا ذكره علماء السّنة والأشاعرة ، منهم صاحب المواقف فان أراد بذكرهم لها مجرّد تحريرها في كتبهم بعد وصولها إليهم من علماء الإماميّة ، ومنهم المصنّف قدس سره ، فهو مسلّم ولا يجديه نفعا ، وإن أراد أنّ تلك الاعتراضات من نتائج أفكار علماء أهل السّنة والأشاعرة ، فهو كذب واضح ، لأنّه لم يذكر في شيء من كتبهم إلا في كتاب المواقف ونحوه ممّا ألف قريبا من زمان تأليفه ، والكلّ متأخر عن زمان المصنّف بسنين كثيرة كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث العاشر في أنّ القدم والحدوث اعتباريّان ، ذهب بعض الأشاعرة إلى أنّ القدم وصف ثبوتي قائم بذات اللّه تعالى ، وذهبت الكراميّة (1) إلى أنّ الحدوث وصف ثبوتيّ قائم بذات الحادث وكلا القولين باطلان ، لأنّ القدم لو كان موجودا مغايرا للذّات لكان إمّا قديما أو حادثا ، فان كان قديما لكان له قدم آخر وتسلسل ، وإن كان حادثا كان موصوفا بنقيضه وهو محال ، وكان اللّه تعالى

ص: 268


1- قد مر شرح الكرامية وانهم اتباع ابن كرام من اهل السنة.

محلا للحوادث وهو محال وكان اللّه قبل حدوثه ليس بقديم والكلّ معلوم البطلان وأما الحدوث فان كان قديما لزم قدم الحادث الذي هو شرطه وكان الشيء موصوفا بنقيضه وإن كان حادثا تسلسل ، والحقّ أنّ القدم والحدوث من الصّفات الاعتباريّة «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : ليس كون القدم وصفا ثبوتيّا مذهب الشّيخ الأشعري وما اطلعت على قوله فيه وأما قوله لو كان القدم وصفا ثبوتيّا فامّا أن يكون قديما فيكون له قدم آخر ويتسلسل ، فالجواب عنه : أنّا لا نسلّم لزوم التّسلسل إذ قد يكون قدم القدم بنفسه (1) وأيضا جاز أن يكون قدم القدم أمرا اعتباريّا فان وجود فرد من أفراد الطبيعة لا يستلزم وجود جميعها «انتهى.»

أقول : يتوجّه عليه أوّلا أنّ المصنّف لم يقل : إنّ الشّيخ الأشعري ذهب إلى ذلك بل قال : ذهب بعض الأشاعرة إلى ذلك ولا يلزم أن يكون قول أصحابه قولا له ، فانّ زيادة الوجود قول لأصحابه الأشاعرة ، وليس قولا له (2) لأنّه قائل بعينيّة الوجود في جميع الموجودات كما هو المشهور المقرّر لدى الجمهور.

وثانيا أن ما ذكره في الجواب أوّلا مدخول بما حقق في الشرح الجديد للتجريد وحاشيته القديمة : من أنّ الصّفة القائمة بشيء لا يجوز أن يتّصف بصفة هي عينها ، نعم لو كانت قائمة بالذّات جاز اتّصافه بصفة هي عينها ، كالواجب تعالى فانّه عين الوجود القائم

ص: 269


1- فعليه فينقطع التسلسل ، وكم له في الأشياء نظير ، كما يقال ان دسومة كل شيء بالدهن ودسومة الدهن بنفسه ، وملوحة كل شيء بالملح وملوحته بنفسه وقس عليه فعلل وتفعلل
2- وفي المباحث العلمية كثيرا ما تختلف انظار التابعين مع متبوعهم ، ومن راجع الكتب في العلوم بأسرها صدق ما قلنا.

بالذّات ، ولهذا كان موجودا بوجود هو عينه ، فالقدم لمّا كان قائما بالقديم لم يجز أن يتّصف بقدم هو عينه ، وأيضا مدفوع بما سبق من أنّ كلام المصنّف إلزامي (1) لهم حيث استحالوا عينيّة الصّفات معلّلا بأنّه مثل أن يقال : عالم لا علم له ، قادر لا قدرة له ، أسود لا سواد له ، وهذا التّعليل والتّمثيل جار فيما نحن فيه ، فلا يمكنهم أن يقال في مقابل كلام المصنّف وإلزامه إيّاهم بما ذكر إنّ قدم القدم عينه كما لا يخفى وثالثا أن ما ذكره ثانيا من أنّ وجود فرد من أفراد الطبيعة لا يستلزم وجود جميعها ، مردود بما حقّق في الكتابين أيضا من أن نوع الصّفة إذا كانت من الموجودات الخارجيّة لا يجوز أن يكون فرد منها عارضا لشيء وصفة له ولم تكن تلك الصفّة موجودة ، فقدم القدم لمّا كان نوعه موجودا كان عند عروضه للقدم موجودا وبعبارة أخرى لا يجوز أن يكون بعض أفراد الحقيقة النّوعيّة الموجودة وجوديّة موجودة في الخارج ، وبعضها اعتباريّة ممتنع الوجود فيه (2) فالبياض مثلا لمّا كان شأنه الوجود في الخارج لم يجز أن يتّصف به الشيء اتّصافا تترتّب عليه الآثار إلا بأن يوجد في موصوفه بالوجود الخارجي ، وإلا لزم أن يجوز كون الجسم أبيض بالبياض المعدوم ويتحرّك بالحركة المعدومة ، وهذا سفسطة ظاهر البطلان صرّح بذلك الشّارح الجديد للتجريد وتلقاه بعض أجلّة المتأخرين (3) بالقبول وهو حقّ لا ريب فيه رغما لأنف النّاصب الجاهل السّفيه. والحاصل أنّ بديهة العقل حاكمة بأنّه إذا كانت الصّفة معدومة لا يمكن اتّصاف الموجود بها اتّصافا يترتّب عليه

ص: 270


1- قد مر المراد من الدليل الالزامى.
2- إذ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز سواء ، وافراد النوع الواحد متماثلة بعضها مع بعض فان التماثل ليس الا الاشتراك في الحقيقة النوعية والامتياز بالمشخصات.
3- المراد به المولى الجليل جلال الدين محمد الدواني. منه «قده» وقد تقدمت منا ترجمة حاله فليراجع.

الآثار ، فانّه كما لا يمكن اتّصاف الجسم الموجود بالبياض المعدوم اتّصافا يترتّب عليه تفريق البصر ، كذلك لا يمكن اتّصاف القدم الموجود الثّابت بالقدم المعدوم بحيث يترتّب عليه ثبوت القدم ، وأيضا القائل بثبوت القدم وقيامه بذاته تعالى يلزم القول : بثبوت قدم القدم أيضا لأنّ السّبب الذي حمله على القول بذلك في القدم وهو أنّه لو لم يكن ثابتا قائما بالموصوف لما كان اتّصافه تعالى بالقدم حقيقة ، موجود في قدم القدم إذ لو لم يكن ثابتا لم يكن اتّصاف القدم به اتّصافا حقيقيّا. (1) ثم لا يخفى أنّ النّاصب لم يتعرّض للجواب عمّا نسب إلى الكراميّة لانقراضهم وإن كانوا من أهل السّنة والجماعة.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المبحث الحادي عشر في العدل (2) وفيه مطالب الاول في نقل الخلاف

ص: 271


1- بل اعتباريا وهو خلف.
2- اعلم أن مسائل علم الكلام تذكر في بابين : أحدهما ما يبحث فيه عن ذات الواجب وصفاته والثاني البحث عن أفعاله ، فلما فرغ المصنف عن بحث الذات والصفات شرع في البحث عن الأفعال وعنون الباب بالعدل لان الأصل وضعه لمسألة هي انه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب ولما توقفت هذه المسألة على أشياء كمعرفة الحسن والقبح العقليين والأفعال المنسوبة الى المكلفين وما يحذو حذوهما ، قدموا البحث عن تلك المسألة التي ستأتى في المطلب الثالث وسموا المجموع بمبحث العدل تسمية الشيء بأشرف أجزائه وتسمية الشيء بأصله لأنه المقصود الأصلي عند الباحث ، ولهذا تريهم يعنونون بحث الذات والصفات بباب التوحيد لان أصل بحثهم فيه عن اثبات الوحدة المطلقة له تعالى. منه «قده». أقول اختلفوا في ان العدل من صفات الكمال أو الجلال ، وانها صفة ثبوتية أو سلبية بمعنى نفى ضدها ، وأياصوفيا ما كانت فيفردها المتكلمون بالبحث ، لكثرة مباحثها وأصولها ، وبالجملة فالمراد بها ، ما أشار إليها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ، التوحيد ان لا تتوهمه والعدل ان لا تتهمه ، وكذا ورد في التعبير عنها بقولهم عليهم السلام : انه تعالى غير ظالم لعباده ، لا يجور في قضائه ، ولا يحيف في حكمه وابتلائه ، يثيب المطيعين وله ان يعاقب العاصين ، ولا يكلف الخلق ما لا يطيقون ، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون ولا يقابلوا مستحق الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب ، الى غير ذلك من كلماتهم الواردة في كتب أصحابنا ، كالكافي وتوحيد الصدوق والبحار والأمالي فليراجع. ثم ان في مسألة العدل مباحثا قد طوينا عنها كشحا اكتفاء بما أوردها علماء الكلام في كتبهم كالمواقف وشروحه والمقاصد وشروح التجريد وكتاب حق اليقين للعلامة مولانا السيد عبد اللّه آل شبر الحسيني وكتب مولانا العلامة المجلسي «قده» وكتب مولانا المفيد وكتب مولانا العلامة الحلي وغيرها.

في مسائل هذا الباب ، اعلم أنّ هذا أصل عظيم تبتنى عليه القواعد الإسلامية بل الاحكام الدينية مطلقا وبدونه لا يتمّ شيء من الأديان ولا يمكن أن يعلم صدق نبيّ من الأنبياء على الإطلاق إلا به على ما نقرّره فيما بعد إن شاء اللّه تعالى ، وبئس ما اختاره الإنسان لنفسه مذهبا خرج به عن جميع الأديان ولم يمكنه أن يتعبد اللّه تعالى بشرع من الشرائع السابقة واللاحقة ولا يجزم به على نجاة نبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو مطيع في جميع أفعاله من أولياء اللّه وخلصائه ولا على عذاب أحد من الكفار والمشركين وأنواع الفساق والعاصين ، فلينظر العاقل المقلّد هل يجوز له أن يلقى اللّه تعالى بمثل هذه العقائد الفاسدة والآراء الباطلة المستندة إلى اتباع الشهوة والانقياد للمطامع «انتهى.»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : عقد هذا المبحث لاثبات العدل الذي ينتسبون إليه هم والمعتزلة

ص: 272

وحاصله أنّهم يقولون : باختيار العبد في الأفعال وانّه خالق أفعاله ، وإلا لم يكن تعذيب العبد عدلا عند عدم الإختيار ، ويقولون : بوجوب جزاء العاصي (1) ، وبالحسن والقبح العقليّين وغيرهما ممّا يذكره في هذا الفصل ، ويدّعي أنّ الخروج عن هذا يوجب عدم متابعة نبيّ من الأنبياء ، وهذا دعوى باطلة فاسدة ، ونحن إن شاء اللّه تعالى نذكر في هذا المبحث كلّ مقالة من قولي الإمامية والأشاعرة على حدّه ، ونذكر حقيقة تلك المسألة قائمين بالإنصاف إن شاء اللّه.

أقول : سيرى النّاظر إن شاء اللّه تعالى قيام البرهان على دعاوى الإماميّة ومذاهبهم من السّمع والعقل ، ويدلّ على أنّ أهل العدل والتّوحيد هم القائلون : بما ذكره المصنّف قوله تعالى : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ ) (2) الآية ، قال صاحب الكشّاف : إنّ قوله تعالى : ( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) توحيد وقوله : ( قائِماً بِالْقِسْطِ ) تعديل ، فإذا أردفه قوله : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ ) فقد آذن أنّ الإسلام هو العدل والتّوحيد ، وهو الدّين عند اللّه ، وما عداه فليس عنده في شيء من الدّين ، وفيه إشارة إلى أنّ من ذهب إلى تشبيه أو إلى ما يؤدّي إليه كإجازة الرّؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور لم يكن على دين اللّه الذي هو الإسلام ، وهذا بيّن جليّ كما ترى انتهى ، وللفاضل التفتازاني في حاشيته على الكشّاف هاهنا كلمات قد ألفنا لدفعها رسالة منفردة سمّيناها بانس الوحيد في تفسير آية العدل والتوحيد (3).

ص: 273


1- لا يخفى أن العدلية لا يقولون بوجوب الجزاء في حق العاصي ، بل يرون استحقاقه للعقوبة والاستحقاق لا يستلزم الفعلية فلا مساق للتعبير بالوجوب.
2- آل عمران. الآية 18.
3- وقد شرحها نجل الشارح القاضي السيد علاء الدين شرحا شافيا طبع في الهند.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

قالت الإماميّة وتابعوهم (خ ل متابعوهم) من المعتزلة : إنّ الحسن والقبح عقليّان مستندان إلى صفات قائمة بالأفعال أو وجوه واعتبارات تقع عليها ، وقالت الأشاعرة : إنّ العقل لا يحكم بحسن الشّيء البتّة ولا بقبحه ، بل كلّ ما يقع في الوجود من أنواع الشّرور كالظلم والعدوان والقتل والشّرك والإلحاد وسبّ اللّه تعالى وسبّ ملائكته وأنبيائه وأوصيائه وأوليائه فانّه حسن.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة : (الاول) صفة الكمال والنّقص يقال : العلم حسن والجهل قبيح ولا نزاع في أنّ هذا أمر ثابت للصّفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل ولا تعلّق له بالشرع. (الثاني) ملائمة الغرض ومنافرته ، وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة فيقال : الحسن ما فيه مصلحة ، والقبيح ما فيه مفسدة ، وذلك أيضا عقلي أى يدركه العقل كالمعنى الأوّل.

(الثالث) تعلّق المدح والثّواب بالفعل عاجلا وآجلا والذّم والعقاب كذلك ، فما تعلّق به المدح في العاجل والثّواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذّم في العاجل والعقاب في الآجل قبيحا ، وهذا المعنى الثّالث هو محلّ النّزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعي ، وذلك لأنّ أفعال العباد كلّها ليس شيء منها في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ، ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشّارع بها ونهيه عنها ، وعند المعتزلة ومن تابعهم من الإماميّة عقلي ، وإدراك الحسن والقبح موقوف على حكم الشّرع ، والشّرع كاشف عنهما فيما لا يستقلّ العقل بإدراكه وفيما يستقلّ فالعقل حاكم ، هذا مذهب الفريقين ، فيا معشر العقلاء بأيّ مذهب يلزم أن يكون الظلم والعدوان والقتل والشّرك وسبّ اللّه ورسوله و

ص: 274

ما ذكره من التّرهات والطامّات حسنا؟ هل الشّرع حسّن هذه الأشياء وحكم بحسنها؟ وعلى تقدير أن يكون الشّرع حاكما بالحسن ، هل يقول الأشاعرة : إنّ الشّرع حكم بحسن هذه الأشياء حتّى يلزم ما يقول؟ ، فعلم أنّ الرّجل كودن طامّاتي متعصّب فتعصّب لنفسه لا لله ورسوله ، والعجب أنه كان لا يتأمّل أنّ العقلاء ربّما ينظرون في هذا الكتاب ، فيفتضح عندهم ما أجهله من رجل متعصّب نعوذ باللّه من شرّ الشّيطان وشركه (1)!.

أقول : قد اجتمعت (خ ل أجمعت) الامّة على أنه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يترك الواجب لكنّ الأشاعرة من جهة أنه لا قبيح منه ولا واجب عليه ، ولذلك أسندوا خلق جميع الأفعال إليه تعالى ، سواء كانت حسنة أو قبيحة ، والإماميّة والمعتزلة من جهة أنه يترك القبيح ويفعل الواجب ، وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ الحسن والقبح عقليّان أو شرعيّان (2) هذا ملخّص المذهبين ، وقد ظهر منه أنّ الأشاعرة حيث حكموا بأن لا قبيح منه تعالى وبالنّسبة إليه ، فقد جوّزوا أن يصدر عنه تعالى ما يستقبحه العقل ، واتّضح أنّ إنكار النّاصب لا يسوى باقة (3) من البقل ، وإنّما ذلك الإنكار والتّأويل تمويه وتدليس لدفع شناعة النّاس ، وإلّا فمعتقدهم نفى العدل كما صرّح به شيخهم وشاعرهم نظامي الگنجوي (4)حيث قال :

ص: 275


1- الشرك بفتحتين. حبائل الصيد. ومنه قول الشاعر في وصف الدنيا شرك الردى وقرارة الاكدار.
2- مذهب الامامية التعميم فيندفع الاشكال الوارد على من ذهب الى احد الأمرين منه «قده».
3- الباقة : ما ضم من الزهور وغيرها من الخضراوات.
4- هو نظام الدين أبو محمد القمي الگنجوى الشاعر الشهير الملقب بملك الشعراء والمعروف بالنظامى ، صاحب المنظومات الكثيرة كمخزن الأسرار وكتاب ليلى ومجنون وكتاب هفت پيكر وكتاب خسرو شيرين وكتاب خرد نامه وغيرها ، توفى سنة 576 أو 582 أو 590 أو 591 أو 596 أو 598 أو 599 أو 602 أو 606 أو 607 أو 611. ومن شعره : ملك الملوك فضلم بفضيلت معاني *** ز مى وزمان گرفته بمثال آسمانى ولد الزنا است حامد منم آنكه أختر من *** ولد الزنا كش آمد چو ستاره يماني حركات اختران را منم أصل واو طفيلى *** طبقات آسمان را منم آب واو أوانى من ريحانة الأدب جلد 4 ص 217

(نظم)

اگر عدلست در دريا ودر كوه *** چرا تو در نشاطى من در اندوه

اگر در تيغ دوران رخنه هست *** چرا برده ترا ناخن مرا دست

اگر بى مهر شد پستان گردون *** چرا بخشد ترا شير ومرا خون

وسيجيء تحقيق مسألة الحسن والقبح في موضعه اللّائق به إن شاء اللّه تعالى

قال المصنّف دفع اللّه درجته

وقالت الإماميّة ومتابعوهم من المعتزلة : إنّ جميع أفعال اللّه تعالى حكمة وصواب ليس فيها ظلم ولا جور ولا كذب ولا عيب (خ ل عبث) ولا فاحشة ، والفواحش والقبائح والكذب والجهل من أفعال العباد ، واللّه منزّه عنها وبريء منها ، وقالت الأشاعرة : ليس جميع أفعاله تعالى حكمة وصوابا ، لأنّ الفواحش والقبائح كلّها صادرة عنه تعالى ، لأنّه لا مؤثّر غيره «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب

ص: 276

وذلك من جهة أنّه لا قبيح منه (1) ولا واجب عليه ، فلا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب ، وجميع أفعاله تعالى حكمة وصواب ، والفواحش والقبائح صادرة من مباشرة العبد للأفعال ، ولا يلزم من قولنا : لا موثّر في الوجود إلّا اللّه أن تكون الفواحش والقبائح صادرة عنه ، بل هي صادرة من العبد ومن مباشرته وكسبه ، واللّه تعالى خالق للأفعال ولا قبيح بالنّسبة إليه ، بل قبح الفعل من مباشرة العبد كما سيجيء في مبحث خلق الأعمال ، فما نسبه إليهم هو افتراء محض ناش من تعصّب وغرض فاسد «انتهى».

أقول : لمّا قال النّاصب : بأنّه إنّما حكموا بأنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح لأجل أنّه لا قبيح منه تعالى ولا واجب عليه ، فقد اعترف بأنّه يصدر منه تعالى ما يستقبحه العقل كما مرّ ويكفي في الدّليل على أنّهم قائلون بصدور الفحشاء حقيقة ما حكاه الشّارح الجديد للتّجريد من أنّه دخل القاضي عبد الجبّار (2) دار الصّاحب ابن عباد(3) فرأى الأستاذ أبا إسحاق الأسفرايني الأشعري فقال : سبحان

ص: 277


1- ومن التوالي الفاسدة المترتبة على قول الناصب كون النزاع لفظيا إذ تنفى العدلية صدور القبيح منه تعالى والاشاعرة تقول ما يصدر منه ليس بقبيح ، وأنت خبير بان النزاع معنوي وقام الحرب بين أهل العدل ومخالفيهم ما يقرب من الصدر الاول الى زماننا على ساق واحد وقد الفت وصنفت في هذا المضمار من الطرفين رسائل وكتب ، ومن راجع أدلة الطرفين جزم يكون النزاع معنويا ، فعليه يكون ما وجهه الناصب توجيها بما لا يرضى صاحبه.
2- هو المحقق القاضي الشيخ عبد الجبار الهمداني الأسدآبادي قدوة أهل الاعتزال ، توفى سنة 415 وله تآليف في الأصول والفروع ومناظرات مع العلماء ، وكان شديد الجانب في الاعتزال.
3- هو العلامة المحقق الأديب الرئيس الوزير اسماعيل الملقب بالصاحب وكافى الكفاة بن عباد الطالقاني الأصل ، توفى سنة 386 ، له تآليف شريفة ، منها بحر المحيط في اللغة ، وكان شديد الوداد لآل الرسول ، وله قصائد في هذا الباب ، منها قوله في قصيدة : لو شق عن قلبي يرى وسطه *** سطران قد خطا بلا كاتب العدل والتوحيد في جانب *** وحب أهل البيت في جانب

من تنزّه عن الفحشاء تعريضا للاستاذ بأنّهم ينسبون الفحشاء إلى اللّه تعالى ، فقال الأستاذ : سبحان من لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء فافهم (خ ل فافحم) ، وأما ما ذكره من أنّ الفواحش والقبائح من مباشرة العبد للأفعال «إلخ» فهو كلام مبني على القول بالكسب (1) وسيبطله المصنّف قدس سره ونحن نشيّد أركانه إن شاء اللّه تعالى ، وكفاك فيه إجمالا ما اشتهر من أنّه لا معنى لحال البهشمي (2) وكسب الأشعري.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

وقالت الإماميّة : نحن نرضى بقضاء اللّه تعالى كلّه حلوه ومرّه لأنّه لا يقضي إلّا بالحقّ ، وقالت الأشاعرة : لا نرضى بقضاء اللّه كلّه لأنّه قضى بالكفر والفواحش والمعاصي والظلم وجميع أنواع الفساد.

ص: 278


1- الكسب اصطلاح للاشاعرة وسيجيء شرحه ، وملخصه أن اتصاف الفعل بالحسن باعتبار استناده الى اللّه ، وبالقبح باعتبار مباشرة العبد إياه وكونه آلة لصدوره.
2- البهشمى نسبة جعلية الى أبى هاشم عبد السلام بن أبى على الجبائي زعيم الفرقة البهشمية ، المتوفى سنة 321 وهو الذي ذهب الى ثبوت حالة للباري تعالى بها يتصف الوجود والقدرة والإرادة والعلم ، والتزم بأنها ليست موجودة ولا معدومة ، وببالي انى سمعت ذات يوم في مجلس السيد ابراهيم الراوي البغدادي أنه نقل عن كتب البهشمية أنهم شبهوا تلك الحالة في الواجب بالقابلية والاستعداد لقبول الوجود وسائر الطوارئ في الماهيات الامكانية. انتهى.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : تقول الأشاعرة نحن نرضى بقضاء اللّه تعالى كلّه ، والكفر والفواحش والمعاصي والظلم وجميع أنواع الفساد ليست هي القضاء بل هي المقضيّات والفرق بين القضاء والمقضي ظاهر ، وذلك لأنه ليس يلزم من وجوب الرّضا بالشّيء باعتبار صدوره عن فاعله وجوب الرّضا به باعتبار وقوعه صفة لشيء آخر ، إذ لو صحّ ذلك لوجب الرّضاء بموت الأنبياء وهو باطل إجماعا ، والإنكار المتوجّه نحو الكفر إنّما هو بالنّظر إلى المحلّيّة لا إلى الفاعليّة ، وللكفر نسبة إلى اللّه سبحانه باعتبار فاعليته له وإيجاده إيّاه ، ونسبة أخرى إلى العبد باعتبار محلّيته له واتّصافه به ، وإنكاره باعتبار النّسبة الثّانية دون الاولى ، ثمّ إنّهم قائلون : بأنّ التّمكين على الشّرور من اللّه تعالى ، والتّمكين بالقبيح قبيح فيلزمهم ما يلزمون به الأصحاب «انتهى».

أقول : حاصل كلام الأشاعرة وما ذكره النّاصب من الفرق بين القضا والمقضي (1) أنّ هاهنا أمرين : قضاء وهو فعل قائم بذات اللّه تعالى ، ومقضيّ وهو

ص: 279


1- وأيضا الفرق بين القضاء والمقضى انما يصح على قول من جعل الفعل غير المفعول ، واما من لم يفرق بينهما فكيف يصح هذا على أصله؟ قال ابن قيم في شرح منازل السائرين : ان القاضي أبا بكر الباقلاني الأشعري أورد على نفسه هذا السؤال فقال : (فان قيل) فالقضاء عندكم هو المقضى أو غيره (قلنا) هو على ضربين فالقضاء بمعنى الخلق هو المقضى لان الخلق هو المخلوق ، والقضاء الذي هو الإلزام والاعلام والكتابة غير المقضى لان الأمر غير المأمور والخبر غير المخبر عنه ، وهذا الجواب لا يخلصه لان الكلام ليس في الإلزام والاعلام والكتابة وانما الكلام في نفس الفعل المقدر المعلم به المكتوب هل مقدره وكاتبه سبحانه راض به ام لا؟ وهل العبد مأمور بالرضا به ام لا وهذا حرف لمسألة (انتهى) منه «قده».

المفعول المنفصل عنه ، فالقضاء كلّه خير وعدل وحكمة فنرضى به كلّه ، والمقضي قسمان منه ما يرضى به ومنه ما لا يرضى به وفيه نظر ، أما أولا فلانا لو سلّمنا أنّ القضاء غير المقضي ، لكنّ الرّضا بأحدهما يستلزم الرّضاء بالآخر ، وأما ثانيا فلان ما قيل من أنّ الرّضا إنّما يجب بالقضاء لا بالمقضي ، والكفر مقضي ليس بمرضي ، ضرورة أنّ القائل : رضيت بقضاء اللّه تعالى لا يريد أنّه رضي بصفة من صفات اللّه تعالى ، بل يريد أنّه راض بمقتضى تلك الصّفة ، وهو المقضي ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرّضاء (1) به من حيث ذاته وكونه فعله تعالى ، وعدم الرّضاء به من حيث المحلّية والكسب لبطلان الكسب على ما سيجيء إن شاء اللّه تعالى ، ونقول هاهنا : إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرّضاء به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم ، وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر مع أنّ الحديث النّبوي وهو قوله صلى اللّه عليه وآله : الخير فيما يقضى اللّه(2)يدل على أنّ الرّضاء بالمقضيّ من حيث ذاته واجب.

وأما ما ورد من أنّه تعالى خالق الخير والشّر فأريد بالشّر ما لا يلايم الطبع ، وإن كان مشتملا على مصلحة ، لا ما كان قبيحا خاليا عن المصالح ، فإنّ الشّر يطلق على معنيين : أحدهما غير الملائم للطبع كخلق الحيوانات الموذية ،

ص: 280


1- وقد يجاب (المجيب هو أبو الحسن) بانه قد تقرر في مظانه ان اللفظ المشهور لا يجوز ان يكون موضوعا لمعنى خفى سيما في خطاب اللّه تعالى والرسول «ص» وما تفهمه الأذهان من قضاء اللّه تعالى هو إرادته تعالى ظهور الحوادث على نهج خاص والرضاء بالارادة لا ينفك عن الرضاء بالمراد ، بل يكاد يكون عينه فلو كان الكفر بقضاء اللّه تعالى وجب الرضا به فتأمل منه «قده».
2- وفي الجامع الصغير (الجزء الثاني ص 113 ط مصر) رواية تقرب منه معنى وهي : عجبت للمؤمن ان اللّه تعالى لم يقض له قضاء الا كان خيرا له.

والثاني ما يكون مستلزما للفساد كالسّرقة واللّواطة والرّدّة وأمثالها ، والمنفي عن اللّه تعالى الشّر بالمعنى الثّاني دون الأوّل ، وأما ثالثا فلأنّ ما ذكره من دعوى الإجماع على بطلان الرّضاء بموت الأنبياء عليهم السلام أسخف من دعواه الإجماع على إمامة أبي بكر ، نعم موت الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام غير ملائم لطباع أممهم من حيث حرمانهم عن سعادة إرشادهم وشرف صحبتهم ، لا أنّهم لا يرضون بذلك ويعترضون به على اللّه تعالى كيف؟ والعاقل يعلم أنّ الأصلح بحال الأنبياء عليهم السلام خلاصهم من مضيق الدّنيا ووصولهم إلى لقاء ربّهم ، وأيضا يمكن أن تكون حكمته تعالى مقتضية لبعث نبيّ آخر ، ويكون الأصلح بحال النّبي الثّاني عدم بقاء الأوّل إلى غير ذلك من المصالح التي لا يهتدي إليها العقل (1) ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره من أنّ التمكين من القبيح قبيح (2) ، مردود بأنّ القبيح هو التّمكين عن خصوص القبيح ، لكنّه تعالى لم يمكّن المكلّفين عنه فقط ، بل مكّنهم عن كلّ من الحسن والقبيح فأفاض عليهم الوجود وأعطاهم القدرة والإرادة وخلق لهم آلات وفعل الألطاف وأرسل الرّسل ونصب الحجج وأنزل الشّرائع و

ص: 281


1- اى عقولنا الناقصة.
2- بل نقول : هذه شبهة ركيكة كقول من يقول : التكليف قبيح لأنه لو لا كلفه لما كفر ، وخلق العالم قبيح لأنه لو لا خلق العالم لما كفر ، وكذا لو لا أقدره لما كفر ، ولو لا مكنه من المشتهى لما كفر ، ونحو ذلك من الخرافات ، وتحقيق الأمر في ذلك ان توقف الشيء على الشيء ينقسم الى قسمين ، فما كان المتوقف عليه مؤثرا في المتوقف كان موجبا له كتوقف المعلول على العلة والمسبب على السبب ، وما كان غير مؤثر فيه كتوقف الزوج على الفرد والصورة على لمادة ونحوها لم يكن موجبا له ولا مرجحا ، وتوقف الكفر وساير القبائح على الأقدار المتكين والتكليف من قبيل القسم الثاني فلا يكون شيء منها مؤثرا في الكفر والايمان الطاعة والعصيان بل كل منها على اختيار العبد وجودا وعدما منه «قده».

أقام البراهين لكلّ مكلّف فكانوا كلّهم على الشّرائط الموصلة لهم إلى الثّواب ، فمن قبل منهم ما عرض له وجعله وصلة إلى الثّواب سعد من قبل نفسه ، ومن أبى فقد شقى من قبل نفسه ، وذلك يجري مجرى من او لم وليمة وبسط بساطا وفتح الدّهليز وأذن للنّاس في الدّخول إذنا عامّا وأرسل رسله إلى كلّهم ، فمن وصل منهم إلى مائدته استنفع ومن لم يصل حرم ذلك من قبل نفسه لا من قبل صاحب الوليمة والحمد لله على نعمائه.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

قالت الإماميّة والمعتزلة : لا يجوز أن يعاقب اللّه النّاس على فعله ولا يلومهم على صنعه ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (1)، وقالت الأشاعرة : لا يعاقب اللّه النّاس إلّا على ما لم يفعلوه ولا يلومهم إلّا على ما لم يصنعوه ، وإنّما يعاقبهم على فعله فيهم يفعل فيهم سبّه وشتمه ثم يلومهم عليه ويعاقبهم لأجله ويخلق فيهم الإعراض ، ثمّ يقول ( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (2)، ويمنعهم من الفعل ويقول ( ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ) (3) «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أن اللّه تعالى ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) كما نصّ عليه في كتابه (4) ، ولا خالق سواه ويعاقب النّاس على كسبهم ومباشرتهم الذّنوب والمعاصي ،

ص: 282


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة الاسراء. الآية 15.
2- المدثر. الآية 49.
3- الكهف. الآية 55.
4- الرعد. الآية 16.

ويلوم العباد بالكسب الذّميم ، وهو يخلق الأشياء واللّه يخلق الإعراض ، ولكنّ العبد مباشر للإعراض فهو معرض ، والمعرض من يباشر الفعل لا من يخلق وكذا المنع «انتهى».

أقول :

النّصّ الدّال على أنّه تعالى ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) مخصوص بالعقل الحاكم ، بأنّه تعالى لم يخلق ذاته المقدّسه وبمعارضة النّصوص النقلية ، كقوله تعالى ( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (1) ، والأدلة العقليّة الدّالة على أن العبد فاعل لفعل نفسه كما سيجيء ، فيكون المراد أنّه تعالى خالق لجميع الأفعال المنسوبة إليه ، إن قيل : إنّه تعالى إنّما قال : إنّه ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) تمدّحا واستحقاقا للعبادة ، فلا يصحّ الحمل على أنّه خالق لبعض الأشياء كأفعال نفسه لأنّ كلّ حيوان عند الإماميّة والمعتزلة كذلك ، قلنا : يجوز أن يكون التمدّح بفعل نفسه لكونه أتقن وأجلّ وأكبر ذاتا ونفعا فلا حاجة في إفادة التمدّح إلى العموم ، وأمّا حديث الكسب فسيجيء الكلام فيه في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

قالت الإماميّة : إن اللّه تعالى لم يفعل شيئا عبثا ، بل إنّما يفعل لغرض ومصلحة ، وإنّما يمرض لمصالح العباد ويعوّض المولم بالثّواب بحيث ينتفي العبث والظلم ، وقالت الأشاعرة : لا يجوز أن يفعل اللّه تعالى شيئا لغرض من الأغراض ولا لمصلحة ، ويؤلم العبد بغير مصلحة ولا غرض ، بل يجوز أن يخلق خلقا في النّار مخلّدين فيها أبدا من غير أن يكون قد عصوا أولا.

ص: 283


1- المؤمنون. الآية 14.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ أفعال اللّه تعالى ليست معلّلة بالأغراض ، وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض كما سيجيء بعد هذا ، ووافقهم في ذلك جماهير الحكماء والإلهيّين ، وهو ( يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) و ( يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) (1) ، إن أراد تخليد عباده في النّار فهو المطاع والحاكم ولا تأثير للعصيان في أفعاله بل هو المؤثّر المطلق «انتهى».

أقول : لا يخفى أنّ أهل السّنة يشنعون دائما على الإماميّة والمعتزلة بموافقتهم للفلاسفة في بعض المسائل وإن وقعت تلك الموافقة على سبيل الاتّفاق وهاهنا افتخر النّاصب بموافقة الحكماء للأشاعرة. ومن المضحكات أنّه أورد بدل الفلاسفة لفظ الحكماء تبعيدا للأذهان عمّا كانوا يشنعون به غيرهم من موافقة الفلاسفة ، ثمّ جعل الأشاعرة المتأخّرين عن الفلاسفة بألوف سنين متبوعا لهم من أنّ ما نسبه إليهم من موافقتهم للأشاعرة في نفي تعليل أفعال اللّه تعالى عن الأغراض افتراء عليهم ، وإنّما ذلك شيء فهمه بعض القاصرين عن ظواهر كلامهم ، وقد صرّحوا بخلافه في مواضع ، منها ما ذكره بعض المتألهين (2) من المتأخّرين حيث قال في خطبة بعض مصنّفاته : والصّلاة على الغاية والمقصود محمّد منبع الوجود ، ثمّ قال في شرحه : ولقائل أن يقول إنّكم منعتم الأغراض بالنّسبة إلى أفعال الجواد المطلق وقلتم : إنّ إفاضته للوجود ولوازمه جود مطلقا فلا يستلزم لشيء من الأغراض ، وإلّا لما تحقق معنى الجود كما قرّرتموه ، فكيف أثبتم الغاية وجعلتموها هاهنا العلّة

ص: 284


1- اقتباس من قوله تعالى ، في سورة الحج. الآية 18 وقوله تعالى في سورة المائدة الآية 1 وغيرهما من الآيات.
2- الظاهر هو المولى افضل الدين.

في الفيض وذلك ينافي ما قرّرتموه؟ ثمّ أجاب بأنّا لا نمنع الغرض مطلقا وإنّما منعنا الغرض المستلزم للاستكمال أو لإظهار الكمال ، ولم نمنع الغاية اللّازمة في أفعال الكامل لأنّ فعل الكامل يجب أن يكون كاملا في حدّ ذاته ، لاستحالة أن يصدر عن الكامل ما ليس بكمال ، بل أفعاله كلّها كمالات مستلزمة لحكم وأغراض وغايات تعجز العقول عن تفصيلها ، وإذا تحقّق ذلك لم يلزم التّناقض بين ما قرّرناه آنفا وبين ما أثبتناه هاهنا من أنّ الغاية من الإفاضة المذكورة ، والمقصود الحقيقي منها هو النشأة المحمّديّة من حيث إنّ اتّساق الوجود على ترتيبه مؤدّيا إلى الختم بالوجود الكامل الظاهر فيه خصائص تلك الوجودات ، فصحّ أن يقال : إنّها كلّها موجودة مقصودة بالعرض ، لأنّها كالشّروط والأسباب المعدّة لهذه النشأة الخاتمة فلا جرم صحّ أن يقال : إنّها الغاية والمقصود ، وهذا دقيق لا يفهمه إلّا أهل اللّباب ، لا من قنع بالقشور ، انتهى كلامه. وأما قول الناصب وإن أراد تخليد عباده في النّار فهو المطاع «إلخ» ، ففيه أنّه يقتضي نفى الحكمة والمصلحة عن أفعاله تعالى أيضا (1) ويعلم منه أنّ ما يذكره المتأخّرون من الأشاعرة في بعض المراتب من أنّا ننفي الغرض والغاية دون الحكمة والمصلحة ، كلام لا أصل له عندهم ، وإنّما ذكروه عند ضيق الخناق والاستحياء عن الافتضاح عند العقلاء «انتهى».

ص: 285


1- قال المصنف في نهاية الوصول : ان النصوص دالة على أنه تعالى شرع الاحكام لمصالح العباد ثم ان الامامية والمعتزلة صرحوا بذلك وكشفوا الغطاء حتى قالوا : انه تعالى يقبح منه فعل القبيح والعبث بل يجب ان يكون فعله مشتملا على مصلحة وغرض ، واما الفقهاء فقد صرحوا بانه تعالى انما شرع هذا الحكم لهذا المعنى ولأجل هذه الحكمة ثم يكفرون من قال بالغرض مع أن معنى الكلام الغرض لا غير ويقولون : انه وان كان لا تجب عليه رعاية المصالح الا انه تعالى لا يفعل الا ما يكون مصلحة لعباده تفضلا منه وإحسانا «انتهى منه قدس سره».

قال المصنّف رفع اللّه درجته

وقالت الإماميّة : لا يحسن في حكمة اللّه تعالى أن يظهر المعجزات على يد الكذابين ، ولا يصدّق المبطلين ، ولا يرسل السّفهاء والفسّاق والعصاة ، وقالت الأشاعرة : يحسن كلّ ذلك.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : لا حسن ولا قبيح بالعقل عند الأشاعرة ، بل جرت عادة اللّه تعالى بعدم إظهار المعجزة على يد الكذّابين ، لا لقبحه في العقل ، وهو يرسل ، والرّسل هم الصّادقون ، ولو شاء اللّه تعالى أن يبعث من يريد من خلقه فهو الحاكم في خلقه ، ولا يجب عليه شيء ، ولا شيء منه قبيح ، ( يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) و ( يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) «انتهى.»

أقول : أمّا أنّ الأشاعرة لا حسن ولا قبيح عندهم بالعقل فدليل على أنّهم معزولون عن العقل بل عن السّمع أيضا ، كما سنوضحه إن شاء اللّه تعالى ، وأمّا قاعدة جريان العادة فقد سبق الكلام في بطلانها بما لا مزيد عليه ، فالبناء عليه كالبناء على الهواء والرّقم على الماء. ثم لا يخفى أنّ قول النّاصب : ولو شاء تعالى أن يبعث من يريد من خلقه فهو الحاكم «إلخ» صريح في جواز بعث النّبي الكاذب ، فانّ قوله ، من يريد من خلقه عام شامل للصّادق والكاذب ، ولم يصرّح به استحياء وهو دليل على تعنّتهم فافهم.

قال المصنّف رفعه اللّه

وقالت الإماميّة : إن اللّه سبحانه وتعالى لم يكلف أحدا فوق طاقته ، وقالت الأشاعرة : لم يكلّف اللّه أحدا إلا فوق طاقته (1) ، وما لا يتمكّن من تركه وفعله ، ولامهم (2)

ص: 286


1- وذلك لسلب الاختيار عنه على مذهب الاشاعرة.
2- لا مهم : فعل ماض من اللوم.

على ترك ما لم يعطهم القدرة على فعله ، وجوّزوا أن يكلّف اللّه تعالى مقطوع اليد الكتابة ، ومن لا مال له الزّكاة ، ومن لا يقدر على المشي للزّمانة ، (1) الطيران إلى السّماء ، وأن يخلق العاطل الزّمن المفلوج الأجسام ، وأن يجعل القديم محدثا ، والمحدث قديما وجوّزوا أن يرسل رسولا إلى عباده بالمعجزات ليأمرهم بأن يجعلوا الجسم الأسود أبيض دفعة واحدة ، ويأمرهم بالكتابة الحسنة ، ولا يخلق لهم الأيدي والآلات ، وأن يكتبوا في الهوا بغير دوات ولا مداد ولا قلم ولا يد ما يقرؤه كلّ أحد ، وقالت الإمامية : ربنا أعدل وأحكم من ذلك.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : تكليف ما لا يطاق جائز عند الأشاعرة ، لأنّه لا يجب على اللّه شيء ولا يقبح منه فعل ، إذ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ومنعه المعتزلة لقبحه عقلا والحال أنهم لا بدّ أن يقولوا به ، فانّ اللّه تعالى أخبر بعدم ايمان أبي لهب وكلّفه الايمان ، فهذا تكليف ما لا يطاق ، لأنّ ايمانه محال وفوق طاقته ، لأنّه إن آمن لزم الكذب في خبر اللّه تعالى وهو محال اتّفاقا ، وهذا شيء يلزم المعتزلة القول بتكليف ما لا يطاق ، ثمّ إنّ ما لا يطاق على مراتب أوسطها ما لا يتعلّق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومه لخلق الأجسام ، أم لا ، بأن يكون من جنس ما يتعلق به كحمل الجبل والطيران إلى السماء ، والأمثلة التي ذكرها الرّجل الطاماتي ، فهذا يجوّزه الأشاعرة وإن لم يقع بالاستقراء ، ولقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) (2) ، وقد عرفناك معنى هذا التّجويز فيما سبق «انتهى»

أقول : قد مرّ أن الوجوب الذي ذهب إليه الإماميّة والمعتزلة إنّما

ص: 287


1- الزمانة بفتح الزاء المعجمة : العاهة ، عدم بعض الأعضاء ، تعطيل القوى ، ولعل الكلمة معربة أو دخيلة.
2- البقرة. الآية 286.

هو بمعنى إيجاب اللّه تعالى على نفسه شيئا بمقتضى حكمته ، كما دلّ عليه قوله تعالى و ( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (1) ، وغير ذلك ، لا بمعنى إيجاب غيره تعالى شيئا عليه كما توهّمه الأشاعرة ، والإيجاب بذلك المعنى ممّا يجب القول به لقيام الدّليل عليه كما عرفت وأما قوله إذ يفعل ما يشاء ، فان أراد به الإشارة إلى قوله تعالى : ( يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) يتوجه عليه أنّه لا يستلزم أن يشاء القبيح أيضا ، وهو ظاهر فلا يدلّ على صدور القبيح منه تعالى ، وإن ذكره كلاما من عند نفسه من غير الاشارة إلى الآية فلا التفات اليه أصلا وأما قوله : والحال أنّهم لا بدّ أن يقولوا به ، فانّ اللّه تعالى أخبر بعدم ايمان أبي لهب «إلخ» فمردود بأنّ لنا ألف مندوحة عن ذلك ، فانّ شبهة إخبار اللّه تعالى بعدم إيمان أبي لهب شبهة سخيفة عتيقة رميمة ، قد أجاب عنها المصنّف قدس سره في كتابي تهذيب الأصول ونهاية الوصول بالمنع من الأخبار بعدم ايمان أبي لهب ، والوعد [ظ الوعيد] بأنّه سيصلى نارا لا يدلّ على الاخبار بعدم تصديقه للنّبي صلى اللّه عليه وآله ، لإمكان تعذيب المسلم كالفاسق ، ولو سلّم فلنا أن نقول إنّه سيصلى النّار على تقدير عدم ايمانه ، وكذا قوله تعالى في قصّة نوح : ( أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ ) لك ( مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ) (2)أى بتقدير عدم هداية اللّه تعالى لهم إلى ذلك ، سلّمنا لكن نمنع أنهم كلّفوا بتصديق النبي صلى اللّه عليه وآله فيما أخبر به من عدم تصديقهم بنبوّته لجواز وروده حال غفلتهم أو نومهم أو بعد التكليف ، ولو سلّم أنّ تصديق اللّه تعالى في كلّ ما أخبره به من الايمان لم يلزم منه أمره بتصديق هذا الخبر عينا ، لأنّ الايمان إنّما يجب بما علم مجيئه به لا بما جاء به مطلقا ، سواء علمه المكلف أو لم يعلمه ، ولا نسلّم أنّ هذا الخبر ممّا علم أبو لهب مجيئه به حتّى يلزم تصديقه به ، وتلخيصه

ص: 288


1- الانعام. الآية 12.
2- هود. الآية 36.

أنّ الإيمان التّصديق الإجمالي بأنّ كلّ ما جاء به فهو حقّ وليس في هذا التّصديق الاجمالي من أبي لهب استحالة ، وأمّا التّصديق التفصيلي فهو مشروط بعلمه بوجود هذا الخبر عينا ولا نسلّم علم أبي لهب به حتّى يلزم المحال ، ولنختم هذا الفصل ببعض المناظرات الجارية في هذا الباب ، قال عدلىّ لصقر المجبّر (1) أكان فرعون يقدر على الإيمان؟ قال : لا ، قيل أفعلم موسى أنّه لا يقدر؟ قال : نعم ، قيل فلم بعثه اللّه إليه؟! قال سخر به. واجتمع النّظام (2) والنّجار للمناظرة فقال له النّجار : لم تدفع أن يكلّف اللّه عباده ما لا يطيقون ، فسكت النّظام ، فقيل له لم سكت؟ قال : كنت أريد بمناظرته أن الزمه القول بتكليف ما لا يطاق فإذا التزمه ولم يستحي فما الزمه ، وقال مجبر لعيدان (3) وكان ظريفا : ما دليلك على أن الاستطاعة قبل الفعل؟ قال : الهرة والفارة ، قال أتهزأ بي قال : ما قلت إلا الحق. لو لا أنّ

ص: 289


1- هو الصقر بن حبيب البصري المتكلم المتوغل في مسألة الجبر ، صاحب المناظرات في هذا الباب ، روى عن أبى رجاء العطاردي ، نقل ابن حجر عن ابن حبان في حقه ما لفظه : أنه شيخ من اهل البصرة سلولى.
2- هو أبو اسحق ابراهيم بن سيار بن هاني البصري ابن اخت أبى الهذيل العلاف شيخ المعتزلة في وقته ، عنه أخذ الجاحظ ، وكلماته في الكتب مشهورة ككون الملاك في الصدق والكذب المطابقة مع الاعتقاد وعدمها ، وخلود المرتكب للكبائر في النار ، واشتهر بالنظام لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ، توفى سنة 221 ، وله كتب وتصانيف معروفة ، واليه تنسب النظامية من المعتزلة ، والنظام كشداد كما عرفت ، والمترجم غير النظام بكسر النون النيسابوري صاحب التفسير المشهور وشرح الشافية.
3- هو رجل مشهور بالظرافة والدعابة والمجون ، وله أقاصيص وحكايات مذكورة في كتب الظرفاء.

الفارة (1) تعلم أن السنّور (2) يقدر على أخذها لما هربت منها ، وسأل عدلي مجبّرا عن قوله تعالى : ( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ) (3)قال : هذا لا معنى له ، لأنه المانع لهم قال فما معنى قوله ( ما يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) (4)، قال : قد فعل ذلك لهم وعذّبهم من غير ذنب ، ولا معنى لهذه الآيات ، قال : هذا رد للكتاب ، وقال : ايش (5) اصنع إذا كان هذا هو المذهب ، وسيجيء تفصيل الكلام في هذه المسألة في المطلب الثامن المعقود للبحث بالذّات عنها فانتظر.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

وقالت الإماميّة : ما أضلّ اللّه تعالى أحدا من عباده عن الدّين ، ولم يرسل رسولا إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقالت الأشاعرة : قد أضلّ اللّه كثيرا من عباده عن الدّين ، ولبّس عليهم وأغواهم ، وأنّه يجوز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبه ومدح إبليس ، فيكون من سبّ (6) اللّه ومدح (7) الشّيطان واعتقد

ص: 290


1- الفأر. على وزن فضل : دويبة في البيوت ، تصطادها الهرة ، جمعه فئران وفآرة ، والواحدة فارة للمذكر والمؤنث.
2- السنور. بكسر السين وفتح النون المشددة وسكون الواو : الهرة ، جمعه سنانير وسناره.
3- البقرة. الآية 114.
4- النساء. الآية 147.
5- ايش مخفف أى شيء ، ومنه قول بعض حيث سأل عن صديقه. استنصح ثقة أيش تصحيفه ، قال أتيت بتصحيفه فراجع المحسنات اللفظية من البديع.
6- كبعض البراهمة.
7- كالزيدية أتباع الشيخ عدى بن مسافر الأموي.

التثليث (1) والإلحاد (2) وأنواع الشّرك مستحقا للثّواب والتّعظيم ، ويكون من مدح اللّه طول عمره وعبده بمقتضى أوامره وذمّ إبليس دائما في العقاب المخلّد واللّعن المؤبّد ، وجوّزوا أن يكون فيمن سلف من الأنبياء من لم يبلغنا خبره ، ومن لم يكن شريعته إلّا هذا.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ اللّه تعالى ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، ولا يجري في ملكه إلّا ما يشاء ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ، بل يقولون : هو الهادي وهو المضلّ كما نصّ عليه في كتابه المجيد ( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (3) وهو تعالى يرسل الرّسل ويأمرهم بإرشاد الخلائق ، وما ذكره الرّجل الطاماتي من جواز إرسال الرّسل بغير هذه الهداية فقد علمت معنى هذا التجويز ، وأنّ المراد من هذا التّجويز نفى وجوب شيء عليه ، وهذه الطامات المميلة لقلوب العوام لا ينفع ذلك الرّجل ، وكلّ ما بثّه من الطامات افتراء ، بل هم أهل السّنة والجماعة والهداية «انتهى».

أقول : لا يذهب عليك أنّ قوله : ان اللّه تعالى ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) إشارة إلى مضمون الآية الموهمة لما قصده النّاصب من العموم ، وقد مرّ أنّ عمومها مخصوص بقوله تعالى : ( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) ، وبغيره من أدلة العقل والنقل ، وأما قوله لا يجرى في ملكه إلّا ما يشاء فهو ليس بقرآن ولا حديث كما توهمه بعضهم ، وإنما هو كلام ذكره أبو إسحاق (4) الإسفرائني الأشعري عند مخاطبة القاضي

ص: 291


1- كالنصارى القائلين بالأقانيم.
2- كاللادينية.
3- النحل. الآية 93.
4- قد مرت ترجمته وأن كلامه مما اشتهر وتلبس بالحديث.

عبد الجبّار المعتزلي ، ثمّ اشتهر والتبس بالحديث فلا يعبأ به ، وأمّا قوله : ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ، ففيه أنّ أهل العدل والتّوحيد لم يقولوا : بقدم الخلق ، ولا بعدم كونهم مخلوقين لله تعالى حتّى يلزمهم القول : بتعدّد الآلهة كالمجوس وإنما يلزم مشابهة المجوس والنّصارى لأهل السّنة القائلين : بقدم الصّفات الزّائدة وعدم خلق اللّه تعالى إيّاها : فليفهم النّاصب ذلك وليعلم أنّ من كان (1) بيته من الزّجاجة لا يرجم النّاس بالحجر ، ومن كان (2) ثوبه من الكاغذ يحترز عن المطر ، وأما ما استدل به على أنه تعالى هو الهادي والمضلّ من قوله تعالى : ( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) ، فهو مدفوع بما فصّله الأصحاب في تحقيق معنى الهداية والضّلالة ، وحاصله أنّ الهدى يستعمل في اللّغة بمعنى الدّلالة والإرشاد ، نحو : ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) (3) وبمعنى التّوفيق نحو ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) (4) وبمعنى الثّواب نحو ( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) (5) في قصّة المقتولين ، ونحو ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ) (6) وبمعنى الفوز والنّجاة ، نحو ( لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ ) (7) أى لو أنجانا لأنجيناكم لأنكم أتباع لنا ، فلو نجّانا لنجوتم ونحو

ص: 292


1- إشارة الى مثل معروف يضرب به في حق من يرمى الأقوياء بمفتريات والحال أنه ضعيف في الغاية.
2- وهذا ايضا مثل يضرب به في ذلك المورد ، ولفظ كاغذ دخيل.
3- الليل. الآية 12.
4- محمد «ص». الآية 17.
5- محمد «ص». الآية 5.
6- يونس. الآية 9.
7- ابراهيم. الآية 21.

( وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) (1) أى لا ينجيهم ، وبمعنى الحكم والتّسمية ، نحو ( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ) إلى قوله : ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللّهُ ) (2) المعنى ما لكم مختلفين فيه ، فبعضكم يسميهم مهتدين وبعضكم يسميهم بخلاف ذلك ، أتريدون أن تسموا مهتديا من سمّاه اللّه ضالا؟ وحكم بذلك عليه ومنه قول الشّاعر :

ما زال يهدي قومه ويضلّنا *** جهلا وينسبنا إلى الكفّار

وأمّا الضّلال ففيه لفظتان : ضلّ وأضلّ ، أما لفظة ضلّ فقد يكون لازمة نحو ضلّ الشيء أى ضاع وهلك ، ومنه قوله تعالى : ( قالُوا ضَلُّوا عَنَّا ) (3) اى ضاعوا ، وقوله تعالى ( ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ) (4)اى ضاع وبطل ، وقد تكون متعدّية نحو ضلّ فلان الطريق والدّار وضلّ عنهما إذا جهل مكانهما ، ومنه قوله تعالى ( فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) (5) ، وأما لفظة أضلّ فيأتي على وجوه : أحدها أن يكون بمعنى ضلّ المتعدّية وتكون الهمزة للفرق بين ما يفارق مكانه وما لا يفارقه ، قال أبو زيد (6) يقال : ضلّ الطريق ولا يقال أضلّها لما كانت لا تفارق مكانها ، ويقال أضلّ بعيره ولا

ص: 293


1- البقرة. الآية 264.
2- النساء : الآية 88.
3- غافر. الآية 74.
4- الاسراء. الآية 67.
5- المائدة. الآية 12.
6- هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت بن زيد الخزرجي البصري الحبر الخبير في علمي النحو واللغة ، قال السيوطي : أخذ عنه الأصمعي وغيره ، توفى سنة 215 ، له كتب ، منها كتاب في المياه وآخر في المطر وآخر في الوحوش وآخر في المصادر وآخر في غريب الأسماء.

يقال ضلّ عن بعيره لما كان البعير يفارق مكانه ، اللّهم إلّا أن لا يكون البعير يفارق مكانه بأن يكون مربوطا أو محبوسا ، فيكون كالطريق يقال فيه : ضلّ عن طريقه ولا يقال أضلّه ، وثانيها أن يكون من ضلّ اللازمة التي بمعنى ضاع وبطل ، فترد الهمزة للتّعدية إلى واحد ، فيقال أضلّه أى أضاعه وأبطله ، ومنه قوله تعالى : ( أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) (1) أى أبطلها ، وثالثها بمعنى الحكم والتّسمية ، يقال : أضلّ فلان فلانا أى حكم عليه بذلك وسمّاه به كقوله : ما زال يهدي قومه ويضلنا «إلخ» وكقول الكميت (2)في مدح أهل البيت عليهم السلام

وطائفة قد أكفروني بحبكم *** وطائفة قالوا مسيء ومذنب

ص: 294


1- محمد «ص». الآية 8 و 1.
2- هو كميت بن زيد ابو المستهل الكوفي الأسدي الشاعر البليغ الشهير من أصحاب الصادقين عليهما السلام قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء (ص 139 طبع طهران) ما لفظه وروى انه اى الباقر عليه السلام رفع يده وقال اللّهم اغفر للكميت اللّهم اغفر للكميت انتهى. توفى في حياة الصادق عليه السلام ، وفي رجال الكشي ما لفظه عن حمدويه عن محمد بن عيسى عن حسان بن عبيد بن زرارة عن أبيه عن ابى جعفر عليه السلام انه قال لكميت لا تزال مؤيدا بروح القدس ما دمت تقول فينا ، وفي المناقب ان الكميت لما انشد الباقر (من لقلب متيم مستهام) الى آخر القصيدة فتوجه عليه السلام وقال اللّهم ارحم الكميت واغفر له ، ثلاث مرات الى غير ذلك من الاخبار الواردة في جلالته وعظم شأنه وخطره لدى آل الرسول صلی اللّه عليه وآله واما أدبه فلا تسئل عنه قال ابو عبيدة لو لم يكن لبنى أسد منقبة الا الكميت لكفاهم قال النابلسى في حقه : انه كان شاعر زمانه ، مقدما عالما بلغات العرب ، خبيرا بأيامها فصيحا من شعراء مضر لسنا خطيبا فقيها حافظ القرآن حسن الخط نسابة جدلا راميا فارسا شجاعا سخيا دينا عالما بالمثالب والمفاخر ، ولد سنة 60 من الهجرة حدث محمد بن أنس السلاحى الأسدي قال : سئل معاذ الهراء من أشعر الناس قال : من الجاهليين ام من الاسلاميين ؟ قالوا : بل من الجاهليين ، قال : امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص ، قالوا : فمن الاسلاميين قال الفرزدق وجرير والراعي والأخطل ، فقيل له : يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟! قال ذاك أشعر الأولين والآخرين «انتهى» توفى الكميت سنة 126 في سلطنة مروان بن محمد ، ومن شعره السائر في الأقطار القصائد الهاشميات التي اشتهرت اشتهار الشمس وعليها شروح من نوابغ أهل الأدب ، والبيت الذي نقله القاضي الشهيد «قده» من قصيدته التي أولها : طربت وما شوقا الى البيض أطرب *** ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب!

ومنه قوله تعالى : ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللّهُ ) (1). ورابعها بمعنى الوجدان والمصادفة يقال : أضللت فلانا أى وجدته ضالا كما يقال : أخببته (2) وأنجلته (3) أى وجدته كذلك ، وعليه حمل قوله تعالى : ( وَأَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ ) (4) أى وجده ، وقد حمل أيضا على معنى الحكم والتّسمية ، وعلى معنى العذاب. وخامسها أن يفعل ما عنده (5) يضلّ ويضيفه إلى نفسه مجازا لأجل ذلك كقوله تعالى : ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ) (6) أى يضلّ عنده كثير (7) وإن جاز أن تحمل هذه الآية على معنى ».

ص: 295


1- النساء. الآية 88.
2- اخببته : وجدته ذا خبب وخدعة.
3- انجلته : وجدته ذا عيب.
4- الجاثية. الآية 23.
5- أى عند فعله تعالى يضل العبد.
6- البقرة : الآية 26.
7- والحاصل ان الكفار يكذبون بالقرآن وينكرون ويقولون : ليس هو من عند اللّه تعالى فيضلون بسببه وإذا حصل الضلال بسببه أضيف اليه وقوله : ويهدى كثيرا يعنى الذين آمنوا به وصدقوه وقال في موضعه : فلما حصلت الهداية بسببه أضيف اليه فمعنى الإضلال على هذا هو تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال وذلك بان ضرب لهم الأمثال لان المحنة إذا اشتدت على الممتحن فاضل عندها سميت اضلالا وإذا سهلت فاهتدى عندها سميت هداية فالمعنى ان اللّه تعالى يمتحن بهذه الأمثال عباده فيضل بها قوم كثير من تفسير الطبري. منه «قده».

يحكم فيه بضلالة كثير ، وعلى ما ذهب إليه النّاصبة يجوز أن يجعل اللّه هذا القرآن إضلالا لخلقه وأنّ الحقّ في خلاف ما جاء به تعالى عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا. وسادسها أن يكون من ضلّ المتعدية وترد الهمزة للتّعدية إلى مفعول ثان وتصير متعدّية إلى اثنين نحو أضلّه الطريق ، ومنه قوله تعالى : ( فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) (1) وقوله تعالى : ( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) (2) بالضّم و ( إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا ) (3) ونحو ذلك ، وهذا هو الإضلال بمعنى الإغواء (4) وهو محلّ الخلاف بيننا وبين النّاصب وأصحابه ، وليس في القرآن ولا في السّنة شيء يضاف إلى اللّه تعالى بهذا المعنى ، فلا يكون لهم في ذلك شبهة قطّ كما عرفت. واعلم أنّ قول النّاصبة : إنّ اللّه تعالى هو المغوي عن الدّين ، المضلّ عن الرّشد ، المانع عن سواء السّبيل وإنّ كلّ

ص: 296


1- الأحزاب. الآية 67.
2- الزمر. الآية 8.
3- الفرقان. الآية 42.
4- لأنه هو المعنى الأصلي في اللغة كما اعترف به فخر الدين الرازي في تفسيره لكنه أنكر كون النزاع في هذا المعنى لتنبهه على قبحه فقال : ان الامة مجمعة على ان الإضلال بهذا المعنى لا يجوز على اللّه تعالى لأنه ما دعى الى الكفر وما رغب فيه بل نهى عنه فافتقروا الى التأويل فحملوا أهل الجبر على انه تعالى خالق الضلال والكفر فيهم وسدهم عن الايمان وحال بينه وبينهم. «انتهى» وفيه ان المعنى الأصلي هو الدعوة ، والإغواء بمنزلة المعد أو العلة البعيدة ونحوهما ، وخلق الضلال بمنزلة العلة القريبة بل العلة التامة ، فالفرار عن الاول الى الثاني فرار من المطر الى الميزاب كما لا يخفى على اولى الألباب. منه «قده».

ضلالة هو فاعله باطل مضمحلّ ، ولا دليل لهم عليه ، وأمّا نحن فدليلنا اللّغة والمعنى (1) والعقل والسّمع ، أمّا اللّغة فلم يرد لفظ أضلّ بمعنى خلق الضّلال ، ولا لفظة هدى بمعنى خلق الاهتداء ، مع أنّ من حمل غيره على سلوك طريق جبرا لا يقال هداه إليها ، وكذلك من صرف غيره من طريق جبرا لا يقال : أضلّه عنها ، (2) وأما المعنى فهو أنّه لا خلاف بيننا وبين النّاصبة أنّ التكليف لا يصح إلا مع البيان ، والإضلال والإغواء هو التلبيس ، فلا يصحّ أن تجامع التكليف لا يصح إلا مع البيان ، والإضلال والإغواء هو التلبيس ، فلا يصحّ أن تجامع التكليف ، وأيضا فلو كان اللّه أضلّهم عن الهدى لما أمكن الاحتجاج عليهم بالكتب والرّسل. ولكان لا معنى للتّرغيب والتّرهيب والوعد والوعيد والتّوبيخ في نحو قوله تعالى : ( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (3) ( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ) (4) ونحو ذلك ، وأيضا فالإضلال والإغواء الوارد على سبيل التّلبيس إنّما يصدر ممّن يعجز عن المنع ، والقهر كالشّيطان وهو ظاهر ، واما العقل فهو ما ثبت من أنّ اللّه تعالى عدل حكيم لا يكلّف العباد ما لا يطيقون ، ولا يؤاخذهم بما لا يذنبون ، إذ ذلك يؤدّي إلى إبطال الكتب والرّسل والتّكليف ، ويرفع فائدة الأمر والنّهى ونحو ذلك ، وأيضا فكيف ينهى عن الإضلال والإغواء ويفعله ، والطارف (5) من العقلاء ينزه نفسه عن أن يفعل ما نهى عنه ، ولهذا قال شعيب عليه السلام :

ص: 297


1- وقد اعترف فخر الدين الرازي بهذا في أوائل تفسيره لسورة البقرة منه «قده»
2- بل يقال منعه وصرفه وانما يقال انه أضل إذا لبس عليه وأورد من الشبهة ما يلبس عليه الطريق فلا يهتدى له. منه قدس سره.
3- المدثر. الآية 49
4- الاسراء. الآية 94
5- الطارف : المال المستحدث ويقال لكل مستحدث جديد انه طارف ومنه طارف العقل.

( وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ ) (1) وقال تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) (2)وفي الأخبار(3) أنّه نزل بقوم موسى عليه السلام بلاء فسأل ربّه عن سبب ذلك ، فقال : فيكم رجل نمام ، فقال موسى : أخبرنا به يا ربّ لنقتله ، فقال تعالى : كيف أعيب خصلة ثم أفعلها؟

وقال الشّاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

وبالجملة فلو نسبت إلى بعض المخالفين مثل ذلك فقلت : كلّ فساد أو ضلال منك ، وأنت أغويت على عبيدي وأضللتهم عن الرّشد ، لواثبك مواثبة مضطر إلى أنك نسبت إليه صفات النّقص ، فكيف يضاف إلى أحكم الحاكمين وأرحم الرّاحمين؟! وأما السمع فلنا فيه طريقان : أحدهما في أنّه تعالى هدى جميع الخلق وأرشدهم ، والثاني في أنّه لم يضلّ أحدا بالمعنى المختلف فيه ، أمّا الطريق الأوّل فقال تعالى ، ( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) (4) فبيّن أنّ عليه أن يهدى النّاس وقال تعالى : ( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ ) (5)وقال : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (6) وقال : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ) (7) وقال : ( قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ

ص: 298


1- هود. الآية 88 معناه ما أريد ان أسبقكم الى شهواتكم التي نهيتكم عنها لاستبد بها دونكم. من تفسير الطبري.
2- البقرة. الآية 44.
3- رواه في الوسائل (ج 2 ص 241 باب تحريم النميمة حديث 13 ط الأمير بهادر
4- الليل. الآية 12.
5- البقرة. الآية 185.
6- فصلت. الآية 17.
7- البقرة. الآية 38.

رَبِّكُمْ ) (1) وقال : ( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) (2) وقال : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) (3) وقال : ( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللّهَ هَدانِي ) (4) وقال : ( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ) ، وأمثال هذه كثيرة ؛ وأمّا الطريق الثّانى فدليله أنّه تعالى أضاف الإضلال بالمعنى المختلف فيه إلى غيره فقال : ( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ) (5)، ( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) (6) ( وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ) (7) ( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) (8) ( قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً ) (9) ( فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) (10) ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها ) (11) ( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) (12) ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ) (13) ( لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ ) (14) ( رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ) (15) ( رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) (16) ( وَما كانَ اللّهُ

ص: 299


1- الانعام. الآية 104.
2- النحل. الآية 9.
3- يونس. الآية 35.
4- الزمر. الآية 57.
5- طه. الآية 79.
6- ص. الآية 26.
7- النساء. الآية 119.
8- لقمان. الآية 6 الحج. الآية 9.
9- المائدة. الآية 77.
10- الأحزاب. الآية 67.
11- البقرة. الآية 36.
12- البقرة. الآية 102.
13- النمل. الآية 24.
14- الأعراف. الآية 27.
15- الأعراف. الآية 38.
16- فصلت. الآية 29.

لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ) (1) وأمثال ذلك كثير وأمّا إحالته لما أراد به من معنى تجويز إرسال الرّسل بغير هذه الهداية على ما ذكره سابقا ، فقد سبق مرارا منّا أنّه كلام مظلم (2) لا هداية فيه فتذكر ، ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيله(3).

قال المصنّف رفع اللّه درجته

قالت الإماميّة : قد أراد اللّه تعالى الطاعات وأحبّها ورضيها واختارها ولم يكرهها ولم يسخطها وأنّه كره المعاصي والفواحش ولم يحبّها ولا رضيها ولا اختارها ، وقالت الأشاعرة : قد أراد اللّه من الكافر أن يسبّه ويعصيه واختار ذلك وكره أن يمدحه ، وقال بعضهم : أحبّ وجود الفساد ورضي بوجود الكفر.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة كما سبق أنّ اللّه تعالى مريد لجميع الكائنات فهو يريد الطاعات ويرضى بها للعبد ، ويريد المعاصي بمعنى التّقدير لأنّ اللّه تعالى مريد للكائنات ، فلا بدّ أن يكون كلّ شيء بتقديره وإرادته ، ولكن لا يرضى بالمعاصي ، والإرادة غير الرّضا ، وهذا الرّجل يحسب أنّ الإرادة هي عين الرّضا وهذا باطل. وأما قوله : كره أن يمدحه فهذا عين الافتراء وكذا قوله : أحبّ الفساد ورضي بوجود الكفر ، ولا عجب هذا من الشّيعة فانّ الافتراء والكذب طبيعتهم وبه خلقت غريزتهم «انتهى».

ص: 300


1- التوبة. الآية 115.
2- اى غير متضح المراد ، وتوصيف الكلام بالظلمة من باب الاستعارة والتشبيه ولطفه غير خفى على اهل الفن.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة ص. الآية 26.

أقول : قد مرّ مرارا أنّ الإرادة (1) بمعنى التّقدير لم يجيء في الاستعمال ولم يصطلح عليه سواه أحد من أصحابه ولا غيرهم ممّن يعتدّ به مع عدم جدواه ، وأما ما ذكره من أنّ الإرادة غير الرّضا «إلخ» فقد قلّد فيه صاحب المواقف حيث قال : الرّضا ترك الاعتراض ، واللّه يريد الكفر للكافر ويعترض عليه ويؤاخذه به ، ويؤيّده أنّ العبد لا يريد الآلام والأمراض وليس مأمورا بإرادتها ، وهو مأمور بترك الاعتراض عليها ، فالرّضا أعني ترك الاعتراض يغاير الإرادة «انتهى» وليس بمرضى ، أما أولا فلأنّا لا نسلم أنّ الرّضا (2) بمعنى ترك الاعتراض ، بل هو إرادة صادقة لما قضى اللّه تعالى به لا يشوبه في ذلك تردّد ولا مزاحمة مراد آخر ، كما يشعر به كلام ابن قيم الحنبلي (3) في شرح منازل السّائرين وغيره في غيره ،

ص: 301


1- قال الفاضل المدقق النحرير نصير الدين الحلي «ره» في شرحه للطوالع : اعلم ان الإرادة عند الأشعري موافقة للعلم على معنى ان كل ما علم اللّه تعالى وقوعه فهو مراد الوقوع وكل ما علم اللّه تعالى عدمه فهو مراد العدم ، وعند المعتزلة الإرادة موافقة الأمر اى كل مأمور به مراد وكل منهى عنه مكروه.
2- قال شارح الفصول النصيرية هو الوقوف عند إرادة الحق بان لا يريد غيره وهو على درجات ثلث. إلخ.
3- هو شمس الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب الدمشقي الحنبلي المشهور بابن قيم الجوزية من مشاهير علماء القوم وتلميذ ابن تيمية الخصيص به والتابع له في مقالاته المنكرة كالتجسم وجواز الرؤية وانكار شفاعة الأنبياء والرسل والمقربين واسناد الشرك الى اهل القبلة لذلك وتحريم زيارة القبور والتفصيل في ما لا نص فيه والتفصيل في الشبهات التحريمية من غير وجه فيهما الى غير ذلك من المناكير التي لأجلها كفر علماء الإسلام من الخاصة والعامة شيخه ابن تيمية كما اثبت ذلك استأذنا آية اللّه أبو محمد السيد حسن صدر الدين الكاظميني في رسالة مفردة ، توفى ابن القيم في سنة 751 وله تآليف مشحونة أكثرها بالتعصب لشيخه ، منها اخبار النساء وكتاب زاد المعاد في هدى خير العباد وحادي الأرواح واغاثة اللّهفان الى غير ذلك ومن تأمل في كتبه وكتب شيخه رأى انهما لم يتأملا حق التأمل في آيات الكتاب العزيز والاخبار النبوية بل قصروا النظر في عدة آيات عامة أو مطلقة أو متشابهة ، وغفلوا أو تغافلوا ترويجا لمتاعهم الكاسد عن المخصصات والمقيدات ، وما دروا الفرق بين المقامات وما يسوغ للمسلم وما لا يسوغ ولله در الاعلام من المسلمين حيث انهوا التحقيق في الرد عليهما في كتبهم كالسبكى في شفاء السقام وغيره من القوم ، وسيدنا الآية الامين في كتاب الرد على ابن عبد الوهاب وسيدنا الآية المهدى القزويني في الرد على منهاج السنة وغيرهما في غيرهما شكر اللّه مساعيهم الجميلة وهنأهم بالكأس الأوفى ، ثم خمدت نار ابن تيمية التي أو قدها في بلاد الإسلام سيما في مصر والشام سنين الى ان قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي اليه تنتسب الوهابية في عصرنا ومقدمها غائلة عبد العزيز بن سعود المالكة لبلاد الحجاز فجدد المصيبة وحث تابعيه آل السعود وبعض قبائل نجد سكنة بلاد مسيلمة المتنبي الشهير ورغبهم الى الفتك باهل الحرمين الشريفين ثم مشاهد العراق ففعلوا ما فعلوا من قتل النفوس حتى الصبيان الرضع والشيوخ الركع والشبان الخشع والبهائم الرتع وكسروا صندوق قبر النبي الأكرم وأخذوا القناديل التي كانت عليه وكذا فعلوا في بلدة كربلاء المشرفة في حرم مولانا الحسين ريحانة الرسول وبلغ عدد القتلى في تلك البلدة الشريفة ستين ألف على ما ذكره بعض المؤرخين ، ورأيت مكتوبا من العلامة الأسترآبادي الحائرى الى العلامة السيد محمد سلطان العلماء الهندي مرجع الشيعة في لكهنو يذكر فيه أفاعيل هؤلاء الأشقياء الكفرة بإجماع المسلمين في كربلاء ومن نظر في ذلك الكتاب كاد قلبه ان يذوب وكبده ان يحترق من فجائع الطغام ولله در الخديو ملك بلاد مصر حيث استأصلهم وأبادهم ، ولكن الأسف كل الأسف ان السياسة الاجنبية التي أحاطت بنا من كل جانب وتداخلت في كل شئوننا أيدت الوهابية وأعطاها السلطة على المشاعر المكرمة والكعبة المعظمة التي تهوى إليها الافئدة من كل فج عميق ولكل مسلم في العالم حق هناك ، فهدموا قبور أئمة المسلمين وأمهات المؤمنين والصحابة والأنصار والمهاجرين والعلماء والتابعين ، وافتى بذلك قاضيهم ابن بليهد ومن يحذو حذوه من المنهمكين المتفانين في الملق لملكهم جلبا لحطام الدنيا الدنية ، ومن الأسف انهم لا يعطون الحرية في التبليغ والإرشاد حتى يتبين لهم انهم خبطوا عشواء وأبصروا بعين حولاء عوراء حيث أجازوا التجسم والرؤية ومنعوا عن زيارة قبور المقربين والاستشفاع بهم ونسبة الشرك الى من فعل ذلك وما أنسب ان يقال : من اعطى العقل فما لم يعط ومن لم يعط العقل فما اعطى آنرا كه عقل داده اى پس چه نداده اى وآنرا كه عقل نداده اى پس چه بداده اى عصمنا اللّه تعالى من هذه الهفوات والترهات.

ص: 302

وأما ثانيا فلأنّ تفسير الرّضا بترك الاعتراض اصطلاح منهم لا معنى لغويّا له ، ومن البيّن أنّ القرآن لا يترك باصطلاح حادث منهم ، فانّ الرّضا على ما تقتضيه لغة القرآن مستلزم للارادة أو إرادة مخصوصة ، على أنّ إرادة الكفر من شخص والاعتراض عليه قبيح بحسب العقل ، فلا يصح إسناده إليه تعالى ، وأيضا ذلك التّفسير غير مانع ، إذ يدخل فيه ترك الاعتراض النّاشي من الخوف ، فانّ ذلك لا يسمّى رضاء ، ولو سلّم فلا يدلّ هذا التّفسير على مغايرته للإرادة ، غاية الأمر أن يكون نوعا من الإرادة كما أنّ العزم يكون نوعا منها ، فانّ الإرادة قد تكون مع سبق تردّد وقد تكون بدون سبقه. واما ثالثا فلأنّا لا نسلّم أنّه تعالى يريد الكفر من الكافر ولهذا يعترض عليه ، لا لأنّه يريده ولا يرضاه (1) كما زعمه ، واما رابعا فلأنّا لا نسلّم أنّ الرّضاء مأمور به ولم يجيء الأمر به ، وإنما جاء الثّناء على أصحابه ومدحهم ، نعم جاء الأمر بالصّبر وهو غير الرّضا ، نقل ابن القيم عن القاضي ابى يعلى (2)

ص: 303


1- لأنه لا يريد الكفر من الكافر يعترض عليه لا لأنه إلخ. منه «قده».
2- في بعض النسخ القاضي ابو على ، وعليه قد مرت ترجمته ، وفي النسخ المصححة الأخر القاضي ابو يعلى ، وعليه فهو القاضي ابو يعلى احمد بن على التميمي المحدث الموصلي صاحب المسند المتوفى سنة 307 كما في تذكرة النوادر (ص 39) وغيرها وكان حافظا مسندا بصيرا خبيرا.

والباقلاني ومن وافقهما أنّهم قالوا : لم يقم دليل من الكتاب والسّنة على جواز الرّضا بكلّ قضاء فضلا عن وجوبه واستحبابه ، فأين أمر اللّه عباده أو رسوله أن يرضوا بكلّ ما قضاه وقدّره؟ وأمّا ما يروى من الأثر : من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي (1) فقد قال ابن القيم ، إنّه أثر إسرائيلي ليس يصح عن نبيّنا ، وأيضا فقد ذهب بعضهم إلى أنّه من جملة الأحوال التي ليست بمكتسبة وأنّه موهبة محضة ، فكيف يؤمن به وليس مقدورا؟ ولو سلّم بناء على عدم ملائمته ظاهرا لمدح اللّه تعالى على أهله والثّناء عليهم ، فنقول ، عدم اتّحاد الرّضا والإرادة ينافي قول الأشعريّ وقدماء أصحابه على ما نقله ابن القيم وابن همام (2) في المسايرة حيث قال : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كلّ ما شاءه وقضاه فقد أحبّه ورضيه ، وبالجملة لا معنى لإرادة اللّه تعالى أمرا لا يرضاه ولا يحبّه وكيف لا (خ ل يشاء ويكرهه) يشاء ويكونه؟ وكيف يجتمع إرادته له وبغضه وكراهته؟ كما هو حاصل كلام القوم ،

ص: 304


1- رواه في الجواهر السنية في الباب السابع فيما ورد في شأن موسى عليه السلام (ص 66 ط بمبئي) وذكره ابن قيم في شأن يعقوب عليه السلام. ورواه في كنز العمال (ج 1 ص 93 ط حيدرآباد) وفي الاتحافات السنية (ص 3 ط حيدرآباد) الا انه زاد في الجواهر فقرة : ولم يشكر نعمائي.
2- قال ابن همام وقال امام الحرمين : ان من حقق لم يكع عن القول بان المعاصي لمحبته ونقله بعضهم عن الأشعري لتقاربها لغة ، فان من أراد شيئا أو شاء فقد رضيه وأحبه انتهى. منه «قده». أقول ابن همام هو الشيخ كمال الدين محمد بن عبد الواحد الإسكندري الحنفي المتوفى سنة 861 له تصانيف منها كتاب التحرير في اصول الفقه ، والمسايرة في الكلام ، وفتح القدير في الفقه الحنفي.

ولقد ظهر بما نقلناه : أنّ الفرق بين الإرادة والرّضا ممّا تفرد به المتأخّرون من منتحلي (1) مذهب الأشاعرة كصاحب المواقف وأقرانه دون المتقدّمين عليهم وكلام المصنّف مع المتقدمين فافهم.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

وقالت الإماميّة : قد أراد النّبي صلى اللّه عليه وآله من الطاعات ما أراده اللّه تعالى ، وكره من المعاصي ما كرهه اللّه تعالى ، وقالت الأشاعرة : بل أراد النّبي صلى اللّه عليه وآله كثيرا ممّا كرهه اللّه تعالي وكره كثيرا ممّا أراده اللّه تعالى «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : غرضه من هذا الكلام كما سيأتي أنّ اللّه تعالى يريد كفر الكافر ، والنّبيّ صلى اللّه عليه وآله يريد ايمانه وطاعته ، فوقعت المخالفة بين الإرادتين وإذا لم يكن احد منهما مريدا لشيء يكون كارها له ، هكذا زعم ، وقد علمت أنّ معنى الإرادة من اللّه هاهنا هو التّقدير ومعنى الإرادة من النّبيّ صلى اللّه عليه وآله ميله إلى ايمانهم ورضاه به والرّضا والميل غير الإرادة بمعنى التّقدير ، فاللّه يريد كفر الكافر بمعنى أنّه يقدّر له في الأزل ، هكذا ، والنّبيّ صلى اللّه عليه وآله لا يريد كفره ، بمعنى أنّه لا يرضى به ولا يستحسنه ، فهذا جمع بين إرادة اللّه وعدم إرادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ولا محذور فيه ، نعم لو رضى اللّه بشيء ولم يرض رسوله بذلك الشّيء وسخطه كان ذلك محذورا وليس هذا مذهبا لأحد «انتهى».

أقول : قد مرّ مرارا أنّ إرادة التّقدير من الإرادة مخالف لإجماع القوم ، وليس إلّا من مخترعاته التي لم يجد محيصا عن الإشكال إلّا بها ، وبيّنا أنّه مع

ص: 305


1- تعريض بان المتأخرين منهم انتحلوا الى الأشعري وليسوا منهم.

ذلك لا يجديه نفعا فتذكر.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

وقالت الإماميّة : قد أراد اللّه تعالى من الطاعات ما أراده أنبياؤه ، وكره من المعاصي ما كرهوه ، وأراد ما كره الشّياطين من الطاعات ، وكره ما أرادوه من الفواحش ، وقالت الأشاعرة : بل قد أراد اللّه ما أرادته الشّياطين من الفواحش ، وكره ما كرهوه من كثير من الطاعات ، ولم يرد ما أرادته الأنبياء من كثير من الطاعات ، بل كره ما أرادته منها «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : هذا يرجع إلى معنى الإرادة التي ذكرناها في الفصل السّابق ، وهذا الرّجل لم يفرق بين الإرادة والرّضا وجلّ تشنيعاته ناش من عدم هذا الفرق ، وأمّا قوله : كره اللّه ما كره الشّياطين من الطاعات فهذا افتراء على الأشاعرة «انتهى».

أقول : قد مرّ أنّ معنى الإرادة التي ذكره لا معنى له ولا جدوى له في دفع الإشكال والإلزام ، وأنّ الفرق بين الإرادة والرّضا ليس بمرضيّ ، فتشنيع المصنّف قدس سره على الأشاعرة (1) واقع في موقعه ، وأما ما ذكره : من أنّ القول : بأنّ اللّه تعالى يكره ما كره الشّياطين افتراء على الأشاعرة ، فليس كما زعمه ، لأنهم وإن لم يقولوا بذلك صريحا لكن يلزمهم القول به من قولهم : بعدم وجوب شيء على اللّه تعالى لزوما لا سترة فيه ، وأيضا قد سبق في الفصل السّابق من النّاصب في تقرير كلام المصنّف : أنّ اللّه تعالى يريد كفر الكافر على مذهب الأشاعرة والنبيّ

ص: 306


1- يعنى ان الاشاعرة لا يثبتون الكراهة له تعالى بالنسبة الى شيء وانما يثبتون الكراهة لما لا يكون. منه «قده».

يريد ايمانه وطاعته ، فوقع المخالفة بين الإرادتين ، وإذا لم يكن أحد منهما مريدا له يكون كارها له «انتهى» فنقول : إذا لزم من ذلك كراهة اللّه تعالى لما أراده النبيّ من الايمان والطاعة ، ومن البيّن أنّ الشيطان قد كره ذلك ، فيلزم أن يكره اللّه تعالى ما يكرهه الشّيطان كما ذكره المصنّف قدس سره.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

قالت الإماميّة : قد أمر اللّه عزوجل بما أراده ونهى عمّا كرهه ، وقالت الأشاعرة : قد أمر اللّه بكثير ممّا كره ونهى عمّا أراد.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد عرفت فيما سلف أنّ اللّه تعالى لا يجب عليه شيء ولا قبيح بالنسبة إليه ، فله أن يأمر بما شاء وينهى عمّا يشاء ، فأخذ المخالفون من هذا أنّه يلزم على هذا التّقدير أن يأمر بما يكرهه وينهى عمّا يريده ، وقد عرفت جوابه : أنّ المراد بهذا عدم وجوب شيء عليه ، وهذا التّجويز لنفى الوجوب ، وإن لم يقع شيء من الأمور المذكورة في الوجود فالأمر بالمكروه والنّهى عن المراد جائز ، ولا يكون واقعا ، فهو محال عادة ، وإن جاز عقلا بالنّسبة إليه كما مرّ غير مرّة. وسيجيء تفاصيل هذه الأجوبة عند مقالاته فيما سيأتي «انتهى»

أقول :العادة لا تمنع الوقوع ، وقد ذكرنا سابقا أنّ جريانها ليس بواجب على اللّه تعالى عندهم ، وإلّا لزمهم الوقوع فيما هربوا عنه كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

فهذه خلاصة أقاويل الفريقين في عدل اللّه عزوجل وقول الإماميّة في التّوحيد يضاهي قولهم في العدل فانّهم يقولون : إنّ اللّه تعالى واحد لا قديم سواه ولا إله غيره

ص: 307

ولا يشبه الأشياء ولا يجوز عليه ما يصحّ عليها من التّحرك والسّكون ، وأنّه لم يزل ولا يزال حيّا قادرا عالما مدركا لا يحتاج إلى أشياء يعلم بها ويقدر ويحيى وأنّه لمّا خلق الخلق أمرهم ونهاهم ولم يكن آمرا ولا ناهيا قبل خلقه لهم ، وقالت المشبّهة (1) إنّه يشبه خلقه ووصفوه بالأعضاء والجوارح وأنّه لم يزل آمرا وناهيا

ص: 308


1- المشبهة. قال أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 في كتاب الفرق بين الفرق ص 137 طبع مصر في الفصل الثامن : ان المشبهة صنفان صنف شبهوا ذات الباري بذات غيره ، وصنف آخر شبهوا صفاته بصفات غيره ، وكل من هذين الصنفين مفترقون الى اصناف شتى الى آخر ما قال ، ويظهر من مجموع كلماته ان من المشبهة من زعم ان الخالق من النور على صورة انسان في أعضائه وأنه يفنى كله الا وجهه. ومنهم من زعم انه تعالى ذو أعضاء وأن أعضائه على صور حروف الهجاء وهم اتباع المغيرة ابن سعيد العجلي. ومنهم الحلمانية أو الحكمانية : أتباع أبي حلمان الدمشقي ، وكان يسجد لكل صورة حسنة لزعم التشبيه. ومنهم الجواربية اتباع داود الجواربى الذي اثبت جميع الأعضاء له تعالى الا الفرج واللحية. ومنهم مشبهة الكرامية حيث ذهبوا الى أنه تعالى جسم له حد ونهاية ، وأنه محل للحوادث وأنه مماس لعرشه ، فهؤلاء مشبهة لله بخلقه في ذاته لا في صفاته. فاما المشبهة لصفاته بصفات المخلوقين فإنها أصناف. فمنهم من شبه إرادة الباري بارادة خلقه ، وهذا قول معتزلة البصرة حيث زعموا أن اللّه مريد بارادة حادثة من جنس إرادة البشر. ومنهم الحدوثية فإنهم ذهبوا الى حدوث تمام صفاته تعالى حتى صفات الذات ، ومال اليه جمع من المعتزلة انتهى ما رمنا نقله من مقالة البغدادي في هذا الباب ملخصا كلامه ناقلا إياه بالمعنى أقول : ومن المشبهة جماعة من الصوفية في هذه الاعصار من العامة والخاصة حيث شبهوا بعض صفاته تعالى الفعلية بصفات المخلوق ولهم ترهات في هذا الشأن يقف عليها الناظر في كلماتهم ، وسمعت عن عدة من رؤسائهم ما يقضى منه العجب عصمنا اللّه من الهفوات والزلل في القول والعقيدة والعمل. ثم اعلم ان اصحاب الحديث من العامة كالظاهرية وابن حنبل ومالك بن أنس ومقاتل بن سليمان الأزدي وغيرهم أخذوا بظواهر ما ورد في الكتاب والسنة من دون تأويل زعما منهم أنه نهاية الحزم والأخذ بالحائطة في امر الدين حيث ان التأويل ممنوع شرعا مضافا الى انه مظنون والقول بالظن في صفاته تعالى غير جائز لاحتمال ادائه الى غير مراده جل شأنه فيوجب الوقوع في الزلل، والعجب كل العجب ممن سلك هذا المسلك بعد قيام الدليل القاطع العقلي الخلى من الشوائب والأوهام على امتناع التشبيه في حقه تعالى لا في الذات ولا في الصفات ، لا روحانية ولا جسمانية أعاذنا اللّه من أشباه هذه المقالات التي أطال السنة اليهود والنصارى على المسلمين حيث لاحظوا أمثال هذه الكلمات وزعموا انها مما اتفق عليها المسلمون ، ولله در فقهائنا حيث عدوا المشبهة على الإطلاق من الفرق المحكومين بكفرهم ونجاستهم واللّه العاصم الهادي.

ولا يزال قبل خلق خلقه ولا يستفيد بذلك شيئا ولا يفيد غيره ولا يزال آمرا وناهيا بعد خراب العالم وبعد الحشر والنّشر دائما بدوام ذاته وهذه المقالة في الأمر والنّهى ودوامهما مقالة الأشعرية أيضا ، وقالت الأشاعرة أيضا : إنّه تعالى قادر عالم حىّ إلى غير ذلك من الصّفات بذوات (1) قديمة ليست هي اللّه ولا غيره ولا بعضه ولولاها لم يكن قادرا عالما حيّا تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : أكثر ما في هذا الفصل قد مرّ جوابه فيما سبق من الفصول على أبلغ الوجوه ، بحيث لم يبق للمرتاب ريب وما لم يذكر جوابه من كلام هذا الفصل فيما

ص: 309


1- التعبير بالذوات في غير محله والأنسب كلمة المعاني بدل لفظة الذوات كما لا يخفى.

سبق هو ما قال في الأمر والنّهى وأنّ الأشاعرة يقولون بدوامهما ، فالجواب أنّهم لما قالوا بالكلام النّفساني وأنّه صفة لذات اللّه تعالى فيلزم أن تكون هذه الصّفة أزليّة وأبدية ، والكلام لمّا اشتمل على الأمر والنّهى يكون الأمر والنّهى في الكلام النّفساني أزلا وأبدا ، ولكن لا يلزم أن يكون آمرا وناهيا بالفعل قبل وجود الخطاب والمخاطبين حتّى يلزم السّفه كما سبق ، بل الكلام بحيث لو تعلّق بالخطاب عند التلفظ به يكون المتكلّم به آمرا وناهيا ، وهذا فرع لإثبات الكلام النّفساني فأيّ غرابة في هذا الكلام؟ «انتهى».

أقول : قد سبق دفع أجوبة النّاصب على وجه لا مزيد عليه ، وبحيث لا يتطرق الرّيب إليه ، وأما ما ذكره هاهنا من الجواب وزعم أنّ كلام المصنّف في قوله : وأنّه تعالى لم يزل آمرا وناهيا مبنيّ على ما ذكره الأشاعرة في الكلام النّفساني فباطل ، بل مبنيّ على ما ذكروه في اصول الفقه (1) من جواز الأمر بالمعدوم وعلى تقدير البناء على ما ذكروه في الكلام فنقول : إنّ كلامهم صريح في أنّ الأمر والنّهى (2) والآمر والنّاهي موجود في الأزل بالفعل ، لكن تعلّق الأمر والنّهى بالمأمور ، والمنهيّ إنما هو عند وجودهما وأهليّتهما للتكليف ، ولو لا ادعاءهم ذلك لما احتاجوا إلى إثبات الكلام النّفساني ، والحكم بثبوته في الأزل ، وكونه مسموعا

ص: 310


1- في باب العام والخاص في مسألة شمول الخطابات الشفاهية للمعدومين والغائبين ، وقد حقق المتأخرون من أصحابنا بما لا مزيد عليه امتناع مشافهة المعدوم وخطابه ، فكيف بتكليفه؟ نعم التزموا بصحة الإنشاء في حق المعدوم بداعي التحسر والتحزن والشوق ونحوها ، والإنشاء خفيف المئونة كما لا يخفى ،
2- اى المتصف بوصف الأمر والنهى ووصف كونه ناهيا وإلا فذات اللّه تعالى بدون هذا الوصف موجود في الأزل منه «قده».

كما نقل عن الأشعري :(1) فان اتّصافه تعالى (2) بكونه آمرا وناهيا بالقوة حاصل على تقدير عدم إثبات الكلام النّفسي أيضا كما لا يخفى

قال المصنّف رفع اللّه درجته

قالت الإماميّة : إنّ أنبياء اللّه تعالى وأئمته منزّهون (3) عن المعاصي وعمّا لا يستحقّ ، وينفردون بتعظيم أهل البيت عليهم السلام الذين أمر اللّه تعالى بمودّتهم وجعلها أجرا للرّسالة ، فقال اللّه تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ

ص: 311


1- قال ابن همام الحنفي في كتاب المسايرة : هذا قول الأشعري اعنى كون الكلام النفسي مما يسمح ، قاسه على رؤية ما ليس بلون ، فكما عقل رؤية ما ليس بلون ولا جسم ، فليعقل سماع ما ليس بصوت ، واستحال الماتريدي سماع ما ليس بصوت ثم قال : وبعد اتفاق أهل السنة على أنه تعالى متكلم لم يزل متكلما اختلفوا في أنه تعالى هل هو متكلم لم يزل متكلما؟ فعن الأشعري ، نعم. وعن بعض أهل السنة ، ونقله بعض متكلمي الحنفية عن أكثرهم. «انتهى» منه «قده».
2- اى كون الأمر والنهى والأمر والناهي بوصف كونه آمرا وناهيا موجودا بالفعل في الأزل.
3- هذه مسألة قام فيها الحرب على ساقيه بين الفريقين ، أطبق أصحابنا وأكثر المعتزلة وثلة من الاشاعرة على تنزه الأنبياء عن المعاصي كبيرة كانت أم صغيرة قبل النبوة وبعدها ، وكذا عن كل رذيلة ومنقصة تدل على خسة النفس وتكون لصاحبها وصمة عار ، ولله در أصحابنا شيعة أهل البيت عليهم السلام حيث صنفوا في طهارة ذيول السفراء بين الخالق وخلقه وخلفائهم الهادين المهديين كتبا نفيسة ككتاب تنزيه الأنبياء لسيدنا الشريف المرتضى ، وكتاب التنزيه لشيخنا أبى عبد اللّه المفيد «قدهما» وأقاموا في إثباتها الحجج العقلية والدلائل النقلية ، فمن تعامى عن المراجعة إليها فلا يلومن الا نفسه وما أوضح المحجة وأبين الحجة. (گر گدا كاهل بود تقصير صاحب خانه چيست؟)

في القربى (1) وقالت أهل السّنة كافّة ، إنّه يجوز عليهم الصّغائر ، وجوّزت الأشاعرة عليهم الكبائر.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : أجمع أهل الملل والشّرائع كلّها على وجوب عصمة الأنبياء عن تعمّد الكذب فيما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فيه ، كدعوى الرّسالة وما يبلّغونه من اللّه ، وأمّا سائر الذّنوب فأجمعت الامّة على عصمتهم من الكفر ، وجوّز الشّيعة إظهار الكفر تقيّة عند خوف الهلاك ، لأنّ إظهار الإسلام حينئذ إلقاء للنّفس في التّهلكة ، وذلك باطل قطعا ، لأنّه يقضي إلى إخفاء الدّعوة بالكليّة وترك تبليغ الرّسالة ، إذ أولى الأوقات بالتّقية وقت الدعوة للضّعف بسبب قلّة الموافق وكثرة المخالفين ، وأما غير الكفر من الكبائر فمنعه الجمهور من الأشاعرة والمحققين ، وأما الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلّا الصّغائر الخسيسة ، كسرقة حبّة أو لقمة للزوم المخالفة لمنصب النبوة ، هذا مذهبهم ، فنسبة تجويز الكبائر على الأنبياء إلى الأشاعرة افتراء محض ، وأما ما ذكر من تعظيم أنبياء اللّه تعالى وأهل بيت النّبوة فهو شعار أهل السّنة ، والتّعظيم ليس عداوة الصّحابة كما زعمه الشّيعة والرّوافض ، بل التّعظيم أداء حقوق عظم قدرهم في المتابعة وذكرهم بالتفخيم واعتقاد قربهم من اللّه ورسوله ، وهذه خصلة اتّصف بها أهل السّنة والجماعة «انتهى»

أقول : قد مرّ وسيجيء في مسألة النّبوة أنّ أهل السّنة إنّما أوجبوا عصمة الأنبياء عن الكبائر بعد البعثة ، وأجمعوا على جواز صدورها عنهم قبل البعثة قال ابن همام (2) الحنفي في المسايرة شرط النّبوة الذكورة إلى قوله والعصمة

ص: 312


1- الانعام. الآية 90
2- قد مرت ترجمته.

من الكفر ، وأمّا من غيره ممّا سنذكره ، فمن موجبات النّبوة متأخّر عنها ثم قال : وجوّز القاضي وقوع الكفر قبل البعثة عقلا قال : وأمّا الوقوع فالذي صحّ عند أهل الأخبار والتّواريخ أنّه لم يبعث من أشرك باللّه طرفة عين ، ولا من كان فاسقا فاجرا ظلوما ، وإنّما بعث من كان تقيا زكيّا أمينا مشهور النّسب ، والمرجع في ذلك في قضيّته السّمع ، وموجب العقل التّجويز والتّوبة ، ثمّ إظهار المعجزة يدلّ على صدقهم وطهارة سريرتهم فيجب توقيرهم ويندفع النّفور عنهم ، وخالف بعض أهل الظواهر (1) «انتهى» ، وقال صاحب المواقف في مسألة عصمة النبيّ ما يقرب من كلام ابن همام ، ثمّ قال في مبحث الإمامة عند نفيه لعصمة الفاطمة المعصومة المظلومة عليها السلام ، وأيضا عصمة الأنبياء ، وقد تقدّم ما فيه. انتهى فافهم ما فيه ، وأمّا ما نسبه إلى الشيعة من تجويز إظهار الكفر على الأنبياء تقيّة فهو افتراء عليهم ، ولعلّ المعاندين من أهل السّنة توهموا ذلك من استماع إطلاق جواز التّقية ، فنسبوه إليهم ولو فرض صدور ذلك عمّن لا يعبأ من فرق الشّيعة فالإماميّة الذين هم المحقّون المحققون خلفا عن سلف وعلومهم مقتبسة [خ ل عن] من مشكاة النّبوة والولاية ، مبرّؤن عن ذلك ، وتصانيف علمائهم خالية عنه ، وإنّما الذي ذكروه في ذلك أنّ التّقية جائزة ، وربّما وجبت ، وعرّفوها بأنّها إظهار موافقة أهل الخلاف فيما يدينون به خوفا ، وقد استثنوا منها أوّل زمان الدّعوة ، وكذا وطء المنكوحة على خلاف مذهب أهل الحقّ فلا يحلّ باطنا ، وكذا التّصرف في المال المضمون عنه لو اقتضت التّقية أخذه إلى غير ذلك ، وكيف يجوّزون إظهار الكفر على الأنبياء عليهم السلام تقيّة مع قولهم بحجيّة العقل واعتنائهم بتتبع أدلته؟! فهم أولى بوجدان الدّليل الذي ذكره النّاصب نقلا عن المواقف في امتناع إظهار الكفر على الأنبياء

ص: 313


1- المراد به أبو على محمد بن حزم الأندلسي كما افيد.

عليهم السلام ، وسيجيء لهذا المقام مزيد تأييد وتفصيل في مبحث عصمة النبيّ صلى اللّه عليه وآله والامام عليه السلام ، بل الدّليل المذكور مأخوذ من كتبهم ومصنّفاتهم كما لا يخفى على المتتبّع ، وأما قوله : والتّعظيم ليس عداوة الصّحابة فمردود : بأنّ الاماميّة لا يوجبون عداوة جميع الصّحابة كما يشعر به إطلاق كلامه ، بل الجماعة الذين غصبوا الخلافة عن ذوي القربى من أهل بيت النبيّ صلوات اللّه عليهم ، ولا ريب في أنّ حقّ تعظيمهم ومحبّتهم يتوقف على عداوة هؤلاء والبراءة عنهم ، إذ لا يمكن الجمع بين ما أمرنا اللّه تعالى به في محكم كتابه من مودة ذوي القربى وما ثبت من شكايتهم عليهم السلام عنهم على ما سيذكره المصنّف في مسألة الامامة ، وقد أشار إليه أيضا الشّيخ العارف الرّباني محيي الدين الأعرابي في فتوحاته المكيّة ، وقد بلغنا أنّ رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السلام : أنا أحبّك وأتوالى عثمان ، فقال له : أمّا الآن فأنت أعور ، فإمّا أن تعمى وإمّا أن تبصر ، ولعمري ما ودّك من توالى ضدّك ، ولا أحبّك من صوّب غاصبك ، ولا أكرمك مكرم من هضمك ، ولا عظمك معظم من ظلمك ، ولا أطاع اللّه فيك مفضّل أعاديك ، ولا اهتدى إليك مضلّل مواليك ، النّهار فاضح ، والمنار واضح

، ولنعم ما قيل. شعر :

تودّ عدوّي ثم تزعم أنّني *** صديقك إنّ الرّأي عنك لعازب

قال المصنّف رفع اللّه درجته

فلينظر العاقل من نفسه إلى المقالتين ، ويلمح (1) المذهبين ، وينصف في التّرجيح ، ويعتمد على الدّليل الواضح الصّحيح ، ويترك تقليد الآباء والمشايخ الآخذين بالأهواء وغرتهم (2) الحياة الدّنيا ، بل ينصح نفسه ولا يعوّل على غيره ،

ص: 314


1- لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر الحقيقة والاسم اللمحة. صراح.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة الانعام. الآية 70

فلا يقبل عذره غدا في القيامة - إني قلّدت شيخي الفلاني ، أو وجدت آبائي وأجدادي على هذه المقالة - فانّه لا ينفعه ذلك يوم القيامة يوم تتبرّأ المتّبعون من أتباعهم ، ويفرّون من أشياعهم ، وقد نصّ اللّه تعالى (1) على ذلك في كتابه ، ولكن أين الآذان السّامعة ، والقلوب الواعية ، وهل يشكّ العاقل في الصحيح من المقالتين؟ وأنّ مقالة الإمامية هي أحسن الأقاويل؟ وأنها أشبه بالدّين؟ وأنّ القائلين بها هم الذين قال اللّه تعالى فيهم : ( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (2) فالامامية هم الذين قبلوا هداية اللّه واهتدوا بها ، وهم أولو الألباب ، ولينصف العاقل من نفسه أنّه لو جاء مشرك وطلب (3) شرح أصول دين المسلمين في العدل والتّوحيد رجاء أن يستحسنه ويدخل فيه معهم ، هل كان الاولى أن يقال له حتى يرغب في الإسلام ويتزّين في قلبه : إنّه من ديننا أنّ جميع أفعال اللّه حكمة وصواب ، وإنا نرضى بقضائه ، وأنه منزّه عن فعل القبائح والفواحش لا يقع منه ، ولا يعاقب الناس على فعل يفعله فيهم ، ولا يقدرون على دفعه عنهم ، ولا يتمكنون من امتثال أمره ، بل خلق فيهم الكفر والشرك ويعاقبهم عليهما ، ويخلق فيهم اللّون والطول والقصر ويعذّبهم عليه ، أو يقال : ليس في أفعاله حكمة وصواب ، وأنّه أمر بالسّفه والفاحشة ، ولا نرضى بقضاء اللّه ، وأنه يعاقب الناس على ما فعله فيهم ، وهل الاولى أن نقول : من ديننا : إنّ اللّه لا يكلّف الناس ما لا يقدرون عليه ولا يطيقون ، أو نقول : إنّه يكلّف النّاس ما لا يطيقون ، ويعاقبهم ويلومهم على ترك ما لا يقدرون على فعله؟ وهل الاولى أن نقول : إنه يكره الفواحش ولا يريدها ولا يحبّها ولا يرضاها؟ أو نقول : إنّه يحبّ

ص: 315


1- كما في قوله تعالى : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ) . في سورة البقرة. الآية 166.
2- الزمر. الآية 18.
3- كما طلب السلطان المؤيد أولجايتو محمد خدا بنده الذي صنف المتن لأجله.

أن يشتم ويسبّ ويعصي بأنواع المعاصي ، ويكره أن يمدح ويطاع ، ويعذّب النّاس لم (لما) كانوا كما أراد ، ولا يكونون كما كره ، وهل الاولى أن نقول : إنّه تعالى لا يشبه الأشياء ولا يجوز عليه ما يجوز عليها؟ أو نقول ، إنّه يشبهها ، وهل الاولى أن نقول : إنّ اللّه يعلم ويقدر ويحيي ويدرك لذاته أو نقول : إنّه لا يدرك ولا يحيي ولا يقدر ولا يعلم إلّا بذوات (1) قديمة لولاها لم يكن قادرا ولا عالما ولا غير ذلك من الصّفات؟ وهل الاولى أن نقول : إنّه لمّا خلق الخلق أمرهم ونهاهم؟ أو نقول : إنّه لم يزل في القدم ولا يزال بعد إفنائهم طول الأبد ، يقول : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) لا يخلّ بذلك أصلا ، وهل الاولى أن نقول : إنّه تعالى تستحيل رؤيته والإحاطة بكنه ذاته؟ أو نقول : يرى بالعين إمّا في جهة من الجهات له أعضاء وصورة ، أو يرى (2) بالعين لا في الجهة ، وهل الاولى أن نقول : إنّ أنبيائه وأئمته منزّهون عن كلّ قبيح وسخيف؟ أو نقول : إنّهم اقترفوا المعاصي المنفرة عنهم؟ وإنّه يقع منهم ما يدلّ على الخسّة والرّذالة (3) كسرقة درهم وكذب فاحش ، ويداومون على ذلك مع أنّهم محلّ وحيه وحفظة (4) شرعه ، وأنّ النّجاة تحصل بامتثال أوامرهم القوليّة والفعلية ، فإذا عرفت أنّه لا ينبغي أن يذكر لهذا السّائل عن دين الإسلام إلّا مذهب الاماميّة دون قول غيرهم ، عرفت عظم موقعهم في الإسلام ، وتعلم أيضا زيادة بصيرتهم ، لأنّه ليس في التّوحيد دليل ولا جواب عن شبهة إلّا ومن

ص: 316


1- الا نسب تبديل كلمة الذوات بالمعاني.
2- إشارة الى اختلاف ابن تيمية من الحنابلة وبعض المشبهة.
3- فيه إشارة الى اختلاف روايات أهل السنة في ذلك.
4- الحفظة جمع حافظ.

أمير المؤمنين على عليه السلام (1) وأولاده عليهم السلام أخذ ، وكان جميع العلماء يستندون إليه على ما يأتي ، فكيف لا يجب تعظيم الاماميّة والاعتراف بعلوّ منزلتهم ، فإذا سمعوا شبهة في توحيد اللّه تعالى أو في عبث بعض أفعاله انقطعوا بالفكر فيها عن كلّ أشغالهم ، فلا تسكن نفوسهم ، ولا تطمئنّ قلوبهم ، حتى يتحقق (خ ل يتحققوا) الجواب عنها ، ومخالفهم إذا سمع دلالة قاطعة على أنّ اللّه تعالى لا يفعل الفواحش والقبائح ظلّ ليله ونهاره مغموما ومهموما طالبا لإقامة شبهة يجيب بها حذرا عن أن يصحّ عنده أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ، فإذا ظفر بأدنى شبهة قنعت نفسه وعظم سروره بما دلت الشّبهة عليه من أنّه لا يفعل القبيح وأنواع الفواحش غير اللّه تعالى ، فشتّان ما بين الفريقين وبعدا بين المذهبين ، ولنشرع الآن في تفصيل المسائل وكشف الحقّ فيها بعون اللّه تعالى ولطفه.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : حاصل ما ذكر في هذا الفصل تحكيم الإنصاف والرّجوع إلى الوجدان والدّليل في ترجيح مذهب الاماميّة ، وأنّ المنصف إذا ترك التّقليد ونظر إلى المذهبين نظر الإنصاف ، علم أنّ مذهب الاماميّة مرجح ومثل هذا في حال من أراد دخول الإسلام ، وحاول أن يتبيّن عنده ترجيح مذهب من المذاهب ، فلا شكّ أنّ معتقدات الإماميّة أبين وأظهر عند العقول ، وأقرب من سائر المذاهب إلى التّلقّي

ص: 317


1- وكفى في ذلك ما ذكره ابن الجوزي مع شدة عداوته وبغضه لال الرسول حيث قال : ان عليا له حق التعليم على كل المسلمين الى يوم القيامة فانه لو لا خطبه ومنابره وكلماته لكان توحيدهم في منتهى النقص وأسوأ من عقائد سائر الملل ، فمن عبر عنه كرم اللّه وجهه بمعلم الإسلام لم يكن مخطئا هذا مضمون ما أفاده ، والفضل ما شهدت به الأعداء.

والقبول ، ونحن إن شاء اللّه في هذا الفصل نحذو حذوه ، ونجاوبه فصلا بفصل ، وعقيدة بعقيدة ، على شرط تجنب التّهمة والافتراء ومحافظة شريطة الصّدق والإنصاف ، فنقول : لو استجار مشرك في بلاد الإسلام ، وأراد أن يسمع كلام اللّه رجاء أن يستحسنه ويميل قلبه إلى الإسلام ، فطلب من العلماء اصول دين المسلمين في العدل والتّوحيد ليرغب بفهمه إلى الملّة البيضاء ، فيا معشر العقلاء هل كان الأولى أن يقال له حتى يرغب ويتزيّن الإسلام في قلبه : إنّ الإله الذي يدعوك إلى طاعته وعبوديته هو خالق كلّ الأشياء وهو الفاعل المختار ، ولا يجري في ملكه إلّا ما يشاء وهو يحكم ما يريد ، ولا شريك له في الخلق والتّصرف في الكائنات ولا تسقط ورقة ولا تترك نملة ، إلا بحكمه وإرادته وقضائه وقدرته دبّر امور الكائنات في أزل الآزال ، وقدر ما يجري وما يصدر عنهم قبل خلقهم وإيجادهم ، ثمّ خلقهم وأمرهم ونهاهم ، وأفعاله جملة حكمة وصواب ولا قبيح في فعله ، ولا يجب عليه شيء ، وكلّ ما يفعله في العباد من إعطاء الثّواب وإجراء العقاب فهو تصرّف في ملكه ، ولا يتصوّر منه ظلم ، ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) (1) وهو منزه عن فعل القبائح ، إذ لا قبيح بالنسبة إليه ونحن نرضى بقضائه ، والقضاء غير المقضي ، هل الاولى هذا؟ أو يقال : الإله الذي ندعوك إليه له شركاء في الخلق فأنت تخلق أفعالك ، وكلّ النّاس يخلقون أفعالهم ، وهو الموجب الذي لا تصرف له في الكائنات بالإرادة والاختيار ، بل هو كالنّار إذا صادف الحطب يجب عليه الإحراق ، والعبد إذا عمل حسنة وجب عليه الثّواب ، فهذه الحسنة كالدّين على رقبته يجب له أداء ثوابها ، وإذا عمل سيئة يجب عليه عقابها ، وليس له أن يتفضل ويتجاوز بفضله عن ذلك الذّنب بل الواجب واللازم عليه عقابه ، كالنّار الواجب عليه الإحراق ، وأنّه خلق العالم ولم يجر له قضاء سابق ، وعلم

ص: 318


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة الأنبياء. الآية 23.

متقدّم ، بل يحدث الأشياء على سبيل الاتّفاق ، وله الشّركاء في الخلق هو يخلق والنّاس يخلقون؟ وهل الاولى أن يقال له : من ديننا أنّه تعالى حاكم قادر مختار ، يكلّف النّاس كيف ما شاء ، لأنّه يتصرف في ملكه ، فإن أراد كلّفهم حسب طاقتهم ، وجاز له ، ولا يمتنع عليه أن يكلّف فوق الطاقة ، لكن بفضله وكرمه لم يكلّف النّاس فوق الطاقة ، ولم يقع هذا؟ أو يقال : إنّه يجب عليه أن يكلّف النّاس حسب طاقتهم ، وليس له التّصرف فيهم ، ويمتنع عليه التكليف حسبما أراد؟ وهل الاولى أن يقال له : إنّ كلّ ما جرى في العالم فهو تقديره وإرادته ، ولكن الخير والطاعة برضاه وحبّه ، والشر والمعصية بغير رضاه؟ أو نقول ، إنه مغلول اليد فيجب عليه أن يحبّ الخير وهو خالقه ، ولا يخلق الشّر ، فللشّر فواعل غيره ، وله شركاء في الملك والتّصرف؟ وهل الاولى أن يقال له : إنّه تعالى لا يشبه الأشياء ، ولكن له صفات تأخذ معرفتها أنت من صفات نفسك ، غير أنّ صفات نفسك حادثة ، وصفاته تعالى قديمة؟ أو نقول : إنّه لا صفات له ولا يجوز عليه أن يعرف صفاته من صفات الكمال؟ وهل الاولى أن يقال له : إنّ اللّه تعالى عالم بعلم أزلي قادر بقدرة أزليّة حىّ بحياة سرمديّة متكلم بكلام أزلي؟ أو يقال له : إنّ الصّفات مسلوبة عنه ، وليس له علم ولا قدرة ، بل ذاته تعلم الأشياء بلا علم ، فيتحيّر ذلك المسكين أنّ العالم كيف يعلم بلا علم ، والقادر كيف يفعل بلا قدرة؟! وهل الاولى أن يقال له : إنّ اللّه تعالى كان في الأزل متكلّما بكلام نفسي هو صفة ذاته ، وبعد ما خلق الخلق خاطب الرّسل بذلك الكلام ، وأمر الناس ونهاهم؟ أو يقال له : إنّه خلق الكلام وليس هو بمتكلّم فإنّ خالق الكلام لا يسمّى متكلّما ، وانّه أحدث الأمر والنهى بعد الخلق بلا تقدير وإرادة سابقة؟ وهل الاولى أن نقول ، إنّه تعالى مرئيّ يوم القيامة لعباده ليزداد بذلك شغفه في عبادة ربّه رجاء أن ينظر إليه يوم القيامة ، ولكن هذه الرؤية بلا كيفية كما سترى وتعلم؟ أو يقال له : هذا الرب لا ينظر إليه في الدنيا ولا في

ص: 319

الآخرة؟! وهل الاولى أن يقال : إنّ أنبياء اللّه تعالى عباد مكرمون معصومون من الكذب والكبائر ، ولكنّهم بشر لا يؤمنون من إمكان وقوع الصّغائر عنهم ، فلا تيأس أنت من عفو اللّه وكرمه ، إن صدر عنك معصية ، فانّهم اسوة النّاس ، ويمكن أن يقع منهم الذّنب ، فأنت لا تقنط من الرّحمة؟ أو يقال له : الأنبياء كالملائكة ، ويستحيل عليهم الذّنب ، فإذا سمع بشيء من ذنوب الأنبياء كما جاء في القرآن : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ ) (1) ، يتردّد في نبوّة آدم ، لأنّه وقع منه المعصية ، فلا يكون نبيّا؟ وهل الاولى أن يقال له : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا بعث إلى النّاس تابعه جماعة من أصحابه ، وأقاموا في خدمته وصحبته طول أعمارهم ، وقاسوا الشّدّة [خ ل الشدائد] والبلايا في إقامة الدّين ودفع الكفرة ، وذكرهم اللّه تعالى في القرآن وأثنى عليهم بكلّ خير ورضى عنهم ، ثمّ بعده أقاموا بوظائف الخلافة ، ونشروا الدّين ، وفتحوا البلاد ، وأظهروا أحكام الشّريعة ، وأحكموا قواعد الحدود حتّى بقي منهم الدّين ، وانحفظت من سعيهم الشّريعة إلى يوم الدّين؟ أو يقال له : إنّ هؤلاء الأصحاب بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خالفوه ورجعوا إلى الكفر ، ولم يهد محمّد صلى اللّه عليه وآله إلّا سبعة عشر نفرا؟! فيا معشر العقلاء انظروا إلى المذهبين ، وتأمّلوا وأمعنوا في عقائد الفريقين ، مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والسّميع والبصير هل يستويان مثلا (2)؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون. وأما ما ذكر أنّه ليس في التّوحيد دليل ولا جواب شبهة إلّا ومن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فانّ هذا أمر لا يختصّون به دوننا ، بل كلّ ما نأخذ من العقائد ونتلقّى من الأدلة ، فانّها مأخوذة من تلك الحضرة (3) ومن غيره من أكابر الصّحابة كالخلفاء الرّاشدين سواه ، وككبار الصّحابة

ص: 320


1- طه. الآية 121.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة هود. الآية 24.
3- والفضل ما شهدت به الأعداء.

الذين شهد رسول اللّه بعلمهم واجتهادهم وأمانتهم ، وهم يذكرون الأشياء من الأئمّة ويمزجون كلّ ما ينقلون عنهم بألف كذبة كالكهنة السّامعة لأخبار الغيب ، ونحن لا نرويه ولا ننقله إلّا بالأسانيد الصّحيحة الصّريحة المعتبرة المعتمدة ، والحمد لله على ذلك التّوفيق «انتهى».

أقول : في جميع ما أتى به النّاصب الفضول في الفصول الاستفهاميّة من تقرير مذهب أهل السّنة وتقرير مذهب الإماميّة تمويهات وإطلاقات وإجمالات ، لو كشف عنها وفصّل ، لحكم كلّ مؤمن ومشرك بأولويّة مذهب الإماميّة ، أما ما ذكره من تقرير مذهب الأشاعرة في الفصل الأوّل بقوله :هو خالق كل الأشياء ، فلأنّ فيه إطلاقا ينصرف الذّهن منه من حيث لا يشعر إلى الفرد الكامل أعني ما يستحسنه العقل ، فلو قيل لذلك المشرك المتحيّر المستجير : إنّه خالق لكلّ الأشياء حتّى السّرقة والزّنا واللّواطة والكذب ونحوها من القبائح والفواحش ، لا نقبض طبعه من ذلك واستنكره عقله ، ولو عدّله (1) في جملة أفعال اللّه تعالى الشّرك الذي هو فيه ، لتزيّن ذلك في قلبه وفترت رغبته في تحقيق دين الإسلام ، وأيضا فعندهم أنّ القرآن غير (2) مخلوق وهو شيء ، فإن قالوا : إنّ هذا ممّا خصّه الدّليل ، قلنا : وكذلك أفعال العباد خصّها الدّليل ، وكذا الكلام في قوله : لا يجرى في ملكه الا ما يشاء ، فانّه لو ذكر له أنّه يشاء تلك القبائح والفواحش لفزع (لفرغ خ ل) وارتدع ، وكذا القول في قوله : يحكم بما يريد ، فانّ إرادة القبائح والحكم بها قبيحة أيضا عند المشرك إن لم يكن معزولا عن العقل كالنّاصب وأصحابه.

ص: 321


1- كما تقتضيه قاعدة الاشاعرة اى كون الأمر والنهى من جملة أفعال اللّه تعالى. منه «قده»
2- قد سبقت مسألة الاختلاف في مخلوقية القرآن بين أهل السنة وذكرنا هناك الأقوال من أعلام الاشاعرة والمعتزلة والامامية والزيدية فليراجع.

وأما قوله : لا شريك له في الخلق ، ففيه إجمال مخلّ بديانة النّاصب ، لأنّ المشرك السّامع لقوله : لا شريك له في الخلق يفهم من الشّرك حقيقتها ، لا ما قصده الأشاعرة من أنّ حكم أهل (1) العدل بكون العبد فاعلا لأفعاله يوجب إثبات الشّريك له تعالى ، فانّه لو اطلع على هذا المقصود وعلم أنّهم مع الحكم بكون العباد فاعلين لأفعالهم ، يحكمون بأنّ العباد أنفسهم مخلوقون له تعالى ، وأنّ قدرتهم وتمكينهم على أفعالهم إنّما هي من اللّه تعالى ، وتصرّفهم ليس على وجه المقاهرة والمغالبة مع الباري تعالى ، بل لأنّه لمّا كان التّكليف ينافيه الجبر خلّى بينهم وبين أفعالهم ، لما عدّ ذلك شركا حقيقة ، ولا مجازا ، فإجمال النّاصب هاهنا وعدم بيانه لما أراده من الشّرك الذي نسب القول به إلى أهل العدل تضمنّا غشّ وتلبيس كما لا يخفى.

وأما قوله : ولا تسقط ورقة ولا تتحرك نملة إلّا بحكمه «إلخ» فهو من فضول الكلام ، لأنّ الإماميّة إنّما قالوا : بفاعليّة العباد المكلّفين لأفعالهم ، لا بفاعليّتهم لسائر الجواهر والأعراض والحيوان والنّبات والجماد وحركاتها وسكناتها ، فإنّ فاعليّته تعالى في خلق الجواهر والأعراض المختصّة به أمر اتفاقي بين أهل الإسلام.

وأما قوله : وأفعاله جملة حكمة وصواب ، فهو من قبيل ( يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) (2) ، فانّ قدماء الأشاعرة لم يقولوا بذلك كما ذكرناه سابقا ، وإنّما ذكره بعض المتأخّرين (3) منهم لضيق الخناق (4) عليه عند

ص: 322


1- وهم الامامية والمعتزلة والزيدية وغيرها.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران. الآية 167.
3- هو المولى الميرزا جان الباغنوى الشيرازي صاحب حاشية شرح حكمة العين.
4- قد مر معنى هذه الكلمة.

مناظرة أهل العدل.

وأما ما ذكره من أنه لا قبيح في فعله فهو كذب ، لأنّ قولهم هذا مبنيّ على ما قالوه : من أنّ صدور القبائح الواقعة في العالم منه ليس بقبيح ، ولو علم المشرك المستجير أنّهم نفوا القبيح بهذا المعنى لا ستقبح رأيهم ولا مهم في ذلك.

وأما قوله : ولا يجب عليه شيء ، فكان يجب عليه أن يذكر أنّ الوجوب المنفيّ بمعنى إيجاب غيره شيئا عليه وأنّ ما ضمّنه ، من الإشارة إلى أنّ الاماميّة يوجبون على اللّه تعالى شيئا هو بمعنى إيجاب اللّه تعالى على نفسه شيئا بمقتضى حكمته بإيصال ما وعده من الثّواب إلى عباده ، كما دلّ عليه قوله تعالى : ( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (1) فانّه لو سمع المشرك هذا التّفصيل فلا ريب أنه يرجح مذهب الاماميّة ، إذ على هذا يحصل له الوثوق على نيل ما وعده ربّه من الثّواب لا على مذهب من ينفي الإيجاب ، ويقول : جاز أن يدخل المطيع في النّار والعاصي في ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) (2).

وأما ما ذكره من أنّ كلّ ما يفعل في العباد من إعطاء الثّواب وإجراء العقاب فهو تصرّف في ملكه ، فلا وجه لذكره في متفرّدات أهل السّنّة ، إذ لا خلاف للإماميّة في ذلك (3) ، ولعلّه لمّا لم يجد النّاصب من مذهب أصحابه شيئا معقولا يرغب به (فيه ظ) العاقل ويوجب استمالة المشرك المستجير التجأ إلى ذكر ما شارك فيه سائر المذاهب : وأما قوله : ولا يتصوّر منه ظلم ، ففيه أنّه كاذب في ذلك ، فانّ الأشاعرة

ص: 323


1- الانعام. الآية 12.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة البقرة. الآية 25.
3- إذ هي مما دلت عليه الأدلة العقلية والشواهد السمعية بحيث ألحقتها بالأمور البديهية.

قائلون : بصدور القبائح عنه تعالى كما مرّ بيانه ، وهذا عين الظلم ، وإنما الحاكم بذلك حقيقة أهل العدل دونهم.

وأما قوله : ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) ، فهم يعنون به أنّ اللّه تعالى مالك الملك ، وله التّصرف في ملكه بما يشاء فلا يسئل عنه فيما يفعل من الحسن والقبح ، وفيه أنّ كونه تعالى مالك الملك إنّما يلزم منه أن يتصرّف في ملكه ابتداء بما شاء بأن يخلق العبد أصمّ أو أبكم أو أكمه أو يخلق من أصناف الجواهر والأعراض ، من الحيوانات والنّباتات والمعادن ما شاء ، وأمّا إذا خلق العبد وكلّفه بفعل الحسن وترك القبيح ، ووعده بالثّواب على الأوّل وبالعقاب على الثاني ، فامتثل العبد وبادر إلى الطاعة ، لا يليق منه تعالى حينئذ التّصرف فيه بخلاف ما وعده بأن يدخل هذا العبد في النّار ويدخل (1) من عصاه في الجنّة ، كما أنّه لا يليق منّا بعد غرس الأشجار في الأراضي المملوكة لنا وحصول الثّمار منها على الوجه الأتمّ أن نأخذ فاسا (2) أو منشارا ، ونقطع تلك الأشجار بلا عروض حكمة ومصلحة ظاهرة تترجّح على إبقاء تلك الأشجار ، فانّ ذلك يعدّ ظلما وسفها وحماقة كما لا يخفى ، وكما إذا ملك إنسان عبدا مسلما فقتله من غير أن يحدث حدثا ، فانّ جميع العقلاء يعدّونه ظالما سفيها سفّاكا ، وبهذا ظهر أنّ الظلم ليس بمنحصر في التّصرف في ملك الغير بغير إذنه هذا ، وإنّما معنى قوله تعالى : ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) على ما ذهب إليه أهل العدل ، أنّه لما ثبتت حكمته تعالى وعدله في محكمة (3) العقل والنّقل ، فلا وجه لأن يسئل عن فعله إذا خفى وجهه ، كما لا يسأل المريض الطبيب الحاذق

ص: 324


1- وذلك لا ينافي عنوان التفضل منه تعالى على العاصي.
2- آلة معروفة لقطع الخشب وغيره ، وقد تترك الهمزة فيقال فاس ، والكلمة من المؤنثات السماعية : جمعها أفؤس وفئوس.
3- هو من باب إضافة المكان الى المكين.

عن حقيقة الدّواء الذي ناوله إيّاه ، ولا عن كيفيّة مناسبته لمزاجه وتأثيره في دفع مرضه.

وأما قوله : ونحن نرضى بقضائه ، فهو أمر مشترك بين الفريقين(1) ، وأما حديث مغايرة القضاء والمقضيّ ، فقد سبق أنه ليس بمرضيّ فتذكر.

وأما ما ذكره في هذا الفصل في تقرير مذهب الإمامية من أنّ الإله الذي ندعوك إليه له شركاء في الخلق ، فقد سبق منّا بيان أنّ ذلك لا يستلزم وجود الشريك في الالوهيّة ، لاستناد الكلّ إليه ، وإليه يرجع الأمر (2) كلّه.

وأما قوله : وهو الموجب الذي لا تصرّف له في الكائنات بالاختيار ، ففيه أنه افتراء على الإماميّة وسائر أهل العدل ، لأنّهم قائلون : بأنّ تصرّفه تعالى في أفعاله المخصوصة به من خلق السّماوات والأرض والجواهر والأعراض بإرادته واختياره ، وأنّ أفعاله تعالى تنقسم إلى ثواب وعوض وتفضّل ، وحكمته تقتضي أن لا يخلف وعده ويأتي بما وعد عبده من الثّواب ، وعدله يقتضى إعطاء العوض لا أنّه تعالى مجبور على ذلك ، ولا أنّ غيره أوجب عليه شيئا من ذلك ، والوجوب بالمعنى المذكور لا يقتضي الإيجاب وسلب الإختيار كما في صدور الإحراق من النّار ، ولا يلزم أيضا أن يكون وجوب الثّواب عليه كالدّين ، ولو سلّم فنلتزم أنّ ما وعده الكريم لغيره يكون عليه كالدّين ، وكما أنّ المكلّف لا يكون في أداء الدّين مجبورا موجبا ، كذلك لا يكون اللّه سبحانه في إيصال ما وعده إلى عبده مجبورا موجبا.

وأما ما تضمن كلامه من نسبة الرّغبة إلى اللّه تعالى فهو ممّا تفوّه به إمام النّاصب

ص: 325


1- وكفى في ذلك ما ورد في أخبار أهل البيت والادعية المأثورة عنهم من الدعاء الى اللّه والسؤال عنه الرضا بقضائه وقدره.
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة هود. الآية 123.

أحمد بن حنبل وأتباعه من المجسّمة ، وأما الامامية فحاشاهم (1) عن التّفوّه بذلك ، وأما قوله : ليس له أن يتفضّل ويتجاوز بفضله عن الذّنب ، فافتراء على الإماميّة ، إذ عندهم أنّ خلف الوعد قبيح دون خلف الوعيد ، لأنه كرم ورحمة ، ولهذا أثبتوا العفو والشّفاعة ، قال المحقّق الطوسي طيّب اللّه مشهده في كتاب التجريد (2) : والعفو واقع لأنه حقّه تعالى ، فجاز إسقاطه ولا ضرر عليه في تركه فحسن إسقاطه ، ولأنه إحسان ، وللسّمع والإجماع على الشّفاعة «إلخ».

وأما قوله : ولم يجر عليه قضاء سابق وعلم متقدم «إلخ» ، فهو افتراء بلا امتراء أيضا ، لأنهم إنّما ينكرون القضاء بمعنى الخلق الشّامل لخلق أفعال العباد ، وأما القضاء بمعنى الإيجاب فصحيح عندهم في الأفعال الواجبة ، وبمعنى الإعلام والتّبيين صحيح مطلقا ، كما صرّح به المحقق قدس سرّه في التجريد والمصنّف طاب ثراه في تصانيفه ، ومثّلوا للمعنى الأوّل من الأخيرين بنحو قوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (3) وقوله تعالى : ( نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ) (4) وللمعنى الثّاني منهما بنحو قوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ) (5) الآية وقوله تعالى : ( إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (6) أى أعلمناه بذلك وكتبناه في اللوح المحفوظ ، فعلى الاول تكون الواجبات بقضاء اللّه

ص: 326


1- إذ ترى الامامية أولوا كل ما أسندت اليه تعالى من الرغبة والميل والحب وغيرها صونا وتنزيها لساحته المقدسة عن مناسبات عالم الناسوت من الجسمانيات والنفسانيات.
2- فراجع شرح التجريد للعلامة المصنف «قده» (ص 262 ط قم).
3- الاسراء. الآية 23.
4- الواقعة. الآية 60.
5- الاسراء. الآية 4.
6- النمل. الآية 57.

وقدره ، وعلى الثاني يكون جميع الأفعال بالقضاء والقدر ، وقد أشار إلى هذا مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في حديثه المشهور المذكور في التّجريد (1) وغيره ، وسنذكره في موضعه اللّائق به عن قريب إن شاء اللّه تعالى ، وبالجملة أنّ القضاء والقدر يستعملان في معان بعضها في حقّه تعالى صحيح ، وبعضها فاسد ، وكلّ لفظة حالها هذه لا يجوز إطلاقها لا بالنّفى ولا بالاثبات ، لإيهام الخطاء ، فلا يجوز إطلاق القول بأنّ أفعال العباد بقضاء اللّه وقدره لإيهامه معنى الخلق والأمر الذي قال به المجبرة ، ولا إطلاق القول : بأنّها ليست من قضائه وقدره لإيهامه زوال العلم والكتابة والاخبار ونحو ذلك ممّا هو صحيح في حقّه تعالى ، وكذا الكلام في كلّ لفظة هذا سبيلها من المشتركات لا بدّ فيها من التّقييد بما يزيل الإيهام (الإبهام خ ل) هذا ، وروي عن الحسن البصري (2) : أنّ من المخالفين قوما يقصرون في أمر دينهم ويعملون فيه بزعمهم على القدر ، ثمّ لا يرضون في أمر دنياهم إلّا بالجدّ والاجتهاد في الطلب والأخذ بالحزم ، فإذا امر أحدهم بشيء من أمر الآخرة قال : لا أستطيع ، قد جفّت الأقلام وقضي الأمر (3) ولو قلت له ، لا تتعب نفسك في طلب الدّنيا وقها (4)مشاقّ الأسفار والحرّ والبرد والمخاطرة ، فانّه سيأتيك ما قدر لك ، ولا تسق زرعك ولا تحرسه ، ولا تعقل بعيرك ، ولا تغلق باب دارك ، ولا تلتمس

ص: 327


1- فراجع شرح التجريد للعلامة المصنف «قده» (ص 194 ط قم)
2- هو حسن بن يسار أو حسن بن جعفر أبو سعيد البصري من مشاهير التابعين واحد الزهاد الثمانية توفى سنة 110 وكان واصل بن عطاء رئيس المعتزلة من تلاميذه ، امه خيرة محررة ام سلمة ام المؤمنين ، وبالجملة الرجل ممن تذكر أقواله في التفسير والكلام والحديث.
3- ويضاهيه بالفارسية (قلم اينجا رسيد سر بشكست)
4- صيغة امر من وقى يقي.

لغنمك راعيا ، فانه لا يأتيك في جميع ذلك إلّا ما قدّر لك ، لأنكر ذلك عليك ولما رضي به في أمر دنياه ، وقد كان أمر الدّين بالاحتياط أولى ، ومن اللّطائف ما حكى عن عدليّ ، أنّه قال : لمجبر إذا ناظرتم أهل العدل قلتم بالقدر وإذا دخل أحدكم منزله ، ترك ذلك لأجل فلس ، قال وكيف؟ قال : إذا كسرت جاريته كوزا يساوي فلسا ضربها وشتمها ونسى مذهبه ، وصعد سلام (1) القاري المأذنة ، فأشرف على بيته فرأى غلامه يفجر بجاريته فبادر بضربهما ، فقال الغلام : القضاء والقدر ساقانا ، فقال : لعلك بالقضاء والقدر أحبّ إلىّ من كل شيء أنت حرّ لوجه اللّه تعالى ، ورأى شيخ بإصبهان رجلا يفجر بأهله ، فجعل يضرب امرأته وهي تقول : القضاء والقدر ،

ص: 328


1- والظاهر أنه اشتباه ، إذ القضية منقولة عن سلام القاضي كما سمعناها من مشايخنا لاسلام القاري المقري الذي كان من الثقات وأجلاء المسلمين وهو أبو المنذر سلام بن سليمان الطويل المزني مولاهم البصري ثم الكوفي القاري الشهير المتوفى سنة 171 ذكره الشيخ شمس الدين الجزري المتوفى سنة 833 في كتاب غاية النهاية (ج 1 ص 309 ط مصر) قال : انه أخذ القراءة عن عاصم بن أبى النجود وأبى عمرو بن العلاء وعاصم الجحدري وشهاب بن شريفة (شرنفة خ ل) والحسن بن ابى الحسن في قول وعن يونس بن عبيدة وابن جريح وابن أبى مذيك وابن أبى مليكة وصدقة بن عبد اللّه ابن كثير وسفيان بن عيينة ومسلم بن خالد. قرء عليه يعقوب الحضرمي وهارون بن موسى الأخفش وابراهيم بن حسن العلاف وأيوب بن المتوكل ذكره ابن حبان في الثقات وقال : ابو حاتم : صدوق الى أن قال في آخر كلامه : ومن قال : ان له من العمر مائة وخمسة وثمانين سنة فقد أبعد أقول : وذكره علماء التجويد في جملة الرواة عن عاصم وأثنوه بالورع وقوة الضبط والإتقان والسداد. ثم ان سلاما بفتح السين وتخفيف اللام ، ومن المغفلين في أمر التراجم من جعل اللام مشددة ، فلا تغفل.

فقال : يا عدوة اللّه أتزنين وتعتذرين بمثل هذا ، فقالت : اوّه تركت السّنة وأخذت مذهب ابن عبّاد الرّافضي : فتنبه وألقى السوط وقبل ما بين عينيها واعتذر إليها ، وقال أنت سنّيّة حقا ، وجعل لها كرامة على ذلك.

وأما قوله : وله الشركاء في الخلق فتكرار بارد قد مرّ ما فيه ، ثم ما ذكره في الفصل الثّاني من تقرير عقائد الأشاعرة بقوله : إنّه تعالى حاكم قادر مختار ، يكلّف الناس ما شاء ، لأنّه يتصرّف في ملكه فهو تكرار لما ذكره في الفصل الأول مع أدنى تغيير في اللّفظ ، وإنّما ارتكب ذلك لخلوّ كيس مذهبه عن النّقد الذي يروج على النّاقد البصير.

وأما قوله : ولا يمتنع عليه أن يكلّف فوق الطاقة ، فالظاهر أنّه لو سمعه المشرك المستجير لأصرّ في الإنكار ، وأخذ طريق الفرار ، ولم يعتمد بعد ذلك على ضمان الأشاعرة له بعدم الوقوع ، فلا يسمن ولا يغني من جوع (1) وأما ما ذكره في تقرير مذهب الإماميّة ، من أنّهم قالوا : يجب عليه أن يكلّف النّاس حسب طاقتهم فمن البيّن أنّه أقوى في رغبة المكلّفين من القول : بتكليفهم فوق طاقتهم كما عرفت ، وأما ما ذكره من أنّهم يقولون : ليس له التّصرف فيهم فكذب صريح ، لأنهم يقولون : بأنّ خلقهم وإقدارهم وتمكينهم وحياتهم ومماتهم وإبقاءهم وإفناءهم ونحو ذلك كلّه من اللّه تعالى فكيف تصحّ نسبة نفى تصرّفه تعالى في عباده إليهم؟ نعم إنّهم ينفون تصرّفه تعالى في القبائح والفواحش الصّادرة من العباد ، وهذا تنزيه لائق بكماله سبحانه وتعالى ، وقد أضاف اللّه تعالى ورسوله والسّلف مثل ذلك إلى إبليس وأعوانه (إغوائه خ ل) وقد روي عن أبي بكر (2) أنّه قال في مسألة

ص: 329


1- قد مر أنه اقتباس من القرآن.
2- فراجع شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد (الجزء 4 ص 183 ط مصر) قال : ما محصله : ان أبا بكر لم يكن يعرف الفقه واحكام الشريعة فقد قال في الكلالة : أقول فيها برأيى فان يكن صوابا فمن اللّه وان يكن خطأ فمنى. ورواه الطبري في تفسيره (ج 4 ص 177) عن الشعبي قال : قال أبو بكر رضى اللّه عنه : انى قد رأيت في الكلالة رأيا فان كان صوابا فمن اللّه وحده لا شريك له وان يكن خطأ فمنى والشيطان ، واللّه منه بريء : ان الكلالة ما خلا الولد والوالد ، فلما استخلف عمر رضى اللّه عنه ، قال : انى لأستحيي من اللّه تبارك وتعالى أن أخالف ابا بكر في رأى رآه. ورواه البيهقي في سننه (ج 6 ص 223 ط حيدرآباد).

هذا ما رآه أبو بكر فان يكن صوابا فمن اللّه وإن يكن خطأ فمنّي ، ومن الشيطان واللّه ورسوله بريئان منه ومثله عن عمر (1) وابن مسعود (2) وهذا شيء لا ينكره إلّا مكابر على الحقّ ، وأما قوله يمتنع التكليف عليه حسبما أراد فليس يصحّ على إطلاقه لأنهم يقولون : إنّ اللّه تعالى يكلف عباده فيما يليق به حسبما أراد ولا يكلّفهم بما لا يليق

ص: 330


1- ويدل عليه ما نقلناه في الحاشية السابقة عن تفسير الطبري (ج 4 ص 177) وعن سنن البيهقي (ج 6 ص 223 ط حيدرآباد).
2- ويدل عليه ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده (ج 1 ص 447 ط) قال : حدثنا عبد اللّه حدثني ابى ثنا محمد بن جعفر قال : الرجل يتزوج ولا يفرض لها يعنى ثم يموت. ثنا سعيد عن قتادة عن خلاس وأبى حسان الأعرج عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود أنه قال : اختلفوا الى ابن مسعود في ذلك شهرا أو قريبا من ذلك فقالوا : لا بد من أن تقول فيها قال : فانى اقضى لها مثل صدقة امرأة من نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة ، فان يك صوابا فمن اللّه جل وأن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان ، واللّه عجل ورسوله بريئان ، فقام رهط من أشجع فيهم الجراح وابو سنان ، فقالوا : نشهد أن رسول اللّه قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق بمثل الذي قضيت ، ففرح ابن مسعود بذلك فرحا شديدا حين وافق قوله قضاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) . ورواه البيهقي في السنن ( ج 7 ص 246 ط حيدرآباد) مثله.

به من القبائح والفواحش ، وهذا أيضا عين التنزيه والتقديس كما لا يخفى ، وأما ما ذكره في الفصل الثّالث من تقرير عقائد أهل السّنة بقوله : كل ما جرى في العالم تقديره وإرادته «إلخ» ففيه خلط ظاهر لأنّهم إنّما ينفون إرادة اللّه تعالى للقبائح كما مرّ لا لسائر ما في العالم ، ثمّ إنّهم إنّما ينفون التّقدير بالمعنى الشامل لخلق أفعال العباد ، لا بمعنى خلق أفعاله تعالى المخصوصة به المتفرد في إيجادها ولا بمعنى الإيجاب والإعلام كما مرّ بيانه عن قريب.

وأما ما ذكره من أنّ الخير والطاعة برضاه وحبّه ، والشّر والمعصية بغير رضاه فمتّحد مع مقالة الإماميّة ، وإنّما الفرق في أنّ الاماميّة ينفون إرادة اللّه تعالى للشّرور والمعاصي ، والأشاعرة لا ينفونه ، ويفرّقون بين الإرادة والرّضا كما مرّ مع بيان بطلانه.

وأما ما ذكره من أنّ الاماميّة يقولون : إنّه تعالى مغلول اليد فيجب عليه أن يحبّ الخير ، ففيه أنّ مغلول اليد لا يحبّ الخير ، فكيف تقول الإماميّة : إنه تعالى مغلول اليد؟ ثمّ يفرّعون عليه وجوب حبّ الخير ، وأما قوله : ولا يخلق الشر «إلخ» فتكرار لما مرّ منه عجزا واضطرارا.

وأما ما ذكره في الفصل الرّابع من تقرير مذهب أهل السّنة بقوله : وهل الأولى أن يقال : إنه تعالى لا تشبهه الأشياء ولكن له صفات تأخذ معرفتها أنت من صفات نفسك «إلخ» ففيه أنّ القول بأنّه تعالى لا تشبهه الأشياء مشترك بين أهل الإسلام.

وأما ما ذكره من معرفته تعالى بصفاته بالقياس إلى معرفة أنفسنا من صفاتها ، ففيه أنّ معرفة الذّات في الواجب تعالى والممكن لا تحصل من نفس الصفات ، بل من نتائجها وثمراتها ، وقد قالت الإماميّة وسائر أهل التّوحيد والعدل : بحصول تلك النتائج والثمرات من نفس الذّات ، فأمكن معرفة الذّات من غير القول بما يؤدّي إلى الشّرك من قيام الصفات القديمة ومغايرتها للذّات ، وبهذا ظهر أنّ ما نسبه بعد

ص: 331

ذلك إلى الاماميّة بقوله : أو يقال : إنّه لا صفات له «إلخ» حقّ لا ريب فيه فلا تغفل.

وأما ما ذكره في الفصل الخامس من تقرير مذهب أهل السّنة بقوله : هل الأولى أن يقال : إن اللّه تعالى عالم بعلم أزلي قادر بقدرة أزليّة «إلخ» فالاماميّة مشاركون معهم في ذلك ، غاية الأمر أنّهم يحكمون بأنّ تلك الصفات الأزلية عين ذاته ، بمعنى أنّ الذّات نائب عنها في صدور نتائجها وثمراتها منه ، لا أنّها مغايرة زائدة عليه قائمة به ، كما قال به أهل السّنة ، ليلزم ما مرّ من إثبات قدماء سوى اللّه تعالى كما لزم النصارى في إثباتهم للأقانيم (1) الثلاثة ، واما الكلام النفسي فقد مرّ أنّه غير معقول(2) فلا يعقله المشرك المستجير أيضا ويتحير وينسب بناء دينهم إلى التعمية والإلغاز ، وحاشا أن يتحير المؤمن والمشرك إن لم يشارك الأشاعرة في قلّة الشّعور فيما قاله الإماميّة من أنّه تعالى عالم بلا علم زائد ، وقادر بلا قدرة زائدة ، ومريد بلا إرادة زائدة ، بل عالم بعلم هو عين الذّات ، قادر بقدرة هي عينه ، مريد بارادة كذلك ، إلى غير ذلك ، ولو فرض توقّفه في الجملة فنوضحه له بالضّوء والمضيء حتى يصير واضحا له كضوء النّهار : وأما ما ذكره في الفصل السّادس من تقرير مذهب أهل السّنة بقوله : هل الأولى أن يقال : إنّه تعالى مرئي يوم القيامة لعباده «إلخ» فهو تكرار لما ذكره المصنّف سابقا إثباتا ونفيا ، فلا وجه لإعادته ، ثمّ كيف يزداد

ص: 332


1- قد مر تفصيل المراد بالأقانيم التي اتخذتها النصارى ، فليراجع.
2- إذ غاية ما تشبث به الناصب الأشعري في إثباته هي الألفاظ المتخيلة باصطلاحهم المزورة في النفس وقد دريت سابقا أنها ليست بخارجة عن العلم بقسميه وعن الإرادة والكراهة وسائر الكيفيات النفسانية ، مع أن الاشاعرة قائلون بان الكلام النفسي مغاير لهذه كلها والجواب الشافي الاحالة الى الوجدان ، وهو نعم الحكم المنصف الذي وهبه اللّه لعباده ليقضى بينهم بالعدل ، وبئس حال من لم يلتفت الى تلك الموهبة وعقل عقله بعقال الشبه السوفسطائية والتزم ما ليس بمعقول ولا متصور.

شغف المشرك المستجير بقولهم : إنّه تعالى يرى يوم القيامة بعد ما ذكروا له أنّه يرى بلا كيف (1) وكيف يعقل ذلك مع أنّ القائلين به لم يعقلوه إلى الآن (2)وإنما هو كلام غير معقول المعنى تستّروا به عن شنع الورى عليهم باستلزام مذهبهم للحكم بجسميته تعالى كما مرّ نقلا عن صاحب الكشّاف أيضا. ثمّ هل الكشف التّام الذي قال به الاماميّة أدون من الرّؤية بلا كيف؟ ومن العجائب تشنيع النّاصب الشّقي على أهل العدل بنفي الرّؤية مع اعتراف إمامه الرّازي بالعجز عن إثباتها (3) ، كما ذكره في كتاب الأربعين مكرّرا والحمد لله.

واما ما ذكره في الفصل السّابع من تقرير عقيدة أهل السّنة بقوله : وهل الأولى أن يقال : إنّ أنبياء اللّه تعالى مكرمون معصومون من الكذب والكبائر ، فهو

ص: 333


1- قد مر أنه استقر اصطلاحهم على التعبير عما زعموه من رؤيته تعالى بلا كيف «بالبلكفة» وأنها مأخوذة من بلا كيف.
2- إذ كيف يعقل رؤية شيء غير مكيف بكيف من الطول والعرض والشكل واللون والجهة والصغر والكبر والقرب والبعد وغيرها من الخصوصيات والكيفيات المحسوسة بالبصر وسائر الحواس ، وهل الالتزام بالرؤية في هذه الصورة الا الالتزام بالمستحيل؟! عصمنا اللّه من الزلل.
3- حيث انه لما رأى أن الأدلة التي أقامها أصحابه على جواز الرؤية مما لا تسمن ولا تغنى من جوع. بل من كثرة ورود سهام الاعتراض عليها أصبحت كبيت الزنبور ، التجأ بحمل الرؤية على الكشف او غيره من المحامل الباردة. فراجع الى كلماته في كتاب الأربعين (من صفحة 198 الى صفحة 218 ط حيدرآباد) تجد بها ما يزيح؟ العلة من العليل ويروى الغليل ويصدق ما ذكره الشارح الشهيد «قده» من عجزه ، وهو امامهم في السمعيات والعقليات فكيف بغيره ممن ائتم به؟! (جائى كه عقاب پر بريزد - از پشه لاغرى چه خيزد).

مقالة أهل العدل ، وقد ذكرها المصنّف عند تقرير مذهب الاماميّة سابقا ، وأما أهل السّنة فهم لا ينزّهون الأنبياء عن الكبائر مطلقا ، بل بعد النّبوة (1) فقط على خلاف في ذلك بينهم ، وأمّا قبل النّبوة فقد مرّ أنّهم جوّزوا صدور سائر (2) الكبائر عليهم حتّى الكفر ، وسيجيء ما يزيد ذلك بيانا في مسألة النّبوة إنشاء اللّه تعالى.

واما ما ذكره بقوله ولكنّهم بشر لا يؤمنون وقوع الصّغائر عنهم فلا تيأس أنت من عفو اللّه تعالى «إلخ» ، ففيه أنّ اللّه تعالى قد بشّر المذنبين بعدم اليأس والقنوط من رحمته بقوله و ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ ) (3) فأى حاجة في ذلك إلى إثبات الذّنب للمعصومينعليهم السلام.

واما قوله في تقرير مذهب الاماميّة : من أنّهم يقولون : إنّ الأنبياء كالملائكة يستحيل عليهم الذّنب ، ففيه أنّ هذا كذب وافتراء ، وذلك لأنّ العصمة عندهم مفسّرة بملكة يخلقها اللّه في المكلّف لطفا منه بحيث لا يكون له داع إلى ترك طاعة وارتكاب معصية مع قدرته على ذلك ، كيف ولو كان الذنب ممتنعا عن المعصوم لما صحّ تكليفه بترك الذّنب؟ واللازم باطل اتّفاقا ، ويؤيده قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ ) (4) ، وقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ ) (5)

ص: 334


1- بل ذهب عدة من أكابرهم الى جواز صدور الذنب والمعصية من الأنبياء بعد التلبس بالنبوة ، وذهب بعضهم الى جواز صدور الكفر منهم ايضا ، وبعضهم الى جواز صدور ما ينبئ عن خسة النفس ، وان شئت ان تكون ابا بجدة هذا الشأن فعليك بالمراجعة الى ما لفقه الجاحظ في باب النبوة ، وغيره في غيره.
2- السائر بمعنى الجميع مأخوذ من سور البلد.
3- الزمر. الآية 53.
4- فصلت. الآية 6.
5- الاسراء. الآية 23.

إلى غير ذلك مع النّصوص ، واما ما ذكره من أنّه إذا سمع المشرك المستجير بشيء من ذنوب الأنبياء كما جاء في القرآن ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) (1) يتردّد في نبوة آدم ، لأنّه وقعت منه المعصية ، فلا يكون نبيّا ففيه أنّ هذا التردّد لازم له ، سواء قيل بعصمة الأنبياء كقول الاماميّة أو بعدمها كقول أهل السّنة ، فانّه إذا ارتكز في طبعه أنّ غير المعصوم لا يصلح للنّبوة فسمع الآية المذكورة يحكم بنفي نبوة آدم ، سواء قال له أهل السّنة إنّه لا يجب عصمة النبيّ ، أو لم يقل له ذلك ، لكن إذا رجع في تحقيق الآية إلى أحد من علماء الاماميّة وقيل له : إنّ المراد بعصيان آدم في تلك الآية صدور خلاف الأولي منه من الزلّات التي هي حسنات عند صدورها من غيرهم ، لأنّ حسنات الأبرار سيّئات المقربين (2) اطمئن قلبه واندفع تردّده،

ص: 335


1- طه. الآية 121.
2- هذه الجملة مما اشتهرت وذاعت في الألسن والنوادي والزبر والكتب بحيث زعمها ثلة من قليلي الاطلاع والاضطلاع في فنون علم الحديث خبرا مرويا صحيح السند بل قطعى الصدور عن النبي الأكرم ومنهم من نسبه الى أئمة اهل البيت عليهم السلام وما درى المسكين الغير المتوجه الى مسكنته في التتبع انه من الموضوعات كما نص على ذلك جماعة من ارباب التحقيق والتثبت منهم المحدث الشيخ اسماعيل العجلونى النقاد في الفن في الجزء الاول من (كتاب المزيل ص 357 ط بيروت) وقال ما لفظه هو من كلام أبى سعيد الخزاز كما رواه ابن عساكر في ترجمته وهو من كبار الصوفية مات سنة مأتين وثمانين وعده بعضهم حديثا وليس كذلك (انتهى) وقال النجم رواه ابن عساكر ايضا عن أبى سعيد الخزاز من قوله ، وحكى عن ذى النون «انتهى» ومنهم الزركشي حيث عزاه في كتابه اللقطة الى الجنيد الصوفي «انتهى» ومنهم السيوطي في الموضوعات ومنهم الديبع الشيباني في كتاب تمييز الطيب من الخبيث ومن أصحابنا جماعة منهم العلامة المحقق الداماد في تعاليقه على هوامش الكافي ومنهم العلامة السيد أحد العاملي الصادقي ومنهم العلامة سلطان العلماء السيد حسين الحسيني المرعشي في تعاليقه على هوامش الكافي الى غير ذلك من مشاهير الفريقين وبعد هذا فمن العجب أن بعض الاصحاب صنف رسالة في شرح هذه العبارة زعما بأنها رواية مروية صحيحة ورأيت من اكابر الخطباء والعلماء من يدقق النظر في شرح المراد من هذه الجملة ولا غرو فكم له من نظير في الالسنة والكتب ثم ان بعض العرفاء قال الفرق بين المقربين وبين الأبرار ان المقربين الذين تركوا حظوظهم وإراداتهم واستعملوا واشتغلوا بحقوق مولاهم عبودية وطلبا لرضاه ، وان الأبرار هم الذين لم يتركوا حظوظهم وإراداتهم وأقاموا في الاعمال الصالحة ليجزوا على مجاهدتهم برفع الدرجات ، وأنت لو تأملت فيما ذكر لدريت سر عدم تعبير القاضي «قده» عن هذه الجملة بالرواية.

وأما ما ذكره في الفصل الثّامن من تقرير مذهب أهل السّنة بقوله : هل الأولى أن يقال له : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لما بعث إلى الناس تابعه جماعة من أصحابه «إلخ» ففيه إجمال وإبهام وحيلة يكشف عنها من حضر هناك من الإماميّة ، فيقول له ، نعم كان ممّن صحبه جماعة على تلك الأوصاف الحسنة ، لكن كان فيهم أيضا من كان ينافق في دين اللّه تعالى وصحبة نبيّه ، ويظهر الإخلاص والطاعة له طمعا في جاهه ولم يعيّن اللّه تعالى أحدا منهم في القرآن ، ولا سمّاهم بأسمائهم ، فلا يجوز الرّكون إلّا إلى من ثبتت استقامته بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله على متابعة الكتاب والسّنة وعدم ارتداده على أعقابه قهقرى (1)كما وقع عن قوم موسى في حياته ويدلّ حديث الحوض المذكور في البخاري (2) على وقوع ذلك من أصحاب نبيّنا بعد وفاته. واما ما ذكره من أنّهم أقاموا بعده بوظائف الخلافة ونشروا الدّين «إلخ» فلعل

ص: 336


1- الرجوع الى الوراء.
2- قد مضى حديث الحوض ومحل نقله.

الامامي الحاضر هناك يقول : إنّ الثلاثة الذين أقاموا بوظائف الخلافة من بين الصّحابة كانوا من المتّهمين بالنّفاق في زمان النّبي صلى اللّه عليه وآله فغصبوا الخلافة بعده عمّن نصّ اللّه تعالى ورسوله عليه بذلك ، ولهذا تبرّأ عنهم الإماميّة من امّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، والحاصل أنّ هؤلاء وإن كانوا من أصحاب النّبي صلى اللّه عليه وآله ومنتسبين إلى الإسلام وإلى نصرته ، لكنّهم كانوا أعداء له في الحقيقة وإنّما كانوا يظهرون شيئا من شعائر الإسلام ، لما رأوا انتظام رئاستهم الباطلة في ذلك وكانوا يخرجون عداوة الإسلام وأهله في كلّ قالب يظن الجاهل أنّه علم وإصلاح وورع وصلاح ، وهو غاية الجهل والإفساد ، والبعد عن الفوز والفلاح ، فكم من ركن للإسلام قد هدموه ، وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخرّبوه ، وكم من علم له قد طمسوه (1) ، وكم من لواء مرفوع له قد وضعوه ، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام ، في دعاء صنمي قريش (2) ، بقوله : اللّهم العن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك وعطلا أحكامك وأبطلا فرائضك وألحدا (3) في آياتك وعاديا

ص: 337


1- الطموس : الدروس والامحاء.
2- أورده العلامة المجلسي في باب القنوت من كتاب الصلاة من مجلدات البحار ونقل هناك فوائد عن كتاب رشح الولاء في شرح الدعاء للشيخ الجليل اسعد بن عبد القاهر بن الأسعد الاصبهانى ، ثم اعلم أن لأصحابنا شروحا على هذا الدعاء (منها) الرشح المذكور (ومنها) كتاب ضياء الخافقين لبعض العلماء من تلاميذ الفاضل القزويني صاحب لسان الخواص (ومنها) شرح مشحون بالفوائد للمولى عيسى بن على الأردبيلي وكان من علماء زمان الصفوية ، وكلها مخطوطة. وبالجملة صدور هذا الدعاء مما يطمئن به لنقل الأعاظم إياها في كتبهم واعتمادهم عليها.
3- ألحد : مال وعدل ومارى.

أوليائك وأحبا أعدائك وخربا بلادك وأفسدا عبادك ، اللّهم العنهما وأتباعهما وأوليائهما وأشياعهما ومحبيهما ، اللّهم العنهما فقد خربا بيت النبوة وألحقا سمائه بأرضه وعلوه بسفله وشاخصه بخافضه إلى آخر الدّعاء الشّريف المجرّب في قضاء الحاجات. هذا ، والحقّ لا يدفع بمكابرة أهل الزّيغ والتّخليط ، ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ، إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (1).

ولنعم ما قال بعض العارفين نظم :

گر رود اينجا بسى دعواى باطل باك نيست *** در قيامت قاضى روز جزا پيداست كيست

وأما ما ذكره في تقرير مذهب الإماميّة بقوله : أو يقال له هؤلاء الأصحاب بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خالفوه وكفروا «إلخ» ففيه إجمال وإخلال ، لأنّ الإماميّة لا يقولون : بمخالفة جميع الصّحابة للنّبي صلى اللّه عليه وآله بعد وفاته ، بل بمخالفة الثّلاثة أو السّتة أو التّسعة (2)كما مرّ. نعم قد تابعهم أكثر المهاجرين والأنصار في هذه الطامّة ، لما (3) أوقعوا في قلوبهم من الشّبه التي ستسمعها في مسألة الإمامة ، ثمّ تنبهوا ورجعوا فتابوا وأظهروا النّدامة ، وتمسّكوا بذيل صاحب الحقّ ، وفازوا بالكرامة. وأما ما ذكره من أنّ الأخذ عن أمير المؤمنين عليه السلام ليس ممّا

ص: 338


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران. الآية 120
2- وهم اصحاب السقيفة ، والترديد باعتبار اختلاف اهل السيرفي تعداد أصحاب السقيفة
3- بل التهديد والإنذار والوعيد من اصحاب السقيفة الزمهم على الاتباع وساقهم الى الموافقة ، كما تفصح عن ذلك كلمات ارباب السير والتواريخ ومن ذكر تلك الفتن والمحن التي وقعت بعد وفات رسول اللّه ص ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إليها.

يختصّ به الإماميّة دوننا ، فهو مما يقولونه بأفواههم واللّه يعلم ما في صدورهم (1) من بغضه عليه السلام بإخفاء فضائله وكمالاته وإنكارهم من اتّهم بمحبّته وموالاته ، والحمد لله الذي رزقنا محبّة نبيّنا المختار وأهل بيته الأطهار ، وصان مرائي قلوبنا عن غبار تودّد الأغيار ، ونسأله أن يحشرنا معهم في دار القرار ، وأن يعفو بحبهم ما صدر عنا من الآثام والآصار (2).

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الثاني في إثبات الحسن (3) والقبح العقلّيين ، ذهب (ذهبت

ص: 339


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران. الآية 167 وقوله تعالى في سورة النمل الآية 47 وغيرها من الآيات.
2- جمع الإصر بكسر الاول وسكون الثاني : الذنب.
3- ان ما يكون في الفعل الذي يمكن صدوره من الفاعل المختار امور مترتبة الاول الحركات والسكنات وهي ذات المعنون ، الثاني العنوان الاولى الطاري عليه كضرب اليتيم ، الثالث العنوان الثانوى الطاري عليه ثانيا ، وهو قسمان : قسم مقومه القصد وهو الذي يعبر عنه بالعنوان القصدى كالتأديب ، وقسم لا يتوقف تحققه على القصد كالايلام ، الرابع العناوين العارضة عليها بعد تعلق الأمر والنهى كالمأمور به والمطلوب والمنهي عنه ، الخامس العناوين العارضة عليها في مقام الامتثال كالاطاعة والعصيان. إذا عرفت ذلك فاعلم أن بعض المعتزلة التزم بالمصلحة والمفسدة الذاتيتين في الحركات والسكنات معنونة بالعنوان الاولى ، وذهب أصحابنا الى وجودهما في الأفعال بعد تعنونها بالعناوين الثانوية التي مر كونها قسمين ، وذهب الاشاعرة الى أنه لا مصلحة ولا مفسدة قبل تعلق الأمر والنهى ، وجعلوا الأمر والنهى مؤثرين في تحقق المصلحة والمفسدة خلافا لأصحابنا حيث جعلوا الأمر والنهى كاشفين عن وجود المصلحة والمفسدة ، واعلم أن بيننا وبينهم خلافا في موضعين «أحدهما» وجود الملاكين قبل تعلق الأمر والنهى «وثانيهما» كون الأمر والنهى كاشفين عندنا في غير المستقلات العقلية وأما فيها فهي ارشادية محضة خلافا لهم ، فإنهم يرونها مولوية محضة. (إزالة وهم) ان لأصحابنا في المصلحة والمفسدة اللتين هما ملاكا الاحكام عبائر مختلفة ، فمنهم من قال : ان الملاك المصلحة والمفسدة الذاتيتان ، ومنهم من قال : ان الملاك المصلحة والمفسدة الحاصلتان بالوجوه والاعتبار ، ومنهم من نفى صريحا كونهما ذاتيتين ، وأنت خبير بأن المراد واحد ، فمن قال انهما ذاتيتان عبر بذلك في قبال الاشاعرة اى ليستا بمتوقفتين على الأمر والنهى ، ومن نفى ذلك عبر بذلك في قبال بعض المعتزلة القائل بوجودهما قبل طرو العناوين الثانوية ، ومن عبر بكونهما بالوجوه والاعتبار رام بذلك أنهما ليستا بكامنتين في ذات المعنون اى الحركات والسكنات من حيث هي. هذا كله في المصلحة والمفسدة ، وأما الحسن والقبح فمن قائل : انهما ذاتيان ، ويظهر من مطاوى كلامه أن مراده المعنى المساوق للمصلحة والمفسدة الذاتيتين ، ومن قائل : انهما بالعرض ، ومراده حصولهما بعد تعلق الأمر والنهى كما يفصح عن ذلك كلام بعض الاشاعرة ، ومن ثالث جعلهما منوطين بعلم المكلف وعدمه بالمصلحة والمفسدة ، ومن رابع جعلهما بالوجوه والاعتبار. وأنت لو دققت النظر في هذه المحتملات التي ذكرت في ملاكات الاحكام ومسألة الحسن والقبح لرأيت أن الحق في باب الملاك ما أسبقناه من توقفه على عروض العنوان الثانوى كالتأديب في مثال ضرب اليتيم لا انه موجود في ذات المعنون ولا فيه معنونا بالعنوان الاولى ولا فيه بعد تعلق الأمر والنهى. والمحرى بالقبول في مسألة الحسن والقبح أنهما ثابتان في الأفعال مدركان بالعقل السليم والذوق المستقيم ، وليس الأمر كما يدعيه الأشعري من عزل العقل وعقاله عن ادراكهما فلاحظ وتأمل وانما أطنبنا الكلام لتتضح موارد الخلاف بين أصحابنا وبين مخالفيهم من الاشاعرة والمعتزلة في مسألتى الحسن والقبح وملاكات الاحكام لئلا يغتر الجامد بظواهر كلماتهم وليتبين لديه مواضع الخلاف حتى يحكم فيها وجدانه ، فانه نعم الحكم المودع من قبله سبحانه في عباده ، وفقنا اللّه تعالى للوقوف على ما هو الحرى بالقبول.

الإمامية خ ل) الإماميّة ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم

ص: 340

الحسن والقبح بضرورة العقل ، كعلمنا بحسن الصّدق النّافع وقبح الكذب الضّارّ ، فانّ كلّ عاقل لا يشكّ في ذلك ، وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السّبب ، وأنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية ، ومنها ما هو معلوم بالاكتساب أنّه حسن أو قبيح كحسن الصّدق الضّارّ وقبح الكذب النّافع ، ومنها ما يعجز العقل عن العقل بحسنه أو قبحه فيكشف الشّرع عنه كالعبادات(1). وقالت الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح شرعيّان ، ولا يقضي العقل بحسن شيء ولا قبحه ، بل القاضي بذلك هو الشّرع ، فما حسّنه فهو حسن ، وما قبّحه فهو قبيح وهو باطل بوجوه «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق أنّ الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة : الاول صفة الكمال والنّقص يقال : العلم حسن والجهل قبيح ، ولا نزاع في أنّ هذا أمر ثابت للصّفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل ولا تعلّق له بالشّرع. الثاني ملائمة الغرض ومنافرته وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة ، وذلك أيضا عقليّ أي يدركه العقل كالمعنى الأوّل. الثالث تعلّق المدح والثّواب بالفعل عاجلا وآجلا ، والذّم والعقاب كذلك ، فما تعلّق به المدح في العاجل والثّواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذّم في العاجل والعقاب في الآجل يسمّى قبيحا ، وهذا المعنى الثّالث محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعيّ ، وذلك لأنّ أفعال العباد كلّها ليس شيء منها في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ، ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشّارع بها ونهيه عنها ، وعند المعتزلة

ص: 341


1- وفي بعض النسخ المخطوطة بعد قوله كالعبادات هذه الجملة (مثل صوم آخر رمضان واول شوال فان الاول حسن والثاني قبيح).

ومن تبعهم من الامامية عقليّ كما ذكر هذا الرّجل ، هذا هو المذهب ، وكثيرا ما يشتبه على النّاس أحد المعاني الثّلاثة بالآخر ، ويحصل منه الغلط فتحفّظ عليه ، وإنّما كرّرنا ذكر هذا المبحث وأعدنا في هذا الموضع ليتحفّظ عليه «انتهى».

أقول : استثناء بعض المعاني الثّلاثة عن محلّ النّزاع من تصرّفات متأخّرى الأشاعرة فرارا منهم عن صريح الإفحام ، وقد أنطق اللّه تعالى النّاصب بذلك فيما سيجيء من المطلب العاشر حيث قال : إنّ الأشاعرة لم يقولوا بالحسن العقليّ أصلا ، وناهيك في ذلك أنّ كلام ابن الحاجب في مختصره خال عن ذلك ، وإنّما ذكره العضد الإيجي في شرحه له وفي كتاب المواقف (1) ، وناقض نفسه أيضا فيه كما سنبيّنه ، وتوضيح ذلك أنّ هاهنا أمرين بل أصلين ، أحدهما هل الفعل نفسه مشتمل على صفة اقتضت حسنه أو قبحه بحيث ينشأ الحسن والقبح منه فيكون منشأ لهما أم لا؟ والثاني أنّ الثّواب المترتب على حسن الفعل والعقاب المترتب على قبحه ثابت بل واقع بالعقل أم لا يقع إلّا بالشّرع؟

فذهب الاماميّة وسائر أهل العدل إلى إثبات الأمرين وتلازمهما ، والأشاعرة إلى نفيهما رأسا ، وجعلوا الأفعال كلّها سواء في نفس الأمر وأنّها غير منقسمة في ذواتها إلى حسن وقبيح ، ولا يتميّز القبيح بصفة اقتضت قبحه أن يكون (2)

ص: 342


1- وكثيرا ما يفعل ذلك صاحب المواقف حيلة للتخلص عن الشناعة ، وقد فعل مثل ذلك في المواقف في مسألة تكليف ما لا يطاق حيث جعل محل النزاع الممتنع بالغير دون الممتنع لذاته ، والتزم بذلك أن يكون أكثر أدلة أصحابه في هذا المقام نصبا للدليل على غير محل النزاع مع أن كلام العلامة الشيرازي في شرح المختصر ، بل كلام نفسه في ذلك المقام مناقض لما ذكروه في مقام التحرير كما سنوضحه إن شاء اللّه تعالى. منه «قده».
2- بحذف الجار قبل أن ، اى بان يكون ، فالجملة تفسيرية :

هو هذا القبيح ، وكذا الحسن فليس الفعل عندهم منشأ حسن ولا قبح ولا مصلحة ولا مفسدة ولا نقص ولا كمال ، ولا فرق بين السجود للشّيطان والسّجود للرّحمن في نفس الأمر ، ولا بين الصّدق والكذب ، ولا بين النّكاح والسّفاح ، إلّا أنّ الشّارع أوجب هذا وحرّم هذا ، فمعنى حسنه كونه مأمورا به من الشّارع ، لا أنّه منشأ مصلحة ، ومعنى قبح كونه منهيّا عنه منه ، لا أنّه منشأ مفسدة ، وهذا المذهب بعد تصوّره وتصوّر لوازمه يجزم العقل ببطلانه ، وقد دلّ القرآن على فساده في غير موضع ، وتشهد به الفطرة السّليمة وصريح العقل ، فإنّ اللّه فطر عباده على استحسان الصّدق والعدل والعفّة والإحسان ومقابلة النّعم بالشّكر ، وفطرهم على استقباح أضدادها ، ونسبة هذا إلى فطرتهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم ، وكنسبة رائحة المسك ورائحة النّتن إلى مشامهم ، وكنسبة الصّوت اللّذيذ وضدّه إلى أسماعهم ، وكذلك ما يدركونه بسائر مشاعرهم الظاهرة والباطنة ، فيفرّقون بين طيّبه وخبيثه ونافعه وضارّه. وقد أجاب بعض(1) المتأخّرين من نفاة التّحسين والتّقبيح : بأنّ هذا متّفق عليه ، وهو راجع إلى النّقص والكمال أو الملائمة والمنافرة بحسب اقتضاء الطباع وقبولها للشّيء وانتفاعها به ، ونفرتها من ضدّه ، وإنّما النّزاع في كون الفعل متعلّقا للمدح والذّم عاجلا والثّواب والعقاب آجلا ، وهذا هو الذي نفيناه وقلنا : إنه لا يعلم إلّا بالشّرع. وقال خصومنا : إنّه معلوم بالعقل ، والعقل مقتض له ، وأنت خبير بما قرّرته لك من كلامهم بأنّ هذا الجواب مع كونه فرارا واضحا لا ارتباط له بدفع الأصل الأوّل أصلا ، لما مرّ من أنّ المتنازع فيه في هذا الأصل ، هو أنّ ما حسّنه الشارع وأمر به كان سابقا حسنا ، ثمّ أمر به أم لا ،

ص: 343


1- ولعل المراد به المولى جلال الدين الدواني أو الميرزا جان الباغنوى الشيرازي وقد مرت ترجمتهما.

ونحن نقول : نعم وهم يقولون لا ، بل لمّا أمر به الشّارع صار حسنا ، وإثبات حسن الفعل وقبحه بمعنى النّقص والكمال وموافقة الطبع ومنافرته بل بأىّ معنى كان مناف لذلك كما لا يخفى. وقد اعترف بذلك صاحب المواقف فيما نقله عنه النّاصب سابقا في مبحث صدق كلامه تعالى من قوله : واعلم أنّه لم يظهر لي فرق بين النّقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه ، فانّ النّقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه فيها ، وإنّما تختلف العبارة «انتهى». وقد أوضحناه هنالك ودفعنا ما أورده النّاصب عليه فتذكر.

والحاصل أنّ الكمال والنقص يجريان في الأفعال ، وأنّ تسليم الحسن والقبح بهذا المعنى في الأفعال مستلزم للقول : بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه ، كما أشار إليه صاحب المواقف وغيره ، لأنّ بديهة العقل حاكمة بأنه لا يجوز من الحكيم الكامل النّهى عن الصّدق وجعله متعلّقا للعقاب ، والأمر بالكذب وجعله متعلّقا للثّواب ، فإنكار هذا يكون مناقضا للاعتراف بذلك ، وينقدح منه بطلان ما قالوا : من أنه أمر به فصار حسنا أو نهى عنه فصار قبيحا ، ويمكن أن ينبّه على ذلك بأنّ من رأى من أحد بعض الأفعال الحسنة عند العقل وجد من نفسه إقداما بالإحسان إلى فاعله إمّا بالمدح وإمّا بغيره ، بل يجعل الإحسان إليه حقّا ثابتا في ذمّته ، وإذا وجد ذلك من نفسه حكم يقينا بأنّ الجواد المطلق أحقّ بأن يجعل الإحسان إليه ، ولا سيّما بعد أمره بالأفعال المذكورة حقا ثابتا في ذمّته ، فيحسن إليه في الآجل إمّا باللّذات العقليّة والبدنيّة معا ، وإما باللّذات العقلية البحتة (1) وإما باللّذات البدنية الصّرفة ، وإمّا باعادته إلى شكل أفضل من الأوّل. وينقدح من ذلك أنّ الشّرع الصّريح والعقل الصّحيح في إدراك ما يستقلّ العقل بادراكه متوافقان متطابقان ، فانّ العقل الصّحيح الخالي عن شوائب الوهم حجّة من حجج

ص: 344


1- البحت من الشيء خالصه.

اللّه (1) ، وسراج منير إلهي ، والحجّة الإلهيّة غير داحضة (2) ، والسّراج الالهي لا يصير موجبا للضّلالة التي هي ظلمة. وما اشتهر من المخالفات بين قواعد الشرع ومقاصد العقل فيما بين النّاس ، فإما لأنّ الوهم تصرّف في قواعد العقل وأسقطه عن درجة الفطرة الالهيّة التي فطر النّاس عليها (3) ، وإمّا بواسطة أنّ حكم الشرع ليس معلوما ومنقّحا عند من ظنّ المخالفة ، ويحسب أنّ العقل مخالف لما ورد به الشّرع ، والحال أنّه ليس بعارف بحكم الشّرع والعقل فيما يظنّ المخالفة فيه. وقد مثّل الغزالي (4) هذا : بأنّ بيتا تكون فيه الأمتعة والأثاث موضوعا كلّ واحد في مكانه كالسّراج والثياب والكوز وما يكون في البيت ، فيدخل رجل أعمى في ذلك البيت ولا يرى مكان كلّ شيء من الأثاث فيتعثّر به ويسقط على وجهه ، ويقول : لأيّ شيء وضع هذا في غير مكانه؟ والحال أنّ كلّ شيء موضوع في مكانها ، ولكن هو أعمى ولا يرى الأمكنة فيحسب أنّ الأمتعة غير موضوعة في مكانها حتّى تعثّر بها ، ويقرب منه ما قال الشاعر نظم :

عاشق از بيطاقتى هر دم بجائى سر نهد *** عشق خوابش برده پندارد كه بالينش بد است

ص: 345


1- كما في الكافي في باب العقل حيث روى بسنده عن هشام بن الحكم ، قال : لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، يا هشام ، ان لله على الناس حجتين ، حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء ، وأما الباطنة فالعقول.
2- دحضت الحجة ، بطلت. ودحض الحجة : أبطلها. فالفعل مما يعدى ولا يعدى ، وكم له من نظير؟ ويشهد ما ذكرنا عقد القدماء من أهل العربية في كتبهم بابا معنونا يعدى ولا يعدى.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة الروم. الآية 30.
4- قد مرت ترجمته فليراجع.

وهكذا الذي يحسب أنّ الشّرع غير موافق للعقل ، لأنه لا يعلم ما عليه الشرع استقرّ ، وما عند أرباب العقل تقرّر ، فحسب التناقض والتّنازع ، وأمّا بواسطة التّعصّب ومجادلة أرباب العقل مع أصحاب النّقل ، فانّ بهذا يظهر الخلاف ويحصل التّنافي المانع عن الائتلاف ، وبعد طول التأمّل والإنصاف يظهر حقيقة الموافقة ويرتفع الإختلاف هذا. وإلى ما قرّرناه من تحقّق اللّزوم بين المعنيين قد أشار صاحب التوضيح من الماتريدية (1)في مقام المنع حيث قال : إنّ الأشعري يسلّم الحسن والقبح عقلا بمعنى الكمال والنّقصان ، ولا شكّ أن كلّ كمال محمود وكلّ نقصان مذموم ، وأنّ أصحاب الكمالات محمودون بكمالهم ، وأصحاب النّقائص مذمومون بنقائصهم ، فإنكار الحسن والقبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما يحمدا ويذّم الموصوف بهما في غاية التّناقض «انتهى كلامه».

وإذا جعل إشارة إلى ما قرّرناه يندفع عنه ما أورده عليه الفاضل التفتازاني (2) في التّلويح ، حيث قال بعد ذكر بعض المناقشات على صاحب التّوضيح : وأعجب من ذلك توضيحه سند المنع بصفات اللّه تعالى ، وأنه يحمد عليها ، وبكمالات الإنسان

ص: 346


1- وان شئت فراجع الى كتاب الروضة البهية لأبي عذبة من علماء الماتريدية في ما بعد القرن العاشر. وقد أسلفنا سابقا جهات الفرق بين فرقتي الماتريدية والاشاعرة وأوردنا هناك المسائل التي اختلفت فيها انظار تينك الفرقتين في الأصول والفروع بما لا مزيد عليه فراجع، ومراده من صاحب التوضيح المولى عبيد اللّه الملقب بصدر الشريعة ابن مسعود بن تاج الشريعة محمود المحبوبى الحنفي المتوفى سنة 747 العلامة المحقق في العلوم العقلية. وكتاب التوضيح في اصول الفقه وهو شرح على كتاب التنقيح من تآليف نفسه. ثم انه عقد كسائر المؤلفين القدماء في اصول الفقه بابا في الحسن والقبح العقليين.
2- قد مرت ترجمته فليراجع.

ونقائصه حيث يحمد عليها ويذمّ ، وادّعاؤه التّناقص في كلام الأشعري حيث جعل كلّ كمال حسنا وكلّ نقصان قبيحا مع أنه قرّر في أوّل الفصل : أنّ النّزاع في الحسن والقبح بمعنى استحقاق المدح والذّم في الدّنيا والثّواب والعقاب في الآخرة «انتهى كلامه». ووجه الدّفع أنّ التّناقض لازم من كلام الأشعري كما قرّرناه ، ولم يدّع صاحب التوضيح أنّ ذلك مستفاد من صريح كلام الأشعري أو ظاهره ، وذلك ظاهر جدّا. وأما المعنى الآخر الذي استثنوه أيضا عن محلّ النّزاع وهو ملائمة الغرض ومنافرته اللّتان قد يعبّر عنهما بالمصلحة والمفسدة كما في المواقف فهو من باب تحسين الطبع وتقبيحه دون العقل ، كما أشار إليه المصنّف قدس سره في النّهاية حيث قال : واعلم أنّ الأشاعرة يلزمهم نفى القبح بالكلية ، لأنّ الواقع (1) مستند إلى قدرته تعالى ، وكلّ ما يفعله اللّه تعالى عندهم فهو حسن ، فتكون أنواع الكفر والظلم وجميع القبائح الصّادرة عن البشر غير قبيحة ، واعتذارهم بأنّ القبح المعلوم بالضرورة إنّما هو القبح بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته ضعيف ، فانّ الظالم العاقل يميل طبعه إلى الظلم ، ومع ذلك فانّه يجد صريح عقله حاكما بقبحه (2) ، وأيضا من خاطب الجماد فأمره ونهاه لا ينفر طبعه عنه وهو قبيح قطعا ، ومن أنشأ قصيدة حسنة في شتم الأنبياء والملائكة عليهم السلام وقرأها بصوت طيّب حسن ، فانّه يميل الطبع إليه وينفر العقل منه ، فعلمنا المغايرة بين نفرتى العقل والطبع «انتهى». وأيضا لو كان الحسن والقبح عين النّفرة والميل الطبيعيّين لوجب اختلاف العقلاء في ذلك ، لأنّا نجدهم يختلفون فيما تميل إليه طباعهم وتنفر عنه ، ولم نجدهم يختلفون في حسن الصّدق وأمثاله

ص: 347


1- الالف واللام موصولة ، اى الفعل الذي وقع.
2- نعم قد لا يلتفت الى قبحه لكثرة غيظه وكونه في مقام التشفي أو اعمال مشتهياته وذلك لا ينافي حكمه بالقبح المرتكز في فطرته.

وقبح الكذب ونظائره ، وأيضا لو كان ذلك كذلك لسقط ذمّ العقلاء عمّن فعل قبيحا إذا اعتذر بموافقته لغرضه. وبالجملة ما اشتهر من تفصيل معنى الحسن والقبح على الوجوه الثّلاثة واستثناء بعضها عن محلّ النزاع مما استحدثه متأخّر والأشاعرة وجعلوه مهربا يلجئون إليه حين يضطرّهم حجّة أهل الحقّ إليه ، فيقولون : إنّ مثل حسن الإحسان وقبح الظلم متحقّق بأحد المعاني المذكورة ، لا بالمعنى المتنازع فيه ، ولم يتفطنوا بما ذكرناه من الاستلزام ، أو أغمضوا عنه ترويجا للمرام على القاصرين من الأنام هذا. ويدلّ على هذا الأصل من الأدلة التي لم يتعرّض لها المصنّف في هذا المقام ، قوله تعالى : ( وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ : إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) ؛ الى قوله : ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (1) ، فأخبر سبحانه أنّ فعلهم فاحشة قبل نهيه عنه وأمره باجتنابه ، والفاحشة هاهنا طوافهم بالبيت عراة الرّجال والنّساء إلّا بعض قريش (2) ، ثمّ قال اللّه تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) أى لا يأمر بما هو فاحشة في العقل والفطرة ، ولو كان إنّما علم كونه فاحشة بالنّهى ، وأنه لا معنى لكونه فاحشة إلّا تعلّق النّهى به ، لصار معنى الكلام : إنّ اللّه لا يأمر بما ينهى عنه ، وهذا ممّا يصان عن التكلم به آحاد العقلاء فضلا عن كلام العزيز الحكيم ، وأىّ فائدة في قوله : إنّ اللّه لا يأمر بما ينهى عنه ، كما يقتضى تفسيره به عند الأشاعرة ، فعلم

ص: 348


1- الأعراف من آية 28 الى آية 34.
2- وهم بنو عبد مناف كما ذكره بعض المورخين ، وقال بعض أهل السير : ان بنى مخزوم كانوا كنى عبد مناف في الاجتناب عن الشنائع المذكورة.

أنّ المراد أنه لا يأمر بما تستفحشه العقول كما يقتضيه رأى الاماميّة ومن تابعهم ، ثم قال تعالى : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) ، والقسط عند الأشاعرة يلزم أن يكون هو المأمور به لاما هو قسط في نفسه ، فحقيقة الكلام قل أمر ربي بما أمر به ، ثمّ قال : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (1) ، دلّ على أنّه طيّب قبل التّحريم ، وأنّ وصف الطيّب فيه مانع من تحريمه ، فتحريمه مناف للحكمة ، ثمّ قال : ( إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ) (2) ولو كان كونها فواحش إنّما هو لتعلّق التّحريم بها ، وليست فواحش قبل ذلك ، لكان حاصل الكلام قل : إنّما حرّم ربّي ما حرم ، وكذلك تحريم البغي والإثم ، فكون ذلك فاحشة وإثما وبغيا بمنزلة كون الشّرك شركا ، فهو مشرك في نفسه قبل النّهى وبعده فمن قال : إنّ الفاحشة والقبائح والإثم إنّما صارت كذلك بعد النّهى ، فهو بمنزلة قائل يقول : الشّرك إنّما صار شركا بعد النّهى ، وليس شركا قبل ذلك ، ومعلوم أنّ هذا مكابرة (3) صريحة للعقل والفطرة ، فالظلم ظلم في نفسه قبل النّهى وبعده ، والقبيح قبيح في نفسه قبل النّهى وبعده ، وكذلك الفاحشة والشّرك ، لا أنّ هذه الحقائق صارت بالشّرع كذلك ، نعم الشّارع كساها بنهيه عنها قبحا إلى قبحها ، فكان قبحها من ذاتها (4) ، وازدادت قبحا عند

ص: 349


1- الأعراف. الآية 32.
2- الأعراف. الآية 33.
3- اصطلح أهل المناظرة في علم آداب البحث عن التعبير بالدعوى المجردة عن الدليل بالمكابرة ان اقترنت بتعنت واستكبار ، والتحكم ان لم تقترن بذلك.
4- المراد بالذات ما أسلفناه سابقا في بيان ملاكات الاحكام لا الذات التي يراد بها نفس الفعل والحركات والسكنات الخالية عن كل عنوان ووصف المعراة عن كل اعتبار.

العقل بنهي الرّب تعالى عنها وذمّه لها وإخباره ببغضها وبغض فاعلها ، كما أنّ العدل والصّدق والتّوحيد ومقابلة نعم المنعم بالثّناء والشّكر حسن في نفسه ، وازداد حسنا إلى حسنه بأمر الرّب به وثنائه على فاعله وإخباره بارادة ذلك ومحبة فاعله ، بل من أعلام نبّوة محمّد صلى اللّه عليه وآله أنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات ويحرّم عليهم الخبائث (1) ، فلو كان كونه معروفا ومنكرا وطيبا وخبيثا إنما هو لتعلّق الأمر والنّهى والحلّ والتّحريم به ، لكان بمنزلة أن يقال : يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عمّا ينهاهم عنه ، ويحلّ لهم ما يحلّه ، ويحرّم عليهم ما يحرّمه ، وأىّ فائدة في هذا؟ وأىّ علم يبقى فيه لنبوّته؟ وكلام اللّه تعالى يصان عن ذلك وأن يظنّ به مثله ، وإنّما المدح والثناء والعلم الدالّ على نبوّته أنّ ما يأمر به تشهد العقول الصّحيحة بحسنه وكونه معروفا ، وما ينهى عنه تشهد بقبحه وكونه منكرا ، وما يحلّه تشهد بكونه معروفا ، وما ينهى عنه تشهد بقبحه وكونه منكرا ، وما يحلّه تشهد بكونه طيبا ، وما يحرّم تشهد بكونه خبيثا ، وهذه دعوة الرّسل ، وهي بخلاف دعوة المبطلين والكاذبين والسّحرة ، فإنهم يدعون إلى ما يوافق أهواءهم وأغراضهم من كل قبيح ومنكر وبغى وظلم. ولهذا قيل لبعض الأعراب وقد أسلم ، لما عرف دعوته صلى اللّه عليه وآله : عن أىّ شيء أسلمت وما رأيت منه ممّا ذلك على أنّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقال : ما أمر بشيء فقال العقل : ليته نهى عنه ، ولا نهى عن شيء فقال العقل : ليته أمر به ، ولا أحلّ شيئا فقال العقل ليته حرّمه ، ولا حرّم شيئا فقال العقل : ليته أباحه ، فانظر إلى هذا الأعرابي(2) وصحّة عقله وفطرته وقوّة ايمانه واستدلاله على صحة دعوة النبي صلى اللّه عليه وآله بمطابقة أمره لكل ما هو حسن في العقل ومطابقة نهيه لما هو قبيح في العقل ، وكذلك مطابقة تحليله

ص: 350


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة الأعراف. الآية 157
2- الأعرابي : من سكن البادية كان من العرب أو غيره ، وقد مر الفرق سابقا بين الأعرابي والعربي فليراجع.

وتحريمه ، ولو كانت جهة الحسن والقبح والطيب والخبث مجرّد تعلّق الأمر والنهى والإباحة والتحريم لم يحسن منه هذا الجواب ، ولكان بمنزلة أن يقول : وجدته يأمر وينهى ويبيح ويحرّم ، وأىّ دليل في هذا ، وكذلك قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ) (1) وهؤلاء يزعمون أنّ الظلم في حقّ عباده هو المحرّم المنهي عنه ، لا أنّ في نفس الأمر ظلما نهى عنه ، وكذلك الظلم الذي نزّه اللّه تعالى نفسه عنه هو الممتنع المستحيل عندهم ، لا أنّ هناك أمرا ممكنا مقدورا لو فعله لكان ظلما ، فليس عندهم ظلم منهىّ عنه ولا منزّه عنه (2)إنّما هو المحرّم في حقهم (3)والمستحيل في حقّه تعالى ، فالظلم المنزه عنه عندهم منحصر في المحالات العقلية كالجمع بين النقيضين ، وجعل الجسم الواحد في مكانين في آن واحد ونحو ذلك ، والقرآن صريح في إبطال هذا المذهب أيضا. قال تعالى : قال قرينه : ( رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (4) ، أى لا اؤاخذ عبدا بغير ذنب ولا أمنعه من أجر ما عمله من صالح ، ولهذا قال قبله : وقد قدّمت إليكم بالوعيد المتضمّن لإقامة الحجة وبلوغ الأمر والنّهى ، فإذا آخذتكم بعد التّقدم فلست بظالم ، بخلاف ما يؤاخذ العبد قبل التّقدم إليه بأمره ونهيه ، فذلك الظلم الذي تنزه عنه سبحانه ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً ) (5) ،

ص: 351


1- النحل. الآية 90.
2- والظاهر سقوط لفظة «بل» قبل كلمة انما هو المحرم.
3- اى حق العباد.
4- ق. الآية 28.
5- طه. الآية 112.

يعني لا يحمل عليه من سيّئات ما لم يعمله ولا ينقص من حسنات ما عمل ، ولو كان الظلم هو المستحيل الذي لا يمكن وجوده لم يكن لعدم الخوف منه معنى ولا للأمن من وقوعه فائدة ، وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (1)، أى لا يحمّل المسيء عقاب ما لم يعمله ولا يمنع المحسن من ثواب عمله. وقال تعالى : ( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (2) ، فدلّ على أنه لو أهلكهم مع إصلاحهم لكان ظلما ، وعندهم يجوز ذلك وليس بظلم لو فعله ، ويؤوّلون الآية على أنّه سبحانه أخبر أنّه لا يهلكهم مع إصلاحهم ، وعلم أنّه لا يفعل ذلك وخلاف خبره ومعلومه مستحيل ، وذلك حقيقة الظلم ، ومعلوم أنّ الآية لم يقصد بها هذا قطعا ، ولا أريد بها ولا يحتمله بوجه ، إذ يؤول معناها إلى أنّه ما كان ليهلك القرى بسبب اجتماع النّقيضين وهم مصلحون ، وكلامه تعالى : يتنزّه عن هذا ويتعالى عنه ، وكذلك عند هؤلاء أيضا العبث والسّدى(3)والباطل كلّها هي المستحيلات الممتنعة التي لا تدخل تحت المقدور ، واللّه تعالى قد نزّه نفسه عنها ، إذ نسبه إليها أعداؤه المكذّبين (4) لوعده ووعيده المنكرين لأمره ونهيه ، فأخبر أنّ ذلك يستلزم كون الخلق عبثا وباطلا ، وحكمته وعزّته تأبى (تنافى خ ل) ذلك قال تعالى :

ص: 352


1- فصلت. الآية 46.
2- هود. الآية 117.
3- السدى بضم السين المهملة. المهمل والباطل وفيه إشارة الى قوله تعالى في سورة القيامة. الآية 36.
4- وحق العبارة هكذا : (إذ نسبها اليه تعالى أعداءه المكذبون لوعده ووعيده المنكرون لأمره ونهيه).

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (1) ، أى بغير شيء لا تؤمرون ولا تنهون ولا تثابون ولا تعاقبون ، والعبث قبيح ، فدلّ على أنّ قبح هذا مستقرّ في الفطر (2) والعقول ، ولذلك أنكر عليهم إنكار منبّه لهم على الرّجوع إلى عقولهم ، وأنّهم لو فكروا وأبصروا لعلموا أنه لا يليق به ولا يحسن منه أن يخلق خلقه عبثا ، لا لأمر ولا لنهى ولا لثواب ولا لعقاب ، وهذا يدلّ على أنّ حسن الأمر والنّهى والجزاء مستقرّ في العقول والفطر ، وأنّ من جوّز على اللّه الإضلال به فقد نسبه إلى ما لا يليق به وتأباه أسماؤه الحسنى (3) وصفاته العليا ، وكذلك قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) (4) أى لا يؤمر ولا ينهى أو لا يثاب ولا يعاقب وهما متلازمان ، فأنكر على من يحسب ذلك ، فدلّ على أنّه قبيح لا يليق به ، ولهذا استدلّ على أنّه لا يترك سدى بقوله : ( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ) (5) الى آخر السّورة ، ولو كان قبحه إنّما علم بالسمع لكان يستدلّ عليه : بأنّه خلاف السمع وخلاف ما أعلمناه وأخبرنا به ، ولم يكن إنكار تركه قبيحا في نفسه ، بل لكونه خلاف ما أخبر به ، ومعلوم أنّ هذا ليس وجه الكلام ، وكذلك قوله تعالى : ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (6) والباطل الذي ظنّوه ليس هو الجمع بين النّقيضين ، بل الذي ظنوه أنّه لا شرع ولا جزاء ولا أمر ولا نهى ولا ثواب ولا عقاب ، فأخبر أنّ خلقها لغير ذلك هو الباطل

ص: 353


1- المؤمنون. الآية 115.
2- الفطر كعنب جمع الفطرة.
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة الاسراء. الآية 110.
4- القيامة. الآية 36.
5- القيامة. الآية 37.
6- ص. الآية 27.

الذي تنزّه عنه ، وذلك هو الحقّ الذي خلقت به وهو التّوحيد وحقّه وجزاؤه وجزاء من جحده وأشرك به ، وقال تعالى : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) (1) فأنكر سبحانه هذا الحسبان إنكار منبّه للعقل على حكمه وأنّه حكم سيئ ، فالحاكم به مسيء ظالم ، ولو كان إنّما قبح [ولو كان الحسبان خ ل] لكونه خلاف ما أخبر به ، لم يكن الإنكار لما اشتمل عليه من القبح اللازم من التّسوية بين المحسن والمسيء المستقرّ قبحه في عقول العالمين كلّهم ، ولا كان هناك حكم سيّئ في نفسه ينكر على من حكم به ، وكذلك قوله تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (2)وهذا استفهام وإنكار ، فدلّ على أنّ هذا قبيح في نفسه منكر تنكره العقول والفطر ، أفتظنّون أنّ ذلك يليق بنا أو يحسن منا فعله ، فأنكره سبحانه إنكار منبّه للعقل والفطرة على قبحه ، وأنّه لا يليق باللّه نسبته إليه ، وكذلك إنكاره سبحانه قبح الشّرك به في الالهية وعبادة غيره معه بما ضربه لهم من الأمثال ، وأقام على بطلانه من الأدلة العقليّة ، ولو كان إنّما قبح بالشّرع لم يكن لتلك الأدلة والأمثال معنى ، وعند نفاة التحسين والتّقبيح يجوز في العقل أن يأمر بالإشراك به وعبادة غيره ، وإنّما علم قبحه بمجرّد النّهى عنه ، فيا عجبا أىّ فائدة تبقى في تلك الأمثال والحجج والبراهين الدّالة على قبحه في صريح العقول؟! وأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم! وأىّ شيء يصحّ في العقل إذا لم يكن فيه علم بقبح الشّرك الذّاتي ، وأنّ العلم بقبحه بديهيّ ، فذلك معلوم بضرورة العقل ، وبأنّ الرّسل نبّهوا الأمم على ما في عقولهم وفطرهم

ص: 354


1- الجاثية. الآية 21.
2- ص. الآية 28.

من قبحه ، وإن لم يتنبّه ليست لهم عقول (1) ولا ألباب ولا أفئدة ، بل نفى اللّه تعالى عنهم السّمع والبصر ، والمراد سمع القلب وبصره (2) ، فأخبر أنّهم صمّ بكم عمى وشبّههم بالأنعام التي لا عقول لها يميّز بها بين الحسن والقبح و

ص: 355


1- وحق العبارة هكذا : ان من لم يتنبه ليس له عقل ولا لب ولا فؤاد.
2- كما في قوله تعالى في سورة الأعراف. الآية 2. لا يخفى ان سمع القلب له اطلاقان ، فتارة يطلق ويراد به اذن الفؤاد ، وهي التي عدها الفقهاء من محرمات الذبيحة ، وأخرى يطلق ويراد به ادراك القلب ما وصلت اليه من العلوم والمطالب ، كما أن للقلب إطلاقات منها اللحم الصنوبري الشكل المودع في الحيوان ومنها المعنى المعروف لدى الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء وغيرهم الذي عرفوه بقولهم : هي اللطيفة الربانية ، التي لها تعلق بالقلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر. قال الجرجاني في كتاب الحدود ص 119 في بيان المعنى الثاني للقلب ما لفظه : تلك لطيفة هي حقيقة الإنسان ، ويسميها الحكيم النفس الناطقة والروح باطنه والنفس الحيوانية مركبه ، وهي المدرك والعالم من الإنسان والمخاطب والمطالب والمعاتب «انتهى». وقد يطلق القلب كما في علم آداب البحث على ما نص عليه الفاضل السمرقندي على جعل المعلول علة والعلة معلولا. وقد يطلق كما في الفقه وأصوله حسب تنصيص الجرجاني في الحدود ص 119 على عدم الحكم لعدم الدليل ویراد به ثبوت الحكم بدون العلة. وقد يطلق على معاني في علمي الصرف والاشتقاق كما في كتاب سمط اللثال في القلب والابدال. وقد يطلق على احد اقسام الحصر في علم المعاني. وقد يطلق على بعض المحسنات في البديع. الى غير ذلك من الإطلاقات والمراد به هاهنا المعنى الثاني أعنى اللطيفة الربانية فلا تغفل.

الحقّ والباطل ، وكذلك اعترفوا في النّار بأنّهم لم يكونوا من أهل السّمع والعقل ، وأنّهم لو رجعوا إلى أسماعهم وعقولهم ، لعلموا حسن ما جاءت به الرّسل وقبح مخالفتهم ، قال تعالى : ( وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ) (1) ، وكم يقول لهم في كتابه ( أَفَلا يَعْقِلُونَ ) ، ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، فينبّههم على ما في عقولهم من الحسن والقبح ويحتجّ عليهم بها ، ويخبر أنّه أعطاهموها لينتفعوا بها ويميّزوا بها بين الحسن والقبيح ، وكم في القرآن من مثل عقليّ وحسي ينبّه به العقول على حسن ما أمر به وقبح ما نهى عنه؟! فلو لم يكن في نفسه كذلك لم يكن لضرب الأمثال للعقول معنى ، ولكان إثبات ذلك بمجرّد الأمر والنّهى دون ضرب الأمثال ، وتبيين جهة القبح المشهور بالحسّ والعقل ، والقرآن مملوّ بهذا لمن تدبّره ، كقوله :

( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (2) ، يحتجّ سبحانه عليهم بما في عقولهم ، من قبح كون مملوك أحدهم شريكا له ، فإذا كان أحدكم يستقبح أن يكون مملوكه شريكا له ولا يرضى بذلك ، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء تعبدونهم كعبادتي؟ وهذا يبيّن أنّ قبح عبادة غيره تعالى مستقرّ في العقول ، والسّمع نبّه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك وكذلك قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ) (3) ( وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (4)،

ص: 356


1- الملك. الآية 10.
2- الروم. الآية 28.
3- متشاكسون : متضادون.
4- الزمر. الآية 29.

احتج سبحانه على قبح الشّرك بما تعرفه العقول من الفرق بين حال مملوك تملكه أرباب متعاسرون سيئوا الملك ، وحال عبد يملكه سيّد واحد قد سلم كلّه له ، فهل يصح في العقول استواء حال العبدين؟ وكذلك حال المشرك والموحد الذي قد سلمت عبوديته للواحد الحقّ ، لا يستويان. وكذلك قوله تعالى : ممثلا لقبح الرياء المبطل للعمل والمن والأذى المبطل للصدقات بصفوان (1) وهو الحجر الأملس عليه تراب غبار قد لصق به فأصابه مطر شديد ، فأزال ما عليه من التّراب وتركه صلدا أملس لا شيء عليه ، وهذا المثل في غاية المطابقة لمن فهمه ، فالصّفوان وهو الحجر كقلب المرائي والمنّان والموذي والتّراب الذي لصق به ما تعلق به من أثر عمله وصدقته ، والوابل المطر الذي به حياة الأرض فإذا صادف أرضا قابلة نبت فيها الكلا ، فإذا صادف الصخور والحجارة الصّم لم ينبت فيها شيء (2) فجاء هذا الوابل إلى التّراب الذي على الحجر فصادفه رقيقا فأزاله فأفضى إلى حجر غير قابل للنبات ، وهذا يدل على أنّ قبح المنّ والأذى والرّياء مستقرّ في العقول ، فلذلك نبهها على شبهه ومثاله. وعكس ذلك قوله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (3) فان كانت هذه الحبّة التي بموضع عال حيث لا تحجب عنها الشمس والرّياح وقد أصابها مطر شديد. فأخرجت ثمرها ضعفي ما يخرج غيرها إن كانت مستحسنة في العقل والحس فكذلك نفقة من أنفق .

ص: 357


1- في سورة البقرة. الآية 264.
2- ويناسبه قوله تعالى في سورة الأعراف. الآية 58. باران كه در لطافت طبعش خلاف نيست *** در باغ سبزه رويد ودر شوره زار خس
3- البقرة. الآية 265.

ماله لوجه اللّه لا للجزاء من الخلق ولا شكورهم (1) بثبات من نفسه وقوة على الإنفاق ، لا تخرج النفقة وقلبه يرجف على خروجها ، ويرتعد ويضعف قلبه ، ويجوز عند الإنفاق بخلاف نفقة من لم يكن صاحب التثبت والقوّة ، ولمّا كان النّاس في الإنفاق على هذين القسمين ، كان مثل نفقة صاحب الإخلاص والتثبيت كمثل الوابل ، ومثل نفقة الآخر كمثل الطلّ ، وهو المطر الضعيف ، فهذا بحسب كثرة الإنفاق وقلّته وكمال الإخلاص وقوّة اليقين فيه وضعفه ، أفلا تراه سبحانه نبّه العقول على ما فيها من استحسان هذا واستقباح فعل الأول؟ وكذلك قوله تعالى : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) (2) فنبّه سبحانه العقول على قبح ما فيها من الأعمال السّيئة التي تحبط ثواب الحسنات وشبهها بحال شيخ كبير له ذرّية ضعفاء بحيث يخشى عليهم الضيعة وعلى نفسه وله بستان هو مادّة عيشه وعيش ذرّيته ، فيه النخيل والأعناب ومن كل الثّمرات إذا أصابته نار شديدة فأحرقته ، فنبه العقول على أنّ قبح المعاصي التي تحرق الطاعات بعدها كقبح هذه الحال ، ولهذا فسّره ابن عباس (3) برجل عمل بطاعة اللّه زمانا فبعث

ص: 358


1- إشارة الى آية 9 في سورة الدهر النازلة في حق أهل بيت الرسول صلوات اللّه عليهم أجمعين ، الحاكية عن لسان حالهم.
2- البقرة. الآية 266.
3- هو عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ، من اعيان الإسلام أخذ علوم القرآن وتفسيره عن مولانا أمير المؤمنين سلام اللّه عليه ، يعبر عنه حبر الامة ، وقدوة المفسرين وترجمان القرآن امه لبابة بنت الحارث بن حزن اخت ميمونة ام المؤمنين زوجة النبي صلى اللّه عليه وآله. ولد بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين دعی له النبي صلی اللّه عليه وآله بالفقه والتأويل ، وكان عمر يقربه ويشاوره ، وكذا غيره من الصحابة قال الخطيب في تاريخ بغداد روى عن عطاء انه قال ما رأيت مجلسا قط كان أكرم من مجلس ابن عباس أكثر علما وأعظم جفنة وان أصحاب القرآن عنده يسألونه ، وأصحاب النحو عنده يسألونه ، وأصحاب الشعر عنده يسألونه ، وأصحاب الفقه عنده يسألونه كلهم يصدرهم في واد واسع. توفى بالطائف سنة 68 وصلى عليه محمد بن الحنفية وكلماته في كتب التفسير منقولة مذكورة مشهورة وقد جمعها الفيروزآبادي صاحب القاموس في كتاب سماه تنوير المقباس في تفسير ابن عباس. يروى عن النبي صلی اللّه عليه وآله وعن أمير المؤمنين والحسنين وغيرهم عليهم السلام. وعنه يروى جمع منهم ابو الشعثاء ، وابو العالية ، وسعيد بن جبير ، وابن المسيب ، وعطاء بن يسار ، وغيرهم.

اللّه إليه الشّيطان فعمل بمعاصي اللّه حتّى احترقت أعماله ، ذكره البخاري في صحيحه (1) أفلا تراه نبّه العقول على قبح المعصية بعد الطاعة وضرب لقبحها هذا المثل؟ ونفاة التعليل والأسباب والحكم بحسن الأفعال وقبحها يقولون : ما ثمّ إلّا محض المشيّة لا أنّ بعض الأعمال يبطل بعضا وليس فيها ما هو قبيح بعينه حتى يشبه بقبيح آخر ، وليس فيها ما هو منشأ لمفسدة أو مصلحة يكون سببا لهما ولا لها علل غائية هي مفضية إليها ، وإنّما هي متعلّق المشية ، والإرادة والأمر والنّهى فقط ، والفقهاء لا يمكنهم البناء على هذه الطريقة كما مر ، وأجمعوا عند التكلم (2) بلسان الفقه على بطلانها إذ يتكلّمون في العلل والمناسبات الدّاعية بشرع الحكم (3)

ص: 359


1- في الجزء السادس (ص 32 ط اميرية).
2- فيه إشارة الى أنهم عند التكلم في علم الكلام ينسون ذلك ويناظرون في ذلك عنادا مع أهل التوحيد والعدل. «منه قده».
3- الشرع : الطريقة ، والحكم جمع الحكمة ، والمراد أنهم يتكلمون على طبق مقتضيات الحكم والعلل والمصالح العقلية مع أنه مخالف لمبناهم. هذا إذا كانت العبارة (بشرع الحكم بالباء) وان كانت (لشرع الحكم باللام) فالجار متعلق بالداعية ومضاف لفظة الشرع (الحكم) بضم الحاء المهملة لا الحكم بكسرها فلا تغفل.

ويفرّقون بين المصالح الخالصة والرّاجحة والمرجوحة والمفاسد التي هي كذلك ، ويقدّمون أرجح المصلحتين على مرجوحتهما ويدفعون أقوى المفسدتين باحتمال أدناهما ، ولا يتمّ لهم ذلك إلّا باستخراج الحكم والعلل ومعرفة المصالح والمفاسد النّاشئة من الأفعال ومعرفة رتبها ، وكذلك الأطبّاء لا يصلح لهم (لا يصح خ ل) علم الطب وعمله إلا بمعرفة قوى الأدوية والأغذية والأمزجة وطبائعها ، ونسبة بعضها إلى بعض ومقدار تأثير بعضها في بعض ، وانفعال بعضها عن بعض ، والموازنة بين قوّة الدّواء وقوّة المرض ودفع الضّدّ بضدّه ، وحفظ ما يريدون حفظه بمثله ومناسبه ، فصناعة الطب (1)وعلمه مبنيّة على معرفة الأسباب والعلل والقوى والطبائع

ص: 360


1- ومن ثم ترى القوم يشيرون في كتبهم الطبية الى ذلك حيث قالوا ولما كان المركب في هذا العالم مورد الاضداد وكل شيء يقوى ما هو من جنسه ، ويضعف ما هو بخلافه ، فيتغير المركب عما كان عليه بورود الوارد وينقلب عما كان عليه ولم يتأت عنه ما خلق لأجله بل صدر عنه ما هو بخلاف ما أريد منه وهذا هو المرض ، وذلك الوارد هو سبب المرض وعلته ، والصادر عنه على خلاف ما أريد منه هو العرض ، مثلا خلق العين للنظر وقوامها بما هي عليه مما وضعها اللّه عليه ، فإذا وقع فيها قذى ونكأها ، فتلك النكأة هي المرض وذلك القذى هو السبب ، فتعرض لها حمرة أو دمعة أو غير ذلك فتلك عرض لها ، وأثر لتلك النكأة. فإذا ربما يكون عرض سبب مرض آخر ، كالدمعة تصير سبب القرحة منه أو على مقام آخر ، أو مرض عرض مرض آخر ، أو مرض سبب مرض آخر الى ما شاء اللّه فبالاعراض يستدل على الأمراض ، وبالامراض يتوصل الى معرفة الأسباب كالرمد يكون عرض النزلة منه فالمرض أثر للسبب ، والعرض أثر للمرض ، فالواجب أولا لمن يروم المعالجات ، قطع اسباب المرض الاولية ثم ان كانت الطبيعة قوية تدفع بنفسها المرض ولا يحتاج الى علاج ، فإذا قطعت المرض يندفع العرض ، لأنه أثره انتهى.أقول : ولا ينبغي التبادر الى العلاج ح ، ومن ثم ورد النهى في أخبار عديدة عن المسارعة الى التداوى. منها ما روى عن الامام أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام (اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء) وعن الامام موسی الكاظم عليه السلام (ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم ، فانه بمنزلة البناء قليله يجر الى كثيره). وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (امش بدائك ما مشى بك) الى غير ذلك ، وان كان المرض والطبع متكافئين ، أو المرض كان غالبا فانه ح وقت الحاجة الى المعالجة والطبيب ولا يجوز التأخير والمسامحة في ذلك ، وعلى هاتين الصورتين يحمل ما ورد في الروايات كقول الباقر عليه السلام بعد ما سئل هل نعالج ( نعم ان اللّه جعل في الدواء بركة وشفاء وخيرا كثيرا ، وما على الرجل ان يتداوى فلا بأس به. وما روى عن الصادق عليه السلام قال كان المسيح عليه السلام يقول (ان تارك شفاء المجروح من جرحه شريك جارحه لا محالة). وما رواه شيخنا الحر العاملي «قده» في كتاب الفصول المهمة عن المكارم من قوله عليه السلام (تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء فإذا لم تحتمل الداء فالدواء) الى غير ذلك من الروايات. ثم اعلم انه لما كان التداوى امرا اضطراريا ، يلزم ان يكون كأكل الميتة فيستعمل بقدر الضرورة فما أمكن الاكتفاء بالغذاء الدوائى يكتفى به ، والا فالدواء الغذائى ، والا فالدواء المفرد ، والا فقليل الاجزاء ، والا فكثير الاجزاء وما أمكن الاكتفاء بضعيف القوى لا يصار الى قويها وما أمكن الاكتفاء بالملين لا يصار الى المسهل ، لا يستعمل المسهل من غير منضج الا عند عدم الفرصة ، أو كثرة الامتلاء ، ولا يعدل عن المجرب الى غير المجرب ، ولا عن المحلل والملطف الى المسهل. فظهر مما تلى عليك ان علم الطب علم يبحث فيه عن اسباب المرض ، وروافع آثارها ودوافع تأثيرها وقد أشار مولانا القاضي الشهيد «قده» في هذه الجمل الى المطالب المبحوثة عنها في الطب بأحسن إشارة والطف بیان شكر اللّه مساعيه الجميلة ، وحشره مع أجداده الطاهرين واسكنه في مستقر الشهداء المقربين آمين آمين.

ص: 361

(الطباع خ ل) والخواص ، فلو نفوا ذلك وأبطلوه وأحالوا على محض المشيّة وصرف الإرادة المجرّدة عن الأسباب والعلل وجعلوا حقيقة النّار مساوية لحقيقة الماء ، وحقيقة الدّواء مساوية لحقيقة الغذاء ليس في أحدهما خاصيّة ولا قوّة يتميّز بها عن الآخر ، لفسد علم الطب وبطلت حكم اللّه تعالى ، بل العالم مربوط (1) بالأسباب والقوى والعلل الفاعليّة والغائيّة ، وعلى هذا قام الوجود بتقدير العزيز العليم (2) والكلّ مربوط بقضائه وقدره ومشيّته وإقداره وتمكينه. واعتذر بعض الأشاعرة عن نفيهم لذلك بأنّ القول بقطع النّظر عن تأثير الأسباب في مسبّباتها وجعل ذلك تأثير اللّه تعالى زهد وإخلاص ، بأن لا يجعل مع اللّه تعالى في العالم خالق آخر ، ولا يخفى أنّ هذا اعتذار فاسد واعتقاد رديّ ، وإنّما الإخلاص والفوز والفلاح في الصدق والحقّ لا في الكذب والافتراء بما يعلم أنّه ليس كذلك مع تضمنه لكثير من الفاسد كالجبر والظلم وخلّو بعثة الأنبياء عن الفائدة ومخالفته للعقل ، بما ورد في الكتب المنزلة واخبار الأنبياء ، من ذكر الأسباب وإسناد المسبّبات إليها ، ومع ما في القول بخلق الأسباب وتفويض المسببات إليها من الدّلالة على قدرة الفاعل لذلك ، وإتقانه لأفعاله وبيان إحكامها وعجيب صنعها ، فانّه يكون في كلّ واحد منها دلالة

ص: 362


1- فان قيل : هذا ينافي ما ورد من أقوال المتكلمين : ان جميع الأشياء كلها واقعة بقدرة اللّه تعالى ولا مؤثر في الوجود الا اللّه ، قلنا : ان هذا مما لم يقل به الا القائلون بالجبر ، ولو سلم فلا ينافي طريقتنا ، لان قولهم : ان الأشياء واقعة بقدرة اللّه تعالى ، وانه لا مؤثر الا اللّه لا يقتضى نفى الأسباب لظهور أنه لو لم يكن اللّه تعالى موجودا لم يكن لشيء من الممكنات وجود أصلا ، فيصح أنه لا مؤثر في الوجود ابتداء الا اللّه تعالى. منه «قده».
2- اقتباس من قوله تعالى في سورة يس. الآية 38.

على قدرتين وحكمتين ، خلقها وخلق تأثيرها وحصول الإحكام في خلقها وفي ترتب هذه المسببات عليها ، وكونها سببا لها ، وجعل تلك الأسباب مؤثرة في مسبّباتها ، وحصول تلك المسبّبات متقنة محكمة عنها ، وهذا طريق مستقيم يوصل إلى حقيقة توحيده تعالى ، وظهور قدرته ، ووفور (فوز خ ل) حكمته ، يوجب للعبد إذا تبصّر فيه الصّعود من الأسباب إلى مسبّبها ، والتعلق به دونها ، وأنّها لا يضر ولا ينفع إلّا باذنه ، وأنّه إذا شاء جعل نافعها ضارا ودوائها داء أو دائها دواء ، فالالتفات إليها بالكلية شرك مناف للتّوحيد ، وإنكارها أن تكون أسبابا بالكلية قدح في الشّرع والحكمة ، والإعراض عنها مع العلم بكونها أسبابا نقصان في العقل ، وتنزيلها منازلها ومدافعة بعضها ببعض وتسليط بعضها على بعض وشهود الجمع في تفرّقها والقيام بها هو محض العبودية والمعرفة وإثبات التّوحيد والشّرع والقدرة والحكمة (القدر والحكم خ ل) واللّه أعلم.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

وهو باطل لوجوه الوجه الاول أنّهم أنكروا ما علم كلّ عاقل من حسن الصّدق النّافع وقبح الكذب الضّارّ سواء كان هناك شرع أولا ، ومنكر الحكم الضّروري سوفسطائي.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جوابه أنّ حسن الصّدق النّافع وقبح الكذب الضّار ، إن أريد بهما صفة الكمال والنّقص أو المصلحة والمفسدة ، فلا شك أنّهما عقليّان كما سبق ، وإن أريد بهما تعلّق المدح والثّواب أو الذّم والعقاب ، فلا نسلّم أنّه ضروريّ ، بل هو متوقّف على إعلام الشّرع ، وكيف يدرك تعلّق الثّواب وهو من اللّه تعالى إلّا بالشّرع والاعلام من الشّارع «انتهى».

ص: 363

أقول : قد توارد بعض الفضلاء المعاصرين في حاشيته على شرح اصول ابن الحاجب بهذا الجواب ظنّا منه أنّه وجد تمرة الغراب (1) حيث قال : إنّ الحكم بأنّا نعلم بالضّرورة أو بالنّظر أنّ الصّدق النّافع والكذب الضارّ يترتب عليهما الثّواب أو العقاب في العقبى بعيد ، لأنّ العقل لا يستقلّ في أمر الآخرة «انتهى» ، وقد دفعناه (2) قبل ذلك في تعليقاتنا على ذلك الشّرح : بأنّ الاستبعاد إنّما يتوجّه لو أريد الثّواب والعقاب بخصوصياتهما المعلومة من عرف الشّرع ، ككون الثّواب عطيّة يستحقها العبد من اللّه تعالى دائما في دار الآخرة ، وأمّا إذا أريد به العطاء (3)

ص: 364


1- هذا مثل معروف عند العرب يضرب به في حق من أتى بشيء خسيس زاعما أنه أغلى واثمن ما يوجد.
2- هذا الدفع اختيار للشق الثاني من جواب الناصب ، وانما لم يتعرض للدفع باختيار الشق الاول أيضا اعتمادا على ظهور ذلك بما ذكرناه قريبا من اثبات الاستلزام بين معاني الحسن والقبح.
3- ويؤيد أن اصل معنى الثواب ما ذكرناه ، ما ذكره المصنف رفع اللّه درجته في شرح الياقوت (اسمه انوار الملكوت) من ان الثواب عبارة عن النفع المقارن للتعظيم والإجلال وأيضا يؤيده تعبير الحكماء المثبتين للمعاد الروحاني عن جزاء الاعمال بالثواب والعقاب أيضا ، كما صرح به المحقق الطوسي «ره» في قواعد العقائد حيث قال : المسألة الرابعة في الثواب والعقاب وهما اما بدنيان كاللذات الجسمانية ، واما نفسيان كالتعظيم والإجلال ، وكالخزى والهوان وتفصيلهما لا يعلم الا بالشرع. وقال في موضع آخر : وأما القائلون بالثواب والعقاب النفسانيين قالوا : النفوس باقية أبدا ، فان كانت مدركة لذاتها اللذات الباقية معتقدة بما يجب عليها ان تعتقدها متخلقة بالأخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة منقطعة العلاقة عن الأشياء الفانية وكان جميع ذلك ملكة راسخة فيها ، كانت من أهل الثواب الدائم ، وان كانت عديمة الإدراك للذات الباقية معتقدة لما لا يكون مطابقا لنفس الأمر مائلة الى اللذات البدنية منغمسة في الأمور الدنيوية الفانية متخلقة بالأخلاق الفاسدة وكان ذلك ملكة راسخة فيها ، كانت من أهل العقاب الدائم لفقدان ما ينبغي لها ووجود ما لا ينبغي معها دائما ، وبين المرتبتين مراتب لا نهاية لها بعضها أميل الى السعادة وبعضها أميل الى الشقاوة وان كانت الخيرات والشرور غير متمكنة منها تمكن الملكات بل كانت إلخ. منه «قده».

الذي يستحقه العبد من اللّه تعالى فلا ، إذ بديهة العقل حاكمة بأنّ العبد المطيع الفاعل لما يوجب المدح يستحقّ العطاء من المولى الجواد الحكيم كما أشرنا إليه سابقا ، وبعبارة أخرى نقول : إنّ العقل حاكم قطعا بأنّ من فعل ما يوافق أمر مولاه الجواد الحكيم يجزيه خيرا ومن خالفه يجزيه شرّا ، فان أراد هذا الفاضل أنّ العقل لا يحكم بهذا المجمل فهو مكابرة ظاهرة ، وأن أراد أنه لا يحكم على ذلك مع خصوصيّات كون الثّواب بالتخليد في الجنّة ونيل الحور والقصور وكون العقاب بالنّار والحيات ونحو ذلك في الآجل ، قلنا : إنّا لا ندعي حكم العقل بهذه الخصوصيات ، غاية الأمر أنّه قد يقع التّقييد بذلك في بعض العبارات(1) لكونها من لوازم ذلك المجمل اتفاقا من الفريقين ، وإن علم ذلك من الشّرع فقط ونظير أوردناه هاهنا ما وقع عن العلّامة الدّواني في بحث الوجود من حاشيته القديمة عند الكلام على قول شارح الجديد للتّجريد. وما قيل : من أنّ صحة الحكم مطابقته لما في العقل الفعّال ، فانّ صور جميع الكائنات وأحكام الموجودات والمعدومات بأسرها مرتسمة فيه باطل قطعا ، لأنّ كلّ واحد من العقلاء يعرف أنّ قولنا : اجتماع النّقيضين محال صدق وحقّ ، مع أنّه لم يتصوّر العقل الفعّال أصلا ، فضلا عن إعتقاد ثبوته وارتسام صور الكائنات فيه ، مع أنّه ينكر ثبوته على ما هو

ص: 365


1- إشارة الى أن بعض التعريفات الذي حكموا بكونه محل النزاع خال عن اعتبار خصوصيات أخر كقولهم : الحسن ما لا حرج في فعله والقبيح ما فيه حرج. منه «قده»

رأى المتكلمين صور الكائنات فيه «انتهى» حيث أورد عليه أولا نقضا إجماليّا فقال : هذا الكلام من قبيل أن يقال : كون المشار إليه «بأنا» (1) جوهرا مجردا باطل ، لأنّ كلّ واحد من العقلاء يشير إليه «بأنا» مع أنّه لم يتصوّر الجوهر المجرد أصلا ، بل مع أنّه ينكر ثبوته على ما هو رأى المتكلمين أو يقال : كون الزّمان مقدارا لحركة الفلك باطل ، لأنّ كلّ أحد يقسّم الزّمان إلى أجزائه مع عدم تصوّره مقدار حركة الفلك إلى غير ذلك من النظائر التي لا يخفى شيء منها على من خاض في تيار (2) بحار الحكمة ، ثمّ ذكر حلّه وتفصيله فقال : للمستدلّ أن يمنع عدم تصوّر كلّ واحد من العقلاء العقل أصلا ، ويقول : بل تصوّر العقل (يتصوّر خ ل) بهذا الوجه ، وهو أنّه الواقع ونفس الأمر ومطابق الصّوادق وإن لم يتصوّر بخصوصيّة كونه عقلا ومحلا لارتسام صور الكائنات ، ثم يدلّ البرهان على أنّ المتصور بهذا الوجه هو العقل المتّصف بتلك الصّفات ، كما في إثبات النّفس والزّمان وغيرهما من المطالب الحكميّة التي لا يخفى على من ذاق الحكمة «انتهى» ومن العجب أنّ هذا الفاضل المعاصر مع طول ملازمته ومدارسته لذلك الشّرح والحاشية قد غفل عن جريان نظير ذلك النّقض والحلّ فيما نحن فيه ، وأعجب من ذلك أنّ هذا الفاضل أنكر هاهنا استقلال العقل في أمر الآخرة مطلقا ، وسلم استقلاله في بعض أحوال

ص: 366


1- أقول : حارت الألباب في تعيين المراد بلفظة (أنا) إذ ما من معنى الا وتصح إضافته الى تلك الكلمة ، فحملها المشهور على الجوهر المجرد. وبعضهم على الروح ، وآخر على النفس ، وآخر على العقل ، وآخر على البدن ، وآخر على مجموع الروح والبدن ، وآخر على الروح والبدن اللطيف المثالي الى غير ذلك من المحتملات. وغاية ما جعلوه تحقيقا في المقام هو ان يراد في كل إضافة من لفظة (أنا) كل ما هو غير المضاف.
2- التيار : موج البحر الهائج.

المعاد في أوائل حاشيته على الشّرح الجديد للتّجريد.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

الثاني لو خيّر العاقل الذي لم يسمع الشّرائع ولا علم شيئا من الأحكام ، بل نشأ في بادية خاليا من العقائد كلّها ، بين أن يصدق ويعطى دينارا وبين أن يكذب ويعطى دينارا ولا ضرر عليه فيهما ، فانّه يختار الصّدق على الكذب ، ولو لا حكم العقل بقبح الكذب وحسن الصّدق لما فرّق (ميّز خ ل) بينهما ولا اختار الصّدق دائما.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق جواب هذا ، وأنّ مثل هذا الرّجل لو فرضنا أنّه يختار الصّدق بحكم عقله ، فانّه يختاره لكونه صفة كمال أو موجب مصلحة ، وهذا لا نزاع فيه أنّهما عقليّان لا أنّه يختاره لكونه موجبا للثّواب والعقاب ، كيف وهو لا يعرف الثّواب ولا العقاب؟ «انتهى».

أقول : قد سبق دفعه أيضا حيث بينا سابقا استلزام تلك المعاني لما هو محل النزاع ، وقرّرنا قبيل ذلك بلا فصل : أنّ خصوصيّات الثّواب والعقاب غير معتبرة ، وأيضا قد ظهر لك ممّا فصلناه سابقا من تحقيق الأصلين ، وأن النّزاع واقع فيهما ، أنّ قول النّاصب : إنّه لا نزاع في أنّ حسن الصّدق وقبح الكذب ونحوهما عقليّان لا يصح على إطلاقه ، لأنّ أحد الأصلين المتنازع فيه هو أنّ ما حسّنه الشّارح وأمر به هل كان سابقا حسنا بوجه وجهة ثمّ أمر به أم لا؟ ونحن نقول : نعم ، لأنّا نعلم بالبديهة أنّ الصّدق كان حسنا ثم أمر به لا أنّه أمر به ثمّ صار حسنا ، فلا يجوز عندنا النّهى عن الصّدق بالضّرورة ، فبطل ما ذهب إليه الأشاعرة من أنّه أمر به ثمّ صار حسنا ، وكذا الكلام في الظلم والعدل ونحوهما ، فكيف يقال هاهنا : إن

ص: 367

الصّدق والكذب كانا قبل الأمر والنّهى مشتملين على الجهة المحسنة أو المقبّحة ، بمعنى صفة الكمال والنّقص ، دون الجهة المحسنة والمقبّحة التي يترتب عليهما الثّواب والعقاب ، فتأمّل فأنّه كاشف عن مغالطة القوم وفرارهم عن الاعتراف بالحقّ كما مرّ.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

الثالث لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشّرع ، والتالي باطل ، فإنّ البراهمة (1) بأسرهم ينكرون الشّرائع والأديان كلّها ، ويحكمون بالحسن والقبح مستندين إلى ضرورة العقل في ذلك.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جوابه أنّ البراهمة المنكرين للشرائع يحكمون بالحسن والقبح للأشياء

ص: 368


1- البراهمة والبرهمانية نسبة الى برهمان أو برهام اسم رجل مؤسس لهذه الطريقة كما في الملل للشهرستانى أو بمعنى الكينونة كما في كتاب الفيدا ، وبالجملة من اصول هذه الطائفة نفى النبوات واستحالتها في العقول والامتناع من أكل اللحوم طيلة العمر أو مدة معينة حسب اختلاف فرقهم ويظهر من البيروني وكتاب الفيدا أن البراهمة في العصر الاول كانوا أربعة شعب (الاولى) البراهمان وهم الكهنة (الثانية) كشاتريا وهم الجند ، أو كشتر (الثالثة) الفيسيا وهم العمال وأصحاب المهن وكان يعبر عنهم «بيش» (الرابعة) السودرا وهم الرقيق وكان يعبر عنهم «شودر» ، وبالجملة لهذه الطائفة مقالات سخفية ورياضات شاقة بدنية وروحية ، وقال الشهرستاني : ان البراهمة تفرقوا أصنافا ، فمنهم أصحاب البدده أو البده ومنهم أصحاب الفكرة ومنهم أصحاب التناسخ «انتهى» ، أقول : ولعل مراده من البده البوذه وهو قدوة البوذيين واسمه الأصلي «جوتاما» أو شاكيمن ، وأكثر البوذيين في الهند وبلاد برما ومنهم بالصين وجزائر فيليپين وبعض بلاد افريقيا «انتهى».

لصفة الكمال والنقص ، والمصلحة والمفسدة ، لا لتعلّق الثّواب والعقاب كما مرّ وكيف يحكمون بالثّواب والعقاب وهم لا يعرفونهما؟ «انتهى».

أقول جواب هذا أيضا مثل ما مرّ في الفصلين السّابقين ، والحاصل أنّ حكم البراهمة بمجرد حسن الأشياء وقبحها عقلا يثبت أحد جزئى المدّعى ، وهو أنّ في الفعل قبل ورود الأمر والنّهى جهة محسنّة وصفة موجبة للحسن أو جهة مقبّحة ، وأما الجزء الآخر وهو ترتب الثّواب والعقاب ، فهم يعرفونه كما يعرفه أرباب الشّرائع ، لأنّ البراهمة وإن أنكروا النّبوات والشّرائع ، فلم ينكروا الإلهيات حتىّ يلزم أن لا يعرفوا الثّواب والعقاب على الأعمال ، غاية الأمر أنّهم قالوا : إنّ معرفة ذلك لا تتوقف على تعليم الأنبياء عليهم السلام ، بل العقل مستقلّ به كما نقله عنهم الشّهرستاني في كتاب الملل والنّحل عند نقل شبههم على نفى النّبوات ، حيث قال : إنّهم قالوا : قد دل العقل بأنّ اللّه تعالى حكيم ، والحكيم لا يتعبّد الخلق إلّا بما تدلّ عليه عقولهم ، وقد دلت الدلائل العقليّة أنّ للعالم صانعا عالما قادرا حكيما ، وأنّ له على عباده نعما توجب الشّكر ، فننظر في آيات خلقه بعقولنا ، ونشكر بآلائه علينا ، وإذ عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه ، وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه ، فما بالنا نتّبع بشرا مثلنا ، (1)فانّه إن كان يأمرنا بما ذكرناه من المعرفة والشّكر فقد استغنينا عنه بعقولنا ، وإن كان يأمرنا بما يخالف ذلك كان قوله دليلا على كذبه «انتهى» ، فظهر أنّ قول النّاصب : وهم لا يعرفونه إنّما نشأ من جهله وعدم معرفته بما ينبغي معرفته لمدّعي الفضل والعرفان واللّه المستعان.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

الرابع الضّرورة قاضية بقبح العبث ، كمن يستأجر أجيرا ليرمي من ماء الفرات

ص: 369


1- وحكاه اللّه تعالى عن المشركين في آيات عديدة من القرآن كقوله تعالى : ( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) ، المؤمنون. الآية 24.

في دجلة (1) ويبيع متاعا اعطى في بلده عشرة دراهم في بلد آخر يحمله إليه بمشقّة عظيمة ، ويعلم أنّ سعره كسعر بلده بعشرة دراهم أيضا (2) ، وقبح تكليف ما لا يطاق كتكليف الزمن الطيران إلى السّماء وتعذيبه دائما على ترك هذا الفعل ، وقبح من يذمّ العالم الزاهد على علمه وزهده وحسن مدحه ، وقبح مدح الجاهل الفاسق على جهله وفسقه وحسن ذمّه عليهما ، ومن كابر في ذلك فقد أنكر أجلى الضروريات ، لأنّ هذا الحكم حاصل للأطفال ، والضروريّات قد لا تحصل لهم «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول جوابه أن قبح العبث لكونه مشتملا على المفسدة لا لكونه موجبا لتعلّق الذّم بالعقاب وهذا ظاهر ، وقبح مذمّة العاقل وحسن مدحة الزاهد للاشتمال على صفة الكمال والنقص ، فكل ما يذكر هذا الرجل من الدلائل هو إقامة الدليل على غير محل النّزاع ، فانّ الأشاعرة معترفون بأن كل ما ذكره من الحسن والقبح عقليّان (3) ، والنزاع (4) في غير هذين المعنيين (انتهى)

أقول : قد مرّ مرارا ما يقوم دفعا لهذا الجواب فتذكّر.

ص: 370


1- اى من غير غرض عقلائى.
2- حيث لم يترتب عليه غرض عقلائى.
3- قال المصنف في نهاية الوصول : هذا المذهب اى الحكم بكون الحسن والقبح عقليين صار اليه جميع الامامية والكرامية والخوارج والبراهمة والثنوية وغيرهم سوى الاشاعرة حتى أن الفلاسفة حكموا بحسن كثير من الأشياء وقبح بعضها بالعقل «انتهى» منه «قده».
4- وأنت خبير بأن ما يذكره الناصب من باب توجيه ما لا يرضى صاحبه والخروج عن محل النزاع ، إذ المتنازع فيه من الصدر الاول بين علماء الإسلام هو الحسن والقبح العقليان دون الثواب والعقاب ، والتزام الرجل بهذا المعنى من باب تشبث الغريق بالحشيش.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

الخامس لو كان الحسن والقبح باعتبار السّمع لا غير لما قبح من اللّه شيء ، ولو كان كذلك لما قبح منه تعالى إظهار المعجزات على يد الكذّابين ، وتجويز ذلك يسد باب معرفة النبوّة ، فانّ أىّ نبيّ أظهر المعجزة عقيب ادّعاء النبوة لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعوى النبوّة «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جوابه أنّه لم يقبح من اللّه شيء قوله : لو كان كذلك لما قبح منه اظهار المعجزات على يد الكذّابين ، قلنا : عدم إظهار المعجزة على يد الكذّابين ليس لكونه قبيحا عقلا ، بل لعدم جريان عادة اللّه تعالى الجاري مجرى المحال العادي بذلك الاظهار ، قوله : تجويز هذا يسدّ باب معرفة النّبوة ، قلنا : لا يلزم هذا لأن العلم العادي حاكم باستحالة هذا الإظهار ، فلا ينسدّ ذلك الباب «انتهى»

أقول قد مرّ بيان قباحة الحكم بعدم قبح صدور القبائح المعلومة قبحها بالعقل من اللّه تعالى ، وسبق أيضا أنّ قاعدة جريان العادة مع بطلانها بما مرّ لا يفيد المعرفة ، لإن ذلك الجريان غير واجب على أصل الأشاعرة إذ لا يجب عليه تعالى شيء عندهم فيجوز تخلّف العادة ، فلا يحصل الجزم بصدق النبي

قال المصنّف رفع اللّه درجته

السادس لو كان الحسن والقبح شرعيّين لحسن من اللّه تعالى أن يأمر بالكفر وتكذيب الأنبياء وتعظيم الأصنام ، وبالمواظبة على الزّناء والسّرقة ، والنّهى عن العبادة والصّدق ، لأنها غير قبيحة في أنفسها ، فإذا أمر اللّه تعالى بها صارت حسنة ، إذ لا فرق بينها وبين الأمر بالطاعة ، فانّ شكر المنعم وردّ الوديعة والصّدق ليست

ص: 371

حسنة في أنفسها ، ولو نهى اللّه تعالى عنها كانت قبيحة ، لكن لمّا اتّفق أنّه تعالى أمر بهذه مجّانا لغير غرض ولا حكمة صارت حسنة بذلك ، واتّفق أنّه نهى عن تلك فصارت قبيحة ، وقبل الأمر والنهى لا فرق بينهما ، ومن أداه عقله إلى تقليد من يعتقد ذلك فهو أجهل الجهّال وأحمق الحمقاء إذا علم أنّ معتقد رئيسه ذلك ، وإن لم يعلم ووقف عليه ثم استمر على تقليده فكذلك ، فلهذا وجب علينا كشف معتقدهم لئلا يضلّ غيرهم ولا تستوعب البليّة جميع النّاس أو أكثرهم (انتهى)

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جوابه أنّه لا يلزم من كون الحسن والقبح شرعيّين بمعنى أنّ الشّرع حاكم بالحسن والقبح أن يحسن من اللّه الأمر بالكفر والمعاصي ، لأن المراد بهذا الحسن إن كان استحسان هذه الأشياء فعدم هذه الملازمة ظاهر ، لأن من الأشياء ما يكون مخالفا للمصلحة لا يستحسنه الحكيم ، وقد ذكرنا أنّ المصلحة والمفسدة حاصلتان للأفعال بحسب ذواتها ، وإن كان المراد بهذا الحسن عدم الامتناع عليه فقد ذكرنا أنّه لا يمتنع عليه شيء عقلا ، لكن جرت عادة اللّه تعالى على الأمر بما اشتمل على مصلحة من الأفعال ، والنّهى عن ما اشتمل على مفسدة من الأفعال ، فالعلم العادي حاكم بأنّ اللّه تعالى لم يأمر بالكفر وتكذيب الأنبياء قطّ ، ولم ينه عن شكر المنعم وردّ الوديعة ، فحصل الفرق (1) بين هذا الأمر والنّهى بجريان عادة اللّه الذي يجري مجرى المحال العادي ، فلا يلزم شيء ممّا ذكره هذا الرّجل وقد زعم أنّه فلق (2) الشّعر في تدقيق هذا السّؤال الظاهر دفعه عند أهل الحقّ

ص: 372


1- والظاهر أنه أريد من هذه العبارة : أن الفرق بين الأمر بالكفر والنهى عن شكر المنعم وبين غيرهما من الأوامر والنواهي بعدم جريان عادة اللّه على هذا الأمر والنهى بخلاف غيرهما من الأوامر والنواهي فيصير هذا الأمر والنهى بمنزلة المحالات العادية وجارية مجراها.
2- اى شق ومنه قوله تعالى في سورة الانعام الآية 95.

حتّى رتّب عليه التّشنيع والتفظيع ، فيا له من رجل ما أجهله! «انتهى».

أقول ما ذكره في منع الملازمة من أنّ من الأشياء ما يكون مخالفا للمصلحة لا يستحسنه الحكيم «إلخ» فرار شنيع مخالف لما مرّ : من أنّ الأشاعرة جعلوا الأفعال كلّها سواء في نفس الأمر ، وأنّها غير منقسمة في ذواتها إلى حسن وقبيح ، ولا يتميّز القبيح بصفة اقتضت قبحه أن يكون هو هذا القبيح وكذا الحسن ، فليس الفعل عندهم منشأ حسن وقبح ولا مصلحة ولا مفسدة ولا نقص ولا كمال ، ولا فرق بين السّجود للشّيطان والسّجود للرّحمن في نفس الأمر ، ولا بين الصّدق والكذب ، ولا بين النّكاح والسّفاح ، إلّا أنّ الشّارع أوجب هذا وحرّم هذا. وقد صرّح بذلك أيضا صاحب المواقف حيث قال : القبيح عندنا ما نهي عنه شرعا والحسن بخلافه ، ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها ، وليس ذلك أى حسن الأشياء وقبحها عائدا إلى أمر حقيقيّ حاصل في الفعل قبل الشّرع يكشف عنه الشرع كما تزعمه المعتزلة ، بل الشّرع هو المثبت له والمبيّن ، فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشّرع ، ولو عكس الشارع القضيّة فحسّن ما قبّحه وقبّح ما حسّنه لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر فصار القبيح حسنا والحسن قبيحا «إلخ» ، ثمّ قال عند بيان المعنى المتنازع فيه : وعند المعتزلة عقلي فانّهم قالوا : للفعل في نفسه مع قطع النّظر عن الشّرع جهة محسّنة مقتضية لاستحقاق فاعله مدحا وثوابا ، أو مقبحة مقتضية لاستحقاق فاعله ذمّا وعقابا. ثمّ إنّها أى تلك الجهة المحسّنة أو المقبّحة قد تدرك بالضّرورة كحسن الصّدق النّافع وقبح الكذب الضّار ، وقد تدرك بالنّظر كحسن الصّدق الضّار وقبح الكذب النّافع مثلا ، وقد لا تدرك (1)

ص: 373


1- قال المصنف «قده» في نهاية الوصول : ان الجهة المحسنة او المقبحة التي لا يدركها العقل هي ما اشتمل عليه الفعل من اللطف المانع من الفحشاء والداعي الى الطاعة لكن العقل لا يستقل بمعرفته انتهى. منه «قده»

بالعقل لا بالضّرورة ولا بالنّظر ، لكن إذا ورد الشّرع به علم أنّ ثمّة جهة محسّنة كما في صوم آخر يوم من رمضان حيث أوجبه الشّارع ، أو جهة مقبّحة كصوم أوّل يوم من شوّال حيث حرّمه الشّارع ، فإدراك الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشّرع عنهما بأمره ونهيه ، وأمّا كشفه عنهما في القسمين الأوّلين فهو مؤيّد بحكم العقل بهما إمّا بضرورته أو بنظره. ثمّ إنّهم اختلفوا. فذهب الأوائل منهم إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا لصفة فيها تقتضيهما ، وذهب بعض من بعدهم من المتقدّمين إلى إثبات صفة حقيقيّة توجب ذلك مطلقا أى في الحسن والقبيح جميعا ، فقالوا : ليس حسن الفعل وقبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما.

وذهب أبو الحسين من متأخّريهم إلى إثبات صفة في القبيح دون الحسن ، إذ لا حاجة إلى صفة محسّنة له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصّفة المقبّحة وذهب الجبائي إلى نفى الوصف الحقيقي فيهما مطلقا ، فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها لصفات حقيقيّة فيها ، بل لوجوه اعتبارية (1) وأوصاف إضافيّة تختلف بحسب الإعتبار كما في لطمة اليتيم تأديبا وظلما «انتهى كلامه».

والحاصل أن اعتراف الأشاعرة باشتمال الفعل على ما يجده العقل قبل الشرع من صفة الكمال والنّقص والمصلحة والمفسدة الصّالحتين لمنشأيّة الأمر والنهى كما وقع عن صاحب المواقف ، وقلّده فيه النّاصب هاهنا ينافي حكمهم بأنّ

ص: 374


1- واليه ذهب أكثر أصحابنا الامامية ، سيما المتأخرين منهم حيث صرحوا بكون الحسن والقبح دائرين مدار الوجوه والاعتبارات. وقد مر بيان ذلك في التعاليق السالفة مفصلا فليراجع.

الأفعال سواء في نفس الأمر ، وبعدم اشتمالها على ما يصلح أن يكون منشئا للحسن أو القبح ، لا بحسب الذّات ولا بحسب شيء من الصّفات الحقيقيّة أو الاعتبارية التي قال بها الاماميّة والمعتزلة ، وبعدم الفرق بين سجود الرّحمن وسجود الشيطان ونحو ذلك قبل ورود الشّرع ، وبجواز عكس القضيّة في الحسن والقبح وقلب الأمر والنّهى ، فانّ تكرار هذه الكلمات في كلام الفريقين على وجه الإطلاق إثباتا ونفيا يأبى عن إرادة التخصيص بوجه من الوجوه فتوجّه ، هذا.

وأمّا حديث جريان العادة فقد جرى عليه ما جرى وإن كان النّاصب قد زعم أنّه خرق العادة ، وفلق البحر في إجرائه هاهنا ، فتذكر

قال المصنّف رفع اللّه درجته

السابع لو كان الحسن والقبح شرعيّين لزم توقف وجوب الواجبات على مجيء الشّرع ، ولو كان كذلك لزم إفحام الأنبياء ، لأنّ النّبيّ إذا ادّعى الرّسالة وأظهر المعجزة كان للمدعوّ أن يقول : إنّما يجب علىّ النّظر في معجزتك بعد أن أعرف أنّك صادق ، وأنا لا أنظر حتّى أعرف صدقك ، ولا أعرف صدقك إلا بالنّظر ، وقبله لا يجب علىّ امتثال الأمر فينقطع النّبيّ ولا يبقى له جواب «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جواب هذا قد مرّ في بحث النّظر ، وحاصله أنّه لا يلزم الافحام ، لأنّ المدعوّ ليس له أن يقول : إنّما يجب علىّ النّظر في معجزتك بعد أن أعرف أنّك صادق ، بل النّظر واجب عليه بحسب نفس الأمر ، ووجوب النّظر لا يتوقف على معرفته له ، للزوم الدّور كما سبق ، فلا يلزم الافحام «انتهى».

ص: 375

أقول : قد سبق منّا دفعه هناك (1) أيضا بأنّ ثبوت الوجوب في نفس الأمر لا يدفع الافحام ، وإنّما يندفع بإثبات الوجوب على المكلّفين ، إذ لا نزاع لأحد في أنّ تحقّق الوجوب في نفس الأمر لا يتوقف على العلم بالوجوب ، وإنّما النّزاع في أنّ وجوب الامتثال بقوله : حين أمر المكلّف بالنّظر في المعجزة إنّما يثبت إذا ثبتت حجّية قوله ، وهي لا تثبت عقلا على ذلك التّقدير فيكون بالسّمع ، فمتى لم يثبت السّمع لا يثبت ذلك الوجوب ، والسّمع إنّما يثبت بالنظر ، فله أن لا ينظر ولا يأثم ، لأنّه لم يترك ما هو الواجب عليه بعلمه ، كما إذا وجب علينا حكم في نفس الأمر مكتوب في اللّوح المحفوظ ، ولم يظهر عندنا وجوبه علينا فلم نأت به لم نأثم ، فيلزم الافحام بخلاف ما إذا ثبت الوجوب العقلي ، فانه إذا قال : انظر ليظهر لك صدق مقالتي ليس له تركه ، لوجوبه عقلا لثبوت الحس العقليّ الحاكم بحسن التّكليف ، ومن المكلّف به ما لا يستقلّ العقل للاهتداء إلى إدراكه ، فيجب الرّجوع في مثله إلى المؤيّد من عند اللّه تعالى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

الثامن لو كان الحسن والقبح شرعيّين لم تجب المعرفة (2)، لتوقف معرفة الإيجاب على معرفة الموجوب ، المتوقفة على معرفة الإيجاب فيدور.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جواب هذا أيضا قد مرّ فيما سبق ، وأنّ توقف وجوب المعرفة على

ص: 376


1- وقد قلنا هناك أيضا : انه ان أراد بنفس الأمر مقتضى الضرورة والبرهان ونحوه ، فما فسروها به فهو راجع الى الحسن والقبح العقليين ، وان أراد به ما في العقل الفعال ونحوه من المعاني فلا يطلع عليه كل احد الا ما شاء اللّه ولا يبعد أن الناصب أراد بنفس الأمر معنى استهزأ به على أصحابه. منه «قده».
2- أى معرفة اللّه تعالى.

الإيجاب ممنوع «انتهى».

أقول : قد سبق منّا ما أسقط منعه المردود الهالك ، الذي قطع فيه من وادي الهذيان مسالك ، فليطالع أوليائه هنالك.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

التاسع الضّرورة قاضية بالفرق بين من أحسن إلينا دائما ، ومن أساء إلينا دائما ، وحسن مدح الأوّل وذمّ الثاني ، وقبح ذمّ الأوّل ومدح الثاني ، ومن تشكّك في ذلك فقد كابر بمقتضى عقله «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : هذا الحسن وهذا القبح ممّا لا نزاع فيه بأنهما عقليّان ، لأنهما يرجعان إلى الملائمة والمنافرة أو الكمال والنّقص ، على أنه قد يقال : جائز أن يكون هناك عرف عامّ هو مبدأ لذلك الجزم المشترك ، وبالجملة هو من إقامة الدّليل في غير محلّ النّزاع ، واللّه تعالى أعلم. هذه جملة ما أورده من الدّلائل على رأيه العاطل ، وقد وفقنا اللّه تعالى لأجوبتها كما ترتضيه إن شاء اللّه تعالى أولو الآراء الصّائبة ، ولنا في هذا المبحث تحقيق نريد أن نذكره في هذا المقام فنقول : اتّفقت كلمة الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة ، على أنّ من أفعال العباد ما يشتمل على المصالح والمفاسد ، وما يشتمل على الصّفات الكماليّة والنقصانيّة ، وهذا ممّا لا نزاع فيه ، وبقي النّزاع في أنّ الأفعال التي تقتضي الثّواب أو العقاب هل في ذواتها جهة محسّنة صارت تلك الجهة سببا للمدح والثّواب ، أو جهة مقبّحة صارت سببا للذّم والعقاب أولا؟ فمن نفى وجود هاتين الجهتين في الفعل ما ذا يريد من هذا النّفى؟ إن أراد عدم هاتين الجهتين في ذوات الأفعال ، فيرد عليه : أنك سلّمت وجود الكمال والنّقص والمصلحة والمفسدة في الأفعال ، وهذا عين التّسليم

ص: 377

بأنّ للأفعال في ذواتها جهة الحسن والقبح لأنّ المصلحة والكمال حسن ، والمفسدة والنّقص قبيح ، وإن أراد نفى كون هاتين الجهتين مقتضيتين للمدح والثّواب بلا حكم الشّرع بأحدهما لأنّ تعيين الثواب والعقاب للشّارع ، والمصالح والمفاسد التي تدركها العقول لا تقتضي تعيين الثّواب والعقاب بحسب العقل ، لأنّ العقل عاجز عن إدراك أقسام المصالح والمفاسد في الأفعال ، ومزج بعضها ببعض حتّى يعرف التّرجيح ، ويحكم بأنّ هذا الفعل حسن لاشتماله على المصلحة ، أو قبيح لاشتماله على المفسدة ، فهذا الحكم خارج عن طوق العقل ، فتعيّن تعيّنه للشّرع ، فهذا كلام صالح صحيح لا ينبغي أن يردّه المعتزلي ، مثلا شرب الخمر كان مباحا في بعض الشّرائع ، فلو كان شربه حسنا في ذاته بالحسن العقلي كيف صار حراما في بعض الشّرائع الأخر؟ هل انقلب حسنه الذّاتي قبحا؟ وهذا ممّا لا يجوز ، فبقى أنّه كان مشتملا على مصلحة ومفسدة كلّ واحد منهما بوجه ، والعقل كان عاجزا عن إدراك المصالح والمفاسد بالوجوه المختلفة ، فالشّرع صار حاكما بترجيح جهة المصلحة في زمان وترجيح جهة المفسدة في زمان آخر ، فصار حلالا في بعض الأزمنة وحراما في البعض الآخر ، فعلى الأشعري أن يوافق المعتزلي ، لاشتمال ذوات الأفعال على جهة المصالح والمفاسد ، وهذا يدركه العقل ، ولا يحتاج في إدراكه إلى الشرع ، وهذا في الحقيقة هو الجهة المحسّنة والمقبّحة في ذوات الأفعال ، وعلى المعتزلي أن يوافق الأشعري في أنّ هاتين الجهتين في الفعل لا تقتضيان حكم الثّواب والعقاب والمدح والذّم باستقلال العقل بعجزه (لعجزه خ ل) عن مزج جهات المصالح والمفاسد في الأفعال ، وقد سلّم المعتزلي هذا فيما لا يستقلّ العقل به ، فليسلّم في جميع الأفعال ، فانّ العقل في الواقع لا يستقلّ في شيء من الأشياء بإدراك تعلّق الثّواب والعقاب ، فإذن كان النّزاع بين الفريقين مرتفعا ، تحفّظ بهذا التّحقيق ، وباللّه التّوفيق.

ص: 378

أقول :

أما ما ذكره من أنّ هذا الحسن والقبح خارجان عن محلّ النّزاع فقد بيّنا مرارا أنّه اختيار للفرار على القرار ، واغتنام لتولي الأدبار(1) ،

وأما ما ذكره من العلاوة فهو ممّا ذكره العضد الإيجي (2) في شرح المختصر موافقا لبعض أقرانه وقد ردّ عليه المولى الفاضل بدر الدين محمد البهمنى التسترى الحنفي (3) في شرحه على المختصر أيضا بأنّ كون العرف والعادة

ص: 379


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة الاسراء : الآية 46
2- قد مرت ترجمته على سبيل الاختصار فليراجع.
3- لا يخفى أن النسخ مختلفة جدا ففي بعضها ، بدر الدين محمد التميمي التستري ، وفي بعضها بدر الدين محمد الشمنى الششترى ، وفي بعضها بدر الدين محمد البهمنى الششترى وفي بعضها بدر الدين محمد الشمنى التميمي ، ولا يخفى انه في رجال القرن التاسع وعلمائه يوجد المسمى بكل واحد من العناوين المذكورة ، فان كان مراد القاضي الشهيد المحتمل الاول فهو (الشيخ بدر الدين محمد بن محمد بن احمد الششترى المولد ، التميمي النسب ، المدني المسكن المقري) الذي سمع الحديث من زينب ابنة اليافعي ، أخذ عنه جماعة كالسيد المحيوى ، قاضى الحنابلة بالحرمين ، والشهاب بن خبطة وغيرهما توفى سنة 885 وكان خاتمة شيوخ القراء بالمدينة الشريفة. وان كان مراده «ره» المحتمل الثاني فهو الشيخ بدر الدين محمد بن محمد بن الحسن الشمني الأصل المتوفى سنة 721 وكان من أهل الحديث والكلام وان كان مراده المحتمل الثالث (فهو الشيخ بدر الدين محمد بن محمد المتوفى بعد سنة 880 بقليل) وكان من أجلة علماء القوم في الكلام. وان كان مراده المحتمل الرابع فهو الشيخ بدر الدين محمد الشمنى التميمي الدار المتوفى في أوائل المائة التاسعة. وعندي أصح الوجوه (الثالث) والبهمنى نسبة الى (بهمن شير) في خوزستان والرجل كان من اعلام القوم واجلائهم له كتب في الفقه والحديث. ثم اعلم ان اكثر هذه الأسماء أوردها العلامة المورخ الشيخ شمس الدين السخاوي في الضوء اللامع في (ج 9) وغيره من الاجزاء فراجع وانما أطنبنا الكلام تحقيقا وتثبتا وفقنا اللّه تعالى لذلك.

مدركا (1) للحكم مدفوع ، إذ المدرك للحكم إمّا الشّرع أو العقل بالإجماع «انتهى» ووافقه أيضا سيد المحققين «قده» في حاشيته على شرح العضدي حيث قال في هذا المقام من حاشيته المتعلّقة بما قالوا أى المعتزلة : ثالثا وإذا بطل كونه شرعيّا ثبت كونه عقليّا ، إذ لا مخرج عنهما إجماعا «انتهى».

وأما ما ذكره النّاصب في ذيل هذا المقام ممّا سمّاه تحقيقا وإن كان باسم ضدّه حقيقا ، فيتوجّه عليه أولا أنّ ما تضمّنه كلامه من تقسيم الأفعال إلى ما يشتمل على المصالح والمفاسد والنّقص والكمال ، وإلى ما يقتضي الثّواب والعقاب تقسيم سقيم ، لأنّ القسم الأوّل أيضا ممّا يقتضي الثّواب أو العقاب عند الاماميّة والمعتزلة ، فانّ ما اشتمل عليه الفعل من المصلحة أو المفسدة أو النّقص أو الكمال صالح لكونه سببا مقتضيا للثّواب أو العقاب أيضا كما لا يخفى. وثانيا أنّ ما ذكره في الشّق الثّاني من ترديده ، اعتراف بالجزء الثّاني من المدّعى الذي وقع فيه النّزاع؟ ، والحمد لله على الوفاق وترك الخلاف والشّقاق. وأما ما ذكره في الشّق الثّاني وحكم بأنه كلام صالح صحيح لا ينبغي أن يردّه المعتزلي مردود بما ذكرناه في الفصول السابقة ، من الاستلزام وغيره من النقض والإبرام وثالثا أنّ ما ذكره من أنّ شرب الخمر كان مباحا في بعض الشّرائع فهو كذب على الشّرائع ، وليس غرضنا من ذلك المناقشة في المثال ، بل التنبيه على ما هو الحق

ص: 380


1- افراد خبر الكون باعتبار ان عطف العادة على العرف تفسيري.

من دوام حرمة امور خمسة ، خالف في بعضها أهل السّنة فقد صحّ (1) عندنا من طريق أهل البيت عليهم السلام : أنّ خمسة لم تكن حلالا في شيء من الشّرائع لخمسة : الردة لحفظ الدّين ، والقتل بغير حقّ لحفظ النّفس ، والمسكر لحفظ العقل ، والزنا لحفظ النّسب ، والسرقة لحفظ المال. وأمّا استبعاده لصيرورة الخمر حراما في بعض الشرائع بعد ما كان حلالا في بعض آخر فلا يخفى ما فيه ، من الاختلال ، إذ على تقدير كون الحمر حلالا في بعض الشّرائع السابقة إنّما يلزم الانقلاب الذاتيّ عند الحكم بتحريمه لو قلنا بأنّ حسن الأفعال وقبحها لذاتها ، وأمّا لو قلنا : إنّ قبحها لما هو أعمّ من الذّات ومن الصّفات الاضافيّة والجهات الاعتباريّة فلا ، كما لا يخفى ، وقد ظهر ممّا قرّرناه أنّ ما رامه النّاصب من المحاكمة بين أهل العدل والأشاعرة محاكمة فاجرة ناظره إلى محاكمة

ص: 381


1- ونقل السيد الجليل ابن الصائغ العاملي في كتاب الاثني عشرية (ص 223 ط قم) ما يقرب منه ويؤيده في عدم كون الخمر مباحا في الشرائع السابقة ، ما رواه في فروع الكافي (ج 2 ص 189) بعدة طرق عن ابى جعفر وابى عبد اللّه ع (منها) ما رواه بإسناده عن زرارة عن ابى عبد اللّه ع قال : ما بعث اللّه عزوجل نبيا قط الا وفي علم اللّه عزوجل أنه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر ولم تزل الخمر حراما وانما ينقلون من خصلة الى خصلة ، ولو حمل ذلك عليهم جملة لقطع بهم دون الدين قال : وقال أبو جعفر ع : ليس احد أرفق من اللّه عزوجل ، فمن وفقه (رفقه ظ) تبارك وتعالى أن نقلهم من خصلة الى خصلة ، ولو حمل عليهم جملة لهلكوا. وروى في المستدرك (ج 3 ص 136 ط طهران) عن زيد النرسي في أصله قال : حدثني ابو بصير عن ابى جعفر عليه السلام ، قال ما زالت الخمر في علم اللّه وعند اللّه حراما ، وأنه لا يبعث اللّه نبيا ولا يرسل رسولا الا ويجعل في شريعته تحريم الخمر ، وما حرم اللّه حراما وأحله من بعد الا للمضطر ، ولا أحل اللّه حلالا قط ثم حرمه.

الحكمين (1): أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص بين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وبين الفئة الباغية الطاغية الخارجة عن الإسلام.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الثالث في أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، ذهبت الاماميّة ومن تابعهم وواقفهم من المعتزلة إلى أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، بل جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب ليس فيها ظلم ولا جور ولا عدوان ولا كذب ولا فاحشة ، لأنّ اللّه تعالى غنيّ عن القبيح وعالم بقبح القبائح ، لأنّه عالم بكلّ المعلومات وعالم بغناه عنه ، وكلّ من كان كذلك فانّه يستحيل عليه صدور القبيح عنه ، والضّرورة قاضية بذلك ، ومن فعل القبيح مع الأوصاف الثلاثة استحقّ الذّم واللّوم ، وأيضا اللّه تعالى قادر ، والقادر إنّما يفعل بواسطة الدّاعي (2) ، والدّاعي إمّا داعي الحاجة أو داعي الجهل ، أو داعي الحكمة (3) ، أمّا داعي الحاجة (4) ، فقد يكون العالم بقبح القبيح محتاجا إليه فيصدر عنه دفعا لحاجته (5) ، وأمّا داعي الجهل فبأن يكون القادر عليه جاهلا بقبحه فيصحّ صدوره عنه ، وأمّا داعي الحكمة بأن يكون الفعل حسنا فيفعله لدعوة الدّاعي (6) إليه ، والتّقدير أنّ

ص: 382


1- والأنسب أن يقال هكذا : محاكمة فاجرة مضاهية بمحاكمة الحكمين.
2- أى المقتضى ، لان الممكن لا يوجد الا عند وجود المقتضى وارتفاع الموانع ، والقبيح بالنسبة اليه تعالى لا مقتضى له اصلا وله مانع منه «قده»
3- اى داع هو حكمته تعالى وعلمه بمصالح الأمور.
4- اى حاجة القادر الى شيء. منه «قده».
5- وجريان الحاجة على اللّه تعالى محال.
6- وهذا الداعي أيضا منفي فيه تعالى ، ضرورة أنه لا حكمة في القبائح حتى يحصل داع الى فعله.

الفعل قبيح فانتفت هذه الدّعاوي ، فيستحيل منه تعالى. وذهبت الأشاعرة كافّة إلى أنّ اللّه تعالى قد فعل القبائح بأسرها من أنواع الظلم والشّرك والجور والعدوان ورضي بها وأحبّها «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق أنّ الامة أجمعت على أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب فالأشاعرة من جهة أن لا قبيح منه ولا واجب عليه. وأمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبيح منه يتركه ، وما يجب عليه يفعله ، وهذا الخلاف فرع قاعدة التّحسين والتقبيح ، إذ لا حاكم بقبح القبيح منه ووجوب الواجب عليه إلّا العقل ، فمن جعله حاكما بالحسن والقبح قال : بقبح بعض الأفعال منه ووجوب بعضها عليه ، ونحن قد أبطلنا حكمه ، وبيّنا أنّ اللّه تعالى هو الحاكم ، ف ( يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) (1) ( يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) (2) لا وجوب عليه ولا استقباح منه ، هذا مذهب الأشاعرة ، وما نسبه هذا الرّجل المفتري إليهم أخذه من قولهم : إنّ ( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، فيلزم أن يكون خالقا للقبائح ، ولم يعلموا أنّ خلق القبيح ليس فعله ، إذ لا قبح بالنّسبة إليه ، بل بالنّسبة إلى المحل المباشر للفعل كما ذكرناه غير مرّة ، وسنذكر تحقيقه في مسألة خلق الأعمال (3) «انتهى»

أقول قد أبطل النّاصب أكثر ما ذكره نصرة للأشاعرة بقوله : وأما المعتزلة

ص: 383


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة المائدة الآية 1.
2- إشارة الى قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 40.
3- حيث ان أكثر الاشاعرة ذهبوا الى أن ذوات الأفعال صادرة منه تعالى واتصافها بالحسن والقبح وساير الوجوه المعتورة باعتبار محالها ومباشريها.

فمن جهة أنّ ما هو قبيح منه يتركه وما يجب عليه يفعله ، فإنّ ذكره هذا في مقابلة قول الأشاعرة صريح في أنّ الأشاعرة قائلون : بأنّ اللّه تعالى لا يترك ما هو قبيح في الشّاهد ، بل يفعل الكلّ ، فإنّ هذا القدر يكفينا في أصل المقصود ، ويبقى الكلام في أنّهم يدّعون أنّ ما هو قبيح في الشّاهد وبالنّسبة إليه ليس بقبيح بالنّسبة إلى اللّه تعالى ، وهو تحكم كما عرفت غير مرّة. وأما قوله : ونحن قد أبطلنا حكم العقل ، فقد عرفت بطلانه مع منافاته لما صرّح به سابقا في محاكمته المردودة بحكومة العقل في الجملة. وأمّا قوله : (خلق القبيح ليس فعله : إذ لا قبيح بالنّسبة إليه) فقد مرّ أنه مكابرة ظاهرة ، وسيأتي الكلام فيه فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.

فلزمهم من ذلك محالات ،

منها امتناع الجزم بصدق الأنبياء

قال المصنّف رفع اللّه درجته

لأنّ مسيلمة الكذّاب (1) لا فعل له ، بل القبيح الذي صدر عنه من اللّه تعالى عندهم ، فجاز أن يكون جميع الأنبياء كذلك ، وإنّما يعلم صدقهم لو علمنا أنه تعالى لا يصدر عنه القبيح ، فلا نعلم حينئذ نبوّة محمّد نبيّنا صلى اللّه عليه وآله ولا نبوّة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء البتة ، فأىّ عاقل يرضى أن يقلّد من لم يجزم بصدق نبي من الأنبياء البتّة؟ وأنه لا فرق عنده بين نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وبين نبوّة مسيلمة الكذّاب ، فليحذر العاقل من اتّباع أهل الأهواء والانقياد إلى طاعتهم ليبلغهم مرادهم ويربح (2)هو

ص: 384


1- هو مسيلمة المتنبي الذي خرج في نجد وادعى النبوة وله أقاصيص مضحكة مع المرأة المدعية للنبوة مذكورة في كتب المجون والحكايات الظريفة الطريفة.
2- اى فليحذر العاقل أن يصير سببا لنيل أهل الأهواء بمرادهم ، وهو يصير خاسرا بالخلود في النيران.

الخسران بالخلود في النّيران ، ولا ينفعه عذره غدا في يوم الحساب «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد مرّ مرارا أنّ صدق الأنبياء مجزوم به جزما مأخوذا من المعجزة ، وعدم جريان عادة اللّه تعالى على إجراء المعجزة على يد الكذّابين ، وأنه يجري مجرى المحال العادي ، فنحن نجزم أنّ مسيلمة كذّاب لعدم المعجزة ، ونجزم أنّ اللّه تعالى لم يظهر المعجزة على يد الكذّاب ، ويفيدنا هذا الجزم العلم العادي ، فالفرق بينه وبين الأنبياء ظاهر مستند إلى العلم العادي ، لا إلى القبح العقليّ الذي يدّعيه. وما ذكره من الطامّات والتّنفير فهو الجري على عادته في المزخرفات والتّرهات «انتهى».

أقول :

قد مرّ منّا أيضا مرارا أنّ قاعدة جريان العادة مهدومة عن أسّها (1) ، ومع ذلك لا يجب جريانها ، ولهذا يتعقّبها الخارق من المعجزات وغيرها ، فتجويز وقوع الخرق والتخلّف فيها سيّما مع ضمّ العلم بجواز صدور القبيح عن اللّه تعالى يمنع الجزم بصدق الأنبياء كما لا يخفى ، وبالجملة أنّهم لا ينكرون أنّه يجوز على اللّه تعالى فعل ما هو قبيح في الشّاهد ، ولا يقبح بالنّسبة إليه ، فليجز أن يظهر المعجزة على يد الكاذب ولا يقبح بالنّسبة إليه ، وبعبارة أخرى إذا صحّ أنّ اللّه تعالى يفعل القبائح ولا يقبح منه ، فلم لا يجوز أن ينصب الأدلة من المعجزات وغيرها على الباطل؟ ويكون الحقّ عكس ما تقتضيه الأدلة فلا تحصل الثقة بأنّ النّبيّ الذي أظهر دلالة المعجزة صادق ، وكذا لا تحصل الثقة بأنّ ما عليه المسلمون

ص: 385


1- الاس من المثلثات : اصل الشيء.

من الأدلة حقّ ، ويقال لهم أليس قد ثبت أنّ مسيلمة الكذّاب ادّعى النّبوّة ، وقال له أصحابه : صدقت في أنّك نبيّ ، أليس كلامهم هذا تصديقا له؟ فلا بدّ من «بلى» فيقال : إذا كان هذا التّصديق من فعل اللّه تعالى وقد صدّقه ، فلم لا يقولون بصدقه؟ وما الفرق بينه وبين من يدّعي النّبوة فتنطق الأشجار والأحجار بصدقه ، بأن يفعل اللّه فيه ذلك التّصديق؟ فإن قالوا : إنّ محمّدا صلى اللّه عليه وآله قال : لا نبيّ بعدي

(1) ، قيل لهم : ما أنكرتم أن يكون هذا من جملة الأكاذيب التي يفعلها اللّه في العباد ولا يقبح بالنّسبة إليه ، وحينئذ لم يكن محمّد صلى اللّه عليه وآله أولى بالتّصديق من مسيلمة ، وقد صدّقهما اللّه على حدّ واحد.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنّه يلزم تكذيب اللّه تعالى في قوله : ان ( اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (2)

ص: 386


1- رواه ابن حجر في مجمع الزوائد (الجزء 8 ص 263 ط مصر) عن ابى أمامة الباهلي ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في خطبة عام حجة الوداع : ايها الناس انه لا نبى بعدي ولا أمة بعدكم فذكر الحديث. في صحيح مسلم (الجزء 7 ص 120 ط مصر) بسنده المنتهى الى عامر بن سعد بن ابي وقاص عن أبيه ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله : أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ، ورواية أخرى عن سعد بن ابي وقاص ، قال : خلف رسول اللّه صلی اللّه عليه وآله على بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال يا رسول اللّه تخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي وهذا الحديث الشريف مروى في كتب القوم بعدة أسانيد في صحاحهم وكتاب الخصائص للنسائي وكفاية الطالب ومنتهى السؤال وغيرها ، وروى هذا المضمون بعبارات أخر.
2- البقرة. الآية 205

( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ) (1) ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (2) ( وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (3) ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (4) ( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (5) ( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) (6) ( وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) (7) ومن يعتقد اعتقادا يلزم منه تكذيب القرآن العزيز فقد اعتقد ما يوجب الكفر وحصل الارتداد والخروج عن ملّة الإسلام ، فليتعوّذ الجاهل والعاقل من هذه المقالة الرّدية المؤدّية إلى أبلغ أنواع الضّلالة ، وليحذر من حضور الموت عنده وهو على هذه العقيدة ، فلا تقبل توبته. وليخش من الموت قبل تفطنه بخطاء نفسه ، فيطلب الرّجعة ، فيقول : ( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) فيقال له ( كَلَّا ) (8)

قال النّاصب

أقول : قد مرّ أنّ كلّ ما يقيمه من الدّلائل هو إقامة الدّليل في غير محلّ النّزاع ، فانّ الأشاعرة مذهبهم المصرّح به في سائر كتبهم : أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يرضى بالقبائح والإرادة غير الرّضاء ، وما ذكر من الآيات ليس حجّة

ص: 387


1- الزمر. الآية 7.
2- الغافر. الآية 21.
3- فصلت. الآية 46.
4- الكهف. الآية 49.
5- هود. الآية 117.
6- الاسراء. الآية 38.
7- الأعراف. الآية 28.
8- اقتباس من قوله تعالى في سورة «المؤمنون» الآية 100

عليهم ، إنّما هي حجّة على من جوّز الظلم على اللّه والرّضاء بالكفر ، وهذا الرّجل أصمّ اطروش لا يسمع نداء المنادي وصوّر عند نفسه مذهبا وافترى أنّه مذهب الأشاعرة ، ويورد عليه الاعتراضات وليس أحد من المسلمين قائلا بأنّه تعالى ظالم أو راض بالكفر تعالى عن ذلك ، وما يزعم أنّه يلزم هذا الأشاعرة فهو باطل ، لأنّ الخلق غير الفعل ، والعجب أنه لا يخاف أن يلقى اللّه تعالى بهذه العقيدة الباطلة التي هي إثبات الشّركاء لله تعالى في الخلق ، مثل المجوس (1) ، وذلك

ص: 388


1- قال الفيروزآبادي في القاموس : مجوس كصبور : رجل صغير الأذنين وضع دينا ودعى اليه معرب (ميج گوش) رجل مجوسي جمعه مجوس كيهودى ويهود ، ومجسه تمجيسا : صيره مجوسيا فتمجس والنحلة : المجوسية «انتهى». أقول : في الحديث : كل مولود يولد على الفطرة أو فطرة الإسلام وأبواه يهودانه ويمجسانه. ثم أعلم أن الذي يظهر من كلام (نوفل) في كتابه المسمى بسوسنة سليمان (ص 7 ط بيروت) أن رجلا من هذه الطائفة يقال له : (زمردس) كان أخطأ الى كورس ملك فارس الذي تولى المملكة سنة 560 قبل الميلاد ، فقطع الملك المذكور اذنه قصاصا له ، ثم بعد موت كورس تولى السلطنة زمردس المذكور ثمانية أشهر حين ما كان (احشويروش) ابن كورس يومئذ بعيدا في مصر ، وهو الذي يدعى في الكتاب المقدس ارتخششتا (عزرا 704) وكان السبب في تولى زمردس المملكة أنه كان لكورس ابن آخر. يقال له زمردس أيضا. وقد قتل سرا ، وكان زمردس هذا يشبهه في الصورة ، فغش الشعب بأنه هو وملك باسمه على أنه هو ، ثم لما ظهر للناس كذبه قتلوه وقتل معه كثير من قومه وسميت أصحابه بالمجوس معناه عندهم (فاقدو (الآذان لكن أخيرا صارت هذه الكلمة علما لأهل هذه الملة «انتهى ما رمنا نقله». أقول : الذي يظهر من التتبع في كلمات المورخين : أن اسم المجوس حادث لهذه الطائفة اشتهرت به بعد هذا الرجل ، وأنه كان يطلق عليهم قبله الزراتشتية ، الفارسية ، الاذرية ، الخورية ، اليزدانية ، الاهرمانية ، وغيرها ، ولكل تسمية وجه ، فالزراتشتية نسبة الى زرتشت والفارسية الى بلاد فارس، والاذرية الى «اذر» بمعنى النار لتوجههم إليها ، والخورية الى «خور» أى الشمس ، واليزدانية الى يزدان أى النور لاعتقادهم به ، والاهرمانية نسبة الى «اهرمان» أى الظلمة لاعتقادهم بها. ثم ان المجوس تشعبت على شعب بعد ما كانوا على طريقة واحدة كالبابكية اتباع بابك ويقال لهم الحرمية كما في (فهرست ابن النديم ص 480 ط مصر) ، والمزدكية اتباع مزدك القديم وهو الذي أمرهم بتناول اللذات والعكوف على الشهوات ، وترك الاستبداد والاستقلال بعضهم على بعض ، ولهم مشاركة في الحرم والأهل لا يمتنع الواحد منهم من حرمة الآخر ولا يمنعه ، الى غير ذلك مما نسبها إليهم ابن النديم في ص 479 من الفهرست. ثم ظهر مزدك الثاني ابن فيروز وقتله أنو شروان الملك وقتل أصحابه. ومن فرق المجوس الفريدونية أتباع فريدون الذي أحدث عبادات وأشاع طرقا ، وتبعه خلق كثير. فوجه اليه أبو مسلم ، شبيب بن داح وعبد اللّه بن سعيد فقتل ، قال ابن النديم في الفهرست ص 483 : وعلى مذهبه بخراسان جماعة الى هذا الوقت. ازاحة وهم عد بعض المؤلفين المانوية اتباع مانى النقاش الرسام الشهير من المجوس والذي يظهر من ابن النديم خلافه وأنه أحدث طريقة خاصة وظن بعض المؤلفين تشعبها من النصارى ، فراجع ص 456 من الفهرست. ثم اعلم أن ابن خلدون قسم المجوس الى ثمان فرق : الكيومرثية ، الرزوانية ، الزرادشتية ، الثنوية ، المانوية ، المزدكية ، البيصانية ، الفرقونية ، وذكر الفروق بينها فراجع. وليعلم أن المجوس على تشعب فرقها اشتركت في الالتزام بمبدءين أحدهما النور وهو مبدأ كل خير وحسن من الجواهر والاعراض والأفعال ويسمون ذلك النور «أورمزد» او «یزدان». ثانيهما الظلمة وجعلوها مبدأ كل شر وقبيح من الجواهر والاعراض والأفعال و يسمونها (أهرمن) أو (أهرمان) ، وقالوا : انهما متماثلان في الازلية والقوة لكن بما ان بينهما معاندة ومنافرة كان الغالب (أورمزد) متى كثرت الخيرات في العالم ، و (أهرمن) متى كثرت الشرور. وقالوا لا بد ان يطلب الإنسان الخير لنفسه ولاحبابه من أورمزد والشر لاعدائه من أهرمن. قال نوفل أفندى في كتاب (سوسنة سليمان في اصول العقائد والأديان ص 5 ط بيروت) ما محصله : انه لم يكن للمجوس هياكل سابقا ، وكانوا يسجدون للشمس والنار على التلال أو بين الشجر تحت الجو ، أما الشمس فلأنها على زعمهم مكن اللّه تعالى شأنه، وأما النار فلمشابهتها لها في الحرارة والنور ، فأمرهم رجل من زعمائهم ان يبنوا الهياكل والمعابد لكيلا تصعب عليهم الصلاة والعبادة «انتهى». أقول : والمشهور ان المشرق جهة القبلة لهم ، وعباداتهم وصلواتهم في أوقات طلوع الشمس وزوالها وغروبها. ومن مراسمهم وجود النار المقدسة التي يحفظونها دائما على مذابحهم مشتعلة وعند ما يسجدون للشمس في وقت شروقها ولا بد من وجود هذه النار أمامهم. ومن آدابهم ان الكهنة و (المؤبذان) لا يجوز لهما ان ينفخوا تلك النار بأفواههم. وما يستعملونه لها من الوقود لا بد وان يكون حطبا نظيفا مقشورا وان انطفأت وجب ان يجددوها من نار هيكل آخر لا من النار الاعتيادية. ولهم عيدان ، وهما النيروز والمهرجان ، الاول في الاعتدال الربيعي والثاني في الاعتدال الخريفي. قال في السوسنة ص 6 : ان زرادشت قسم كتبه الى ثلاثة أقسام : قسم منها في اخبار الأمم الماضية ، وقسم في حوادث الزمن المستقبل ، وقسم في النواميس والشرائع ، وهي تحتوى على امور كثيرة أخذها من كتب اليهود مثل العشور للكهنة ، والحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة. ثم ان في أمر زرادشت وحاله اختلافا عظيما ، قال عدة من كتبة الافرنج وغيرهم : ان زرادشت المذكور كان تلميذ الدانيال النبي عليه السلام ، وانه كان يؤلف كتبه في مغارة ويسميها كتب ابراهيم الخليل عليه السلام ، ولكن عرفت عند غيره بكتب «زند» ، وقال ابن خلدون المغربي : ان بعض أهل الكتاب يقولون : ان زرادشت كان خادما لارمياء النبي عليه السلام. وأما علماء المجوس فيقولون : ان زرادشت من نسل «منوچهر» وهو نبي بعث من اللّه الى العباد ، وقال بعضهم : أنه مرسل من قبل بعض أنبياء بني إسرائيل. ومن المورخين والكتاب من جعل وجوده موهوما صرفا. ومنهم من جعله ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام وأيد دعواه بأمور منها تسمية كتبه بكتب ابراهيم عليه السلام ومنها تسمية عم ابراهيم عليه السلام (باذر) الى غير ذلك من الوجوه الباردة التي هي أو هي من كل واه. والذي يظهر بعد التأمل الصادق والتتبع التام في كتب الملل والنحل وكلمات المورخين : ان زرادشت رجل من بلاد فارس وانه ادعى النبوة ، ولم يكن نبيا قطعا ، وكان متنبيا كسائر المتنبيين ، وما ذكره بعض فقهائنا من كون المجوس أهل كتاب وان زرادشت نبيهم ، ناش من السير في الليلة الظلماء بين الصخور والجنادل الصم ، ويتلوه من عبر بان للمجوس شبهة كتاب. وليعلم ان عدة كتب لدى المجوس يعظمونها في الغاية. منها وهو اشهرها كتاب «أوستا» ويعبر عنه «وستا» و «تستا» أيضا ينسبونه الى زرادشت ، رتبه على أبواب وفصول : أوله (فرامون) شت) وذلك الفصل محتو على 6 جملات : منها «خشنوتره اهورهه مزدا اى احمد وأثنى أورمزد واسره بحمدي له. منها «اشم وهي و هشتم استى اشتا «استى فانه خير نعمة وسعادة الى آخرها ، ونقلناها عن كتاب اوستا الذي طبع ببلدة بمبئى باهتمام المؤبد تيرانداز ابن المؤبد أردشير) الفارسي المقيم بالهند. ومن كتبهم التي وقفت عليه كتاب زند في تفسير اوستا. ومنها كتاب «پازند» ومنها كتاب جاماسب نامه وينسبونه الى جاماسب الحكيم المدفون قريبا من بلدة (خفر) من بلاد شيراز. ومنها كتاب صد ويك نام في الأسماء التي تطلق عندهم عليه تعالى كايزد اى الحقيق بالعبادة و «هروسپ داه» ای عالم الأسرار و «هروسپ خدا» ای خالق الكل. و «هروسپ توان» أى القادر على الكل ، و «ختهنه» أى الذي مال الكل اليه وهكذا ، ومن كتبهم التي وقفت عليها : كتاب «پيك مزدیسنان» تأليف دين شاه جي جي باها الإيراني نزيل الهند. وكتاب «مينو خرد» وكتاب أندرز «نامه تألیف» بزرگمهر البياري. وكتاب «تعليمات زرتشت» رأيت ترجمته بقلم رشيد شهمردان المجوسي. وكتاب «دساتير زردشت» وهو كتاب حاو لاكثر مراسمهم ومعتقداتهم. وكتاب دساتير المؤبد هوش خليفة المؤبد كيخسرو إسفنديار. وكتاب درويش فانی واسمه مانكچی ليمچی هوشنك هاتريا. وكتاب ملا فيروز بن ملاكاوس في البحث عن سنة الكبيسة عند المجوس الى غير ذلك من كتبهم التي طالعتها ووقفت عليها. ولهم مراسم وأعياد ، وتحكى عن دفن أمواتهم قصص وشئون لا مجال لذكرها (إزالة وهم) ان صاحب كتاب دبستان المذاهب ذكر المجوس في أول كتابه وأطرى في الثناء عليهم وذكر محامدهم فلا يغرنك كلامه فاني ظنين في حق الرجل وأراه ممن أظهر الإسلام وادخل نفسه في زمرتهم لمقاصد سوء ، ومن العجب من بعض أعلام المحققين المتأخرين من تلاميذ شيخنا العلامة الأنصاري «قده» حيث اعتمد واستند على هذا الكتاب ، ونقل عنه في مبحث حجية الظواهر بعض الكلمات الراجعة الى التحريف. تنبيه لا يخفى عليك ان المجوس تعبر عن نبيها «زرتشت» والمورخون وأرباب كتب الملل والنحل يعبرون «زردشت» أو ( زرادشت) والمراد بالكل واحد فلا تظنن التغاير ، وقد عرفت ان المسمى بها رجل تنبى في زمن كيقباد أو قبله أو بعده على اختلاف الكلمات «هذا» ، واعتذر من القراء الكرام حيث أطنبنا الكلام في هذا المضمار ، وما ذلك لان بنائى في هذا الكتاب ان يكون مغنيا عن المراجعة الى أنواع الكتب في كل موضوع ، وكل ذلك من باب الخدمة لأهل العلم وذوى الفطن بخلوص النية وصفاء الطوية عصمنا اللّه من الهفوة والزلل وبه الاعتصام.

المذهب أردى من مذهب المجوس بوجه ، لأنّ المجوس لا يثبتون إلّا شريكا

ص: 389

واحدا يسمّونه أهرمن ، وهؤلاء يثبتون شركاء لا تحصر ولا تحصى أنّهم إذا قيل لهم :

ص: 390

ص: 391

ص: 392

( لا إِلهَ إِلَّا اللّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) (1).

أقول :

نعم الأشاعرة يقولون : إنّه تعالى لا يفعل القبيح ، لكن بمعنى أنّ ما هو قبيح في الشّاهد ليس قبيحا بالنسبة إليه تعالى ، وليس في هذا نفى صدور القبيح عنه تعالى بحسب الحقيقة ، بل بمجرّد اللّفظ والعبارة ، فلا يكون الكلام فيه خارجا عن محلّ النّزاع. وأما الفرق بين الإرادة والرّضا فقد مرّ أنه غير مرضيّ.

وأما ما ذكره من أنّ الآيات إنّما هي حجّة على من جوّز الظلم على اللّه ، وأشار به إلى أنّ الأشاعرة لا يجوّزون عليه ، ففيه أنّ عدم تجويزهم للظلم عليه إنّما هو بمعنى أنّ ما نراه ظلما في الشّاهد ليس بظلم إذا صدر عنه تعالى ، بل يقولون : هو ليس بظلم في نفسه قبل النّهى ، وإنّما صار كذلك بالشّرع وبعد وروده ، فكلّ ما صدر عنه أو أمر به ليس بظلم ، وهذا سفسطة ظاهرة كما مرّ مرارا. وأما ما ذكره في دفع لزوم ما ألزمه المصنّف على الأشاعرة بأنّ الخلق غير الفعل فهو دعوى كاذبة ذكرها شارح العقائد (2) في دفع تمسّك المعتزلة : بأنه لو كان تعالى خالقا لأفعال العباد لكان هو القائم والقاعد والأكل والشّارب والزّاني والسّارق إلى غير ذلك ، حيث دفعه بأنّ ذلك جهل عظيم ، لأنّ المتّصف بالشّيء من قام به ذلك الشّيء لا من أوجده ، أو لا يرون أنّ اللّه تعالى هو الخالق للسّواد والبياض وسائر الصّفات في الأجسام ولا يتّصف بذلك «انتهى».

وفيه أنّ حكمه بالجهل جهالة عظيمة ، لأنّ القيام قد يكون بمعنى الحصول والصّدور من الشّيء كما في اسم الفاعل من الضّارب والآكل ونحوهما ،

ص: 393


1- اقتباس من قوله تعالى في سورة الصافات. الآية 35.
2- المراد به المحقق التفتازاني شارح عقائد النسفي وقد مرت ترجمتهما.

وقد يكون بمعنى الوقوع على الشّيء وعروضه له ، فبالمعنى الأوّل يتّصف الفاعل بصدور الفعل عنه لأنّه الفاعل حقيقة سواء كان صانعا أو مصنوعا ، لأنّ الضّارب مثلا من صدر عنه الضّرب ، فإذا صدر الضّرب عن اللّه تعالى يلزم صحّة إطلاق الضّارب عليه واتّصافه بالضّاربيّة. وأما ما زعمه : من أنّ ذلك يستلزم كون خالق السّواد أسود مع أنه لا يقال له ذلك ، فخلط واشتباه (1) وقع له من اشتراك لفظ الفاعل بين الفاعل الكلاميّ الذي نحن فيه أعني الموجد وبين الفاعل النّحوي أعني المسند إليه ، ووضع أحدهما مكان الآخر ، لأنّ الأسود (2) في قولنا : اسودّ زيد مفعول كلاميّ لا فاعل كلاميّ بمعنى خالق السّواد ، والذي يقتضي مقايسته مع الضّارب والآكل اتّصافه فيما نحن فيه بكونه أسود هو الفاعل النّحويّ الذي هو مفعول كلاميّ كزيد في المثال المذكور دون الفاعل الكلاميّ (3) ، فلا يلزم من كون فاعل الضّرب ضاربا ومتصفا به كون فاعل السّواد أسود ومتّصفا به كما زعمه ، بل فاعل السّواد هو المسوّد ، فإذا كان السّواد صادرا من اللّه تعالى واقعا على زيد فاللّه تعالى مسوّد زيد لا أسود ، غاية ما في الباب أنّ عدم إطلاقه عليه تعالى لعدم الإذن الشّرعي ، لا لأنّه ليس بمسوّد حقيقة كما يظهر من كلامه.

ص: 394


1- حاصل اشتباهه أن الفاعل في قولنا : اسود زيد هو زيد ، فلو كان اتصافه بكونه أسود لأجل الفاعلية لوجب اتصاف اللّه تعالى أيضا بكونه أسود على تقدير القول : بكونه فاعلا خالقا للسواد : ووجه الدفع ظاهر مما ذكرناه «منه قده».
2- المراد بالأسود هو زيد ، اطلق عليه هذا اللفظ باعتبار استناد السواد اليه وقيامه به.
3- كذاته سبحانه أو كالشمس إذا أثر في لونه أو بعض الناس إذا ضمد بدن زيد بلون أسود «منه قده».

لا يقال : إنّ الزّاني مثلا هو المصدر (1) المتّصف بالمصدر واللّه تعالى مصدر وغير متّصف به ، لأنّا نقول عدم صحّة اتّصافه تعالى بالزّنا إنّما هو لدلالة العقل والشّرع على استحالته عليه ، والكلام في إثباته بحسب اقتضاء اللّغة وهو لازم بحسبه كما لا يخفى ، وأيضا يلزم على هذا أن لا يوجد زان أصلا ، أمّا عدم كون الزّاني هو اللّه تعالى فلما ذكرت أنّه مصدر غير متّصف به ، وأمّا أنه ليس هو العبد فلأنه ليس بمصدر بمعنى الخلق عندكم ، وكونه مصدرا بمعنى الكسب لم يثبت بعد ودون إثباته خرط القتاد.

وأما قوله : المجوس لا يثبتون إلّا شريكا واحدا وهؤلاء يثبتون شركاء لا تحصى ، ففيه : أنّ الأشاعرة لو ارتقوا إلى السّماء لما أمكن لهم الخلاص عمّا مرّ : من لزوم مشاركتهم للنّصارى في إثبات الشّركاء القدماء ولا يمكنهم معارضة ذلك بالزامنا بشيء من الشّركاء ، وذلك لظهور أنه إنّما يلزمنا مشاركة المجوس فيما ذكره لو قلنا : إنّ الشيطان نفسه أو سائر العباد أنفسهم ليسوا مخلوقين لله تعالى وقلنا : إنّهم متصرّفون مع الباري سبحانه تصرّف مقاهرة ومغالبة ونحن لا نقول بشيء من ذلك ، بل عندنا أنّ إبليس كسائر شياطين الإنس والجنّ لا يتمكّن من الصّالحين من الأنبياء وغيرهم مع ضعفهم ، فكيف بجبّار السّماوات والأرضين؟! وقد قال تعالى : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) (2) ، وقال : ( خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) (3) ، لكن لمّا كان التّكليف ينافيه الجبر خلّى الباري تعالى بين الإنسان وشيطانه ليميز (4) الخبيث كالنّاصب وأضرابه من الطيّب ، وقد نطق بذلك القرآن

ص: 395


1- اسم فاعل من الإصدار على زنة مكرم وقوله «بالمصدر» عقيب ذلك مصدر ميمى على زنة مقتل.
2- النساء. الآية 76.
3- النساء. الآية 28.
4- متخذ من قوله تعالى في سورة الأنفال الآية 37 ليميز اللّه الخبيث من الطيب.

في قوله تعالى : ( لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) (1)، وقوله : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (2) ، وقوله : ( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً ) (3) وأمثال ذلك ، وكذا الكلام في تخلية سائر العباد بينهم وبين أفعالهم ، وبالجملة إنّما يلزم مشاركة غيره تعالى معه في الفاعليّة أو عجزه ومغلوبيّته عنهم كما قد يتوهّم لو لم يقدر اللّه سبحانه على سلب القدرة والإختيار عنهم بقدرته ومشيّته القاهرة ، أمّا لو قلنا : بأنه تعالى قادر على ذلك ، وأنه لم تكن كراهته تعالى لإيجاد العباد تلك الأفعال على سبيل الجبر بل كان بسبب نهيه إيّاهم من إيقاعها على سبيل الإختيار فلا يلزم المشاركة ولا المغلوبية ، وقد قال تعالى : و ( فَلَوْ شاءَ ) اللّه ( لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) (4)، ( وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) (5) ، أى على سبيل الجبر والقهر ، ولكن ذلك ينافي التّكليف المنوط بالاختيار ، والملخّص أنّ المشاركة أو العجز والمغلوبية إنما يلزم إذا تخلّف مراده تعالى عن المشيّة القطعيّة التي يسمّيها أهل العدل مشيّة قسر وإلجاء (6) ، وهم لا يقولون بالتخلّف عنها. وأما المشية التفويضيّة فلا عجز في التخلّف عنها ، مثل أن تقول لعبدك : أريد منك كذا ولا اجبرك ، وإرادة طاعة العاصي من قبيل الثاني عندهم فلا إشكال ، وأيضا المجوس قالوا بأصلين : أحدهما فاعل الخير وهو ، يزدان ، المعبّر عنه

ص: 396


1- الاسراء. الآية 62
2- ص. الآية 82.
3- يس. الآية 62.
4- الانعام. الآية 149.
5- السجدة. الآية 13.
6- اصطلح المتكلمون من أصحابنا على تسمية هذا النوع من الإرادة بمشية القسر والحزم والبت والإلجاء وتبعوا في ذلك التعابير الواردة في أخبار ساداتنا الأئمة الميامين ، وقد أورد بعضها ثقة الإسلام الكليني في اصول الكافي فليراجع.

تارة بالنّور ، وآخر فاعل الشّر وهو ، أهرمن (1) ، المعبّر عنه تارة بالظلمة ، وأهل العدل لا يقولون إلّا بأصل واحد هو اللّه سبحانه ، وقدرة العبد ليست أصلا بل فرعا لقدرة اللّه تعالى ، مع أنّ قدرة العبد ليست فاعلة للشرور فقط بل لكل من الخير والشّر الصّادر عنه ، فلا مناسبة بين القولين عند التّحقيق ، وإنما يظهر حقيقة المناسبة بين قول المجوس وقول المجبّرة ، وذلك من وجوه ، منها أنّ المجوس قائلون بأصلين : أحدهما فاعل الخير والآخر فاعل الشرّ كما مرّ ، وليس للعباد عندهم فعل أصلا كما عند الأشاعرة ، فهم أحقّ بمشابهة المجوس ، ومنها أنّ المجوس اختصّوا بمقالات سخيفة واعتقادات واهية (2) معلومة البطلان وكذلك المجبّرة النّاصبة ، ومنها أنّ مذهب المجوس أنّ اللّه تعالى يفعل فعلا ثمّ يتبرّأ منه كما خلق إبليس ثمّ تبرّأ منه وتنفّر عنه ، وكذلك المجبّرة قالوا : إنه تعالى يفعل القبائح ثمّ يتبرّأ منها ، ومنها أنّ المجوس يقولون : (3) إنّ نكاح الأخوات والأمهات بقضاء اللّه وقدره وإرادته ووافقهم

ص: 397


1- قال المتأله السبزواري في منظومته : والشر اعدام فكم قد ضل من يقول باليزدان ثم الاهرمن. وقد مر تفصيل مقالة المجوس وما يتعلق بهم وسرد اسماء بعض كتبهم الدينية.
2- وقد مر تفصيل ذلك في التعاليق السابقة ونقلنا هناك عن كتبهم الدينية وعن غيرها ما يزيح العلة فراجع
3- نص على ذلك نوفل افندى في كتابه (سوسنة سليمان ص 6 ط بيروت) وقال ما لفظه ومنها اجازته اى زعيم المجوس للإنسان ان يتزوج ببنته وأخته او امه ، وان الذي يتزوج بامه تكون أولاده اقدس من غيرهم ، ولكن لما أخذ إسكندر المقدوني سلطة فارس أبطل هذه العادة الوحشية «انتهى». وقال ابن النديم في الفهرست (ص 479 ط مصر) ما لفظه : ولهم مشاركة في الأهل والحرم ، لا يمتنع الواحد منهم من حرمة الآخر ولا يمنعه «انتهى».

المجبرة حيث قالوا : (1) إنّ نكاح المجوس لأخواتهم وامّهاتهم بقضاء اللّه وقدره وإرادته ، ومنها أنّ المجوس قالوا : إنّ القادر على الخير لا يقدر على الشّر وبالعكس ، والمجبّرة قالوا : إنّ القدرة موجبة للفعل غير متقدمة (2) عليه ،

ص: 398


1- اسناد المقالة إليهم باعتبار انها لازم مبناهم من اسناد أفعال العباد طرا الى القضاء والقدر ومن التزم بالملزوم لا محيص له من الالتزام بلوازمه.
2- قال الشريف الجرجاني في الجزء الثاني من شرح المواقف للإيجي (ص 99 ط الآستانة) مازجا بكلام المتن ، قال الشيخ وأصحابه : القدرة الحادثة اى قدرة العبد مع الفعل اى انها توجد حال حدوث الفعل وتتعلق به في هذه الحالة ولا توجد القدرة الحادثة قبله فضلا عن تعلقها به ، إذ قبل الفعل لا يمكن الفعل بل يمتنع وجوده فيه ، والا اى وان لم يمتنع وجوده قبله بل أمكن فلنفرض وجوده فيه فهي اى فالحالة التي فرضناها انها حالة سابقة على الفعل ليست كذلك بل هي حال الفعل وهذا خلف محال لان كون المتقدم على الفعل مقارنا له يستلزم اجتماع النقيضين اعنى كونه متقدما وغير متقدم فقد لزم من وجود الفعل قبله محال فلا يكون ممكنا إذ الممكن لا يستلزم المستحيل بالذات وإذا لم يكن الفعل ممكنا قبله فلا تكون القدرة عليه موجودة حينئذ ، ولا شك ان وجود القدرة بعد الفعل مما لا يتصور ، فتعين ان تكون موجودة معه وهو المطلوب (إلخ). ثم أورد عليه بما حاصله ان المراد من حصول الفعل قبل الفعل وجود الفعل في زمان فرض خلو ذلك الزمان عن عدم الفعل ويفرض وقوع الفعل فيه بدله وانه غير محال في نفسه ولا يستلزم محالا أيضا ، فيجوز تعلق القدرة به قبل حدوثه على هذا الوجه الى آخر ما قال ثم تعرض لمقالة المعتزلة من الالتزام بكون القدرة قبل الفعل مع بقائها حال وجود الفعل كما عليه أكثرهم أو انتفائها حاله كما عليه بعضهم ، كما انهم جوزوا انتفاء الفعل حال وجود القدرة ، وصرح : بمقالة الاشاعرة وعدم تقدم القدرة وكونها موجبة أكثرهم كشارح العقائد النسفية وشارح المقاصد والقوشجي في شرحه والمولى الفنارى في عقائده والفاضل الجلبي في تعليقته على شرح المواقف وغيرهم في غير هذه الكتب. ثم ان في مسألة القدرة الحادثة مباحث عديدة كتعريفها وطرق إثباتها وككونها مؤثرة أو غير مؤثرة وانها في الإنسان عبارة عن سلامة البنية عن الآفات وليست بصفة زائدة عليها كما حكى هذه المقالة عن بشر بن المعتمر ، أو زائدة. ومن مباحثها ان الممنوع من الفعل هل هو قادر على الفعل حال كونه ممنوعا أو ليس بقادر؟ وان العجز هل هو عرض موجود مضاد للقدرة أو لا؟ وان المقدور هل هو تابع للعلم أو للارادة؟ وان النوم وأخواته هل هو ضد للقدرة؟ فلا يكون فعل النائم مقدورا أو غير مقدور ، وان القدرة مغايرة للمزاج الى غير ذلك من الأمور ، ولعلنا نتعرض لها في محالها المناسبة لها ان شاء اللّه تعالى. واعتذر من القراء الكرام حيث أطلنا الكلام وما ذلك الا لمزيد الخبرة لأرباب البصيرة والنظر عصمنا اللّه من الزلل ، آمين آمين.

فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس ، ومنها أنّ المجوس يعلّقون هذه الأحكام من مدح وذمّ وأمر ونهى بما لا يعقل وهو طبع النّور والظلمة ، والناصبة علّقوا ذلك بما لا يعقل وهو الكسب (1) هذا جزاؤهم بما كسبوا ونصبوا ،

ص: 399


1- قال في شرح المواقف (ج 2 ص 95 ط الآستانة) القدرة الحادثة على رأينا معاشر الاشاعرة لا تؤثر في فعل اصلا وليست مبدءا لاثر قطعا وان كان لها عندنا تعلق بالفعل يسمى ذلك التعلق (كسبا) الى آخر ما قال. وقال بعضهم ان أصحابنا اسندوا أفعال العباد بأسرها اليه تعالى وذهبوا الى وقوعها بقدرته تعالى وحده ، وقالوا : انه لا تأثير لقدرة العبد أصلا ، بل اللّه سبحانه اجرى عادته بانه يوجد في العبد قدرة فيكون فعل العبد مخلوقا اللّه ابداعا واحداثا ومكسوبا للعبد «إلخ». والكسب ليس له معنى محصل فتراهم مضطربين في تفسيره ، فالذي يظهر من شرح المواقف وكلام المولى على القوشجي : ان المراد به مجرد المقارنة الواقعة بين القدرة الحادثة للعبد وبين فعله بدون تأثير تلك القدرة فيه ، بل كلاهما مخلوقان اللّه تعالى وليت شعري فما الجدوى في اختراع الكسب إذا لم تكن للقدرة الحادثة للعبد دخل في فعله ولا تأثير لها فيه ، بل الفعل مخلوق اللّه تعالى ، إذ لا تدفع بالالتزام بهذا المخترع شناعة الجبر والجور وعدم الفرق بين أفعال العبد الاختيارية وبين أفعاله الاضطرارية القسرية ، إذ مجرد مقارنة القدرة الحادثة بفعل العبد بدون التأثير هل هو الا بلا طائل ونقش على الماء وضرب اللبنة في البحر. ونقل في شرح المقاصد عن امامهم الرازي انه قال : الكسب صفة تحصل بقدرة العبد لفعله الحاصل بقدرة اللّه تعالى فاصل الفعل بقدرة اللّه وخصوصية الوصف بقدرة العبد وهي المسماة بالكسب الى آخر ما قال. ونقل في (سواء السبيل ص 228 ط هند) عن الغزالي صاحب الاحياء ما لفظه : ان الأفعال مقدورة بقدرة اللّه تعالى اختراعا وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنه بالاكتساب «انتهى» الى غير ذلك من كلمات أعيانهم ومشاهيرهم المصرحة باختراع الكسب وابتداعه وأنت أيها القارئ الكريم إذا أحطت خبرا بمقالاتهم في باب الكسب فراجع الى الإنصاف فانه نعم الحكم في الباب. فهل ترى فائدة في هذا التمحل المستغنى عنه الذي يعد لغوا في نظر العقل السليم الفطري الذي يعبر عنه بالرسول الباطني وهو الذي فطر اللّه الخلق عليه وبه يثابون وبه يعاقبون. وأنشدك برب الراقصات ، وداحي المدحوات ، هل تدفع بالالتزام بالكسب شناعة الجبر والظلم؟! تعالى ربنا وتقدس عن ذلك علوا كبيرا. ثم ان أبا بكر القاضي الباقلاني عبر عن الكسب بتعبير آخر فراجع كتابه الذي سماه بالانصاف ، وكان جديرا بالتسمية بالمكابرة والاعتساف. وقال سيدنا الشريف المرتضى علم الهدى الموسوي في كتابه (العيون والمحاسن) في الفصل الثلاثين ما لفظه : سمعت الشيخ أبا عبد اللّه (أى المفيد) ادام اللّه عزه يقول ثلاثة أشياء قد اجتهد المتكلمون في تحصيل معناها عن معتقدها بكل حيلة فلم يظفروا منهم الا بعبارات تناقض المعنى منها على مفهوم الكلام. اتحاد النصرانية وكسب النجارية وأحوال البهشمية قال الشيخ ادام اللّه عزه ومن ارتاب بما ذكرناه في هذا الباب فليتوصل الى إيراد معنى واحد منها معقول الفرق بينها في التناقض والفساد ليعلم ان ما حكمنا به هو الصواب وهيهات الى آخر ما أفاد. وخلاصة الكلام ان القوم لم يأتوا في الالتزام بالكسب بما له محصل تدفع به شناعة الجبر ومحاذيره ويصان عن اللغو ، هذه كتبهم بمرئى ومسمع منك فراجعها. وقد سئلت عن العلامة السيد ابراهيم الراوي البغدادي من علمائهم الأعيان وعن غيره سؤال منقب باحث فلم أفز بجواب يروى الغليل ويبرى العليل : عصمنا اللّه وحرسنا من هواجس الأوهام وزلات الأحلام والأقلام ، آمين آمين. وستأتى منا في المباحث الآتية فوائد حول هذه المسألة فانتظر والصبر مفتاح الفرج.

ص: 400

والحمد لله رب العالمين.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنه يلزم عدم الوثوق بوعده ووعيده ، لأنه لو جاز منه فعل القبيح لجاز منه الكذب ، وحينئذ ينتفي الجزم بوقوع ما أخبر بوقوعه من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، ولا يبقى للعبد جزم بصدقه ، بل ولا ظنّ به ، لأنه لمّا وقع منه أنواع الكذب والشرور في العالم كيف يحكم العقل بصدقه في الوعد والوعيد؟! وتنتفي حينئذ فائدة التّكليف وهو (خ ل هي) الحذر من العقاب والطمع في الثّواب ، ومن يجوّز لنفسه أن يقلّد من يعتقد جواز الكذب على اللّه تعالى وأنّه لا جزم بالبعث والنّشور ولا بالحساب والثّواب ولا بالعقاب؟ وهل هذا إلّا خروج عن الملة الإسلامية؟! فليحذر الجاهل من تقليد هؤلاء ولا يعتذر بأني ما عرفت مذهبهم ، فهذا هو عين مذهبهم وصريح مقالتهم نعوذ باللّه منها ومن أمثالها.

ومنها أنه يلزم نسبة المطيع إلى السّفه والحمق ، ونسبة العاصي إلى الحكمة والكياسة والعمل بمقتضى العقل بل كلّما ازداد المطيع في طاعته وزهده ورفضه الأمور الدّنيوية والإقبال على اللّه تعالى بالكليّة والانقياد إلى امتثال أوامره واجتناب مناهيه نسب إلى زيادة الجهل والحمق والسّفه ، وكلّما ازداد العاصي في عصيانه ولجّ في غيّه وطغيانه وأسرف في ارتكاب الملاهي المحرّمة واستعمال

ص: 401

الملاذ المزجور عنها بالشّرع نسب إلى العقل والأخذ بالحزم ، لأنّ الأفعال القبيحة إذا كانت مستندة إليه جاز أن يعاقب المطيع لطاعته ولا تفيده طاعته إلّا الخسران والتّعب حيث جاز أن يعاقبه على امتثال أمره ، ويحصل في الآخرة بالعذاب الأليم السّرمد (1) والعقاب المؤبّد ، وجاز أن يثيب العاصي فيحصل بالرّبح في الدّارين ويتخلّص من المشقة في المنزلين ، ومنها أنه تعالى كلّف المحال لأنّ الآثار كلّها مستندة إليه تعالى ، ولا تأثير لقدرة العبد البتّة فجميع الأفعال غير مقدورة للعبد وقد كلّف ببعضها فيكون قد كلّف ما لا يطاق ، وجوّزوا بهذا الإعتبار وباعتبار وقوع القبيح منه تعالى أن يكلّف اللّه تعالى العبد أن يخلق مثله تعالى ومثل نفسه ، وأن يعيد الموتى في الدّنيا كآدم ونوح وغيرهما ، وأن يبلع جبل أبي قبيس دفعة ، ويشرب ماء دجلة في جرعة ، وأنه متى لم يفعل ذلك عذّبه بأنواع العذاب ، فلينظر العاقل في نفسه هل يجوز له أن ينسب ربّه تبارك وتعالى وتقدّس إلى مثل هذه التّكاليف الممتنعة؟ وهل ينسب ظالم منّا إلى مثل هذا الظلم؟! تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

ومنها أنّه يلزم منه عدم العلم بنبوّة أحد من الأنبياء عليهم السلام ، لأنّ دليل النّبوة هو أنّ اللّه فعل المعجزة عقيب الدّعوى لأجل التّصديق (2) ، وكلّ من صدّقه اللّه تعالى فهو صادق ، فإذا صدر القبيح منه لم يتمّ الدّليل ، أما الصّغرى فجاز أن يخلق المعجزة للإغواء والإضلال ، وأمّا الكبرى فلجواز أن يصدّق المبطل في دعواه. ومنها أنّ القبائح لو صدرت عنه لوجب الاستعاذة منه لأنه حينئذ أضرّ على البشر من إبليس لعنه اللّه ، وكان واجبا على قولهم أن يقول المتعوّذ : أعوذ بالشّيطان الرّجيم من اللّه تعالى ، وهل يرضى عاقل لنفسه المصير

ص: 402


1- قد مر المراد بالسرمد.
2- والمراد من التصديق اسناد الصدق اليه فان هيئة التفعيل قد يراد منه النسبة كالتفسيق والتكفير.

إلى مقالة تؤدّى إلى التّعوذ من أرحم الرّاحمين وأكرم الأكرمين ، وتخليص إبليس من اللّعن والبعد والطرد؟ نعوذ باللّه من اعتقاد المبطلين والدّخول في زمرة الضّالين ولنقتصر في هذا المختصر على هذا القدر «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد عرفت فيما سبق مذهب الأشاعرة في عدم صدور القبيح من اللّه تعالى ، وأن إجماع المليّين منعقد على أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، فكلّ ما أقامه من الدّلائل قد ذكرنا أنه إقامة الدّليل في غير محل النّزاع ، فانّ المدّعى شيء واحد وهم يسندونه بالقبح العقلي (إلى القبح العقلي ظ) ، والأشاعرة يسندونه إلى أنه لا قبيح منه ولا واجب عليه. ثمّ إنّ المعتزلة لو أرادوا من نسبة فعل القبيح إليه تعالى أنه يخلق القبائح من أفعال العباد على رأى الأشاعرة فهذا شيء يلزمهم ، لأنّ القبائح من الأشياء كما تكون في الأعراض كالأفعال تكون في الجواهر والذّوات ، فالخنزير قبيح والعقرب والحيّة والحشرات قبائح وهم متّفقون أنّ اللّه تعالى يخلقهم ، فكلّ ما يلزم الأشاعرة يلزمهم في خلق القبائح الجوهريّة.

وإن أرادوا أنّه يفعل القبائح فانّ هذا شيء لم يلزم من كلامهم ولا هو معتقدهم كما صرّحنا به مرارا. «انتهى».

أقول :

قد بيّنا آنفا أنّ قول الأشاعرة : بعدم صدور القبيح من الأسماء التي لا مسمّى لها والخيالات التي ليس لها حقيقة ، فهم ليسوا داخلين في إجماع المليّين في الحقيقة ، وأما ما ذكره من أنهم لو أرادوا من نسبة فعل القبيح إليه تعالى أنه يخلق القبائح من أفعال العباد على رأى الأشاعرة فهذا شيء يلزمهم «إلخ».

ففيه اشتباه ظاهر وحاشا أن يلزم أهل العدل مثل ذلك ، لأنّ مرادهم بالشرور

ص: 403

والقبائح التي لا يفعلها اللّه تعالى ما يكون مفاسده في نظام الوجود أكثر من مصالحه عند العقل ، وما هو محلّ النزاع من القبائح والمفاسد الصادرة من العباد كالزّنا واللّواطة والسّرقة ونحوها مما لا يجد العقل السّليم فيها فائدة ونفعا أصلا في حفظ النّظام ، ولو كانت فيها مصلحة فهي أقلّ من مفاسدها ، بخلاف ما قد يستقبحه العقل في بادي النّظر من أفعاله تعالى ، فانّه إذا تأمّل فيها العاقل ربّما يطلع على ما فيها من حكم ومصالح لا تحصى ، فيعود الاستقباح في نظره استحسانا كما في قصّة موسى مع الخضر عليهما السلام من خرق السّفينة وقتل الغلام ، وكما في تعذيب الإنسان ولده أو عبده للتّأديب والزّجر عن المنكرات ، وإليه أشار تعالى بقوله : ( إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ) (1)، وبه يتبيّن حسن خلق الحشرات والسّباع الموذيات وإبليس وذريّته وتبعته (خ ل تبقيته ظ) وإماتة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ، وأما ما ذكره بعض متصوّفة أهل السّنة موافقا لبعض المتفلسفة : من أنّ الشّهوة مثلا من حيث إنها ظلّ المحبّة الذّاتية السّارية في الوجود محمودة وعدمها وهو العنة مذمومة من حيث إنّها ليست سبب بقاء النّوع ، ومن حيث إنها موجبة للذّة التي هي نوع من التّجليات الجماليّة أيضا محمودة ، وعند وقوعها على غير موجب الشّرع مذمومة ، لكونها سببا لانقطاع النّسل وموجبا للفتن العائدة إلى العدم ، وهكذا جميع صور المرام ، فالكل منه وإليه من حيث الكمال «انتهى». فلا يخفى ما فيه من ترويج سوق الزّنا ومخالفته لبديهة العقل ولما عليه الشّرع وذووه (2). واعلم أيدك اللّه أنّ جناية المجبّرة على الإسلام كثيرة ، وبليّتها على الامّة عظيمة بحملهم المعاصي على اللّه تعالى ، وقولهم :

ص: 404


1- البقرة. الآية 22.
2- قد وردت إضافة جمع ذى مع كونه من أسماء الستة الى الضمير في النظم والنثر ومنه قول الشاعر : انما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

$$$$

إنّه لا يكون إلّا ما أراده اللّه وأنه لا قدرة للكافر على الخلاص من كفره ، ولا سبيل للفاسق إلى ترك فسقه ، وأنّ اللّه تعالى قضى بالمعاصي على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليعاقبهم عليها ، وقضى بالطاعات على قوم وخلقهم لها وفعلها فيهم ليثيبهم عليها ، وهذا الإعتقاد القبيح يسقط عن المكلف الحرص على الطاعة والاجتهاد في الانزجار عن المعصية ، لأنه يرى أنّ اجتهاده لا ينفع ، وحرصه لا يغني ، بل لا اجتهاد له في الحقيقة ، ولا حرص ، لأنه مفعول فيه غير فاعل ، وموجد فيه غير موجد ، ومخلوق لشيء لا محيد (1) له عنه ، ومسوق إلى أمر لا انفصال له منه ، فأىّ خوف مع هذا يقع؟ وأىّ وعيد معه ينفع؟ نعوذ باللّه ممّا يقولون ونتبرّأ ممّا يعتقدون ، ونعم ما أنشد بعض أهل العدل إشارة إلى ما اعتقده هؤلاء خذلهم اللّه تعالى ، شعر :

سألت المخنّث عن فعله *** علام (2) تخنّثت يا ماذق (3)

فقال : ابتلاني بداء (4) العضال *** وأسلمني (5) القدر السّابق

ولمت الزّناة على فعلهم *** فقالوا بهذا قضى الخالق

وقلت : لآكل مال اليتيم : *** أكلت وأنت امرؤ فاسق

فقال : ولجلج (6) في قوله *** أكلت وأطعمني الرّازق

وكلّ يحيل على ربّه *** وما فيهم واحد صادق

ص: 405


1- حاد حيدا وحيدانا ومحيدا : مال عن الطريق وعدل ، وفي بعض النسخ المخطوطة «لا محيص له عنه».
2- علام : في الأصل على ما. وشاع حذف ألف ماء الاستفهامية إذا دخلتها حروف الجارة
3- مذق الود : شابه بكدر ولم يخلصه.
4- داء عضال بضم العين : أى داء معى غالب.
5- اسلم : إذا لدغته الحية.
6- لجلج ، تردد في الكلام.

ولنختم هذا المقام بمحاكمة يحكم بحسنها العاقل المتّصف بالانصاف ، وهو أن نقول : إن أراد الأشاعرة بقولهم : إنّه لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه ، أنه علّة قريبة لجميع الموجودات بأن يكون مؤثرا فيها لا بواسطة شيء آخر ، فهو بعيد عن الصّواب ، وخروج عن الملّة الاسلاميّة ، وإسناد للقبائح والشّرور إليه تعالى ، وكلّ ذلك مستلزم للمحال ، ونقول للمعتزلة : إن أرادوا بكون العبد موجدا لفعله ، أنّه علّة تامّة لوجود أثره وانقطاع تأثير اللّه البتّة سواء كان بواسطة أو بلا واسطة فهذا أيضا بعيد عن الصّواب ، لأنّ فعل العبد بالضرورة متوقف على قدرته وآلاته ، وبالضّرورة ليستا منه ، فلا يكون هو علّة تامّة في وجود أثره ، ثمّ نقول : علّة العلّة هل هي علّة بالحقيقة أم لا؟ فان كان علّة العلّة علّة حقيقة كان الجميع مستندا إلى اللّه تعالى ، لكنّ الأمر ليس كذلك ، بل علّة العلّة علّة على سبيل المجاز لوجوب استناد الأثر إلى المباشر القريب ، ولمّا كان العبد مباشرا قريبا لفعله أسندت أفعاله الواقعة بحسب قصده إليه لأنّه السّبب في وجودها ، مثال ذلك : أنّ النحل موجد للعسل ، ولا يقال : إنّ النّحل موجد للحلاوة في الذائقة بل الموجد لها هو العسل ، لأنّه العلّة القريبة فيها ، والنحل أوجد الحلاوة بواسطة العسل ، فهو علّة للعلّة لا علّة حقيقة ، وعلى هذا تحمل الآيات الواردة (1) في القرآن العزيز التي بعضها تدلّ على استناد الأفعال إليه تعالى ، وبعضها على

ص: 406


1- الآيات التي يمكن للمتوهم استشمام رائحة الجبر منها مجتمعة في ست أنواع : النوع الاول وهو العمدة في الباب الآيات المتضمنة لنسبة الإضلال الى اللّه تعالى ، وهي اثنتان وثلثون آية : (1) في سورة المدثر الآية 31 (2) فاطر 8 (3) النحل 93 (4) ابراهيم 4 (5) الرعد 27 (6) الشورى 44 (7) الشورى 46 (8) غافر 33 (9) الزمر 36 (10) الكهف 17 (11) الاسراء 97 (12) الرعد 33 (13) الأعراف 186 (14) الأعراف 178 (15) النساء 143 (16) النساء 88 (17) محمّد صلى اللّه عليه وآله 4 (18) غافر 34 (19) غافر 74 (20) النحل 37 (21) ابراهيم 27 (22) التوبة 115 (23) البقرة 26 (24) الأعراف 155 (25) الجاثية 23 (26) محمد 1 (27) محمد 8 (28) الروم 29 (29) النساء 88 (30) الانعام 125 (31) الانعام 39 (32) الزمر 23 وهي على اقسام (منها) الآيات المتضمنة لنسبة الإضلال اليه تعالى من غير بيان لمن يتعلق به كقوله تعالى ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) «غافر 33» (ومنها) الآيات المتضمنة لنسبة الإضلال اليه تعالى لمن يشاء من غير تعيين لمن يشاء إضلاله كقوله تعالى ( فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ ) «ابراهيم عليه السلام» 4. (ومنها) ما دل على إضلاله تعالى لمن كفر واختار الكفر فيضل اللّه له كقوله تعالى ( كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ الْكافِرِينَ ) (ومنها) ما دل على حصر الإضلال في حق الفاسقين وانه تعالى لا يضل الا من فسق وبعد من طاعة اللّه كقوله تعالى ( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ) (ومنها) ما دل على انه تعالى يضل المرتابين والمسرفين وغيرهم من الذين اختاروا أنحاء العصيان. ودلالة هذه الآيات مقصورة على إضلاله تعالى لمن اختار الكفر أو الظلم أو الفسوق ، وليس فيها دلالة بوجه من الوجوه على أنه تعالى يضل أحدا قبل اختياره بنفسه الكفر والظلم والفسوق ، وستأتى الآيات الدالة على تنزيهه تعالى عن الظلم وان ما أصابهم من السوء كان بسوء اختيارهم كقوله تعالى : (وَما ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) «النحل 118» وقوله تعالى : (إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) «النحل 118» وقوله تعالى (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» «آل عمران 25». النوع الثاني الآيات المتضمنة لاسناد الهداية التكوينية الى اللّه تعالى وهي ثمان وسبعون آية. (1) البقرة 143 (2) البقرة 213 (3) الانعام 90 (4) الأعراف 30 (5) الرعد 31 (6) النحل 36 (7) طه 122 (8) الاعلى 3 (9) الضحى 7 (10) الانعام 149 (11) النحل 9 (12) الأعراف 43 (13) الزمر 57 (14) النحل 121 (15) الزمر 18 (16) آل عمران 8 (17) الانعام 84 (18) الانعام 88 (19) مريم 58 (20) الأعراف 155 (21) القصص 56 (22) الشورى 52 (23) العنكبوت 69 (24) الأعراف 178 (25) الاسراء 97 (26) الكهف 17 (27) الزمر 37 (28) التغابن 11 (29) الانعام 77 (30) البقرة 26 (31) البقرة 142 (32) البقرة 258 (33) البقرة 264 (34) البقرة 272 (35) آل عمران 86 (36) المائدة 16 (37) المائدة 51 (38) المائدة 67 (39) المائدة 108 (40) الانعام 88 (41) الانعام 144 (42) التوبة 19 (43) التوبة 24 (44) التوبة 37 (45) التوبة 80 (46) التوبة 109 (47) يونس 25 (48) يوسف 52 (49) الرعد 27 (50) ابراهيم 4 (51) النحل 37 (52) النحل 93 (53) النحل 107 (54) الحج 16 (55) النور 35 (56) النور 46 (57) القصص 50 (58) القصص 56 (59) فاطر 8 (60) الزمر 3 (61) الزمر 23 (62) غافر 28 (63) الشورى 13 (64) الأحقاف 10 (65) الصف 5 (66) الصف 7 (67) الجمعة 5 (68) المنافقون 6 (69) المدثر 31 (70) الفتح 2 (71) الكهف 24 (72) الانعام 126 (73) النساء 137 (74) النساء 168 (75) النحل 104 (76) الحج 54 (77) الانعام 35 (78) السجدة 13. وهذه الآيات تدل على ان الهداية من اللّه تعالى الا ان هناك آيات أخر تدل على ان لاختيار العبد مدخلا في هدايته كقوله تعالى في سورة الكهف. الآية 29 (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وفي سورة الروم. الآية 44 (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). فكون الهداية من اللّه تعالى بمعنى أن اللّه تعالى قد اعطى عبده قوة الإدراك ، وجعله محفوفا ومحاطا بآيات الهداية وبراهين المعرفة ، ومنع عنه تسويلات شياطين الانس والجن ، كل ذلك مع انه تعالى خلى بين العبد وبين إرادته حيث لم يرد خلافه والا كان العبد ساقطا في حضيض الكفر والعصيان ، فهو تعالى شأنه أحق بحسنات العبد من نفسه. وأما ضلالة العبد فهي ناشئة من سوء اختياره والا فمع تواتر تسويلات إبليس وغيره فهو غير مسلوب الاختيار وقد أعطاه اللّه تعالى قدرة الايمان والكفر وقوة المعرفة والتمييز، وجعل آيات الهداية وبراهين التوحيد بمعرض نظره ومرئى بصره ، فليس ضلال العبد من ناحية اللّه وان كان له تعالى قوة قاهرة على عباده ( لَوْ يَشاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ) وقهر عليهم بالهداية طوعا أو كرها ، الا انه تعالى حيث سهل على عبده طريق الهداية وأعطاه أسبابها وجعله مختارا في الاهتداء وعدمه كان لله المنة عليه وان اختار الضلال وترك الاهتداء ، مثله ان من اعطى فقيرا درهما ليشتري به الخبز فاشترى به سما فأكله وقتل به لم يكن لمعطى الدرهم لوم في ذلك بل له المنة على الفقير حيث أعطاه الدرهم. النوع الثالث الآيات المتضمنة لاسناد ما هو بمعنى الإضلال اليه تعالى شأنه وهي نحو من تسع عشر آية. (1) الحج 44 (2) الرعد 32 (3) الحج 48 (4) الأعراف 183 (5) القلم 45 (6) يونس 33 (7) النساء صلى 155 (8) التوبة 93 (9) النحل 108 (10) محمد صلب اللّه عليه وآله 16 (11) الأعراف 100 (12) يونس 74 (13) الأعراف 101 (14) الروم 59 (15) غافر 35 (16) التوبة 87 (17) المنافقون 3 (18) البقرة 7 (19) الكهف 28 وقد مر المراد من هذه الآيات في ذيل آيات النوع الاول. النوع الرابع ما توهم من الآيات دلالتها على اسناد فعل العبد اليه تعالى وهي آيتان (الاولى) قوله تعالى في سورة الصافات. الآية 96. (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ). بناء على كون ما مصدرية ، وتبطله قرينة سابقها وتدل على كونها موصولة فان ظاهر السياق ان المراد من ما تعملون هو ما تنحتون يعنى الأصنام والخشب (الثانية) قوله تعالى في سورة الأنفال. الآية 17 : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) . وهذه ايضا لا تدل على مطلوبهم فإنها صريحة في اسناد الرمي الى نفس العبد لقوله تعالى : (إِذْ رَمَيْتَ) ، وان كانت متضمنة لسلب الاستناد عنه ايضا بقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ) ، فهي تدل على مذهب الأمربين الأمرين دون مذهب الجبر. النوع الخامس ما دل على نفى القوة والقدرة عن غير اللّه جلت عظمته كقوله تعالى شأنه في سورة الكهف. الآية 39 : (ولا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّهِ) . ولا تنافى بين هذا المعنى وبين اختيار العبد وقدرته على فعله ، فانه إذا لو حظ في قبال القدرة الربوبية يكون عاجزا محضا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وإذا لو حظ في طول قدرته تعالى وان اللّه قد أعطاه القدرة والقوة وان قدرته من آثار قدرته تعالى يرتفع التنافي بين ثبوت القدرة للعباد ومفاد قوله تعالى ( لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّهِ ) . وقد دل على ثبوت القدرة للعباد من كلامه تعالى آيات كقوله عز من قائل في سورة الكهف. الآية 29 : ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) . وفي سورة الروم. الآية 44 : ( مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ) . وفي سورة النحل. الآية 4 : ( مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) . النوع السادس ما دل على ان النفع والضرر بيد اللّه كقوله تعالى في سورة الأعراف الآية 188 : (قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللّه) . والمراد منه بملاحظة نحو قوله تعالى في سورة الكهف. الآية 29 : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). وفي سورة البقرة الآية 231 : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). مع ملاحظة نحو قوله تعالى في سورة الانعام. الآية 112 : (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) والآية 137. (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) ، ان العبد قد أعطاه اللّه قدرة الفعل يؤمن ان شاء ويكفر ان شاء الا ان اللّه تعالى لو أراد المنع عنه لم يقدر العبد على فعل ما أراده وينسلب عنه القدرة ، وسيجيء ان هذا أحد وجوه الأمر بين الأمرين. والآيات التي يستفاد منها اقداره تعالى للعبد ويمكن للمتوهم استشمام رائحة التفويض منها مجتمعة في سبعة انواع. النوع الاول ما تضمنت اسناد الإساءة والإحسان الى نفس العبد كقوله تعالى في سورة الاسراء. الآية 15. وفي سورة يونس. الآية 108. وفي سورة الزمر، الآية 41 : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْها). وقوله تعالى في سورة سباء. الآية 50 : (وقُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي). والآيات على هذا النمط كثيرة جدا. النوع الثاني الآيات المشتملة على تنزيه الساحة الربوبية عن الظلم كقوله تعالى (1) في سورة النساء الآية (إنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ). وهي أربعون آية (2) هود (101 (3) النحل 118 (4) الزخرف 76 (5) آل عمران 117 (6) النحل 33 (7) البقرة 279 (8) يونس 44 (9) الكهف 49 (10) التوبة 70 (11) العنكبوت 40 (12) الروم 9 (13) آل عمران 117 (14) الأنبياء 47 (15) يس 54 (16) النساء 77 (17) الأنفال 60 (18) البقرة 281 (19) آل عمران 25 (20) آل عمران 161 (21) النساء 49 (22) النساء 124 (23) الانعام 160 (24) يونس 47 (25) يونس 54 (26) النحل 111 (27) الاسراء 71 (28) مريم 60 (29) المؤمنون 62 (30) الزمر 69 (31) الجاثية 22 (32) الأحقاف 19 (33) غافر 17 (34) آل عمران 108 (35) غافر 31 (36) آل عمران 182 (37) الأنفال 51 (38) الحج 10 (39) فصلت 46 (40) ق 29. النوع الثالث الآيات الدالة على ان اللّه تعالى يختبر عباده في أفعالهم هل يختارون الايمان والطاعة أو الكفر والمعصية كقوله تعالى (1) في سورة الملك الآية 2 : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) . عَمَلَاةِ ، وهي نحو من سبع وستين آية (2) الأنفال 17 (3) آل عمران 186 (4) النمل 40 (5) المائدة 94 (6) النحل 92 صلى اللّه (7) هود 7 (8) الانعام 165 (9) المائدة 48 (10) محمد صلی اللّه عليه وآله 4 (11) الكهف 7 (12) البقرة 155 صلى اللّه (13) الأنبياء 35 (14) محمد صلی اللّه عليه وآله 31 (15) القلم 17 (16) الأعراف 168 (17) آل عمران 166 (18) آل عمران 142 (19) آل عمران 140 (20) سبأ 21 (21) البقرة 143 (22) الفجر 15 (23) البقرة 124 (24) الحجرات 3 (25) المائدة 94 (26) آل عمران 167 (27) آل عمران 154 (28) آل عمران 152 (29) الأحزاب 11 (30) البقرة (49 (31) الأعراف 7 (32) ابراهيم 16 (33) الصافات 106 (34) الدخان 33 (35) البقرة 249 (36) المؤمنون 30 (37) الانعام 53 (38) طه 58 (39) العنكبوت 3 (40) ص 34 (41) الدخان 17 (42) طه 40 (43) ص 24 (44) الحديد 14 (45) طه 131 (46) الجن 17 (47) طه 90 (48) النمل 47 (49) النحل 110 (50) التوبة 126 (51) العنكبوت 2 (52) البقرة 102 (53) الأنفال 28 (54) يونس 58 (55) الاسراء 60 (56) الأنبياء 35 (57) الأنبياء 111 (58) الحج 53 (59) الفرقان 20 (60) الصافات 63 (61) الزمر 49 (62) القمر 27 (63) الممتحنة 5 (64) التغابن 15 (65) المدثر 31 (66) الأعراف 155 (67) الفجر 16. النوع الرابع الآيات المتضمنة لترجى الايمان والهداية والحذر والتضرع والتقوى وأمثالها من العباد ، الظاهر بعد سلخه عن معنى الجهل والترديد في أن اللّه تعالى يحب تلك الأمور من عباده كقوله تعالى في سورة الانعام. الآية 154 : (لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ). وفي سورة السجدة : (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) وفي سورة التوبة. الآية 126 : ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). وفي سورة الانعام الآية 42 : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) . وفي سورة البقرة. الآية 187 : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) . وهذه الآيات بجميعها سبع وتسعون آية. النوع الخامس : الآيات الدالة على ان الثواب والعقاب جزاء ما كسبه العبد وهي كثيرة جدا كقوله تعالى في سورة البقرة الآية 281 وسورة آل عمران الآية 161 : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ). وفي سورة الجاثية. الآية 22 : ﴿وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) . وفي سورة المدثر. الآية 38 : (كل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). وفي سورة النساء. الآية 111 : ﴿وَمَنْ يَكْسِبُ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ). وفي سورة الكهف. الآية 106 : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً). وفي سورة التحريم. الآية 9 : للذين كفروا عذاب (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). وفي سورة آل عمران. الآية 198 : (ولكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ هُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). وفي سورة البينة. الآية : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). وهذه الآيات كثيرة جدا حازت الكثرة بين آيات الكريم. النوع السادس آيات المذمة والتوبيخ للكفار والفساق ، فانه لا يصح إلا مع كونهم مختارين في أفعالهم كقوله تعالى في سورة البقرة الآية 28 : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ) . وفي سورة آل عمران. الآية 101 : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) . وفي سورة المزمل. الآية 17 : ( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) . وفي سورة آل عمران. الآية 98 : ( لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ ) . وفي سورة العنكبوت. الآية 167 : ( أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ ) . وفي سورة المؤمنون. الآية 105 : ( أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ) . النوع السابع الآيات المصرحة باستناد الكفر والايمان والطاعة والعصيان الى العباد كقوله تعالى في سورة ابراهيم. الآية : (وَقَالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ). وفي سورة آل عمران. الآية 19 : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ). وفي سورة ص. الآية 28 : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا كَالْمُفْسِدِينَ) . وفي سورة النور. الآية 52 : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولِئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ). وفي سورة المائدة. الآية 78 : (لذلِكَ بِما عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) . وقد نقلنا هذه الآيات لبيان المثال ، والا فالآيات التي تدل على استناد الأفعال الى العباد أكثر من ان تحصى ، فلا تغفل. في الأمر بين الأمرين اعلم ان المستفاد من مجموع الطائفتين المتقدمتين من الآيات الكريمة على تعدد أنواعهما ، ان ما يصدر من العبد له جهتان فمن إحدى الجهتين يستند الى العبد لكونه صادرا عنه باختياره وإرادته ، وهو واضح بحسب الآيات المتقدمة ، والقرآن مشحونة من اسناد الأفعال الى الناس. ومن الجهة الأخرى له ارتباط بالساحة الربوبية سبحانه وتعالى ، وقد عرفت الآيات الكثيرة الدالة على نسبة الهداية والإضلال اليه تعالى. وأما كيفية الارتباط فهي على ما يستفاد من الآيات على أحد من الوجوه الأربع : الأول ان وجود العبد وما يصدر به عند الفعل من الجوارح والجوانح من ناحية الخلاق المتعال جلت عظمته ، وقد . أعطاه اللّه قدرة فعل الخيرات والشرور ليوصل نفسه الى أعلى درجات العليين التي لا يصل إليها الا بالاختيار. فإذا صدر من العبد فعل فالعلة لتكون الفعل هو العبد واللّه تعالى علة لتكون نفس العبد ولآلاته وقدرة اختياره للفعل والترك فهو علة بعيدة لتكون الفعل. الثاني ان قدرة الباري جلت عظمته محيطة بافعال العباد ، فان شاء منعهم عما يختارون من الأفعال وأوقعهم في غيرها ، قال اللّه تعالى : (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) ، فهو جلت عظمته حيث خلق هذه النشأة لأجل الامتحان ، فقال عز من قائل : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) ، فلم يمنعهم عما يختارون من الكفر والايمان وجعلها في حبالة مشيتهم فقال تعالى في سورة الكهف الآية 29 : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). ملخص هذا الوجه ارتباط أفعال العباد اليه تعالى من حيث عدم المانع وعدم معارضتهم بنقيض ما يريدون الثالث ان الشهوات النفسانية ومشتهياتها من الأمور أعنى غرائز الشهوة ومتعلقاتها في الخارج التي توقع العبد في الضلالة والزلل عن طريق الهدى كلها من قبل اللّه تعالى وقد أعطاه القدرة في إيجاد أى عمل يريده من الحسنات أو السيئات لأجل الفتنة والامتحان ليبلوه في هذه النشأة. فحيث ان تلك الغرائز التي مثلها مثل بعض أجزاء العلة لاتمامها من ناحيته تعالى صدق بنحو من الصدق ان الإضلال من اللّه تعالى ، وان كان وقوع العبد في الضلالة باختياره وإرادته ويشهد لصدق الإضلال مع عدم إرادة وقوع الغير في الضلالة قوله تعالى حكاية عن ابراهيم في سورة ابراهيم. الآية 36 : ﴿وَرَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ) عبادك ، مع ان وقوعهم في الضلال كان بارادة أنفسهم لا محالة والا فالاصنام ليست الا خشبا مسندة فاقدة للإدراك لا يمكن وقوع العباد في الضلال بارادة الأصنام. ومحصل هذا الوجه كون شرائط فعل العبد التي هي جزء من العلة التامة من ناحية اللّه تعالى. الرابع تصرفه تعالى في قلوب العباد وتزيينه لهم سوء عملهم عقوبة لما صدر عنهم من الكفر والفسوق كما بينه تعالى بقوله (1) في سورة يونس الآية 12 (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (2) وفي سورة التوبة. الآية : 37 :(فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) (3) وفي سورة غافر . الآية 37 : ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ) . و تزيينه حسن عملهم لما صدر عنهم من الطاعة والايمان كما (4) في قوله تعالى سورة الحجرات. الآية 7 (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ). ويدل على هذا المعنى عدة من الآيات (5) الانعام 138 (6) الانعام 108 (7) النمل 4 (8) البقرة 212 (9) آل عمران 14 (10) الانعام 122 (11) الرعد 33 (12) فاطر 8 (13) محمد 14 (14) الفتح 12.

ص: 407

ص: 408

ص: 409

ص: 410

ص: 411

ص: 412

ص: 413

ص: 414

استناد الأفعال إلينا وتنطبق على المذهب الحقّ أعني قولنا : إنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين (1) ، كما روى عن الامام الهمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلامواختاره الشّارح القديم للتّجريد فقال : والحقّ في هذه المسألة أن لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين أمرين ، وذلك لأنّ لقدرة العبد تأثيرا في أفعال نفسه لكن قدرته على الفعل لا تكون مقدورة له بل يخلقها اللّه تعالى فيه ، ولقدرة اللّه تعالى أيضا مدخل في صدور الفعل عنه فلا يكون جبرا صرفا ولا تفويضا صرفا بل أمر بين الأمرين.

ص: 415


1- روى في الكافي بسنده عن محمد بن يحيى عمن حدثه عن أبى عبد اللّه قال لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، قال : قلت : وما أمر بين أمرين؟ قال مثل ذلك رجل رأيته على معصيته ، فنهيته فلم ينته ، فتركته ، ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية. وروى فيه بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت أجبر اللّه العباد على المعاصي؟ قال : لا ، قلت : ففوض إليهم الأمر ؟ قال : لا ، قال : قلت : فما ذا ؟ قال : لطف من ربك بين ذلك. وروى فيه بسنده عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قالا : ان اللّه ارحم بخلقه من ان يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها ، واللّه أعز من ان يريد أمرا فلا يكون قال : فسئلا عليهماالسلام : هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : نعم أوسع مما بين السماء والأرض. وروى فيه بسنده عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن الجبر والقدر فقال : :لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم أو من علمها إياه العالم. أقول ومرادهما عليهماالسلام اللّه من القدر المقابل للجبر الذي حكم بكون المنزلة بينهما أوسع مما بين السماء والأرض ليس القدر المصطلح الذي ذهب اليه الجبرية ، بل القدر بمعنى القدرة اى قدرة العبد وكمال سلطته بحيث كانت ازمة الأمور طرا بيده ، وهذا هو المعنى الذي يساوق التفويض ، ولا تستبعدن أيها القاري الكريم حمل القدر على هذا المعنى فإنك إذا راجعت كتب اللغة رأيت اطلاق القدر على القدرة شايعا. ويشهد لهذا المعنى ما رواه هاهنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن الجبر والقدر فقال : لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم أو من علمها إياه العالم. وروى بسنده الى يونس عن عدة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال له رجل : جعلت فداك أجبر اللّه العباد على المعاصي؟ قال : فقال : اللّه أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها فقال له : جعلت فداك ففوض اللّه الى العباد ؟ قال : فقال : لو فوض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهى ، فقال له : جعلت فداك فبينهما منزلة؟ قال : فقال : نعم أوسع ما بين السماء والأرض ، وما رواه بسنده عن احمد بن محمد بن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام ان بعض أصحابنا يقول بالجبر ، وبعضهم يقول بالاستطاعة قال : فقال لي : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ، قال على بن الحسين : قال اللّه عجل : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء وبقوتي أديت الى فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا ، (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، وذلك انى اولى بحسناتك منك ، وأنت اولى بسيئاتك منى ، وذلك أنى لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، قد نظمت لك كل شيء تريد. وروى في امالى شيخنا حجة الإسلام الصدوق بسنده عن صباح بن عبد الحميد وغير واحد قالوا : قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام انا لا نقول جبرا ولا تفويضا. وروى فيه بسنده عن سليمان بن جعفر الجعفري عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال ، ذكر عنده الجبر والتفويض قال : الا أعطيكم في هذا اصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم فيه احد الاكسرتموه قلت : ان رأيت ذلك فقال : ان اللّه عجل لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه ، فان اهتم العباد بطاعة لم يكن اللّه عنها صادا ولا مانعا ، وان ائتمروا بمعصية فشاء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وان لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه. قال (عليه السلام) : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه. وروى في كتاب التوحيد بسنده عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : ان اللّه عز جل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون اليه وأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى الأخذ به وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل الى تركه ولا يكونوا آخذين ولا تاركين الا بإذن اللّه. وروى فيه بسنده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن على بن موسى الرضا (عليه السلام) قال : قلت له : يا ابن رسول اللّه ان الناس ينسبون الى القول بالتشبيه والجبر لما روى في ذلك عن آبائك الأئمة ، فقال : يا ابن الخالد أخبرني ان الاخبار التي رويت عن آبائي الأئمة في التشبيه أكثر ام الاخبار التي رويت عن النبي (صلی اللّه عليه وآله). فقلت : بل ما روى عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) في ذلك أكثر ، قال : فليقولوا ان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) كان يقول بالتشبيه والجبر ، إذا فقلت له : انهم يقولون ان رسول اللّه لم يقل من ذلك شيئا وانما روى عليه ، قال : فليقولوا في آبائي : انهم لم يقولوا من ذلك شيئا وانما روى عليهم. ثم قال (عليه السلام) : من قال بالتشبيه فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة يا بن خالد انما وضع ) للأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة اللّه ، فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن ابغضهم فقد أحبنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برنا ، ومن برهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد أكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردنا ، ومن ردهم فقد قبلنا ، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدقهم فقد كذبنا ، ومن كذبهم فقد صدقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا. يا ابن خالد من كان شيعتنا فلا يتخذ منهم وليا ولا نصيرا. وروى في الكافي بسنده عن على بن الحكم وعبد اللّه بن يزيد جميعا عن رجل من أهل البصرة ، قال : سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الاستطاعة ، فقال : أبو عبد اللّه (عليه السلام) أتستطيع ان تعمل ما لم يكون ، قال : لا ، قال : فتستطيع ان تنتهي عما قد كون ، قال : لا ، قال : فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) فمتى أنت مستطيع ، قال : لا أدرى ، قال : فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) : ان اللّه خلق خلقا فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لم يفوض إليهم فهم مستطيعون للفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلك الفعل وإذا لم يفعلوه لم يكونوا مستطيعين ان يفعلوا فعلا لم يفعلوه لان اللّه تعالى أعز من ان يضاده في ملكه أحد ، قال البصري : فالناس مجبورون؟ قال : لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين ، قال : ففوض إليهم؟ قال : لا ، قال : فما هم قال : علم منهم فعلا فجعل فيهم آلة الفعل فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصري اشهد انه الحق وانكم أهل بيت النبوة والرسالة. وروى بسنده عن صالح النيلي قال : سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) هل للعباد من الاستطاعة شيء قال : فقال لي : إذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها اللّه فيهم قال : قلت : وما هي؟ قال الآلة مثل الزنا إذا زنى كان مستطيعا للزنا حين زنى ولو أنه ترك الزنا ولم يزن كان مستطيعا لتركه إذا ترك قال : ثم قال : ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا قلت : فعلى ما ذا يعذبه قال : بالحجة البالغة والآلة التي ركبها فيهم ، ان اللّه لم يجبر أحدا على معصيته ولا أراد إرادة حتم الكفر من أحد ولكن حين كفر كان في إرادة اللّه ان يكفر ، وهم في إرادة اللّه وفي علمه ان لا يصيروا في شيء من الجبر قلت : أراد منهم ان يكفروا؟ قال : ليس هكذا أقول ولكني أقول : علم انهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم وليست إرادة حتم انما هي إرادة اختيار. وروى فيه بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال : قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام) يا يونس لا تقل بقول القدرية فان القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس ، فان أهل الجنة قالوا : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا اللّه. وقال أهل النار : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. وقال إبليس رب بما أغويتني. فقلت : واللّه ما أقول بقولهم ولكني أقول : لا يكون الا بما شاء اللّه وأراد وقدر وقضى ، يا يونس تعلم ما المشية؟ قلت : لا ، قال : هي الذكر الاول ، فتعلم ما الإرادة؟ قلت : لا ، قال : هي العزيمة على ما يشاء ، فتعلم ما القدر؟ قلت : لا ، قال : هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ، قال : ثم قال : والقضاء هو الإبرام وإقامة العين. قال : فاستأذنته ان اقبل رأسه وقلت له : فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة. وروى في كتاب التوحيد بسنده عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيما كتب اليه مما اختلف فيه الناس وأجاب عنه فمنه ، وسألت رحمك اللّه عن الاستطاعة للفعل فان اللّه عزوجل خلق العبد وجعل له الآلة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ولا متحرك الا وهو يريد الفعل وهي صفة مضافة الى الشهوة التي خلق اللّه رجل مركبة في الإنسان فإذا تحركت الشهوة في الإنسان اشتهى الشيء واراده فمن ثم قيل للإنسان مريد ، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة فمن ثم قيل للعبد مستطيع متحرك ، فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الإنسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل ساكن فوصف بالسكون فإذا اشتهى الإنسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرك بالقوة المركبة فيه واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عند ما تحرك واكتسبه فقيل فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع أو لا ترى؟ ان جميع ذلك في صفات يوصف بها الإنسان. وروى في الاحتجاج : ومما أجاب به أبو الحسن على بن محمد في رسالته الى أهل الأهواز ، حين سألوه عن الجبر والتفويض بعد كلام طويل ثم قال :(عليه السلام) ومرادنا وقصدنا الكلام في الجبر والتفويض وشرحهما وبيانهما ، وانما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب والخبر دليلا لما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء اللّه تعالى فقال : الجبر والتفويض بقول الصادق (عليه السلام) عندنا ، سئل عن ذلك فقال : لا جبر ولا تفويض بل امر بين الأمرين ، قيل فما ذا؟ يا ابن رسول اللّه ، قال : صحة العمل وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله ، فهذه خمسة أشياء ، فإذا نقص للعبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا ، وانا اضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاث وهي الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث من شرحه ويشهد به القرآن محكم آياته وتحقق تصديقه عند ذوى الألباب واللّه العصمة والتوفيق. ثم قال (عليه السلام) : فأما الجبر فهو قول من زعم ان اللّه عزوجل جبر للعباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم اللّه وكذبه ورد عليه قوله : ولا يظلم ربك أحدا ، وقوله جل ذكره : بما قدمت يداك وان اللّه ليس بظلام للعبيد مع آي كثيرة في مثل هذا. فمن زعم انه يجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على اللّه عزوجل وظلمه في عقوبته له ، ومن ظلم اللّه فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه لزمه الكفر بإجماع الامة ، المثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ولا يملك عرضا من عروض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه ، فأمره على علم منه بالمصير الى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به وعلم المالك على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه الا بما يرضى به من الثمن ، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفى الجور ، فأوعد عبده ان لم يأته بالحاجة ان يعاقبه فلما صار العبد الى السوق وحاول أخذ حاجته التي بعثه المولى للإتيان بها وجد عليها مانعا يمنعه فيها الا بالثمن ولا يملك العبد ثمنها ، فانصرف الى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة ، فاغتاظ مولاه لذلك وعاقبه على ذلك فانه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته ، وان لم يعاقبه كذب نفسه ، أليس يجب ان لا يعاقبه ، والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة تعالى اللّه عما يقول المجبرة علوا كبيرا. ثم قال بعد كلام طويل : فأما التفويض الذي أبطله الصادق وخطأ من دان به فهو قول القائل : ان اللّه عزوجل فوض العباد اختيار أمره ونهيه واهملهم وفي هذا كلام دقيق لم يذهب الى غمره ودقته الا الأئمة المهديون (عليه السلام) من عترة آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله) فإنهم لو فوض اللّه إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا به الثواب ولم يكن لهم فيما اجترموا العقاب إذا كان الإهمال واقعا ، ونتصرف هذه المقالة على المعنيين اما ان يكون العباد تظاهروا عليه فالزموه قبول اختيارهم بارائهم ضرورة ، كره ذلك ام أحب ، فقد لزمه الوهن ، أو يكون جل وتقدس من عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى عن إرادته ففوض أمره ونهيه إليهم واجراهما على محبتهم أو عجز عن تعبدهم بالأمر والنهى على إرادته ، فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان ، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه وادعى مالك العبد انه قاهر قادر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأو عده على معصيته العقاب فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف أمره ونهيه ، فأي امر أمره به أو نهى نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه وبعثه في بعض حوائجه ، وفيما الحاجة له فصدر العبد بغير تلك الحاجة خلافا على مولاه وقصد إرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره ، فقال العبد اتكلت على تفويضك الأمر الى فاتبعت هواى وإرادتي لان المفوض اليه غير محظور عليه لاستحالة اجتماع التفويض والتحظير ، ثم قال (عليه السلام) فمن زعم ان اللّه تعالى فوض قبول أمره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير أو شر وأبطل أمر اللّه ونهيه. ثم قال (عليه السلام) : ان اللّه خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم من الأمر والنهى ، وقبل منهم اتباع أمره ورضى بذلك منهم ونهاهم عن معصية وذم من عصاه وعاقبه عليها ، ولله الخيرة في الأمر والنهى يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويثيب ويعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه ، لأنه العدل ومنه النصفة والحكمة بالغ الحجة بالاعذار والإنذار ، واليه الصفوة يصطفى من يشاء من عباده اصطفى محمدا (صلی اللّه عليه وآله) وبعثه بالرسالة الى خلقه. ولو فوض اختيار أمره الى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية ابن أبى الصلت وأبى مسعود الثقفي إذ كانا عندهم افضل من محمد (صلی اللّه عليه وآله) ، لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعنونهما بذلك فهذا هو القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض. بذلك أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سأله عتابة بن ربعي عن الاستطاعة ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : تملكها من دون اللّه او مع اللّه؟ فسكت عتابة ابن ربعي ، فقال له : قل يا عتابة ، قال : وما أقول؟ يا أمير المؤمنين ، قال : تقول تملكها باللّه الذي يملكها من دونك ، فان يملكها كان ذلك من عطائه وان سلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملك والمالك لما عليه أقدرك ، اما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حيث يقولون : لا حول ولا قوة الا باللّه ، فقال الرجل وما تأويلها يا أمير المؤمنين قال لا حول منا عن معاصى اللّه الا بعصمة اللّه ولا قوة لنا عن طاعة اللّه الا بعون اللّه قال : فوثب الرجل فقبل يده ورجليه. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

ص: 416

ص: 417

ص: 418

ص: 419

ص: 420

ص: 421

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الرابع في أنّ اللّه تعالى يفعل لغرض وحكمة ، قالت الاماميّة : إنّ اللّه تعالى إنّما يفعل لغرض (1) وحكمة وفائدة ومصلحة ترجع إلى المكلّفين ونفع يصل إليهم. وقالت الأشاعرة : إنّه لا يجوز أن يفعل شيئا لغرض ولا لمصلحة ترجع إلى العباد ولا لغاية من الغايات ، ولزمهم من ذلك محالات ، على مقالة الاشاعرة تستلزم محالات منها أن يكون اللّه تعالى لاعبا عابثا(2) في فعله فانّ العابث ليس إلّا الذي يفعل لا لغرض وحكمة

ص: 422


1- مسألة كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض والغايات مما وقع التشاجر فيه بين المسلمين فاصحابنا والمعتزلة وابن هيثم من قدماء الاشاعرة وضياء الدين البلخي من متأخريهم ذهبوا الى كونها معللة بحكم ومصالح وغايات عائدة الى الخلق لا اليه تعالى لغنائه واستغنائه عما سواه. وذهب جل الاشاعرة الى عدم كونها معللة وتمسكوا بوجوه ضعيفة سيشير إليها المصنف والقاضي الشهيد قدهما» ويرد ان تلك الوجوه بما لا مزيد عليه. ومن الاشاعرة من فصل كابن هيثم وقال : انها ليست بمعللة عقلا ، ولكن حيث دلت النصوص والظواهر الكتابية على كونها معللة كقوله تعالى : (ما خَلَقْتُ الجنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فلا بد من ا الأخذ بتلك الظواهر من دون تأويل للتعبد المحض. وأنت خبير بان العقل السليم الفطري مساعد لها فلا وجه لاحتمال صرفها عن ظواهرها. واعلم أن الذي دعى المفصل الى التفصيل كونه من الظاهرية أتباع داود بن على الاصفهاني. صلى اللّه ثم اعلم أن الاخبار المأثورة عن أهل البيت المستفاد علمهم من علم النبي علي الا اللّه ناصة على كونها معللة ، وتنادى بحيث لا يبقى ريب لمريب على بطلان عدم كونها معللة ، فراجع كتب أصحابنا والجوامع الحديثية حتى ترى ذلك بعين العيان بحيث تستغنى عن البيان واللّه العاصم.
2- النسبة بين العبث واللعب العموم من وجه لصدق الاول على فعل لغوى لا يعد في العرف لعبا وصدق الثاني على الالعاب الدائرة كالشطرنج والآس والنرد ونحوها مع تعلق غرض عقلائى به وصدقهما على الالعاب التي لم يتعلق بها غرض كذلك.

بل مجّانا ، واللّه تعالى يقول : ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (1) ، ( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) (2)، والفعل الذي لا غرض للفاعل فيه باطل ولعب تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق أنّ الأشاعرة ذهبوا إلى أنّ أفعال اللّه تعالى ليست معلّلة بالأغراض ، وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائيّة ، ووافقهم على ذلك جهابذة (3) الحكماء وطوائف الالهيّين ، وذهبت المعتزلة ومن تابعهم من الإماميّة إلى وجوب تعليلها ، ومن دلائل الأشاعرة أنه لو كان فعله تعالى لغرض من تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة لكان هو ناقصا لذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا يصلح غرضا للفاعل إلّا ما هو أصلح له من عدمه ، وذلك لأنّ ما استوى وجوده وعدمه بالنّظر إلى الفاعل وكان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا له على الفعل وسببا لإقدامه عليه بالضرورة ، فكلّ ما كان غرضا وجب أن يكون باعثا له على الفعل وسببا لإقدامه عليه بالضرورة ، فكلّ ما كان غرضا وجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل وأليق به من عدمه وهو معنى الكمال ، فإذا يكون الفاعل مستكملا بوجوده ناقصا بدونه هذا هو الدّليل ، وذكر هذا الرّجل أنّه يلزم من هذا المذهب محالات ، منها أن يكون اللّه تعالى لاعبا عابثا ، والجواب التحققى أنّ العبث ما كان خاليا عن الفوائد والمنافع وأفعاله

ص: 423


1- الأنبياء. الآية 16.
2- آل عمران. الآية 191
3- الجهابذة جمع الجهبذ : الناقد العارف بتمييز الجيد من الردى.

تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى راجعة إلى مخلوقاته تعالى ، لكنّها ليست أسبابا باعثة على إقدامه وعللا مقتضية لفاعليّته فلا تكون أغراضا له ولا عللا غائية لأفعاله حتّى يلزم استكماله بها ، بل تكون غايات ومنافع لأفعاله وآثارا مترتبة عليها فلا يلزم أن يكون شيء من أفعاله تعالى عبثا خاليا عن الفوائد ، وما ورد من الظواهر الدّالة (1) على تعليل أفعاله تعالى ، فهو محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض والعلّة «انتهى».

أقول :

قد سبق أنّ ما نسبه إلى الحكماء الالهيّين افتراء عليهم ، وإنّما نفوا عنه تعالى الغرض المستلزم للاستكمال أو لإظهار الكمال لا مطلقا ، وقد أيّدنا ذلك هناك بكلام بعض المتألهين (2) ، ونشدّ عضده (3) هاهنا بكلام بعض المحقّقين (4) حيث قال : قالت الفلاسفة : إنّ واجب الوجود تعالى وتقدّس جواد مطلق وهو المعطي لمن ينبغي لا لعوض (5) أى لا لطلب المجازاة والتّعويض في مقابلة تلك الإفاضة ،

ص: 424


1- كالايتين المتقدمتين.
2- هو مصنف مسالك الافهام «منه قده».
3- اقتباس من قوله تعالى في سورة القصص. الآية 35.
4- هو السيد الفاضل الشاه طاهر الأنجداني الإسماعيلي رحمه اللّه في شرحه لباب الحادي عشر. «منه قده» أقول : هو اسماعيلى نسبا لا مذهبا كما افاده بعض الاجلة.
5- قال بعض العارفين : شعر : آفريدم تا ز من سودى كنند *** تا ز شهدم دست آلودى كنند من نكردم خلق (أمر خ ل) تا سودى كنم *** بلكه تا بر بندگان جودى كنم

بل ولا مع قصد ذلك ، إذ من كان فاعلا لذلك لا يعدّ جوادا بل مصانعا ومتاجرا (1)ومستفيدا ، فلا يكون جوادا مطلقا ، بل الجواد المطلق من تنزّه فيضه وعطاؤه عن قصد شيء من ذلك ، ولهذا تنزّهت أفعاله عن الأغراض المستلزمة لشيء ممّا ذكرناه (2) حتّى قصد إفاضة الكمال لأجل الكمال أو لإظهار الكمال ، فانه حينئذ لا يكون كاملا مطلقا ولا جوادا كذلك ، وأما ما ذكره من دليل الأشاعرة (3) فهو ممّا أخذه (4) بعض متأخّري الأشاعرة من ظاهر كلام الفلاسفة تقوية لمذهب

ص: 425


1- من تاجر بمعنى اتجر.
2- هذا محل الاعتضاد حيث خص الأغراض التي تنزه سبحانه عنها بما ذكره هاهنا من قبل.
3- قال المصنف رفع اللّه درجته في بحث القياس من نهاية الوصول بعد ذكر الإيرادات على القول بنفي الغرض : وبالجملة قول الاشاعرة : الفاعل لغرض مستكمل به حكم أخذوه من الحكماء وهم لم ينكروا العلل الغائية ولا شوق «سوق خ ل» الأشياء الى كمالاتها والا لبطل علم منافع الأعضاء وفوائد الغايات وعلم الهيئة وأكثر الطبيعيات وغيرها ، بل قالوا : إيجاد الموجودات عنه تعالى على أكمل ما يمكن ، لا بأن يخلق الشيء ناقصا ، ثم يكمله بقصد ثان ، لأنه تعالى كامل لذاته ، قادر على تكميل كل ناقص بحسب استعداده ، فيخلقه مشتاقا الى كماله من غير استيناف تدبير ، والغرض الذي نفوه استيناف ذلك التدبير في الإكمال بالقصد الثاني ، واستقصاء الكلام في هذا المقام ذكرناه في نهاية المرام ، لأنه الفن المتعلق به انتهى «منه قده».
4- قال فخر الدين الرازي في المحصل : أن ليس للواجب تعالى غرض في فعله ، لان كل من كان كذلك كان مستكملا بفعل ذلك الشيء ، والمستكمل بغيره ناقص لذاته. وقال المحقق الطوسي «قده» في نقده : ان هذا حكم أخذه من الحكماء واستعمله في غير موضعه فإنهم لا ينفون شوق الأشياء الى كمالاتها الذي هو الغرض من أفعاله والا لبطل علم منافع الأعضاء وقواعد العلوم الحكمية من الطبيعيات والإلهيات وغيرهما وسقطت العلة الغائية بأسرها عن الاعتبار ، بل يقولون : ان افاضة الموجودات عن مبدئها يكون على أكمل ما يمكن ، لا بأن يخلق ناقصا ثم يكمله بقصد ثان ، بل بها يخلقه مشتاقا الى كماله لا باستيناف تدبير ويعنون بالغرض المنفي عنه استيناف ذلك التدبير لإكماله بالقصد الثاني انتهى. منه «ره».

شيخه الأشعري مع تشنيعهم دائما على الاماميّة والمعتزلة بتوهّم موافقتهم إيّاهم في بعض المطالب والدّلائل وفيه نظر ، إذ لا يلزم من قوله : لو كان فعله تعالى لغرض ، أن يكون مستكملا بتحصيل ذلك الغرض. بل اللّازم كونه مكملا لوجود ذلك الفعل ، لأنّ الاستكمال عبارة عن الحصول بالفعل لما له ذلك الحصول ، ولا حصول هاهنا متجدّد إلّا لوجود ذلك الفعل لا للفاعل بل هو مستجمع لجميع كمالاته من الأزل إلى الأبد ولأسباب الكمالات لغيره التي هي صفات واعتبارات لذاته من جملتها التّكميل والإيجاد الحاصل له دائما من غير تجدّد ، بل المتجدّد له هو تعلّقه بأفراد المكلّفين ، وأيضا إنّما يلزم الاستكمال أن لو كان الغرض عائدا إليه تعالى ونحن لا نقول بذلك ، بل الغرض إمّا عائد إلى مصلحة العبد أو إلى اقتضاء نظام الوجود بمعنى أن نظام الوجود لا يتمّ إلّا بذلك الغرض فيكون الغرض عائدا إلى النّظام لا إليه ، وعلى كلّ من الأمرين لا يلزم الاستكمال.

فان قيل : أولويّة عود الغرض إلى الغير يفيد استكماله بالغير ، ومساواته بالنسبة إليه تعالى تنافي الغرضيّة ، على أنّ تخليد الكفار في النّار وإماتة الأنبياء وإبقاء إبليس أفعال لا مصلحة فيها أصلا ، قلت : لا نسلّم أنّه لو استوى حصول الغرض وعدم حصوله بالنّسبة إليه تعالى لم يصلح لأن يكون غرضا داعيا إلى فعله ، وإنّما يلزم لو لم يكن الفعل أولى من التّرك بوجه من الوجوه ، وهاهنا ليس كذلك فانّه بالنّسبة إلى العبد أولى ، ولو سلّم فنقول : الغرض كالاحسان مثلا أولى و

ص: 426

أرجح من عدمه عنده تعالى بمعنى (يعنى خ ل) : أنه عالم بارجحيّة الإنسان في نفس الأمر ، ولا يلزم من أولوية الإحسان بالمعنى المذكور عنده استكماله تعالى لأنّ الأنفع أرجح في نفس الأمر ، فلو لم يكن عالما بالأرجحيّة يلزم عدم علمه بكونه أنفع ، فيلزم النّقص فيه وهو تعالى منزّه عن النّقص هذا ، والنّفع في التّخليد راجع إلى المؤمنين حيث يلتذّون بايمانهم عند علمهم بتخليد الكفّار في النار كما يفهم من قوله تعالى : ( وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ) (1)، وفي إماتة الأنبياء راجع إليهم عليهم السلام وهو خلاصهم من مكاره الدّنيا وفوزهم برغائب العقبى واتصالهم بنور القدس(2) وفي إبقاء إبليس راجع إلى المؤمنين حيث يحاربونه ويجاهدونه فيفوزون بسبب ذلك إلى الأجر والثّواب ، فظهر أن فعله تعالى لا بدّ أن يشتمل على غرض سواء كان راجعا إلى المفعول أو إلى غيره.

ثم أقول : يمكن أن يختار في الجواب أنّ فعله تعالى لغرض عائد إليه ومنع لزوم نقصانه قبل حصول ذلك الغرض ، لجواز أن يكون حصول ذلك الغرض في هذا الزّمان كمالا ، فلا يلزم أن يكون الواجب قبل حصوله ناقصا ولا أن يكون عريّا عن صفة كمال (3) ، بل اللازم أن يكون عريّا عن شيء لم يكن كمالا إلى ذلك الزّمان ، وأيضا لا نسلّم أن يكون الاحتياج في الفاعليّة إلى الغير مطلقا موجبا

ص: 427


1- سورة الأعراف. الآية 44.
2- كلها مأخوذ من كلمات أهل البيت في الأحاديث الشريفة.
3- فانا نعلم قطعا في الشاهد أن الخلو عن بعض الصفات الكمالية في بعض الأوقات كمال دون بعض كالالتحاء بالنسبة الى ابن عشر سنين مثلا فلم لا يجوز أن يكون في الغائب كذلك. منه «قده».

للنّقصان ، فانّه تعالى محتاج في صفاته الفعليّة إلى مخلوقاته (1) ، وأيضا لا يجوز أن يكون الواجب تعالى علّة تامة لوجود الحادث وإلّا يلزم قدمه ، فاحتاج إيجاده إلى حادث آخر ، وهكذا ، فيلزم أن يكون كلّ حادث مسبوقا بمواد غير متناهية ، والاحتياج في فاعليّته إليها غير مستلزم للنّقصان ، فكيف يكون الاحتياج فيها إلى الغرض مستلزما له؟! وأيضا يحتاج الواجب في إيجاد العرض إلى وجود المحل وفي إيجاد الكلّ إلى وجود الجزء ، والشيخ الأشعري وإن قال : بأنه لا علاقة بين الحوادث المتعاقبة إلّا بإجراء العادة بخلق بعضها عقيب بعض كالإحراق عقيب مماسة النّار والرىّ بعد شرب الماء ، وليس للماسّة والشّرب مدخل في الإحراق والرّىّ ، لكن بديهة العقل شاهدة بأنّ وجود المحل له مدخل في وجود العرض ووجود الجزء في وجود الكلّ. وأيضا تعليل أفعاله تعالى راجع إلى الصّفات والكمالات الفعليّة (2) كخالقيّة العالم ورازقيّة العباد ، والخلوّ عنها ليس بنقص قطعا ، وإنّما النّقص خلوّه عن الصّفات الحقيقيّة ، وبهذا يندفع ما قيل : إنّ الغرض علّة لعلّيّة العلّة الفاعليّة ، فلو كان لفعله تعالى غرض لاحتاج في علّيته إليه والمحتاج إلى الغير مستكمل به بلا مرية «انتهى».

ووجه الدفع ظاهر ممّا ذكرناه ، ويمكن أن يدفع بوجه آخر وهو : أنّ غرض الفاعل يكون سببا للفاعل على الاقدام بفعله ، بمعنى أنّ العلم بالغاية المترتّبة على المعلوم يكون سببا للفاعل على الإقدام بالفعل ، الا ترى؟ أن الغرض

ص: 428


1- والحاصل أن كل ما اتصف به تعالى من النسب المتجددة ونحوها كمال فعلى ، فعلى تقدير تجدد تلك النسب يلزم أن يكون تعالى خاليا عنها قبل تجددها فيكون ناقصا قبل تجددها. منه «قده».
2- والحاصل أن الغرض كمال فعلى ككونه محمودا أو مشكورا مثلا. منه «قده».

باعتبار الوجود الذهني الغير الأصيل يكون باعثا على الاقدام وهو بهذا الوجود كيفية فيك وعلم ، فعلى هذا إنّما يلزم استكماله تعالى عن علمه في مذهب الأشاعرة وهو عندهم جائز ، بل يجوز عن سائر أوصافه الثّمانية ، وعندنا علمه ليس صفة موجودة حتّى يلزم الاستكمال من الغير ، بل ليس هاهنا إلا عالمية محضة وذات عالم يعبّر عنه في الفارسيّة «بدانا» فلا يلزم علينا استكماله من الغير ويلزم عليهم استكماله عن أمر آخر سوى ما جوّزوا استكماله عنه. لا يقال : إنّ الأشاعرة انّما قالوا بعدم الغرض في أفعاله تعالى ، لأنّ الغرض عند من قال به فاعل لفاعلية الفاعل وهم لا يقولون بفاعل غير (1) اللّه تعالى. لأنا نقول : لا قائل بأنّ الغرض فاعل لفاعليّة الفاعل ، بل المشهور أنّه علّة ، وهو أعمّ من الفاعل ، ولو سلّم فنقول :إنهم لا يقولون بفاعل غير اللّه تعالى يكون مؤثرا في الوجود(2) والفاعليّة (3) أمر اعتباريّ (4) ، وأيضا لو صحّ ذلك يلزم أن لا يقولوا بالغرض في أفعالنا أيضا ، ويمكن أن يجاب عن أصل الشّبهة أيضا بأنّ الغرض إذا كان عاديّا كما أنّ النّار سبب عاديّ للإحراق عند الأشاعرة لا يلزم منه الاستكمال ، فانّ الذّات يمكن أن يفعل بلا سبب فلا يكون ناقصا. لا يقال : إنّ الأشاعرة إنما استدلوا على نفى تعليل أفعال اللّه تعالى بالغرض حقيقة وليس مقصودهم نفى السببيّة العاديّة.

لأنا نقول : لا فرق بين الباعث الحقيقيّ والعاديّ في أنّه لا بدّ أن يكون وجوده أولى وأصلح بالنّسبة إلى الفاعل ، وأيضا يتوجّه على أصل مدّعى الخصم ما مرّ : من أنهم يقولون بحجيّة القياس وهي فرع أن تكون أفعاله تعالى معلّلة

ص: 429


1- أى الصفات السبعة أو الثمانية.
2- لا في كل شيء حتى الأمور الاعتبارية.
3- أى الفاعلية التي قيل ان الغرض فاعل له. منه «قده».
4- فيجوز أن يكون العبد فاعلا له عندهم أيضا.

بالأغراض ، ونقل شارح الطوالع (1) عن أكثر الفقهاء : أنهم قالوا بتعليلها ، وقد اعترف بذلك شارح المقاصد (2) ، حيث قال : ألحقّ أنّ تعليل بعض الأفعال سيّما شرعية الأحكام والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفّارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك ، والنّصوص (3) أيضا شاهدة بذلك كقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (4) ، ومن أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل (5) الآية ، فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج (6) الآية.

ولهذا يكون القياس حجّة إلا عند شرذمة ، وأمّا تعميم ذلك فمحلّ بحث «انتهى كلامه» : وفيه أنّ النّصوص كما دلت على إثبات الغرض في البعض دلت على الكلّ ، لأنّ الحديث القدسيّ : لولاك لما خلقت الأفلاك (7)، ويا إنسان

ص: 430


1- الطوالع : هو كتاب طوالع الأنوار في الكلام للقاضي البيضاوي ، وعليه شروح اشهرها شرح الشيخ شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الاصفهانى المتوفى 749 ويليه في الاشتهار شرح المحقق الشريف الجرجاني المتوفى 816 ، ولعل المراد به هنا الاول كما هو المنصرف اليه عند الإطلاق.
2- المقاصد : للمحقق التفتازاني وأشهر شروحه شرح الشريف الجرجاني ولعله المراد هاهنا.
3- مراده من النصوص الأدلة الصريحة سواء كانت من الكتاب أو السنة.
4- سورة الذاريات. الآية 56.
5- سورة المائدة. الآية 32.
6- سورة الأحزاب. الآية 37.
7- قال المحدث القاوقچى في اللؤلؤ المرصوع (ص 66 ط مصر) حديث (لولاك لما خلقت الأفلاك) لم يرد بهذا اللفظ ، بل ورد (لولاك ما خلقت الجنة ، ولولاك ما خلقت النار) وعند ابن عساكر (لولاك لما خلقت الدنيا) «انتهى». أقول : وقد ورد في أخبارنا المروية ما يدل علی هذا المعنی بتعابير مختلفة ، فليراجع الى ما ألف في سيرته صلى اللّه عليه وآله سيما أحاديث خلقته «ص». وفي ذلك غنى وكفاية لمن تبصر.

خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي(1) ، وكنت كنزا مخفيّا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لا عرف (2) وأمثالها (3) تدلّ على التعميم ، وأيضا العقل كاف في

ص: 431


1- رواه في الجواهر السنية (ص 292 ط بمبئى).
2- قال العجلونى في كتابه مزيل الخفاء (ج 2 ص 132 ط مصر) : كنت كنزا لا اعرف فأحببت ان اعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بى فعرفوني ، وفي لفظ فتعرفت إليهم فبي عرفوني قال ابن تيمية : ليس من كلام النبي «ص» ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف ، وتبعه الزركشي والحافظ ابن حجر في اللآلي والسيوطي وغيرهم ، وقال القاري : لكن معناه صحيح مستفاد من قوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) اى ليعرفونى كما فسره ابن عباس رضى اللّه ، والمشهور على الالسنة كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت خلقا ، فبي عرفوني ، وهو واقع كثيرا في كلام الصوفية واعتمدوه وبنوا عليه اصولا لهم «انتهى». وقال ابن الديبع الشيباني في كتاب تمييز الطيب ( ص 153 ط مصر) ما لفظه : كنت كنزا لا اعرف فأحببت ان اعرف فخلقت خلقا فعرفتهم فعرفوني ، قال ابن تيمية : انه ليس من كلام النبي «ص» ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف وتبعه الزركشي وابن حجر «انتهى». أقول : وكذا يظهر من بعض الاصحاب ، وبعد ذلك فمن العجب! انه شرح هذه الجملة بعض العلماء زعما منه ، أنه خبر مروى وحديث مأثور عنه «ص» وعليك بالتثبت والتحري.
3- في دلالة الحديث الاول على ثبوت الغرض في جميع أفعاله تعالى نظر ، اللّهم الا أن يقال : إذا ثبت أن الأفلاك وهي الأشرف خلقت لغرض وجود النبي «ص» ثبت كون الأرض وما فيها بطفيل وجوده بطريق أولى. أو يقال : ان المراد السماوات مع ما فيها ، أو يقال : لا قائل بالفصل. منه «قده»

الحكم بأنّ المختار لا بدّ لفعله من غرض ، والمانع كان النقص ، فإذا ارتفع النّقص بالوجوه السّابقة بقي الحكم صحيحا مؤيّدا بالنقل ، والحقّ أنّ القول بتعليل الأفعال هو الحق الذي ليس للشبهة إلى ساحته مجال ، والصّواب الذي لا ترتع حوله خطأ واختلال ، لكن الأشعريّ قد سبق على لسانه ذلك المحال لقلّة شعوره ، وتورّطه (1) في مخالفة أهل الاعتزال ، وطمعه بذلك رفعة شأنه عند الجهال. ثمّ وسّع أصحابه دائرة المقال بضمّ أضعافه (2) من الأغاليط والتيتال (3) ليوقعوا في الأوهام أنّ ما ذكره شيخهم كلام دقيق لا يفهم ولا يرام إلّا بعد طيّ مراتب النّقض والإبرام ، والذي يشهد على ذلك ما ذكره السيّد معين الدّين الإيجي الشافعي (4) في رسالة ألفها لتحقيق مسألة الكلام حيث ساق الكلام فيها من تشنيع شيخه الأشعريّ في تلك المسألة على ما ذكرناه سابقا إلى تشنيعه في هذه المسألة ، فقال : اعلم أنّه رضي اللّه عنه قد يرعوي (5) الى عقيدة جديدة بمجرّد اقتباس قياس لا أساس له ، مع أنّه مناف لصرائح القرآن وصحاح الأحاديث مثل أنّ أفعال اللّه تعالى غير معلّلة بغرض ، ودليله (6) كما صرّح به في كتبه أنّه يلزم تأثر الرّبّ عن شعوره

ص: 432


1- تورط الرجل : وقع في الورطة أو في أمر مشكل وهلك.
2- جمع الضعف بكسر الضاد المعجمة لا الضعف بالفتح والضعف بالضم ، والكلمة من المثلثات.
3- التيتال لفظ فارسي مولد يطلق على الكلام المشتمل على الخبط والفساد الكثير الذي لا يأتى به الا الأحمق الذي لا شعور له كالاشعرى ومن تبعه من معاشر الاشاعرة.
4- قد مرت ترجمته سابقا فليراجع.
5- اى رجع. والارعواء مطلق الرجوع، والكف عن الجهل.
6- أقول : يمكن ان يجاب عن دليله هذا بمثل ما أجيب به عن الاستدلال على المقدمة القائلة ببطلان قيام الحادثات بذاته تعالى : بأنه يلزم تأثره تعالى من غيره حيث أجيب عنه في بعض حواشي التلويح في بحث المقدمات الأربع : بأنه ان أراد أنه تعالى لا يتأثر عن غيره أصلا فممنوع، وان أراد أنه لا يتأثر عن غيره في الوجود فمسلم ، لكن لا نسلم (لا يخفى خ ل) انه يلزم هذا التأثر على تقدير قيام الحادث بذاته تعالى ، وأيضا لو صح هذا الدليل لزم أن لا يتصف الواجب بالنسب المتجددة لأنها أيضا توجب التأثر والتغير في الذات (انتهى) فتأمل فيه. منه «قده».

بخلقه ، وأنت تعلم أنّه لا يشك ذو مرّة (1)أنّ علمه تعالى (2) بالممكنات والغايات المترتّبة عليه صفة ذاتيّة وفعله موقوف على صفة ذاتيّة وكم من الصّفات الذّاتية موقوفة على صفة مثلها و ( تَعالى (3) جَدُّ رَبِّنا ) عن أن يحصل له بواسطة شعوره بغاية الشّيء شوق وانفعال في ذاته الأقدس كما في الحيوانات «انتهى كلامه».

ولا يخفى أنّه كما يدلّ على أنّ كلام الأشعريّ في هذه المسألة مبنيّ على قياس لا أساس له يدلّ على أنّ ذلك القياس قياس الغائب على الشّاهد ، مع أنّ أهل السّنة لا يجوّزون ذلك فتأمّل ، فانّ الفكر فيه طويل ، واللّه الهادي للسبيل ، وأما ما ذكره من الجواب الذي سمّاه تحقيقيا فبطلانه ظاهر ، لأنّه مع منافاته لما ذكروه في بحث الحسن والقبح من أنّه ليس في الأفعال قبل ورود الأمر

ص: 433


1- المرة بالكسر : أصالة العقل. وبالضم الخلط الصفراوي وضد الحلاوة.
2- حاصله : أن علمه تعالى بالممكنات والغايات المترتبة عليها صفة له تعالى فلو توقف فعله تعالى عليها لا يلزم استكماله عن الغير ، بل اللازم توقف فاعليته على بعض الصفات ولا محذور فيه ، لان صفات الذات بعضها متوقفة على بعض كالقدرة على العلم والحياة ، فلا يلزم من توقف فاعليته التي هي صفة اضافية على العلم محذور. منه «قده»
3- اقتباس من قوله تعالى ، في سورة «الجن» الآية 3 : ( وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ) .

والنّهى جهة محسّنة أو مقبّحة يصير منشئا للأمر والنّهى مردود ، بأنّ الفاعل إذا فعل فعلا من غير ملاحظة فائدة ومدخليّتها فيه يعدّ ذلك الفعل عبثا أو في حكم العبث في القبح ، وإن اشتمل على فوائد ومصالح في نفس الأمر ، لأنّ مجرّد الاشتمال عليها لا يخرجه عن ذلك ، ضرورة أنّ ما لا يكون ملحوظا للفاعل عند إيقاع الفعل ولا مؤثّرا في إقدامه عليه في حكم العدم كما لا يخفى على من اتّصف بالانصاف.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنّه يلزم أن لا يكون اللّه تعالى محسنا إلى العباد ، ولا منعما عليهم ، ولا راحما ، ولا كريما في حقّ عباده ، ولا جوادا ، وكلّ هذا ينافي نصوص الكتاب العزيز ، والمتواتر من الأخبار النّبوية ، وإجماع الخلق كلّهم من المسلمين وغيرهم ، فإنّهم لا خلاف بينهم في وصف اللّه تعالى بهذه الصّفات على سبيل الحقيقة ، لا على سبيل المجاز ، وبيان لزوم ذلك أنّ الإحسان إنّما يصدق لو فعل المحسن نفعا لغرض الإحسان إلى المنتفع ، فانّه لو فعله لا لذلك لم يكن محسنا ، ولهذا لا يوصف مطعم الدّابّة لتسمن حتّى يذبحها بالإحسان في حقّها ولا بالانعام عليها ، ولا بالرّحمة ، لأنّ التعطف والشّفقة إنّما يثبت مع قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفعه ، لا لغرض آخر يرجع إليه ، وإنما يكون كريما وجوادا لو نفع الغير للإحسان وبقصده ، ولو صدر منه النّفع لا لغرض لم يكن كريما ولا جوادا ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، فلينظر العاقل المنصف من نفسه ، هل يجوز أن ينسب ربّه جلّ وعزّ إلى العبث في أفعاله ، وأنّه ليس بجواد ولا محسن ولا رحيم ولا كريم؟! نعوذ باللّه من مزالّ الأقدام والانقياد إلى مثل هذه الأوهام «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جوابه منع الملازمة ، لأنّ خلوّ الفعل من الغرض لا يستدعي كون

ص: 434

الفاعل غير محسن ولا راحم ولا منعم ، فأنّ معنى الغرض ما يكون باعثا للفاعل على الفعل ، ويمكن صدور الإحسان والرّحم والإنعام من الفاعل من غير باعث له ، بل للافاضة الذاتيّة التي تلزم ذات الفاعل ، نعم لو كان خاليا من المصلحة والغاية ، لكان ذلك الفعل عبثا ، وقد بيّنا أنّ أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والغايات والمصالح ، فلا تكون أفعاله عبثا ، وأما قوله : إنّ التّعطف والشفقة إنّما يثبت مع قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفعه فإن أراد بالقصد الغرض والعلّة الغائية ممنوع وإن أراد الإختيار وإرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه بالتّعيين ، فذلك في حقّه تعالى ثابت ، وهذا لا يتوقف على وجود الغرض والعلّة الغائية «انتهى».

أقول :

ما ذكره في منع الملازمة منع لمقدّمة أثبتها المصنّف بقوله : فإنّه لو فعله لا كذلك لم يكن محسنا إلخ وقد أشرنا إليه أيضا في دفع ما سبق من جوابه الذي سمّاه تحقيقيا ، وكذا الكلام فيما ذكره في ترديده الآتي من المنع على أنّ ما سلّمه في هذا التّرديد من أن يراد من قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفعه إرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه ، فهو عين القول بالغرض في المعنى لأنّ إرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه يستلزم ما ذكرنا من ملاحظة فائدة ذلك الفعل ومدخليّتها فيه ، وهو معنى الغرض والعلّة الغائية كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنّه يلزم أن يكون جميع المنافع التي جعلها اللّه تعالى منوطة بالأشياء غير مقصودة ، ولا مطلوبة لله تعالى ، بل وضعها وخلقها عبثا (1) فلا يكون خلق العين

ص: 435


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة «المؤمنون» الآية 115.

للابصار (1) ولا خلق الاذن للسماع (2) ولا اللّسان للنطق ولا اليد للبطش (3) ولا الرّجل للمشي (4) وكذا جميع الأعضاء التي في الإنسان وغيره من الحيوانات ، ولا خلق الحرارة في النّار للإحراق (5) ولا الماء للتبريد (6) ولا خلق الشّمس والقمر والنّجوم للإضاءة (7)ومعرفة الليل والنّهار للحساب (8) وكلّ هذا مبطل للأغراض والحكم والمصالح ، ويبطل علم الطب بالكلّية ، وأنّه لم يخلق الأدوية للإصلاح ، ويبطل علم الهيئة وغيرها ، ويلزم العبث في ذلك كلّه ، تعالى اللّه عن ذلك علّوا كبيرا.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : إذا قلنا : إنّ أفعاله تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى هي راجعته إلى مخلوقاته تعالى لا يلزم أن تكون منافع الأشياء غير مقصودة لله تعالى ، بل هو الحكيم خلق الأشياء ورتّب عليها (عليه خ ل) المصالح ، وقيل :

ص: 436


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة «الأعراف» الآية 179.
2- إشارة الى قوله تعالى في سورة «الأعراف» الآية 179 والآية 195.
3- إشارة الى قوله تعالى في سورة «الأعراف» الآية 195.
4- إشارة الى قوله تعالى في سورة «الأعراف» الآية 195.
5- إشارة الى قوله تعالى في سورة «القصص» الآية 29.
6- إشارة الى ما ورد في عدة أحاديث التي وردت في باب الحمى (منها) ما رواه ابن حجر في مجمع الزوائد (ج 5 ص 94 ط مصر) بسنده عن أبى بشير الأنصاري عن النبي (صلی اللّه عليه وآله) انه قال في الحمى : أبردوها بالماء انها من فيح جهنم «انتهى» وغيرها.
7- إشارة الى قوله تعالى في سورة «يونس» الآية 5 وفي سورة «نوح» الآية 16 وفي سورة «الانعام» الآية 97.
8- إشارة الى قوله تعالى في سورة «الانعام» الآية 96.

خلق الأشياء قدّرها ودبّرها ، ولكن ليست أفعاله محتاجة إلى علّة غائيّة كأفعالنا الاختياريّة ، فإنا لو فقدنا العلّة الغائيّة لم نقدر على الفعل الاختياريّ ، وليس هو تعالى كذلك للزوم النقص والاحتياج ، بل الآثار والمصالح تتّرتب على أفعاله من غير نقص الاحتياج إلى العلّة الغائيّة الباعثة للفاعل ، ولولاها لم يتصور الفعل الاختياريّ من الفاعل ، هذا هو المطلوب من كلام الأشاعرة ، لا نفى منافع الأشياء وأنّها لم تكن معلومة لله تعالى وقت خلق الأشياء ، مثلا اقتضت حكمة خلق العالم أن يخلق الشّمس مضيئة ، وفي إضاءتها منافع للعباد ، فاللّه تعالى قبل أن يخلق الشّمس كان يعلم هذه المنافع المترتبة عليها فخلقها ، وترتبت المنافع عليها من غير احتياج إلى حالة باعثة إلى هذا الخلق ، فلا يلزم أن لا تكون المنافع مقصودة ، بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة والغاية المترتبة عليها ، لا بمعنى الغرض الموجب لإثبات النّقص له «انتهى».

أقول

إنّ قوله أوّلا : لا يلزم أن تكون منافع الأشياء غير مقصودة لله تعالى كقوله ثانيا ، بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة «إلخ» كلام مجمل ، إن أراد به أنّها مقصودة لله تعالى ملحوظة له عند الإتيان بالفعل فقد ثبت الغرض كما مرّ بيانه وإن أراد أنّها ملحوظة قبل ذلك غير ملحوظة عند الإتيان بالفعل فهو عبث أو في حكم العبث كما مرّ أيضا ، وأما ما ذكره : من أنّا لو فقدنا العلّة الغائية ، لم نقدر على الفعل الاختياري ، وليس هو تعالى كذلك للزوم النّقص والاحتياج إلخ ، فيتوجه عليه ما ذكرناه آنفا : من أنّا لا نسلم أنّ الاحتياج في الفاعلية إلى الغير مطلقا موجب للنقصان ، فانّه تعالى محتاج في صفاته الفعلية إلى مخلوقاته اتّفاقا ، على أنّا قد ذكرنا هناك ما يدفع ذلك بوجه آخر ، وهو ما حاصله : أنّه إنّما يلزم استكماله

ص: 437

تعالى عن علمه ، واحتياجه إليه وهو جائز عند الأشاعرة فتذكر.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنّه تلزم منه الطامّة العظمى والدّاهية الكبرى عليهم ، وهو إبطال النّبوات بأسرها ، وعدم الجزم بصدق أحد منهم ، بل يحصل الجزم بكذبهم أجمع ، لأن النّبوة إنّما تتمّ بمقدّمتين ، إحداهما : أنّ اللّه تعالى خلق المعجزة على يد مدّعي النّبوة ، لأجل التّصديق ، والثانية : أنّ كلّ من صدّقه اللّه تعالى فهو صادق ، ومع عدم القول بإحداهما ، لا يتمّ دليل النّبوة فانّه تعالى لو خلق المعجزة لا لغرض التّصديق لم تدلّ على صدق المدّعي ، إذ لا فرق بين النبي وغيره ، فانّ خلق المعجزة لو لم يكن لأجل التّصديق لكان لكلّ أحد أن يدّعي النّبوة ، ويقول : إنّ اللّه تعالى صدّقني لأنه خلق هذه المعجزة ، وتكون نسبة النبي وغيره إلى هذه المعجزة على السّواء ، ولأنه لو خلقها لا لأجل التّصديق لزم الإغراء بالجهل ، لأنّه دالّ عليه ، فانّ في الشاهد لو ادّعى شخص ، أنّه رسول السلطان ، وقال للسلطان إن كنت صادقا في دعوى رسالتك فخالف عادتك ، واخلع خاتمك ، ففعل السلطان ذلك ، ثمّ تكرر هذا القول ممّن يدّعي رسالة السلطان ، وتكرر من السلطان هذا الفعل عقيب الدعوى ، فانّ الحاضرين بأجمعهم يجزمون بأنّه رسول ذلك السلطان ، كذا هاهنا إذا ادّعى النبي الرّسالة ، وقال : إنّ اللّه تعالى يصدقني بأن يفعل فعلا لا يقدر النّاس عليه مقارنا لدعواه ، وتكرر هذا الفعل من اللّه تعالى عقيب تكرر الدعوى فانّ كل عاقل يجزم بصدقه ، فلو لم يخلقه لأجل التّصديق لكان اللّه تعالى مغريا بالجهل ، وهو قبيح لا يصدر عنه تعالى ، وكان مدّعي النّبوة كاذبا ، حيث قال : إنّ اللّه تعالى خلق المعجزة على يدي لأجل تصديقي ، فإذا استحال عندهم أن يفعل لغرض كيف يجوز للنبي هذه الدعوى؟ والمقدمة الثانية : وهي أنّ كلّ من صدقه اللّه تعالى فهو صادق ممنوعة عندهم أيضا ، لأنّه يخلق الإضلال والشرور ، وأنواع الفساد ، والشرك

ص: 438

والمعاصي الصّادرة من بني آدم ، فكيف يمتنع عليه تصديق الكاذب؟ فتبطل المقدمة الثّانية أيضا ، هذا نصّ مذهبهم ، وصريح معتقدهم ، نعوذ باللّه من عقيدة أدّت إلى إبطال النّبوات وتكذيب الرّسل ، والتسوية بينهم وبين مسيلمة ، حيث كذب في ادعاء الرّسالة ، فلينظر العاقل المنصف ويخاف ربّه ويخشى من أليم (خ ل ألم) عقابه ويعرض على عقله هل بلغ كفر الكافر إلى هذه المقالات الردية والاعتقادات الفاسدة؟! وهل هؤلاء أعذر في مقالتهم أم اليهود والنصارى الذين حكموا بنبوّة الأنبياء المتقدّمين عليهم السلام وحكم عليهم جميع النّاس بالكفر حيث أنكروا نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله؟ وهؤلاء قد لزمهم إنكار جميع الأنبياء عليهم السلام ، فهم شرّ من أولئك ، ولهذا قال الصّادق عليه السلام حيث عدّهم وذكر اليهود والنصارى : إنهم شرّ الثلاثة (1)ولا يعذر المقلّد نفسه ، فانّ فساد هذا القول معلوم لكل أحد ، وهم معترفون بفساده أيضا «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : حاصل ما ينقعه (2)في هذا الاستدلال من هذا الكلام : أن اللّه تعالى لو لم يخلق المعجزة لغرض تصديق الأنبياء ، لم يثبت النّبوّة ، فعلم أنّ بعض أفعاله

ص: 439


1- وفي الحدائق (ج 1 ص 462 ط تبريز) ما لفظه : وما رواه الصدوق في العلل في الموثق عن عبد اللّه بن أبى يعفور عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال فيه بعد أن ذكر اليهودي والنصراني والمجوس قال : والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم ان اللّه تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت عليهم السلام لأنجس منه ، ورواه شيخنا العلامة الحر العاملي في الوسائل (ج 1 ص 31 باب 11) عن كتاب العلل أيضا.
2- النقيع : صوت الغراب.

تعالى معلّلة بالأغراض ، والجواب : أنّه إن أراد بهذا الغرض العلّة الغائية الباعثة للفاعل المختار على فعله الاختياري فهو ممنوع ، وان أراد أنّ اللّه تعالى يفيض المعجزة بالقصد والاختيار ، وغايته وفائدته تصديق النّبي صلى اللّه عليه وآله من غير أن يكون تصديق النّبي صلى اللّه عليه وآله باعثا له على إفاضة المعجزة ، فهذا مسلم ، ويحصل من تصديق الأنبياء من غير إثبات الغرض ، وهذا مذهب الأشاعرة كما قدّمنا. ثمّ إنّ هذا الرجل يفتري عليهم المدّعيات المخترعة من عند نفسه من غير تفهم لكلامهم ، وتأمّل في غرضهم ، فانّهم يعنون بنفي الغرض نقص الاحتياج من اللّه تعالى ، ووافقهم في ذلك جميع الحكماء الالهيّين ، فان كان هذا المدّعى صادقا ، فكيف يكفرهم ويرجح عليهم اليهود والنصارى؟ وإن كان باطلا فيكون غلطا منهم في عقيدة بعثهم على اختيارها تنزيه اللّه تعالى من الأغراض والنّقص والاحتياج ، فكيف يجوز ترجيح اليهود والنصارى عليهم؟ ومع ذلك افترى (1) على الصّادق عليه السلام كذبا في حقّهم ، وإن كان قد قال الصّادق هذا الكلام ، فيجب حمله على طائفة أخرى غير الأشاعرة ، كيف؟! والشّيخ الأشعري الذي هو مؤسس هذه المقالة تولد بعد سنين كثيرة من أزمان الصّادق عليه السلام والأشاعرة كانوا بعده ، فكيف ذكر الصّادق فيهم هذه المقالة؟ فعلم أنّ الرّجل مفتر كودن كذّاب مثل كوادن حلّة وبغداد لا أفلح من رجل سوء «انتهى».

ص: 440


1- انظر الى تعنت هذا الرجل ولجاجه كيف ينسب مولانا العلامة الى الافتراء؟ مع أنك اطلعت في التعليقة السابقة على كون الخبر مرويا ومأثورا عن صادق أهل البيت عليهم السلام ، روته الفطاحل من العلماء وحفظة الحديث ، وأزمنتهم متقدمة على زمان العلامة بمئات سنين كما لا يخفى.

أقول :

قد مرّ ردّ ما نهق (1) به النّاصب الحمار المهذار من التّرديد بشقيه وبيان كذب ما ادّعاه من موافقة الحكماء مع الأشاعرة في هذه المسألة ، وأما قوله : وإن كان هذا المدعى باطلا ، فيكون غلطا منهم في عقيدة «إلخ» ففيه أنهم أصرّوا على تلك العقيدة الباطلة ولم يتأمّلوا في حجج أهل الحق عنادا واستكبارا ، ولم يلتفتوا إلى نصحهم إيّاهم وإيضاحهم ذلك لهم بأوضح بيان أنّ النّقص والاحتياج الذي توهموه ، غير لازم كما مرّ ، وهذا دليل التّعنّت والجرأة على اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله فإذا أصرّوا فيما يؤدّي إلى إنكار جميع الأنبياء صحّ صدق أنّهم أشرّ من اليهود والنصارى. ثمّ ما توهمه من منافاة تأخّر الشّيخ الأشعري عن زمان مولانا الصادق عليه السلام لصدق الحديث الذي رواه المصنّف عنه عليه السلام ، مدفوع (2)بأنّه لا يلزم من وصف شخص أحدا ، أو جماعة بوصف كلّي أن يكون ذلك الواحد المبهم الموصوف به أو جميع الجماعات الموصوفة به موجودة عند الوصف وذلك ظاهر ، وإلّا لزم أن يكون الموصوفون بالايمان في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ونحوه الموجودين في زمان نزول الآية دون من بعدهم من المؤمنين ، وبطلانه ظاهر ، وبالجملة مرجع الضمير البارز في قول المصنّف : حيث عدّهم الناصبة المجبرة ، وهذا الوصف صادق على الأشعري وأتباعه المجبّرة المتسترين بالكسب الذي لا محصل له كما مرّ وسيجيء ، وإن وجدوا بعد زمان مولانا الصّادق عليه السلام ، وكذا الحال في الحديث (3) المشهور : من أن القدرية مجوس هذه الامة ، فانّ المعتزلة يقولون : المراد بالقدرية

ص: 441


1- نهق الحمار كضرب وسمع نهيقا ونهاقا : صوت.
2- وحاصل مراده قدس سره : أن القضية حقيقية بحسب الاصطلاح لا خارجية. فلا تغفل.
3- روى في كنز العمال (ج 1 ص 121 ط حيدرآباد حديث 677) بسنده الى الشيرازي في الألقاب بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) انه قال : ان لكل أمة مجوس ومجوس أمتي هذه القدرية (انتهى). وروى في الكنز أيضا في تلك الصفحة (حديث 649) بسنده المنتهى الى نعيم ، بسنده عن أنس عن ابن عمر : القدرية مجوس أمتي. وروى في تلك الصفحة أيضا : القدرة أوله مجوسي وآخره زنديق. الى غير ذلك من الآثار المروية في كتب القوم ، وأما الاخبار المأثورة عن أهل البيت السلام فكثيرة متواترة معنى ، مستفيضة لفظا ، مشهورة نقلا ، صحيحة طريقا ، مذكورة في الكتاب المعتمدة ، ومن راجع إليها بانت له صحة هذه المقالة. وروى من الخاصة ثقة الإسلام الكليني في اصول الكافي في باب الجبر والقدر (ص 155 الجزء الاول ط جديد تهران) بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل الى أن قال : تلك مقالة اخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها «الحديث».

الأشاعرة ، والأشاعرة يقولون المراد بها المعتزلة ، مع أن مبدأ ظهور كلّ من هاتين الفرقتين متأخر عن زمان النّبي صلى اللّه عليه وآله بأكثر من مائة سنة ، ولا يخفى أنّ قصور شعور النّاصب عن إدراك هذا المعنى المعلوم المعهود ، من أعدل الشّهود على أنّه أجهل وأبلد من كوادن اليهود.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنّه يلزم مخالفة الكتاب العزيز ، لأنّ اللّه تعالى قد نصّ نصّا صريحا في عدّة مواضع من القرآن : أنّه يفعل لغرض وغاية لا عبثا ولعبا ، قال اللّه تعالى ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (1) وقال اللّه تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما

ص: 442


1- الأنبياء. الآية 16.

خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (1) وقال اللّه تعالى ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (2)وهذا الكلام نصّ صريح في الغرض والغاية ، وقال اللّه تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) (3) وقال اللّه تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ) (4)وقال اللّه تعالى : ( وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) (5) والآيات الدالة على الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى أكثر من أن تحصى ، فليتّق اللّه المقلّد في نفسه ويخشى عقاب ربّه وينظر فيمن يقلّده ، هل يستحق التقليد أم لا؟ ولينظر إلى ما قال ، ولا ينظر إلى من قال ، وليستعد لجواب ربّ العالمين ، حيث قال : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ ) (6) فهذا كلام اللّه تعالى على لسان النذير ، وهاتيك الأدلة العقلية المستندة إلى العقل الذي جعله اللّه تعالى حجة على بريته ، وليدخل في زمرة الذين قال اللّه تعالى عنهم : ( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ، فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (7) ولا يدخل نفسه في زمرة الذين قال اللّه عنهم : قالوا ( رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) (8) ولا يعذر بقصر

ص: 443


1- المؤمنون. الآية 115.
2- الذاريات. الآية 56.
3- النساء. الآية 160.
4- المائدة الآية 78.
5- محمد (صلی اللّه عليه وآله). الآية 31.
6- فاطر. الآية 37.
7- الزمر. الآية 17.
8- فصلت. الآية 29.

العمر ، فهو به طويل على الفكر (1) لوضوح الأدلة وظهورها ، ولا بعدم المرشدين ، فالرّسل متواترة ، والأئمّة متتابعة ، والعلماء متظافرة «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد ذكرنا فيما سبق : أنّ ما ورد من الظواهر الدالة على تعليل أفعاله تعالى فهو محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض والعلّة ، فقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ، فالمراد منه أنّ غاية خلق الجن والانس والحكمة والمصلحة فيه ، كانت هي العبادة ، لا أنّ العبادة كانت باعثا لنا على الفعل كما في أرباب الإرادة الناقصة الحادثة ، وكذا غيره من نصوص الآيات ، فانّها محمولة على الغاية والحكمة لا على الغرض «انتهى».

أقول :

قد بيّنا فيما سبق : أنّ ما توهّموه من استلزام إثبات الغرض للنقص ، مردود لا يصلح باعثا لتأويل النّصوص ، فالصّواب إبقاؤها على ظواهرها.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها أنّه يلزم تجويز تعذيب أعظم المطيعين لله تعالى كالنّبي صلى اللّه عليه وآله ، بأعظم أنواع العذاب ، وإثابة أعظم العاصين له كإبليس وفرعون بأعظم مراتب الثّواب ، لأنّه إذا كان يفعل لا لغرض وغاية ، ولا لكون الفعل (2) حسنا ولا يترك الفعل لكونه

ص: 444


1- أى العمر وان قصر فهو طويل عند الفكر ، لأنه لا يقتضى زمانا طويلا لتحقيق الحق لوضوح الأدلة. منه «قده»
2- فيه إشارة الى أن ما قالوه في هذا المقام من ان أفعاله تعالى مشتملة على الحكمة والمصلحة في ذاته لكن ليس ملحوظا له ذلك على وجه العلية والغرضية ينافي ما قالوا في بحث الحسن والقبح من انه لا حسن للفعل في نفسه قبل ورود الشرع تأمل. منه «قده»

قبيحا ، بل مجانا لغير غرض لم يكن تفاوت بين سيّد المرسلين وبين إبليس في الثواب والعقاب ، فانّه لا يثيب المطيع لطاعته ، ولا يعاقب العاصي لعصيانه ، فهذان الوصفان إذا تجرّدا عند الاعتبار في الاثابة والانتقام لم يكن لأحدهما أولوية الثّواب ولا العقاب دون الآخر ، فهل يجوز لعاقل يخاف اللّه تعالى وعقابه أن يعتقد في اللّه تعالى مثل هذه العقائد الفاسدة؟ مع أنّ الواحد منّا لو نسب غيره إلى أنّه يسيء إلى من أحسن إليه ويحسن إلى من أساء إليه قابله بالشتم والسّب ، ولم يرض ذلك منه ، فكيف يليق أن ينسب ربّه إلى شيء يكرهه أدون النّاس لنفسه؟!

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : هذا الوجه بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان ، لأنّ أحدا لم يقل بأنّ الفاعل المختار الحكيم لم يلاحظ غايات الأشياء والحكم والمصالح فيها ، فانّهم يقولون في إثبات صفة العلم : إنّ أفعاله متقنة ، وكلّ من كان أفعاله متقنة فلا بدّ أن يلاحظ الغاية والحكمة ، فملاحظة الغاية والحكمة في الأفعال لا بدّ من إثباته بالنسبة إليه تعالى ، وإذا كان كذلك ، كيف يجوز التسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي؟ وعندي أنّ الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الامامية لم يحرّروا هذا النزاع ، ولم يبيّنوا محلّه ، فانّ جلّ أدلة المعتزلة دلت على أنّهم فهموا من كلام الأشاعرة نفى الغاية والحكمة والمصلحة ، وأنّهم يقولون : إنّ أفعاله اتّفاقيات كأفعال من لم يلاحظ الغايات ، واعتراضاتهم واردة على هذا ، فنقول : الأفعال الصّادرة من الإنسان مثلا مبدؤها دواعي مختلفة ، ولا بدّ لهذه الدواعي المختلفة من ترجيح بعضها على بعض ، والمرجّح هو الإرادة الحادثة ، فذلك الدّاعي الذي بعده الفاعل على الفعل مقدّم على وجود الفعل ، ولولاه لم يكن للفاعل المختار أن يفعل ذلك الفعل ، فهذا الفاعل بالاختيار يحتاج في صدور الفعل عنه إلى ذلك الباعث وهو العلّة الغائيّة والغرض ، هذا تعريف الغرض في اصطلاح القوم ، فان عرض

ص: 445

هذا على المعتزلي فاعترف بأنه تعالى في أفعاله صاحب هذا الغرض لزمه إثبات الاحتياج لله تعالى في أفعاله وهو لا يقول بهذا قطّ ، لأنّه ينفي الصّفات الزّائدة ليدفع الاحتياج ، فكيف يجوز الغرض المؤدّي إلى الاحتياج؟ فلا شكّ أنّه ينفي الصّفات الزّائدة ليدفع الاحتياج إلى هذا من اللّه تعالى ، فبقى أنّ مراده من إثبات الغرض دفع العبث من أفعاله تعالى ، فهو يقول : إنّ اللّه تعالى مثلا خلق الخلق للمعرفة يعني غاية الخلق والمصلحة التي لاحظتها حكمة اللّه تعالى ودارت عليها هي المعرفة ، لا أنّه يفعل الأفعال لا لغرض ومقصود كالعابث واللّاعب ، فهذا عين ما يقوله الأشاعرة : من إثبات الغاية والمصلحة ، فعلم أنّ النّزاع نشأ من عدم تحرير المدّعى «انتهى».

أقول :

من العجب! أنّه يحكم بأنّ بطلان ما ذكره المصنّف أظهر من أن يخفى ، ثم يحكم آخرا بأنّه صالح للصّلح بوجه ؛ وأما ما ذكره بقوله : لأنّ أحدا لم يقل : بأنّ الفاعل المختار ، لم يلاحظ غايات الأشياء «إلخ».

فانّما يدلّ على عدم القول : بأنّ الفاعل للشيء غير ملاحظ لغايته ، بمعنى أنّه يتصوّر تلك الغاية والمصلحة الحاصلة في ذات الشيء ، لا أنّه يجعل تلك الغاية والمصلحة منشئا وعلّة لصدور ذلك الشيء عنه ، والمعتزلة يوجبون ملاحظة الفاعل لغاية الشّيء ، بمعنى قصده كون تلك الغاية منشئا وعلّة لصدور ذلك الشّيء عنه ، وأين هذا من ذاك؟! ومن البيّن أنّ مجرّد تصوّر الغاية الحاصلة في ذات الفعل بدون أن يجعل منشئا لصدور الفعل ، لا يمنع عن التّسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي ، لجواز أن يتصوّر ذلك ، ولا يجعله علّة ومنشئا لصدور الفعل ، فيجوز استعماله في خلاف ما اقتضته الغاية الكائنة فيه ، وأمّا ما ذكره من الصّلح فهو مبنيّ على تخليطه المذكور فيكون صلحا من غير تراضي الخصمين.

ص: 446

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الخامس في أنّه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي(1) ، هذا مذهب الاماميّة ، قالوا : إنّ اللّه تعالى أراد الطاعات سواء وقعت أولا ، ولم يرد المعاصي سواء وقعت أولا ، ولم يكره الطاعات سواء وقعت أولا ، وخالفت الأشاعرة مقتضى العقل والنقل في ذلك ، فذهبوا إلى أنّ اللّه تعالى يريد كلّ ما وقع في الوجود سواء كان طاعة أولا ، وسواء أمر به أولا ، وكره كلّ ما لم يقع ، سواء كان طاعة أولا ، وسواء أمر به أو نهى عنه ، فجعلوا كل المعاصي الواقعة في الوجود من الشّرك والظلم والجور والعدوان وأنواع الشّرور مرادة لله تعالى

ص: 447


1- هذه المسألة مما وقع النزاع فيه ، فذهب الاصحاب وأكثر المعتزلة الى أنه تعالى قد أراد الطاعات وأحبها ولم يكرهها ، وأنه تعالى وتقدس كره المعاصي والقبائح ولم يرضها ، وذهب جل الاشاعرة وشرذمة من المعتزلة الى انه سبحانه يريد الكل طاعة كانت أو معصية حسنا كان بحكم العقل أو قبيحا. والحق الذي لا مرية فيه ولا ارتياب ما اختاره الاصحاب لقيام الأدلة السمعية والعقلية على ذلك كما ستأتى الاشارة الى بعضها. ومن التوالي الفاسدة المترتبة على مقالة الاشاعرة كما أفاده بعض المحققين من مشايخ مشايخنا كون مطيعا بعصيانه حيث أوجد مراده تعالى وفعل وفق مراده. ومنها نسبة القبح الى ساحته المقدسة لان إرادة القبيح قبيحة ، وقد مر أنه منزه عن القبائح. الى غير ذلك مما يحكم بفساده العقل السليم الخالي عن شوائب الأوهام وهواجس إبليس ، عصمنا اللّه من هذه المقالات. ولله در مولانا الشريف الآية الباهرة السيد محمد الباقر الحجة الطباطبائى الحائرى من مشايخ والدي العلامة في الرواية حيث يقول في منظومته المسماة بمصباح الظلام في علم الكلام : إرادة القبيح ممن امتنع *** منه القبيح يستحيل ان يقع فكل ما يفعله عبيده *** من القبيح فهو لا يريده وكيف لو اراده فالأمر *** والنهى لغو وهو أمر نكر فلا يريد غير فعل الطاعة *** من عبده عصاه أو أطاعه الى آخر ما افاده شكر اللّه مساعيه وحشره تحت لواء جده أمير المؤمنين سلام اللّه عليه آمين آمين.

وأنّه تعالى راض بها ، وبعضهم قال : إنّه محبّ لها. وكلّ الطاعات التي لم تصدر عن الكفار ، مكروهة لله تعالى غير مريد لها ، وأنّه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عمّا لا يكره ، وأنّ الكافر فعل في كفره ما هو مراد لله تعالى ، وترك ما كرهه اللّه تعالى من الايمان والطاعة منه ، مقالة الاشاعرة تستلزم المحالات وهذا القول تلزم منه محالات : منها نسبة القبيح إلى اللّه تعالى لأنّ إرادة القبيح قبيحة ، وكراهة الحسن قبيحة ، وقد بيّنا أنّه تعالى منزه عن فعل القبائح كلّها «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق أنّ مذهب الأشاعرة أنّ اللّه تعالى مريد لجميع الكائنات غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد له ، وما ليس بكائن ليس بمراد ، واتفقوا على جواز إسنادا لكل إليه تعالى جملة ، واختلفوا في التفصيل كما هو مذكور في موضعه ، ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الامامية أنه تعالى مريد لجميع أفعاله ، وأمّا أفعال العباد فهو مريد للمأمور به منها كاره للمعاصي والكفر ، ودليل الأشاعرة أنّه خالق للأشياء كلها وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة ، وأما ما استدل به هذا الرّجل في عدم جواز إرادة اللّه تعالى للشرك والمعاصي فهو من استدلالات

ص: 448

المعتزلة ؛ والجواب أنّ الشرك مراد لله تعالى بمعنى أنه أمر قدره اللّه تعالى في الأزل للكافر لا أنّه رضي به ، وأمر المشرك به ، وهذا من باب التباس الرضا بالإرادة ، وأمّا كون الطّاعات التي لم تصدر عن الكفّار مكروهة لله تعالى ، فإن أراد بالكراهة ، عدم تعلّق الإرادة به فصحيح ، لأنه لو أراد لوجد ، وإن أراد عدم الرّضا به فهو باطل ، لأنّه لم يحصل في الوجود حتّى يتعلّق به الرّضا أو عدمه ، وأمّا أنّه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عما يكره ، فإنّه تعالى أمر الكفّار بالإسلام ، ولم يرد إسلامهم ، بمعنى عدم تقدير إسلامهم وهذا لا يعدّ من السّفه ، ولا محذور فيه ، وإنّما يكون سفها لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به ، ولكن هذا الانحصار ممنوع ، لأنه ربّما كان لإتمام الحجّة عليهم ، فلا يعد سفها ، وأمّا ما ذكره : من لزوم نسبة القبيح إلى اللّه تعالى لأنّ إرادة القبيح قبيحة ، فجوابه أن الإرادة بمعنى التقدير وتقدير خلق القبيح في نظام العالم ليس بقبيح من الفاعل المختار ، إذ لا قبيح بالنسبة إليه ، على أن هذا مبني على القبح العقليّ وهو ممنوع عندنا ، ومع هذا فانّه مشترك الإلزام لأنّ خلق الخنزير الذي هو القبيح يكون قبيحا ، واللّه تعالى خلقه بالاتّفاق منّا ومنكم «انتهى»

أقول

لا يخفى أنّ صغرى ما ذكره من دليل الأشاعرة ممنوعة ، وإنّما اللّه سبحانه خالق ما يكون خيره غالبا على شرّه ، والقبائح الصّادرة من الشّاهد لا يليق صدورها منه سبحانه ، وأمّا ما ذكره من الجواب فهو مبنيّ على ما اخترعه واصطلحه من جعل الإرادة بمعنى التّقدير ، وقد سبق أنّه يمكن كونه قد تبع في ذلك للنعمانيّة (1)

ص: 449


1- عدة انتسبوا الى محمد بن على بن النعمان ابى جعفر الأحول المشتهر بمؤمن الطاق البجلي الكوفي أورده شيخ الطائفة المحقة ابو جعفر الطوسي في الفهرست (ص 131 ط نجف) وقال في حقه ما حاصله : كان حسن الاعتقاد والهدى ، حاذقا في صناعة الكلام ، سريع الحاضر والجواب ، وله مع ابى حنيفة مناظرات منها لما مات الصادق «ع» قال ابو حنيفة له : قد مات امامك ، قال : لكن امامك لا يموت الى يوم القيامة (يعنى إبليس) وهو من اصحاب الصادق «ع» وقد لقى زيد بن زين العابدين وناظره على امامة ابى عبد اللّه (عليه السلام) ولقى زين العابدين وكان شاعرا ، وله كتب منها كتاب الامامة وكتاب المعرفة وغيرهما. وذكره في لسان الميزان في (ج 5 ص 300 ط حيدرآباد) وفي فهرست ابن النديم (ص 8 ط مصر) أقول : ومن تاليفه كتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول وكتاب الجمل في امر طلحه والزبير وكتاب اثبات الوصية وكتاب افعل لم فعلت وكتاب افعل لا تفعل قال فيه ان كبار الفرق أربعة القدرية والخوارج والعامة والشيعة وعين الشيعة بالنجاة في الآخرة من هذه الفرق كما نقله الشهرستاني في الملل (ج 1 ص 314 ط مصر). ثم لا يذهب عليك ان النعمانية نسبوا الى المترجم مقالات منكرة هو برئ منها كما يفصح عن ذلك كلمات الفطاحل من ارباب كتب التراجم من الفريقين وكفى في ذلك نص أصحابنا كشيخ الطائفة (قده) وغيره على جلالته.

من طوائف الشّيعة ، وكونه متوهما لاصطلاح أصحابه على ذلك من كلام شارح العقائد فتذكر ، وأيضا إن أراد بالتّقدير الخلق فهو أول البحث والنّزاع ، لأنّا نمنع كون الشّرك ونحوه من القبائح المشاهدة في الشّاهد صادرة عنه تعالى ، وإن أراد التّبيين والاعلام والكتابة في اللوح المحفوظ ونحو ذلك من معاني القدر فهو خارج عن محلّ النّزاع ، كما عرفت في بحث القضاء والقدر ، وقد سبق أيضا أنّ الفرق بين الإرادة والرّضا غير مرضيّ ، واما ما ذكره بقوله وأمّا كون الطاعات التي لم تصدر عن اللّه تعالى مكروهة له تعالى فيظهر من تعقيبه إيّاه بالتّرديد الآتي انّه في زعمه شيء ذكره المصنف وهو افتراء بلا امتراء ، لأنّ المصنّف لم يذكر أن الطاعات التي لم تصدر عن الكفّار مكروهة لله تعالى ، بل قال إنّه تعالى أراد الطاعات سواء وقعت أولا ، وأين هذا من ذاك؟ مع أن ذلك الترديد مردود بأنّه يفهم من شقّه الثّاني أن تعلق الرّضا بالفعل فرع

ص: 450

وجوده وهو ظاهر البطلان ، لأنّ من خطب امرأة فأجابته يقال إنّها رضيت بتزويجه إيّاها مع أنّه لم يحصل التزويج بعد ، واما ما ذكره بقوله فجوابه أنّ الإرادة بمعنى التقدير ، وتقدير خلق القبيح في نظام العالم «إلخ» فوهنه ظاهر ، اما أولا فلما مرّ مرارا من أن الإرادة لم تجيء بمعنى التقدير لغة وعرفا ، واما ثانيا فلأنّه إن أراد بقوله في نظام العالم مجرّد جعله ظرفا لخلق القبيح أى خلق القبيح الواقع في جملة مخلوقات العالم فهذا لغو من القول كما لا يخفى. وإن أراد به الاشعار إلى مدخليّة خلق القبيح في نظام العالم وتعليل حسنه في الجملة به فهو مخالف لمذهب الأشعري النافي لتعليل الأفعال ، ولقاعدة الأصلح بنظام الكل كما ذهب إليه الحكماء والاماميّة ، واما ثالثا فلأنّه لو تمّ ما ذكره آخرا بقوله إذ لا قبيح بالنسبة إليه تعالى لتمّ المدّعى ولغى (خ ل لغيت) المقدمات السّابقة ولا يظهر وجه لتعليل تلك المقدّمات بالعلة المذكورة كما لا يخفى ، وبالجملة ظهر أنّ في كلام الناصب خلط وخبط ، وأنّه لا معنى للارادة عند الأشاعرة إلا ما مرّ من الصفة المخصصة وحينئذ نقول : إنّ إرادة القبيح قبيحة ، لأنّ اللّه تعالى أوعد الكفار والشياطين بارادة القبيح كما أوعدهم بفعله في قوله تعالى ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) إلى قوله تعالى : ( وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) (1) الآية ، مع أنّ العقلاء يذمّون من نهى شخصا عن شيء وأتى بمثله لقولهم:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

قال المصنّف رفع اللّه درجته

منها(2)كون العاصي مطيعا بعصيانه حيث أوجد مراد اللّه تعالى وفعل وفق مراده.

ص: 451


1- النساء. الآية 60
2- قد مر القول فيه منا في التعليقة السابقة وأشبعنا الكلام هناك فراجع ثم ان قوله ، منها أى من اللوازم الباطلة.

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : جوابه أنّ المطيع من أطاع الأمر والأمر غير الإرادة ، فالمريد هو المقدر للأشياء ومرجّح وجوداتها ، فإذا وقع الخلق على وفق إرادته فلا يقال إنّ الخلق أطاعوه ، نعم إذا أمرهم بشيء فأطاعوه يكونون مطيعين «انتهى»

أقول :

قد مرّ بيان أنّ الأمر مستلزم للارادة ، وأنّ كون الإرادة بمعنى التقدير والمريد بمعنى المقدّر من اختراعات النّاصب وتقديراته وتمويهاته ، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع كمالا يخفى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها كونه تعالى يأمر بما يكرهه ، لأنّه أمر الكافر بالإيمان وكرهه منه من حيث لم يوجد وينهى عمّا يريده لأنّه نهاه عن الكفر وأراده منه ، وكلّ من فعل ذلك من أشخاص البشر نسبه كلّ عاقل إلى السّفه والحمق تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، فكيف يجوز للعاقل أن ينسب إلى ربه تعالى ما يتبرّأ هو منه ويتنزّه عنه؟ «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق المنع من أنّ الأمر بخلاف ما يريده يعدّ سفها ، وإنما يكون كذلك لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به ، وليس كذلك ، لأنّ الممتحن لعبده هل يطيعه أم لا؟ قد يأمره ولا يريد منه الفعل أمّا أنّ الصادر منه أمر حقيقة فلانه إذا أتى العبد بالفعل يقال : امتثل أمر سيّده ، وأمّا أنّه لا يريد الفعل منه فلأنه لا يحصل مقصوده وهو الامتحان أطاع أو عصى ، فلاسفه في الأمر بما لا يريده الآمر.

ص: 452

أقول :

قد سبق أنّ ذلك المنع مكابرة ، وما استند به على كون الأمر في تلك الصورة أمر حقيقة بأنّه إذا أتى العبد بالفعل يقال : امتثل أمر سيّده مدفوع ، بأنّ ذلك لا يكفي في حصول حقيقة الأمر ، بل لا بدّ أن يكون ذلك المأمور به مرادا ، ولو كفى صورة الأمر وصدق الامتثال في ذلك ، لزم أن يكون الخبر المراد به الأمر اتّفاقا كقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (1)الآية. خبرا حقيقة ، لأنّه إذا سمعه المخاطب يحكم بأنّه كلام خبري مشتمل على النّسبة التّامّة ، وبطلانه ظاهر.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها مخالفة (2) النصوص القرآنيّة الشاهدة بأنّه تعالى يكره المعاصي ويريد الطاعات كقوله تعالى : ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (3) ( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) ، (4) ( فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ، وَإِنْ

ص: 453


1- البقرة. الآية 228
2- وكذا الروايات النبوية التي أودعوها في كتبهم بحيث لا يمكن إنكارها ، ورأيت من علمائهم من يؤولها بتأويلات باردة تستمجها الطباع السليمة والسلق المستقيمة هذا حال ما عندهم من الأحاديث وأما ما عندنا من الاخبار في هذا الشأن فهي كثيرة عددا ناصة دلالة صحيحة سندا ، وان شئت الوقوف على ذلك والتطلع بما هنا لك فراجع الكافي والتوحيد وغيرهما عصمنا اللّه من الزلل وايقظ المخالف من سنة الغفلة او نومة الأرنب والثعلب آمين آمين.
3- المؤمن. الآية 31
4- الاسراء. الآية 38.

تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (1) ، ( وَاللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (2) ، إلى غير ذلك من الآيات ، فترى لأىّ غرض يخالفون هؤلاء القرآن العزيز وما دلّ العقل عليه؟ «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد يستعمل لفظ الإرادة ويراد به الرضاء (3) والاستحسان ويقابله الكراهة بمعنى السّخط وعدم الرضا ، فقوله تعالى : ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) ، أريد من الإرادة الرضا ، فسلب الرضا بالظلم عن ذاته المقدّسة ، وهذا عين المذهب وأمّا الإرادة بمعنى التّقدير والتّرجيح ، أو مبدأ التّرجيح فلا تقابله الكراهة وهو معنى آخر وسائر النّصوص محمولة على الإرادة بمعنى الرضا «انتهى»

أقول :

قد مرّ أن الإرادة تتضّمن الرّضا ، ولا تتحقق بدونه ، وأمّا كون الإرادة بمعنى التّقدير فقد مرّ أنّه من مصطلحات النّاصب ، ولا يجديه إلّا العذاب الواصب (4)

ص: 454


1- الزمر. الآية 7.
2- البقرة. الآية 205.
3- قد مر منا مرارا ان اطلاق الإرادة على الرضا مما اخترعه وابتدعه الرجل من عنده ، وان أصحابه لم يلتزموا بذلك ، وهذه كتبهم وزبرهم بين يديك بمرئى منك ومشهد فراجعها ، وممن صرح بكون هذا الإطلاق خلاف الظاهر والمتفاهم العرفي الفاضل شمس الدين اللارى المتوفى سنة 981 في تعليقته على الشرح الجديد للتجريد وهو من أعيان القوم وممن تنعقد اليه الخناصر
4- مقتبس من قوله تعالى في سورة الصافات. الآية 9 ومعنى وصب : دام والواصب : الدائم.

وعطف التّرجيح على التّقدير خلط وتلبيس لا يخفى على الطافي (1)والرّاسب (2)

قال المصنّف رفع اللّه درجته

ومنها مخالفة المحسوس (خ ل وهي) وهو إسناد أفعال العباد إلى تحقق الدواعي وانتفاء الصّوارف لأنّ الطاعات حسنة والمعاصي قبيحة ، وأنّ الحسن جهة دعاء والقبح جهة صرف ، فيثبت لله تعالى في الطاعة دعوى الداعي إليها ، وانتفاء الصارف عنها ، وفي القبيح ثبوت الصارف ، وانتفاء الداعي ، لأنّه ليس داعي الحاجة لاستغنائه تعالى ، ولا داعي الحكمة لمنافاتها إيّاه ، ولا داعي الجهل لإحاطة علمه به ، فحينئذ يتحقق ثبوت الدّاعي إلى الطاعات وثبوت الصّارف في المعاصي ، فثبت إرادته للأول وكراهته للثاني «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : إسناد أفعال العباد إلى تحقّق الدّواعي وانتفاء الصّوارف ، لا ينافي سبق إرادة اللّه تعالى لأفعالهم وخلقه لها ، لأنّ الاسناد بواسطة الكسب (3)والمباشرة ،

ص: 455


1- طفى يطفو طفوا وطفوّا : على فوق الماء.
2- رسب الشيء في الماء : سقط الى أسفله.
3- قد مر الكلام مشبعا في مسألة (الكسب) وان هذا المخترع بأي معنى فسر لا يسمن ولا يغنى من جوع وان شناعة الجبر وسائر التوالي الفاسدة التي تترتب على هذه المقالة لا تندفع بالالتزام بالكسب الغير الكاسب والمكتسب ، ومن أمعن النظر وأجال البصر في خبايا كلمات الرازي في الأربعين والغزالي والشريف في شرح المواقف والاصفهانى في شرح المقاصد وأبى عذبة في الروضة البهية ، ظهر له غاية الظهور أنهم مضطربون في تفسير هذا الكسب المخترع في قبال العدلية فما أجدر المثل المشهور لم تقول شعرا عريا عن الوزن حتى تضطر الى اختراع بحر ووزن له؟ اللّهم احرسنا عن الزلل بجاه نبي الهدى واله مصابيح الدجي.

فلا يكون مخالفة للمحسوس ، وأمّا ما ذكره من الدليل فهو مبني على إثبات الحسن والقبح العقليّين ، وقد أبطلنا هما «انتهى».

أقول :

إن النّاصب لم يفهم أن مراد المصنّف قدس سره من الداعي ما ذا؟ فانّ مراد المصنّف بالدّاعي الإرادة المفسرة عنده وعند سائر الامامية ، وجمهور المعتزلة بالعلم بالنفع والعلم بالأصلح على اختلاف العبارتين ، وحينئذ كيف يمكن أن يتوهّم من كلام المصنّف أنّه ادّعى أنّ إسناد أفعال العباد إلى تحقّق الدّواعي وانتفاء الصّوارف ينافي سبق إرادة اللّه تعالى؟ حتّى يرد عليه ، بأنّه لا ينافي ذلك ، وبالجملة حاصل كلام المصنّف أنّ ما ذهب إليه الأشاعرة من أنّه تعالى يريد كلّ ما وقع في الوجود من الطاعة والمعصية يخالف ما هو المحسوس من إسناد الأفعال إلى داعي الإرادة المفسّرة بالعلم بالنفع ، فانّه لو كان الباري تعالى مريدا لكلّ الموجودات كما قالوا يلزم أن يفعل من غير علم بالنّفع وبدون ملاحظة الأصلح ، إذ لا نفع ولا أصلحيّة في إصدار بعض تلك الموجودات وهي القبائح المحكوم عليها في الشّاهد بالقباحة ، وعلى هذا لا يصير كلام الناصب مقابلا لكلام المصنّف أصلا كما لا يخفى ، ومن حصل له معنى محصّلا مرتبطا بكلام المصنّف فنحن في صدد الاستفادة ، وأمّا ما ذكره من إبطال قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، فقد عرفت بطلان إبطاله ممّا قرّرناه آنفا.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب السادس في وجوب (1) الرضا بقضاء اللّه تعالى ، اتفقت الاماميّة والمعتزلة

ص: 456


1- لا يخفى عليك ان مسألة وجوب الرضا بالقضاء والقدر مما اختلفت الكلمة فيها ، فاصحابنا جلهم ذهبوا الى وجوبه وتمسكوا فيها بالادلة السمعية والعقلية ، والسمعية بين نبوية وولوية فمن النبويات ما تدل على أن كل شيء بقضائه وقدره ، وأنه يجب الايمان بالقدر خيره وشره كما في مجمع الزوائد (ج 7 ص 198 ط مصر) عن عبادة حين حضر انه قال : سمعت رسول اللّه «ص» يقول : القدر على هذا ، من مات على غيره دخل النار ، وفيه (ج 7 ص 199) عن عدى عن النبي «ص» قال : يا عدى بن حاتم اسلم تسلم ، قلت : وما الإسلام؟ قال : تشهد ان لا اله الا اللّه وتشهد انى رسول اللّه وتؤمن بالاقدار كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها وفي كنز العمال (ج 1 ص 102) بإسناده عن على عليه السلام لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد ان لا اله الا اللّه وانى رسول اللّه بعثني بالحق ويؤمن بالموت ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره وفي البحار (جلد 3 ص 26 ط كمپانى) بإسناده عن على «ع» قال قال : رسول اللّه «ص» لا يؤمن عبد حتى يؤمن باربعة ، حتى يشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له وانى رسول اللّه «ص» بعثني بالحق وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت وحتى يؤمن بالقدر. وهناك عدة روايات في الكتب الحديثية دالة على ذم القول بالقدر والالتزام ، فمن ثم اختلفوا في الجمع بين تينك الطائفتين من الأحاديث وفي تعيين المراد منهما. ومما يستطرف في المقام ان الاشاعرة حملوا أحاديث الذم على القول بكون أفعال العباد بقدرته وعلى القول بالتفويض ، والمعتزلة اولوها على ما تنطبق على مسلك الاشاعرة ، وتبرأ كل منهما من ان يكون مصداقا للأخبار الدالة على الذم. كلما دخلت أمة لعنت أختها. واكثر الاشاعرة حمل الأحاديث الدالة على وجوب الايمان والرضاء بالقضاء والقدر على ان المراد بها كون الكائنات حتى أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى ، بمعنى انه خلقها وأوجدها معصية كانت تلك الأفعال او طاعة ، بل سمعت عن بعض البغاددة منهم ان اطلاق المعصية والطاعة على الأفعال مجاز وتوسع في الاستعمال وقد مر بطلان هذه المقالة بأبلغ وجه وآكد بيان. وستأتى أدلة أخرى قويمة سديدة قائمة على بطلان مسلكهم. ولله در آية اللّه الشريف السيد محمد الباقر الحجة الحائرى «قده» حيث يقول : ما فعل العبد اليه استندا *** إذ منه باختياره قد وجدا وقدرة العبد هي المؤثرة *** في فعله فللعباد الخيرة ولم تكن في فعلها مجبورة *** كما به قد قضت الضرورة فهل ترى المقعد مثل من قعد *** او من هوى من شاهق كمن صعد إلخ

ص: 457

وغيرهم : من الأشاعرة وجميع طوائف الإسلام على وجوب الرّضا بقضاء اللّه تعالى وقدره. ثم إنّ الاشاعرة قالوا قولا لزمهم منه خرق الإجماع والنصوص الدالة على وجوب الرّضا بالقضا ، وهو أنّ اللّه تعالى يفعل القبائح بأسرها ، ولا مؤثر في الوجود غير اللّه تعالى من الطاعات والقبائح ، فتكون القبائح من قضاء اللّه تعالى على العبد وقدره ، والرّضا بالقبيح حرام بالإجماع ، فيجب أن لا يرضى بالقبيح ، ولو كان من قضاء اللّه تعالى لزم إبطال إحدى المقدّمتين وهي : إمّا عدم وجوب الرضا بقضائه تعالى وقدره ، أو وجوب الرضا بالقبيح وكلاهما خلاف الإجماع ، أمّا على قول الاماميّة : من أن اللّه تعالى منزّه عن الفعل القبيح (خ ل فعل القبيح) والفواحش وأنّه لا يفعل إلّا ما هو حكمة وعدل وصواب ، ولا شك في وجوب الرضا بهذه الأشياء ، لا جرم (1) كان الرّضا بقضائه وقدره على قواعد الاماميّة والمعتزلة واجبا ، ولا يلزم منه خرق الإجماع في ترك الرّضا بقضاء اللّه ، ولا في الرّضا بالقبائح «انتهى» )

ص: 458


1- قال شيخنا العلامة الطريحي النجفي في المجمع (في كلمة جرم في باب ما اوله الجيم وآخره ميم) ما لفظه : قيل : لا جرم بمعنى لا شك ، وعن الفراء : هي كلمة بمعنى لا بد ولا محالة فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت الى معنى القسم وصارت بمعنى «حقا» فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب عن القسم ، ألا تريهم يقولون : لا جرم لآتينك ولأفعلن كذا. وقيل : جرم بمعنى كسب ، وقيل بمعنى وجب وحق. قال في النهاية و (لا) رد لما قبلها من الكلام ثم يبتدئ بها كقوله تعالى : ( لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ ) ، أى ليس لهم الأمر كما قالوا ، ثم ابتدأ فقال وجب لهم النار إلخ. وأنت خبير بان الأنسب أن يراد به في المتن (اللابدية)

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : قد سبق أنّ وجوب الرّضا بقضاء اللّه تعالى مذهب الأشاعرة ، وأمّا لزوم نسبة فعل القبائح إليه تعالى ، فقد عرفت بطلانه فيما سبق ، وأنّه غير لازم ، لأنّ خلق القبيح ليس فعله ولا قبيح بالنسبة إليه وأمّا قوله : فتكون القبائح من قضاء اللّه تعالى ، فجوابه أنّ القبائح مقضيّات لا قضاء والقضاء فعل اللّه تعالى ، والقبيح هو المخلوق ، ونختار من المقدمتين وجوب الرّضا بقضاء اللّه تعالى وقدره ولا نرضى بالقبيح ، والقبيح ليس هو القضاء بل هو المقتضيّ كما عرفته ، ولم يلزم منه خرق إجماع «انتهى».

أقول

نعم قد سبق ذلك مع ما تعقبناه من بيان أنّ خلق القبيح قبيح ، وأنّه لا معنى لعدم قبح القبيح عند صدوره عنه تعالى وبالنسبة إليه ، وأنّ الفرق بين القضاء والمقضي ممّا يقضي التّأمّل على بطلانه ، ونزيد على ذلك هاهنا ونقول : يجب الرّضا بالمقضي أيضا ، بل هو المراد مما اشتهر من وجوب الرّضا بالقضاء ، وذلك لأنّه إذا اختار اللّه لعبده شيئا وأرضاه ، فلا يختاره العبد ولا يرضاه ؛ كان منافيا للعبوديّة ، وفصل بعض المتّأخرين هاهنا ، وقال : اختيار الرّب لعبده نوعان ، أحدهما اختيار دينيّ شرعيّ ، فالواجب على العبد أن لا يختار في هذا النّوع غير ما اختاره له سيّده ، قال تعالى : ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (1) فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه ورضاه باللّه ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلى اللّه عليه وآله رسولا ، النوع الثاني اختيار كونيّ قدريّ لا يسخطه الرب كالمصائب التي يبتلي عبده بها

ص: 459


1- الأحزاب. الآية 36

محنة وهذا لا يضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه ويكشفها ، وليس في ذلك منازعة للربوبيّة ، وإن كان فيه منازعة للقدر بالقدر ، فهذا تارة يكون واجبا ، وتارة يكون مستحبا ، وتارة يكون مباحا مستوي الطرفين ، وتارة يكون حراما ، وتارة يكون مكروها ، وأمّا القدر الذي لا يحبّه ولا يرضاه مثل قدر المعايب والذّنوب فالعبد مأمور بسخطه ، ومنهي عن الرّضا به فتأمّل. تكميل جميل إن قال قائل : ما معنى قولكم في القضاء والقدر؟ وهل أفعال العباد عندكم بقضاء اللّه تعالى وقدره ، كما يقتضيه ما اشتهر بين أهل الملل أنّ الحوادث بقضاء اللّه أم لا؟ ومعنى الخبر المرويّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انّه قال حاكيا عن ربّه : من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي (1) وما روى عنه صلى اللّه عليه وآله أنه أوجب الايمان بالقدر خيره وشره(2)(3) وأخبر أنّ الايمان لا يتمّ إلّا به. قلنا : الواجب في هذا المسألة أوّلا أن نذكر معاني القضاء والقدر ثم نبيّن ما يصحّ أن يتعلّق بأفعال العباد من ذلك وما لا يتعلّق ونجيب من الرّوايات الواردة في ذلك بما يلائم الحقّ أمّا القضاء فانّه قد جاء بمعنى الاعلام كقوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ ) (4) اى أعلمناه وجاء بمعنى الحكم والإلزام كقوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (5) أى حكم بذلك في التّكليف على خلقه ، وألزمهم به ، وجاء بمعنى الخلق كقوله تعالى : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ) (5) أى خلقهنّ ، واما القدر فإنّه قد جاء

ص: 460


1- رواه في الاتحافات السنية ص 3 وفي كنز العمال (ج 1 ص 93 ط حيدرآباد دكن) حديث 483 و 486 وفي الجامع الصغير (ج 2 ص 558) حديث 9027 وفي الجواهر السنية لصاحب الوسائل ص 66.
2- قد سبق ما يدل على هذا من كتب الفريقين قريبا وسيأتي في باب أفعال العباد.
3- الحج. الآية 66.
4- الاسراء. الآية 23.
5- فصلت. الآية 12.

بمعنى الكتاب والاخبار كما قال جلّ وعلا : ( إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (1)أى أخبرنا بذلك وكتبناها في اللوح ، وجاء بمعنى وضع الأشياء في مواضعها من غير زيادة فيها ولا نقصان ، كما قال تعالى ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) (2) ، وجاء بمعنى التبيين لمقادير الأشياء وتفاصيلها وأما أفعال العباد فيصحّ أن نقول فيها ، إنّ اللّه تعالى قضى عليهم بها بمعنى أنّه حكم بها وألزمها عباده وأوجبها ، وهذا الإلزام أمر وليس بإلجاء ولا جبر ، وأنّه سبحانه قدّر أفعال العباد بمعنى أنّه بيّن بها مقاديرها من حسنها وقبحها ومباحها وحظرها وفرضها ونفلها ، وأما القول بأنه قضاها وقدّرها بمعنى : أنّه تعالى خلقها فغير صحيح لأنّه لو خلق الطاعة والمعصية لسقط اللوم عن العاصي ولم يستحقّ الطائع ثوابا على عمله ، وأما أفعال اللّه تعالى فنقول : إنّها كلّها بقدر ، ونريد أنّها لا تفاوت فيها ، ولا خلل ، وأنّها كلّها بموجب الحكمة ملتئمة ، وعلى نسق الصّواب منتظمة ، وأمّا الخبر الأول إن كان صحيحا (3) ، فمعنى القضاء فيه هو ما يتبلي ويمتحن به العبد من أمراضه و

ص: 461


1- النمل. الآية 57.
2- فصلت. الآية 10.
3- إشارة الى تضعيف عدة من كبراء المحدثين الأحاديث القدسية المشهورة سيما التي ترجمها احمد بن متويه بأمر المأمون من السريانية او العبرانية الى العربية نعم قد ورد بعضها في الاخبار المروية عن موالينا الأئمة عليهم السلام بطرق معتبرة. وبالجملة وانى تتبعت الأحاديث القدسية في مظانها من كتب الفريقين فلم أجد الصحاح والموثقات بينها الا اقل القليل ، ولكن الذي يسهل الخطب ان لا جدوى مهمة مترتبة على صحتها الا النادر. ثم ان في الأحاديث القدسية مسائل ومقالات منها بيان الفرق بينها وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ومنها وجه تسميتها بالقدسية ومنها ان بعضها هل تعد من الكتب السماوية كمصحف إدريس وزبور داود وصحف شيث ام لا؟ الى غير ذلك من المباحث. ثم ان من احسن ما دون في نقل تلك المرويات ، كتاب الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، لشيخنا العلامة خاتم المحدثين الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104 صاحب كتاب وسائل الشيعة ، وكتاب الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية للعلامة الشيخ محمد المدني الشافعي ، وكتاب الجواهر المضيئة في الأحاديث القدسية للمحدث البحاثة السيد عبد الرسول الشافعي البرزنجى الكردي ، الى غير ذلك من الزبر والاسفار التي يقف عليها من جاس خلال الديار وخلا عن منادمة الأغيار ،

أسقامه وشدائده وآلامه ، ولا ريب أنّ ذلك كلّه من قضاء اللّه تعالى الذي يجب على العباد الرّضا به والصّبر عليه ، وهو ما يفعله اللّه تعالى بعبده لحكمته البالغة التي تقتضيه وعلمه المحيط بما يكون من المصالح لعبده فيه ، ولا دخل للمعاصي في القضاء ، لأنّه سبحانه لا يقضي على العبد بالمعصية ، لأنّها من الباطل الذي يعاقب عليه ، وقد قال عزّ من قائل ( وَاللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِ ) (1) وأما الخبر الثّاني الذي يدلّ على إيجاب الايمان بالقضاء والقدر خيره وشرّه ، فالخير من القضاء والقدر هو ما مالت إليه الطباع والتذّت به الحواس ، والشر ضد ذلك ، ويسمّى شرّا لما على النفس في تحمّله من الشدة والمشقّة كما أشرنا إليه سابقا ، وهذا الذي أجمع المسلمون بأنّ الرّضا به واجب ولا يخفى أنّه لو كان الظلم والفسق والكفر من قضاء اللّه تعالى وقدره لوجب الرضا به وتحتّم ترك إنكاره ، لكن لمّا رأينا العقلاء ينكرونه ولا يرضونه ويعيبون من رضى به ويذمونه ، علمنا أنّه ليس من قضائه وقدره ، ومما يؤيّد هذه المعاني ويؤسّس

ص: 462


1- غافر. الآية 20

هذه المباني ما روي بالاسناد الصّحيح (1) عن مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال حين قال له شيخ من أهل العراق : أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشّام أبقضاء من اللّه وقدره؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة ما وطئنا ، موطئا ، ولا هبطنا واديا ، ولا علونا تلعة (2) إلّا بقضاء اللّه وقدره ، فقال الشّيخ : أعند اللّه أحتسب عناي ، ما أرى لي من الأجر شيئا ، فقال له : أيّها الشّيخ عظم اللّه أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليها مضطرين ، فقال الشّيخ : كيف؟ والقضا والقدر ساقانا ، فقال : ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، ولو كان كذلك لبطل الثّواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، والأمر والنهى ، ولم تأت ملامة من اللّه لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذّم من المحسن ، ذلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشّيطان ، وشهود الزّور وأهل العمى عن الثّواب ، وهم قدريّة هذه الامة ومجوسها ، إنّ اللّه تعالى أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ، ولم يخلق السّماوات ( وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ، ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) من النّار (3) فقال الشيخ : وما القضاء والقدر اللّذان ما سرنا إلّا بهما ، قال : هو الأمر من اللّه والحكم ، ثمّ تلا قوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (4) ، وقال العلّامة القوشجي (5) ظاهر أنّ هذا الحديث لا يوافق شيئا

ص: 463


1- نهج البلاغة ص 536 ط طهران القديم وفي بحار الأنوار (ج 3 ص 5 ط كمپانى).
2- التلعة : ما علا من الأرض والجمع : تلعات وتلاع وتلع.
3- كما في قوله تعالى في سورة ص 10 الآية 27.
4- الاسراء. الآية 23
5- هو العلامة المحقق المولى علاء الدين على بن محمد السمرقندي القوشجي من مشاهير المحققين في الفلسفة والعلوم الرياضية ، تلمذ لدى العلامة القاضي زادة الرومي والسلطان الغ بيك بن شاهرخ بن الأمير تيمور الكوركانى توفى المترجم سنة 879 باسلامبول كما في الريحانة (ج 3 ص 325 ط طهران). وله تأليف رائقة وتصانيف فائقة منها وهو أشهرها شرح التجريد المعروف بالشرح الجديد ، ومنها الرسالة الفارسية في علم الهيئة ، ومنها كتاب عنقود الزواهر في نظم الجواهر في علم الصرف ومنها كتاب محبوب الحمائل في كشف المسائل في العلوم المتنوعة ومنها الحاشية على تفسير الكشاف وغيرها.

من المعاني المذكورة فايراده للتّأييد محلّ تأمّل «انتهى» ولا يخفى أنّ هذا الحديث منهاج الحقّ واليقين ، وقد بيّن فيه ما هو الحقّ في مسألة أفعال العباد كمال التّبيين ، وما أورد عليه العّلامة القوشجي ، مندفع بأنّ أمر أمير المؤمنين عليه السلام بهذا السّفر ، إن كان على سبيل الوجوب ، فالقضاء والقدر في الحديث بمعنى الإيجاب ، وذلك لأنّ أمره عليه السلام موافق لما أمر اللّه وهو واجب الاتباع ، وإن كان على سبيل الاستحباب والأولويّة ، فهما بمعنى الاعلام إذ الأمر المفيد للأولويّة يتضمّنه ، والأوّل أظهر ، ويؤيّده قوله عليه السلام : هو الأمر من اللّه ، وقوله وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلا إيّاه ، وحينئذ فقوله عليه السلام : لعلّك ظننت قضاء لازما إلخ يفيد سلب الوجوب العقليّ والاضطرار ، كما يدلّ عليه ما تقدّم عليه في الرّواية وما تأخر صريحا فتدبّر ، وعند ذلك يندفع التّأمل في التّأييد ، والحمد لله الذي أيّدنا بهذا ، والصّلاة على محمّد سيّد الورى ، واله أعلام الهدى.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب السابع في أنّ اللّه تعالى لا يعاقب (1) الغير على فعله تعالى ، ذهبت

ص: 464


1- قال مولانا العلامة المجلسي «قده» في تعاليقه على شرح التجريد ما لفظه : الحق أنه لا يجوز ان يعاقب اللّه تعالى الناس على فعله كالشيب والشباب والطول والقصر ولا يلومهم على صنعه فيهم ، وانما يعاقبهم على أفعالهم القبيحة ، والاشاعرة يلزمهم الالتزام بعقابه تعالى الناس على ما لم يفعلوه ، بل على فعله فيهم تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، والأدلة السمعية والشواهد العقلية دالة على بطلان ما ذهبوا اليه.

الإمامية والمعتزلة إلى أنّ اللّه تعالى لا يعذّب العبد على فعل يفعله اللّه تعالى فيهم ولا يلومهم عليه ، وقالت الأشاعرة إنّه تعالى لا يعذّب العبد على فعل العبد ، بل يفعل اللّه فيه الكفر ، ثمّ يعاقبه عليه ، ويفعل فيه الشّتم لله تعالى ، والسّب له تعالى ولأنبيائه ويعاقبهم على ذلك ، ويخلق فيهم الاعراض عن الطاعات وعن ذكره تعالى وذكر أحوال المعاد ، ثمّ يقول : ( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (1) وهذا أشّد أنواع الظلم وأبلغ أصناف الجور تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، وقد قال اللّه تعالى : ( وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (2) ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (3) ( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (4) ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (5) وأىّ ظلم أعظم من أن يخلق في العبد شيئا ، ويعاقبه عليه ، بل يخلقه أسود ، ثم يعذّبه على سواده ، ويخلقه طويلا ، ثم يعاقبه على طوله ، ويخلقه أكمه ، ويعذّبه على ذلك ، ولا يخلق له قدرة على الطيران إلى السماء ، ثم يعذّبه بأنواع العذاب على أنّه لم يطر ، فلينظر العاقل المنصف من نفسه التّارك للهوى ، هل يجوز له أن ينسب ربّه عزوجل إلى

ص: 465


1- إشارة الى قوله تعالى في سورة المدثر. الآية 49
2- صورة فصلت. الآية 46
3- غافر. الآية 31
4- هود. الآية 101 والنحل. الآية 118 والزخرف. الآية 76
5- الانعام. الآية 6. والاسراء. الآية 15 : وفاطر. الآية 6. والزمر الآية 7 والنجم. الآية 38.

هذه الأفعال؟ مع أنّ الواحد منّا لو قيل له : إنك تحبس عبدك وتعذّبه على عدم خروجه في حوائجك ، لقابل بالتكذيب وتبرّأ عن هذا الفعل ، فكيف يجوز أن ينسب إلى ربّه ما يتنزه هو عنه؟ «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أن لا خالق غير اللّه تعالى ، كما نصّ في كتابه العزيز : ( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (1)وهو يعذب العبد على فعل العبد ، لأنّ العبد هو المباشر والكاسب (2) لفعله وإن كان خلقه من اللّه تعالى ، والخلق غير الفعل والمباشرة ، ثم إنّه لو عذّب عباده بأنواع العذاب من غير صدور الذنب عنهم ، يجوز له ذلك ، وليس هذا من باب الظلم والجور ، لأنّ الظلم هو التصرف في حق الغير ، ومن تصرف في حقّه بأىّ وجه من وجوه التّصرف ، لا يقال : إنّه ظلم (3) فالعباد كلّهم ملك اللّه

ص: 466


1- الزمر. الآية 62
2- قد مر سابقا أن الالتزام بالكسب الذي اخترعته أرباب القول بالجبر مما لا يسمن ولا يغنى من جوع ، ولا تدفع به التوالي الفاسدة المترتبة على ذلك المبنى.
3- تحقيق المقام يقتضى تحصيل المعرفة بالمراتب المتحققة بين الباري جلت عظمته وبين عباده ، فنقول ان هناك اربع مراتب. المرتبة الاولى مرتبة الملكية الحقيقية المطلقة التامة له تعالى على عباده والعباد في هذه المرتبة بذواتها مملوكة له تعالى ، والمملوكية له تعالى عين ذواتها وليست ذواتها الا انها له ، فان ذات الوجود الامكاني ليس الا التعلق بالواجب تعالى وانه له ، لا ان له ذاتا ثبت له انه له تعالى والا لزم استغنائه في ذاته عن الواجب تعالى ، ولا دخل في ذاته امر غير كونه اللّه تعالى والا لزم استغنائه في بعض ذاته عنه ومقتضى هذه المرتبة جواز تصرفه تعالى فيهم بما شاء من تعذيب وغيره فانه ليس بأعظم من اعدامه رأسا وليس هو بعد الا قطع علقته تعالى عنه ولا يحكم شيء من العقول يكون قطع علقته عن غيره ظلما له وتعديا عليه. المرتبة الثانية مرتبة الملكية الاعتبارية اعنى المالية. وهي جهة اعتبارية تعرض للأشياء بعد تذوت ذاتها وتحصل ما يقوم بها من اعراضها ، وبالجملة بعد تكون ما كان لها من الحقيقة بحسب الذات والاعراض والأحوال في الخارج. والمالك للعبد بهذه الملكية لا يجوز له عقلا الا استعماله فيما يقدر عليه من الاعمال ، وتعذيبه من غير صدور ذنب منه ظلم في حقه وتعد عليه. وقد نزل اللّه تعالى نفسه بمقتضى رحمته الواسعة منزلة هذه الموالي الاعتبارية ، كأنه تعالى أعتقهم عن الرقية الذاتية التي يستحيل انسلابها عنهم ولم يبق له الا الملكية الاعتبارية الحاصل نظيرها لبعض العباد على بعضهم ، وهذا كرم عظيم لا يدرك امده ادراك المدركين. ومقتضى هذه المرتبة انه لا يجوز له تعالى تعذيب العباد الا عقوبة لهم على كسب السيئة والاقتحام في المعصية ، وكان تعذيبهم من غير ارتكاب سيئة ظلما لهم وتعديا عليهم ، ولذلك قال تعالى : ( وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (الجاثية 22) وقال تعالى : ( وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (الانعام 160) وقد كثر ذكر ذلك في القرآن الكريم في نحو من أربعين آية قد سبق عدها منا في التعاليق السابقة عند التعرض لآيات الجبر والتفويض فراجع. المرتبة الثالثة مرتبة معاملة الأحرار. وهو جلت عظمته ساق عباده في هذه المرتبة مساق الأحرار ، فلم يطالبهم الا الشكر على ما أعطاهم من النعم. والمطالبة بشكر النعم حق ثابت على الأحرار وليس للعبودية مدخل في ثبوته ومع ذلك لم يطالب منهم الا الشكر اليسير والثناء القليل بما لا يقابل الا نعمة حقيرة من نعمائه العظيمة وآلائه الواسعة التي أسبغها عليهم ظاهرة وباطنة بما لا يبلغها العد والإحصاء ، قال زين العابدين سيد الساجدين على بن الحسين عليهما آلاف التحية والثناء في دعاء له ع : آلائك جمة ضعف لساني عن إحصائها ونعمائك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها فضلا عن استقصائها فكيف لي بتحصيل الشكر وشكرى إياك يفتقر الى شكر ، فكلما قلت لك الحمد وجب على لذلك ان أقول لك الحمد. المرتبة الرابعة مرتبة الغمض عن النعم والمعاملة معهم معاملة من استعمل حرا في عمل منه او اعمال ابتداء من غير استحقاقها منه سابقا ، فانه يلزمه ضمانه واثابته بما يقابله من الجزاء ، دون ما إذا استعمل عبدا له ، فانه لا يلزم له على مولاه مثوبة بإزاء عمله ، ودون ما إذا استعمل حرا في عمل يستحقه في قبال ما آتاه ما العطايا والنعم. وقد اجرى اللّه تعالى نفسه على هذه المنزلة فجعل لعباده حقا عليه ان يثيبهم على طاعتهم ويجزيهم بأضعافها من الإحسان ، فقال تعالى : ( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) (السباء 37) وقال تعالى : ( فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (النساء 124) هذه المراتب المتحصلة بينه تعالى وبين عباده قد جعلها لهم من رحمته الواسعة ، ( إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) . واما ما توجه عنه تعالى من التكليف الى العباد فقد جعل فيه شئونا من رحمته. وهي أربعة الاول انه تعالى قد جعل فائدة التكليف عائدة الى العباد ، وليس يعود اليه تعالى نفع من طاعة العباد ، وليس تكليفه لهم على نسق تكليف الموالي واستعمالهم عبيدهم لاستيفاء النفع منهم وان كان التكليف منهم في مورد خاليا عن نفع عائد كان ذلك لأجل الالتذاذ بالاستعلاء واظهار سلطة وسلطنة عليهم ، تعالى عن ذلك كله علوا كبيرا والا فهو تعالى لو كان قد أراد من التكليف شيئا من ذلك لمنع عباده عن ان يتجرءوا عليه بالظلم والمعصية. الثاني انه تعالى يعين من أراد الطاعة من عباده عليها ، قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (العنكبوت 69) ، وقال تعالى ، (وَإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ (يونس 9). وقال تعالى : ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدى) (مريم (79). وقال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدَى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) (محمد 17). الثالث انه تعالى فتح عليهم باب التوبة وجعل الندم هدما للسيئات وفوزا لرضوان اللّه قال تعالى (هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ﴾ (الشورى 25). وقال تعالى : (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (المائدة 79). الرابع قد جعل تعالى شأنه لمن ارتحل عن نشأة التكليف حاملا على ظهره ثقلا من الذنوب لم يجعل لنفسه طريقا الى المغفرة بالانابة والتوبة شفاعة الشافعين ، أعدها لمغفرة عباده حيث لم يشملهم المغفرة لعدم بقاء قابلية لهم بأنفسهم لشمولها ، فيشملهم المغفرة بطفيل وجود الشافعين وحقيقة الشفاعة على ما يستفاد من الاخبار جعل الشفيع الذنب الصادر من المشفوع منتسبا الى نفسه ليغفره المولى لما كان له عند المولى من القرب والمنزلة ، فسبحانه ما ارحمه وارأفه على عباده حيث لم يبق من سبل النجاة وطرق الفوز الى الرحمة والرضوان الا وقد هيأها لهم والحمد لله رب العالمين.

ص: 467

ص: 468

تعالى ، وله التّصرف فيهم كيف يشاء ، ألا ترى إلى قول عيسى عليه السلام حيث حكى اللّه تعالى عنه : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) ، جعل العبودية سببا مصححا للتعذيب (1) والمراد أنّهم ملكك ، ولك أن تتصرف فيهم كيف شئت ، فلا ظلم بالنسبة إليه تعالى كيفما يتصرف في عباده ، هذا هو مذهب الحقّ الأبلج ، وما سواه بدعة وضلالة كما ستراه وتعلمه بعد هذا في مبحث خلق الأعمال إنشاء اللّه تعالى ، وما ذكره من خلق الأسود وتعذيبه بالسواد ، فهذا من باب طامّاته ، وكذا ما ذكره من الامثلة ، فإن هذه الأشياء أعراض خلقت ، ولا يتعلق به ثواب وعقاب ، والأفعال المخلوقة ليست مثل هذه الأعراض لأنّ العبد في الأفعال كاسب ومباشر ، والثّواب والعقاب بواسطة المباشرة كما ستعرف «انتهى».

ص: 469


1- الآية في سورة المائدة ، وما قبلها قوله تعالى : ( إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ ) الى قوله تعالى : ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . فعلم ان المراد تعذيب الذين اتخذوا عيسى وامه الهين ، فالمعنى ان تعذبهم على انهم اتخذوا عيسى وامه الهين فانه حقيق لك وان كان العبد لا يجوز تعذيبه على سيئاته لغير مولاه ، واما أنت فحقيق لك ان تعذبهم فإنهم عبادك ، ( وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ) ما ارتكبوه من الذنب المذكور فأنت حقيق ايضا بذلك ( فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . فتبين ان مفاد الآية جعل العبودية سببا مصححا للتعذيب من حيث انه لا يجوز لغير المولى تعذيب العبد على سيئاته ، لا ان مجرد العبودية سبب مصحح للتعذيب ولو من غير صدور سيئة عن العبد.

أقول :

لا نسلم أنّه تعالى في الآية المذكورة جعل مجرّد العبودية سببا للتعذيب ، إذ الظاهر أنّ الإضافة في عبادك للعهد ، ولهذا لم يقل عباد لك ، أو عبدك فافهم ، فالمراد أنّهم عبادك الذين عرفتهم عاصين مكذبين لرسلك منكرين لأنبيائك ، وقد دلّ على عصيانهم وشركهم صدر الآية حيث خاطب اللّه تعالى فيه عيسى بن مريم عليه السلام بقوله : ( وَإِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ ) (1) إلى آخر الآية ، وأمّا ما ذكره : من أنّ الأمثلة المذكورة من خلق السواد والطول ونحوهما أعراض خلقت ، ولا يتعلق به ثواب وعقاب ، والأفعال المخلوقة ليست من هذه الأعراض «إلخ» فحقيق بالاعراض وذلك لأنّ التمثيل إنما هو بالنظر إلى اتّصاف الأعراض المذكورة بمحليّة العبد لها ، ولا ريب في مشاركة الأفعال لها في هذا الوصف ، فلا يظهر الفرق بين الأمرين في جعل المحل بالنسبة إلى أحدهما موجبا لترتّب الثواب والعقاب دون الآخر ، وأمّا المباشرة فإن أريد به أيضا معنى المحلية كما يشعر به ظاهر كلام المصنّف بمعنى أنّ العبد يصير محلا لمباشرة العصيان والاتصاف به ، فلا يحصل الفرق أيضا ، وإن أراد به صدور فعل المعصية مثلا عن العبد ، فقد وقع الاعتراف بأنّ العبد فاعل لبعض أفعاله ، فثبت مذهب أهل العدل إذ لا قائل بالفصل فافهم.

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب الثامن في امتناع تكليف ما لا يطاق ، قالت الإماميّة إنّ اللّه تعالى يستحيل عليه من حيث الحكمة تكليف (خ ل أن يكلف) العبد بما لا قدرة له عليه

ص: 470


1- المائدة : الآية 116.

ولا طاقة له به ، وأن يطلب منه فعل ما يعجز عنه ويمتنع منه ، فلا يجوز له أن يكلّف الزمن الطيران إلى السماء ، ولا الجمع بين الضدين ، ولا بكونه في المشرق حال كونه في المغرب ، ولا إحياء الموتى ، ولا إعادة آدم ونوح ، ولا إعادة أمس الماضي ، ولا إدخال جبل قاف (1) في خرم (2) الإبرة ، ولا شرب ماء دجلة في جرعة واحدة ولا إنزال الشّمس والقمر إلى الأرض ، إلى غير ذلك من المحالات الممتنعة لذاتها ، وذهبت الأشاعرة إلى أنّ اللّه تعالى لم يكلّف العبد إلّا ما لا يطاق ، ولا يتمكن من فعله ، فخالفوا المعقول الدّال على قبح ذلك ، وهو أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، والمنقول وهو المتواتر من الكتاب العزيز ، قال اللّه تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) (3) ( وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (4) ( لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) (5) ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ

ص: 471


1- قال صفى الدين البغدادي في مراصد الاطلاع (ج 3 ص 1059 طبع مصر) ما لفظه (قاف) بلفظ احد الحروف المعجمة ، قيل هو الجبل المحيط بالأرض ، وقال شيخنا العلامة الطريحي النجفي في مجمع البحرين : قوله تعالى ( ( ق ) ) هو جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج ، وقال العلامة الزبيدي في (ج 6 من تاج العروس طبع مصر ص 228) ما لفظه مازجا بعبارة القاموس : وجاء في بعض التفاسير ان ( ( ق ) ) جبل محيط بالأرض ، قال اللّه تعالى : ( ق) وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) كما في العباب والصحاح ، وقال شيخنا : ان اسم الجبل المحيط (قاف) علم مجرد عن الالف واللام ، وقد وهم المصنف الجوهري بمثله في (سلع) الذي هو جبل بالمدينة وقال انه علم لا تدخله اللام وكأنه نسى هذه القاعدة التي أصلها. الى آخر ما أفاد. وأورد ابن منظور (في لسان العرب ص 293 ج 9 طبع بيروت) ما نقلناه عن التاج.
2- خرمه خرما : ثلمه ، ثقبه ، خرم الخرزة : فصمها ، خرم الأنف : شق وترته ، خرم الابرة كسر ثقبها.
3- البقرة. الآية 286.
4- فصلت. الآية 46.
5- غافر. الآية 17.

أحدا (1) ، والظلم هو الإضرار بغير المستحق وأىّ إضرار أعظم من هذا ، مع أنّه غير مستحق ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا «انتهى».

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ تكليف ما لا يطاق جائز ، والمراد من هذا الجواز الإمكان الذاتي ، وهم متفقون أنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع قطّ في الشريعة بحكم الاستقراء ، ولقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) ، والدليل على جوازه أنّه تعالى لا يجب (2) عليه شيء فيجوز له التكليف بأىّ وجه أراد ، وإن كان العلم العاديّ أفادنا عدم وقوعه ، وأيضا لا يقبح من اللّه شيء ، إذ ( يَفْعَلُ (3) ما يَشاءُ* يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ) ، ومذهب المعتزلة عدم جواز التكليف بما لا يطاق لأنّه قبيح عقلا بما ذكره

ص: 472


1- الكهف. الآية 49.
2- لا يخفى ان مقتضى كون ذاته تعالى مستجمعة لجميع الصفات الكمالية التي منها العدل والحكمة وجوب ترك التكليف بما لا يطاق واستحالة التكليف به ، وانه تعالى مع قدرته الكاملة الشاملة على جميع الممكنات حتى القبائح لا يختار إيجاد القبيح لأنه تعالى لا يفعل خلاف العدل والحكمة ، فقول الناصب : انه تعالى لا يجب عليه شيء ، ان أراد منه نفى ما ذكرناه من الوجوب ، فقد عرفت بطلان مقالته ، وأنه مقتضى ذات الواجب تعالى المستجمعة لجميع صفات الكمال ، وان أراد منه معنى غير ما ذكرنا على حد ما يتوجه من الوجوب الى العباد أعنى الوجوب المستلزم لاستحقاق المؤاخذة ، فلم يتفوه به من له أدنى مسكة من الناس.
3- التعليل بالآية الشريفة على مدعاه في غاية الفساد ، فان من الواضح أنه ليس مقتضى كونه تعالى ( يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) أنه يشاء القبائح. وقد أجمع الاصوليون على ان القضية لا تتكفل لاثبات تحقق موضوعها.

هذا الرّجل من أنّ المكلّف للزّمن الطيران إلى السّماء وأمثاله يعدّ في العقل سفيها ، وقد مرّ فيما مضى إبطال الحسن والقبح العقليّين ، ولا بدّ في هذا المقام من تحرير محل النّزاع فنقول : إن ما لا يطاق على مراتب ، أحدها أن يمتنع الفعل لعلم اللّه (1) بعدم وقوعه ، أو تعلّق إرادته أو إخباره بعدمه فإنّ مثله لا يتعلق به القدرة الحادثة مع الفعل (2) لا قبله ؛ ولا يتعلّق بالضّدين بل لكلّ واحد منهما قدرة على حدّه يتعلّق به حال وجوده عندنا ، ومثل هذا الشّيء لمّا لم يتحقّق أصلا فلا تكون له قدرة حادثة تتعلّق به قطعا ، والتّكليف بهذا جائز ، بل واقع إجماعا ، وإلّا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلّفا بالايمان وترك الكبائر ، بل لا يكون تارك المأمور به عاصيا أصلا وذلك معلوم بطلانه من الدّين ضرورة الثاني : أن يمتنع

ص: 473


1- الحكم بامتناع فعل العبد وانسلاب الاختيار عنه في فعله لعلم اللّه تعالى بعدم وقوعه في غاية الجهل والضلال. ومن أجهل ممن حكم بانه إذا حصل لاحد العلم بان زيدا يزني غدا واخبر به ان علمه بذلك واخباره عنه يوجب سلب الاختيار عن زيد في فعل الزنا وكونه مجبورا في ذلك لا يقدر على تركه. والوجه ان حقيقة العلم ليست الا محض الكشف والحكاية ، ومن البديهي انه لا دخل للكاشف والحاكي في تحقق المنكشف والمحكي وعدمه. وقد ذكر بعض الاجلة ان مدخلية الكاشف في تحقيق المنكشف يستلزم الدور لكون الكشف في مرتبة متأخرة عن المنكشف ، فلو كان له دخل في تحقيق المنكشف لتوقف تحققه على تحقق الكشف وهذا دور صريح.
2- لا يخفى عليك ان في كون القدرة على الفعل مقارنة له او متقدمة عليه خلافا مشهورا بين الحكماء والمتكلمين ، وذهب اكثر الاشاعرة الى كونها مقارنة له والتحقيق كما عليه اكثر الامامية والمعتزلة وبعض الاشاعرة كونها سابقة بالذات حادثة التعلق بالخارج الذي هو متعلق القدرة. ثم ليعلم ان في مبحث القدرة مسائل شتی قد أشرنا الی بعضها في التعاليق السابقة فليراجع.

لنفس مفهومه كجمع الضّدين وقلب الحقائق ، وإعدام القديم ، فقالت الأشاعرة في هذا القسم إنّ جواز التّكليف به فرع تصوره ، وهو مختلف فيه ، فمنهم من قال : لا يتصور (1)الممتنع لذاته ، ومنهم من قال : بإمكان تصوره ، وبالجملة لا يجوز التّكليف به أصلا ، لأنّ المراد بهذا الجواز الإمكان الذاتي ، والتّكليف بالممتنع طلب تحصيل ما لم يمكن بالذّات

ص: 474


1- وقوع الممتنع لذاته كاجتماع النقيضين واجتماع الضدين وغيرهما في حيز التصور مما يشهد به الحس والوجدان. كيف؟ ومن حكم بان اجتماع الضدين محال فقد تصور مفهوم اجتماع الضدين لا محالة ، فان الحكم في القضية فرع تصور الموضوع والمحمول ، ويمتنع الحكم بدون تصور موضوعه. ولعل منشأ هذا التوهم منهم اشتباه المفهوم بالمصداق فان المستحيل من اجتماع النقيضين واجتماع الضدين وغيرهما من المستحيلات العقلية هو مصداق تلك الأمور دون مفهومها ، وما يحصل عند النفس ويقع في حيز التصور هو مفاهيم الأمور ، واما مصاديقها فلا تتحقق الا في حيز الخارج ، وهي التي حكم العقل باستحالتها. فان قلت : ان الحكم في قضية «اجتماع النقيضين محال انما هو مفهوم اجتماع النقيضين الحاضر عند النفس لما ثبت في محله من انه لا يتعلق حكم النفس الا بما حضر عندها من المفهوم. قلنا : الصور الذهنية مرائى للخارج، والمرآة لها جهتان ، جهة الاستقلال وهي وجودها الثابت لها في نفسه في قبال المرئي ، وجهة المرآتية وبهذا الاعتبار فهي فانية في المرئي والناظر فيها لا يرى إلا مرئيها ، والموضوع في القضايا حيث يحكم بها النفس هي الصور الذهنية ، فتحقق قولهم لا يتعلق حكم النفس الا بما حضر عندها ، لكن تعلق الحكم لتلك الصور ليس الا من حيث الجهة الثانية اعنى المرآتية ، والنفس عند ما تحكم عليها لا يرى الا الخارج ، ولا يحكم الا على الخارج ، فإذا حكم النفس بان النار حارة فموضوع القضية عندها ليس الا الصورة الذهنية من النار فإنها الحاضر عند النفس دون النار الخارجية ، الا ان وقوعها في حيز الحكم من جهة حكايتها عن الخارج وكونها مرآة له وفانية فيه ومتحدا معه اتحاد المرآة مع المرئي ، وهذا حقيقة الوجود الذهني الذي حكموا بثبوته وأثبتوه للماهيات في قبال الوجود الخارجي. ومنشأ الحكم بثبوت الوجود اللفظي والوجود الكتبي مع الوجود الذهني للماهيات في عداد الوجود الخارجي ايضا نحو اتحاد حاصل بين اللفظ والكتابة مع الخارج ، لكن حصول الاتحاد بين اللفظ والخارج بتبع الاتحاد بين المفهوم والخارج الذي أشرنا اليه ، وحصول الاتحاد بين الكتابة وبينه بتبع الاتحاد بين اللفظ وبينه. ومما ذكرنا يعلم ان الاتحاد الحاصل بين الصورة الحاصلة عند النفس مع الخارج لا ينفى تغايرهما فان النفس إذا لاحظت في اللحاظ الثانوى ما حصل عنده من الصورة ، لحكمت بتغايرها مع الخارج حقيقة فليس للوجود الذهني واقعية محفوظة ثابتة في كلا الحالين حتى يحكم بان للماهيات وجودا في الذهن حقيقة كالوجود الثابت لها حقيقة في الخارج ، ومن أمعن النظر فيما أقامها القائلون بالوجود الذهني من البراهين عليه تبين له ان الثابت بها ليس الا الوجود الذهني الاتحادى الذي ذكرناه دون ما ادعوها من الوجود حقيقة فليتأمل. ولا يقتضى المقام اكثر مما ذكرنا من البسط في المقال وقد خرجت هذه الجمل في هذه التعليقة وما قبلها مجرى المجارات مع أبناء العصر حيث تراهم مشعوفين بكلمات الفلاسفة يحسنون الظن بها ، بل ويرونها كالوحى المنزل وبالجملة فكلما ترى من مثال هذه المقالات في تعاليق الكتاب فلا تظنن انا ملتزمون بصحتها ، والحق الحقيق بالقبول ما صدرت من منابع العلم والحكمة الالهية والمشاكى النبوية ، وأودعت في رواياتنا المدونة في كتب الاصحاب رضوان اللّه عليهم أجمعين ، فهي التي لا تتبدل بتلاحق الأفكار ولا تصير لعبة الانظار ، اللّهم أدم توفيقنا للاستنارة من تلك الأنوار ، والتطيب بهاتيك الازهار آمين آمين.

وهذا باطل الثالث : أن لا يتعلّق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومه بأن لا يكون من جنس ما يتعلق به كخلق الأجسام ، فإن القدرة الحادثة لا تتعلق بإيجاد الجواهر أصلا أم لا ، بأن يكون من جنس ما يتعلّق به ، لكن يكون من نوع أو صنف لا يتعلّق به كحمل الجبل والطيران إلى السماء وسائر المستحيلات العاديّة ، فهذا هو محلّ النّزاع ، ونحن نقول : بجوازه لإمكانه الذاتي ، والمعتزلة يمنعونه لقبحه

ص: 475

العقلّي مع أنّا قائلون : بأنّه لم يقع ، وهذا مثل سائر ما تجوزه الأشاعرة من الأمور الممكنة كالرّؤية وغيرها ، والتّجويز العقلي لا يستلزم الوقوع «انتهى»

أقول :

فيه نظر من وجوه ؛ أما أولا فلأنّ ما ذكره من أن المراد من جواز التّكليف بما لا يطاق إمكانه الذاتي دون الوقوعي إنما هو مذهب بعض متأخّري الأشاعرة الذين فرّوا عن الشّناعات اللّازمة لمذهب شيخهم ، وأمّا مذهب شيخهم ومن تابعه من متقدّمي أصحابه وهو الذي قصد المصنّف أن يتكلّم عليه هاهنا ، فهو الإمكان الوقوعى كما يدلّ عليه استدلالهم بالتّكليف بإيمان أبي لهب (1) ونحوه ، وقال الغزالي في المنخول : إنّ هذا المذهب لائق بمذهب شيخنا لازم له من وجهين آخرين ، أحدهما : أنّ القدرة الحادثة عنده لا تأثير له في المقدور ، فهو واقع باختراع اللّه تعالى فقد كلّفنا فعل الغير ، والآخر : أنّ القاعدة عنده غير قادر على القيام وهو مأمور بالقيام وقدرة القيام تقارن القيام «انتهى».

فقول الناصب : وهم متّفقون أنّ التّكليف بما لا يطاق لم يقع قطّ في الشّريعة بحكم الاستقراء «إلخ» يكون كذبا وسنزيد ذلك وضوحا عن قريب إن شاء اللّه تعالى ، وأما ثانيا فلأنّ ما ذكره في الدليل على الجواز من أنّه لا يجب عليه تعالى شيء مردود بما مرّ : من أن نفى الوجوب بالمعنى الذي ذكره أهل العدل مخالف للعقل والنّقل

ص: 476


1- هو أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم سيدنا ونبينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وزوجته ام جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس ، مات في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة بدر ، وكان في مبادي الإسلام معاضدا لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله) ، ثم تغير حاله وصار من أشد المظاهرين عليه (صلی اللّه عليه وآله) وذلك باغواء أبى جهل وعقبة بن أبى معط إياه ، وذكر بعض علماء الأنساب له عقبا متسلسلا.

كقوله تعالى ( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (1) وكذا الكلام في قولهم : لا يقبح من اللّه شيء فانّه أيضا مردود بما مرّ مرارا ، وأما ثالثا فلأنّ ما ذكره في بيان المرتبة الاولى من مراتب التّكليف بما لا يطاق بقوله : والتّكليف بهذا جائز ، بل واقع إجماعا ، وإلّا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلّفا بالايمان وترك الكبائر «إلخ» ممّا ذكره صاحب المواقف وحاصله على ما صرّح به في شرح مختصر ابن الحاجب أنّه لو لم يصح التّكليف بالمحال لم يقع ، وقد وقع لأنّ العاصي مأمور ويمتنع منه الفعل ، لأنّ اللّه تعالى قد علم أنّه لا يقع وخلاف معلومه محال ، وإلا لزم جهله وقد أجيب عنه بوجهين مذكورين هناك أيضا ؛ أحدهما : أنّ ما ذكرتم لا يمنع (2) إمكان الوقوع لجواز وقوعه من المكلّف في الجملة ، وإن امتنع بغيره من علم أو خبر أو غيرهما فهو استدلال على غير محل النّزاع ، وثانيهما : أنّ دليلكم هذا يبطل المجمع عليه ، فيكون باطلا بيانه : أنّ ذلك يستدعي أنّ التكاليف كلّها تكليف بالمستحيل ، لوجوب (3) وجود الفعل أو عدمه لوجوب تعلّق العلم بأحدهما وأيّا ما كان تعيّن وامتنع الآخر ، ولما ذهب إليه الأشعري من كون القدرة مع الفعل وكون الأعمال مخلوقة لله تعالى ، فإنهما ظاهران في استلزامهما كلية لكون التكليفات مستحيلة «انتهى» وقد أجاب عنه المصنّف قدّس سره أيضا في كتاب نهاية الوصول من وجوه تسعة فليطالع ثمّة ، واما رابعا : فلأنّ ما ذكره في بيان المرتبة الثّالثة تبعا لصاحب المواقف أنّ هذا هو محل النّزاع مردود ،

ص: 477


1- الانعام. الآية 12 ،
2- اى إمكان وقوع الفعل عن المكلف فهذا رد لقوله : ويمتنع منه الفعل. منه «قدس سره»
3- يعنى ما تعلق العلم بوقوعه من وجود الفعل وعدمه معين للوقوع وامتنع نقيضه لئلا ينقلب علمه تعالى جهلا. منه «قده».

باستلزامه لأن يكون كثيرا من أدلة الأشاعرة هاهنا غير منطبق على محل النّزاع كما صرّح به صاحب المواقف أيضا في آخر هذا التحرير ، حيث قال : وبما قرّرناه من تحرير محلّ النّزاع يعلم أنّ كثيرا من أدلة أصحابنا مثل ما قالوا في إيمان أبي لهب وكونه مأمورا بالجمع بين المتناقضين ، نصب للدّليل في غير محل النّزاع «انتهى». ولا يذهب عليك أنّ صاحب المواقف إنّما ارتكب تحرير محل النّزاع على الوجه الذي لزم منه بطلان أكثر أدلة أصحابه للفرار عمّا هو أشنع من ذلك ، وهو القول بجواز تكليف المحال لذاته ، وهذا في الحقيقة حيلة منه للتفصي (1) عن تلك الشناعة وإلّا فمحل النّزاع عند أصحابه ليس مخصوصا بما ذكره في المرتبة الثالثة من المستحيلات العاديّة ، قد أشار إلى هذا الشارح (2) قدّس سره الشريف بقوله لقائل أن يقول : إنّ ما ذكره من أنّ جواز التّكليف بالممتنع لذاته فرع تصوّره وأنّ بعضا منّا قالوا : بوقوع تصوّره يشعر بأن هؤلاء يجوزونه أى يجوزون التكليف بالمحال لذاته ، ويدل على ذلك كلام العلّامة (3) الشيرازي في شرح مختصر

ص: 478


1- ولما كان نصب الدليل في غير محل النزاع أقل شناعة من إبداع دعوى فاسدة احتمل العضدي تغير الدعوى كما ترى. منه «قدس سره»
2- المراد منه المحقق الشريف الجرجاني.
3- هو الشيخ قطب الدين أبو الثناء محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي الكازروني من تلامذة المحقق الطوسي وصدر الدين القونوى والكاتبي القزويني ، له تصانيف نفيسة في العلوم العقلية والطب والأدب ، منها شرح كليات القانون لابن سينا وترجمة تحرير أقليدس وحل مشكلات المجسطي وشرح مختصر الأصول لابن الحاجب والتحفة الشاهية ودرة التاج وشرح مفتاح السكاكي ونهاية الإدراك في الهيئة وشرح حكمة الاشراق وغيرها ، توفى 24 رمضان سنة 710 او سنة 716 ببلدة تبريز ودفن بمقبرة كجيل بجنب قبر القاضي البيضاوي فراجع (ص 219 وص 247 ج 6 من) طبقات الشافعية ط مصر) وهكذا (ص 307 ج 3 من ريحانة الأدب ط تهران).

الأصول حيث قال : اعلم أنّ الامة اختلفوا (1) في جواز التّكليف بالممتنع ، وهو إمّا أن يكون ممتنعا لذاته كالجمع بين الضدّين وقلب الأجناس وإيجاد القديم وإعدامه ونحوه ممّا يمتنع تصوّرها ، أو لغيره كجميع الممكنات لفقدان أسباب وجوداتها ، أو بوجدان الموانع عنها ، كايمان من علم اللّه أنّه لا يؤمن فانّه ممكن بحسب ذاته ، ممتنع بحسب غيره ، فان كان الأوّل أي الممتنع لذاته فذهب شيخنا أبو الحسن الأشعرّي في أحد قوليه إلى جوازه ، وهو مذهب أكثر أصحابه ، واختلفوا في وقوعه ، والقول الثّاني امتناعه ، وهو مذهب البصريّين من المعتزلة وأكثر البغداديين وإن كان الثاني أى الممتنع لغيره فقد اتّفق الكلّ على جوازه عقلا خلافا لبعض (2) الثّنويّة ، وعلى وقوعه شرعا ، وذهب المصنّف إلى امتناع الأول ، وهو المختار على ما مال إليه الغزالي «انتهى» ثمّ الظاهر أن الأشعري أخذ جواز التكليف بما لا يطاق

ص: 479


1- قال المصنف رفع اللّه درجته في نهاية الوصول : اختلف الناس في ذلك فذهبت العدلية كافة الى امتناعه ، وقالت الاشاعرة كافة بجوازه ، ثم اختلفوا في الوقوع ، فذهب أبو الحسن الأشعري تارة الى عدم وقوعه وتارة الى وقوعه ، وكلاهما قول أصحابه مع انه يلزمه الوقوع ، وقال بعضهم : المحال ان كان لذاته كالجمع بين الضدين وقلب الأجناس وإيجاد القديم واعدامه استحال التكليف به وان كان لغيره جاز التكليف به واختاره الغزالي وهرب من مقالة شيخه أبى الحسن لما فيها من الشناعات ويلزمه الوقوع فيها على ما يأتى تقريره «إلخ» منه قدس سره
2- قال الشهرستاني في كتاب الملل (ج 2 ص 72 ط مصر) ما لفظه : الثنوية هؤلاء اصحاب الاثنين الازليين يزعمون ان النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه ، وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح (انتهى).

من القصّة المذكورة بين العوام في مخاطبة إدريس عليه السلام (1) مع إبليس عليه اللّعنة

ص: 480


1- هو إدريس بن اليارد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم على نبينا واله وعليه السلام ، ولد بمصر وسموه (هرمس الهرامسة) وباليونانية (ارمس) بمعنى عطارد وعرب بهرمس ، واسمه الأصلي (هنوخ) وعرب (أخنوخ) وسماه اللّه تعالى في كتابه إدريس لكثرة دراسته كما في ابجد العلوم ص 348 ط هند. وهو رجل آتاه اللّه النبوة والحكمة وانزل عليه ثلاثين صحيفة وعلم النجوم وافهمه عدد السنين والحساب وعلمه الالسنة المختلفة قال القطب في محبوب القلوب ما لفظه : وزعم جماعة من الاعلام ان جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان انما صدرت عن هرمس الاول الساكن بصعيد مصر الاعلى وهو الذي يسميه العبرانيون (أخنوخ) بن لاود بن مهلائيل ، وهو إدريس النبي وقالوا : انه اول من انذر بالطوفان ورأى آفة سماوية يلحق الأرض من الماء فخاف ذهاب العلم ودرس الصنائع فبنى الاهرام في صعيد مصر الاعلى وضرب فيها جميع الصناعات والآلات ورقم فيها صفات العلوم حرصا منه على تخليدها لمن بعده وخيفة ان يذهب رسمها من العالم. وقال السويدى في السبائك ص 11 طبع بمبئى ما حاصله : ان إدريس هو اول من استخرج الحكمة وعلوم النجوم وعلوم الرياضيات والطبيعي والإلهي واسرار الفلك ، وسمى بالمثلث لأنه كان نبيا وحكيما وملكا وهو اول من خط بالقلم واول من جاهد في سبيل اللّه ارباب الفساد من بنى آدم ، وهو الذي رسم عمارة المدن وجمع طلاب العلم وقرر لهم قواعد السياسة وعمارة المدن ، فأنشأت كل فرقة من الأمم مدنا في ارضها الى أن قال : ورفعه اللّه وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقصة رفعه مذكورة في التفاسير والتواريخ إلخ. قال في الأبجد ص 348 ط هند ما حاصله : ان قبلة إدريس كانت جهة الجنوب على خط نصف النهار الى ان قال : وهو اول من خاط الثياب وحكم بالنجوم وانذر بالطوفان واول من بنى الهياكل ومجد اللّه فيها واول من نظر في الطب ، واول من ألف القصائد و الاشعار إلخ. ثم اعلم أن أحمد بن متويه نقل الصحيفة المنسوبة الى إدريس من السريانية الى العربية بأمر المأمون العباسي.

كما أشار إليه الفناري (1)في بحث القدرة من شرح جمع الجوامع حيث قال : أما المستحيلات فلعدم قابليّتها للوجود لم تصلح أن تكون محلا لتعلّق الإرادة لا لنقص في القدرة ، ولم يخالف في ذلك إلّا ابن حزم (2) فقال في الملل والنّحل : إنّ اللّه عزوجل قادر على أن يتّخذ ولدا ، إذ لو لم يقدر عليه لكان عاجزا ، وردّ ذلك بأنّ

ص: 481


1- هو الشيخ محمد بن حمزة بن محمد بن محمد شمس الدين الرومي الحنفي المشتهر بفنارى صاحب التآليف الكثيرة في فنون العلم ، توفى سنة 839 او 840 ، ومن تصانيفه الفوائد الفنارية في المنطق ، وشرح جمع الجوامع في الأصول لتاج الدين عبد الوهاب السبكى ، وفصول البداية في اصول الشرائع في علم اصول الفقه ، وعويصات الأفكار في اختبار اولى الأبصار في العلوم العقلية ، وتفسير سورة الفاتحة ، ومصباح الانس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود ، والمفتاح لصدر الدين القونوى ، وكتاب أنموذج العلوم ، وكتاب تلخيص الفصول وترصيص الأصول وغيرها ، فراجع (ص 187 من الفوائد البهية) لأبي الحسنات الهندي ط مصر و (ص 213 من شذرات الذهب ط مصر) و (ص 229 ج 3 من ريحانة الأدب ط تهران)
2- هو الشيخ ابو محمد على بن محمد بن حزم القرطبي الأندلسي الظاهري مذهبا الأموي نسبا ، كان من أعاجيب عصره في أكثر العلوم وله كتب شهيرة ، منها الفصل في الملل والأهواء والنحل ، وكتاب مداواة النفوس في الأخلاق ، وكتاب المحلى في فقه الظاهرية ، وكتاب جمهرة الأنساب ، وكتاب الاحكام لأصول الاحكام وكتاب اظهار تبديل اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل.

اتخاذه الولد محال لا يدخل تحت القدرة ، وعدم القدرة على الشيء قد يكون لقصورها عنه ، وقد يكون لعدم قبوله لتأثيرها فيه ، لعدم إمكانه لوجوب أو امتناع ، والعجز هو الأوّل دون الثّاني وذكر الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني (1) أنّ أوّل من أخذ منه ذلك إدريس عليه السلام حيث جاءه إبليس في صورة إنسان وهو يخيط ويقول في كلّ دخلة وخرجة سبحان اللّه والحمد لله ، فجاءه بقشرة فقال : اللّه تعالى يقدر أن يجعل الدّنيا في هذه القشرة فقال : اللّه قادر أن يجعل الدّنيا في سمّ هذه الابرة ونخس بالابرة إحدى عينيه ، فصار أعور ، وهذا وإن لم يرو عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد اشتهر وظهر ظهورا لا ينكر قال : وقد أخذ الأشعري من جواب إدريس عليه السلام أجوبة في مسائل كثيرة من هذا الجنس «انتهى كلامه» وكفى بذلك شناعة وفضيحة لهم ولمذهبهم وقدوتهم في مذهبهم؟ وبهذا الذي نقل عن الأسفرايني في شأن شيخه الأشعري يظهر صدق ما ذكره الحكيم شمس الدّين الشّهرزوري (2) في تاريخ الحكماء عند ذكر ترجمة فخر الدّين الرّازي وتعييره وتوبيخه له في متابعته للأشعري حيث قال : وأعجب أحوال هذا الرّجل أنّه صنّف في الحكمة كتبا كثيرة توهم أنّه من

ص: 482


1- هو أبو اسحق ابراهيم بن محمد بن ابراهيم ركن الدين الأسفرايني من مشاهير علماء القوم في الفقه والحديث والكلام ، وكان من أصحاب الشيخ أبى الحسن الأشعري وشريك البحث والدرس مع ابني فورك والباقلاني ، ومن تآليفه كتاب الجامع في اصول الدين وكتاب نور العين في مشهد الحسين عليه السلام ، توفى يوم عاشوراء سنة 417 او 418 ببلدة نيسابور ونقل نعشه الى أسفرايين فراجع في ترجمة حاله الى (ص 117 جزء 3 من طبقات الشافعية ط مصر). وريحانة الأدب (ج اول ص 69 ط تهران) ثم ان كتاب نور العين قد طبع مرات ولكن ليس مما يعتمد عليه في متفرادته
2- قد سبقت ترجمته وتاريخ حياته ، وكتابه (تاريخ الحكماء) من الكتب المعتبرة في تراجم الفلاسفة والأطباء ، وسمعت أن بعض الأفاضل كتب له تذييلا نافعا وآخر لخصه

الحكماء المبرّزين الذين وصلوا إلى غايات المراتب ونهايات المطالب ولم يبلغ مرتبة أقلّهم ، ثمّ يرجع وينصر مذهب أبى الحسن الأشعري الّذي لا يعرف أىّ طرفيا أطول؟ (1) لأنّه كان خاليا عن الحكمتين (2) البحثيّة والذوقيّة لا يعرف أن يرتّب حدّا ولا أن يقيم برهانا ، بل هو شيخ مسكين متحيّر في مذاهبه الجاهليّة التي يخبط فيها خبط عشواء «انتهى».

ص: 483


1- هذا مثل قبيح يضرب في حق من لا يميز بين الزين والشين ، وقد سبق شرح المراد منه بمدلوليه المطابقي والالتزامي.
2- المراد بهما الحكمة المشائية والاشراقية وليعلم انه اختلفت طرق الحكماء ، فمنهم من رام ادراك المطالب بالبحث والنظر ، وهم الباحثون والمشائيون والاستدلاليون ، وقدوتهم أرسطو ، وذهب الى ان هذا الطريق أنفع للتعلم واوفى بجملة المطالب. ومنهم من سلك طريق تصفية النفس بالرياضة حتى وصلوا الى امور ذوقية ادعوها بالكشف والعيان بحيث تجل عن ان توصف باللسان. ومنهم من ابتدأ بالبحث والنظر وانتهى الى التجريد وتصفية النفس فجمع بين الفضيلتين وينسب هذا الى سقراط والسهروردي والبيهقي. ثم اعلم ان من النظر رتبة تناظر طريق التصفية ويقرب حدها من حدها وهو طريق الذوق ويسمونه الحكمة الذوقية. وممن يعد قدوة في هذا الشان الشيخ السهروردي ، وكتابه حكمة الاشراق يحكى عن هذا المعنى ، وكذا الفنارى الرومي ، والشيخ صدر الدين القونوى ، والمولى جلال الدين الدواني وغيرهم. ثم ان علم الحكمة عرف بتعاريف ، فمنها انه العلم بأحوال اعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية ومنها انه علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية ومنها التشبه بالإله علما وعملا وغيرها مما يقف عليها الباحث في كتب الفلسفة ، وقسموا الحكمة على اقسام باعتبارات شتى من النظرية والعملية وغيرها ثم اعلم أن للقوم كلمات في حق هذا العلم وآداب تعلمه وتعليمه والتحرير فيه قال قطب الدين الاشكورى في محبوب القلوب ما لفظه : من أراد صيد طيور مطالب الحكمة المتعالية الحقة بلا مصاحبة كلاب الشكوك والأوهام فعليه بتربية صقور قواه العقلانية على آداب شريعة خير الأنام والتخلق بأخلاق اصحاب الوحى والإلهام عليهم السلام لتحصل له ملكة الطيران في فضاء مصائد كلمات الأوائل من الاعلام حتى اصطادوا طيور مأكولات اللحوم من المعارف الحقة اللذيذة ليغذى بها نفسه المجردة بعد المفارقة من دار الكربة والآلام ، والأمثلة كمثل آخذ الصيود من أفواه الكلاب للادام ، فهو كأكل الميتة او المستظل بظل الذباب في اليوم الصائف ، فهذا كالمستيقظ المحترق أطرافه بنار الخيبة ، الى آخر ما قال وأطرى وقال قبيله ما لفظه : وفي كلامه عليه السلام (يعنى مولانا أمير المؤمنين ع): ان كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواء ، وإذا كان خطاء كان داء وذلك لقوة اعتقاد الخلق فيهم وشدة قبولهم لما يقولونه ، فان كان حقا كان دواء من الجهل ، وان كان باطلا وجب للخلق علاج داء الجهل «انتهى» قال العارف الرومي في المثنوى : كاف كفر اينجا بحق المعرفة *** دوست تر دارم ز فاء فلسفة ز آنكه اين علم لزج چون ره زند *** بيشتر بر مردم آگه زند هذا ما اقتضته الصروف والظروف بمقالة أوردناها حسب ميول أبناء العصر وأما الحكمة الحقة هي التي أخذت من معادن العلم وخزنة الوحى الذين من تمسك بذيلهم فقد نجى اللّهم اجعلنا من التابعين لهم ومن المعرضين عن كل وليجة دونهم وكل مطاع سواهم وإياك إياك أيها القاري الكريم بما أبرزتها الفلاسفة مزبرجة ، فلا تغتر بما أودعوها في زبرهم ولا تحسن الظن بكلماتهم حتى تنجو من المهالك عصمنا اللّه وإياك ،

ص: 484

قال المصنّف رفع اللّه درجته

المطلب التاسع في أن إرادة النبي موافقة لارادة اللّه تعالى ، ذهبت الاماميّة إلى أن النبيّ ، يريد ما يريده اللّه تعالى ، ويكره ما يكرهه ، وأنّه لا يخالفه في الإرادة والكراهة وذهبت الأشاعرة إلى خلاف ذلك ، فانّ النبيّ يريد ما يكرهه اللّه ، ويكره ما يريده لأنّ اللّه يريد من الكافر الكفر ، ومن العاصي المعاصي ، ومن الفاسق الفسوق ، ومن الفاجر الفجور ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله أراد منهم الطاعات ، فخالفوا بين مراد اللّه تعالى وبين مراد النبيّ وأنّ اللّه كره من الفاسق الطاعة ، ومن الكافر الايمان ، والنبيّ أراد هما منهما ، فخالفوا بين كراهة اللّه وكراهة نبيّه ، نعوذ باللّه من مذهب يؤدّي إلى القول : بأن مراد النبيّ يخالف مراد اللّه وأنّ اللّه لا يريد من الطاعات ما يريده أنبياؤه ، بل يريد ما أرادته الشّياطين من المعاصي وأنواع الفواحش والفساد «انتهى»

قال النّاصب خفضه اللّه

أقول : الإرادة قد تقال ويراد بها الرّضا والاستحسان ، ويقابلها السّخط والكراهية ، وقد يراد بها الصّفة المرجّحة ، والتّقدير قبل الخلق ، وبهذا المعنى لا يقابلها الكراهيّة فالارادة إذا أريد بها الرضا والاستحسان ، فلا شكّ أنّ مذهب الأشاعرة أنّ كلّ ما هو مرضيّ لله تعالى فهو مرضيّ لرسوله ، وكلّ ما هو مكروه عند اللّه مكروه عند رسوله ، وأمّا قوله : ذهبت الاشاعرة إلى خلاف ذلك ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يريد ما يكرهه اللّه ، ويكره ما يريده لأنّ اللّه تعالى يريد من الكافر الكفر ، ومن العاصي العصيان ، والنبيّ أراد منهما الطاعات ، فان أراد بهذه الإرادة والكراهية الرّضا والسّخط ، فقد بيّنا أنّه لم يقع بين إرادة اللّه تعالى وإرادة رسوله مخالفة قط (1)

ص: 485


1- الملخص ان اللّه تعالى قد يقدر ما لا يرضى به فلا يرضى به النبي وقد يرضى بما لم يقدره فهو المرضى أيضا له وليس هاهنا مخالفة أصلا. من الفضل بن روزبهان.

وإن أراد أنّ اللّه يقدّر الكفر للكافر والنبيّ يريد منه الطاعة بمعنى الرّضا والاستحسان فهذا صحيح لأنّ اللّه تعالى أيضا يستحسن منه الطاعة ويريدها بمعنى أنّه يقدّرها والحاصل أنّه يخلط المعنيين ويعترض ، وكثيرا مّا يفعل في هذا الكتاب أمثال هذا ، واللّه يعلم المصلح من المفسد «انتهى»

أقول

قد جمع الناصب في هذا الفصل جميع مقدّماته الفاسدة التي ذكرها سابقا متفرّقة من أنّ الإرادة غير الرضا ، وأنّ الإرادة بمعنى التّقدير ، وبنى عليها ترديده المردود ، وكذا الحال فيما ذكره في الحاشية : من أن الملخّص أنّ اللّه تعالى قد يقدّر ما لا يرضى به فلا يرضى به النبيّ ، وقد يرضى بما لم يقدّره فهو المرضيّ أيضا ، وليس هاهنا مخالفة أصلا «انتهى» والحاصل أنّه إن أراد بتقدير ما لا يرضى به خلق ما لا يرضى به فهو مردود بما مرّ ، وإن أراد به إرادة ما لا يرضى به فهو مدفوع بما سبق : من أنّ الإرادة مستلزمة للرّضا ، وأن الاعلام والتبيين والكتابة فهو مسلّم ، لكن لا يجديه فيما هو بصدده كما لا يخفى.

قد تم الجزء الاول من كتاب احقاق الحق وإزهاق الباطل مع بذل الوسع والطاقة في التصحيح والتعليق وتعيين المصادر واجادة الطبع ويليه الجزء الثاني أوله في أفعال العباد الاختيارية وأنها صادرة عنهم.

تم تصحيحه بالدقة التامة بيد العبد (السيد ابراهيم الميانجى)

عفى عنه في اليوم الثالث من شهر ذي حجة الحرام سنة

1376 هجرية على هاجرها آلاف الثناء والتحية

ص: 486

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.