موسوعة الشهيد الثاني المجلد 10

هوية الکتاب

موسوعة الشهید الثاني

الجزء العاشر

روضُ الجَنان

في شرح إرشادِ الأذهَان / 1

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية

مركز إحياء التراث الإسلامي

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء العاشر (روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 1)

الناشر : المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكميّة: 1000 نسخة

العنوان: 143؛ التسلل : 243

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن على، 911-966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة. 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN _. (دوره)

ISBN 978-600-5570-85-4 _.(ج 10)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

کتابنامه.

مندرجات : ج 10، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان/1. _

1. اسلام - مجموعه ها، 2، دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام. 3. اسلام و آموزش و پرورش. 4. اخلاق اسلامی، الف، پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی، مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

8 م 92 ش/BP4/6

297/08

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء العاشر

روض الجنان

في شرح إرشاد الأذهان / 1

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

مركز إحياء التراث الإسلامي

ص: 3

المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

موسوعة الشهيد الثاني

الجزء العاشر (روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 1)

الناشر : المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة

الإعداد والتحقيق: مركز إحياء التراث الإسلامي

الطباعة: مطبعة الباقري

الطبعة الأولى 1434 ق / 2013 م

الكميّة: 1000 نسخة

العنوان: 143؛ التسلل : 243

حقوق الطبع محفوظة للناشر

العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية)، زقاق آمار، الرقم 42

التلفون والفاكس: 7832833، التوزيع: قم 7832834؛ طهران 66951534

ص. ب: 37185/3858 ، الرمز البريدي: 16439 - 37156

وب سایت: www.pub.isca.ac.ir البريد الالكتروني: nashr@isca.ac.ir

شهید ثانی، زین الدین بن على، 911-966ق.

موسوعة الشهيد الثاني / الإعداد والتحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة. 1434ق. = 2013م.

30 ج.

978-600-5570-74-8 ISBN _. (دوره)

ISBN 978-600-5570-85-4 _.(ج 10)

فهرست نویسی بر اساس اطلاعات فیپا.

کتابنامه.

مندرجات : ج 10، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان/1. _

1. اسلام - مجموعه ها، 2، دانش و دانش اندوزی - جنبه های مذهبی - اسلام. 3. اسلام و آموزش و پرورش. 4. اخلاق اسلامی، الف، پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی، مرکز احیای آثار اسلامی. ب. عنوان.

8 م 92 ش/BP4/6

297/08

ص: 4

دلیل موسوعة الشهيد الثاني

المدخل = الشهيد الثاني حياته وآثاره

الجزء الأوّل = (1) منية المريد

الجزء الثاني = (2 - 6) الرسائل /1 : 2. كشف الريبة ؛ 3. التنبيهات العليّة؛ 4. مسكّن الفؤاد؛ .5 البداية؛ 6. الرعاية لحال البداية في علم الدراية.

الجزء الثالث = (7 -30) الرسائل 2 : 7. تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد؛ 8 تقليد الميّت؛ 9. العدالة؛ 10. ماء البئر؛ 11. تيقّن الطهارة والحدث والشكّ في السابق منهما؛ 12. الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة؛ 13. النيّة ؛ 14. صلاة الجمعة؛ 15. الحثّ على صلاة الجمعة؛ 16. خصائص يوم الجمعة؛ 17. نتائج الأفكار في بيان حكم المقيمين في الأسفار ؛ 18 أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة؛ 19. نيّات الحجّ والعمرة؛ 20. مناسك الحجّ والعمرة؛ 21. طلاق الغائب؛ 22. ميراث الزوجة؛ 23. الحبوة؛ 24. أجوبة مسائل شكر بن حمدان؛ 25. أجوبة مسائل السيّد ابن طرّاد الحسيني؛ 26. أجوبة مسائل زين الدين بن إدريس؛ 27. أجوبة مسائل الشيخ حسين بن زمعة المدني؛ 28. أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي؛ 29. أجوبة مسائل السيّد شرف الدين السمّاكي؛ 30. أجوبة المسائل النجفيّة.

الجزء الرابع = (31 - 43) الرسائل /3 : 31. تفسير آية البسْمَلَة؛ 32. الإسطنبوليّة في الواجبات العينيّة؛ 33. الاقتصاد والإرشاد إلى طريق الاجتهاد؛ 34. وصيّةً نافعةً؛ 35. شرح حديث «الدنيا مزرعة الآخرة»؛ 36. تحقيق الإجماع في زمن الغَيْبَة؛ 37. مخالفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) لإجماعات نفسه؛ 38. ترجمة الشهيد بقلمه الشريف؛ 39. حاشية «خلاصة الأقوال»؛ 40حاشية «رجال ابن داود»؛ 41 . الإجازات؛ 42. الإنهاءات والبلاغات؛ 43. الفوائد.

ص: 5

الجزء الخامس = (44) تمهيد القواعد

الجزء السادس - الجزء التاسع = (45) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة

الجزء العاشر والجزء الحادي عشر = (46) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الجزء الثاني عشر = (47 - 49) المقاصد العليّة وحاشيتا الألفيّة

الجزء الثالث عشر = (50) الفوائد المليّة لشرح الرسالة النقليّة

الجزء الرابع عشر = (51و 52 ) حاشية شرائع الإسلام وحاشية المختصر النافع

الجزء الخامس عشر = (53) حاشية القواعد (فوائد القواعد)

الجزء السادس عشر = (54) حاشية إرشاد الأذهان

الجزء السابع عشر - الجزء الثامن والعشرون = (55) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

الجزء التاسع والعشرون = الفهارس

ص: 6

فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق...25

مقدّمة الشارح...3

شرح خطبة كتاب إرشاد الأذهان...4

بيان ترتيب أبواب الكتاب ...27

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / ج 1

كتاب الطهارة

شرح «كتاب الطهارة»...31

في الإشارة إلى تعريف الطهارة...32

النظر الأوَل في أقسام الطهارة...35

ما يجب له الوضوء ...36

استحباب الوضوء للصلاة والطواف المندوبين وكذا دخول المساجد وقراءة القرآن و... ...37

ما يجب له الغسل ...41

وجوب الغسل لدخول المساجد وقراءة سور العزائم إن وجبا...42

ص: 7

وجوب الغسل لصوم الجنب إذا بقي من الليل مقدار فعله...43

وجوب الغسل لصوم المستحاضة المتوسّطة والكثيرة...44

استحباب غسل الجمعة ...45

استحباب الغسل في بعض الليالي من شهر رمضان...46

استحباب الغسل ليلة الفطر...46

استحباب غسل يومي العيدين وليلة نصف رجب وشعبان ويوم المبعث ...47

استحباب غسل أيّام الغدير والمباهلة وعرفة والإحرام والطواف وزيارة النبيّ والأئمّة(علیهم السلام)... 48

استحباب غسل قضاء صلاة الكسوف لتاركها عمداً مع استيعاب الاحتراق...48

استحباب غسل المولود وغسل السعي إلى رؤية المصلوب والغسل للتوبة...49

استحباب غسل صلاتي الحاجة والاستخارة...50

استحباب غسل دخول الحرم والمسجد الحرام ومكة والكعبة والمدينة ومسجد النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)...50

هل تتداخل الأغسال المذكورة عند اجتماع أسبابها؟...50

وجوب التيمّم للصلاة والطواف الواجبين وكذا لخروج الجنب من المسجدين...51

هل التيمّم للخروج من المسجدين يبيح الصلاة ونحوها ؟...53

عدم لحوق باقي المساجد بالمسجدين في شرعيِّة التيمّم...54

وجوب الطهارات الثلاث بالنذر وشبهه...55

النظر الثاني في أسباب الوضوء وكيفيّته...57

شرح لفظ «الوضوء»...57

وجوب الوضوء من خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد...59

وجوب الوضوء من النوم والجنون والإغماء والسكر والاستحاضة القليلة...59

أحكام التخلّي ...61

ص: 8

وجوب ستر العورة وعدم استقبال القبلة واستدبارها على المتخلّي...61

وجوب غَسْل موضع البول بالماء خاصٌةً ...63

وجوب غسل مخرج الغائط بالماء مع التعدّي للمخرج...64

في أنّه مع عدم التعدّي يتخيّر المتخلّي في الاستنجاء بين ثلاثة أحجار طاهرة وشبهها...64

فيما لو لم ينق المحلّ من عين النجاسة بالثلاثة الأحجار وجب الزائد عليها... 67

فيما لو نقي المحلّ من عين النجاسة بأقلّ من ثلاثة أحجار وجب الإكمال...67

هل يكفي في الاستنجاء الحجر ذوالجهات الثلاث؟...68

استحباب تقديم الرجْل اليسرى دخولاً والرجْل اليمنى خروجاً وتغطية الرأس...69

استحباب الاستبراء من البول وكيفيّته...69

استحباب الدعاء دخولاً وعند الاستنجاء والفراغ منه...70

استحباب الجمع بين الماء والأحجار ...71

كراهة الجلوس للبول والغائط في المشارع والشوارع وفي النزّال وتحت الأشجار ...71

كراهة استقبال جرمي الشمس والقمر حال التخلّي واستقبال الريح بالبول...72

كراهة البول في الأرض الصلبة...73

كراهة البول في ثقوب الحيوان وفي الماء والأكل والشرب حال التخلّي...73

كراهة السواك حال التخلّي...74

كراهة الاستنجاء باليمين وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى وأنبيائه والأئمة(علیهم السلام) ... 74

كراهة الكلام حال التخلّي بغير ذكر الله تعالى والحاجة وآية الكرسي...75

واجبات الوضوء...76

وجوب النيّة في الوضوء وكيفيّتها...76

هل تجب نيّة الوجوب أم لا؟...78

هل تجب نيّة رفع الحدث أو نيّة الاستباحة لمشروط بالطهارة ...80

ص: 9

وجوب استدامة النيّة حكماً إلى وقت الفراغ من الفعل...83

فيما لونوى المكلّف بوضوئه التبرّد خاصّة أو ضمّ الرياء إلى نيّة الوجوب أو القربة ... 84

جواز النيّة عند غَسْل اليدين والمضمضة والاستنشاق...86

عدم جواز تقديم نيّة الوضوء عند السواك والتسمية...86

في أنّ المراد بغَسْل اليدين المستحبّ للوضوء هو ما كان لوضوء من حدث النوم أو ... 86

عدم جواز إيقاع النيّة عند غَسْل اليدين من غير حدث النوم أو البول أو الغائط ... 86

تضيّق النيّة عند أوّل غَسْل الوجه و وجوب غَسْل الوجه بما يسمّى غَسْلاً...87

هل يجب الدلك في الغَسْل؟ وبيان حدّ الوجه في غَسْله...88

عدم إجزاء غَسْل الوجه منكوساً...88

عدم وجوب تخليل اللحية وإن خفّت...89

وجوب غَسْل البشرة المرئيّة بين الشعر واليدين مع المرفقين...90

بطلان الوضوء بغَسْل اليدين منكوساً...91

فيما لوكان له يد زائدة وجب غَسْلها إن كانت تحت المرفق أو فوقه ولم تتميّز...91

وجوب غَسْل اللحم الزائد الكائن تحت المرفق أو فيه وكذا الإصبع الزائدة...92

فيما لو قُطعت اليد من دون المرفق وجب غَسْل الباقي...92

فيما لو قُطعت اليد من المرفق سقط وجوب الغَسْل...92

عدم وجوب الغَسْل ولا المسح فيما إذا قُطعت اليد من فوق المرفق أو الرِجْل من فوق الكعب...93

هل يستحبّ مسح باقي العضد؟ ...93

وجوب مسح بشرة مقدَّم الرأس أو شعر المقدَّم المختصّ به بأقلّ اسم المسح...93

هل يجب المسح بثلاث أصابع مضمومة؟ ...94

كفاية المسح بإصبع واحدة في مسح الرجْلين...97

عدم إجزاء الغَسْل عن المسح...98

ص: 10

هل يجب المسح مُقبلاً ...99

عدم جواز المسح على الحائل كعمامة وغيرها ووجوب مسح بشرة الرجلين بأقل اسمه...99

بيان حدّ مسح الرجلين والمراد من الكعبين...100

هل يجب في مسح الرجلين الابتداء برؤوس الأصابع؟...101

عدم جواز المسح على الحائل كالخُفّ وغيره اختياراً ...104

جواز المسح على الحائل للتقيّة والضرورة وبطلان الوضوء بغَسْل الرجْلين اختياراً ... 105

وجوب مسح الراس والرِجْلين ببقيّة نداوة الوضوء وبطلان الوضوء بالمسح...106

فيما إذا جفّ البلل عن يديه أخذ من لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ومسح به ...107

فيما إذا جفّ البلل في مواضع الوضوء بطل الوضوء إلّا مع الضرورة...107

وجوب الترتيب في الوضوء بين الأعضاء المغسولة والممسوحة...107

عدم وجوب الترتيب بين الرجْلين في المسح...108

وجوب الموالاة في الوضوء وبيان معناها...108

كيفيّة وضوء ذي الجبيرة وأنّه هل يتوضّأ صاحب السلس لكلّ صلاة؟ ...112

في أنّ المبطون إذا فاجأه الحدث أثناء الصلاة هل يجب عليه الوضوء بعد الحدث و... ... 115

مسنونات الوضوء...116

مكروهات الوضو ...122

حرمة التولية في الطهارة اختياراً وجوازها بل وجوبها مع الضرورة...123

اشتراط جميع الطهارات بماء مطلق طاهر مملوك أو مباح...123

فيما إذا تيقّن المكلّف الحدث وشكّ في الطهارة أو تيقّنهما وشك في المتأخّر...124

فيما إذا تيقّن المكلّف الطهارة وشكّ في الحدث أو شكّ في شيء منه بعد ...127

فيما إذا جدّد المكلّف وضوءه ندباً ثمّ ذكر إخلال عضو من إحدى الطهارتين ...127

فيما لو تطهّر وصلّى وأحدث ثمّ تطهّر وصلّى ثم ذكر إخلال عضو من إحدى الطهارتين ... 131

ص: 11

النظر الثالث في أسباب الغسل...133

موجبات الأغسال...133

في أنّه لابدّ في كلّ الأغسال من الوضوء معها غير غسل الجنابة...134

المقصد الأوّل في ماهيّة الجنابة وأحكامها...136

حصول الجنابة بإنزال المنيّ مطلقاً...136

تحقّق الجنابة بالجماع في قُبُل المرأة ودُبُر الآدمي مطلقاً ...137

هل يجب الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة؟ ...138

فيما يتعلّق بإيلاج الخنثى وبيان علامات المني و عدم اعتبار الدفق في المريض... 139

لو وجد المكلّف على شيء من جسده أو ثوبه أو فراشه المختصّ أو المشترك منيّاً...140

فيما يحرم على الجنب..142

فيما يكره للجنب ...144

وجوب الغسل على المجنب...146

وجوب النيّة في الغسل ...151

وقت نيّة الغسل ووجوب استدامتها حكماً حتى الفراغ من الغسل...151

وجوب غَسل بشرة جميع الجسد بأقلّ الغَسْل...152

وجوب تخليل مالا يصل إليه الماء إلاّ به...152

وجوب الترتيب في الغسل بين الأعضاء الثلاثة...153

سقوط الترتيب في غسل الارتماس وشبهه...154

استحباب الاستبراء للرجل المجنب بالإنزال ...160

حكم استبراء المرأة بالبول أو الاجتهاد وبيان المراد من الاستبراء ...160

فيما إذا وجد المغتسل بللاً مشتبهاً مستبرئاً أو غير مستبرئ ...160

ص: 12

استحباب إمرار اليد على الجسد حال الغسل وكذا تخليل ما يصل إليه الماء... 162

حرمة التولية في الغسل وكراهة الاستعانة فيه...162

حكم المغتسل إذا أحدث حدثاً أصغر في أثناء الغسل...164

المقصد الثاني في ماهيّة الحيض وأحكامه ...169

تعريف الحيض لغةً وشرعاً ...169

تعريف دم الحيض ...170

فيما إذا اشتبه دم الحيض بدم العُذْرة...171

الدماء التي ليست بحيض...172

تحديد سنّ اليأس ...178

أقلّ الحيض وأكثر الحيض وأقلّ الطهر واستقراء العادة بشهرين متّفقين عدداً ووقتاً... 181

بيان المراد بالشهر...182

في أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض...185

فيما إذا تجاوز الدم عشرة أيّام ...186

رجوع المبتدئة الفاقدة للتمييز إلى عادة أهلها ومع عدمهنّ إلى أقرانها...190

فيما إذا اختلفت الأقران أو فُقدن ...198

حكم الناسية لعادتها وقتاً وعدداً ...199

حكم المضطربة الوقت دون العدد...200

حكم المضطربة العدد خاصّةً ...204

في أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض...207

فيما لو رأت المرأة الدم ثلاثة أيّام وانقطع ثمّ رأت اليوم العاشر خاصّة...208

وجوب الاستبراء عند انقطاع الدم لدون العشرة ...209

فيما لو رأت ذات العادة الدم في العادة وفي طرفيها أو في أحدهما ...212

ص: 13

وجوب الغسل عند انقطاع الحيض وبيان ما يحرم على الحائض...214

عدم صحّة الصوم من الحائض ...215

عدم صحّة طلاق الحائض مع الدخول وحضور الزوج أو حكمه...215

حرمة وطء الحائض قُبُلاً ...219

هل تجب كفّارة الوطء في الحيض؟ وبيان مقدارها...220

فيما لو تكرّر الوطء فهل تتكرّر الكفّارة؟...223

حكم وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل...224

فيما يُكره للحائض...232

فيما يستحبّ للحائض...235

فيما يجب على الحائض من قضاء صوم شهر رمضان والمنذور أو شبهه...236

عدم وجوب قضاء الصلاة اليوميّة وغيرها من الصلوات الواجبة ماعدا الزلزلة ... 237

لو عرض الحيض بعد دخول الوقت الموسّع أو انقطع الدم وقد بقي من الوقت قدر ركعة...237

المقصد الثالث في الاستحاضة والنفاس...238

تعريف الاستحاضة ...238

حكم الدم الخارج الناقص عن ثلاثة أيام متوالية ... عن أيّام العادة مع تجاوز العشرة ... 239

حكم المستحاضة القليلة ...239

حكم المستحاضة المتوسّطة...240

حكم المستحاضة الكثيرة...242

في أنّ الاعتبار في كميّة الدم بالنسبة إلى أحواله الثلاثة هل هو في جميع الأوقات... 244 فيما لو أرادت المستحاضة القليلة أو الكثيرة التهجّد بالنوافل ليلاً...245

فيما لو نسيت ذات الأغسال أو الغسل غسلاً أو نامت حتّى خرج وقت الصلاة فهل يتوقّف الصوم الحاضر على الغسل بعد الوقت أو يكفي الغسل للصلاة الأخرى إن وجب؟ ...245

ص: 14

صوم المستحاضة المتوسّطة أو الكثيرة فيما لو أخلّت بالأغسال الواجبة عليها ... 250

في أنّ المراد بالأغسال المشترطة في صحّة الصوم هي الأغسال النهاريّة...251

هل يشترط في صحّة صوم اليوم الحاضر غسل ليلته الماضية؟ ...251

هل يجب تقديم غسل الفجر عليه للصوم؟ ...251

هل الوضوء المصاحب للغسل جزء من المؤثّر في رفع الحدث الأكبر ؟...252

عدم صحّة صلاة المستحاضة فيما لو أخلّت بالوضوء أو الغسل أو سائر ما يجب عليها ...252

في أنّ غسل المستحاضة كالحائض في جميع الأحكام ...253

هل تجمع المستحاضة بين الصلاتين بوضوء واحد؟...253

فيما يجب على المستحاضة من الاستظهار في منع الدم من التعدّي حسب الإمكان... 254

وجوب الاستظهار المذكور على السلس والمبطون...254

النفاس ...255

تعريف النفاس وبيان المراد من دم الولادة...255

عدم تحقّق النفاس بخروج الدم قبل الولادة ...255

في أنّه لا حدّ لأقلّ النفاس وحدّ أكثره ...257

حکم النفساء كالحائض في كلّ الأحكام وبيان الأمور التي تختلفان فيها...260

بيان أيّام النفاس في ولادة التوأمين ...262

فيما لو رأت النفساء الدم يوم العاشر خاصّةً فهو النفاس...262

فيما لو رأت العاشر والأوّل خاصّة فالعشرة نفاس ...263

المقصد الرابع في غسل الأموات وما يتبعه ...264

وجوب غسل الأموات على الكفاية وكذا باقي الأحكام...264

بيان المراد بالواجب الكفائي هنا ...265

من يجب غسله من الأموات ...266

ص: 15

في أنّه يُغسَّل المخالف غسلَه ...267

أحكام المحتضر ...268

وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة وبيان كيفيّته...268

سقوط الاستقبال به اشتباه القبلة ...269

هل يسقط الاستقبال بالموت أو يجب دوامه؟ ...269

استحباب تلقين المحتضر بالشهادتين والإقرار بالأئمة(علیهم السلام) وكلمات الفرج ... 269

استحباب نقل المحتضر إلى مصلّاه...271

استحباب تغميض عينيه وإطباق فيه ومدّ يديه وتغطيته بثوب و... ...272

كراهة طرح الحديد على بطن الميّت...275

كراهة حضور الجنب والحائض عند المحتضر...275

في الغاسل ...276

في أنّ أولى الناس بغسل الميّت أولاهم بميراثه...276

في أنّ الزوج أولى بزوجته في كلّ أحكام الميّت ...277

اشتراط المماثلة بين الغاسل والمغسول في الذكورة والأنوثة مع الاختيار ما عدا مواضع :...277

2 و 3 - المملوكيّة على وجه واشتباه الحال في الذكورية والأنوثيّة...279

4 - مَنْ لم يزد سنّه على ثلاث سنين ...281

5 - المحرمية مع تعذّر المماثل ...282

حكم ما لو فُقد المحرم ...282

وجوب إزالة النجاسة العرضيّة عن بدن الميّت أوّلاً...284

وجوب تغسيل الميّت بماء السدر ثمّ بماء الكافور ثمّ بالقَراح...285

فيما يتعلّق بنيّة الغاسل ...286

ص: 16

فيما يستحبّ فعله بالميّت حين الغسل...290

فيما يكره فعله بالميّت حين الغسل ...293

وجوب تكفين الميّت في ثلاثة أثواب ...295

في التكفين...298

يُعتبر في تلك الأثواب كونها من غير الحرير المحض وممّا تصحّ فيها الصلاة ... 298

ما لا يصحّ التكفين فيه...298

وجوب تحنيط الميّت - ماعدا المُحرم - بالكافور...300

استحباب كون قدر كافور الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلثاً...301

في أنّ النيّة معتبرة في التحنيط والتكفين وأنّه هل يأثم بتركها؟...302

استحباب اغتسال الغاسل قبل التكفين أو الوضوء ...303

استحباب زيادة حبرة وخرقة لفخذيه ...303

استحباب زيادة لفّافة أُخرى للمرأة لشدّ ثدييها...306

استحباب زيادة نمط وقناع للمرأة ...306

استحباب تطييب الكفن بالذريرة وبيان كيفيّته...306

استحباب جَعْل الجريدتين ... مع الميّت...308

بيان مقدار الجريدتين ومحلّ وضعهما...310

استحباب كتابة اسمه وأنّه يشهد الشهادتين و... على الكفن بالتربة الحسينيّة ... 312

استحباب سحق الكافور باليد وجَعل فاضله على صدر الميّت و... ...313

ما يكره من الكفن ...314

في أنّ كفن المرأة الواجب على زوجها...315

في أنّ الكفن يُقدَّم على الديون والوصايا والإرث من الأصل...318

استحباب بذل المسلمين للكفن لو فُقد ...319

ص: 17

حكم ما لو خرج من الميّت نجاسة بعد التكفين أو أصابته نجاسة...320

يجب أن يطرح مع الميّت في الكفن كلّ ما يسقط من شعره وجسمه ...321

تعريف الشهيد...321

حكم الشهيد ...323

صدر الميّت كالميّت في جميع أحکامه ...324

حكم القطعة من الإنسان ذات العظم وكذا السقط لأربعة أشهر...328

حكم القطعة الخالية من عظم تلفّ في خرقة وتُدفن وكذا السقط لأقلّ من أربعة أشهر...328

مَنْ وجب قتله يؤمر أوّلاً بالاغتسال غسلَ الأموات ...328

حكم غسل مسّ الميّت ...330

وجوب الغسل بمسّ ما تحلّه الحياة من اللامس لما تحلّه الحياة من الملموس ... 335

حكم مسّ القطعة الخالية من عظم أو مسّ الميّت من غير الناس...336

نجاسة الميّت عينيّة من وجه وحكميّة من وجه آخَر ...337

النظر الرابع في أسباب التيمّم وكيفيّته...338

ما يجب له التيمّم...338

وجوب التيمّم عند فَقد الماء أو تعذّر استعماله ...338

وجوب التيمّم عند خوف العطش أو اللصّ أو السبع أو ضياع المال ...341

وجوب التيمّم عند عدم وجود الآلة المحتاج إليها في تحصيل الماء و ... ...342

جواز التيمّم فيما لو وجد ثمن الماء وخاف الضرر بدفعه...343

حكم ما لو وجد الماء بثمن لا يضرّه في الحال ...343

وجوب طلب الماء قدر غلوة سهم أو سهمين ...346

حكم ما لو وجد ماءً لا يكفيه للطهارة...346

ص: 18

حكم ما لو وجد ما يكفيه لإزالة النجاسة عن بدنه أو ثوبه خاصّة...347

عدم صحّة التيمّم إلاّ بما يصدق عليه الأرض ...348

عدم صحّة التيمّم بالمعادن والرماد والأشنان والدقيق والمغصوب والنجس ...349

جواز التيمّم بالوحل مع عدم التراب وبالحجر مع وجوده ...350

كراهة التيمّم بالسبخة والرمل ...352

التيمّم بغبار الثوب ولبد السرج وعرف الدابّة فيما لو فُقد جميع ما يجوز التيمّم به... 352

عدم جواز التيمّم قبل وقت الموقّتة ووجوبه مع ضيق الوقت...353

هل يجوز التيمّم في حال سعة الوقت؟...353

هل التضيّق شرط في دوام الإباحة كما هو في ابتدائها؟ ...356

وجوب النيّة في التيمّم للفعل لوجوبه أو ندبه متقرّباً ...357

عدم جواز نيّة رفع الحدث في التيمّم ...357

جواز نيّة الاستباحة لمشروط بالطهارة ووجوب إحضارها فعلاً واستدامةً ...360

وجوب الضرب باليدين معاً على التراب بعد إحضار النيّة بالقلب...360

هل يجوز تأخير النيّة إلى مسح الجبهة ؟ ...360

هل يكفي في حصول الضرب وضع اليدين على الصعيد من دون اعتماد؟... 361

فيما لو وضع اليدين ثمّ نوى في حال استدامة الوضع ...362

تقيّد اعتبار الضرب باليدين معاً بعدم المانع منه...363

هل تشترط مقارنة النيّة لوضع جميع اليدين على الأرض؟...365

وجوب ضربتين على الأرض فيما إذا كان التيمّم بدلاً من الغسل...367

هل تجزئ في التيمّم بدلاً من الوضوء ضربتان؟...368

وجوب الترتيب والموالاة في التيمّم ...368

وجوب الاستيعاب للأعضاء الممسوحة بالتيمّم... 369

ص: 19

عدم اشتراط طهارة غير محلّ الفرض من النجاسة العينيّة في التيمّم والوضوء... 369

حكم ما لو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت وتيمّم وصلّى ثمّ وجد الماء رحله... 370

حكم ما لو صلّى مع ظنّ الضيق ثم تبيّن السعة ووجد الماء...370

في أنّ وجدان الماء في الغلوات حكمه حكم الرحل والأصحاب...371

فيما لو كان الماء موجوداً عنده فأخلّ باستعماله حتّى ضاق الوقت فهل يتيمّم ويؤدّي ؟ ... 371

حكم فاقد الطهورين ...372

ينقض التيمّم بكلّ نواقض الطهارة ... وبوجود الماء مع التمكّن من استعماله...374

حكم ما لو كان متيمّماً فتمكّن من استعمال الماء ... 375

هل يشترط في انتقاض التيمّم بوجود الماء مضيّ مقدار زمان الطهارة متمكّناً من فعلها ؟ ... 375

حكم ما لو وجد الماء وقد تلبُس بالصلاة... 376

يستباح بالتيمّم كلّ ما يستباح بالطهارة المائية...377

في أن المتيمّم لا يعيد ما صلّى به...379

لو اجتمع جنب ومحدث حدثاً أصغر وميّت وعندهم من الماء ما يكفي أحدهم خاصّة ... 380

حكم ما لو أمكن الجمع بين المذكورين في الفرض المزبور... 382

حكم ما لو لم يكف الماء إلاّ للمحدث بالأصغر خاصّةً...382

فيما لو جامعهم ماسَّ ميّت أو حائض أو نفساء ...382

في أنّ المجنب المتيمّم لو أحدث ولو بالأصغر يعيد التيمّم بدلاً من الغسل...383

جواز التيمّم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ...384

عدم جواز فعل ما يشترط فيه الطهارة بالتيمّم لصلاة الجنازة...385

النظر الخامس فيما به تحصل الطهارة ...386

حصول الطهارة بالماء المطلق لاغير ...386

ص: 20

تعريف الماء المطلق...387

تعریف الماء المضاف وأنّ الماء المطلق والمضاف طاهران في الأصل وينجسان بملاقاة النجاسة لهما...388

أقسام المياه

1 - الماء المضاف تعريفه، وتنجّسه بكلّ ما يقع فيه من النجاسة... 389

2 - الماء الجاري، وتعريفه ...390

عدم تنجّس الجاري إلاّ بتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة... 390

هل المعتبر في التغيّر الحسّي أو التقديري؟...391

هل تشترط الكُرّيّة في الجاري في عدم تنجّسه؟...392

فيما إذا تغيّر بعض الجاري نجس المتغيّر خاصّةً...394

تطهير المتغيّر من الجاري بتدافع الماء الطاهر عليه حتّى يزول التغيّر... 399

ماء الحمّام إذا كانت له مادّة من كُرّ وكذا ماء الغيث حال تقاطره كالجاري... 399

3- الماء الواقف، وتعريفه ...405

تقدير الماء الكُرّ بالوزن والمساحة...406

في أنّ الكُر لم ينجس إلاّ بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة ...410

تطهير ماء الكرّ النجس بإلقاء كُرّ عليه دفعةً فمازاد حتّى يزول التغيّر...410

أنّ الماء الواقف إن كان أكثر من كُرّ وتغيّر بعضه فالمتغيّر نجس...412

في أنّ الماء الواقف إن كان أقلّ من كُرّ نجس بما يلاقيه من النجاسة...412

4 - ماء البئر ،تعريفه ونجاسته بالتغيّر بالنجاسة ...416

بيان الأقوال فيما يطهر به ماء البئر مع ذكر أدلّتها...417

هل ينجس ماء البئر بملاقاة النجاسة فيما إذا لم يتغيّر ؟... 421

منزوحات البئر... 428

ص: 21

عدم جواز استعمال الماء النجس والمشتبه به...454

وجوب الاجتناب عن الإناءين المشتبه النجس منهما بالطاهر...455

وجوب التيمّم فيما إذا لم يتمكّن من غيرهما ...455

وجوب الطهارة بكلّ من المطلق والمضاف المشتبه أحدهما بالآخر...456

مقدار استحباب التباعد بين البئر والبالوعة... 457

أقسام التباعد بين البئر والبالوعة من حيث وقوعهما في الجهات الأربعة وبيان أحكامها ... 458

طهارة أسآر الحيوان عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر والناصب...460

طهارة المستعمل في رفع الحدث وكذا مطهّريّته...461

نجاسة المستعمل في رفع الخبث...463

طهارة ماء الاستنجاء ...469

فيما يشترط في طهارة ماء الاستنجاء... 469

غسالة الحمّام نجسة مالم يُعلم خلوها من نجاسة... 470

كراهة الطهارة بالماء المسخّن بالشمس في الأواني ... 471

كراهة استعمال الماء المسخّن بالنار في غسل الأموات ... 472

كراهة سؤر البغال والحمير والفأرة والحيّة ومامات فيه الوزغ والعقر... 473

النظر السادس فيما يتبع الطهارة ... 474

النجاسات :

1 و 2 - البول والغائط من الحيوان ذي النفس السائلة غير المأكول ...474

- المنيّ من كلّ حيوان ذي نفس سائلة وإن كان مأكولاً ...475

4 - الميتة من ذي النفس السائلة مطلقاً وكذا أجزاؤها إلاّ ما لا تحلّه الحياة...475

5 - الدم من ذي النفس السائلة ...476

ص: 22

6 و 7 - الكلب والخنزير وأجزاؤهما ... 477

8 - الكافر بجميع أصنافه ...477

نجاسة الخوارج والغلاة... 478

9 - المسكرات المائعة... 479

نجاسة العصير العنبي إذا غلى واشتدّ ...480

10 - الفُقّاع...481

وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف ودخول المساجد... 483

أيضاً وجوب إزالة النجاسة عن الآنية للاستعمال وعمّا أمر الشارع بتعظيمه وعن المساجد السبعة وعن المصلّى بأسره ... 484

في أنّه عُفي في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح اللازمة...485

في أنه عُفي عمّا دون سعة الدرهم البغلي من الدم المسفوح مجتمعاً...486

حكم الدم المتفرّق وما لو أصاب الدم وجهَي الثوب ...486

حكم مالو أصاب الدم المعفوّ عنه مائع طاهر ولم يبلغ المجموع الدرهم...486

في أنّ الدماء الثلاثة ودم نجس العين غير معفوّ عنها، قليلها ككثيرها ...488

في أنّ نجاسة مالا تتمّ الصلاة فيه منفرداً معفوّ عنها إن كان في محلّه ...488

في أنّه لابد من العصر في غَسْل ما يمكن عصره بغير عسر إذا كان الغَسل في القليل ... 490

عدم وجوب العصر في بول الصبيّ الرضيع... 490

اكتفاء المربّية للصبيّ والصبيّة بغَسْل ثوبها الواحد في اليوم والليلة مرّة واحدة...491

فيما قيل من لحوق المربّي بالمربّية والمتعدّد بالمولود الواحد... 491

حكم مالو علم موضع النجاسة واشتبه وكذا حكم ما لو نجس أحد الثوبين واشتبه. 492

فيما لو تعذر غَسْل الثوبين وأراد الصلاة...492

في أنّ كلّ ما لاقى النجاسة برطوبة نجس دون ما إذا كان المتلاقيان يابسين... 493

ص: 23

حكم ما لو صلّى مع نجاسة ثوبه أو بدنه عامداً أو ناسياً... 493

حكم ما لو صلّى مع النجاسة جاهلاً أو عَلم بالنجاسة في أثناء الصلاة... 495

فيما لو نجس الثوب وليس له غيره فهل يخيّر بين الصلاة فيه والصلاة عارياً أم لا؟... 496

في أنّ الشمس تطهّر ما تجفّفه من البول وشبهه في الأرض والبواري و... ...497

في أنّ النار تطهّر ما أحالته...498

في أنّ الأرض تطهّر باطنَ النعل والقدم...498

خاتمة في أحكام الأوانى...500

حرمة استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل وغيره ... 500

هل يحرم اقتناء الأواني لغير الاستعمال؟ ... 500

حكم تزيين المشاهد والمساجد بالذهب والفضّة... 501

كراهة المفضّض ووجوب اجتناب موضع الفضّة ... 501

طهارة أواني المشركين ما لم يُعلم مباشرتهم لها برطوبة وكذا طهارة جلد المذكّى دون غيره...502

في أنّه يُغسل الإناء من الخمر وغيره من النجاسات حتّى تزول العين و الأثر... 505

في أنّه يُغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً أُولاهن بالتراب... 505

كيفيّة تطهير الإناء في الماء القليل... 507

وجوب غَسل الإناء من ولوغ الخنزير سبعاً... 507

ص: 24

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على هدايته وتوفيقه لِما دعا إليه من سبيله، والصلاة والسلام على محمّدٍ حبيبه وخليله، وعلى آله الهادين المهديّين.

وبعد، فإنّه يعدّ كتاب روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، واحداً من سلسلة آثار الشهيد الثاني (رحمه الله) وهو شرح على كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للعلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي، ذكره مؤلّفه باسم روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، كما في آخر النسخة الخطّيّة للكتاب التي بخطّ الشهيد نفسه، المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا (علیه السلام) برقم 2770 ، وكذلك في إجازته للشيخ تاج الدين ابن الشيخ هلال الجزائري، الصادرة في ليلة الجمعة في الرابع عشر من شهر ذي الحجّة سنة 964ه_ (1).

وله أيضاً حاشية مختصرة على كافّة مباحث الإرشاد، والمأخوذ أكثرها من حاشية الإرشاد للمحقّق الكركي.

وكذلك كتب الشهيد الثاني (قدّس سره) حاشية على قطعة من عقود الإرشاد، إلاّ أنّنا لم نعثر على نسخة منها، ويظهر من كلام الطهراني أنّه توجد نسخة منها في

ص: 25


1- .بحار الأنوار، ج 105، ص 144.

مجموعة في خزانة الشيخ عليّ كاشف الغطاء (1).

وأمّا الحاشية على فرائض الإرشاد الذي نسبها إليه الطهراني قائلاً :

الظاهر أنّه - أي صاحب الرياض - لم يطّلع على بعض المدوّنات منها مثل الحاشية على فرائض الإرشاد، الملحقة بآخر نسخة من الموجودة في الرضويّة كما ذكر في (ج 2 ص 4). وذكر أنّ أوّلها: الحمد لله الذي هدانا لإدراك العلوم الأصوليّة، إلى آخره (2).

فهي ليست من تأليف الشهيد الثاني(3).

هذا، وأنّ كافّة المصادر صرّحت بأنّ الشهيد الثاني لم يكمّل شرحه للإرشاد، حيث توقّف في آخر بحث الصلاة، أي أنّه شرح كتابي الطهارة والصلاة من الإرشاد فقط .

وانتهى من تأليفه في يوم دحو الأرض الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 949ه_، كما هو مثبت في النسخة الخطّيّة لهذا الكتاب المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا (علیه السلام) في مدينة مشهد المقدّسة برقم (2770).

أمّا شروعه في تأليفه، وهل هو أوّل كتاب ألفه؟ فإنّ بعض أصحاب التراجم والسير صرّح بذلك، وأقدمهم وأصلهم في هذا المدّعى هو ابن العودي محمّدبن عليّ الجزّيني - الذي كان حيّاً سنة 975ه_ - حيث قال:

فأوّل ما أفرغه في قالب التصنيف الشرح المذكور [ روض الجنان] خرج منه مجلّد ضخم، ثمّ قطع عنه على آخر كتاب الصلاة، والتفت إلى التعلّق بأحوال الألفيّة (4) .

ص: 26


1- الذريعة، ج 6، ص 15.
2- الذريعة، ج 6، ص 15.
3- راجع المدخل للموسوعة الشهيد الثاني حياته وآثاره.
4- الدر المنثور، ج 2، ص 184 ؛ وراجع أيضاً مدخل الموسوعة: وتبعه في ذلك الحرّ العاملي (م 1104ه_) في أمل الآمل، ج 1، ص 86، والمحقق التستري (م 1237ه_) في مقابس الأنوار، ص 15 والميرزا محمد التنكابني (م 1302ه_) في قصص العلماء، ص 278، والسيد الخوانساري (م 1313ه_) في روضات الجنّات، ج 3، ص 378، والسيد محسن الأمين (م 1371ه_) في أعيان الشيعة، ج 7، ص 154 ، والسيد الخوئي ( م 1413ه_) في معجم رجال الحدیث، ج 7، ص 372 . وتردد المحدّث البحراني (م 1186 ه_) في هذه النسبة، فنسبها إلى القيل في لؤلؤة البحرين، ص 34.

وعلى الرغم من كثرة المؤيّدين لهذه الدعوى وعلوّ منزلتهم العلميّة، فهناك عدّة أُمور تعارضها:

منها: أنّ الشهيد الثاني أنهى عدداً من مؤلّفاته قبل هذا التأريخ، ككتاب كشف الريبة الذي أنهاه في الثالث عشرين شهر صفر سنة 949ه_، ورسالة تقليد الميّت التي أنهاها في الخامس عشر من شهر شوّال سنة 949 ه_، وتفسير آية البسملة الذي أنهاه في شهر رمضان سنة 940ه_ .

ومنها: أنّ الشهيد الثاني ذكر بعض مؤلّفاته في روض الجنان، ففي بحث الحيض وأحكامه، قال:

وقد أفردنا لتحقيق الإجماع في حال الغيبة رسالة تنفع في هذا المقام، من أرادها وقف عليها ، وإنّما أطنبنا القول في هذه المسألة لكثرة الفوائد فيها، وشدّة الحاجة إليها (1).

وفي بحث صلاة المسافر، قال:

إنّ هذه المسألة ليست من المسائل الأصول المنصوصة... ونحن قد أفردنا لتحقيقها وذكر أقسامها ومايتمّ فيه قول كلّ واحد من الأصحاب رسالة مفردة، من أراد الاطّلاع على الحال فليقف عليها (2).

وفي بحث صلاة القضاء، قال: «وقد أفردنا لتحقيق هذه المسألة رسالة مفردة من أرادها وقف عليها»(3).

ص: 27


1- روض الجنان، ج 1، ص 230 (ضمن الموسوعة، ج 10).
2- روض الجنان ، ج 2، ص 705 (ضمن الموسوعة، ج 11).
3- روض الجنان، ج 2، ص 577 (ضمن الموسوعة، ج 11).

وقد اعتمدنا في هذه الطبعة على نسخ ثلاث وهي:

1. مخطوطة مكتبة الروضة الرضويّة بمدينة مشهد المقدّسة المرقّمة 2770، وهي نسخة الأصل بخطّ المصنّف الشهيد، أنهاها المصنّف في يوم الجمعة 25 ذي القعدة سنة 949 ه_، وقال:

قد تمّ بذلك كتاب الصلاة، وبه تمّ الجزء الأوّل من كتاب روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى كتاب الزكاة. واتّفق الفراغ منه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة - وهو اليوم المبارك الذي دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة - سنة تسع وأربعين وتسعمائة، على يد مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى، زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي الشامي عامله الله بفضله، وعفا عنه بمنّه، ووفّقه لإكماله، وجعله خالصاً لوجهه الكريم.

وكتب على الورقة الأولى من النسخة:

كتاب روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان إملاء العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن عليّ بن أحمد عفا الله عنهم بمنّه وكرمه.

والنسخة كاملة نفيسة وقيّمة عليها تصحيحات أيضاً بخطّ الشهيد نفسه.

وقد جعلناها أصلاً في التحقيق.

2. مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي (فهرست سنا، ج 1، ص 293، الرقم 502 )المستنسخة عن الأصل، وعليها علائم التصحيح والمقابلة، وعليها حواش: «منه قدّس سرّه» و«كذا بخطه قدّس سرّه». وعلى الورقة الأولى منها تملّك بخطّ ومهر: «شرف الدين محمّد ضياء الدين بن الحسن بن زين الدين من ذرّيّة الشريف الشهيد شمس الدين محمّد بن مكي، المؤرّخة سنة 1157ه_».

وذكر مفهرس المكتبة: لعلّ النسخة من خطّ الشهيد نفسه، من ورقة 49 إلى آخر

ص: 28

النسخة غير الصفحة الأخيرة. والظاهر أنّه لم يصب في قوله؛ لأنّ القرائن الموجودة على النسخة لا تدلّ على ادّعائه.

وقد رمزنا إليها ب_«م».

3. النسخة المطبوعة على الحجر سنة 1303 ه_ بالقطع الكبير الرحلي في 400 صفحة مع كتاب منية المريد في أدب المفيد والمستفيد للمصنّف.

ويذكر أنّ الكتاب قد طبع محقّقاً بجهود مركزنا منذ سنين، ولما تقرر جمع آثار الشهيد الثاني وطبعها ضمن قالب موسوعي جامع لكلّ مؤلّفاته، قام مركزنا بالنظر فيه، وإنجاز ما يلزم من أُمور في مجال التحقيق أو التصحيح، ومراجعة المصادر بدقّة، ليأخذ مكانه مع سائر مؤلّفات وكتب المصنّف (رحمه الله).

وإذ نثمّن جهود الإخوة الأفاضل الذين ساهموا في هذا العمل ونخصّ منهم بالذكر: الشيخ محمّد الباقري، فإنّه تصدّى لمسؤولية تقويم نصّ الكتاب، والشيخ غلام رضا النقي، لمساعدته في مراجعة النصّ ومراجعة المصادر، والشيخ محمّد مهدي عادل نيا والسيّد خليل العابديني والشيخ محمّد الربّاني والشيخ غلام حسين الدهقان والشيخ محسن النوروزي والأخ إسماعيل بيك المندلاوي والأخ حسان فرادي ومحمود الهيئتي، وأيضاً الأستاذ الأديب أسعد الطيّب، والشيخ عليّ أوسط الناطقي، لمساعدتهما على تصحيح الكتاب، ورمضانعلي القرباني لمساعدته في تنضيد الحروف والإخراج الفنّي، نسأل الله التوفيق لما يرضاه، من خلال تقديم الأجود من الأعمال، خدمةً للدين والمذهب الحقّ مذهب أهل بيت محمّد (صلى الله عليه و آله و سلم)، إنّه نعم المولى ونعم النصير.

مركز إحياء التراث الإسلامي

14 رمضان المبارك 1431ه_

ص: 29

ص: 30

الصورة

ص: 31

الصورة

ص: 32

الصورة

ص: 33

الصورة

ص: 34

الصورة

ص: 35

ص: 36

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / 1

ص: 1

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي

الحمد لله المتفضّل بشرح معالم شريعته لإرشاد ،الأنام، المتطوّل بإرسال الرسل لتبريز الأحكام وتمييز الحلال عن الحرام مكمّل من اختارهم من خلقه بالقيام بوظائف هذا المرام، وجاعل أقدامهم واطئةً على أجنحة ملائكته الكرام، ومرجّح مدادهم يوم القيام على دماء الشهداء الأعلام. أحمده سبحانه، وأشكره وأتوب إليه وأستغفره من جميع الآثام، وأُصلّي وأُسلّم على نبيه الذي شيد وأحكم الأحكام أشدّ تشييد وأحكم إحكام، محمد الذي أزاح بنور عزّته غياهب الظلام، وأدأب نفسه الشريفة في تبليغ رسالة الملك العلّام، ودعا بشريعته المقدسة إلى دار السلام، وعلى آله الغرّ الكرام أئمة الإسلام وحَفَظَة الشرع الكريم عن تطرّق الأوهام، صلاةً وسلاماً دائمين لا انقضاء لهما ولا انفصام ما تعاقب الليالي والأيام وتناوب الشهور والأعوام.

وبعد فهذا تعليق مختصر كافل بالإمداد للمشتغل(1) بكتاب الإرشاد، حققت فيه مقام المقال حسب مقتضى الحال، معرضاً عن تطويل العبارة بالقيل والقال، مكتفياً في الغالب بالجواب عن السؤال، راجياً في ذلك وجه الله الكريم وثوابه الجسيم، والتقرب إلى نبيه محمّد وآله ( عليهم أفضل الصلاة والتسليم)، معترفاً بالقصور عن شَأو هذا الشأن، وبأنّ الإنسان محلّ الخطاء والنسيان، ماخلا الذوات المقدّسة الذين هم أعيان الإنسان، وأيّ

ص: 3


1- في الطبعة الحجرية: « للمشتغلين».

كلام لا يتأتى عليه كلام؟ حاشا كلام الملك العلام وأنبيائه وأوصيائه(علیهم السلام) .

مع أنّي أرجو ممن اشتمل على الإنصاف إهابه وقل في سبيل الحسد ذه-اب-ه - وقليل ما هم - أن يحمد منّي ما يجده في مطاويه، ويشكر سعيي عند وقوفه على دقائق مودعة فيه لايجدها - إذا أرادها - في كتاب، ولا يبتهج بها إلا المتقون من أولي الألباب، والله يحق الحق بكلماته ويُبطل الباطل ولوكره المبطلون.

هذا، مع تقسم البال وتقلقل الحال من تراكم أمواج فتن وأهوال، وعلى الله قصد السبيل وإرشاد الدليل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

اعلم أنّ العلماء (رضوان الله عليهم) قد استقر أمرهم على أن يبتدئوا في مصنّفاتهم بتسمية الله تعالى وتحميده؛ اقتداءً بخير الكلام كلام الملك العلّام، واستدلالاً بأحاديث وردت عن رسوله وآله(علیهم السلام) ، فسلك المصنف (رحمه الله) هذا النهج القويم، وقال: (بسم الله الرحمن الرحيم).

وتوهم التنافي بين مشهوري خبري «البَسْمَلة» و «الحَمْدَ لة» - اللذين أحدهما: قوله : «كلّ أمرٍ ذي بال لم يُبدأ فيه الله فهو أبتر »(1) ، والثاني: قوله(علیه السلام) : «کلّ أمرٍ ذي بال لم يُبدأ فيه بحمد الله فهو أجزم»(2) - باعتبار أنّ الابتداء بمدلول أحدهما يوجب تأخير الآخر يندفع: بأنّ الابتداء هو التقديم على المقصود الذاتي وهو مسائل الفنّ، والخطبة بأجمعها مقصودة بالعرض والمحل متسع، أو بأنّ الابتداء حقيقي وإضافي فالحقيقي حصل بالبَسْمَلة، والإضافي بالحَمدَ لَة، فهو مبتدأ به بالإضافة إلى ما بعده، أو بأنّ الحمد هو الثناء بنعوت الكمال، واسم الله المتعال منبى عن صفات الإكرام ونعوت الجلال فالابتداء بالتسمية يستلزم العمل بالخبرين جمیعاً.

والمراد بالأمر ذي البال ما يخطر بالقلب من الأعمال جليلةً كانت أم حقيرة، فإنّ

ص: 4


1- الكشاف، ج 1، ص 3 - 4؛ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري(علیه السلام)، ص 25، ذيل الحديث 7.
2- المعجم الكبير، الطبراني، ج 19، ص 72، ح 141؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 261، ح 4840 بتفاوت يسير.

أفعال العقلاء تابعة(1) لقصودهم ودواعيهم المتوقفة على الخطور بالقلب.

والأبتر يطلق على المقطوع مطلقاً، وعلى مقطوع الذنب، وعلى مالاعقب ولانتيجة

له، وعلى ما انقطع من الخير أثره.

والمعنى على الأول والأخير أنّ مالا يبتدأ فيه من الأمور بالتسمية مقطوع الخير والبركة، وعلى الثاني يراد به الغاية الحاصلة من البتر، وهي النقص وتشويه الخلقة ونقص القدر. وفي تخصيص الوصف بالآخر مع أنّ الفائت مع عدم التسمية الأوّل إشارة إلى اعتبار ما لا تسمية فيه في الجملة وإن كان ناقصاً، بخلاف ناقص الرأس مثلاً؛ فإنّه لا بقاء له.

والكلام في الثالث نحو الكلام في الأول والأخير؛ فإنّ مالانتيجة له ولا عقب ناقص البركة، مضمحل الفائدة منقطع الخير.

والتعبير بالابتداء -الصادق على القول والكتابة - يدخل فيه ابتداء العلماء بها كتابةً وابتداء الصنّاع بها قراءةً، فسقط ماقيل(2): إنه إن أراد بالابتداء القراءة، لم تكن فيه دلالة على الاجتزاء بالكتابة، فلايتم تعليلهم ابتداء التصنيف بها؛ لأنّ الكتابة لا تستلزم القراءة. وإن أُريد الكتابة، لم يحصل امتثال النجّار ونحوه للخبر حتى يبتدئ أولاً، فيكتب الله إلى آخره؛ لاندفاع ذلك بالتعبير بالابتداء على وجه كلّي.

نعم، ربما استفيد من القرائن الحالية اختصاص كلّ أمرٍ بما يناسبه من فردي الابتداء، فلا تكفي الكتابة لمريد النجارة مثلاً.

و «الباء» في «بسم الله» إمّا صلة فلا تحتاج(3) إلى ما تتعلّق به، أو للاستعانة أو المصاحبة(4)، متعلّقة بمحذوف اسم فاعل خبر مبتدأ محذوف، أي ابتدائي ثابت باسم

ص: 5


1- في «م»: «تقع تابعة».
2- لم نعثر على القائل.
3- في الطبعة الحجرية: «لا يحتاج».
4- في الطبعة الحجرية: «للمصاحبة».

الله، أو فعل(1) أو حال من فاعل الفعل المحذوف أي أبتدئ متبركاً أو مستعيناً، أو مصدر مبتدإ خبره محذوف أي ابتدائي باسم الله ثابت ونحوه. ولا يضر على هذا حذف المصدر وإبقاء معموله؛ لأنه يتوسّع في الظرف والجار والمجرور مالايتوسّع في غيرهما، وتقديم المعمول هنا أوقع، كما في قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرنها)(2) و(إِيَّاكَ نَعْبُد)(3) ولأنه أهم وأدلّ على الاختصاص وأدخل في التعظيم وأوفق للوجود.

وإنّما كُسرت الباء - ومن حق الحروف المفردة أن تفتح؛ لاختصاصها بلزوم الحرفية والجرّ - كما كسرت لام الأمر ولام الجرّ إذا دخلت على المظهر؛ للفرق بينها وبين لام التأكيد.

و«الاسم مشتق من السمو حذفت الواو من آخره وزيدت همزة الوصل في أوّله؛ لأنّه من الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون.

وسُمّي اسماً ؛ لسموه على مسمّاه وعُلوه على ماتحته من معناه.

وقيل: أصله وسم(4)، وهو العلامة.

والأوّل أولى؛ بدليل تصغيره على سُمّي، وجمعه على أسماء؛ ولأنّ بينه وبين أصله على الأوّل مناسبة لفظية ومعنوية، بخلاف الثاني فإنّها معنويّة فقط.

وإنّما علّق الجارّ على الاسم مع أنّ المعنى إنّما يراد تعلقه بالمسمّى؛ للإشعار بعدم اختصاص التعلّق بلفظ «الله» لا غير؛ لأنه أحد الأسماء، وللتحرّر من إيهام القسم ولقيام لفظ «الله» مقام الذات في الاستعمال، ومن ثُمّ يقال: الرحمن والرحيم، وغيرهما اسم من أسماء الله، ولا ينعكس؛ ولجريان باقي الأسماء صفة له من غير عكس.

و«الله» اسم للذات الواجب الوجود الخالق لكلّ شيء، وهو جزئي حقيقي لا كلّي

ص: 6


1- كلمة «أو فعل» لم ترد في «م».
2- هود (11):41.
3- الفاتحة (1): 5.
4- انظر الوسيط في تفسير القرآن المجيد، الواح--دي، ج 1، ص 63؛ والجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 101؛ وتهذيب اللغة، ج 13، ص 117، «سما».

انحصر في فرد، وإلا لما أفاد قولنا: «لا إله إلا الله» التوحيد؛ لأنّ المفهوم الكلّي من حيث هو محتمل للكثرة.

وعُورض بقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(1) فإنّ «اللَّهُ» لو كان جزئيّاً حقيقياً لما حسن الإخبار عنه بالأحدية للزوم التكرار.

ويجاب بأنّ الجزئي إنّما ينفي الكثرة الخارجيّة والتعدّد الذاتي مثلاً، وهو مرادف للواحد، فليس فيه إلا نفى الشريك المماثل مع جواز الكثرة بحسب أجزائه وصفاته بخلاف «لأحد» فإنّه يقتضي نفي التعدّد والكثرة فيه مطلقاً حتى في الصفات، فإنّها اعتبارات ونسب لا وجود لها في الخارج، كما قال علي(علیه السلام) «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه».(2)

سلّمنا، لكنّ المعارضة إنّما تتمّ لو جعلنا «هُوَ» ضمير الشأن و «اللَّهُ أَحَدٌ» مبتدأ وخبراً في موضع خبر «هُوَ» وليس ذلك متعيّناً؛ لجواز كون «هو» مبتدأ بمعنى المسؤول عنه؛ لأنهم قالوا: «ربّك من نحاس أم من ذهب؟»(3) فعلى هذا يجوز أن يكون «اللَّهُ» خبر المبتدأ و «أحَدٌ» بدلاً، وحينئذٍ فلا يلزم من تساويهما في المعنى انتفاء كونه جزئياً حقيقياً.

و «الرحمن الرحيم» اسمان بنيا للمبالغة من «رحم» بتنزيله منزلة اللازم، أو بجعله

لازماً ونقله إلى فَعُل بالضمّ.

و«الرحمة لغةً: رقة القلب وانعطاف يقتضي الإحسان، فالتفضّل غايتها، وأسماؤه تعالى المأخوذة من نحو ذلك إنما تؤخذ باعتبار الغاية دون المبدأ، فالرحمة في حقه تعالى معناها إرادة الإحسان فتكون صفة ذات أو الإحسان فتكون صفة فعل، فهي إمّا مجاز مرسل في الإحسان أو في إرادته، وإما استعارة تمثيليّة بأن مثّلت حاله تعالى

ص: 7


1- الإخلاص (112):1.
2- نهج البلاغة، ص 14، الخطبة 1.
3- انظر مجمع البيان، ج 10، ص 564.

بحالة مَلِك عَطَفَ على رعيّته ورقّ لهم، فغمرهم ،معروفُه، فأُطلق عليه الاسم وأُريد به غايته التي هي فعل لامبدؤه الذي هو انفعال.

و«الرحمن» أبلغ من «الرحيم» لأنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني، كما في «قطع» و «قطّع» و«كبار» و«كبّار».

ونُقض ب(حَذِر» فإنّه أبلغ من «حاذر».

وأجيب بأنّ ذلك أكثري لا كلّي، وبأنّه لا تنافي أن يقع في الأنقص زيادة معنى بسبب آخر، كالإلحاق بالأمور الجبلّيّة ك«شَرِه» و«نَهم» وبأنّ الكلام فيما إذا كان المتماثلان في الاشتقاق متحدّي النوع في المعنى ك«غَرِث » و «غرثان» و«صد» «صَديان» لا ك«حَذِر» و «حاذر» للاختلاف.

وإنّما قدّم والقياس يقتضي الترقّي من الأدنى إلى الأعلى، كقولهم: «عالِمٌ نحرير» و «جوادٌ فيّاض»؛ لأنه صار كالعَلَم من حيث إنّه لا يوصف به غيره، أو أنّه صفة في الأصل لكنّه صار عَلَماً بالغلبة، كما اختاره جماعة من المحققين.

قال ابن هشام:

وممّا يُوضّح أنه غير صفة: مجيئه كثيراً غير تابع، نحو: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ)(1) (قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ)(2) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ أَسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ)(3)(4). انتهى.

وفيه: إمكان بناء ذلك على حذف الموصوف وإبقاء الصفة، كقوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سابِغَات)(5)، (وأَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)(6) ويرجّح الأول مجازية الإضمار، ويبتنى على

ص: 8


1- الرحمن (55): 1 و 2.
2- الإسراء (17): 110.
3- الفرقان (25): 60 4.
4- مغني اللبيب، ج 2 ص 143.
5- سبأ (34): 11.
6- الحديد (57): 25.

عَلَميّته أنّه بدل لا نعت وأنّ «الرحيم» بعده نعت له لا للاسم دونه(1)؛ إذ لا يتقدّم البدل على النعت.

(الحمد) وهو لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم، فخرج بالجميل الثناء على غيره على قول بعضهم: إنّ الثناء حقيقة في الخير والشر، وعلى رأي الجمهور: إنّه حقيقة في الخير فقط، ففائدة ذكر ذلك تحقيق الماهية، أو دفع توهّم إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند مُجوّزه من الأصوليين.

وبالاختياري المدح، فإنّه يعم الاختياري وغيره عند الأكثر. وعلى القول بالأُخوّةبمعنى الترادف يحذف القيد ليعم.

و «على جهة التعظيم» يخرج ماكان على جهة الاستهزاء أو السخريّة، ك(ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(2) ويتناول الظاهر والباطن، إذ لو تجرّد عن مطابقة الاعتقاد أو خالفته أفعال الجوارح، لم يكن حمداً، بل هو تهكّم أو تمليح، وهذا لا يقتضي دخول الجوارح والجنان في التعريف؛ لأنهما اعتبرا فيه شرطاً لا شطراً .

ونُقض في عكسه بالثناء على الله تعالى بصفاته الذاتية فإنّها ليست اختياريةً.

وأجيب بأنّه يتناولها تبعاً، أو أنّها منزلة منزلة أفعال اختياريّة حيث إنّ ذاته اقتضت وجودها على ما هي عليه، أو أنها مبدأ أفعال اختياريّة فالحمد عليها باعتبار تلك الأفعال، فالمحمود عليه اختياري في المآل تنزيلاً للمسبّب منزلة السبب، والكلّ تكلّف.

و«الحمد» عرفاً: فعل يُنبئ عن تعظيم المُنْعِم من حيث إنه مُنعم على الحامد أو غيره، سواء كان باللسان أم بالجنان أم بالأركان و«الشكر» لغةً: هو هذا الحمد. وعرفاً : صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.

و«المدح» لغةً: الثناء باللسان على الجميل مطلقاً على جهة التعظيم. وعرفاً مايدل

ص: 9


1- في «الأصل وم»: «لا لاسم الله» بدل «لا للاسم دونه».
2- الدخان (44): 49.

على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل، فبين كلّ من الستة والبقية نسبة: إمّا تباين كالحمد اللغوي لا بالنظر إلى شرطه والمدح اللغوي مع الشكر العرفي؛ لصدقهما بالثناء باللسان فقط والشكر إنّما يصدق بذلك مع غيره، أو تسام كالحمد العرفي مع الشكر اللغوي، أو عموم وخصوص مطلق كالحمد اللغوي مع كل من المدحين؛ لصدقه بالاختياري فقط، وصدقهما به وبغيره، أو مع الشكر العرفي بالنظر إلى شمول متعلّق الحمد لله تعالى ولغيره، واختصاص متعلّق الشكر به تعالى، وكالشكر اللغوي مع الشكر العرفي لصدقه بالنعمة فقط، وصدق العرفي بها وبغيرها، وكذا بين المدحين وبين الحمد والشكر ،العرفيين وبين الشكر والمدح كذلك، وبین الحمد والمدح كذلك، وبين الشكر اللغوي والمدح العرفي، أو كالحمد اللغوي مع العرفي؛ لصدقهما بالثناء باللسان في مقابلة نعمة وانفراد اللغوي لصدقه بذلك في غيرها، والعرفي لصدقه بغير اللسان، فمورده أعمّ ومتعلّقه أخص، واللغوي عكسه، أو مع الشكر اللغوي كذلك، وكالحمد العرفي والشكر اللغوي مع المدح اللغوي؛ لاجتماعهما معه في الثناء باللسان على النعمة، وانفرادهما عنه لصدقهما بغير اللسان وانفراده عنهما لصدقه بغير النعمة فمورده أخصّ ومتعلّقه أعمّ، وهما بالعكس.

واعلم أنّ نقيض الحمد الذمّ والشكر الكفران والمدحِ الهجوُ، والثناءِ النثاءُ بتقديم النون.

(لله) الجار والمجرور ظرف مستقرّ مرفوع المحلّ على أنّه خبر لقوله «الحمد» وهو في الأصل ظرف لغوِ لَهُ؛ لأنه من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة، كقولهم: «شكراً» و«كفراً» فكان فى الأصل أحمد حمداً لله، وإنما عدل عن النصب إلى الرفع ليدلّ على ثبات المعنى واستقراره.

ومنه قوله تعالى: (قَالُواْ سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ)(1) فزاد إبراهيم(علیه السلام) تحيّته بالرفع لتكون أحسن.

ص: 10


1- هود (11): 69.

واللام في «الحمد» للاستغراق عند الجمهور. وللجنس عند الزمخشري(1)، ولافرق هنا؛ لأنّ لام «للّه» للاختصاص فلافرد منه لغيره، وإلا لوُجد الجنس في ضمنه فلايكون الجنس مختصاً به. وللحقيقة عند بعضهم بمعنى أنّ حقيقة الحمد وطبيعته ثابتة لله. وللعهد عن آخرين. وأجازه الواحدي(2) بمعنى أنّ الحمد الذي حَمِد الله به نفسه وحَمِدَه به أنبياؤه وأولياؤه مختص به، والعبرة بحَمْد مَنْ ذُكر.

وإنّما قدّم الحمد؛ لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهمّ في نفسه؛ ولأنّ فيه دلالةً على اختصاص الحمد به وجملة الحمد خبريّة لفظاً إنشائيّة معنى؛ لحصول الحمد بالتكلّم بها، ويجوز أن تكون موضوعةً شرعاً للإنشاء.

(المتفرّد) بالتاء المثنّاة من فوق والراء المشدّدة بعد الفاء. ويحتمل على ضعف أن تكون بالنون مع تخفيف الراء.

وإنّما رجّح الأوّل ليناسب مفتتح بقيّة الفقرات ك«المتنزه» و «المتفضّل» و«المتطوّل»، ولأنه يقتضي المبالغة في الوصف لمامرّ من أنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى.

(بالقِدَم) الذاتي فلا أوّل لوجوده، ولا يشركه فيه شيء، وهذا الوصف يستدعي کمال قدرته وعلمه؛ لأنّ مشاركة غيره له فيه موجبة لواجبيّته المنافية لذلك، ويندرج فيه باقي الصفات الثبوتية لزوماً.

وفيه تكذيب للقائل بِقدَم الأجسام السمائيّة، كأرسطو، وللقائل بأنّ مادّة العالم قديمة، كسقراط، على اختلاف في تلك المادة.

(والدوام) الذاتي، فلا آخر لوجوده، ولا يشركه فيه شيء.

والتقييد بالذاتي يخرج أهل الجنّة فإنّهم يشاركونه فيه، لكن دوامهم ليس ذاتياً،

ص: 11


1- الكشاف، ج 1، ص 9 - 10.
2- انظر الوسيط في تفسير القرآن المجيد، الواحدي ، ج 1، ص 65 - 66.

وهذا القيد من لوازم صفاته تعالى وإن لم يصرّح به؛ فإنّها أُمور اعتباريّة ومرجعها حقيقةً إلى الذات المقدّسة.

وربّما يقال في دفع المشاركة أيضاً : إنّ المراد انفراده تعالى بالقِدَم والدوام معاً بجعل الواو بمعنى «مع» وأهل الجنة لا يشاركونه في الأولى. والأول أولى.

وأولويّة تقديم هذه الفقرة على ما بعدها مبنية على أشرفيّة الصفات الثبوتيّة على السلبيّة بناءً على أنّها وجوديّة؛ والوجود أشرف من العدم.

وفيه بحث في محلّ يليق به ولا يخفى خلوّ افتتاح المقال من براعة الاستهلال. (المتنزّه) من النزاهة - بفتح النون - وهي البُعد أي المتباعد (عن مشابهة الأعراض والأجسام)؛ لحدوثهما والله تعالى قديم واجب الوجود، كما برهن عليه في محله.

و تعبيره بالبُعد عن المشابهة كناية عن نفى المشابهة أصلاً، لا أنّ بينهما مشابهةً بعيدة،وهذه قاعدة معروفة من قواعد العرب يعبّرون بهذا وماجرى مجراه ومرادهم بذلك المبالغة في النفي وتأكيده.

ومن القاعدة قولهم: فلان بعيد عن الخنا(1) وغير سريع إليه.

قال المرتضى (رضي الله عنه): يريدون أنّه لا يقرب الخنا، لانفي الإسراع إليه حسب(2). وهكذا القول في البُعد عن المشابهة في كلام المصنّف يراد به عدمها أصلاً، لا حصولها على بُعْدِ. قال (رحمه الله): ومنها قوله تعالى: (الَّذِى رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)(3)

(وَ لَا تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرِ بِهِى)(4)، (و لَا يَسْتَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)(5).

ص: 12


1- الخنا: الفحش. لسان العرب، ج 14، ص 244، «خنا».
2- أمالي السيد المرتضى، ج 1، ص 230.
3- الرعد (13): 2.
4- البقرة (2): 41.
5- البقرة (2): 273.

ومن كلامهم فلان لا يرجى خيره وليس مرادهم أنّ فيه خيراً لا يرجى، وإنّما غرضهم أنّه لاخير عنده على وجه من الوجوه.

وقول بعضهم:

لا تُفْزِعُ الأَرْنَبَ أهوالها***ولا ترى الضبَّ بها يَنْجَحِر

أراد ليس بها أهوال تفزع الأرنب، ولا ضبّ بها فينجحر.

وقول الآخر:

من أُناس ليس في أخلاقهم***عاجل الفحش ولا سوءُ الجَزع

لم يرد أنّ في أخلاقهم فحشاً آجلاً ولا جزعاً غير سيء، وإنّما أراد نفي الفحش

والجزع عن أخلاقهم(1). ونظائر ذلك كثيرة في كلامهم.

وفي هذه الفقرة إشارة إلى سائر صفاته السلبيّة إجمالاً.

(المتفضّل) أي المحسن(2)، ومجیئُهُ بصيغة التفعّل مبالغة فيه، كما سبق.

(بسوابغ الأنعام) أي بالأنعام السوابغ، وأضاف الصفة إلى موصوفها مراعاة للفاصلة، وجرى في ذلك على مذهب الكوفيّين ك«جرد قطيفة» و«أخلاق ثياب» وعند المانعين من إضافة الصفة إلى الموصوف يُؤوّل هنا بما أُوّل به تلك الأمثلة بأنّهم حذفوا الأنعام هنا حتّى صارت السوابغ كأنّها اسم غير صفة، فلمّا قصدوا تخصيصه بكونه صالحاً لأن يكون للأنعام وغيرها مثل خاتم في كونه صالحاً لأن يكون فضّةً وغيرها أضافوه إلى جنسه الذي يتخصّص به كما أضافوا خاتماً إلى فضّة، فليس إضافته إليها من حيث إنه صفة لها، بل من حيث إنه جنس مبهم أُضيف إليها ليتخصّص وعلى هذا القياس نظائر ذلك(3).

ص: 13


1- أمالي السيد المرتضى، ج 1، ص 228 - 230 ، المجلس 16.
2- في «م» زيادة: «وأيّ إحسان».
3- في الطبعة الحجريّة بدل «ذلك»: «كثيرة».

والسوابغ جمع كثرةٍ ل«سابغة» وهي التامة الكاملة. قال الجوهري:

يقال: شيء سابغ، أي كامل وافٍ، وسبغت النعمة تسبغ بالضم سبوغاً، أي اتسعت. وأسبغ الله عليه النعمة، أي أتمها ومنه إسباغ الوضوء: إتمامه(1).

الأنعام جمع قلة ل«نعمة» وهي لغةً: اليد والصنيعة والمنة. وعرفاً هي المنفعة الحسنة الواصلة إلى الغير على جهة الإحسان إليه، وهي إمّا ظاهرة أو باطنة، قال الله تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَهِرَةً وَبَاطِنَةٌ)(2) وربّما تخصّ الباطنة باسم الآلاء. والعموم هنا أبلغ.

(المتطوّل) من الطَّوْل - بالفتح - وهو المنّ، يقال: طال عليه وتطوّل عليه، إذا امتن عليه(3)، أي الممتنّ (بالفواضل) جمع «فاضلة» وهي الإحسان.

وأبلغ في وصفه مع إتيانه بجمع الكثرة بقوله (الجسام) بالكسر ، أي العظام، جمع جسیم يقال: جسم الشيء، أي عظم، فهو جسيم وجسام بالضمّ.

وإنّما ترك ذكر المتفضّل والمتطوّل عليه؛ لكون الغرض إثبات الوصف له على الإطلاق، ثمّ مقام الخطابة يفيد العموم في أفراد مَنْ يصلح تعلّقه به، أو للاختصار مع إرادة التعميم، كما تقول قد كان منك ما يؤلم، أي كلّ أحد، ومنه قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ)(4)، أي يدعو كل أحد، أو لمجرد الاختصار، كقولك: أصغيت إليه؛ أي أُذني، ومنه قوله تعالى: (أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ)(5)، أي إلى ذاتك، وقوله تعالى: (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)(6) أي بعثه الله، أو لغير ذلك ممّا هو مقرّر في محلّه من فنّ المعاني.

ص: 14


1- الصحاح، ج 3، ص 1321، «سبغ».
2- لقمان (31): 20.
3- في الأصل زيادة: قاله الجوهري. انظر الصحاح، ج 3، ص 1755، «طول».
4- يونس (10): 25.
5- الأعراف (7): 143.
6- الفرقان (25): 41.

(أحمده) بفتح الميم؛ لأنّ ماضيه «حمد» بكسرها ، كعَلِم يعلَم، و«ما» في قوله (على ما) موصولة، وصلتها (فضّلنا) والعائد على الموصول الهاء في (به) و «من» في قوله من الإكرام لبيان الجنس.

وأشار بذلك إلى قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ) إلى قوله: ﴿وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(1).

والذي كرم به بنو آدم على ما اختاره محصّلو المفسّرين: القوة والعقل والنطق والعلم والحكمة وتعديل القامة والأكل باليد، وتسليطهم على غيرهم، وتسخير سائر الحيوانات لهم، وأنّهم يعرفون الله، وأن جَعَل محمّداً منهم، وغير ذلك من النعم التي خُصّوا بها. ويحتمل أن يريد المصنّف ماهو أخصّ من ذلك، وعلى هذا يجوز كون «من» تبعيضيّةً، لكنّ الأوّل أمتن وأبدع.

(وأشكره على جميع الأقسام) أي الأحوال؛ لأنه تعالى في جميع الحالات لا يفعل إلا لغرض تعود مصلحته على العبد، فيستحقّ الشكر على جميعها.

وهاتان الفقرتان وإن كانتا خبريّتين لفظاً لكنّهما إنشائيّتان معنىً، فإنّ الإنشاء أكثر فائدةً وأعمّ نفعاً وأقوى حمداً وشكراً.

ولمّا فرغ من حمد الله والثناء عليه بما هو أهله توسّل في تحصيل مرامه بالدعاء للأرواح المقدّسة المتوسّطة بين النفوس الناقصة المنغمسة في الكدورات البشرية، وبين المبدأ الفياض المتنزّه عن شوائب النقص في استفادة العنايات والأنوار منه وإفاضتها عليها بقوله: (وصلّى الله) من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا)(2).

وكان الأحسن أن تقرن الصلاة عليه(علیه السلام) بالسلام، كما يقتضيه ظاهر الآية، لكن أصحابنا جوزوا أن يراد بقوله: (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(3) أي انقادوا لأمره انقياداً، كما في قوله: ﴿فَلَا

ص: 15


1- الإسراء (17): 70.
2- الأحزاب (33): 56.
3- الأحزاب (33): 56.

وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) إلى قوله: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(1) فلذلك سهل الخطب عندهم في إفراد الصلاة عن السلام وإن احتمل أن يراد به التحية المخصوصة؛ لعدم تحتّم ذلك.

والصلاة الدعاء من الله ،وغيره لكنّها منه مجاز في الرحمة، كما قال بعضهم. وقال آخرون هي منه الرحمة.

ويرجّح الأوّل أن المجاز خير من الاشتراك، وقوله تعالى: ﴿أُوْلَبِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوْتُ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(2) فإنّ العطف يقتضي المغايرة. وربما يرد هذا على الأوّل أيضاً، لكن يمكن دفعه بأنّ التصريح بالحقيقة بعد إرادة المجاز يفيد تقويّة المدلول المجازي، ولجأ بعضهم إلى أنّها من الله تعالى بمعنى الرضوان حذراً من ذلك.

والأولى في الجواب عن ذلك: المنع من اختصاص العطف بلزوم المغايرة؛ فإنّ من أنواع «الواو» العاطفة عطف الشيء على مرادفه كما ذكره ابن هشام في المغني(3). وذكر من شواهده قوله تعالى: (أُوْلَبِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(4)، وقوله تعالى: (إِنَّمَا أَشْكُوا بَنِى وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)(5)، ونحو (لَّا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)(6).

وقوله (صلّی الله علیه و آله): «ليليني منكم ذوو الأحلام والنهى»(7).

وقول الشاعر:

............... وألفى قولها كذباً ومَينا(8)

ص: 16


1- النساء (4): 65.
2- البقرة (2): 157.
3- مغني اللبيب، ج 1، ص 670.
4- البقرة (2): 157.
5- يوسف (12): 86.
6- طه (20): 107.
7- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 312 - 313، ح 976؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 180، ح 674؛ سنن النسائي، ج 2، ص 87؛ سنن الدارمي ، ج 1، ص 290؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 137، ذيل الحديث 5161؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 8؛ مسند أحمد، ج 5، ص 1002، ح 16653 باختلاف يسير.
8- عجز بيت لعدي بن زيد العبادي من شعراء الجاهلية، وصدره: فقدّدت الأديم لراهشيه ................ مغني اللبيب، ج 1، ص 670؛ الصحاح، ج 4، ص 2210؛ لسان العرب، ج 13، ص 425، «مين».

وهذه الجملة إنشائيّة معنىً؛ لأنّ الدعاء كله من قبيل الإنشاء، ووقوعه بصيغة المضي للتفاؤل بحصول المسؤول والحرص على وقوعه، كما قرّر في المعاني ولمناسبة المقام، فلا إشكال في عطفها على ماقبلها من هذا الوجه.

نعم، تخالف جملة الحمد الأولى في كونها فعليّةً. وفي عطفها على الاسميّة كلام، والحق جوازه وإن كان مرجوحاً، ولو جعلت الواو للاستئناف صح أيضاً إلّا أنّه لاضرورة إليه.

(على سيّدنا محمّد) عطف بيان على «سيدنا» أو بدل منه على ما اختاره ابن مالك(1) من أن نعت المعرفة إذا تقدّم عليها أعرب بحسب العوامل، وأُعيدت المعرفة بدلاً، وصار

المتبوع تابعاً، كقوله تعالى: (إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ)(2) على قراءة الجرّ.

و «محمد» عَلَمٌ منقول من اسم المفعول المضعّف للمبالغة، سُمّي به نبيّنا (عليه الصلاة والسلام) إلهاماً من الله تعالى، وتفاؤلاً بأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة.

وقال الجوهري: المحمّد: الذي كثرت خصاله المحمودة(3).

وقد ورد أنه قيل لجده عبد المطّلب - وقد سمّاه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها-: لِمَ سَمَّيْتَ ابنك محمّداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوت أن يُحمد في السماء والأرض(4). وقد حقّق الله رجاءه.

(النبيء) بالهمز من النبأ، وهو الخبر؛ لأنّ النبيّ مُخبر عن الله تعالى، ويجوز ترك الهمز - وهو الأكثر - إمّا تخفيفاً من المهموز بقلب همزته ياءً، وإما لأنّ أصله من النبوة - بفتح النون وسكون الباء - أي الرفعة لأنّ النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق. وهو إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أُمر بذلك فرسول أيضاً.

ص: 17


1- حاشية الصبان على شرح الاشموني على ألفية ابن مالك، ج 3، ص 72.
2- إبراهيم (14): 1 و 2.
3- الصحاح، ج 1، ص 466، «حمد».
4- البداية والنهاية ابن كثير، ج 2، ص 325.

وقيل: وأُمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب أو نَسْخُ لبعض شرع مَنْ قبله، فإن كان له ذلك فرسولُ أيضاً(1)، فهارون رسولٌ على الأول دون الثاني، ويوشع غير رسول عليهما.

وقيل: إنّهما بمعنى(2).

وإطلاق الرسول على الملك غير مستعمل هنا، فعموم الرسول من هذه الجهة غير مراد. (المبعوث) أي المرسل إلى الخاص وهم أهله وعشيرته، أو العلماء أو مَنْ كان في زمانه (والعامّ) وهو في مقابلة الخاص بالاعتبارات الثلاثة، وهي مترتبة في القوة ترتبها في اللفظ.

(وعلى عترته) وهُم الأئمّة الاثنا عشر، وفاطمة(علیها السلام).

قال الجوهري: عترة الرجل: نسله ورهطه الأدنون(3). فيدخل في الأوّل مَنْ عدا علی (علیه السلام)، ويدخل هو في الثاني.

(الأماجد) جمع أمجد، مبالغة في ماجد. يقال: مجد الرجل بالضمّ، فهو مجيد و ماجد، أی کرم.

(الكرام) قال ابن السكيت : الشرف والمجد يكونان في الآباء، يقال: رجل شريف ماجد: له آباء متقدّمون في الشرف.

قال: والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف(4).

(أمّا بعد) ماسبق من الحمد والصلاة. وآثر هذه الكلمة؛ للأحاديث الكثيرة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقولها في الخُطبة وشبهها ، رواه عنه اثنان وثلاثون صحابياً. وفيه(5) إشارة إلى الباعث على التصنيف، كما هو دأبهم.

و«أمّا» كلمة فيها معنى الشرط والتقدير مهما يكن من شيء بعد الحمد والصلاة

ص: 18


1- انظر الكشاف، ج 3، ص 164؛ و التفسير الكبير، الرازي، ج 12، ص 50، ذيل الآية 52 من الحج (22).
2- مجمع البیان، ج 7 - 8، ص 91، ذيل الآية 52 من الحج (22).
3- الصحاح، ج 2، ص 735، «عتر».
4- نقله عنه الجوهري في الصحاح، ج 2، ص 536 - 537، «مجد».
5- قوله: «ما سبق من الحمد... وفيه» سقط من «م».

فهو كذا، كما نص عليه سيبويه(1)، ولذلك كانت الفاء لازمةً لها.

قال الشيخ الرضي (رحمه الله):

أصل «أما زيد فقائم» مهما يكن من شيء فزيد قائم أي إن يقع في الدنيا شيء يقع قيام زيد، فهذا جزم بوقوع قيامه وقطع به؛ لأنه جعل حصول قيامه لازماً لحصول شيء في الدنيا ومادامت الدنيا فلابدّ من حصول شيء فيها.

ثمّ لمّا كان الغرض الكلّي من هذه الملازمة المذكورة لزوم القيام لزيد حذف الملزوم الذي هو الشرط، أعني «يكن من شيء» وأقيم ملزوم القيام - وهو زيد - مقام ذلك الملزوم، وبقي الفاء بین المبتدأ والخبر؛ لأنّ فاء السببيّة ما بعدها لازم لماقبلها، فحصل لهم من حذف الشرط وإقامة بعض الجزاء موقعه شيئان مقصودان، أحدهما: تخفيف الكلام بحذف الشرط، والثاني: قيام ماهو الملزوم حقيقة في قصد المتكلّم مقام الملزوم في كلامهم، أعني الشرط، وحصل أيضاً من قيام بعض الجزاء موضع الشرط ماهو المتعارف من شغل حيّز واجب الحذف بشيء آخر، وحصل أيضاً بقاء الفاء متوسّطةً في الكلام كما هو حقّها(2). انتهى.

وإنّما حكيناه ملخّصاً مع طوله؛ لعظم قدره ومحصوله.

و «بعد» من الظروف الزمانية، وكثيراً ما يحذف منه المضاف إليه وينوى معناه. وتُبنى على الضمّ. ويجوز في ضبطها(3) هنا أربعة أوجه ضمّ الدال، وفتحها، ورفعها منوّنةً، وكذا نصبها. ومجموع الكلمتين يُسمّى بفصل الخطاب.

وقد اختلف فيمن تكلّم(4)، بهذه الكلمة أولاً، فقيل: داود (علیه السلام)(5). وقيل: نبينا محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم)(6).

ص: 19


1- كما في شرح ابن عقيل، ج 2، ص 390.
2- شرح الكافية في النحو، ج 2، ص 396.
3- في «م»: «وفي تجويز ضبطها» بدل «و يجوز في ضبطها».
4- في ((م)»: «في المتكلم» بدل فيمن تكلّم».
5- الأوائل العسكري ص 45؛ الأوائل الطبراني، ص 68، الرقم 40؛ الأوائل ابن أبي عاصم النبيل، ص 671، الرقم 191؛ الوسائل إلى مسامرة الأوائل، ص 21، الرقم 117؛ الجامع لأحكام القرآن، ج 15، ص 162.
6- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

وقيل: عليّ (علیه السلام)(1). وقيل: قُسّ بن ساعدة(2). وقيل: كعب بن لُؤيّ(3). وقيل: يَعرب بن قحطان(4). وقيل: سحبان بن وائل(5). ولا فائدة مهمة في هذا الخلاف.

(فإنّ الله سبحانه كما أوجب على الولد طاعة أبويه) بقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَنَ بوَالِدَيْهِ)(6) ونظائرها.

والمراد بالأبوين: الأب والأم، وجمعهما باسم أحدهما تغليباً ومراعاة لجانب التذكير ، كما يراعى جانب الأخفّ مع التساوي فيه كالحسنين و العمرين، ولو تساويا خفّةً وثقلاً جاز جمعهما باسم أيّهما كان، كالكسوفين والظهرين.

(كذلك أوجب عليهما) أي على الأبوين (الشفقة عليه بإبلاغ مراده) حذف المفعول في الإبلاغ إيجازاً ومبالغةً وتفخيماً لشأن المريد، أي بإبلاغه مراده (فی الطاعات و تحصیل مآربه) جمع إرب. وفيه خمس لغات، وهي الحاجة (من القُرُبات) واحدها قُربة، وهي ما يطلب بها التقرّب إلى الله تعالى قرب الشریف لا الشرف.

( ولمّا) حرف وجود لوجود وعند جماعة(7) ظرف بمعنى «حين» أو بمعنى «إذ» استعمل استعمال الشرط، يليه فعل ماضٍ مقتض جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود الأُولى، والفعل الماضي هنا قوله: (كثر طلب الولد العزيز) وهو هنا «الكريم» تقول: عززتُ على فلان إِذا كَرُمتَ عليه (محمد) بدل من الولد، أو عطف بيان عليه.

(أصلح الله له أمر داريه) دنياه وآخرته (ووفقه للخير) التوفيق: جعل الأسباب متوافقة، وحاصله توجيه الأسباب بأسرها نحو المسبّبات، ويقال: هو اجتماع الشرائط

ص: 20


1- كما في كشف الالتباس، ج 1، ص 7.
2- الأوائل، العسكري، ص 45؛ الوسائل إلى مسامرة الأوائل، ص 21، الرقم 118؛ الأغاني، ج 15، ص 246.
3- الوسائل إلى مسامرة الأوائل، ص 21، الرقم 119.
4- الوسائل إلى مسامرة الأوائل، ص 21، الرقم 119.
5- خزانة الأدب، ج 10، ص 369.
6- العنكبوت (29): 8؛ لقمان (31): 14؛ الأحقاف (46): 15.
7- انظر مغني اللبيب، ج 1، ص 369.

وارتفاع الموانع (وأعانه عليه، وأمدّ) أي أمهل وطوّل (له في العمر السعيد) أي الميمون خلاف النحس.

وإذا كان الوصف للإنسان، قابل الشقيّ، لكن يختلف فيهما الفعل الماضي، فإنّه في الأوّل مفتوح العين وفي الثاني مكسورها قاله الجوهري(1).

(والعيش الرغيد) أي الطيب الواسع، يقال: عيشَةً رَعْدٌ ورَغَدٌ: أي طيبة واسعة.

(التصنيف) متعلّق ب«طلب» والتصنيف جعل الشيء أصنافاً، وتمييز بعضها من بعض.

(كتاب) فعال من الكتب، وهو الجمع بمعنى المكتوب، إلّا أنّه خصّ استعماله بما فيه كثرة المباحث.

( يحوي النكت) جمع نكتة، وهي الأثر في الشيء يتميّز به بعض أجزائه عن بعض، له التفات الذهن إليه كالنقطة في الجسم والأثر فيه الموجب للاختصاص بالنظر، ومنه رُطَبَةٌ مُنكِتةٌ: إذا بدا إرطابها، ثمّ عُدّي إلى الكلام والأُمور المعقولة التي يختصّ بعضها بالدقة الموجبة لمزيد العناية والفكر فيها، فيسمّى ذلك البعض نكتة.

(البديعة) وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وهي الفعل على غير مثال، ثمّ صار يستعمل في الفعل الحسن وإن سبق إليه مبالغةً في حسنه، فكأنه لكمال حسنه لم يسبق إليه.

(في مسائل) جمع مسألة، وهي القول من حيث إنّه يُسأل عنه، ويسمّى ذلك القول أيضاً مبحثاً من حيث إنّه يقع فيه البحث ومطلوباً من حيث يطلب بالدليل، ونتيجةً من حيث يستخرج بالحجّة ومدّعى من حيث إنّه يدعى فالمسمّى واحد وإن اختلفت العبارات باختلاف الاعتبارات.

(أحكام) واحدها: حكم، وهو بإضافته إلى (الشريعة) خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.

ويدخل في الاقتضاء ماعدا المباح من الأحكام الخمسة، ويدخل هو في التخيير، وفي

ص: 21


1- الصحاح، ج 2، ص 487، «سعد».

الوضع: السبب والشرط والعلة والمانع وغيرها من الأحكام الوضعيّة، وبسطه في محلّه.

و«الشريعة» فعيلة بمعنى مفعولة: ما شرعه الله لعباده من الدين.

وفي بعض النسخ «في مسائل الشريعة» بغير توسط الأحكام.

على وجه الإيجاز والاختصار والمعنى واحد وهو أداء المقصود بأقل من العبارة المتعارفة بين الأوساط الذين ليسوا في مرتبة البلاغة ولا في غاية الفهاهة(1).

(خال عن التطويل والإكثار) وهما أيضاً بمعنى، وهو أداء المعنى المقصود بلفظ أزيد من المتعارف بين مَنْ ذُكر، وليس مطلق التطويل والإطناب واقعاً على وجه ينبغي العدول عنه، بل مع خلوّه من النكتة والفائدة الموجبة له حسب مقتضى الحال، وإلا فقد يكون مقتضى البلاغة استعماله، كما قرر في محلّه.

ولمّا كان الغرض من التصنيف إيصال المعنى إلى فهم المكلّف كان التطويل زيادةً على ما تحصل به التأدية خالياً عن البلاغة، فلاجرم حسُن خُلوّ الكتاب من الإطناب.

(فأجبت) جواب «لما» أي كان ما تقدّم سبباً لإجابة (مطلوبه) وفي جعل المجاب هو المطلوب ضرب من التعظيم للمجاب.

وصنّفت هذا الكتاب وهذا إشارة إلى المدوّن في الخارج، ويناسبه قوله: «فأجبت وصنّفت» فتكون الديباجة بعد التصنيف، أو إلى المرتب الحاضر في الذهن. والإتيان بصيغة الماضي؛ تفوّلاً بلفظه على أنه من الأمور الحاصلة التي من حقّها أن يخبر عنها بأفعال ماضية، أو لإظهار الحرص على وقوعه؛ لأن الإنسان إذا عظمت رغبته في شيء كثر تصوّره إيَّاه، فيورده بلفظ الماضي تخييلاً لحصوله. ومن هذا القبيل الدعاء بلفظ الماضي مع أنّه من قبيل الإنشاء، كما هو مقرر في المعاني. والتحقيق أنه إشارة إلى المرتب الحاضر في الذهن، سواء كان وضع الديباجة قبل التصنيف أم بعده؛ إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولالمعانيها في الخارج. وتوضيح ذلك أنّ الكتاب المؤلف لا يخلو إمّا أن يكون عبارةٌ عن الألفاظ المعيّنة -

ص: 22


1- الفهة والفهاهة العِيُّ. الصحاح، ج 4 ، ص 2245 ، فهه».

أي العبارات التي من شأنها أن يلفظ بها - الدالة على المعاني المخصوصة، وهو الظاهر، وإما عن النقوش الدالّة عليها بتوسّط تلك الألفاظ، وإما عن المعاني المخصوصة من حيث إنّها مدلولة لتلك العبارات أو النقوش فهذه ثلاثة احتمالات بسيطة وتتركّب منها ثلاثة أخرى(1) ثنائيّة، ورابع ثلاثي، فالاحتمالات سبعة.

وأنت خبير بأنّه لاحضور في الخارج للألفاظ المرتبة ولا لمعانيها ولا لما يتركّب منهما ولا لما يتركّب من النقوش معهما أو مع أحدهما، وهذا كله واضح. وأما النقوش الدالّة على الألفاظ فيحتمل أن يشار إليها بذلك. لكن فيه أن الحاضر من المنقوش لا يكون إلا شخصاً، ولاريب فى أنه ليس المراد تسميّة ذلك الشخص باسم الكتاب، بل تسميّة نوعه، وهو النقش الكتابي الدال على تلك الألفاظ المخصوصة بإزاء المعاني المخصوصة أعم من أن يكون ذلك الشخص أو غيره ممّا يشاركه في ذلك المفهوم، ولا حضور لذلك الكلّي في الخارج، فالإشارة إلى الحاضر المرتّب في الذهن أصوب على جميع التقديرات فكأنّه نزّل العبارات الذهنية التي أراد كتابتها منزلة الشخص المشاهد المحسوس، فاستعمل لفظ «هذا» الموضوع لكلّ مشار إليه محسوس.

(الموسوم) أي المسمّى يقال: وسمت الشيء وَسماً وسِمَةً، إذا أثرت فيه أثراً.

والهاء عوض من الواو، ولمّا كانت السمة علامةً والاسم اشتق له منه لفظ، وهو أحد القولين في الاسم (بإرشاد الأذهان) جمع ذهن، وهو قوة للنفس مُعدّة لاكتساب الآراء إلى أحكام الإيمان المراد به هنا مذهب الإماميّة دامت بركاتهم، (مستمّداً) حال من الضمير في «صنّفت» أي صنفت هذا الكتاب في حال(2) كوني مستمّداً (من الله حسن التوفيق) وقد تقدّم تعريفه (وهداية الطريق) إليه سبحانه.

والمراد بها الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب.

ص: 23


1- في «الأصل وم»: «احتمالات أُخرى».
2- في الطبعة الحجريّة: «حالة».

وقيل: الدلالة الموصلة إلى المطلوب(1) .

ويؤيّد الأول (إِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )(2).

ويرد عليه إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ )(3) وعلى الثاني (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَهُمْ )(4).

وأجيب جيب عن الإيراد الأوّل بأنّ الهداية المنفيّة في الآية محمولة على الفرد الكامل.

وهو ما يكون موصلاً بالفعل لمن له الهداية، أو يقال: الآية من قبيل (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى )(5) في تنزيل وجود الشيء منزلة عدمه؛ فإنّ النبيّ( صلى الله عليه و آله و سلم) لمّا لم يكن مستقلاً بالهداية والدلالة، بل دلالته بإقدار الله تعالى وتمكينه وتوفيقه فكأنّه ليس بهاد، بل الهادي هو الله تعالى، والحاصل يرجع إلى نفي الاستقلال في الهداية.

وأورد عليه: بأنّه يلزم أنّ مَنْ يكون عارفاً بالشريعة، متقاعداً عن العمل بمقتضاها مُهتدٍ، وليس كذلك.

وأجيب: بالتزام أنّه مُهتد بالمعنى اللغوي، أو مُهتدٍ بالنسبة إلى العلم وضالُّ بالنسبة إلى مطلوب آخر، وهو نيل الثواب والفوز بالسعادة الأُخرويّة حيث لم يعمل بمقتضى علمه، فيصدق الاسمان بالحيثيّتين.

وقد اتّسع مسلك الكلام بين العلماء الأعلام من الجانبين، ولا يبعد القول بالاشتراك، وأولى منه أنّها حقيقة في الأوّل مجاز في الثاني؛ لأرجحيّته على الاشتراك، وكثرة استعمالها فيه. وتحقيقه في غير هذا المحلّ.

واعلم أنّ المصنّف (رحمه الله) أضاف الهداية إلى مفعولها الثاني، وهي تتعدّى بنفسها إلى المفعول الأوّل وإلى الثاني بنفسها أيضاً، وب_«إلى» وباللام. ومن الأول قوله

ص: 24


1- الكشاف، ج 1، ص 35.
2- الشورى (42) 52 .
3- القصص (28): 56 .
4- فصلت (41) :17 .
5- الأنفال (8): 17 .

تعالى: (اَهْدِنَا الصِّرَاطَ )(1) ، ومن الثاني (هَدَننِي رَبِّي إِلَى صِرَاط )(2) ومن الثالث ( الَّذِى هَدَننَا لِهَذَا )(3) .

(والتمست منه) أي طلبت. ويُطلق على الطلب من المساوي حقيقةً أو ادّعاءً حسب ما يقتضيه المقام (المجازاة على ذلك) التصنيف، وفي الإشارة إليه بصيغة البعيد توسّع (بالترحّم عليَّ عقيب الصلوات، والاستغفار) وهو سؤال المغفرة (لي في الخلوات) فإنّها مظنّة إجابة الدعوات ونزول البركات. (وإصلاح ما يجده) في هذا الكتاب بمقتضى السياق. ويحتمل أن يريد الأعمّ منه ومن غيره، كما صرّح به في وصيّته له في آخر القواعد(4) ( من الخلل والنقصان) بينهما عموم وخصوص مطلق؛ فإنّ كلّ نقصان خلل ولا ينعكس.

(فإنّ السهو) وهو زوال الصورة عن القوّة الذاكرة، أو عدم العلم بعد حصوله عمّا من شأنه أن يكون عالماً ( كالطبيعة الثانية للإنسان).

وتوضيح ذلك: أنّ الطبيعة الأولى للشيء هي ذاته وماهيّته، كالحيوان الناطق بالنسبة إلى الإنسان، وما خرج عن ماهيّته من الصفات والكمالات الوجوديّة اللاحقة لها تسمّى(5) طبيعة ثانية، سواء كانت لازمةً كالضحك والتنفّس بالقوّة للإنسان، أم مفارقةً كهُما بالفعل له، وسواء كانت لاحقةً بلاواسطة كالتعجّب اللاحق للإنسان، أم بواسطة أمرٍخارج عنه مساوٍ له كالضحك اللاحق له بواسطة التعجّب، أم بواسطة جزئه كالحركة الإراديّة اللاحقة له بواسطة أنّه حيوان.

ثمّ لمّا كان السهو ليس طبيعةً أُولى وهو ظاهر ، ولا ثانيةً؛ لأنّه أمر عدمي فإنّ العدم جزء مفهومه؛ لأنّه زوال الصورة العلميّة عن القوّة الذاكرة، أو عدم العلم بعد حصوله عمّا

ص: 25


1- الفاتحة .(1): 6 .
2- الأنعام (6): 161.
3- الأعراف (7): 43.
4- قواعد الأحكام، ج 3، ص 717 .
5- في الطبعة الحجرية: «سُمّي».

من شأنه أن يكون عالماً، كما تقدّم، لكنّه أشبه الطبيعة الثانية في العروض والكثرة التي تشبه اللزوم، كان كالطبيعة الثانية للإنسان خصوصاً على التعريف الثاني؛ فإنّ العدم المنسوب إلى الملكة له حظِّ من الوجود بافتقاره إلى محلّ وجودي كافتقار الملكة إليه ؛ فإنّه عبارة عن عدم شيء مع إمكان اتّصاف الموضوع بذلك الشيء، كالعمى فإنّه عدم البصر لا مطلقاً بل عن شيء من شأنه أن يكون بصيراً، فهو يفتقر إلى الموضوع الخاصّ المستعدّ للملكة، كما تفتقر الملكة إليه، بخلاف باقي الأعدام.

ثم أكّد الاعتذار عمّا يجده من الخلل بقوله (ومثلي) ممّن لم يتّصف بالعصمة من بني آدم، والتعبير بالمثل كناية عن أنّي لا أخلو من ذلك من قبيل قولهم «مثلک لا يبخل» و «مثلك مَنْ يجود» فإنّه كناية عن ثبوت الفعل أو نفيه عمّن أضيف إليه لفظ «مثل» ؛ لأنه إذا ثبت الفعل لمن يسدّ مسدّه ومَنْ هو على أخصّ أوصافه أو نُفي عنه، كان من مقتضى القياس والعرف أن يفعل هو كذا أو أن لا يفعل، ومن لازم هذه الكناية تقديم لفظ «مثل» كما قرّر في المعاني.

ولفظة «يخلو» من قوله (لا يخلو) ليس بعدها ألف؛ لأنّ الواو فيها لام الفعل المعتلّ، وإنّما أثبتوا الألف بعد الواو المزيدة - وهي واو الجماعة - فرقاً بينها وبين الأصليّة، كهذه ونظائرها، فإتيانه بعدها خطأ (من تقصير في اجتهاد) لابتنائه على مقدّمات متعدّدة وقواعد متبدّدة يحتاج إلى استحضارها في كلّ مسألة يجتهد فيها، وذلك مظنّة التقصير، ولهذا اختلفت الأنظار في الفروع التي لم ينصّ على عينها، كما هو معلوم.

(والله الموفّق للسداد) وهو الصواب والقصد من القول والعمل، قاله في الصحاح(1) . (فليس المعصوم) من بني آدم كما يقتضيه الاستثناء من النفي المستلزم لحصر الإثبات في المستثنى مع الإجماع على عصمة الملائكة(علیهم السلام) مع خروجهم عن الأنبياء والأوصياء، فلولا التقييد ببني آدم أشكل الحصر (إلّا مَنْ عصمه الله).

و«من» في قوله (من أنبيائه وأوصيائه) لبيان الجنس، لاتّفاقنا على عصمة

ص: 26


1- الصحاح، ج 1، ص 458 «سدد».

الجميع، والتقدير: ليس المعصوم من نوع الإنسان إلّا الأنبياء وأوصياءهم (عليهم أفضل الصلوات وأكمل التحيّات) جمع تحيّة والأصل: تحيية، نُقلت كسرة الياء إلى ماقبلها وأدغم الياء في الياء. واشتقاقها من الحياة؛ لأنّ المحيّي إذا حيّا صاحبه فقد دعا له بالسلامة من المكاره، والموت من أشدّها فدخل في ضمنها. واختصّت بالاشتقاق منها لقوّتها. والمراد هنا ماهو أعمّ من ذلك.

(ونبدأ في الترتيب) وهو جمع الأشياء المختلفة وجَعلها بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدّم والتأخّر في النسبة العقليّة وإن لم تكن مؤتلفةً، وهو أعمّ من التأليف من وجه؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفة، سواء كانت مرتّبة الوضع أم لا، وهُما معاً أخصّ من التركيب مطلقاً؛ لأنّه ضمّ الأشياء مؤتلفةً كانت أم لا، مرتّبة الوضع أم لا. ومنهم مَنْ جَعَل الترتيب أخصّ مطلقاً من التأليف. ومنهم مَنْ جَعَلهما مترادفين. ومنهم مَنْ جَعَل التركيب والتأليف مترادفين. فهذه ألفاظ ثلاثة موضوعة للدلالة على ضمّ شيء إلى آخر يحسن التنبيه عليها (بالأهمّ فالأهمّ) أي نبدأ بالأهمّ أوّلاً ، فإذا فرغنا منه ذكرنا الأهمّ بالنسبة إلى الباقي.

فبدأ بالعبادات أوّلاً؛ إذ الأحكام الأخرويّة أهمّ من الدنيويّة؛ لأنّها المقصودة بالذات من خلق المكلّفين. وأتبعها بالعقود؛ لتوقّف نظام النوع وقوامه على معرفتها، ثمّ بالإيقاعات؛ لأنّها بالنسبة إلى العقود كالفروع، فإنّ الطلاق وتوابعه فرع النكاح، والعتق وتوابعه فرع الملك الحاصل بالابتياع ونحوه، وهكذا القول في نظائرها. وأُخّرت الأحكام؛ لأنّها خارجة عن حقيقة مستحقّ التقدّم، كالفرائض والجنايات، أو لازمة للعقود والإيقاعات معاً،كالقضاء والشهادات، واللازم متأخر عن الملزوم طبعاً، فأُخّر وضعاً ليطابق الطبع الوضع.

ثمّ بدأ من العبادات بالصلاة؛ لأنّها أفضل وأكثر تكرّراً، وقدّم عليها الطهارة؛ لكونها شرطاً فيها، والشرط مقدّم على المشروط، وكان من حقّها أن تجعل باباً من أبواب الصلاة، كباقي شروطها ، كما فعل الشهيد (رحمه الله) في الذكرى، لكن لكثرة مسائلها

ص: 27

وتشعّب أنواعها أفردها عن باقي الشروط في كتاب، وقدّم منها الوضوء؛ لعموم البلوى به وتكرّره ضرورة في كلّ يوم، بخلاف الغسل والتيمّم. وقدم بعده الغسل على التيمّم؛ لأصالته عليه، والتيمّم طهارة ضروريّة، وقدّم على إزالة النجاسات؛ لأنّها تابعة للطهارة بالمعنى المعتبر عند علماء الخاصّة.

ثمّ أتى بالزكاة بعد الصلاة؛ لاقترانها معها في الآيات(1) الكريمة، وتكرّرها في كلّ سنة بالنسبة إلى الخمس والحجّ، والخمس والاعتكاف تابعان للزكاة والصوم من وجه فناسب ذكرهما معهما، ثمّ بالصوم لاختصاصه ببعض هذه العلل، ثمّ بالحجّ لوقوعه في العمر مرّة. وأخّر الجهاد لخلوّ وقتنا منه غالباً. وهكذا قرّر ما يرد عليك من بقيّة أجزاء الكتاب لا زلت موفّقاً لصوب الصواب.

ص: 28


1- البقرة :(2): 43 و 110 و 277؛ النساء :(4): 162 المائدة :(5) 12 و 5 5 : التوبة (9): 5 و 11 و 18 و 71؛ مريم (19): 31؛ الأنبياء (21) : 73؛ الحج (22): 41 و 78؛ النور (24): 37 و 56: النمل (27) :3: لقمان (31) : 4 الأحزاب (33): 33؛ المجادلة (58): 13؛ المزمل (73): 20؛ البينة (98): 5.

[كتاب الطهارة ]

اشارة

ص: 29

ص: 30

(كتاب الطهارة)

خبر مبتدأ محذوف، أي هذا كتاب الطهارة، وكذا القول في بقيّة الفصول والأبواب. والكتاب اسم مفرد، وجمعه كتب بضمّ التاء وسكونها. وهو فعال من الكتب بفتح الكاف، سمّي به المكتوب، كالخلق بمعنى المخلوق، وكقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، وثوب نسج اليمن.

وقد صرّح الجوهري وغيره من أهل اللغة بأنّه نفسه مصدر، تقول : كَتَبتُ كَتباً وكِتاباً وكِتابَة (1).

واستشكل ذلك جماعة من المحقّقين بأنّ المصدر لا يشتقّ من المصدر، بل الخلاف

منحصر في أنّ الفعل هل يشتقّ من المصدر أو بالعكس كماهو المعلوم؟

وأسدّ ما يقال في الجواب: إنّ الكلام إنّما هو في المصدر المجرّد، وأمّا المزيد فإنّه مشتقّ منه؛ لموافقته إيّاه بحروفه ومعناه، وقد نصّ على ذلك العلّامة التفتازاني(2).

والكتب معناه الجمع، تقول: كتبتُ البغلَةَ، إذا جمعت بين شُفريها بحَلقةٍ أو سيرٍ. وكتبتُ القِربةَ أيضاً كتباً، إذا خرزتها. ومنه تكتّب بنو فلان: إذا تجمّعوا. ومنه سُمّي الكتاب؛ لأنّه يجمع أموراً من علمٍ يُعبَّر عنها تارة بالأبواب، وأُخرى بالفصول وغيرها. والطهارة مصدر طهر بضمّ عين الفعل وفتحها ، والاسم: الطهر، وهي لغةً: النظافة والنزاهة،

ص: 31


1- الصحاح، ج 1، ص 208؛ لسان العرب، ج 1، ص 698، «كتب».
2- شرح التصريف، ضمن جامع المقدّمات، ج 1، ص 211 .

وقد نقلت في الاصطلاح الشرعي إلى معنى آخر بناءً على وجود الحقائق الشرعيّة.

وقد اختلف الأصحاب في تعريفها؛ لاختلافهم في المعنى المنقول إليه، فكلُّ عرَّفها بحسب(1) ما ذهب إليه، ولا تكاد تجد تعريفاً سليماً عن الطعن حتّى لجأ بعضهم(2) إلى أنّ المراد بتعريفها اللفظي على قانون اللغة، وهو تبديل لفظ بلفظ آخر أجلى منه من دون اشتراط الاطّراد والانعكاس.

وحاصل الخلاف: أنّ منهم مَنْ يُطلقها على المبيح دون إزالة الخبث. ومنهم مَنْ يُطلقها عليه وعلى إزالة الخبث. وعلماؤنا الأكثرون على الأوّل بناءً على أنّ إزالة الخبث في الحقيقة أمر عدمي، فلا حظّ له في المعاني الوجوديّة.

ثمّ هُم مختلفون في إطلاقها على الصورة غير المبيحة حقيقةً أو ظاهراً، كوضوء الحائض والمجدَّد. والمصنّف لم يتعرّض لتعريفها في هذا الكتاب، لكن قد استقرّ أمره - تبعاً لغيره - على تقييدها بالمبيحة ولو بالصلاحيّة.

و من الإشكال العامّ أنّهم يُخرجون من التعريف وضوءَ الحائض إمّا لعدم الإباحة به، أو للحديث(3) الدالّ على عدم تسميته طُهراً.

ثمّ يقسّمون الطهارة إلى واجب وندب، والندب إلى المجدَّد وإلى وضوء الحائض، وغسل الجمعة، والتيمّم لصلاة الجنازة ونحوها ، فاللازم إمّا فساد التقسيم أو خلل التعريف.

وربما اعتذر بأنّ المقسم غير المعرّف، أو بأنّ ذكر هذه الأشياء في التقسيم لضرب من المجاز والاستطراد، ومثله يجوز ارتكابه في التقسيم بعد سلامة التعريف. ولا يخفى بُعدهما. وقد ناقش شيخنا الشهيد (رحمه الله) في إخراج وضوء الحائض وإدخال المجدّد:

بأنّ التعريف إن كان للطهارة المبيحة للصلاة، فينبغي إخراج المجدَّد منه عند مَنْ

ص: 32


1- في «الأصل و م»: «حسب».
2- المحقق في الرسائل التسع، ص 200 - 201.
3- الكافي، ج 3، ص 100 - 101، باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح 1.

لا يكتفي بنيّة التقرّب منفردة؛ لأنّه غير صالح للتأثير. وإن أريد بالصلاحيّة ما يعمّ البعيدة - وهو أنّه لواقترن به ما یجب اقتران غیره به لأثّر - فيدخل (1)وضوء الحائض؛ إذ الصلاحيّة حاصلة لكلّ وضوء من حيث هو، وما بالذات لا يزيله ما بالعرض ... وإن كان لما يقع عليه لفظ الطهارة صحيحاً أم لا، مبيحاً أم لا، فلا معنى للتقييد بالمبيح للصلاة أو بالصالح لها (2).

واعتذر عن ذلك بالفرق بين ما اقترن به ما يمنع الإباحة بحال، كما في وضوء الحائض، وبين ما أخلّ فيه بشرط لوأتى به لكان مبيحاً، فكأنّه صالح بالقوة، ومن ثَمَّ قال جمعُ بإباحة المجدَّد. ومنهم مَن يرى الاكتفاء بالقربة.

وأنت خبيرٌ بأنّ هذا الاعتذار اقتضى اختلافهما، وأنّ أحدهما أقوى من الآخر، أمّا جواب مانحن بصدده فلا؛ لأنّ الكلام إنّما هو على القول بعدم رفعه وعدم الاجتزاء بالقربة، وحينئذٍ فلادَخْلَ له في الإباحة على وجه الحقيقة، وإلّا فنحن لاننازع في أنّه أقوى وأقرب إلى الإباحة، لكن تعريفهم لا يجتزئ بذلك.

اللهمّ إلّا أن ترتكب في التعريف ضرباً من التجوّز. بأن تحمل الإباحة أو الصلاحيّة لها على ما يعمّ القوّة القريبة على معنى أنّه لوأتى ببقيّة الشروط المعتبرة حصلت،1 فيندرج في ذلك المجدّد والأغسال المسنونة، ويخرج عنه وضوء الحائض، لكن يبقى الكلام في إدخال وضوء الحائض في التقسيم، وقد مرّ الكلام فيه.

( والنظر) يقع في الطهارة من ستّة أوجه على وجه الحصر الجعلي الاستحساني، لا العقلي والاستقرائي (في أقسامها وأسبابها) ويندرج فيها واجباتها وكيفيّتها وأحكامها. ويقع النظر فيها من ثلاثة أوجه بحسب تعدّد أنواعها (وما تحصل به) وهو الماء المطلق، والتراب على مايأتي (وتوابعها) وهي إزالة النجاسات وتعدادها، وبقيّة المطهّرات، وأحكام الأواني.

ص: 33


1- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «دخل». وما أثبتناه من المصدر.
2- غاية المراد، ج 1، ص 22 - 23 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1) وفيه: بالصالح له.

ووجه ما اختاره من الحصر أنّ البحث إمّا عن المقصود بالذات أو لا، والأوّل إمّا عن تقسيمه وتفصيله على وجه يصير الشارع فيه على بصيرةٍ منه، وهو النظر الأوّل، أو عن كيفيّته وما معه من السبب والحكم، وهو الثاني والثالث والرابع حسب تعدّد أنواعه. و تقديم الثاني والثالث على الرابع ظاهر؛ لأنّه طهارة اضطراريّة مشروطة بفقد الاختياريّة التي هي المائيّة والمائيّة قسمان: وضوء وغسل، وقدّم الوضوء على الغسل لزيادة الحاجة إليه. والثاني إمّا أن يتوقّف عليه المقصود بالذات أو لا، والأوّل هو الخامس، وهو البحث عن المياه وأقسامها وأحكامها، وإنّما أخّره عمّا سبق مع أنّه وهي متقدّمة على الصورة؛ لأنّ ما بالذات أولى ممّا بالعرض - ولما ذكرناه من العلّة قدّم غيره البحثَ عن المياه أوّلاً حتّى المصنّف في غير هذا الكتاب - والثاني هو السادس، وهو التابع، ورتبته التأخّر عن متبوعه. ولأنّه طهارة لغوية عنده، وإنّما بحث عنه في كتاب الطهارة؛ لأنّ النجاسة مانعة الصلاة.

ولمّا بحث عن الطهارة الشرعيّة - التي هي شرط الصلاة - بحث عن المانع منها؛ ليتمّ للمكلّف معرفة مابه يخرج عن التكليف بها. ولأنّه عند بعضهم طهارة شرعيّة حقيقةً، ومجازاً عند الباقين، فالمناسبة حاصلة على التقديرين.

وربما نظر بعضهم إلى أنّه يتوقّف عليه استعمال ما يتطهّر به ليتحقّق الخروج عن العهدة باستعماله، فقدّم البحث عنه على المقصود بالذات لذلك، كما فَعَل المصنّف في القواعد، ولكلّ وجه. والمرجّح ما يقع في الخَلَد(1) وقت التصنيف.

ص: 34


1- الخَلّد: البال الصحاح، ج 1، ص 469، «خلد».

(النظر الأوّل في أقسامها)

(وهي) أي الطهارة منقسمة - انقسام الكلّي إلى جزئيّاته لا الكلّ إلى أجزائه - إلى ثلاثة أنواع: (وضوء وغسل وتيمّم) ولمّا كان هذا الكلّي لا وجود له في الخارج إلّا في ضمن جزئياته صدق على كلّ جزئي من الثلاثة أنّه طهارة.

وينساق إلى هذا ونظائره شكّ لطيف، وهو أنّ الانقسام لازم لمطلق الطهارة، وهو لازم لكلّ واحد من أقسامها، فيلزم أن يكون الانقسام لازماً لكلّ واحد من أقسامها، ويلزم منه انقسام الشيء إلى نفسه ومباينه أو مساواة الجزئي لكلّيّه، وكلاهما فرض محال .

وجوابه: أنّ المنقسم إلى الثلاثة هو الطهارة المطلقة، أي مقيّدة بقيد العموم، لا مطلق الطهارة، وفرقُ بين الصيغتين؛ فإنّ الطهارة من حيث إنّها عامُّ موصوفة بالانقسام، كما أنّ الحيوان من حيث إنّه عامّ موصوف بالجنسيّة، وهي قسم من المطلق، وما هو ملزوم للانقسام هو مطلق الطهارة ، بل الطهارة المطلقة. وفيه بحث.

أو نقول: الانقسام المذكور لازم للطهارة بحسب وجودها الذهني، وهي لازمة لأقسامها من حيث حصولها العيني لا من تلك الحيثيّة، ولازم الشيء باعتبار لا يلزم أن يكون لازماً لملزومه باعتبار آخر، كالكلّيّة اللازمة لمفهوم الحيوان، اللازم لزيدٍ مثلاً .

واعلم أنّ الظاهر من هذا الانقسام أنّ مقوليّة الطهارة على أنواعها الثلاثة بطريق الحقيقة لا بالمجاز، ولا ريب في ذلك بالنسبة إلى المائية.

ويؤيده بالنسبة إلى الترابيّة: قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) :«الصعيد طهور المسلم» (1)و «جُعلت لي الأرض

ص: 35


1- الجامع الصحيح، ج 1، ص 212، ح 124.

مسجداً وترابها طهوراً»(1) إلى غير ذلك من الأحاديث الدالّة على إطلاق الطهارة على التيمّم؛ لأنّ السياق لإباحة الصلاة بالنسبة إلى الحدث، ولصدق التعريفات بأسرها عليه. ثمّ على تقدير الحقيقة فهل تلك المقوليّة بطريق الاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك ؟ الظاهر انتفاء الأوّل؛ لاشتراك الثلاثة في معنى مشترك بينها، وهو صلاحيّة الإباحة للصلاة ولو بالقوّة القريبة على ما تقرّر، وهو ينفي الاشتراك. ومُحتمِل الاشتراك ينظر إلى اختلاف ذاتَي المائيّة والترابيّة، فهي كالعين.

وهو ضعيف؛ إذ لا جامع لأفراد العين غير اللفظ، بخلافه هنا.

نعم، يقع الشكّ بين الأخيرين لاشتراكهما في هذا الوجه.

وليس ببعيد مقوليّتها على الثلاثة بالتشكيك، وعلى الوضوء والغسل بالتواطؤ؛ فإنّ إطلاقها على المائيّة أقوى من الترابيّة، وفردا المائية متساويان.

وتظهر فائدة الخلاف في نذر الطهارة، وسيأتي.

(وكلٌّ منها ) أي الثلاثة التي هي الوضوء والغسل والتيمّم (واجب) إمّا بأصل الشرع أو بالعرض، كالنذر وشبهه (وندب) بالأصالة أو بالعرض أيضاً. فالأقسام أربعة، ويخرج من ضربها في الأنواع الثلاثة اثنا عشر قسماً ذكر المصنّف (رحمه الله) منها تسعة الواجبة بأصل الشرع والعارض، والثلاثة المندوبة بأصل الشرع، وستراها مفصّلةً. وبقي ثلاثة أقسام، وهي المندوب من الثلاثة بسببِ من المكلّف، وذلك حيث يكون أحدها متعلّقاً بما يستحبّ الوفاء به، كالنذر المنوي غير المتلفّظ به.

(فالوضوء يجب) بأصل الشرع (للصلاة والطواف الواجبين).

أمّا للصلاة: فلقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوَةِ فَاغْسِلُوا )(2)، ولقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لا صلاة إلّا بطهور»(3) وللإجماع.

ص: 36


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 371، ح 522/4 ؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 328، ح 1023.
2- المائدة .(5): 6 .
3- التمهيد ابن عبدالبر، ج 8، ص 215 .

ويلحق بالصلاة أجزاؤها المقضيّة منفردةً، كالسجدة والتشهّد وسجود السهو والاحتياط إن لم نجعله صلاةً مستقلّة، لا سجود التلاوة.

وأمّا للطواف: فلقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «الطواف بالبيت صلاة» (1)فيشترط فيه ما يشترط فيها إلّا ما أخرجه الدليل.

(و) يجب الوضوء أيضاً بالأصالة ل_(مسّ كتابة القرآن إن وجب) المسّ بنذرٍ وشبهه على الأصحّ من توقّف المسّ على الطهارة؛ للآية (2).

والضابط في وجوب الوضوء ماكانت غايته واجبةً، ولمّا كان الصلاة والطواف واجبين بأصل(3) الشرع جعل الوجوب معهما وصفاً، ولمّالم يجب المسّ بالأصل جعل الوجوب فيه شرطاً.

وربما أُعيد ضمير «وجب» إلى الوضوء إشارة إلى الخلاف في وجوب الوضوء على المحدث للمسّ.

وفيه بُعدٌ؛ لحكم (4)المصنّف بوجوبه، فلاوجه لتردّده هنا، بل الوجه ماقلناه.

(ويستحبّ) الوضوء بأصل الشرع (المندوبَي الأوّلين) وهُما: الصلاة والطواف؛ فإنّ الغاية لمّا لم تجب لم يجب شرطها ؛ لجواز تركها، فكان الشرط كالغاية ؛ إذ لا يتصوّر وجوب الشرط لمشروطٍ غير واجب، لكن مع الشرطيّة في الصلاة فلا تصحّ بدونه.

وقد يطلق عليه هنا الوجوب ؛ لمشابهته الواجب في أنّه لابدّ منه بالنسبة إلى مشروطه، ويعبّر عنه بالوجوب الشرطي. وكذا القول في مسّ خطّ المصحف مع عدم وجوبه.

ص: 37


1- سنن النسائي، ج 5، ص 222؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 5، ص 141 - 142، ح 9304؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 44؛ المعجم الكبير، ج 11، ص 34 ، ح 10955: المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 459؛ وج 2، ص 267.
2- الواقعة .(56): (79)
3- في «م»: «بالأصالة».
4- في «الأصل و م»: «ولحكم».

وأمّا الطواف المندوب فهو من كماله على الأصحّ، فيصحّ الطواف بدونه. واشترطها فيه المصنّف في النهاية (1).

(ودخول المساجد) للخبر(2)، ولاستحباب التحيّة، وهي متوقّفة على الوضوء (وقراءة القرآن، وحمل المصحف، والنوم، وصلاة الجنائز، والسعي في حاجة، وزيارة المقابر) كلّ ذلك للنصّ(3).

وفي كلّ هذه ينوي الاستباحة أو الرفع، ويحصلان له عدا النوم ففيه نظر.

أمّا نيّة الرفع فلا إشكال فيها بعد ثبوت إيقاع هذه الأشياء على طهارة.

وأمّا الاستباحة: فذكرها الشهيد (رحمه الله) في بيانه (4)ساكتاً عليها. وأمرها مشكل فيما عدا الصلاة المندوبة؛ لإباحة هذه الأشياء بدونها، فكيف ينوي استباحتها بها !؟ والأولى في النيّة رفع الحدث أو إيقاع هذه الأشياء على الوجه الأكمل؛ لتوقّفه على رفع الحدث.

وأمّا النوم: فالوضوء له غايته الحدث فكيف يرفعه !؟

وألحقه في المعتبر(5) بالصحيح؛ لأنّه قصد النوم على أفضل أحواله، ولما في الحديث من استحباب النوم على طهارة ،وهو مشعر بحصولها.

واعترضه شيخنا الشهيد (رحمه الله) بأنّه لا يلزم من استحباب النوم على الطهارة

ص: 38


1- 1 . نهاية الإحكام، ج 1، ص 20.
2- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 263، ح 743.
3- انظر الكافي، ج 3، ص 468 ، باب صلاة فاطمة (سلام الله عليها) وغيرها من صلاة الترغيب، ح 5: والفقيه، ج 1، ص 469، ح 1352 : وج 3، ص 157 ، ح 3581؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 127، ح 344، و 359، ح 1077؛ وج 2، ص 116 ، ح 434: وج 3، ص 203، ح 476؛ والاستبصار، ج 1، ص 113 - 114 ، ح 378: وقرب الإسناد، ص 317 ، ح 1403: والخصال، ص 627. ولم نعثر على نص بالخصوص لاستحباب الوضوء لزيارة المقابر. نعم، قال الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 143 - 144 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5): ويستحب لندبي الصلاة والطواف... ولصلاة الجنازة و زيارة قبور المؤمنين... كل ذلك للنص.
4- البيان، ص 36 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- المعتبر ، ج 1، ص 140.

صحّة الطهارة للنوم؛ إذ الموصل إلى ذلك وضوء رافع للحدث، فلينو رفعه أو استباحةمشروط به لا منافٍ له. قال:

والتحقيق أنّ جَعْل النوم غايةً مجاز؛ إذ الغاية هي الطهارة في آن قبل النوم بحيث يقع النوم عليها، فيكون من باب الكون على طهارة، وهي غاية صحيحة(1) .

(ونوم الجنب ) وإنّما خصّه بالذكر مع دخوله في استحباب الوضوء للنوم؛ لمزيد الاهتمام به، ولورود النصّ(2) عليه بخصوصه، ولدفع توهّم عدم شرعيّة الوضوء للجنب.

(وجماع المحتلم) قبل الغسل. وعُلّل في الخبر بأنّه لا يؤمن أن يجيء الولد مجنوناً لوحملت من ذلك الجماع. وهو يقتضي تخصيص الكراهة بوقت احتمال الحمل، فتنتفي بدونه.

والأولى تعميم الحكم؛ إذ لا يلزم من تأثيره في الحمل على تقدير كونه مسبّباً عنه انتفاء

الكراهة لو لم يكن ، والكراهة منوطة بالاحتلام، فلا يكره الجماع من غير وضوء؛للأصل. (وذِكر الحائض) لله تعالى فى وقت كلّ صلاة. والخبر (3)ورد في الحائض. والظاهر إلحاق النفساء بها؛ لأنّها حائض في المعنى.

وهذه الثلاثة لا يتصوّر فيها رفع الحدث؛ المصاحبته لها، وعدم صلاحيّته للارتفاع به في هذه الحالة.

(والكون) بالجرّ عطفاً على ماقبله، أي ويستحبّ الوضوء أيضاً للكون (على طهارة) أي للبقاء على حكمها، فاندفع توهّم التكرار حيث يصير التقدير: تستحبّ

ص: 39


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 28 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 6).
2- الكافي، ج 3، ص 51، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ .... ح 10: الفقيه، ج 1، ص 83، ح 179؛ تهذیب الأحكام، ج 1، ص 370، ح 1127.
3- الكافي، ج 3، ص 101، باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 159،ح 456.

الطهارة للكون على طهارة؛ لأنّ البقاء على حكمها ليس هو نفسها، بل لازمها، وليس الكون غايةً مستقلّة، بل مستلزمة للرفع أو الاستباحة؛ إذ لا تحصل إلّا بأحدهما، فكأنّ المنوي أحدهما، ومن ثَمَّ صحّ الوضوء المنوي به ذلك، كما قرّبه في الذكرى (1)، مع أنّ ذلك وارد في بقيّة الغايات المستحبّة، والجواب واحد.

ويجوز رفع «الكون» عطفاً على الضمير المستتر في قوله «ويستحبّ» أو على الابتداء، والخبر محذوف، وتقديره: مستحبّ.

وربما توهّم التكرار على التقدير الأوّل من هذين بناءً على أنّه في قوّة: يستحبّ الوضوء ويستحبّ الكون على وضوء.

ولا وجه له؛ لأنّ المعطوف عليه ليس هو استحباب الوضوء مطلقاً، بل للمذكور من الصلاة والطواف المندوبين وغيرهما ممّا عُدّ.

ثمّ إنّ المكلّف إذا أراد الكون، فإن نوى رفع الحدث فلاريب في الصحّة وحصول مانواه؛ إذ لا يحصل الكون عليها إلّا مع ارتفاعه مع الاختيار، وهو إحدى الغايتين. وإن نوى الاستباحة لشيء ممّا يتوقّف على الوضوء حصل المقصود أيضاً لزوماً لكن يكون الكون حينئذٍ تابعاً. وإن نوى الكون على طهارة، فقد قرّب الشهيد (رحمه الله) الإجزاء كما حكيناه عنه(2) ، وهو حسن؛ لأنّه إحدى الغايات المطلوبة للشارع، ولأنّه يستلزم الرفع؛ لأنّ الكون على طهارة لا يتحقّق إلّا معه.

(والتجديد) بالجرّ أيضاً عطفاً على ماسبق. ولا ينوي هنا الرفع ولا الاستباحة. ولا يرفع الحدث على المشهور لعدم نیّته.

وحُكي عن الشيخ في المبسوط الرفعُ(3) ، وقوّاه الشهيد في الدروس(4) ؛ لأنّ شرعيّة

ص: 40


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 28 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- في ص 39.
3- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 29 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 6 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

المجدَّد لتدارك الخلل وكماليّة الطهارة، مع أنّهما يشترطان في الوضوء الواجب الاستباحةَ أو الرفع(1). وسيأتي في ذلك بحثُ آخر إن شاء الله.

ولو اكتفينا في الوضوء بالقربة فلا إشكال حينئذٍ في رفع المجدَّد على تقدير الحاجة إلیه.

ثمّ إنّ تجديد الوضوء إن كان بعد أن صلّى بالأوّل ولونافلةً، فلاريب في استحبابه.

وألحق المصنّف في التذكرة الطوافَ وسجودَ الشكر والتلاوة بها(2) .

ورجّح الشهيد عدم اللحاق (3).

وهل يستحبّ قبل الصلاة أو ما يلحق بها ؟ جزم به المصنّف في التذكرة؛ للعموم(4) . وتوقّف الشهيد(5) .

ويقوى الإشكال في تعدّده لصلاة واحدة؛ لعدم النصّ على الخصوص. وتوقّف فيه المصنّف في المختلف(6).

ويمكن دخوله في عموم الإذن فيه من غير تقييد.

ورجّح العدم في الذكرى محتجّاً بأصالة عدم المشروعيّة، وأدائه إلى الكثرة المفرطة(7) .

ويضعّف الأوّل ما ذكرناه، والثاني لا يصلح للدلالة.

(والغسل يجب) بأصل الشرع (لما وجب له الوضوء) وهو الصلاة والطواف الواجبان والمسّ إن وجب؛ للآية (8) و الحدیث(9) والإجماع، فيشترك مع الوضوء في هذه الثلاثة.

ص: 41


1- المبسوط، ج 1، ص 39: الدروس الشرعية ، ج 1، ص 9 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 203 - 204، ذيل المسألة 56.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (6).
4- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 204 ، ذيل المسألة 56 .
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الشهید الأول،ج6).
6- مختلف الشيعة، ج 1، ص 141، المسألة 92.
7- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 112 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
8- الواقعة (56) :79
9- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 127، ح 344: الاستبصار، ج 1، ص 113 - 114، ح 378.

(و) يجب أيضاً زيادةً على الوضوء لأربعة أشياء:( الدخول المساجد) مع اللبث في غير المسجدين، وفيهما يكفي في الوجوب مجرّد الدخول (وقراءة) سور (العزائم) الأربع أو شيء منها حتّى البسملة إذا قصدها لأحدها.

والمراد بالعزائم نفس السجدات الواجبة، فإطلاقها على السور من باب حذف المضاف، أي سور العزائم، وتسميتها عزائم بمعنى إيجاب الله تعالى لها على العباد، كما هو أحد

معنيي العزيمة.

وفي تسميتها عزائم احتراز عن باقي السجدات المستحبّة، لا بالمعنى المشهور للأُصوليّين من أنّ العزيمة ما وجب فعله مع عدم قيام المانع، وهو المعنى المقابل للرخصة؛ إذ لا وجه لاختصاصها بذلك من بين نظائرها هنا من الواجبات وإن كان التعريف صادقاً عليها.

ومستند الحكم فيهما النصّ والإجماع.

وإنّما يجب الغسل لهما إذا كانا واجبين بنذرٍ وشبهه؛ إذ لا وجوب لأحدهما بأصل الشرع، كمانّبه عليه المصنّف بقوله (إن وجبا ) أي كلّ واحد من الدخول والقراءة بانفراده.

وإطلاق الغسل يشمل بظاهره تحريم هذه الأشياء على محدث يجب عليه الغسل بجنابة أو غيرها، فيدخل فيه حدث مسّ الأموات، وهو على إطلاقه في الغاية(1) التي شارك فيها الوضوء.

وأمّا دخول المساجد وقراءة العزائم فعمّم المصنّف الحكمَ فيها في التذكرة(2) .

واستثنى الشهيد (رحمه الله) ماسَّ الميّت من تحريم دخول المساجد(3). و ادّعی علیه ابنُ إدریس الإجماع(4). والمنقول منه بخبر الواحد حجّة مع اعتضاده بأصالة البراءة

ص: 42


1- في «الأصل و م»: «الغايات».
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 235 و 238، المسألتان 68 و 70.
3- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 37 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- السرائر، ج 1، ص 163.

وخُلوّ الأخبار من الدلالة عليه نفياً وإثباتاً.

وأمّا قراءة العزائم له فليس فيها تصريح لأحد من الأصحاب، والظاهر أنّ الحكم فيه كذلك ؛ لأصالة البراءة وعدم الدليل المحرّم.

وأمّا حدث الاستحاضة الموجب للغسل: فظاهر عبارة جماعة أنّه كالحيض في منع دخول المساجد وقراءة العزائم مع عدم فعل مايلزمها من الأغسال والوضوءات، أمّا لو فعلَت ذلك استباحت ما يستبيحه المتطهّر.

وفي الدروس جوّز لها دخول المسجد مع أمن التلويث من غير تقييد، محتجاً بخبر زرارة عن الباقر(علیه السلام)(1)(2)، وسيأتي الكلام فيه.

(و) يجب الغسل أيضاً (الصوم الجنب) إذا بقي من الليل مقدار فعله؛ للأخبار والإجماع. وخلاف ابن بابويه(3) لا يقدح فيه.

ويلحق به الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر، دون ماسّ الميّت؛ للأصل وعدم النصّ، كما اعترف به الشهيد في الذكرى (4).

قيل(5) عليه : إنّ مطلق صوم الجنب لا يكون مشروطاً بالغسل؛ لأنّ مَنْ نام بنيّة الغسل حتّى أصبح لا يفسد صومه، وكذا من لم يعلم بالجنابة حتّى طلع الفجر أو تعذّر عليه الغسل. وجوابه أنّ الحكم بوجوب الغسل أعمّ من كونه شرطاً. ويؤيّده ماذكر من الصور؛ إذ لو كان شرطاً لم يصحّ الصوم على وجه. نعم، هو واجب موسّع قبل النوم، وبعده لا تكليف. ولأنّ شرطيّة الطهارة قويّة لا يعذر فيها الناسي. ومقتضى كلامهم أنّه شرط على بعض الوجوه لا مطلقاً، فسقط الإيراد(6) .

ص: 43


1- علل الشرائع، ج 1، ص 334 ، الباب 210، ح 1.
2- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 18 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- المقنع، ص 189 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 144 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
6- في الطبعة الحجرية زيادة: «كما مرّ».

وقد يجاب بأنّ المفرد المحلّى باللام لا يعمّ عند المصنّف، فيصدق بجُنبِ مّا من غير أن يندرج فيه ماذُكر.

وأورد العلّامة قطب الدين الرازي على المصنّف أنّ قوله «ولصوم الجنب» يدلّ على أنّ غسل الجنابة واجب لغيره، وهو لا يقول به.

وأجاب المصنّف بأنّ المراد تضيّق الوجوب، ومعناه أنّ الصوم ليس موجباً للغسل، بل يتضيّق وجوبه بسببه، وإنّما الموجب له الجنابة، فذكره لبيان كيفيّة الوجوب لالبيان ،ماهيّته كذا قرّره الشهيد (رحمه الله) وأقرّه. وزُيّف بأنّ الغسل شرط للصوم قطعاً، ووجوب المشروط يقتضي وجوب الشرط.

ويمكن الجواب عن الإيراد - وإن قلنا بالشرطيّة - بعدم المنافاة بين وجوبه لنفسه ووجوبه لكونه شرطاً للصوم؛ لأنّ الواجب في نفسه لا يمتنع جعله شرطاً لواجب آخر، كستر العورة مع وجود الناظر؛ فإنّه واجب في نفسه وشرط للصلاة، وكصوم رمضان بالنسبة إلى الاعتكاف المنذور فيه، وحينئذٍ فيجب لوجوبه قضيّةً للاشتراط، ولهذا يتعلّق به حكم الوجوب اللاحق، كتضيّقه بتضيّق مشروطه.

(و) يجب الغسل أيضاً لصوم (المستحاضة مع غمس) دمها (القطنة) سواء سال أم لم يسل، فيشمل حالتيها الوسطى والعليا، وتخرج القليلة.

والمستند بعد الأخبار الإجماعُ.

ولا إشكال في الحكم إذا كان الغمس بعد انتصاف الليل وقبل الفجر بالنسبة إلى اليوم المستقبل، وكذا إذا كان بعد الفجر قبل الصلاة على الظاهر؛ لعموم توقّف الصوم على الأغسال.

ويحتمل ضعيفاً عدم وجوبه للصوم هنا وإن وجب للصلاة؛ لسبق انعقاده.

أمّا لو كان بعد صلاة الفجر لم يجب الغسل للصوم قطعاً؛ لعدم وجوبه بالنسبة إلى صلاة الفجر.

ثمّ إن استمرّ إلى صلاة الظهر وكان كثيراً توقّف عليه الصوم؛ لوجوبه لصلاة الظهر.

ص: 44

أما لو كثر وانقطع قبل الظهر، ففي إيجابه الغسل خلاف يأتي تحقيقه إن شاء الله.

ولو تجدّدت الكثرة بعد صلاة الظهرين لم يتوقّف صوم اليوم الحاضر على الغسل وإن استمرّت إلى وقت العشاءين، مع احتماله. والظاهر توقّف صوم اليوم المستقبل عليه، للعموم.

وكذا إذا تجدّدت الكثرة بعد صلاة العشاء، سواء انقطعت قبل الانتصاف أم استمرّت. والظاهر الاكتفاء حينئذ بغسل واحد قبل الفجر وإن وجب في السابق أكثر.

ولو كان متوسّطاً، فإن استمرّ إلى الفجر فتوقَّف الصوم عليه ظاهر. وإن انقطع قبله فالأجود وجوب الغسل له، وتوقّف الصوم عليه؛ للعموم.

(ويستحبّ) الغسل بأصل الشرع (الجمعة) على المشهور؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «مَنْ توضّأ يوم الجمعة فيها ونِعمَت، ومن اغتسل فالغسل أفضل»(1) ، وقول الكاظم(علیه السلام): «إنّه سُنّة وليس بفريضة»(2) .

والأخبار الدالّة على الوجوب محمولة على تأكّد الاستحباب جمعاً بين الأخبار.

ووقته للمختار من طلوع الفجر، ويمتدّ إلى الزوال؛ لقول الصادق(علیه السلام) : «كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها، وإذا كان يوم الجمعة جاؤوا المسجد(3) فيتأذّى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بالغسل يوم الجمعة، فجرت بذلك السُنّة»(4) .

وكلّما قرب من الزوال كان أفضل؛ لزيادة المعنى عند الحاجة إليه في الأصل.

ص: 45


1- سنن أبي داود، ج 1، ص 97 . ح 354 : الجامع الصحيح، ج 2، ص 369 ، ح 497؛ سنن النسائي، ج 3، ص 94؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 347، ح 1091: السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 441 - 442، ح 1410؛ مسند أحمد، ج 5، ص 644- 645 . ح 19661 و 19664.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 112، ح 295؛ الاستبصار، ج 1، ص 102، ح 333.
3- كلمة «المسجد» لم ترد في «الأصل و م» وعلل الشرائع وتهذيب الأحكام.
4- الفقیه، ج1، ص 112، ح 230؛ علل الشرائع، ج 1، ص 331، الباب 203، ج 3، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 366 . ح 1112 .

ولو فاته قبل الزوال لعذرٍ وغيره على الأصحّ استحبّ قضاؤه إلى آخر السبت ليلاً ونهاراً، مع احتمال عدمه ليلاً، لظاهر النصّ(1) .

ويستحبّ تعجيله يوم الخميس مع خوف فوت الأداء وإن علم التمكّن من القضاء.

واحتمل المصنّف هنا تحتّم القضاء، كصلاة الليل.

وأفضل وقتي التعجيل والقضاء الأقرب إلى وقت الأداء، وهو آخر الأوّل وأوّل الثاني.

(و) يستحبّ الغسل أيضاً (أوّل ليلة من شهر رمضان) وهو إجماع، ورواه عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي عبد الله(علیه السلام)(2) وهما واقفيّان، لكن أيّدت الرواية بعمل الأصحاب.

(وليلة نصفه) وهي ليلة الخامس عشر. ولم نعلم فيها نصّاً على الخصوص.

قال المحقّق في المعتبر : ولعلّه لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر حسن (3).

ويظهر من المصنّف في النهاية (4)، أنّ به روايةً.

(و) ليلة (سبع عشرة ، و) ليلة (تسع عشرة، و) ليلة (إحدى وعشرين، و) و لیلة(ثلاث وعشرين) من شهر رمضان، وهو إجماع.

ورواه محمّد بن مسلم عن أحدهما(علیها السلام) ، قال: «الغسل في سبعة عشر موطناً: ليلة سبع عشرة، وهي ليلة التقى الجمعان، وتسع عشرة فيها يكتب وفد السنة، وليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء، وفيها رُفع عيسى بن مريم(علیه السلام) ، وقُبض موسى (علیه السلام)وثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر»(5).

(وليلة الفطر) ذكره الشيخان (6).

ص: 46


1- أنظر الكافي، ج 3، ص 43، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 7 .
2- الكافي، ج 3، ص 40، باب أنواع الغسل، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104ح 270. .
3- المعتبر، ج 1، ص 355.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 177 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 114، ح 302.
6- المقنعة، ص 51: المبسوط، ج 1، ص 67.

ورواه الحسن بن راشد، قال: « إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل»(1) الحديث والحسن بن راشد ضعّفه النجاشي(2) .

ولم يذكر هذا الغسل جماعة، لكن أحاديث السنن يتسامح فيها.

(ويومي العيدين) وهو إجماعنا، ومذهب الجمهور.

وحكي عن أهل الظاهر وجوبه فيهما(3) .

ووقته مجموع النهار، عملاً بإطلاق اللفظ، لكنّ الأفضل فعله عند الصلاة؛ للتعليل المذكور في الجمعة ولو فات لم يقض؛ لعدم النصّ.

(وليلة نصف رجب) وهو مشهور ، لكن لم يعلم فيه خبر، وربما كان ذلك لشرف الوقت، كما تقدّم.

(و) ليلة نصف من (شعبان) رواه أبو بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) ، قال: «صوموا شعبان، واغتسلوا ليلة النصف منه »(4) وفي بعض رجالها ضعف.

وذكر الشيخ في المصباح روايةً عن سالم مولى [أبي] (5)حذيفة عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم» قال: «مَنْ تطهّر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر» وساق الحديث إلى قوله: «قضى الله له ثلاث حوائج، ثمّ إن سأل أن يراني في ليلته رآني»(6) .

وهذه الرواية أيضاً ضعيفة، والمعوّل على الاستحباب اتّباعاً.

( ويوم المبعث) وهو السابع والعشرون من رجب، ذكره الشيخ في الجمل والمصباح(7) ، ولم يثبت فيه خبر، والكلام فيه كنصف رجب.

ص: 47


1- الكافي، ج 4، ص 167، باب التكبير ليلة الفطر ويومه، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 115 ، ح 303.
2- رجال النجاشي، ص 38 ، الرقم 76 .
3- كما في المعتبر، ج 1، ص 356.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 117، ح 308 .
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- مصباح المتهجد، ص 838 - 839 .
7- الجمل والعقود، ضمن الرسائل العشر، ص 167: مصباح المتهجد، ص 12 .

(و) يوم (الغدير) وهو إجماع منّا.

ورواه عليّ بن الحسين العبدي، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «مَنْ صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة» - إلى قوله : «ماسأل الله حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قُضيت له كائناً ما كانت»(1).

(و) يوم (المباهلة) وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة على المشهور.

وقيل: الخامس والعشرون، واختاره المحقّق(2) .

وروى سماعة عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: «غسل المباهلة واجب»(3) والمراد تأكيد الاستحباب؛ للإجماع على عدم وجوبه.

(و) يوم (عرفة) عند الزوال.

(وغسل الإحرام) على الأصحّ.

وأوجبه ابن أبي عقيل (4). ونقله المرتضى عن كثير منّا (5).

والأولى حمل لفظ «الفرض» في الحديث(6) به على تأكيد الاستحباب، أو أنّ ثوابه ثواب الفرض، كما ذكره الشيخ (رحمه الله) في التهذيب(7) ؛ جمعاً بين الأخبار، مع أنّ في الرواية ضعفاً.

(و) غسل (الطواف، و) غسل (زيارة النبيّ والأئمّة«علیهم السلام» ) للرواية(8) في ذلك كلّه.

(و) غسل (قضاء) صلاة (الكسوف) العارض للشمس والقمر ( اللتارك عمداً مع

ص: 48


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 143 - 144 ، ح 317.
2- المعتبر، ج 1، ص 357.
3- الفقيه، ج 1، ص 79، ح 176؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104، ح 270 .
4- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 152 ، المسألة 102 .
5- المسائل الناصريات، ص 147، المسألة 44.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 105 ، ح 271؛ الاستبصار، ج 1، ص 98، ح 316.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 105 ، ذيل الحديث 271؛ وكذا في الاستبصار، ج 1، ص 98، ذيل الحديث 316.
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 114، ح 302.

استيعاب الاحتراق) للقرص كلّه؛ للخبر(1) .

واقتصر المفيد والمرتضى على تركها متعمّداً (2).

وأوجبه سلّار (3).

واستقرب المصنّف (رحمه الله) استحبابه لجاهل وجوب الصلاة أيضاً(4) .

(و) غسل (المولود) حين ولادته، لأنّه خرج من محلّ الخبث، وللخبر (5).

وأوجبه ابن حمزة(6) محتجّاً برواية ضعيفة(7) .

(و) غسل (السعي إلى رؤية المصلوب) مع الرؤية (بعد ثلاثة) من صلبه.

وقيل: من موته(8) . ولا شاهد له.

ولا فرق بين مصلوب الشرع وغيره، عملاً بالإطلاق.

وربما قيل باستحباب الغسل برؤية مصلوب غير الشرع من أوّل يوم؛ لمساواته الأوّل بعدها في تحريم وضعه على الخشبة.

وكذا لا فرق بين المصلوب على الهيئة المعتبرة شرعاً وغيره.

ولو قُتل بغير الصلب، لم يستحبّ الغسل للأصل.

وأوّل وقته الرؤية.

ونُقل عن أبي الصلاح القول بوجوبه(9) .

ص: 49


1- انظر تهذيب الأحكام، ج 1، ص 117 - 118 ، ح 309.
2- المقنعة، ص 51؛ وحكاه عنه وعن السيد المرتضى المحقق في المعتبر، ج 1، ص 358 .
3- انظر المراسم، ص 52.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 178 .
5- الكافي، ج 3، ص 40، باب أنواع الغسل، ح 2: الفقيه، ج 1، ص 78 - 79، ح 176؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104، ح 270 .
6- الوسيلة، ص 54 .
7- نفس المصادر في الهامش 5.
8- نقله العاملي في مفتاح الكرامة، ج 1، ص 18 عن بعض الناس في حاشية البيان.
9- الكافي في الفقه، ص 133- 135 .

(وللتوبة) من فسق أو كفر وإن كان ارتداداً .

ووقته بعد التوبة والإسلام؛ لتضيّقهما.

وتقييدهم بالفسق يقتضي عدم الاستحباب للتوبة من صغيرة لا توجبه.

ويمكن دخوله في العموم والتعليل بالتفاؤل بغسل الذنب والخروج من دنسه.

(و) غسل ( صلاة الحاجة(1) ، و) صلاة (الاستخارة) للخبر. وضعفه معتضد بعمل الأصحاب.

(و) غسل (دخول الحرم والمسجد الحرام ومكّة والكعبة والمدينة ومسجد النبيّ« صلی الله علیه و آله و سلم» ) للنصّ(2) في ذلك كلّه.

(ولا تتداخل) هذه الأغسال عند اجتماع أسبابها؛ لأنّ كلّ واحد منها سبب مستقلّ في استحباب الغسل، والأصل عدم تداخلها. وإن تداخلت في بعض الصور فعلى خلاف أصلها، لأمر عرضي من نصّ أو غيره. ولاعتبار نيّة السبب وخصوصاً مع انضمام واجب إليها، لتضادّ وجهَي الوجوب والندب، فإنّه إمّا أن ينوي الندب أو الوجوب أو هُما، ويلزم من الأوّل عدمُ ارتفاع الحدث؛ لعدم رفع هذه الأغسال المندوبة الحدثَ بل قد تجُامعه، كما يصحّ غسل الإحرام من الحائض. ومن الثاني نيِّةُ وجوب ماليس بواجب. ومن الثالث الجمعُ بين الضدّين، فإن اجتمعا فظاهر بطلانه. وإن حصل أحدهما فهو ترجيح بلامرجّح.

والحقّ: التداخل مطلقاً وخصوصاً مع انضمام الواجب؛ لما رواه زرارة عن أحدهما(علیهما السلام) : « إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزاك عنها غسل واحد» قال: «وكذلك

ص: 50


1- الكافي، ج 3، ص 476 - 477 ، باب صلاة الحوائج، ح 1 و 3: الفقيه، ج 1، ص 559 - 561 . ح 1550؛ تهذيب - 1 1، الأحكام، ج 1، ص 116 ، ح 305، وص 117، ح 306.
2- الكافي، ج 3، ص 40 باب أنواع الغسل، ح 1 و 2؛ الفقيه، ج 1، ص 77، ح 172، وص 78 - 79، ح 176: الخصال، ص 498 - 499 ، ح 5، وص 603. ح 9: عيون أخبار الرضا(علیه السلام)، ج 2، ص 123؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104، ح 270 ، وص 105، ح 272، وص 110 - 111، ح 290، وص 114، ح 302.

المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها»(1).

والأوّل شامل لاجتماع المسنونة خاصّة والواجبة خاصّة واجتماعهما معاً، والآخر صريح في الاجتزاء بغسل واحد مع انضمام الواجب لكن مع اجتماع الأسباب المندوبة.

والأولى اشتراط نيّة الجميع؛ لأنّ نيّة السبب في المندوب مطلوبة، إذ لا يراد به رفع الحدث، بخلاف الواجبة.

ولو نوى البعض، فالوجه اختصاصه بما نواه.

ومع انضمام الواجب يكفي أحد الأمرين: نيّة الواجب أو نيّة الجميع، صرّح :به جماعة(2) . و لا يخلو من إشكال؛ لتضادّ الوجه، واعتبار نيّة السبب.

ويمكن سقوط اعتبار السبب هنا ودخوله تحت الوجوب، كما في الأذكار المندوبة خلال الصلاة الواجبة، والصلاة على جنازتي مَنْ زاد عن الستّ ونقص عنها، مع أنّ بعض(3) مشايخنا المعاصرين مع حكمه بالتداخل مطلقاً أسقط اعتبار السبب، عملاً بظاهر الرواية. قال: ولأنّه حكم شرعي، فلا يتوقّف على اختيار المكلّف، فيكون معناه سقوط الاستحباب وزيادة ثواب هذا الغسل على غيره. وهو قريب .

(والتيمّم يجب) بأصل الشرع (للصلاة والطواف الواجبين) بل الصواب أنّه يجب لما تجب له الطهارتان (و) يزيد عليهما (لخروج الجنب من المسجدين) ليدخل فيه التيمّم لمسّ كتابة القرآن إن وجب، وللصوم إن قلنا بوجوب التيمّم مع تعذّر الغسل لئلّا يدخل في قوله «والمندوب ما عداه».

وشمل قوله «لخروج الجنب» مَنْ أجنب في المسجد باحتلام - كماورد به النصّ (4)- وبغيره، ومَنْ دخل مجنباً؛ لاشتراك الجميع في العلّة، وهو قطع شيء من المسجدين

ص: 51


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 107، ح 279؛ وفي الكافي، ج 3، ص 41 ، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع، ح 1 مضمراً.
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 67 والخلاف، ج 1، ص 221، المسألة 189.
3- هو السيد حسن بن السيد جعفر الأعرجي (رحمه الله) ، كما في هامش «م». وانظر الدرّ المنثور، ج 2، ص 159 .
4- الكافي، ج 3، ص 73 باب النوادر، ح 14 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 407 ، ح 1280 .

جنباً، فإنّه محرَّم بدون الطهارة مع الإمكان.

وإطلاق الحكم بالتيمّم مبنيّ على الغالب من عدم وجود ماء في المسجدين يصلح للغسل من غير تلويث المسجد بالنجاسة خصوصاً في مورد النصّ، وهو الاحتلام فيهما فإنّه يستلزم النجاسة، أو على الغالب من نقصان زمانه عن(1) زمان الغسل.

ولو فرض تساوي زمانيهما أو نقصان زمان الغسل وأمكن الغسل في المسجد وجب الغسل. وإطلاق الخبر بالتيمّم مقيّد بعدم ذلك، جمعاً بينه وبين مادلّ على اشتراط عدم الماء في جواز التيمّم مع احتمال التيمّم مطلقاً؛ لظاهر النصّ في تخصيص التيمّم بالذكر مع حرمة الكون في المسجد.

ويؤيّده ما رُوي: «أنّ الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك»(2). وهو دليل على عدم اعتبار الطهر في هذا التيمّم.

وفي المعتبر نفى الوجوب عن الحائض وإن استحبّ؛ لأنّه لا سبيل لها إلى الطهارة، بخلاف الجنب(3) . وردّه الشهيد (رحمه الله) بأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ، ثمّ عارضه باعترافه بالاستحباب (4).

ويشكل بأنّ المحقّق(5) ، طعن فيه في الرواية بالقطع(6) ، فلاحجّة فيها، فيرجع إلى الاجتهاد. ويصحّ استناد الاستحباب إلى الرواية؛للتسامح في دلائل السنن.

ويمكن كون التيمّم مبيحاً لهذا الجواز وإن كان الحدث باقياً.

والظاهر إلحاق النفساء بالحائض هنا؛ لأنّها حائض في المعنى، دون المستحاضة المخاطَبة بالغسل؛ لعدم النصّ.

ص: 52


1- في «الأصل» و م والطبعة الحجرية: «على» بدل «عن» والصحيح ما أثبتناه.
2- الكافي، ج 3، ص 73 ، باب النوادر ، ح 14.
3- المعتبر، ج 1، ص 222 - 223 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 156 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- المعتبر، ج 1، ص 222.
6- أي أنها مقطوعة.

وإنّما قيّدنا جواز الغسل في المسجد - مع إمكانه - بمساواة زمانه لزمان التيمّم أو قصوره عنه مع أنّ الدليل يقتضي تقديمه مطلقاً مع إمكانه؛ لعدم العلم بالقائل بتقديمه مطلقاً، وإلّا كان القول به متوجّهاً.

بقي هنا بحث، وهو أنّ هذا التيمّم للخروج من المسجدين هل يُبيح الصلاة ونحوها؟ قيل: لا(1) ؛ لوجوب الخروج عقيبه بغير فصل متحرّياً أقرب الطرق، فعلى هذا لا ينوي فيه البدليّة.

والتحقيق أن يقال: إن كان الغسل ممكناً في المسجد ولم نقل بتقديمه على التيمّم فلا إشكال في عدم إباحة هذا التيمّم؛ للإجماع على عدم إباحة الصلاة بالتيمّم مع إمكان الغسل. وإن لم يكن في المسجد، فلا يخلو إمّا أن يكون الغسل ممكناً خارجه(2) ، كما لو كان الماء موجوداً ولا مانع لهذا المتيمّم من الغسل من مرض ولاغيره، وهنا يتوجّه أيضاً عدم إباحته للصلاة(3) ؛ لأنّ وقوعها في المسجد ممتنع، لوجوب المبادرة إلى الخروج، وبعد الخروج يتمكّن من الغسل فيفسد التيمّم، وإنما شُرّع التيمّم هنا مع إمكان الغسل خارجاً، لتحريم المرور في المسجدين من دون الغسل أو التيمّم، فإذا تعذّر الغسل داخله قام التيمّم مقامه في إباحة قطع مسافته.

وإن كان الغسل غير مقدور خارج المسجد، فالوجه كون هذا التيمّم مبيحاً؛ لعدم المانع، فإنّ التيمّم مع تعذّر الطهارة المائيّة يبيح ماتبيحه، إلّا على قول ولد المصنّف (رحمه الله) من عدم إباحة دخول المساجد مطلقاً بالتيمّم (4).

وسيأتي بطلانه.

ص: 53


1- القائل هو المحقق الكركي في حاشية الشرائع، ص 21 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 10).
2- في الطبعة الحجرية: «خارجا».
3- في «الأصل و م»: «الصلاة».
4- قال فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 66: لا يبيح - أي التيمم - للجنب الدخول في المسجدين ولا الاستقرار في باقي المساجد، إلى آخره.

ويمنع حينئذٍ وجوب المبادرة إلى الخروج وتحرّي أقرب الطرق؛ لأنّ ذلك مشروط بإمكان الغسل خارج المسجد، جمعاً بين قولهم هنا كذلك وقولهم في باب التيمّم: إنّه ما یبیح تبيحه المائيّة، ومن جملة ما تبيحه المائيّة اللبث في المسجدين وغيرهما، فيصحّ اللبث والصلاة

ولا يلحق باقي المساجد بالمسجدين في شرعيّة التيمّم؛ لعدم النصّ.

وقرّب في الذكرى استحبابه لها للقرب إلى الطهارة، وعدم زيادة الكون فيها على الكون له فى المسجدين(1) .

والفرق واضح بعد ورود النصّ، ولأنّ قطع المسجدين مشروط بالغسل مع إمكانه، بخلاف غيرهما من المساجد. واستحباب قطعها بالغسل مع عدم اللبث لا يقتضي جوازه هنا، مع استلزامه اللبث المحرَّم، لأنّ ذلك يحصل مع الغسل خارجها، فلا يعارض ما دلّ على تحريم اللبث فيها للجنب. ولو سلّم فتركه أولى؛ لأنّ ترك ما هو عرضة للتحريم أولى من الطمع في تحصيل المندوب.

(و) التيمّم (المندوب) بأصل الشرع (ما عداه) فيستحبّ بدلاً من الوضوء المستحبّ في كلّ موضع يكون الوضوء رافعاً، لتحقّق البدلية.

وهل يستحبّ بدلاً من غير الرافع، كنوم الجنب وذِكْرِ الحائض؟ يحتمله؛ لحلوله محلّ الرافع فغيره أولى. والعدم؛ لعدم النصّ.

ويستحبّ أيضاً بدلاً من غسل الإحرام مع تعذّره.

وهل يستحبّ بدلاً من غيره ؟ وجهان أرجحهما العدم؛ لعدم النصّ.

وعلى القول برفع الغسل المندوب الحدث - كما ذهب إليه المرتضى(2) - لا إشكال في الاستحباب، ويكون مبيحاً للصلاة.

ص: 54


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 157 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 196؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 178، المسألة 124؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 152؛ والدروس الشرعية ، ج 1، ص 6 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).

ويستحبّ أيضاً للنوم مع وجود الماء. ولصلاة الجنازة على المشهور. وادّعى عليه الشيخ الإجماعَ(1). وحجّية المنقول منه بخبر الواحد - كما قرّر في الأصول - يدفع منع المحقّق له في المعتبر بعدم معرفته(2) .

والظاهر في نيّتهما ،البدليّة، كغيرهما ؛ لعدم المانع.

ورجّح بعضُ المحقّقين(3) عدمَها فيهما.

فهذه ستة أقسام من الاثني عشر واجبة ومندوبة بأصل الشرع.

ثمّ أشار إلى الثلاثة الواجبة بسبب من المكلّف بقوله (وقد تجب الثلاثة بالنذر و شبهه) كالعهد واليمين.

ويشترط في انعقاد نذر كلّ منها أن يكون راجحاً لولا النذر، سواء كان واجباً أم مندوباً على الأصحّ في الأوّل، فالوضوء ينعقد نذره دائماً؛ لرجحان فعله دائماً.

وهل ينصرف النذر إلى الرافع للحدث أو المبيح للصلاة أم الأعمّ؟ وجهان، والثاني لا يخلو من قوّة.

ثمّ إن أطلق كان وقته العمر، ويتضيّق عند ظنّ الوفاة، كنظائره من أفراد النذر المطلق. وإن قيّده بوقتٍ واتّفق فيه محدثاً فالأمر واضح، وإلّا بني على الوجهين فإن لم نعتبر أحد الأمرين وجب التجديد. وإن اعتبرناه لم يجب الوضوء؛ لامتناع تحصيل الحاصل، ولا الحدث؛ لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط.

ويجيء على القول برفع المجدَّد احتمال وجوبه؛ لإمكان أن يظهر بعد ذلك الخلل في الأوّل، بل يحتمل وجوبه وإن لم يظهر.

ويضعّفان معاً بأنّه الآن غير رافع لاستحالة تحصيل الحاصل، فلا يخاطب به. ولو اتّفقت المرأة حائضاً في الوقت المعيّن وحضر وقت صلاة بُني على الوجهين أيضاً.

ص: 55


1- الخلاف، ج 1، ص 160 - 161. المسألة 112.
2- المعتبر، ج 1، ص 405 .
3- لم نتحقّقه.

وأمّا الغسل فإن قيّده في نذره بأحد أسبابه الراجحة انعقد. وإن أطلق أوقعه على أحد تلك الأسباب. وفي إجزاء الواجب حينئذ منه ومن الوضوء وجه.

ثمّ إن عيّن زماناً ولم يوجد السبب فيه بطل النذر.

وأمّا التيمّم فلمّا كانت مشروعيّته مشروطةً بعدم الماء أو عدم التمكّن من استعماله اشترط ذلك في انعقاد نذره، فيتوقّع مع الإطلاق، ويبطل مع التعيين حيث لا يتعذّر استعمال المائيّة ولا يجب عليه تحصيل سببه بالحدث، كما مرّ.

ويشترط في صحّة نذره إطلاقه أو تعليقه بأحد أسبابه الراجحة، ففي الواجبِ الحكمُ ظاهر، وفي بدل المندوب من الوضوء يشترط كونه رافعاً، كما تقدّم، ومن الغسل يختصّ بغسل الإحرام.

هذا كلّه إذا نذر كلّ واحد من الثلاثة على حدته أو نذرها بلفظ يشملها، كأن نذر الطهارة ملاحظاً إطلاقها على الأنواع الثلاثة، أمّا لونذر الطهارة مطلقاً ففي تخييره بين الثلاثة أو حمله على المائيّة خاصّة أو على الترابيّة أوجُهُ مبنيّة على ماسلف من الكلام على أنّ مقوليّة الطهارة على الثلاثة هل هو بطريق الاشتراك أو التواطؤ أو التشكيك أو الحقيقة والمجاز؟

فعلى الأوّلين يبرّ بكلّ واحد من الثلاثة، لكن يشترط في التيمّم تعذّر الآخَرَين. وعلى الثالث يحتمل قويّاً ذلك أيضاً. ويحتمل انصرافه إلى الفرد الأقوى وهو المائيّة مخيّراً بين فرديها؛ لأنّه المتيقّن، وإلى الأضعف وهو التيمّم؛ لأصالة البراءة. و-و أضعفها. وعلى الرابع ينصرف إلى المائيّة خاصّة قطعاً، وقد سبق تحقيقه.

ص: 56

(النظر الثاني في أسباب الوضوء)

بضمّ الواو اسم للفعل مأخوذ من الوضاءة بالمدّ. وهي النظافة والنظارة، وهو اسم مصدر؛ لأنّ قياس المصدر التوضّؤ كالتعلّم والتكلّم، وتقول «توضّأت» بالهمزة. ويجوز - على قلّة - «توضَّيت» بالياء. وكذا «قرأت» ونحوهما. والوضوء - بفتح الواو - اسم للماء الذي يتوضّأ به.

وقيل: هُما جميعاً بالفتح(1) . وقيل بالضّم(2) .

وإطلاق الأسباب على الأحداث المعهودة باعتبار استلزامها الطهارة إمّا وجوباً أو ندباً، فإنّ السبب عند الأصوليّين هو كلّ وصفٍ ظاهرٍ منضبطٍ دلّ الدليل على كونه معرّفاً لإثبات حكم شرعي لذاته، وهو هنا عبارة عن الوصف الدالّ على المخاطبة بالطهارة وجوباً أو ندباً.

ولا يرد حدث الصبيّ والمجنون والحائض، فإنّ حدثهم بحسب ذاته دالّ عليها مستلزم لها، وإنّما تخلّف الحكم العارض، وهو فَقدُ الشرط في الأوّلين ووجود المانع في الأخير، وتخلّف الحكم لفقد الشرط أو وجود المانع لا يقدح في السببيّة، كما قرّر في محلّه. وعدم تكليفهما لا يدلّ على عدم ترتّب حكم السببيّة ولو بالقوّة، ولهذا تجب عليهما الطهارة عند الكمال بالسبب الحاصل قبله، كما صرّح به الشهيد (رحمه الله)(3) وغيره.

ويعلم من ذلك أنّ التعبير عن الأحداث بالأسباب أولى من الأحداث بالأسباب أولى من التعبير بالنواقض

ص: 57


1- انظر الصحاح، ج 1، ص 81، «وضاً».
2- انظر الصحاح، ج 1، ص 81، «وضاً».
3- حاشية القواعد، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

والموجبات، كما فَعَله غيره؛ لأنّ تسميتها نواقض باعتبار تعقّبها لطهارةٍ سابقة، وظاهرٌ أنّ الحدث أعمّ من ذلك. وتسميتها موجباتٍ باعتبار وجودها عند تكليف المكلّف بما يشترط فيه الطهارة، أو عند وجود السبب فيما وجب منها لنفسه، كغسل الجنابة عند المنّصف(1)، وغسل الأموات، وظاهر أيضاً أنّ الأحداث أعمّ من ذلك، فالأسباب أعمّ منهما مطلقاً.

أمّا من النواقض، فلاجتماعهما في حدث تعقّب طهارةً وتخلّف الأسباب فيما عدا ذلك، ولا يتصوّر ناقض غير سبب بعد ماتلوناه .

وأمّا من الموجبات: فلأنّه يصدق على الأحداث السببيّة عند وجودها حال براءة ذمّة المكلّف من مشروطٍ بالطهارة، ولا تصدق الموجبيّة حينئذٍ.

وأمّا النواقض؛ فبينها وبين الموجبات عموم من وجه؛ لصدق الناقض بدون الموجب في حدث تعقّب طهارةً صحيحة مع خلوّ ذمّة المكلّف من مشروط بها، ويصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الحاصل عقيب التكليف بصلاة واجبة من غير سبق طهارة.

ولا يرد أنّ الوجوب حاصل من قبلُ حيث لم يكن متطهّراً، فيلزم تحصيل الحاصل أو اجتماع علّتين أو عِلل على معلول شخصي.

لأنّا نقول: إنّ كلّ واحد من الحدث السابق والمفروض لوانفرد كان موجباً، وليس للاجتماع مدخلُ فى نفى هذا الحكم، والأحداث كلّها معرّفات شرعيّة للأحكام لا علل عقليّة.

ويصدقان معاً في الحدث المتعقّب لطهارة شرعيّة مع اشتغال ذمّة المكلّف بمشروط بها.

(و) نبحث في هذا النظر أيضاً عن (كيفيّته) أي الوضوء. وإطلاق الكيفيّة على الذات من حيث إنّه يُسأل عنها بكيف هي؟

ص: 58


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 159، المسألة 107

(إنّما يجب الوضوء) خاصّةً (من) خروج (البول والغائط والريح من) الموضع (المعتاد) لخروج هذه الثلاثة منه، وهو المخرج الطبيعي. وإطلاق المعتاد عليه باعتبار التعريف، لالملاحظة اشتراط اعتياد الخروج منه، فيجب الوضوء بالخارج منه بأوّل مرّة بمعنى كون الخروج سبباً فيه وإن تخلّف تأثيره لفقد شرط، كالصغر.

ولو خرجت الثلاثة من غير الموضع الطبيعي أو جبت إن اعتيد، وإلّا فلا ويمكن دخوله في العبارة أيضاً - سواء كان فوق المعدة أم تحتها.

هذا مع عدم انسداد الطبيعي، ومعه لا يعتبر في غيره الاعتياد، ويصير معتاداً بالخروج منه مرّتين متواليتين عادةً.

ويعلم من الحصر المستفاد ب_«إنّما» عدم الوجوب بالخارج غير الثلاثة من حبّ ودود وغيرهما مع عدم مصاحبته لشيء من الثلاثة، ومعها ينقض لا باعتباره، بل باعتبار ماخرج معه منها. ويستفاد أيضاً عدم الوجوب من الريح الخارج من القُبُل، سواء الرجل والمرأة على الأصحّ. والمتعارف من الخروج ما كان معه انفصال، فلو خرجت المقعدةُ ملطّخةً بالغائط ثمّ عادت ولمّا ينفصل لم يجب الوضوء على الأصحّ.

(و) من (النوم الغالب) غلبة مستهلكة معطّلة للحاسّتين لا مطلق الغلبة (على الحاسّتين) وهُما: السمع والبصر.

وإنّما خصّهما بالذكر من بين الحواسّ مع اشتراط زوال الجميع قطعاً لأنّهما أقوى الحواسّ، فغلبته عليهما تقتضي غلبته على باقي الحواسّ من غير عكس.

والمعتبر في غلبته عليهما التحقيق على تقدير سلامتهما من الآفة، أو التقدير مع عدمها.

(و) يجب الوضوء ممّا يغلب على العقل من (الجنون والإغماء والسكر).

واستدّل على ذلك بقول الباقر والصادق(علیه السلام) حين عدّدا موجبات الوضوء: «والنوم

ص: 59

حتّى يذهب العقل»(1) فيعلم منه حكم مزيل العقل.

وبقول الصادق(علیه السلام)(2) : «إذا خفي عليه الصوت وجب الوضوء»(3).

وفي الاستدلال بهما بحث.

(و) من (الاستحاضة القليلة) خلافاً لابن أبي عقيل، فإنّه لم يوجبه بها(4) .

وإنّما خصّ القليلة بالذكر؛ لأنّ المتوسّطة والكثيرة توجبان الغسل في الجملة وإن أوجبتا الوضوء خاصّةً على بعض الوجوه.

ولا (5)يرد ماقيل:

إنّه إن أراد ما يوجب الوضوء خاصّةً فكان عليه أن يذكر مع الاستحاضة القليلة قسمَي المتوسّطة، أعني ماعدا الصبح. وإن أراد موجب الوضوء في الجملة فكان عليه أن يذكر الموجبات الأحد عشر(6) .

لأنّا قد بيّنا أنّ المتوسّطة من حيث هي موجبة للغسل وإن كانت بالنظر إلى بعض أحوالها موجبةً للوضوء خاصّةً.

وأيضاً فما ذُكر لو تمّ لورد فى الكثيرة أيضاً؛ لإيجابها الوضوء خاصّةً على بعض الوجوه، وهو لصلاة العصر وصلاة العشاء، فلا وجه للنقض بالمتوسّطة خاصة، والجواب عنهما واحد.

ثم أكّد الحصر ب_«إنّما» في إيجاب الوضوء خاصّةً بهذه الأشياء بقوله (لاغير) أي لا غير هذه الأشياء الثمانية موجب للوضوء خاصّةً.

ص: 60


1- الكافي، ج 3، ص 36 ، باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ح 6: الفقيه، ج 1، ص 61، ح 137؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 8، ح 12 .
2- كذا في «الأصل و م والطبعة الحجرية وذكرى الشيعة، ج 1، ص 159 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ وفي الكافي وتهذيب الأحكام عن أبي الحسن(علیه السلام) .
3- الكافي، ج 3، ص 37، باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ح 14: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 9 ، ح 14.
4- حكاه عنه المحقّق في المعتبر، ج 1، ص 242 .
5- في «الأصل و م»: «فلا» بدل «ولا».
6- حاشية القواعد، ص 47 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

ويحتمل ضعيفاً أن يتعلّق بالاستحاضة القليلة، أي لاغيرها من حالتيها المتوسّطة والكثيرة.

وهذا المعنى يحصل على التقدير الأوّل مع إفادة ماهو أعمّ منه، فكان الأوّل أولى.

[أحكام التخلّي ]

ولمّا كان من ضرورات بعض هذه الأسباب موضع خاصّ وتلحقه أحكام خاصّة انجرّ البحث منه إليه هنا، فقال ( ويجب على المتخلّي) للبول أو الغائط (ستر العورة) عن ناظر بشري محترم؛ لقول النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) : «احفظ عورتك إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»(1) .

وخرج بالمحترم الطفلُ غير المميّز ومَنْ ذُكر في الرواية وماساواه، كالزوج.

والمراد بملك اليمين الأنثى غير المزوّجة، والمعتدّة، وأمة المرأة بالنظر إليها.

(وعدم استقبال القبلة) على حدّ ما يعتبر في الصلاة؛ لاّتحاد المعنى والدليل.

ومعنى وجوب عدم الاستقبال إيجاد ضدّه، فإنّ الأعدام غير مقدورة والتكليف مقدور، كما حقّق في الأصولَين.

(و) عدم (استدبارها) بالمعنى المذكور في الاستقبال؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرّقوا أو غرّبوا »(2)، والنهي للتحريم، والأمر للوجوب.

وهذا الحكم والخبر مطلقان يتناولان الفعل ( في الصحارى) بفتح الراء على الأفصح، جمع صحراء، كعذراء وعذارى. وربما كُسرت في لغة قليلة. وهي البرّيّة، والمراد بها هنا ما خرج عن البنيان (و) في (البنيان) فيحرم فيهما؛ لعدم دليل يقيّد المطلق.

ص: 61


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 618، ح 1920؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 40 - 41، ح 4017: الجامع الصحيح، ج 5، ص 110 . ح 2794؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 306 - 307 ، ح 960؛ المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 180؛ مسند أحمد، ج 5، ص 624 ، ح 19530، وص 625 ، ح 19536.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 25 ، ح 64: الاستبصار، ج 1، ص 47 ، ح 130.

وخالف ابنُ الجنيد فيهما معاً، وإنّما استحبّ ترك الاستقبال في الصحراء خاصّة(1)،وسلّارُ في البنيان، وإنّما جعل تجنّبه أفضل(2).

واختلف النقل عن المفيد في ذلك، فنقل عنه المصنّف في المختلف كراهة الاستقبال والاستدبار معاً في الصحارى والمواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة، وعدمها في دارٍ قد بُني فيها المقعد على استقبال القبلة أو استدبارها(3).

قال المصنّف بعد حكاية ذلك عنه: وهذا الكلام يُعطي الكراهة في الصحارى والإباحة في البنيان (4).

قلت: وفي إعطائه ذلك نظر واضح.

ونقل الشهيد (رحمه الله) في الذكرى عن المفيد الكراهة في الصحارى، دون البنيان(5) ، وأطلق.

ويفهم من الدروس(6) أنّ المفيد إنّما خالف في التحريم في الأبنية خاصّةً. والظاهر أنّه سهو إلّا بتقدير حمله على أنّه عمل بالمفهوم، فمخالفته في الأبنية لاتدلّ على عدم مخالفته في الصحارى؛ فإنّ العمل بالمفهوم ضعيف، لكن لا يخفى أنّه خلاف الظاهر.

ونقل المحقّق في المعتبر عن سلّار والمفيد الكراهةَ في البنيان(7) ، وأطلق. وهو يقتضي الكراهة في الصحارى بطريق أولى(8) بل التحريم؛ للاتّفاق على أنّ حكم الصحارى أغلظ من البنيان، فحينئذٍ يوافق ما نقله عنه في الدروس.

ص: 62


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 122؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 99، المسألة 56.
2- المراسم، ص 32 .
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 99. المسألة 56: وانظر المقنعة، ص 41.
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 99 المسألة 56 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 120 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) .
6- الدروس الشرعية، ج 1، ص 8 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
7- المعتبر، ج 1، ص 123 .
8- في «الأصل و م»: «الأولى».

ويؤيد التحريم أنّ سلّار مصرّح بعدم الترخّص في الصحارى؛ فإنّه قال بعد النهي عن الاستقبال والاستدبار: هذا إذا كان في الصحارى والفلوات، وقد رخص ذلك في الدُور، وتجنّبه أفضل (1).

تنبيه: قال المصنُف (رحمه الله) في المختلف بعد أن حكى كلام ابن الجنيد بمعنى ما حكيناه عنه: وهو موافق لكلام المفيد(2) . وأنت خبير باختلافهما من وجهين:

أحدهما: أنّ المفيد شرّك في الكراهة بين الصحارى وبين المواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة، والمراد بها البنيان؛ لأنّها قسيمة للصحارى، فلاتكون قسماً منها. وابن الجنيد خصّ الاستحباب بالصحراء.

والثاني: أنّ المفيد (رحمه الله) عمّم الحكم بالكراهة فيما ذكر في الاستقبال والاستدبار، وابن الجنيد (رحمه الله) إنّما ذكر الاستقبال خاصّةً، كما حكاه المصنّف عنه. وهو لفظه في كتاب الأحمدي(3) مختصر التهذيب.

وإنّما أطنبنا القول في تحرير هذا الخلاف؛ لكثرة ماقد رأيت فيه من الاختلاف، وما ذكره المصنّف في المختلف كلّه منقول بعباراتهم. ولا يرد احتمال اختلاف مواضع النقل مع بُعد إطلاق النقل عن أحد بقول له في المسألة خلافه من غير بيان.

(و) يجب (غَسل موضع البول بالماء خاصّة) عند علمائنا أجمع؛ للأصل من بقاء حكم النجاسة الشرعيّة إلى أن يرد المزيل شرعاً.

ولقول الباقر (علیه السلام): «وأمّا البول فلابدّ من غسله»(4).

وإطلاق الوجوب هنا باعتبار توقّف الصلاة ونحوها على إزالة النجاسة، فيكون واجباً موسعاً يتضيّق بتضيّق عبادة متوقّفة على ذلك. وإطلاق الوجوب قبل الوقت مجاز.

ص: 63


1- المراسم، ص 32 .
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 99، المسألة 56 .
3- هذا الكتاب مفقود .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 49 - 50 . ح 144؛ الاستبصار، ج 1، ص 55. ح 160.

(وكذا) يجب الماء في غسل (مخرج الغائط) وهو لغةً: ما انخفض من الأرض. وسُمّي الحدث المعلوم غائطاً باسم ماكان يفعل فيه؛ لأنّ الرجل كان إذا أراد الحاجة قصد الغائط، ولذلك قال تعالى: (أَوْجَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَابِطِ ) (1)(مع التعدّي) للمخرج، وهو حواشي الدُبُر وإن لم يبلغ التعدّي إلى الأليين.

وهذا الحكم إجماعي من الكلّ.

ولقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة»(2) .

وغاية الغسل فيهما ( حتّى تزول العين والأثر) وهو الرسم الدالّ عليها.

قيل: وهو اللون؛ لأنّه عَرَضُ لا يقوم بنفسه، فلابدّ له من محلّ جوهري يقوم به؛ إذ الانتقال على الأعراض محال، فوجود اللون دليل على وجود العين فتجب إزالته، ولا يلزم مثل ذلك في الرائحة؛ لأنّها قد تحصل بتكيّف الهواء، فوجودها لا يستلزم وجود العين(3) .

وفيه نظر؛ لأنّ اللون معفوّ عنه في سائر النجاسات ففي الاستنجاء أولى. ولأنّه لا يلزم من عرضيّته واستحالة الانتقال عليها نجاسته؛ إذ لا تلازم(4) بين عدم قيامه بنفسه و قيامه بالنجاسة؛ لأنّ هنا قسماً ثالثاً، وهو قيامه بمحلّ طاهر وهو الجسم. ولانتقاضه بالرائحة فإنّها من جملة الأعراض ولا تقوم بنفسها، والهواء إنّما يتكيّف بوصف النجاسة، والكلام فيهما واحد.

(ويتخيّر مع عدمه) أي التعدّي (بين ثلاثة أحجار طاهرة وشبهها )من كلّ جسمٍ طاهر جافٌ صلب غير صقيل ولا لزج ولا محترم. فخرج النجس ذاتاً وعرضاً؛ لأنّ النجاسة لا تُزال بالنجس، وحينئذ يتحتّم الماء؛ لأنّ الحجر رخصة وتخفيف فيما تعمّ به

ص: 64


1- النساء :(4): 3: المائدة (5): 6 .
2- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
3- القائل هو السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 72.
4- في «الأصل و م»: «لا ملازمة».

البلوى، فيقف على موردها، وهي نجاسة الغائط المختصّ بالمحلّ، فلا يلحق به غيره.

واحتمل المصنّف بقاء الرخصة لأنّ النجس لا يتأثّر بالنجاسة، والتفصيلَ، فإن كانت نجاسته بغير الغائط تعيّن الماء، وإلّا اكتفى بثلاثة غيره(1) .

ويدخل في إطلاق العبارة الحجرُ الثاني والثالث على تقدير النقاء بدونهما، فيجوز استعمالهما مرّة أخرى لحصول الشرط. وقطع به المصنّف في غير(2) هذا الكتاب.

وخرج بالجافّ الرطبُ؛ لأنّ البلل الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة له ونفوذ شيء منه إلى محلّ النجو، فيحصل عليه نجاسة أجنبيّة، فيكون قد استعمل الحجر النجس، کذا قرّره المصنّف في النهاية (3)واختاره.

وردّه الشهيد (رحمه الله) بأنّ النجاسة العارضة للبلل من نجاسة المحلّ فلايؤثر. وبأنه كالماء لا ينجس حتّى ينفصل(4). وسيأتي جوابه.

وبالصلبِ الرخوُ، كالتراب والفحم الرخو ؛ لالتصاقه بالنجاسة، فلا يسقط الفرض به لكن يجزئ بعده الحجر مالم ينقل النجاسة وينشرها .

ولو اتّفق نقاء العين به هل يجزئ أم لا؟ قطع المصنّف في النهاية بعدمه(5) . ويحتمله؛ الحصول الفرض وإن ندر.

وكذا القول في الصقيل الذي يزلق عن النجاسة واللزج.

والمحترم أقسام ماكُتب عليه شيء من كلام الله تعالى، أو العلم، كالحديث والفقه، والتربة المقدّسة الحسينيّة، وفي هذه يحكم بكفر الفاعل بها مع علمه، فلاتتصوّر حينئذٍ الطهارة بها، وأمّا مع جهله فالظاهر أنّها مطهّرة، وقد صرّح به جماعة(6) ؛ لعدم المنافاة بين

ص: 65


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 88 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 89 .
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 88 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 130 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 88 .
6- حكاه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 1، ص 48 عن شرح الألفية؛ وانظر رسائل المحقق الكركي، ج 3، ص 217.

التطهير وبينه، ودليل المانع لا يتناول الجاهل بأصل هذه الأشياء.

ومن المحترم: المطعوم؛ لأنّ له حرمةً تمنع من الاستهانة به. ولأنّ طعام الجنّ منهيّ عنه، فطعام أهل الصلاح أولى، ومنه العظم والروث بإجماع علمائنا وأكثر مَنْ خالفنا؛ لقوله ( صلی الله علیه و آله و سلم): «لا تستنجوا بالعظم ولا بالروث فإنّه زاد إخوانكم من الجنّ»(1).

وعن أبي عبد الله(علیه السلام) : «أنهما طعام الجنّ، وذلك ممّا اشترطوا على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) »(2) . ولو استعمل هذه الأشياء فَعَل حراماً وطهر المحلّ على الأصحّ؛ لما تقدّم. ومَنَعه المحقّق في المعتبر(3) والشيخ في المبسوط (4) وابن إدريس(5) .

وإنّما يكتفى بالثلاثة الأحجار وشبهها مع اتّصافها بكونها (مزيلةً للعين).

ولا يشترط هنا زوال الأثر، كالرائحة، بخلاف الرطوبة، قاله في الذكرى(6). وهو يشعر بأنّ الرائحة من الأثر.

ويشكل بأنّ الرائحة لا يعتبر إزالتها بالماء مع اشتراط إزالة الأثر به، إلّا أن يريد بذلك أنّه لا تجب إزالة الأثر بالأحجار ، كما أنّه لا تجب إزالة الرائحة بها. وهو بعيد؛ لما عرفت من عدم اشتراط زوالها بما هو أقوى من الأحجار.

وقوله ( وبين الماء) تتمّة الفردين المخيّر بينهما مع عدم التعدّي، لكن هذا الفرد أفضل من الآخر؛ لأنّه أقوى المطهّرين؛ لإزالته العينَ والأثر.

ولمّا نزل قوله تعالى: (فِيهِ رِجَالُ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا )(7) الآية، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم):

ص: 66


1- الجامع الصحيح، ج 1، ص 29، ح 18؛ المعجم الكبير، الطبراني، ج 10، ص 77 ، ح 10010؛ مسند أحمد، ج 2، ص 7 ، ح 4138 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 354 ، ح 1053 .
3- المعتبر، ج 1، ص 133.
4- المبسوط ، ج 1، ص 35 - 36.
5- السرائر، ج 1، ص 96 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 127 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
7- التوبة .(9) 108 .

«يا معشر الأنصار قد أحسن الله عليكم الثناء، فماذا تصنعون» قالوا: نستنجي بالماء (1)، وروي أنّهم قالوا: نتبع الغائط بالأحجار ثمّ نتبع الغائط بالأحجار ثمّ نتبع الأحجار بالماء(2). فيكون حينئذٍ دليلاً

على استحباب الجمع، كما يأتي.

(ولو لم ينق) المحلّ من عين النجاسة (بالثلاثة، وجب الزائد) عليها، ولا حدّ له، بل ما يحصل به النقاء، لكن يستحبّ أن لا يقطع إلّا على وتر؛ للخبر (3).

ولافرق في وجوب الزائد بين تحقّق عدم البقاء وعدم تحقّق النقاء، فيجب مع الشكّ فيه حتّى يتيقّن.

(ولو نقي) المحلّ منها (بالأقل) من الثلاثة (وجب الإكمال) لها؛ لقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): «إذا جلست لحاجة فامسح ثلاث مسحات»(4).

وقول سلمان (رضي الله عنه): نها نا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار(5).

وقول أبي جعفر(علیه السلام): جرت السُنّة فى أثر الغائط بثلاثة أحجار»(6).

واختار المصنّف في المختلف الاكتفاء بالواحد لونقي المحلّ به(7)، تبعاً للمفيد (8)وظاهر الشيخ(9) " (رحمهما الله).

ص: 67


1- التبيان، ج 5، ص 300 مجمع البیان، ج 5 - 6، ص 73 .
2- الكشاف، ج 2، ص 311 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 45 . ح 126؛ الاستبصار، ج 1، ص 52، ح 148؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 121 ح 337؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 9، ح 35؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 167 - 168، ح 504 - 507.
4- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 170 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) بتفاوت يسير؛ وانظر مسند أحمد، ج 4، ص 291، ح 14198.
5- صحيح مسلم، ج 1، ص 223، ح 262/57؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 115، ح 316؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 3، ح 7؛ الجامع الصحيح، ج 1، ص 24، ح 16؛ سنن النسائي، ج 1، ص 38 - 39: السنن الكبرى البيهقي ج 1، ص 181. ح 545.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 46، ح 129.
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 102، المسألة 60.
8- حكاه عنه ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 96.
9- انظر النهاية، ص 10 والخلاف، ج 1، ص 104، المسألة 50.

(ويكفي ذو الجهات الثلاث) على المشهور؛ لأنّ المراد ثلاث مسحات بحجر، کمالو قيل: اضربه عشرة أسواط، فإنّ المراد عشر ضربات ولوبسوط. ولأنّ المقصود إزالة النجاسة وقد حصل. ولأنّها لو انفصلت لأجزأت فكذا مع الاتّصال، وأيّ عاقل يفرق بين الحجر متّصلاً بغيره ومنفصلاً. ولأنّ ثلاثة لو استجمروا بهذا الحجر لأجزأ كلّ واحد عن حجرٍ.

وفي الكلّ نظر.

أمّا الأوّل: فلأنّه ليس بين المشبّه والمشبّه به تطابق فإنّ قوله( علیه السلام) : «جرت السُنّة بثلاثة أحجار»(1) ، ونظائرها لا يطابق « اضربه ثلاثة أسواط» بل «اضربه بثلاثة أسواط» وفرق بين الصيغتين؛ إذ لو كان كذلك لمنع أنّ المراد به ثلاث ضربات بسوط.

وقوله: إنّ المقصود إزالة النجاسة، إن أراد إزالتها على الوجه المعتبر شرعاً فمسلّم، لكنّه محلّ النزاع؛ لعدم تحقّق نقله شرعاً، أو مطلقاً، فهو ممنوع؛ لأنّها حكم شرعي فيتوقّف زوالها على الإذن الشرعي.

وقياس الاتّصال على الانفصال استبعاد غير مسموع، مع أنّه لا ملازمة بينهما؛ فإنّ حكم الشارع بإجزاء أجزاء الشيء في حال لا يقتضي إجزاءها في كلّ حال.

والفرق بين استجمار كلّ واحد بالحجر واستجمار الواحد به واضحُ؛ لصدق العدد في كلّ واحد، فامتثل الأمر الوارد بالثلاثة المقتضي للإجزاء، بخلاف الواحد؛ لعدم صدق العدد عليه، كماقال العلّامة قطب الدين الرازي تلميذ المصنّف: أيّ عاقل يحكم على الحجر الواحد أنّه ثلاثة ؟(2)

واستدلّ الشهيد (رحمه الله) على الإجزاء بحديث المسحات(3)(4)، بناءً على أنّ

ص: 68


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 46 ، ح 129 .
2- لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفرة لدينا.
3- تقدمت الإشارة إلى مصدره في ص 67 ، الهامش 4.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 127 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

المراد بالأحجار في تلك الأخبار المسحات. ولا يخفى مافيه.

ويمكن أن يعكس الحكم؛ إذ لا منافاة بين المسح بثلاثة أحجار وبين المسح ثلاث مسحات، بخلاف المسحات بالواحد؛ فإنّه لا يصدق عليها المسح بثلاثة أحجار.

وربما يقال: لو كان حديث الأحجار على ظاهره لم يجزئ ما شابهه من الخرق ونحوها، لكن جواز العدول إلى المشابه قطعاً يدلّ على عدم إرادة الأحجار حقيقةً، بل المسحات.

ويجاب: بأنّ المشابه خرج بنصّ خاصّ، كرواية زرارة، قال: «يستنجي من البول ثلاث مرّات، ومن الغائط بالمدر والخرق»(1) وغيرها، فيبقى الباقي على حقيقته.

والتزم المانع من إجزاء الحجر الواحد - كالمحقّق في المعتبر(2) - بعدم إجزاء الخرقة الطويلة من جهاتها الثلاث إلّا بعد قطعها.

(ويستحبّ تقديم) الرجل (اليسرى دخولاً، و) تقديم الرجل (اليمنى خروجاً) عكس المسجد؛ لأنّ اليسرى للأدنى واليمنى لغيره.

ولا يختصّ ذلك بالبنيان على الأصحّ، فيقدّم اليسرى إذ بلغ موضع جلوسه في الصحراء، فإذا فرغ ابتدأ بنقل اليمني.

(و) يستحبّ (تغطية الرأس) حال التخلّي إن كان مكشوفاً؛ لأنّه من سنن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)، وليأ من من وصول الرائحة الكريهة إلى دماغه. وروي: التقنّع فوق العمامة(3) أيضاً.

( والاستبراء) من البول.

وأوجبه الشيخ (رحمه الله) في الاستبصار (4).

وهو الاستظهار في إخراج بقاياه بأن يمسح بيده من عند المقعدة إلى أصل القضيب

ص: 69


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 209، ح 606.
2- المعتبر، ج 1، ص 129 و 132.
3- انظر الفقيه، ج 1، ص 24، ح 41؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 24، ح 62.
4- الاستبصار، ج 1، ص 48 باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول.

ثلاثاً ثمّ يمسحه ثلاثاً وينتره ثلاثاً.

والأفضل في ذلك وضع الوسطى في الأولى تحت المقعدة والمسح بها إلى أصله ثمّ يوضع المسبّحة تحته و الإبهام فوقه وينتره باعتماد.

والاستبراء ثابت للذكر إجماعاً، وللأنثى عند جماعة، فتستبرئ عرضاً، ويلحقها حكم الاستبراء.

ونفاه المصنّف(1) ، للأصل، فلاحكم للخارج المشتبه منها.

(والدعاء دخولاً) بقوله: بسم الله وبالله، اللهم إنّي أعوذ بك من الخبث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم (وخروجاً) بقوله: الحمد لله الذي رزقني لذّته، وأبقى في جسدي قوّته وأخرج منّي أذاه يا لَها نعمة - ثلاثاً - لا يقدر القادرون قدرها.

(وعند الاستنجاء) وهو استفعال من النجو، وهو الحدث الخارج. والمراد به غسل الموضع أو مسحه، كمانصّ عليه في الصحاح(2)، فيستحبّ الدعاء عنده في الحالين بقوله: اللهمّ حصّن فرجي، واستر عورتي، وحرّمهما على النار، ووفّقني لما يقربني منك يا ذا الجلال والإكرام.

(و) عند (الفراغ منه).

والظاهر أنّه الدعاء المذكور عند مسح بطنه؛ لأنّه الأقرب إلى الفراغ من التخلّي، وهو الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى، وهنأني طعامي، وعافاني من البلوى.

وقال المحقّق في المعتبر بعد قوله - والدعاء عند الدخول والاستنجاء وعند الفراغ - : وأمّا دعاء الفراغ فروى معاوية بن عمّار، قال: «إذا توضّأت فقُل: أشهد أن لا إله إلا الله، اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهرين، والحمد لله ربّ العالمين»(3)(4).

ص: 70


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 180.
2- الصحاح، ج 4، ص 2502، «نجا».
3- الكافي، ج 3، ص 16 ، باب القول عند دخول الخلاء .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 25، ح 63.
4- المعتبر، ج 1، ص 135 - 136.

ثمّ عقّبه بدعاء الخروج المذكور، فتأمّل.

(و) يستحّب (المع بين الماء والأحجار) سواء تعدّى أم لا.

أمّا مع التعدّي فللمبالغة في الاستظهار. ولقول الصادق(علیه السلام) : «جرت السُنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، ويتبع بالماء»(1) ولما تقدّم(2) في حديث أهل قبا من الأنصار.

ويقدّم الأحجار إذا اختار الجمع؛ إذ لا فائدة فيها بعد إزالة النجاسة.

وأما مع عدمه: فلجمعه بين المطهّرين، فالحجر يزيل العين والماء يزيل الأثر. ويمكن شمول الخبر لهما.

(ويكره الجلوس) للبول والغائط (في المشارع) جمع مشرعة، وهي موارد المياه، کشطوط الماء ورؤوس الآبار؛ لما فيه من أذى الواردين (و) في (الشوارع) جمع شارع، وهو الطريق الأعظم، قاله الجوهري(3) . والمراد هنا ماهو أعمّ منه، وخصّها في الرواية بالطرق النافذة (4)؛ وهي المستند.

(و) في (فيء النزّال) وهو مرجعهم ومجتمعهم.

(وتحت) الأشجار (المثمرة) وهي مامن شأنها الثمر وإن لم تكن مثمرةً بالفعل؛ لإطلاق الخبر. ولأنّ بقاء المعنى المشتق منه غير شرط في صحّة الاشتقاق عندنا.

وهذا في المملوك والمباح، وأمّا ملك الغير فلايجوز تحته بغير إذنه مطلقاً.

(و) في (مواضع اللعن) وهي أبواب الدُور؛ لماروي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: «قال رجل لعلي بن الحسين: أين يتوضَأ الغرباء ؟ فقال : يتقى شطوط الأنهار والطرق النافذة و تحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن، قيل له: وأين مواضع اللعن ؟ قال : أبواب الدور»(5) .

وروي أنّ أبا حنيفة خرج من عند أبي عبد الله(علیه السلام) وأبو الحسن موسى(علیه السلام) قائم وهو

ص: 71


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 46، ح 130.
2- في ص 66-67 .
3- الصحاح، ج 3، ص 1236، «شرع».
4- الكافي، ج 3، ص 15 ، باب الموضع الذي يكره .... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 30، ح 78 .
5- الكافي، ج 3، ص 15 ، باب الموضع الذي يكره .... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 30، ح 78 .

غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: «اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار و منازل النزّال، ولا تستقبل القبلة بغائط ولابول، وارفع ثوبك وضع حيث شئت »(1)

(واستقبال) جرمي(2) (النيّرين): الشمس والقمر لا جهتهما؛ لنهي النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) عنه (3).

و تزول الكراهة بالحائل.

ولا فرق بين حالتي ظهور نورهما واستتاره بالكسف.

ولا يكره استدبارهما، مع احتماله؛ للمساواة في الاحترام.

(و) استقبال (الريح بالبول) والجارّ متعلّق بالمصدر، فيشمل الثلاثة، وإنّما خصّ البول؛ لماروي عن أبي عبد الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول»(4) .

وحمل بعضهم الغائط عليه؛ لأنّه أغلظ.

وأمّا الريح: فالرواية به عن الحسن(علیه السلام) حين سُئل ماحد الغائط ؟ قال: «لا تستقبل الريح ولا تستدبرها»(5) ، شاملة لهما، فلاوجه لاختصاصه بالبول، وأراد بالغائط التخلّي.

والتعليل بخوف ردّه عليه يخصّ البول.

ولا فرق بين استقبال الريح واستدبارها؛ للخبر(6) .

وخصّ المصنّف في النهاية حالة استدباره بخوف الردّ عليه(7) . ولا وجه له مع عموم الخبر.

ص: 72


1- الكافي، ج 3، ص 16، باب الموضع الذي يكره. .... ح 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 30، ح 79
2- في الطبعة الحجرية: «جرم».
3- الفقيه، ج 4، ص 4، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 34، ح 91.
4- الفقيه، ج 4، ص 4، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 34، ح 91.
5- الفسقيه، ج 1، ص 26، ح 47؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 26، ح 65، وص 33، ح 88؛ الاستبصار، ج 1، ص 47، ح 131.
6- الفسقيه، ج 1، ص 26، ح 47؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 26، ح 65، وص 33، ح 88؛ الاستبصار، ج 1، ص 47، ح 131.
7- نهاية الإحكام، ج 1، ص 82.

(والبول في) الأرض ( الصُلبة) - بضمّ الصاد وسكون اللام - أي الشديدة؛ لئلا تردّه علیه.

قال الصادق(علیه السلام) : كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أشدّ الناس توقّياً من البول، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول»(1) .

(و) في (ثقوب الحيوان) وهي جحرتها - بكسر الجيم وفتح الحاء - لنهي النبيّ( صلى الله عليه و آله و سلم) عنه (2)خوفاً من الأذى.

وقيل: لأنّها مساكن الجنّ (3).

(وفي الماء) جارياً و راكداً، والثاني أشدّ كراهةً؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم»(4) .

وقول عليّ(علیه السلام): «نهي أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة، وقال: إنّ

للماء أهلاً»(5).

وما روي عن الصادق(علیه السلام) : لا بأس به في الجاري»(6) لا ينافي الكراهة، فيضعف قول عليّ بن بابويه بعدم الكراهة فيه(7) .

ص: 73


1- الفقيه، ج 1، ص 22، ح 36؛ علل الشرائع، ج 1، ص 278، الباب 186، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 33 ح 87.
2- سنن أبي داود، ج 1، ص 8، ح 29؛ سنن النسائي، ج 1، ص 33 - 34؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 160، ح 479: مسند أحمد، ج 6، ص 83، ح 20251.
3- سنن أبي داود، ج 1، ص 8، ح 29؛ سنن النسائي، ج 1، ص 33 - 34: السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 160، ح 479؛ مسند أحمد، ج 1، ص 83، ح 20251.
4- صحيح مسلم، ج 1، ص 235، ح 282/95؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 18، ح 69 و 70؛ الجامع الصحيح، ج 1، ص 100 ، ح 68: سنن النسائي، ج 1، ص 49 و 197؛ مسند أحمد، ج 2، ص 511، ح 7473.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 34، ح 90: الاستبصار، ج 1، ص 13، ح 25.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 31 ح 81، وص 43. ح 120 - 122؛ الاستبصار، ج 1، ص 13، ح 22 - 24 .
7- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 121 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

والنصّ ورد في البول، فلذلك خصّه المصنّف (رحمه الله)، والحق به الغائط بطريق أولى.

ولافرق في ذلك بين الليل والنهار وإن كان الليل أشدّ كراهة؛ لما قيل: إنّ الماء للجنّ ليلاً، فلا يبال فيه ولا يفسد حذراً من إصابة آفةٍ من جهتهم (1).

(والأكل والشرب) في وقت التخلّي؛ لتضمّنه مهانة النفس.

ولفحوى ماروي عن الباقر (علیه السلام) أنّه وجد لقمةً فى القذر لمّادخل الخلاء، فأخذها

وغسلها ودفعها إلى مملوك معه، وقال: «تكون معك لاكلها إذا خرجت» فلمّا خرج(علیه السلام) قال للمملوك: «أين اللقمة؟» قال: أكلتها يابن رسول الله، قال: «إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنّة، فاذهب فأنت حُرِّ لوجه الله فإنّي أكره أن استخدم رجلاً من أهل الجنّة»(2) ، فإنّ تأخيره(علیه السلام) أكلها إلى الخروج مع مافيه من الثواب يدلّ بفحواه على كراهة الأكل حينئذ.

ويلحق به الشرب؛ لاشتراكهما في المعنى.

(والسواك) لماروي أنّه يورث البَخَر(3) ( والاستنجاء باليمين) لقوله(علیه السلام) : «إنّه من الجفاء»(4).

ولا كراهة في الاستعانة باليمين لصبّ الماء وغيره؛ لعدم تناول النهي له، ولامع الحاجة، كتعذّره باليسرى المرض ونحوه.

(وباليسار) بفتح الياء (وفيها خاتم) - بفتح التاء وكسرها - مكتوب (عليه اسم الله تعالى و) اسم أحد من( أنبيائه و) اسم أحد من الأئمة«علیهم السلام» ).

والمراد باسم الأنبياء والأئمة(علیهم السلام) ما قصد به أحدهم، لا ما قصد به اسم موافق لهم

ص: 74


1- كما في نهاية الإحكام، ج 1، ص 83.
2- الفقيه، ج 1، ص 27، ح 49 .
3- الفقيه ، ج 1، ص 52، ح 110؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 32 ، ح 85 .
4- الفقيه، ج 1، ص 27، ح 51 .

في الاسم، ولا ما أُطلق ولم يقصد به أحد إن اتّفق.

وإنّما كره ذلك؛ لاشتماله على ترك التعظيم.

هذا مع عدم ملاقاته النجاسة، وإلّا حرم.

وكره بعضهم استصحاب ذلك في الخلاء مطلقاً (1).

ويلحق بذلك ماكان فصّه حجر زمزم؛ للخبر (2). وروي بدله من حجارة زمرّذ (3)- بفتح الزاي المعجمة وضمّها وضمّ الميم والراء المشدّدة المهملة والذال المعجمة - وهو الزبرجد معرّبّ قاله الجوهري(4).

(والكلام) في حال التخلّي؛ لنهي النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) عنه(5) ، وإنّما يكره (بغير ذكر الله تعالى والحاجة وآية الكرسى) لقول الصادق(علیه السلام) : «لم يرخّص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي وحمد الله أو آية»(6).

وأمّا الذكر على الخصوص: فروي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إنّ موسى(علیه السلام) قال: يارب تمر بي حالات أستحي أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى ذكري حسن على كلّ حال»(7) .

وأمّا الحاجة: فلما في الامتناع من الكلام عندها من الضرر المنفيّ بالآية(8) .

والتقييد بالحاجة يخرج مالو حصل الغرض بالتصفيق وشبهه؛ لانتفائها حينئذ.

ويلحق بذلك ردّ السلام؛ لعموم الأمر به(9) ، وكذا حمد الله على العطسة؛ لأنّه ذكر، وكذا تسميت العاطس .

ص: 75


1- لم نتحققه.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 355، ح 1059.
3- الكافي، ج 3، ص 17، باب الموضع الذي يكره .... ح 6.
4- الصحاح، ج 2، ص 565، «زمرد».
5- الفقيه، ج 1، ص 31، ذيل الحديث 60: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 27، ح 69.
6- الفقيه، ج 1، ص 28، ح 57؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 352، ح 1042.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 27 ، ح 68 .
8- الحج (22): 78
9- النساء (4): 86.

واستثنى المصنّف أيضاً حكاية الأذان (1)، وهو حسن في فصل فيه ذِكر، دون الحيعلات؛ لعدم النصّ عليه على الخصوص، إلّا أن يبدّل بالحوقلة، كما ذكر في حكايته في الصلاة.

[واجبات الوضوء ]

(ويجب في الوضوء النيّة، وهي) لغةً: مطلق العزم والإرادة. وشرعاً بالنسبة إلى الوضوء: (إرادة الفعل) أي الوضوء، فاللام للعهد (لوجوبه أو ندبه) حال كون الفاعل - المدلول عليه بالإرادة التزاماً - (متقرّباً) بالفعل إلى الله تعالى، فالإرادة بمنزلة الجنس يدخل فيها إرادة الفعل والترك وما اشتمل على الوجوه المذكورة وغيره، وخرج بالفعل المعهود غيره من الطهارات والأفعال، وشمل الوضوء الواجبَ والمندوب، ويمتاز أحدهما عن الآخر بنيّة الوجوب أو الندب.

ويحتمل أن يريد تعريف مطلق النيّة، ويريد بالفعل الأعمَّ من الوضوء، وغاية الجميع التقرّب إلى الله تعالى بمعنى موافقة إرادته، أو طلب الرفعة عنده تعالى بواسطة نيل الثواب تشبيهاً بالقرب المكاني، وكلتاهما محصّلة للامتثال مخرجة عن العهدة وإن كان بين المنزلتين بُعد المشرقين.

وفي حكم الثانية الخوفُ من العقاب. وإلى الأولى أشار أميرالمؤمنين عليّ(علیه السلام) بقوله: «ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»(2). ويدلّ على الثانية ظواهر الآي(3) والأخبار المشتملة على الترغيب والترهيب، كقوله تعالى: (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)(4) ، وقوله تعالى: (يَتأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَرْكَعُواْ وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَأفْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (5).

ص: 76


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 84 .
2- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 5، ص 361.
3- في الطبعة الحجرية: «الآيات».
4- الأنبياء (21): 90 .
5- الحج (22): 77 .

أي راجين الفلاح، أو لكي تفلحوا، والفلاح هو الفوز بالثواب، قاله الطبرسي (رحمه الله)(1) . ويحتمل غير ذلك.

ونقل الشهيد (رحمه الله) في قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهاتين الغايتين(2) . و به قطع السيّد رضي الدين ابن طاؤس (رحمه الله) محتجّاً بأنّ قاصد ذلك إنّما قصد الرشوة والبرطيل (3)، ولم يقصد وجه الربّ الجليل، وهو دالُّ على أنّ عمله سقيم وأنّه عبد لئیم(4) .

واختار فيها وفي الذكرى الصحّة؛ محتجاً بأنّ قصد الثواب لا يخرج عن ابتغاء الله صسبالعمل؛ لأنّ الثواب لمّا كان من عند الله فمُبتغيه مُبتغِ وجه الله وبأنّ الغرض بها الله في الجملة(5) .

ولا يقدح كون تلك الغاية باعثةً على العبادة؛ لأنّ الكتاب والسنّة مشتملان على المرهّبات من الحدود والتعزيرات والذمّ والإيعاد بالعقوبات، وعلى المرغّبات من المدح والثناء في العاجل، والجنّة ونعيمها في الآجل.

قال: ولو قصد المكلّف الطاعة لله وابتغاء وجه الله، كان كافياً، ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كلّ مقصد (6).

إذا تقرّر ذلك، فوجوب نيّة القربة في الوضوء بل في كلّ عبادة لاريب فيه ولا شبهة تعتريه.

وممّا استدلّ به عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(7)

ص: 77


1- مجمع البیان، ج 7 - 8، ص 98 .
2- القواعد والفوائد، ص 36 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
3- البرطيل الرشوة. القاموس المحيط، ج 3، ص 344.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 19 - 21 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 21؛ القواعد والفوائد، ص 36 - 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6 و 15).
7- البيئة: (98): 5 .

ولا يتحقّق الإخلاص إلّا بها والضمير لأهل الكتاب، ويدلّ على ثبوت حكمها في حقّنا قوله تعالى بعدُ: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(1) قال الإمام الطبرسي: القيّمة هي المستمرّة في جهة الصواب(2) .وحينئذ فلا يصلح(3) النسخ عليها.

وقوله تعالى: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي )(4) ، والأمر للنبيّ، فيجب علينا ذلك للاتّباع والتأسّي.

وأمّا نيّة الوجوب: فلم يعتبرها الشيخ في النهاية وجماعة، منهم المحقّق في المعتبر(5) ، بل اكتفى الشيخ بالقربة(6) : لمفهوم الحصر في قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ)(7) فلوزِيدَ عليه، لكان نسخاً؛ لمنافاة الزيادة له.

وهو ضعيف؛ لمنع أنّ مطلق الزيادة مُنافٍ للإخلاص، بل إنّما ينافي الحصر ما ينافي الإخلاص، وباقي قيود النيّة ليست كذلك.

والأولى الاستدلال في نصرة هذا القول بأصالة عدم الوجوب حتّى يدلّ دليل معتبر على مجامعة شيء آخر، وسيأتي مايدلّ على متمسّك مَنْ زاد على ذلك.

وقد قال السيّد السعيد جمال الدين أحمد بن طاؤس:

لم أعرف نقلاً متواتراً ولا أحاداً يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة لكن علمنا أنّه لابدّ من نيّة القربة، وإلّا كان هذا من باب «أسكتوا عمّا سكت الله عنه» .

ص: 78


1- البينة (98): 5.
2- مجمع البیان، ج 9 - 10، ص 522.
3- في «الأصل و م»: «فلا يصح».
4- الزمر (39): 14 .
5- المعتبر، ج 1، ص 139 .
6- النهاية، ص 15 .
7- البينة (98): 5 .

وجزم المصنّف في هذا الكتاب وقَبله المحقّق في الشرائع(1) بوجوب نيّة الوجوب إمّا لوجوب إيقاع الفعل على وجهه، ولا يتمّ إلّا بذلك، كما استدلّ لهم به الشهيد (رحمه الله) في الشرح(2) ، أو لوجوب التعرّض في النيّة لتشخيص الفعل الواقع على جهات متعدّدة بنیّة أحدها، ولمّا كان الوضوء تارةً يقع على وجه الندب وأخرى على وجه الوجوب اشترط تشخيصه بأحدهما حيث يكون ذلك هو المطلوب.

ولا يخفى ضعف الأوّل وعدم صلاحيّته للدلالة وتأسيس حكم شرعي حتّى قيل: إنّه كلام شعري (3). وأمّا الثاني فلايتمّ في الوضوء وإن تمّ في غيره من العبادات؛ لعدم اجتماع الوضوء الواجب والندب في وقتٍ واحد حتّى يحتاج المكلّف في نيّته إلى تمييز أحدهما عن الآخر؛ لأنّه إن كان المكلّف مخاطباً بمشروط بالوضوء، فليس له إلّا نيّة الوجوب، وإلّا فليس له إلّا نيّة الندب.

ولا ينتقض بالمجدَّد بتقدير جوازه قبل الصلاة حيث إنّه غير واجب، مع أنّ المجدّد مخاطب بمشروط بالطهارة؛ لأنّه في وقت إيقاع أحدهما لا يمكن وقوع الآخر؛ إذ قبل الوضوء الأوّل الواجب لا يتصوّر الندب المجدّد، وعند وضوء التجديد لا يتصوّر نيّة الوجوب، فلم يقع أحدهما على وجهين.

و ربما ذكر في بعض عبارات شيخنا الشهيد (رحمه الله) أنّ الوجوب لإخراج عبادة الرياء(4). وهو موضع تأمّل. وربما أخرجها أيضاً بنيّة القربة، فلاوجه للجمع حينئذ.

ويمكن أن يقال: إنّ الوجوب المذكور هنا - وهو «لوجوبه» - علّة غائيّة للفعل، لا لإخراج شيء تحقيقاً لقول المتكلّمين: إنّه ينبغي إيقاع الواجب لوجوبه أو لوجه

ص: 79


1- شرائع الإسلام، ج 1، ص 12 .
2- غاية المراد، ج 1، ص 25 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
3- القائل هو المحقق في المسائل الطبرية، ضمن الرسائل التسع، ص 317 .
4- لم نعثر عليه في مظانها.

وجوبه، وكذا القربة غاية أخرى، وهو الحصول على رضاه والوصول إلى ثوابه، كما تقدّم، وهو موافق للدليل الأوّل من دليلي الموجبين، لكن لا دليل على وجوب ذلك إلّا مانقل عن المتكلّمين، وهو غير صالح للدلالة على توقّف الفعل عليه وإن أمكن جعل الكمال منسوباً إليه.

وبالجملة، فمشخّصات النيّة غير القربة لم يرد بها نصّ على الخصوص، فلابدّ لمثبت شيء منها(1) من دليل صالح.

وقد ذكر شيخنا الشهيد (رحمه الله) في خلاصة مناسك الحج (2)أنّ الوجوب الغائي قيد في النيّة لتميز الفعل عن إيقاعه لندبه، فالإشكال باق، فتأمّل.

(وفي وجوب) نيّة (رفع الحدث أو) نيّة (الاستباحة) للصلاة أو لمشروط بالطهارة (قولان):

أحدهما: العدم، وإليه ذهب الشيخان حيث اكتفيا بالقربة(3) ، والمحقّق في الشرائع(4) . و وجهه قد عُلم ممّا سلف.

والثاني: الوجوب، كماذهب إليه المصنّف في المختلف(5) وغيره(6)، والمحقّقُ في المعتبر إلّا أنّه أسقط نيّة الوجوب، واكتفى بالقربة وأحد الأمرين(7) ؛ لقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوَةِ فَاغْسِلُوا )(8) أي لأجل الصلاة؛ إذ هو المفهوم لغةً من قولهم: إذا لقيت الأسد فخُذ سلاحك، وإذا لقيت الأمير فخُذ أهبتك، أي لأجل لقاء الأسد والأمير،

ص: 80


1- في «الأصل و م»: «شرعيتها» بدل «شيء منها».
2- المنسک الکبیر ، ص243، المقالة الأولى / الإحرام (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
3- المقنعة، ص 46: النهاية ص 15 .
4- شرائع الإسلام، ج 1، ص 12 .
5- مختلف الشيعة، ج 1، ص 107 ، المسألة 65.
6- قواعد الأحكام، ج 1، ص 199.
7- المعتبر، ج 1، ص 139 .
8- المائدة (5) : 06

ولا معنى لفعله لأجل الصلاة إلّا إرادة استباحتها.

وفيه نظر؛ لمنع إرادة ذلك لغةً، بل الظاهر أنّ المعنى لا تلق الأسد إلّا بسلاح(1)، والأمير إلّا بأهبة، وكذا الآية تقدير الجملة فيها : لا تقوموا إلى الصلاة إلا متطهّرين، وإنّما كان هذا هو الظاهر؛ لأنّه لو كان متطهّراً فى المثال أو آخذاً سلاحه وأُهبته، كفى ذلك في امتثال الأمر، ولو كان المطلوب إيقاعه لأجله لم يكف.

ولا يقال: إذا حصل سبب الفعل مع استصحابه يصير حينئذٍ كأنّه واقع لأجله؛ لأنّا نمنع ذلك، بل ربما كانت الغاية الأولى منافيةً للغاية الأخرى، كمالو كان قد قصد بأخذ السلاح تأهّبه للعدوّ، فإنّه يكفي ذلك عن أخذه للأسد مع عدم صدق الأخذ لأجله. وكذا لونوى بالوضوء إباحة الطواف مثلاً.

ولا يكفي اللزوم؛ لأنّ الآية إنما دلّت على وقوعه لأجلها، وظاهر أنّ اللزوم غيربيّن ،فلا يلزم من نيّة أحدهما نيّة الآخر.

وأيضاً فإنّ اللازم من الآية تحتّم استباحة الصلاة - كما هو مذهب السيّد المرتضى (2) - لا التخيير بينها وبين الرفع الذي هو المدّعى، فما تدلّ عليه لاتقولون به، وماتقولون به لا تدلّ عليه.

واعتذر المصنّف (رحمه الله) في المختلف عن ذلك بأنّ الاستباحة عنده أحد الأمرين الواجبين، وأحد أفراد الواجب المخيّر يصدق عليه الوجوب بقول مطلق، وبأنّ نيّة رفع الحدث تستلزم الاستباحة؛ لأنّها نيّة لإزالة المانع من الدخول في الصلاة ليدخل المكلّف فيها فإنّه الغاية الحقيقيّة، فإنّ إزالة الحدث ليس غايةً ذاتيّة وإنّما هو مراد بالعرض لأجل استباحة الصلاة (3).

ص: 81


1- في الطبعة الحجرية: «بسلاحك».
2- حكاه عنه المحقق في الرسائل التسع، ص 317؛ والشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 26 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 108، المسألة 65.

وفيه نظر؛ فإنّا لا ندّعي أنّ نيّة الرفع [لا] ترفع وجوب الاستباحة أو تنافيها، بل نقول: إنّ الرفع لا دليل عليه، وإنّ الآية إنّما تستلزم على ما قرّرتم الاستباحة لا الرفع.

وأمّا استلزام الرفع الاستباحة فحق في حقّ المختار ، لكن لا يلزم من نيّته نيّتها إلبا إذا كان اللزوم بيّناً بحيث يلزم من تصوّر الملزوم تصوّر اللازم، وظاهر أنّ استلزام رفع الحدث لاستباحة الصلاة ليس كذلك، وإنّما يعلم اللزوم مع اقتران وسط، وهو آية غير البيّن، كما إذا قيل: إنّ المراد بالاستباحة رفع المنع من الصلاة، وبرفع الحدث رفع المانع، ورفع المانع يستلزم رفع المنع وبالعكس في غير المتيمّم ودائم الحدث. لكنّ المفهوم من لزوم أحدهما للآخر كون تصوّر ماهيّة كلّ منهما من حيث هي يستلزم تصوّر الأُخرى، وخروج الفردين يستلزم عدم الاستلزام كذلك، إلّا أن ينظر إلى التلازم بينهما بعد إخراج الفردين المذكورين، ومع ذلك لابد من اقتران وسط.

و من هنا ذهب جماعة من أصحابنا(1) إلى وجوب الجمع بين الأمرين محتجّين على ما حكاه الشهيد (رحمه الله) في الشرح بالجمع بين أدلّة الأقوال، ونيّة كلّ من الرفع والاستباحة بالمطابقة؛ لأنّ اللزوم غير بيّن، والاتّحاد غير حاصل.

ثمّ أورد عليهم منع عدم اللزوم البيّن لو سُلّمت المغايرة(2)، ولم يذكر للمنع سنداً.

والتحقيق أنّ اللازم البيّن له معنيان:

أحدهما: مايلزم تصوّره من تصوّر الملزوم، ككون الاثنين ضعف الواحد؛ فإنّ مَنْ تصوّر الاثنين أدرك أنّهما ضعف الواحد، ويقال له : البيّن بالمعنى الأخصّ.

والثاني: ما يلزم من تصوّره مع الملزوم والنسبة بينهما الجزم باللزوم، وهو البيّن بالمعنى الاعمّ.

ص: 82


1- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 43؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 132؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 51؛ وقطب الدين الراوندي ومعين الدين المصري كما في غاية المراد، ج 1، ص 27 - 28 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
2- غاية المراد، ج 1، ص 28 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).

فعلى المعنى الأوّل اللزوم بينهما غير بيّن كما تقدّم؛ لأنّ تصوّر أحدهما لا يلزم منه تصوّر الآخر.

وعلى الثاني يثبت المطلوب؛ فإنه متى تصوّر رفع المانع ورفع المنع والنسبة بينهما علم لزوم أحدهما للآخر.

هذا كلّه على تقدير دلالة الآية على اعتبار الاستباحة، وقد عرفت مافيه، والكلام في نيّة استباحة غير الصلاة من المشروط بالطهارة قريب من الكلام في رفع الحدث.

(و) تجب (استدامتها) أي النيّة (حكماً) لا فعلاً (إلى) وقت (الفراغ) من الفعل بمعنی أن لا ينوي نيّةً تنافي النيّة الأُولى إمّا لجميعها، كمالو نوى إبطال العمل أو ما يبطله، أو لجزئها، كمالو نوى ببقيّة الأعضاء في الوضوء الواجب الندب أو غير ذلك ممّا ينافي قيود النيّة، فحينئذٍ الاستدامة الحكميّة من الأمور العدمية؛ لأنّها عدم الإتيان بنيّة تنافي الأولى.

وربما فسّرت بأمرٍ وجودي، وهو البقاء على حكم النيّة الأولى والعزم على مقتضاها؛ استدلالاً بأنّ مقتضى الدليل الدالّ على اعتبار النيّة في العبادات - كقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إنّما الأعمال بالنيات»(1) - وجوب استصحاب النيّة فعلاً لكن لما تعذّر في العبادة البعيدة المسافة أو تعسّر في غيرها اكتفي بالاستمرار الحكمي (2).

وفي دلالة الحديث على ذلك نظر؛ لأنّ المراد بالنيّة إمّا العزم على الفعل وإن تقدّم، كما ذكره أهل اللغة، أو إرادته عند الشروع فيه، كما اختاره الفقهاء.

والمراد بالأعمال المعهودة عند الشارع، كالصلاة والصيام ونحوهما، أمّا إطلاق ذلك على أجزائها فليس حقيقياً بل من حيث التسمية لغةً، وهي غير مرادة هنا؛ للاكتفاء في كلّ واحد ممّا ذكرناه بنيّة واحدة.

ص: 83


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83، ح 218: وج 4، ص 186 ، ح 519؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1413، ح 4227: السنن الكبرى البيهقي، ج 1 ، ص 68. ح 181 .
2- انظر القواعد والفوائد، ص 48 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).

مع أنّ مقتضى الدليل وجوب الإتيان بالقدر الممكن، سواء كان مع استصحاب الأولى فعلاً، أم الرجوع إليها مع إمكانه؛ لعدم الدليل الدالّ على الاكتفاء بالاستدامة الحكميّة بهذا المعنى حتّى يقال: إنّه بدل مخصوص فلا ينتقل إلى غيره وإن أمكن.

بل الحقّ في توجيه الاستدامة الحكميّة أنّ إرادتي الضدّين لمّا كانتا متنافيتين إمّا لذاتيهما أو لأمرٍ عرَضي كما قرّر في الكلام وكان الواجب إيقاع الفعل بجملته على الوجه المخصوص اقتضى ذلك عدم إيجاد نيّة تنافي النيّة الأولى، فمتى لم ينو ما ينافي النيّة حصل له مانواه ولا يفتقر إلى تجديد العزم المذكور؛ لعدم الفائدة فيه. والدلالة عليه؛ لأنّ دلالة الخبر على الشيء الأقوى - وهو النيّة - لا يدلّ على الاكتفاء بالأضعف، وهو العزم على مقتضاها من غير إحضارها في الذهن.

وبنى شيخنا الشهيد (رحمه الله) التفسيرين على أنّ الباقي هل هو مستغن عن المؤثر أو محتاج إليه؟ وهي مسألة كلاميّة(1) ، فعلى الأوّل الأوّلُ، ونَقَله عن الشيخ (رحمه الله) في المبسوط(2) ، وعلى الثاني الثاني، واختاره.

وهو محلّ نظر حكماً وبناءً؛ فإنّ ذلك إنّما يتّجه أن لو كانت النيّة بعد إحضارها يحصل منها أثر خارجي يستغني عن الموجد أو يحتاج إليه وليست كذلك، بل عند عزوبها عن القلب تلحق بالأعدام المفتقرة إلى المؤثرّ قطعاً.

مع أنّ اللازم من الاحتياج إلى المؤثّر وجوب إحضار النيّة بجميع مشخّصاتها، لا العزم المذكور؛ فإنّه غير الوجود الأوّل، وغير مستلزم له وإن دخل ضمناً، لكنّ الدلالة التضمّنيّة ملغاة في هذه الأحكام ونظائرها.

وعلى كلا التفسيرين لو نوى ما ينا في النيّة الأولى بطل الوضوء (فلو نوى) المكلّف بوضوئه بعد النيّة المعتبرة (التبرّد خاصة) من غير ضمّ نيّة الوجوب والقربة (أو ضمّ

ص: 84


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 200؛ و انظر المنسك الكبير، ص 242 وما بعدها، المقالة الأولی/ الإحرام(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18) .
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 26 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6): وانظر المبسوط، ج 1، ص 39.

الرياء) إلى الوجوب والقربة (بطل) وضوؤه؛ للمنافاة للنيّة الأولى والإخلاص. ولأنّ الأُولى قد عدمت حقيقةً بالذهول عنها وحصل غيرها حقيقةً، فتكون أقوى.

وإنّما قيّدنا النيّة المذكورة ببعدية النيّة الأولى المعتبرة وإن كان اللفظ أعمّ من ذلك بل هو ظاهر في مصاحبة المنافي للنيّة الأولى؛ لأنّه فرّعها على الاستدامة حكماً، وإنّما يتمّ التفريع على التفسيرين بفرض طروء النيّة المنافية على المعتبرة، مع أنّ الحكم في الطارىء والمصاحب واحد وإن كان الأوّل أوفق لسياق الكلام.

وظاهر المرتضى (رحمه الله) أنّه لونوى الرياء بصلاة لم تبطل، بمعنى عدم إعادتها لا بمعنى حصول الثواب(1) . وهو يستلزم الصحّة مع ضمّ الرياء إلى القربة(2) بطريق أولى.

وهو مبنيّ على قاعدته من عدم الملازمة بين قبول الأعمال وصحّتها، فبالصحّة يحصل الامتثال، وبالقبول يستحقّ الثواب.

وفي الأصل والفرع منع.

واعلم أنّ قطع الاستدامة الحكميّة بنيّةٍ مخالفة إنّما يؤثّر في بطلان الوضوء مع فعل شيء منه كذلك، أمّا لو جدّد النيّة الأولى قبل أن يفعل شيئاً بعد القطع، أو بعده وأعاده قبل جفاف ماسبق على قطع الاستدامة صحّ الوضوء؛ لأنّ أفعال الوضوء بمنزلة عبادات متعدّدة لا تتوقّف صحّة بعضها على بعض، ولهذا لو نكس وضوءه أعاد على ما يحصل معه الترتيب ولا يبطل، بخلاف الصلاة؛ فإنّها تبطل بمنافاة الاستدامة وإن أعاد النيّة قبل فعل شيء منها بغير نيّة معتبرة.

وهذا كلّه (بخلاف ما لو ضمّ التبرّد) بعد النيّة المعتبرة إليها، فإنّه لا يضرب عند المصنّف ؛ لحصوله وإن لم ينوه فنيّته ،لاغية، كما لو كبّر الإمام وقصد مع التحرّم إعلام القوم.

واختار المصنّف في غير هذا الكتاب(3) - تبعاً لجماعة (4)- البطلان هنا؛ للمنافاة أيضاً.

ص: 85


1- الانتصار، ص 100. المسألة 9 .
2- في الطبعة الحجرية: «التقرب».
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 29 .
4- منهم: فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 36؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص203.

ولأنّه لا يلزم من حصوله ضرورة جواز نيّة حصوله، وهل الكلام إلّا فيه؟ وهذا أجود.

ويجوز كون قوله «فلو نوى» إلى آخره، تفريعاً على النيّة المذكورة سابقاً المشتملة على التقرّب، وجعل الاستدامة الحكمية معترضةً، ووجه التفريع منافاة ذلك كلّه للقربة.

(و) يجوز (أن يقارن) بها أي بالنيّة (غَسل اليدين) المستحبّ له على المشهور؛ لأنّه من جملة الوضوء الكامل. وأولى منه عند المضمضة والاستنشاق؛ لقربهما إلى الواجب.

وجوز ابن إدريس تقديمها عند غسل اليدين في الغُسل دون الوضوء(1) . وهو تحكّم.

وتوقّف بعض المحقّقين في الجميع(2) ؛ لعدم صدق الوضوء الحقيقي عليها (3).

ولايجوز تقديمها عند غيرها من مسنونات الوضوء، كالسواك والتسمية إجماعاً.

والمراد بالغَسل المستحبّ للوضوء ما كان لوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط لا من الريح.

ولا يجوز إيقاعها عند غَسلهما من غير ذلك إمّا مع استحبابه لاله، كما إذا وقع الوضوء عقيب الأكل أو بعد مباشرة مَنْ يتّهم بالنجاسة، أو مع وجوبه كغسلهما من النجاسة؛ إذ لا يعدّ من أفعال الوضوء، مع احتماله؛ لأنّه أولى بالمراعاة من الندب خصوصاً على ماورد من التعليل في النائم بأنّه «لا يدري أين باتت يده»(4) فإنّه يقتضي أنّه لدفع نجاسة موهومة، فالمحقّقة أولى.

وأولى بعدم الجواز مالو كان غَسلهما لغير الواجب والندب من باقي الأحكام الخمسة إمّا الإباحة كغَسلهما من الريح، أو التحريم كفعله مع قصر الماء عن الغسلات الواجبة، أو الكراهة كالقصور بسببه عن الغسلات المستحبّة؛ إذ لا يعدّ من السنن فضلاً

ص: 86


1- السرائر، ج 1، ص 98.
2- في هامش الأصل وم»: هو السيد جمال الدین ابن طاؤس (رحمه الله).
3- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 24 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- صحیح مسلم، ج 1، ص 233، ح 278/87؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 25 - 26، ح 105؛ سنن النسائي، ج 1، ص 99؛ مسند أحمد، ج 2، ص 477 - 478، ح 7240 .

عن سنن الوضوء كلّ ذلك للخبر.

واشترط المصنّف (رحمه الله)(1) أيضاً كون الغَسل من ماءٍ قليل في إناء واسع الرأس بحيث يغترف منه، فلوتوضّاً من نهر أو مصنع أو من إناء لا يمكن الاغتراف منه لم تجز النيّة عنده بل لم يستحبّ غَسلهما حينئذ؛ لمفهوم قول النبيّ( صلى الله عليه و آله و سلم): «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثاً؛ فإنّ أحدكم لايدري أين باتت يده» (2). واستوجه الشهيد (رحمه الله) القول بالاستحباب في الأخير؛ لأنّ النجاسة الموهومة تزول بالنسبة إلى غَسل باقي الأعضاء وإن لم يكن لأجل الماء (3).

ويؤيّده إطلاق الروايات كرواية حريز عن الباقر(علیه السلام) : «يغسل الرجل يده من النوم مرّة، ومن الغائط والبول مرّتين، ومن الجنابة ثلاثاً»(4) ونحوها.

واعلم أنّه متى قدّم النيّة عند غسل اليدين دخلت نيّة المندوب تحت الواجب، فلا يفتقر في تحصيل الثواب إلى نيّة أُخرى. وإن أخّرها إلى أوّل الفرض أو ما بعده من السنن، فلابدّ للمتقدّم منها عليها من نيّةٍ على الخصوص، وإلّا لم يُتَب عليها.

(وتتضيّق) النيّة (عند) أوّل (غَسل الوجه) فلا يجوز تأخيرها عنه؛ لئلّا يخلو أوّل الفرض عن النيّة فيبطل ؛ إذ ليس للمرء من عمله إلّا مانوى.

(و) يجب (غَسل الوجه بما يسمّى غَسلاً) وهو في اللغة: إمرار الماء على الشيء على وجه التنظيف والتحسين وإزالة الوسخ ونحوها. و المراد هنا ما يحصل معه الجريان على جميع أجزاء ما يجب غَسله. وأقلّه أن يجري جزء من الماء على جزءين من البشرة ولو بمعاون، فمتى وصل بلل الماء إلى حدّ لا يقبل الانتقال من محلّه إلى محلّ آخر لم يصدق عليه حينئذ الغَسل، بل يصير دهناً لا غَسلاً.

ص: 87


1- منتهى المطلب، ج 1، ص 296 .
2- المصادر في ص 86، الهامش 4.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 26 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 36 ، ح 97؛ الاستبصار، ج 1، ص 50. ح 142.

وأمّا تمثيل مَنْ بالغ في وصف تقليل الغسل بالدهن فهو ضرب من المبالغة في جواز تقليل الجريان، ولا يريد جواز عدمه أصلاً؛ لعدم صدق مسمّى الغَسل حينئذ.

ولا يجب الدلك؛ لصدق الغَسل بدونه لغةً و عرفاً. وربما استحبّ؛ لما فيه من الاستظهار.

وأوجبه ابن الجنيد (رحمه الله) (1).

فلو غمس الأعضاء في الماء أو صبّ عليها من غير مسّ أجزأ.

وحدّ الوجه (من قصاص) مثلّث القاف والضمّ أفصح (شعر الرأس) والشعر بفتح العين وإسكانه. والمراد بقصاصه منتهى نبته (إلى محادر شعر الذقن) بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف. والمراد إلى طرف الذقن (طولاً، ومادارت عليه الإبهام) بكسر الهمزة، وهي الإصبع العظمى، والجمع الأباهيم (و) الإصبع (الوسطى عَرضاً) كلّ ذلك (من مستوى الخلقة، وغيره) من الأغمّ والأنزع وطويل الأصابع وقصيرها (يحال عليه) فيغسل ما يغسله.

(ولا يجزئ ) غسل الوجه (منكوسا) بل تجب البدأة بالأعلى؛ لوصف الباقر (علیه السلام)وضوءَ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وأنّه غسل وجهه من أعلاه (2).

ولأنّ الوضوء البياني الصادر من النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) - الذي قال عنه: «إنّ هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به»(3) أي بمثله - يمنع أن تكون البدأة فيه بغير الأعلى، وإلّا لماجازت البدأة بالأعلى مع إجماع المسلمين على جوازه.

وهذا الوجه مطّرد في جميع المسائل المختلف فيها من نظائر ذلك؛ إلّا مادلّ الدليل على خروجه، كماتراه مفصّلاً.

واستحبّ السيّد المرتضى وابن إدريس البدأة بالأعلى(4)؛ لإطلاق الآية(5) .

ص: 88


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 119 ، المسألة 72.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 55 ، ح 157؛ الاستبصار، ج 1، ص 58 ، ح 171.
3- الفقيه، ج 1 ، ص 36 . ح 76: السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 130، 380.
4- الانتصار، ص 99 المسألة 9؛ رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 213؛ السرائر، ج 1، ص 99 و 100.
5- المائدة (5): 6 .

وقول الصادق(علیه السلام) : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً »(1).

ولادلالة في الخبر علی مطلوبهما؛ لتغاير حقيقتي الغَسل والمسح ومطلق الآية مقيّد بفعله(صلی الله علیه و آله و سلم) ؛ لأنّه المبيّن للناس.

(ولا يجب تخليل اللحية وإن خفّت) سواء كانت للرجل (أو كانت للمرأة) لأنّ الوجه اسم لما يواجه به ظاهراً، ولا يتبع غيره، ولا يلزم الانتقال إلى الشعر ؛ لعدم صدق الوجه عليه عرفاً، والخفيف وإن لم يمنع رؤية الجميع لكنّه يستر ما تحته فيزول عنه الاسم.

ولعموم قول الباقر(علیه السلام) :« كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه لكن يجري عليه الماء»(2) فإنّه شامل للخفيف والكثيف. وغيره من الأخبار الشاملة بعمومها لهما.

وأوجب المصنّف (رحمه الله) في غير هذا الكتاب تخليل اللحية الخفيفة؛ محتجّاً بأنّ الوجه ما تقع به المواجهة، وإنّما ينتقل الاسم إلى اللحية مع الستر لامع عدمه، فإنّ الوجه مرئيّ وهو المواجه، دون اللحية فلا ينتقل الاسم إليها . وحَمَل الأخبار الدالّة على عدم الوجوب على الساتر دون غيره (3).

وأنت خبير بأنّ هذه الحجّة - مع مخالفة مدلولها للأصحاب - إنّما تستلزم غَسل مالا شعر فيه من الوجه؛ لعدم انتقال الاسم عنه، لا وجوب غسل ماتحت الشعر الساتر الذي هو المتنازع، فدليله لا يطابق مدّعاه.

واعلم أنّ الخلاف إنّما هو في وجوب تخليل البشرة التي تحت الشعر الخفيف المستورة به، أمّا ما كان منها مرئيّاً بين الشعر فيجب غَسله قطعاً لعدم انتقال اسم الوجه عنه.

ص: 89


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58 ، ح 161؛ الاستبصار، ج 1، ص 57، ح 169.
2- الفقيه، ج 1، ص 45. ح 88 .
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 113 - 114. المسألة 69.

(و) يجب (غَسل اليدين) مبتدئاً فيهما وجوباً (من المرفقين) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس، سَمّيا بذلك لأنّه يرتفق بهما في الاتّكاء ونحوه (إلى أطراف الأصابع) لما تقدّم في الوجه.

(ويُدخل المرفقين في الغَسل) إجماعاً منّا ومن أكثر مخالفينا إمّا لأنّ (إِلَى) في الآية(1) بمعنى «مع» وهو كثير، كقوله تعالى: (مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللهِ)(2) أولأّنّ الغاية تدخل في المغیّى حيث لامفصل محسوس، أو لدخول الحدّ المجانس في الابتداء والانتهاء، مثل: «بعت الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف».

والوضوء البياني أوضح دلالةً في ذلك؛ فإنّه(صلی الله علیه و آله و سلم) أدار الماء على مرفقيه مبتدئاً بهما ثمّ قال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به» (3).

وبالجملة، فوجوب غسل المرفق لا خلاف فيه، إنّما الخلاف في سبب الوجوب هل هو النص ؟ كما تقدّم، أو الاستنباط من باب مقدّمة الواجب بجعل (إِلَى) للغاية؟ وهي لا تقتضى دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه؛ لورودها معهما.

أمّا الدخول: فكقولك: «حفظت القرآن من أوّله إلى آخره» ومنه (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ، لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَاءِ) (4).

وأمّا الخروج: فك_(أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ )(5) و (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )(6) وحينئذٍ لا دلالة على دخول المرفق من الآية نصّاً، والبياني أعمّ منه ومن الاستنباط .

وتظهر الفائدة في وجوب غَسل جزء من العضد فوق المرفق فيما لو قُطعت اليد من المرفق، وسيأتي الكلام فيه.

ص: 90


1- المائدة (5): 6 .
2- آل عمران (3): 52 .
3- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- الإسراء (17): 1 .
5- البقرة :(2): 187 .
6- البقرة (2): 280.

(ولو نكس) الغَسل بأن ابتدأ فيه بالأصابع (بطل) الغسل، فإن لم يُعِده على الوجه المعتبر بطل الوضوء، خلافاً للسيّد المرتضى وابن إدريس(1). و الكلام فيه كالكلام في البدأة بأعلى الوجه حجّةً وجواباً.

(ولو كان له يد زائدة وجب غَسلها) إن كانت تحت المرفق مطلقاً أو فوقه ولم تتميّز عن الأصليّة، وهذا كلّه لا خلاف فيه.

أمّا لو كانت فوقه وتميّزت، فالأمر فيه كذلك عند المصنّف، ولذا أطلق القول هنا، وصرّح به في المختلف؛ محتجّاً بصدق اسم اليد، وبصحّة تقسيمها إلى الزائدة والأصليّة، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام التي قسّم إليها، وبالمعارضة بما تحت المرفق (2).

وفيه نظر؛ لوجوب حمل الأيدي على المعهود المتعارف . والاحتجاج باشتراك مورد التقسيم بين جميع أفراد الأقسام مع اشتهاره بين القوم قد أُورد عليه أنّه غير لازم، فإنّا نقسّم الحيوان إلى الأبيض وغير الأبيض - مثلاً - مع أنّ في كلّ منهما غير الحيوان.

واعتذر عنه بأنّ التقسيم عبارة عن ضمّ القيود المتخالفة إلى مورد القسمة ليحصل بانضمام كلّ قيد إليه قسم منه، فالقسم عبارة عن مجموع مورد القسمة مع القيدّ ولا يتحقّق بدون مورد القسمة، فلابدّ أن يكون المورد مشتركاً بين جميع أفراد أقسامه. والقسم في المثال المذكور هو الحيوان الأبيض والحيوان الغير الأبيض. وفيه بحث.

سلّمنا، لكن صحّة التقسيم إنّما هو باعتبار الصورة لا باعتبار المتعارف الحقيقي، وإلّا لكان لمانع أن يمنع صحّته.

والمعارضة ليست لازمةً؛ لأنّ ما تحت المرفق لم يوجب غَسله لكونه يداً، بل لأنّه في محلّ الفرض فكان من جملته، كغير اليد من الأجزاء التي لا يصدق اسمها عليها حقيقةً ولا مجازاً.

ص: 91


1- انظر الهامش 4 من ص 88 .
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 121. المسألة 74.

ولو كانت في نفس المرفق، فكذلك عند المصنّف(1) أيضاً بطريق أولى، وكذا عند مَنْ أوجب غَسل المرفق نصّاً.

أمّا مَنْ أوجبه تبعاً من باب مقدّمة الواجب فيمكن القول بوجوب غَسلها عنده؛ لأنّها في محلّ الفرض ظاهراً. وعدمه؛ لعدم كونه كذلك في نفس الأمر، وغَسل المرفق لاشتباه حدّ اليد، وهو منتفٍ في الخارج عنها وعن مسمّاها. وهو ضعيف.

(وكذا) يجب غَسل (اللحم الزائد) الكائن ( تحت المرفق) أو فيه لافوقه؛ لخروجه محلّ الفرض، ومنه ما يتدلّى عن ، ومنه ما يتدلى من اللحم والجلد من غير محلّ الفرض إليه ؛ لوجود العلّة فيه (و) كذا (الإصبع) بمثلّث الهمزة مع مثلّث الباء (الزائدة) في محلّ الفرض.

(ومقطوع اليد) من دون المرفق (يغسل الباقي) لوجوب غَسل الجميع على تقدير وجوده، فإذا زال البعض لم يسقط الآخر.

(ويسقط ) وجوب غَسل اليد (لو قُطعت من المرفق) بناءً على أنّ غَسل المرفق إنّما وجب تبعاً من باب المقدّمة لا أصالةً، كما يجب غَسل جزء من الرأس تبعاً للوجه ليتحقّق غسل جميعه، وكما في ستر جزء من البدن مع العورة ليتحقّق سترها، فإذا زال الاشتباه بالقطع من المفصل سقط الوجوب؛ لظهور خروجه عن محلّ الفرض فيلحق بباقي أجزاء البدن.

ولو جعلنا «إلى» بمعنى «مع» وجب غَسل رأس العضد أصالةً؛ لأنّه جزء من محلّ الفرض.

وممّا يرجّح هذا الوجه - مع ما تقدّم - أنّ حملها على الانتهاء يوهم ابتداء الغَسل من رؤوس الأصابع، فالحمل على مالايُوهم شيئاً أولى، وعلى هذا لا يسقط غَسل موضع القطع؛ لأنّ المرفق هو العظمان المتداخلان، فإذا ذهب أحدهما وجب غَسل الآخر؛ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور.

ص: 92


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 39 .

ويزيد الوجوب ما احتجّ به المصنّف(1) على استحباب غسل العضد من الروايات: كقول أبي الحسن الكاظم(علیه السلام) في مقطوع اليد من المرفق: «يغسل مابقي من عضده»(2).

والظاهر أنّ المراد به رأس العضد الذي كان يغسل قبل القطع، وأطلق عليه العضد لعدم اللبس؛ للإجماع على عدم وجوب غَسل جميع العضد في حال، وهو أولى من حمله على الاستحباب؛ لأنّه خبر معناه الأمر، وهو حقيقة في الوجوب.

وأوضح دلالةً ماروي عن أبي عبد الله(علیه السلام) في الأقطع اليد أو الرجل كيف يتوضّاً؟ قال: «يغسل ذلك المكان الذي قطع منه»(3) .

وكذا القول فيما لو قُطعت رِجله من الكعب، وقد ذُكر أيضاً في هذه الرواية.

ولو قُطعت اليد من فوق المرفق أو الرِجل من فوق الكعب، لم يجب الغسل ولا المسح إجماعاً.

وهل يستحبّ مسح باقي العضد ؟ أثبته جماعة، منهم المصنّف والشهيد (رحمهما الله)(4)، استناداً إلى الرواية السابقة عن الكاظم(علیه السلام)، مع أنّها إنّما وردت في القطع من

المرفق. وعلى ما ذكرناه من توجيهها يسقط الاحتجاج بها رأساً.

وأمّا الرِجل فلا نصّ معتبر على مسح ما خرج عن محلّ الفرض، غير أنّ الصدوق (رحمه الله) لمّا روى عن الكاظم(علیه السلام) ما تقدّم قال: وكذلك روي في أقطع الرِجلين(5) . ومثل هذا لا يصلح للاحتجاج .

(و) يجب (مسح بشرة مقدّم الرأس) دون وسطه أو خلفه أو أحد جانبيه ؛ لأنّ

ص: 93


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 120، المسألة 73 .
2- الكافي، ج 3، ص 29 ، باب حد الوجه الذي يغسل .... ح 9؛ الفقيه، ج 1، ص 49. ح 99: تهذيب الأحكام، ج 1. ص 360 . ح 1086.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 359، ح 1078.
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 120، المسألة 73؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 37 - 38؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 38 ذكرى الشيعة، ج 2، ص 50 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- الفقيه، ج 1، ص 49، ح 99.

النبيّ(صلى الله عليه و آله و سلم) مسح في الوضوء البياني بناصيته(1) . وعليه إجماع الإماميّة (أو شعره) أي شعر المقدّم (المختص به) فلا يجزئ المسح على شعر غير المقدّم وإن كان موضوعاً عليه، ولا على شعره غير المختصّ به، كالطويل بحيث لو استرسل لخرج عن حدّ المقدّم.

والمراد بالممنوع منه هنا الجزء الخارج بمدّه عن حدّه دون أصله وما يتّصل به ممّا لا يخرج به عنه.

وقوله (بأقل اسمه) أي يجب المسح المذكور بأقلّ اسم المسح، وهو إجراء جزء من الإصبع على المحلّ الممسوح.

وتخصيص الإصبع في كلامهم بناءً على أنّ أقلّ ما يمسح به المكلّف بحسب الواقع إذا قلّل هو الإصبع، فكأنها آلة للمسح لا ملحوظة بالتقدير.

وهذا هو اختيار جماعة(2) من المتأخّرين.

وأوجب المرتضى (رضي الله عنه) في مسائل الخلاف وابن بابويه (رحمه الله) ثلاث أصابع مضمومة (3). وتبعهما الشيخ (رحمه الله) في النهاية(4) ؛

وإنّما أجزأ ذلك كلّه؛ لمكان الباء في قوله تعالى: (بِرُءُوسِكُمْ ) (5).

أمّا عندنا فظاهر؛ للنصّ عليه في خبر زرارة، قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام) : ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك، ثمّ قال: «یا زرارة قاله رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، ونزل به الكتاب من الله عزّ وجلّ يقول: (فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ) فعلمنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل، ثمّ قال: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )

ص: 94


1- صحیح مسلم، ج 1، ص 230، ج 274/81؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 38، ح 150؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 100 ، ح 280 .
2- منهم: ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 101؛ والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 144؛ والفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 1، ص 66.
3- الفقيه، ج 1، ص 45، ذيل الحديث 88 وحكاه عنهما المحقق في المعتبر، ج 1، ص 145 .
4- النهاية، ص 14.
5- المائدة (5): 6 .

ثم فصل بين الكلام فقال: (وَأَمْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ) فعرفنا حين قال «برُءُوسِكُمْ» أنّ المسح ببعض الرأس؛ لمكان الباء، ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه ، فقال: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضها »(1).

وإنّما نقلتُ الحديث بأسره لكثرة الاختلاف في هذه الباء بين الأصوليّين، وحيث هي منصوصة عندنا عن أئمّة الهدى فلا يلتفت حينئذٍ إلى مَنْ مَنَع من ذلك من الأصوليّين، ولا إلى إنكار سيبويه(2) إفادتها التبعيض في سبعة عشر موضعاً من كتابه، وتبعه على ذلك ابن جنّي(3) ، مع أنّها شهادة على النفي، ومعارضة بإقرار الأصمعي وأبي عليّ الفارسي وابن كيسان والقتيبي (4)، وابن مالك من المتأخّرين(5) ، وأكثر عليها من الآيات الإلهية والشواهد الشعريّة، كقوله تعالى: (يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ )(6).

وقول الشاعر:

شَربنَ بماء البحرِ ثُمّ ترفّعت (7)

وقوله:

شُرْبَ النَزِيفِ ببرد ماء الحَشْرج(8)

ص: 95


1- الكافي، ج 3، ص 30، باب مسح الرأس والقدمين، ح 4 الفقيه، ج 1، ص 103، ح 212 علل الشرائع، ج 1، ص 324، الباب 190، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 61، ح 168؛ الاستبصار، ج 1، ص 62 - 63 ، ح 186.
2- انظر على سبيل المثال: الكتاب، ج 4، ص 217 .
3- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 52 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- في مغني اللبيب: القتبي.
5- مغني اللبيب، ج 1، ص 204.
6- الإنسان (76): 6 .
7- صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وعجزه: متى لُجَجٍ خُضر لهنّ نتيج. الخصائص ابن جني، ج 2، ص 85؛ شرح ابن عقيل، ج 2، ص 6.
8- عجز بيت، وصدره: فلَتَمْتُ فاها آخذاً بقرونها. والحشرج كوز صغير لطيف. تهذيب اللغة، الأزهري، ج 5، ص 310؛ لسان العرب، ج 2، ص 237، «حشرج».

ونُقل عن جميع الكوفيّين(1). وحُمل النفي المتقدّم على أنّه عن أهل بلد النافي لا غير كما صرّح به ابن جنيّ(2).

ولما ذكره محقّقو الأصول من أنّها إذا دخلت على المتعدّي بنفسه أفادت التبعيض، وإلّا لزم عدم فائدتها، وللفرق بين «مسحت المنديل» و«مسحت بالمنديل».

وهذه الحجّة قرّرها المصنّف أيضاً في كتب الأصول(3)، لكن مع ثبوت النصّ عندنا لا يحتاج إلى ذلك.

وأمّا عند غيرنا ممّن لم يوجب استيعاب الرأس بالمسح، فلما نقلناه عن أهل العربيّة والأصول.

ويدلّ على عدم وجوب الثلاث قول الباقر(علهی السلام) في حديث الأخوين(4) : «إذا مسحت بشيءٍ من رأسك أو بشيءٍ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزاك»(5). فالشيء كما يتناول أقلّ من الثلاث يتناول أيضاً ما هو أقلّ من قدر الإصبع عَرضاً، وهو معنى أقلّ الاسم كما قلنا.

إذا تقرّر ذلك، فإن اقتصر المكلّف على الأقلّ فهو الواجب. وإن زاد عليه فلا ريب في استحبابه عيناً، لكن هل يوصف مع ذلك بالوجوب تخييراً أم لا؟ الذي يظهر من المصنّف (رحمه الله) هنا وصرّح به في الأصول(6) عدم الوصف بالوجوب ؛ محتجّاً بأنّه(7) يجوز تركه لا إلى بدل ولا شيء من الواجب كذلك، فلا شيء من الزائد بواجب. وبأنّ الكلّي قد وُجد فخرج المكلف به عن العهدة، فلم يكن شيء مطلوب

ص: 96


1- كما في مغني اللبيب، ج 1، ص 204؛ وذكرى الشيعة، ج 2، ص 52 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
2- کما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 52 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
3- منها : نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 326.
4- هما: زرارة و بكير ابنا أعين.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 10، ح 237؛ الاستبصار، ج 1، ص 61 ، ح 182 .
6- نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 526 - 527 .
7- أي بأن الزائد على الواجب.

منه حتماً حتّى يوصف بالوجوب.

وفيه نظر؛ إذ لا مانع من إلحاقه بالواجبات الكلّيّة، كأفراد الواجب المخيّر.

والاستدلال بجواز تركه إن أراد به مطلق الواجب مُنعت الصغرى؛ لجواز ترك بعض أفراد الواجب المخيّر مع الإتيان بالفرد الآخر، وظاهر إطلاق اسم الواجب على كلّ واحد منها أو فرداً خاصّاً لم يستلزم المدّعى؛ لعدم كلّيّة الكبرى.

وقد وقع مثل ذلك في التخيير بين القصر(1) والتمام في أماكن التخيير عندنا، ومطلقاً عند غيرنا؛ فإنّ الركعتين الأخيرتين من هذا القبيل، ولا امتناع في أن يكون الشيء مطلوباً وجوباً على وجهين أحدهما أكمل من الآخر، كمثال القصر والتمام. ومن هذا الباب تكرار التسبيحات الأربع في الأخيرتين، وتكرار التسبيح في الركوع والسجود ونحوها.

واستقرب شيخنا الشهيد (رحمه الله) استحباب الزائد عن أقلّ الواجب، محتجّاً بجواز تركه، كما مرّ. قال في الذكرى: هذا إذا أوقعه دفعةً، ولو أوقعه تدريجاً فالزائد مستحبّ قطعاً (2).

وهذا التفصيل حسن؛ لأنّه مع التدريج يتأدّى الوجوب بمسح جزء فيحتاج إيجاب الباقي إلى دليل، والأصل يقتضي عدم الوجوب، بخلاف ما لو مسحه(3) دفعةً؛ إذ لم يتحقّق فعل الفرد الواجب إلّا بالجميع.

واعلم أنّ الخلاف المتقدّم في تقدير المسح إنّما هو في الرأس، أمّا في الرِجلين، فقال المحقّق في المعتبر:

يكفي المسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة، وهو إجماع فقهاء أهل البيت(علیهما السلام) (4).

ص: 97


1- في «م»: «كما في القصر» بدل كمثال القصر».
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 59 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
3- في «م»: «مسح».
4- المعتبر، ج 1، ص 150.

فافهم ذلك، فإنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة، مع أنّه لم يدّع خلاف ذلك.

(ولا يجزئ الغَسل عنه ) أي عن المسح؛ لأنّهما حقيقتان مختلفتان لاتدخل ( إحداهما تحت الأمر بالأخرى، ولتحريم الماء الجديد، وللخبر (1).

وهل اختلاف حقيقتي الغَسل والمسح على وجه العموم والخصوص من وجه أم على وجه التباين بحيث لا تجتمعان في مادّة؟

يحتمل الأوّل؛ لأنّ المراد بالغَسل إجراء الماء على العضو، وبالمسح إمرار اليد عليه مع وجود بلل الوضوء عليها، وهو أعمّ من كونه مع ذلك جارياً على العضو وعدمه، وحينئذٍ فيصدق الغسل بدون المسح في إجراء الماء على العضو من دون إمرار اليد، والمسح بدونه مع إمرارها ببلل غير جارٍ، ويجتمعان في إمرارها ببلل يجري على العضو.

ويحتمل الثاني؛ لدلالة الآية والأخبار على اختصاص أعضاء الغَسل به وأعضاء المسح به، والتفصيل قاطع للشركة، فلو أمكن اجتماعهما في مادّة أمكن غَسل الممسوح فيتحقّق الاشتراك.

ولأنّ المصنّف نقل في التذكرة الإجماع على أنّ الغَسل لا يجزئ عن المسح(2) . ولا شكّ أنّ الماء الجاري على العضو على ذلك الوجه غَسل فلا يجزئ إجماعاً، ولا اعتبار بعدم نيّة الغسل به؛ لأنّ الاسم تابع للحقيقة لا للنيّة.

وتظهر الفائدة فيما لو مسح على العضو الممسوح ببلل كثير بحيث جرى عليه، فعلى الأوّل يجزئ دون الثاني.

وممن صرّح بالإجزاء الشهيدُ (رحمه الله) في الذكرى، قال فيها:

ولا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح؛ لأنه من بلل الوضوء. وكذا لومسح بماء

ص: 98


1- الكافي، ج 3، ص 31، باب مسح الرأس والقدمين، ح 9؛ علل الشرائع، ج 1، ص 336 ، الباب 212 ، ح 2: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 65، ح 184 الاستبصار، ج 1، ص 64 ، ح191 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 168، المسألة 50.

جارٍ على العضو وإن أفرط الجريان؛ لصدق الامتثال. ولأنّ الغسل غير مقصود (1). وفي تحقّق الامتثال مامرّ من المنع. وعدم قصد الغَسل مع وجوده لا يُخرجه عن كونه غَسلاً، فالمتّجه حينئذٍ عدم الإجزاء.

(ويستحبّ المسح مُقبلاً) تفصيّاً من الخلاف فيحصل القطع برفع الحدث معه، وليس بواجب على الأصحّ، خلافاً للأكثر (2)؛ لإطلاق الآية(3) والأخبار.

ولصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «لابأس بمسح الوضوء مُقبلاً و مدبراً»(4).

وما تقدّم من الاستدلال بالوضوء البياني من أنّه إن كان(علی السلام) مسح رأسه منكوساً تعيّن ذلك، لكنّ الإجماع على خلافه، بل غايته الجواز، فدلّ على مسحه مُقبلاً فيجب، يندفع هنا بدليل خارجي، وهو الخبر المتقدّم. وحاصله: أنّه حجّة فيما لا يثبت خلافه؛ لاشتماله على مقطوع بعدم وجوبه.

والعجب أنّ المرتضى (رحمه الله) مَنَع من استقبال الشعر هنا مع تجويزه الاستقبال في الوجه واليدين! محتجّاً هنا بتوقّف القطع برفع الحدث عليه (5).

(ولا يجوز) المسح (على حائل كعمامة وغيرها) ولوحنّاء - ومورد من نفي البأس عنه (6)محمول على أثره، وهو اللون - لإفادة الباء في الآية(7) الإلصاقَ مع

ص: 99


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 59 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 54 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (6) ؛ ومنهم: الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 45، ذيل الحديث :88 والشيخ في الخلاف، ج 1، ص 83 المسألة 31؛ والنهاية، ص 14؛ و ابن حمزة في الوسيلة، ص 50.
3- المائدة (5): 6 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 58 ، ح 161؛ الاستبصار، ج 1، ص 57، ح 169.
5- الانتصار، ص 99 و 103، المسألتان 9 و 11؛ وكما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 54 (ضمن موسوعة الأول. ج 6).
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 359، ح 1079 و 1081؛ والاستبصار، ج 1 ، ص 75، ح 232 و 233.
7- المائدة (5): 6 .

التبعيض؛ إذ لا منافاة، فلايخرج عن العهدة بدونه.

ولقول الصادق(علیه السلام) حين سُئل عن رجل يتوضّأ وثقل عليه نزع العمامة، قال: «يدخل إصبعه»(1).

(و) يجب (مسح بشرة الرِجلين) بإجماعنا وتواتر الأخبار به عن أئمّتنا(علیهم السلام) وروي عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) من طريق العامة في جملة أخبار(2) .

ولقوله تعالى: (وَأَمْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ )(3) بالجرّ عطفاً على الرؤوس لفظا، أو بالنصب على المحلّ؛ لأنّ الرؤوس في محلّ نصب ب_«أمْسَحُوا» وهو أولى من عطف الأرجل على تقدير النصب على الأيدي ؛ للقرب، والفصل، والإيهام المخلّ بالفصاحة من الانتقال من جملةٍ إلى أخرى قبل إكمالها ، كقولك : «ضربت زيداً وعمراً، وأكرمت خالداً وبكراً» ويجعل بكراً معطوفاً على زيد وعمرو

المضروبين.

وحَملُ الجرّ في الأرجل على المجاورة للمجرور - كقوله تعالى: (عَذَابَ يَوْمٍ أليم)(4) ، وقراءة حمزة (وَحُورٌ عِين )(5) ، إذ ليس معطوفاً على (لَحْمِ طَيْرٍ ﴾(6) لعدم كون الحور معطوفاً بهنّ - ضعيف؛ لإنكار أكثر أهل العربيّة الجرّ بالمجاورة، فيضعف جدّاً إن لم يمنع ، ولا يليق بكتاب الله عزّوجلّ، مع أنّه مشروط عند مجوّزه بعدم الالتباس وعدم العطف، وهُما مفقودان هنا.

وما ورد ممّا يوهم خلاف الشرطين مقرّر على وجه يدفع التوهّم، وجرّ (أليم)

ص: 100


1- الكافي، ج 3، ص 30، باب مسح الرأس والقدمين، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 90، ح 239؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 61 - 62، ح 183.
2- سنن أبي داود، ج 1، ص 41، ح 160؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 429، ح 1360.
3- المائدة (5) : 6 .
4- هود (11): 26.
5- الواقعة (56): 22 .
6- الواقعة (56): 21 .

لا يلبسه ب_(يَوْمٍ) و (حُورٌ عِينٌ) مجرور عطفاً على (جَنَّتِ )(1) أي المقرّبون في جنّاتٍ ومصاحبة حور عين؛ لمنع الجوار مع العطف بالواو.

واعلم أنّه يستفاد من قوله «بشرة الرِجلين» مع قوله في الرأس كذلك أو «شعره المختصّ» أنّه لا يجزئ المسح على الشعر في الرجلين، بل يتحتّم البشرة، والأمر فيه كذلك.

(بأقل اسمه) كما تقدّم في مسح الرأس؛ لعطف الأرجل على الرؤوس، فشاركه في الحكم، إلّا أنّه لا خلاف هنا في إجزاء المسمّى، كما ذكره المحقّق (رحمه الله) في المعتبر(2) .

وحدّه (من رؤوس الأصابع إلى الكعبين) ولا بدّ من إدخال جزء من الحدّين؛ لعدم المفصل المحسوس، كنظائره .

(وهُما) أي الكعبان (مجمع القدم وأصل الساق) على المختار عند المصنّف (رحمه الله) وتبعه الشهيد (رحمه الله) في الألفيّة(3)، والمقدادُ في الكنز(4)، مع أنّ الشهيد (رحمه الله) في الذكرى ادّعى إجماعنا وكثير ممّن خالفنا - كسائر الحنفيّة وبعض الشافعيّة - على أنّهما قبّتا القدم عند معقد الشراك (5).

ولاشتقاقه من قولهم كعب: إذا ارتفع. ومنه: كعب ثدي الجارية: إذا علا .

قال:

قد كعب الثدي على نحرها*** في مُشرق ذي صَبَح نائر(6). فهو بالاشتقاق أنسب.

ص: 101


1- الواقعة (56): 12.
2- المعتبر، ج 1، ص 150 .
3- الرسالة الألفية، ص 6 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 18).
4- كنز العرفان، ج 1، ص 18.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 65 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
6- البيت ورد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 66 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6) كما في المتن وفي ديوان الأعشى، ص 189 هكذا: قد نهد الثدي على صدرها.

وكذلك المحقّق في المعتبر(1) ادّعى أيضاً إجماع فقهاء أهل البيت(علیهم اللسلام) على ذلك، وقَبَله الشيخ (رحمه الله) في التهذيب (2).

وللنقل المتواتر عن أهل البيت(علیهم اسلام) ، كماروي عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه وصف الكعب في ظهر القدم(3) .

وعنه(علیه السلام) في وصف وضوء رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) «ثمّ وضع يده على ظهر القدم ثمّ قال: هذا هو الكعب. قال: وأومأ بيده إلى أسفل العُرقُوب وقال: هذا هو الظنبوب(4)»(5)

ولاريب أنّ الكعب الذي يدّعيه المصنّف ليس في ظهر القدم، وإنّما هو المفصل بين الساق والقدم، والمفصل بين شيئين يمتنع كونه في أحدهما.

واحتجّ المصنّف على مذهبه بما رواه زرارة وبكير ابنا أعين عن أبي جعفر(علیه السلام) حیث سألاه عن الكعبين، فقال: «ها هنا» يعني المفصل دون عظم الساق(6).

وبما تقدّم من وصف الباقر(علیه السلام) الوضوء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، إلى أن قال: «ومسح على مقدّم رأسه وظهر قدميه»(7) ، وهو يعطي استيعاب المسح لجميع ظهر القدم.

وبأنّه أقرب إلى ما حدّده أهل اللغة (8).

وأنت خبير بعدم دلالة الحديث الثاني، وقد تقرّر.

وأمّا حديث الأخوين: فهو وإن لم يناف مدّعاه لا ينافي مدّعى الجماعة أيضاً، فيجب حمله على ما يوافق الحديثين المتقدّمين؛ جمعاً بين الأخبار، وموافقةً للإجماع، مع أنّ

ص: 102


1- المعتبر، ج1،ص115.
2- تعذیب الأحکام، ج1، ص75.
3- الكافي، ج 3، ص 26 - 27 ، باب صفة الوضوء، ح 7، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 75 ، ح 189؛ الاستبصار، ج 1، ص 69 ، ح 210.
4- الظنبوب العظم اليابس من قدم الساق. الصحاح، ج 1، ص 175، «ظنب».
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 75 ، ح 190.
6- الكافي، ج 3، ص 25 - 26، باب صفة الوضوء، ح 5: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 76 ، ح 191.
7- الكافي، ج 3، ص 25، باب صفة الوضوء، ح 4؛ الفقيه، ج 1، ص 37، ح 74.
8- مختلف الشيعة، ج 1، ص 125 - 126 ، المسألة 78.

الشهيد (رحمه الله) جَعَله أوّل الأدلة النقليّة على قول جماعة الأصحاب(1) .

وأمّا استدلاله بقربه إلى ما حدّده أهل اللغة: فقد أجاب عنه في الذكرى بأنّه إن أراد بأهل اللغة لغويّة العامة، فهُم مختلفون. وإن أراد لغويّة الخاصّة، فهُم متّفقون على ما قرّرناه أوّلاً حتّى أنّ العلّامة اللغوي عميد الرؤساء صنّف في الكعب كتاباً مفرداًّ، وأكثر فيه من الشواهد على أنّه قبّة القدم (2).

والظاهر أنّ تفسير الشهيد (رحمه الله) له في الألفيّة بأنّه ملتقى الساق والقدم(3) على سبيل الاحتياط لا الوجوب، كما ذكره في البيان(4) ؛ لكثرة تشنيعه على الفاضل في القول بذلك حتّى ألزمه خرق إجماع الكلّ وإحداث قول ثالث مستلزم رفعَ ما أجمع عليه الأمّة؛ لأنّ الخاصّة على ماذُكر، والعامّة على أنّ الكعب ما نتأ عن يمين الرجل وشمالها (5)(6).

والعجب من المصنّف حيث قال في المختلف: إنّ في عبارة أصحابنا اشتباهاً على غير المحصّل(7) ؛ مشيراً إلى أنّ المحصل لا يشتبه عليه أن مرادهم بالكعب المفصل بين الساق والقدم، وأنّ مَنْ لم يفهم ذلك من كلامهم لا يكون محصّلاً. ثمّ حكى كلام جماعة منهم، والحال أنّ المحصّل لو حاول فهم ذلك من كلامهم لم يجد إليه سبيلاً ولم يقم عليه دليلاً. وكأنّه تعرّض في ذلك لشيخه أبي القاسم حيث ادّعى إجماع علماء أهل البيت(علیهم السلام) على خلاف مدّعاه، كما تقدّم النقل عنه(8) ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ص: 103


1- انظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 66 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 66 - 68 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- الرسالة الألفية، ص 6 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (18) .
4- البيان، ص 45 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «شماله». والأنسب ما أثبتناه.
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 68 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 125. المسألة 78 .
8- تقدّم في ص 102.

(ويجوز) المسح على الرجلين (منكوساً) بأن يبتدئ بالكعب ويختم بالأصابع (كالرأس)؛ لرواية حمّاد - المتقدمة(1) - عن أبي عبد الله(علیه السلام) : «لا بأس بالمسح في الوضوء مقبلاً ومُدبراً» وهو شامل بإطلاقه للجميع. وفي عبارة أُخرى له عنه(علیه السلام) : «لا بأس بمسح القدمين مقبلاً ومُدبراً»(2) وغير ذلك من الأخبار، مُقبلاً ومُدبراً» وغير ذلك من الأخبار، وهي مخصّصة أيضاً لدليل الوضوء البياني، كما تقدّم.

والكلام في «إلى» في الآية(3) هنا كما مرّ في احتمال المعيّة والغاية، فعلى الأوّل لا دلالة فيها على الابتداء، وكذا على الثاني إذا جُعلت الغاية للممسوح.

وأوجب جماعة(4) ، الابتداء برؤوس الأصابع، ووافقهم المرتضى هنا (5)- مع مخالفته في غَسل الوجه واليدين - جعلاً ل_«إلى» على بابها من الانتهاء، وأرادوا به انتهاء المسح. ولأنّ في وصف الباقر(علیه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) «مسح قدميه إلى الكعبين»(6) ولأنّ الوضوء البياني لم ينكس فيه، وإلّا لما أجزأ خلافه مع جوازه إجماعاً، والتقريب ما تقدّم. ولا ريب أنّه أولى وأحوط لتحقّق الخروج عن العهدة بفعله.

(ولا يجوز) المسح (على حائل، كخُفّ وغيره اختياراً) إجماعاً منّا؛ لعدم مسمّى الرجلفيه. ولإفادة الباء المقدّرة في المعطوف الإلصاقَ. ولعدم المسح في الوضوء البياني - المحكوم بأنّه لا تقبل الصلاة إلّا به - على حائل بين البشرة وبينه من خُفّ وغيره إجماعاً.

وقد روي عن عليّ(علیه السلام): «ما أُبالي أمسح على الخُفّين أو على ظهر عير بالفلاة»(7)

ص: 104


1- تقدّمت في ص 99.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83، ح 217 .
3- المائدة ( 5 ) : 6 .
4- منهم الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 45 ، ذيل الحديث 88؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 99.
5- الانتصار، ص 115 ، المسألة 16 .
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 56، ح 158؛ الاستبصار، ج 1، ص 57، ح 168.
7- أورده المحقق في المعتبر، ج 1، ص 153.

بالعين المهملة ثمّ الياء المثّناة من تحت ثمّ الراء المهملة، وهو الحمار.

ومثله عن أبي هريرة وعائشة (1).

وعنها عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال: «أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره (2).

وعنها : لأن تقطع رِجْلاي بالمواسي أحبّ إليَّ من أن أمسح على الخُفّين (3).

وإنكار هؤلاء يدلّ على عدم فعل النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) إياه.

وأمّا الروايات عن أهل البيت(علیهم السلام) في ذلك فكثيرة غنيّة عن الإيراد هنا.

(ويجوز) ذلك (للتقيّة والضرورة) كالبرد ولا يختصّ بكيفيّة عندهم، كاللبس على طهارة، ولا كمّيّة كاليوم والليلة للحاضر والثلاثة للمسافر.

ولا يبطل الوضوء بزوال التقيّة والضرورة ما لم يحدث على الأصحّ؛ لأنّها طهارة شرعيّة ولم يثبت كون ذلك ناقضاً. ويحتمله؛ لزوال المشروط بزوال شرطه. وقرّبه المصنّف (رحمه الله) في التذكرة(4) ، وتوقّف في غيرها (5).

ولا يشترط في جواز ذلك ونحوه للتقيّة عدم المندوحة، وهو يؤيّد بقاء الطهارة مع زوال سبب التقيّة.

ولو تأدّت النقيّة بأحد الأمرين: إمّا المسح على الخُفّ أو غَسل الرجلين، تعيّن الغَسل: لأنّه أقرب إلى المفروض بالأصل.

(ولو غسل) رجليه (مختاراً بطل وضوؤه) لاختلاف الحقيقة، ومخالفة الأمر، وللإجماع. واحترز بالاختيار عن التقيّة، فيجوز الغَسل لها. ولا يجب الاستيعاب حينئذ،

ص: 105


1- المصنف ابن أبي شيبة، ج 1، ص 213 - 214، ح 9؛ الفقيه، ج 1، ص 48، ح 97؛ الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 515: وكما في المعتبر، ج 1، ص 153.
2- الفقيه، ج 1، ص 48 ، ح 96؛ الأمالي الشيخ الصدوق، ص 515 .
3- المعتبر، ج 1، ص 153؛ المصنف ابن أبي شيبة، ج 1، ص 213، ح 1، وص 214، ح 10.
4- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 174، ذيل المسألة 53.
5- قواعد الأحكام، ج 1، ص 203؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 45.

بل لو تأدّت بغَسل موضع المسح خاصّةً أجزاً.

ولو انعكس الحكم بأن مسح في موضع التقيّة بطل وضوؤه أيضاً؛ للنهي المقتضي للفساد في العبادة، مع احتمال الصحّة؛ لأنّ النهي لوصف خارج.

واعلم أنّ الحالة الموجبة للتقيّة أن يحصل للمكلّف العلم أو الظنّ بنزول الضرر - بتركها - به أو ببعض المؤمنين قريباً أو بعيداً، سواء كان ذلك في واجب عندهم أم مستحبّ أم مباح.

ولو لم يخف ضرراً عاجلاً ويتوهّم ضرراً آجلاً أو ضرراً سهلاً استحبّت. وكذا لو كانت التقيّة في المستحبّ كغَسل الوجه باليدين معاً حيث لا ضرر معلوماً ولا مظنوناً، ولا يبطل الفعل بتركها هنا قطعاً.

وقد تكره، كالتقيّة في المستحبّ حيث لا ضرر عاجلاً ولا أجلاً مع خوف الالتباس على عوام المذهب.

وقد تحرم حيث يتحقّق الأمن من الضرر بفعل الواجب عاجلاً وآجلاً. ولا يتصوّر إباحتها في العبادة وإن أمكنت في الجملة، كالتقيّة في بعض المباحات التي ترجّحها العامة ولا يحصل بتركها ضرر، فهي إذن منقسمة بانقسام الأحكام الخمسة، ولا اختصاص لها بهذا الباب وإن أمكن فرض الأربعة فيه.

(ويجب مسح الرأس والرجلين ببقيّة نداوة الوضوء) لوصف وضوء رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وفيه: «ثمّ مسح ببقيّة ما بقي في يده رأسه ورجليه»(1) ، وغيره من الأخبار.

وهذا الحكم قد استقرّ عليه إجماعنا بعد ابن الجنيد مع أنّه لم يُجوّز الاستئناف مطلقاً، بل مع جفاف أعضاء الوضوء أو مع غَسل الأعضاء مرّتين مرّتين(2). مع أنّ الحكم

ص: 106


1- الكافي، ج 3، ص 12، باب اختلاط ماء المطر بالبول .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 55 - 56، ح 157؛ الاستبصار، ج 1، ص 58 ، ح 171 .
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 147؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 55 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

الأوّل يأتي عندنا على بعض الوجوه، كشدّة الحرّ وقلّة الماء.

(فإن استأنف ماءً جديداً بطل وضوؤه) لعدم مماثلته للوضوء المحكوم عليه بأنّه لا تُقبل الصلاة إلّا به.

(فإن جفّ) البلل عن يديه (أخذ من لحيته وأشفار عينيه) وحاجبيه (ومسح به).

ويجوز الأخذ من هذه المواضع وغيرها من غير جفاف؛ لاشتراك الجميع في كونه بلل الوضوء، ولا يصدق عليه الاستئناف .

ولإطلاق قول الصادق(علیه السلام) فيما رواه مالك بن أعين عنه(علیه السلام) : «مَنْ نسي مسح رأسه ثمّ ذكر أنّه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح به)(1) فجوّز(علیه السلام) الأخذ من اللحية من غير تقييد بجفاف اليد.

(فإن جفّ) جميع ذلك أو لم يمكن أن ينفصل عنه ما يتحقّق به المسح (بطل) الوضوء، إلّا مع الضرورة، كإفراط الحرّ وقلّة الماء، فيجوز حينئذ استئناف الماء، لكن لو أمكن إبقاء جزء من اليد اليسرى ثمّ الصبّ عليه أو غمسه في الماء وتعجيل المسح به وجب مقدّماً على الاستئناف.

(ويجب) في الوضوء (الترتيب) بين الأعضاء المغسولة والممسوحة (يبدأ بغسل الوجه ثمّ باليد اليمنى ثمّ باليسرى ثمّ بمسح الرأس ثمّ بالرِجلين) عند علمائنا أجمع؛ لترتيب الوضوء البياني. ولأنّ الفاء في «فَاغسِلُوا» تفيد الترتيب بين إرادة القيام وبين غَسل الوجه، فتجب البدأة بغَسل الوجه وكلّ مَنْ قال بوجوب البدأة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء؛ لأنّ أبا حنيفة ومالكاً لايريان الترتيب فيه ولافي غيره، بل يُجوّزان تأخیره عن الجميع (2)، وصوره مع النكس عندهما سبعمائة وعشرون كلّها مجزئة، وعندنا لا تجزئ منها إلّا واحدة.

ص: 107


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 201 ، ح 788 .
2- الهداية، المرغيناني ، ج 1، ص 13؛ المبسوط السرخسي، ج 1، ص 55 بدائع الصنائع، ج 1، ص 18 و 21 - 22: المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 14؛ بداية المجتهد، ج 1، ص 16 - 17 .

والروايات عندنا على وجوبه وتوقّف صحّة الوضوء عليه متظافرة.

والمعتبر في الترتيب تقديم المقدَّم لا عدم تأخيره، فلا تجزئ المعيّة، بل يحصّل الوجه دخولاً واليمنى خروجاً. فإن أعادها فاليسرى. ويجوز المسح بمائها لعدم صدق التجديد عليه. ولو أخرجها مرتّباً صحّ غَسل الجميع. ولو كان في جارٍ وتعاقبت عليه ثلاث جريات أو في واقفٍ وطال المكث، صح غَسل الوجه واليدين أيضاً.

(ولا ترتيب) واجب (بينهما) أي بين الرجلين للأصل. ولقوله تعالى: (وَ أَرجُلِكُم )(1) فيصدق مع الترتيب وعدمه؛ إذ لا دلالة للكلّي على الجزئي المعيّن.

وأوجبه جماعة(2)؛ لتقريب الدليل في الوضوء البياني، وهو أنّه لو قدم فيه اليسرى أو مسحهما معاً تعيّن ذلك، وهو خلاف الإجماع، فتعيّن كون اليمني فيه مقدّمةً.

وهذا الدليل لا معارض له هنا كما في صورتي نكس المسح فيعمل عليه. والآية كما أنّها لا تدلّ عليه لا تنافيه، كجمع الأيدي مع وجوب الترتيب فيها، وهذا هو الأجود.

(وتجب) فيه (الموالاة) ولا خلاف عندنا في وجوبها، ولكن اختلف في معناها على ثلاثة أقوال:

أحدها أنّها مراعاة الجفاف مطلقاً، فمتى أخّر متابعة الأعضاء على وجه لا يحصل معه جفاف فلا إثم عليه ولا إبطال. وهو قول الأكثر(3) ، ومنهم الشيخ في الجمل (4).

وثانيها: متابعة الأعضاء بعضها لبعض بحيث إذا فرغ من عضو شرع في آخَرَ في

ص: 108


1- المائدة .(5) 6 .
2- منهم ابن أبي عقيل و ابن الجنيد كما حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 130، المسألة 81 ؛والشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 45 ، ذيل الحديث 88 وسلّار في المراسم، ص 38 .
3- منهم: السيد المرتضى في المسائل الناصريات، ص 126 المسألة 33: والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 45: و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 133؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 101؛ والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 14 .
4- الجمل والعقود ضمن الرسائل العشر، ص 159 .

حال الاختيار، فإن أخلّ بها معه أثم، ولا يبطل إلّا بالجفاف. ومع الضرورة - كفراغ الماء ونحوه - لا إثم بالتأخير ولا إبطال ما لم يجف. وهو قول الشيخين(1) - في غير الجمل والمبسوط - والمصنّف (رحمهم الله)، وإليه أشار هنا بقوله (وهي) أي الموالاة (المتابعة اختياراً، فإن أخر ) بعض الأعضاء عن بعض (فجف المتقدّم استأنف) وإلّا فلا لكن مع الإثم في حال الاختيار.

وثالثها المتابعة الاختيار، فمتى أخلّ بها معه بطل الوضوء، سواء حصل معا جفاف أم لا. وهو قول الشيخ في المبسوط (2).

وهذا القول أسقطه المصنّف في المختلف، وجَعَل فيها قولين خاصّة(3)، وقد عرفت أنّ الثلاثة للشيخ (رحمه الله) وحده فضلاً عمّن شاركه في بعضها.

وممّن صرّح بالثلاثة المحقّقُ في المعتبر(4) ؛ والشهيد في الذكرى(5) وكذا في حاشيته على القواعد(6) وإن كانت لا تخلو من إجمال.

واستدلّ المصنّف على مذهبه هنا باقتضاء الأمر في قوله تعالى: (فَاغسِلُوا)(7) إلى آخره الفور؛ لأنّه أحوط . وبقوله تعالى: (سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ )(8) (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)(9) وبأنّه تعالى أوجب غَسل الوجه واليدين والمسح عند إرادة القيام إلى الصلاة بلافصل، وفعلُ الجميع دفعةً متعذّر، فيحمل على الممكن وهو المتعابعة.

وبما رواه أبوبصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: «إذا توضّأت بعض وضوئك

ص: 109


1- المقنعة ص 47 النهاية. ص 15.
2- المبسوط، ج 1، ص 44.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 133، المسألة 82 .
4- المعتبر، ج 1، ص 157.
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 81 87 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
6- حاشية القواعد، ص 73 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 14).
7- المائدة (5): 6 .
8- آل عمران (3) 133 .
9- البقرة (2): 148.

فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يتبعض»(1)

فحكمه(علیه السلام) بأنّ الوضوء لا يتبعّض يصدق مع الجفاف وعدمه. ّ

وبقوله(علیه السلام) : «أتبع وضوءك بعضه بعضا»(2).

وبالوضوء البياني كما تقدّم من أنّه لولم يتابعه لوجب التفريق، وهو خلاف الإجماع. وبأنّه أحوط(3) .

وفي كلّ واحد من هذه الوجوه نظر.

أمّا الأوّل: فلأنّه مخالف لمذهبه في سائر كتبه الأصوليّة حيث ذهب إلى أنّ الأمر لا يفيد الفور ولا التراخي؛ لاستعماله فيهما(4) ، بل هو الظاهر من دليله هنا في قوله: لأنّه أحوط؛ فإنّ البحث ليس فيه، بل في الواجب الذي يحصل الإثم بتركه.

والاستدلال بآية المسارعة أجاب هو عنها في الكتب الأصوليّة بأنّ المسارعة إلى المغفرة مجاز؛ إذ المراد ما يقتضيها. ولو سلّم كونها للوجوب والفور فلاتدلّ على فوريّة مطلق الأمر؛ لأنّ المسارعة إلى المغفرة بفعل سببها وهو التوبة، وهو واجب فوري(5).

وأمّا الآية الثانية: فنمنع أنّ الأمر فيها للوجوب؛ إذ ليس استباق جميع الخیرات واجباً.

وأمّا قوله إنّ الله سبحانه أوجب غَسل الوجه عقيب إرادة القيام إلى الصلاة بلافصل بناءً على دلالة الفاء على التعقيب بغير مهلة: فقد أجيب عنه بأنّ الفاء الدالّة عليه كذلك هي العاطفة، كقولك: جاء زيد فعمرو، وأمّا الداخلة على الجزاء، كقولك: إذا جاء زيد

ص: 110


1- الكافي، ج 3، ص 35 باب الشك في الوضوء ومن نسيه.... ح 7؛ علل الشرائع، ج 1، ص 337، الباب 214، ح 2: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 87، ح 230، وص 98، ح 255:الاستبصار، ج 1، ص 72، ح 220.
2- الكافي، ج 3، ص 34 ، باب الشكّ في الوضوء ومن نسيه.... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 99، ح 259؛ الاستبصار، ج 1، ص 74، ح 228 .
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 134 - 135، المسألة 82.
4- نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 452.
5- نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 457.

فأكرمه، فقد نصّوا على عدم إفادتها التعقيب. ومع تسليمه يلزم عدم جواز تأخير الطهارة عن أوّل وقت لمن أراد القيام إلى الصلاة في آخر الوقت مثلاً؛ إذ يصدق عليه أنّه مريد القيام إلى الصلاة ولم يقل به أحد.

وأمّا الخبر فهو بالدلالة على نقيض المدّعى أولى من الدلالة عليه، وقوله فيه «إنّ الوضوء لا يتبعّض» تعليل للإعادة، فإن كان المراد به مطلق التفريق وجب إعادته، وهو لا يقول به، وإن كان المراد غير ذلك لم يدلّ على مطلوبه.

والظاهر أنّ المراد بالتبعيض فيه الجفاف، كأنّه يصير بعضه جافّاً - وهو المتقدّم - وبعضه رطباً. والمراد التبعيض على هذا الوجه، وهو مع فرض إهماله حتّى يجفّ جميع ما تقدّم، لا مطلق التبعيض.

وأمّا حديث الأمر بالإتباع: فإنّ الظاهر أنّ المراد فيه الترتيب بمعنى إتباع كلّ عضو سابقه بحيث لا يقدّمه عليه؛ لأنّه كان في سياقه مع أنّ فيه جمعاً بين الأخبار. ولأنّ المتابعة بهذا المعنى لو وجبت لبطل الوضوء بالإخلال بها؛ لعدم الإتيان بالفعل على الوجه المأموربه. وتوهّم كونه واجباً لا شرطاً يندفع بذلك، فيبقى في عهدة التكليف.

وأمّا متابعة الوضوء البياني فمسلّمة، لكن لو وجب مراعاته بهذا المعنى لوجب علينا المطابقة بين زمان فعلنا والقدر الذي تابع فيه من الزمان، ولم يقل به أحد، فسقطت دلالته.

ولأنّا بيّنّا أنّه إنّما يحتجّ به مع عدم دليل خارجي يقتضي تقييد مطلقه، وليس هنا كذلك؛ للأخبار الدالّة على مراعاة الجفاف، فالأولى العمل بها واتّباع الأكثر.

واعلم أنّ المراد بجفاف المتقدّم جفاف جميع الأعضاء المتقدّمة؛ لإطباقهم على الأخذ من اللحية ونحوها للمسح ولا بلل هنا على اليدين.

وقيل: المراد به العضو الذي انتهى إليه الغَسل، فمتى جفٌ وجب الإعادة وإن كان البلل باقياً على غيره (1).

ص: 111


1- ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 101.

والمعتبر في البلل الحسّي، فلا اعتبار بتقدير الهواء حال كونه مفرط الرطوبة بكونه معتدلاً. ولا بتقييد بعضهم الهواء بالمعتدل ليخرج طرف الإفراط في الحرارة؛ فإنّ زوال البلل حينئذٍ ،مغتفر، كما تقدّم.

ولا فرق على تقدير الجفاف في البطلان بين العامد والناسي والجاهل؛ لإطلاق الأخبار وإن سلم الناسي من الإثم.

(وذو الجبيرة) على عضو كسير من أعضاء الوضوء، ونحوها من الخِرَق المعصوبة على الجرح والقرح ( ينزعها) إن أمكن وكانت على محلّ مسح مطلقاً؛ لوجوب إلصاق الماسح بالممسوح. وإن كانت على عضو مغسول تخيّر بين أن ينزعها (أو يكرّر الماء) عليها (حتّى يصل) إلى (البشرة) ويجري عليها على الوجه المعتبر في الغَسل مع طهارة العضو تحتها، وإلّا اعتبر مع ذلك أن يجري قبله عليها على الوجه المعتبر في التطهير أيضاً.

هذا (إن تمكّن) من النزع أو إيصال الماء على ذلك الوجه (وإلّا) هذه الكلمة في هذا التركيب ونظائره هي المركّبة من «إن» الشرطيّة و «لا» النافية، وجملة الشرط محذوفة، أي وإن لم يتمكّن من ذلك (مسح عليها) أي على الجبيرة إن كان ظاهرها طاهراً، أو نجساً بعد تطهيره إن أمكن، وإلّا وضع عليها شيئاً طاهراً ومسح عليه مستوعباً لها إن كانت على عضو مغسول، وإلّا أجزأ مسمّى المسح كالأصل.

ولا فرق في إجزاء المسح عليها ووجوبه بين أن يمكن إجراء الماء عليها أو لا؛ لعدم التعبّد بغَسلها مع تعذّر وصول الماء إلى أصلها، ولابين أن تستوعب الجبيرة عضواً كاملاً أو الأعضاء كلّها أو لا؛ للعموم.

ويمكن استفادة ذلك من إطلاق المصنّف هنا.

ولو لم يكن على الكسر أو الجرح خرقة، فإن أمكن غَسله أو مسحه إذا كان في موضع المسح وجب كالجبيرة، وإلّا غسل ما حوله. والأحوط مسحه إن أمكن، أو وضع

ص: 112

شيء عليه والمسح فوقه مستوعباً أو مبعضاً، كما مرّ.

ولا يخفى مافي العبارة من الإجمال والقصور عن تحقيق المسألة المؤدّي إلى الاختلال، وإذا راعيت ما ذكرناه عرفت مواضع إجمالها ومحالّ اختلالها.

(وصاحب السلس) وهو الذي لا يستمسك بوله (يتوضّأ لكلّ صلاة) على أصحّ الأقوال؛ لأنّ الأصل في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجابها ، فعُفي عنه في قدر الضرورة وهو الصلاة الواحدة، فيبقى الباقي على الأصل.

وجَعَله في المبسوط(1) كالاستحاضة بالنسبة إلى الغسل، فكما أنّها تجمع بين الصلاتين والصلوات بغُسل واحد في الوقت فكذا هنا يجمع بينهما بوضوءٍ واحد، إلّا أنّه جوّز له هنا الجمع مطلقاً. وهو قياس لا يتمّ عنده فضلاً عن غيره.

وجوّز المصنّف في المنتهى له الجمع بين الظهر والعصر خاصّة بوضوء واحد جامعاً بينهما، وكذا المغرب والعشاء كالمستحاضة(2) ؛ استناداً إلى ما روي عن الصادق(علیه السلام) : «في الرجل يقطر منه البول إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ثمّ صلّى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخّر الظهر ويعجّل العصر، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء، ويفعل ذلك في الصبح»(3) .

ووجه الدلالة: عدم فائدة الجمع مع تجديد الوضوء، وأنّ تخصيص الصلاتين بالذكر يدلّ على نفي ما عداهما.

وفيهما منع؛ إذ لا دلالة فيه على أنّ الجمع بوضوء واحد. وعدم ظهور فائدة الجمع بين الصلاتين مع التجديد لايدلّ على عدمها ولا على نفي جواز ماعداهما، وفائدة ذكرهما البناء على الغالب بالنسبة إلى الأداء.

وفي مقطوع سماعة: سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم أو غيره، قال:

ص: 113


1- المبسوط، ج 1، ص 103 .
2- منتهى المطلب، ج 2، ص 137.
3- الفقيه، ج 1، ص 64 . ح 146؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 348، ح 1021.

«فليضع خريطةً وليتوضّأ وليصل فإنّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» (1).

قال الشهيد (رحمه الله) وهو يشعر بفتوى المبسوط (2).

وقال بعض المحقّقين(3) : هو دالّ على ذلك.

وفيه نظر؛ فإنّ غايته العفو عمّا يتجدّد في أثناء الصلاة لا بعدها؛ لأنّ الخارج إن كان بولاً كان من الحدث الذي توضّأ منه فأقلَ ما يدلّ [عليه](4) إعادة الوضوء للصلاة الأخرى. وإن كان دماً - كما ذكر في الرواية - فالأمر واضح، وأمره بالوضوء والصلاة كما يحتمل شموله للمتعدّدة يحتمل الأمر بالوضوء لكل صلاة، كما تقدّم.

قيل(5) : وحسنة منصور بن حازم - قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام) : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه، قال: «إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة»(6) - تشعر بقول الشيخ في المبسوط أيضاً؛ لأنّ العذر يشعر بسقوط الحكم الخارج، وإلّا لم يكن معذوراً.

وفيه أيضاً - مع تسليمه - نظر، بل إنّما يشعر بالعفو عن الخارج بعد الطهارة بالنسبة إلى الصلاة؛ لأنّه لمّادلّ الدليل على إيجاب كلّ خارج من الحدث كان قبول العذر فيما نافاه في مواضع الضرورة، ومحلّ قبول العذر هو الاكتفاء بالوضوء الواحد للصلاة الواحدة، كما في المستحاضة، فالقياس عليها يوجب تعدّد الوضوء لاعدمه، كما ذكره الشيخ.

إذا تقرّر ذلك، فالحكم إنّما يكون كذلك إذا لم يكن له في الوقت فترة معتادة تَسَع

ص: 114


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 349، ح 1027.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 118 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
3- لم نتحققه.
4- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «على» بدل «عليه» وما أثبتناه هو الصحيح.
5- في هامش «م»: القائل الشيخ علي (عليه الرحمة). ولم نعثر على قوله فيما بين أيدينا من المصادر.
6- الكافي، ج 3، ص 20 ، باب الاستبراء من البول .... ح 5.

الطهارة والصلاة، وإلّا وجب انتظارها؛ لزوال الضرورة التي هي مناط التخفيف.

(وكذا المبطون) وهو مَنْ به البَطَن - بالتحريك - بحيث يعتريه الحدث من ريح أو غائط على وجه لا يمكنه دفعه، يتوضّأ لكلّ صلاة، ثمّ لا أثر للحدث الواقع بعد ذلك وإن كان في أثناء الصلاة على المختار عند المصنّف(1) إذا لم يمكنه التحفّظ بقدر الطهارة والصلاة إمّا بالشدّ أو بانتظار فترة معتادة.

وأوجب الشيخ(2) وجماعة (3)منهم الشهيد في الذكرى(4) ؛ هنا في الحدث المفاجئ في أثناء الصلاة الطهارة والبناء على الصلاة، لماروي - في الصحيح - عن الباقر(علیه السلام) : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته»(5).

وقوله(علیه السلام) في حديث آخر: «انصرف ثمّ توضّأ وابنِ على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً، فإن تكلّمت ناسياً فلا شيء عليك وهو بمنزلة مَنْ تكلّم في الصلاة ناسياً» قلت: وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: «وإن قلب وجهه عن القبلة»(6).

وردّهما المصنّف (رحمه الله) مع اعترافه بصحّتهما (7).

واحتمل بعض المحقّقين(8) في الرواية الأولى أن يراد بالبناء فيها الاستئناف؛ إذ لا امتناع في أن يراد بالبناء على الشيء فعله.

وفيه نظر، بل البناء على الشيء يستلزم سبق شيء منه حتّى يبني عليه، كأنّ

ص: 115


1- مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 146، المسألة 98 .
2- النهاية، ص 129 .
3- منهم المحقق في المعتبر، ج 1، ص 163.
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 118 - 119.
5- الفقيه، ج 1 ، ص 363، ح 1044.
6- الفقيه، ج 1، ص 367 . ح 1061؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 232، ح 1370؛ الاستبصار، ج 1، ص 401، ح 1533.
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 145 ، المسألة 98 .
8- لم نتحققه.

الماضي منه بمنزلة الأساس الذي يترتّب عليه.

وأورد على الروايتين معاً معارَضتهما بغيرهما من الأخبار الدالّة على أنّ الحدث يقطع الصلاة.

وهو ضعيف؛ لأنّ عامّ تلك الأخبار أو مطلقها مخصَّص أو مقيَّد إجماعاً بالمستحاضة والسلس، فلاوجه [لعدم إخراج ](1) هذا الفرد مع النصّ عليه بالتعيين.

واستدلّ المصنّف على مذهبه هنا بأنّ الحدث المتكرّر لونقض الطهارة، لأبطل الصلاة؛ لأنّ شرط صحّة الصلاة استمرار الطهارة (2).

وهو مصادرة على المطلوب، كما ذكره الشهيد (رحمه الله)(3).

وردّها بعض المحقّقين (4)بأنّ الطهارة شرط الصلاة إجماعاً، والمشروط عدم عند عدم شرطه، والحدث مانع اتفاقاً؛ لإخلاله بالشرط، وليس في هذا مصادرة بوجه.

وهو ضعيف جداً؛ فإنّ المصادرة نشأت من ادّعاء الملازمة بين نقض الطهارة وبطلان الصلاة مع ورود النصّ الصحيح على فساد هذه الملازمة، فلا معنى حينئذ لدفعها بدعوى الإجماع على أنّ الطهارة شرط الصلاة مع تخلّفها في مواضع كثيرة.

وأُجيب بأنّ الاحتجاج ليس هو بانتقاض الطهارة هنا الذي هو محلّ النزاع حتّى يكون مصادرةً، بل بالأدلّة الدالّة بعمومها على إعادة الصلاة بالحدث، وقد عرفت أنّ الأدلّة التي تدّعيها مخصوصة أو مقيّدة إجماعاً؛ فاندفع الجواب أيضاً، وقوي وجوب الطهارة والبناء.

ولمّا فرغ من فروض الوضوء وبعض أحكامه أخذ يذكر شيئاً من مستحبّاته، فقال: (ويستحبّ ) للمتوضّئ (وضع الإناء على اليمين) إن كان ممّا يغترف منه باليد؛

ص: 116


1- في «الأصل و م »و متن الطبعة الحجرية: «الإخراج» بدل «لعدم إخراج». والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه، كما استظهر في هامش الطبعة الحجرية.
2- مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 146، المسألة 98 .
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 119 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
4- في هامش الأصل و م» الشيخ علي (رحمه الله). ولم نعثر على قوله فيما بين أيدينا من المصادر.

لماروي أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يحبّ التيامن في طهوره وشأنه كلّه(1).

ولو كان الإناء لا يمكن الاغتراف منه، وضع على اليسار ليصب منه في اليمين للغسل بها، أو للإدارة إلى اليسار.

(والاغتراف بها) مطلقاً، وعند إرادة غسلها يدار منها إلى اليسار؛ لفعل الباقر (علیه السلام) ذلك في وصف وضوء رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)(2).

وفي حديث عن الباقر(علیه السلام) أنّه أخذ باليسرى فغسل اليمنى(3) . وهو لبيان الجواز.

(والتسمية) وهي بسم الله وبالله، اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين. ولو اقتصر على بسم الله، أجزاً.

ولو نسيها في الابتداء تدارك في الأثناء، كما في الأكل. وكذا لو تعمّد تركها، مع احتمال عدمه هنا .

(وتثنية الغسلات) في الأعضاء الثلاثة بعد إتمام الغسلة الأولى على أصحّ الأقوال. ونقل ابن إدريس فيه الإجماع(4) بناءً على عدم قدح معلوم النسب فيه.

وقد روي عن أبي عبد الله(علیه السلام) :« الوضوء مثنى مثنى»(5) .

وليس المراد به الواجب للإجماع على الاجتزاء بالمرّة، فتُحمل الثانية على الندب.

ويظهر من الصدوق (رحمه الله) عدم شرعيّة الثانية؛ حيث قال: لا يؤجر عليها (6). وهو يقتضي أنّها ليست من الوضوء؛ لأنّ أفعاله إمّا واجبة أو مندوبة، وكلاهما محصّل

ص: 117


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 226، ح 268/67؛ سنن النسائي، ج 1، ص 78 و 205؛ مسند أحمد، ج 7، ص 136، ح 24106.
2- الكافي، ج 3، ص 25 ، باب صفة الوضوء، ح 4: الفقيه، ج 1، ص 36 - 37 ، ح 74 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 55، ح 157: الاستبصار، ج 1، ص 58 ، ح 171.
3- الكافي، ج 3، ص 24، باب صفة الوضوء، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 55 - 56 ، ح 157؛ الاستبصار، ج 1، ص 58، ح 171.
4- السرائر، ج 1، ص 100.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 80 - 81، ح 208 و 210؛ الاستبصار، ج 1، ص 70 ، ح 213 و 215 .
6- الفقيه ، ج 1، ص 47 ذيل الحديث 92 .

للأجر، محتجاً بما روی عن الصادق(علیه السلام) : «والله ماكان وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) إلّا مرّة مرّة»(1) و نحوه .

وهو محمول على الوضوء البياني الذي لا تقبل الصلاة إلّا به؛ جمعاً بين الأخبار.

ويؤيّده: ماروي أنّ النبيّ( صلى الله عليه و آله و سلم) توضّأ مرّة مرّة، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به» ثمّ توضّأ مرّتين وقال: «هذا وضوء مَنْ ضاعف الله له الأجر»(2).

ولو سلّم أنّه لغير البيان لم يدلّ على تحريم الثانية ؛ لأنّ الاقتصار على الواحدة لا يدلّ على تحريم ،ما سواها، مضافاً إلى عدّة روايات صحيحة دلّت على شرعيّة الثانية.

(والدعاء عند كلّ فعل) من أفعال الوضوء - الواجبة والمستحبّة بما روي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: «بينا أمير المؤمنين(علیه السلام) قاعد ومعه ابنه محمّد إذ قال: يا محمّد ائتني بإناء من ماء فأتاه به، فصبّه بيده اليسرى على يده اليمنى، وقال: الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً، ثمّ استنشق فقال: اللهمّ لا تحرم عليَّ ريح الجنّة واجعلني ممّن يشمّ ريحها وطيبها وريحانها، ثمّ تمضمض وقال: اللهمّ أنطق لساني بذكرك واجعلني ممّن ترضى عنه، ثمّ غسل وجهه فقال: اللهمّ بيّض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، ولا تسودّ وجهي يوم تبيضّ فيه الوجوه، ثمّ غسل يمينه فقال: اللهمّ أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حساباً يسيراً، ثمّ غسل شماله فقال: اللهمّ لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولةً إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران، ثمّ مسح رأسه فقال : اللهمّ غشّني رحمتك وبركاتك وعفوك، ثمّ مسح على رجليه فقال: اللهمّ ثبّت قدمي على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام واجعل سعيي فیما يرضيك عنّي، ثمّ التفت إلى محمّد فقال: يا محمّد من توضّأ مثل ما توضّأت وقال مثل ما قلت خلق الله له من كلّ قطرة ملكاً يقدّسه ويسبّحه ويكبّره ويهلّله

ص: 118


1- الفقيه، ج 1، ص 38، ح 76.
2- السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 130، ح 379 .

فيكتب له ثواب ذلك إلى يوم القيامة »(1).

وزاد المفيد في دعاء الرِجلين: «يا ذا الجلال والإكرام» (2).

وإذا فرغ من الوضوء قال: الحمد لله ربّ العالمين اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين.

(وغَسل اليدين) من الزندين (قبل إدخالهما الإناء).

والأولى أن يراد به مطلق الإناء سواء كان ماؤه قليلاً أم كثيراً؛ لعدم تحقّق التعليل بالنجاسة الوهميّة، بل هو تعبّد محض، فيثبت الاستحباب مع تحقّق طهارتهما، لكن مع الكثرة وسعة رأس الإناء يكفي غسلهما فيه، وعلى هذا لافرق أيضاً بين إمكان وضع اليد في الإناء أو لا، ككونه ضيّق الرأس، فيستحب غَسلهما حينئذ قبل الاشتغال بباقي الأفعال وإن كان الأولى اختصاص الحكم في إيقاع النيّة عنده بالإناء الواسع المشتمل على الماء القليل، كما تقدّم.

وهذا الغَسل يكون (مرّة من) حدث (النوم) سواء في ذلك نوم الليل والنهار، وسواء كانت اليد مطلقةً أم مشدودةً، وسواء كان النائم مُسَرْوَلاً أم لا؛ للعموم.

(و) كذا يستحبّ غَسلهما مرّةً من حدث (البول، ومرّتين من الغائط، وثلاثاً من الجنابة) وذكرها هنا استطراداً (3). ولا يستحبّ غَسلهما من باقي الأحداث،كالريح.

ولو اجتمعت الأحداث تداخلت مع التساوي، ومع الاختلاف يدخل الأقلّ تحت الأكثر.

ولو أدخل يده قبل الغَسل فَعَل مكروهاً.

ص: 119


1- الكافي، ج 3، ص 70 - 71 ، باب النوادر، ح 6: الفقيه، ج 1 ، ص 41 - 43 ، ح 84 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 53 - 54 ، ح 153.
2- المقنعة، ص 44 .
3- في «الأصل و م»: «استطراد».

ثمّ إن كان كثيراً وقلنا فيه بالاستحباب حُسب بمرّة فيبني عليها. وكذا إن كان قليلاً وجعلناه تعبّداً. وإن كان لدفع نجاسة موهومة لم يستحب بعد ذلك بالنسبة إلى هذا الإناء، بل يستحبّ العدول إلى إناء آخر، أو إلى هذا بعد إزالة ما تعدّى إليه - من النجاسة الموهومة - بوضعه في الكثير.

وحكم الغمس قبل كمال العدد حكمه قبل الشروع.

وهذا الغسل من سنن الوضوء، فتستحبّ فيه النيّة، كباقي العبادات.

ولم يعتبرها المصنّف في النهاية(1) ، معلّلاً بأنّه لدفع وَهم النجاسة. ولو تحقّقها لم يشترط النيّة فمع وهمها أولى، مع أنّه اختار في آخر البحث أنّ الغسل تعبّد، فلو تحقّق طهارة يده استحبّ (2).

(والمضمضة والاستنشاق) على المشهور.

وقول ابن أبي عقيل: إنّهما ليسا بفرض ولا سنّة(3) ضعيف، أو مؤوّل بالسنّة المحتّمة فيرادف الفرض، والجمع بينهما للتأكيد، وكثيراً مّا يذكر في كتابه السنّة ويريد بها الفرض.

وكيفيّتهما أن يبدأ بالمضمضة ثلاثاً بثلاث أكفّ من ماء على الأفضل. ولو فَعَلها بكفّ واحدة أجزاً. أو يدير الماء في فيه إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللنّات مُمرّاً مسبّحته وإيهامه عليها لإزالة ماهناك من الأذى ثمّ يستنشق ثلاثاً كذلك، ويجذب الماء إلى خياشيمه إن لم يكن صائماً، والأفضل مجّ الماء. ولو ابتلعه جاز. وليكونا باليمين. ولو فَعَلهما على غير هذا الوجه تأدّت السُنّة وإن كان أدون فضلاً.

ويشترط تقديم المضمضة عليه ، فلو عكس صحّت المضمضة خاصّةً فيعيده بعدها.

وجوّز المصنّف في النهاية الجمع بينهما بأن يتمضمض مرّة ثمّ يستنشق مرّة وهكذا

ص: 120


1- نهاية الإحكام، ج 1 ، ص 54.
2- نهاية الإحكام، ج 1 ، ص 54.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 111، المسألة 68.

ثلاثاً، سواء كان الجميع بغرفة أم بغرفتين أم بأزيد وإن كان الأوّل أفضل(1).

(وبدأة الرجل بظاهر ذراعيه في) الغسلة (الأولى، وبباطنهما في الثانية، عكس المرأة) لقول الرضا(علیه السلام):« فرض الله على النساء أن يبدأن بباطن أذرعهنّ، وفي الرجال بظاهر الذراع »(2) هكذا احتجّ عليه المصنّف(3)، وليس في الرواية تفصيل الغسلتين ،كما ذكر، بل هي شاملة للغسلتين.

وجماعة من الأصحاب لم يفرّقوا بين الغسلتين ؛ لإطلاق الخبر، غير أنّ الشيخ في المبسوط(4) ذكر الفرق، وتبعه عليه جماعة، منهم المصنّف والمحقّق(5) . ولم يثبت الوجه فيه.

والخنثى تتخيّر في الوظيفتين، سواء قلنا بالتفصيل أم الإطلاق، فلوبدأت بظاهرهما فيهما أو بباطنهما، لم تحصل السُنّة على القول بالتفصيل.

(والوضوء بمُدّ) لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «الوضوء بمُدّ والغسل بصاع، وسيأتي أقوام بعدي يستقلّون ذلك فأولئك على خلاف سنّتى والثابت على سنّتي معي في حظيرة القدس» (6).

والمُدّ يؤدّى به سنن الوضوء وفروضه، والأغلب زيادته عليهما.

والظاهر أنّ ماء الاستنجاء منه ؛ لما تقدّم(7) من حديث دعاء الأعضاء عن أمير المؤمنين(علیه السلام) حيث قال فيه: «أتوضأ للصلاة» ثمّ ذكر الاستنجاء.

ويمكن العدم؛ لعدم صدق الاسم عليه، وحُذف «أتوضّأ للصلاة» في بعض نسخ (8)الحديث.

ص: 121


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 56 .
2- الكافي، ج 3، ص 28 - 29 ، باب حدّ الوجه الذي يغسل .... ح 6: الفقيه، ج 1، ص 49 ، ح 100؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 76 - 77، ج 193.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 57 .
4- المبسوط، ج 1، ص 41.
5- شرائع الإسلام، ج 1، ص 16.
6- الفقيه، ج 1، ص 34 - 35 . ح 70.
7- تقدم في ص 118.
8- كما أنه لم يرد في الكافي.

و یضعّف بأنّ المثبت مقدَّم.

(وتكره الاستعانة) في الوضوء؛ للخبر في ذلك عن الرضا(علیه السلام)، وتعليله بقوله تعالى:( فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِى ) إلى قوله: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(1)، ثمّ قال: « وها أنا ذا أتوضّأ للصلاة وهى العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد»(2).

والمراد بالاستعانة نحو صبّ الماء في اليد ليغسل المتوضّئ به، لا صبّه على العضو؛ فإنّه تولية.

وهل تصدق بطلب إحضار الماء ليتوضّأ به ؟ يحتمل قويّاً ذلك؛ لأنّه بعض العبادة بل هو عبادة في نفسه، فيشمله التعليل بالآية. وكذا القول في طلب إسخانه حيث يحتاج إليه، ونحوه، كلّ ذلك بعد العزم على الوضوء، أمّا لو استعان لالَه ثمّ عرض له إرادة الوضوء، لم يكره قطعاً.

(و) كذا يكره (التمندل) على المشهور، وهو مسح أعضاء الوضوء بالمنديل ونحوه؛ لقول الصادق(علیه السلام): «مَنْ توضّأ فتمندل كان له حسنة، وإن توضّأ ولم يتمندل حتّى يجفّ وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة»(3).

وعلّل المصنّف الكراهة مع الحديث بأنّ فيه إزالة أثر العبادة (4)، وهو يقتضي تعميم الكراهة بكلّ ما يحصل به إزالة الأثر من منديل وكُمّ ونار ونحوها، وهو الظاهر.

وخصّه المحقّق الشيخ عليّ بالمنديل والذيل لا بالكُمّ؛ لعدم صدق التمندل عليه(5) .

وهو ضعيف؛ لأنّ التمندل إن لُوحظ فيه مأخذ الاشتقاق، فلا وجه لتعدية الحكم عن المنديل؛ إذ لا يصدق على الذيل أنّه منديل قطعاً. وإن كانت العلّة إزالةَ البلل فلا وجه للحصر فيما ذُكر .

ص: 122


1- الكهف (18): 110 .
2- الكافي، ج 3، ص 69، باب النوادر، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 365 ، ح 1107.
3- الكافي، ج 3، ص 70 ، باب النوادر ، ح 4: الفقيه، ج 1، ص 50 ، ح 105.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 58.
5- جامع المقاصد، ج 1، ص 232 .

والمحقّق في الشرائع عبُّر عن التمندل بمسح الأعضاء(1) . وهو حسن وإن كان التعبير بإزالة البلل أحسن.

(وتحرم التولية اختياراً) فيبطل الوضوء بها، وهو إجماع إلّا من ابن الجنيد؛ فإنّه استحبّ تركها (2).

لنا مع الإجماع قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا... وَأَمْسَحُواْ )(3) وإسناد الفعل إلى فاعله هو الحقيقة.

وتجوز مع الضرورة بل تجب؛ لأنّ المجاز يصار إليه عند تعذّر الحقيقة.

ويتولّى المكلّف النيّة؛ إذ لا عجز عنها مع التكليف . ولو نويا معاً كان حسناً. و تُشترط مطابقة نيّة المتولّي لفعله فينوي: أُوضّئ، لا: أتوضّاً. وكذا المريض.

ويجب تحصيل المعين مع العجز ولو بأجرة مقدورة.

ولو أمكن تقديم ما يغمس المعذور فيه الأعضاء لم تجز التولية.

ولا يشترط العجز عن الكلّ، فيجوز أن يتبعّض.

(ويجب) أي يشترط (الوضوء وجميع الطهارات) الشرعيّة كالأغسال (بماء مطلق) وسيأتي تعريفه، سواء كان مستعملاً فى الأكبر أم لا: للإجماع على بقائه على الإطلاق، وإنّما الخلاف في جواز استعماله ثانياً في رفع الحدث، ففي العبارة إشارة إلى جوازه.

(طاهر مملوك أو مباح) ويدخل في المباح المأذون فيه مع كونه ملكاً للغير.

وإنّما فسّرنا الوجوب بالاشتراط؛ لأنّه لو تطهّر بالمضاف مثلاً لم يكن مأثوماً، بل طهارته فاسدة لاغير.

اللهمّ إلّا أن يعتقد شرعيّة ذلك، أو يستمرّ عليه ويصلّي به مثلاً، فيأثم حينئذ، ومع

ص: 123


1- شرائع الإسلام، ج 1، ص 16 .
2- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 135، المسألة 83 .
3- المائدة (5): 6 .

ذلك لا يتوجّه حمل الوجوب على معناه الأصلي؛ لأنّ النهي عن الشيء أمر بضدّه العام ّ لا المعيّن.

(ولو تيقّن) المكلّف (الحدث وشكّ في الطهارة) كأن تيقّن أنّه أحدث في الوقت الفلاني وشكّ الآن أنّه هل تطهّر بعد ذلك أم لا (أو تيقّنهما) أي الحدث والطهارة في وقت معيّن (رشكّ) بعده (في المتأخّر) منهما، سواء علم أنّه كان قبلهما متطهّراً أم محدثاً، أم شك في ذلك (أو شكّ في شيء منه) أي من الوضوء، كمالو شكّ في الإتيان ببعض أفعاله (وهو على حاله) أي حال الوضوء لم يفرغ منه بعد (أعاد) الوضوء في الصورتين الأوّلتين والشيء المشكوك فيه في الثالثة وما بعده؛ قضيّةً للترتيب.

ولا يخفى ما في العبارة من الإجمال والتجوّز في إطلاق العود على الأولى؛ لعدم العلم بسبقِ طهارة حتّى تصدق الإعادةُ.

أمّا وجوب الوضوء في الأولى فظاهر؛ لأنّ يقين الحدث لا يرفع إلّا بيقينِ مثله، فيعمل الاستصحاب عمله.

أمّا الثانية: فليحصّل يقين الطهارة؛ لاحتمال كون المتأخّر هو الحدث، ولا إشكال في ذلک مع عدم علم المكلّف بحاله قبلهما؛ فإنّ تأخّر كُلّ منهما محتمل على حدّ سواء، فيتكافأ الاحتمالان ويتساقطان فتجب الطهارة.

أمّا لو علم حاله قبلهما بالطهارة أو بالحدث، فالأمر فيه كذلك عند المصنّف - هنا وفي أكثر كتبه(1) - والشيخين (2)وجماعة(3)، للاحتمال أيضاً، فلايدخل في الصلاة إلّا بيقين الطهارة.

واختار المصنّف (رحمه الله) فى المختلف استصحاب حاله قبلهما، فإن كان متطهّراً

ص: 124


1- 1 منها: تحرير الأحكام الشرعية ، ج 1، ص 84، ذيل الرقم 178؛ و منتهى المطلب، ج 2، ص 141؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 59 .
2- المقنعة، ص 50: المبسوط، ج 1 ، ص 46.
3- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 104.

فهو الآن متطهّر ؛ لأنّه تيقّن أنّه نقض تلك الطهارة ثمّ توضّأ، ولا يمكن أن يتوضّأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة، ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه، فلايزول عن اليقين بالشكّ. وإن كان مُحدثاً فهو الآن مُحدث؛ لتيقّنه انتقاله عن الحدث السابق عليهما إلى طهارة ثمّ نقضها، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها (1).

وهذا القول لا يتمّ إلّا مع تيقّن عدم التجديد وعدم تعقيب حدث لحدث وتساويهما، كما في المثال، ومع هذه القيود لا تبقى المسألة بعد التروّي من باب الشكّ في شيء؛ لأنّ علم الترتيب المذكور يحصّل اليقين بأحدهما ، فهو كالشاكٌ في مبدأ السعي وهو يعلم الزوجيّة أو الفرديّة، فبأدنى توجيه الذهن يعلم المبدأ، لكن لمّا كان الشكّ حاصلاً في أوّل الأمر قبل التروّي جاز عدّ المسألة من مسائل الشكّ، كمن شكّ في صلاته ثمّ تيقن أحد الطرفين أو ظنّه، فإنّها تذكر فى مسائل الشكّ باعتبار أوّل أمرها.

ولمّا استشعر المصنّف في القواعد عدم تماميّة استصحاب الحالة(2) السابقة مطلقاً قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين، ثمّ حكم باستصحاب حاله . وأراد به لازم الاستصحاب مجازاً؛ فإنّه إذا حكم بكونه متطهّراً مع تخلّل الحدث المزيل لحكم استصحاب الطهارة الأولى ثبت ،لازمه وكذا الحدث.

والمحقّق في المعتبر مال إلى عكس ما ذكره المصنّف؛ فإنّه قال فيه - بعد ماذكر توجيه كلام الشيخين - :

ويمكن أن يقال: يُنظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين، فإن كان حدثاً بنى على الطهارة؛ لأنّه تيقّن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة ولم يعلم تجدّد الانتقاض فصار متيقّناً للطهارة شاكاً في الحدث فيبني على الطهارة، وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّراً بنى على الحدث؛لعين ما ذكرناه من التنزيل(3). انتهى.

ص: 125


1- مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 142 المسألة 94.
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 205 .
3- المعتبر، ج 1، ص 171.

والذي يحصل لنا في المسألة بعد تحرير كلام الجماعة أنّه إن علم التعاقب فلاريب في الاستصحاب، وإلّا فإن كان لا يعتاد التجديد بل إنّما يتطهّر - حيث يتطهّر - طهارة رافعة للحدث، فكلام المحقّق (رحمه الله) مع فرض سبق الحدث أوجه؛ لضعف الحكم بوجوب الطهارة مع العلم بوقوعها على الوجه المعتبر، وعدم العلم بتعقّب الحدث لها، المقتضي للإبطال إذا علم أنّه كان قبلهما مُحدثاً.

ولا يرد حينئذٍ أنّ يقين الحدث مكافئ ليقين الطهارة؛ لأنّ الطهارة قد علم تأثيرها في رفع الحدث، أمّا الحدث فغير معلوم نقضه للطهارة؛ لاحتمال أن يقع بعد الحدث الأوّل قبل الطهارة؛ إذ الفرض عدم اشتراط التعاقب، فلايزول المعلوم بالاحتمال، بل يرجع إلى يقين الطهارة مع الشكّ في الحدث.

وكلام المختلف في فرض سبق الطهارة أوجه؛ لأنّ نفي احتمال التجديد يقتضي توسّط الحدث بين الطهارتين ، إلّا أنّ هذا القسم راجع إلى التعاقب فلايحتاج إلى استدراكه هنا.

وإن لم يتّفق له تحقيق هذه القيود، بل إنّما تحقّق الطهارة والحدث وشكّ في المتأخّر منهما من غير تحقيق لحاله كما ذكرناه وجب عليه الطهارة، سواء علم حاله قبلهما أم لا؛ لقيام الاحتمال واشتباه الحال.

واعلم أنّ هذه المسألة تتشعّب إلى اثني عشر قسماً؛ لأنّ الطهارة والحدث إمّا أن يتيقّنهما متّحدين، أي متساويين عدداً متعاقبين، أي لا يتكرّر منهما مِثلان، بل إنّما يعقب الطهارة الحدث أو بالعكس، أو لا ولا، أو أحدهما خاصّةً، فالصُور أربع، ثمّ إمّا أن يعلم حاله قبل زمانهما متطهّراً أو مُحدثاً، أو لا يعلم شيئاً، ومضروب الثلاثة في الأربعة اثنا عشر يعلم حكمها بالتأمّل بعد مراجعة ماتلوناه.

وأمّا الثالثة -وهي الشكّ في شيء من أفعال الوضوء وهو على حاله - فوجه الإعادة فيه ما رواه زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) : «إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا فأعد عليها وعلى جميع ماشككت فيه، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت إلى حالة أخرى في الصلاة أو غيرها وشككت في شيء ممّا

ص: 126

سمّى الله عليك وضوءه فلا شيء عليك»(1).

وهذه الرواية(2) كما يحتمل أن يريد ب_«حاله حال الوضوء كما قلناه أوّلاً يحتمل أن يريد به حال المتوضئ فيعود الضمير على الفاعل المضمر في قوله «ولو شكّ» فعلى هذا يرجع مادام على حاله التي توضّأ عليها وإن فرغ من أفعال الوضوء.

لكن يرجّح الأوّل مارواه عبد الله بن أبي يعفور عنه(علیه السلام) : «إذا شككت في شيء من

الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه»(3) . والمراد: إنّما الشكّ الذي يلتفت إليه، وغيره من الأخبار.

واحتمال عود الضمير في «حاله» إلى الشيء المشكوك فيه المذكور قبله صريحاً لا دليل عليه من النقل وإن أمكن بحسب اللفظ.

(ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث أوشكّ في شيء منه) أي من الوضوء (بعد الانصراف) عنه حقيقةً أو حكماً. والمراد به الفراغ من أفعاله وإن لم ينصرف عن مكانه (لم يلتفت) فيهما؛ لما تقدّم.

ولما رواه بكير بن أعين، قال: قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ، قال: «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(4).

(ولو جدّد) المكلّف وضوءه (ندباً) احترازاً عمّا لو جدّده وجوباً بالنذر وشبهه فإنّه يرفع الحدث عند المصنّف في هذا الكتاب بناءً على اشتراط الوجه وعدم اشتراط أحد الأمرين (ثمّ ذكر بعد الصلاة) الواقعة بعدهما (إخلال عضو) من إحدى الطهارتين (جهل تعيينه) فى إحداهما (أعاد الطهارة والصلاة) لإمكان كون الخلل من الطهارة الأولى، والمجَّدد ندباً غير رافع للحدث عند المصنّف(5) ؛ لاشتراط نيّة الوجه في الوضوء.

ص: 127


1- الكافي، ج 3، ص 33 باب الشك في الوضوء .... 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 261، ح 100.
2- كذا في الأصل و م والطبعة الحجرية. والظاهر زيادة جملة «هذه الرواية» بقرينة ما بعدها، ويحتمل سقط عبارة هنا، فلاحظ .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 101، ح 262 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 101، ج 265.
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 34 .

فعلى هذا لو اشترك الوضوء ان في الرفع أو الإباحة إمّا مع وجوبهما، كما لو توضّأ واجباً بعد دخول الوقت ثمّ نذر التجديد وجدّد ثمّ صلّى وذكر الإخلال، صحّت الصلاة الواقعة بعدهما؛ للقطع بسلامة طهارة مبيحة. ولو فرض تخلّل صلاة واجبة بينهما وجب إعادتها مطلقاً. ويمكن تصوّر وجوب الثاني بغير النذر بأن ذهل عن الأوّل فتوضّاً واجباً وصلّى، فإنّ الوضوء الثاني رافع أيضاً؛ للجزم فيه بنيّة الوجوب، ومطابقة الجزم للواقع، أو مع ندبهما، كمالو توضّأ قبل حصول السبب ثمّ جدّد الوضوء ندباً ثمّ دخل الوقت فصلّى به ثمّ ذكر الإخلال المجهول، فإنّ الصلاة صحيحة أيضاً؛ لأنّ الجزم حاصل بسلامة طهارة منهما.

وإلى هذه الصورة أشار المصنّف بقوله (إلّا مع ندبيّة الطهارتين) كذا فسّره شيخنا الشهيد (رحمه الله) في الشرح(1) ، وهو الظاهر من كلام المصنّف في النهاية(2). ولا يخلو من إشكال.

ويمكن تفسير الندبين على وجه يرفع الإشكال بأن يتوضّأ ندباً قبل السبب ثمّ يذهل عنه ويتوضّأ ندباً أيضاً ثمّ يصلّي به. وكذا مع ندب الأوّل ووجوب الثاني على تقدير الذهول عن الأوّل الواقع قبل الوقت، فتوضّأ واجباً بعده، أو نذر تجديد الوضوء الواقع قبل الوقت، سواء كان قبله أم بعده مع عدم الذهول عنه.

هذا كلّه على تقدير اشتراط نيّة الوجه وعدم وجوب نيّة أحد الأمرين: الرفع أو الاستباحة، أمّا على هذا التقدير - كما هو مختار المصنّف في أكثر كتبه(3) - لا يتصوّر في الواجبين بتقدير نذر التجديد ؛ لعدم نيّة أحدهما في المجدَّد وإن نذر، كما سيأتي تحقيقه ولا في الواجب بعد المندوب كذلك.

نعم، يتصوّر على تقدير الذهول في الواجبين والمندوبين والواجب بعد المندوب كما

ص: 128


1- غاية المراد، ج 1، ص 30 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
2- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 61 .
3- منها: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 141، المسألة 39 و قواعد الأحكام، ج 1، ص 199؛ و مختلف الشيعة، ج 1، ص 107. المسألة 65؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 29 .

سلف، دون العكس، إلّا بتقدير توسّط صلاة بينهما، كمالو توضّأ للصبح - مثلاً وصلّاها ثمّ توضّأ ندباً قبل الزوال وصلّى الظهر ثمّ ذكر الإخلال، فإنّ الظهر واقعة بعد طهارة رافعة ظاهراً و إن وجب إعادة الصبح قطعاً. لكن في هذا الفرض إشكال يأتي تحقيقه.

والشهيد (رحمه الله) حكى في الشرح عن شيخه عميد الدين فَرضَ الذهول على هذا التقدير في صورة الندبين(1) . ولا فرق بينها وبين الآخريين.

وقال في توجيه إباحة الثاني على تقدير الذهول: ولا يرد كونه غير مكلَّف حالة الغفلة؛ لأنّه غير مكلّف بالمذهول عنه وكلامنا في المذكور، ولا كونه على حالة لو ذكر لماجزم؛ لأنّا نعتبر جزمه حالة النيّة، كمالو شهد العدلان ظاهراً بالهلال فصام، فإنّه على حالة لو علم فسقهما لماجزم، وقد حكموا بصحّة صومه على تقدير ثبوت الهلال بغيرهما بعد ذلك.

ويمكن فرض الواجبين كذلك فيمن تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة أو تيقّنهما ولا يعلم حاله قبل زمان الطهارتين ثمّ ذكر بعد الطهارة الثانية تقدّم الحدث على الأُولى، فإنّه يسوغ له الطهارة بجزم معتبر شرعاً (2).

واعلم أنّه على القول بالاجتزاء بنيّة القربة تصحّ الصلاة على جميع التقادير؛ لسلامة طهارة قطعاً، وهو واضح. وكذا على القول بأن المجدَّد يرفع الحدث - كما اختاره الشيخ في المبسوط، والمحقّق في المعتبر، والشهيد في الدروس(3) - بناء على أنّه طهارة شرعيّة قصد بها تحصيل فضيلة لا تحصل إلّا بها، فإنّ شرعيّة المجدَّد لاستدراك ما عساه فات في الأولى، فينبغي أن يحصل له ذلك، والاستباحة إنّما تكون معتبرةً مع الذكر، أمّا إذا ظنّ المكلّف حصولها فلا ،كيف! وهٌم يعلّلون مشروعيّة المجدّد بما قلناه. ومثله استحباب الغسل أوّل ليلة من شهر رمضان تلافياً لما عساه فات من الأغسال الواجبة،

ص: 129


1- غاية المراد، ج 1، ص 30 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
2- غاية المراد، ج 1، ص 30 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
3- المبسوط، ج 1، ص 47 : المعتبر، ج 1، ص 140؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 14 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

والاتّفاق واقع على إجزاء يوم الشكّ بنيّة الندب عن الواجب، والصدقة بدرهم تمراً كفّارةً لمالعلّه لزمه في الإحرام، وفتح هذا الباب يؤدّي إلى سدّ باب الاحتياط.

وأقول : لابدّ قبل الحكم برفع الوضوء المجدَّد من تحقيق حال نيّته، فإنّ الذي يظهر من كلام المصنّف في التذكرة والنهاية(1) أنّه مقتصر فيه على نيّة القربة، وأنّ المقصود به زيادة التنظيف خاصّةً، وعلى هذا فعدم حكمه بأنّه رافع متوجّه عند مَنْ لا يكتفي بها.

لكنّ الظاهر من كلام المحقّق في المعتبر بعد حكمه برفعه أنّه لابدّ فيه من نیّة استباحة الصلاة، فلو نوى وضوءاً مطلقاً لم يرفع(2)، مع أنّه حكم فيه بعدم نيّة الوجوب في الوضوء الواجب(3).

فعلى هذا نيّة الوضوء المجدَّد على تقدير الحكم بالرفع كنيّة الأوّل، وحينئذ يتّجه ما تقدّم من التعليل برفعه.

وهذا هو الظاهر من كلام الشهيد (رحمه الله) في الذكرى؛ فإنّه قال - بعد نقله كلام المصنّف بعدم رفعه معلّلاً بعدم نيّة الوجوب فيه : ويشكل بأنّا نتكلّم على تقديرها (4).

وقال في موضع آخر: إنّ ظاهر الأصحاب والأخبار أنّ شرعيّة التجديد للتدارك، فهو منوي به تلك الغاية، وعلى تقدير عدم نيّتها لا يكون مشروعاً (5).

وفي هذا ردّ على المحقّق حيث اقتضى كلامه جواز نيّة الاستباحة في المجدَّد وعدمها، وأنّه يرفع في الأوّل دون الثاني، وعلى المصنّف مطلقاً.

(ولو تعدّدت الصلاة) الواقعة بعد الطهارة المعقّبة بالتجديد مع ذكر الخلل المذكور (أيضاً) معناه فى هذا التركيب: عوداً إليه، أي عُد إلى كذا عَوْداً، فالحكم فيه كذلك، فانتصابه على المصدريّة المعبَّر عنها بالمفعول المطلق. قال ابن السكّيت هو مصدر قولك: آض

ص: 130


1- انظر تذكرة الفقهاء ، ج 1، ص 213 ونهاية الإحكام، ج 1، ص 32 .
2- المعتبر، ج 1، ص 140 و 173.
3- المعتبر، ج 1، ص 139 .
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 29 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 125 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

يئيض، أي عاد، يقال: آض فلان إلى أهله، أي رجع(1) (أعاد الطهارة والصلاتين) لما تقدّم إذ لا فرق مع تطرّق الاحتمال إلى الطهارة بين الصلاة المتّحدة الواقعة بعدها والمتعدّدة.

وكذا يعيد الصلاة الواقعة بين الطهارتين أيضاً بطريق أولى، بل الحكم بإعادتها جارٍ على جميع الأقوال، بخلاف الواقعة بعد الطهارتين.

(ولو تطهّر وصلّى وأحدث) والمراد مرتّباً كما ذكر وإن كانت الواو لاتفيد الترتيب عند المصنّف(2)، بل الجمع المطلق (ثمّ تطهر وصلّى ) كذلك (ثمّ ذكر إخلال عضو) من إحدى الطهارتين (مجهول) بالنسبة إليهما وإن علم عينه في نفسه، كالوجه مثلاً (أعاد الصلاتين بعد الطهارة إن اختلفتا) أي الصلاتان (عدداً) كالمغرب والعشاء؛ لفساد إحداهما يقيناً، ولا يمكن الترديد؛ للاختلاف.

(وإلّا) أي وإن لم تكونا مختلفتين، كالظهر والعصر (فالعدد) أي وجب إعادة فريضة بعدد إحداهما مطلقة بينهما، فيصلّى في المثال المذكور رباعيّةً يطلق فيها بين الظهر والعصر؛ لأنّ الفاسد إحداهما خاصّةً؛ لأنّ الطهارتين رافعتان. والإطلاق محصّل لذلك على أصحِّ القولين.

وأوجب الشيخ في المبسوط قضاء الصلاتين(3)؛ تحصيلاً لليقين حتّى أوجب قضاءالخمس لوصلّاها بخمس طهارات ثمّ ذكر الإخلال المذكور في إحدى الطهارات مع تخلّل الحدث بين كلّ طهارة وصلاة منها.

وعلى ماذكره المصنّف (رحمه الله) هنا يجزئه في هذا الفرض ثلاث فرائض رباعيّة كماذكر، ويزيد فيها الإطلاق على العشاء، وصبح ومغرب؛ لأنّ الغاية فريضة واحدة مجهولة من الخمس، ويتخيّر في تقديم أيّها شاء وتوسيطه وتأخيره.

ويتخيّر في الرباعيّة بين الجهر والإخفات؛ لاحتمال كونها إحدى الظهرين أو العشاء

ص: 131


1- حكاه عنه الجوهري في الصحاح، ج 2، ص 1065، «أيض».
2- مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 77؛ نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 313 وما بعدها.
3- المبسوط، ج 1 ، ص 47 - 48.

ولا يمكن الجمع بين النقيضين.

ولو كان الذكر في وقت العشاء نوى بالمغرب الأداء، وردّد في الرباعيّة بين الأداء والقضاء.

مع أنّ الشيخ (رحمه الله) وافق الجماعة في الاجتزاء بثلاث فرائض ممّن فاته فريضة مجهولة من الخمس(1) ؛ معوّلاً على رواية(2) مثّل فيها بمن نسي فريضة، فلم يقس عليها؛ لمخالفتها للأصل، وهو وجوب الجزم في النيّة، وفي الإطلاق ترديد.

وأجيب: بأنّ الترديد مشترك الإلزام؛ لأنّ مَنْ أعاد الصلاتين يعلم قطعاً بأن إحداهما ليست في ذمّته؛ للجزم بأنّ الفساد في إحدى الطهارتين خاصّة، فعند نيّة كلّ منهما إنّما يقصد الوجوب على تقدير الفساد، ولا أثر لصورة جزمه؛ لأنّ ذلك هو المراد.

والجواب عنهما واحد، وهو أنّ الجزم إنّما يعتبر إذا كان ممكناً وللمكلّف إليه طريق، وهو منفيّ في المسألتين، والخبر ينبّه عليه، مع أنّ المتنازع لا يكاد يخرج عن النسيان.

واعلم أنّ الوضوءين هنا يمكن فرضهما واجبين، وهو واضح، ومندوبين كم ، كما إذا توضّأ بريء الذمّة من مشروط به ثمّ صلّى فريضةً في وقتها ثمّ تأهّب لأخرى قبل وقتها وصلّى ثمّ ذكر الإخلال، ومتفرّقين، فمع تقدّم الواجب كمالو توضّأ لصلاة في وقتها وصلّاها ثمّ تأهّب لأُخرى قبل وقتها، وبالعكس على العكس.

واستشكل شيخنا الشهيد (رحمه الله) صورة الندبين والندب بعد الواجب؛ لعدم الجزم ببراءة الذمّة لمّا توضّأ ندباً ثانياً؛ لجواز أن يكون الخلل من الأولى فتفسد صلاته وتصير في الذمّة، فيقع الندب في غير موضعه (3).

وللبحث في تأثير ذلك مجال؛ لاستحالة تكليف الغافل، والفرض أنّ تجدّد العلم بعد الصلاتين، ولأنّه كان مأموراً بإيقاعه على ذلك الوجه فيقتضي الإجزاء.

ص: 132


1- النهاية، ص 127؛ المبسوط، ج 1، ص 185 - 186؛ الخلاف، ج 1، ص 309 - 310، المسألة 58.
2- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 197، ح .774 .
3- لم نعثر عليه في مظانّه.

(النظر الثالث)

من الأنظار الستّة: (في أسباب الغسل) وقد تقدّم تحقيق السبب، وأنّه الوصف الظاهر المنضبط الذي دلّ الدليل على كونه معرّفاً لحكم شرعي بحيث يلزم من وجوده الوجودُ و من عدمه العدمُ لذاته.

(إنّما يجب) الغسل (بالجنابة) بفتح الجيم (والحيض والاستحاضة) على تفصيل يأتي (والنفاس) - بكسر النون - (ومسّ الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل الغسل) الواجب اختياراً .

ويدخل في «الغسل» مَنْ قدّم غسله ليُقتل، فلايجب بمسّه غسل. وكذا لا يجب بمسّ الشهيد؛ لعدم وجوب الغسل عليه.

وخرج به المتيمّم ولو عن بعض الأغسال، فيجب الغسل بمسّه؛ لفقد التطهير الحقيقي.

وخرج بالاختيار مُغسَّل الكافر مع عدم المماثل؛ لعدم التطهير حقيقةً أيضاً.

وإطلاق الغسل هنا إمّا بناءً على الغالب، أو لعدم إيجاب الغسل بمسّ المذكور؛ لأنّ فيه خلافاً.

وهذه الأسباب الخمسة لا خلاف فيها عندنا إلّا في غسل المسّ، فمنع السيّد المرتضى من وجوبه (1)، وسيأتي ما يدلّ على الوجوب.

وقوله (وغسل الأموات) لايجوز عطفه على شيء من هذه الأسباب؛ لفساد المعنى حينئذ؛ لأنّه يصير التقدير إنّما يجب الغسل بالجنابة إلى آخره، وبغسل الأموات، فيصير

ص: 133


1- حكاه عنه الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 222، المسألة 193؛ والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 351 نقلاً عن شرح الرسالة والمصباح.

غسل الأموات من جملة الأسباب، وهو فاسد، بل الأولى عطفه على الضمير المستتر في «يجب» ليصير التقدير إنّما يجب الغسل بهذه الأسباب(1) ، وإنّما يجب غسل الأموات، مضافاً إلى الأغسال المسبّبة عن هذه الخمسة، وعلى كلّ تقدير فلا تخلو العبارة عن ثقل.

ويمكن أن يكون قوله «وغسل الأموات» مبتدأ محذوف الخبر، أي واجب، وإنّما غیّر الأسلوب في العبارة لأنّ غسل الأموات ليس على نهج الأغسال السالفة. ولوقال بدل «غسل الأموات»: «والموت» - كماصنع شيخنا الشهيد (2) - ليكون معطوفاً على الأسباب المتقدّمة لأنّه بعضها، كان أوضح.

(وكلّ الأغسال لابدّ معها من الوضوء) قبلها أو بعدها على المشهور، خلافاً للسيّد المرتضى فإنّه اكتفى بالغسل مطلقاً (3)، استناداً إلى صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «الغسل يجزئ عن الوضوء، وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟»(4) بناءً على أنّ هذا اللام للجنس، وأنّ لام الجنس إذا دخل على اسمه أفاد العموم.

والمقدّمتان ممنوعتان؛ لإمكان حمل اللام على العهد، ویراد به غسل الجنابة؛ جمعاً بينها وبين ماسيأتي من الأخبار الدالّة على اختصاص الحكم بغسل الجنابة نصّاً.

(إلّا) غسل (الجنابة) فإنّه لا وضوء معه عندنا وجوباً إجماعاً، ولا استحباباً على المشهور؛ لقوله تعالى: (حَتَّى تَغْتَسِلُواْ)(5) غيّا المنع بالغسل، فلايتوقّف على غيره؛ لوجوب مخالفة ما بعد الغاية لما قبلها. ولئلّا يلزم جَعْل ماليس بغاية غايةً.

ولقول الصادق(علیه السلام) : «في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة»(6).

ص: 134


1- فى الطبعة الحجرية: «الأشياء» بدل «الأسباب».
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 167: اللمعة الدمشقية، ص 11 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 5 و 13 ).
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 196.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 139 ، ح 390؛ الاستبصار، ج 1، ص 126، ح 427.
5- النساء (4): 43 .
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 143 . ح 403، وص 303 ، ح 881 .

ولصحيح ابن أبي عمير - المرسل - عن الصادق(علیه السلام): «كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة»(1) وقد عمل الأصحاب بمراسيله.

وقيل للباقر(علیه السلام): كان عليّ(علیه السلام) يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة، فقال: «كذبوا على عليّ(علبه السلام) ، قال الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُوا ) (2)»(3)،وفي حكايته(علیه السلام) للآية إشارة إلى أنّ المراد من الطهارة المأمور بها الغسل .

وقد نقل المحقّق في المعتبر إجماع المفسّرين على ذلك (4).

وقد يقرّر مع ذلك بأنّ الله سبحانه أمر مريد الصلاة بالوضوء المعبَّر عنه بغَسل الأعضاء المخصوصة ومسحها، ثمّ قال: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُوا )(5) ، ولا يجوز أن يراد بالطهارة الوضوء؛ لأنّ التفصيل قاطع للشركة، ولا الوضوء والغُسل معاً؛ لعدم جواز استعمال المشترك في معنييه عند المحقّقين. ولو سلّم فلادليل على إرادتهما معاً من الآية؛ لأنّ الجواز لا يتحتّم المصير إليه، بل غيره - وهو المتّفق عليه - أولى، فتعيّن أن یراد به الغسل .

وحيث كانت الأسباب الموجبة للغسل ستّة كما عرفت (فهنا مقاصد) أربعة تشتمل على بيان الأسباب الستّة. وجمع بين الاستحاضة والنفاس في مقصد لقلّة مباحثهما بالنسبة إلى غيرهما، وكذا جمع المسّ مع أحكام الميّت لقلّة أحكامه.

ص: 135


1- الكافي، ج 3، ص 45، باب صفة الغسل والوضوء قبله، ح 13؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 139، ح 391؛ الاستبصار، ج 1، ص 126 ، ح 428 .
2- المائدة (5): 6 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 139، ح 389؛ الاستبصار، ج 1، ص 125 - 126، ح 426.
4- المعتبر، ج 1، ص 195.
5- المائدة (5): 6 .

(المقصد الأول (في) ماهية (الجنابة) وأحكامها

وهي مصدر قولك: أجنب الرجل وجنب واجتنب جنابة.

ومَنَع بعض أهل العربية من الثاني، قال: لأنّ معناه: أصابته ريح الجنوب (1).

وهي في اللغة: البُعْد، وشرعاً ما يكون سبباً للبُعد عن أحكام الطاهرين من غيبوبة الحشفة أو قدرها قبل أو دُبُرٍ أو نزول المنيّ على ما يأتي تفصيله.

(وهي) أي الجنابة (تحصل للرجل والمرأة) والخنثى بل لجميع الناس على الأصحّ، فلو فرض من الصغير جماع وجب عليه الغسل عند البلوغ بسبب الجنابة الأُولى. وتخلّف الحكم عنه؛ لفقد شرط لا يُخرجه عن السببيّة.

وأمّا إنزال المنيّ فقد يفرض مع عدم تحقّق الرجوليّة، ويكون حينئذٍ سبباً فيها ؛ لأنّ المنيّ ليس دليلاً على سبق البلوغ بل موجداً له، كما سيأتي، فالتعبير بالرجوليّة غير جيّد . ومثله القول في المرأة ؛ فإنّها تأنيث المرء، وهو لغةً: الرجل، كمانصّ عليه أهل اللغة.

وحصولها بأحد أمرين: (بإنزال المنيّ مطلقاً) يقظة ونوماً، بشهوة وبغير شهوة؛ لقوله (صلى الله عليه و آله و سلم): «إنّما الماء من الماء»(2) .

ولا فرق بين نزوله من الموضع المعتاد الخلقي أو من غيره مطلقاً مع تحقّق أنّه منيّ عند المصنّف؛ للعموم.

ص: 136


1- حكاه السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 92 عن الحريري.
2- صحيح مسلم، ج 1، ص 269، ح 343/80: المعجم الكبير، الطبراني، ج 4، ص 267، ح 4373؛ مسند أحمد، ج 4، ص 443، ح 11042.

واختار الشهيد إلحاقه بالحدث الأصغر الخارج من غير المعتاد(1) ، فيعتبر فيه الاعتياد أو انسداد الخلقي.

وإن اعتبرنا هناك المعدة احتمل اعتبار الصلب هنا لأنّه يخرج منه.

وقرّبه المصنّف في النهاية (2).

ويعتبر في الخنثى خروجه من فرجَيْه لا من أحدهما إلّا مع الاعتياد. ويأتي على إطلاق المصنّف، المتقدّم عدم اعتبار الاعتياد هنا مع تحقّق المنيّ.

(وبالجماع في قُبُل المرأة حتّى تغيب الحشفة) فيه مع سلامتها، أو الباقي منها إن لم يذهب المعظم، أو قدرها من مقطوعها؛ لأنّه في معناها؛ لقوله(علیه السلام): «إذا التقى الختانان وجب الغسل»(3) .

والمراد بالتقائهما تحاذيهما؛ لعدم إمكان الالتقاء حقيقةً؛ فإنّ موضع الختان في المرأة أعلى الفرج، ومدخل الذكر في أسفله، وبينهما تُقبة البول. وذكر الختانين لا ينفي الحكم عمّا عداهما، فلو فرض انتفاؤهما أو أحدهما، يثبت الحكم على الوجه المتقدّم؛ لقوله(علیه السلام) : «إذا أدخله فقد وجب الغسل»(4) .

(و) الجماع (في دُبُر الآدمي) سواء كان ذكراً أم أُنثى أم خنثى (كذلك) أي كالجماع في قُبُل المرأة (وإن لم ينزل) الماء على الأصحّ.

أمّا دُبُر المرأة فادّعى السيّد المرتضى عليه الإجماع(5). ولقول الصادق(علیه السلام) : «هو أحد المأتيّين فيه الغسل»(6).

ص: 137


1- البيان، ص 51 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 99.
3- مسند أحمد، ج 7، ص 341. ح 25494.
4- الكافي، ج 3، ص 46، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 118 ح 310: الاستبصار، ج 1، ص 108، ح 358، والحديث عن أحدهما(علیها السلام) .
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 199 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) وجامع المقاصد، ج 1، ص 257 .
6- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 461 ، ح 1847: الاستبصار، ج 1، ص 112، ح 373 .

وما ورد من الأخبار ممّا يدلّ بظاهره على عدم الوجوب فمؤوّل بما يحصل به الجمع بينهما.

وذهب الشيخ في الاستبصار والنهاية إلى عدم الوجوب بالإيلاج في دُبُرها (1).

وأمّا الذكر فاستدلّ السيّد عليه أيضاً بالإجماع المركّب، بمعنى أنّ كلّ مَنْ قال بوجوب الغسل في دُبُر المرأة قال به في دُبر الذكر(2)، مع أنّه نقل في الأوّل الإجماع (3). ويلزم منه أن لا قائل بعدم الوجوب في الثاني.

وردّه المحقّق في المعتبر، وقال: لم أتحقّق إلى الآن ما ادّعاه، فالأولى التمسّك فيه بالأصل(4). وعنى به عدم وجوب الغسل بسببه.

ويندفع بأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة فكيف بمثل السيّد (رحمه الله)!

والخنثى لا يخرج عنهما، فدليلهما يشمله.

وإطلاق المصنّف الآدمي والمرأة(5) شامل للحيّ والميّت، والحكم فيه كذلك؛ للعموم.

وتقييده بالآدمي يقتضي بظاهره عدم وجوب الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة، ولانصّ فيه على الخصوص، وأصالة البراءة تقتضي عدمه.

واختار المصنّف في النهاية وجوبه(6)؛ لفحوى إنكار عليّ(تعلیه السلام) على الأنصار حيث لم يوجبوا الغسل في وطء القُبُل من غير إنزال بقوله: «أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟»(7).

ويمكن الاحتجاج له أيضاً بقوله(علیه السلام) : «ما أوجب الحدّ أوجب الغسل»(8) ولفظة «ما»

ص: 138


1- الاستبصار، ج 1، ص 112، باب الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج ... . النهاية، ص 19.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 181؛ وشرائع الإسلام، ج 1، ص 18.
3- تقدم تخريجه في ص 137، الهامش 5.
4- المعتبر، ج 1، ص 181.
5- كلمة «والمرأة» لم ترد في «الأصل وم».
6- نهاية الإحكام، ج 1، ص 96 .
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 119، ج 314.
8- كنز العمال ، ج 9، ص 543. ح 27337.

وإن كانت من صِيَغ العموم إلّا أنّها مخصوصة بما عدا الأسباب الموجبة للحدّ، التي قد اجمع على عدم إيجابها الغسل كالقذف، فيدخل المختلف فيه في العموم.

و توقّف المصنّف في النهاية في وطء البهيمة مع جزمه بوجوب الغسل لوغاب فرج الميّت أو الدابّة في فرجه (1).

وفي الفرق نظر.

وشمل إطلاقه الآدمى والمرأة الحىَّ والميّت.

والفاعل في جميع ذلك كالمفعول .

والخنثى باعتبار الدُبُر كغيره، وهو داخل في إطلاق الآدمي، كما عرفت، فيجب عليه الغسل بإيلاج الواضح في دُبُره، دون الخنثى؛ لاحتمال الزيادة في الفاعل، وباعتبار القُبل لا يجب عليه الغسل إلّا باستعمال الفرجين منه معاً مع واضح، فلو أولج أحدهما في واضح وأولج في الآخر من واضح، وجب عليه الغسل ولا يجب على الواضح على الأصحّ.

وأوجبه المصنّف في التذكرة محتجّاً بصدق التقاء الختانين ووجوب الحد به (2). وفيهما منع.

نعم، يصير الواضحان كواجدي المنيّ في المشترك فيقطع فيهما بجنب، كما يأتي.

ولو توالج الخنثيان فلا شيء؛ للشكّ في الحدث باحتمال الزيادة.

والمعتبر في الجماع ماكان محقّقاً، فلورأى في منامه أنّه جامع وانتبه فلم يجد منيّاً فلا غسل وإن وجد رطوبةً لا تشتمل على بعض أوصافه؛ لأصالة الطهارة.

(ولو اشتبه المنيّ) أي اشتبه الخارج هل هو منيّ أم لا (اعتبر بالشهوة) المقارنة له بحيث يتلذذ بخروجه (والدفق) وهو خروجه في دفعات؛ لقوله تعالى: (مِن مَّاء دَافِقٍ )(3) ( وفتور الجسد) بعده بمعنى انكسار الشهوة.

ص: 139


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 96 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 227 - 228 ذيل المسألة 67 .
3- الطارق (86) : 6.

ويعتبر أيضاً بالرائحة فإنّه يشبه رائحة الطلع والعجين مادام رطباً، ورائحة بياض البيض جافّاً.

وهذه الخواصّ الأربع متلازمة غالباً، ولو فرض انفكاكها لم يشترط في الحكم به اجتماعها، بل تكفى واحدة منها.

وقوله (وفي المريض لا يعتبر الدفق) إشارة إلى أنّه لا يشترط اجتماعها، وهو مبنيّ على الغالب من عدم انفكاكها. وأنّ الانفكاك يتّفق في المريض، وإلّا فلو فرض الانفكاك اكتفى بواحدة منها وإن لم يكن مريضاً كما قلناه، وقد صرّح به المصنّف في النهاية(1).

لكن يفهم من عدم اعتبار الدفق فيه اشتراط اجتماع الشهوة عنده وانكسارها بعده بالمفهوم المخالف، وليس مراداً، بل على تقدير العمل به يبنى على الغالب حتّى لوفرض عدم الشهوة في المريض أصلاً مضافاً إلى عدم الدفق؛ لضعف قوّته، اعتبر الخارج بالرائحة خاصّةً.

وعلى هذا لو خرج المنيّ بلون الدم لاستكثار الجماع وجب الغسل؛ تغليباً للخواصّ، مع احتمال العدم؛ لأنّه في الأصل دم، فإذا خرج على لونه أشبه سائر الدماء.

(ولو وجد) المكلّف ( على ) شيء من (جسده أو ثوبه) أو فراشه (المختصّ) بلُبسه أو النوم عليه حين الوجدان وإن كان يلبسه أو ينام عليه هو وغيره تناوباً (منيّاً وجب) على الواجد(الغسل) حينئذ.

ولو كان صبيّاً حُكم ببلوغه إن كان ذلك في سنّ يمكن حصوله فيه، وهو اثنتا عشرة سنة فصاعداً، كما ذكره المصنَف في المنتهى(2)، ويحكم بنجاسة الثوب أو البدن في أقرب أوقات احتمال تجدّده، ويعيد الصلاة ونحوها الواقعة بعد ذلك الوقت خاصّة على الأصحّ؛ لأصالة عدم التكليف بالزائد، واستصحاباً ليقين الطهارة، فلا يرفعه احتمال الحدث، ويُعبَّر عن هذا القول بإعادة كلّ صلاة يعلم عدم سبقها أو لا يحتمل سبقها، وهو

ص: 140


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 99.
2- منتهى المطلب، ج 2، ص 178 .

آخر نومةٍ أو جنابة ظاهرة.

واحتاط الشيخ (رحمه الله )(1) بإعادة كلّ صلاة لا يعلم سبقها، وهو من أوّل نومةٍ أو جنابة ظاهرة وقعت في الثوب؛ لتوقّف اليقين بالبراءة عليه.

هذا كلّه بالنسبة إلى الحدث، وأمّا الخبث فيبني على إعادة الجاهل بالنجاسة أوّلاً فيما حكم بحصوله فيه، لكن حكم الخبث هنا يدخل في حكم الحدث؛ لعدم الانفكاك ولو فرض تمشيّ الحكم والخلاف.

(ولا يجب) الغسل لو وجده (في المشترك) ثوباً وفراشاً. نعم، يستحبّ لهما الغسل وينويان الوجوب، كما في كل احتياط . ولو علم المجنب منهما بعد ذلك ففي الإعادة نظر تقدّم مثله في الوضوء.

ويتحقّق الاشتراك بالنوم فيه أو عليه دفعة لا بالتناوب، كما سبق، بل يجب على صاحب النوبة خاصّة وإن احتمل سبقه. ولم علم السبق سقط عنه، ولم يجب على مَنْ قبله ما لم يتحقّق أنّه منه.

قيل(2) : ولا يقطع بجنب، كما في المشترك؛ لأصالة بقاء الطهارة، وعدم الدليل عليه. وفيه نظر.

ولو نسي صاحب النوبة بعينه ألحق بالمشترك، ومع تحقّق الاشتراك يقطع بجنب، فلا يكمل بالمشتركين(3) عدد الجمعة؛ لبطلان صلاة واحدٍ في نفس الأمر قطعاً.

ولو ائتمّ أحدهما بالآخر بطلت صلاة المأموم خاصّة؛ للقطع بحدثه أو حدث إمامه، فتبطل صلاته على التقديرين.

واستوجه المصنّف الصحّة؛ لسقوط حكم هذه الجنابة في نظر الشرع (4).

ولا ريب في جواز دخول المساجد دفعةً، وقراءة العزائم ونحوهما.

ص: 141


1- المبسوط، ج 1، ص 51؛ وكما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 170 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- لم نعثر على القائل في مظانّه من المصادر المتوفرة لدينا.
3- في الطبعة الحجرية «المشترك».
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 101 .

( ويحرم عليه) أي على الجنب المدلول عليه التزاماً (قراءة) كلّ واحدة من سُور السجدات (العزائم) وهي أربع سور: سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم، وإقرأ.

(و) كذا يحرم عليه قراءة (أبعاضها) حتّى البسملة إذا قصدها منها، بل لفظة «بسم» وهو إجماع.

(و) كذا يحرم عليه (مسّ كتابة القرآن) إجماعاً. ولقوله تعالى: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ )(1) وهو خبر معناه النهي؛ لعدم الفائدة فيها لوأريد بها الخبر، ولعدم مطابقة الواقع، والنهي للتحريم. وللأخبار

ولا فرق في المسّ بين باطن الكفّ وغيره من أجزاء البدن؛ لشمول المسّ له لغةً.

وهل يحرم المسّ بما لا تحلّه الحياة من أجزاء البدن كالشعر والظفر؟ الظاهر لا؛ لعدم كونهما محلّ الحياة، وحكم الحدث من توابعها، ومن ثُمَّ يسقط بالموت.

وكذا لا يجب الغسل بمسّ الميّت به وإن نجس، كما لا يجب بمسّه من الميّت.

ولا يخفى أنّ التحريم من باب خطاب الشرع المختصّ بالمكلّف، فلا يمنع الصبيّ منه لعدم التكليف. نعم، يستحب للوليّ منعه تمريناً.

ولا فرق بين المنسوخ حكمه منه وغيره دون المنسوخ تلاوته.

ولا يلحق بالقرآن الكتبُ الدينيّة كالحديث.

(أو شيء مكتوب عليه اسم الله تعالى) ولو كان على درهم أو دينار أو غيرهما؛ لقول الصادق(علیه السلام):« لايمسّ الجنب ديناراً ولا درهماً عليه اسم الله تعالى» (2).

وهذه الرواية ذكرها الأصحاب في الدلالة، وهي ضعيفة السند، لكنّها مناسبة لما ينبغي من تعظيم اسم الله تعالى.

(وأسماء أنبيائه والأئمة«علیهم السلام») المقصودة بالكتابة؛ لمناسبة التعظيم أيضاً.

ص: 142


1- الواقعة (56) :79.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 31، ح 82؛ الاستبصار، ج 1، ص 113، ح 374.

وجوّزه هنا المحقّق في المعتبر(1) على كراهية؛ لعدم الدليل على التحريم، مع أنّه قد روي عن الصادق(علیه السلام) في الجنب يمسّ الدراهم وفيها اسم الله أو اسم رسوله، قال: «لا بأس ربما فعلت ذلك»(2).

وهذه الرواية إنّما تدلّ على جواز مسّ الدراهم المكتوب عليها ذلك خاصّة، فلا يتعدّى إلى غيرها. وجاز اختصاصها بالحكم؛ لعموم البلوى ودفع الحرج، وليست مستندَ المحقّق ولا مطابقةً لقوله؛ لتخصيصه الحكم باسم النبيّ والإمام، وتعميمه الرخصة في الدراهم وغيرها.

(و) كذا يحرم عليه (اللبث)بفتح اللام وسكون الباء على غير قياس (في المساجد) للخبر(3). ولقوله تعالى: (وَلَا جُنُبا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ ) (4).

والمراد من «الصَّلَوَةَ» في صدر الآية مواضع الصلاة؛ لدلالة العجز عليه، أو يريد الصلاة ومكانها على طريق الاستخدام، كما ذكره بعض أهل البيان، إلّا أنّه غير الاستخدام المشهور.

(ووضع شيء فيها) أي في المساجد على الأصحّ، خلافاً لسلار فإنّه كرهه خاصّة(5) ، بل كره اللبث في المساجد أيضاً (6)، ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما.

ومستند التحريم مارواه عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الجنب

والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه، قال: «نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً»(7) .

وخصّ بعض المتأخّرين تحريمَ الوضع باستلزام اللبث (8).

ص: 143


1- المعتبر، ج 1، ص 188 .
2- المعتبر، ج 1، ص 188 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 125، ح 338، وص 371، ح 1132.
4- النساء (4): 43 .
5- المراسم ، ص 42 .
6- المراسم ، ص 42.
7- الكافي، ج 3، ص 51، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ .... ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 125، ح 339.
8- ابن فهد الحلّي في المقتصر، ص 49.

وهو ضعيف؛ لعموم النصّ و استلزامه عدم فائدة ذكر الوضع؛ لأنّ اللبث سبب تامّ في التحريم، سواء حصل معه وضع أم لا.

( والاجتياز) أي السلوك (في المسجدين): مسجد الحرام ومسجد النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) دون غيرهما من المساجد؛ فإنّه يباح الاجتياز فيها على كراهة؛ لماروي عن أبي عبد الله(علیه السلام) حيث سُئل عن الجنب يجلس في المساجد، قال: «لا، ولكن يمرّ فيها إلّا المسجد الحرام ومسجد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) »(1) .

ولا يشترط في جواز الاجتياز في باقي المساجد أن يكون للمسجد(2) بابان يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر، بل صدق السلوك وعدم اللبث، مع احتماله.

نعم، ليس له التردّد في جوانب المسجد بحيث يخرج عن اسم المجتاز قطعاً؛ لأنّه كالمكت.

وهذا كلّه مع الاختيار ، فلو اضطرّ جاز المكث في جميع المساجد متيمّماً، فإن أمكن التيمّم خارجاً وجب، وإلّا جاز بتراب المسجد، ويعيده كلّما أحدث ولو أصغر.

(ويكره) له (الأكل والشرب إلّا بعد المضمضة والاستنشاق) أو الوضوء للخبر(3)، فإن أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص. وروي أنبه يورث الفقر(4). ويتعدّد بتعدّد الأكل والشرب مع التراخي لامع الاتّصال.

(و) كذا يكره له (مسّ المصحف) وحمله بغير علاقة، أمّا بها فلابأس، قاله المصنّف (5)، وفيه نظر.

ص: 144


1- الكافي، ج 3، ص 50، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 125، ح 338.
2- في الطبعة الحجرية: «للمساجد».
3- الكافي، ج 3، ص 50 - 51، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ .... ح 1 و 12؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 129. ح 354، وص 130 ، ح 357.
4- الفقيه، ج 1، ص 83، ح 178 .
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 104.

(والنوم إلّا بعد الوضوء) للخبر (1). ولاستحباب النوم على طهارة وإن كانت ناقصةً، كالتيمّم مع وجود الماء، فكذا يكفي فيه الوضوء عن الغسل والغسل أفضل.

(والخضاب) له بحنّاء وغيره. وكذا يكره أن يجنب وهو مختضب كلّ ذلك للرواية (2).

(وقراءة مازاد على سبع آيات) في جميع أوقات جنابته، فلايشترط التوالي. قيل: ويصدق السبع ولو بواحدة مكرّرة سبعاً(3)

وحرّم ابن البرّاج قراءة مازاد على السبع(4) ، ونُقل عن سلّار في أحد قوليه تحريم القراءة مطلقاً(5) : لما روي عنه(صلی الله علیه و آله و سلم)(6) : «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن»(7) ، وعن عليّ(علیه السلام):« لم يكن يحجب النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) عن قراءة القرآن شيء سوى الجنابة»(8).

قلنا: يحمل على الكراهة إن صحّ السند؛ جمعاً بينهما وبين غيرهما من الأخبار كصحيح الفضيل بن يسار عن الباقر(علیه السلام) : «لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن »(9) وصحيح الحلبي عن الصادق(علیه السلام) في الحائض والجنب والمتغوّط: «يقرؤون ماشاؤا»(10).

واحتجّ أيضاً باشتهار النهي عن قراءة القرآن للجنب والحائض في عهد النبيّ(صلى الله عليه و آله و سلم) بين الرجال والنساء، ومن ثَمَّ تخلّص عبد الله بن رواحة - وكان أحد النقباء - من تهمة

ص: 145


1- الفقيه، ج 1، ص 83، ح 179 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 181، ح 517 - 519: الاستبصار، ج 1، ص 116 ، ح 386 و 387، وص 117، ح 392 .
3- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.
4- المهذب، ج 1، ص 34.
5- نقله عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 215 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) عن الأبواب.
6- في «م»: «عن النبي».
7- الجامع الصحيح، ج 1، ص 236، ح 131؛ سنن الدار قطني، ج 1، ص 291، ح 1/412؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 461، ح 1479.
8- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 195، ح 594؛ سنن أبي داود، ص 59، ح 229؛ سنن النسائي، ج 1، ص 144؛ مسند أحمد، ج 1، ص 135، ح 640.
9- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 128، ح 347: الاستبصار، ج 1، ص 114، ح 380.
10- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 128 ، ح 348: الاستبصار، ج 1، ص 114، ح 381.

امرأته بأمته بشعرٍ مُوهماً القراءة، فقالت: صدق الله وكذب بصري، فأخبر النبيّ(صلى الله عليه و آله و سلم) فضحك حتّى بدت نواجذه (1).

(وتشتدّ الكراهة) بل الظاهر من كلام الشيخ في كتابي الأخبار (2)التحريم (فيما زاد على سبعين) أية.

والاحتجاج على تحريم مازاد بالإذن في قراءة السبع أو السبعين ضعيف؛ فإنّ قراءة مازاد على العدد أعمّ من التحريم، بل يجوز أن يكون مكروهاً أو مباحاً.

(ويجب عليه أي على المجنب (الغسل) بسبب الجنابة وإن لم يكن مخاطباً بمشروط بالطهارة عند المصنّف، فوجوبه عنده لنفسه(3) بمعنى أنّه سبب تامّ في وجوب الغسل شرعاً وإن كانت الذمة بريئةً من عبادةٍ مشروطة بالغسل، محتجّاً بالأدلّة الدالّة بإطلاقها أو عمومها على ذلك، كقوله(علیه السلام) : «إذا التقى الختانان وجب الغسل»(4)، و«إنّما الماء من الماء»(5)، «وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُواْ) (6)، وقول عليّ(علیه السلام): «أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعاً من ماء!؟ »(7) ، وقوله(علیه السلام) : «إذا أدخله فقد وجب الغسل»(8). ولأنّه لولم يجب إلّا لما يشترط فيه الطهارة لما وجب أوّل النهار للصوم، والتالي

ص: 146


1- الاستيعاب، ج 3، ص 900 - 901؛ مختصر تاریخ دمشق، ج 12، ص158؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 297 - 298، ح 13/425.
2- انظر تهذيب الأحكام، ج 1، ص 128؛ والاستبصار، ج 1، ص 114 - 115.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 159، المسألة 107؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 256.
4- مسند أحمد، ج 7، ص 341، ح 25494 عن النبي الله ، الكافي، ج 3، ص 46 ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 118، ح 311؛ الاستبصار، ج 1، ص 108 - 109، ح 359 عن الإمام الرضا(علیه السلام).
5- صحيح مسلم، ج 1، ص 269، ح 343/80، مسند أحمد، ج 3، ص 443 ، ح 11042؛ المعجم الكبير، الطبراني، ج 4، ص 267، ح 4374.
6- المائدة (5): 6 .
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 119 ، ح 314.
8- الكافي، ج 3، ص 46، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 118 ،ح 310؛ الاستبصار، ج 1، ص 108، ح 358 .

باطل إجماعاً فالمقدّم مثله، والملازمة ظاهرة (1).

والأكثر(2) على أنّ وجوبه مشروط بوجوب شيء من الغايات المتقدّمة، كباقي أغسال الأحياء؛ إذ لا خلاف بينهم في وجوبها لغيرها.

وممّا يدلّ على اشتراك هذه الأغسال - غير غسل الميّت - في تعلّق وجوبها بوجوب الغايات تضيّقها بتضيّق وقتها واتّساعها بسعته، فلاوجه لإخراج غسل الجنابة من البين.

ويدلّ على الجميع أيضاً مارواه زرارة - في الصحيح - عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة، ولا صلاة إلّا بطهور»(3) وفي «إذا» معنى الشرط، فينتفي المشروط بانتفائه؛ لأنّ مفهوم الشرط حجّة عند كثير من الأصوليّين ومنهم المصنّف (4).

قال الشهيد (رحمه الله ):

وهذا الخبر لم يذكره المتعرّضون لبحث هذه المسألة، وهو من أقوى الأخبار دلالةً وسنداً، أورده في التهذيب في باب تفصيل واجب الصلاة (5).

ويدلّ على وجوب محلّ النزاع لغيره على الخصوص عطفه على الوضوء المشروط بالصلاة إجماعاً في قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُوا )(6) وعطف التيمّم عليه المشروط بها أيضاً اتّفاقاً، فلولا كون حكمه كذلك لزم تهافت کلامه تعالی بتوسیطه معطوفاً بين عبادتين مشروطتين كذلك مصرّحاً بالاشتراط في أُولاهنّ بقوله: (إِذَا قُمْتُمْ)(7) والحكم إذا صدر بأداة الشرط لزم من انتفائه انتفاؤه قضيّةً للاشتراط، فلايرد أنّ الإيجاب لأجل الصلاة لا ينفي الوجوب بدونها.

ص: 147


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 159 - 161، المسألة 107 .
2- منهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 128 .
3- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 140. ح 546 .
4- انظر مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 98؛ ونهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 461.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 144 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- المائدة (5): 6.
7- المائدة (5): 6.

والمصنّف (رحمه الله) أجاب عن ذلك بالمنع من مساواة للمعطوف عليه في الحكم(1) ، مع أنّه قد ادّعى في غير موضع التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه (2)، فمنعه هنا خاصّة غريب، مع أنّك قد عرفت أنّا لو سلّمنا عدم لزوم المساواة، فالاحتجاج بها باقٍ باعتبار توسّط الغسل بين طهارتين مشروطتين.

ويدلّ عليه أيضاً صحيح الكاهلي عن الصادق(علیه السلام) في المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل هل تغتسل؟ قال: «قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل»(3) علّل(علیه السلام) عدم الغسل بمجيء ما يفسد الصلاة عاطفاً بفاء التفريع، فدلّ بالإيماء على أنّ وجوب الغسل إنّما كان ناشئاً عن وجوب الصلاة، وإلّا لزم عدم مطابقة الجواب للسؤال؛ إذ لا يلزم من إبطال الصلاة إبطال الطهارة، والمسؤول عنه إنّما هو فعل الغسل حال الحيض، فالجواب عنه بمجيء مفسد الصلاة لولم يرد ما قلناه غير مطابق سيّما والإمام قد علم من قول السائل بمجيء المفسد لها، فهو مثل قوله(علیه السلام) : «أينقص إذا جفّ؟»(4)، في الإيماء إلى التعليل، فدلالة الخبر حينئذٍ ليست من باب المفهوم، كما أورده المصنّف في المنتهى (5).

وما ذكر من الأخبار الدالّة على أنّ وجوبه معلّق على الالتقاء أو الماء ونحوهما غير مقيّد باشتراط وجوب عبادةٍ مشروطة بالغسل معارض بالأوامر الدالّة على وجوب الوضوء وباقي الأغسال غير مقيّدة بالصلاة كقول النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم): «مَنْ نام فليتوضّأ»(6)، وقول

ص: 148


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 161 ، المسألة 107.
2- منتهى المطلب، ج 2، ص 257 .
3- الكافي، ج 3، ص 83، باب المرأة ترى الدم وهي جنب ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 370، ح 1128 وص 395 ، ح 1224.
4- المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 38 .
5- منتهى المطلب، ج 2، ص 258 .
6- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 161، ح 477 ؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 52، ح 303؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 378، ح 4/588؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 190 ، ح .578.

عليّ(علیه السلام) : «مَنْ وجد طعم النوم وجب عليه الوضوء»(1) ، وقول الرضا(علیه السلام): «إذا خفي الصوت وجب الوضوء»(2) ، وقول الصادق(علیه السلام) :« غسل الحائض واجب، وغسل الاستحاضة ،واجب، وغسل مَنْ مسّ ميّتاً واجب»(3) إلى غير ذلك، و كالحكم بوجوب غسل الثوب والبدن والإناء من النجاسة مع الاتّفاق على أنّ المراد بذلك الواجبُ المشروط، ومهما أجاب عن ذلك فهو الجواب عمّا احتجّ به لغسل الجنابة.

قال في الذكرى: والأصل في ذلك أنّه لمّاكثر علم الاشتراط أُطلق الوجوب وغلب في الاستعمال (4). انتهى.

ولا يرد يرد أنّ تقييد إطلاق تلك الأخبار ليس بأولى من تقييد مفهوم خبر زرارة، المتقدّم (5)ونحوه بما عدا غسل الجنابة؛ فإنّ المرجّح فيه أصالة براءة ذمّة المكلّف من الطهارة عند الخلوّ من مشروط بها، مضافاً إلى ماذكر من المعارضة.

وحديث الملازمة بين وجوبه لغيره وعدم وجوبه للصوم ممنوع، بل قيل(6): إنّه من قبيل المغالطة للإجماع - من غير الصدوق - على اشتراط الصوم بالغسل على بعض الوجوه، وقد تقدّم القول فيه.

وأمّا غسل الأموات: فلاخلاف في وجوبه لنفسه، والفرق بينه وبين غيره أنّ تلك شروط لعباداتٍ مخصوصة تتضيّق بتضيّق وقتها، وتتّسع بسعته، كما تقدّم، ولا كذا غسل الأموات، بل وجوبه بأصل الشرع ثابت باعتبار ذاته وترتّب الصلاة عليه على الغسل

ص: 149


1- الكافي، ج 3، ص 37، باب ما ينقض الوضوء .... ح 15 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 8، ح 10؛ الاستبصار، ج 1، ص 80 81، ح 252.
2- الكافي، ج 3، ص 37، باب ما ينقض الوضوء .... ح 14؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 9 ، ح 14.
3- الكافي، ج 3، ص 40، باب أنواع الغسل، ح 2: الفقيه، ج 1، ص 78 - 79 ، ح 176: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 104، ح 270، الاستبصار، ج 1، ص 97 - 98 ، ح 315، وما في المتن موافق لما في الاستبصار نصاً.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 146 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- في ص 147 .
6- لم نعثر على القائل في مظانه.

واشتراط صحّتها به من قبيل الوجوب المرتّب، كترتب التكفين على الغسل، والدفن على الصلاة.

ومن ثُمَّ ترى وجوب الغسل منفكاً عن وجوب الصلاة في الطفل، والصلاة منفكّةً عن وجوب الغسل في الشهيد، وذلك يدلّ على عدم الاشتراط وجوداً وعدماً، وباقى الطهارات ليست كذلك؛ لاستحالة انفكاك المشروط عن الشرط قضيّةً للاشتراط، ولا يلزم مثل ذلك في غسل الجنابة بالنسبة إلى ما يترتّب عليه من العبادة؛ لما تقدّم من الأدلّة، ولاشتراط نيّة الرفع أو الاستباحة فيه عند مدّعي وجوبه لنفسه، وهو آية اشتراطها به، أنّ القول بإخراج غسل الجنابة من بينها غير معروف لأحدٍ من المتقدّمين، وإنّما هو قولُ حادث والمصنّف اعترف بذلك في المختلف والمنتهى(1) حيث أطلق حكاية الخلاف عن المتأخّرين، ومن ثَمَّ قال شيخه المحقّق في المسائل المصرية: إخراج غسل الجنابة من بين سائر الأغسال تحكّم بارد (2). وقال الشهيد (رحمه الله) في البيان: تحكّم ظاهر (3).

وتظهر فائدة القولين في أمرين:

أحدهما: أنّ الجنابة على الأوّل سبب تامّ في إيجاب الغسل، فمتى حصلت للمكلّف وجب عليه الغسل وإن كانت ذمّته بريئةً من عبادة مشروطة به، لكنّ الوجوب موسَّع مع عدم تضيّق عبادةٍ مشروطة به، وعلى الثاني تكون الجنابة سبباً ناقصاً وإنّما يتمّ عند شغل الذمّة بمشروط به، فينوي الوجوب حينئذ، ولو أراد الاغتسال بعدها وقبل اشتغال الذمّة بالمشروط به، نوى الندبَ ورَفعَ الحدث أو الاستباحة، ويدخل به في الصلاة ونحوها بعد تمام سبب الوجوب كالوضوء المندوب كذلك.

ص: 150


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 159، المسألة 107؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 256.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 146 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ وفي الرسائل التسع، ص 100 ، المسألة الرابعة من المسائل العزّيّة.
3- البيان، ص 35 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

وثانيهما: لو ظنّ الوفاة قبل شغل ذمّته بالمشروط به، وجب عليه المبادرة إلى الغسل على الأوّل، كما في العبادات الموسّعة، فلو أخّر إلى وقت يظنّ فيه الموت عصى، ولا يجب على الثاني لعدم تحقّق الوجوب.

( ويجب فيه) أي في الغسل (النيّة) المشتملة على التقرّب إجماعاً، والوجه، وأحد الأمرين على ما فصّل في الوضوء، وأكثر ماهناك من البحث آت هنا، ويزيد هنا اشتراط أحد الأمرين ضعيفاً على مذهب المصنّف من وجوبه لنفسه باعتبار عدم دلالة (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوَةِ )(1)عليه.

ووقتها فعلاً (عند الشروع) في مستحبّات الغُسل كغَسل اليدين والمضمضة والاستنشاق، أو واجباته كغَسل الرأس في الترتيب، وجزء من البدن في الارتماس.

وقد تقدّم تفصيله في الوضوء إلا أنّ المصنّف(2) وغيره (3)ذكر أنّ غَسل اليدين هنا غير مشروط بما ذكر فى الوضوء . وفيه تأمّل.

(مستدامة الحكم) بمعنى أن لا ينوي منافياً للنيّة أو لبعض مشخّصاتها، أو البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها، كمامرّ (حتّى يفرغ) من الغسل.

فلو نوى في الأثناء منافياً بطلت النيّة، فلو عاد استأنف النيّة للباقي إن لم يطل الفصل مطلقاً أو طال و لم يكن الغسل ممّا يشترط فيه الموالاة كغسل الاستحاضة، وإلّا أعاد الغسل من رأس. ولو أخلّ بالموالاة فيما لا تعتبر فيه ثمّ عاد إلى الباقي لم يفتقر إلى نيّة مستأنفة وإن طال الزمان مع بقاء الاستمرار الحكمي.

وأوجب المصنّف في النهاية(4) تجديد النيّة متى أخّر بما يعتدّ به ليتميّز عن غيره،

ص: 151


1- المائدة (5): 6 .
2- حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 261؛ وانظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 109 - 110.
3- انظر ذكرى الشيعة، ج 2، ص 153 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 107 .

وتبعه في الذكرى(1) مع طول الزمان.

ولا فرق في تأثير نيّة المنافي بين وقوعها حالة الذهول والذكر؛ لضعف الاستدامة الحكميّة في جانب الابتداء الحقيقي

(و) يجب (غَسل بشرة جميع الجسد بأقلّه) أي بأقلّ الغَسل، وهو ما اشتمل على الجريان، كما في الوضوء؛ تحقيقاً لمسمّى الغَسل فلايكفي الإمساس من دونه.

والمراد بالبشرة ظاهر الجلد. واحترز بها عن الشعر، ولا يجب غسله إلّا أن يتوقّف غَسل البشرة عليه فيجب مقدّمةً لا أصالةً، فلا يجب على المرأة نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى ما تحته بدونه .

(و) كذا يجب (تخليل ما( أي الشيء الذي (لا يصل إليه) أي إلى الجسد المذكور سابقاً. والمراد ماتحته منه. أو يريد بوصوله إليه وصوله إلى ماتحته من البشرة مجازاً، وليس المراد به ما يظهر من العبارة من أنّ إصابة الماء للشيء المخلّل يكفي عن وجوب تخليله؛ فإنّ منه ما لا يجب غَسله كالشعر والخاتم، ولا يكفي وصول الماء إليه، إلّا أن يريد بوصول الماء إليه وصوله إلى جميع أجزائه المستلزم ذلك غالباً غسل ماجاوره من البشرة، أو يحمل على ما يجب غَسله كمعاطف الأذنين والإبطين وماتحت ثدي المرأة، فإنّه يجب تخليله إذا لم يصل (الماء) إلى جميع أجزائه (إلّا به) أي بالتخليل، وذلك كالشعر سواء خفّ أم كثف؛ لما روي:« أنّ تحت كلّ شعرة جنابة، فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة» (2).

وسقوط تخليل الكثيف الكائن في وجه المتوضّى؛ لأنّ الأمر فيه مختصّ بالوجه، وأخذه من المواجهة، فينتقل الاسم إلى الشعر، بخلافه في الغسل؛ لخروجه عن اسم البدن والبشرة، وعلى هذا فيجب في الوضوء تخليل شعر اليدين وإن كثف؛ لتوقّف

ص: 152


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 31 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- أورده كما في المتن المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 278؛ وفي سنن ابن ماجة، ج 1، ص 196، ح 597؛ وسنن أبي داود، ج 1، ص 65 ، ح 248: «... فاغسلوا الشعر ...» بدل« .... قبلوا الشعر ...» .

غَسل اليد عليه، وعدم انتقال الاسم إلیه

واستقرب في الذكرى غَسله أيضاً؛ لأنّه من توابع اليد (1).

(و) كذا يجب في الغسل (الترتيب) بين أعضائه الثلاثة (يبدأ) في الغسل (بالرأس) مع الرقبة (ثمّ) ب_(الجانب الأيمن ثمّ الأيسر) وهو من تفرّدات علمائنا، ونقل الشيخ إجماعنا عليه، واحتجّ عليه مع الإجماع بما رواه زرارة عن أبي عبد الله(علیه السلام) حیث سأله كيف يغتسل الجنب ؟ فقال: «إن لم يكن أصاب كفّه شيء(2) غمسها في الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر ،مرِّتين، فماجرى عليه الماء فقد أجزأه »(3)(4).

ونحوه رواية محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهما السلام)(5).

وروى العامّة عن عائشة في وصف وضوء(6) رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) مثله(7) .

وهذه الروايات دلّت صريحاً على تقديم الرأس على غيره؛ لعطف اليمين عليه ب_«ثمّ» الدالّة على التعقيب.

وأمّا تقديم الأيمن على الأيسر: فاستفيد من خارج إن لم نقل بإفادة الواو الترتيب، كما ذهب إليه الفرّاء(8)، بل على الجمع المطلق أعمّ من الترتيب ،وعدمه، كما هو رأي الجمهور؛ إذ لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس دون البدن، فالفرق إحداث قول ثالث.

ولأنّ الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على هذا الوجه، وكلّ مَنْ قال بالترتيب

ص: 153


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 49 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
2- في تهذيب الأحكام: «مني».
3- الكافي، ج 3، ص 43، باب صفة الغسل والوضوء قبله .... ح3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 133 ، ح 368.
4- الخلاف، ج 1، ص 132 ، المسألة 75 .
5- الكافي، ج 3، ص 43، باب صفة الغسل والوضوء قبله .... ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 132 ، ح 365 ؛الاستبصار، ج 1، ص 123، ح 420.
6- كذا. والظاهر: «غسل» بدل «وضوء».
7- صحیح مسلم، ج 1، ص 253، ح 316/35: مسند أحمد، ج 7، ص 79، ح 23736.
8- مغني اللبيب، ج 1، ص 464.

فيها قال بالترتيب في غسل الجنابة، فالفرق مخالف للإجماع المركّب فيهما.

وما ورد من الأخبار أعمّ من ذلك يحمل مطلقها على المقيّد.

والترتيب واجب في جميع أنواع الغسل (إلّا في) غسل (الارتماس) تحت الماء دفعةً واحدة عرفيّة بحيث يشمل الماء البشرة في زمان قليل، فإنّه يسقط الترتيب فعلاً ونيّة وحكماً.

وكذا يسقط الترتيب في شبه الارتماس، كالوقوف تحت المجرى والمطر الغزيرين، كما اختاره المصنّف في غير(1) هذا الكتاب وإن كان ظاهره هنا وجوب الترتيب فيه، كما اختاره ابن إدريس(2)، ومال إليه المحقّق في المعتبر (3).

وألحق بعضهم بهما صبّ الإناء الشامل للبدن(4) ، وهو الظاهر من كلام من أطلق القول بشبه الارتماس، كالمصنّف وغيره. وجَعَله في الذكرى لازماً للشيخ (5)؛ حيث صرّح بالمطر والمجرى خاصّة(6) .

ووجه اللزوم مع المساواة في المعنى: أنّ النص إنّما ورد في المطر (7)، فذِكرُ الشيخ القعود تحت المجرى(8) يدلّ على التعدية إلى ما يساوي المطر في المعنى، وهذا لازم أيضاً في الحقيقة لكلّ مَنْ ذكر مع المطر شيئاً من ميزاب أو شبهه أو غيرهما، فلاوجه للتوقّف فيه على الخصوص، بل ينبغى إمّا إدخاله، أو تخصيص الحكم بالمطر.

ومستند الأوّل - مع الإجماع - قول أبي عبد الله(علیه السلام) : «ولو أنّ رجلاً ارتمس في

ص: 154


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 108؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 232، ذيل المسألة 68.
2- السرائر، ج 1، ص 135.
3- المعتبر، ج 1، ص 184 - 185 .
4- كما في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 141 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 141 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
6- المبسوط، ج 1، ص 53 .
7- الفقيه، ج 1، ص 20، ج 27؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 149، ح 424: الاستبصار، ج 1، ص 125، ح 425.
8- المبسوط ، ج 1، ص 53.

الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلّك جسده»(1) و نحوه(2) .

والثاني - مع مساواته الأوّل في وحدة شمول الماء عرفاً - مارواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام) حیث سأله عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر حتّى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ماسوى ذلك؟ قال: «إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك»(3).

وأجود ما يقرّر في وجه الاستدلال به أنّه(علیه السلام) حكم بصحّة الغسل به على تقدير مساواته للغسل بالماء في غيره، ومعلوم أنّ الغسل بغيره ينقسم إلى ترتيب وارتماس، فيلحق بما أشبهه؛ لأنّه(علیه السلام) الحاقه بالمشابهة في قوله:« إن كان يغسله اغتساله» لأنّ كاف التشبيه مقدّرة في «اغتساله» أو يقدّر مصدراً موصوفاً تقديره: إن كان يغسله غسلاً مساوياً اغتساله.

وإذا كان كذلك، فإن كان الماء غزيراً بحيث يغسله دفعة عرفيّة كالمرتمس ارتماسة واحدة كان كالارتماس في الحكم، وإن تراخي وحصل معه الجريان على الأعضاء كان كغسل الترتيب.

وهذا توجيه واضح، وبه يندفع قول المحقّق في المعتبر: إنّ هذا الخبر مطلق فينبغي أن يقيّد بالترتيب في الغسل(4) ؛ إذ لا مقابل له حتّى يقيّد بالترتيب؛ للإجماع على صحّة الارتماس.

وما يتخيّل من عدم المساواة؛ لعدم صدق الدفعة هنا - بل لابدّ في استيعاب جميع البشرة من زمان أطول من زمان الارتماس - يندفع بما ذكرناه من أنّ المراد به الدفعة العرفيّة القليلة الزمان، لا اللغويّة لتخلّفها في المرتمس ذي الشعر الكثيف، وفي السمين

ص: 155


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 148، ح 422، وص 370 - 371، ح 1131.
2- الكافي، ج 3، ص 43، باب صفة الغسل والوضوء قبله .... 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 148 - 149، ح 423؛ الاستبصار، ج 1، ص 125 ، ح 424.
3- المصادر في الهامش 2.
4- المعتبر، ج 1، ص 185.

ذي العُكَن ببطنه، فإنّ تخليل ذلك لابدّ من احتياجه إلى زمان، مع الإجماع على جواز الارتماس فيه. وكذا مَنْ كان قائماً في الماء على شيء لابدّ في غسل الملاصق من رِجليه من زمانٍ بعد غمس بدنه إلّا بتقدير مشقّة شديدة لا يدلّ عليها ما يدلّ على إجزاء الارتماس، وإرادة الوحدة العرفيّة تدفع ذلك كلّه، مع أنّ الحقائق العرفيّة مقدّمة على اللغويّة على . اتقرّر في الأصول.

ومنه يعلم عدم وجوب مقارنة النيّة في الارتماس لجميع البدن بل لجزء منه مع إتباع الباقي بغير مهلة.

ويندفع أيضاً بما قرّرناه في توجيه الخبر ما ذكره موجب الترتيب قصداً حيث قال - كما حكاه عنه المصنّف في المختلف - :

إنّه(علیه السلام) علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر [عليه] لغسله عند غيره،

وإنّما يتساويان لواعتقد الترتيب، كما أنّه في الأصل مرتّب(1) .

وأنت قد علمت أنّه أعمّ من ذلك، فلاوجه لهذا التخصيص، كما لا دلالة على اعتبار الترتيب الحكمي، وأصالة البراءة وإطلاق الأمر في الآية(2) بالتطهير والإجزاء في الخبر يدفعه.

ونقل الشيخ في المبسوط أنّ الارتماس يترتّب حكماً(3). وأطلق.

قال في الذكرى:

وهو يحتمل أمرين:

أحدهما - وهو الذي عقله الفاضل : أّنّه يعتقد الترتيب حال الارتماس، ويظهر ذلك من المعتبر حيث قال: وقال بعض الأصحاب يرتّب حكماً(4). فذكره بصيغة

ص: 156


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 175 ، المسألة 122 .
2- المائدة (5): 6 .
3- المبسوط، ج 1، ص 53.
4- المعتبر، ج 1، ص 184.

الفعل المتعدّي، وفيه ضمير يعود إلى المغتسل. والأمر الثاني: أنّ الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتّب بغير الارتماس. وتظهر الفائدة: لووجد لمعةً ،مغفلةً، فإنّه يأتي بها وبما بعدها.

ولو قيل بسقوط الترتيب بالمرّة، أعاد الغسل من رأس؛ لعدم الوحدة المذكورة في الحديث. وفيما لونذر الاغتسال مرتّباً؛ فإنّه يبرأ بالارتماس، لا على معنى الاعتقاد المذكور؛ لأنّه ذكره بصورة اللازم المسند إلى الغسل، أي يترتّب الغسل في نفسه حكماً وإن لم يكن فعلاً، وقد صرّح في الاستبصار بذلك(1)(2). انتهى.

وأورد عليه المحقّق الشيخ عليّ الإشكال من وجهين:

أحدهما: منع الفرق بين عبارة الفاضل ومانقله في المعتبر؛ حيث فاوت الشهيد بينهما، فجعل ذلك ظاهر المعتبر وصريح الفاضل باعتبار النقل كما يفهم من قوله:وهو الذي عقله الفاضل. وعنى هذا المحقّق بعبارة الفاضل قوله في المختلف حكاية عن الشيخ: قال: وفي أصحابنا مَنْ قال: يرتب حكماً؛ لأنّه ذكره في حاشيته على هذا القول. ثمّ قال: والذي في عبارة الفاضل لا يزيد على ما في عبارة المعتبر؛ لأنّ العبارتين واقعتان بصيغة الفعل المتعدّي المشتمل على الضمير العائد على المغتسل، المنتصب بعده حكماً على التمييز ، ولا يمتنع أن يراد به الأمر الثاني بمعنى أنّ المرتمس في حكم المرتب. الثاني: قوله: إنّ قول الشيخ يحتمل أمرين، فيه نظر؛ لأن نقل الشيخ أنّه يترتّب لايراد به إلّا الأمر الثاني؛ لأنّ الترتيب حكماً لا ينطبق على اعتقاد الترتيب؛ فإنّه أعمّ منه، فلا يحتمل الأوّل.

ص: 157


1- الاستبصار، ج 1، ص 125، ذيل الحديث 425.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 138 - 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).

على أنّه قد ذكر في توجيه الأمر الثاني أنّه ذكره بصورة اللازم، إلى آخره، وهو ينافي الاحتمال الأوّل(1) .

أقول: هذان الإيرادان ساقطان.

أمّا أوّلاً فلأنّ الشهيد (رحمه الله) نقل عن الفاضل (رحمه الله) التصريح بتفسير الترتيب الحكمي باعتقاده من غير إشارة إلى موضع النقل، فمن أين علم المعترض أنّ ذلك هو قوله في المختلف: وفي أصحابنا مَنْ قال: إنّه يرتّب حكماً(2)، حتّى يدّعي مساواة نقله لنقل المعتبر ؟

نعم صرّح بنقل المعتبر وبلفظه، فكيف يتخيّل فهم اختلاف هاتين العبارتين من مثل المحقّق الشهيد (رحمه الله) مع تساويهما!؟ فأوّل ماكان ينبغي عند عدم الوقوف على تصريح الفاضل أن يشار إلى ذلك لا إلى حصر الحال فيما قيل.

وأمّا ثانياً: فلأنّ الفاضل قد صرّح بذلك في المختلف بعد مانقله عنه المعترض بأسطر في الاحتجاج لذلك القول بحديث عليّ بن جعفر، المتقدم(3) إلى قوله:

وجه الاستدلال: أنّه(علیه السلام) علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر [عليه] لغسله عند غيره، وإنّما يتساويان لو اعتقد الترتيب، كما أنّه في الأصل مرتّب(4) . انتهى.

فهذا هو الدالّ على أنّ الفاضل عقل من معنى الترتيب الحكمي اعتقاده، فإنّ هذا التوجيه لم يذكره الشيخ صريحاً وإنّما قرره الفاضل له على هذا الوجه حسب ما فهمه من معناه، فظهر الفرق بين عبارة الفاضل والمحقّق في المعتبر.

وإنّما جعل الشهيد (رحمه الله) ذلك ظاهر عبارة المعتبر؛ لأنّه غير ماعبّر به الشيخ

ص: 158


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 174 ، المسألة 122.
3- في ص 155.
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 175 ، المسألة 122.

في المبسوط حيث نقل عنه الشهيد الإتيان بلفظ «يترتّب» بالتاء المثنّاة من فوق قبل الراء وبعد الياء بخلاف لفظ المعتبر حيث نقله بلفظ المتعدّي وحذف التاء المثناة من فوق. وكذا نقله الفاضل فى المختلف في الكلام الذي نقله عنه المعترض، واتّفاق الفاضلين في العبارة عن القول عادلين عن اللفظ اللازم الذي نقله الشهيد عن المبسوط ثمّ تصريح الفاضل بإرادة الاعتقاد في آخر البحث - كما ذكرناه عنه - يشعر ظاهراً بتساوي فهم الفاضلين في ذلك. فهذا هو السرّ في إطلاق الشهيد التصريح عن الفاضل وجعله ظاهر المعتبر.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ الاعتراض بأنّ كلام الشيخ لا يحتمل إلّا الأمر الثاني ولا يحتمل الأوّل مبنيّ على ما فهمه من عدم العلم بتصريح الفاضل، وأنّ ما حكاه عنه وعن المعتبر يحتمل المعنى الثاني على أنّ المرتمس يكون في حكم المرتّب.

وأمّا على مابيّناه فلابدّ من ذكر الأمرين، أمّا الأوّل: فلتصريح الفاضل به. وأمّا الثاني: فلأنّه هو الموافق لتعبير المبسوط بصيغة اللازم وللاستبصار، كما حكاه عنه. وللأدلّة المبيّنة أيضاً، بل هو الذي استنبطه الشهيد (رحمه الله) من كلام الشيخ وحقّقه وإنّما بدأ بالأوّل لفهم الفاضل له.

وأمّا رابعاً: فلأنّ قوله في الاستدلال على نفي الأوّل: إنّ الترتيب حكماً أعمّ من اعتقاد الترتيب فلا يحتمل الأوّل، غريب فإنّ كونه أعمّ لا يدلّ على نفيه، بل غايته عدم الدلالة عليه على الخصوص، فكما لا يدلّ عليه لا ينفيه، فيتخصّص به بدليل خارجي.

وأيضاً فإنّه معارض بمثله فى الثانى؛ فإنّ اعترافه بأنّه أعمّ من الأوّل يستلزم أنّه أعمّ من الثاني تحقيقاً لمفهوم العموم، فلايدلّ عليه أيضاً خصوصاً وقد بيّنا أنّ ذِكرَ الشهيد له لا لترجيحه، بل لاختيار الفاضل إيّاه.

وأمّا خامساً: فلأن قوله: على أنّه قد ذكر في توجيه الأمر الثاني أنّه ذكره بصورة اللازم إلى آخره، وهو ينافي الاحتمال الأوّل، إنّما يدلّ على أنّ الشهيد (رحمه الله) مرجّح للاحتمال الثاني ومقرّر لما حكاه عن لفظ كتابَي الشيخ أنّه هو المراد، وهذا

ص: 159

لا ريب فيه، لكن لا ينفي جَعل ما فهمه الفاضل وصرّح به احتمالاً خصوصاً وقد غيّر عبارة الشيخ إلى صيغة المتعدّي تبعاً للمعتبر، فإنّ الأصحاب وغيرهم يذكرون الاحتمال وإن ضعف ولم يقل به أحد فكيف بما فهمه الفاضل العلّامة (رحمه الله)، فقوله: إنّ ذكره بصورة اللازم ينافي الاحتمال الأوّل لا يدلّ على نفي الاحتمال الأوّل في نفسه وإن كان المختار الثاني.

وإنّما أطنبنا القول في هذه المسألة؛ لوجه مّا.

(ويستحبّ الاستبراء) للرجل المجنب بالإنزال، فلا استبراء على المرأة عند المصنّف(1) ، كما لا حكم للخارج منها بعده مشتبهاً، فتكون كرجل استبرأ مع احتمال الإعادة كمن لم يستبرئ.

واستحبّ جماعة استبراءها بالبول أو الاجتهاد.

وهو ضعيف؛ للأصل، وعدم النصّ، واختلاف مخرجي البول والمنيّ، فلا يفيد.

وكذا الاستبراء على المجنب بالجماع مع الإكسال؛ لعدم فائدته، سواء تيقّن عدم الإنزال أم جوّز الإنزال مع عدم تيقّنه.

وليس الاستبراء واجباً، خلافاً للشيخ(2) في أحد قوليه.

والمراد بالاستبراء في عبارة الكتاب الاجتهاد في إزالة بقايا المنيّ - المتخلّفة في المحلّ - بالبول أو الاجتهاد بالاستبراء المعهود مع عدم إمكانه، لا الاستبراء المعهود مطلقاً بدليل قوله ( فإن وجد) المغتسِلُ المستبرئ المدلول عليه التزاماً بالمصدر، المُنزل المدلول عليه بالمقام؛ لأنّ(3) الاستبراء مختصّ به (بللاً مشتبهاً بعده) أي بعد الاستبراء والحال أنّه بعد الغسل أيضاً كما يدلّ عليه قوله (لم يلتفت) أي لم يعد الغسل(4) ، لكن يجب

ص: 160


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 173 ، المسألة 120 .
2- المبسوط ، ج 1، ص 52 .
3- في «الأصل و م»: «فإنّ».
4- في «م» أي لم يلتفت بعد الغسل.

عليه على تقدير الاستبراء بالبول خاصّة الوضوءُ؛ لزوال أثر المنيّ بالبول، وعدم الاستبراء بعده اقتضى كونه بولاً، كما قرّروه في باب الوضوء.

وإنّما أطلق عدم الالتفات؛ لأنّ البحث عن الغسل.

والمراد بالمشتبه أن لا يعلم كونه منيّاً أو بولاً أو غيرهما، فلو علم لزمه حكمه وإن اجتهد.

(وبدونه) أي بدون الاستبراء المذكور ( يعيد الغسل) ويتحقّق ذلك بعدم البول مع إمكانه وإن استبرأ وبعدمهما معاً، فيعيد الغسل في صورتين، ولا يجب شيء في صورتين، ويجب الوضوء خاصّةً في صورة، وإنّما ترك تفصيلها لعدم تعلّقها بباب الغسل وإن اقتضاها التقسيم.

والضابط: أنّ البول مزيل لأجزاء المنيّ المتخلّفة، وكذا الاستبراء المعهود مع عدم إمكان البول، والاستبراء بعد البول مزيل لأجزاء البول، وعليه تترتّب الأقسام الخمسة.

ومستند هذه الأقسام(1) أخبار كثيرة:

كرواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله(علیه السلام) في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول

فخرج منه شيء، قال: «يعيد الغسل» قلت: المرأة يخرج منها بعد الغسل، قال: «لا تعيد» قلت: فما الفرق؟ قال: «لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل»(2).

وعنه(علیه السلام) في رواية حريز في الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء، قال:

«يغتسل ويعيد الصلاة إلّا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل فإنّه لا يعيد الغسل»(3).

ودلّ على إعادته الوضوء خاصّةً قوله(علیه السلام) في رواية معاوية بن ميسرة في رجل رأى بعد الغسل شيئاً: «إن كان بال بعد جماعه قبل الغُسل فليتوضّأ، وإن لم يَبُل حتّى اغتسل

ص: 161


1- في« الأصل و م»: «الأحكام» بدل «الأقسام».
2- الكافي، ج 3، ص 49، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 143، ح 404، وص 148 ، ح 420: الاستبصار، ج 1، ص 118 ، ح 399 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 144، ح 407: الاستبصار، ج 1، ص 119 ، ح 402، وفيهما: عن حريز، عن محمد.

ثمّ وجد البلل فليعد الغسل»(1).

ودلّ على إجزاء الاجتهاد مع عدم التمكّن من البول قوله(علیه السلام) في رواية جميل بن درّاج في الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئاً أيغتسل أيضاً؟ قال:« لا، قد تعصّرت و نزل من الحبائل»(2) .

ويستفاد حكم القادر على البول من الأخبار الدالّة على أنّ مَنْ لم يَبُل يُعيد الغسل؛ فإنّها تحمل على القادر على البول؛ جمعاً بين الأخبار.

(و) كذا يستحبّ (إمرار اليد على الجسد) حال غسله؛ لما فيه من المبالغة في إيصال الماء إلى البشرة، وهو المعبّر عنه بالدلك.

(وتخليل ما) أي الشيء الذي (يصل إليه الماء) بدون التخليل، كمعاطف الأذنين والإبطين وماتحت ثدي المرأة والشعر الخفيف.

والمراد بوصول الماء إليه وصوله إلى ماتحته من البشرة، وقد تقدّم الكلام عليه.

(والمضمضة والاستنشاق) ثلاثاً ثلاثاً بعد غَسل اليدين ثلاثاً من الزندين، وقد تقدّم بيان ذلك كلّه.

(والغسل بصاع) هو تسعة أرطال بالعراقي، وستّة بالمدني؛ للحديث المتقدّم في الوضوء، وغيره، وقد اشتمل على النهي عن الزيادة، وأنّ مستقلّه على خلاف سنّته (صلی الله علیه و آله و سلم).

وهذا الصاع يتأدّى به واجبات الغسل ومندوباته المتقدّمة والمقارنة فيكون في قوّة ثلاثة أغسال ؛لاستحباب تثليث الأعضاء.

(وتحرم التولية) في الغسل بصبّ الماء على الجسد والدلك حيث يحتاج إليه، ونحوه.

(وتكره الاستعانة) فيه بنحو صبّ الماء في اليد ليغسل المكلّف ونحوه على الوجه الذي تقدّم في الوضوء.

ص: 162


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 144، ح 408: الاستبصار، ج 1، ص 119، ح 403.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 145، ح 409: الاستبصار، ج 1، ص 120، ح 406.

ولا فرق في الكراهة بين كونها قبل النيّة الشرعيّة أو بعدها، بل المعتبر كونها بعد العزم على الغسل أو الوضوء.

والتعبير بالاستعانة - وهي طلب الإعانة هنا وفي الوضوء - يقتضي عدم الكراهة لوأعان مَنْ لم يطلب منه، والأخبار الدالّة على الكراهة تدفعه، كحديث الوشّاء أنّه أراد الصبّ على الرضا(علیه السلام) فقال: «مه ياحسن» فقلت له: أتكره أن أؤجر؟ فقال: «تؤجر أنت وأُوزر أنا؟» وتلاقوله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِى )(1)(2) الآية، فنهيه(علیه السلام) كان عن الإعانة مع عدم سبق الاستعانة. وكذا غيره من الأخبار. فلافرق في الكراهة بين تقدّم طلب الإعانة وعدمه، لكنّ الاستعانة عبارة الأكثر.

ويمكن أن يقال في شمولها لمطلق الإعانة: إنّ باب «استفعل» قد يأتي لغير طلب الفعل، بل للفعل نفسه ك_«استقرّ» و «استعلی» و «استبان» بمعنى «قرّ» و «علا» «بان» وک_«استيقن» و «استبان» بمعنى «أيقن» و «أبان» فيحمل كلامهم على ذلك.

وذكر ابن مالك في التسهيل(3) أنّها تأتي للاتّخاذ ك_«استأجر» ويمكن الحمل عليه أيضاً.

وذكر جماعة من المفسّرين (4)، أنّ معنى قوله تعالى: (أَسْتَوْقَدَ نَارًا )(5) معنى «أوقد» فهو حينئذ من هذا الباب.

إن قيل: حمله على ذلك يوجب اختصاص الكراهة بالمُعين؛ لأنّه موجد الإعانة، والتكليف إنّما يتوجّه إلى الفاعل.

قلنا: لمّا دلّ النصّ على تعلّق النهي بالمتوضّئ تعيّن صرف الحكم إليه بمعنى أنّه

ص: 163


1- الكهف (18): 110 .
2- الكافي، ج 3، ص 69، باب النوادر ح1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 365، ح 1107.
3- لا يوجد لدينا كتاب التسهيل .
4- منهم الشيخ في التبيان، ج 1، ص 86؛ والطبرسي في مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 54: والبغوي في معالم التنزيل ج 1، ص 52.
5- البقرة (2): 17.

يكره له طلبها ابتداءً وقبولها إن عُرضت عليه؛ لأنّ المصدر لا يتحقّق في الخارج هنا اختياراً إلّا مع قبول المتوضّئ، وأمّا المُعين فيمكن دخوله في العبارة أيضاً؛ لأنّه موجد الإعانة حقيقةً، فيتعلّق به الكراهة أيضاً. ولأنّه مُعين على المكروه وقد قال تعالى: ( تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(1) ومثله البيع بعد النداء يوم الجمعة إذا كان أحدهما غير مخاطب بها.

(ولو أحدث) المغتسل (في أثنائه) أي أثناء غسل الجنابة، و «ما» في قوله (بما) نكرة موصوفة أي بحدث ( يوجب الوضوء، أعاده) أي الغسل من رأس على أصحّ الأقوال الثلاثة؛ لأنّ غسل الجنابة يرفع أثر الحدث الأكبر والأصغر على تقدير وجوده قبل الغسل، فهو مؤثّر تامّ لرفعهما معاً، فكلّ جزء منه مؤثّر ناقص في رفعهما بمعنى أن له صلاحيّة التأثير، ولهذا لو أخلّ بلمعة يسيرة من بدنه لم يرتفع الحدث أصلاً؛ لأنّ كمال التأثير موقوف على كلّ جزء من الغسل، فإذا فرض عروض حدث أصغر في أثنائه فلابدّ لرفعه من مؤثّر تامّ، وهو إمّا الغسل بجميع أجزائه، كما قرّرناه أو الوضوء، والثاني منتفٍ في غسل الجنابة ؛ للإجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب له، ومابقي من أجزاء الغسل ليس مؤثّراً تامّاً لرفعه فلابدّ من إعادته من رأس.

وهذا الدليل كمادلّ على وجوب إعادته دلّ على انتفاء القولين الآخرين، وهُما: الاكتفاء بإتمامه خاصّةً، كما اختاره ابن البرّاج وابن إدريس والشيخ عليّ(2) (رحمهم الله)، أو إكماله والوضوء بعده، كما ذهب إليه السيّد المرتضى(3) والمحقّق(4) .

إن قيل : لا نسلّم أنّ الغسل يرفع الحدث الأكبر والأصغر معاً، بل إنّما يرفع الأكبر

ص: 164


1- المائدة (5): 2 .
2- جواهر الفقه، ص 12، المسألة 22؛ السرائر، ج 1، ص 119؛ جامع المقاصد، ج 1، ص 276 .
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 196.
4- المعتبر، ج 1، ص 196.

المنويّ رفعه، ولهذا لو خلا عن مقارنة الحدث الأصغر كان رفعه منحصراً في الأكبر، والأصغر لا أثر له معه.

سلّمنا أنّ له أثراً لكن أثره يرتفع على جهة الاستتباع لا على جهة الاستقلال، وإلّا لوجب نيّة رفعه لحديث:« إنّما لكلّ امرئ مانوى»(1) .

سلّمنا لكن عدم تأثير ذلك البعض المتقدّم على الحدث الأصغر في رفعه يقتضي وجوب الوضوء للحدث لا إعادة الغسل، وإلّا لزم كون الحدث الأصغر من موجبات الغسل؛ لاشتراك الناقض والموجب في المعنى.

قلنا: لمادلّت الأدلّة بل الإجماع على أنّ الأحداث المعدودة سبب في وجوب الطهارة ثبت لها الحكم، سواء تعدّدت أم اتّحدت، وتداخلها مع اتّفاقها أو دخول الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة مع فرض الاجتماع لا يوجب سقوط ما ثبت لها من السببيّة ودلّ عليه الدليل وانعقد عليه الإجماع، فالأصل فيها أن يكون كلّ واحد منها سبباً تامّاً في مسببها، ولا معارض لذلك في غسل الجنابة إلّا تخيّل الاكتفاء بالغسل لواجتمع الأكبر والأصغر أو وجد الأكبر خاصّة، فيقتضي عدم الفرق بين وجود الأصغر وعدمه. ولا حقيقة لهذا الخيال؛ لأنّ التداخل لمّاثبت للمتساويين قوّةً وضعفاً كما في اجتماع أحداث كثيرة توجب الوضوء واكتفي بوضوء واحد باعتبار ورود النصّ فيه لم يبعد حينئذٍ دخول الأضعف تحت الأقوى حيث يرد به الشرع أيضاً، كما في غسل الجنابة على تقدير مجامعته للحدث الأصغر.

ومن هذا يعلم ضعف استلزام تأثير الأصغر نيّة رفعه في الغسل؛ إذ لا تجب نيّة جميع الأحداث المجتمعة حيث يحكم بتداخلها.

وحديث:« إنّما لكل امرئ مانوی »(2) لا يقولون به فيما لو اجتمعت أحداث تكفي عنها طهارة واحدة إمّا لتخصيصه بحديث «إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزاك حقّ واحد

ص: 165


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1.
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 3، ح 1.

منها»(1) إلى آخره، وإمّا لأنّ رفع أحدها يقتضي رفع القدر المشترك بينها؛ لتوقّف الخصوصيّة على رفع الجميع؛ إذ ليس المراد ارتفاع حقيقة الخارج أو الحاصل، بل رفع حكمه وهو شيء واحد تعدّدت أسبابه ، وإذا كان كذلك في المتّفق فلِمَ لاجاز في مع نيّة رفع الأكبر والأقوى أو نيّة الاستباحة المطلقة؟ وإنّما لم يكتف بنيّة رفع الحدث الأصغر خاصّة على تقدير حصوله مع الأكبر؛ لعدم دخول الأقوى تحت الأضعف، ولهذا حَكَم جمع بعدم دخول غسل الجنابة ونحوها تحت غسل المستحاضة لغير الانقطاع والمتحيّرة؛ لضعفه باستمرار الحدث مع اشتراكهما في الأكبريّة، بل قيل: إنّ غسل الجنابة يجزئ عن غيره ولا يجزئ غيره عنه؛ لضعفه بافتقار رفع الحدث مطلقاً إلى مجامعة الوضوء، فهلّا كان هنا كذلك مع ما بين الحدثين من الاختلاف حكماً وقوّةً؟

وأما القول بأنّ اللازم من رفع تأثير مامضى من الغسل وجوب الوضوء خاصّة لا إعادة الغسل فقد أشرنا في أوّل الكلام إلى جوابه بالإجماع على عدم مجامعة الوضوء الواجب لغسل الجنابة، وإلّا لم يكن لنا عنه عدول، ولهذا يكتفى بإعادة الوضوء لو عرض الحدث الأصغر فى أثناء غسل يجامعه الوضوء على تقدير تقدّمه عليه، أو يكتفى بإكمال الغسل مع الوضوء إن لم يكن تقدّم. وقد يتخيّل الإعادة هنا وطرد الخلاف بناءً على أنّ كلّ واحد من الغسل والوضوء مؤثّر ناقص في رفع الحدث مطلقاً بتقريب الدليل المتقدّم.

ويندفع بمنع ذلك؛ للإجماع على جواز الصوم بالغسل خاصّة مع توقّفه على رفع الحدث الأكبر غير المسّ، وكذا على جواز دخول المساجد وقراءة العزائم وغيرهما ممّا لا يتوقّف جوازه على رفع الحدث الأصغر، وما يتوقّف على الوضوء - كالصلاة ومسّ كتابة القرآن ونحوها - يتوقّف على الغسل أيضاً.

وهذا يدلّ على أنّ الوضوء ليس له صلاحيّة التأثير فيما يتوقّف على الغسل خاصّة

ص: 166


1- الكافي، ج 3، ص 41 باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 107، ح 279 بتفاوت يسير.

هنا، ولا جزءاً من المؤثّر فيه، فعلم منه أنّ حدث الغسل المكمل بالوضوء موجب للوضوء والغسل معاً، فكان قائماً مقام الأكبر والأصغر معاً، وكلّ واحد من الغسل والوضوء الرافعين له منصرف إلى موجبه، لا أنّ لكلّ واحد منهما مدخلاً في رفع كلّ منهما.

وربما بالغ بعضهم(1) في تعدية حال الإعادة هنا وطرد الخلاف إلى مالو وقع الحدث الأصغر بعد الغسل قبل الوضوء بناءً على ما قرّرناه من اشتراك الطهارتين في التأثير في الحدثين. وهو باطل قطعاً؛ لما قلناه.

وقوله: إنّ نقض الغسل بهذا الحدث يستلزم كونه موجباً للغسل، ضعيف جداً.

أمّا أوّلاً فلأنّه لم يحصل مسمّى الغسل بعدُ حتّى يقال: إنّه نقض الغسل، وإنّما يتمّ ذلك لو كمل، وهو غير المتنازع ، ولوفرض لم ينقضه إجماعاً، وإنّما حكم بنقض بعض الغسل، فلايتمّ المدّعى.

واحتجّ المصنّف على مذهبه من وجوب الإعادة:

بأنّ الحدث الأصغر لوتعقّب كمال الغسل أبطل حكم الاستباحة ففي أبعاضه أولى، فلابدّ من تجديد طهارة لها، وهو الآن جنب؛ إذ لا يرتفع إلّا بكمال الغسل، فيسقط اعتبار الوضوء

وهو دليل واضح، وعبارته التي حكيناها هنا منقّحة، وهي عبارته في النهاية (2).

وقد عبّر في المختلف(3) عن هذا الدليل بلفظ لا يخلو ظاهره من مناقشة، وحاصله: أنّ الحدث المذكور لو وقع بعد الغسل بكماله أبطله فأبعاضه أولى بالبطلان، فيعيده.

وأورد عليه بعض المحقّقين منع الصغرى بأنّ الحدث الأصغر لو أبطل الغسل لأوجبه؛ لاشتراك الناقض والموجب في الحكم، ومنع مساواة ما بعد الإكمال لما قبله؛ لأنّه بعد الإكمال ارتفع الحدث، فأمكن طروء حدث آخر، بخلاف الأثناء، وبأنّ أثر

ص: 167


1- لم نتحققه.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 114.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 176، المسألة 123.

الأصغر إنّما هو الوضوء، فلو سلّم تأثيره كان اللازم الوضوء خاصّة (1).

وجواب الأوّل: أنّه عنى بالإبطال إبطال الاستباحة التي هي غايته، وهو استعمال شائع، وقد صرّح به في العبارة التي حكيناها عنه من النهاية.

وقد تقدّم جواب الثاني: فإنّ الأصل في الحدث التأثير حيثما وقع، والاجتزاء بالغسل مع الجنابة؛ للنصّ لا يرفع ما ثبت له من الحكم، والأصل في الحدث الأصغر ايجاب الوضوء، لكن امتنع هنا ؛للإجماع على عدمه في غسل الجنابة، وقد تقدّم تحقيق ذلك.

واحتجّ في الذكرى بنحو ما ذكرناه، وحاصله: أنّ الحدث لا يخلو عن أثرٍ مّا مع تأثيره بعد الكمال، والوضوء ممتنع في غسل الجنابة (2).

وزيّفه ذلك المحقّق بأنّ أثر الحدث الأصغر لا يظهر مادام الأكبر موجوداً، وما لم يتمّ الغسل فالحدث بحاله. ولو سُلّم فلِمَ لا يكون أثره هنا كأثره قبل الشروع في الغسل؟ (3)

وقد تقدّم جواب هذا التزييف منقّحاً.

قال في الذكرى وقد قيل: إنّه مرويّ عن الصادق(علیه السلام) في كتاب عرضالمجالس للصدوق (4).

واعترض (5)بأنّ مثل هذه الرواية لا اعتبار بها في الاستدلال.

وأنت خبير بأنّ الشهيد (رحمه الله) لم يخرجها للاستدلال، بل لماكان الظاهر أنّه ليس في المسألة نصّ عن أئمّة الهدى(علیهما السلام) .

وذكر بعض الأفاضل(6) أنّ في الإعادة روايةً في الكتاب المشار إليه ذكره على جهة الإرشاد لا على جهة الاستدلال لتحاشيه عن توهّم مثل ذلك، (رحمه الله تعالى) .

ص: 168


1- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 275.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 162 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
3- جامع المقاصد، ج 1، ص 275 .
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 162 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- المعترض هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 275.
6- لم نتحققه.

(المقصد (الثاني)

من المقاصد الأربعة المعقودة لبيان أسباب الغسل: (في) بيان ماهيّة (الحيض) و بيان أحكامه الخاصّة به.

وهو لغةً: السيل، يقال: حاض الوادي، إذا سال. وبعضهم اعتبر في صدق اسمه القوّة، فأطلقه لغةً على السيل بقوّة(1) . وشرعاً: دم يقذفه الرحم إذا بلغت المرأة ثمّ يعتادها غالباً في أوقات معلومة.

هذا هو الاصطلاح المشهور من انقسام تعريفه إلى اللغوي والشرعي. وللبحث في ذلك مجال؛ فإنّ الظاهر من كلام أهل اللغة أنّ الحيض قد يطلق لغةً على هذا الدم المخصوص، لاباعتبار سيلانه بقوّة أو بغير قوّة؛ بل يطلق ابتداءً على مصطلح أهل الشرع، فلايكون بين التعريف اللغوي والشرعي فرق من حيث الماهيّة.

قال الجوهري:

يقال: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً فهي حائض وحائضة، إلى أن قال: و حاضت السمرة حيضاً، وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم (2).

وقد أشار إلى ذلك(3) في المعتبر حيث جرى أوّلاً على ماهو المشهور من أنّه إنّما سُمّي حيضاً من قولهم: حاض السيل إذا اندفع، فكأنّه لمكان قوّته وشدّة خروجه في غالب أحواله اختصّ بهذا الاسم.

ص: 169


1- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 281.
2- الصحاح، ج 2، ص 1073 - 1074. «حيض».
3- في «الأصل و م»: «هذا» بدل «ذلك».

قال:

ويجوز أن يكون من رؤية الدم، كما يقال: حاضت الأرنب، إذا رأت الدم. وحاضت السمرة، إذا خرج منها الصمغ الأحمر(1). انتهى.

ومتى ثبت ذلك عن أهل اللغة فهو خير من النقل، كماقرّر في الأصول.

ويمكن الجواب بأنّ مطلق استعمال أهل اللغة لا يدلّ على الحقيقة؛ فإنّهم يذكرون الحقيقة والمجاز .

سلّمنا، لكن حمله على الحقيقة يوجب الاشتراك، والمجاز خير منه.

واعلم أنّ الحكمة في الحيض إعداد المرأة للحمل ثمّ اغتذاؤه به جنيناً ثمّ رضيعاً باستحالته لبناً، ومن ثَمَّ قلّ حيض الحامل والمرضع على خلافٍ في الأوّل.

أمّا المرضع فالإجماع واقع على إمكانه لها، وهو يؤيد إمكانه للحامل؛ إذ يمكن فضل الغذاء فى الموضعين، مضافاً إلى مادلّ عليه من الروايات. فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي الدم لا مصرف له، فيستقرّ في مكانٍ ثمّ يخرج غالباً في كلّ شهر هلالى سبعة أيّام أو ستّة أو أقلّ أو أكثر بحسب قُرب مزاجها من الحرارة وبُعده عنها، وقد يطول احتباسه ويقصر بحسب ماركبه الله تعالى في طبعها.

وقد عرّفه المصنّف بتعريف حسّي بخواصّ يشترك في العلم بها الفقيه والعامّي بقوله (وهو في الأغلب) والتقييد بالأغلبية؛ للتنبيه على أنّه قد يجيء بخلاف ذلك على خلاف الغالب؛لماسيأتي أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض، كما أنّ الأسود الحارّ في أيام الطهر استحاضة (أسود) على حذف الموصوف وإبقاء الصفة، وهو شائع الاستعمال، أي دم أسود.

ولا يشكل بأنّ الإضمار معيب في التعريفات؛ لأنّ ذلك حيث لاقرينة تدلّ عليه، وهي موجودة هنا، فالدم المحذوف في التعريف بمنزلة الجنس القريب شامل للدماء الثلاثة وغيرها.

ص: 170


1- المعتبر، ج 1، ص 197.

وقوله: أسود (حارّ يخرج بحُرقة) بضمّ الحاء، وهي اللذع الحاصل من خروج الدم بدفع وحرارةٍ خاصّة، مركّبة من القيود المذكورة، خرج بها باقي الدماء غير دم الحيض.

وقد استُفيدت هذه الخواصّ من الأخبار، كقول أبي عبدالله(علیه السلام) :«دم الحيض حارّ تجدله حُرقة»(1).

وفي حديث آخر عنه(علیه السلام): «دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة»(2).

والعبيط بالعين والطاء المهملتين: الخالص الطريّ.

وذكر الحرارة في الحديث الثاني مرّتين إمّا للتأكيد أو أراد بالثانية معنى الحُرقة المذكورة في الحديث الآخر.

وإنّما خصّصنا الثانية بذلك؛ لقرينة الدفع المجاور لها؛ فإنّ الحُرقة - كما قدّمنا - مسبّبة عنه وعن الحرارة.

وقوله (من) الجانب (الأيسر) جارٍ على المشهور بين الأصحاب، وسيأتي تحقيقه. وعلى هذا التقدير فهو من جملة الخاصّة المركّبة، فالتعريف حينئذٍ رسميّ لعدم الفصل القريب.

وإنّما قلنا: إنّ القيود المذكورة خاصّة مركّبة لا فصول؛ لأنّ كلّ واحد منها مع كونه من الأعراض اللاحقة للذات أعمّ من المعرّف وفصوله؛ فإنّ الأسود - مثلاً - أعمّ من الدم المطلوب تعريفه بل من سائر الدماء؛ لتعلّقه بكلّ جسم أسود، وكذلك الحارّ والخارج بحُرقةٍ ومن الأيسر ، لكن جميع هذه القيود من حيث الاجتماع مخرجة ما عدا المعرّف.

وكلّ هذا إنّما هو في أغلب أحواله، كما سبق.

(فإن اشتبه) دم الحيض (بالعُذرة) بضمّ العين المهملة وسكون الذال المعجمة، أي

ص: 171


1- الكافي، ج 3، ص 91 - 92، باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 151 - 152 . ح 431.
2- الكافي، ج 3، ص 91، باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 151 ،ح429.

بدم العُذرة على حذف المضاف؛ لأنّ العُذرة هي البكارة لادمها، وضعت قطنةً بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثمّ تصبر هنيئةً ثمّ تُخرجها إخراجاً رفيقاً (فإن خرجت القطنة مطوّقةً) بالدم (فهو) دم (عُذرة، وإلّا) أي وإن لم تخرج القطنة مطوّقةً بل مستنقعةً بالدم (فحيض).

و مستند ذلك روايات عن أهل البيت(علیهم السلام) ، لكن في بعضها الأمر باستدخال القطنة غیر تقييد بالاستلقاء، وفي بعضها استدخال الإصبع مع الاستلقاء. وطريق الجمع حمل المطلق على المقيّد، والتخيير بين الإصبع والكرسف إلّا أنّ الكرسف أظهر في الدلالة.

وفي حديث خلف بن حماد عن أبي الحسن الثاني (علیه السلام) في حديث طويل: «إنّ هذا الحكم سرّ من أسرار الله تعالى، فلا تذيعوه ولا تعلّموا هذا الخلق أُصول دين الله، بل ارضوا لهم مارضي الله لهم من ضلال»(1).

والمحقّق في المعتبر قطع بالحكم للعُذرة بالتطوّق، ونفى الحكم للحيض بالاستنقاع محتجّاً بأنّه محتمل (2).

وجوابه: منع الاحتمال مع ورود النصّ والحال أنّه جامع للصفات غیر أنّه مشتبه بالعُذرة خاصّة، فلا احتمال حيئذ.

(وما) أي والدم الخارج من المرأة ولو على الوجه المتقدّم (قبل) إكمال (التسع) سنين القمريّة لا الشمسيّة (و) الخارج (من) الجانب (الأيمن) على أشهر القولين (و) الخارج (بعد) بلوغ المرأة سنّ (اليأس) من الحيض أو الولد (و) الخارج (أقلّ من ثلاثة) أيّام بلياليها (متوالية) لا في جملة عشرة على أصحّ القولين (والزائد عن أكثره) أي أكثر الحيض (و) الزائد عن (أكثر النفاس) وسيأتي بيانه (ليس بحيض) خبر «ما» الموصولة، أي ليس جميع ماذُكر حيضاً وإن كان بصفة دم الحيض.

أمّا الأوّل: فلما تقدّم من أنّ دم الحيض إنّما خلقه الله تعالى لحكمة إعداد الرحم

ص: 172


1- الكافي، ج 3، ص 92 - 93 ، باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة، ح 1.
2- المعتبر، ج 1، ص 198.

للحمل وتربية الولد حملاً ثمّ رضيعاً، وذلك كلّه مفقود في الصغيرة التي لم تكمل التسع، ولقول أبي عبد الله(علیه السلام) حين سُئل عن حدّها: «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين» (1)فإذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها.

والإجماعِ نَقَله في المعتبر عن أهل العلم كافّة (2).

وشرطنا إكمال التسع لعدم صدقها حقيقةً بدونه. ولقوله(علیه السلام) : «إذا كمل لها تسع ...» إلى آخره فلايكفي الطعن في التاسعة. والتقييد بالقمريّة؛ لأنّه المتعارف المستعمل شرعاً.

والأقرب أنّه تحقيق لا تقريب، مع احتماله، فلو قلنا به، فإن كان بين رؤية الدم واستكمال التسع ما لا يسع الحيض والطهر كان الدم حيضاً. ولا فرق في ذلك بین البلاد الحارّة والباردة.

بقى هنا بحث، وهو أنّ المصنّف(3) وغيره ذكروا أنّ الحيض للمرأة دليل على بلوغها وإن لم يجامعه السنّ، وحكموا هنا بأنّ الدم الذي قبل التسع ليس بحيض، فما الدم المحكوم بكونه حيضاً حتّى يستدلّ به على البلوغ قبل التسع؟

وجَمَع بعض مَنْ عاصرناه بين الكلامين بحمل الدم المحكوم بكونه حيضاً دالّاً على البلوغ على الحاصل بعد التسع وقبل إكمال العشر.

وتحريره أنّ البلوغ بالسنّ لها قيل بالتسع، وقيل بالعشر، وعلى القولين لو رأت دماً بشرائط الحيض بعد التسع حكم بالبلوغ.

ولا يخفى ما في هذا الجمع من البُعد، بل الأولى في الجمع بين الكلامين أنّه مع العلم بالسنّ لا اعتبار بالدم قبله وإن جَمَع صفات الحيض، ومع اشتباهه ووجود الدم في وقت إمكان البلوغ يحكم بالبلوغ، ولا إشكال حينئذ.

ص: 173


1- الكافي، ج 6، ص 85، باب طلاق التي لم تبلغ .... ح 4.
2- المعتبر، ج 1، ص 199.
3- قواعد الأحكام، ج 2، ص 134 .

وأمّا الحكم الثاني - وهو أنّ الدم الخارج من الجانب الأيمن ليس بحيض - فقد اختلف فيه كلام الأصحاب بسبب اضطراب الرواية. فذهب الأكثر (1)ومنهم المصنّف في جميع كتبه(2) إلى ما ذُكر هنا، وأنّ الخارج من الأيسر حيض، ومن الأيمن ليس بحيض.

وذهب أبو عليّ ابن الجنيد إلى أنّ الحيض يعتبر من الجانب الأيمن(3).

واختلف كلام الشهيد (رحمه الله)، ففي بعض كتبه(4) عمل بالأول، وفي بعضها (5)بالثاني.

ومنشؤ هذا الاختلاف متن الرواية.

فروي في الكافي عن محمّد بن يحيى - رفعه - عن أبان، قال: قلت لأبي عبدالله(عیهت السلام) : فتاة منّا بها قرحة في جوفها والدم سائل لاتدري من دم الحيض أو من دم القرحة، قال: «مُرها فلتستلق على ظهرها وترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة»(6) .

وعلى هذا المعنى عمل ابن الجنيد.

وأمّا التهذيب : فالذي نقله الشهيد في الذكرى عن كثير من نسخه أنّ الرواية فيه كما في الكافي بلفظها بعينه (7)، والموجود في بعض نسخه في الرواية بعينها إلى أن قال:

ص: 174


1- منهم الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 97؛ والشيخ في النهاية، ص 24؛ والمبسوط، ج 1، ص 74؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 146.
2- منها: تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 97، الرقم 226؛ وتذكرة الفقهاء، ج 1، ص 252، ذيل المسألة 78 ومختلف الشيعة، ج 1، ص 194، المسألة 140: ومنتهى المطلب، ج 2، ص 269؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 116 .
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 199.
4- البيان، ص 54 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 177؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 17 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).
6- الكافي، ج 3، ص 94 - 95، باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة، ح 3.
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 177 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

«فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة »(1).

وعلى هذه النسخة عمل المصنّف ونقلها في احتجاجه(2) عن التهذيب ساكتاً عليها. وبمضمونها أيضاً أفتى الشيخ في النهاية(3)، وهو يؤيّد صحّتها؛ لأنّ عمله في النهاية إنّما هو على ماصحّ عنده من الرواية.

واعترضها السيّد جمال الدين ابن طاؤس صاحب البشرى - بعد اعترافه بوجودها في بعض نسخ التهذيب - بأنّ ذلك تدليس(4).

وفيه: أنّ التدليس إنّما يكون في الإسناد دون المتن، كما يروي عمّن لقيه ولم يسمع منه موهما أنّه سمع منه، أو يروي عمّن عاصره ولم يلقه مُوهماً أنّه لقيه وسمع منه، فالأسد حينئذٍ ماذكره المحقّق في المعتبر، والشهيد في الدروس: أنّ الرواية مضطربة(5) ، فإنّ الاضطراب كما يكون في الإسناد يكون في المتن .

واعترض (6)بأنّ الاضطراب إنّما يصدق إذا تساويا، أمّا إذا ترجّح أحدهما بمرجّح فلا، والمرجّح هنا موجود مع رواية الأيسر بأنّه حيض ؛ لفتوى الشيخ بمضمونها في النهاية .

قيل: ولا تعارضها رواية محمّد بن يعقوب لها بخلاف ذلك؛ لأنّ الشيخ أعرف بوجوه الحديث وأضبط خصوصاً مع فتوى الأصحاب بمضمونها (7).

وفيه: الشكّ في كون ذلك ترجيحاً مع ماقد عرفت من أنّ أكثر نُسخ التهذيب موافقة

ص: 175


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 385 - 386، ح 1185.
2- انظر مختلف الشيعة، ج 1، ص 194، المسألة 140؛ ومنتهى المطلب، ج 2، ص 269 .
3- النهاية، ص 24.
4- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 178 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- المعتبر، ج 1، ص 199؛ الدروس الشرعية ، ج 1، ص 17 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
6- المعترض هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 283 .
7- القائل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 284 .

للكافي، فيعارض مرجّح عمل الشيخ بمضمونها أمران: أحدهما: أكثريّة النسخ بخلافه، والثاني: مخالفة الكافي، وإذا لم يحصل بهما الترجيح، فلا أقلّ من المساواة الموجبة للاضطراب.

هذا كلّه، مع أنّ الرواية مرسلة أرسلها محمّد بن يحيى عن أبان، فلذلك اطّرحها المحقّق في المعتبر، وقال: إنّ الرواية مقطوعة مضطربة ، فلا أعمل بها (1). فعنده هذه العلامة مطّرحة.

وأُجيب بأنّ عمل الأصحاب بمضمونها واشتهارها بينهم جابر لوهن إرسالها، وقد اعترف بذلك المحقّق في غير موضع من الكتاب.

بقي هنا شيء، وهو أنّ الرواية - مع تسليم العمل بها - إنّما دلّت على الحكم للحيض عند اشتباهه بالقرحة لا مطلقاً، وكذلك عبارة أكثر الأصحاب حتّى المصنّف في كثير من عباراته، وظاهره في هذا الكتاب اعتبار الجانب، سواء حصل اشتباه بالقرحة أم لا.

وتظهر الفائدة فيما لوانتفت القرحة وخرج الدم من الجانب المخالف بأوصاف الحيض وشرائطه، فإنّ مقتضى الرواية وكلام الجماعة أنّه حيض؛ لإمكانه.

ويمكن حمل كلام مَنْ أطلق الحكم على ذلك نظراً إلى المستند، مع أنّ النظر لا يأبى الإطلاق؛ لأنّ الجانب إن كان له مدخل في حقيقة الحيض وجب اطّراده، وإلّا فلا.

لكنّ الوقوف على ظاهر النصّ وكلام الأكثر يقتضي تخصيص مدخليّته بمصاحبة القرحة.

وبالجملة، فللتوقّف في هذه المسألة وجه واضح، وإن كان ولابدّ فالعمل بما (2)عليه الأكثر، وهو الحكم للحيض بخروجه من الجانب الأيسر.

وأمّا الحكم الثالث - وهو أنّ الخارج بعد سنّ اليأس لا يكون حيضاً - فممّا لا خلاف

ص: 176


1- المعتبر، ج 1، ص 199.
2- في الطبعة الحجرية: «فالعمل على ما»

فيه بين أهل العلم، كما نقله المحقّق في المعتبر (1)، مضافاً إلى ذلك مادلّ عليه من الأخبار وإن اختلف في تقديره، وسيأتي الكلام فيه.

وأمّا الرابع - وهو اشتراط عدم قصوره عن ثلاثة أيّام متوالية - فعليه إجماع أصحابنا وبعض مَنْ خالفنا كأبي حنيفة(2).

و مستنده روايات من طرقنا وطرقهم.

ولفظ الأخبار «ثلاثة أيام»(3)والليالي معتبرة فيها إمّا لكونها داخلةً في مسمّاها بناءً على أنّ «اليوم» اسم للّيل والنهار، أو للتغليب، وقد صرّح بدخولها في بعض الأخبار (4)وفي عبارة بعض الأصحاب(5) ، وادّعى المصنّف في المنتهى عليه الإجماع (6).

وأمّا قيد التوالي: فعليه الأكثر (7)، و خالف فيه الشيخ في النهاية(8) ، واكتفى بحصولها في جملة عشرة؛ استناداً إلى رواية(9) مَنَع من العمل بها شذوذُها وإرسالُها، فالعمل على ما عليه الأكثر، ودلّ عليه ظاهر النصّ من اعتبار الثلاثة من غير تقييد.

ص: 177


1- المعتبر، ج 1، ص 199.
2- الهداية، المرغيناني ، ج 1، ص 30 بدائع الصنائع، ج 1، ص 40 المبسوط السرخسي، ج 3، ص 147؛ حلية العلماء، ج 1، ص 281؛ المجموع شرح المهذب، ج 2، ص 380؛ العزيز شرح الوجيز، ج 1، ص 291؛ المغني والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 1، ص 354.
3- الكافي، ج 3، ص 75 - 76، باب أدنى الحيض.... 2 و 5؛ علل الشرائع، ج 1، ص 338، الباب 217، ح 1؛ الخصال، ص 606؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157 - 158 ، ح 452.
4- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 204، ح 623؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 71، ح 274؛ سنن النسائي، ج 1، ص 213 ، ح 352؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 493، ح 1576 و 1577.
5- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 287؛ وانظر المعتبر، ج 1، ص 202 حيث حكى عن ابن الجنيد قوله في مختصره: أقله ثلاثة أيام بلياليها.
6- منتهى المطلب، ج 2، ص 279 .
7- منهم ابنا بابويه كما في الفقيه، ج 1، ص 90؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 72؛ وأبوالصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 128 وابن حمزة في الوسيلة، ص 56 و 57: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 145 .
8- النهاية، ص 26 .
9- الكافي، ج 3، ص 76 ، باب أدنى الحيض .... ح 5: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157 - 158، ح 452.

لكن ما المراد من التوالي؟ ظاهر النصّ الاكتفاء بوجوده في كلّ يوم من الثلاثة وإن لم يستوعبه؛ لصدق رؤيته ثلاثة أيّام؛ لأنّها ظرف له، ولا تجب المطابقة بين الظرف والمظروف، وهذا هو الظاهر من كلام المصنّف.

وربما اعتبر مع ذلك في تحقّقه أن تتّفق ثلاثة دماء ومابينها في ثلاثة أيّام من غير زيادة ولانقصان، فيعتبر فى ذلك أنّها إذا رأته في أوّل جزء من أوّل ليلة من الشهر، تراه في آخر جزء من اليوم الثالث بحيث يكون عند غروبه موجوداً، وفي اليوم الوسط يكفي أيّ جزء كان منه. وربما بالغ بعضهم فاعتبر فيه الاتّصال في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به في جميع أجزائها، وقد صرّح بهذا الاعتبار الشيخ جمال الدين بن فهد في المحرّر(1)، والمحقّق الشيخ عليّ في الشرح ، وزاد فيه: أن الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة رجوع إلى ماليس له مرجع (2).

وأمّا الحكم الخامس والسادس - وهو أنّ الزائد عن أكثره وأكثر النفاس ليس بحيض - فالوجه في الأوّل ظاهر، وفي الثاني ماهو مقرّر من أنّ النفاس حيض محتبس، ومن ثَمَّ شاركه في معظم الأحكام، ولابدّ من تخلّل عشرة هي أقلّ الطهر بين النفاس والحيض ليكون ما قبله وما بعده حيضاً أو كالحيض، وإنّما جمع بين الأمرين مع اشتراكهما في العلّة ورجوع الثاني إلى الأوّل: لافتراقهما اسماً وحكماً من حيث الجملة، فلا يلزم حينئذٍ من نفي كون الزائد عن أقصى مدّة الحيض حيضاً نفى كون الزائد عن أقصى مدّة النفاس حيضاً.

ولمّا حكم بأنّ الخارج بعد سنّ اليأس لا يكون حيضاً أراد أن يبيّن السنّ الذي تصير به المرأة بائسةً، فقال (وتيأس) المرأة (غير القرشيّة) وهي المنسوبة إلى قريش بأبيها خاصّة على المشهور. واحتمال الاكتفاء بالأمّ هنا أرجح من غيره في نظائره؛ لأنّ للأُمّ

ص: 178


1- المحرّر، ضمن الرسائل العشر، ص 140 .
2- جامع المقاصد، ج 1، ص 287 - 288.

مدخلاً شرعيّاً في لحوق حكم الحيض في الجملة بسبب تقارب الأمزجة، ومن ثمَّ اعُتبرت الحالات وبناتهنّ في المبتدأة، كماسيأتي والمراد ب_«قريش» القبيلة المتولّدة من النضر بن كنانة بن خزيمة، وجلّ هذه القبيلة الهاشميّون. (والنبطيّة) وهي المنسوبة إلى النبط، وهم - على ماذكره في الصحاح : قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين. قال: وفي كلام أيّوب بن القِرِّيَّة أهل عمان عرب استنبطوا، وأهل البحرين نبيط استعربوا(1) (ببلوغ) أي بإكمال (خمسين) سنة هلاليّة ، فلا يكفي الطعن في السنة الأخيرة؛ فإنّ الاعتبار هنا تحقيق لا تقريب (وإحداهما) أي القرشيّة والنبطيّة (ب_) بلوغ (ستّين) سنة، وهذا التفصيل هو المشهور.

ومستنده في غير النبطيّة صحيحة ابن أبي عمير عن الصادق(علیه السلام) :« إذا بلغت المرأة

خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأةً من قريش»(2).

وما ورد في بعض الأخبار من إطلاق الحكم بالستّين والخمسين(3) مقيّد بهذا التفصيل؛ جمعاً بين الأخبار.

وحكم المصنّف في المنتهى(4) بالإطلاق الأوّل والشيخ في النهاية(5) بالثاني، والتفصيل طريق الجمع، مع أنّ في طريق خبر الستّين ضعفاً.

وما يوجد في بعض القيود من الحكم باليأس بالخمسين بالنسبة إلى العبادة مطلقاً وبالستّين بالنسبة إلى العدّة مطلقاً ليس له مرجع يجوز الاعتماد عليه ولا فقيه يعوّل على مثله يستند إليه. واشتماله على نوع من الاحتياط غير كافٍ في الذهاب إليه، وربما استلزم نقيض الاحتياط في بعض موارده.

ص: 179


1- الصحاح، ج 2، ص 1162، «نبط».
2- الكافي، ج 3، ص 107، باب المرأة يرتفع طمئها .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 397 ، ح 1236 .
3- الكافي، ج 3، ص 107، باب المرأة يرتفع طمنها .... ح 2 و 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 397، ح 1235 و 1237.
4- منتهى المطلب، ج 2، ص 272 .
5- النهاية. ص 516.

وأمّا النبطيّة، فذكرها المفيد روايةً(1) ، وتبعه جماعة(2) بحيث صار إلحاقها بالقرشيّة هو المشهور، لكن لم يوجد بها خبر مسند ومن ثَمَّ تركها المحقّق في المعتبر وخصّ الحكم بالقرشيّة(3) .

واستوجه المحقّق الشيخ عليّ إلحاقها بها مستنداً مع الشهرة إلى أنّ الأصل عدم اليأس، فيقتصر فيه على موضع الوفاق، والاحتياط في بقاء الحكم بالعدّة وتوابع الزوجيّة استصحاباً لما كان؛ لعدم القطع بالمنافي (4).

وأنت خبير بأنّ هذا الأصل قد انتفى بما ورد من النصوص الدالّة على الحكم إمّا بالتفصيل القاطع للشركة أو بالإطلاق المتقدّم. والاحتياط المذكور يُعارَض بمثله؛ فإنّ الحكم بصحّة الرجعة ولحوق أحكام الزوجيّة مع وجود الدليل الدالّ على نفيهما يوجب التهجّم على الفروج والأموال بما لا يصلح سنداً. والاستصحاب المدّعى قد انقطع بالدليل.

بقي هنا شيء، وهو أنّك قد علمت أنّ المراد بالقرشيّة من انتسبت إلى النضر بن كنانة فهي حينئذ أعمّ من الهاشميّة، فكلّ امرأة علمت انتسابها إليه أو انتفاءها عنه فحكمها واضح. ومن اشتبه نسبها - كما هو الأغلب في هذا الزمان من عدم العلم بنسب غير الهاشميّين غالباً - فالأصل يقتضي عدم كونها قرشيّةً.

والاحتياط الذي ذكره الشيخ المحقّق يوجب إلحاقها بها. وقد عرفت أنّ الاحتياط لا يسلم في جهة واحدة، فالأخذ بالأصل متعيّن.

وإن حصل الاتّفاق من الزوجين على الاحتياط - بأن تتعبّد فيما بين الخمسين والستّين في أيّام الدم المحتمل كونه حيضاً، وتعتدّ بالأشهر إن طابقت الأطهار

ص: 180


1- المقنعة، ص 532 .
2- منهم ابن حمزة في الوسيلة ص 56 والشهيد في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 17 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- المعتبر، ج 1، ص 199.
4- جامع المقاصد، ج 1، ص 285 - 286 .

المحتملة وإلّا فأكثر الأمرين، ولا يراجعها الزوج في هذه العدّة، إلى غير ذلك من الأحكام - كان حسناً، وحينئذ يتمشّى ذلك في النبطيّة، وفي تمشّيه حينئذ في التفصيل المتقدّم المزيّف بالنسبة إلى القرشيّة نظر.

(وأقلّه) أي الحيض (ثلاثة أيّام) والأخبار من طرقنا على ذلك متظافرة، مضافاً إلى إجماعنا، ورواه العامّة عن واثلة بن الأسقع وأبي أمامة الباهلي أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام وأكثره عشرة أيّام »(1).

(متواليات) فلا يكفي كونها في جملة عشرة، خلافاً للشيخ في أحد قوليه و ابن البرّاج (2).

وقد عرفت أنّ مستندهما رواية مرسلة، فلا تكون حجّةً مزيلة لحكم الأصل وهو عدم الحيض. ولأنّ العبادة ثابتة في الذمّة بيقين، فلا يسقط التكليف إلّا مع تيقّن السبب.

وعلى هذا القول لو رأت الأوّل والخامس والعاشر ، فالثلاثة حيض لاغير. فإذا رأت الدم يوماً وانقطع، فإن كان يغمس القطنة وجب الغسل؛ لأنّه إن كان حيضاً فقد وجب الغسل؛ للحكم بأنّ أيّام النقاء طهر، وإن لم يكن حيضاً فهو استحاضة. والغامس منها يوجب الغسل، وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصّة؛ لاحتمال كونه استحاضةً، فإن رأته مرّة ثانية يوماً - مثلاً - وانقطع فكذلك، فإذا رأته ثالثة في العشرة تبيّن(3) أنّ الأولين حيض، وتبيّن بطلان مافَعَلَت بالوضوء؛ إذ قد تبيّن أنّ الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل، فلايجزىء عنه الوضوء. ولو اغتسلت للأولين احتياطاً، ففى إجزائه نظر.

(وأكثره عشرة) أيّام باتّفاقنا، فما زاد عن ذلك ليس بحيض قطعاً.

ص: 181


1- سنن الدارقطني ، ج 1، ص 484 - 486، ج 59/833 - 61/835 : المعجم الكبير،الطبراني، ج 8، ص 129 ح 07586
2- النهاية، ص 26 المهذب، ج 1، ص 34.
3- في الأصل والطبعة الحجرية: «ثبت» بدل «تبين».

وما ورد في بعض الأخبار(1) من كون أكثره ثمانية، إمّا مطّرح لشذوذه، أو محمول على مَنْ تكون عادتها ذلك وتعبر رؤيتها العشرة.

و(هي) أي العشرة (أقلّ الطهر) باتّفاقنا، وللنصّ(2). ولا حدّ لأكثره، خلافاً لأبي الصلاح حيث حدّه بثلاثة أشهر (3).

وادّعى المصنّف على الأوّل الإجماع، وحَمَلَ قول أبي الصلاح على الغالب(4).

والحقّ أنّ دعوى الإجماع هنا لا تتوقّف على حمل كلام أبي الصلاح؛ لأنّ المنقول منه بخبر الواحد حجّة، ومخالفة معلوم النسب لا تقدح فيه.

و معنى حمله على الغالب عدم زيادته على الثلاثة غالباً، لا أنّ الغالب كونه ثلاثةً، فإنّ الأغلب كون الستّة والسبعة في الشهر الهلالي حيضاً وباقيه طهراً.

(وما) أي والعدد الذي (بينهما ) أي بين الثلاثة والعشرة يجوز أن يكون حيضاً، فيحكم به (بحسب العادة) المستقرّة بما أشار إليه بقوله (وتستقرّ) أي العادة (بشهرین متّفقين) في حصول الحيض فيهما ( عدداً) أي في عدد أيّام الحيض (ووقتاً) أي في وقت حصوله، فإذا وقع في الشهر الأول في السبعة الأولى ووقع في السبعة الأولى من الشهر الثاني فقد استقرّت العادة عدداً ووقتاً، فإذا رأت في أوّل الثالث تحيّضت برؤيته، ولو تجاوز العشرة رجعت إلى ما استقرّ لها من العدد.

ولو رأت الدم الثالث في آخر الشهر الثاني تحيّضت بالعدد أيضاً مع عبوره العشرة، لكن هذه تستظهر بثلاثة في أوّله وجوباً أو استحباباً؛ لتقدّمه على وقت العادة، كماسيأتي إن شاء الله.

وقد علم من ذلك أنّه لا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر، خلافاً

ص: 182


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157، ح 450: الاستبصار، ج 1، ص 131، ح 451.
2- الكافي، ج 3، ص 76 ، باب أدنى الحيض .... ح 4 و 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157 - 158، ح 451 و 52 4: الاستبصار، ج 1، ص 131 ، ح 452.
3- الكافي في الفقه، ص 128.
4- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 257 و 259 ، ذيل المسألة 83 مختلف الشيعة، ج 1، ص 193، المسألة 139 .

للشهيد (رحمه الله) فإنّه اشترط في الذكرى(1) استقرار عادة الطهر في تحقّق العادة عدداً ووقتاً، فبدونه يستقر العدد لاغير، فحينئذٍ تستظهر برؤية الدم الثالث إلى ثلاثة وإن كان في وقت المتقدّم بناءً على استظهار المبتدأة والمضطربة. ولو عبر العشرة رجعت إلى العدد قطعاً.

وإنّما اشترط في تحقّقها الشهران ولم يكتف بالرؤية مرّة واحدة؛ لأنّ العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل بالمرّة الواحدة، ولا تطلق إلّا مع التكرار.

ولقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «دعي الصلاة أيّام أقرائك»(2) أو:«تحيّضي أيام أقرائك»(3) وأقلّ ما يراد بهذه اللفظة اثنان أو ثلاثة لكنّ الثلاثة منفيّة بالاتّفاق.

ولقول الصادق (علیه السلام): «فإن انقطع لوقته من الشهر الأوّل حتّى توالت عليه حيضتان أو

ثلاث فقد علم أنّ ذلك صارلها وقتاً وخلقاً معروفاً»(4) .

وروى سماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض يختلف عليها، قال: «تجلس وتدع الصلاة مادامت ترى الدم ما لم تجز العشرة، فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك عادتها (5)»(6).

وما ذكره المصنّف (رحمه الله) من استقرار العادة باتّفاق الوقت والعدد ليس على جهة الانحصار، بل هو أحد أقسام العادة وأنفعها.

ولو فرض اختلاف الوقت مع اتّفاق العدد - كما لو رأت في أول شهرٍ خمسةً وفي وسط الثاني خمسةً - استقرّت عادتها عدداً، فإذا رأت في شهر ثالث دماً وعَبَر العشرة

ص: 183


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 180 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الكافي، ج 3، ص 83 - 88 باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 384، ح 1183.
3- أورده المحقق في المعتبر، ج 1، ص 212.
4- الهامش 1.
5- في المصدر: «أيامها».
6- الكافي، ج 3، ص 79، باب أوّل ما تحيض المرأة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 380، ح 1178.

تحيّضت بالخمسة المستقرّة، لكن هذه تستظهر في أوّله؛ لعدم استقرار الوقت، بناءً على

استظهار المضطربة.

ولو انعكس الفرض بأن استقرّ لها الوقت دون العدد - كمالو رأت سبعةً أوّل وثمانيةً في أوّل الثاني - تحقّقت العادة بالنسبة إلى الوقت، فتترك العبادة برؤية الدم في الثالث في الوقت، لكن هل تكون مضطربةً بالنسبة إلى العدد فتتحيّض بثلاثة، أو يثبت لها أقلّ العددين لتكرّره؟ وجهان، اختار ثانيهما المصنّف في النهاية(1) والشهيد في الذكرى(2)، وأوّلهما الشيخ عليّ (رحمه الله)(3) ؛ لعدم صدق الاستواء والاستقامة. وهو أجود.

إذا تقرّر ذلك، فما المراد بالشهر المعتبر في تحقّق العادة؟ هل هو الهلالي كماهو الشائع في الاستعمال المتبادر إلى الأفهام، الغالب وقوع الحيض فيه مرّة واحدة للنساء؟ أم ما يمكن أن يفرض فيه حيض وطهر صحيحين المعبّر عنه بشهر الحيض؟ الذي صرّح به المصنّف في النهاية هو الثاني، قال فيها - بعد قوله: وتثبت العادة بتوالي شهرين ترى فيها الدم أيّ اماً سواء - : والمراد بشهرها المدّة التي لها فيها الحيض وطهر، وأقلّه عندنا ثلاثة عشر يوماً(4) .

وهكذا نقّحه ولده فخر المحقّقين(5) على هذه العبارة ونظائرها، وكتبه الشهيد(6)(رحمه الله) على قواعده ناقلاً له عنه.

وعبارات الأصحاب محتملة لهما وإن كان فهم الشهر الهلالى من الإطلاق أغلب.

ويرجّح اعتبار الهلالي أيضاً أنّ اتّفاق الوقت بدمين فيما دونه لا يتّفق إلّا مع تكرّر

ص: 184


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 144 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- جامع المقاصد، ج 1، ص 304 - 305 .
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 142 و 143.
5- نسبه إليهما المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 293؛ وانظر حاشية القواعد، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
6- نسبه إليهما المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 293؛ وانظر حاشية القواعد، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).

الطهر ، وهو خروج عن المسألة، لكن قبل تكرّر الطهر تثبت العادة بالعدد خاصّة فترجع في الثالث إليه مع عبوره العشرة بعد احتياطها بالصبر ثلاثة في أوّله.

وفرّع المحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله) على اختياره إرادةَ الشهر الهلالي أنّ العادة الوقتيّة لا تحصل إلّا بالشهرين الهلاليّين محتجّاً بأنّ الشهر في كلام النبيّ والأئمّة(علیهم السلام) إنّما يحمل على الهلالي نظراً إلى أنّه الأغلب في عادات النساء وفي الاستعمال. قال: فلو رأت ثلاثة ثمّ انقطع عشرة ثمّ رأت ثلاثة ثمّ انقطع عشرة ثمّ رأته وعبر العشرة، فلاوقت لها؛ لعدم تماثل الوقت باعتبار الشهر(1) .

وفيما ذكره نظر؛ لأنّ تكرّر الطهر يحصّل الوقت كما قلناه، وقد صربح بذلك في المعتبر والذكرى، وحكاه فيه عن المبسوط والخلاف ناقلاً عبارتهما في ذلك(2).

واحتجاجه بأنّ الشهر في كلامهم يحمل على الهلالي إنّما يتمّ لو كان في النصوص المقيّدة الدالّة على العادة ذكرُ الشهر، وقد بيّنا في أوّل المسألة حكايتها خاليةً من ذكر الشهر فيما عدا الحديثين الأخيرين، وفي الاحتجاج بهما إشكال؛ لضعف أوّلهما بالإرسال، وثانيهما بجرح سماعة وانقطاع خبره .

(والصفرة والكدرة) بحذف المضاف وإقامة اسم المصدر مقامه، أي والدم ذو الصفرة، وهي لون الأصفر، وذو الكدرة، وهي ضدّ الصفاء على ماذكره الجوهري(3) ، الواقعتين (في أيام الحيض) يحكم بأنّهما (حيض).

والمراد بأيّام الحيض ما يحكم على الدم الواقع فيها بأنّه حيض، سواء كانت أيّام العادة أم غيرها، فتدخل المبتدأة ومَنْ تعقّب عادتها بعد أقلّ الطهر.

وضابطه ما أمكن كونه حيضاً.

ص: 185


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 294 .
2- المعتبر، ج 1، ص 217 ذكرى الشيعة، ج 1، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) وانظر المبسوط ، ج 1، ص 79؛ والخلاف، ج 1، ص 239، المسألة 206.
3- الصحاح، ج 4، ص 2401، «صفا».

وربما فُسّرت بأيّام العادة والنصوص دالّة بعمومها على الأوّل.

(كما أنّ) الدم (الأسود الحارّ) الواقع (في أيّام الطهر) يحكم بأنّه (فساد) أي استحاضة.

وإنّما سمّاها فساداً؛ لأنّها مرض مخصوص، بخلاف الحيض فإنّه دالّ على اعتدال المزاج، ومن ثَمَّ كان عدم الحيض في الجارية ستّة أشهر ممّن شأنها ذلك عيب تُردّ به. ولم تحدّ المستحاضة إذا وجب عليها الحدّ حتّى تبرأ.

وإنما حكم بذلك مع مخالفتهما لأوصاف الدم، الملحقين به؛ لأنّ تلك الأوصاف مبنيّة على الغالب، كما تقدّم.

وعبّر بالمصدر في الشقّ الأوّل دون الثاني؛ للفرق بين ماورد في لفظ الرواية وما أكمله المصنّف من لفظه.

قال الصادق(علیه السلام): «السنّة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام

الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه»(1) .

واعلم أنّ الدم المحكوم بكونه حيضاً متى انقطع على العشرة فمادون حكم بكونه حيضاً كلّه، سواء في ذلك سواء في ذلك من ابتدأ بها الحيضُ والمعتادة بأقسامها والمضطربة العادة.

(ولو تجاوز الدم عشرة) أيّام فقد امتزج الحيض بالطهر ؛ لما علمت من أنّ الحيض لا يزيد عن عشرة، فلا يخلو حينئذٍ إمّا أن تكون مبتدأةً أو ذات عادة مستقيمة محفوظة أو مضطربة ناسية لعادتها وقتاً وعدداً أو وقتاً خاصّة أو عدداً خاصّة أو لم تستقرّ لها عادة أصلاً، وربما خصّت هذه خاصّة باسم المضطربة، وسيأتي أنّها داخلة في قسم المبتدأة.

وعلى التقادير الستّة فإمّا أن يكون لها تمييز أو لا، فالأقسام اثنا عشر تُعلم مفصّلةً إن شاء الله.

ص: 186


1- الكافي، ج 3، ص 83 - 86، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 382، ح 1183 .

فإن كانت ذات عادة محفوظة (رجعت ذات العادة المستقرّة إليها).

ومعنى رجوعها إليها أن تجعل مقدار العادة حيضاً ومازاد استحاضة، فتقضي ما تركته فيه من صوم وصلاة؛ لثبوت كونها طاهرةً فيه، وما احتملته من كونه حيضاً قد تبيّن فساده

ويستفاد من إطلاق الحكم برجوع ذات العادة إليها مع تقديمها وجعلها قسيمةً الرجوع ذات التمييز إليه أنّه لو عارض العادة تمييز قدّمت العادة عليه. وهذا هو أصحّ القولين وأشهرهما ومختار المصنّف (1).

ومستنده الأخبار الدالّة على اعتبار العادة مطلقاً من غير تقييد بانتفاء التمييز.

كقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «دعي الصلاة أيام أقرائك»(2).

وقول الصادق(علیه السلام) في صحيحة إسحاق بن جرير (3)حيث سأله(4) عن امرأة يستمرّ بها الدم الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع ؟ قال: «تجلس أيّام حيضها ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين»(5) وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدلّ على العموم في المقال.

ورجّح الشيخ في النهاية التمييز(6) ؛ لقول الصادق(علیه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار:« دم الحيض حارّ »(7).

وقوله(علیه السلام) في حسنة حفص: «دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة»(8) وهو دالّ على اعتبار التمييز من غير تقييد.

ص: 187


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 206 ، المسألة 147؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 142.
2- الكافي، ج 3، ص 83 - 88 باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 384، ح 1183.
3- في تهذيب الأحكام: إسحاق بن جرير عن حريز.
4- السائل في المصدر هي امرأة.
5- الكافي، ج 3، ص 91 - 92 ، باب معرفة دم الحيض .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 151 - 152، ح 431.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 212؛ وانظر النهاية، ص 24 .
7- الكافي، ج 3، ص 91 ، باب معرفة دم الحيض .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 151 . ح 430 .
8- الكافي، ج 3، ص 91، باب معرفة دم الحيض ..... ح1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 151 ، ح 429.

وحَملُ هذه الأخبار على غير المعتادة طريق الجمع بينها وبين مادلّ على اعتبار العادة مطلقاً. ولقوّة العادة المتكرّرة.

ولا يقال: إنّ صفة الدم علامة فتصير إليها عند الاشتباه، كالصفة في المنيّ عنده؛ لأنّ صفة الدم يسقط اعتبارها في العادة؛ لأنّها أقوى من الوصف.

ولرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله(علیه السلام) في المرأة ترى الصفرة في أيّامها، قال: «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، فإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1).

وربّما فرّق بعضهم بين العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع، والمستفادة من التمييز، فقدّم الأولى عليه دون الثانية؛ لأنّها فرعه فلاتزيد على أصله(2).

هذا کلّه مع عدم إمكان الجمع، أمّا لو أمكن - كمالو تخلّل بينهما من الدم الضعيف أقلّ الطهر - حكم به في العادة والتمييز لإمكانه، نصّ عليه المصنّف في النهاية(3)، ونبّه عليه في الذكرى(4) .

(و) لولم تكن ذات عادة مستقرّة محفوظة، بل كانت أحد الأقسام الأخر، فلايخلو إمّا أن يكون لها تمييز أو لا، فإن كان لها تمييز رجعت (ذات التمييز إليه).

والتمييز مصدر قولك: ميّزت الشيء أميّزه تمييزاً: إذا فرزته وعزلته.

والمراد بهاهنا التي ترى الدم على نوعين أو أنواع أحدها أقوى فتجعله حيضاً والباقى استحاضة.

وله (5)شروط اختلاف صفته، كما قلناه، فلو كان بصفة واحدة فلا تمييز. وكون ما هو بصفة الحيض أو الأقرب إليه لا ينقص عن ثلاثة أيّام ولا يزيد عن عشرة أيّام؛ لأنّ إلحاقه به يوجب ذلك. وكون الضعيف لا ينقص عن أقلّ الطهر، ويضاف إليه أيّام النقاء إن

ص: 188


1- الكافي، ج 3، ص 78، باب المرأة ترى الصفرة .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1230.
2- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 301.
3- نهاية الإحكام، ج 1 ، ص 141 _ 142.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 187 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- أي وللتمييز.

اتّفق؛ لأنّ جَعلَ القوي حيضاً يوجب جَعل الضعيف طهراً؛ لأنّه مقابله.

وربما احتمل هنا عدم الاشتراط ؛ لعموم قول النبيّ(صلى الله عليه و آله و سلم): «دم الحيض أسود يعرف»(1) . وبالاشتراط جزم المصنّف في النهاية(2) .

ولا يشترط في التمييز التكرار؛ لأنّه علامة فيكفي حصولها، بخلاف العادة.

وهل يشترط في الدم المحكوم بكونه حيضاً أن يتوالى الوصف المجعول علامة ثلاثة بحيث لا يتخلّلها وصف ضعيف، أو يكفي وجود القويّ في كلّ يوم من الثلاثة ولو لحظة ؟ يبنى على ماسلف من تفسير التوالي.

وتعتبر القوّة والضعف بثلاثة اللون، فالأسود قويّ الأحمر، وهو قويّ الأشقر، وهو قويّ الأصفر، وهو قويّ الأكدر. والرائحة، فذو الرائحة الكريهة أقوى ممّا لا رائحة له، هكذا عبّر المصنّف عنه في النهاية(3) ، ومثله في الموجز(4).

ولو كان أحدهما أنتن رائحةً من الآخر، فالظاهر قوّته عليه، لكّنه لا يدخل فيما حكيناه من العبارة (5).والقوام، فالثخين قويّ الرقيق.

ولا يشترط في القوّة اجتماع صفاته، فذو الثلاث أقوى من ذي الاثنتين، وهو أقوى من ذي الواحدة، وهو أقوى من العادم.

ولو استوى العدد وإن كان مختلفاً فلا تمييز.

وقد يتّفق لذات التمييز ترك العبادة شهراً متوالياً فمازاد بأن ترى الأحمر عشرةً، فإنّها تجلس فيها؛ لإمكان كونه حيضاً، أو بعد الثلاثة على تقدير الاستظهار، ثمّ ترى

ص: 189


1- الكافي، ج 3، ص 83 - 86، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 383، ح 1183؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 75، ح 286؛ سنن النسائي، ج 1، ص 185؛ سنن الدارقطني ، ج 1، ص 464. ح 3/777 : السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 483 - 484 ، ح 1551.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 135.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 135 .
4- الموجز ضمن الرسائل العشر، ص 44.
5- في الأصل والطبعة الحجرية: «القوم» بدل «العبارة».

بعده أقوى منه عشرةً فتجلس الأقوى، وتبيّن أنّ الأوّل استحاضة، ثم ترى بعده أقوى منهما، وهكذا.

قال في المعتبر:

ولو قيل هنا: تحتاط إذا تجاوزته من أوّل الدم عشرة بالصلاة والصوم، فإن انقطع الأسود على عشرة فمادون فهو حيض، وقضت الصوم، كان حسناً (1).

ويستفاد من إطلاق رجوع ذات التمييز إليه وجعله قسيماً للمعتادة أنّ المضطربة إذا ذكرت العدد خاصّةً أو الوقت خاصّةً ووجدت تمييزاً في بعض أيّام الشهر تحيّضت به.

ولا بُعد فيه في الأولى من جهة إطلاقهم تخييرها في تخصيص العدد بأيّ وقت شاءت، فإنّه يقيّد بعدم التمييز؛ جمعاً بين الإطلاقين.

لكنّ المحقّق الشيخ عليّ استشكل الأمر فيها، وقال ما هذا لفظه:

الحكم برجوع المضطربة إلى التمييز لا يستمرّ ؛ لأنّ ذاكرة العدد الناسية للوقت لو عارض تمييزها عدد أيّام العادة، لم ترجع إلى التمييز بناءً على ترجيح العادة على التمييز. وكذا القول في ذاكرة الوقت ناسية العدد.

- قال: - ويمكن الاعتذار بأنّ المراد برجوعها إلى التمييز ما إذا طابق تمييزها العادة بدليل ماذكره من ترجيح العادة على التمييز(2). انتهى كلامه.

وأقول: إنّ الإشكال في ذاكرة العدد خاصّة غير واضح، وتحقّق المعارضة فيها بين التمييز وأيّام العادة غير متحقّق؛ فإنّها بسبب نسيان الوقت لا تتخصّص عادتها بأيّام معيّنة حتّى يعارضه التمييز، بل يجوز كون أيّام التمييز هي العادة، فترجيح التمييز فيها باقٍ على حاله، وإنّما ترجّح العادة على التمييز مع العلم بوقتها.

نعم، قد يتوهّم التعارض على تقدير اختيارها عدداً من الشهر ثمّ يظهر التمييز في غيرها، وهنا ينبغي عدم الإشكال في تقديم التمييز؛ لما علمت من عدم انتظام هذه في

ص: 190


1- المعتبر، ج 1، ص 206.
2- جامع المقاصد، ج 1، ص 298 .

سلك المعتادة، بل هي مضطربة يتأخر اختيارها العدد على التمييز، وإنّما يقع الإشكال هنا فيما لو زادت أيّام التمييز على العدد المحفوظ وكأنّه (رحمه الله) أراد بالتعارض هذا المعنى، ولم أتحقّق إلى الآن تصريحاً لأحدٍ من الأصحاب بشيء، غير أنّ إطلاق كلامهم تقديم العمل بالتمييز يقتضي جَعل أيّام التمييز كلّها حيضاً.

وكذا الإشكال لو انعكس الفرض بأن نقصت أيّام التمييز عن العدد، لكنّ العمل هنا على العدد أقوى؛ ترجيحاً لعدد العادة على التمييز بناءً على ترجيحها.

ولا يرد مثله في الأوّل؛ لأنّ العادة إنّما تُقدّم على التمييز مع التعارض، ومع زيادة أيّام التمييز على العدد وانقطاعه على العاشر فمادون - إذ هو الفرض؛ لأنّه من شروط التمييز - لاتعارض، بل يمكن الجمع بينهما بجعل الجميع حيضاً؛ فإنّ مثل هذا آتٍ في ذاكرة الوقت والعدد مع عبور الدم العشرة ، فإنّهم ذكروا هناك أنّه مع إمكان الجمع بينهما يجمع ويجعل مازاد من أيّام التمييز عن عادتها حيضاً. وقد أشرنا إليه فيما سلف.

لكنّ المصنّف في النهاية استقرب في ذاكرتهما مع زيادة التمييز على العادة ومجاوزة العشرة اختصاص الحيض بالعادة(1). وعلى هذا يمكن اختصاص العدد.

وفي المبنى عليه منع.

وأمّا ذاكرة الوقت خاصّة، فكلامه (رحمه الله) فيها وجيه؛ لإمكان فرض تحقّق المنافاة باعتبار علمها بالوقت، فهي من هذه الجهة معتادة في المعنى، ومع عدم منافاة التمييز لوقتها يمكن أن يفيدها التمييز زيادة على العدد المأمور به أو نقصاناً عنه سواء أوجبنا عليها الرجوع إلى الروايات أم جوّزنا لها الاقتصار على ثلاثة، فيصلح ذلك لحمل كلام المصنّف في تقديم التمييز على ما علمته من الوقت، لا بمعنى عدم الالتفات إلى الوقت، بل بمعنى عدم الالتفات إلى ما فرض لها من العدد عند البحث عنه من الرجوع إلى الروايات أو إلى غيرها.

ص: 191


1- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 142 .

ولا بأس بإمعان النظر في هذه المسألة واستقراء كلام الأصحاب ليتّضح الحال فيها، فإنّها لا تستفاد إلّا من عامّ أو مطلق.

(فإن فقدا) أي العادة المستقرّة والتمييز (رجعت المبتدئة) بكسر الدال اسم فاعل بمعنى التي ابتدأت الحيضَ. ويجوز فتحه؛ ليصير اسم مفعول بمعنى التي ابتدأ بها الحيضُ.

ويتحقّق حكم الابتداء برؤية الدم مرّة ومرّتين، أو بشهرين عند الاحتياج إلى استقرار الطهر.

وهل يتحقّق فيما زاد حتّى يدخل فيها كلّ مَنْ لم تستقرّ لها عادة ولو باضطراب دورها ؟ الظاهر من كلام المصنّف والشهيد (رحمهما الله) وجماعة في تقاسيمهم ذلک؛ حيث يخصّون المضطربة بذات العادة المنسيّة بأحد وجوهها.

وقال في المعتبر: المبتدئة - وهي التي رأت الدم أوّل مرّة إذا تجاوز دمها العشرة ولم يتميّز - رجعت إلى عادة نسائها، إلى آخره. - ثم قال: - المبتدئة إذا لم يكن لها نساء أو كنّ مختلفات، والمضطربة، وهي التي لم تستقرّ لها عادة عدداً ولا وقتاً(1)، إلى آخره.

ومقتضاه اختصاص المبتدئة بأوّل مرّة، وأنّ التي لم تستقرّ لها عادة بَعدُ مضطربة.

وتظهر الفائدة في رجوع هذا النوع من المضطربة إلى عادة نسائها أم لا، فعلى الأوّل ترجع، وعلى قول المعتبر إنّما ترجع بعد التمييز إلى الروايات، كناسية العادة.

وكلام المعتبر أدخل في اسم المضطربة، والترجيح مع الأوّل بندور المخالف، واستلزام قوله جَعل المبتدئة في الدور الثاني - الذي به تتحقّق العادة - مضطربة. وبأنّ الحكمة في رجوع المبتدئة إلى النساء موجودة فيمن لم تستقرّ لها عادة، دون المضطربة الناسية، وهي أنّ الأُولى لم يسبق لها عادة ترجع إليها، بخلاف الناسية التي قد سبق لها عادة.

ص: 192


1- المعتبر، ج 1، ص 207 و 209.

وهذه الوجوه لا تفيد القطع، والعمل على المشهور .

وخبر السنن يدلّ حصره بظاهره عليه؛ فإنّ أبا عبد الله(علیه السلام) قال فيه: «إنّ جميع حالات المستحاضة تدور على السنن الثلاث لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ، إن كانت لها أيّام معلومة فهي على أيّامها» ثمّ قال: «وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل مارأت، فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون، فإن استمرّ بها الدم أشهراً فَعَلَت في كلّ شهر كما قال لها، وإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلّي، فلاتزال كذلك حتّى تنظر ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأوّل سواء حتّى توالى عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً، تعمل عليه وتدع ماسواه» ثمّ قال: «وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت حتّى لا تقف منها على حدّ ولا من الدم على لون عملت بإقبال الدم وإدباره»(1) الحديث.

ومراده باختلاط الأيّام نسيان العادة؛ لأنّه موضّح للسنن المتقدّمة في أوّل الحديث، التي من جملتها: «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ثمّ اختلط عليها من طول الدم زادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر»(2) إلى آخره.

ووجه دلالته على ما نحن فيه أنّه حصر أقسامها في الناسية والذاكرة والمبتدئة، ولا يخفى أنّ مَنْ لم تستقرّ لها عادة بَعدُ لاتدخل في الناسية ولا في الذاكرة لعادتها، فلو لم تدخل في المبتدئة بطل الحصر الذي ذكره(علیه السلام) .

ولا يقال: إنّ قوله(علیه السلام) في تعريفها: «وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل ما رأت» يدلّ على خلاف مطلوبكم ؛ لأنّه فسّر المبتدئة بأنّها مَنْ تستحاض في أوّل الدور.

لأنّا نقول: إنّ أوّل التعريف صادق على المدّعى، وإن أُجري آخره - وهو أنّها التي

ص: 193


1- الكافي، ج 3، ص 83 - 88، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 384 . ح 1183 .
2- الكافي، ج 3، ص 85، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 382، ح 1183.

استحاضت أوّل مارأت - على ظاهره بطل الحصر، فلابدّ من حمله على وجه يصحّ معه الحصر، وهو أن يريد بالأوّليّة ما لا تستقرّ فيها العادة بَعدُ، وهو أوّل إضافيّ يصحّ الحمل عليه، وقد دلّ عليه مواضع من الحديث:

منها: ما هو داخل فيما حكيناه من لفظه.

ومنها: ما أضربنا عن حكايته لطوله.

وهو حديث شريف يدلّ على أُمور مهمّة في هذا الباب، وسيأتي الكلام على سنده إن شاء الله تعالى.

ويمكن أن يكون بياناً لبعض أفرادها أو للأغلب(1) منها؛ فإنّ العادة مع استواء الدم تستقرّ في أيّام يسيرة، والغالب أنّ المرأة إذا استقام لها حيضة في الابتداء في شهر يتمّ لها ذلك في الشهر الثاني. وأمّا إن عرض لها ما يمنع استقرار العادة في هذه المدّة اليسرة فالأغلب وقوع العارض من أوّل الأمر.

وبالجملة، فلابدّ من تصحيح الحصر بوجه.

وبأيّ معنى فسّرنا المبتدئة فإنّها متى فقدت التمييز رجعت (إلى عادة أهلها) وهُنّ أقاربها من الطرفين أو من أحدهما، كالأُخت والعمّة والخالة وبناتهنّ؛ لتقارب الأقارب في الأمزجة غالباً. ولا اختصاص للعصبة هنا؛ لأنّ الطبيعة جاذبة من الطرفين.

وهذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه عملهم، والموجود على وفقه روايتان:

إحداهما: رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم»(2) .

وفي طريقها عليّ بن الحسن بن فضّال، وهو فطحي لكنّ المصنّف اختار في الخلاصة الاعتماد على روايته، وذكره في القسم الأوّل (3).

ص: 194


1- في «م»: «الأغلب».
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 401، ح 1252: الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 472 .
3- خلاصة الأقوال، ص 93، الرقم 15.

والثانية: مقطوعة سماعة أنّه سأله عن المبتدئة، فقال: «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن اختلفن فأكثر جلوسها عشرة أيّام وأقلّه ثلاثة» (1).

وهذه الرواية وإن اعتراها نقص بالقطع لكنّ الشيخ (رحمه الله) في الخلاف استدلّ على صحّة مضمونها بإجماع الفرقة(2)، فإن تمّ ذلك، وإلّا فالاعتماد على اتّفاق الأعيان على الفتوى بمضمونها، كمانبّه عليه في المعتبر(3).

ولا فرق بين الحيّة من الأهل والميّتة المعلومة عادتها، ولابين المساوية في السنّ للمبتدئة والمخالفة، ولا بين البلديّة لها وغيرها للعموم.

ورجّح الشهيد (رحمه الله) في الذكرى اعتبار اتّحاد البلد في الأهل والأقران محتجّاً بأنّ للبلدان أثراً ظاهراً فى تخالف الأمزجة(4). وفي معارضته لعموم النصّ نظر.

واعتبر شيخنا السيّد حسن (رحمه الله) اعتبار البلد فإن فقد فأقرب البلدان إلى بلدها فالأقرب.

وكلّ هذه الأُمور تُثمر الظنّ بتقارب الأمزجة إلّا أنّها لا تصلح لتخصيص عموم النصّ.

وتتخيّر في وضع الأيّام حيث شاءت من الشهر؛ لعدم الأولويّة وإن كان وضعها في أوّل الشهر أولى.

هذا كلّه مع اتّفاق عادتهنّ ووجودهنّ (فإن اختلفن أو فقدن) إمّا بعدمهنّ أصلاً أو بموتهنّ وعدم علمها بعادتهنّ، أو لم يمكنها استعلام حالهنّ لبُعْدِ ونحوه (رجعت إلى أقرانها).

أما مع فقدهنّ، فظاهر.

وأما مع اختلافهنّ: فذكر الحكم بذلك جماعةُ من غير تقييد بتساوي المختلفات.

ص: 195


1- الكافي، ج 3، ص 79، باب أوّل ما تحيض المرأة، ج 3، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 380 - 381، ح 1181؛ الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 471.
2- الخلاف، ج 1، ص 234، المسألة 200.
3- المعتبر، ج 1، ص 208 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 194 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وصرّح المصنّف في النهاية بالحكم مطلقاً، قال فيها: حتّى لوكُن عشراً فاتّفق منهنّ تسع، رجعت إلى الأقران(1) .

واختار الشهيد (رحمه الله) ومن تبعه اتّباع الأغلب مع الاختلاف (2).

والتحقيق أنّا إن اعتمدنا في الحكم على مقطوعة سماعة، فماقاله الجماعة أوجه؛ لتصريحه فيها بأنّ الاختلاف موجب للانتقال عنهنّ. وإن اعتمدنا على الحديث الأول، فلا وجه للتخصيص بالأغلب؛ لأنّه دلّ بظاهره على الاكتفاء بواحدة من نسائها.

وحمله شيخنا الشهيد (رحمه الله) على غير المتمكّنة من معرفة عادات جمیع نسائها، فتكتفي بالبعض الممكن (3).

والوجه: اتّباع الأغلب؛ لدلالته عليه، وخروج مادونه بالإجماع، فيكون كالعامّ المخصوص في كونه حجّةً في الباقي.

وعلى هذا فلا فرق في اتّباع الأغلب مع اختلاف أسنانهنّ وبلدانهنّ بين كون الأغلب مخالفاً في السنّ والبلد أو موافقاً؛ للعموم، مع احتمال تقديم الأقرب إليها سنّاً وبلداً فالأقرب؛ لقوّة الظنّ بتقارب الطباع مع تقاربهما أو اتّحادهما.

واستقرب المصنّف في النهاية مع اختلافهنّ في السنّ ردّها إلى مَنْ هي أقرب إليها، مع حكمه بانتقالها إلى الأقران عند اختلافهنّ وإن اتّفق الأكثر (4).

وبين الحكمين في بعض الموارد بَونُ كثير. وأمّا رجوعها إلى الأقران فاشتهر الحكم به بين الأصحاب.

وحكى المصنّف في المنتهى عن المرتضى وابن بابويه عدم ذكر الأقران، ومال إليه(5) .

وأنكره المحقّق في المعتبر مطالباً بدليله، وفارقاً بينهنّ وبين الأهل بأنّ بينهما وبين

ص: 196


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 139 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 194 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 194 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 139 .
5- منتهى المطلب، ج 2، ص 300.

الأهل مشاكلة في الطباع والجنسيّة، والأصل تقوّي الظنّ مع اتّفاقهنّ بمساواتها لهنّ، ولا كذا الأقران؛ إذ لا مناسبة تقتضي ذلك؛ لأنّ النسب يعطي شبهاً دون المقارنة (1).

وأجاب في الذكرى بأنّ:

لفظ «نسائها» في الخبر صادق عليهنّ، فإنّ الإضافة تصدق بأدنى ملابسة ك_«كوكب الخرقاء».

ولمّا لابسنها في السنّ والبلد صدق عليهنّ النساء. وأمّا المشاكلة فمع السنّ واتّحاد البلد تحصل غالباً. - قال: - وليس في كلام الأصحاب منع منه وإن لم يكن فيه تصريح به. نعم، الظاهر اعتبار اتّحاد البلد في الجميع؛ لأنّ للبلدان أثراً ظاهراً في تخالف الأمزجة (2).انتهى.

وفيه نظر؛ لأنّ هذه الملابسة لو اكتفي بها لم يتمّ اشتراط اتّحاد البلد والسنّ، بل كان يكتفى بأحدهما ؛ لصدق الملابسة معه، وتماميّة المشاكلة ومقاربة المزاج بهما، ولا تصلح مؤسّسة لحكم شرعي مخصّصة لعامّ النساء إن تمّ الاكتفاء بإضافته بأدنى ملابسة، بل لا ينحصر الصدق أيضاً في البلد وحده والسنّ وحده ؛ لأنّ وجوه أدنى الملابسة متكثّرة ضرورة، وفتح هذا الباب يخرج إلى تناول اللفظ ما هو منفيّ بالاجماع .

ويمكن الجواب بنحو ماقلناه في الاختلاف، وهو الإجماع على نفي الحكم عمّا عدا المتنازع مخصّص، فتبقى صورة النزاع داخلة في العموم، لكن يبقى اشتراط اتّحاد البلد، فإنّ الأكثر لم يعتبروه، وتقويته للمشاكلة المفيدة للظنّ بتقارب الأمزجة لا تصلح للتخصيص شرعاً، كما لا يخفى على العالم بمدارك الأحكام.

إذا تقرّر ذلك، فما القدر الذي يتحقّق به الأقران من السنّ؟ ليس في كلام الأصحاب

ص: 197


1- المعتبر، ج 1، ص 208 - 209.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 194 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

تعيين له. وفي الصحاح : القَرن: مثلك في السنّ (1).

والظاهر الرجوع في ذلك إلى العرف وهو دالّ على أنّ مَنْ وُلد في السنة الواحدة أقران، وفيما زاد عنها إشكال من دخوله في صدق لفظ «النساء» وخروجه عن صدق الأقران.

(فإن اختلفن) أي الأقران ولو بواحدة منهنّ كما تقدّم (أو فُقدن) بأحد المعاني المتقدّمة (تحيّضت) المبتدئة (في كلّ شهر ) هلالي (بسبعة أيّام) أو ستّة؛ لورودها مع السبعة في حديث السنن(2) (أو بثلاثة) أيّام (من شهرٍ وعشرة) أيّام (من) شهر (آخر) وتتخيّر في الابتداء بأيهما شاءت.

وهذه الأمور الثلاثة هي بعض الأعداد المعبّر عنها بالروايات؛ لورودها فيها. والمشهور بين الأصحاب اختصاص الحكم بهذه الثلاثة.

ومستند الستّة والسبعة حديث السنن (3)، والثلاثة والعشرة رواية عبدلله بن بكير عنه(علی السلام)(4).

وضعّف المحقّق في المعتبر حديث السنن بأنّ راويه محمّد بن عيسى عن يونس - وقد استثنى الصدوق من مرويّات يونس ما انفرد به محمّد بن عيسى(5) - وبإرسال يونس له. والثاني بأنّ عبد الله بن بكير فطحي. ثمّ اختار أخذها ثلاثة؛ لأنّها المتيقّن. وتتعبّد بقيّة الشهر (6).

وأجاب في الذكرى بأنّ الشهرة في النقل والإفتاء بمضمونه حتّى عُدّ إجماعاً يدفعهما.

ص: 198


1- الصحاح، ج 4، ص 2180، «قرن».
2- الكافي، ج 3، ص 83 - 87، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 383، ح 1183.
3- الكافي، ج 3، ص 83 - 87، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381 - 383، ح 1183.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 381، ح 1182؛ الاستبصار، ج 1، ص 137، ح 469.
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 35 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)؛ وحكاه النجاشي في رجاله ص 333، ذيل الرقم 896 .
6- المعتبر، ج 1، ص 210.

قال: ويؤيده أنّ حكمة البارئ أجلّ من أن يدع أمراً مبهماً تعمّ به البلوى في كلّ زمان ومكان ولم يبيّنه على لسان صاحب الشرع مع لزوم العسر والحرج فيما قالوه، وهُما منفيّان بالآي والأخبار وغير مناسبين للشريعة السمحة (1).

(والمضطربة) الناسية لعادتها وقتاً وعدداً - وهي المعبّر عنها بالمتحيّرة؛ لتحيّرها في نفسها، والمحيّرة للفقيه في أمرها - لا ترجع عند فقد التمييز إلى أهل ولا أقران، بل تتحيّض (بالسبعة، أو الثلاثة والعشرة) أو الستّة.

وإنّما خصّصنا بها اللفظ؛ لأنّ ناسية أحدهما خاصّة لا ترجع إلى الروايات عند المصنّف(2)، وسيأتي الكلام فيها.

وهل أخذها بأحد الأعداد الثلاثة على جهة التخيير أو الاجتهاد بمعنى أنّ مزاجها إن كان الغالب عليه الحرارة أخذت السبعة، أو البرودة فالستّة، وإن كان معتدلاً فالثلاثة والعشرة؟ وجهان، اختار ثانيهما المصنّف في النهاية محتجّاً بلزوم المحذور في التخيير بين فعل الواجب وتركه(3).

وينتقض بيومي الاستظهار بعد العادة، وبالتخيير بين القصر والتمام(4) في الأماكن الأربعة،والتسبيح بدل الحمد.

واختار الشهيد (رحمه الله)(5) ، والمحقّقُ في المعتبر(6) ، وجماعة التخيير (7)، وهو الظاهر؛ لدلالة «أو» على التخيير في سياق الطلب أو فيما يمتنع فيه الجمع.

ص: 199


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- انظر قواعد الأحكام، ج 1، ص 213؛ ومختلف الشيعة، ج 1، ص 207، المسألة 148؛ ونهاية الإحكام، ج 1. ص 155 .
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 138؛ وحكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 299.
4- في الطبعة الحجرية: «الإتمام».
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 193 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- المعتبر، ج 1، ص 211 .
7- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 299 .

ومتى اختارت عدداً جاز لها وضعه حيث شاءت من الشهر؛ لعدم الترجيح في حقّها، ولا يتعيّن أوّله وإن كان أولى. ولا اعتراض للزوج.

هذا في الشهر الأول، وما بعده يجب موافقته للأوّل في الوقت؛ لبُعد اختلاف مرّات الحيض، ولأنّ ذلك قائم مقام العادة في المعتادة، مع احتمال بقاء التخيير؛ للعموم، ولأنّ العادة تتقدّم وتتأخّر.

وكذا القول في التخيير في الأعداد بالنسبة إلى الدور الثاني إذا لم يوجد ماهو أولى منه من تمييز أو عادة نساء تعذّر علمها في الدور الأوّل، هذا هو المشهور، وعليه العمل.

ونقل المصنّف عن الشيخ أنّ له قولاً بأنّها مأمورة بالاحتياط، فتفعل من أوّل الشهر إلى آخره ماتفعله المستحاضة، وتغتسل بعد الثلاثة لكلّ صلاة؛ لاحتمال انقطاع الدم عندها؛ إذ ما من زمان بعد الثلاثة إلّا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع (1).

وجعله المصنّف في القواعد أحوط (2).

ويتفرّع على هذا القول فروع جليلة ومسائل مشكلة، لكن قال في الذكرى: والقول بالاحتياط عسر منفيّ بالآية والخبر(3) . وفي البيان: الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوأ الاحتمالات ليس مذهباً لنا وإن جاز فعله(4)، أشار بذلك إلى أنّه مذهب العامّة.

(ولو ذكرت) المضطربة الوقت دون العدد، فلا يخلو إمّا أن تذكر أوّله أو آخره أو وسطه أو شيئاً منه في الجملة.

فإن ذكرت (أوّل الحيض أكملته) أقلّه، وهو (ثلاثة)؛ لتيقّنه حينئذ، وتبقى سبعة بعدها مشكوك فيها بين الحيض والطهر ، فيحتمل أن تجعل طهراً بناءً على أنّ تلك الثلاثة هي وظيفة الشهر والحيض والمتيقّن، وهو اختيار الشهيد في البيان (5).

ص: 200


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 146: وانظر المبسوط، ج 1، ص 83 - 84 و 91.
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 215.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- البيان، ص 56 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12) .
5- البيان، ص 56 - 57 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

ويقوى رجوعها إلى الروايات السابقة، فلها جَعله عشرة أو سبعة أو ستّة؛ لصدق النسيان الموجب للحكم في حديث السنن، واختاره الشهيد(1) أيضاً.

ويحتمل أمرها بالاحتياط إلى تمام العشرة بالجمع بين التكاليف، وهو اختيار المصنّف (2).

(ولو ذكرت آخره فهو نهايتها) أي الثلاثة، فتجعلها حيضاً، والكلام في السبعة السابقة كما تقدّم.

(وتعمل في باقي الزمان) الزائد على الثلاثة في الصورتين (ما) أي العمل الذي (تعمله المستحاضة) بناءً على الاحتياط (وتغتسل لانقطاع الحيض في كلّ وقت محتمل) انقطاعه فيه . وهو في الصورة الأولى بعد انتهاء الثلاثة، وعند كلّ صلاة وفعل مشروط بالطهارة ؛ لأنّه محلّ وجوب الطهارة وإن كانت العبارة أشمل ؛ لأنّ كلّ وقت يحتمل الانقطاع وإن لم تحضر غاية مشروطة بالطهارة ؛ للإجماع على عدم وجوب غسل الحيض لنفسه، فيجب عليها خمسة أغسال للصلوات الخمس.

قيل: ولا تداخل هنا بين هذه الأغسال وما يجب للاستحاضة، فيجتمع عليها ثمانية أغسال مع كثرة الدم؛ لأنّ استمرار الحدث يمنع التداخل (3).

وفيه نظر، فإن قلنا به تخيّرت بين تقديم أيّهما شاءت، وكذا الوضوء.

والأصحّ تداخل الأغسال مطلقاً.

وعلى الأوّل تجب عليها المسارعة بين الصلاتين إلى الغسل الثاني، كما تجب عليها المسارعة إلى الوضوء لو كانت مستحاضةً، فإن أخلّت بها أُغتسلت للاستحاضة أيضاً.

ص: 201


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 202 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 319، ذيل المسألة 97 قواعد الأحكام، ج 1، ص 214: نهاية الإحكام، ج 1، ص 155 .
3- القائل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 304 .

ويجب عليها مع ذلك أن تترك تروك الحائض بناءً على القول بالاحتياط، فتجتمع عليها تكاليف الحائض والمستحاضة المنقطعة.

وفي الصورة الثانية - وهي مالو علمت آخره - إنّما تغتسل لانقطاع الحيض في آخره، لكن تجمع في السبعة السابقة بين تكليفي الحائض والمستحاضة دون المنقطعة لعدم الاحتمال.

وفي دخول هذه الصورة في قول المصنّف «وتغتسل في كلّ وقت محتمل» نوع من اللطف.

وعلى القول برجوعها إلى الروايات تضمّ إلى الثلاثة الأخيرة تمام ما اختارته منها متّصلاً بها.

ولو ذكرت وسطه خاصّة بالمعنى المعروف لغةً، وهو ما بين الطرفين، أي عرفت أثناء الحيض، فإن ذكرت يوماً واحداً حقّته بيومين حيضاً بيقين، وضمّت إلى الثلاثة تمام ما تأخذه من الروايات قبل المتيقّن أو بعده أو متفرّقاً.

وإن ذكرت يومين حقّتهما بيومين آخرين، فيتحقّق لها أربعة حيضاً وتضمّ إليها تمام الرواية. وعلى الاحتياط تكمل ما تحقّقته عشرة قبله أو بعده أو بالتفريق.

ولو ذكرت ثلاثة، كذلك تحقّقت خمسة، وأكملتها إحدى الروايات التي فوقها، أو عشرة على الاحتياط.

ولو ذكرت أربعة تحقّق لها ستّة واقتصرت عليها لو أكملتها، وهكذا.

ولو ذكرت الوسط بمعنى المحفوف بمتساويين، فإن كان يوماً فالحكم فيه ما تقدّم في اليوم غير أنّها لاتختار من الروايات زوجاً ليتحقّق تساوي الحافّ، بل تأخذ إمّا السبعة أو الثلاثة.

وعلى ما اختاره المصنّف من الاحتياط تضمّ إلى الثلاثة المتيقّنة ثلاثة أُخرى قبلها وثلاثة ،بعدها، وتكتفي بالتسعة؛ للعلم بانتفاء العاشر حينئذ.

وإن كان الذي ذكرته وسطاً يومين جعلت قبلهما يوماً وبعدهما يوماً، وليس لها أن

ص: 202

تختار من الروايات السبعةَ؛ لعدم إمكان كون اليومين وسطاً لها بالمعنى المذكور، بل إمّا الستّة فتجعل يوماً قبل الأربعة المتيقّنة ويوماً بعدها، أو العشرة فتجعل قبلها ثلاثة وبعدها ثلاثة، لكن في الشهر الثاني ليس لها الاقتصار على الثلاثة وإن كانت قسيمة العشرة؛ لتيقّنها الزيادة عليها فتقتصر على الأربعة. وعلى الاحتياط تعمل كما تقدّم في اختيار العشرة.

ولو علمته ثلاثة تحقّق لها خمسة، وتختار من الروايات السبعةَ خاصّة. وعلى الاحتياط تُكملها تسعة تجعل يومين قبلها ويومين بعدها.

ولو علمته أربعة تحقّق لها ستّة وحفّتها بأربعة إن اختارت رواية العشرة، فيستوي في الشهر الأوّل القول بالرواية والاحتياط، وفي الشهر الثاني كذلك على الاحتياط، وتقتصر على الستّة على الروايات.

وعلى القول بالاقتصار على الثلاثة في الصورة الأولى تقتصر في جميع هذه الصور على ماتيقّنته. ولو اختارت هذه رواية الستّة، اقتصرت على ماتيقّنته في الشهرين، وهكذا.

وهذه ثمان صور مكملة لما ذكره المصنّف من الصورتين يتمّ بها مع ما بعدها أقسام المسألة إن شاء الله تعالى، ولم أقف فيما قرّرته على كلام للأصحاب غير أنّ الأصول تقتضيه.

ولو ذكرت وقتاً فى الجملة فهو الحيض المتيقّن، فعلى الروايات تُكمله إحداها إن قصر عنها قبله أو بعده أو بالتفريق، وإن ساوى إحداها أو زاد اقتصرت عليه حسبما يتصوّر. وعلى الاحتياط تُكمله عشرة أو تجعله نهاية عشرة.

وهذا القسم إذا أُخذت فيه الأيّام كاملةً احتمل تسع صور. وإن لحظ فيه الكسر لم يتناه، وحكمه أجمع داخل فيما ذكرناه من العبارة.

واعلم أنّ كلّ عدد متأخّر عمّا تيقّنته في جميع الأقسام تجمع الأقسام تجمع فيه بين أفعال المستحاضة والمنقطعة مع تروك الحائض، وكلّ عدد متقدّم عليه لا يحتاج فيه إلى أفعال

ص: 203

المنقطعة، وهو واضح كلّ ذلك على القول بالاحتياط. وأنّ كلّ موضع أُمرت فيه بالعشرة أو برواية مشروط بعدم علمها بقصور عدد حيضها عنها، فلو علمت شيئاً عملت به، فلو تیقّنت قصوره عن العشرة اقتصرت على التسعة، وهكذا.

(وتقضي) ذاكرة الوقت خاصّة على القول بالاحتياط (صوم أحد عشر) يوماً من شهر رمضان لاحتمال الكسر ، وهو طروّ الحيض في أثناء اليوم، فيكمل في أثناء الحادي عشر ويفسد اليومان، إلّا أن تعلم عدم الكسر فتقتصر على قضاء عشرة، وعليه يحمل إطلاق الشيخ(1) بقضاء عشرة.

(ولو ذكرت) المضطربة (العدد خاصّة) فإن لم تعرف قدر الدور وابتداءه لم تخرج عن التخيير المطلق إلّا في نقصان العدد وزيادته عن الروايات كمالو قالت: كان حيضي سبعة لكن لا أعلم في كَم أضللتها، أو قالت ذلك ودوري ثلاثون لكن لا أعلم ابتداءه، أو قالت: دوري يبتدئ يوم كذا ولا أعرف قدره، ففي هذه الصور ترجع إلى الروايات؛ لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كلّ وقت.

وإن حفظت قدر الدور وابتداءه مع العدد، كمالو قالت: حيضي سبعة في كلّ شهر هلالي، فقدر العدد من أوّله لا يحتمل الانقطاع لكن يحتمل الحيض والطهر، وبعده يحتمل الثلاثة إلى آخر الدور إن كان الإضلال فيه أجمع. وإن تيقّنت سلامة بعضه، كالعشرة الأخيرة من الشهر مثلاً، حكمت بكونها طهراً، وجاء في العشرين مامرّ.

والمختار حينئذٍ عند المصنّف في غير هذا الكتاب(2) وجماعة(3) : اختصاص الحيض بالعدد، ولها تخصيصه كما تقدّم في ناسيتهما، وتجعل باقي الدور استحاضة.

وإن أمرناها بالاحتياط كما اختاره الشيخ (4)(عملت في كلّ وقت) من أوقات

ص: 204


1- انظر المبسوط ، ج 1، ص 93.
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 214؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 207، المسألة 148.
3- منهم: الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 19 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 304.
4- المبسوط، ج 1، ص 83.

الضلال (ما تعمله المستحاضة) وتركت تروك الحائض، ولزمها مع ذلك تكليف المنقطعة (و) هو أن (تغتسل للحيض في كلّ وقت يحتمل الانقطاع ) وهو مازاد من أوّل الدور؛ لعدم إمكان الانقطاع قبل انقضائه؛ لأنّ غايته الابتداء في أوّل الدور فينتهي على العدد.

والمراد بالاغتسال في كلّ وقت بعد ذلك الاغتسال لكلّ صلاة وعبادة مشروطة به، كما تقدّم.

(وتقضي) هذه (صوم عادتها )خاصة وهي العدد الذي حفظته إن علمت عدم الكسر، وإلّا لزمها قضاء يوم آخر.

(هذا) وهو لزوم الاحتياط في جميع الوقت وعدم تحقّق الحيض إنّما يتمّ (إن نقص العدد) الذي ذكرته (عن نصف الزمان) الذي أضلّته فيه، كما لو أضلّت سبعة في شهر (أو ساواه) كمالو أضلّت خمسة فى العشرة الأولى من الشهر (ولو زاد) العدد عن نصف الزمان (فالزائد وضعفه حيض) من وسط الزمان (كالخامس والسادس لوكان العدد) الذي أضلّته (ستّة في العشرة) الأولى من الشهر مثلاً؛ لاندراجهما حتماً تحت تقدير تقدّم الحيض وتأخّره وتوسّطه، ويبقى لها من العدد أربعة. فعلى القول بالتخيير تضمّها إلى الخامس والسادس متّصلة بهما متقدّمة أو متأخّرة أو بالتفريق. وعلى الاحتياط تجمع في الأربعة الأولى بين تكليف المستحاضة وتروك الحائض، وتزيد في الأربعة الأخيرة الاغتسال لكلّ صلاة وعبادة مشروطة بالطهارة.

ولو أضلّت خمسة في التسعة الأولى فالخامس خاصّة حيض؛ لأنّ العدد يزيد عن نصف الزمان بنصف يوم، فهو مع ضعفه يوم كامل حيض.

ولو أضلّت سبعة في العشرة فالمتحقّق حيضاً أربعة، وهو الرابع والسابع ومابينهما، وهكذا.

وهذه قاعدة كلّيّة ترجع إليها المسائل المعروفة بفروع الامتزاج، فلنذكر منها أمثلةً للتدرّب بها في تحصيل نظائرها؛ إذ لا حصر لها.

ص: 205

فلو ذكرت ذات العشرة مزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم، فقد أضلّتها في ثمانية عشر، فالزائد من العشرة عن نصفها - وهو يوم وضعفه - حيض في وسط وقت الضلال، وهو مابين السادس والخامس والعشرين، فالخامس عشر والسادس عشر حيض متيقّن، كما أنّ الستّة الأولى من الشهر والأخيرة طهر متيقّن، ويتعلّق احتمال الانقطاع بالسادس عشر والرابع والعشرين. فعلى الاحتياط تغتسل عليهما للحيض، وتجمع في الثمانية السابقة على اليومين واللاحقة لهما بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض. وعلى الاختيار تضمّ أيّ الثمانيتين شاءت إلى اليومين.

ولو علمت امتزاجهما بيومين فالرابع عشر والسابع عشر وما بينهما حيض متيقّن، لإضلال العشرة في ستّة عشر، وهي مابين السابع والرابع والعشرين، والسبعة الأولى والأخيرة طهر متيقّن والباقي مشكوك، واحتمال الانقطاع يتعلّق بالسابع عشر والثالث والعشرين، وقِس عليهما مزج مازاد.

ولو علمت أنّ الثاني عشر حيض فلا يقين بغيره؛ لإضلالها العشرة في تسعة عشر، وهي مابين الثاني والثاني والعشرين فالزائد عن نصفها - وهو نصف يوم وضعفه - حيض، فهو الثاني عشر، واحتمال الانقطاع يتعلّق بآخره إلى آخر وقت الضلال، والأوّلان والتسعة الأخيرة طهر متيقّن، والباقي محلّ الاحتياط.

ولو علمت مزج إحدى العشرات بيوم فلا يقين لها بالحيض لزيادة نصف الزمان على العدد، لكن يتحقّق طهر الأول والأخير، ويتعلّق احتمال الانقطاع بالحادي عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين والتاسع والعشرين.

ولو كان المزج بيومين فمثلهما طهر من أوّله وآخره والباقي مشكوك فيه، واحتمال الانقطاع تالي الحادي عشر والحادي والعشرين ومتلوّ الآخرين. وقِس عليهما مزج مازاد.

ولو مزجت ذات الخمسة إحدى العشرات بيوم فالستّة الأولى والأخيرة والخامس عشر والسادس عشر طهر متيقّن ولايقين بالحيض أيضاً، ويتعلّق احتمال الانقطاع

ص: 206

بالحادي عشر والرابع عشر والحادي والعشرين والرابع والعشرين، والباقي مشكوك فيه بين الطهر والحيض.

ومن فروع القاعدة: مالو علمت ذات الثمانية أنّ لها في كلّ شهر حيضتين، وملاحظة أقلّ الطهر بينهما توجب انحصار الثمانية الأولى في الاثني عشر الأولى والأخيرة في الأخيرة، وهي تزيد على نصفها بيومين، فالأربعة الوسطى من كل واحدة حيض بيقين، والطرفان مشكوك فيهما، وما بينهما من الشهر - وهو الستّة التي أوّلها الثالث عشر و آخرها الثامن عشر - طهر بيقين؛ لأنّه لا يمكن تأخّر الحيض الأوّل عن أوّل الخامس، الثالث والعشرين والمتيقن من الأولى من أوّل الخامس إلى آخر ولا تأخّر الثاني عن الثامن، وفي الثانية من الثالث والعشرين إلى السادس والعشرين، فالمتيقّن ثمانية، والضالّ ثمانية تضعها حيث شاءت ممّا لا يدخل في الطهر المتيقّن، وهو الأربعة الأولى والأخيرة ومن التاسع إلى آخر الثاني عشر ومن التاسع عشر إلى آخر الثاني والعشرين.

ورتِّب على هذه الفروع ما يرد عليك من نظائرها.

(وكلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض) سواء كان بصفة دم الحيض أم لا، كما صرّح به المصنِّفُ في غير هذا الكتاب(1) ،وغيرُه (2).

وقد تقدّم أنّ الصفرة والكدرة في أيام إمكان الحيض حيض، فلو رأت ثلاثة إلى العشرة ثمّ انقطع عشرة ثمّ رأت ثلاثة فهُما حيضان.

والإمكان إمّا باعتبار المرأة كالبلوغ وعدم اليأس، أو المدّة كعدم نقصه عن ثلاثة وعدم زيادته على عشرة، أو المحلّ كخروجه من الجانب الأيسر مع اعتباره مطلقاً أو عند الاشتباه بالقرحة، أو دوام الوقت كتوالي الثلاثة، أو الحال كعدم الحمل إن لم نقل

ص: 207


1- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 98، الرقم :230: تذكرة الفقهاء ، ج 1، ص 257، ذيل المسألة 83: قواعد الأحكام، ج 1، ص 213؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 287 ، نهاية الإحكام، ج 1، ص 118.
2- كالمحقق في المعتبر، ج 1، ص 203 .

بحيض الحامل، أو تأخّر الولادة عنه عشرة فصاعداً إن قلنا به؛ لاستحالة قصور الطهر عن أقلّه.

والنفاس كالحيض هنا، وكذا ما يتعقّب النفاس من الدم يعتبر في الحكم بكونه حيضاً مضيّ أقلّ الطهر، وقد نبّه عليهما المصنّف في النهاية(1) ، أو أوصاف الدم كالحمرة مع السواد حيث يتحقّق التمييز.

وإنّما يعتبر الإمكان بعد استقرار الحال فيما يتوقّف عليه، فلايرد النقض بيومي الاستحضهار مع عبور الدم العشرة، فإنّهما وإن أمكن كونهما حيضاً قبل التجاوز لكنّ الحكم فيهما موقوف على اعتبار التجاوز وعدمه. وكذا القول في أوّل رؤية الدم مع انقطاعه دون الثلاثة ونحوه.

ولا يخفى افتقار العبارة في تأدية ذلك إلى فضل تكلّف.

(ولو رأت) المرأة الدم (ثلاثة) أيام ( وانقطع ثمّ رأت) اليوم (العاشر خاصّة) بأن انقطع عليه وإن تجدّد بعد ذلك (فالعشرة حيض) سواء في ذلك المعتادةُ وغيرها.

وكذا الحكم لو انقطع على مادون العشرة بطريق أولى.

والضابط: أنّ كلّ دمين فصاعداً في العشرة تخلّلهما نقاء أو أكثر وحكم على الأوّل بكونه حيضاً فإنّ الجميع حيض.

وإن عبر الثاني العشرةَ فالحيضُ الأوّلُ خاصّة إن لم تكن ذات عادة أو كانت ولم يصادف الدم الثاني جزءاً منها، ولو صادف فجميع العادة حيض.

أمّا زمان الدمين؛ فظاهر .

وأمّا النقاء؛ فلكونه محفوفاً بدمي الحيض.

ولو تعدّد النقاء مع تجاوز أحد الدماء فما في العشرة (2)من الدماء المنقطعة والنقاء حيض.

ص: 208


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 117 .
2- في «م»: «العادة» بدل «العشرة».

(ويجب عليها الاستبراء) و هو طلب براءة الرحم من الدم (عند الانقطاع لدون العشرة) بأن تضع قطنةً وتصبر عليها ثمّ تنظر (فإن خرجت القطنة نقيّةً، فطاهر) تجري عليها الأحكام.

وفي رواية شرحبيل عن أبي عبد الله(علیه السلام) ، قال قلت: كيف تعرف الطامت طهرها؟ قال: «تعمد برِجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى فإن كان مثل رأس الذباب خرج على الكرسف»(1) .

وكلام المصنّف خالٍ عن الكيفيّة.

ويدلّ على إطلاقه رواية محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام)، قال: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنةً فإن خرج عليها شيء من الدم فلا تغتسل، وإن لم تر شيئاً فلتغتسل» (2).

ولا استظهار حينئذ، خلافاً لظاهر المختلف(3).

( وإلّا) أي وإن لم تخرج القطنة نقيّةً من الدم بأيّ لون اتّفق (صبرت المعتادة) عدداً ووقتاً أو عدداً خاصّة بعد عادتها (يومين) وهُما المعبَّر عنهما بيومَي الاستظهار، وهو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو طهراً.

ولها الاقتصار على يوم؛ لوجوده مع اليومين في خبر محمّد بن مسلم(4) وغيره(5) ، وفي بعضها «أو ثلاثة».

وفي خبر يونس بن يعقوب عن الصادق(علیه السلام): «تنتظر عادتها(6) ثمّ تستظهر بعشرة

ص: 209


1- الكافي، ج 3، ص 80، باب استبراء الحائض، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 161 ، ح 461.
2- الكافي، ج 3، ص 80، باب استبراء الحائض، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 161، ح 460.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 199. المسألة 144 .
4- أورده المحقق في المعتبر، ج 1، ص 215 نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171، ح 488؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 512. 6 . تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171 - 172، ح 489 و 490؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 513 و 514.
6- في المصدر: «عدتها».

أيام»(1)، والمراد إلى تمام العشرة، واختاره المرتضى(2) وابن الجنيد(3)، وقوّاه في الذكرى(4) مطلقاً.

وفي البيان مقيّداً بظنّها بقاء الحيض(5) ، وكأنّه يريد به ظنّ الانقطاع على العشرة، وإلّا فمع التجاوز ترجع ذات العادة إليها وإن ظنّت غيرها. ودلالة الأخبار على التخيير بين الجميع ظاهرة.

والاستظهار المذكور على سبيل الاستحباب عند الأكثر؛ لقوله(علیه السلام): «تحيّضي أيّام أقرائك»(6) ومفهومه الصلاة بعدها.

وأوضح منه دلالةً خبر ابن أبي يعفور عن الصادق(علیه السلام): «المستحاضة إذا مضى أيّام

أقرائها اغتسلت»(7) ، وغيرهما من الأخبار الدالّة على الإذن في العبادة بعد العادة.

ولا فرق في الاستظهار والرجوع إلى العادة بين تقدّمها وتأخّرها أو أن ترى قبلها وبعدها .وفيها.

والتقييد بالمعتادة يقتضي عدم استظهار المبتدئة والمضطربة إذا لم ينقطع دمهما على العدد الذي تحيّضتا به.

وصرّح الشهيد في الدروس باستظهارهما(8) ، وفي الذكرى باستظهار المبتدئة بيوم(9) ؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام)(10).

ص: 210


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 402، ح 1259؛ الاستبصار، ج 1، ص 149، ح 516.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 214.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 202، المسألة 145.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 185 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- البيان، ص 56 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12 ).
6- أورده المحقق في المعتبر، ج 1، ص 122.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 402، ح .1258 .
8- الدروس الشرعية، ج 1، ص 18 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
9- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 186 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
10- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 401، ح 1252؛ الاستبصار، ج 1، ص 138، ح 472.

( ثم) بعد الاستظهار المذكور (تغتسل وتصوم) وتتعبّد (فإن انقطع) الدم (على العاشر) تبيّن أنّ الجميع حيض، وأنّ ما عملته في أيّام الاستظهار موافق للواقع ،و ما فَعَلَته بعد الاستظهار باطل لوقوعه في الحيض، لكن لا حرج عليها فيما فَعَلَته من صلاة وصوم و وقاع؛ للإذن فيه ظاهراً.

و (قضت ماصامت) من العشرة بعد الاستظهار ( وإلّا) أي وإن لم ينقطع على العاشر (فلا) قضاء لما صامت؛ لتبيّن وقوعه في الطهر. ولاريب في قضاء صوم أيّام الاستظهار؛ لوجوبه على تقديري الحيض والطهر، وكذا صلاته على المشهور؛ لظهور طهر مازاد على العادة وجواز تركها ارتفاقاً من الشارع بحالها لاحتمال الحيض لا يمنع من وجوب القضاء إذا تبيّن فساد الاحتمال بعبور العشرة ، ولعموم «مَنْ فاته صلاة»(1).

ونقل عن المصنّف أنّه أفتى في المنتهى بعدم الوجوب(2) - وجَعَلُه احتمالاً في النهاية(3) - لأنّها مأمورة بالترك إمّا وجوباً أو استحباباً، فلا يتعقّب القضاء.

وقد عرفت جوابه، ولأنّ وجوب القضاء لا يتبع وجوب الأداء، وإنّما يجب بأمرٍ جديد وهو موجود هنا.

هذا حكم المعتادة (و) أمّا (المبتدئة) فإنّها (تصبر حتّى تنقى أو تمضي العشرة) فإذا مضت ولم ينقطع رجعت حينئذٍ إلى التمييز ثمّ إلى ما بعده، فتقضي العبادة على وفق ما قُرّر لها.

هذا في الشهر الأوّل، وفي الثاني إن وجدت تمييزاً عملت به وإن كانت في الأوّل قد أخذت بما بعده؛ لعدمه.

فلو رأت في الأوّل أحمر وعبر العشرة فرجعت إلى نسائها وأخذت السبعة مثلاً وفي الشهر الثاني رأت خمسةً سواداً ثمّ أحمر وعبر العشرة، أخذت الخمسة؛ عملاً

ص: 211


1- أورده المحقق في المعتبر، ج 2، ص 406.
2- لم نعثر على الحاكي عنه، وفي منتهى المطلب، ج 2، ص 321 استوجه القضاء.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 123، واستشكل فيها في وجوب القضاء.

بالتمييز. وإن فقدته اغتسلت وتعبدّت بعد تمام العدد المأخوذ المستفاد من عادة نساء أو رواية. ثمّ إن عبر العشرة ظهر صحّة عملها وقعودها، وان انقطع عليها تبيّن أنّ الجميع حيض، فتقضي ماصامت كالمعتادة، وظهر بطلان الغسل، ولا إثم في الصلاة والصوم والوقاع بعد الغسل كمامرّ، وكذا القول فيما بعده من الأدوار.

وأمّا المضطربة ، فتغتسل بعدما تأخذه من الروايات مع عدم التمييز، ويجيء عند انقطاعه على العشرة ماذُكر. وقد تقدّم(1) اختيار الشهيد (رحمه الله) استظهارهما - كالمعتادة - بعد العدد المأخوذ.

(ولو(2) رأت) ذات العادة الدم في (العادة و) في (الطرفين) قبلها وبعدها (أو) رأته في العادة وفي (أحدهما ولم يتجاوز) الجميع عشرة أيّام (فالجميع) وهو العادة و ماقبلها وما بعدها (حيض) لإمكانه، ولأنّ كلّ دم ينقطع على العشرة فمادون لا يفرق فيه بين المعتادة وغيرها في الحكم بكونه حيضاً (وإلّا) أي وإن تجاوز العشرة (فالعادة) حيض دون الطرفين؛ لما تقدّم من أنّ الدم متى تجاوز العشرة رجعت ذات العادة إليها.

ولا فرق في اختصاص العادة بالحيض بين إمكان ضميمة الطرف الأوّل إليها وعدمه؛ لما تقدّم، ولاستواء نسبة الطرفين إلى العادة، فضمّ الأوّل إليها خاصّةً ترجيح من غير مرجّح.

ولا يقال: إنّ المرجّح هو قولهم: كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، وضميمة الأوّل إذا لم يستلزم عبور العشرة منه؛ لأنّ ذلك مقيّد بعدم عبوره العشرة، وإلّا لوجب الحكم بالعشرة مع العبور مطلقاً؛ للإمكان بهذا المعنى.

واعلم أنّه مع رؤية المعتادة الدم قبل العادة - كماهو المفروض هنا - هل تترك العبادة بمجرّد رؤيته، أم يجب الصبر إلى مضيّ ثلاثة أو وصول العادة؟ يبنى على

ص: 212


1- في ص 210 ، الهامش 8 .
2- في إرشاد الأذهان، ج 1، ص 227: «وقد تتقدم العادة وتتأخر، فلو».

إيجاب الاحتياط بالثلاثة على المبتدئة والمضطربة، وعدمه، فإن لم نوجبه عليهما - كماهو اختيار المصنّف في المختلف(1) - لم يجب عليها بطريق أولى، وإن أوجبناه _كما اختاره المرتضى(2) وابن الجنيد (3)والمحقّق في المعتبر(4) - احتمل إلحاقها بهما؛ لأنّ تقدّمه على العادة الملحقة بالأمور الجبليّة يوجب الشكّ في كونه حيضاً، فتكون فيما سبق على أيّام العادة كمعتادة العدد -مضطربةَ الوقت.

ولظاهر قول الصادق (علیه السلام): «إذا رأت الدم أيّام حيضها تركت الصلاة»(5) إذ الظاهر أنّ المراد بأيّام حيضها العادة.

ومثله قوله (علیه السلام): «المرأة ترى الصفرة أيّام حيضها فلا تصلّي»(6).

ويحتمل قوياً عدمه؛ لصدق الاعتياد عليها، ولأنّ العادة تتقدّم وتتأخّر.

ولعموم رواية منصور بن حازم عنه(علیه السلام) : «أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر»(7) ومثله خبر محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام): «تفطر إنما فطرها من الدم»(8) .

وهذان الحديثان كما يشملانها يشملان المبتدئة والمضطربة، والخبران الأوّلان لا ينافيانهما ؛ لما تقدّم من اختيار أنّ المراد بأيّام الحيض أيّام إمكانه.

وأجاب في المعتبر بأنّ الحكم بالإفطار عند الدم مطلقاً غير مراد، فيصرف إلى المعهود وهو دم الحيض، ولا يحكم بكونه حيضاً إلّا إذا كان في العادة، فيحمل على ذلك(9) .

ص: 213


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 197 - 198 ، المسألة 143.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 213 .
3- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 186 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- المعتبر، ج 1، ص 213 .
5- الكافي، ج 3، ص 76 ، باب أدنى الحيض .... 5: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 157 - 158 ، ح 452 .
6- الكافي، ج 3، ص 78، باب المرأة ترى الصفرة .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1230.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 394 ، ح 1218؛ الاستبصار، ج 1، ص 146، ح 499.
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 153 ، ح 435 .
9- المعتبر، ج 1، ص 214.

وفيه منع؛ لأنّ اللام مع عدم سبق عهدٍ لها تُحمل على الجنسيّة أو الاستغراق، وكلاهما محصّل للمدّعى. ولو فرض خروج بعض الأفراد بنصّ خاصّ بقي الاستغراق حجّةً على الباقى. ولو سلّم حملها على العهد لم يضرّنا؛ لأنّ المراد به ما يمكن كونه حيضاً، لا ما تحقّق كونه حيضاً؛ للقطع بأنّ تحقّق الحيض لا يتّفق في أوّل رؤية الدم - كماهو المفروض في الرواية - وإن كان في أيّام العادة؛ لإمكان انقطاعه قبل الثلاثة، وإمكان الحيض مشترك بين المعتادة وغيرها.

و اختار الشهيد في البيان عدم وجوب الاحتياط على المضطربة إذا ظنّت الدم حيضاً، وحمل عليه رواية إسحاق بن عمّار(1) عن الصادق (علیه السلام)في المرأة ترى الصفرة: «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض »(2)(3).

وهو عجيب؛ فإنّ المضطربة ليس لها أيّام للحيض حتّى يسبقها الدم المذكور بيومين، بل هو دالّ على ما قدّمناه من رؤية المعتادة الدم قبل عادتها إلّا أنّه لا يدلّ على حكم مازاد على اليومين.

ويمكن أن يقال: جواز ترك العبادة قبل العادة بيومين يستلزم جوازه مطلقاً؛ لانحصار الخلاف في المنع مطلقاً، فالتقييد باليومين إحداث قول ثالث.

(ويجب) عليها (الغسل عند الانقطاع) وجوباً مشروطاً بوجوب مالايتمّ إلّا به، كالصلاة والطواف؛ للإجماع على وجوب هذا الغسل لغيره.

وإنّما علّق الوجوب على الانقطاع؛ لأنّه وقت تمام السبب، فأطلق الوجوب عند حصوله وإن كان وجوب المسبّب معلّقاً على الشرط ، كما تقول: يجب على الحائض القضاء وإن كان لا يتحقّق إلّا مع الطهر.

وكيفيّته (كغسل الجنابة) ترتيباً وارتماساً فتلحقه أحكامهما، لكن لابدّ معه من

ص: 214


1- في المصدر : إسحاق بن عمار عن أبي بصير.
2- الكافي، ج 3، ص 78، باب المرأة ترى الصفرة .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 396، ح 1231.
3- البيان، ص 60 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).

الوضوء سابقاً على الغسل أو لاحقاً له، والأوّل أفضل. وتتخيّر بين الرفع والاستباحة فيهما في الحالين.

( ويحرم عليها) في زمان رؤية الدم فعل (كلّ مشروط بالطهارة، كالصلاة) الواجبة والمندوبة (والطواف) الواجب دون المندوب، خلافاً للمصنّف في النهاية (1)،كما تقدّم.

(و) كذا يحرم عليها (مسّ كتابة القرآن) لقوله تعالى: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(2)وهو خبر معناه النهي.

وفي معناه اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمّة(علیهم السلام) وفاطمة(سلام الله علیهما) ، كما تقدّم.

(ولا يصحّ منها الصوم) في زمان رؤية الدم أيضاً؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا حاضت المرأة لم تصلّ ولم تصم»(3).

وإنّما غيّر الأسلوب في الصوم من التحريم إلى عدم الصحّة لينبّه على اختلاف حكم الثلاثة المتقدّمة وحكم الصوم؛ فإنّ مشروطيّتها بالطهارة أقوى منه ؛ للإجماع على عدم صحّتها بعد النقاء قبل الغسل، والخلاف فيه. وكذا القول في تحريم طلاقها.

(و) كذا (لايصحّ طلاقها) في زمان رؤية الدم (مع الدخول) بها (وحضور الزوج) عندها (أو حكمه) أي حكم الحضور، وهو قربه منها بحيث يمكنه استعلام حالها أو غيبته عنها من دون أن يعلم انتقالها من الطهر الذي فارقها فيه إلى غيره بحسب عادتها الغالبة، فغير المدخول بها يصحّ طلاقها في حال الحيض، وكذا مَنْ غاب عنها زوجها مع العلم المذكور، أو كان في حكم الغائب، وهو القريب منها مع عدم إمكان استعلام حالها له، كالمحبوس

ولا تقدير للغيبة المجوّزة للطلاق شرعاً فيرجع فيها إلى العرف؛ لأنّه المرجع عند

ص: 215


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 118 و 120.
2- الواقعة (56): 79 .
3- أورده العلامة في نهاية الإحكام، ج 1، ص 119.

تعذّر الحقيقة الشرعيّة. وتقريبه: كلّ من ليس من شأنه الاطّلاع على أحوالها عادةً؛ لبُعد المنزل أو حكمه.

وينبغي مراعاة الاحتياط في مواضع الاشتباه؛ حفظاً لحرمة الفروج والأنساب.

ويشترط أيضاً في عدم صحّة طلاقها انتفاء حملها، فلوكانت حاملاً صحّ طلاقها وإن كانت حائضاً بناءً على إمكان اجتماعهما، وسيأتي في باب الطلاق وجه ذلك كلّه.

( ويحرم) عليها (اللبث) - بفتح اللام وسكون الباء - (في المساجد) وهو المكث مُثلَّت الميم.

وهذا في غير المسجدين الحرمين، وفيهما يحرم الدخول مطلقاً، رواه محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) (1).

والذي دلّت عليه الأخبار - كخبر محمّد بن مسلم(2) - وظاهر الآية(3) الإذن في الاجتياز وعبور السبيل، وهُما يقتضيان المرور من أحد بابي المسجد إلى الآخر.

ويلحق باللبث الترددُ في جوانب المسجد؛ لأنّ التردّد في غير جهة الخروج كاللبث، كما نبّه عليه المصنّف في النهاية(4) .

ولا فرق في الجواز بين أن يكون لها سبيل إلى المقصد غير المسجد أو لا يكون؛ للعموم، كما في الجنب؛ لاشتراكهما في الحدث ودليل المنع والإباحة.

ويحرم عليها وضع شيء في المساجد أيضاً كالجنب، رواه زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ قال: «لأنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه»(5).

ص: 216


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 371، ح 1132.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 371، ح 1132 .
3- النساء (4): 43 .
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 103.
5- الكافي، ج 3، ص 106 - 107، باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 397 ح 1233.

وعدَّ سلّار اللبثَ في المساجد للجنب والحائض ووضع شيء فيها ممّا يستحبّ تركه(1) ، ولم يفرّق بين المسجدين وغيرهما.

ويدفعه النصّ والإجماع.

(و) كذا يحرم عليها (قراءة العزائم) الأربع وأبعاضها للنصّ والإجماع.

ولو فرض منها تلاوة إحداها وجب عليها السجود وإن أثمت كما أشار إليه بقوله: (وتسجد) وهو خبر معناه الأمر بالسجود (لو تلت) إحدى السجدات (أو استمعت) لمن يقرؤها. ولا تحريم فيه. والمراد بالاستماع الإصغاء. وكذا تسجد لو سمعت السجدة من غير قصد؛ لاشتراك الجميع في المقتضي، وعدم صلاحيّة الحيض للمانعيّة.

أمّا الأوّل: فلما روي - في الصحيح روي - في الصحيح - عن الباقر(علیه السلام) حيث سُئل عن

الطامت تسمع السجدة، قال: «إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها»(2).

ولمارواه أبو بصير عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي»(3).

وأمّا الثاني: فلأنّ احتمال المنع إنّما نشأ من كون السجود جزءاً من الصلاة المشترطة بالطهارة، كما هو حجّة الشيخ على عدم السجود(4). وهو ممنوع؛ لأنّ المساواة في الهيئة لا تقتضي المشاركة في الشرائط . ولأنّ اشتراط المجموع بشيء لا يقتضي اشتراط الأجزاء بذلك.

وما ورد من قوله(علیه السلام) في خبر عبدالرحمن في الحائض: «تقرأ ولا تسجد»(5)محمول على السجدات المستحبّة؛ بدليل قوله(علیه السلام)«تقرأ» فلا يصلح حجّةً للشيخ.

ص: 217


1- المراسم، ص 42.
2- الكافي، ج 3، ص 106، باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 129، ح 353 الاستبصار، ج 1، ص 115، ح 385 .
3- الكافي، ج 3، ص 318 باب عزائم السجود، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 291، ج 1171.
4- النهاية، ص 25 .
5- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 292، ح 1172؛ الاستبصار، ج 1، ص 320، ح 1193، وفيه: «لا تقرأ...».

وإنّما ترك مسألة السماع؛ لأنّ بحثه عن الوجوب؛ لدلالة ظاهر الأمر عليه، والسماع لا يوجب السجود عنده. ولأنّ القصد التنبيه على خلاف الشيخ (رحمه الله).

وقال الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته: إنّ المصنّف إنّما ترك السماع؛ لأنّه مدلول عليه بالالتزام.

وفي تحقيق اللزوم نظر.

واعلم أنّ هذه الأمور المحرّمة عليها ليست غاية زوال التحريم فيها واحدةً، بل منه ما غايته الطهارة، كالصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن ودخول المساجد وقراءة العزائم، ومنه ما غايته انقطاع الدم كالطلاق؛ فإنّ تحريمه مرتفع(1) بالنقاء وإن لم تغتسل، ومنه ما اختلف في إلحاقه بأحد القسمين وهو الصوم، فالمشهور إلحاقه بالصلاة، فلايصحّ الصوم بدون الغسل وإن لم يتوقّف على الوضوء.

واختار المصنّف في النهاية - تبعاً لابن أبي عقيل(2) - انتهاء غاية التحريم فيه إلى النقاء وإن لم تغتسل(3) ، ولم يذكر في النهاية عليه دليلاً، لكنّه مذهب العامّة، وهو بأصولهم أشبه؛ لعدم اشتراط الطهارة في الصوم عندهم؛ لصحّته من الجنب، والترجيح مع المشهور بأمور:

أحدها أنّ الحيض مانع من الصوم في الجملة، فيستصحب حكم المنع إلى أن يحصل المنافي له شرعاً باليقين، وهو غير حاصل قبل الغسل ؛ لعدم الدليل الصالح على ذلك.

ولا يعارض بأنّ عموم الأوامر بالصوم يدخل المتنازع، ولا يخصّ إلّا بدليل، وليس المتنازع كذلك؛ لأنّ الحائض قد خرجت من عموم الأوامر بحصول الدم المحكوم يكونه حيضاً، فلا تعود حتى يتحقّق ارتفاع المانع، وهو إنّما يتمّ بالغسل.

ص: 218


1- في «م»: « يرتفع».
2- انظر مختلف الشيعة، ج 3، ص 278 - 279 ، المسألة 29 .
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 119 .

وثانيها: أنّ الصوم من الحائض غير صحيح قطعاً والوصف ثابت بعد النقاء بل و بعد الغسل؛ لما تقرّر في الأصول من أنّه لا يشترط لصدق الاشتقاق بقاء المعنى المشتقّ منه، لكن خرج من ذلك ما أخرجه الدليل، وهو ما بعد الغسل، فيبقى الباقي على أصله.

وثالثها: أنّ المستحاضة الكثيرة الدم لا يصحّ صومها بدون الغسل إجماعاً مع أنّها أخفّ حدثاً من الحائض قطعاً، فعدم صحّة صوم الحائض قبله أولى.

وليس هذا من باب القياس الممنوع بل من باب مفهوم الموافقة.

وكذا القول في النفساء بعد النقاء بتقريب الدليل.

(ويحرم على زوجها وطؤها) قبلاً في زمان الدم بإجماع المسلمين حتّى أنّ مستحلّه كافر مرتدّ؛ لإنكاره ماعُلم من الدين ضرورةً، فتجري عليه أحكامه ما لم يدّع شبهةً ممكنة في حقّه، كقُرب عهده من الإسلام ونشوئه في بادية بعيدة عن العلم بمعالم الدين.

ولو كان غير مستحلّ، فإن كان عالماً بالحيض والتحريم فَعَل محرَّماً (فيعزّر ) - كما في كلّ فاعل محرَّم عالم به - بما يراه الحاكم.

ونقل عن أبي عليّ ابن الشيخ أبي جعفر تقديره بثُمن حدّ الزانى(1) . ولا نعلم المأخذ، فالمرجع فيه إلى رأي الحاكم كما في غيره من التعزيرات غير المنصوصة.

ولو جهل الحيض أو التحريم أو نسيهما فلا شيء عليه؛ لرفع حكم الخطأ والنسيان.

ويجب القبول من المرأة لو أخبرت بالحيض إن لم تتّهم بتضييع حقّه؛ لقوله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ )(2) الآية، ولولا وجوب القبول لما ظهر لتحريم الكتمان فائدة.

ولو اشتبه الحال، فإن كان لتحيّرها، فقد تقدّم حكمه. وإن كان لغلبة ظنّه بكذبها فقد أوجب المصنّف في النهاية ،والمنتهى والشهيد في الذكرى الامتناع(3). وفيه نظر.

ص: 219


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 320.
2- البقرة (2) :228 .
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 122؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 393؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 224 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 5).

ولو اتّفق الحيض في أثناء الوطء وجب التخلّص منه في الحال، فإن استدام فكالمبتدئ.

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فيجب عليها الامتناع بحسب الإمكان، فتعزّر أيضاً مع المطاوعة لكن لا كفّارة عليها إجماعاً. ولأصالة البراءة، وعصمة المال.

(و) هل يجب عليه مع ذلك كفّارة؟ قيل : لا ، بل (تُستحبّ الكفّارة) كما اختاره المصنّف والشيخ في النهاية (1)، وجماعة من المتأخّرين(2).

والمشهور خصوصاً بين المتقدّمين - كالمفيد والمرتضى وابن بابويه(3) وغيرهم(4) ؛ -: الوجوب حتّى ادّعى الشيخ فيه الإجماع(5) .

ومنشا القولين من اختلاف الروايات.

فالأوّل استند مع أصالة البراءة إلى مارواه الشيخ - في الصحيح - عن عيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل واقع امرأته وهي طامث، قال: «لا يلتمس فعل ذلك، قدنهى الله أن يقربها» قلت: فإن فعل عليه كفّارة؟ قال: «لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله تعالى» (6)وهذا الخبر دالّ على عدم الكفّارة بأبلغ وجه؛ لأنّ مالا يعلم الإمام وجوبه لا يكون واجباً، وإلّا لعلمه؛ لامتناع أن يخفى عليه شيء من الأحكام والحال أنّه حافظ للشرع، وإلى غيره من الأخبار الدالّة على عدم الكفّارة صريحاً مع صحّة سندها.

واستند الثاني إلى روايات ضعيفة الإسناد مختلفة التقدير، موجبة على تقدير دلالتها على الوجوب لتأخّر البيان عن وقت الحاجة، فحملها على الاستحباب أوجَه،

ص: 220


1- النهاية، ص 26.
2- منهم: المحقق في المعتبر، ج 1، ص 229 و 231؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 321 .
3- المقنعة، ص 55؛ الانتصار، ص 126، المسألة 26؛ الفقيه، ج 1، ص 96، ذيل الحديث 199.
4- كالقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 35؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 144؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 58 .
5- الخلاف، ج 1، ص 226، المسألة 194.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164 ، ح 472؛ الاستبصار، ج 1، ص 134، ح 460.

فإنّ اختلاف التقادير في المستحبّ واقع ك_«تصدّقوا بتمرة» و «بشقّ تمرة» و «بصاع» و «بنصف صاع» ولا ريب أنّ الاحتياط طريق اليقين ببراءة الذمّة.

وعلى تقديري الوجوب والاستحباب فالكفّارة في الوطء (في أوّله) وهو ثلثه الأوّل على المختار، كالأوّل لذات الثلاثة ( بدينار) أي مثقال ذهباً خالصاً مضروباً كانت قيمته في زمانه(صلی الله علیه و آله و سلم) عشرة دراهم، فلا تجزئ القيمة ولا التبر؛ لعدم تناول النصّ لهما، كباقي الكفّارات.

ولو طرأ نقصان قيمته أو زيادتها على ماكان في عهده(صلی الله علیه و آله و سلم) كهذا الزمان احتمل بقاء حكم القيمة واعتبار الدينار بالغاً ما بلغ.

وفي الذكرى نسب تقديره بعشرة دراهم إلى الشيخين(1) ، وهو يشعر بتوقّفه فيه وأن يراد به المثقال

(و) مع الوطء (في أوسطه) وهو الثلث الأوسط، كالثاني لذات الثلاثة (بنصفه) أي بنصف الدينار، كما تقدّم.

(و) مع الوطء (في آخره) وهو الثلث الأخير (بربعه).

ومستند التفصيل رواية داود بن فرقد - المرسلة - عن أبي عبد الله(علیه السلام)(2)، ولا رادّ لها

ولا معارض.

وحيث كان الاعتبار في الأوّل والأوسط والأخير بالعادة فتختلف باختلافها، فالأوّل لذات الثلاثة اليومُ الأوّل، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني، ولذات الخمسة هو مع ثلثيه ، ولذات الستّة اليومان الأوّلان، وعلى هذا القياس ومثله الأوسط والأخير.

وقال سلّار: الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة(3).

ص: 221


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 225 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) وانظر المقنعة، ص 55؛ والنهاية، ص 26.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164 ، ح 471: الاستبصار، ج 1، ص 134، ح 459.
3- المراسم، ص 44.

واعتبر الراوندي العشرة دون العادة(1) .

وعليهما قد يخلو بعض العادات عن الوسط والآخر، ورجوع الضمير في قوله(علیه السلام) :« يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار»(2) إلى الحيض من غير تفصيل يدفعهما، مع ندورهما.

والنفساء في ذلك كالحائض غير أنّه قد يمكن اجتماع زمانين أو ثلاثة في وطء واحد بالنسبة إلى النفساء، وحينئذٍ فيحتمل تعدّد الكفّارة؛ لصدق الأزمنة لغةً، واختاره الشهيد في الذكرى(3)، واحتمله في البيان(4) . وعدمُه؛ لعدم صدقها عرفاً، وهو مقدّم على اللغة مع أصالة البراءة.

وفي شهادة العرف بذلك نظر، ولوتمّ لم يكن بُدُّ من القول به لتقدّمه عليها.

ومصرف هذه الكفّارة الفقراء والمساكين من أهل الإيمان، ولا يجب التعدّد فيكفي الواحد.

ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، الحرّة والأمة؛ للعموم.

وهل تلحقها الأجنبيّة المشتبهة أو المزنيّ بها؟ وجهان منشؤهما استلزام ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى، وعدم النصّ، مع احتمال كون الكفّارة مسقطةً للذنب، فلا تتعدّى إلى الأقوى.

واختار الأوّل المصنّف والشهيد (رحمهما الله)(5).

ويشهد له أيضاً رواية أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) : «مَنْ أتى حائضاً»(6) حيث علّق الحكم على المطلق من غير تقييد، فكان كالعامّ.

ولو كانت الحائض الموطوءة أمتَه تصدّق بثلاثة أمداد من طعام على ما اختاره

ص: 222


1- فقه القرآن، ج 1، ص 54.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164 ، ح 471؛ الاستبصار، ج 1، ص 134، ح 459.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 225 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- البيان، ص 63 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 122؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 225 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 163 ، ح 468؛ الاستبصار، ج 1، ص 133، ح 456.

المصنّف(1) تبعاً للشيخ في النهاية والصدوق(2) وجوباً أو استحباباً. والمستند رواية(3) لا تنهض بحّجّية المدّعى.

ولا فرق حينئذٍ بين أوّل الحيض وأوسطه وآخره؛ لإطلاق الرواية والفتوى، ولا بين الأمة القِنّة والمدبَّرة وأمّ الولد والمزوّجة وإن حرم الوطء.

وفي المكاتبة المشروطة والمطلقة وجهان مبنيّان على الأجنبيّة، وأولى بالوجوب.

أمّا المعتق بعضها فكالأجنبيّة، مع احتمال التقسيط وإعطاء كلّ من الجهتين حكمها.

فرع: لو كرّر الوطء، ففي تكرّر الكفّارة مطلقاً أو عدمه مطلقاً أو تكرّرها مع اختلاف الزمان أو سبق التكفير لا بدونهما أقوال، اختار أوّلها الشهيد في مختصريه(4).

ويشهد له كون كلّ وطء سبباً في الوجوب، وتداخل الأسباب على خلاف الأصل، وإنّما الأصل أنّ اختلاف الأسباب يوجب اختلاف المسبّبات، وعلى هذا فيصدق تكرّر الوطء بالإدخال بعد النزع في وقت واحد. ويتحقّق الإدخال بغيبوبة الحشفة؛ لأنّه مناط الوطء شرعاً.

واستند ابن إدريس في عدم التكرّر مطلقاً إلى أصالة براءة الذمّة، فشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دلالة شرعيّة، واستشهد عليه بعدم تكرّر الكفّارة على مَنْ كرّر الأكل في شهر رمضان اتّفاقاً(5).

وقد عرفت جواب الاستدلال بالبراءة؛ فإنّ تعليق الحكم في النصوص على الوطء وجَعله سبباً أوجب شغل الذمّة، فمدّعي التداخل يحتاج إلى الدليل.

والقياس على تكرّر الأكل في الصوم إن كان مع تكرّر الأيّام، فالاتّفاق على عدم التكرّر فيه ممنوع، بل المختار فيه التكرّر .

ص: 223


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 122 .
2- النهاية، ص 571 - 572: المقنع، ص 52: الفقيه، ج 1، ص 96، ذيل الحديث 200.
3- انظر تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164 ، ح 470: والاستبصار، ج 1، ص 133، ح 458.
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 21؛ البيان، ص 59 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12).
5- السرائر، ج 1، ص 144 و 145.

وإن عنى به مع اتّحاد اليوم فهو أخصّ من الدعوى، مع أنّه عين المتنازع. وإن لم يكن عليه إجماع فالمختار فيه كما هنا.

والثالث اختيار المصنّف(1) والشهيد في الذكرى(2) ؛ استناداً مع تغاير الوقت إلى أنّهما فعلان مختلفان في الحكم فلايتداخلان، كغيرهما من العقوبات المختلفة على الأفعال المختلفة. ومع تخلّل التكفير إلى أنّ الكفّارة إنّما تجب أو تستحبّ بعد موجب العقوبة، فلاتؤثّر المتقدّمة في إسقاط ما يتعلّق بالفعل المتأخّر. وفي عدم التكرّر مع عدم الأمرين إلى أنّ الكفّارة متعلّقة على الوطء من حيث هو هو، وكما يصدق في الواحد يصدق في المتعدّد فيكون الجزاء واحداً.

وجوابه: أمّا عن الأوّل؛ فيمنع أنّ عدم التداخل ثَّمَّ معلّل باختلافها في الحكم. والاستشهاد بالعقوبات قياس لا نقول به، بل الوجه في ذلك إنما هو کون تداخل الأسباب على خلاف الأصل، وهو ثابت مع اتّفاق الحكم. ومثله القول في تعليل الثاني.

وعن الثالث، بأنّه لو تمّ للزم مثله مع تغاير الوقت، فإنّ وجوب الكفّارة إن كان معلقاً على الوطء من حيث هو هو بحيث لا مدخل للأفراد، لم يؤثّر في ذلك تغاير الوقت على وجه يقتضي التعدّد. ثم يمكن القول بموجب دليله وسوقه على وجه يستلزم التعدّد مطلقاً بأن يقال: الكفّارة مسبّبة عن الوطء، وصدقه في المتعدّد كصدقه في كلّ واحد من آحاده فيتكرّر السبب، والأصل فيه عدم التداخل، فقد ظهر أنّ القول الأوّل أوجَه. ومثله القول في تكرّر الإفطار في شهر رمضان مطلقاً.

( ويكره) وطء الحائض (بعد انقطاعه) سواء كان في زمان العادة أم لا (قبل الغسل) من غير تحريم على أشهر القولين؛ لدلالة القرآن والأخبار عليه.

ص: 224


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 122 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 224 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

أمّا الأوّل: فقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(1).

والاستدلال به على وجهين

أحدهما: دلالة صدر الآية على اختصاص النهي بزمان المحيض أو بمكانه؛ فإنّ المحيض إمّا بمعنى الزمان أو المكان، كالمجيء والمبيت، أو أنّه مصدر يقدّر معه الزمان أو المكان، وإنّما يكون كذلك مع وجود الدم، والتقدير عدمه، فينتفي التحريم.

والثاني: جَعله سبحانه غاية التحريم خروجهنّ من الحيض بقوله: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بالتخفيف، كماقرأ به السبعة(2)، أي يخرجن من الحيض، يقال: طهرت المرأة، إذا انقطع حيضها، فيثبت الحلّ بعده بمقتضى الغاية.

ولا يعارض بقراءة التضعيف؛ حيث إنّ ظاهرها اعتبار التطهير، أعني الاغتسال؛ لإمكان حملها على الطهر توفيقاً بين القراءتين، فقد جاء في كلامهم «تفعّل» بمعنى «فعل» مثل: تطعّمت الطعام وطعمته، وقطعت الحبل فتقطّع، وكسرت الكوز فتكسّر، فإنّ الثقيل في هذه الأمثلة بمعنى الخفيف. ومثله «المتكبّر » في أسماء الله تعالى، فإنّه بمعنى الكبير، أو تُحمل قراءة التضعيف على الاستحباب صوناً للقراءتين عن التنافي، كما ذكره في المعتبر (3).

ولا يعارض أيضاً بمفهوم الشرط في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ)(4) ، لأنّ غايته تعارض مفهوم الغاية والشرط فيتساقطان ويرجع إلى حكم الأصل - وهو الحلّ - حتّى

ص: 225


1- البقرة (2): 222 .
2- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 333 . والقُرّاء السبعة هُمْ: حمزة بن حبيب الزيات، وعاصم بن أبي النجود، وعلي بن حمزة الكسائي من الكوفة وأبو عمرو بن العلاء، من البصرة وابن عامر من الشام ونافع بن عبدالرحمن من المدينة، وعبدالله بن كثير من مكة. السبعة في القراءات، ص 182؛ حجّة القراءات، ص 134 - 135؛ الحجّة للقراء السبعة أبو علي الفارسي ج 2، ص 321؛ التذكرة في القراءات، ج 2، ص 333 .
3- المعتبر، ج 1، ص 235 .
4- البقرة (2): 222 .

يقوم الدليل على التحريم، أو أنّه مستأنف منقطع عمّا قبله، ولا يكون غايةً لزمان الحظر ولا شرطاً لإباحة قربهنّ. سلّمنا، لكنّ(1) المراد به غَسل الفرج.

وأمّا الأخبار فمنها: مارواه الشيخ عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها، قال: «إن أصابه شبق فليأمرها أن تغسل فرجها ثمّ يمسها إن شاء»(2).

ومنها: مارواه عليّ بن يقطين عن أبي الحسن(علیه السلام) ، قال: سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ فقال: «لا بأس، وبعد الغسل أحبّ إليّ»(3) وهذا الحديث دالّ على الكراهة.

وذهب الصدوق أبو جعفر محمّد بن بابويه إلى التحريم(4)؛ محتجّاً بالآية مفسّراً معنى «يطهرن» مخفّفاً ومثقّلاً بمعنى يغتسلن، وبمفهوم الشرط.

وبما رواه أبوبصير عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سألته عن امرأة كانت طامئاً فرأت

الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا، حتّى تغتسل»(5).

وبما رواه سعيد بن يسار عنه(علی السلام) ، إلى قوله: أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا، حتّى تغتسل »(6)ظ.

وأُجيب بالحمل على الكراهة؛ توفيقاً بين الأخبار، كما وُفّق بين القراءتين.

هذا أقصى ما وجّهوا به القولين حجّةً وجواباً .

ص: 226


1- في «م» و الطبعة الحجرية: «أو أن» بدل «سلّمنا، لكن».
2- الكافي، ج 5، ص 539، باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 167 ، ح 481: الاستبصار، ج 1 ، ص 136 ، ح 468.
3- الكافي، ج 5، ص 539 - 540 ، باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 167، ح 481: الاستبصار، ج 1 ، ص 136، ح 468.
4- الفقيه، ج 1، ص 95 ذيل الحديث 99 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 166 ، ح 478؛ الاستبصار، ج 1، ص 136، ح 465.
6- 6 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 167، ح 479؛ الاستبصار، ج 1، ص 136، ح 466.

وأقول: في حجّة الحلّ نظر من وجوه:

الأوّل: حمل الطهر مطلقاً على انقطاع الدم مع أنّه حقيقة شرعيّة في أحد الثلاثة - أعني الوضوء والغسل والتيمّم - كما لا يخفى. وغاية ماذكروه أن يكون ثابتاً في اللغة، والحقائق الشرعيّة مقدّمة على اللغويّة والعرفيّة، فقراءة التخفيف وإن صلحت لهما لغةً لكنّها محمولة شرعاً على الحالة الحاصلة لهنّ بعد فعل الطهارة الشرعيّة، وقراءة التشديد كالصريحة فيها. الثاني: حمل قراءة التشديد على التخفيف استناداً إلى الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من القواعد العربيّة من أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني، وهذا هو الكثير الشائع.

وما وقع من اتّفاقهما نادراً لا يوجب المصير إليه وترك الأكثري، مع أنّ أكثر الشواهد لیست مطابقةً؛ فإنّ باب «تفعّل» الجاري عليه «كسرت الكوز فتكسّر» ونحوه «قطعت الحبل فتقطّع» ليس ممّا نحن فيه.

الثالث: أنّ صدر الآية - وهو قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(1) - إِنَّما دلّ على تحريم الوطء في وقت الحيض، ولا يلزم منه اختصاص التحريم بوقته؛ إذ لا يلزم من تحريم شيء في وقت أو مكان مخصوص اختصاص التحريم به؛ لأنّه أعمّ منه، ولا دلالة لعامّ على أفراده المعيّنة.

نعم، ربما دلّ بمفهوم الوصف على الاختصاص، وهو ليس بحجّة عند المصنّف(2) والجماعة فكيف يحتجّون به!؟

الرابع: قولهم في جواب الغاية والشرط: إنّه قد تعارض مفهومان، إلى آخره، لا يتمّ بعد ماقرّرناه، فإنّه لوحمل على الطهارة الشرعيّة - أعني الغسل - لم يقع تنافٍ أصلاً، واستغنى عن التكلّف.

ص: 227


1- صدر الآية قوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) .
2- مبادئ الوصول، ص 100؛ نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 471.

ويؤيّده قوله في آخر الآية: (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )(1) فإنّ الموصوف بالمحبّة مَنْ فَعَل الطهارة بالاختيار حتّى يستحقّ المدح والثناء، وأمّا مَنْ حصل له الطهارة بغير اختياره كانقطاع الدم لا يستحقّ لذلك(2) الوصف بالمحبوبيّة خصوصاً وقد قرنها بالتوبة الصادرة عن الاختيار، ولو سُلّم فمفهوم الشرط أقوى.

الخامس: اعتمادهم في دفع التنافي على كون قوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) كلاماً مستأنفاً - كما قرّره المصنّف في المختلف (3)- لا يدفع التنافي بوجه؛ لأنّ الحجّة ليست في كونه معطوفاً على ماقبله حتّى يدفعه الحمل على الاستئناف، بل في تصديره بأداة الشرط، الدالّة على اشتراط الإتيان بالتطهّر .

السادس: حَملُ الطهارة على غَسل الفرج - كما حمله المصنّف(4) فيه أيضاً - لا يوافق ،مذهبه، فإنّه لا يشترط في الإباحة غسل الفرج(5)، فلا وجه لجَعله شرطاً، مع مخالفته لمدلول الطهارة شرعاً وعرفاً.

وإن حمل غَسل الفرج على كونه شرطاً في الاستحباب - كماورد في بعض(6) الأخبار - عُورض بأنّ حمله على الغسل أولى، فإنّ استحبابه ثابت عنده، فيكون أوفق بظاهر اللفظ إن لم يتعيّن المصير إليه.

السابع: حَملُ قراءة التضعيف على الاستحباب - بمعنى توقّف الوطء على الغسل استحباباً - عدول عن الحقيقة والظاهر؛ فإنّ صدر الآية النهي عن القرب المغيّى بالطهارة، والنهي دالّ على التحريم فكيف يعلّق على المستحبّ!؟

الثامن: حَملُ الأخبار الدالّة على النهي - الذي هو حقيقة في التحريم - على الكراهة؛

ص: 228


1- البقرة (2): 222 .
2- في «الأصل وم»: بذلك.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 190 ، المسألة 134.
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 190 ، المسألة 134.
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 120 .
6- الكافي، ج 5، ص 539، باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 166، ح 475: وج 7 ، ص 486 . ح 1952: الاستبصار، ج 1، ص 135، ح 463.

جمعاً بين الأخبار غير مطابق للواقع؛ لوجهين:

أحدهما: أنّ هذه الروايات دلّت على الحظر، وماذكروه من الروايات دلّ على الإباحة، وإذا تعارض خبر الحظر والإباحة قدّم الخبر الدالّ على الحظر، كما قرّر في الأصول.

الثاني: أنّ ذلك إنّما يكون مع تكافؤ الأخبار والحال أنّ أخبار الحظر أقوى وأكثر، يعلم ذلك مَنْ راجع فيه كُتُبَ الحديث.

والذي استفيد من ذلك كلّه قوّة ماذهب إليه الصدوق (رحمه الله)؛ لدلالة الآية ظاهراً عليه، وورود الأخبار الصحيحة به وإن عارضها مالا يساويها.

اللهمّ إلّا أن يدّعى الإجماع على خلافه بناءً على عدم العلم بموافق له، وكونه معلوم النسب فلا يقدح فيه، كما قرّر في الأصول، أو يدّعى انعقاد الإجماع بعده، فإنّ الأئمّة الذين تصدّوا لنقل الخلاف لم يذكروا له موافقاً على ذلك فيجاب بمنع الإجماع؛ إذ لم يدّعه أحد، وبأنّا كما لا نعلم له موافقاً لا نعلم انتفاء الموافق، وهو كافٍ في عدم انعقاد الإجماع على خلافه، ومثل هذا القدر كافٍ في الحجّة.

وقد أشار إليه المحقّق في المعتبر في مسألة وجوب الكفّارة بوطئ الحائض حيث نقل عن الشيخ والمرتضى دعوى الإجماع على وجوبها.

ثمّ قال ما هذا لفظه :

أمّا احتجاج الشيخ وعلم الهدى بالإجماع فلا نعلمه، وكيف يتحقّق الإجماع فيما يتحقّق فيه الخلاف؟ ولوقال: المخالف معلوم، قلنا: لكن لا نعلم أنّه لا مخالف غيره، ومع الاحتمال لا يبقى وثوق في خلافه(1) . انتهى.

فانظر كيف لم يعتمد المحقّق على الإجماع المنقول بخبر هذين الكبيرين، وجَعَل احتمال الموافقة للمعلوم كافياً في القدح فيه، فكيف في مسألة لم يدّع أحد فيها الإجماع ؟؟

وهذه فائدة تتمشّى في كثيرٍ من المسائل التي يظنّ مَنْ لا تحصيل له صحّة دعوى

ص: 229


1- المعتبر، ج 1، ص 229 - 230 .

الإجماع عليها مع علمه بمخالفة الواحد والأكثر متوهّماً ما سلف، مع أنّه يمكن المعارضة بمثله بأن يقال: المخالف في الجانب الآخر جماعة كلّهم معلومو الأصل والنسب، فلاعبرة بخلافهم، فيمكن دعوى الإجماع في الجانب الآخر.

وقد قال المحقّق في المعتبر أيضاً:

الإجماع عندنا حجّة بانضمام المعصوم، فلوخلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجّةً، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجّةً، فلا تغترّ إذن بمن يتحكّم فيدّعي الإجماع باتّفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلّا مع العلم القطعي بدخول الإمام(1) . انتهى.

وهذا يدلّك على تعذّر دعوى الإجماع الآن إلّا ما نقله الأصحاب منه أو واحد منهم، فإنّ المنقول منه بخبر الواحد حجّة، كما حقّق في محلّه، فتأمّل.

وقد أفردنا لتحقيق الإجماع في حال الغيبة رسالة تنفع في هذا المقام مَنْ أرادها وقف عليها. وإنّما أطنبنا القول في هذه المسألة؛ لكثرة الفوائد فيها، وشدّة الحاجة إليها (2)، والله الموفّق.

وبعد ذلك كلّه فالقول بالكراهة أقوى؛ لأنّ هذه الأدلّة وإن دلّت على التحريم لكن يلزم من القول به اطّراح الأخبار الدالّة على الإباحة أصلاً ومنها ماهو صحيح وهو غير جائز مع إمكان الجمع، وهو هنا ممكن بحمل أخبار النهي على الكراهة، كما تقدّم، بخلاف العكس؛ فإنّه لا يتوجّه معه حمل أخبار الإباحة على وجه يحصل معه الجمع، وما تقدّم من وجوه الترجيح إنّما يتمّ مع تحقّق التعارض بحيث لا يمكن الجمع، وحينئذٍ يتعيّن الجمع بين القراءتين بما ذُكر وإن بعُدَ حذراً من معارضة الكتاب للسنّة، وكما يجب الجمع بين أجزاء الكتاب كذا يجب الجمع بينه وبينها، وفيه مع ذلك موافقة لأكثر الأصحاب وكُبرائهم.

ص: 230


1- المعتبر ، ج 1، ص 31 .
2- رسالة تحقيق الإجماع في زمن الغيبة (ضمن الموسوعة، ج 4، الرسائل /3).

واعلم أنّ الأكثر (1)نقلوا عن الصدوق القول بالمنع من الوطء قبل الغسل من غير تفصيل.

ونقل المصنّف في المختلف عنه القول بأنّه مع عدم الغسل إذا غلبته الشهوة أَمَرَها بغَسل فرجها (2).

وفي بعض الأخبار(3) التي استدلّ بها المجوّزون دلالة على هذا التفصيل.

لكن يبقى على هذا النقل القول بالمنع مطلقاً لا يعلم به قائل، فيشكل المصير إليه وإن قويت الدلالة عليه.

ثمّ على القول بالتحريم بوجه من الوجوه هل يتوقّف حلّ الوطء على التيمّم بدلاً من الغسل ؟ الظاهر نعم، وبه صرّح في الذكرى والدروس(4) ، وفي بعض الأخبار عن الصادق(علی السلام)(5) دلالة عليه، لكن في طريقه ضعف.

وكذا تزول الكراهة بالتيمّم عند تعذّر الغسل عند المجوّزين.

و استقرب المصنّف في النهاية عدم وجوب التيمّم وإن قلنا بوجوب الغسل(6) ، ولم يذكر له سنداً.

ولو قلنا بوجوب التيمّم وتعذّر الصعيد فهل يباح الوطء من غير شبق، أو معه عند مَنْ أطلق القول بالمنع؟ استقرب المصنّف في النهاية عدمه؛ لفقد الشرط (7).

واستحبّ المصنّف(8) وأكثر المجوّزين(9) غَسل الفرج عند عدم الغسل.

ص: 231


1- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 333.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 189 المسألة 134.
3- الكافي، ج 5، ص 539، باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 166، ح 475: وج 7، ص 486، ح 1952؛ الاستبصار، ج 1، ص 135، ح 463.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 219؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 21 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).
5- الكافي، ج 3، ص 82 باب غسل الحائض .... 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 400، ح 1250، وص 405، ح 1268.
6- نهاية الإحكام، ج 1، ص 121 .
7- نهاية الإحكام، ج 1، ص 121 .
8- مختلف الشيعة، ج 1، ص 189 ، المسألة 134.
9- منهم: المحقق في المعتبر، ج 1، ص 236؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 219 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 335 .

قال في المعتبر: ومن الأصحاب مَنْ أورد ذلك بلفظ الوجوب(1) . فإن أراد به الصدوق، وإلّا فهو قول آخر بوجوب غَسل الفرج عند غلبة الشهوة دون الغُسل. ويمكن دلالة خبر محمّد بن مسلم(2) عليه.

ولا فرق في جواز الوطء بعد الانقطاع عند المجوّزين بين انقطاعه لأكثر الحيض أو لأقلّه، ولا بين انقطاعه على العادة أو بعدها، بل الدليل والفتوى شاملان للانقطاع قبلها أيضاً.

وربما استشكل الحكم هنا، إلّا أنّ هذا الإشكال لا يزول بالاغتسال قبل العادة؛ لاحتمال معاودة الدم فيها. ولا يقال: لو أثّر هذا الاحتمال لتمشّى فيما بعد العادة قبل الوصول إلى الأكثر ؛ لاحتمال معاودته أيضاً والانقطاع على العشرة؛ لأنّ قيام الاحتمال في زمان العادة الملحقة بالأمور الجبليّة أقوى. ولاريب أنّ الاحتياط طريق البراءة وإن كان لظاهر الحكم أمر آخر.

(و) يكره أيضاً لها (الخضاب) بحنّاء وغيره؛ جمعاً بين الأخبار الدالّة على النهي عنه، والمصرّحة بنفي البأس.

وعلّل في بعضها بأنّه« يخاف عليها من الشيطان»(3) عند ذلك.

وليست العلّة منعه من وصول الماء إلى البشرة التي عليها الخضاب كما ذكره المفيد(4) ؛ لأنّ ذلك لو تمّ لاقتضى التحريم لا الكراهة.

ويمنع كون اللون يحجب ماتحته من البشرة عن وصول الماء إليه؛ لأنّه عَرَضٌ.

(وحمل المصحف) بغير علاقة، أمّا بها فقد نفى المصنّف الكراهة فيه عن الجنب(5) ، ولا فرق، لكن ظاهر النصّ والفتوى يتناولهما.

ص: 232


1- المعتبر، ج 1، ص 236 .
2- الكافي، ج 5، ص 539 باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 7، ص 486، ح 1952.
3- علل الشرائع، ج 1، ص 339، الباب 218، ح 1.
4- المقنعة، ص 58 .
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 104 .

وادّعى المحقق في المعتبر إجماع الأصحاب على كراهة حمل المصحف بعلاقته لها (1).

(ولمس هامشه) من غير أن تمسّ الخط كلّ ذلك للتعظيم.

وحرّمه المرتضى لها كما حرّمه للجنب(2). وقد روي عن أبي الحسن موسى(علیه السلام) قال: «المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنباً ولا تمسّ خيطه(3) ولا تعلّقه، إنّ الله يقول:(لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (4)»(5) .

قال في المعتبر : ونُزِّل على الكراهة؛ نظراً إلى عمل الأصحاب(6) .

ولابأس بتقليبه بعود ونحوه؛ لعدم صدق المسّ.

(والجواز) وهو المرور من غير لبتٍ (في المساجد) غير المسجدين؛ للتعظيم، هذا أمن التلويث، وبدونه يحرم.

ومثلها السلس والمبطون والمجروح والصبيّ المنجس والدابّة التي لا تؤكل.

وألحق جماعة من الأصحاب المشاهد بالمساجد(7) . وهو حسن، بل الأمر في المشاهد أغلظ ؛ لتأديتها فائدة المسجد وتزيد شرف المدفون بها.

(وقراءة) القرآن (غير العزائم) الأربع من غير تحريم بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك. وحرّمها الجمهور (8).

لنا: قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)(9) والأمر مطلق، فلا يتقيّد بالطهارة.

ص: 233


1- المعتبر ، ج 1 ، ص 234.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 234.
3- في «م» والاستبصار: «خطه».
4- الواقعة (56) :79 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 127، ح 343: الاستبصار، ج 1، ص 113 - 114، ح 378.
6- المعتبر، ج 1، ص 234.
7- منهم: الشيخ المفيد في العزّيّة، وابن الجنيد كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 223 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
8- المجموع شرح المهذب، ج 2، ص 158 و 162؛ المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 165 - 166. المسألة 194؛ الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 1، ص 240 - 241.
9- المزمل (73): 20.

وما روي عن أبي جعفر(علیه السلام)، قلت: الجنب والحائض يقرءان شيئاً؟ قال: «نعم ماشاءا

إلّا السجدة، ويذكران الله على كلّ حال»(1) .

(والاستمتاع) منها (بما بين السّرة والركبة) لأنّه حريم الفرج، و «مَنْ رتع حول الحمى يوشك أن يخالطه» كماورد في الحديث(2)، ويستثنى من ذلك موضع الدم.

والقول بالكراهة هو المشهور، وقد ورد المشهور ، وقد ورد التصريح به في عدّة أخبار(3) ، ويدلّ عليه أيضاً نفي اللوم عن استمتاع الأزواج في الآية(4) كيف كان خرج منه موضع الدم بالإجماع، فيبقى الباقي، ونحوه (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )(5).

و حرّم المرتضى الاستمتاع منها بما تحت المئزر(6) ، وعنى به مابين السّرة والركبة؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ)(7) خرج منه ما أجمع على جوازه، فيبقى الباقي لصدق القرب عليه.

ولقول الصادق(علیه السلام) : تتزر إلى الركبتين، وتخرج سرّتها ثم له مافوق الإزار»(8).

وجوابه: أنّ حقيقة القرب ليست مرادةً من الآية إجماعاً، فيحمل على المجاز المتعارف وهو الجماع، أو يراد به قُربُ مخصوص ، وهو القُرب الذي يكون معه إرادة الجماع ؛ لأنّه وسيلة المحرَّم فيكون محرَّماً . لكن يشكل هنا تحريم القرب نفسه ؛

ص: 234


1- علل الشرائع، ج 1، ص 335، الباب 210 ، ح 1 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 26 - 27، ح 67 وص 129، ح 352 : الاستبصار، ج 1، ص 115 ، ح 384.
2- صحيح البخاري، ج 3، ص 723 - 724 ، ح 1946؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 243، ح 3329؛ الجامع الصحيح، ج 3، ص 511، ح 1205.
3- الكافي، ج 5، ص 538 - 539، باب ما يحلّ للرجل من امرأته .... ح 1 - 4: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 154، ح 436 - 438، وص 155 ، ح 442 و 443: الاستبصار، ج 1، ص 128 - 129، ح 437 - 441.
4- المؤمنون (23): 5 و 6.
5- البقرة (2): 223 .
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 234؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 185، المسألة 130.
7- البقرة (2): 222 .
8- الفقيه ، ج 1، ص 99، ح 204؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 154، ح 439؛ الاستبصار، ج 1، ص 129، ح 442.

لأنّ المحرَّم إنّما هو الجماع.

ولقول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : افعلوا كلّ شيء إلّا الجماع»(1).

ولعلّ القرب كناية عنه عدولاً عن التصريح بما يستهجن التصريح به، كالعدول عن اسم الحدث إلى مكانه ومثل ذلك كثير.

والأخبار معارضة بأقوى منها، فتُحمل على الكراهة؛ جمعاً بين الأخبار، مع أنّ في دلالتها على مطلوبه نظراً؛ فإنّ كون ما فوق الإزار له لا يدلّ على نفي ماعداه إلّا بمفهوم اللقب، ونحوه غيره من الأحاديث التي استدلّ بها، فالعمل على المشهور وهو الكراهة؛ لاتّفاق المجوّزين عليه كما نقله عنهم في المعتبر(2).

بقي هنا شيء، وهو أنّ الحدّ الفاصل بين المكروه وغيره - وهو السّرة والركبة - هل هو داخل في المكروه أم في غيره ؟ الذي يقتضيه قولهم «مابين السرّة والركبة» خروجهما منه.

وفي كلام الصادق(علیه السلام) المتقدم(3) إشارة إليه ؛ لأنّه أذن في إخراج سرّتها، وهي أقوى الحدّين.

وفي المعتبر: لابأس بالاستمتاع منها بما فوق السرّة وماتحت الركبة (4). وهو دالّ بمفهومه على دخولهما، لكنّ الحكم مدلول عباراتهم للخبر، ولموافقة صاحب المعتبر لهم في التعبير بالبينيّة فيه وفي غيره.

(ويستحبّ) لها (أن تتوضّأ عند) أي في وقت (كلّ صلاة) ولا تنوي بهذا الوضوء رفع الحدث ولا استباحة الصلاة؛ لعدم حصولهما لها؛ لاستمرار حدثها، بل تنوي به

ص: 235


1- صحیح مسلم، ج 1، ص 246، ح 302/16؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 211، ح 644؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 67 ، ح 258: السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 467، ذيل الحديث 1501؛ مسند أحمد، ج 3، ص 590، ح 11945.
2- المعتبر، ج 1، ص 235 .
3- في ص 234 الهامش 8.
4- المعتبر، ج 1 ص 234 .

القربة، أو تضيف إليها غاية الكون(1) والذكر.

(و تجلس في مصلاها) إن كان لها موضع معدُّ لها تبعاً للشيخ(2) والجماعة.

وقال المفيد: تجلس ناحية من مصلّاها(3) .

والأخبار وكلام جماعة من الأصحاب خالية من تعيين المكان. قال في المعتبر: وهو المعتمد(4).

وفي خبر زرارة :«جلست في موضع طاهر»(5) ، وفي خبر زيد الشحّام: «ثم تستقبل القبلة»(6).

(ذاكرةً) في حال جلوسها لله تعالى بتسبيح أو تحميد أو تهليل وغيرها، رواه زرارة عن الباقر(علیه السلام)(7) .

وليكن مقدار الصلاة للخبر (8)، وللتمرين على العبادة بقدر الإمكان لئلّا يشقّ تكليفها عند الوجوب بسبب اعتياد البدن الترك، فإنّ الخير عادة، وهذا من تفرّدات الإماميّة (أيّدهم الله تعالى).

(ويجب عليها قضاء الصوم) الذي فات في أيّام حيضها من شهر رمضان إجماعاً.

وفي قضاء المنذور أو شبهه الذي وافق الحيض وجهان أقربهما عند المصنّف: عدم الوجوب (9).

ص: 236


1- أي الكون في مصلاها.
2- النهاية، ص 25؛ المبسوط، ج 1، ص 76 .
3- المقنعة، ص 55 .
4- المعتبر، ج 1، ص 233 .
5- الكافي، ج 3، ص 101 ، ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 159 ح 456.
6- الكافي، ج 3، ص 101، ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 159 ، ح 455.
7- الكافي، ج 3، ص 101، ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 159 ح 456.
8- الكافي، ج 3، ص 101، ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 159 ح 456.
9- لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

واختار الشهيد (رحمه الله) الوجوب(1) .

(دون) قضاء (الصلاة) اليوميّة بإجماع علماء الإسلام.

وفي عدّة من الأخبار (2)تصريح بعدم تعليل ذلك وأنّه محض تعبّد، وفي بعضها(3) أنّه دليل على بطلان القياس لأنّ الصلاة أفضل من الصوم.

وروى الحسين (4)بن راشد عن أبي عبد الله(علیه السلام) حيث سأله عن الوجه في ذلك،فقال: «إنّ أوّل مَنْ قاس إبليس»(5) .

وقد تمحّل للفرق بعضهم بأشياء مدفوعة بما أوردناه.

وهل يلحق باليوميّة غيرها من الصلوات الواجبة عند عروض أسبابها في وقت الحيض كالكسوف؟ وجهان ، أقربهما ذلك، ويستثنى من ذلك الزلزلة؛ فإنّ وقتها العمر.

وأمّا ركعتا الطواف فلاحقتان بالطواف.

ولو عرض الحدث(6) بعد دخول الوقت الموسّع بمقدار ما يسع الصلاة وشرائطها وجب قضاؤها؛ لتفريطها في أوّل الوقت.

ولو انقطع وقد بقي من الوقت قدر ركعة بعد تحصيل الشرائط المفقودة، وجب الأداء، ومع الإخلال القضاء. وهنا أقوال أخر هذا أجودها.

ص: 237


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 20 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- منها ما في علل الشرائع، ج 1، ص 111 - 113، الباب 81، ح 5.
3- علل الشرائع، ج 1، ص 108 ، الباب 81، ح 2.
4- في المصادر الحسن .
5- الكافي، ج 3، ص 104 ، باب الحائض تقضى الصوم... ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 160 ، ح 458؛ و ج 4. ص 267، ح 807: الاستبصار، ج 2، ص 93، ح 301 .
6- في «الأصل و م»: «الحيض» بدل «الحدث».

(المقصد الثالث في الاستحاضة و النفاس)

أمّا الاستحاضة: فهي في الأصل استفعال من الحيض، يقال: استحيضت المرأة، بالبناء للمجهول، فهي تستحاض لا تستحيض: إذا استمرّ بها الدم بعد أيّامها فهي مستحاضة، ذكره الجوهري (1).

وكأنّ بناءه للمعلوم غير مسموع، واشتقاقها من الحيض مبنيّ على الغالب، فلايشترط فيها إمكان الحيض، فالصغيرة واليائسة يمكن فيهما الاستحاضة دون الحيض.

والأكثر إطلاق الاستحاضة على كلّ دم يخرج من الرحم وليس بحيض ولا نفاس ولا قرح ولا جرح، سواء اتّصل بالحيض كالمتجاوز لأكثره، أم لا كالذي تراه الصغيرة، فإنّه وإن لم يوجب الأحكام في الحال لكن عند البلوغ يجب عليها الغسل أو الوضوء؛ لأنّ الأحداث من قبيل الأسباب التي هي من باب خطاب الوضع ولا يشترط فيها التكليف، وقد يتخلّف المسبّب عن السبب لفقد شرط، وقد يتعلّق به في الحال أحكام الاستحاضة، كنزح الجميع(2) به وغسل الثوب من قليله وكثيره.

وربما خصّ اسم الاستحاضة بالدم المتّصل بدم الحيض، ويسمّى ما عدا ذلك دم فساد، لكنّ الأحكام فيهما لا تختلف.

والمصنّف جرى هنا على المشهور، فقال: (دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج) من الرحم (بفتور) وضعفٍ لا بدفع، فهو يقابل الحيض في أوصافه غالباً.

ص: 238


1- الصحاح، ج 2، ص 1073، «حيض».
2- أي نزح جميع ماء البئر.

وقيّد ب_«الأغلب» لأنّه قد يكون بهذه الصفة حيضاً، وقد يكون بصفة الحيض استحاضة، كما تقدّم.

(و) الخارج (الناقص عن ثلاثة) أيّام متوالية (ممّا ليس بقرح ولا جرح، والزائد عن) أيّام (العادة مع تجاوز العشرة، و) الزائد (عن أيّام النفاس) وسيأتي بيانها (و) الخارج (مع) سنّ (اليأس استحاضة) خبر الجميع.

وقيّد في العادة بتجاوز العشرة؛ لأنّ الدم لو انقطع على العاشر كان الجميع حيضاً، وقد تقدّم وجه ذلك كلّه في الحيض.

ثمّ دم الاستحاضة ينقسم بحسب كثرته وتوسّطه وقلّته إلى ثلاثة أقسام؛ لأنّه إمّا أن يكون بحيث إذا وضعت الكرسف يظهر عليه من داخل الفرج ولا يثقبه إلى خارجه، أو يثقبه ولايسيل عنه، أو يسيل، فهذه ثلاثة أقسام تختلف الأحكام فيها، فيجب على المستحاضة وضع القطنة واعتبار حالها.

(فإن كان الدم لا يغمس القطنة) أي لا يثقبها إلى خارج وإن دخل في باطنها كثيراً ( وجب ) عليها ثلاثة أشياء :

(الوضوء لكلّ صلاة) لأنّه في هذه الحالة حدث أصغر.

(وتغيير القطنة) لما سيأتي من عدم العفو عن هذا الدم في الصلاة قليله وكثيره، وللإجماع، كما نقله المصنّف في المنتهى(1) ، وهذا بخلاف السلس والمبطون والمجروح؛ لعدم وجوب ذلك عليهم وإن كان أحوط؛ تقليلاً للنجاسة.

والفرق: ورود النصّ على المستحاضة دونهم، كما ذكره المصنّف(2).

ويمكن الفرق بالإجماع المذكور عليها دونهم.

وغَسل ما ظهر من الفرج، وهو ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين إن أصابه الدم.

وهذا هو المشهور في هذا القسم، ومستنده أخبار كثيرة دلّت على الوضوء دون الغسل.

ص: 239


1- منتهى المطلب، ج 2، ص 409 .
2- منتهى المطلب، ج 2، ص 422.

وفيه قولان آخران:

أحدهما: قول ابن أبي عقيل(1) ، وهو أنّها لا يجب عليها وضوء في هذه الحالة ولا غسل؛ استناداً إلى ظاهر رواية عبد الله بن سنان عن الصادق(علیه السلام)(2) حيث لم يذكر فيها الوضوء. لكن ذكره في غير هذه(3) من الأخبار كافٍ في الدلالة، ويجب حمل المطلق على المقيّد.

والثاني: قول ابن الجنيد(4)، وهو وجوب غسل واحد هنا لليوم والليلة؛ استناداً إلى رواية سماعة(5) . وهي لاتدلّ على مطلوبه صريحاً، بل هي أعمّ منه فتُحمل على ثقب الدم الكرسفَ، وهي الحالة الوسطى؛ جمعاً بينها وبين غيرها.

(وإن غمسها) ظاهراً وباطناً (وجب) عليها (مع ذلك) المذكور في القسم الأوّل شیئان آخران: أحدهما: (تغيير الخرقة) أو غَسلها إن كانت وأصابها الدم، وإلّا فلا.

(و) الثاني: (الغسل لصلاة الغداة) فيجب عليها خمسة أشياء على المشهور.

وابن أبي عقيل على أصله المتقدّم من عدم إيجاب الوضوء وإن وجب الغسل.

وأوجب هو وابن الجنيد هنا الأغسال الثلاثة(6)، واختاره المحقّق في المعتبر(7)، والمصنّف في المنتهى(8). وأكثر الأخبار الصحيحة تدلّ على ذلك.

كصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق(علیه السلام) : «إذا ثقب الكرسف اغتسلت للظهرين

ص: 240


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1 ، ص 244.
2- الكافي، ج 3، ص 90 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 5 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171 ح 487 .
3- في الأصل والطبعة الحجرية: «غيره» بدل «غير هذه».
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 244.
5- الكافي، ج 3، ص 89 90 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 4؛ تهذيب الأحكام 1701، ح 485.
6- حكاه عنهما المحقق في المعتبر ، ج 1، ص 244.
7- المعتبر، ج 1، ص 245 .
8- منتهى المطلب، ج 2، ص 412 .

تؤخّر هذه وتعجّل هذه، وللعشاءين كذلك، وتغتسل للصبح»(1) .

وصحيحة زرارة عن الباقر(علیه السلام) : «تصلّي كلّ صلاة بوضوء مالم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(2) .

وحملها على النفوذ المشتمل على السيلان إنّما يتمّ لودلّ على الغسل الواحد للحالة المتوسطة خبر صحيح، ولم يوجد من الأخبار المفيدة لذلك إلّا موقوف سماعة، قال:«المستحاضة إذا ثقب الكرسف اغتسلت الثلاثة، وإن لم يجز الدم الكرسف فالغسل لكلّ يوم مرّة»(3) وقريب منه موقوف زرارة، الآتي.

وفي دلالتهما - مع تسليمهما - على ذلك نظر.

وبالجملة، فالأخبار الموجودة في هذا الباب مختلفة على وجه لا يكاد يمكن الجمع بينها.

ففي خبر الصحّاف عن الصادق (علیه السلام)(4)تعليق وجوب الأغسال الثلاثة على السيلان، وعدم وجوب الغسل بل الوضوء لكلّ صلاة على عدمه. وخبر معاوية بن عمّار وزرارة،المتقدّمان(5) علّق فيهما الحكم بالثلاثة على النفوذ.

وروى حمّاد بن عيسى عن حريز، عن زرارة قال في النفساء: «تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين، فإن انقطع الدم وإلّا اغتسلت واحتشت واستنفرت وصلّت، فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ثمّ صلّت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل،

ص: 241


1- الكافي، ج 3، ص 88 - 89 باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 106، ح 277 ، وص 170 ، ح 484.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 169، ح 483.
3- الكافي، ج 3، ص 89 - 90، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 170 ح 485 .
4- الكافي، ج 3، ص 95 - 96، باب الحبلي ترى الدم، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 168 - 169، ح 482: الاستبصار، ج 1، ص 140 - 141، ح 482.
5- تقدما آنفاً.

والمغرب والعشاء بغسل، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد »(1) وقريب منه خبر سماعة (2).

و حمل أكثر الأصحاب هذين الخبرين على الغمس وإن كان عدم جواز الكرسف أعمّ منه، فدلّا على الحالة الوسطى؛ لعدم التصريح بها في خبرٍ على الخصوص، لكنّهما موقوفان كما عرفت. وقد استبعد أصحاب التفصيل رواية زرارة - مع فضله وثقته - عن غير إمام. وصحيحة عبد الله بن سنان(3) دلّت على الاغتسال ثلاثاً من غير تفصيل.

وأصحاب القول المشهور جمعوا هذه الأحاديث بما ذكروه من الحالات الثلاث. وفيه نظر.

(وإن سال) الدم عن الكرسف (وجب) عليها (مع ذلك) المذكور في الحالتين - وهو خمسة أشياء - شيئان آخران:

(غسل للظهر والعصر تجمع بينهما) بأن تؤخّر الأولى إلى آخر وقت فضيلتها وتُقدّم الثانية فى أوّل وقتها كذلك على الأفضل.

(وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما) في آخر وقت الأوّلى وأوّل وقت الثانية كذلك.

وهذه الحالة لا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة فيها، وإنّما الخلاف في الوضوء.

فذهب ابن أبي عقيل إلى عدم وجوب الوضوء هنا (4)، كما سلف (5)، وكذلك السيّد المرتضى بناءً على أصله من عدم إيجاب الوضوء مع غسل من الأغسال(6).

ص: 242


1- الكافي، ج 3، ص 99 ، باب النفساء، ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 173 - 174 ، ح 496.
2- تقدمت الإشارة إلى مصدره في ص 241، الهامش 3.
3- الكافي، ج 3، ص 90، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171، ح 487.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 244.
5- في ص 240 .
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 247.

وذهب المفيد إلى الاكتفاء بوضوء واحد للظهرين كالغسل، ومثله للعشاءين(1) .

والأخبار الصحيحة دلّت على المشهور.

واعلم أنّ وجوب الأغسال الثلاثة في هذه الحالة إنّما هو مع استمرار الدم سائلاً إلى وقت العشاءين، فلو طرأت القلّة بعد الصبح فغسل واحد، أو بعد الظهرين فغسلان خاصّة، وهو ظاهر، وأنّ اعتبار الجمع بين الصلاتين إنّما هو للاكتفاء بغسل واحد لهما، فلو فرّقتهما واغتسلت لكلّ واحدة غسلاً صحّ أيضاً، بل ربما كان أفضل.

وكما تراعي معاقبة الصلاة للغسل كذلك تراعي معاقبتها للوضوء على أحوط القولين؛ لأنّ العفو عن حدثها المستمرّ الواقع في الصلاة أو بينها وبين الطهارة إنّما وقع للضرورة، فتقتصر على ما تقتضيه ومالا يمكن الانفكاك عنه، واعتبار الجمع بين الفرضين بغسل يدلّ عليه.

ولا يقدح في ذلك الاشتغالُ بعده بالستر وتحصيل القبلة والأذان والإقامة؛ لأنّها مقدّمات الصلاة، ولا انتظار الجماعة على ما اختاره المصنّف في النهاية(2)، والشهيد في الدروس(3) .

وربما منع ذلك؛ لعدم الضرورة.

ومنع المصنّف في المختلف من اعتبار معاقبة الصلاة للوضوء، محتجّاً بعموم الأدلّة على تجويز فعل الطهارة في أوّل الوقت، وعلى توسعة الوقت، وعدم دلالة الأخبار على ذلك؛ إذ في بعضها «تتوضأ عند وقت كلّ صلاة»(4)، وفي بعضها «الوضوء لكلّ صلاة»(5)،

ص: 243


1- المقنعة، ص 56 - 57 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 127 .
3- الدروس الشرعية، ج 1، ص 18 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
4- الكافي، ج 3، ص 95 - 96 ، باب الحبلي ترى الدم، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 168 - 169، ح 482: الاستبصار، ج 1، ص 140 - 141، ح 482.
5- الكافي، ج 3، ص 89 - 90، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 170، ح 485 .

وفي بعضها «صلّت كل صلاة بوضوء»(1)(2) .

وأجيب بما تقدّم، وبأنّ الصلاة بالحدث مخالف للأصل، فيجب تقليله ما أمكن.

وفيه منع؛ لخروج المستحاضة من البين بالنصّ الخاصّ الذي لا يدل على ذلك. ولا ريب أنّ الاحتياط طريق البراءة يقيناً.

بقي هنا أُمور لابد من التنبيه عليها ليتمّ بها أحكام المستحاضة.

أحدها: أنّ الاعتبار في كمّيّة الدم بالنسبة إلى أحواله الثلاثة هل هو في جميع الأوقات بمعنى أنّ الكثرة - مثلاً - متى حصلت كفت في وجوب الغسل وإن كانت منقطعةً في وقت الصلاة، فلو حصلت بعد صلاة الفجر - مثلاً - وانقطعت قبل الظهر وجب الغسل لها، وكذا يكفي طروؤها بعد الظهرين إلى وقت صلاة العشاءين، كما يشعر به خبر الصحّاف في قوله(علیه السلام): «فلتغتسل وتصلّي الظهرين ثمّ لتنظر فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضّأ ولا غسل عليها، وإن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيباً فعليها الغسل ثلاثاً»(3) إلى آخره، ولأنّه حدث فيمنع، سواء كان حصوله في وقت الصلاة أم في غيره. أو اعتباره إنّما هو عند وجوده في أوقات الصلوات؛ لأنّها أوقات الخطاب بالطهارة، فلا أثر لما قبلها ؟ ظاهر المصنّف والشهيد في البيان الأوّل(4) . ولا تخفى قوّته.

وظاهر الدروس الثاني، وفي الذكرى حكاه بلفظ «قيل» بعد أن ادّعى فيهما أنّ ظاهر خبر الصحّاف يشعر به(5) .

ص: 244


1- الكافي، ج 3، ص 88 - 89 باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 106 - 107، ح 277، وص 170، ح 484.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 213 ، المسألة 154.
3- الكافي، ج 3، ص 95 - 96، باب الحبلي ترى الدم، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 168 - 169 ، ح 482: الاستبصار، ج 1، ص 140 - 141، ح 482.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 129؛ البيان، ص 62 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 19: ذكرى الشيعة، ج 1، ص 189 و 199 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 5).

وقد عرفت أنّه إنّما يشعر بخلافه.

ويتفرّع عليهما ما لو كثر قبل الوقت ثمّ طرأت القلّة، فعلى الأوّل يجب الغسل؛ للكثرة المتقدّمة وإن كانت قد اغتسلت في أثنائها؛ لأنّ المتأخّر منها عن الغسل كافٍ في السببيّة، وعلى الثاني لا غسل عليها مالم توجد في الوقت متّصلةً أو طارئة.

ولو طرأت الكثرة بعد صلاة الظهرين فلا غسل لهما ، بل للعشاءين على الأوّل دون الثاني، إلّا مع استمرارها إلى وقتهما.

وهل يتوقّف صوم اليوم الحاضر على هذا الغسل، الطارئ سببه بعد الظهرين؟ الظاهر لا، على القولين .

أمّا على الثاني فظاهر؛ لأنّه لم يوجب الغسل إلّا بعد وجوده في وقت العشاءين وقد انقضى الصوم.

وأمّا على الأوّل؛ فلأنّه وإن حكم بكونه حدثاً في الجملة لكنّهم حكموا بصحّة الصوم مع إتيانها بالأغسال، والغسل لهذا الحدث إنّما هو في الليلة المستقبلة، ولا يتوقّف عليه صوم اليوم الحاضر.

واختار في الذكرى وجوبه هنا للصوم في سياق التفريع على أنّ الاعتبار في كمّيّته بأوقات الصلوات (1).

و توقّف المصنّف في التذكرة(2) .

الثاني: لو أرادت ذات الدم المتوسّط أو الكثير التهجّدَ بالنوافل ليلاً قدّمت الغسل على الفجر واكتفت به. وينبغي الاقتصار على التقديم على ما يحصل به الغرض ليلاً، فلو زادت على ذلك هل تجب إعادته؟ يحتمل، لما مرّ في الجمع بين الصلاتین به. وعدمه؛ للإذن في التقديم من غير تقييد. وكذا تُقدّمه الصائمةُ، كما سيأتي.

الثالث: لو نسيت ذات الأغسال أو الغسل غسلاً حتّى خرج وقت الصلاة أو نامت

ص: 245


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 199 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 292، ذيل المسألة 95.

كذلك، فهل يتوقّف الصوم الحاضر على الغسل بعد الوقت، أو يكفي الغسل للصلاة الأُخرى إن وجب؟ يبنى على ماسبق فيما لو طرأت الكثرة بعد الظهرين، وأولى بالوجوب هنا إن أوجبناه ثُمَّ. وعدم الوجوب فيهما أقوى اعتباراً بالأغسال المعهودة للصلاة، وهي منتفية في الحالتين، ولا بُعد في الحكم بكونه حدثاً مانعاً من العبادة على بعض الوجوه دون بعض؛ لظاهر النصّ والفتوى. (وهي مع ) فعل (ذلك) المتقدّم من الغسل والوضوء وتغيير القطنة وغَسل المحلّ بحسب حال الدم (بحكم الطاهر) فيصحّ منها جميع ما يصحّ من الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة، كالصلاة والطواف والصوم ومسّ كتابة القرآن ودخول المساجد وقراءة العزائم والوطء كذا قاله المصنّف في النهاية (1).

والظاهر عدم توقّف دخول المساجد لها على ذلك مع أمن التلويث.

وأمّا الوطء، فاشترطه الشيخ(2) وجماعة(3) بالغسل؛ لمارواه عبد الملك(4) بن أعين عن الصادق(علیه السلام) قال: سألته عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال: «ينظر الأيّام التي كانت تحيض فيها فلا يقربها، ويغشاها فيما سوى ذلك، ولا يغشاها حتّى يأمرها بالغسل»(5).

ولوجود الأذى فيه كالحيض.

ويظهر من بعضهم(6) اشتراط الوضوء أيضاً؛ لقولهم : يحلّ وطؤها إذا فَعَلَت ما تفعله المستحاضة.

ص: 246


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 127 .
2- النهاية، ص 29؛ المبسوط، ج 1، ص 103.
3- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 57؛ وابن الجنيد والسيد المرتضى كما في المعتبر، ج 1، ص 248 في ظاهر كلامهم.
4- في المصدر: «مالك» بدل «عبدالملك». وفي ذكرى الشيعة، ج 1، ص 196 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) كما في المتن.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 402، ح 1257 عن الإمام الباقر(علیه السلام) ؛ وفي ذكرى الشيعة، ج 1، ص 196 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) عن الإمام الصادق (علیه السلام) كما في المتن.
6- كالمفيد في المقنعة، ص 57؛ والشيخ في المبسوط، ج 1، ص 103.

ولما رواه زرارة، قال: «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها، وتستظهر بيوم أو يومين، وإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها وطؤها»(1)، وفي «إذا» معنى الشرط، فينتفي حلّ الوطء عند انتفاء حلّ الصلاة وهي مشروطة بالوضوء معه.

وبالغ المفيد (رحمه الله) فحرّم الوطء قبل نزع الخرق وغسل الفرج بالماء(2) أيضاً: لأنّهما من محلّلات الصلاة.

واستقرب في المعتبر كون المنع على الكراهة المغلّظة ؛ لأنّه دم مرض وأذى فالامتناع فيه عن الزوجة أولى، وليس بمحرَّم (3). واختاره الشهيد ؛ لعموم (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ )(4) ، يريد اغتسلن من الحيض و (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ)(5) (وإِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ )(6) .

ولمارواه عبد الله بن سنان عن الصادق(علیه السلام) ، قال : سمعته يقول: «المستحاضة لابأس أن يأتيها بعلها إلّا أيّام قرئها»(7).

ولما روي أنّ حمنة بنت جحش كانت مستحاضةً وكان زوجها يجامعها(8) . وكذا أُمّ حبيبة(9).

ولأنّ الوطء لا يشترط فيه خلوّ الموطوءة من الحدث كالمرأة الجنب إلّا ما خرج

ص: 247


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 401، ح 1253.
2- المقنعة، ص 57 .
3- المعتبر ج 1 ، ص 248.
4- البقرة (2): 222 .
5- البقرة .(2):223 .
6- المؤمنون (23): 6.
7- الكافي، ج 3، ص 90 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 5 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 171 ح 487 .
8- سنن أبي داود، ج 1، ص 83، ح 310؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 487 - 488، ح 1562.
9- سنن أبي داود، ج 1، ص 83، ح 309؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1 ، ص 487 ، ح 1561 .

بنصّ خاصّ، كالحائض والمنقطعة على الخلاف. ولأصالة الحلّ السالم عن المعارض الشرعي(1).

فإن قيل: ماذكرتموه من الأحاديث دالّ على جواز وطئ المستحاضة ونحن نقول به لكن مع فعل ما يجب عليها، فما المانع من كون ما تضمّنه من الحلّ مشروطاً بذلك؟

قلنا: الألفاظ مطلقة، والأصل عدم الاشتراط.

والجواب عن الرواية الأولى: بحمل الغسل فيها على غسل الحيض، بل هو الظاهر؛ لعدم دلالته على غسل الاستحاضة.

وعن الثانية: بأنّ المراد بحلّ الصلاة الخروج من الحيض أو الغسل منه؛ لأنّ الحيض لمّا كان مانعاً من الصلاة كان حلّ الصلاة بالخروج منه كما يقال: لا تحلّ الصلاة في الدار المغصوبة فإذا خرج حلّت، فإنّ معناه زوال المانع الغصبي وإن كان بعد الخروج يفتقر إلى الطهارة وغيرها من الشروط ، وهذا وإن لم يكن معلوماً لكنّه محتمل، ومع الاحتمال لا يكون دليلاً، أو يُحمل عليه وإن كان دليلاً ؛ جمعاً بينه وبين غيره من الأدلّة.

وعن كونه أذى: بأنّه قياس لا يأتي عندنا.

وأمّا توقفه على الوضوء وباقي الأفعال ففي غاية البُعد؛ إذ لا تعلّق لها بالوطئ.

قال في الذكرى: وما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطئ الحائض قبل الغسل(2).

وقربه غير واضح وإن ناسبه بوجه مّا.

واعلم أنّه يستفاد من قوله «إنّها مع فعل ما يجب عليها بحكم الطاهر فتستبيح الصلاة وغيرها» عدم تأثير الحدث الواقع بعد الطهارة في الاستباحة، سواء وقع قبل الصلاة أم فيها مع مراعاة ما تقدّم من عدم التشاغل بما ليس من أسبابها، ويجب تقييده بأمرين:

أحدهما: كون الحدث الطارئ من جنس المبحوث عنه، فلو تعقّب الطهارة ريح ونحوه لزمها الوضوء، وحينئذٍ فالأجود وجوب تجديد القطنة والخرقة. ولو انتقض

ص: 248


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 197 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 197 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

ببول وجب تجديدهما أيضاً؛ لأنّ نجاسته غير ما ابتُليت به.

والثاني: أن لا يطرأ بعد ذلك انقطاعه للبرء قبل الصلاة؛ فإنّه يجب حينئذ تجديد الطهارة، وهي ما أوجبه الدم منها قبل الانقطاع، لا الوضوء خاصّة - خلافاً للمصنّف(1) تبعاً للشيخ (رحمه الله)(2) - لأنّ انقطاع الدم يظهر معه حكم الحدث، وإنّما أُبيحت الصلاة مع الدم للضرورة وقد زالت . وكذا لو انقطع له(3) في أثناء الصلاة.

وإنّما وجب من الطهارة ماكان قبله؛ لأنّ دم الاستحاضة في نفسه حدث يوجب الوضوء تارةً والغسل أُخرى، فإذا انقطع وجب ما كان يوجبه، والطهارة السابقة أباحت بالنسبة إلى ما سلف قبلها من الدم.

قال في الذكرى:

وهذه المسألة لم نظفر فيها بنصّ من قبل أهل البيت(علیهم السلام) ولكن ما أفتى به الشيخ هو قول العامّة بناءً منهم على أنّ حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير، فإذا انقطع بقي على ماكان عليه، ولمّا كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرّاً(4). انتهى.

وهو في غاية الوضوح.

ونظيره ماسبق من حكم المصنّف بعدم اشتراط الغسل فى صوم منقطعة الحيض، فإنّه لا يتمّ إلّا على مذهب العامّة لا على أُصولنا.

ولو كان انقطاعه بعد الطهارة وقبل الصلاة لغير البرء بل انقطاع فترة إمّا لاعتيادها ذلك أو بإخبار عارف لم يؤثّر في الطهارة مطلقاً عند الشهيد؛ لأنّه بعوده بعد ذلك كالموجود دائماً(5).

ص: 249


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 128 .
2- المبسوط، ج 1، ص 103 .
3- أي للبرء.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 198 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 198 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

واعتبر المصنّف في ذلك قصور الفترة عن الطهارة والصلاة، فلو طالت بقدرهما وجبت الإعادة؛ لتمكّنها من طهارة كاملة، فلولم تُعدها وصلّت فاتّفق عوده قبل الفراغ على خلاف العادة وجب عليها إعادة الصلاة؛ لدخولها فيها مع الشكّ في الطهارة (1).

ومثله مالو شكّت في الانقطاع هل هو للبرء أم لا؟ أو هل يطول زمانه بمقدار الطهارة والصلاة أم لا ؟ فتجب إعادة الطهارة؛ لأصالة عدم العود، لكن لو عاد قبل إمكان فعل الطهارة والصلاة فالوضوء بحاله؛ لعدم وجود الانقطاع المانع من الصلاة مع الحدث.

وإنّما قال المصنّف: إنّها مع فعل ما يجب بحكم الطاهر، ولم يقل: إنّها طاهر؛ لاستمرار حدثها فلا تكون طاهراً حقيقةً، لكنّها بحكم الطاهر في استباحة ماتستبيحه.

وربما علّل ذلك بهذيانات لا يخفى فسادها على مَنْ له أدنى تمييز.

(ولو أخلّت) المستحاضة (بالأغسال) الواجبة عليها في حال التوسّط والكثرة (لم يصحّ) منها (الصوم)؛ للنصّ(2).

ويظهر من المبسوط التوقّف فيه حيث أسنده إلى رواية الأصحاب(3).

لكن مع إخلالها بالغسل إنّما يجب عليها القضاء دون الكفّارة، وهو اختيار المصنّف في التذكرة(4) ، والشهيد(5) وجماعة(6) ؛ لأصالة عدم وجوبها، وعدم الدليل.

وكذا القول في الحائض والنفساء بطريق أولى؛ لما تقدّم من الخلاف في اشتراط صومهما بالغسل دونها.

ص: 250


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 128 .
2- الكافي، ج 4، ص 136، باب صوم الحائض والمستحاضة، ح 6: الفقيه، ج 2، ص 144، ح 1991؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 310 ، ح 937 .
3- المبسوط، ج 1، ص 103.
4- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 291 ذيل المسألة 95 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 196 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- منهم الصيمري في كشف الالتباس، ج 1، ص 244؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص344 .

وأوجب المصنّف في المختلف عليها الكفّارة(1).

والمراد بالأغسال المشترطة في صحة الصوم الأغسال النهاريّة، ولا يشترط في

صحة صوم يومٍ غسلُ الليلة المستقبلة؛ لسبق تمامه، وقد تقدّم.

وهل يشترط في اليوم الحاضر غسل ليلته الماضيّة؟ وجهان. والحق أنّها إن قدّمت غسل الفجر ليلاً أجزأ عن غسل العشاءين إلى الصوم، وإن أخرته إلى الفجر بطل الصوم هنا وإن لم نبطله لو لم يكن غيره.

واعلم أنّ إطلاقهم الحكم بتوقّف الصوم على الأغسال المعهودة يشعر بعدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم؛ لأنّ المعتبر منه للصلاة ماكان بعد الفجر فليكن للصوم كذلك؛ لجعلهم الإخلال به مبطلاً للصوم.

ولا يبعد ذلك وإن كان دم الاستحاضة حدثاً في الجملة؛ لمغايرته لغيره من الأحداث على بعض الوجوه.

ويحتمل وجوب تقديمه على الفجر هنا؛ لأنه حدث مانع من الصوم، فيجب تقديم غسله عليه، كالجنابة والحيض المنقطع. ولأن جعل الصوم غايةً لوجوب غسل

الاستحاضة مع الغمس يدلّ عليه؛ لأنّ ماكان غايته منه الفعل يقدّم عليه.

ولأنّ اغتفاره في بعض الأحيان بالنسبة إلى العبادات للمشقّة لا يوجب القياس عليه.

وقطع الشهيد (رحمه الله بوجوب تقديمه(2). وتوقف المصنّف في النهاية(3).

وعلى القول بوجوب التقديم هل يراعى في فعله تضيّق الليل لفعله بحيث يجب الاقتصار من التقديم على ما يحصل به ،الغرض أم يجوز فعله فيه مطلقاً؟ لاريب أنّ مراعاة التضيّق أحوط؛ تقليلاً للحدث بينه وبين الصلاة بحسب الإمكان.

ولأنّ اغتفار الحدث الطارئ بينه وبينها رخصة فيقتصر فيها على مواضع الضرورة.

ص: 251


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 19 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 129.

و حكمهم بتقديمه من غير تقييد يشعر بعدم اعتباره.

وجَعَله في الذكرى مع الصوم كغسل منقطعة الحيض(1). وهو يشعر أيضاً بعدم اعتبار التضيق.

ويستفاد من توقّف الصوم على الأغسال دون الوضوءات كون الوضوء المصاحب للغسل المكمل به ليس جزءاً من المؤثّر في رفع الحدث الأكبر، وإلا لتوقّف الصوم عليه أيضاً؛ لتوقفه على ارتفاع حكم الحدث الأكبر بتمامه.

وربما قيل بتوقّف رفع الأكبر عليهما، فيحكم بفساد الصوم بالإخلال بالوضوء(2). وهو ضعيف.

ويتفرّع على ذلك عدم وجوب إعادة الغسل المتخلّل بالحدث الأصغر؛ إذ لا دخل للوضوء في رفع الحدث الأكبر، ولا يوجب الأصغر سوى الوضوء، فتكفي إعادة الوضوء بعد الغسل إن كانت قدّمته عليه، وإنّما لم يثبت هذا الحكم في غسل الجنابة؛ لعدم مجامعته للوضوء، وامتناع خلوّ الحدث عن أثرٍ وعدم صلاحيّة مابقي من أفعال الغسل لكمال التأثير، وقد تقدّم تحقيق ذلك كله.

( ولو أخلّت بالوضوء المصاحب للغسل أو المنفرد عنه (أو) أخلت (بالغسل) أو بباقي ما يجب عليها من الأفعال، كتغيير القطنة والخرقة وغسل ماظهر من المحلّ (لم تصح صلاتها)؛ لتوقّف الصلاة على رفع الحدث والخبث معاً على هذا الوجه، فمع إخلالها ببعض ماذكر إما محدثة أو ذات نجاسة لم يُعف عنها.

وبما ذكرنا يظهر قصور العبارة، وأنّ ترك ذكره للإخلال بالأفعال لا وجه له.

والطواف حكمه حكم الصلاة، فيُبطله الإخلال بشيء من الأفعال.

والظاهر أنّ حكم اللبث في المساجد غير المسجدين مع أمن التلويث وقراءة العزائم حكم الصوم فيعتبر فيهما الغسل خاصة إن لم نجوّز لها دخول المساجد مطلقاً وإن كان

ص: 252


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 196 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 389.

ما تقدّم من العبارة يوهم توقّفهما على جميع الأفعال.

(وغسلها كالحائض) في جميع الأحكام حتى في الاحتياج معه إلى الوضوء على أصحّ القولين قبله على الأفضل أو بعده، وفي جواز نية الرفع فيهما والاستباحة إذا وقعا بعد الانقطاع، أما قبله فتتعيّن الاستباحة على المشهور. وفيه بحث لايدخل هذا المقام.

ويستثنى من ذلك وجوب الموالاة فإنّها معتبرة في هذا الغسل خاصة إذا لم يكن

للبرء؛ تقليلاً للحدث.

(ولا تجمع بين الصلاتين بوضوء) ردّ بذلك على المفيد حيث اكتفى بوضوء واحد

للظهرين، ووضوء للعشاءين كالغسل(1).

وهذا كالتكرار لقوله قبل «والوضوء لكلّ صلاة وإن كان قد يعتذر عنه بأن وجوب الوضوء لكلّ صلاة أعمّ من جواز الصلاة بدون الوضوء، فإنّ مطلق الوجوب لا يقتضي الشرطيّة، فذكره هنا تنبيهاً على الاشتراط مع الوجوب.

وما يقال من أنّ وجوب الطهارات بمعنى الشرط للصلاة أمر مشتهر غني عن الإيضاح لا يدفع أصل الاحتمال وتوهم كونه أعم من الشرط، فلا يدلّ عليه بالخصوص.

و على كل حال فليس للمستحاضة أن تجمع بين صلاتين بوضوء واحد، سواء في ذلك الفرضُ والنفلُ، بل لابد لكل صلاة من وضوء، أمّا غسلها فللوقت تصلّي به ماشاءت من الفرض والنفل أداءً وقضاءً مع الوضوء لكلّ صلاة وتغيير القطنة والخرقة وغسل المحل إن أصابه الدم.

ولو أرادت الصلاة في غير الوقت اغتسلت لأوّل الورد، وعملت باقي الأفعال لكلّ صلاة.

وكذا القول لو أرادت صلاة الليل، لكن يكفيها الغسل عن إعادته للصبح على مامرّ

من التفصيل.

ص: 253


1- المقنعة، ص 57.

تنبيه: يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم من التعدي بحسب الإمكان، وقد ورد ذلك ذلك في خبر معاوية بن عمّار، قال: «تحتشي وتستثفر»(1). والاستثفار مأخوذ من ثفر الدابّة، يقال: استثفر الرجل بثوبه، إذا ردّ طرفه بين رِجليه إلى معقد إزاره.

والمراد به هنا التلجّم بأن تشدّ على وسطها خرقة كالتكّة، وتأخذ خرقة أُخرى وتعقد أحد طرفيها بالأولى من قُدّام وتُدخلها بين فخذيها وتعقد الطرف الآخر من خلفها بالأُولى، كلّ ذلك بعد غسل الفرج وحشوه قطناً قبل الوضوء.

ولو احتبس الدم بالحشو خاصة اقتصرت عليه، كلّ ذلك مع عدم الضرر باحتباس

الدم، وإلا سقط الوجوب للحرج.

وكذا يجب الاستظهار على السلس والمبطون؛ لرواية حريز عن أبي عبد الله

إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان في الصلاة اتخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثمّ علّقه عليه ثمّ صلّى يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين، ويفعل مثل ذلك في الصبح»(2).

ولاشتراك الجميع في النجاسة، فيجب الاحتراز منها بقدر الإمكان، فلو خرج الدم أو البول بعد الاستظهار والطهارة أُعيدت بعد الاستظهار إن كان لتقصير فيه، وإلّا فلا؛ للحرج. ويمتد الاستظهار إلى فراغ الصلاة.

ولو كانت صائمةً فالظاهر وجوبه جميع النهار؛ لأنّ تأثير الخارج في الغسل وتوقّف

الصوم عليه يشعر بوجوب التحفّظ كذلك، وبه قطع المصنّف(3).

أمّا الجرح الذي لا يرقأ وماماثله فلا يجب شده، بل تجوز الصلاة وإن كان سائلاً.

ص: 254


1- الكافي، ج 3، ص 88 - 89، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 106 - 107، ح 277 ، وص 170 ، ح 484.
2- الفقيه ، ج 1، ص 64، ح 146؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 348، ح 1021.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 126.

ويفارق السلس والمبطون والمجروح المستحاضة في عدم وجوب تغيير الشداد

عند كل صلاة عليهم دونها؛ لاختصاصها بالنصّ، والتعدّي قياس لا يتمّ عندنا.

وجَعَل في الذكرى وجوب تغييره للسلس والمبطون أحوط(1).

(وأما النفاس) بكسر النون: (فدم الولادة) مأخوذ من تنفّس الرحم بالدم، أو من

النفس التي هي الولد؛ لخروج الدم عقيبه، يقال: نفست المرأة ونفست بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما، وفي الحيض بفتح النون ،لاغير، والولد منفوس. ومنه الحديث (لايرث المنفوس حتى يستهل صائحاً)(2)، والمرأة نفساء - بضم النون وفتح الفاء - والجمع نِفاس - بكسر النون - مثل عشراء وعشار، ولا ثالث لهما. ولا خلاف عندنا في كونه دم الولادة، فلو ولدت ولم تر دماً فلا نفاس بل ولا حدث؛ لأصالة البراءة من ثبوت الأحكام المترتبة عليه، وعدم الدليل.

والمراد بدم الولادة: الخارج (معها) وتصدق المعيّة بمقارنته خروج جزء ممّا يُعدّ

آدميّاً أو مبدأ نشوء آدمي وإن كان مضغةً مع اليقين، أمّا العلقة - وهي من الدم

الغليظ - فلا؛ لعدم اليقين.

وألحقها المصنّف في النهاية بالمضغة مع شهادة القوابل(3).

وقال في الذكرى : ولو فرض العلم بأنّه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل كان نفاساً(4).

وتوقّف فيه بعض المحققين؛ لانتفاء التسميّة(5).

ولا وجه له بعد فرض العلم. ولأنا إن اعتبرنا مبدأ النشوء فلا فرق بينها وبين

المضغة مع العلم.

ص: 255


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 203 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الكافي، ج 7، ص 156، باب ميراث الخنثى ح 6 نحوه.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 130 4.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 205 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 346.

نعم، قد يناقش في إمكان العلم بذلك، وهو خارج عن الفرض.

وتصدق المعيّة بخروج الجزء وإن كان منفصلاً، ولو لحقه الباقي كان كولادة التوأمين، فابتداء النفاس من الأوّل وغايته من الأخير، وسيأتي تحقيقه.

وهذا الحكم - وهو كون الخارج مع الولادة نفاساً - هو المشهور؛ لتناول إطلاق

النصوص له، وحصول المعنى المشتق منه فيه.

وخالف فيه السيّد المرتضى، وخصّه بالخارج بعدها(1).

ولا فرق عند غيره بين الخارج معها (أو بعدها) لكنّه هنا إجماع.

وتتحقق البعديّة بخروج الدم بعد تمام الولد أو ماهو مبدأ نشوئه، كما تقدم.

و (لا) يتحقّق النفاس بخروج الدم (قبلها) وإن كان في زمن الطلق، بل هو استحاضة تلحقه أحكامها إلا مع إمكان كونه حيضاً بناء على إمكان حيض الحامل،

كما هو الأصحّ.

لكن هل يشترط فيه كونه بحيث يتخلّل بينه وبين النفاس أقلّ الطهر إما بنقاء أو بما يحكم بكونه استحاضةً، كالخارج بعد العادة متجاوزاً لأكثره؟ يحتمله؛ لحكمهم بأنّ النفاس كالحيض، ولأنه حيض محتبس. وعدمه؛ لعدم كون النفاس حيضاً حقيقيّاً. وعدم استلزام المشابهة اتّحاد الحقيقة وعموم الأحكام بل فيما حصلت به المشابهة. فالمتصل بالولادة ممّادون العشرة استحاضة وإن كان بصفة الحيض على الأوّل،

وحيض مع بلوغه أقله فصاعداً على الثاني.

واستقرب المصنّف فى النهاية الأوّل(2).

والوجهان آتيان في الدم المتعقّب للنفاس متّصلاً به مع اتّصافه بصفة الحيض أو

وقوعه في العادة أو منفصلاً من دون انقضاء أقلّ الطهر.

لكن في الأخبار الصحيحة دلالة على اشتراط تخلّل الطهر بين النفاس والحيض

ص: 256


1- جُمل العلم والعمل، ص 57؛ المسائل الناصريات، ص 173 ، المسألة 64.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 131.

المتعقّب له فيحكم .به ويلزم مثله في الأوّل؛ إذ لا قائل بالفرق. وفي حديث عمّار الساباطي(1) في الطلق ما يدلّ على الأوّل أيضاً.

( ولا حدّ لأقلّه) فجاز أن يكون لحظةً باتّفاقنا، بل يجوز عدمه أصلاً، كالمرأة التي

ولدت في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسُميت [ذات](2) الجفوف(3).

وتقدير القلّة باللحظة لا يفيد التقدير؛ لعدم انضباط زمانها، وإنّما يذكر مبالغةً في القلّة، كقوله : «تصدّقوا ولو بتمرة ولو بشق تمرة»(4)، فإنّ ذلك ليس لتقدير الصدقة

المندوبة؛ إذ لا تقدير لها شرعاً، وإنّما يذكر ذلك مبالغةً في قبول القليل.

واختلف في أكثره.

والذي دلّت عليه الأخبار الصحيحة ما اختاره المصنّف هنا (و) هو أن (أكثره عشرة أيّام للمبتدئة) في الحيض (والمضطربة) العادة فيه إمّا بنسيانها وقتاً وعدداً، أو عدداً وإن ذكرت الوقت، (أمّا ذات العادة المستقرّة في الحيض فأيّامها) تجعلها نفاساً، والباقي إن اتّفق استحاضة، كلّ ذلك مع تجاوز دمها العشرة، وإلا فالجميع نفاس مطلقاً.

وقد نبّه المصنّف على ذلك في غير هذا الكتاب(5)، وفي قوله بَعدُ: «ولو رأت العاشر

فهو النفاس» من غير تفصيل إيماء إليه أيضاً، وسيأتي توضيحه.

ويجوز لذات العادة دون العشرة الاستظهار بيوم أو يومين، كما تقدّم في الحائض،

وقد ورد ذلك في عدّة أحاديث(6).

ص: 257


1- الكافي، ج 3، ص 100، باب النفساء تظهر ثمّ ترى الدم ..... ح 3؛ الفقيه، ج 1، ص 102، ح 211؛ تهذیب الأحکام، ج 1، ص 403، ح 1261.
2- أضفناها من المصدر.
3- المغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 393، المسألة 494.
4- الكافي، ج 4، ص 4، باب فضل الصدقة، ح 11.
5- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 132.
6- انظر الكافي، ج 3، ص 99، باب النفساء، ح 6؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 173، ح 496، وص 175، ح 501؛ والاستبصار، ج 1، ص 151، ح 521.

ويجوز لها الاستظهار إلى تمام العشرة كالحائض، وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث عن الصادق (علیه السلام)(1).

ولا اعتبار بعادة النفاس اتّفاقاً، لقوله : «تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت

تمكث فيها»(2) ونحوه، وهو صريح في عادة الحيض.

واعلم أنّ الأخبار الصحيحة لم يصرّح فيها برجوع المبتدئة والمضطربة إلى عشرة، بل إنّما صرّح فيها بأنّه لذات العادة في الحيض عادتها، ولكن فيها إشعار بذلك؛ لأنه ورد في بعضها الاستظهار إلى العشرة(3) كالحائض، فلو كان أكثره أقلّ منها لم يستظهر إليها.

وقال الشيخ في التهذيب: جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس عشرة، وعليها أعمل لوضوحها عندي(4). وذكر الأخبار التى لم تصرّح إلا بالرجوع إلى العادة.

وجَعَل المصنّف في المختلف أكثره لذات العادة عادتها؛ للأخبار المؤمى إليها، وللمبتدئة ثمانية عشر(5)؛ لماروي أنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) أن تغتسل الثمانية عشر(6)، وغيره من الأخبار(7). وحملت على التقية.

وفي بعض الأخبار عن الصادق (علیه السلام): «أن سؤال أسماء كان عقيب الثمانية عشر فأمرها بالغسل ولو سألته قبلها لأمرها»(8).

ص: 258


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 175 - 176، ج 502؛ الاستبصار، ج 1، ص 151، ح 522.
2- الكافي، ج 3، ص 97 - 98، باب معرفة دم الحيض، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 173، ح 495، وص 175، ح 499؛ الاستبصار، ج 1، ص 150 ، ح 519.
3- انظر الهامش 1.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 174، ذيل الحديث 498؛ ولا يخفى أن قوله: «جاءت... عندي» من كلام المفيد في المقنعة، ص 57 ، أورده الشيخ في تهذيب الأحكام.
5- مختلف الشيعة، ج 1، ص 216 ، المسألة 157.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 178، ح 511 و 180، ح 515؛ الاستبصار، ج 1، ص 153 ، ح 531.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 177، ح 508؛ الاستبصار، ج 1، ص 152، ح 525.
8- الكافي، ج 3، ص 98 - 99، باب النفساء، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 178 - 179، ح 512؛ الاستبصار، ج 1، ص 153 - 154، ح 532.

قال الشيخ (رحمه الله) بعد اختياره العشرة بالأخبار المعتمدة، وما فيه الزيادة عن العشرة:

فالكلام عليه من وجوه

أحدها: أنّها أخبار آحاد مختلفة الألفاظ متضادّة المعاني لا يمكن العمل على جميعها لتضادّها، ولا على بعضها؛ لأنه ليس بعضها بالعمل عليه أولى من بعض. والثاني: أنّه يحتمل أن يكون خرجت مخرج التقيّة؛ لأن كلّ مَنْ يخالفنا يذهب إلى أن أيّام النفاس أكثر ممّا نقوله ولهذا اختلفت ألفاظ الأحاديث كاختلاف العامّة في مذاهبهم، فكأنهم أفتوا كلّ قوم منهم على حسب ماعرفوا من رأيهم ومذاهبهم.

والثالث: أنّه لا يمتنع أن يكون السائل سألهم عن امرأة أتت عليها هذه الأيام فلم تغتسل، فأمروها بعد ذلك بالاغتسال وأن تعمل كما تعمل المستحاضة ولم يدلّ على أنّ ما فعلت المرأة في هذه الأيام كان حقاً.

قال - والذي يكشف عمّا قلناه مارواه محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ،رفعه، قال: سألت امرأة أبا عبد الله (علیه السلام) فقالت: إني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «ولم أفتوك بثمانية عشر يوماً؟ فقال الرجل: للحديث الذي روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر، فقال أبو عبد الله (علیه السلام): «إنّ أسماء سألت رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل كما تفعل المستحاضة»(1).

ثم ساق أحاديث كثيرة تدلّ على ذلك.

وأمّا حمل المصنّف لحديث أسماء على المبتدئة(2) فبعيد جداً؛ لأنّها تزوّجت

ص: 259


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 178 - 179؛ الكافي، ج 3، ص 98 - 99، باب النفساء، ح 3.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 217. المسألة 157.

بأبي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب(1) وولادتها من جعفر عدة أولاد، ويبعد حينئذ عدم حيضها في جميع هذه المدّة مع ولادتها عدة أولاد وإن كان ذلك داخلاً في حيّز الإمكان.

(وحكمها كالحائض في كلّ الأحكام) الواجبة والمندوبة والمحرمة والمكروهة

والغسل والوضوء؛ لأنّه في الحقيقة دم حيض احتبس (إلّا) في أُمور:

الأوّل: (الأقلّ) فإنّ الإجماع على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة في الجملة، ولا حد لأقلّ

النفاس.

الثاني في الأكثر؛ للخلاف في أكثره، كما عرفت والاتفاق على أكثر الحيض. الثالث: أنّ الحيض دليل على سبق البلوغ، بخلاف النفاس فإنّ الدلالة حصلت بالحمل؛ لأنّه أسبق من النفاس، فدلّ على سبق البلوغ على الوضع بستة أشهر فمازاد. وهذا الوجه ذكره المصنّف في النهاية(2)، وتبعه عليه في الذكرى(3). وفيه نظر؛ لأنّ دلالة الحمل عليه لا تمنع من دلالة النفاس أيضاً؛ لإمكان اجتماع دلالات كثيرة، فإنّ هذه الأمور معرفات شرعيّة لا علل عقليّة فلايمتنع اجتماعها، كما أنّ الحيض غالباً لا يوجد إلا بعد سبق البلوغ بغيره.

الرابع: أنّ العدّة تنقضي بالحيض دون النفاس غالباً، وخرج من الغالب ما لو طلقت الحامل من زنى، فإنّ النفاس حينئذٍ يُعدّ قُرءاً، فإن رأت قرءين في زمان الحمل انقضت العدّة بظهور النفاس أو انقطاعه على الخلاف، ولو لم يتقدمه قرءان عدّ في الأقراء.

الخامس أنّ الحائض ترجع إلى عادتها في الحيض عند التجاوز، بخلاف النفساء

فإنّها إنما ترجع إلى عادة الحيض لا النفاس.

السادس: أنّ الحائض ترجع إلى نسائها في الحيض على بعض الوجوه، ولا ترجع

النفساء إليهن في النفاس إلا على رواية شاذة(4).

ص: 260


1- أسد الغابة، ج 7، ص 14 - 15 ، الرقم 6706.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 133.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 210 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 403، ح 1262.

السابع: أنّ النفساء لا ترجع إليهن أيضاً في الحيض إذا كانت مبتدئةً، ولاهي

والمضطربة إلى الروايات ولا هما وذات العادة إلى التمييز.

الثامن: قيل: لا يشترط أن يكون بين الحيض والنفاس أقل الطهر سابقاً ولاحقاً،

بخلاف الحيضتين، وقد تقدّم الكلام فيه.

التاسع: أنه لا يشترط في النفاسين أقل الطهر كما في التوأمين، بخلاف الحيضتين أيضاً.

العاشر: في نيّة الغسل إذا أرادت تخصيص الحدث الموجب للغسل، فإنّ هذه تنوي النفاس وتلك الحيض.

فهذه اثنا عشر فرقاً؛ لأنّ السابع يشتمل على ثلاثة.

تنبيه: ممّا يترتّب على اتّفاقهما في الأحكام غير ماذكر أنّ النفساء لواستُحيضت بأن تجاوز دمها العشرة، فإن كانت مبتدئةً أو مضطربةً جعلنا ما بعد العشرة استحاضةً حتى يدخل الشهر المتعقّب للذي ولدتا فيه، فترجعان في الدم الموجود في الشهر الثاني إلى التمييز، ثمّ ترجع المبتدئة إلى نسائها، ثمّ ترجعان إلى الروايات. وإن كانت ذات عادة جعلت بقدر عادتها في الحيض من الدم نفاساً والباقي استحاضةً إلى تمام طهرها المعتاد، ثمّ ما بعده حيضاً.

اللهمّ إلّا أن يتغيّر لون الدم بحيث تستفيد منه تمييزاً لا ينافي أيّام النفاس فتجعل أيّام التمييز حيضاً، كمالو رأت بعد عشرة أيام فصاعداً من انقضاء أيام النفاس دماً أسود بعد أن كانت تراه أحمر أو دونه واستمرّ السواد ثلاثة فمازاد ولم يعبر عشرة، إلى آخر ما ذُكر في التمييز، فتجعل السواد حيضاً؛ لأنّ أيّام النفاس قائمة مقام العادة في الحيض.

وقد أسلفنا في الحيض أنّ العادة تُقدّم على التمييز مع تنافيهما لامع إمكان الجمع بينهما. وعلى ما فرضناه يمكن الجمع.

هذا كلّه مع استمرار الدم، أمّا لو انقطع ثم عاد بعد مضي أقل الطهر من انقضاء النفاس فالعائد حيض مع إمكانه وإن كان في شهر الولادة، فتأمّل ذلك فقلّما يستفاد بأجمعه من كلام مجتمع مع عموم البلوى به.

ص: 261

(ولو تراخت ولادة أحد التوأمين) وهما الولدان في بطن واحد، يقال: هذا توأم هذا، وهذه توأمة هذه (فعدد أيامها من) التوأم (الثاني) لصدق الولادة عنده، فما بعده دم الولادة قطعاً.

(وابتداؤه) أي ابتداء نفاسها (من) ولادة (الأوّل) لصدق الاسم فيه، غايته تعدّد العلّة.

وظاهر العبارة كونهما نفاساً واحداً، وهو مبني على الغالب من تعاقب ولادتهما، فيتّحد النفاس بحسب الصورة وفي التحقيق لكلّ واحد نفاس مستقل؛ لانفصال كلّ من الولادتين عن الأخرى، فإن وضعت الثاني لدون عشرة أمكن اتصال النفاسين.

ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض استحاضة بين النفاسين حكم به، بل

يمكن فرض حيض أيضاً وإن بَعُدَ.

ويتفرّع على كونهما نفاسين مالو ولدت الثاني لدون عشرة من ولادة الأوّل ولم تر بعد ولادة الأوّل إلا يوماً واحداً - مثلاً - وانقطع في باقي الأيّام المتخلّلة بينهما، فإنّه يحكم بكونها طهراً وإن رأت بعد ولادة الثاني في العشرة وانقطع عليها، بخلاف مالو حكم بكونهما نفاساً واحداً كما يقتضيه ظاهر العبارة، فإنه يلزم كون الدمين والنقاء المتخلّل بينهما نفاساً، كما سيأتى.

وتردّد المحقق في المعتبر في كون الدم الحاصل قبل ولادة الثاني نفاساً من حيث إنّها حامل، ولانفاس مع الحمل. ثمّ اختار كونه نفاساً أيضاً لحصول مسمّى النفاس فيه وهو تنفّس الرحم به بعد الولادة، فيكون لها نفاسان(1).

(ولو رأت) الدم (يوم العاشر ) خاصة (فهو النفاس) لما تقدّم من أنّه متى انقطع على العشرة فمادون فالجميع نفاس كالحيض، ولمّا كان النفاس هو الدم ولم يوجد إلا في العاشر كان هو النفاس خاصة. ولوفرض رؤية العاشر وتجاوزه لم يتمّ ما ذكر إلا عند مَنْ يرى أكثره عشرة مطلقاً.

ص: 262


1- المعتبر، ج 1، ص 257.

أمّا على مذهب المصنّف فإنّما يحكم بكونه نفاساً مع التجاوز للمبتدئة والمضطربة ولمن عادتها عشرة، أما لو كان عادتها أقلّ لم يكن لها نفاس، إلا مع رؤيته في جزء من العادة فيكون هو النفاس خاصة، وهذا كله واضح وإن كانت العبارة لا تفي به.

(ولو رأته) أي العاشر (والأوّل ) خاصّة ( فالعشرة نفاس) كما أنّ الحائض لورأته

ثلاثة وانقطع ثمّ رأت العاشر وانقطع فالدمان ومابينهما حيض.

هذا مع انقطاعه على العاشر، كما تقدّم.

ولو فرض تجاوزه العشرة فكذلك إن كانت مبتدئةً أو مضطربةً أو عادتها عشرة وإلّا فنفاسها الأوّل خاصة، إلا أن يصادف الثاني جزءاً من العادة فجميع العادة نفاس لكن يجب عليها الاستبراء بالقطنة والاغتسال مع النقاء بعد الانقطاع الأوّل، والعبادة؛ لجواز عدم عوده، وأصالة عدمه فإذا عاد في العشرة كما ذكر تبيّن بطلان ما فعلت فتقضي صومه. وحكمها في هذا النقاء في اغتفار الوطء والعبادة كما تقدّم في الحائض.

ويتفرّع على الحكم بكون الأوّل خاصة نفاساً إمكان الحكم بالحيض من الثاني عشر فصاعداً إن استفادت منه تمييزاً، أو لمتر في العاشر ورأت الثاني عشر وما بعده ثلاثة، فإنه يحكم بكونه حيضاً لإمكانه.

ولو فرض رؤيتها لحظةً بعد الولادة وانقطع ثم عاد بعد لحظة من الحادي عشر

واستمرّ ثلاثة فصاعداً ولم يتجاوز العشرة حكم بكونها حيضاً أيضاً.

ص: 263

(المقصد الرابع في غسل الأموات)

وما يتبعه من التكفين والتحنيط والدفن، وما يندرج فيه من غسل المسّ.

وإنّما عنون هذا المقصد بغسل الأموات، وذكر في المقاصد السابقة ماهيات الأسباب؛ لاشتراك الأغسال السابقة في الماهية ، فاكتفى بذكرها في الجنابة وبحث في الباقية عن الأسباب، بخلاف غسل الأموات؛ لمغايرته لها في الكيفية والحكم، فعنون المقصود به.

(وهو) أي غسل الأموات (فرض) واجب على الأحياء المكلفين إجماعاً، وفيه مع

وجوبه أجرجزيل وفضل عظيم.

روى الشيخ أبو جعفر الكليني بإسناده إلى سعد الإسكاف عن الباقر (علیه السلام) قال: «أيّما مؤمن غسّل مؤمناً فقال إذا قلبه اللهم إنّ هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه و فرقت بينهما ، فعفوك عفوك ، إلا غفر الله عزّ وجلّ له ذنوب سنة إلّا «الكبائر»»(1).

وعنه (علیه السلام): «مَنْ غسّل مؤمناً فأدى فيه الأمانة غفر الله له، وهو أن لا يخبر بما يرى»(2).

وعنه (علیه السلام): فيما ناجی به موسی ربّه تبارك و تعالى يا ربّ ما لمن غسّل الموتى؟ قال: أغسله من ذنوبه كما ولدته أمه»(3).

ووجوبه على الكفاية لا على الأعيان؛ لأن الغرض إدخاله في الوجود، وهو

يحصل بالوجوب الكفائي، ولا غرض(4)، يتعلّق فيه بالمباشر المعيّن.

ص: 264


1- الكافي، ج 3، ص 164، باب ثواب من غسل مؤمناً، ح 1.
2- الكافي، ج 3، ص 164، باب ثواب من غسل مؤمناً، ح .2.
3- الكافي، ج 3، ص 164، باب ثواب من غسل مؤمناً، ح 4.
4- في «الأصل و م»: «إذ لاغرض» بدل «ولا غرض».

(وكذا) القول في باقي الأحكام المتعلّقة بالميت من توجيهه إلى القبلة وتكفينه وتحنيطه وحفر قبره ونقله إليه، لا بذل الكفن والحنوط وماء الغسل فإنّه مستحبّ، کماسیأتی.

والمراد بالواجب الكفائي هنا: مخاطبة كلّ مَنْ علم بموته من المكلفين - ممّن

يمكنه مباشرة ذلك الفعل - به استقلالاً أو منضمّاً إلى غيره حتّى يعلم تلبّس مَنْ الكفاية به فيسقط حينئذٍ عنه سقوطاً مراعى باستمرار الفاعل عليه حتى يفرغ. ولولا اعتبار المراعاة لزم عدم وجوب الفعل عند عروض مانع للفاعل عن الإكمال، وهو باطل.

واعتبر المصنف(1) وجماعة(2) في [سقوط] التكليف به الظنّ الغالب؛ لأنّ العلم بأنّ الغير يفعل كذا في المستقبل ممتنع ولاتكليف به، والممكن تحصيل الظنّ، ولاستبعاد وجوب حضور جميع أهل البلد الكبير عند الميت حتى يدفن، ونحو ذلك. وفرّعوا عليه أنّه لو ظنّ قوم قيام غيرهم به سقط عنهم، ولو ظنّوا عدمه وجب عليهم حتّى لو ظنّ كلّ فرقة قيام غيرهم سقط عن الجميع، كما أنّهم لو ظنّوا عدم القيام وجب عليهم عيناً.

ويشكل بأنّ الظنّ إنّما يقوم مقام العلم مع النصّ عليه بخصوصه أو دليل قاطع، وماذكر لا تتمّ به الدلالة؛ لأنّ تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل ممكن بالمشاهدة ونحوها من الأمور المثمرة له.

والاستبعاد غير مسموع، وباستلزامه سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام الغير ب-ه وامتناع نية الفرض من الظانّ عند إرادته المباشرة، وبأنّ الوجوب معلوم والمسقط ،مظنون والمعلوم لا يسقط بالمظنون.

وقال بعض المحققين من تلامذة المصنّف(3): إن كان الظنّ ممّا نصبه الشارع حجّةً

ص: 265


1- مبادئ الوصول، ص 106: نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 502.
2- منهم المحقّق في معارج الأصول، ص 75.
3- لم نتحققه.

كشهادة العَدلَين جاز الاستناد في إسقاط الوجوب إليه، وإن كان دون ذلك كشهادة الفاسق بل العدل الواحد فلا؛ لما مرّ.

وفيه: أنّ شهادة العدلين إن كانت بأنّ الفعل قد وقع فمسلّم، وإن كانت أنّه يقع أو تلبس به فجميع ما مرّ(1) آتٍ فيه. وتنقيح هذه المسألة في الأصول.

وفرض العسل متحقّق (لكلّ ميّت مسلم ومَنْ هو بحكمه) كالطفل والسقط لأربعة أشهر، والبالغ مجنوناً إذا كان أحد أبويه مسلماً، ولقيط دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد بحيث يمكن إلحاقه به.

وفي كون الطفل المسبيّ إذا كان السابي مسلماً والطفل المتخلّق من ماء الزاني المسلم بحكم المسلم فيجب تغسيله، نظر ؛ من الشك في تبعيّة المسبيّ في جميع الأحكام وإنّما المعلوم تبعيّته في الطهارة، وعدم لحوق الثاني بالزاني شرعاً. ومن إطلاق الحكم بالتبعيّة وكون الثاني ولداً لغةً فيتبعه في الإسلام كما يحرم نكاحه.

أمّا البالغ المُظهر للإسلام فإنّه يغسل قطعاً؛ لصحّته منه. ويدخل في الكلّيّة جميع فرق المسلمين، فيجب تغسيل الميت منهم وإن كان مخالفاً للحق، عدا الخوارج وهُم أهل النهروان ومَنْ دان بمقالتهم، وتطلق هذه الفرقة على

( مَنْ كفّر عليّاً (علیه السلام)، والموجود منهم مَنْ ذُكر والغلاة) جمع غال، وهو من ،غال، وهو من اعتقد إلهيّة أحدٍ من الناس والمراد هنا من اعتقد إلهيّة علي (علیه السلام)، واستثناؤهم من المسلمين باعتبار تسترهم بظاهر الإسلام وإلا فليسوا منه على شيء، وكان انقطاع الاستثناء بالنسبة إليهم أولى.

وكذا يجب استثناء كلّ مَنْ حُكم بكفره من المسلمين كالنواصب والمجسّمة، بل كلّ مَنْ قال أو فَعَل ما يقتضي كفره منهم. وترك ذلك خلل في العبارة.

وخرج بالمسلم أنواع الكفّار ممّن لا ينتحل الإسلام وأولادهم يتبعونهم في ذلك،

ولا فرق بين القريب منهم والبعيد والزوجة وغيرها.

ص: 266


1- في «م»: «مضى» بدل «مر».

ولا ريب في عدم جواز تغسيل مَنْ ذُكر وإن كان الاستثناء في العبارة إنما دلّ على نفي الوجوب.

وكما يحرم تغسيلهم يحرم باقي الأفعال من التكفين والدفن والصلاة؛ للآية(1)؛ ولقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)(2).

ولأن ذلك إكرام لا يصلح للكافر.

ولرواية عمّار عن الصادق (علیه السلام) عن النصراني يموت مع المسلمين: «لا يغسله ولا كرامة، ولا يدفنه، ولا يقوم على قبره وإن كان أباه»(3).

وجوّز المرتضى مواراته إذا لم يكن له من يواريه لئلا يضيع(4).

( ويُغسل المخالف غُسلَه) إن أراد المؤمن تغسيله إمّا لتعينه عليه أو لا، على كراهة في الثاني.

والمراد بغسله الثابتُ في مذهبه. ولو لم يعرف كيفية الغسل عندهم جاز تغسيله غسل أهل الحق.

ومنع المفيد من تغسيله إلّا لضرورة كتقيّة فيغسله غسل أهل الخلاف، ولا يترك معه جريدة(5).

وعلّله الشيخ في التهذيب: بأن المخالف للحق كافر، فيجب أن يكون حكمه

حكمهم إلا ما خرج بالدليل، والكافر لا يجوز تغسيله(6). ونحوه قال ابن البراج(7).

ولا يخفى أنّ المراد بالمخالف غير الناصبي وما ماثله.

ص: 267


1- التوبة (9): 84.
2- المائدة (5): 51.
3- الكافي، ج 3، ص 159، باب الرجل يغسل المرأة .... ح 12؛ الفقيه، ج 1، ص 155، ح 434؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 335 - 336 ، ح 982.
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 328.
5- المقنعة ص 85.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 335.
7- المهذب، ج 1، ص 56.

والمشهور الجواز على كراهية.

[ أحكام المحتضر ]

(ويجب) على مَنْ حضر عند المريض، بل على مَنْ سمع به عند الاحتضار وهو السوق - سُمّى به؛ لحضور المريض الموت، أو لحضور إخوانه وأهله عنده، أو لحضور الملائكة عنده لقبض روحه - (توجيهه إلى القبلة).

وكيفيّته أن يوضع (على ظهره) ويجعل باطن قدميه إلى القبلة (بحيث لو جلس كان مستقبلاً) لها.

والحكم بوجوب الاستقبال هو المشهور خبراً وفتویً.

ومستنده من الأخبار - السليمة دلالةً وسنداً - ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: «إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه تجاه القبلة، وكذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلاً بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة»(1).

وأمّا غيره من الأخبار التي استدلّ بها على الوجوب فلاتخلو من شيء إمّا في

السند أو في الدلالة إمّا لعدم التصريح بالأمر أو لوروده في واقعة معينة.

وعلّل في بعضها: بأنه «إذا استقبل به أقبلت عليه الملائكة» روي ذلك عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قاله في هاشمي كان في السوق(2).

و اختار الشيخ في الخلاف الاستحباب(3)، وتبعه في المعتبر ناقلاً عن سائر الجمهور خلا سعيد بن المسيب فإنّه أنكره مستضعفاً للروايات الدالة على الوجوب، ولأنّ التعليل في الرواية عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) كالقرينة الدالة على الفضيلة، مع أنه أمر في واقعةٍ(4)؛

ص: 268


1- الكافي، ج 3، ص 127، باب توجيه الميت إلى القبلة، ج 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 286، ح 835.
2- الفقيه، ج 1 ، ص 133 ، ح 349.
3- الخلاف، ج 1، ص 691، المسألة 466.
4- المعتبر ، ج 1 ، ص 258 و 259.

ونحن قد ذكرنا ما هو المستند.

وقد تقدّم أنّ فرض الاستقبال به كفاية، كباقي أحكامه.

ويسقط الاستقبال به مع اشتباه القبلة؛ لعدم إمكان توجيهه في حالة واحدة إلى الجهات المختلفة. واحتمله في الذكرى(1).

والأولى عود ضمير «توجيهه» إلى المسلم ومَنْ في حكمه المذكور سابقاً ليفيد

اختصاص الحكم به، كماهو الواقع، لا إلى الميت؛ لاحتياجه حينئذ إلى التقييد.

ولا فرق بين الصغير والكبير في هذا الحكم للعموم.

ولقد كان ينبغي اختصاص الحكم بوجوب الاستقبال بمن يعتقد وجوبه، فلايجب توجيه المخالف إلزاماً له بمذهبه، كما يغسل غسله. ويقتصر في الصلاة عليه على أربع تكبيرات.

وهل يسقط الاستقبال بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن؟ كلُّ محتمل.

ووجه الثاني عموم الأمر، وعدم ذكر الغاية، وينبه عليه ذكره حال الغسل في الخبر السابق(2)، ووجوبه حال الصلاة والدفن وإن اختلفت الهيئة.

وفي الذكرى:

أنّ ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته، وأنّ الواجب أن يموت إلى القبلة. قال:

وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال(3).

وفي استفادة سقوط الاستقبال بموته منها نظر.

(ويستحبّ التلقين) للمحتضر (بالشهادتين والإقرار بالأئمة (علیهم السلام)، وكلمات الفرج).

والمراد بالتلقين التفهيم، يقال: غلام لقن، أي سريع الفهم.

ص: 269


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 236 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- أي خبر سليمان بن خالد، المتقدّم آنفاً.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 236 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

فعن الصادق (علیه السلام): «ما من أحدٍ يحضره الموت إلا وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر، ويشكّكه في دينه حتّى تخرج نفسه، فمن كان مؤمناً لم يقدر عليه؛ فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يموت»(1).

وفي رواية: «يلقنه كلمات الفرج والشهادتين ويسمّي له الإقرار بالأئمة واحداً بعد واحد حتى ينقطع منه الكلام»(2).

وعن أبي بكر الحضرمي أنّه لقّن رجلاً الشهادتين، والإقرار بالأئمة رجلاً رجلاً، فرئي الرجل بعد وفاته فقال: نجوت بكلمات لقّنيهنّ أبو بكر، ولولا ذلك كدت أهلك، في حديث طويل(3).

وقال الصادق (علیه السلام): «[اعتقل لسان](4) رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم) ، فقال له: قل: لا إله إلا الله، فلم يقدر عليه، فأعاد عليه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل امرأة، فقال لها: هل لهذا الرجل أُمّ؟ فقالت: نعم يا رسول الله أنا أُمّه، فقال لها أراضية أنتِ عنه أم لا؟ فقالت: بل ساخطة ، فقال (علیه السلام): إني أُحبّ أن ترضي عنه، فقالت: قد رضيتُ عنه لرضاك يا رسول الله فقال له : قل: لا إله إلّا الله فقال: لا إله إلّا الله فقال: قل: يامَن يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير إنك أنت العفو الغفور، فقالها، فقال له: ماذا ترى؟ قال: أسودين قد دخلا عليَّ، قال: فأعدها، فأعادها، فقال: ماترى؟ قال: قد تباعدا عنّي و دخل الأبيضان وخرج الأسودان فما أراهما، ودنا الأبيضان مني فأخذا نفسي، فمات من ساعته»(5).

ولابدّ من متابعة المريض بلسانه وقلبه إن أمكن وإلّا عقد بها قلبه؛ لقوله (علیه السلام): «مَنْ

ص: 270


1- الكافي، ج 3، ص 123، باب تلقين الميت، ح 6؛ الفقيه، ج 1، ص 133، ح 350 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
2- الكافي، ج 3، ص 124 باب تلقين الميت ذيل الحديث 6.
3- الكافي، ج 3، ص 122 - 123، باب تلقين الميت، ح 4.
4- بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجريّة و«الأصل وم»: «اعتل». وما أثبتناه من المصدر.
5- الفقيه، ج 1، ص 132، ح 347.

كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنّة»(1).

وقوله : «من كان آخر قوله عند الموت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

إلّا هدمت ما قبلها من الخطايا والذنوب، فلقّنوها موتاكم فقيل: يا رسول الله كيف هي للأحياء؟ قال: «هي أهدم وأهدم»(2).

وروي أنه (صلّی الله علیه وسلّم) حين دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فلقّنه كلمات الفرج - إلى قوله-: وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، فقالها فقال (صلّی الله علیه وسلّم): «الحمد لله الذي استنقذه من النار»(3).

وينبغي أن يكون ذلك من الملقن بلطف ومداراة من غير تكرار يوجب الإضجار.

وليكن آخره لا إله إلا الله.

(ونقله إلى مصلّاه) - وهو الموضع الذي أعدّه في بيته للصلاة، أو الذي كان يكثر فيه الصلاة أو عليه - إن تعسّر عليه الموت واشتدّ به النزع لا مطلقاً وإن كانت العبارة تحتمله؛ لقول الصادق (علیه السلام): «إذا عسر على الميّت موته قرّب إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه»(4).

وفي حديث زرارة قال: «إذا اشتدّ عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه»(5).

وعن أبي عبد الله (علیه السلام): «أنّ أبا سعيد الخدري قد رزقه الله هذا الرأي وأنه اشتدّ نزعه، فقال: احملوني إلى مصلاي فحملوه فلم يلبث أن هلك»(6).

وفي حديثٍ آخر عنه (علیه السلام): «أنّ أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)

ص: 271


1- الفقيه، ج 1، ص 132، ح 345؛ الأمالي الصدوق، ص 434، المجلس 80، ح 5.
2- ورد نحوه في المحاسن، ج 1، ص 102 - 103، ح 78؛ وثواب الأعمال، ص 16، ح 3.
3- الكافي، ج 3، ص 124 ، باب تلقين الميت، ح 9؛ الفقيه، ج 1 ، ص 131 ، ح 343 .
4- الكافي، ج 3، ص 125، باب إذا عسر على الميت الموت .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 427 ، ح 1356.
5- الكافي، ج 3، ص 126، باب إذا عسر على الميت الموت .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 427 ، ح 1357.
6- الكافي، ج 3، ص 126 ، باب إذا عسر على الميت الموت .... ح 4.

وكان مستقيماً فنزع ثلاثة أيّام فغسله أهله ثمّ حمل إلى مصلاه فمات فيه»(1).

(والتغميض) لعينيه بعد موته معجّلاً؛ لقوله (صلّی الله علیه وسلّم): «إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإنّ البصر يتبع الروح»(2).

ولأنّ فتح عينيه يقبح منظره، ويجوز معه دخول الهوام إليهما، وبعد الإغماض يشبه النائم.

(وإطباق فيه) بعده كذلك ؛ للاتّفاق عليه، ولئلا يقبح منظره بدونه وتدخل الهوام

إلى بطنه.

وكذا يستحبّ شدّ لحييه بعصابة؛ لأمر الصادق (علیه السلام) به في ابن له(3)، وفَعَله في ابنه إسماعيل(4). ولئلا تسترخي لحياه فينفتح فوه ويلزم ما تقدّم.

( ومدّ يديه) إلى جنبيه وساقيه إن كانتا منقبضتين، ذكره الأصحاب.

قال المحقّق في المعتبر: ولم أعلم في ذلك نقلاً عن أهل البيت، ولعلّ ذلك ليكون أطوع للغاسل وأسهل للدرج(5).

(وتغطيته بثوب)؛ لأنّ النبي (صلّی الله علیه وسلّم) سُجِّي بحِبَرَة(6). وغطّى الصادق (علیه السلام) ابنه إسماعيل بملحفة(7). ولأنّ فيه ستراً للميّت وصيانةً.

(والتعجيل) لتجهيزه؛ للإجماع.

ولقول النبي (صلّی الله علیه وسلّم): «عجّلوا بهم إلى مضاجعهم»(8).

ص: 272


1- الكافي، ج 3، ص 125، باب إذا عسر على الميت الموت .... ح 1.
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 468. ح 1455؛ مسند أحمد، ج 5، ص 107، ح 16686؛ المعجم الكبير، الطبراني، ج 7، ص 291، ح 7168.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 841.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 842.
5- المعتبر، ج 1، ص 261.
6- صحيح مسلم، ج 2، ص 651 ، ح 942/48؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 541، ح 6612.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289، ح 842.
8- الكافي، ج 3، ص 137، باب تعجيل الدفن، ح 1؛ الفقيه، ج 1، ص 140 ، ح 386؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 427 - 428، ح 1359.

وقوله (صلّی الله علیه وسلّم): «إذا مات الميت لأوّل النهار، فلا يقيل(1) إلّا في قبره»(2).

وقوله (صلّی الله علیه وسلّم): «كرامة الميت تعجيله»(3).

وقد ورد استحباب إيذان إخوان الميت بموته، لقول النبي (صلّی الله علیه وسلّم): «لايموت منكم أحد إلا آذنتموني»(4).

وقول الصادق (علیه السلام): «ينبغي لأولياء الميّت منكم أن يؤذنوا إخوان الميّت يشهدون جنازته ويصلّون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر وللميّت الاستغفار، ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب له من الاستغفار»(5).

ولو كان حوله قرى ،أو ذنوا كما فعل الصحابة من إيذان قرى المدينة لمّامات

رافع بن خديج(6).

وينبغي مراعاة الجمع بين السُنّتين، فيؤذن من المؤمنين والقرى من لا ينافي

التعجيل عرفاً.

ولو نافي إعلام بعضهم تعجيله على وجهِ لا يلزم منه فساد الميّت ولا تشويه خلقته، ففي تقديم أيّهما نظر. ولعلّ مراعاة التعجيل أولى؛ جمعاً بينه وبين أصل سنّة الإيذان، بخلاف ما لو انتظر الجميع، فإنّ سنّة التعجيل تفوت، أما لو استلزم الانتظار وقوع أحد الوصفين بالميّت فلا ريب في تضيق وجوب التعجيل.

(إلّا مع الاشتباه) فلا يجوز التعجيل فضلاً عن رجحانه، بل يرجع إلى الأمارات، أو یصبر عليه ثلاثة أيام إلا أن يتغيّر قبلها لئلا يعان على قتل امرئ مسلم؛ لقول الصادق (علیه السلام):

ص: 273


1- القائلة: الظهيرة. القيلولة: نومة نصف النهار. لسان العرب، ج 11، ص 577، «قيل».
2- الكافي، ج 3، ص 138، باب تعجيل الدفن، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 428 ، ح 1360.
3- الفقيه، ج 1، ص 140 . ح 385.
4- المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 591.
5- الكافي، ج 3، ص 166 ، باب أن الميت يؤذن به الناس ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 452.
6- انظر السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 124، ح 7180.

«خمسة ينتظر بهم إلّا أن يتغيّر وا: الغريق، والمصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخّن»(1) .

وعنه(علیه السلام) وقد سئل كيف يستبرأ الغريق؟ «يترك ثلاثة أيّام قبل أن يدفن إلّا أن يتغيّر فيغسل ويدفن»(2) .

وروي عن الكاظم(علیه السلام): «أنّ أُناساً دُفنوا أحياء ما ماتوا إلّا في قبورهم»(3).

قال المصنّف في النهاية :

شاهدت واحداً في لسانه وقفة فسألته عن سببها، فقال: مرضت مرضاً شديداً واشتبه الموت، فغُسّلتُ ودُفنتُ في أزج(4) ، ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد ليلة أو ليلتين إمّا زوجته أو أُمّه أو أخته أو ابنته، فتنوح عنده ساعة ثمّ تطبق عليه هكذا يومين أو ثلاثة، فتح عليّ فعطست، فجاءت أُمّي بأصحابي فأخذوني من الأزج، وذلك منذ سبع عشرة سنة(5).

والمراد بالأمارات نحو: انخساف صُدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعه، واسترخاء قدميه، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة.

قيل: ومنه زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب النفس وزوال النبض(6) .

ونقل في الذكرى عن جالينوس:

أنّ أسباب الاشتباه: الإغماء، ووجع القلب، وإفراط الرعب أو الغمّ أو الفرح أو الأدوية المخدّرة، فيستبراً بنبض عروق بين الأُنثيين، أو عرق يلي الحالب(7)

ص: 274


1- الكافي، ج 3، ص 210، باب الغريق والمصعوق، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 337 - 338، ح 988 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338، ح 990 .
3- الكافي، ج 3، ص 210، باب الغريق والمصعوق، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 338، ح 991
4- الأَزَجُ بيت يُبنى طولاً. لسان العرب، ج 2، ص 208، «أزج».
5- نهاية الإحكام، ج 2، ص 218 .
6- القائل هو ابن الجنيد كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 240 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
7- الحالبان: عرقان يبتدان الكليتين من ظاهر البَطْن وهما أيضاً عرقان أخضران يكتنفان السرَّة إلى البطن. العرب، ج 1، ص 333، «حلب».

والذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في باطن الألية أو تحت اللسان أو في بطن المنخر، ومنع الدفن قبل يوم وليلة إلى ثلاثة(1) .

واعلم أنّ الاستحباب في هذه المواضع كفائي، فلا يختصّ بالوليّ وإن كان الأمر فيه آكد، وفي بعض الأخبار وعبارات الأصحاب مايدلّ على اختصاصه بذلك.

( ويكره طرح الحديد على بطنه) ذكر ذلك الشيخان(2) وجماعة من الأصحاب(3) .

قال الشيخ في التهذيب : سمعناه مذاكرةً من الشيوخ (رحمهم الله)(4) .

واحتجّ في الخلاف على الكراهية بإجماعنا (5).

وكما يكره طرح الحديد عليه يكره غيره أيضاً، ذكره المصنّف(6) وجماعة.

وقال ابن الجنيد : يضع على بطنه شيئاً يمنع من ربوها(7)(8). والإجماع على خلافه.

(وحضور الجنب والحائض عنده) لثبوت النهي عنه في الأخبار (9)، وفي بعضها: «أنّ الملائكة تتأذّى بذلك »(10).

والظاهر اختصاص الكراهة بزمان الاحتضار إلى أن يتحقّق الموت؛ لأنّه وقت حضور الملائكة.

ص: 275


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 240 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- المقنعة، ص 74: المبسوط، ج 1، ص 248؛ الخلاف، ج 1، ص 691، المسألة 467.
3- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 236؛ وسلار في المراسم، ص 47: والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 54؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 62: والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 28؛ والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 216 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 290 .
5- الخلاف، ج 1، ص 691، المسألة 467.
6- نهاية الإحكام، ج 2، ص 216: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 342، المسألة 113.
7- الربو: الارتفاع الصحاح، ج 4، ص 2349 «ربا».
8- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 264 .
9- انظر الهامش 1 في ص 276.
10- انظر الهامش 2 في ص 276.

ولقول الصادق(علیه السلام): «لا تحضر الحائض الميّت ولا الجنب عند التلقين، ولا بأس أن يليا غسله»(1).

وقال عليّ بن أبي حمزة للكاظم(علیه السلام): المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض فى حدّ الموت، فقال: «لابأس أن تُمرّضه، فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتتنحّ عنه وعن قربه، فإنّ الملائكة تتأذّى بذلك»(2).

ويحتمل استمرار كراهة الحضور. والكراهة في الحائض مستمرة حتّى تطهر وتغتسل.

وهل تزول في الجنب بالتيمّم عند تعذّر الغسل، وفيها بعد الانقطاع مع تعذّره ؟ نظر: من إباحته ماهو أقوى من ذلك كالصلاة ومن أنّ التيمّم لا يرفع الحدث عنهما، وأنّه لا يشترط في صدق المشتقّ بقاء المعنى المشتقّ منه عندنا، فيطلق عليهما «حائض» و «جنب» معه(3) بل بعد الغسل، لكن خرج ما بعده بالإجماع فيبقى الباقي.

[في الغاسل]

(وأولى الناس بغسله) بل بجميع أحكامه (أولاهم بميراثه) لعموم: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ )(4) .

ولقول عليّ(علیه السلام) :« يغسل الميّت أولى الناس به»(5) .

والمراد بتقديم الأولى بالميراث: أنّ كلّ مرتبة من مراتب الإرث أولى ممّا بعدها إن كان، وأمّا تفضيل تلك المرتبة في نفسها فلا تعرّض إليه في هذه العبارة، وسيأتي التنبيه على بعضه هنا والباقي في الصلاة عليه.

وقد ذكر المصنّف وغيره هنا وفي الصلاة: أنّ الرجال أولى من النساء مطلقاً، فلو كان

الميّت امرأةً لا يمكن الوليّ الذكر مباشرة تغسيلها أذن للمماثل، فلا يصحّ فعله بدون إذنه.

ص: 276


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 428 ، ح 1362.
2- الكافي، ج 3، ص 138، باب الحائض تمرّض المريض، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 428، ح 1361.
3- أي مع التيمم.
4- الأنفال (8): 75 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 431، ح 1376.

وربما قيل: إنّ ذلك مخصوص بالرجل، أمّا النساء فالنساء أولى بغسلهنّ. ولم يثبت.

وامتناع المباشرة لا يستلزم انتفاء الولاية، ومهما امتنع الوليّ من الإذن أو فُقد سقط اعتبار إذنه، فيأذن الإمام ثمّ الحاكم، قيل: ثمّ المسلمون(1) .

(والزوج أولى) بزوجته من جميع أقاربها (في كلّ أحكام الميّت) لقول الصادق(علیه السلام) في خبر إسحاق بن عمّار:« الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها»(2) .

ولا فرق بين الدائم والمنقطع؛ للإطلاق.

(و) تشترط المماثلة بين الغاسل والمغسول في الذكورة والأنوثة مع الاختيار، فيجب أن (يغسل كلَّ من المرأة والرجل مثله) اتفاقاً.

(و) استثني من ذلك مواضع:

أحدها: الزوجيّة، فلامنع فيها، بل (يجوز لكلّ من الزوجين تغسيل الآخر اختياراً) على أشهر القولين: لأنّ فاطمة(سلام الله علیهما) أوصت أن تُغسّلها أسماء بنت عميس وعليّ(علیه السلام)(3). وغسلت أسماء زوجها بوصيّته (4).

ولقول النبيّ( صلى الله عليه و آله و سلم) لبعض نسائه: «لومتُ قبلي لغسلتكِ»(5).

وروی محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يغسّل امرأته؟ قال: «نعم، إنّما يمنعها أهلها تعصّباً»(6).

ص: 277


1- القائل هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 243 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الكافي، ج 3، ص 194، باب سلّ الميت وما يقال ... ، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325، ح 949 .
3- دعائم الإسلام، ج 1، ص 228؛ سنن الدار قطني، ج 2، ص 234، ح 12/1827؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 556 . ح 6660 : كشف الغمة، ج 1، ص 500 و 503. 503,500.
4- الموطأ ، ج 1، ص 223 ، ح 3: المصنف ابن أبي شيبة، ج 3، ص 136، ح 1 و 2؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 0557 ح 6663: تاريخ الطبري، ج 3، ص 421: الكامل في التاريخ، ج 2، ص 419.
5- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 470، ح 1465؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 555، ح 6659؛ مسند أحمد، ج 7، ص 325 ، ح 25380.
6- الكافي، ج 3، ص 158 - 159، باب الرجل يغسل المرأة .... ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 439، ح 1419: الاستبصار، ج 1، ص 199، ح ..7 .

وشرط الشيخ في كتابي الأخبار في جواز تغسيل كلّ منهما صاحبَه الضرورة(1). وتبعه جماعة(2) .

وما تقدّم من الأخبار وغيرها حجّة عليهم.

والمشهور في الأخبار(3) والفتوى: أنّه من وراء الثياب، ويجب حمل ما أُطلق من الأخبار عليه؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

والمراد بالثياب المعهودةُ، وفي بعضها: «يغسّلها من فوق الدرع»(4)، وذلك يقتضي استثناء الوجه والكفّين والقدمين، فيجوز أن تكون مكشوفةً.

وهل يطهر الثوب بصبّ الماء عليه من غير عصر ؟ مقتضى المذهب ،عدمه، وبه صرّح المحقّق في المعتبر في تغسيل الميّت في قميصه من ممثاله(5).

ومنع في الذكرى من عدم طهارته بالصبّ ؛ لإطلاق الرواية، قال: وجاز أن يجري مجرى مالايمكن عصره(6).

واختار المصنّف (رحمه الله) جواز التجريد فيهما كمالو غسّله مماثله(7) .

ويختصّ اللمس بما جاز نظره من الأعضاء سواء جوّزنا التجريد أم لا.

ولافرق في الزوجة بين الحرّة والأمة، والمدخول بها وغيرها.

والمطلّقة رجعيّةً زوجة بخلاف البائن.

ص: 278


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 440: الاستبصار، ج 1، ص 199، ذیل الحدیث 701.
2- منهم السيّد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 102 .
3- منها : صحيح منصور كما في الكافي، ج 3، ص 158. باب الرجل يغسل المرأة .. ح 8 وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 439، ح 1418؛ والاستبصار، ج 1، ص 199، ح 699. ومنها: صحيح محمد بن مسلم كما في الكافي، ج 3، ص 157 ، ح 3؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 438، ح 1411: والاستبصار، ج 1، ص 196 - 197 ، ح 690.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 438 ، ح 1414: الاستبصار، ج 1، ص 197، ح 693.
5- المعتبر، ج 1، ص 271 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 278 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
7- نهاية الإحكام، ج 2، ص 230 .

ولا يقدح انقضاء العدّة في جواز التغسيل عندنا، بل لو تزوّجت جاز لها تغسيله وإن بَعُدَ الفرض.

واعلم أنّه لا استدراك في قوله «ويجوز لكلّ من الزوجين» إلى آخره، بعد قوله «والزوج أولى» لما تقدّم من أنّ الولاية لا تستلزم جواز المباشرة؛ ولأنّ الزوجة لم يسبق لها ذكر.

وثانيها: المملوكيّة على وجه، فيجوز للسيّد تغسيل أمته غير المزوّجة ومدبَّرته وأُمّ ولده؛ لأنّهنّ في معنى الزوجة، دون المكاتبة؛ لتحريمها عليه بعقد الكتابة سواء المطلقة والمشروطة.

ولو كانت الأمة مزوّجةً أو معتدّةً لم يجز له تغسيلها.

وفي المُولى منها والمظاهر منها ومن الزوجات نظر.

وجزم المصنّف والشهيد في الذكرى بعدم المنع (1).

وأمّا تغسيل المملوكة لسيّدها، فإن كانت أُمّ ولد جاز؛ لبقاء علقة الملك من وجوب الكفن والمؤونة والعدّة. ولإيصاء زين العابدين(علیه السلام) أن تُغسله أُمّ ولده(2) .

وأمّا غير أُمّ الولد من المملوكات، ففي جواز تغسيلها إيّاه نظر من استصحاب حكم الملك، ولأنّها في معنى الزوجة في إباحة اللمس والنظر فيباح، وهو اختيار المصنّف(3) . ومن انتقال ملكها إلى الوارث فيمتنع واستقر به شيخه في المعتبر(4) ، وهو قويّ.

والخلاف في غير المزوّجة والمعتدّة والمكاتبة والمرتدّة والمعتق بعضها فإنّها كالحُرّة.

(و) ثالثها: اشتباه الحال في الذكوريّة والأنوثيّة لفقد موضع العلامات، فيغسّله

ص: 279


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 230؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 245 - 246 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 444 ، ح 1437؛ الاستبصار، ج 1، ص 200، ح 704.
3- انظر نهاية الإحكام، ج 2، ص 230؛ وتذكرة الفقهاء، ج 1، ص 363، ذيل المسألة 131.
4- المعتبر، ج 1، ص 221.

محارمه من وراء الثياب، وكذا (يغسّل الخنثى المشكل) بالنصب (محارمُه) بالرفع (من وراء الثياب) لعدم إمكان الوقوف على المماثل في الموضعين.

هذا مع زيادة سنّه على ثلاث سنين، وإلّا لم يتوقّف على المحرم، كما سيأتي.

والمراد بالمحرم هنا هو المبحوث عنه في باب النكاح لجواز النظر إليه ما عدا العورة، وهو مَنْ حرم نكاحه مؤبّداً بنسبٍ أو رضاع أو مصاهرة، كالأم والأخت وبنتها وزوجة الأب والولد.

واحترز بالتأبيد عن أُخت الزوجة وبنت غير المدخول بها؛ فإنّهما ليستا من المحارم لعدم التحريم المؤبّد، بل هما بحكم الأجانب. وتوقّف حلّ نكاحهما على مفارقة الأخت والأمّ لا يقتضى حلّ النظر ودخولهما في اسم المحارم، وإلّا لزم كون نساء العالم محارم للمتزوّج أربعاً؛ لتوقّف نكاح واحدة منهنّ على فراق واحدة.

وقد صرّح بهذا القيد جماعة من الأصحاب(1) ، ومَن تركه منهم فإنّما هو لظهوره، بناءً على أنّ التحريم العارضي بغير تأبيد لا يفيد المحرميّة، كتحريم الأجانب.

واعلم أنّ المصنّف في كثير من كتبه والمحقّق في المعتبر وغيرهما لم يذكروا المصاهرة هنا في تعريف المحرميّة. ووجهه غير واضح.

ولو لم يكن له محرم ففي دفنه بغير غسل أو شراء أمة من تركته تغسّله، فإن لم يكن له تركة فمن بيت المال، أو استصحاب حاله في الصغر فيغسّله الرجل والمرأة أوجُه.

ويضعّف الثاني : بانتقال التركة عنه بموته مع الشكّ في جواز تغسيل الأمة، كمامرِّ، والثالث: بانتفاء الصغر المزيل للشهوة.

والإشكال آتٍ أيضاً في العضو الملقوط الذي لا يعلم ذكوريّته ولا أُنوثيّته حیث يجب تغسيله.

ص: 280


1- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 361 .

ولو كان الميّت من محارم الخنثى جاز للخنثى تغسيله مع فقد المماثل من وراء الثياب، وهو أولى من باقي المحارم غير المماثلين؛ لإمكان مماثلته للميّت.

ورابعها : مَنْ لم يزد سنّه على ثلاث سنين من الذكور والإناث (و) هذا أيضاً لا تجب فيه المماثلة، بل يجوز أن (يغسّل) الرجل (الأجنبي بنت ثلاث سنين) فما دون في حال كونها (مجرّدةً، وكذا المرأة) يجوز لها تغسيل ابن ثلاث سنين فما دون مجرّداً اختياراً.

وشرط في النهاية عدم المماثل(1) .

ومنع في المعتبر من تغسيل الرجال الصبيّة فارقاً بينها وبين الصبيّ: بأنّ الشرع أذن في اطّلاع النساء على الصبيّ؛ لافتقاره إليهنّ في التربية، وليس كذلك الصبيّة، والأصل حرمة النظر (2).

وجوز المفيد وسلّار تغسيل ابن خمس سنين مجرّداً(3)، والصدوق تغسيل بنت أقلّ من خمس سنين مجرّدةً(4) . والكلّ ضعيف.

وبالجملة، فجواز تغسيل النساء لابن ثلاث سنين إجماعي، بل ادّعى المصنّف في التذكرة والنهاية إجماعنا أيضاً على تغسيل الرجل الصبيَة(5) . وكأنّه لم يعتبر خلاف المحقّق، أو أنّه لم يتحقّقه؛ فإنّه لم يصرّح به وإنّما تدلّ عليه حجّته، ولهذا قال في الذكرى: وظاهر المعتبر أنّه لا يجوز للرجال تغسيل الصبيَة(6) .

والنصوص دالّة على جواز القسمين، مضافاً إلى الإجماع.

ولو قدّم المصنّف تغسيل المرأة على الرجل ثمّ عطفه عليها كان أجود؛ لأنّ حكمها

ص: 281


1- النهاية، ص 41 .
2- المعتبر، ج 1، ص 324 .
3- المقنعة، ص 87: المراسم، ص 50.
4- المقنع، ص 62.
5- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 368 المسألة 135؛ نهاية الإحكام، ج 2، ص231 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 247 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 5)

أقوى منه فكان أولى بالتقديم، وكونه متبوعاً لا تابعاً.

وكما يجوز التجريد فيهما لا يجب ستر العورة؛ لانتفاء الشهوة في مثل ذلك؛ ولأنّ بدن البنت عورة في أصله، فلولا جواز كشف العورة الخاصّة لم يجز تجريدها وقد جاز بالإجماع.

واعلم أنّ المفهوم من تحديد السنّ هنا وفي الصلاة عليه أنّ منتهاه الموت، فلا اعتبار بما بعده وإن طال، فيمكن على هذا حصول الموت على نهاية الثلاث ووقوع الغسل بعد ذلك، فلايشترط في صحّة الحكم وقوع الغسل قبل تمام الثالثة، فلا يتوجّه حينئذٍ ماقاله المحقّق الشيخ عليّ من أنّ الثلاث إذا كانت نهاية الجواز فلابدّ من كون الغسل واقعاً قبل تمامها، فإطلاق ابن ثلاث يحتاج إلى التنقيح، قال: إلّا أن يصدق على مَنْ شرع في الثالثة أنّه ابن ثلاث(1). انتهى.

وهذا - كما عرفت - إنّما يتوجّه لو جعلنا غاية التحديد الغسل لا الموت، و هو غير واضح.

وخامسها: المحرميّة مع تعذّر المماثل، فيغسّل كلُّ من الرجل و المرأة الآخر إذا كان محرماً له؛ لتسويغ النظر واللمس.

وشرط الأصحاب كونه من وراء الثياب؛ محافظةً على ستر العورة، ولا تلازم بين جواز لمس ما عدا العورة ونظره في حال الحياة وجوازه هنا. وقد تقدّم مثله في الزوج مع أنّ شأنها بالنسبة إلى الزوج أعظم.

ولو فُقد المحرم لم يجز لغير المماثل الأجنبي تغسيل الميّت على المشهور روايةً وفتوىً (و) لكن (تأمر) المرأة (الأجنبيّة مع فقد المسلم وذات الرحم) الرجلَ (الكافر بالغسل) لنفسه (المسلم غُسلَه، وكذا) يأمر المسلم (الأجنبي) المرأة الكافرة بأن تغتسل ثمّ تُغسّل الميّتةَ المسلمة غُسل المسلمات مع فقد المسلمة وذي الرحم على المشهور

ص: 282


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 364 .

بين الأصحاب، ورواه عمّار عن الصادق(علیه السلام)(1) ، وعمرو بن خالد بإسناده إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)(2).

ومَنَعه المحقّق في المعتبر؛ محتجّاً بتعذّر النيّة من الكافر، مع ضعف السند(3) .

وأجيب: بمنع لزوم النيّة؛ إذ الاكتفاء بنيّة الكافر كالعتق منه، وعمل الأصحاب یجبر ضعف السند(4).

والحاصل أنّ المراد من هذا الغسل الصوريُ لا الشرعي؛ لنجاسة الكافر، فلايفيد غيره تطهيراً، فلا إشكال حينئذٍ لكونه تعبّداً كالتعبّد بتقديم غسله مع أنّه لا يطهر، أو لكونه مزيلاً للنجاسة الطارئة فلا يسقط الغسل بمسّه حينئذ ؛ لعدم التطهير الحقيقي.

ويعاد الغسل لو وُجد مَنْ يجوز له تغسيله من المسلمين على أصحّ القولين؛ لأنّ المأمور به - وهو الغسل الحقيقي - لم يوجد ، وتعذَّره للضرورة لا يقتضي سقوطه مطلقاً، وما وقع بدله للضرورة لم يقتض سقوطه، بناءً على أنّ فعل البدل عند التعذّر مخرج عن العهدة؛ لعدم انحصار التكليف فيما وقع بدلاً، فإنّ الكافر عندنا مخاطب بفروع الإسلام، وهو قادر على إيقاعها على وجهها بالإسلام، فماوقع منه بدلاً لم ينحصر فيه إلّا تكليف المسلم، لا مطلق التكليف الذي لا يتمّ المطلوب بدونه.

ولا يرد أنّ انحصار تكليف المسلم به كافٍ مع عدم إسلام الكافر، فلا يتوجّه إعادة الغسل بدون إسلامه؛ لما بيّنّاه من أنّ الخروج عن العهدة، المسقط للتدارك مع القدرة إنّما يتحقّق بفعل الغسل، ولو كان جانب الكافر غير مراعى في ذلك لزم عدم إعادته لو امتنع الكافر من تغسيله وإن قدر المسلم عليه بعد ذلك؛ لانحصار الوجوب حينئذٍ في أمر المسلم خاصّة وقد حصل.

مع أنّ بدليّة غسل الضرورة من الغسل الحقيقي غير معلومة؛ إذ لا دليل يدلّ عليها،

ص: 283


1- الكافي، ج 3، ص 159، باب الرجل يغسل المرأة .... ح 12؛ الفقيه، ج 1، ص 156 - 157، ح 436 و 437؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 340 - 341، ح 997.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 443 - 444، ح 1433: الاستبصار، ج 1، ص 203 - 204، ح 718.
3- المعتبر، ج 1، ص 326.
4- المجيب هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 250 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وكذا سقوط وجوب الأوّل؛ إذ لا يلزم من امتناع التكليف بفعل واجب في بعض الأزمنة الضرورة سقوطُ وجوبه مطلقاً.

وحيث منعنا مباشرة الكافر أو تعذّر دُفِنَ الميّت بثيابه بغير غسل ولا تيمّم؛ لاستلزامه النظر واللمس المحرَّمين.

وذهب الشيخان(1) وجماعة(2) إلى تغسيل الأجانب لها والأجنبيّات له من فوق الثياب، وأوجب بعضُهم تغميضَ العينين(3)، استناداً إلى روايات(4) معارضة بما هو أصحّ إسناداً وأشهر روايةً.

وروي أنّهم يغسّلون المحاسن: الوجه واليدين(5) ، واختاره الشيخ في النهاية(6) .

(وتجب إزالة النجاسة) العرضيّة عن بدنه (أوّلاً) لتوقّف تطهيره عليها، وأولويّة إزالتها على الحكميّة.

ولخبر يونس عنهم(علیهم السلام) : «فإن خرج منه شيء فأنقه»(7) كذا علّلوه.

والأولى الاستناد إلى النصّ وجعله تعبداً إن حكمنا بنجاسة بدن الميّت، كماهو المشهور، وإلّا لزم طهارة المحلّ الواحد من نجاسة دون نجاسة.

وأمّا على قول السيّد المرتضى فلا إشكال؛ لأنّه ذهب إلى كون بدن الميّت ليس بخبث، بل الموت عنده من قبيل الأحداث كالجنابة (8)، فحينئذٍ تجب إزالة النجاسة

ص: 284


1- المقنعة، ص 87 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 343، ذيل الحديث 1003.
2- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 236 - 237؛ والسيد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 102.
3- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 237؛ والسيد ابن زهرة في غنية النزوع، ج 1، ص 102.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 441 - 442، ح 1426 و 1427: الاستبصار، ج 1، ص 201 - 202، ح 711 و 712.
5- الكافي، ج 3، ص 159، باب الرجل يغسل المرأة .... ح 13؛ الفقيه، ج 1، ص 156، ح 435: تهذيب الأحكام ه. ج 1، ص 440، ح 1422، وص 442 - 443 ، ح 1429؛ الاستبصار، ج 1، ص 200، ح 705، وص 202 - 203، ح 714.
6- النهاية، ص 43.
7- الكافي، ج 3، ص 141 - 142، باب غسل ميّت، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301، ح 877.
8- انظر المعتبر، ج 1، ص 348؛ وإيضاح الفوائد، ج 1، ص 66: وجامع المقاصد، ج 1، ص 461.

الملاقية لبدن الميّت كما إذا لاقت بدن الجنب.

(ثمّ تغسيله بماءٍ) قد وضع فيه شيء من (السدر) أقلّه مسمّاه، وأكثره مالا يخرج الماء بمزجه به عن الإطلاق؛ لدلالة قول الصادق(علیه السلام) في خبر سليمان بن خالد: «يغسّل بماء وسدر، ثم بماءٍ وكافور، ثمّ بماءٍ »(1) عليه.

ولأنّ المقصود التطهير والمضاف غير مطهّر.

ويستحبّ كونه بقدر سبع ورقات، وينبغي كونه مطحوناً أو ممروساً في الماء بحيث تظهر به الفائدة المطلوبة منه وهي التنظيف. وفي وجوب ذلك نظر.

وهذا الغسل في كيفيّته وترتيبه (كالجنابة).

ويستفاد منه جواز الارتماس فيه في ماءٍ لا ينفعل بالملاقاة، وأنّ الواجب الترتيب بين الأعضاء - بأن يبدأ برأس الميّت ورقبته ثمّ بميامنه ثمّ بمياسره - لافيها، فلوغسل العضو من أسفله أجزاً، كما تقدّم في الجنابة.

ومستند ذلك كلّه - بعد الإجماع عليه، كما نقله في المعتبر(2) والذكرى(3) وغيرهما - الأخبار كخبر محمّد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام) : «غسل الميّت مثل غسل الجنب»(4) وهو كما يدلّ على وجوب الترتيب فيه وعلى سقوطه بالارتماس يدلّ على عدم وجوب الوضوء أيضاً.

(ثمّ بماء الكافور كذلك) أي مرتّباً كالجنابة.

وما قلناه في السدر من الاكتفاء بالمسمّى قلّةً وعدم خروج الماء به عن الإطلاق كثرةً معتبر في الكافور أيضاً.

(ثمّ بالقَراح) - بفتح القاف - وهو الماء الخالي من السدر والكافور، لامن كلّ شيء،

ص: 285


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 446، ح 1443.
2- المعتبر، ج 1، ص 266.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- الفقيه، ج 1، ص 192، ح 586 : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 447، ح 1447؛ الاستبصار، ج 1، ص 208 - 209 ح 732.

كما توهّمه بعضهم(1) بناءً على ماذكره أهل اللغة من أنّ القراح: الذي لا يشوبه شيء(2) ، حتّى التجأ إلى أنّ الماء المشوب بالطين - كماء السيل ونحوه - لا يجوز تغسيل الميّت به؛ لعدم تسميته قراحاً لغةً وإن جاز التطهير به في غيره؛ لأنّهم اعتبروا في تطهير غير الميّت الماء المطلق لا القَراح.

وهو فاسد؛ لأنّ اسم القَراح إنّما أُخذ في هذا الماء باعتبار قسيميه حيث اعتبر فيهما المزج لا لا مطلقاً.

وقد نبّه على ذلك في خبر سليمان بن خالد المتقدّم(3) في قوله: «ثمّ بماءٍ» فإنّه راعى فيه اطلاق الاسم ولاريب أنّ الممتزج بالطين المذكور ماء؛ لأنّه المفروض، فلهذا جاز التطهير به في غيره.

وغسله بالقراح (كذلك) أي كغسل الجنابة في الأحكام المذكورة.

ويستفاد من تشبيه كلّ غسل من الأغسال الثلاثة بغسل الجنابة وجوب النية لكلّ غسل، وهو أصحّ القولين؛ لتعدّد الأغسال اسماً وصورةً ومعنى.

واكتفى في الذكرى بنيّة واحدة محتجّاً بأنّ الغسل واحد، وإنّما تعدّد باعتبار کیفیّته(4).

وربما قيل(5) : بالتخيير بين النيّة الواحدة والثلاث؛ لأنّه في المعنى عبادة واحدة وغسلُ واحد مركّب من غسلات ثلاث وفي الصورة ثلاثة، فيجوز مراعاة الوجهين.

وتردّد في المعتبر في وجوب النيّة في هذا الغسل مطلقاً؛ لأنّه تطهير للميّت من نجاسة الموت، فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب، ثمّ احتاط بوجوبها(6) .

ص: 286


1- انظر السرائر، ج 1، ص 162؛ وذكرى الشيعة، ج 1، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- انظر الصحاح ، ج 1، ص 396: والقاموس المحيط، ج 1، ص 242، «فرح».
3- في ص 285 الهامش 1 .
4- انظر ذكرى الشيعة، ج 1، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 5).
5- القائل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 369.
6- المعتبر، ج 1، ص 265.

واعلم أنّ الغاسل إن اتّحد وجب عليه النيّة، فلو نوى غيره لم يجزئ.

ولو اشترك جماعة في غسله، فإن اجتمعوا في الصبّ اعتبرت النيّة من الجميع؛ لاستناده إلى الجميع فلا أولوية.

ولو كان بعضهم يصبّ والآخر يقلّب وجبت على الصابّ؛ لأنّه الغاسل حقيقةً، واستحبّت من المقلّب.

واستقرب في الذكرى إجزاءها منه أيضاً؛ محتجاً بأنّ الصابّ كالآلة(1) .

وفيه نظر؛ لأنّ حقيقة الغسل هو جريان الماء على المحلّ، والغاسل حقيقةً مَنْ صدر عنه ذلك، وهو الصابّ فغيره ليس بغاسل.

ولو ترتُبوا بأن غسّل كلّ واحد منهم بعضاً اعتبرت النيّة من كلّ واحد عند ابتداء فعله؛ لامتناع ابتناء فعل مكلّف على نيّة مكلّف آخر.

ويحتمل الاكتفاء بنيّة الأوّل؛ لأنّ النيّة إنّما تعتبر عند الشروع.

ويستفاد من عطف بعض الأغسال الثلاثة على بعض ب_«ثم» وجوب الترتيب بينها على الوجه المذكور، فلو غيّر الترتيب لم يجزئ لعدم الامتثال.

هذا إن وجد الخليط، أعني السدر والكافور ( وإن فقد السدر والكافور غسّل ثلاثاً بالقراح) على أصحّ القولين؛ لأنّ الواجب تغسيله بماء وسدر، وبماءٍ وكافور، كما تقدّم في الخبر، فالمأمور به شيئان، فإذا تعذّر أحدهما لم يسقط الآخر؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، كماورد في الخبر(2) أيضاً .

ولقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(3) .

وقيل: تجزئ غسلة واحدة(4) - وهو أحد قولي الشهيد(5) - للأصل، والشكّ في

ص: 287


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 279 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- عوالي اللآلي، ج 4، ص 58، ح 205.
3- صحيح مسلم، ج 2، ص 975، ح 1337/412، وفيه: «بشيء» بدل «بأمر».
4- قال بالإجزاء الشيخ في النهاية، ص 43؛ والمبسوط، ج 1، ص 256: والمحقق في المعتبر، ج 1 ، ص 266.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وجوب الزائد فلايجب. ولأنّ المراد بالسدر الاستعانةُ على النظافة، وبالكافور تطييبُ الميّت وحفظه من تسارع التغيّر وتعرّض الهوامّ، فكأنّهما شرط في الماء فيسقط الماء عند تعذّرهما لانتفاء الفائدة. ولأنّه كغسل الجنابة.

قلنا: الأصل قد عُدل عنه للدليل وزال(1) الشكّ، فكما أنّ للسدر والكافور مدخلاً النظافة وفيما ذُكر كذلك لمائهما مدخل في زيادة النظافة، ولهذا كان القراح أخيراً. وفائدة التطهير في غسل الميّت أوضح ممّا ذُكر. ولو سلّم كونه مراداً لم يلزم سقوط الماء؛ لأنّه مراد أيضاً.

ويمنع كونهما شرطاً في الماء مطلقاً، بل مع وجودهما. وكونه كغسل الجنابة إن أراد به أنّ كلّ واحد من الثلاثة كذلك لم يتمّ مطلوبه، وإلّا منعنا صحّته. وكما لا تسقط الغسلتان بفوات ما يطرح فيهما كذا لا تسقط إحداهما بفقد خليطها، فيغسل بالقراح خاصّة في الفائت، ولا تتغيّر غسلة الخليط عن محلّها.

ولو انعكس الفرض بأن كان المفقود ماء غسلتين مع وجود الخليط قدّم السدر ؛ لوجوب البدأة به.

واختار في الذكرى القراح؛ لأنّه أقوى في التطهير. ولعدم احتياجه إلى شيء آخر(2) .وهو ضعيف؛ لوجوب امتثال الأمر بحسب الممكن، والخليط مأمور به مع إمكان الجمع بينه وبين الماء . ولوجوب مراعاة الترتيب فيستصحب.

ولو وجد الماء لغسلتين قدّم الكافور على القراح على مابيّنّاه، وعلى ما اختاره (رحمه الله) يقدّم السدر لوجوب البدأة به، قال: ويمكن الكافور؛ لكثرة نفعه(3) .

ويغسّل الثانية بالقَراح.

والمائز بين الغسلات على تقدير عدم الخليط النيّةُ، فتجب مراعاتها بأن يقصد تغسيله بالقراح في موضع ماء السدر، وكذا في ماء الكافور.

ص: 288


1- في «م»: «زوال».
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

ومع فقد أحد الأغسال يجب أن يُتمّم عنه؛ لاستقلاله بالاسم والحكم. ولأنّ وجوب التعدّد في المبدل منه وعدم إجزاء أحد أقسامه أو القسمين عنه يوجب عدم إجزائهما أو أحدهما عن بدله. وهو اختيار الشهيد في البيان(1) . وفي الذكرى(2) أسقط وجوب التيمّم.

وهو مبنيّ على عدم وجوب التعدّد في التيمّم عند تعذّر الأغسال، كما اختاره فيها (3). ويلزم منه عدم التيمّم مع مسمّى الغسل؛ لأنّه بدل منه، فلا يجمع بين البدل والمبدل. وهو ضعيف، وستأتي بقيّة الكلام فيه.

واعلم أنّ هذه الأغسال الناقصة بوجه لا يحكم معها بتطهير الميّت على وجه يسقط الغسل بمسّه؛ لعدم وقوع الغسل على الوجه المعتبر. ولأنّه غسل ضرورة، ولهذا تجب إعادته أو إكماله إذا أمكن قبل الدفن، وكذا القول في كلّ غسل شُرّع للضرورة، وأولى منه التيمّم.

(ولو خِيف) من تغسيله (تناثُر جلده) كالمحترق والمجدور، وهو مَنْ به الجدري - بضمّ الجيم وفتحها - والملسوع (يُمّم ) لكونه بدلاً من الغسل حيث يتعذّر. وبه أخبار(4) تؤيّدها الشهرة حتّى نقل الشيخ في تيمّم المحترق إجماعنا وإجماع المسلمين عليه(5) .

ويعتبر فيه الضرب على الأرض مرّتين: إحداهما لوجهه، والأخرى لظاهر كفّيه؛ لأنّه بدل من الغسل. والأولى تطهير يد اللامس بعد كلّ لمس حيث يمكن.

والضرب والمسح بيد المباشر.

ولو يُمّم الحيّ العاجز فالضرب والمسح بيدي العاجز بإعانة القادر، ولو تعذّر المسح بيدي العاجز فكالميّت.

ص: 289


1- البيان، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (12).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 280 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 264 - 265 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- منها ما في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 333، ح 977 .
5- الخلاف، ج 1، ص 717، المسألة 529 .

فعُلم من هذا أنّ قولهم في الميّت «يُمّم كالحي العاجز» يحتاج إلى التقييد.

وهل التيمّم ثلاثاً؛ لأنّه بدل عن ثلاثة أغسال، أومرّة؛ لأنّه غسل واحد تعدّد باعتبار كيفيّة؟ الأجود الأوّل - وهو اختيار المصنّف في النهاية (1)- لإطلاق الاسم على كلّ واحد. وكونُ الثلاثة بحيث يطلق عليها اسم واحد لا يُخرجها عن التعدّد في أنفسها، وإذا وجب التعدّد في المبدل منه مع قوّته ففي البدل الضعيف أولى وأجدر. ويتفرّع على ذلك تعدّد نيّة الغسل والتيمّم، وقد تقدّم.

(ويستحبّ وضعه على ساجة) وهي لوح من خشب مخصوص، والمراد وضعه عليها أو على سرير؛ حفظاً لجسده من التلطّخ. وليكن ذلك على مرتفع؛ لئلّا يعود إليه ماء الغسل. وليكن مكان الرجلين منحدراً لئلّا يجتمع الماء تحته.

وليكن في حال الغسل (مستقبل القبلة) استحباباً، وفاقاً للمرتضى في الناصرية(2) والمحقّق(3) ؛ لخبر يعقوب بن يقطين: سألت الرضا(علیه السلام) عن الميّت كيف یوضع على المغتسل، موجّهاً وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال: «يوضع كيف تيسّر»(4)، وللأصل.

واختار جماعة(5) وجوب الاستقبال هنا كالاحتضار؛ لقول الصادق(علیه السلام) حين سئل عن غسل الميّت: «استقبل بباطن قدميه القبلة حتّى يكون وجهه مستقبل القبلة»(6).

قيل: ولا منافاة بينه وبين الخبر السابق؛ لأنّ ما لا يتيسّر لا يجب قطعاً (7).

ويضعّف: بأنّ ذلك يتمّ مع تيسّر جهة واحدة، أمّا مع إمكان القبلة وغيرها ففي الخبر

ص: 290


1- نهاية الإحكام، ج 2، ص 227 .
2- کذا، ووجدناه في جوابات الموصليات الثالثة، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 218 .
3- المعتبر، ج 1، ص 269.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298 ، ح 871 .
5- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 119.
6- الكافي، ج 3، ص 140 ، باب غسل ميّت، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298 ، ح 873 .
7- القائل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 374.

دلالة على التخيير، وهو ينافي الوجوب، فيمكن حينئذٍ الجمع بينهما بحمل الأمر على الاستحباب .

وليكن (تحت الظلال) للخبر (1)وللإجماع. قال في المعتبر وفي التذكرة : ولعلّ الحكمة فيه كراهة مقابلة السماء بعورته(2) .

(ووقوف الغاسل على يمينه) لقول الصادق(علیه السلام): « ولا يجعله بين رجليه، بل يقف

من جانبه»(3)، كذا استدلّ في النهاية(4) ، وهو أعمّ من المدّعى.

(وغمز بطنه) وهو مسحها (في) الغسلتين (الأوليين) - بضمّ الهمزة والياء ين المثنّاتين من تحت - تثنية «أولى» وليكن قبلهما، والغرض بذلك التحفّظ من خروج شيء بعد الغسل؛ لعدم القوّة الماسكة.

ونقل الشيخ فيه الإجماع(5) .

وأنكره ابن إدريس المساواة الميّت للحيّ في الحرمة(6) .

ولا يستحبّ المسح في الثالثة إجماعاً، بل يكره.

وعلى كلّ حالٍ فلو خرج منه نجاسة بعد الغسل أو في أثنائه غُسلت، ولا يعاد الغسل؛ للامتثال، وللأخبار (7).

وهذا الحكم ثابت في كلّ ميّت (إلّا) في (الحامل) التي مات ولدها في بطنها؛ حذراً

ص: 291


1- الكافي، ج 3، ص 142، باب غسل ميت ، ح 6: الفقيه، ج 1، ص 142، ح 397؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 431، ح 1379، وص 432، ح 1380 .
2- المعتبر، ج 1، ص 275 تذكرة الفقهاء ، ج 1، ص 346 ، المسألة 118.
3- أورده المحقق في المعتبر، ج 1، ص 277 .
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 227 .
5- الخلاف، ج 1، ص 695 - 696، المسألة 479.
6- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 282 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 وجامع المقاصد، ج 1، ص 376؛ وفي السرائر، ج 1، ص 166 لم يرد التعليل.
7- انظر الكافي، ج 3، ص 156، باب ما يخرج من الميت .... ح 1؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 449 - 450، ح 1455 - 1457.

من الإجهاض، ولو اتّفق الإجهاض بسببه لزم الفاعل عُشر دية أُمّه، نبّه عليه في البيان (1).

(والذكر) لله تعالى حال الغسل، ويتأكّد الدعاء بالمأثور، وقد تقدّم.

(وصبّ الماء إلى حفيرة) ولتكن تجاه القبلة، كما تضمّنه خبر سليمان بن خالد (2).

ويكره إرساله في الكنيف، وهو الموضع المُعدّ لقضاء الحاجة، ولابأس بالبالوعة، وهي مايُعدّ في المنزل لصبّ الماء ونحوه، وأمّا بالوعة البول فملحقة بالكنيف.

(وتليين أصابعه برفق) على المشهور. ومنع منه ابن أبي عقيل(3) ؛ لقول الصادق (علیه السلام): «ولا تغمز له مفصلاً»(4). ونزّله الشيخ على ما بعد الغسل(5) .

(وغسل فرجه) أراد به الجنس؛ إذ يستحبّ غسل فرجيه بماء قد مُزج (بالحُرض) بضمّ الحاء والراء أو سكونها، وهو الأشنان بضمّ الهمزة، سُمّي به لأنّه يهلك الوسخ، قال تعالى: (حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا)(6) أي مقارباً للهلاك (والسدر) بأن يمزجهما معاً بالماء (و) يغسل فرجيه، ويغسل (رأسه برغوة) السدر خاصّة، كل ذلك (أوّلاً) قبل الغسل بالسدر.

وكما يستحبّ غَسل الفرجين بماء الحُرض والسدر قبل الأُوّلى يستحبّ غَسلهما بماء الكافور والحُرض قبل الثانية ثمّ غَسلهما بماء القَراح وحده قبل غُسله، كلّ ذلك ثلاثاً ثلاثاً ( وتكرار) غسل (كلّ عضو) من أعضائه (ثلاثاً).

(وأن يوضّأ) قبل الغسل بعد إزالة النجاسة العرضيّة ومقدمات الغسل، ولا مضمضة قبله ولا استنشاق .

ص: 292


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 376: وانظر البيان، ص 66 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- الكافي، ج 3، ص 127، باب توجيه الميت إلى القبلة، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 286 ، ح 835 .
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 220، المسألة 160.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 447، ح 1445.
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 281 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 وانظر الخلاف، ج 1، ص 696، المسألة 480.
6- یوسف (12): 85 .

وأوجبه جماعة(1) ؛ لقول الصادق(علیه السلام) : في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة»(2) .

وهو معارض بعدّة أخبار(3) دلّت على عدم الوضوء فضلاً عن وجوبه(4) . ولا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجباً، بل يجوز كون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه، وغيره يجوز، ولا يلزم منه الوجوب، بل يستفاد من خارج.

(وتنشيفه) بعد الفراغ من غسله (بثوبٍ) للخبر(5)، ولئلّا يسرع الفساد إلى الكفن مع البلل.

(ويكره إقعاده) للخبر ، ولأنّ فيه أذى من غير حاجة (وقصّ أظفاره) بفتح الهمزة جمع «ظُفر» بضم أوّله (وترجيل شعره) وهو تسريحه. ولو فعل ذلك، دُفن ما ينفصل من الأظفار والشعر معه وجوباً. ونقل الشيخ الإجماع على تحريمهما، وكذا قال في تنظيف أظفاره من الوسخ بالخلال (6).

والمشهور الكراهة في الأوّلين، أمّا الوسخ تحت أظفاره فلابدّ من إظهاره.

ولنورد هنا حديثين يأتيان على جميع ما تقدّم مع زيادة يحتاج إليها، ويوضّح بهما كيفيّة التغسيل ذكرهما في الكافي والتهذيب:

أحدهما : خبر عبد الله الكاهلي، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن غسل الميّت، فقال: «استقبل بباطن قدميه القبلة حتّى يكون وجهه مستقبل القبلة، ثّم تليّن مفاصله، فإن امتنعت عليك فدعها، ثمّ ابدأ بفرجه بماء السدر والحُرض فاغسله ثلاث غسلات، وأكثر من الماء، وامسح بطنه مسحاً رفيقاً، ثمّ تحوّل إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من

ص: 293


1- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 134.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 143 ، ح 403، وص 303 ، ح 881؛ الاستبصار، ج 1، ص 209، ج 733.
3- منها ما في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 446 ، ح 1444: والاستبصار، ج 1، ص 208، ح 731.
4- في «الأصل و م» زيادة: «واستحبابه».
5- الكافي، ج 3، ص 141 - 142، باب غسل ميت، ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301، ح 877 .
6- الخلاف، ج 1، ص 694 و 695. المسألتان 475 و 478.

لحيته ورأسه، ثمّ تثنّي بشقّه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله برفق، وإيّاك ،والعنف واغسله غسلاً ناعماً، ثمّ أضجعه على شقّه الأيسر ليبدو لك الأيمن، ثمّ اغسله من قرنه إلى قدمه، وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات، ثمّ ردّه على جنبه الأيمن حتّى يبدو لك الأيسر، فاغسله بماء من قرنه إلى قدمه، وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات، ثمّ ردّه على قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور، فاصنع كماصنعت أوّل مرّة، اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور والحرض، وامسح يدك على بطنه مسحاً رفيقاً، ثمّ تحوّل إلى رأسه فاصنع كما صنعت أوّلاً بلحيته من جانبيه كليهما (1)ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلاث غسلات، ثمّ ردّه إلى الجانب الأيسر حتّى يبدو لك الأيمن، فاغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات، وأدخل يدك تحت منكبيه وذراعيه، ويكون الذراع والكف مع جنبه ظاهرة، كلّما غسلت شيئاً منه أدخلت يدك تحت منكبه وفي باطن ذراعيه، ثمّ ردّه على ظهره، ثمّ اغسله بماء القراح كما صنعت أوّلاً، تبدأ بالفرج ثمّ تحوّل إلى الرأس واللحية والوجه حتّى تصنع كما صنعت أوّلاً بماء قراح ثمّ أذفره بالخرقة، ويكون تحتها القطن تذفره به إذفاراً قطناً كثيراً، ثمّ شدّ فخذيه على القطن بالخرقة شدّاً شديداً حتى لايخاف أن يظهر شيء، وإيّاك أن تقعده أو تغمز بطنه، وإيّاك أن تحشو في مسامعه شيئاً، فإن خفت أن يظهر من المنخر شيء فلا عليك أن تصير ثَمَّ قطناً، وإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئاً، ولا تخلّل أظفاره، وكذلك غسل المرأة»(2) .

والثاني: رواه يونس بن عبدالرحمن (رحمه الله) عنهم(علیهم السلام) ، قال: «إذا أردت غسل

الله الميّت فضَعه على المغتسل مستقبل القبلة، فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه(3) من رجليه إلى فوق الركبة، وإن لم يكن

ص: 294


1- في «الأصل وم» والكافي: «كلاهما».
2- الكافي، ج 3، ص 140 - 141، باب غسل ميّت ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 298 - 299 ، ح 873 .
3- في «الأصل وم» وتهذيب الأحكام: «وارفعهما».

عليه قميص فألق على عورته خرقةً، واعمد إلى السدر فصيّره في طست وصبّ عليه الماء واضربه بيدك حتّى ترتفع رغوته، واعزل الرغوة في شيء، وصبّ الآخر في الإجّانة التي فيها الماء، ثمّ اغسل يده ثلاث مرّات كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع، واغسل فرجه وأنقه، ثمّ اغسل رأسه بالرغوة، وبالغ في ذلك واجتهد أن لايدخل الماء منخريه ومسامعه، ثمّ أضجعه على جانبه الأيسر، وصبّ الماء من نصف رأسه إلى قدمه ثلاث مرّات، وادلك بدنه دلكاً رفيقاً. وكذلك ظهره وبطنه، ثمّ أضجعه على جانبه الأيمن فافعل به مثل ذلك، ثمّ صبّ ذلك الماء من الإجّانة واغسل الإجّانة بماء قَراح، واغسل يديك إلى المرفقين، ثمّ صبّ الماء فى الآنية وألق فيه حبّات كافور، وافعل به كما فعلت في المرّة الأولى، ابدأ بيديه ثمّ بفرجه، وامسح بطنه مسحاً رفيقاً، فإن خرج شيء فأنقه، ثمّ اغسل رأسه، ثمّ أضجعه على جنبه الأيسر كما فعلت أوّل مرّة، ثمّ اغسل يديك إلى المرفقين، والآنية، ثمّ صبّ فيه ماء القراح، واغسله بماء القراح كما غسلت في المرّتين الأوّلتين، ثمّ نشّفه بثوب طاهر، واعمد إلى قطن فذرّ عليه شيئاً من حنوط وضَعه على فرجه قبل ودُبُر، واحش القطن في دُبُره لئلا يخرج منه شيء، وخُذ خرقةً طويلة عرضها شبر فشدّها من حقويه، وضمّ فخذيه ضمّاً شديداً ولفّها في فخذيه، ثمّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن وأغمزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة، وتكون الخرقة طويلةً تلفّ فخذيه من حقوه إلى ركبته لفّاً شديداً »(1).

[في التكفين]

(فإذا فرغت من غسله، وجب تكفينه في ثلاثة أثواب) مع الاختيار؛ لقول الباقر(علیه السلام) في خبر زرارة: «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تامّ لا أقلّ منه يواري به جسده، كلّه، فمازاد فهو سنّة حتّى يبلغ خمسة»(2) .

ص: 295


1- الكافي، ج 3، ص 141 - 142 ، باب غسل ميّت، حه؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301، ح 877 .
2- الكافي، ج 3، ص 144، باب تحنيط الميت وتكفينه ح ه تهذيب الأحكام، ج 1، ص 292، ح 854، وفيه: «أو ثوب».

واستدلّ بأنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) كُفّن في ثلاثة أثواب بيض سحوليّة(1) ، بالسين المفتوحة ثمّ الحاء المهملة، قيل : منسوب إلى «سحول» قرية باليمن(2) .

وفي دلالته على الوجوب نظر.

ويجزئ عند الضرورة ثوبان، بل لو لم يوجد إلّا ثوب واحد كفى؛ لأنّ الضرورة تبيح دفنه بغير كفن فببعضه أولى.

واكتفى سلّار بالواحدة اختياراً؛ للأصل(3).

ولقول الباقر(علیه السلام) في خبر زرارة المتقدّم(4): «إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تامّ لا أقلّ منه يواري به جسده كلّه».

وجوابه: أنّ الأصل عُدل عنه لدليل، ويمكن أن يكون هو الإجماع. ولفظ «ثوب» في الرواية محذوف من كثير من النسخ، ولوتمّ فظاهره وجوب الأربعة ولم يقل به أحد، فالأولى تنزيله على كونه بياناً لأحد الثلاثة وهو الإزار؛ لأنّه يجب ستره لجميع البدن، فيكون كعطف الخاص على العامّ.

أحد الثلاثة (مئزر) بكسر الميم ثمّ الهمزة الساكنة، وربما عبّر عنه بالإزار، وهو ثابت لغةً، والمفهوم في تقديره عرفاً أن يستر مابين السرّة والركبة. ويجوز كونه إلى القَدَم بإذن الوارث، أو وصيّة الميّت النافذة.

ويحتمل الاكتفاء فيه بما يستر العورة؛ لأنّه موضوع ابتداءً لسترها. ويستحبّ أن يكون بحيث يستر مابين صدره وقدمه.

(و) الثاني: (قميص) وهو ثوب يصل إلى نصف الساق؛ لأنّه المتعارف، ويجوز إلى القَدَم مع مراعاة ما تقدّم، ويمكن جوازه مطلقاً.

ص: 296


1- صحیح مسلم، ج 2، ص 649. ح 941/45، السنن الكبرى البيهقي، ج 3، ص 559 ، ح 6671 .
2- انظر معجم البلدان، ج 3، ص 195؛ والمصباح المنير، ص 268، «سحل».
3- المراسم، ص 47.
4- تقدّم آنفاً.

وهل يتعيّن القميص، أو يقوم مقامه ثوب شامل لجميع البدن؟ الأكثر على الأوّل؛ لماروي أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) كُفّن في قميص(1).

ولخبر معاوية بن وهب عن الصادق(علیه السلام):« يكفّن الميّت في خمسة أثواب: قميص

لايزرّ عليه»(2) .

واختار المحقّق في المعتبر (3)- تبعاً لابن الجنيد (4)- الثاني، لخلوّ أكثر الروايات من تعيينه فيثبت التخيير. وقد تقدّم منها حديث زرارة(5) .

وعن محمّد بن سهل، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الثياب التي يصلّي الرجل فيها يكفّن بها؟ قال: «أُحبّ ذلك الكفن» يعني قميصاً، قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: «لا بأس والقميص أحبّ إلىّ»(6).

(و) الثالث (إزار) - بكسر الهمزة - وهو ثوب شامل لجميع البدن، ولابدّ من زيادته على ذلك بحيث يمكن شدّها(7) من قِبَل رأسه ورجليه. والواجب فيه عرضاً أن يشمل البدن كذلك ولو بالخياطة، وينبغي زيادته بحيث يمكن جَعل أحد جانبيه على الآخر، كما تشهد به الأخبار، وأمّا كونها (8)الفّافةً فلا يدلّ على ذلك خصوصاً، بل على الأعمّ منه وممّا تقدّم؛ لأنّ المعتبر فيها لفّ البدن، وهو يحصل بهما.

قال المحقّق الشيخ عليّ (رحمه الله):

ويراعى في جنس هذه الأثواب التوسّط باعتبار اللائق بحال الميّت عرفاً،

ص: 297


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 472، ح 1471؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 199، ح 3153؛ مجمع الزوائد، ج 3، ص 24 نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.
2- الكافي، ج 3، ص 145، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 11 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 293 ، ح 858 ، و ص 310، ح900.
3- المعتبر، ج 1، ص 279 .
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 279 .
5- تقدّم في ص 296.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 292، ح 855 .
7- تأنيث الضمير باعتبار اللفافة.
8- تأنيث الضمير باعتبار اللفافة.

فلايجب الاقتصار على أدون المراتب وإن ماكس الورثة أو كانوا صغاراً؛ حملاً لإطلاق اللفظ على المتعارف(1) .

وهو حسن؛ لأنّ العرف هو المحكّم في أمثال ذلك ممّا لم يرد له تقدير شرعي.

والمفهوم من خبر زرارة - المتقدّم(2) - الاكتفاء بمواراة البدن بالثلاثة، فلو كان بعضها رقيقاً بحيث لا يستر العورة ويحكي البدن لم يضرّ مع حصول الستر بالمجموع.

والأجود اعتبار الستر في كلّ ثوب؛ لأنّه المتبادر ، وليس في كلامهم مايدلّ عليه نفياً ولا إثباتاً.

ويعتبر في الأثواب كونها (بغير الحرير) المحض، سواء في ذلك الرجلُ والمرأة باتّفاقنا، كما حكاه في الذكرى(3) .

واحترز بالمحض عن الممتزج به بحيث لا يستهلكه الحرير، فإنّه يجوز التكفين فيه كما تجوز الصلاة.

ويعتبر فيها أيضاً كونها ممّا تصحّ فيها الصلاة، فلا يجوز التكفين بالمتّخذ من شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه و إن كانت العبارة تشمله.

أمّا شعر و وبر وصوف ما يؤكل لحمه فلا بأس. ولا عبرة بمنع ابن الجنيد منه(4) ؛ إذ لا يعلم سنده.

وأمّا الجلد فلا يصحّ التكفين فيه مطلقاً؛ لعدم إطلاق اسم الثوب عليه، ولوجوب نزعه عن الشهيد فهنا أولى.

وكذا لا يصحّ في المغصوب والنجس؛ لعدم جواز الصلاة فيهما.

هذا مع الاختيار، أمّا مع الضرورة فلايجوز في المغصوب قطعاً، وفي غيره ثلاثة

ص: 298


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 382 .
2- في ص 296 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 289 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 280؛ وكذا العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 7، ذيل المسألة 156.

أوجُهِ: المنع؛ لإطلاق النهي. والجواز؛ لئلّا يدفن عارياً مع وجوب ستره ولو بالحجر.

ووجوب ستر العورة لاغير حالة الصلاة ثمّ ينزع بَعدُ.

قال في الذكرى - تفريعاً على الاحتمالين الأخيرين -:

فالجلد مقدّم؛ لعدم صريح النهي فيه، ثمّ النجس لعروض المانع، ثمّ الحرير؛ لجواز صلاة النساء فيه، ثمّ وبر غير المأكول.

قال: - وفي هذا الترتيب للنظر مجال؛ إذ يمكن أولويّة الحرير على النجس؛ لجواز صلاتهنّ فيه اختياراً(1). انتهى.

ونُوقش في باقي المراتب أيضاً:

أمّا فى الجلد؛ فلأنّ الأمر بنزعه عن الشهيد يدلّ على المنع في غيره بمفهوم الموافقة، وهي أقوى من الصريح، ولم يدلّ دليل على الجواز فيه، والتكفين بالممنوع منه بمنزلة العدم شرعاً، والقبر كافٍ في الستر، والأمر التعبّدي متعذّر على كل تقدير. ومثله القول في الحرير. وجواز صلاة النساء [فيه](2) لا يقتضي جواز التكفين به؛ لعدم الملازمة. على أنّه لوتمّ لزم اختصاص الحكم بالنساء، وظاهر كلامه الإطلاق. و وبر غير المأكول أبعد من الجميع.

أمّا النجس فيدلّ على جوازه مع الضرورة عدم وجوب نزعه عن الميّت لواستوعبته النجاسة وتعذّر غسلها وقرضه، وأنّه آئل إلى النجاسة عن قريب فأمره أخفّ، فظهر المنع مطلقاً في غير النجس(3) .

وفي البيان قَطَع بالتكفين فيما لا تمتنع الصلاة فيه من الجلود عند الضرورة، وتوقّف في الباقي (4).

ص: 299


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 289 - 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- ما بين المعقوفين من المصدر.
3- المناقش هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 380 .
4- البيان، ص 67 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

ويجب تحنيطه (و) هو (أن يمسح مساجده) السبعة (بالكافور).

ووجهه - مع النصّ والإجماع - أنّ فيه تطييباً لموضع العبادة، وتخصيصاً لها بمزيد العناية.

ويُجتزأ في المسح (بأقلّه) وهو ما يحصل به مسمّاه؛ لصدق الامتثال.

وقيل: أقلّه مثقال(1) . وقيل : مثقال وثلث(2). و به روایات(3) محمولة على الفضيلة.

واختصاص التحنيط بالسبعة هو المشهور.

وزاد المفيد(4) وابن أبي عقيل الأنفَ(5) ، والصدوقُ الصدرَ والسمع والبصر والفم،والمغابن(6)، وهي الآباط وأصول الأفخاذ.

والأخبار مختلفة، والعمل على المشهور .

ولا يجب استيعاب المساجد بالمسح، بل يكفي منها مسمّاها أيضاً، وسيأتي إضافة الصدر إليها استحباباً.

وهذا الحكم ثابت لكلّ ميّت (إلّا المُحْرِم) فلا يجوز تحنيطه بالكافور (و) لا وضعه في ماء غسله، بل (يدفن بغير كافور) ولاغيره من أنواع الطيب؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «لا تقربوه طيباً فإنّه يحشر يوم القيامة مُلبّياً»(7).

ص: 300


1- الفقيه، ج 1، ص 149، ذيل الحديث 416: المقنع، ص 59 المقنعة، ص 75 الخلاف، ج 1، ص 704، المسألة 498.
2- القائل هو الجعفي كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- انظر الكافي، ج 3، ص 151، باب حد الماء الذي يغسل به الميت ... ح 5: وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 291 ح 846 - 0849
4- المقنعة، ص 78 .
5- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 228، المسألة 169؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 291 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- الفقيه ، ج 1 ، ص 149 ، ذيل الحديث 416؛ المقنع، ص 59.
7- صحيح البخاري، ج 1، ص 425 - 427 ، ح 1206 - 1209؛ سنن النسائي، ج 5، ص 195 و 196 السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 551، ح 6647: مسند أحمد، ج 1، ص 547، ح 3066 بتفاوت يسير.

ولا يمنع من المخيط، ولا يكشف رأسه وظاهر قدميه وإن اعتبر ذلك في المُحرم؛ القول أحدهما(علیهما السلام) وقد سأله محمّد بن مسلم عن المُحْرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال:

« یغطی وجهه، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقرب طيباً»(1) .

ومنع المرتضى من تغطية رأسه (2).

ولا فرق بين الإحرامين؛ للعموم.

ولو أفسد حجّه بالجماع فكالمُحْرم الصحيح؛ لوجوب الإتمام، ومساواته له في الأحكام.

ولا فرق بين موته قبل الحلق أو التقصير أو بعده قبل طواف الزيارة؛ لأنّ تحريم الطيب إنّما يزول به.

أمّا لو مات بعد الطواف ففي تحريمه حينئذٍ نظر: من إطلاق اسم المُحرم عليه، وإباحة الطيب له حيّاً فهنا أولى.

واختار المصنّف في النهاية الثاني(3).

ولا تلحق به المعتدّة والمعتكف وإن حرم عليهما الطيب حيَّين؛ لعدم النصّ، وبطلان القياس، ولأنّ الحداد للتفجّع على الزوج وقد زال بالموت.

(ويستحب أن يكون) قدر كافور الحنوط (ثلاثة عشر درهماً وثلثاً).

ومستنده: أن جبرئيل(علیه السلام) نزل على النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بأربعين درهماً من كافور الجنّة، فقسّمه النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) بينه وبين عليّ وفاطمة(علیهما السلام) أثلاثاً (4).

ص: 301


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 330 ، ح 965.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 326؛ والعلّامة في نهاية الإحكام، ج 2، ص 551، ح 6647؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 256 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد ج 1، ص 398 .
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 239 .
4- الكافي، ج 3، ص 151 ، باب حد الماء الذي يغسل به الميت.... ح 4 الفقيه، ج 1، ص 149، ح 416؛ علل الشرائع، ج 1، ص 351، الباب 242، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 290، ح 845 .

وظاهر العبارة أنّ هذا القدر مختصّ بالحنوط وأنّ كافور الغسل غيره، وهو قول الأكثر(1)، وهو مصرّح في مرفوعة عليّ بن إبراهيم، قال : «في الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلث»(2) .

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

واعلم أنّ ظاهر العبارة أنّ التكفين مقدّم على التحنيط؛ لتقديمه عليه في الذكر وإن كانت الواو لا تدلّ على الترتيب.

وفي النهاية قدّم نقله إلى أكفانه المبسوطة المعدّة له، قال: ثمّ يحنّطه واجباً(3). وهو صريح في الترتيب.

وفي خبر يونس عنهم(علیهم السلام) ، قال في تحنيط الميّت وتكفينه: «ابسط الحبرة بسطاً، ثمّ ابسط عليها الإزار ، ثمّ ابسط القميص عليه، ثمّ اعمد إلى كافور مسحوق فضَعه على جبهته - إلى أن قال: - ثمّ يحمل فيوضع على قميصه ويردّ مقدّم القميص عليه»(4) الحديث. وهو دالّ صريحاً على تقديم الحنوط على التكفين وإن تأخّر عن البسط. وبمثله عبّر في الذكرى والبيان (5).

والظاهر عدم الترتيب بينه وبين التكفين.

والنيّة معتبرة فيهما؛ لأنّهما فعلان واجبان، لكن لو أخلّ بها لم يبطل الفعل.

وهل يأثم بتركها ؟ يحتمله؛ لوجوب العمل ولا يتمّ إلّا بالنيّة؛ لقوله(علیه السلام) : «لا عمل إلّا بنيّة» (6).

وعدمه أقوى؛ لأنّ القصد بروزهما للوجود، كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن

ص: 302


1- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 290 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)
2- الكافي، ج 3، ص 151، باب حد الماء الذي يغسل به الميت .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 290، ح 845 .
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 241 .
4- الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه ، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 306 - 307، ح 888.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 307 - 308؛ البيان، ص 68 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
6- تهذيب الأحكام، ج 4، ص 186، ح 520 عن الإمام الرضا(علیه السلام) .

المنكر وقضاء الدَين وشكر النعمة وردّ الوديعة؛ فإنّ هذه الأفعال كلّها يكفى مجرّد فعلها عن الخلاص من تبعة الذمّ والعقاب، ولكن لا يستتبع الثواب إلّا إذا أريد بها التقرّب إلى الله تعالى، كما نبه عليه الشهيد (رحمه الله) في القواعد(1) .

و من هذا الباب توجيهه إلى القبلة، وحمله إلى القبر ودفنه فيه، وردّ السلام، وإجابةالمسمّت، والقضاء والشهادة وأداؤها.

أمّا غسل الميّت فلاريب في اشتراط النيّة فيه إذا لم نجعله إزالةَ نجاسة، فلايقع معتبراً في نظر الشرع إلّا بها، كنظائره من الأغسال.

(واغتسال الغاسل قبل التكفين) إن أراد هو التكفين، والمراد به غسل المسّ (أو الوضوء الذي يجامع غسل المسّ للصلاة.

وعلّل ذلك في التذكرة بأنّ الغسل من المسّ واجب فاستحبّ الفوريّة(2).

فإن لم يتّفق ذلك أو خيف على الميّت غسل الغاسل يديه من المنكبين ثلاثاً ثمّ يكفّنه : للخبر(3) .

وحيث كان هذا الوضوء هو الوضوء المجامع للغسل فلابدّ فيه من نيّة الاستباحة أو الرفع على القول به، والوجوب إن كان في وقت واجب مشروط به، وإلّا الندب.

وقد تقدّم أنّ ما يتوقّف كمال فعله على الوضوء - كقراءة القرآن - لو نوى ذلك في الوضوء، رفع الحدث أيضاً على الخلاف، فليكن هنا كذلك.

(وزيادة حِبرَة) - بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحّدة - ثوب يمني (غير مطرّزة بالذهب) لامتناع الصلاة فيه حينئذ للرجال.

وزاد في الذكرى المنع من المطرزة بالحرير أيضاً؛ لأنّه إتلاف غير مأذون فيه(4) .

ص: 303


1- القواعد والفوائد، ص 45 - 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 15) .
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 18 ، المسألة 168 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 446، ح 1444؛ الاستبصار، ج 1، ص 208، ح 731.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 295 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وزاد المصنّف في غير هذا الكتاب(1) وغيرُه(2) في وصف الحِبَرة أن تكون عبريّةً، وهي - بكسر العين - منسوبة إلى بلدٍ باليمن، أو جانب واد. وقد ورد في حديث زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) : «كُفن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في ثوب يمنة عبري»(3).

وفي بعض الأخبار أفضليّة الحمراء، قال الباقر (علیه السلام): «كُفّن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في ثلاثة أثواب: برد حبرة أحمر، وثوبين أبيضين صحاريّين»(4)، وقال: «إنّ الحسن بن عليّ(علیه السلام) كفّن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة، وإنّ عليّاً(علیه السلام) كفّن سهل بن حنيف ببرد أحمر حبرة»(5).

ولو تعذّرت الأوصاف أو بعضها كفت الحبرة المجرّدة. وعبارة المصنّف تقتضي الاكتفاء بها مطلقاً، فإن لم توجد فلفّافة أُخرى.

وزيادة الحِبَرة (للرجل) لظاهر الأخبار المتقدّمة، والمشهور استحبابها للمرأة أيضاً؛ لعدم مايدلّ على التخصيص، والأخبار المذكورة لا تنفيها.

(و) يزاد الرجل أيضاً، بل تزاد المرأة أيضاً؛ لإطلاق الميّت في خبر معاوية بن وهب عن الصادق( علیه السلام)(6) (خرقة لفخذيه) تسمّى الخامسة، طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر إلى شبر ونصف، يلف بها فخذاه لفّاً شديداً.

وإنّما اعتبرنا في العرض التقريب؛ لتحديده بشبر في خبر يونس(7) ، وبشبر ونصف في خبر عمّار عن الصادق(علیه السلام)(8) ، واختلاف الخبرين في القدر يدلّ على إرادة التقريب، وأنّ الأقل مجزئ والأكثر أكمل.

ص: 304


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 226؛ تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 119، الرقم 319 .
2- كالشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 294 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 292، ح 853 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 296، ح 869 .
5- الكافي، ج 3، ص 149، باب ما يستحب من الثياب للكفن.... 9؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 296، ح 868 و 869.
6- الكافي، ج 3، ص 145، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 293، ح 858، وص 310 . ح 900 .
7- الكافي، ج 3، ص 141 - 142، باب غسل ميّت، ح : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301، ح 877 .
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 - 306. ح 887 .

واعلم أنّا لم نظفر بخبرٍ شافٍ ولا فتوى يعتمد عليها في كيفيّة شدّها على التفصيل.

أمّا الأخبار، فقد تقدّم(1) في حديث عبد الله الكاهلي أنّه «يذفر بها إذفاراً» - قال في الذكرى: هكذا وجد في الرواية، والمعروف «يثفر به إثفاراً» من أثفرت الدابّة إثفاراً (2)- ثم تشدّ فخذيه بالخرقة شدّاً شديداً».

وفي خبر يونس: «خُذ خرقةً طويلة عرضها شبر فشدّها من حقويه، وضمّ فخذيه ضمّاً شديداً ولفّها فى فخذيه، ثمّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، واغمزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة»(3) .

وعبارات الأصحاب أكثرها مشتملة على أنّه يلفّ بها فخذاه من غير تفصيل.

والذي يمكن استفادته من الرواية الأولى - إن كان المراد من الإذفار هو الإثفار كما ذكره الشهيد - أن يربط أحد طرفي الخرقة على وسطه إمّا بشقّ رأسها، أو بأن يجعل فيها خيط ونحوه يشدّها، ثمّ يدخل الخرقة بين فخذيه ويضمّ بها عورته ضمّاً شديداً، ويخرجها من الجانب الآخر ويدخلها تحت الشداد الذي على وسطه، وهذا هو المراد من الإثفار، كما تقدّم بيانه في المستحاضة، ثمّ تلفّ حقويه وفخذيه بما بقي منها لفّاً شديداً، فإذا انتهت أدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهى عنده منها.

وهذا هو الذي ينبغي العمل عليه وإن كان ظاهر خبر يونس ينافي بعضه، وهو قوله بعد لفّ فخذيه: «ثمّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن»(4) إلى آخره.

ويمكن الجمع بينهما بنوع تكلّف.

ولو شدّ بها فخذيه على غير هذا الوجه بأيّ وجه اتّفق أمكن الإجزاء، كما في خبر معاوية بن وهب:« يعصّب بها وسطه»(5) ولظاهر الفتوى.

ص: 305


1- في ص 293 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 270 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- الكافي، ج 3، ص 141 - 142 ، باب غسل ميّت 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301، ح 877.
4- الكافي، ج 3، ص 141 - 142 ، باب غسل ميّت 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 301، ح 877.
5- الكافي، ج 3، ص 145 ، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 11؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 293، ح 858 وص 310 ، ح 900.

(ويعمّم) الرجل (بعمامة محنّكاً) بها، ويجعل لها طرفان يخرجان من الجانبين ويلقيان على صدره مع مراعاة كون الخارج من الأيمن على الأيسر وبالعكس، كما في خبر يونس: «يؤخذ وسط العمامة فيثنّى على رأسه بالتدوير، ثمّ يلقى فضل الشقّ الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، ثمّ يمدّ على صدره»(1) .

ولا تقدير لطول العمامة شرعاً، فيعتبر فيه ما يؤدّي هذه الهيئة، وفي العرض ما يطلق معه عليها اسم العمامة.

(وتزاد المرأة لفّافة أُخرى لثدييها) لتضمّهما إلى صدرها، وتشدّ على الظهر، كماورد في خبر سهل(2) . ولا تقدير لهذه اللفّافة طولاً ولا عرضاً، بل ما يتأدّى به الغرض المطلوب منها.

(و) تزاد المرأة أيضاً (نمطاً) وهو لغةً: ضرب من البُسُط، والجمع أنماط، قاله الجوهري(3) ، وزاد ابن الأثير: له خمل رقيق(4) .

وهو ثوب من صوف فيه خُطط مأخوذ من الأنماط، وهي الطرائق، وهو غير الحِبَرة والإزار، خلافاً لابن إدريس؛ حيث جَعَله الحِبَرة(5)، تبعاً للشيخ في الاقتصاد(6) .

ومحلّه فوق الجميع، ومع عدمه يجعل بدله لفّافة أُخرى، كما يجعل بدل الحِبَرة عند جماعة (7)، فيكون للمرأة ثلاث لفائف.

وفي كلام جماعة من الأصحاب(8) استحباب النمط للرجل أيضاً.

ص: 306


1- الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 306 - 307، ح 888 .
2- الكافي، ج 3، ص 147، باب تكفين المرأة، ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 324 ، ح 944.
3- الصحاح، ج 2، ص 1165، «نمط».
4- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5، ص 119، «نمط».
5- السرائر، ج 1، ص 160.
6- الاقتصاد، ص 248 .
7- منهم القاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 60.
8- منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 237.

(وقناعاً عوض العمامة) لقول الصادق(علیه السلام) : «تكفّن المرأة في خمسة أثواب، أحدها الخمار»(1) وهو القناع؛ لأنّه يخمر به الرأس، أي يستر.

(و) تستحبّ (الذريرة) للميّت بأن يطيّب بها كفنه.

وكيفيّته - على ماورد في الأخبار(2) وذكره المصنّف في النهاية(3) - أن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها أوّلاً ليكون الظاهر للناس أحسنها كالحيّ يظهر أفخر ثيابه، ويجعل عليها الذريرة والكافور، ثمّ يبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة، ويجعل فوقها ذريرة وكافور أيضاً، ثمّ يبسط القميص كذلك.

وروى سماعة عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا كفّنت الميّت فذرّ على كلّ ثوب شيئاً من ذريرة وكافور»(4).

وكذا يستحبّ جعلها على القطن الذي يوضع على الفرجين.

وفي المنتهى : لا يستحبّ نثرها على اللفّافة الظاهرة(5) . ومانقلناه ينافيه.

وقد اختلفت عبارة الأصحاب في الذريرة اختلافاً كثيراً أضبطه ماذكره المصنّف في التذكرة - تبعاً للمحقّق في المعتبر(6) - أنّها الطيب المسحوق(7).

وقال الشيخ في التبيان: هي فتات قصب الطيب، وهو قصب يجاء به من الهند كأنّه قصب النشاب(8) .

ص: 307


1- الكافي، ج 3، ص 146، باب تكفين المرأة، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 324، ح 946.
2- منها مافي الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه ، ح 1؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 ح 887، وص 306، ح 888 .
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 245 .
4- الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 307، ح 889 .
5- منتهى المطلب، ج 1، ص 440.
6- المعتبر، ج 1، ص 284 .
7- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 19 المسألة 169 .
8- التبيان، ج 1 ، ص 448.

وفي المبسوط والنهاية: يعرف بالقمحة(1) - بضمّ القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة، أو بفتح القاف وتخفيف الميم - واحدة القمح.

وابن إدريس : هي نبات طيب غير الطيب المعهود يُسمّى القمحان(2) بالضمّ والتشديد.

قال في المعتبر : هذا التفسير خلاف المعروف بين العلماء(3).

وقال الصنعاني اللغوي:

هي فعيلة بمعنى مفعولة مايذرّ على الشيء، وقصب الذريرة دواء يجلب من الهند واليمن، يجعلون أخلاطاً من الطيب يسمّونها الذريرة(4) .

ووجدت بخطّ شيخنا الشهيد (رحمه الله) نقلاً عن بعض الفضلاء:

أنّ قصب الذريرة هي القمحة التي يؤتى بها من ناحية نهاوند، وأصلها قصب نابت في أجمة في بعض الرساتيق يحيط بها حيّات، والطريق إليها على عدّة عقبات، فإذا طال ذلك القصب ترك حتّى يجفّ، ثمّ يقطع عقداً وكعاباً، ثمّ يعبَّأ في الجوالقات فإذا أخذ على عقبة من تلك العقبات المعروفة عفن وصار ذريرة، وتسمّى قمحة، وإن سلك به على غير تلك العقبات، بقي قصباً لا يصلح إلّا للوقود.

قال المحقّق الشيخ عليّ في توجيه القول الأوّل: اللفظ إنّما يحمل على المتعارف الشائع الكثير؛ إذ يبعد استحباب مالا يُعرف ولا يعرفه إلّا الأفراد من الناس(5) .

وفي كلام المعتبر في الردّ على ابن إدريس إيماء إلى ذلك.

(و) كذا تستحبّ (الجريدتان من النخل) للميّت المؤمن، واحدها جريدة، وهي العود الذي يجرد عنه الخوص، ولا يسمّى جريداً مادام عليه الخوص، وإنّما يسمّى سعفاً.

وعلى استحباب الجريدتين إجماع الإماميّة، وقد ورد بهما الأخبار من طُرُق العامّة:

ص: 308


1- المبسوط ، ج 1، ص 251؛ النهاية، ص 32.
2- السرائر، ج 1، ص 161.
3- المعتبر، ج 1، ص 284 .
4- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 293 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- جامع المقاصد، ج 1، ص 394، وفيه: ما لا يُعرف أو لا تعرفه الأفراد من الناس.

أنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: «خضّروا موتاكم فما أقلّ المخضّرين»(1) .

وأسند سفيان الثوري من العامّة إلى الباقر(علیه السلام) حين سأله عن التخضیر، فقال:« جريدة خضراء توضع من أصل الثدي(2) إلى أصل الترقوة»(3) .

والأصل في شرعيّتهما مع ذلك أنّ آدم(علیه السلام) لمّا هبط من الجنّة خلق الله تعالى من فضل طينته النخلة، فكان يأنس بها في حياته فأوصى بنيه أن يشقّوا منها جريداً بنصفين ويضعوه معه في أكفانه، وفَعَله الأنبياء(علیهم السلام) بعده إلى أن درس في الجاهليّة، فأحياه نبيّنا(صلی الله علیه و آله و سلم)(4).

وفي صحاح العامّة عن ابن عباس أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) مرّ بقبرين فقال:«إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان بكبير، أمّا أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأمّا الآخر فكان يمشي بالنميمة» وأخذ جريدةً رطبة فشقّها بنصفين وغرز في كلّ قبر ،واحدة، وقال: «لعلّه يخفّف عنهما ما لم تيبسا»(5).

وفي أخبارنا أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) مرّ على قبر يعذّب صاحبه، فشقّ جريدة بنصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رِجْليه وقال: «يخفّف عنه العذاب ماكانتا خضراوين»(6).

وعن الباقر(علیه السلام) : «إنّما الحساب والعذاب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم، وإنّما جعلت السعفتان لذلك، فلايصيبه عذاب ولا حساب بعد جفافهما، إن شاء الله تعالى»(7).

ص: 309


1- لم نعثر عليه في مصادر الحديث لأبناء العامة، المتوفرة لدينا، ونحوه في الكافي، ج 3، ص 152، باب الجريدة ح 2 : والفقيه، ج 1، ص 145 ، ح 405.
2- في الكافي والفقيه: «اليدين» بدل «الثدي» وفي الوسائل: «الثديين».
3- الكافي، ج 3، ص 152 ، باب الجريدة ، ح 2: الفقيه، ج 1، ص 145. ح 405 وسائل الشيعة، ج 3، ص 26، الباب 10 من أبواب التكفين الحديث 1.
4- المقنعة، ص 82 83 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 326 ، ح 953,952.
5- صحيح البخاري، ج 1، ص 464 ، ح 1312؛ صحیح مسلم، ج 1، ص 240 - 241، ح 292/111؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 6 ، ح 20؛ سنن النسائي، ج 4، ص 106.
6- الفقيه، ج 1، ص 144، ح 402.
7- الكافي، ج 3، ص 152، باب الجريدة ، ح 4 الفقيه، ج 1، ص 145 - 146، ح 407.

قال المرتضى (رضي الله عنه) في الردّ على منكرهما من العامّة:

التعجّب من ذلك كتعجّب الملاحدة من الطواف والرمي وتقبيل الحجر بل من غسل الميّت وتكفينه مع سقوط التكليف عنه، وكثير من الشرائع مجهولة العلل(1) .

إذا تقرّر ذلك، فقد علم ممّا سلف من الأخبار كونهما من النخل (وإلّا) أي وإن لم يوجد النخل (فمن السدر، وإلّا فمن الخلاف) بكسر الخاء وتخفيف اللام، وهذا الترتيب ورد في خبر سهل بن زياد عن عدّة(2) (وإلّا فمن شجر رطب) ذكره الأصحاب.

وروى عليّ بن إبراهيم أنّها إذا فُقدت من النخل تُبدّل بغيرها (3)من غير ترتيب. وفي رواية أخرى عنه: تُبدّل بالرمّان(4).

والجمع بينهما وبين خبر سهل بتأخير الرمّان عن الخلاف، كما صنع الشهيد (رحمه الله) في الدروس(5) .

فإن فُقد الرمّان فعود أخضر، وعليه يحمل إطلاق البدل في الرواية السالفة؛ لماروي عن الكاظم(علیه السلام) : «لا يجوز اليابس»(6) والتعليل المتقدّم يدلّ عليه.

وأمّا قدرهما طولاً: فالمشهور كونه قدر عظم الذراع. وروي: «قدر ذراع»(7) وفي آخر: «قدر شبر» (8)وقيل: أربع أصابع فما فوقها(9) .

ص: 310


1- الانتصار، ص 132 .
2- الكافي، ج 3، ص 153 ، باب الجريدة ، ح 10: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294، ح 859 .
3- الكافي، ج 3، ص 153 - 154 ، باب الجريدة، ح 11: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294، ح 860.
4- الكافي، ج 3، ص 154 ، باب الجريدة، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 294، ح 861 .
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 29 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1381 .
7- الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 306 - 307، ح 888 و 308 - 309 ، ح 896 .
8- الكافي، ج 3، ص 152 - 153 ، باب الجريدة ، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 309، ح 897 .
9- القائل هو ابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 232، المسألة 173.

قال في الذكرى:

والكلّ جائز ؛ لثبوت الشرعيّة مع عدم القاطع على قدر معيّن.

- قال : - وهل تشقّ أو تكون صحيحةً ؟ الخبر دلّ على الأوّل، والعلّة تدلّ على الثاني، والظاهر جواز الكلّ(1) .

وفي دلالة العلّة على الثاني نظر؛ لما تقدّم من أنّ العذاب والحساب كلّه في يوم واحد أو أقلّ، والخضرة لا تزول في هذه المدّة وإن شقّتا قطعاً، ولكن استحبّ الأصحاب جَعلهما في قطن محافظةً على الرطوبة، وهو يدلّ على استمرار النفع بهما زيادةً على ماذكر، وهو موافق لطول وحشة البرزخ وأهواله.

وأمّا محلّهما، فالمشهور أنّ إحداهما من جانبه الأيمن لاصقةً بجلده من ترقوته، والأخرى من ترقوة جانبه الأيسر بين القميص والإزار.

وقيل: إنّ اليسرى عند وركه ما بين القميص والإزار(2) .

وفي خبر يونس:« يجعل له واحدة بين ركبتيه، نصف فيما يلي الساق ونصف فيما يلي الفخذ، ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن»(3)، واختاره بعض الأصحاب(4).

وروي عن الصادق(علیه السلام) حين سأله بعض أصحابه عن الجريدة توضع في القبر، قال: «لا بأس»(5).

قال المحقّق في المعتبر:

مع اختلاف الروايات والأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها، وهو استحباب

ص: 311


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 303 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- القائل هو عليّ بن بابويه - كما حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 288 والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 233، المسألة 174 - وولده الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 150، ذيل الحديث 416.
3- الكافي، ج 3، ص 143، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 306 - 307، ح 888 .
4- وهو الجعفي كما حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 305 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- الكافي، ج 3، ص 153، باب الجريدة، ح 9؛ الفقيه، ج 1، ص 144، ح 403: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 328 ح 958 .

وضعها مع الميّت في كفنه أو في قبره بأيّ هذه الصور شئت(1) . انتهى.

هذا مع إمكان ذلك، ومع تعذّره للتقيّة توضع حيث يمكن؛ لخبر سهل(2).

وإطلاق العبارة بل كلام الأصحاب والأخبار يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصغير والكبير والعاقا المجنون؛ إقامةً للشعار وإن كان التعليل قد يوهم خلاف ذلك. وممّن صرّح بوضعها مع الصغير والمجنون الشهيدُ في البيان(3).

(وكتبة اسمه وأنّه يشهد الشهادتين والإقرار بالنبيّ والأئمة(علیهم السلام) على اللفافة) والأولى أن يراد بها الجنس فيشمل الحِبَرة والإزار (و) على (القميص والإزار) وهو المئزر؛ لإطلاقه عليه لغةً.

هذا إن جعلنا اللفافة للأعمّ من الإزار بحيث تشمله، ويمكن أن يريد بها الحبرة ويريد بالإزار المعروف منه وهو اللفافة الواجبة.

وفي الدروس جمع في الكتابة بين الحبرة واللفافة والإزار (4)، وهو دالّ على ما قلناه من إرادة المئزر .

وعلى كلّ حال فاستحباب الكتابة ثابت عند الأصحاب على هذه المذكورات (و) على (الجريدتين).

وأمّا النمط فيمكن دخوله في اللفافة، كما فسّرناها به.

وأضاف جماعة - منهم الشهيد والشيخ في المبسوط وابن البرّاج(5) - العمامة؛ معلبلاً بعدم تخصيص الخبر، وهو يقتضي استحباب الكتابة على جميع الكفن. ولا بأس به لثبوت أصل الشرعية، وليس في زيادتها إلّا زيادة الخير.

ص: 312


1- المعتبر، ج 1، ص 288 .
2- الكافي، ج 3، ص 153 ، باب الجريدة ، ح 8 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 327 - 328 . ح 956 .
3- البيان ص 70 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- الدروس الشرعية، ج 1، ص 30 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 9).
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 305؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 30؛ البيان، ص 67 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 9.5 و 12): المبسوط، ج 1، ص 251: المهذب، ج 1، ص 61.

والأصل في الاستحباب ما رُوي أنّ الصادق(علیه السلام) كتب على حاشية كفن ولده إسماعيل: إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله(1) . وزاد الأصحاب: وأنّ محمّداً رسول الله، وأسماء الأئمة(علیهم السلام) . وظاهر الشيخ في الخلاف(2) دعوى الإجماع عليه، ولم يذكر الأصحاب استحباب كتبة شيء غير ماذُكر.

قال في الذكرى:

فيمكن أن يقال بجوازه ؛ قضيّةً للأصل. وبالمنع ؛ لأنّه تصرّف لم يعلم إباحة الشرع له(3).

قلت: ذلك لو تمّ لم تجز الزيادة على كتبة الشهادة بالوحدانيّة لاعترافهم بعدم النصّ على الزيادة، وعدم تكريرها على قِطَع الكفن، فتفصيل الأصحاب بمحالّ الكتابة وتعديتها إلى ما ذكروه إنّما هو لاستئناسهم بسهولة الخطب في ذلك، وأنّه خير محض.

ولتكن الكتابة (بالتربة) الحسينيّة: لبركتها وشرفها، ومع عدمها بطين أبيض وماء.

ولم يعيّن ابن بابويه ما يكتب به؛ لعدم النصّ على الخصوص.

وينبغي بلّ التربة لتؤثّر الكتابة، حملاً على المعهود منها.

ولو عدم ما يكتب به فبالإصبع، ذكره الأصحاب.

(وسحق الكافور باليد) خوفاً من الضياع، ذكره جماعة من الأصحاب(4).

قال في المعتبر - بعد أن أسنده إلى الشيخين - : ولم أتحقّق مستنده(5).

ص: 313


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 289 ، ح 842، وص 309 ، ح 898 .
2- الخلاف، ج 1، ص 706، المسألة 504.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 306 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- منهم المفيد في المقنعة ص:78؛ والشيخ في النهاية، ص 36 والمبسوط ، ج 1، ص 254 وابن حمزة في الوسيلة، ص 66: والعلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 439؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، ص 53: والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 293؛ والبيان، ص 68 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 و 12).
5- المعتبر، ج 1، ص 286 .

(وجعل فاضله على صدره) كماورد في خبر الحلبي عن الصادق(علیه السلام)(1) .

وعلّل أيضاً: بأنّه مسجد في سجدة الشكر.

وخياطة الكفن بخيوطه) قاله الشيخ(2) وجماعة من الأصحاب(3) ، ولم يوجد به الآن خبر.

(والتكفين بالقطن) لقول الصادق(علیه السلام) : «الكتّان كان لبني إسرائيل يكفّنون به، والقطن لأمّة محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)(4) .

وأفضله الأبيض في غير الحِبَرة؛ لقول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : ليس من لباسكم أحسن من البياض فالبسوه وكفّنوا به موتاكم»(5).

وعنه(صلی الله علیه و آله و سلم) :« ألبسوا البياض فإنّه أطهر وأطيب، وكفّنوا فيه موتاكم»(6).

( ويكره الكتّان) بفتح الكاف لما تقدّم.

ولقول الصادق(صلی الله علیه و آله و سلم) في رواية يعقوب بن يزيد: «لا يكفّن الميّت في كتّان»(7).

(والأكمام المبتدأة) للقميص ، قاله الجماعة، وبه خبر مرسل(8).

واحترز بالمبتدأة عمّا لو كفّن في قميصه؛ فإنّه لا يقطع كمّه، بل يقطع منه الأزرار خاصّة، وهو في الرواية المرسلة(9) أيضاً.

ص: 314


1- الكافي، ج 3، ص 143 - 144، باب تحنيط الميت وتكفينه، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 307، ح 890؛ الاستبصار، ج 1، ص 212، ح 746.
2- المبسوط ، ج 1، ص 251 .
3- منهم: ابن حمزة في الوسيلة، ص 66 والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 32؛ ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع ص 54 والشهيد في البيان، ص 68 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
4- الكافي، ج 3، ص 149، باب ما يستحب من الشياب للكفن... . ح 7؛ الفقيه، ج 1، ص 147. ح 411؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 434 ، ح 1392؛ الاستبصار، ج 1، ص 210، ح 741.
5- الكافي، ج 3، ص 148 ، باب ما يستحب من الثياب للكفن .... 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 434 ، ح 1390.
6- الكافي، ج 6، ص 445 ، باب لباس البياض والقطن، ح 1 و 2.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 451. ح 1465؛ الاستبصار، ج 1، ص 211، ح 745.
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 ، ح 886 .
9- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 305 ، ح 886 .

(والكتابة بالسواد) قاله الأصحاب. وكما يكره به فكذا بغيره من الأصباغ غير الأبيض.

(وجعل الكافور في سمعه وبصره) خلافاً للصدوق(1) حيث استحبّه؛ استناداً إلى رواية(2) معارضة بأصحّ منها وأشهر.

(وتجمير الأكفان) بالمجمرة، وهو ما تدخّن به الثياب. وعلى كراهته إجماع علمائنا، نقله في المعتبر(3).

ويؤيّده أنّه فعل لم يأمر به الشرع فيكون تضييعاً، ولقول عليّ(علیه السلام): «لا تجمّروا الأكفان ولا تمسّوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور، فإنّ الميّت بمنزلة المُحرم»(4).

(وكفن المرأة الواجب على زوجها) والأصل فيه - بعد الإجماع - مارواه السكوني عن الصادق(علیه السلام)، عن أبيه أنّ عليّاً(علیه السلام) قال: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت»(5).

وعلّله المصنّف في التذكرة :

بثبوت الزوجيّة إلى حين الوفاة، وبأنّ مَنْ وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه كالمملوك فكذا الزوجة(6) .

و يضعّف الأوّل بعدم دلالة ما قبل الوفاة على ما بعدها. أمّا المطابقة والتضمّن فظاهر.

وأمّا الالتزام؛ فلعدم الملازمة فيما ذُكر؛ لاستلزام الموت عدم كثير من أحكام الزوجيّة، ولهذا جاز له تزويج أُختها والخامسة.

ص: 315


1- الفقيه، ج 1 ، ص 149، ذيل الحديث 416.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 307، ح 891؛ الاستبصار، ج 1، ص 212، ح 749.
3- المعتبر، ج 1، ص 290.
4- الكافي، ج 3، ص 147، باب كراهية تجمير الكفن .... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 295، ح 863: الاستبصار، ج 1، ص 209 ، ح 735.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 445، ح 1439.
6- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 14 - 15. المسألة 164 .

والثاني: بانتقاضه بواجب النفقة من الأقارب، فإنّه لا يجب تكفينهم على القريب وإن وجبت عليه نفقتهم.

وعلّل في الذكرى : بأنّها زوجة لآية الإرث(1) ، فتجب مؤونتها؛ لأنّها من أحكام الزوجيّة(2). وقريب منه تعليل المعتبر(3) .

وفيه: أنّه او تمّ لاقتضى اختصاص الحكم بالزوجة الدائمة الممكّنة، ولا يجب للمستمتع بها ولا الناشزة، مع أنّه في الذكرى توقّف في حكمهما وقال: التعليل بالإنفاق ينفي وجوب الكفن للناشز، وإطلاق الخبر يشمله، وكذا المستمتع بها (4).

والخبر ضعيف بالسكوني، لكن ربما انجبر بالشهرة.

والأولى الاستناد إلى الإجماع، فقد نقله الشيخ(5) ، وناهيك به، وهو مطلق في الزوجة وكذا الخبر فيدخل فيهما الناشز والمستمتع بها. والتعليلات ليست معلومة الاطّراد وإن وُجدت فى أكثر الأفراد. وحلّ الأخت والخامسة لا يقتضي خروج الزوجيّة، بل ضعفها، وهو غير كافٍ في الحكم، بل الواقع بقاء أصل الحقيقة ولهذا جاز تغسيلها.

ولا فرق فيها بين الحُرّة والأمة، و المطلقة رجعيّةً زوجة بخلاف البائن.

وكما يجب الكفن تجب أيضاً مؤونة التجهيز كالحنوط وغيره من الواجبات، صرّح بذلك جماعة من الأصحاب(6) .

ص: 316


1- النساء .(4): 12 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 314 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- المعتبر، ج 1، ص 308.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 315 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- الخلاف، ج 1، ص 709، ذيل المسألة 510 .
6- منهم: الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 265؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 171؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 314؛ والدروس الشرعية، ج 1، ص 30 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 399 .

ولا فرق أيضاً بين أن يكون لها مال أو لا، فيجب عليه (وإن كانت موسرة) مع يساره.

أمّا لو أُعسر عن الكفن بأن لا يفضل له شيء غير قوت يوم وليلة له ولعياله وما يستثنى في الدين سقط عنه وكُفّنت من تركتها إن كان. ولو أُعسر عن البعض أكمل من تركتها، كلّ ذلك مع عدم وصيّتها به.

أمّا لو أوصت بالكفن الواجب، كانت الوصيّة من ثلث مالها، وسقط عنه إن نفذت. ولو ماتا معاً لم يجب عليه كفنها ؛ لخروجه عن التكليف حينئذ، كما اختاره في الذكرى(1) ، بخلاف مالومات بعدها.

ولو لم يكن إلّا كفن واحد اختصّ به؛ لعدم تعلّقه بالعين قبل وفاته، والوجوب المطلق سقط بطروء عجزه بموته، المقتضي لتقدّم تكفينه على جميع الديون، وكفنها ليس أقوى منها.

نعم، لو كان موته بعد وضعه عليها وقبل الدفن أمكن اختصاصها به، أمّا لو كان بعد الدفن فلا إشكال في الاختصاص.

وقد تقدّم أنّ واجب النفقة لا يلحق بالزوجة. ويستثنى منه المملوك؛ للإجماع عليه وإن كان مدبَّراً أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يتحرّر منه شيء أو أُمّ ولد. ولو تحرّر منه شيء فبالنسبة.

ولو لم يتحصّل من جزء الرقيّة ما يستر العورة ولم يحصل بجزء الحرّيّة شيء يتمّ به ذلك أمكن سقوطه عن المولى؛ لعدم الفائدة.

ولو كان مال الزوج أو المولى مرهوناً سقط؛ لامتناع تصرّفه في الرهن، إلّا أن تبقى بعد الدين بقيّة يمكن التوصّل إلى صرفها في الكفن، فيجب ذلك بحسب المکنة من باب المقدّمة، كما في النفقة.

فرع: لو وُجد الكفن ويئس منها، ففي كونه ميراثاً لورثتها أو عوده إلى الزوج

ص: 317


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 315 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وجهان من ثبوت استحقاقها له، وعدم القطع بخروجه عن ملكه.

ولو كان من مالها رجع ميراثاً. ولو كان من الزكاة أو بيت المال أو من متبرّع عاد إلى ما كان ؛ لأنّه مشروط ببقائه كفناً وقد زال الشرط.

( ويقدّم الكفن) على الديون والوصايا والإرث (من الأصل) للإجماع.

ولقول النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) في الذي وقصت به راحلته: «كفّنوه في ثوبيه»(1) ولم يسأل عن ثلثه.

ولقول الصادق(علیه السلام) : «ثمن الكفن من جميع المال»(2) .

والمراد بالكفن الواجبُ دون مازاد، فإنّ الدَيْن يقدّم عليه وإن كانت ثياب التجمّل مقدّمةً على الدين؛ لحاجة الحيّ إلى التجمّل، والميّت إلى براءة ذمّته أحوج.

ولو أوصى بالمندوب فهو من الثلث، وبدونها (3)موقوف على تبرّع الوارث حتّى لو أوصى بإسقاطه فالأمر إلى الوارث.

وقيل: تنفذ وصيّته(4) . وليس بشيء.

والعبارة تقتضي بعمومها تقديمه على حقّ المرتهن والمجنيّ عليه وغرماء المفلّس. وإطلاق الأخبار(5) وكلام الأصحاب يؤيّده، ولعدم خروج المال عن الملك بذلك، وهو خيرة البيان(6).

ويحتمل تقديم حقّ المرتهن والمجنيّ عليه؛ لاقتضائهما الاختصاص، والمنع من المؤونة في حال الحياة وهي متقدّمة على الدَين وتقديم المجنيّ عليه دون المرتهن؛

ص: 318


1- صحيح البخاري، ج 1، ص 426، ح 1207 - 1209؛ صحیح مسلم، ج 2، ص 865، ح 1206/93؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 103، ح 3084؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 219 ، ح 3238؛ سنن النسائي، ج 5، ص 195.
2- الكافي، ج 7، ص 23، باب أنه يبدأ بالكفن... . ح 1: الفقيه، ج 4، ص 193، ح 5442؛ تهذيب الأحكام، ج 1. ص 437 ، ح 1407؛ وج 9، ص 171 ، ح 696.
3- أي بدون الوصية.
4- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 401 وانظر تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 14، المسألة 163.
5- راجع المصادر في الهامش 2 .
6- البيان، ص 69 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

لأخذه العين، واستقلاله بالأخذ، بخلاف المرتهن.

هذا كلّه مع عدم تأخّر الجناية والرهن عن الموت، أمّا لو تأخّرا قدّم الكفن قطعاً السبق سببه. وأمّا غرماء المفلّس فالكفن مقدّم عليهم قطعاً.

(ثمّ ) يقدّم بعد الكفن ومؤونة التجهيز (الدّين) ومنه الحقوق الماليّة كالزكاة والخُمس والكفّارة، والمشوبة به وبالبدن كالحجّ الواجب، سواء أوصى بها أم لم يوص.

ولو أوصى بالخصلة العُليا من الكفّارة المخيّرة، ففى نفوذ الزائد منها عن قيمة الدنيا من الأصل أو الثلث وجهان ذكرهما المصنّف في التذكرة(1) ولم يرجّح شيئاً.

(ثمّ) بعد الدَيْن (الوصيّة) المتبرّع بها تخرج (من الثلث) وفي حكمها العبادة البدنيّة المحضة، كالصلاة والصوم، فإنّها مع الوصيّة بها تخرج من الثلث وإن كانت واجبةً؛ لعدم تعلّقها بالمال لولا الوصيّة، بل الأصل فيها وجوبها على الوليّ، وهو أكبر أولاده على ما يأتي، فتكون الوصيّة بالأجرة تبرّعاً عن الوارث فأُخرجت من الثلث.

أمّا لو أوصى بصلاة مندوبة أو باليوميّة احتياطاً مع فعله لها فخروج أجرتها من الثلث واضح، وعلى هذا فحكمها حكم غيرها من الوصايا في مزاحمة الثلث، والقرعة عند الجمع والتعارض والتوزيع وتقديم الأوّل فالأوّل مع ترتّبها بالفاء أو «ثمّ» والواو على الأصحّ، وسيأتي تحقيق ذلك كلّه في الوصايا إن شاء الله تعالى.

(والباقي) من التركة عن جميع ذلك كلّه (ميراث) يقسّم على الورثة حسب ما قرّر لهم. (ويستحبّ للمسلمين بذل الكفن) للميّت (لو فُقد) الكفن إمّا لعدم ترك الميّت مالاً أو لمانع من تكفينه به كالمرهون إن قدّمنا حقّ المرتهن.

ولو فُقد البعض استحبّ لهم بذله، وفيه فضل جزيل.

روى سعد بن طريف عن أبي جعفر(علیه السلام) : «مَنْ كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة»(2) .

ص: 319


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 495 (الطبعة الحجرية).
2- الكافي، ج 3، ص 164، باب ثواب من كفن مؤمناً ، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 450، ح 1461.

وكذا القول في باقي مُؤن تجهيزه من السدر والكافور والماء.

ولا يجب ذلك عليهم؛ لأصالة البراءة، بل مع فقده يُدفن عارياً فقده يُدفن عارياً بعد أن تُستر عورته، ويُصلّى عليه قبل الدفن. فإن تعذّر الستر قبله وُضع في القبر وسُترت بتراب ونحوه وصُلّی

علیه.

ولو كان للمسلمين بيت مال موجود، أخذ الكفن وجوباً وكذا باقي المُؤن؛ لأنّه مُعدّ للمصالح. ويجوز أخذه من سهم الفقراء والمساكين من الزكاة؛ لأنّ الميّت أشدّ فقراً من غيره، وكذا من سهم سبيل الله إن لم نخصّه بالجهاد.

وهل يجب ذلك؟ الظاهر نعم؛ للأمر به في خبر الفضل بن يونس عن الكاظم(علیه السلام) حين سأله عن رجل مات من أصحابنا ولم يترك ما يكفّن به أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: «أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهّزونه، فيكونون هم الذين يجهّزونه» قلت: فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهّزه أنا من الزكاة؟ قال: «كان أبي يقول: إنّ حرمة بدن المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً، فوار بدنه وعورته وجهّزه وكفّنه وحنّطه واحتسب ذلك من الزكاة»(1).

وهذا الحديث كمادلّ على الأمر بذلك دلّ أيضاً على تقديم الدفع إلى الوارث إن أمكن. والظاهر أنّه على سبيل الأفضليّة لا الوجوب؛ لعدم القائل به.

(ولو خرج منه نجاسة بعد التكفين) وأصابت الكفن قبل وضعه في القبر (غُسلت من جسده وكفنه) لوجوب إزالة النجاسة، ولا يجوز قرضها حينئذٍ استبقاءً للكفن مع إمكان غَسله، وللنهي عن إتلاف المال حيث يمكن حفظه. ولو لم تُصب الكفنَ اقتصر على تطهير محلّها.

(ولو أصابت الكفنَ بعد وضعه في القبر قُرضت) للمشقّة في غسلها حينئذ، فيسقط للحرج.

وإذا قُرضت فإن أمكن جمع جوانبه بالخياطة وجب، وإلّا مدّ أحد الثوبين على

ص: 320


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 445، ح 1440.

الآخر ليستر المقطوع إن كان هناك غيره.

وأطلق الشيخ(1) قرضها؛ لصحيح الكاهلي عن الصادق(علیه السلام)(2) .

والمشهور ما فصّله المصنّف لكنّ التعليل المتقدّم للمنع من القرض قبل وضعه في القبر يقتضي اشتراط تعذّر غسلها في جواز القرض بعده. والجماعة أطلقوا الجواز.

هذا كلّه مع عدم تفاحش النجاسة بحيث يؤدّي القرض إلى إفساد الكفن وهتك الميّت، ومعه قال في الذكرى : فالظاهر وجوب الغَسل مطلقاً؛ استبقاء للكفن؛ لامتناع إتلافه على هذا الوجه، ومع التعذّر يسقط للحرج(3).

(ويجب أن يطرح معه في الكفن) كلّ (ما يسقط من شعره وجسمه) للإجماع عليه، كما نقله المصنّف في التذكرة(4) ؛ وليكن ذلك بعد غسله. ويقبل التطهير كأصله.

(والشهيد) وهو المسلم ومَنْ بحكمه الذي يموت في معركة قتال أمر به النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) أو الإمام أو نائبهما الخاصّ وهو من حزبهما، بسببه.

فخرج بقيد المسلم الكافرُ المساعد لأهل الحقّ إذا قُتل كذلك، فإنّه ليس بشهيد. وبقيد الموت في المعركة مَنْ جُرح فيها ثمّ نُقل منها وبه رمق ثمّ مات فإنّه لا تثبت له هذه الأحكام. وظاهر الروايات أنّ إدراك المسلمين له و به رمق كافٍ في عدم لحوق الأحكام.

والتقييد بالقتال الذي أمر به النبيّ أو نائبه يُخرج مَنْ قُتل في غير ذلك وإن كان الجهاد سائغاً، كمالودهم على المسلمين مَنْ يُخاف منه على بيضة الإسلام فاضطرّوا إلى جهادهم بدون الإمام أو نائبه، فإنّه لا يعدّ شهيداً بالنسبة إلى الأحكام وإن شارك الشهداء

ص: 321


1- النهاية، ص 43: المبسوط، ج 1، ص 256.
2- الكافي، ج 3، ص 156، باب ما يخرج من الميت .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 436، ح 1405، و 449 - 450. ح 1457.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 310 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- تذكرة الفقهاء . ج 2، ص 22 المسألة 175 .

في الفضيلة على ما اختاره المصنّف(1) وجماعة(2) .

ولكن إطلاق الأخبار وعموم بعضها - مثل قول الصادق(علیه السلام): «الذي يُقتل في سبيل الله يُدفن بثيابه ولا يُغسل»(3) - يقتضي كونه شهيداً وثبوت الأحكام له، واختاره الشهيد(4) والمحقّق في المعتبر(5)، وهو حسن.

قال في المعتبر: ماذكره الشيخان من اعتبار القتل بين يدي النبيّ أو الإمام زيادة لم تُعلم من النصّ (6).

وأمّا المقتول دون ماله وأهله في حرب قُطّاع الطريق فليس بشهيد بالنسبة إلى الأحكام إجماعاً وإن ساوى في الفضيلة؛ إذ لا يُعدّ ذلك جهاداً ومحاماةً عن الدين. وإطلاق الشهادة في الأخبار (7)عليه وعلى المطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه والنفساء لا للمشاركة للشهيد في الأحكام، بل للمساواة أو المقاربة له في الفضيلة.

وقوله في التعريف «وهو من حزبهما» يخرج به المسلم الباغي المقتول في المعركة كذلك، فلولا القيد لدخل في التعريف.

وقوله «بسببه» أي بسبب القتال، يخرج به ما لو مات حتف أنفه.

و شمل التعريفُ الصغير والكبير والرجل والمرأة والحُرّ والعبد، والمقتول بالحديد والخشب والصدم واللطم، والمقتول بسلاح نفسه وغيره حتّى الموجود في المعركة ميّتاً وعليه أثر القتل.

ص: 322


1- انظر نهاية الإحكام، ج 2، ص 236 - 237 .
2- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 365.
3- الكافي، ج 3، ص 212، باب القتلى، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 332، ح 973 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 258 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) .
5- المعتبر، ج 1، ص 311.
6- المعتبر، ج 1، ص 311؛ وانظر المقنعة، ص 84؛ والنهاية، ص 40؛ والمبسوط، ج 1، ص 256 - 257.
7- دعائم الإسلام، ج 1 ، ص 225 - 226 .

أمّا لو خلا عنه، فحَكَم المصنّف(1) وجماعة(2) بكونه شهيداً أيضاً، عملاً بالظاهر، ولأنّ القتل لا يستلزم ظهور الأثر.

وقيل: ليس بشهيد(3) ؛ للشكّ في الشرط، وأصالة وجوب الغسل.

وحُكمُ الشهيد المذكور أن (يصلى عليه من غير غسل ولا كفن، بل يُدفن بثيابه) للإجماع نَقَله المصنّف في النهاية(4).

ولفعل النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) ذلك بشهداء أحد وقال: زمّلوهم بدمائهم فإنّهم يُحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك»(5).

ولا فرق في سقوط تغسيله بين الجنب وذات الدم وغيرهما على الأقوى؛ للعموم، خلافاً للمرتضى حيث أوجب تغسيل الجنب(6) ؛ لإخبار النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) بغسل الملائكة حنظلة بن الراهب(7) ؛ لمكان خروجه جنباً.

وأجيب(8) بعدم استلزامه تكليفنا بذلك، فلعلّه تكليف الملائكة.

ويعارَض بخبر زرارة عن الباقر(علیه السلام) في الميّت جنباً: «يغسل غسلاً واحداً يجزئ للجنابة ولغسل الميّت »(9).

ص: 323


1- 1 تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 117 - 118، الرقم 308؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 375 - 376، ذيل المسألة 139 .
2- منهم الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 257 والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 312 .
3- القائل هو ابن الجنيد كما في المعتبر، ج 1، ص 312 .
4- نهاية الإحكام، ج 2، ص 235 .
5- كما في نهاية الإحكام، ج 2، ص 235؛ وفي سنن النسائي، ج 4، ص 78؛ والسنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 17 و 18، ح 6800 و 6802: ومسند أحمد، ج 6، ص 600 - 601 . ح 23145 - 23147 بتفاوت.
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 310.
7- الفقيه، ج 1، ص 159 ، ح 445: السنن الكبرى البيهقي، ج 4، ص 22 - 23، ح 6814 و 6815؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 204.
8- المجيب هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 259 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
9- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1384: الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 680: وفي الكافي، ج 3، ص 154، باب الميت يموت وهو جنب .... ح 1 مضمراً.

و عدم تكفينه مشروط ببقاء ثيابه أو شيء منها ، فلو جُرّد منها كُفّن، كما فَعَل النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) بحمزة لمّا جُرد، فإنّه كفّنه وصلّى عليه بسبعين تكبيرة (1).

ولا فرق في دفنه بثيابه بين إصابة الدم لها وعدمها حتّى السراويل؛ لأنّها من الثياب.

وينزع عنه الفرو والجلود كالخفّين؛ لعدم صدق اسم الثياب عليها، فلا تدخل في النصّ المتقدّم، فيكون دفنها معه تضييعاً، وقد روي أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) أمر في قَتلى أُحد أن

تنزع عنهم الجلود والحديد(2) .

ودعوى إطلاق اسم الثوب على الجلد مندفعة: بأنّ المعهود عرفاً هو المنسوج فينصرف الإطلاق إليه.

ولا فرق في نزعها عنه بين إصابة الدم لها وعدمها إلّا على رواية (3)ضعيفة برجال الزيديّة تضمّنت دفنها معه إن أصابها الدم.

و دفن الثياب معه ،واجب، فلا تخيير بينها وبين تكفينه بغيرها عندنا.

(وصدر الميّت كالميّت في جميع أحكامه) فيجب تغسيله وتغسيل الجزء الذي فيه الصدر وتكفينه والصلاة عليه.

وفي وجوب تحنيطه نظر: من الحكم بكونه كالميّت، ومن فَقد مواضع الحنوط الواجبة. وإطلاق المصنّف هنا جريان الأحكام يقتضي الجزم بالحنوط، فإن قلنا به أجزأ وضع مسمّى الكافور عليه.

ويمكن جريان الإشكال في تكفينه بالقِطَع الثلاثة؛ لعدم وجوب ستر المئزر للصدر.

لكن يزول بجوازه أو استحبابه، وبأنّ بعض الأصحاب يرى جواز كون الثلاثة لفائف تستر جميع البدن.

ص: 324


1- الكافي، ج 3، ص 210 - 211، باب القتلى، ح 1 و 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 331، ح 969 و 970.
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 485، ح 1515؛ سنن أبي داود، ج 3، ص 195، ح 3134؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 4، ص 22، ح 6812؛ مسند أحمد، ج 1، ص 409، ح 2218.
3- الكافي، ج 3، ص 211 - 212، باب القتلى، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 332، ح 972 .

ولا يقال: لو كان جواز ستر الصدر بالمئزر كافٍ في وجوب تكفين الصدر بالثلاثة، لزم مثله في الحنوط؛ لاستحباب تحنيط الصدر فضلاً عن جوازه خاصّة.

لأنّا نجيب بالفرق بين الفردين؛ فإنّه في المئزر محكوم عليه بالوجوب، سواء زاد أم نقص، غايته أنّه فرد كامل للواجب، بخلاف تحنيط الصدر فإنّ وجوبه منتف قطعاً.

ويمكن أن يقال في عدم وجوب التحنيط : إنّ الحكم بكون الصدر أو ما فيه الصدر بحكم الميّت من كلام الأصحاب، والموجود في النصوص إنّما هو وجوب الصلاة والأغسال والتكفين بل في مرفوعة البزنطي في الميّت إذا قطع أعضاء: «يصلّى على العضو الذي فيه القلب»(1) وألحق بها الغسل لزوماً، فيبقى وجوب التحنيط يحتاج إلى دليل، مع خلوّ الجزء الموجود من موضعه.

ومن ثَمَّ قال الشهيد (رحمه الله) في بعض تحقيقاته على استشكال المصنّف في التحنيط : إن كانت محالّ الحنوط موجودةً فلا إشكال في الوجوب، وإن لم تكن موجودةً فلا إشكال في العدم(2) . وهو متّجه.

والقلب كالصدر؛ لظاهر الرواية المتقدّمة(3) .

ومثلها رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام) في الرجل يأكله السبع فتبقى عظامه بغير لحم، قال: «يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن، فإذا كان الميّت نصفين صلّى على النصف الذي فيه القلب»(4) .

ولأنّ الصلاة بُنيت لحرمة النفس، والقلب محلّ العلم وموضع الاعتقاد الموصل إلى النجاة، فله مزيّة على غيره من الأعضاء.

وفي حكمهما عظام الميّت جميعها؛ لرواية عليّ بن جعفر، المتقدّمة (5).

ص: 325


1- المعتبر، ج 1، ص 255 نقلاً عن البزنطي في جامعه.
2- حاشية القواعد، ج 1، ص 88 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
3- وهي مرفوعة البزنطي.
4- الكافي، ج 3، ص 212، باب القتلى، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 336، ح 983.
5- تقدّم آنفا .

وأمّا أبعاضهما فألحقها في الذكرى بهما أخذاً بأنّها من جملة يجب غسلها منفردة(1) .

وفي الحكم والسند منع ظاهر.

ولا يلحق بهما الرأس؛ لعدم النصّ.

(و) القطعة من الإنسان ( ذات العظم) غير ماذكر (والسقط لأربعة أشهر كذلك) يجب تغسيلهما بالغسل المعهود، وتكفينهما بالقِطَع الثلاث على الظاهر.

ويمكن اعتبار القطعة حال الاتبصال، فإن كانت القِطَع الثلاث تنالها حينئذٍ وجبت، ولو نالها منها اثنتان كفتا، ولو لم ينلها إلّا واحدة كفت.

والأوّل أولى؛ للإطلاق، ولإمكان إجزاء الثلاثة ساترة للميّت حال الاتّصال.

وينسحب في تحنيطها الإشكال المتقدّم.

(إلّا في الصلاة) فإنّها لا تشرع إلّا على المولود حيّاً، كما سيأتي.

أمّا القطعة ذات العظم من الميّت فذكرها الشيخان(2)، واحتجّ عليها في الخلاف بإجماعنا(3).

ولم نقف لها على نصّ بالخصوص، ولكن نقل الإجماع من الشيخ كافٍ في ثبوت الحكم، بل ربما كان أقوى من النصّ.

قال في الذكرى: ويلوح ذلك من حديث عليّ بن جعفر، المتقدّم؛ لصدق العظام على التامّة والناقصة(4) .

ويشكل ذلك بأنّ الخبر تضمّن وجوب الصلاة عليها، ولا صلاة عندنا على الأبعاض غير ماذكر؛ وبأنّ المذكور في الرواية في الرجل يأكله السبع وتبقى عظامه بغير لحم، وقد تقرّر في الأصول أنّ الجمع المضاف يفيد العموم، فلذلك قلنا: إنّ حكم

ص: 326


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 257 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
2- المقنعة، ص 85 النهاية، ص 40: المبسوط ، ج 1، ص 258 .
3- الخلاف، ج 1، ص 715-716، المسألة 527.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 255 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

عظام الميّت جميعها حكمه ؛للرواية.

وإطلاق المصنّف القطعة «ذات العظم» يشمل المبانة من الحيّ والميّت، وقد صرّح باتّحاد حكمهما فيما بُعد، واستقربه في الذكرى (1).

وقطع في المعتبر بدفن المبانة من الحيّ بغير غسل وإن كان فيها عظم؛ محتجّاً بأنّها من جملة لا يغسّل ولا يصلّى عليها (2).

وأجاب في الذكرى: بأنّ الجملة لم يحصل فيها الموت، بخلاف المبانة من الميّت(3).

ومختار المعتبر أوجَه؛ لعدم النصّ المقتضي للإلحاق، فيبقى التمسّك بأصالة البراءة وخروج المبانة من الميّت إنّما ثبت بالإجماع المذكور، وإلّا لكان الأصل عدم ثبوت أحكام الجملة للأجزاء. نعم به رواية مرسلة(4) - سيأتي ذكرها - لو تمّ الاحتجاج بها، لم يثبت الحكم للمبانة من الحيّ كالميّت.

وأمّا السقط إذا استكمل أربعة أشهر، فمستنده ما رواه الأصحاب عن أحمد بن محمّد عمّن ذكره، قال: «إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسّل»(5) .

و ما رواه زرعة عن سماعة، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال: «نعم، كلّ ذلك يجب عليه إذا استوى»(6).

وقَطعُ الأُولى وضعف سماعة في سند الثانية مغتفر بقبول الأصحاب مع عدم المعارض.

ويجب بمسّه الغسل. وأمّا الصلاة فمنتفية بالإجماع نَقَله في المعتبر(7).

ص: 327


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 255 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- المعتبر، ج 1، ص 319 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 255 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- وهي رواية أيوب بن نوح التي تأتي في ص 334، الهامش 2.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 328، ح 960 .
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 329، ح 962 .
7- المعتبر، ج 1، ص 319 .

عن السقط كيف

(و) القطعة (الخالية) من عظم (تُلفّ في خرقة وتدفن) من غير غسل (وكذا السقط لأقلّ من أربعة) أشهر لا يجب تغسيله بل يُلفّ في خرقة ويدفن وجوباً؛ لأنّ المعنى الموجب للغسل هو الموت، وهو مفقود هنا.

ولرواية متد بن الفضيل (1)، قال: كتبت إلى أبي جعفر(علیه السلام) أسأله عن السقط کیف يصنع به؟ قال: «السقط يدفن بدمه في موضعه»(2).

وليس في الخبر ذكر الخرقة، بل ظاهره أنّه يدفن مجرّداً، لكن ما اختاره المتأخّرون أولى، بل يظهر من المصنّف(3) دعوى الإجماع عليه.

(ويؤمر مَنْ وجب قتله بالاغتسال أوّلاً) غسل الأموات بالخليطين، وكذا بالتحنيط والتكفين (ثمّ لا يغسّل) بعد موته بذلك السبب الذي اغتسل له.

ووجوب القتل في العبارة أعمّ من أن يكون في حدّ أو قصاص، والنصّ عن الصادق(علیه السلام) في خبر مسمع ورد في المرجوم والمرجومة :أنّهما: «يغتسلان ويتحنّطان ويلبسان الكفن قبل ذلك، والمقتصّ منه بمنزلة ذلك»(4) فألحقه الأصحاب به.

والآمر له هو الإمام أو نائبه.

قال في الذكرى: ولانعلم في ذلك مخالفاً من الأصحاب(5) .

فلايضرّ حينئذٍ ضعف طريق الرواية إلى مسمع.

وإنّما وجب عليه تكرار الاغتسال مع أنّه حيّ؛ لأنّ المأمور به غسل الأموات، غايته أنّه مقدّم بدليل التحنيط والتكفين بعده، مع احتمال الاكتفاء بغسل واحد ؛ لما ذكر، ولأنّ الأمر لا يقتضي التكرار. وإنّما لم يغسّل بعد ذلك؛ للامتثال.

ولا يقدح في الاجتزاء به الحدث، تخلّل أو تأخّر؛ للامتثال.

ص: 328


1- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «الفضل». وما أثبتناه من المصدر.
2- الكافي، ج 3، ص 208، باب غسل الأطفال والصبيان .... ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 329، ح 961 .
3- نهاية الإحكام، ج 2، ص 234 .
4- الكافي، ج 3، ص 214، باب الصلاة على المصلوب .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 334 ، ح 978 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 265 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).

واحتمل في الذكرى(1) إلحاقه بغسل الجنابة في الحدث المتخلّل.

ولا يدخل تحته شيء من الأغسال الواجبة، بل يتعيّن فعل ما وجب منها.

أمّا عدم دخولها تحته: فلعدم نيّة الرفع أو الاستباحة فيه.

وأمّا عدم دخوله تحتها: فللمغايرة كيفيّةً وحكماً.

وتردّد في الذكرى(2) ؛ لظاهر الأخبار الدالّة على الاجتزاء بغسل واحد، كخبر زرارة عن الباقر (علیه السالم)في الميّت جنباً: «يغسّل غسلاً واحداً يجزئ للجنابة ولغسل الميّت، لأنّهما(3) حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» (4).

والخبر ليس ممّا نحن فيه في شيء، ويمنع اجتماع الحرمتين؛ لأصالة عدم تداخل المسبّبات مع اختلاف الأسباب، وتداخلها في بعض الموارد لنصّ خاصّ.

وفي تحتّمه عليه أو التخيير بينه وبين غسله بعد الموت؛ لقيامه مقامه نظر.

هذا بالنسبة إلى الآمر، أمّا المأمور فيجب عليه امتثال الأمر إن وجد.

ولو سبق موته قتله أو قُتل بسبب آخر لم يسقط الغسل، سواء بقي الأوّل كالقصاص مع ثبوت الرجم، أم لا كما لو عفي عن القود؛ لوجوب تجديده حينئذ، وأصالة عدم إجزاء الغسل للسبب الآخر. ولا يجب الغسل بعد موته؛ لقيام الغسل المتقدّم مقام الغسل المتأخّر عن الموت؛ لاعتبار ما يعتبر فيه.

ولا يرد لزوم سبق التطهير على النجاسة ؛ لأنّ المعتبر أمر الشرع بالغسل وحكمه بالطهر(5) بعده وقد وجد الأمران، وليست نجاسة الميّت بسبب الموت عينيّةً محضة، وإلّا لم يطهر، فعُلم من ذلك أنّ تقديم الغسل يمنع من الحكم بنجاسته بعد الموت؛

ص: 329


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 266 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 266 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- ورد في الأصل و م» والطبعة الحجرية: «ولأنّهما». وما أثبتناه من المصدر، فإذن يلاحظ ما في جواب المؤلّف (قدس سره) عن الشهيد (قدس سره).
4- الكافي، ج 3، ص 154، باب الميت يموت وهو جنب .... ح ا وفيه مضمراً؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 432، ح 1384؛ الاستبصار، ج 1، ص 194، ح 680.
5- في «م»: «بالتطهير».

لسقوط غسله بعده، وما ذلك إلّا لعدم النجاسة.

[غسل المسّ]

ولمّا فرغ من أحكام الأسباب الخمسة للغسل شرع في حكم السبب السادس وهو المسّ، وأدرجه في غسل الأموات لقلّة أحكامه، ولأنّ غسل المسّ من لوازم تغسيل الميّت غالباً، فبيان أحكامه كالمتمّم لأحكام غسل الأموات، فقال:

(ومَنْ مسّ ميّتاً من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل، أو مسّ قطعة ذات عظم أبينت منه) أي من الميّت (أو) أبينت (من) إنسان (حيّ وجب عليه) أي على اللامس لواحدٍ ممّا ذُكر (الغسل) على أشهر القولين.

واحترز بالبرد عمّا لو مسّه في حال حرارته الباقية عقيب خروج روحه، فإنّه لا غسل إجماعاً.

وهل يجب عليه غَسل مامسّه به؟ قيل: لا لعدم القطع بنجاسته حينئذ، وأصالة البراءة، ولأنّ نجاسته ووجوب الغسل متلازمان؛ إذ الغسل لمسّ النجس. وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(1) .

واختار المصنّف الوجوب؛ للحكم بأنّ الميّت نجس(2) .

وأجاب في الذكرى: بأنّا إنّما نقطع بالموت بعد البرد(3).

وفيه نظر؛ لمنع عدم القطع قبله، وإلّا لما جاز دفنه قبل البرد، ولم يقل به أحد خصوصاً صاحب الطاعون، وقد أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت، وهي لا تتوقّف على البرد؛ مع أنّ الموت لو توقّف القطع به على البرد لما كان لقيد البرد فائدة بعد ذكر الموت.

ص: 330


1- ذكرى الشيعة، ج 1 ، ص 476: الدروس الشرعية، ج 1، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9). قال في الذكرى ويلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 135، ذيل الفرع «ب».
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 476 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

ونمنع التلازم بين نجاسته ووجوب الغسل؛ لأنّ النجاسة علّقها الشارع على الموت والغسل على البرد، وكلّ حديث دلّ على التفصيل بالبرد وعدمه دلّ على صدق الموت قبل البرد، كخبر معاوية بن عمّار عن الصادق(علیه السلام) : «إذا مسّه وهو سخن فلا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل»(1) فإنّ ضمير «مسّه» يعود على الميّت.

وعن عبد الله بن سنان، عنه(علیه السلام) : «يغتسل الذي غسّل الميّت، وإن غسّل(2) الميّت إنسان بعد موته وهو حارّ فليس عليه غسل، ولكن إذا مسّه وقبله وقد برد فعليه الغسل، ولا بأس أن يمسّه بعد(3) الغسل ويقبّله»(4) .

وهذا الحديث كما يدلّ على صدق الموت قبل البرد كذلك يدلّ على جواز تغسيله قبله أيضاً، وكذلك يدلّ على وجوب غسل المس، وهو مع ماقبله حجّة على المرتضى القائل بعدم وجوب غسل المسّ(5) ، وكذا غيرهما من الأحاديث الصحيحة.

وممّا يدلّ على وجوب الغسل بمسّه قبل البرد: مارواه الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت، قال: «يغسل ما أصاب الثوب»(6).

وما رواه إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميّت. قال: «إن كان غُسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، وإن كان لم يغسّل الميّت فاغسل ما أصاب ثوبك»(7).

وهذان الخبران دلّا على نجاسة الميّت مطلقاً من غير تقييد بالبرد، فمدّعي التقييد

ص: 331


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 429 ، ح 1367.
2- كذا، و في المصادر: «قبل» بدل «غسل».
3- في «الأصل» و «م» والطبعة الحجرية: «قبل» بدل «بعد» وما أثبتناه من المصادر.
4- الكافي، ج 3، ص 160 - 161، باب غسل من غسل الميت.... 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 108، ح 284؛ الاستبصار، ج 1، ص 19، ح 322 .
5- حكاه عنه الشيخ في الخلاف، ج 1، ص 222، المسألة 193 و المحقق في المعتبر، ج 1، ص 351 و 352.
6- الكافي، ج 3، ص 161، باب غسل من غسل الميت .... ح 4 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 276 ، ح 812؛ الاستبصار، ج 1، ص 192 ، ح 671 .
7- الكافي، ج 3، ص 61، باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره.... ح 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 276، ح 811.

يحتاج إلى دليل عليه. ودلّا أيضاً على أنّ نجاسة الميّت تتعدّى مع رطوبته ويبوسته ؛ للحكم بها من غير استفصال، وقد تقرّر في الأصول أنّ ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يدلّ على العموم في المقال، وإلّا لزم الإغراء بالجهل.

ويندرج في قبليّة التطهير بالغسل الميمَّمُ ولو عن بعض الغسلات، ومَنْ فُقد في غسله الخليطان أو أحدهما؛ فإنّ الأصحّ وجوب الغسل بمسّ كلّ واحد منهم ومُغَسَّل الكافر ومَنْ تعذّر تغسيله، لكن يندرج في العبارة الشهيدُ، فإنّه لم يطهر بالغسل بل هو طاهر في نفسه، ولا يجب بمسّه ،غسل، فكان عليه أن ينبّه على حكمه.

وظاهر العبارة أنّ وجوب الغسل بالمسّ مغيّى بكمال الغسل؛ لعدم صدق اسمه عليه قبل إكماله، فيجب الغسل بمسّ عضو كمل غسله قبل كمال غسل الجميع ولصدق اسم الميّت الذي لم يغسّل عليه قبل كماله.

ورجّح المصنّف في غير هذا الكتاب(1) والشهيد (2)وجماعة (3)عدم وجوب الغسل بمسّ عضو كمل غسله؛ لأنّ الظاهر أنّ وجوب الغسل تابع لمسّه نجساً؛ للدوران، وقد حكم بطهارة العضو المفروض، ونجاسة الميّت وإن لم تكن عينيّةً محضة إلّا أنّها عينيّة ببعض الوجوه، فإنّها تتعدّى مع الرطوبة وأيضاً فقد صدق كمال الغسل بالإضافة إلى ذلك العضو. ولأصالة البراءة من وجوب الغسل.

وفيه نظر؛ لأنّ الحكم لا يتّم إلّا مع جَعل نجاسته عينيّةً محضة، أمّا الحكميّة فلا دليل على تبعّضها، بل الأصل كون هذا الغسل كغسل الأحداث، فيكون مجموع الغسل هو السبب التامّ في رفع النجاسة الحكميّة، ولهذا وجبت النيّة في غسله.

نعم، لو جعلناها عينيّةً محضة - كما ذهب إليه المحقّق (4)- فلا إشكال في عدم الوجوب.

ص: 332


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 235.
2- ذكرى الشيعة، ج 1 ، ص 476: البيان، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
3- انظر جامع المقاصد، ج 1، ص 463.
4- المعتبر، ج 1، ص 349 .

ونمنع كون الغسل تابعاً لمسّه نجساً، بل لمسّه بعد البرد، بل ذلك عين المتنازع.

وعلّيّة الدوران ممنوعة، وينتقض - على مذهب الشهيد - بمسّ العظم المجرّد، فإنّه يوجب به الغسل(1)، مع أنّه قد يكون طاهراً، بل قد تطهّر قبل مسّه، فإنّه قابل للطهارة من الخبث، ولا يتعلّق به الحدث منفصلاً؛ لأنّه جزء لا تحلّه الحياة، وقد أجمع الأصحاب على طهارة مالا تحلّه الحياة من غير نجس العين ومنه العظم، فإيجابه الغسل بمسّه ينقض دوران وجوب الغسل مع نجاسة الممسوس.

وأمّا قوله «وقد حكم بطهارة الجزء المفروض» إلى آخره، فجوابه: أنّ الغسل المجعول غايةً لنجاسة الميّت هو غسل الميّت لاعضو من أعضائه قطعاً. وأصالة البراءة قد انتفت بالأدلّة.

نعم، يبقى هنا ،إشكال وهو أنّ مقتضى القواعد الفقهيّة أنّ طهارة المحلّ من الخبث تحصل بانفصال الغسالة عن المغسول، ولا تتوقّف بعدها على تطهير جزء آخر، فعلى هذا إذا كمل غسل عضو وجب الحكم بطهارته من الخبث بحيث لا يجب غسل اللامس له بعد ذلك الغسل الخبثي؛ إذ لو توقّف طهارة ذلك العضو من الخبث على طهارة المجموع لزم مخالفة القاعدة السالفة، وحينئذٍ يبعد الحكم بوجوب الغسل بمسّه دون غسل العضو اللامس؛ إذ لم يعهد انفكاك الغُسل عن الغَسل إلّا على مذهب الشهيد من وجوب الغُسل بمسّ العظم المجرّد(2)، مع أنّه قد يكون طاهراً من الخبث؛ لأنّه ممّا لا تحلّه الحياة.

ويندفع بأنّ الاستبعاد مع قيام الدليل غير مسموع، كيف! وقد وقع مثله على مذهب الشهيد (رحمه الله) ولزم من ذلك أنّ بين نجاسة المحلّ اللامس ووجوب الغسل بالمسّ عموماً وخصوصاً من وجه يجتمعان في مسّ الميّت بعد البرد وقبل التطهير، وتنفرد نجاسة العضو اللامس [ عن الغسل] بالمسّ قبل البرد على ما مرّ، وينفرد الغسل عن نجاسة اللامس بمسّ العظم المجرّد مع عدم الرطوبة أو مع إزالة الخبث عنه، وفي العضو الممسوس بعد كمال غسله وقبل كمال غسل الميّت.

ص: 333


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 477؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 477؛ الدروس الشرعية، ج 1، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).

وبالجملة، فالمسألة من المشكلات، وللتوقّف في حكمها وجه، وما ذكره الجماعة متّجه، غير أنّ الأدلّة النقليّة الخاصّة لا تساعد عليه. والله أعلم.

وأمّا مسّ القطعة ذات العظم: فقد تقدّم الكلام فيها، وأنّ الشيخ ادّعى الإجماع على وجوب الغسل بمسّها إذا أُبينت من ميّت(1)، وبه مع ذلك رواية مرسلة رواها أيّوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكلّ ماكان فيه عظم فقد وجب على مَنْ مسّه الغُسلُ، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(2).

وهذه الرواية قد تدلّ بإطلاقها على حكم المبانة من الحيّ والميّت وإن كان الأصحاب قد ذكروها في الميّت خاصّة. وردّها المحقّق بالإرسال (3).

ويمكن أن يقال: إنّ هذه القطعة من شأنها الحياة، فإذا قُطعت صدق اسم الميّت عليها؛ لأنّ الموت عدم الحياة عمّا من شأنه أن يكون حيّاً، فكلّ مادلّ على حكم الميّت دلّ عليها، فإن تمّ ذلك ثبت الحكم في القطعتين من غير فرق، ولاريب أنّ وجوب الغسل بمسّهما أولى وأحرى، خصوصاً مع حكم أجلاء الأصحاب بالتسوية بينهما في الوجوب، كالمصنّف في سائر كتبه(4) ، والشهيد (5)وغيرهما(6) ، ودعوى الشيخ الإجماع(7) ، مع أنّ المنقول بخبر الواحد حجّة عند المحقّقين، فلا عبرة بقدح المحقّق فيه(8)، وضعف الخبر قد ينجبر بالشهرة وقبول الأصحاب.

ص: 334


1- الخلاف، ج 1، ص 701 ، المسألة 490 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 429 - 430، ح 1369؛ الاستبصار، ج 1، ص 100، ح 325.
3- المعتبر، ج 1، ص 325.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 137، الرقم 412: مختلف الشيعة، ج 1، ص 151، المسألة 101؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 458؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 173 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 473: البيان، ص 77 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
6- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 459.
7- الخلاف، ج 1، ص 701، المسألة 490 .
8- المعتبر، ج 1، ص 352 .

وهل العظم المجرّد من اللحم بحكم ذات العظم سواء اتّصل أم انفصل؟ قيل: نعم(1) ؛ الدوران الغسل معه وجوداً وعدماً، وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(2) .

ويضعّف: بمنع علّيّة الدوران، وبجواز كون العلّة هي المجموع المركّب منه ومن اللحم، ولأنّ العظم طاهر في نفسه إذ لا تحلّه الحياة، فلايفيد غيره نجاسة، ولوفرضت نجاسته فهي عرضيّة خبثيّة تزول بتطهيره، كباقي المنجّسات بالخبث.

نعم، هو على تقدير اتّصاله تابع للميّت كما يتبعه شعره وظفره، أمّا حال الانفصال فلا، فإلحاقه حينئذٍ بباقي الأجزاء التي لا تحلّها الحياة أوجَه وإن كان القول بوجوب الغسل بمسّه أحوط.

وهذا في غير السنّ والضرس، أمّا فيهما فالقول بالوجوب (أشدّ ضعفاً)(3) ؛ لأنّهما في حكم الشعر والظفر .

هذا مع الانفصال، أمّا مع الاتّصال فيمكن المساواة والوجوب؛ لأنّه جزء من جملة بيجب الغسل بمسّها (4).

كلّ ذلك مع عدم طهارته بالغسل، أمّا معه ولو بالقرينة - كالموجود في مقبرة المسلمين - فلا غسل بمسّه، بخلاف الموجود في مقبرة الكفّار، ولوتناوب عليها الفريقان تعارض أصالة عدم الغسل والشكّ في الحدث.

ورجّح الشهيد سقوط الغسل(5) ، وفيه نظر.

ولوجهلت، تبعت الدار .

واعلم أنّ كلّ ماحكم في مسّه بوجوب الغسل مشروط بمسّ ماتحلّه الحياة من اللامس لما تحلّه الحياة من الملموس، فلو انتفى أحد الأمرين لم يجب الغسل، فإن كان

ص: 335


1- انظر جامع المقاصد، ج 1 ، ص 464 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 477؛ الدروس الشرعية ، ج 1، ص 37 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9).
3- بدل ما بين القوسين في «الأصل و م»: «أضعف».
4- في الطبعة الحجرية: «يجب بمسها الغسل».
5- الدروس الشرعية ، ج 1، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

تخلّف الحكم لانتفاء الأوّل خاصّة وجب غسل اللامس خاصّة، وإن كان لانتفاء الثاني خاصّة فلا غسل، ولا غسل مع اليبوسة، وكذا إن كان لانتفاء الأمرين معاً.

هذا كلّه في غير العظم المجرّد كالشعر والظفر ونحوهما، أمّا العظم فقد تقدّم الإشكال فيه، وهو في السنّ أقوى.

ويمكن جريان الإشكال في الظفر أيضاً؛ لمساواته العظمَ في ذلك.

ولافرق في الإشكال بين كون العظم والظفر من اللامس أو الملموس.

(ولو خلت) القطعة المبانة من حيّ أو ميّت (من عظم، أو كان الميت) الممسوس (من غير الناس) ممّا له نفس سائلة (غسل) اللامس (يده) بل العضو اللامس (خاصّة).

أمّا عدم الغُسل: ففى الأخبار السابقة ما يدلّ عليه.

وأمّا وجوب غَسل اليد فى القطعة الخالية من العظم: فظاهر مع الرطوبة؛ لنجاسة ميّت الآدمي، وتنجّس الملاقي لها برطوبة.

وأمّا مع عدمها؛ فلأنّ نجاسة الميّت عند المصنّف(1) حكميّة بالنسبة إلى تنجيس الملاقي لها مطلقاً.

ويدلّ عليه أيضاً ما تقدّم من خبر الحلبي وإبراهيم بن ميمون عن الصادق(علیه السلام)(2)؛ حيث دلّا على نجاسة الثوب الملاقي لبدن الميّت من غير تقييد بالرطوبة وعدمها.

وأمّا حكم الميّت من غير الناس ممّا له نفس فإنّ نجاسته تتعدّى مع الرطوبة قطعاً ؛ لما مرّ أمّا مع عدمها: فكذلك عند المصنّف(3)، ومن ثَمَّ أطلق الحكم هنا ؛ لإطلاق قول الصادق(علیه السلام): «ولكن يغسل يده»(4) .

ص: 336


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 235 نهاية الإحكام، ج 2، ص 223 تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 350، المسألة 122 .
2- في ص 331.
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 173 .
4- الكافي، ج 3، ص 60 - 61 ، باب الكلب يصيب الشوب والجسد وغيره .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 262 . ح 763 ، وص 277 ، ح 816.

ويحتمل العدم كباقي النجاسات، وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(1) .

وفي حكم هذين الأمرين مسّ الميّت قبل البرد، فإنّه يوجب غَسل مامسّه به خاصّة عند المصنّف(2) مطلقاً، وقد تقدّم تحقيقه.

واعلم أنّ الذي استفيد من الأخبار واختاره جماعة من الأصحاب(3) : أنّ نجاسة الميّت عينيّة من وجه وحكميّة من آخر.

أمّا الأوّل: فلحكمهم بتعدّيها إلى غيرها، كمادلّ عليه إطلاق الأخبار، كخبر الحلبي وإبراهيم بن ميمون (4)، والحكميّة الحدثيّة ليست كذلك.

وأمّا كونها حكميّةً من وجه؛ فلزوالها بالغسل وافتقاره إلى النيّة كالجنابة وغيرها.

وأمّا حكم المنتقلة منها إلى اللامس فإن كان مع الرطوبة فهي عينيّة محضة، فلو لمس اللامس له برطوبة آخر برطوبة نجس أيضاً، وهلمّ جراً.

وخلاف ابن إدريس(5) في ذلك ضعيف.

وإن كان مع اليبوسة فقيل: هي حكميّة محضة، أي محكوم بوجوب تطهير اللامس، ولا تتعدّى النجاسة إلى غيره، فلو مسّه بغير رطوبة ثمّ مسّ رطباً لم ينجس الثاني. وهو اختيار المصنّف في القواعد(6) .

وفيه نظر؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة بوجوب غَسل الملاقي لبدن الميّت وماذاك إلّا لنجاسته، ومن حكم النجس تنجيسه لغيره مع ملاقاته له برطوبة، فالظاهر حينئذٍ كون نجاسة اللامس له مطلقاً عينيّةً محضة، فينجس الملاقي لها مع الرطوبة، ويعتبر في إزالتها ما يعتبر في إزالة العينيّة.

ص: 337


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 92 البيان، ص 77 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
2- قواعد الأحكام، ج 1، ص 234 .
3- منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 462.
4- تقدمت الإشارة إلى مصادرهما في ص 331، الهامش 6 و 7 .
5- السرائر، ج 1، ص 163 .
6- قواعد الأحكام، ج 1، ص 235.

(النظر الرابع في أسباب التيمّم)

المسوّغة له (وكيفيّته) وهي بيان أفعاله على وجه التفصيل.

وقوله: ( يجب التيمّم لما تجب له الطهارتان) ليس من الأسباب ولا الكيفيّة، وإنّما ذكره استطراداً، وقد تقدّم الكلام عليه في أوّل الكتاب في بيان أقسام الطهارة.

وهذه العبارة أجود ممّا تقدّم هناك في قوله: «والتيمّم يجب للصلاة والطواف - إلى آخره - والمندوب ماعداه» لاستلزام ما تقدّم كون التيمّم للّبث في المساجد مع الاحتياج إليه وللصوم مع تعذّر الغسل ولمسّ خطّ المصحف كذلك مندوباً، بخلاف قوله هنا، بل هو كالمنافي لما تقدّم، لكن لا مشاحّة في اللفظ مع الاتّفاق على المعنى.

(وإنّما يجب ) التيمّم (عند) العجز عن الماء، فمسوّغه في الأصل شيء واحد؛ للآية(1).

لكن للعجز أسباب: (فقد الماء) بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر، وسيأتي بيانه، أو الخوف على النفس أو المال من استعماله مع وجوده، المعبّر عنه بقوله: (أو تعذّر استعماله للمرض) أي لحصول مرض مانع من استعمال الماء بأن يخاف زيادته أو بطء بُرئه أو عسر علاجه، أو لخوف حصول المرض بسبب الاستعمال وإن لم يكن موجوداً حالَ الاستعمال.

ولا فرق في ذلك بين المرض العامّ لجميع البدن والمختصّ بعضو.

ولو كان المرض يسيراً بحيث يتحمّل مثله عادةً كالصداع ووجع الضرس، فظاهر

ص: 338


1- النساء :(4): 43: المائدة (5):6 .

العبارة عدم جواز التيمّم لعدم التعذّر عادةً، وصرّح به في غير هذا الكتاب(1) .

وفي النهاية(2) علّق الجواز على مطلق المرض، وهو ظاهر اختيار الذكرى(3)؛ محتجّاً بالعسر والحرج، وبنفي الضرر في الخبر(4) ،مع أنّه لا وثوق في المرض بالوقوف على الحدّ اليسير ، ولأنّ ضرر ما ذُكر أشدّ من ضرر الشَين وقد أطبقوا على جواز التيمّم لخوفه .

وفي حكم المرض وخوفه العجزُ عن الحركة التي يحتاج إليها في تحصيل الماء لكِبَرٍ رٍ أو مرض أو ضعف قوّة، فيباح له التيمّم إلّا أن يجد معاوناً ولو بأجرة مقدورة.

وكذا العجز بسبب ضيق الوقت بحيث لا يدرك منه بعد الطهارة قدر ركعة، فإنّه يتيمّم وإن قدر على الماء بعد الوقت، خلافاً للمحقّق (رحمه الله)(5) .

ولو أمكن زوال الضرر بالإسخان وتمكّن منه ولو بعوض مقدور وإن كثر لم يجز التيمّم.

ولا فرق في ذلک بین متعمّد الجنابة وغيره على الأشبه؛ لإطلاق النصوص، ونفي الضرر، خلافاً للمفيد(6) وجماعة(7) حيث ذهبوا إلى عدم جواز التيمّم حينئذ وإن خاف على نفسه، وللشيخ في النهاية حيث جوّزه عند خوف التلف وأوجب الإعادة (8)؛ استناداً إلى أخبار لو سُلّم دلالتها كانت معارضةً بأقوى منها وأظهر دلالةً.

ص: 339


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 160 ، ذيل المسألة 289 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 195.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5).
4- الكافي، ج 5، ص 280 ، باب الشفعة، ح 4 الفقيه، ج 3، ص 76 ، ح 3371؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147 ، ح 651؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 784، ح 2341؛ سنن الدارقطني ، ج 4، ص 470، ح 84/4460 و 85/4461؛ مسند أحمد، ج 1، ص 515، ح 2862.
5- المعتبر، ج 1، ص 366.
6- المقنعة، ص 60.
7- منهم ابن الجنيد كما هو ظاهره. انظر مختلف الشيعة، ج 1، ص 277، المسألة 206.
8- النهاية. ص 46.

(أو) تعذّر استعماله (للبرد) المؤلم في الحال ألماً شديداً لا يتحمّل مثله عادةً مع أمن العاقبة، فإنّه يسوغ له التيمّم حينئذ، كما صرّح به المصنّف في المنتهى والنهاية(1) ؛ لعموم قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) :«لا ضرر»(2).

أمّا لو تألم بالبرد ألماً يمكن تحمّله عادةً لم يجز التيمّم قطعاً؛ لانتفاء الضرر، وعليه يُحمل الخبر باغتسال الصادق(علیه السلام) في ليلة باردة وهو شديد الوجع(3).

ويمكن المنع من التيمّم مع البرد الذي لا تخشى عاقبته مطلقاً؛ لظاهر الخبر، وهو الظاهر من اختيار الشهيد (رحمه الله) (4).

وحكم الحَرّ في ذلك حكم البرد، وإنّما خصّه بالذكر؛ لأنّه الأغلب في المنع.

(و) كذا لو كان تعذّر استعماله لسبب (الشين) وهوما يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة، وربما بلغت تشقّق الجلد وخروج الدم.

وإنّما كان مانعاً؛ لأنّه نوع من الأمراض خصوصاً مع تشقّق الجلد.

ولا فرق في الشين بين شدّته وضعفه؛ للإطلاق، وصرّح به المصنّف في النهاية(5) ، وقيّده في المنتهى بكونه فاحشاً(6)؛ لقلّة ضرر ماسواه. وهو أولى.

والمرجع في ذلك كلّه إلى ما يجده من نفسه ظنّاً أو تجربةً، أو إلى إخبار عارف ثقة أو مَنْ يظنّ صدقه وإن كان فاسقاً أو صبيّاً أو امرأة أو عبداً أو كافراً لا يتّهمه على دينه. ولا يشترط التعدّد. ولافرق في ذلك بین الطهارتين.

ومتى خشي شيئاً من ذلك لم يجز استعمال الماء؛ لوجوب حفظ النفس، فلو خالف

ص: 340


1- منتهى المطلب، ج 3، ص 28 نهاية الإحكام، ج 1، ص 195.
2- الكافي، ج 5، ص 280 باب الشفعة، ح :4: الفقيه، ج 3، ص 76 ، ح 3371؛ تهذيب الأحكام، ج 7، ص 146 - 147 ، ح 651؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 784 ، ح 2341؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 470. ح 0 و 85/4461؛ مسند أحمد، ج 1، ص 515 ، ح 2862 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 198، ح 575: الاستبصار، ج 1 ، ص 162 - 163، ح 563 .
4- البيان، ص 79 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 195.
6- منتهى المطلب، ج 3، ص 28 .

واستعمله ففي الإجزاء نظر: من امتثال أمر الوضوء أو الغسل، ومن عدم الإتيان بالمأمور به الآن فيبقى في العهدة، والنهي عن استعماله في الطهارة المقتضي للفساد في العبادة. وهو أقرب.

(أو خوف العطش) الحاصل أو المتوقّع في زمان لا يحصل فيه الماء عادةً أو بقرائن الأحوال له أو لغيره من النفوس المحترمة التي لا يهدر إتلافها إنسانيّة أم حيوانيّة، ولا اعتبار بغيرها كالمرتدّ عن فطرة والحربي والكلب العقور والخنزير وكلّ ما يجوز قتله، سواء وجب كالزاني المحصن، أم لا كالحيّة والهرّة الضارية.

ولا فرق في خوف العطش بين الخوف على النفس أو شيء من الأطراف، أوخوف مرض يحدث بسببه أو يزيد، أو خوف ضعف يعجز معه عن المشي حيث يحتاج إليه، أو مزاولة أُمور السفر التي لا يتمّ بدونها؛ لأنّ ذلك كلّه ضرر.

ولا فرق في تقديم دفع العطش على الطهارة بين أن يكون عنده ماء نجس يمكنه دفع العطش به والطهارة بالطاهر أو لا؛ لأنّ رخصة التيمّم أولى من رخصة استعمال النجس.

نعم، لو أمكن أن يتطهّر به ويجمع المتساقط من الأعضاء للشرب على وجه يكتفي به وجب؛ جمعاً بين الحقّين.

ولو تطهّر به في موضع العطش فالظاهر البطلان، كما لو تطهّر به مع خوف الضرر بالمرض ؛للنهي المقتضي للفساد.

واستقرب المصنّف في النهاية الإجزاء؛ لامتثال أمر الوضوء (1).

وفيه نظر؛ لأنّ مطلقه مقيّد بالقدرة على استعمال الماء، وهو منتفٍ هنا.

(أو) خوف (اللصّ أو السبع) في طريق الماء على النفس المحترمة، أو شيء من الأطراف كذلك، أو المال المحترم له أو لغيره، فيسقط عنه السعي إليه وإن كان قريباً منه ؛ لنفي الحرج والنهي عن الإلقاء في التهلكة. ولقول الصادق(علیه السلام) :«لا آمره أن يغرّر

ص: 341


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 188 - 189 .

بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع»(1) .

والخوف من وقوع الفاحشة كذلك، سواء الذكر والأنثى، وكذا الخوف على العِرض

وإن لم يَخَف على البُضع.

وفي إلحاق الخوف على الدابّة بذلك نظر، والظاهر الإلحاق؛ لدخوله فى الفاحشة، والخوف مع عدم سبب موجب له بل بمجرّد الجبن كالخوف للسبب عند المصنّف (2)وجماعة(3) ، لاشتراكهما في الضرر، بل ربما أدّى الجبن إلى ذهاب العقل الذي هو أقوى من كثير مما يسوغ التيمّم لأجله، أمّا الوهم الذي لا ينشأ عنه ضرر فلا.

(أو) الخوف من (ضياع المال) بسبب السعي وإن لم يكن من اللص أو السبع.

ويمكن أن يريد بخوف اللصّ أو السبع على النفس، وبقوله: «أو ضياع المال» ذهابه بسببهما، والأوّل أشمل.

ولا فرق بين المال القليل والكثير؛ لإطلاق الأمر بإصلاحه.

(أو عدم الآلة) المحتاج إليها في تحصيل الماء، كالدلو والرشاء حيث يحتاج إليهما. والقادر على شدّ الثياب بعضها ببعض والتوصّل إلى الماء بها ولو بشقّ بعضها وإن نقصت أثمانها متمكّن مع عدم التضرّر بذلك.

ويتحقّق عدم الآلة والماء بعدم وجودهما معه أو مع باذل ولو بعوض أو إعارة لها أو هبة له؛ لعدم المنّة الكثيرة فى ذلك (أو) بوجودهما مع مَنْ لا يبذلهما إلّا بثمن مع (عدم الثمن) في الحال أو في المآل حيث يمكن تأجيله إليه، وكذا لو وجدت الآلة بأجرة مع عدمها كذلك.

ولا يتحقّق بوجودها هبة أو وجود ثمنها أو ثمن الماء كذلك؛ لأنّ ذلك كلّه ممّا يمتنّ به عادة، ويحصل به ضرر وغضاضة وامتهان على نفوس الأحرار.

ص: 342


1- الكافي، ج 3، ص 65، باب الوقت الذي يوجب التيم .... ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 184، ح 528 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 188 .
3- 1 منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 139 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

ولا فرق في ذلک بین القليل والكثير؛ لعدم انضباط أحوال الخلق في ذلك فاعلاً وقابلاً، فربما عدّ بعضهم القليل كثيراً وشقّ على بعضهم تحمّل القليل كالكثير، فالمرجع في ذلك إلى جنس ما يمتنّ به عادةً، كمالم يفرّق بين كثير الماء وقليله في وجوب قبوله اعتباراً بالجنس. هذا إذا كان البذل على وجه التبرّع، كالهبة ونحوها.

أمّا المنذور على وجه يدخل فيه المحتاج ويفتقر إلى القبول: فإنّ قبوله واجب كما يجب التكسّب له؛ لوجوب تحصيل الشرط الواجب المطلق وانتفاء المنّة.

ولو كان النذر لا يحتاج إلى قبول فوجوب أخذه أولى؛ لأنّ الملك فيه حينئذٍ قهري والمنّة منتفية.

وكما لا يجب قبول الهبة كذا لا يجوز مكابرة مالك الماء والآلة عليهما؛ لانتفاء الضرورة، بخلاف الماء للعطش والطعام في المجاعة.

(ولو وجده) أي الثمن (وخاف الضرر) على نفسه أو غيره من الأموال المحترمة كما تقدّم (بدفعه) عوضاً عن الماء أو الآلة، لم يجب دفعه في ذلك بل لم يجز؛ لأنّا سوّغنا ترك استعمال الماء لحاجته وهو غير المطهّر، فترك بدله مع الحاجة أولى، و (جاز) حينئذٍ (التيمّم) لصدق العجز عن تحصيل الماء.

فرعُ للمصنف (رحمه الله): لو وجد ماءً موضوعاً في الفلاة في حبّ أو كوز ونحوه للسابلة، جاز له الوضوء، ولم يسغ له التيمّم؛ لأنّه ،واجد، إلّا أن يعلم أو يظنّ وضعه للشرب. ولو كان كثيراً دلّت الكثرة على تسويغ الوضوء منه. ذكر ذلك كلّه في النهاية(1) . وللنظر في بعض قيوده مجال.

(ولو وجده) أي الماء (بثمن لا يضرّه في الحال) يمكن أن يريد به الزمان الحاضر، فلا عبرة بخوف ضرره في المآل؛ لإمكان تجدّد ما تندفع به الضرورة، ولعدم الضرر بذلك حينئذ.

والأولى أن يراد به حاله، أي حال نفسه فيجعل اللام عوضاً عن المضاف إليه؛ ليعمّ

ص: 343


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 195 .

الضرر الحاضر والمتوقّع حيث يحتاج إلى المال المبذول في مستقبل الزمان الذي لا يتجدّد له فيه مال عادةً.

فمتى لم يضرّه بذل الثمن في الحال أو المآل على ذلك الوجه (وجب الشراء) لانتفاء الضرر الذي إعتباره ساغ التيمّم (وإن زاد) الثمن المقدور عليه المفروض عدم التضرّر به مطلقاً ( عن ثمن المثل) أضعافاً مضاعفة على المشهور؛ لأنّه متمكّن، والفرض انتفاء الضرر، ولوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق بحسب الإمكان.

ولقول الكاظم(علیه السلام) وقد سُئل عمّن وجد قدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها:«يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضّأت »(1).

(على إشكال) في ذلك ناش ممّا ذكرناه ومن أنّ خوف فوات المال اليسير بالسعي إلى الماء مجوّز للتيمّم، فكيف يجب بذل الكثير على هذا الوجه فيه!؟ ولتساوي الحكم في تضييع المال القليل والكثير، وكفر مستحلّه، وفسق غاصبه، وجوازالدفع عنه. وهو اختيار ابن الجنيد(2).

و جوابه: الفرق بين جميع ماذُكر وموضع النزاع بالنصّ، وبالمنع من مساواة ما يبذله المكلّف باختياره وبين ما ينهب منه قهراً؛ لما في الثاني من لزوم الغضاضة والإهانة الموجبة للضرر، بخلاف الأوّل؛ لأنّ الفرض انتفاء الضرر فيه.

وفرّق المصنّف بينهما (3): بأنّ اللازم في الفرع إنّما هو الثواب؛ لأنّه عبادة اختياريّة مطلوبة للشارع، وهو أضعاف ما دفع، واللازم في الأصل إنّما هو العوض وهو مساءٍ لما أُخذ منه، فلم يتمّ القياس.

واستضعفه الشهيد (رحمه الله) استناداً إلى أنّه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في

ص: 344


1- 1 . الكافي، ج 3، ص 74 ، باب النوادر ، ح :17: الفقيه، ج 1، ص 35 . ح 71 ، وفيه: «سئل أبو الحسن الرضا(علیه السلام) » تهذيب الأحكام، ج 1، ص 406 ، ح 1276.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 369 .
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 194.

حيّز الثواب(1) . وهو حسن، بل يجمع له حينئذ بين العوض والثواب، وهو أعظم من الثواب وحده، فالأولى الاستناد في الفرق إلى النصّ والغضاضة المذكورة.

والاعتبار في ثمن المثل بالنسبة إلى الماء بحسب الزمان والمكان ؛ لأنّه متقوّم في نفسه.

وربما احتمل اعتبار أُجرة تحصيل الماء خاصّة بناءً على أنّ الماء لاقيمة له. وقد عرفت ضعفه.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين المجحف وغيره، وما تقدّم من الأدلة یشملة.

وقيد المصنّف في التذكرة(2) والشهيد في الذكرى(3) وجوب الزائد عن ثمن المثل بعدم الإجحاف بالمال وإن كان مقدوراً؛ للحرج.

ولو بُذل بثمن إلى أجل يقدر عليه عند الحلول، فقد صرّح المصنّف(4) ، وجماعة(5) بالوجوب؛ لأنّ له سبيلاً إلى تحصيل الماء.

وربما استشكل(6) بأنّ شغل الذمّة بالدَين الموجب للذلّة مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول وتعريض نفسه لضرر المطالبة وإمكان عروض الموت له مشغول الذمّة ضرر عظیم.

وفي حكمه الاقتراض للشراء.

وتُقدّم النفقة على شراء ماء الطهارة، أمّا الدين مع عدم المطالبة فيبنى على ماذكر.

(وكذا) القول في (الآلة) يجب شراؤها وإن زاد ثمنها، كما تقدّم.

ص: 345


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 163، ذيل المسألة 293.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 164، ذيل المسألة 293.
5- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 475 ومنهم المحقق في المعتبر، ج 1، ص 370؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 137 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- المستشكل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 475 .

ولو تعذّر الشراء وأمكن الاستئجار تعيّن ولو أمكنا تخيّر، كلّ ذلك من باب المقدّمة.

(ولو فقده) أي الماء (وجب) عليه الطلب من أصحابه ومجاوريه في رَكب أو رحله، فإن لم يجده وجب عليه (الطلب غَلوة سهم) - بفتح الغين - وهي مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة (في) الأرض (الحزنة) - بسكون الزاي المعجمة - ، خلاف السهلة، و هی المشتملة على نحو الأشجار والعلوّ والهبوط. وتجب مراعاة هذا القدر (من كلّ جانب) بحيث يستوعبها (و) قدر غلوة (سهمين) من كلّ جانب (في) الأرض (السهلة) - بسكون الهاء وكسرها - وهي خلاف الحزنة.

ولو اختلفت الأرض في السهولة والحزونة، توزّع الحكم بحسبها.

ولو علم عدم الماء في بعض الجهات سقط الطلب فيه، أو مطلقاً، فلا طلب؛ لانتفاء الفائدة، وتحقّق شرط جواز التيمّم، كما أنّه لو علم الماء قَبلُ أو ظنّه في أزيد من النصاب كقرية ونحوها، وجب قصده مطلقاً ما لم يخرج الوقت.

وتجوز الاستنابة في الطلب بل قد تجب ولو بأجرة؛ لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق.

وتشترط عدالة النائب إن كانت الاستنابة اختياريةً، وإلّا اشترطت مع إمكانها، ويحتسب لهما على التقديرين.

ويجب طلب التراب لو فقده حيث يجب التيمّم؛ لأنّه شرط الواجب المطلق كالماء.

ولو فات بالطلب غرض المطلوب كما في الحطّاب والصائد، ففي وجوبه لقدرته على الماء، أو سقوطه دفعاً للضرر وجهان.

ولو حضر الفرض الثاني، جدّد الطلب له إن لم يعلم عدم الماء بالطلب الأوّل، أو بالانتقال إلى محلّ يعلم عدمه فيه.

وليكن الطلب بعد دخول الوقت، ولو سبق وأفاد العدم يقيناً كفى، وإلّا فلا.

(ولو وجد ماءً) بالتنوين، ويجوز كونه نكرةً موصوفة، أي وجد من الماء شيئاً (لا يكفيه للطهارة، تيمّم) ولا تتبعّض الطهارة بأن يغسل بما يجده ثمّ يتيمّم عن العضو

ص: 346

الباقي عندنا؛ لانحصار الطهارة في أقسامها الثلاثة، والملفّقة ليست أحدها.

وربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض(1) ، وهو مذهب العامّة(2) .

وهذا بخلاف مالو كان عليه طهارتان - كما في الأغسال المجامعة للوضوء - فوجد من الماء ما يكفي أحدهما فإنّه يستعمله ويتيمّم عن الأُخرى، فإن وسع لكلّ منهما على البدل قدّم الغسل.

(ولو) كان على بدن المحدث أو ثوبه أو ما تتوقّف صحّة الصلاة على طهارته نجاسة و(وجد ما يكفيه لإزالة النجاسة خاصّة أزالها وتيمّم).

والمراد أنّه وجد من الماء مالا يكفيه لإزالة الحدث والخبث معاً، بل ما يكفي أحدهما، فإنّه يزيل النجاسة ويتيمّم. ولا يخفى قصور العبارة عن تأدية هذا المعنى.

وإنّما قدّمت إزالة النجاسة؛ لأنّ للطهارة المائية بدلاً وإزالة النجاسة لا بدل لها فيجمع بين الحقّين.

ويستفاد من ذلك أنّ الحكم مشروط بوجود مایتیمّم ،به فلو فقده قدّم الطهارة المائية؛ لانتفاء البدل حينئذ، واشتراط الصلاة بالطهارة مطلقاً، بخلاف إزالة النجاسة. وقد صرّح بذلك جماعة(3).

ولابدّ في تقييد الحكم بتقديم إزالة النجاسة بكونها غير معفوّ عنها وكون الثوب مع ذلك ممّا يحتاج إلى لُبسه في الصلاة إن كانت فيه إمّا لعدم الساتر أو للاضطرار إلى لُبسه البرد ونحوه. وهذا على سبيل الاستحقاق لا الأفضليّة، ولا تجوز المخالفة.

ولو خالف وتطهّر أساء.

وفي صحّتها نظر: من الطهارة بماء مملوك مباح فيصحّ، ومن النهي عن الطهارة،

ص: 347


1- الحاكي عنه هو الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 138 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ وانظر المبسوط ج 1، ص 60: والخلاف، ج 1، ص 154، المسألة 105.
2- المجموع شرح المهذب، ج 2، ص 268: حلية العلماء، ج 2، ص 202 و 203: المغني المطبوع مع الشرح الكبير. ج 1، ص 270 و 271، المسألة 336: الشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 1، ص 280 و 281 .
3- 1منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 478 .

اللازم (من الأمر)(1) باستعمال الماء في إزالة النجاسة؛ إذ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، والنهي في العبادة يدلّ على الفساد.

وفي توجيه النظر من الجانبين نظر.

أمّا الأوّل: فلمنع كلّيّة الكبرى المطويّة؛ لأنّها محلّ النزاع، ولانتقاضها بمن تطهّر بماذُكر مع يقين الضرر لمرض ونحوه.

وأمّا الثاني: فلما تحقّق في الأصول من أنّ الأمر بالشيء إنّما يستلزم النهي عن ضدّه العامّ، وهو مطلق الترك، لا الأضداد الخاصّة، فلايتمّ الدليل.

وعلى كلّ حال فالوجه عدم الإجزاء؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، فلم يتحقّق الإجزاء، كما تحقّق في الأصول.

و استقرب المصنّف في التذكرة الإجزاء إن جوّز وجود المزيل في الوقت، وإلّا فلا(2).

(ولا يصحّ) التيمّم (إلّا بالأرض) لقوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا )(3).

وقول الصادق: «إنّما هو الماء والصعيد»(4) و «إنّما» للحصر والصعيد عندنا وجه الأرض، وهو أحد التفسيرين ونقل عن جماعة من أهل اللغة، ذكر ذلك الخليل وثعلب عن ابن الأعرابي (5).

ويدلّ عليه قوله تعالى: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) (6)أي أرضاً ملساء مزلقة. فيتناول جميع أصنافها ( كالتراب) وإن كان نديّاً، والحجر بأنواعه والمدر (وأرض النورة و) أرض (الجصّ) قبل إحراقهما؛ لوقوع اسم الأرض عليهما حينئذ وإن كانا قد يؤولان إلى المعدن؛ لعدم تناول المعدن لهما قبله.

ص: 348


1- بدل ما بين القوسين في «الأصل وم»: «للأمر».
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 171، ذيل المسألة 295.
3- النساء (4): 43: المائدة (5) : 6 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 188 ، ح 540؛ الاستبصار، ج 1، ص 14 ، ح 26.
5- كما في المعتبر، ج 1، ص 373؛ وانظر العين، ج 1، ص 290، «صعد».
6- الكهف (18): 40 .

ومَنعَ ابن إدريس منهما لكونهما معدناً(1). وشرط في النهاية في جواز التيمّم بهما فقد التراب(2).وهما ضعيفان.

أمّا بعد الإحراق فلايجوز؛ للاستحالة، خلافاً للمرتضى (3).

(وتراب القبر) الملاصق للميّت وإن تكرّر النبش لأنّه أرض، والأصل عدم مخالطتها شيئاً من النجاسات.

نعم، لو علم ذلك - كمالو كان الميّت نجس العين - لم يجز.

ولا يضرّ اختلاطه باللحم والعظم الطاهرين بالغسل مع استهلاكه لهما.

وأمّا تراب القبر الذي لا يلاصق الميّت فإنّه وإن جاز التيمّم عليه لكن لا وجه لتخصيصه بالذكر في سياق أنواع الأرض.

(والمستعمل) لبقاء الاسم، وعدم رفع التيمّم الحدث.

والمراد به الممسوح به أو المتساقط عن محلّ الضرب بنفسه أو بالنفض، لا المضروب عليه إجماعاً، بل هو كالماء المغترف منه.

(ولا يصحب) التيمّم (بالمعادن) كالكحل والزرنيخ وتراب الحديد ونحوها؛ لعدم وقوع اسم الأرض عليها.

(والرماد) سواء كان رماد الخشب أم التراب؛ لعدم تسميته أرضاً.

واستقرب المصنّف في النهاية جوازه برماد الأرض(4) .

(والاشنان) بضمّ الهمزة ( والدقيق) لعدم التسمية كذلك.

(والمغصوب) للنهي عن استعماله المقتضي للفساد في العبادة.

والمراد به ما ليس بمباح ولا مملوك ولا مأذون فيه صريحاً أو ضمناً، كالمأذون في

ص: 349


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 482 وانظر السرائر، ج 1، ص 137 .
2- النهاية ص 49 .
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 375.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 199 .

التصرّف فيه، أو فحوى، كالمأذون في دخوله وجلوسه ونحوهما عموماً أو خصوصاً، أو شاهد الحال، كالصحاري المملوكة حيث لاضرر على المالك. ومثله جدار الغير من خارج حيث لا يتوجّه عليه ضرر كذلك.

نعم، لو ظنّ الكراهة أو صرّح بها المالك امتنع.

ويتحقّق النهي عن المغصوب مع الاختيار قطعاً، أمّا لو حُبس المكلَّف في مكان مغصوب ولم يجد ماءً مباحاً أو وجد ولزم من استعماله إضرار بالمكان، فهل يجوز التيمّم بترابه الطاهر مع عدم وجود غيره كما تجوز الصلاة فيه؛ لخروجه بالإكراه عن النهي فصارت الأكوان مباحةً؛ لامتناع التكليف بما لا يطاق، أم لا يجوز؛ لافتقاره إلى تصرّف في المغصوب زائد على أصل الكون؟ وجهان. وهذا بخلاف الطهارة بالماء المغصوب؛ لأنّه يتضمّن إتلافاً غير مأذون فيه، ولا تدعو إليه ضرورة.

نعم، لورُبط في ماء مغصوب وتعذّر عليه الخروج ولم يلزم من الاغتسال به زيادة إتلاف أمكن تمشّى الوجهين

(والنجس) لقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا )(1) قال المفسرون(2) : معناه الطاهر.

ولقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «وترابها طهوراً»(3) والنجس لا يعقل كونه مطهّراً لغيره.

(ويجوز) التيمّم (بالوحل مع عدم التراب) والمراد عدم(4) إمكان تجفيفه وجمعه في مكان ثمّ الضرب عليه؛ إذ لوقدر على ذلك، لم يفرض عدم التراب؛ لأنّه تراب حقيقةً، لكن على تقدير عدم إمكان تجفيفه إنّما يجوز التيمّم به مع فقد الغبار على الثوب ونظائره، فكان ينبغي تأخيره عنها، كما ورد في الأخبار عن الصادقين(علیهما السلام)(5) .

ص: 350


1- النساء :(4): 43: المائدة (5): 6 .
2- منهم الطبرسي في مجمع البيان، ج 3 - 4 ص 52 ، ذيل الآية 43 من النساء (4).
3- الخصال، ص 425 - 426 ، ح :1: علل الشرائع، ج 1، ص 156، الباب 106، ح 3.
4- في «الأصل و م»: «مع عدم».
5- الكافي، ج 3، ص 67، باب التيمم بالطين، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 189 ، ح 543 الاستبصار، ج 1، ص 156، ح 537.

ويشترط في الوحل كون أصله ممّا يصح التيمّم عليه، وإلّا لم يجز التيمّم به مطلقاً، صرّح به المصنّف في النهاية(1) .

(و) كذا يجوز التيمّم (بالحجر معه) أي مع وجود التراب؛ لما تقدّم من أنّ الصعيد وجه الأرض والحجر أرض إجماعاً، كما نقله في المعتبر(2)، ولأنّه تراب اكتسب رطوبةً لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادتاه استمساكاً.

ويتناول الحجر جميع أنواعه من رخام وبرام وغيرهما.

وردّ بذلك على الشيخ (3)وجماعة(4) ، حيث شرطوا في جواز استعماله فقد التراب؛ استناداً إلى أنّ المراد بالصعيد في الآية(5) التراب، كماهو أحد التفسيرين عند أهل اللغة، والحجر ليس بتراب.

وجوابه: أنّا قد بيّنا أنّ المراد بالصعيد الأرض، وهو من جملة أصنافها، ولأنّه لو لم تكن الحقيقة باقيةً فيه لم يكن التيمّم به مجزئاً عند فقد التراب كالمعدن، والتالي باطل إجماعاً.

ولا يعارَض بالتيمّم بالوحل ونحوه؛ لدخوله بنصّ خاصّ، بخلاف الحجر.

وفي حكمه الخزف؛ لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض كالحجر وإن خرج عن اسم التراب، خلافاً لابن الجنيد(6) والمحقّق في المعتبر(7) ، مع تجويزهما التيمّم بالحجر(8)، وهو أقوى خروجاً عن اسم التراب.

ص: 351


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 200 .
2- المعتبر، ج 1، ص 376.
3- النهاية ص 49 .
4- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة، ص 60 وسلّار في المراسم ص 53 وابن حمزة في الوسيلة، ص 71؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 137.
5- النساء :(4) 43: المائدة (5): 6 .
6- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 375.
7- المعتبر، ج 1، ص 375.
8- المعتبر، ج 1، ص 372، وفيه حكاية قول ابن الجنيد.

وهذا الخلاف غير جارٍ في السجود عليه؛ لأنّ باب السجود أوسع من باب التيمّم، ولإجماعهم على أنّ محلّه الأرض لا التراب، وقد تقرّر أنّ الحجر من أصنافها، وقد أجمعوا على جواز السجود عليه، وهو أقوى بُعداً عن التراب من الخزف. وصرّح المحقّق في المعتبر بجواز السجود عليه منعه من التيمّم به (1)، بناءً على خروجه بالطبخ عن اسم الأرض.

قال المصنّف في التذكرة : وهو ممنوع، ولهذا جاز السجود عليه(2). وهو ممنوع.

(ويكره) التيمّم (بالسبخة) بالتحريك والتسكين، وهي الأرض المالحة النشّاشة على أشهر القولين، لأنّها أرض.

ومنع ابن الجنيد من التيمّم بها(3) ، لأنّها استحالت فأشبهت المعادن. وهو ممنوع.

نعم، لو علاها الملح لم يجز حتّى يزيله.

وعرّفها المصنّف في النهاية بأنّها التي لا تنبت(4) ؛ وهو بعيد.

(والرمل) لشبهه بأرض المعدن. ووجه الجواز إطلاق اسم الأرض عليه.

(ولو فقده) أي جميع ما تقدّم، ولا يجوز عود الضمير إلى التراب؛ لأنّه أخصّ ممّا يجوز عليه التيمّم، والأرض مؤنّثة سماعيّة لا يحسن عود الضمير إليها (تيمّم بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابّته) مخيّراً في ذلك، إلّا أن يختصّ أحدها بكثرة الغبار فيتعيّن.

وذكر الثلاثة؛ لكونها مظنّةً للغبار لا للحصر ، فلو كان معه بساط وما شاكله ممّا يجمع الغبار تيمّم به؛ لقول الصادق(علیه السلام) : «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شيء مغبّر »(5).

ص: 352


1- المعتبر، ج 1، ص 375.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 177، ذيل المسألة 298 .
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 374.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 199 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 189 - 190، ح 546؛ الاستبصار، ج 1، ص 156 ، ح 539 .

ويجب نفض محلّ الغبار حتّى يعلو ظاهره ويضرب عليه، إلّا أن يتلاشى به فيقتصر على الضرب عليه. ولو فرض عدم الغبار فيها أصلاً لم يجز الضرب عليها ؛ لأنّ الاعتبار بالغبار لا بها. ومن هنا ضعف قول الشيخ بتقديم غبار عرف الدابّة والسرج على الثوب(1). وابن إدريس بالعكس(2).

ويشترط كون الغبار من جنس ما يصحّ التيمّم به كغبار التراب، لا غبار الدقيق وشبهه.

ولو فقد الغبار تيمّم بالوحل، كما تقدّم، فلو قدّمه على الغبار لم يصحّ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى في العهدة.

واعلم أنّ التيمّم لا يجوز قبل وقت المؤقتة إجماعاً؛ ولأنّه طهارة ضروريّة ولا ضرورة قبل دخول الوقت؛ لعدم التكليف حينئذ، ويجوز بل يجب فعله مع الضيق إجماعاً، ولأنّه لولاه لزم الإخلال بالصلاة.

والمراد بالضيق أن لا يبقى من الوقت سوى مقدار فعل الصلاة وما لابدّ منه فيها.

وهل يجوز فعله في حال السعة؟ أقوال ثلاثة، أحدها - وهو المشهور خصوصاً بين القدماء حتّى ادّعى الشيخ والسيّد المرتضى عليه الإجماع - المنع منه مطلقاً (3).

ومستنده - مع الإجماع المقبول مانقل منه بخبر الواحد فضلاً عن نقل هذين الإمامين - صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعته يقول: «إذا لم تجد الماء وأردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض»(4) والأمر للوجوب.

ص: 353


1- النهاية، ص 49 .
2- السرائر، ج 1، ص 138.
3- المسائل الناصريات، ص 156 - 157 ، المسألة 51 : الانتصار، ص 122 - 123، ولم نعثر في كتب الشيخ ع-ل-ى ادعائه للإجماع في المقام، وإنما نسبه إليه العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 255، المسألة 191؛ وانظر بشأن ذلك إلى مقالة الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 166 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6)؛ والعاملي في مفتاح الكرامة، ج 1، ص 550.
4- الكافي، ج 3، ص 63 ، باب الوقت الذي يوجب التيم. .... 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 203، ح 588: الاستبصار، ج 1، ص 165، ح 573 .

وحسنة زرارة عن أحدهما(علیهما السلام) : «إذا لم يجد المسافر ماءً فليطلب مادام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت»(1) والأمر للوجوب أيضاً.

وثانيها: جوازه مع السعة مطلقاً، وهو اختيار الصدوق(2) : لعموم: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )(3) . وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «أينما أدركتني الصلاة تيمّمت وصلّيت»(4).

ودلالة أخبار صحيحة على عدم إعادة واجد الماء في الوقت، وهو مستلزم للتيمّم مع السعة.

كصحيح زرارة عن الباقر (علیه السلام) قلت: إن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته ولا إعادة عليه»(5).

ومثله عن معاوية بن ميسرة، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل في السفر لا يجد الماء ثمّ صلّى ثمّ أُتي بالماء وعليه شيء من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال: يمضي على صلاته فإنّ ربّ الماء ربّ التراب»(6).

وثالثها: التفصيل بالعلم باستمرار العجز وعدمه، فيجوز مع السعة في الأوّل دون الثاني، وهو اختيار المصنّف(7) والمحقّق(8) وابن الجنيد، إلّا أنّ ابن الجنيد اكتفى بظنّ

ص: 354


1- الكافي، ج 3، ص 63 ، باب الوقت الذي يوجب التيم .... ح 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 192، ح 555، و 203، ح 589؛ الاستبصار، ج 1، ص 159 ، ح ،548 ، و 165 - 166، ح 574 .
2- الهداية، ص 87: واعلم أنّ المحقق في المعتبر، ج 1، ص 382 قال: وهو - أي جواز التيمم بعد دخول الوقت - اختيار أبي جعفر ابن بابويه في المقنع. انتهى، وفيه عكس ذلك حيث قال: اعلم أنه لا تيم للرجل حتّى يكون في آخر الوقت. انظر المقنع، ص 25 .
3- النساء (4): 43: المائدة (5): 6 .
4- السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 340، ح 1060؛ مسند أحمد، ج 2، ص 444، ح 7028، وفيهما: «تمسحت» بدل «تيممت»؛ ونصه في المعتبر، ج 1، ص 382.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 194 ، ح 562: الاستبصار، ج 1، ص 160، ح 552.
6- الفقيه، ج 1، ص 107 - 108، ح 221؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 195، ح 564: الاستبصار، ج 1، ص 160 ح 554.
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 253، المسألة 191.
8- المعتبر، ج 1، ص 383 - 384.

الاستمرار(1) ، والمصنّف صرّح بالعلم، ولعلّه أراد به(2) ما يعمّم غلبة الظنّ، كماهو بعض إطلاقاته. وصرّح به في المختلف(3)؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقول المصنّف (والأولى تأخيره إلى آخر وقت الصلاة) يشعر باختيار السعة مطلقاً ؛ لأنّ الأكثر استعمال «الأولى» في موضع الاستحباب، لكنّه غير معهود من مذهبه. وإن حمل على الوجوب كان اختياراً لمراعاة الضيق مطلقاً، وهو غير المعهود من مذهبه أيضاً.

ويمكن حمله على التفصيل باستعمال الأولويّة في القدر المشترك بين الراجح المانع من النقيض وغير المانع (4)، وأقلّ أحوال استعمال المشترك في معنييه أنّه مجاز. أو كون التأخير أولى بالنظر إلى جميع أفراده، وذلك لا ينافي وجوب بعضها، كما في استحباب الإقامة بمنى أيّام التشريق مع(5) وجوب إقامة بعضها.

وعلى كلّ حال فالقول باعتبار التضيّق مطلقاً أقوى؛ للنصّ والإجماع والشهرة والاحتياط .

وما ورد من الأخبار (6)التي استدلّ بها مُجوّز التقديم لم يدلّ نصّاً على جواز التقديم، بل على إمكان وقوعه ونحن نقول به، فإنّ المعتبر في الضيق الظنُّ، فلو انكشف خلافه أجزأ للامتثال، ولمفهوم الأخبار المذكورة. وحملها على ما إذا علم أو ظنّ عدم الماء إنّما يتمّ لو دلّت على جواز التقديم نصّاً، والتقدير عدمه، بخلاف أخبار التضيّق، وقد تقرّر في الأصول أنّ ما دلّ نصّاً مرجّح على غيره مع التعارض، وعلى ما حقّقناه لا تعارض.

ص: 355


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 383 .
2- في الطبعة الحجرية بدل «به»: «بالعلم».
3- انظر مختلف الشيعة، ج 1، ص 356، المسألة 191.
4- في الأصل و م» زيادة: «أو فيهما».
5- في «م» بدل «مع»: «و».
6- انظر الهامش 5 و 6 من ص 354.

ومنه يظهر ضعف حمل أخبار التضيّق على الاستحباب ترجيحاً لجانب التوسعة.

والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه متوجّه؛ لعدم الفائدة في التأخير على تقديره، لكن قوّة الدليل النقلي لا تساعد عليه.

فإن قيل: ماذكرتم من النصوص إنّما دلّت على وجوب التأخير لفاقد الماء، ولا دلالة لها على وجوب تأخير غيره من ذوي الأعذار، فيرجع إلى الأدلّة الأخرى خصوصاً مع عدم رجاء زوال العذر، فلِمَ قلتم بوجوب التأخير مطلقاً؟

قلنا: الإجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر، بل إمّا الجواز مطلقاً، أو وجوب التأخير مطلقاً التأخير مطلقاً مع الرجاء أو بدونه، فالقول بالتفصيل على هذا الوجه إحداث قول مبطل لما حصل عليه الإجماع. وتحقيق المسألة في الأصول.

وهل التضيّق شرط في دوام الإباحة كماهو في ابتدائها؟ إشكال فلودخل الوقت

على المكلّف وهو متيمّم لسابقه، هل يجوز أن يصلّي الحاضرة في أوّل الوقت، ولا يعتبر الضيق هنا بناءً على أنّه متطهّر والوقت سبب، فلامعنى للتأخير، كما اختاره الشيخ في المبسوط(1) مع اختياره مراعاة التضيّق في فعله(2) ، أم تتمشّى الأقوال فيه أيضاً كما هو ظاهر المصنّف والمحقّق(3) ، لقيام علّة التأخير؟ فيه نظر.

ومختار المبسوط لا يخلو من قوة؛ لأنّ النصوص المتقدّمة إنّما دلّت على غير المتطهّر، مضافاً إلى ماذُكر(4) ، فالوسيلة إلى التيمّم حينئذ في حال سعة وقت الحاضرة أن يتيمّم لمضيّق ثمّ يبقى عليه إلى أن يدخل وقت الموسّع.

ولو أراد إحداث التيمّم في حال سعة وقت الحاضرة فلينذر صلاة ركعتين في تلك

ص: 356


1- راجع المبسوط، ج 1، ص 58 .
2- النهاية، ص 47 - 48 ؛ المبسوط ، ج 1، ص 55 .
3- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 216 - 217؛ ومختلف الشيعة، ج 1، ص 288، المسألة 215؛ والمعتبر، ج 1، ص 383 .
4- في «الأصل و م»: «ذكرناه».

الحال ويتيمّم لها ثمّ يصلّي الحاضرة مع السعة.

ولو دخل مسجداً فالظاهر جواز التيمّم لصلاة التحيّة؛ لأنّ وقتها بعد الدخول مضيّق.

وكذا لوضاق وقت نافلة الحاضرة مع سعة وقت الحاضرة فتيمّم للنافلة وصلّاها جاز أن يصلّي الفريضة بعدها. ولو لم يكن في عزمه فعل النافلة لم يصحّ التيمّم، أمّا لو تيمّم مع العزم على فعلها ثم طرأ له العزم على تركها توجه جواز فعل الفريضة حينئذ.

(وتجب فيه النيّة للفعل) إجماعاً منّا ومن علماء الإسلام إلّا علماء الإسلام إلَّا مَنْ شدّ؛ لدلالة

«تيمّموا» على القصد إن لم يكن عينه.

ويعتبر فيها قصد الفعل (لوجوبه) إن كان واجباً، كمالو توقّفت عليه عبادة واجبة (أو ندبه) إن كان مندوباً.

والكلام في اعتبار نيّة الوجوب أو الندب فيه قريب من الكلام في نيّة الوضوء، وكذا غيرهما من المميّزات، فليلحظ هناك.

(متقرّباً) حال من الفاعل الفاصد المدلول عليه بالقصد التزاماً، ولاريب في اعتبار القربة في هذه النيّة كغيرها، وقد سلف معناها ووجه وجوبها.

و یعجب مع ذلك نيّة البدليّة عن الأكبر أو الأصغر؛ لاختلافهما حقيقةً فلابدّ من تمييز أحدهما عن الآخر بالنيّة.

وهذا يتمّ مع اجتماعهما عليه، كمن عليه غسل ووضوء وتعذّر عليه فعلهما، أمّا مَنْ عليه أحدهما خاصّة فيشكل وجوب التمييز ؛ لعدم إمكان وقوع الآخر منه ليميّزه عنه. وقد مرّ التنبيه عليه في مميّزات الوضوء.

(ولا يجوز) للمتيمّم نيّة (رفع الحدث) لامتناعه منه؛ إذ التيمّم إنّما يزيل المنع من الصلاة، الذي هو أثر المحدث، لا المانع الذي هو المؤثّر، ولهذا ينتقض بالتمكّن من استعمال الماء مع أنّه ليس من قبيل الأحداث، وإنّما يظهر به تأثير الحدث السابق الذي كان قد تخلّف عنه أثره بواسطة التيمّم، وقد ادّعى جماعة - منهم المحقّق في المعتبر (1)-

ص: 357


1- المعتبر، ج 1، ص 394.

إجماع العلماء كافّة على عدم رفعه الحدث، ومتى لم يرفعه امتنعت نيّته؛ لعدم اعتبار نيّة الممتنع شرعاً.

وكذلك ادّعى في المعتبر الإجماع (1)على أنّ وجود الماء ليس حدثاً، ولأنّه لو كان حدثاً لوجب استواء المتيمّمين في موجبه، ضرورة استوائهم فيه.

لكن هذا باطل؛ لأنّ المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضّاً.

ولأنّ النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لعمرو وقد تيمّم عن الجنابة من شدّة البرد: «صلّيت بأصحابك وأنت جنب»(2) فلوارتفع بالتيمّم لما سمّاه جنباً كما لا يسمّى بذلك بعد الغسل. ولو لوحظ هنا عدم اشتراط بقاء المعنى المشتقّ منه في صدق المشتقّ لساوى ما بعد التيمّم مابعد الغسل، وقد تقرّر انتفاؤه بعد الغسل، فيدلّ على عدم اعتبار ذلك المعنى شرعاً، كما امتنع تسمية المسلم عن كفر كافراً.

ورجّح الشهيد في قواعده جواز نيّة رفع الحدث بناءً على أنّ التمكّن من استعمال الماء جاز أن يكون غايةً للرفع، كما يكون طريان الحدث غايةً له في التيمّم وغيره (3).

وفي الذكرى: جواز نيّة رفع المانع من الصلاة؛ لأنّه في معنى الاستباحة(4).

وفي الدروس أنّه إن نوى رفع الماضي صحّ، كما يصحّ ذلك من دائم الحدث(5).

وفي الجميع منع.

أمّا الأوّل؛ فلأنّ رفع الحدث في الطهارة المائيّة ليس مغيّي بغاية أصلاً، وإنّما المانع - أعني الحدث الموجب للطهارة - مرتفع بها وزائل بالكلّيّة حتّى كأنّه لم يكن، ثمّ لا يعود ذلك المانع بعينه إلى الوجود مرّة أخرى، بل الحاصل بالحدث الطارئ مانع آخر

ص: 358


1- المعتبر ، ج 1، ص 394.
2- سنن أبي داود، ج 1، ص 92، ح 334؛ سنن الدارقطني ، ج 1، ص 415، ح 12/669: السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 345 ، ح 1070؛ مسند أحمد، ج 5، ص 231، ح 17356؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 177.
3- القواعد والفوائد، ص 315 - 316 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 15).
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 169 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
5- الدروس الشرعية، ج 1، ص 9 و 54 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).

غير الأوّل، غايته أنّه مبطل لفائدة الطهارة؛ لأنّه من نواقضها، ولا كذلك التيمّم، فإنّ إزالته المانع ليست إزالة كلّيّة، بل إنّما رفع أثره إلى أمدٍ معيّن مضروب، وهو إمّا طروء حدث أو التمكّن من استعمال الماء، فإذا وجد أحدهما عاد الأوّل بعينه حتّى كأنّه لم يزل، ولهذا يجب الغسل على المتيمّم بدلاً منه عند التمكّن. ولو كان رافعاً لما وجب إلّا بحدث آخر موجب للغسل.

نعم، ربما تمشّى ذلك على مذهب المرتضى القائل بأنّ مَنْ تيمّم بدلاً من غسل الجنابة ثمّ أحدث أصغر ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء توضّأ به(1)؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى، فإنّ ذلك يشعر بكون التيمّم رافعاً. وسيأتي بيان ضعف هذا القول.

وأمّا الثاني؛ فلأنّ رفع المانع هو بعينه رفع الحدث؛ إذ ليس المراد به نفس الخارج الناقض وإن كان قد يطلق عليه اسم الحدث؛ لأنّ الحدث بهذا المعنى يستحيل رفعه؛ لأنّه قد صار واقعاً ويمتنع رفع الواقع، وإنّما المراد بالحدث أثر الخارج وهو المانع الحاصل بسببه

والفرق بينه وبين الاستباحة أنّ المراد بالرفع إزالة أثر الواقع بالكلّيّة حتّى كأنّه لم يكن، والاستباحة رفع المنع منه، أعني استعادة(2) جواز فعل المشروط بالطهارة، سواء زال المانع بالكلّيّة ولم يقارنه مانع آخر كطهارة المختار، فإنّ الرفع والاستباحة بالنسبة إليه متلازمان، أم لم يزل بالكلّيّة، بل إلى أمد مضروب كما في التيمّم، فإنّه لا يزيل أثر الواقع أصلاً، ولهذا ينتقض بوجود الماء والتمكّن من استعماله، مع الإجماع على كونه ليس بحدث، أم زال بعضه بالكلّيّة دون البعض كما في طهارة دائم الحدث، فإنّ المانع الحاصل في الحال يزول بعضه، وهو أثر الحدث السابق.

وأمّا الثالث؛ فهو مبنيّ على اتّحاد حكم المتيمّم ودائم الحدث، وقد عرفت ما بينهما

ص: 359


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر ، ج 1، ص 395 نقلاً عن شرح الرسالة له.
2- كذا، والظاهر من نسختي «الأصل و م»: «استفادة».

من الفرق، فإنّ لدائم الحدث حدثاً سابقاً ومقارناً وطهارته مائيّة صالحة لرفع الحدث حيث يمكن، وإمكانه في السابق خاصّة؛ لأنّ المقارن والمتأخّر يمتنع تأثير النيّة فيه، بخلاف التيمّم فإنّه لا يصلح للرفع مطلقاً، كما حقّقناه.

(وتجوز ) له نيّة (الاستباحة) لمشروط بالطهارة كالصلاة؛ لإمكانها، وقد عرفت الوجه ممّا سلف.

والمتبادر من الجواز عدم وجوب نيّة الاستباحة عنده، وقد تقدّم في الوضوء مايدلّ عليه، مع أنّه توقّف في وجوب أحد الأمرين فيه(1) .

ويمكن حمل الجواز هنا على المعنى الأعمّ، وهو القدر المشترك بين ماعدا الحرام، كماهو أحد معنييه، فلاينافي الحكم بالوجوب ليوافق مختاره في كثير من كتبه(2).

ويجب إحضار النيّة فعلاً حتّى يقارن بها الضرب على الأرض، وبعده يجب كونها (مستدامة الحكم) إلى آخر التيمّم بمعنى أن لا ينوي في أثنائه نيّةً تُنافي النيّة الأُولى أو بعض مميّزاتها. وقد تقدّم تحقيق الاستدامة الحكميّة محرّراً.

وأوجب المصنّف في النهاية(3) استدامتها فعلاً إلى مسح الجبهة، فلو عزبت قبله بطل. وهو ضعيف.

(ثمّ يضرب بيديه) معا بعد إحضار النيّة بقلبه (على التراب).

وفي التعبير ب_« ثمّ» الموجبة للتعقيب المتراخي تساهل؛ فإنّ الواجب مقارنة النيّة للضرب على الأرض؛ لأنّه أوّل أفعاله، فلو تقدّمت عليه لم تجزئ قطعاً؛ لأنّه حينئذٍ عزم لانيّة.

وكذا لا يجوز تأخيرها إلى مسح الجبهة على أصحّ القولين لخلوّ بعض الأفعال - وهو الضرب - عن النيّة .

ص: 360


1- انظر إرشاد الأذهان، ج 1، ص 222 .
2- منها: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 187 المسألة 304؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 203 .
3- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 204.

وجزم المصنّف في النهاية بالإجزاء(1) : تنزيلاً للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائيّة، فكما تجزئ النيّة ثَمَّ تجزئ هنا.

والفرق بين الموضعين واضح؛ فإنّ أخذ الماء غير معتبر لنفسه، ولهذا لوغمس الأعضاء فيه أجزأ، بخلاف الضرب، ومن ثُمَّ لو تعرّض لمهبّ الريح أو وضع جبهته على الأرض ناوياً لم يجزئ اتفاقاً.

وفرّق في الذكرى بينهما أيضاً في تعليل الردّ على المصنّف بأنّه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضرّ ، بخلاف الحدث بعد الضرب(2).

وهو غير وارد عليه؛ لأنّه جزم بتساويهما في ذلك أيضاً.

قال في النهاية : ولو أحدث بعد أخذ التراب لم يبطل ما فَعَله، كما لو أحدث بعد أخذ الماء في كفّه(3) .

و على كلّ حال فمختار المصنّف ليس بجيّد بعد موافقته للجماعة على وجوب الضرب على الأرض المعبّر عنه في كتبه بنقل التراب(4) ، وأنّه لو تعرّض لمهبّ الريح أو معك وجهه في التراب لم يجزئ. ولو كان كما ذكر لم تجزئ مقارنة النيّة للضرب، بل كان الواجب مقارنتها لمسح الجبهة؛ لأنّه حينئذ أوّل الأفعال، وليس ذلك كغَسل اليدين والمضمضة والاستنشاق في الطهارة المائيّة؛ لأنّ تلك سنن خاصّة دخلت بوجه خاصّ، ومن ثَمَّ تجزئ النيّة عند غيرها من السنن كالتسمية والسواك، بل الضرب عند المصنّف كنقل الماء في الطهارة المائيّة، فكما لا تجزئ النيّة عنده فكذا يلزم عدم الإجزاء عند الضرب.

وهنا مباحث :

الأول: معظم الأصحاب والأخبار عبّروا بلفظ «الضرب» وهو يقتضي وجوب

ص: 361


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 204.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 171 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
3- نهاية الإحكام، ج 1، ص 203.
4- منها نهاية الإحكام، ج 1، ص 202 و 203 .

اعتماد يحصل به مسمّاه عرفاً، ومافيه لفظ «الوضع» مبهماً - كعبارة الشيخ في النهاية (1).

وحديث عمّار حيث أصابته جنابة فتمعّك فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): «تمعّكت كما تتمعّك الدابّة، أفلا صنعت كذا» ثمّ أهوى بيديه على الأرض فوضعهما على الصعيد (2)- لا ينافي الضرب لأنّه أعمّ منه، والعام يُحمل على الخاصّ لأنّه طريق الجمع.

وفي الذكرى: الظاهر أنّ الضرب باعتماد غير شرط؛ لأنّ الغرض قصد الصعيد، وهو حاصل بالوضع(3).

والمحقّق الشيخ عليّ جزم في الشرح بالاكتفاء بالوضع، مستدلّاً بأن اختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضرب والوضع يدلّ على أنّ المراد بهما واحد(4).

وفي التعليلين نظر.

أمّا الأوّل: فلمنع انحصار الغرض في قصد الصعيد؛ فإنّه عين المتنازع، كيف! وقد اعترف بأنّ أكثر الأخبار والأصحاب على التعبير بالضرب(5) ، وقد بيّنّا إمكان الجمع بين الكلّ بالحمل على الضرب؛ لأنّه وضعُ وزيادة.

وأمّا الثاني: فيُعلم ممّا قلناه؛ فإنّ مجرّد الاختلاف لا يدلّ على كونهما واحداً، وإنّما يدلّ على الوحدة وجوب تقرير النصّين ما أمكن، وحمل العامّ على الخاصّ. ولاشكّ أنّ حمل الضرب على الوضع ليس بتامّ؛ لما بيّنّاه من المغايرة، وإنّما يصحّ بضرب من التجوّز، بل حمل الوضع على الضرب صحيح؛ لاستلزام الضرب الوضع وزيادةً.

وبالجملة، فالدليل النقلي لا يساعد على الاكتفاء بالوضع، بل على اشتراط الضرب.

الثاني: قد بيّنا اشتراط مقارنة النيّة للضرب أو الوضع؛ لأنّه أوّل أفعاله، فتأخير النيّة

ص: 362


1- النهاية، ص 49 .
2- الفقيه، ج 1، ص 104، ج 213؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207، ح 598؛ الاستبصار، ج 1، ص 170، ح 591 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 173(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
4- جامع المقاصد، ج 1، ص 489 .
5- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 173 - 174 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).

عنه تأخير لها عن أوّل العبادة، كما في تقديمها. لكن لو وضع اليدين ثمّ نوى في حال استدامة الوضع هل يكفى؟ يحتمله؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء، ولأنّ مامضى من زمان الوضع غير منصرف إلى الأفعال؛ لخلوّه عن النيّة، بل مابعدها، كمالو نوى الوضوء أو الغسل وهو تحت الماء.

ويحتمل عدم الإجزاء، واختاره المحقّق الشيخ عليّ؛ لعدم المقارنة للوضع حينئذٍ(1) .

ومثله يأتي في نيّة السجود للسهو أو قضاء السجدة المنسيّة.

والحق أنّا إن أوجبنا الضرب تعيّن الاحتمال الثاني؛ لعدم تحقّق مسمّاه بالاستدامة له، فإنّه ينقضي بعد وصول اليد إلى الأرض. وإن اكتفينا بالوضع جاء الاحتمالان، وربما قوي الأوّل: لصدق الوضع بعد وصول اليد.

ولو ضرب بإحدى يديه وأتبعها الأخرى مقارناً للنيّة بالثانية ففيه الوجهان؛ لأنّ المفهوم من الأخبار - كقوله في حديث عمّار ثمّ أهوى بيديه(2) . ورواية زرارة: فضرب بيديه الأرض(3) . وغيرهما - كونهما دفعةً، فيأتي فيه اعتبار ابتداء الوضع أو الاكتفاء باستدامته.

الثالث: اعتبار الضرب باليدين معاً مقيّد بعدم المانع منه، فلو قُطعت إحداهما بحيث لم يبق من محلّ الفرض شيء سقط الضرب بها، واقتصر على الضرب بالأُخرى، ومسح الوجه بها ويسقط مسح اليدين معاً لتعذّره.

ولو قُطعت من مفصل الزند، فهل يجب الضرب بما بقي من المفصل ومسحه أم لا؟ يبنى على ما لو قُطعت اليد من المرفق في الوضوء، وقد تقدّم ما يدلّ على الوجوب.

ولو قُطعتا معاً مسح وجهه بالتراب؛ إذ لا يسقط الميسور بالمعسور، مقارناً بالنيّة مسح جبهته بمحلّ الضرب. وهو اختيار المصنّف(4) في غير هذا الكتاب.

ص: 363


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 490.
2- الفقيه، ج 1، ص 104 ، ح 213.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207 - 208، ج 601: الاستبصار، ج 1، ص 171، ح 593 .
4- انظر قواعد الأحكام، ج 1، ص 239؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 207 .

ونقل في المختلف عن المبسوط سقوط فرض التيمّم عنه؛ محتجّاً بأنّ الدخول في الصلاة إنّما يسوغ مع الطهارة المائيّة، فإن تعذّرت فمع مسح الوجه والكفّين، ولا يزول المنع إلّا بالمجموع.

وردّه: بأنّ التكليف بالصلاة غير ساقط، وإلّا سقطت الطهارة المائيّة لوانقطع أحد العضوين، وليس كذلك إجماعاً، وإذا كان التكليف ثابتاً وجب فعل الطهارة، وليس بعض أعضائها شرطاً في الآخر، فيجب الإتيان بالممكن منها (1).

وحَمَل كلام الشيخ على أنّ المراد سقوط فرض التيمّم عن اليدين أو سقوط جملة التيمّم من حيث هو(2).

وما حكاه عنه من الدليل ينافي التأويل.

وفي حكم القطع مالو كان بيديه جراحة تمنع من الضرب بهما ونحوها.

وألحق به في الذكرى ربط اليدين(3).

وليست نجاسة اليدين وإن تعذّرت إزالتها عذراً فى الضرب بالجبهة، بل ولا في الضرب والمسح بظهر الكفّين بل يتعيّن الضرب والمسح بهما ما لم تكن النجاسة متعدّيةً ؛ لئلّا يتنجّس التراب، فلايفيد غيره طهارةً، فيضرب بالظهر حينئذ إن خلا منها كذلك وإلّا فبالجبهة.

وفى حكم المتعدّية الحائلةُ على ما اختاره في الذكرى(4) .

ورُدّ بجواز المسح على الجبيرة وخصوصيّة النجاسة لا أثر لها في المنع إلّا إذا تعدّت. نعم، لو أمكن إزالة الجرم ولو بنجاسة أُخرى كالبول تعيّن (5).

ولو كانت نجاسة محلّ الضرب يابسةً لا تتعدّى إلى التراب ونجاسة محلّ المسح

ص: 364


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 286 - 287، المسألة 213؛ وانظر المبسوط، ج 1، ص 57.
2- انظر مختلف الشيعة، ج 1، ص 287، ذيل المسألة 213 .
3- لم نعثر عليه في مظانّه، وحكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 498 .
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 181 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 6).
5- الراد هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 498 .

متعدية، ففي صحّة التيمّم تردّد من عدم نجاسة التراب وعدم تأثير غيره في المنع، ومن عدم النصّ على مثله.

الرابع: هل تشترط مقارنة النيّة لوضع جميع اليدين على الأرض، أم يكفي وضعهما عليها وإن لم تقارن النيّة وضع مجموع أجزائهما ؟ كلُّ محتمل، وإطلاق الأدلّة يرجّح الثاني.

وتظهر الفائدة فيما لو كان في التراب يسير من أجزاء مالا يجوز التيمّم عليه كالتبن، أو كان في الحجر شقوق وتضاريس(1) تمنع من إمساس الكفّ له دفعةً، فعلى الثاني يصحّ التيمّم عليه مع مقارنة النيّة لوضع اليدين معاً، دون الأوّل.

الخامس: تعبير المصنّف بالضرب على التراب على وجه المثال لا الانحصار؛ إذ ليس مذهباً له، كما سلف. ولو عبّر ب_«الأرض»، لكان أولى، لكنّه (رحمه الله) لا يتحاشى من ذلك في عباراته، كما عبّر في المسألة ب_«ثمّ» في الضرب باليدين.

(ثمّ يمسح بهما) أي باليدين جميعاً، فلا يجزئ المسح بواحدة، خلافاً لابن الجنيد حيث اكتفى بالمسح باليمني(2).

(جبهته) وحدّها (من القصاص) وهو منتهى منبت الشعر من مقدّم الرأس (إلى طرف الأنف الأعلى) وهو الذي يلى آخر الجبهة، وهذا القدر متّفق عليه.

وزاد الصدوق مسح الحاجبين(3) أيضاً. وفي الذكرى: لا بأس به(4) .

وزاد بعضهم مسح الجبينين (5)- وهما المحيطان بالجبهة يتّصلان بالصدغين - لوجوده في بعض الأخبار(6)، والزيادة غير المنافية مقبولة، فلابأس به.

ص: 365


1- التضريس: تحزيز ونَبرٌ يكون في ياقوتة أو لؤلؤة أو خشبة يكون كالضرس لسان العرب، ج 1، ص 118، «ضرس».
2- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 270، المسألة 200.
3- الفقيه، ج 1 ، ص 104، ذيل الحديث 213.
4- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 176 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
5- هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 490 - 491.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 211 - 212، ح 613 و 614: الاستبصار، ج 1، ص 171، ح 593 و 594.

ولا يجب استيعاب الوجه على المشهور، لدلالة أكثر الأخبار(1) على مسح الجبهة. ونَقَل المرتضى في الناصريّة(2) إجماع الأصحاب عليه.

ويدلّ عليه «الباء» في قوله تعالى: ﴿وَأَمْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ )(3) لما تقرر من أنّها إذا دخلت على المتعدّي تبعيضيّة، كما اختاره جماعة من الأصوليّين وأهل العربيّة.

وقد نصّ على ذلك الإمام أبو جعفر محمّد بن علي الباقر(علیه السلام) في حديث زرارة، المتقدّم (4)في الوضوء، وقد سبق تحقيق المسألة.

وقال عليّ بن بابويه: يجب مسح الوجه جميعه (5)، استناداً إلى روايات (6)بعضها ضعيف السند .ويمكن حملها على الاستحباب.

واختار المحقّق في المعتبر التخيير بين مسح جميع الوجه وبعضه، لكن لا يقتصر على أقلّ من الجبهة؛ عملاً بالأخبار من الجانبين، ونَقَله عن ابن أبي عقيل(7) .

ولابدّ من إدخال جزء من غير محلّ الفرض من باب المقدّمة من جميع الجهات في جميع الأعضاء.

وتجب البدأة في مسح الجبهة بالأعلى، فلونكس بطل إمّا لمساواة الوضوء، أو تبعاً للتيمّم البياني.

(ثمّ يمسح ظهر كفّه اليمنى) وحده من (الزند) - بفتح الزاي - وهو مَوصِلُ طرف الذراع في الكفّ (إلى أطراف الأصابع) عند الأكثر؛ للآية(8) والأخبار(9) .

ص: 366


1- منها مافي تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207 - 208، ح 601: والاستبصار، ج 1، ص 170، ح 590.
2- المسائل الناصريات، ص 151 ، المسألة 47.
3- المائدة (5): 6 .
4- في ص 94 - 95 .
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 384.
6- منها ما في تهذيب الأحكام، ج 1، ص 209 - 210، ح 608؛ والاستبصار، ج 1، ص 171 ، ح 596.
7- المعتبر، ج 1، ص 386 .
8- المائدة (5): 6 .
9- منها مافي تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207 - 208، ح 598 - 601: والاستبصار، ج 1، ص 170 ، ح 588 - 591.

ولأنّ اليد حقيقة في ذلك وإن كانت تُقال على غيره، فيقتصر على المتيقّن لأصالة عدم وجوب الزائد، خلافاً لابن بابويه(1) . والاستدلال والجواب كما سبق.

والأولى حمل الأخبار الدالّة على استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين على التقيّة؛ لأنّه مذهب العامّة.

وليكن المسح (ببطن اليسرى) مع الإمكان. ولو تعذّر المسح بالبطن لعارض من نجاسة أو غيرها اجتزأ بالظهر؛ لصدق المسح.

(ثمّ) يمسح(ظهر) اليد (اليسرى ببطن اليمني) كذلك.

وتجب البدأة بالزند إلى رؤوس الأصابع فيهما. ولو كان له يد زائدة، فكما سلف في الوضوء.

وما ذكر في العبارة من الاكتفاء بضربة واحدة وهي المقارنة للنيّة إنّما يكفي إذا كان التيمّم بدلاً من الوضوء (وإن كان التيمّم بدلاً من الغسل، ضرب للوجه ضربة) وهي المقارنة للنيّة (ولليدين أُخرى) على المشهور.

واجتزأ جماعة - منهم المفيد (2)والمرتضى(3) - بضربة واحدة لهما فيهما، استناداً إلى أحاديث صحيحة (4).

وأوجب المفيد ضربتين فيهما (5)؛ استناداً إلى روايات أُخرى(6) .

وجمع الأكثر بين الأخبار بالتفصيل؛ لأنّ اختلاف الأحاديث يقتضى اختلاف

ص: 367


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 386.
2- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 173 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6) نقلاً عن العزّية.
3- جُمل العلم والعمل، ص 54 - 55 وحكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 388 .
4- منها مافي تهذيب الأحكام، ج 1، ص 207 - 208، ح 601، و 212 ، ح 614 و 615؛ والاستبصار، ج 1، ص 171، ح 593 - 595.
5- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 174 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6) نقلاً عن كتاب الأركان.
6- منها مافي تهذيب الأحكام، ج 1، ص 209 - 210، ح 608 - 610؛ والاستبصار، ج 1، ص 171 - 172، ح 596- 598 .

الحكم، صوناً لها عن التناقض، والوضوء مخفّف الحكم والغسل مثقلّه، فتكون الضربة للوضوء لأنّه أخفٌ.

قال في الذكرى: وليس التخيير بذلك البعيد إن لم يكن إحداث قول، أو تحمل المرّتان على الندب، كما قاله المرتضى، واستحسنه في المعتبر(1).

واعلم أنّه على القول المشهور لا تجزئ ضربة في بدل الغسل قطعاً، وهل تجزئ في بدل الوضوء ضربتان؟ ظاهر كلامهم عدم مشروعيّة الثانية، فيأثم بها لكن لا يبطل التيمّم، إلّا أن يخرج بها عن الموالاة.

(ويجب الترتيب) فيه بين الأعضاء كما وقع في الذكر يبدأ بالضرب ثمّ يمسح الجبهة ثمّ اليد اليمنى ثمّ اليسرى؛ للإجماع نَقَله المصنّف في التذكرة(2)، وغيرُه (3)، وللأخبار (4)، فلو أخلّ به استدرك ما يحصل معه الترتيب إن لم يطل الزمان كثيراً بحيث يفوّت الموالاة، وإلّا وجب الاستئناف من رأس.

ولم يذكر المصنّف وجوب الموالاة، ولابدّ منه، وقد صرّح به في التذكرة (5)، وأسنده في الذكرى إلى الأصحاب(6).

ويدلّ عليه العطف ب_«الفاء» في قوله تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ ... فَامْسَحُواْ )(7) لدلالتها على التعقيب بغير مهلة في مسح الوجه بعد تيمّم الصعيد الذي هو قصده والضرب عليه، فيلزم فيما عدا ذلك من الأعضاء؛ لعدم القائل بالفصل. وللمتابعة في التيمّم البياني عن

ص: 368


1- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 175 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6)؛ وانظر المعتبر، ج 1، ص 388 - 389 وفيهما حكاية قول السيد المرتضى عن شرح الرسالة له.
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 196، المسألة 308 .
3- كالمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 492.
4- منها مافي الكافي، ج 3، ص 62، باب صفة التيمم، ح4؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 207، ح 598: والاستبصار، ج 1، ص 170، ح 591.
5- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 197، المسألة 309.
6- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 180 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
7- المائدة .(5): 6.

النبيّ وأهل بيته(علیهم السلام) فيجب التأسي. والأولى الاستناد إلى الإجماع.

والمراد بالموالاة هنا هي المتابعة عرفاً، ولا يضرّ التراخي اليسير الذي لا يخلّ بصدق التوالي عرفاً؛ لعسر الانفكاك منه.

ولو أخلّ بها فالظاهر البطلان وفاءً لحقّ الواجب.

ويحتمل الصحّة وإن أثم؛ لصدق التيمّم مع عدمها. وهو ضعيف.

(و) كذا يجب (الاستيعاب) للأعضاء الممسوحة بالمسح، وقد عُلم ذلك من التحديد المتقدّم، ولا خلاف في وجوب استيعاب ما ذُكر، إنّما الخلاف في الزائد عليه.

وأمّا الأعضاء الماسحة فلا يجب استيعابها بحيث يمسح بجميع بطن الكفّ؛ للأصل.

ولقول الباقر(علیه السلام) في قصّة عمّار : «ثمّ مسح جبينه بأصابعه»(1) .

(ولا يشترط فيه) أي في التيمّم (ولا في الوضوء طهارة) بدن المتطهّر (غير) أعضاء الطهارة التي هي (محلّ الفرض من) النجاسة (العينيّة) الخبثية.

أمّا الوضوء فظاهر؛ لجوازه مع السعة، فيمكن إزالة النجاسة بعد الوضوء في الوقت.

وكذا القول في التيمّم مع القول بجوازه مع السعة مطلقاً أو بالتفصيل كماهو مذهب المصنّف في أكثر كتبه(2) إذا كان التيمّم لعذر غير مرجوّ الزوال في الوقت.

وأمّا على القول بمراعاة التضيّق أو كان العذر مرجوّ الزوال فيحتمل وجوب تقديم إزالة النجاسة على التيمّم ليتحقّق الضيق؛ إذ لابدّ على تقدير تقديم التيمّم من زيادة الوقت على وقت التيمّم والصلاة؛ لاستلزام إزالة النجاسة وقتاً فيلزم وقوع التيمّم في السعة. واختاره الشيخ في النهاية والمحقّق في المعتبر(3).

ويحتمل جواز تقديم التيمّم بناءً على أنّ المراد بالضيق غلبة ظنّ المكلّف بمساواة مابقى من الوقت للصلاة وشروطها، وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن من جملة

ص: 369


1- الفقيه، ج 1، ص 104. ح 213 .
2- منها : قواعد الأحكام، ج 1، ص 181؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 217 .
3- النهاية، ص 50 : المعتبر، ج 1، ص 394 .

الشروط، فيجب أن يستثنى وقته مع وقت الصلاة، ولا ينافي (1)التضيّق على القول به، كستر العورة واستقبال القبلة، وهذا هو الظاهر من إطلاق عبارة الكتاب.

ويظهر من الذكرى أنّه لاخلاف في عدم وجوب تحصيل القبلة والساتر قبل التيمّم(2). فإن تمّ ذلك لم يكن بدُّ من جواز تقديم التيمّم على إزالة النجاسة؛ لعدم الفرق بین مقدّمات الصلاة.

واعلم أنّ إطلاق الطهارة في العبارة على إزالة النجاسة مجاز مشهور؛ لأنّها حقيقة في أحد الثلاثة، كما تقدّم.

(ولو أخلّ بالطلب) حتّى ضاق الوقت وتيمّم وصلّى (ثم وجد الماء مع أصحابه) الباذلين (أو في رحله أعاد) الصلاة.

ولو استمرّ الحال مشتبهاً لم يُعد؛ لسقوط السعي بالضيق.

وإطلاق الإعادة على القضاء مع ظهور خلل في الأداء غير مشهور خصوصاً عند المصنّف؛ فإنّه يخصّ الإعادة في كتبه الأصوليّة(3) بفعل الشيء ثانياً في وقته. نعم، هو مصطلح لبعض الأصوليّين.

ولو كانت الصلاة مع ظنّ الضيق ثم تبيّن السعة ووجد الماء فكذلك.

وإطلاق الإعادة تامّ عند الجميع، وإنّما يقع التكلّف في استعمال لفظ «الإعادة» في القضاء على ماقيّدنا به العبارة، ولولا التقييد كانت مستعملة في بابها.

ومستند الحكم خبر مرويّ عن الصادق(علیه السلام)(4) وضعفه منجبر بالشهرة، كما نبّه عليه في الذكرى (5).

ص: 370


1- في «الأصل وك»: «فلا ينافي» .
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 182 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
3- منها: مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص 86، ونهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 110.
4- الكافي، ج 3، ص 65، باب الوقت الذي يوجب التيم .... ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 212، ح 616 وفيهما مضمراً: و في جامع المقاصد، ج 1، ص 467 عن الإمام الصادق(علیه السلام) .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 136 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وفي حكم الرحل والأصحاب ما لو وجد في الغلوات؛ لأنّ مناط الإعادة وجدانه في محلّ الطلب.

مع

وإنّما قيّدنا المسألة بالضيق تبعاً للرواية وفتوى الأصحاب. ولأنّه لوتيمّم كذلك مع السعة بطل تيمّمه وصلاته وإن لم يجد الماء بعد ذلك؛ لمخالفة الأمر وإن جوّزنا التيمّم مع سعة الوقت بعد الطلب.

وإنّما أطلق المصنّف الحكم ولم يقيّد بالضيق كما قيّده في غير هذا الكتاب (1)؛ لما أسلفه فيه من اعتبار التضيّق (2)في فعل التيمّم مطلقاً.

ولو جعلنا الأولويّة للاستحباب فلابدّ من تقييد العبارة هنا بالضيق؛ لئلّا تتناول الصحّة مع السعة حيث لا يتحقّق وجود الماء على ذلك الوجه.

واعلم أنّ الأصل يقتضي عدم وجوب إعادة الصلاة مع مراعاة التضيّق وإن أساء بترك الطلب لإيجابه الانتقال إلى طهارة الضرورة. لكن لاسبيل إلى ردّ الحديث المشهور (3)ومخالفة الأصحاب، فإنّهم بين موجب للإعادة مطلقاً كالشيخ (رحمه الله)(4) حيث حكم بأنّه مَنْ أخلّ بالطلب وتيمّم وصلّى فتيمّمه وصلاته باطلان للمخالفة، ولم يقيّد بالسعة، وبين موجب للإعادة على تقدير ظهور الماء على الوجه المذكور، وهُم المصنّف والجماعة العاملين بمقتضى الخبر.

ويتفرّع على ذلك مالو كان الماء موجوداً عنده فأخلّ باستعماله حتّى ضاق الوقت عن الطهارة به والصلاة فهل يتيمّم ويؤدّي أم يتطهّر به ويقضي ؟ ظاهر إطلاق الشيخ (5)بطلان التيمّم والصلاة قبل الطلب للفاقد يقتضي الثاني بطريق أولى. وبه صرّح المحقّق بل بما هو أبلغ منه حيث قال: مَنْ كان الماء قريباً منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات

ص: 371


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 236: نهاية الإحكام، ج 1، ص 186.
2- في «م»: «الضيق».
3- الكافي، ج 3، ص 65 ، باب الوقت الذي يوجب التيمم .... ح 10: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 212 ، ح 616 .
4- النهاية، ص 48.
5- النهاية، ص 48.

الوقت لم يجز التيمّم، ويسعى إليه؛ لأنّه واجده(1) .

واختار المصنّف في المنتهى(2) والتذكرة الأوّل، قال فيها بعد حكاية هذا الفرع: الوجه عندي وجوب التيمّم؛ لتعذّر استعماله. نعم، لو تمكّن من استعماله و [أداء](3) وركعة لم يجز التيمّم (4).

وفرّق المحقّق الشيخ عليّ بين مالو كان الماء موجوداً عنده بحيث يخرج الوقت لو استعمله، وبين مَنْ كان الماء بعيداً عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت، فأوجب الطهارة المائيّة على الأوّل دون الثاني، مستنداً إلى انتفاء شرط التيمّم - وهو عدم الوجدان - في الأوّل، وعدم صدق الوجدان في الثاني (5).

وأنت خبير بأنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم وفي الآية(6) فعلاً أو قوّةً، ولهذا يجب على الفاقد الطلبُ والشراء؛ لصدق الوجدان. ولو كان المراد بالوجدان بالفعل لم يجب عليه ذلك ؛ لأنّه تعالى شرط في جواز التيمّم عدم الوجدان فلايتمّ حينئذٍ ما ذكره من الفرق؛ لصدق الوجدان في الصورتين بالمعنى المعتبر شرعاً، فلا بدّ من الحكم باتّفاقهما إمّا بالتيمّم كما ذكره المصنّف، أو بالطهارة المائيّة كما ذكره المحقّق.

وقريب من ذلك مالو ضاق الوقت عن إزالة النجاسة وستر العورة.

(ولو عدم الماء والتراب) الطاهرين ومافي حكم التراب من غبار ووحل(سقطت) الصلاة (أداءً وقضاء).

أمّا سقوطها أداءً، فهو ظاهر الأصحاب بحيث لا نعلم فيه مخالفاً؛ لأنّ الطهارة شرط

ص: 372


1- المعتبر، ج 1، ص 366.
2- منتهى المطلب، ج 3، ص 38 .
3- ما بين المعقوفين من المصدر.
4- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 161 - 162، المسألة 291 .
5- جامع المقاصد، ج 1، ص 467.
6- النساء (4): 43: المائدة (5): 6 .

للصلاة مطلقاً؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لاصلاة إلّا بطهور»(1) وقد تعذّر فيسقط التكليف به؛ لامتناع التكليف بما ليس بمقدور، ويلزم من سقوط التكليف بالشرط سقوط التكليف بالمشروط، وإلّا فإن بقي الاشتراط لزم تكليف ما لا يطاق، وإن انتفى خرج المشروط المطلق عن كونه مشروطاً مطلقاً، وهو باطل.

وأمّا القضاء، ففيه قولان:

أحدهما - وهو الذي اختاره المصنّف - سقوطه؛ لانتفاء المقتضي لوجوبه، فإنّ القضاء إنّما يجب بأمرٍ جديد على أصحّ القولين للأصوليّين، ولم يثبت الأمر في المتنازع. ولأنّ الأداء لم يتحقّق وجوبه فلا يجب القضاء.

وفي الدليلين ضعف.

أمّا الأوّل؛ فلثبوت الأمر الجديد في قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «مَنْ فاته فريضة»(2) وسيأتي تحقيقه. وأمّا الثاني؛ فلعدم الملازمة بين وجوب الأداء والقضاء وجوداً وعدماً.

والثاني - واختاره الشهيد (رحمه الله)(3) : وجوب القضاء؛ لقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «مَنْ فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته»(4) وهو شامل لصورة النزاع؛ لأن «مَنْ» من أدوات العموم.

وأجيب: بأنّ المراد: مَنْ فاتته فريضة يجب عليه أداؤها فليقضها؛ إذ مَنْ لا يجب عليه الأداء لا يجب عليه القضاء كالصبيّ والمجنون(5) .

ويؤيّده أنّ «الفريضة» فعيلة بمعنى مفعولة، أي مفروضة، وهي الواجبة.

ويبعد أن يراد وجوبها على غيره بأن يكون التقدير: مَنْ فاتته صلاة مفروضة على غيره؛ لأنّ ذلك خلاف الظاهر من حيث إنّ المتبادر غيره، وأنّه يحتاج إلى زيادة التقدير.

وفيه نظر؛ لأنّ القضاء قد يجب على مَنْ لا يجب عليه الأداء، كما في النائم وشارب

ص: 373


1- التمهيد ابن عبد البر، ج 8، ص 215
2- أورده المحقق في المعتبر، ج 2، ص 406.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 142 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- أورده المحقق في المعتبر، ج 2، ص 406.
5- المجيب هو العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 284 ذيل المسألة 210.

المُرقد، فإنّ القضاء يتبع سبب الوجوب كالوقت مثلاً، لا الوجوب، كما حقّق في الأصول.

وأمّا استفادته من الفريضة فبعيد؛ لأنّ هذا اللفظ قد صار علماً على الصلوات المخصوصة التي من شأنها أن تكون مفروضةً مع قطع النظر عمّن فُرضت عليه. ألا ترى كيف يطلقون عليها هذا الاسم من غير نظر إلى الفاعل، فيقولون: «الصلوات المفروضة حكمها كذا، وعددها كذا» و «صلاة فريضة خير من كذا» ويتبادر المعنى إلى ذهن السامع من غير ملاحظة مَنْ فُرضت عليه، وهما آية الحقيقة. ولفظ «الفريضة» وإن كان وصفاً في الأصل فقد صار علماً بالغلبة. وليس الاستدلال بإمكان إرادة هذا المعنى حتّى يرد أنّ ذلك غير كافٍ في وجوب القضاء؛ لإمكان العدم، وأصالة براءة الذمّة، بل تتحتّم إرادته؛ لأنّه المتبادر إلى الأفهام الشائع في الاستعمال، ومن هنا قال المصنّف في المختلف - بعد جوابه بأنّ المراد من فاتته صلاة يجب أداؤها - :

ولقائل أن يقول: وجوب القضاء معلّق على الوجوب مطلقاً، والتخصيص بوجوب الأداء لم يدلّ اللفظ عليه، وإخراج الصبيّ والمجنون بدليل خاصّ - وهو قوله(صلی الله علیه و آله و سلم):«رفع القلم عن ثلاثة»(1) - لا يوجب إخراج غيرهما(2) .

وهو موافق لما ذكرناه مع زيادة تحقيق للمقام فيما قرّرناه، وسيأتي في قضاء الصلوات - إن شاء الله - زيادة تحقيق لهذا المحلّ، وشواهد من الأخبار على وجوب القضاء غير هذه الرواية.

( وينقضه) أي التيمّم (كلّ نواقض الطهارة) الكبرى والصغرى (ويزيد) نواقض التيمّم على نواقضها: (وجود الماء مع تمكّنه من استعماله) في الطهارة التي تيمّم عنها بحيث لا يكون له مانع حسّي، كمالو وجد الماء وله مانع من استعماله، كمتغلّب نزل

ص: 374


1- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 658 ، ح 2041؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 140، ح 4401، وص 141، ح 4403؛ سنن النسائي، ج 6 ، ص 156؛ مسند أحمد، ج 1، ص 190 ، ح 959؛ وج 7، ص 163 - 164، ح 24173 .
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 284، ذيل المسألة 210.

على نهر فمنع من وروده، أو كان في بئر ولا وصلة له إليه، أو كان الماء بيد مَنْ لا يبذله أصلاً أو بعوض غير مقدور، أو شرعي، كمالو كان به مرض يخشى عليه من الماء، أو یخشی حدوث مرض .

وخرج بقيد استعماله في الطهارة التي تيمّم عنها مالو تمكّن من استعماله في الوضوء وهو متيمّم عن الجنابة، فإنّ تيمّمه لا ينتقض كما لا ينتقض في الصور المتقدّمة العدم التمكّن، وعدم صدق الوجدان.

ولو كان متيمّماً عن الطهارتين فتمكّن من إحداهما خاصّة انتقض تيمّمها دون الأخرى.

وهل يشترط في انتقاضه مضيّ مقدار زمان الطهارة متمكّناً من فعلها أم ينتقض بمجرّد وجود الماء مع التمكّن من استعماله وإن لم يمض الزمان المذكور؟ ظاهر عبارة الكتاب وغيره وإطلاق الأخبار - مثل: قول الباقر(علیه السلام) : «ما لم يحدث أو يصب ماءً»(1) - الثاني. ولأنّ توجّه الخطاب إلى الطهارة المائيّة ينافي بقاء التيمّم. ولعدم الجزم بالنيّة على هذا التقدير.

ويشهد للأوّل استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها، ويدلّ عليه حقيقة التمكّن من فعلها؛ للقطع بأنّه لو علم من أوّل الأمر أنّه لا يتمكّن من الإكمال لم ينتقض تيمّمه، و توجّه الخطاب إنّما هو بحسب الظاهر، فإذا تبيّن فوات شرطه انتفى ظاهراً وباطناً، فيراعي الخطاب بفعل الطهارة المائيّة بمضي زمان يسعها. فإذا مضى تبيّن استقرار الوجوب ظاهراً وباطناً، وإلّا تبيّن العدم.

ومثله مالو شرع المكلّف في الصلاة أوّل الوقت فإنّه لا يعلم بقاءه مكلّفاً إلى آخر الصلاة. وكذا الشارع في الحجّ عام الاستطاعة، فإنّه يجوّز تلف المال وعروض الحصر والصدّ قبل الإكمال مع أنّ نيّة الوجوب مبنيّة على أصالة البقاء، فإذا استمرّت الشرائط کشف عن مطابقة الفعل للواقع، وإلّا تبيّن عدم الوجوب.

ص: 375


1- الكافي، ج 3، ص 63، باب الوقت الذي يوجب التيم .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 200، ح 580؛ الاستبصار، ج 1، ص 163، ح 565، و ص 164 ، ح 570.

وتظهر الفائدة فيما لو تلف الماء قبل إتمام الطهارة، فالتيمّم بحاله على الأوّل دون الثاني.

وحيث كان وجود الماء مع التمكّن من استعماله ناقضاً للتيمّم (فإن وجده قبل دخوله) في الصلاة انتقض تيمّمه إجماعاً و (تطهّر)، فلو أهمل ثمّ فقده بعد ذلك بحيث لو ابتدأ الطهارة لأكملها أعاد التيمّم كما أسلفناء.

(وإن وجده وقد تلبّس) بالصلاة ولو (بالتكبيرة أتمّ) صلاته، سواء ركع أم لا على المشهور ؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَلَكُمْ )(1).

ولمارواه محمد بن حمران عن أبي عبد الله(علیه السلام) في المتيمّم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة»(2).

وقال الشيخ في النهاية : يرجع ما لم يركع(3) ؛ لقول أبي عبد الله(علیه السلام) : «إن كان لم يركع انصرف وليتوضّأ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته»(4).

وقيل: مالم يركع للثانية(5) .

وقيل: مالم يقرأ (6).

وشهرة الأوّل ترجّح العمل به. ورجّح في المعتبر روايته مع الشهرة بأنّ ابن حمران أشهر في العلم والعدالة(7) .

وحيث قلنا: لا يرجع، فهو للتحريم؛ للنهي عن إبطال العمل.

ص: 376


1- سورة محمد (47): 33 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 203، ح 509: الاستبصار، ج 1، ص 166، ح 575.
3- النهاية، ص 48 .
4- الكافي، ج 3، ص 64 ، باب الوقت الذي يوجب التيم .... 5؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 204، ح 591: الاستبصار، ج 1، ص 166 - 167 ، ح 576.
5- القائل هو ابن الجنيد كما حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 275، المسألة 205.
6- القائل هو سلّار في المراسم، ص 54.
7- المعتبر، ج 1، ص 400 .

وتفرّد المصنّف بجواز العدول إلى النفل(1) : جمعاً بين صيانة الفريضة عن الإبطال وأدائها بأكمل الطهارتين.

ورُدّ: بأنّه في معنى الإبطال؛ لأنّ النافلة يجوز قطعها؛ وجواز النقل (2)في موضع لدليل - كناسي الأذان والجمعة(3) - لا يقتضي الجواز مطلقاً، والقياس باطل (4).

ولو ضاق الوقت حرم قطعاً.

فرع: على القول بإكمال الصلاة بالتيمّم إمّا مطلقاً أو لتجاوزه محلّ القطع فهل يعيد التيمّم لو فقد الماء بعد الصلاة؟ قيل : نعم(5) ؛ لأنّه متمكّن عقلاً من الماء. ومَنعُ الشرع من الإبطال لا يُخرجه عن التمكّن، فإنّه صفة حقيقيّة لا تتغيّر بالأمر الشرعي أو النهي. وعدم فساده بالنسبة إلى الصلاة التي كان فيها للإذن في إتمامها حذراً من إبطال العمل، أمّا غيرها فلا مانع من بطلانه بالنسبة إليه.

وهو ضعيف؛ لأنّ الإذن في إتمامها يقتضي بقاء الإباحة، فلا تجتمع الصحّة والفساد في طهارةٍ واحدة(6). والمنع الشرعي كافٍ في عدم النقض كالمرض، فهو بمنزلة المنع الحسّي بل أقوى. ولأنّ التيمّم لم ينتقض بوجود الماء فبعد فقده أولى. ولأنّ صحّة أداء الصلاة تقتضي عدم ثبوت المنع من فعلها، وهو أمر مشترك بين جميع الصلوات، فعدم النقض أصحّ.

ولا فرق في الصلاة بين الفرض والنفل.

(ویستباح به کلّ ما يستباح ب_) الطهارة (المائيّة) من صلاةٍ وطوافٍ واجبين أو ندبين، ودخول مسجد ولو كان الكعبة، وقراءة عزيمة، وغير ذلك من واجب

ص: 377


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 211، ذيل المسألة 314: قواعد الأحكام، ج 1، ص 240.
2- كذا وفي جامع المقاصد: «القطع» بدل «النقل».
3- أي سورة الجمعة.
4- الراد هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 509 .
5- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 58 .
6- في «م»: «عبادة واحدة».

ومستحب ؛ لقوله تعالى: (وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ )(1) ، وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «وطهوراً»(2) و «يكفيك الصعيد عشر سنين»(3) .

ومَنَع فخر المحقّقين - ولد المصنّف - من استباحة المساجد به للجنب ؛ لقوله تعالى: (وَلَا جُنُبا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ )(4) حيث جعل غاية التحريم الغسل، فلايزول بالتيمّم. وكذا مسّ كتابة القرآن به؛ معللاً بعدم فرق الأُمّة بينهما هنا (5). ويلزمه تحريم الطواف للجنب أيضاً بالتيمّم؛ لاستلزامه دخول المسجد وإن لم يصرّح به.

وهو ضعيف؛ لمعارضته بقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) لأبي ذرّ : «يكفيك الصعيد عشر سنين»(6) فإنّ إطلاقه يقتضي الاكتفاء به في العبادات؛ إذ لو أراد الاكتفاء في الصلاة في البيت لوجب البيان، حذراً من الإجمال فى وقت الخطاب الموجب للإغراء.

وبقول الصادق(علیه السلام) : «إنّ الله جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(7) ، وقوله(علیه السلام) : «التراب أحد الطهورين»(8).

ولأنّ إباحة الصلاة المشترطة(9) بالطهارة الصغرى والكبرى أعظم من دخول المساجد، فإباحتها تستلزم إباحته بطريق أولى. وذكر الغسل في الآية لكونه أصلاً

ص: 378


1- المائدة .(5): 6 .
2- الفقيه، ج 1، ص 241، ح 724؛ الخصال، ص 201. ح 14 ، و ص 292، ح 56؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 188 ح 567؛ سنن النسائي، ج 1، ص 210؛ وج 2، ص 56؛ مسند أحمد، ج 2، ص 475 ، ح 7225: المعجم الكبير، الطبراني ، ج 11، ص 61 . ح 11085.
3- الفقيه، ج 1، ص 108، ح 222؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 194 ، ح 561، و ص 199 - 200، ح 578 .
4- النساء (4): 43.
5- إيضاح الفوائد، ج 1 ، ص 66-67.
6- راجع المصادر في الهامش 3.
7- الفقيه، ج 1، ص 109 ، ح 224.
8- الكافي، ج 3، ص 63 - 64، باب الوقت الذي يوجب التيمم .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 200، ح 80 وفيهما: «التيمم أحد الطهورين». والحديث عن الإمام الباقر(علیه السلام) .
9- في «م»: «المشروطة».

اختياريّاً، وهو لا ينفى الاضطراري إذا دخل بدليل آخر.

واعلم أنّ هذه العبارة أيضاً أوفى ممّا في صدر الكتاب من قوله: «والتيمّم يجب للصلاة والطواف »إلى آخره، وقد بيّنّاه هناك.

(ولا يعيد) المتيمّم تيمّماً مشروعاً (ما صلّى به)؛ لأنّ امتثال المأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء.

ولا فرق في ذلك بین متعمّد الجنابة حال عجزه عن الغسل وغيره، ولابين مَنْ منعه زحام الجمعة عن الخروج للطهارة المائيّة فتيمّم، وغيره؛ لتحقّق الامتثال في الجميع، وما ورد خلاف ذلك ضعيف أو معارض بما هو أشهر منه.

ويدخل في إطلاقه: مَنْ صبّ الماء في الوقت ثمّ تيمّم وصلّى. وفي حكمه نقله عن ملكه حيث يتمّ الملك، ومروره على نهر ونحوه، وتمكّنه من الشراء وقبول الهبة فلم يفعل، وجنابته فيه عمداً إذا كان عنده ما يكفيه للوضوء خاصّة، أو كان متطهّراً وحدثه كذلك، فلا يجب القضاء في جميع ذلك.

وقد صرّح بعدم القضاء فيفي الأصل - وهو إراقة الماء في الوقت - في التذكرة(1) . واختاره الشهيد (رحمه الله )(2) ؛ لكونه مأموراً بالتيمّم في آخر الوقت لعدم وجدانه الماء، فيقتضي الإجزاء وإن أساء قبل ذلك.

واختار في القواعد وجوب القضاء(3) ؛ لمخاطبته بعد الوقت بفعل الصلاة بالطهارة المائيّة؛ لأنّه متمكّن منها، فإذا تيمّم وصلّى بعد الإراقة لم يخرج من العهدة؛ إذ لم يأت بالمأمور به على وجهه فتجب الإعادة.

وهذا إنّما يتمّ إذا لم يكن مأموراً بالتيمّم والصلاة آخر الوقت، أمّا مع الأمر به فيتعيّن الإجزاء كما قلناه، وحيث كان المأمور به الثاني بدلاً من المأمور به الأوّل سقط اعتبار

ص: 379


1- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 166 ، المسألة 294.
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 136 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 236.

الأوّل وإن أساء؛ لاستحالة الأمر بالبدل والمبدل معاً مع ثبوت البدليّة.

ومتى قلنا بالإعادة فإنّما يعيد ما أراق الماء في وقتها. ولو كان في وقت مشترك، أعاد صلاتيه معاً.

والظاهر أنّ الصوم كالصلاة في ذلك، ولكن لم يصرّحوا به، واشتراطه بالطهارة يلحقه بها.

(و) لو اجتمع جنب ومحدث حدثاً أصغر وميّت وعندهم من الماء ما يكفي أحدهم خاصّة، فإن كان الماء ملكاً لأحدهم، اختصّ به ولا يجوز له بذله لغيره مع تضيّق وقت مشروط بها عليه، أو اتّساعه وعدم رجاء غير هذا الماء؛ لأنّ الطهارة قد تعيّنت عليه وهو متمكّن من الماء فلا يعدل إلى التيمّم والمخاطب بذلك في الميّت وليّه.

ولو كان الماء مباحاً - استوى الحيّان وولىّ الميّت فى إثبات اليد عليه - ولم يكف إلّا لواحد منهم، أو مع مالك يسمح ببذله لأحدهم، أو منذوراً أو موصى به للأحوج،فالمشهور أنّه (يخصّ الجنب بالماء المباح والمبذول) للأحوج (ويتيمّم المحدث ويُيمّم الميّت) لصحيحة الحسن(1) الأرمني عن الرضا(علیه السلام) في القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميّت، ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهم أيّهم يبدأ به؟ قال: «يغتسل الجنب ويترك الميّت»(2).

ويؤيّدها أنّه متعبّد بالغسل، والميّت قد خرج عن التكليف بالموت، وقوّة حدثه بالنسبة إلى المحدث.

قال في الذكرى: وفيه إشارة إلى عدم طهوريّة المستعمل، وإلّا لأمر بجمعه(3) .

وفيه نظر؛ لأنّ جمعه لا يلزم منه أن يجتمع منه ما يكفي واحداً، فإنّه أعمّ من ذلك،

ص: 380


1- في تهذيب الأحكام الحسين.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 110، ح 287؛ الاستبصار، ج 1، ص 102، ح 331 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 140 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

ولا دلالة للعامّ على الخاصّ، وجاز أن يعلم(علیه السلام) منه عدم اجتماع ما يرفع حدثاً آخر. اللهمّ إلّا أن يستدلّ بترك الاستفصال.

وفي رواية محمّد بن عليّ عن بعض أصحابنا عن الصادق(علیه السلام) أنّ الميّت أولى منه(1) . وعمل بمضمونها بعض الأصحاب(2) .

ويؤيّدها أنّ غسل الميّت خاتمة طهارته فينبغي إكمالها، والجنب قد يستدرك مع وجود الماء، وأيضاً فالقصد في غسل الميّت التنظيف ولا يحصل بالتيمّم، وفي الحيّ الدخول في الصلاة وهو يحصل به.

والرواية الأولى أرجح؛ لعمل الأكثر واتّصالها، وإرسال الثانية.

وهذا الاختصاص المذكور في العبارة بالنسبة إلى المباح بالمعنى المذكور والمبذول على سبيل الاستحباب؛ لاشتراك الواردين في تملّكه باستوائهم في حيازته، والفرض أنّ حصّة كلّ واحد لا تفي بحاجته فيستحبّ له بذلها للأحوج - وهو الجنب - مع عدم رجاء مابه يحصل الإكمال، ولو خصّ غيره جاز. وكذا القول في المالك الباذل.

ولو تغلّب أحدهم على حيازته بعد استوائهم في الوصول إليه أثم وملك، وبه جزم المصنّف في التذكرة(3) والمحقّق في المعتبر(4) ؛ لأنّ الوصول لا يفيد الملك؛ لافتقار تملّك المباحات إلى الحيازة مع النيّة ولم يحصل الشرطان إلّا للمتغلّب.

واستشكله في الذكرى بإزالة أولويّة غيره، وهي في معنى الملك، قال: وهذا مطّرد فى كلّ أولويّة، كالتحجير والتعشيش ودخول الماء(5) . وقد عرفت مافيه.

ولو سبق أحدهم اختصّ، ولا يجوز له بذله لغيره، كالمالك له ابتداءً.

ص: 381


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 110، ح 288؛ الاستبصار، ج 1، ص 102، ح 332 .
2- كالشيخ في الخلاف، ج 1، ص 166 - 167، المسألة :118؛ والاستبصار، ج 1، ص 102، ذيل الحديث 332 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 223، ذيل المسألة 322 .
4- المعتبر، ج 1 ، ص 407 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1 ص 141 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

وأمّا المنذور والموصى به للأحوج فإنّ الجنب يختصّ به على المشهور على وجه الاستحقاق لا الاستحباب

ولو دفع لغيره لم يجز إن كان للحيّ قطعاً، وإن كان للميّت بني على أنّ غسله هل هو طهارة حقيقية وإن اشتملت على تنظيف، أو هو تنظيف - كما اختاره في المعتبر(1) - أو إزالة نجاسة؟ فعلى الأوّل يبطل الغسل ويتيمّم الحيّان ويُيمَّم الميّت، وعلى الآخرين يأثم المتولّي مع علمه ويجزئ.

ولو أمكن الجمع بأن يتوضّأ المحدث ويجمع ماء الوضوء، ثمّ يغسل الجنب الخالي بدنه عن نجاسة ثمّ يُجمع ماؤه ويُغسَّل به الميّت جاز؛ لأنّ المستعمل باقٍ على حاله عندنا، وقد يجب الجمع.

ولو لم يكف الماء إلّا للمحدث بالأصغر خاصّةً فهو أولى؛ لعدم المشاحّة، وعدم تبعّض الطهارة خصوصاً مع إمكان تمام الإباحة بالنسبة إلى بعضهم. ولو لم يكن جنب فالميّت أولى؛ لشدّة حاجته، ولحديثه المرسل(2).

ولو جامعهم ماسُّ ميّتٍ لم يتغيّر الحكم؛ لأنّ حدثه ضعيف بالنسبة إلى حدث الجنب.

ولو جامعهم حائض أو نفساء فلا نصّ فيه، لكن قيل : يقدّم الجنب؛ لضعف حدثهما حيث إنّ انقطاع دمهما يبيح ما لا يستبيحه الجنب بدون الغسل، وللاكتفاء بغسله في استباحة الصلاة(3). وبه قطع الشهيد في الذكرى، قال:

ولو قلنا بتوقّف وطء الزوج على الغسل أمكن أولويّتهما على الجنب؛ لقضائهما حق الله تعالى وحقّ الزوج (4).

وهذا التعليل إنّما يتمّ في ذات الزوج الحاضر أو في حكمه، فلو كانت خاليةً أو كان

ص: 382


1- المعتبر، ج 1، ص 407.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 110، ح 288؛ الاستبصار، ج 1، ص 102، ح 332 .
3- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 513 .
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 141 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

كغائباً عنها بحيث لا يحضر حتّى تتمكّن من الغسل غالباً قدّم.

وكما يرجّح الجنب عليهما يرجّح على المستحاضة بطريق أولى؛ لضعف حدثها بالنسبة إليهما.

وفي ترجيحهما على المستحاضة وجه يظهر من المصنّف في النهاية(1) اختياره.

وفي ترجيح الميّت عليهنّ أو بالعكس وجهان ، وكذا في ترجيحهنّ على الماسّ والمحدث بالأصغر، وإن كان الترجيح أوجَه؛ لقوّة حدثهنّ بالنسبة إليهما. والظاهر تقديم الماسّ على المحدث.

ومزيل الخبث عن الحي مقدَّم على الجميع؛ لما تقدّم من أنّ للماء في رفع الحدث بدلاً دون الخبث. ويجب تقييده بإمكان التراب وحكمه، وإلّا قدّم رفع الحدث لقوّة شرطيّته في العبادة.

ومزيل الخبث عن الميّت أولى، قاله المصنّف في النهاية (2).

قيل: ومزيل الطيب عن المُحرم أولى منهما (3).

والعطشان أولى من الجميع قطعاً. والمعصوم أولى مطلقاً.

(ولو أحدث المجنب المتيمّم أعاد بدلاً من الغسل وإن كان) الحدث (أصغر) لأن التيمّم لا يرفع الحدث إجماعاً، وإنّما يفيد الإباحة، فإذا بطل بالحدث أعاده بدلاً من الغسل ؛ البطلان التيمّم بالحدث الطارئ، وحدث الجنابة باقٍ فلا حكم للحدث الأصغر.

وقال المرتضى:

لو وجد هذا المحدث ما يكفيه للوضوء توضّأ به؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع بالتيمّم، وإلّا لما جاز الدخول في الصلاة به، وجاء ما يوجب الصغرى وقد وجد

ص: 383


1- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 192.
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 192.
3- لم نعثر على القائل فيما بين أيدينا من المصادر.

من الماء ما يكفيه لها، فيجب عليه استعماله، ولا يجزئه تیمّمه، فعلى هذا لو لم يجد ماءً للوضوء تيمّم بدلاً منه(1) .

وهو ضعيف؛ للإجماع على عدم ارتفاع حدثه الأول.

قال في الذكرى:

ويمكن أن يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة، وأنّ الجنابة لم تبق مانعة، فلا ينسب إلى مخالفة الإجماع (2).

وهذه الإرادة لا تدفع الضعف ؛ لأنّ الاستباحة إذا لم تستلزم الرفع فبطلانها بالحدث يوجب تعلّق حكم الحدث الأوّل، وقد روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهما (علیهما السلام)في رجل أجنب في سفر ومعه قدر ما يتوضّأ به، قال: «یتیمّم ولا يتوضّأ»(3).

(ويجوز التيمّم مع وجود الماء للجنازة) لصحّتها من دون الطهارة، وللرواية(4) ، وضعفها منجبر بالشهرة، وادّعى الشيخ عليه إجماع الفرقة(5) ، وشهادة الواحد به مقبولة، فلا يقدح حينئذٍ استشكال المحقّق في المعتبر بعدم علمه بالإجماع وضعف الرواية(6) .

قال في المعتبر:

ولو قيل: إذا فاجأته الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة تيمّم لها، كان حسناً؛ لأنّ الطهارة لمّا لم تكن شرطاً وكان التيمّم أحد الطهورين، فمع خوف الفوت لابأس بالتيمّم؛ لأنّ حال المتيمّم أقرب إلى شبه المتطهّرين من المتخلّي منه (7).

ص: 384


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 395؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 2، ص 195 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج (6) نقلاً عن شرح الرسالة له.
2- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 195 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج (6).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 405 ، ح 1272 .
4- الكافي، ج 3، ص 178 - 179، باب من يصلّي على الجنازة .... 5؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 203، ح 477.
5- الخلاف، ج 1، ص 160 - 161 ، المسألة 112 .
6- المعتبر، ج 1، ص 405.
7- المعتبر، ج 1، ص 405.

وفيه نظر؛ لأنّ مثل ذلك لا يسمّى تعذراً لاستعمال الماء، فإن كان حمل الرواية على ذلك - كما هو ظاهر سياقه - فالقول بها يوجب العمل بإطلاقها، وإلّا فمجرّد المشابهة غير كافية في هذه الأحكام.

وهذا التيمّم مغاير لغيره بوجهين: أحدهما: جوازه مع وجود الماء. والثاني: عدم اشتراط نيّة البدليّة على القول باشتراطها في غيره ؛ لجوازه مع القدرة على البدل، مع احتمال اشتراطها؛ لجواز كونه بدلاً اختياريّاً.

قيل: ومثله تيمّم المحدث للنوم (1).

(ولا يدخل) المتيمّم (به في غيرها) من الصلوات وما يشترط فيه الطهارة؛ لأنّ شرعيّة التيمّم مع وجود الماء مقصورة على مواضع مخصوصة على خلاف الأصل، فيقتصر به علی موارده .

ص: 385


1- القائل هو يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع، ص 46.

(النظر الخامس فيما به تحصل الطهارة)

بقسمیها.

(أمّا) الطهارة (الترابيّة، فقد بيّنّاها) وإنّما قدّم الكلام في المطهّر فيها مع أنّه متأخّر عن الكلام على الماء؛ لأنّه مطهّر اختياري لا اضطراري لقلّة مباحثه، فأدرجه مع الكلام عليها.

(وأمّا) الطهارة (المائيّة فبالماء المطلق لا غير ) لتعليق التيمّم في الآية(1) على عدم وجدان الماء المطلق، فسقطت الواسطة .

ولقول الصادق (علیه السلام) وقد سُئل عن الوضوء باللبن؟ فقال: «إنّما هو الماء والصعيد» (2)و«إنّما» للحصر.

واختصاصه بذلك من بين المائعات إمّا تعبداً، أو لاختصاصه بمزيد رقّة وسرعة اتّصال بالمحلّ وانفصال عنه.

وقول الصدوق بجواز الوضوء وغسل الجنابة بماء الورد (3)؛ استناداً إلى رواية (4)ضعيفة السند شديدة الشذوذ، مردود بسبق الإجماع له وتأخّره عنه. ومثله حَملُ ابن أبي عقيل لها على الضرورة، مطّرداً للحكم في المضاف(5) .

ص: 386


1- النساء (4): 43: المائدة (5): 06
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 188 ، ح 540: الاستبصار، ج 1، ص 14، ح 26.
3- الفقيه، ج 1، ص 6 ، ذيل الحديث : الهداية، ص 65.
4- الكافي، ج 3، ص 73 باب النوادر، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 218، ح 627؛ الاستبصار، ج 1، ص 14 ، ح 27.
5- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 57، المسألة 30.

(وكذا إزالة النجاسة) تكون بالماء المطلق دون المضاف، فالانحصار المستفاد من مساواة المعطوف للمعطوف عليه بالنسبة إلى مطلق الماء، لا بالنسبة إلى مطلق المزيل لها؛ لعدم انحصارها(1) في الماء المطلق؛ فإنّ باقي المطهّرات العشر يشاركه في ذلك.

وأشار بذلك إلى خلاف المرتضى حيث جوّز رفع الخبث بالمضاف(2)، استناداً إلى إطلاق قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِرْ )(3) ، وقول النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) في الخبر المستفيض: «لا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها»(4) ، ونحوه. والمضاف يصدق عليه التطهير والغسل.

ويدفعه الإجماعُ المتقدّم والمتأخّر، كما تقدّم والمعارضةُ بتخصيص الغسل بالماء في قول النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) :«حتّيه ثمّ اغسليه بالماء»(5) ، وقول الصادق(علیه السلام) : «إذا وجد الماء غسله»(6) والمطلق يُحمل على المقيّد.

ولمّا انحصر رفع الحدث وإزالة الخبث في الماء المطلق فلابدّ من تعريفه ليتميّز من غيره من أقسام المياه، وتمام معرفته يحصل بمعرفة قسيمه - أعنى المضاف - أيضاً، فلذلك عرّفه بقوله:

(و) الماء (المطلق ما يصدق عليه إطلاق الاسم) أي يصدق عليه اسم الماء عند إطلاقه (من غير قيد).

وهذا التعريف رسم ناقص؛ لتعريفه بالخاصّة من دون ذكر الأعمّ، وهذه الخاصّة من علامات الحقيقة.

ص: 387


1- في «الأصل وم» زيادة: حينئذ.
2- المسائل الناصريات، ص 105 - 106 ، المسألة 22؛ وحكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 82 نقلاً عن شرح الرسالة له.
3- المدثر (74): 4.
4- صحيح مسلم، ج 1، ص 233 ، ح 278/87؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 25، ح 103؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 75، ح 202 وما بعدها.
5- سنن أبي داود، ج 1، ص 99 - 100، ح 362: الجامع الصحيح، ج 1، ص 254 - 255، ح 138؛ سنن النسائي. ج 1، ص 155؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 20، ح 36 ، و 218، ح 659 بتفاوت يسير.
6- الفقيه، ج 1، ص 68 ، ح 155؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 271، ج 799؛ الاستبصار، ج 1، ص 187، ح 655 .

ولا يرد يرد عليه ماء البئر والبحر ونحوهما ممّا يغلب عليه التقييد؛ لأنّ ذلك غير مستحقّ له، ولهذا لو أطلق عليه اسم الماء بدون القيد صحّ.

ويمكن كون التعريف لفظيّاً، وهو إبدال لفظ بلفظ أشهر منه في الاستعمال أو أوضح، مثل «الحنطة بُرُّ».

ويؤيّده الإتيان فيه ب_«ما» وهي من الأدوات العامّة التي لا تدخل التعريفات الصناعيّة؛ إذ المقصود منها كشف الحقيقة من غير نظر إلى الأفراد.

(والمضاف بخلافه) لا يصدق عليه إطلاق الاسم إلّا بقيد زائد على اسم الماء، كماء الورد ونحوه، ويلزم من ذلك أنّه لا يصدق عليه الماء حقيقةً بل مجازاً؛ إذ من علامة المجاز عدم تناول الاسم عند الإطلاق.

(وهما) أي المطلق والمضاف (في الأصل) أي في أصل خلقتهما قبل عروض نجاسة طارئة لهما (طاهران) لأنّ الأصل في الأشياء كلّها الطهارة إلّا مانصّ الشرع(1) على نجاسته؛ لأنّها مخلوقة لمنافع العباد، ولا يحصل الانتفاع أو لا يكمل إلّا بطهارتها.

(فإذا) خرجا عن الأصل (2)بأن (لاقتهما نجاسة، فأقسامهما أربعة) ونسبة الأقسام إليهما - مع أنّ المنقسم إنّما هو أحدهما - جائز باعتبار كون غير المنقسم أحد الأقسام، أو لكون المنقسم هو المجموع من حيث هو مجموع، وذلك لا ينافي عدم انقسام بعض الأفراد. وانقسامهما إلى الأربعة باعتبار اختلاف الأحكام باختلافها، والأمر فيها ظاهر في غير البئر ، أمّا فيه فلايتمّ على مذهب المصنّف من عدم نجاسته بالملاقاة(3)، فيلحق بالجاري، فتتداخل الأقسام.

ص: 388


1- في الطبعة الحجرية: «الشارع».
2- في الطبعة الحجرية عن ذلك» بدل «عن الأصل».
3- إرشاد الأذهان، ج 1، ص 236؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 25 المسألة 6: تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 46، الرقم 8: مختلف الشيعة، ج 1، ص 25، المسألة : منتهى المطلب، ج 1، ص 56 و 68: نهاية الإحكام، ج 1، ص 235.

ومجرّد وقوع الخلاف فيه إن كفى في جَعله قسماً آخر برأسه لزم زيادة الأقسام على الأربعة؛ لوقوع الخلاف في مياه الحياض والأواني في انفعالها بالملاقاة وإن كثرت، فينبغي جعلها قسماً آخر.

ويمكن ترجيح جَعل البئر قسماً وإن ساواه غيره، جرياً على ما ألفوه من أفراده بناءً على ما اختاره الأكثر (1)- حتّى كاد يكون إجماعاً - من انفعاله بمجرّد الملاقاة. ولكثرة أحكامه وتشعُب مسائله، فناسب ذلك إفراده بالذكر.

القسم (الأوّل: المضاف)

وهو ما لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه إلّا بقيدٍ وإن كان فى أصله مطلقاً، كالمتغيّر منه بطول مكثه بحيث لا يصدق إطلاق اسم الماء عليه، و(كالمعتصر من الأجسام، كماء الورد و) الماء المطلق في أصله (الممتزج بها) أي بالأجسام (مزجاً يسلبه الإطلاق، كالمرق) التي ماؤها مطلق خرج عنه بمزجه بالأجسام.

ومثله المطلق الممتزج بما عصر من الأجسام بل بأيّ صنف كان من أصناف المضاف بحيث خرج المطلق عن الإطلاق.

أمّا لو بقي المطلق الممتزج بالأجسام بعد المزج على إطلاقه أو صار الجميع مطلقاً في الممتزج بالمضاف لم يؤثّر المزج، بل يجوز استعمال الجميع فيما يتوقّف على المطلق، خلافاً لبعض العامّة(2) حيث أوجب إبقاء قدر المضاف.

وضعفه ظاهر؛ لأنّ الحكم تابع للإطلاق، وهو موجود في الجميع.

وعلى هذا لو توقّفت الطهارة على المزج وجب عيناً من باب مقدّمة الواجب المطلق

ص: 389


1- منهم السيد المرتضى في الانتصار، ص 89 90؛ والمفيد في المقنعة، ص 64 والشيخ في النهاية، ص 6؛ - والمبسوط، ج 1، ص 29؛ وسلار في المراسم، ص 34؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 21؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 69؛ والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 54 .
2- العزيز شرح الوجيز، ج 1، ص 26: المجموع شرح المهذب، ج 1، ص 99 - 100.

الذي لا يتمّ إلّا بالمزج، خلافاً للشيخ (رحمه الله)(1) حيث لم يوجبه وإن جوّزه، وهو مع ، ضعفه متناقض(2) .

(وهو) أي المضاف (ينجس) بفتح العين وضمّها ك_«يعلم» و «یکرم» فعين ماضيه مضمومة ومكسورة (بكلّ ما يقع فيه من النجاسة، قليلاً كان) المضاف (أو كثيراً) وسواء غيّرت النجاسة أحدَ أوصافه أم لا؛ لقصوره عن دفع النجاسة عن غيره فكذا عن نفسه كالقليل.

ولقوله (صلى الله عليه و آله و سلم) حين سُئل عن فأرة وقعت في سمن: «إن كان مائعاً فلاتقربوه»(3) وترك الاستفصال دليل العموم.

وللإجماع.

القسم (الثاني: الجاري من) الماء (المطلق)

والمراد به النابع غير البئر، سواء جرى أم لا، وإطلاق اسم الجاري عليه إمّا حقيقة عرفيّة، أو تغليب لبعض أفراده على الجميع.

وأمّا الجاري غير النابع فهو من أقسام الواقف، وسيأتي.

(ولا ينجس) الجاري (إلّا بتغيّر) أحد أوصافه الثلاثة: (لونه أو طعمه أو ريحه) لا مطلق الصفات كالحرارة ونحوها (بالنجاسة) متعلّق بالمصدر، وهو «تغيّر».

ويستفاد من الاستثناء من المنفي المقتضي لحصر الحكم في المثبت: أنّه لو تغير في أحد أوصافه بالمتنجّس لا بالنجاسة لم ينجس، كما لو وضع فيه دبس نجس فغيّر طعمه بحيث لو انفردت النجاسة المنجسة للدبس عنه ووضعت في الجاري لم تُغيّره.

ص: 390


1- المبسوط، ج 1، ص 27 .
2- في «م»: «مناقض».
3- سنن أبي داود، ج 3، ص 364 ، ح 3842؛ السنن الكبرى البيهقي، ج 9، ص 593 ، ح 19621؛ المصنف. عبدالرزاق، ج 1، ص 84، ح 278؛ مسند أحمد، ج 2، ص 521، ح 7547.

والمراد برائحة الماء : سلامته من رائحة مكتسبة، سواء كان له رائحة في أصله أم لا. وكذا القول في قسيميها.

والمعتبر في التغيّر بالنجاسة ماكان بواسطة ملاقاتها، فلا ينجس بالتغيّر الحاصل من المجاورة ومرور الرائحة على الماء، كالجيفة الملقاة على جانب الشط فيتغيّر(1) بها.

وهل المعتبر في التغيّر الحسّي أو التقديري؟ ظاهر المذهب الأول، وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(2) . واختار المصنّف(3) الثاني. فلو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري والكثير فهو باقٍ على طهارته على الأوّل؛ لدوران النجاسة مع تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة، والتغيّر حقيقةً هو الحسّي ولم يحصل. والمصنّف يُقدّرها على أوصاف مخالفة كالحكومة فى الحُرّ ، فإن كان الماء يتغيّر بها على ذلك التقدير حكم بنجاسته، وإلّا فهو باقٍ على طهارته.

واحتجّ على ذلك : بأنّ التغير - الذي هو مناط النجاسة - دائر مع الأوصاف، فإذا فقدت وجب تقديرها، وهو عين المتنازع. واحتجّ له: بأنّ عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافاً، وهو كالمعلوم البطلان.

وضعفه ظاهر؛ فإنّه مجرّد استبعاد.

ولا ريب أنّ مختار المصنّف أحوط إن لم يتوقّف عليه عبادة مشروطة بالطهارة أو بإزالة النجاسة، وإلّا لم يتمّ الاحتياط، وعليه يمكن تقدير المخالفة على وجه وجه أشدّ، كحدّة الخَلّ، وذكاء المسك، وسواد الحِبْر؛ لمناسبة النجاسة تغليظ الحكم، وهو الظاهر من كلامه في النهاية (4). واعتبار الوسط بناءً على الأغلب.

وهل تعتبر أوصاف الماء وسطاً؛ لاختلافها في قبول التغيّر ،وعدمه، كالعذوبة

ص: 391


1- في «الأصل وم»: «فتغير».
2- البيان، ص 93 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 183؛ منتهى المطلب، ج 1، ص 42 نهاية الإحكام، ج 1، ص 229 .
4- انظر نهاية الإحكام، ج 1، ص 229 .

والملوحة، والرقّة والغلظة والصفاء والكدورة؟ فيه احتمال.

وما اختاره الشهيد (رحمه الله)(1) أوضح فتوىً وأسلم من تقدير ماليس بموجود وترتّب الحكم عليه.

واعلم أنّ يستفاد من الحصر المذكور عدم اشتراط الكُرّيّة في الجاري، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل قال في الذكرى: لم أقف فيه على مخالف ممّن سلف(2).

وحجّتهم الأخبار عن أهل البيت(علیهم السلام) برفع البأس عن ملاقاته للنجاسة من غير

تقييد بالكُريّة، كقول الصادق(علهی السلام) : لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري»(3) . ولأنّه قاهر للنجاسة غالب عليها؛ لعدم استقرارها. ولأنّ تعليق الحكم على الوصف يُشعر بالعلّيّة. ولأنّ الأصل الطهارة فنستصحب حتّى تظهر دلالة تنافيه.

وذهب المصنّف (رحمه الله) في سائر كتبه(4) إلى اشتراطها فيه، فلو كان دون الكُرّ نجس - كالواقف - بمجرّد ملاقاة النجاسة له مع تساوي سطوحه، ومع اختلافها ما تحت النجاسة أيضاً دون ما فوقها محتجّاً بعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار الكُرّية، ولا معارض له فيجب التمسّك به.

وأجيب(5) : بتعارض العمومين، والترجيح في جانب الشهرة لما ذُكر، فيخصّ اعتبار الكُريّة بغير النابع.

أقول: في حجّة المشهور نظر؛ إذ لا دلالة فى نفى البأس عن البول في الجاري على عدم انفعال القليل منه بالنجاسة بإحدى الدلالات، والاستدلال بعمومه لو سُلّم فإنّما يدلّ على جواز تنجيسه مع قلّته، وهو غير المتنازع، ولمعارضته بقول عليّ(علیه السلام): «نهي

ص: 392


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 37 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 5)
2- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 41 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 31، ح 81 و 43 ، ح 121؛ الاستبصار، ج 1، ص 13، ح 23 .
4- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 17، ذيل المسألة 3 : قواعد الأحكام، ج 1، ص 182 : نهاية الإحكام، ج 1، ص 228 و 229 .
5- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 111.

أن يبول الرجل فى الماء الجاري إلّا من ضرورة»(1) فقد تساوى الماء ان في النهي، ومن ثَمَّ حكموا بكراهة البول فيهما.

ولا يرد: أنّ النجاسة بأس فنفيه يقتضي نفيها؛ لأنّ المراد بالبأس في هذا ونظائره الحرامُ؛ فإنّ البأس لغة هو العذاب، وهو مسبّب عن التحريم فأطلق اسمه على السبب؛ إذ لا يصلح هنا غير ذلك من معانيه لغةً.

وقهره للنجاسة وغلبته عليها لا يصلح دليلاً شرعيّاً، مع معارضته بماء البئر عندهم.

وخروجه بنص خاص عين المدعى هنا؛ إذ لا معارض لدليل اشتراط الكُريّة في عدم الانفعال بالملاقاة.

وتعليق الحكم بالوصف - الذي هو الجريان - ليس هو الحكم المتنازع؛ لعدم دلالة الحديث عليه، ومادلّ عليه لا تنازع فيه. هذا مع تسليم العمل بالعليّة المدّعاة.

والأصل المذكور قد عُدل عنه؛ للدليل الدالّ على انفعال مادون الكُرّ بالخبث.

وقد بالغ الشيخ عليّ (رحمه الله)(2) ، فادّعى الإجماع على عدم اشتراط الكُريّة بناءً على أنّ المخالف معلوم النسب، ولم يذكر ذلك غيره، وإنّما قال الشهيد (رحمه الله): لا أعلم مخالفاً(3). وعدم العلم لا يدلّ على العدم، مع أنّ عدم علمه به غريب، وقد أسلفنا في باب الحيض ما يدلّ على عدم صحّة هذه الدعوى.

مع أنّه يمكن معارضة هذا الإجماع؛ لأنّ المخالف المعلوم النسب - وإن كان مائةً - لاحجّة في قوله. ونحن لو حاولنا معرفة مَنْ قال بعدم الاشتراط، لم نقدر على عشرة، مع أنّ جماعة من المتأخّرين عن(4) المصنّف (رحمه الله) وافقوه على مقالته، ولاشكّ أنّ للشهرة ترجيحاً، إلّا أنّ الدليل على مدّعاها غير قائم، ولعلّه أرجح منها.

ص: 393


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 34 . ح 90: الاستبصار، ج 1، ص 13، ح 25.
2- جامع المقاصد، ج 1، ص 111 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 41 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- في الطبعة الحجرية: «غير» بدل «عن».

وعلى القولين لافرق في الجاري بين دائم النبع صيفاً وشتاءً وبين المنقطع أحياناً؛ لاشتراكهما في اسم النابع والجاري حقيقةً، فكلّ مادلّ على أحدهما دلّ عليهما؛ إذ الدليل محصور فيما ذُكر .

وفرّق الشهيد في الدروس بين دائم النبع وغيره، فلم يشترط الكُريّة في الأوّل وشرطها في الثاني(1) ، فعنده الشرط في الجاري أحد الأمرين: إمّا الكُريّة، أو دوام النبع، وتبعه الشيخ جمال الدين ابن فهد في الموجز (2). ونحن نطالبهما بدليل شرعي على ذلك.

(فإن تغيّر) بعض الجاري (نجس المتغيّر خاصةً) دون مافوقه وماتحته وماحاذاه، إلّا أن ينقص ماتحته عن الكُرّ ويستوعب التغيّر عمود الماء، وهو خط ممّا بین حافّتيه عرضاً وعمقاً، فينجس ماتحت المتغيّر أيضاً لتحقّق الانفصال.

وعلى القول باشتراط الكُريّة أو كان الجاري لا عن مادّة ولاقته نجاسة، لم ينجس مافوقها مطلقاً ولاما تحتها إن كان جميعه كُراً؛ إلّا مع تغيّر بعض الكُر فينجس الأسفل، أو استيعاب التغيّر ما بين الحافّتين، فيشترط في طهارة الأسفل كُريّته، كذا فصّله جماعة من المتأخّرين(3) . واعلم أنّ فى هذا المقام بحثاً وفى كلام القوم في هذا التفصيل اضطراباً.

وتحرير المقام: أنّ النصوص الدالّة على اعتبار الكثرة مثل قوله(علیه السلام) : «إذا بلغ قدر كُرّ لم ينجّسه شيء»(4) وكلام أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكُرّ المجتمع بكون سطوحه مستويةً، بل هو أعمّ منه ومن المختلف كيف اتّفق.

وقد ذكره المصنّف في كُتبه وغيرُه في عدّة مسائل كهذه المسألة ومسألة الغديرين

ص: 394


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 38 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- الموجز، ضمن الرسائل العشر، ص 36 .
3- منهم الشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 38؛ والبيان، ص 93 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9 و 12)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 111 - 112.
4- الكافي، ج 3، ص 2 باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ح 1 و 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 39 - 40، ح 107 - 109؛ الاستبصار، ج 1، ص 6، ح 1 - 3.

الموصول بينهما بساقية، ومسألة القليل الواقف إذا اتّصل بالجاري، فإنّه حكم باتّحاد حكم الغديرين مع الساقية(1) ، فمتى كان المجموع كُرّاً لم ينفعل بالملاقاة، ومثله في القليل المتّصل بالجاري.

ومقتضى هذا الإطلاق الموجود في النصّ والفتوى: أنّ كلّا من العالي والسافل يتقوّى بالآخر.

وتفصيلهم هذا - الذي حكيناه في أوّل المسألة - صريح فيه؛ فإنّهم حكموا فيه بأنّه متى كان المجموع كُرّاً ولم يتغيّر بعضه لم ينجس، وكذا لو قطعت النجاسة عمود الماء مع كون الأسفل كُرّاً، فلولا تقوّي الأعلى بالأسفل لزم نجاسة الأعلى من الأسفل متى نقص عن كُرّ مطلقاً.

وقد قيّد هذا الإطلاق جماعةُ من المتأخّرين كالشهيد(2) والشيخ عليّ(3) (رحمهم الله)، فذكروا في مسألة الغديرين والقليل المتّصل بالجاري أن الاتّحاد لا يحصل بينهما إلّا مع تساوي السطوح أو عُلوّ الغدير الكثير والجاري على القليل، فلو انعكس الفرض بأن كان الغدير القليل أعلى نجس بالملاقاة، وكذا الواقف المتّصل بالجاري بناءً منهم على أنّ الأعلى لا يتقوّى بالأسفل، مع أنّهم وافقوا في مسألة الكتاب على التفصيل المتقدّم ، المستلزم لتقوية كلّ منهما للآخر، وإطلاق النصّ يدلّ عليه.

ويلزمهم من عدم تقوية الأسفل أن ينجس كلّ ماكان تحت النجاسة من الماء المنحدر وإن كثر جدّاً، وهو غير موافق للحكمة، ولا يدلّ عليه دليل، بل يلزم على هذا نجاسة الجاري على القول باشتراط كُريّته مع عدم تساوي سطوحه في كلّ ماسفل منه عن

ص: 395


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 232 .
2- ذكرى الشيعة، ج 1 ، ص 47: الدروس الشرعية، ج 1، ص 39؛ البيان، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 05 9 و 12).
3- جامع المقاصد، ج 1، ص 112 و 115.

النجاسة وإن كان نهراً عظيماً مالم يكن فوقه منه كُرّ، وهذا كلّه مستبعد جدّاً بل باطل. وبالجملة، فكلام المتأخّرين في المسألة متناقض إلى أن يبدو لنا الفرق بين المقامين، وأنّى لهم به اتّحاد موضوع المسألتين؟

والذي يظهر في المسألة ودلّ عليه إطلاق النصّ: أنّ الماء متى كان قدر كُرّ متّصلاً ثمّ عرضت له النجاسة لم تؤثّر فيه إلّا مع التغيّر، سواء كان متساوي السطوح أم مختلفها، وإن كان أقلّ من كُرّ نجس بالملاقاة مع تساوي سطوحه، وإلّا الأسفل خاصّة.

ثمّ إن اتّصل بالكثير بعد الحكم بنجاسته اعتبر في الحكم بُطهره مساواة سطوحه لسطوح الكثير أو عُلوّ الكثير عليه، فلو كان النجس أعلى لم يطهر.

والفرق بين الموضعين: أنّ المتنجّس يشترط ورود المطهّر عليه، ولا يكفي وروده على المطهّر، خلافاً للمرتضى(1) ، كما سيأتي، فإذا كان سطحه أعلى من سطح الكثير لم يكن الكثير وارداً عليه.

ولكن يشكل على هذا الحكم مع تساوي السطوح؛ إذ لا يتحقّق ورود الطاهر حينئذ، مع اتّفاق كلامهم على طهر المتنجّس حينئذ.

ويمكن حله بأنّ جماعة من الأصحاب - منهم المصنّف في التذكرة(2) والشهيد في الذكرى (3) - شرطوا في طُهر النجس في هذه الحالة امتزاج الطاهر به، ولم يكتفوا بمجرّد المماسّة. وهذا الشرط في الحقيقة يرجع إلى عُلوّ الجاري ؛ إذ لا يتحقّق الامتزاج بدونه، وحينئذٍ يتحقّق الشرط، وهو ورود الطاهر على النجس، ويزول الإشكال.

وهذا الشرط حسن في موضعه مع احتمال عدم اشتراط شيء من ذلك، بل الاكتفاء بمجرّد اجتماع الكُرّ ؛ لصدق الوحدة الموجبة للكثرة الدافعة للنجاسة، خصوصاً لوثبت

ص: 396


1- المسائل الناصريات، ص 7372، المسألة 3 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 23 ذيل المسألة 5 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا بلغ الماء كُراً لم يحمل خبثاً»(1) ، وإطلاق جماعة من الأصحاب يدلّ عليه.

لكنّ العمل على ما ذكرناه أقوى؛ لعدم ثبوت الخبر، وإنّما الخبر الذي ورد صحيحاً ما أسلفناه (2)من قوله(علیه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كُرّ لم ينجّسه شيء» كماسيأتي تحقيقه إن شاء الله، وحينئذٍ لا يدلّ «اجتماع الماء قدر كُرّ» إلّا على عدم قبوله للنجاسة الطارئة لا على رفعه للسابقة.

نعم، يلزم ذلك لمثل الشيخ عليّ (رحمه الله)(3) حيث عمل بمضمون الخبر، وحكم بطهر النجس إذا بلغ كُرّاً وإن كان في هذه المسألة قد أنكر الطهارة وتقوية الأسفل للأعلى.

وأقوى ما يحتجّ به على ذلك: أنّ الأسفل والأعلى لو اتّحدا في الحكم لزم تنجّسهما بالملاقاة مع القلّة، فيلزم تنجّس كلّ ماءٍ أعلى متّصل بماء أسفل مع القلّة، وهو معلوم البطلان، وحيث لم ينجس بنجاسته لم يطهر بطهره، وهو الجزء الممتزج من أسفله بالكثير مثلاً.

وهذه حجّة متينة، لكن يجاب عنها من حيث المعارضة والحلّ.

أمّا الأوّل؛ فلموافقتهم في مسألة الجاري لاعن مادّة على عدم نجاسة المجموع إذا كان كُرّاً وأصابته نجاسة غير مغيّرة، أو كانت مغيّرةً ولم تقطع عمود الماء وكان الباقي من الأعلى والأسفل كُرّاً، أو قطع عمود الماء مع كون الأسفل كُرّاً، وفي كلّ هذه الصور يتقوّى الأعلى بالأسفل، وإلّا لزم الحكم بنجاسته.

وبيان ذلك: أنّ الجزء من الماء المتّصل بالنجاسة أو المساوي لها في السطح ينجس بها لمماسّته لها مع عدم الكثرة المتّصلة به من أعلى، كما هو المفروض، ثمّ ذلك الجزء

ص: 397


1- أورده السيد المرتضى في الانتصار، ص 85 المسألة 1؛ والشيخ في الخلاف، ج 1، ص 174، المسألة 127؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 23 - 24، ذيل المسألة ؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 42 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- في ص 394.
3- انظر جامع المقاصد، ج 1، ص 133 - 134.

يماسّ جزءاً آخر وهلمّ جرّاً إلى آخر الأسفل، فلو لم يتقوّ الأعلى بالأسفل لزم نجاسة جميع ماجاوز النجاسة إلى المنتهى السفلي وإن كان كثيراً، مع حكمهم بعدم نجاسته.

وأمّا الثاني؛ فلأنّا نمنع من استلزام ذلك نجاسة الأعلى؛ فإنّا لم نحكم عليه بالطهارة لمجرّد التقوية أو الاتّصال، بل لدخوله في عموم الخبر أو إطلاقه، فإنّه يصدق عليه أنّه كُر فلاينجّسه شيء، بخلاف ما نقص عنه. وأمّا عدم نجاسة الأعلى على تقدير القلّة فالإجماع منعقد على أنّ النجاسة لا تسري إلى الأعلى مطلقاً، ولا خصوصية لذلك بالماء ولا بغيره، بل يأتي في المائعات التي لا يقوّي بعضها بعضاً مطلقاً؛ لعدم تعقّل سريان النجاسة إلى الأعلى مع كون حركته إلى جهة النجاسة، ولو كان كذلك لما أمكن الحكم بطُهر شيء بالقليل؛ لأنّه عند صبّ الماء واتّصاله بالنجس ينجس الماء في الآنية المصبوب منها وتنجس الآنية، وذلك كلّه خلاف الإجماع.

وجملة الجواب ترجع إلى أنّ تقوّي الأعلى بالأسفل على تقدير الكثرة إنّما هو بالنصّ لا بالاستنباط، ولا يرد النقض باستلزامه نجاسة الأعلى حينئذ.

ويتفرّع على ماذكرناه من التفصيل مسائل:

منها: الجاري غير النابع عند الجماعة.

ومنها: الجاري وإن كان نابعاً عند المصنّف ومَنْ تبعه على اشتراط كُريّته. وقد علم حكمهما .

ومنها: الغديران إذا لم يكن كلُّ منهما كُراً ووصل بينهما قبل ملاقاة النجاسة لهما، فإنّهما لا يقبلان النجاسة حينئذٍ إلّا بالتغيير ولو لاقتهما أو أحدهما النجاسة قبل الاتّصال لم ينفعهما.

ومنها: مادّة الحمّام وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله.

ومنها: القليل الواقف المتّصل بالجاري عندهم، أو بالكثير عند المصنّف، فإنّه لا ينجس. ولونجس قبل الاتّصال لم يطهر به مالم يَعْلُ عليه الكثير.

ومن هذا الباب ماء المطر الجاري في الطرق ثمّ يتّصل بالكثير أو يصير كثيراً قبل

ص: 398

ملاقاة النجاسة له. فلو أصابته النجاسة بعد انقطاع المطر، فإن كان بعد كثرته أو وصوله إلى الكثير لم ينجس بدون التغيّر. وإن كان قبله نجس وإن اتّصل بعد ذلك. وعلى ما اختاره المتأخّرون ينجس على التقديرين.

ومنه ما لو صبّ الماء من آنية إلى الكثير ، فإنّه إن كان نجساً لا يطهر منه مافوق الكثير ولا الآنية. وإن كان طاهراً وأصابته نجاسة غير مغيّرة بعد وصول أوّله إلى الكثير واتّصاله لم ينجس. وعندهم ينجس على الحالين.

وعلى ما يظهر من إطلاق النصّ وفتوى المصنّف وغيره يلزم طهارة الماء النجس عند صبّ بعضه في الكثير بحيث يطهر الإناء المماس للماء النجس ومافيه من الماء عند وصول أوّله إلى الكثير. وهو بعيد، بل هو على طرف النقيض لتفصيل المتأخرين.

والمسألة من المشكلات، ولم نقف فيها على ما يزيل عنها الالتباس السابق. والله أعلم بحقائق أحكامه.

(ويطهر) المتغيّر من الجاري (بتدافع الماء الطاهر عليه حتّى يزول التغيّر) وإن كان التدافع بقصد ذلك، بل لو زال تغيّره من نفسه بغير تدافع طهر؛ لأنّ زوال التغيّر كافٍ في طهارته؛ لقوّته بالنبع بناءً على عدم اشتراط كُريّته.

(وماء الحمّام) وهو مافي حياضه الصغار ممّا لا يبلغ الكُرّ (إذا كانت له مادّة ) حاصلة (من كُرّ فصاعداً) مع عدم تساوي سطوح الماء، أمّا معه فيكفي بلوغ المجموع كُراً (وماء الغيث حال تقاطره كالجاری) خبر المسألتين(1) .

أمّا الأوّل؛ فمستنده النصّ عن الصادق(علیه السلام) : «أنّه بمنزلة النهر»(2) ، وعن الباقر(علیه السلام) : «لا بأس به إذا كان له مادّة»(3) .

واشتراط كونها كُراً فصاعداً هو أشهر القولين وأحوطهما، حملاً للمطلق على المقيّد.

ص: 399


1- أي قوله: «كالجاري» خبر المسألتين.
2- الكافي، ج 3، ص 14، باب ماء الحمام .... ح 1.
3- الكافي، ج 3، ص 14 ، باب ماء الحمام .... 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 378، ح 1168.

ولانفعال مادون الكُرّ بالملاقاة، ولا يدفع النجاسة عن غيره.

وقال المحقّق في المعتبر: لا يشترط (1)؛ لإطلاق الرواية بالمادّة، والإتيان بها منكرةً، مع عموم البلوى بالحمّام.

وأجيب: بأنّها مقيّدة بالكُرّ؛ جمعاً بين النصّين، وترجيحاً للشهرة(2) .

هذا مع عدم كون ماء الحمّام صادراً عن الجاري، وإلّا فله حكمه.

تنبيهات :

الأوّل: إنّما تتحقق كُرّيّة المادّة قبل اتّصالها بالحوض؛ لأنّ ذلك هو المتعارف، وحينئذٍ فالمعتبر كُرّيّتها بعد ملاقاة النجاسة للحوض مثلاً، وذلك يقتضي زيادتها عن كُرّ قبل ذلك ليتحقّق عدم انفعال الماء حال ملاقاة النجاسة؛ إذ المعتبر كُريّة المادّة بعد الملاقاة.

ويشكل الفرق حينئذ بين هذه المسألة وبين مسألة الغديرين المتّصلين؛ فإنّ المصنّف وغيره قد حكموا باتّحادهما على الوجه المتقدّم(3) ، فلو اعتبر هنا كُريّة المادّة من دون الحوض لزم كون حكم الحمّام أغلظ من غيره والحال يقتضي العكس، كما اختاره المحقّق.

وأُجيب عن ذلك: بحمل اتّصال الغديرين بالساقية على كونها في أرض منحدرة لا نازلة من ميزاب ونحوه كمادّة الحمّام، وإلّا لم يحكم باتّحادهما لئلّا يلزم مثله في الحمّام بطريق أولى.

وهذا الجمع لا يخلو من وجه، إلّا أنّ فيه تقييداً لمطلق النصّ من غير دليل بيّن.

ولو قيل بالاكتفاء في الموضعين بمطلق الاتّصال أمكن خصوصاً الحمّام. وحينئذٍ

ص: 400


1- المعتبر، ج 1، ص 42 وانظر جامع المقاصد، ج 1، ص 113.
2- المجيب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 113 .
3- في ص 394 - 395.

فيعتبر كون المجموع من المادّة والحوض كُرّاً، فلا ينفعل بالنجاسة بعد ذلك إلّا بالتغيّر.

الثاني: حيث اشترطنا كُريّة المادّة فقال المصنّف(1) وجماعة(2) : لافرق بين الحمّام وغيره؛ لحصول الكُريّة الدافعة للنجاسة.

وتوقّف المصنّف في المنتهى(3). وجزم ولده فخر الدين بالفرق(4) .

والحقّ أنّا إن اعتبرنا كُرّيّة المادّة منفصلةً عن الحوض كما يقتضيه إطلاقهم، أو اكتفينا بمطلق الاتّصال وإن كان من ميزاب، أو كانت المادّة متصلة بالحوض بالجريان على أرض منحدرة كما مرّ، فلافرق بينه وبين غيره، وإلّا فالفرق واضح، واختصاصه بالرخصة بيّن.

ولكنّ جَزْمَ الجماعة بعدم الفرق - ومنهم المصنّف والشهيد (رحمهما الله) - يقتضي عدم اعتبار تلك الشروط في الاتّصال؛ لأنّ الغالب على ماء الحمّام النزول من ميزاب ونحوه

الثالث: هذا البحث كلّه إنّما هو في عدم انفعال ماء الحوض بمجرّد الملاقاة، أمّا لو فرضت نجاسته فهل يطهر بمجرّد وصول المادّة إليه، أو لابدّ من استيلائها عليه ؟ صرّح المصنّف في النهاية بالثاني(5) ، وهو اختيار الشهيد (رحمه الله) في مطلق تطهير الماء النجس بالكثير أو بالكُرّ(6).

والظاهر من كلام المصنّف - في مواضع - الأوّل ؛ فإنّه يكتفي بمجرّد الاتّصال في مسألة الوصل بين الغديرين(7) ونحوهما.

ص: 401


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 230 .
2- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 42 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 )والسيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 38 .
3- منتهى المطلب، ج 1، ص 32 .
4- لم نعثر عليه في مظانه.
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 230 .
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47؛ البيان، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
7- منتهى المطلب، ج 1، ص 53 - 54: نهاية الإحكام، ج 1، ص 232.

وهو أجود؛ للأصل، وعدم تحقّق الامتزاج؛ لأنّه إن أريد به امتزاج مجموع الأجزاء(1) لم يتحقّق الحكم بالطهارة؛ لعدم العلم بذلك، بل ربما عُلم عدمه. وإن أُريد به البعض لم يكن المطهّر للبعض الآخر الامتزاج، بل مجرّد الاتّصال، فيلزم إمّا القول بعدم طهارته، أو القول بالاكتفاء بمجرّد الاتّصال.

ولأنّ الأجزاء الملاقية للطاهر تطهر بمجرّد الاتّصال قطعاً، فتطهر الأجزاء التي تليها؛ لاتّصالها بالكثير الطاهر وكذا القول في بقية الأجزاء.

ولأنّ اتّصال القليل بالبالغ قبل النجاسة كافٍ في دفع النجاسة وعدم قبولها وإن لم يمتزج به فكذا بعدها؛ لأنّ عدم قبول النجاسة إنّما هو بصيرورة الماءين ماءً واحداً بالاتّصال، وهو بعينه قائم في المتنازع؛ لأنّ الوحدة والتقوّي لو توقّفا على الامتزاج، لتوقّفا في الأوّل، لكن لابدّ هنا من كون المادة كُرّاً بدون ما في الحوض.

وكذا القول في نظائر هذه المسألة. ومنه مالو غمس الكوز بمائه النجس في الكثير الطاهر، فإنّه يطهر بمجرّد المماسّة. ولا فرق بين واسع الرأس وضيّقه.

الرابع: اعتبار كُرّيّة المادّة المذكورة تحقيقي لا تقريبي، كما في نظائرها من المياه الكثيرة، فلو شكٍّ في بلوغها الكُرّ بنى على الأصل وهو عدم البلوغ. ويقوم مقام الاعتبار شهادة عدلين بذلك.

وهل يكفي الواحد ؟ يحتمله، فيجعل من باب الإخبار لا الشهادة، وبه قطع المحقّق الشيخ عليّ(2) ، ويقرب لو كان له يد على الحمّام، كالمالك والمستأجر والوكيل. وعدمه؛ لعدم إفادة قوله العلم ولا الظنّ الشرعي.

ويمكن قبول قول ذي اليد على الحمّام مطلقاً، كماهو المنقول عن ولد المصنّف(3) . لكن ذلك يتطرّق إلى قبول قول ذي اليد على الماء مطلقاً في كثرته، كما يقبل قوله في طهارته ونجاسته.

ص: 402


1- في «الأصل وم» زيادة: «بمجموع الأجزاء».
2- لم نعثر على قوليهما في مظانّهما.
3- لم نعثر على قوليهما في مظانّهما.

اللهمّ إلّا أن يفرّق بين الحمّام وغيره بعموم البلوى به، كما ذكره المحقّق في المادّة (1). لكن ذلك لا يتمّ إلّا مع النصّ لا الاستنباط، فإنّ عموم البلوى ليس دليلاً شرعيّاً برأسه، بل يصلح معلّلاً للنصّ الخارج عن الأصل.

وأمّا الثاني (2) - وهو إلحاق ماء المطر حال تقاطره بالجاري -: فمستنده مارواه هشام بن الحكم - في الصحيح - عن أبي عبد الله(علیه السلام) : «في ميزابين سالا، أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب الرجل لم يضرّه ذلك»(3).

وفي حديث آخر عنه(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لو أنّ ميزابين سالا، أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثمّ أصابك ماكان به بأس»(4).

وفي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه لاسلام) في البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر، أيؤ خذ من مائه ويتوضأ للصلاة؟ فقال: «إذا جرى فلا بأس»(5).

وفي حديث مرسل عنه(علیه السلام) : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(6).

فالنصّ المعتبر - على ما رأيت - ورد في النازل منه من ميزاب، فلذلك خصّه به الشيخ (7)، وعمّم باقي الأصحاب(8) ، واستند بعضهم(9) فيه إلى الحديث(10) المرسل. وهو ليس بحجّة.

ص: 403


1- انظر المعتبر، ج 1، ص 42 وجامع المقاصد، ج 1، ص 113 .
2- مرّ الأول في ص 399 وهو ماء الحمام.
3- الكافي، ج 3، ص 12، باب اختلاط ماء المطر بالبول .... ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 411 ، ح 1295 .
4- الكافي، ج 3، ص 12 - 13، باب اختلاط ماء المطر بالبول .... 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 411 ، ح 1296.
5- الفقيه، ج 1، ص 8، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 411 - 412. ح 1297.
6- الكافي، ج 3، ص 13 ، باب اختلاط ماء المطر بالبول .....0 ح 3.
7- المبسوط، ج 1، ص 22؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 411، ذيل الحديث 1296.
8- منهم المحقق في المعتبر، ج 1، ص 42 - 43: والعلامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 29؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 229؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 112.
9- كالعلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 30 .
10- الكافي، ج 3، ص 13 باب اختلاط ماء المطر بالبول ....ح 3.

وحمل المصنّف في المنتهى الجريان في حديث عليّ بن جعفر على النزول من السماء(1) .

وهو بعيد؛ فإنّ إصابة المطر في السؤال صريح في النزول، فيعرى الاشتراط عن الفائدة.

وعلى كلّ حال فلابدّ في الحكم بإلحاقه بالجاري من كونه متقاطراً، أمّا لو استقرّ على وجه الأرض وانقطع التقاطر ثمّ لاقته نجاسة لحق بالواقف في اعتبار الكُريّة.

ويمكن حمل الجريان في الخبر على ذلك، فيتمّ حمل المصنّف على معنى أنّ إصابة المطر للبول الكائن على ظهر البيت إن كانت في حال جريانه من السماء طهّرته. وإن كانت بعد وصوله إلى مكان آخر ثمّ انتقاله إليه بعد انقطاع التقاطر لم يطهّر البول.

و اعلم أنّا متى لم نعتبر الميزاب - كما هو مذهب أكثر الأصحاب(2) - فلابدّ من فضل قوّة للمطر بحيث يصدق عليه اسمه، فلا يعتدّ بنحو القطرات اليسيرة.

وكان بعض مَنْ عاصرناه من السادة الفضلاء(3) يكتفي في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه. وليس ببعيد وإن كان العمل على خلافه.

وأمّا الأرض المتنجّسة (4)، وشبهها فلابدّ من استيعاب المطر لمانجس منها، كما يطهّرها الجاري.

واعلم أيضاً أنّ المصنف (رحمه الله) حكم هنا بأنّ ماء المطر كالجاري، مع أنّ ظاهره عدم اعتبار كُرّيّة الجاري، فلا يتوجّه على ظاهر كلامه مؤاخذة، لكنّه عبر بذلك في باقي كتبه(5) التي اختار فيها اشتراط كُريّة الجاري، فألزمه شيخنا الشهيد (رحمه الله)

ص: 404


1- منتهى المطلب، ج 1، ص 29 .
2- انظر المصادر في الهامش 7 من ص 403 .
3- هو السيد حسن بن السيد جعفر المعاصر لشيخنا الشهيد الثاني.
4- ظاهر الطبعة الحجرية: «النجسة».
5- منها: تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 46، الرقم 7؛ وتذكرة الفقهاء، ج 1، ص 17، ذيل المسألة 3؛ ومنتهى المطلب، ج 1، ص 28؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 228 و 229 .

بالقول باشتراط كُريّة ماء المطر ؛ لجَعله كالجاري مع اشتراطها فيه.

قال: إلّا أن يحمل على الجاري حال كُريّته، فيرد عليه سؤال الفرق بين اشتراط الكُرّيّة في الجاري دون ماء المطر(1) .

ويمكن الفرق بينهما بعدم وجود نصّ صالح على عدم انفعال القليل الجاري بمجرّد الملاقاة، إلّا نفي البأس عن البول في مطلق الجاري(2) ، وقد بيّنا أنّه لا يدلّ على عدم الانفعال بخلاف ماء المطر فإنّ حكمه(علیه السلام) بجواز الغسل به وتعليقه على الجريان يدلّ على طهارته بذلك ؛ للإجماع على عدم جواز الاغتسال بالماء النجس. ونحوه القول في الميزابين، فيكون ذلك مقيّداً لما أُطلق من عدم انفعال الماء المطلق إذا بلغ كُراً، فيتمّ الفرق.

القسم الثالث): الماء (الواقف)

وهو ماليس بنابع (كمياه الحياض والأواني).

وفي تصديرهما بالمثال مبالغة في الردّ على المفيد وسلّار حيث لم يفرقا فيهما بين القليل والكثير، بل حكما بانفعالهما بالنجاسة مطلقاً(3)، استناداً إلى إطلاق النهي عن استعمالهما مع ملاقاة النجاسة.

وحَمله على الغالب من عدم بلوغهما حدّ الكثرة طريق الجمع بينه وبين غيره ممّا دلّ على عدم انفعال الكثير بالملاقاة.

(و) مياه (الغدران) جمع غدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل، أي يتركها، وهو فعيل بمعنى مفاعَل(4) من غادره. أو بمعنى فاعل؛ لأنّه يغدر بأهله، أي ينقطع عند شدّة الحاجة إليه.

ص: 405


1- انظر حاشية القواعد، ص 53 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 14).
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 31، ح 81، وص 43 ، ح 121: الاستبصار، ج 1، ص 13، ح 23.
3- المقنعة ص 64، المراسم، ص 36.
4- في الطبعة الحجرية: «مفعول» بدل «مفاعل».

وحكم هذه المياه بجميع أقسامها أنّه (إن كان قدرها كُراً) وله تقديران:

أحدهما: الوزن. وأشهر الأقوال فيه (هو) أنّه (ألف ومائتا رطل) المرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (علیه السلام)(1).

وفسّرها المصنّف - تبعاً للشيخين(2) - (بالعراقي) إمّا لأنّ المُرسل عراقي فأفتاه (علیه السلام) بلغته وعادة بلده؛ لوجوب كون الخطاب من الحكيم متواضعاً (3)عليه، جارياً على الحقيقة إلى أن يدلّ دليل على إرادة المعنى المجازي منه؛ حذراً من الإغراء بالجهل، وذلك يقتضي وجوب رعاية ما يفهمه السائل ويتعارفه. أو لتأيّده بصحيحة محمّد بن مسلم عنه(علیه السلام) : «الكُرّ ستمائة رطل»(4) بالحمل على رطل مكّة، وهو رطلان بالعراقي، أو لمناسبة الحمل عليها الرواية الأشبار (5)؛ إذ من المستبعد تحديد مقدار الشيء الواحد بأمرين متفاوتين. أو لأصالة طهارة الماء خرج منه ما نقص من الأرطال العراقيّة بالإجماع، فيبقى الباقي على الأصل.

وفسّرها المرتضى - تبعاً لابن بابويه(6) - بالمدني(7) - وهو مائة وخمسة وتسعون درهماً قدر رطل عراقي ونصف - للاحتياط، أو لأنّ الغالب كونهم(علیهم السلام) ببلدهم فيجيبون(8) بأرطاله.

أقول: وإن كان القول الأوّل هو المشهور بين الأصحاب فإنّ لنا في استدلاله كلاماً من وجوه:

الأوّل: حمل الأرطال على بلد المُرسل - وهو ابن أبي عمير - بناءً على أنّ الإمام

ص: 406


1- الكافي، ج 3، ص 3، باب الماء الذي لا ينجسه شيء ، ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 41، ح 113: الاستبصار، ج 1، ص 10 ، ح 15.
2- المقنعة، ص 64: النهاية، ص 3 المبسوط، ج 1، ص 22 .
3- كذا، وفي هامش الطبعة الحجرية بعنوان نسخة بدل: «ممّا يتعارف» بدل «متواضعاً».
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 414 - 415، ح 1308؛ الاستبصار، ج 1، ص 11، ح 17.
5- الكافي، ج 3، ص 3، باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ح : تهذيب الأحكام، ج 1، ص 42. ح 116: الاستبصار، ج 1 ، ص 10 ، ح 14.
6- الفقيه ، ج 1، ص 6، ذيل الحديث 2.
7- جمل العلم والعمل، ص 51: الانتصار، ص 85 المسألة 1.
8- في «م»: «فيفتون».

لا يخاطبه إلّا بما يفهمه ويتعارفه، ففيه: أنّه (رحمه الله) ليس هو الراوي عن الإمام، وإنّما روى عن بعض أصحابنا، كما حكاه في الكافي والتهذيب(1) ، وأصحابنا غير منحصرين في أهل العراق وإن أمكن أن يكون هذا القول من ابن أبي عمير، ولا دلالة فيه(2) أيضاً؛ لأنّ الصاحب أعمّ من أن يكون من أهل البلد وغيره، بل الظاهر أنّ المراد به في هذا المقام الموافق في المذهب مطلقاً، ولا دلالة للعامّ على بعض أفراده على الخصوص.

الثاني: الاستدلال برواية محمّد بن مسلم على المراد بحملها على أرطال مكّة.

وفيه: عدم القرينة الدالّة من جهة الراوي ولا المرويّ عنه. وحملها على المكّيّة ليوافق العراقيّة ليس أولى من حملها على المدني ليوافق رواية الأشبار الثلاثة(3) بناءً على أنّ الألف والمائتين العراقيّة توافق رواية الأشبار بإضافة النصف، كما ذكره جماعة منهم الشهيد (رحمه الله) في الذكرى(4) ، مضافاً إلى ما تقدّم من أنّهم(علیهم السلام) يفتون بمتعارف بلدهم.

الثالث: دعوى مناسبتها لرواية الأشبار؛ استبعاداً لتحديد الشيء الواحد بأمرين مختلفين.

وفيه: أنّ أكثر الأصحاب(5) أفتوا في الأشبار بثلاثة ونصف في الأبعاد الثلاثة، وصرّحوا بأن حمل الأرطال على العراقي يناسب ذلك، وممّن صرّح بذلك الشهيدُ في الذكرى حيث أفتى بزيادة النصف في الأشبار، واستند في التقدير بالعراقي إلى مقاربته للأشبار(6) .

ص: 407


1- الكافي، ج 3، ص 3، باب الماء الذي لا ينجسه شيء ح 6: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 41، ح 113.
2- في الأصل وم والطبعة الحجرية: «فيها». والظاهر ما أثبتناه.
3- الكافي، ج 3، ص 3. باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 37 - 38 ح 101 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 10، ح 13.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 43 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- منهم: الشيخ في النهاية، ص 3؛ والمبسوط، ج 1، ص 22؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 21؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 73؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 60 والمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 5.
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 43 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

والمصنّف في المختلف اختار مذهب ابن بابويه في إسقاط النصف في الأشبار، واستشهد للرطل العراقي بمناسبته للأشبار(1) .

وأنت خبير بأنّ التفاوت بين قولي الأشبار نحو الثلث، فالتحديد بالمختلفين للشيء الواحد الذي فر منه المصنّف هو واقع على أحد القولين؛ فإنّ مابين قوليه في الأشبار من البُعد قريب ممّا بين المدني والعراقي منه، فأيّ قدر من الأشبار قارب العراقي بَعُدَ عن الآخر.

ويمكن الجواب بأنّ حملها على العراقي يقارب روايتي الأشبار معاً وإن اختلفتا أكثر من مقاربة المدني لهما؛ لزيادته، فيبعد عن رواية الثلاثة أكثر من العراقي قطعاً؛ وحيث انحصر تقدير المساحة في الثلاثة أو الثلاثة ونصف كان مابعد عنهما أبعد عن الصواب المحتمل تعلّقه بكلّ واحدة منهما.

التقدير الثاني: المساحة.

وللأصحاب في كمّيّتها أقوال، اختار المصنّف منها أشهرها بقوله (أو ما حواه ثلاثة أشبار ونصف طولاً في عرض في عمق) بأن يضرب أحدها في الآخر ثمّ المجتمع في الثالث يبلغ الجميع مكسّراً اثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان شبر معتبرة (بشبر مستوی الخلقة) ترجيحاً للغالب المتعارف، فما حواه هذا القدر من الماء هو الكُرّ.

ولا اعتبار بالمحلّ، بل يقدّر ماؤه، فما اختلفت أبعاده يعتبر مكسّره(2)، فإن بلغ ذلك كان كُراً، وإلّا فلا.

ومستنده رواية أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) : «إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفاً في

مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكُر من الماء»(3) .

ص: 408


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 21 - 23، المسألتان 4 و 5 وانظر الفقيه، ج 1، ص 6، ذيل الحديث 2؛ والمقنع ص 31 .
2- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «مكسرها». والظاهر ما أثبتناه.
3- الكافي، ج 3، ص 3، باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ج 15 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 42. ح 116؛ الاستبصار، ج 1، ص 10 ، ح 14.

وفي طريق هذه الرواية عثمان بن عيسى، وهو واقفي.

ولعلّ ضعفها به منجبر بالشهرة، مع أنّ المصنّف لم يجزم بردّ روايته، بل توقّف فيها في كتب الرجال(1) .

والمراد بالتقدير ضرب الحساب؛ لدلالة «في» عليه. ولأنّه يلزمه ذلك، فيبلغ تكسيره(2) ما تقدّم.

وقال الشيخ قطب الدين الراوندي: ليس ذلك على سبيل الضرب، بل ما بلغت أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفاً فهو كُرُّ (3).

وهو شاذّ لا وجه له، وهو يقرب تارةً من المشهور ويبعد عنه أُخرى. وأبعد فروضه عنه ما لو كان كلّ واحد من عرضه وعمقه شبراً وطوله عشرة ونصفاً .

وأسقط القمّيّون - تبعاً لشيخهم الصدوق (4)- النصفَ في الأبعاد الثلاثة(5) ، وتبعهم المصنّف في المختلف(6) ؛ استناداً إلى صحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق(علیه السلام) قال: «الكُرّ من الماء ثلاثة أشبار فى ثلاثة أشبار»(7).

وهذه الرواية أصحّ إسناداً من الأولى(8)، غير أنّ فيها إخلالاً بذكر البُعد الثالث، وكأنّ(9) تركه إحالة له على البُعدين المذكورين؛ إذ الإخلال بذكره من غير نصب دلالة عليه

ص: 409


1- منها خلاصة الأقوال، ص 382 الرقم 1535.
2- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: « تكسيرها». والظاهر ما أثبتناه.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 22، ذيل المسألة 4؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 116 - 117.
4- الفقيه، ج 1، ص 6، ذيل الحديث : المقنع، ص 31.
5- حكاه عنهم ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 60 - 61؛ والعلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 21، المسألة 4؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 43 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- مختلف الشيعة، ج 1، ص 21 - 22 ، المسألة 4.
7- الكافي، ج 3، ص 3، باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 41 - 42 ، ح 115: ،الاستبصار، ج 1، ص 10 ، ح 13.
8- أي رواية أبي بصير، المتقدمة في ص 408، الهامش 3.
9- في «الأصل و م»: «كأنه».

مُخلٌ بمعرفة الكُرّ عقيب السؤال عنه، وهو غير لائق بحكمته(علیه السلام) .

ويمكن تطرّق هذه الشبهة إلى الرواية الأولى أيضاً؛ إذ لم يصرّح فيها باعتبار الثلاثة والنصف في العمق، فتبقى مع العمق، فتبقى مع هذه صحةُ السند، ومع تلك شهرةُ العمل بمضمونها، ولعلّ وصف الصحّة أرجح.

وذهب العلّامة جمال الدين ابن طاوُس إلى دفع النجاسة بكلّ ماروي(1) . وكأنّه يحمل الزائد على الندبيّة.

وبأيّ قدر اعتبرنا الكُر فمتى بلغه الماء الواقف (لم ينجس إلّا بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة) التي هي اللون والطعم والريح، لا مطلق الأوصاف، كالحرارة والبرودة (بالنجاسة) أي بواسطة ملاقاتها له، لا بالمجاورة ولا بالمتنجّس بحيث لو انفردت النجاسة عنه لم تُغيّر الماء.

(فإن تغيّر) الكُرّ بها على الوجه المذكور (نجس أجمع) لا المتغيّر خاصّة (إن كان) الماء (كُرّاً) خاصّة؛ لنجاسة المتغيّر ،به ونقصان الباقي عن الكُرّ إن كان فيتنجّس بملاقاة النجس المتغيّرُ.

ولا يخفى ما في العبارة من القصور عن البلاغة؛ فإنّ المفروض كون الماء المبحوث عنه أوّلاً قدر كُرّ، وذلك يقتضي عدم الزيادة وإن لم يصرّح بها، فتقسيمه هنا إلى ما يكون منه قدر كُر وإلى ما يزيد تقسيمُ للشيء إلى نفسه وغيره، وإنّما يتمّ ذلك أن لو قال أوّلاً: إن كان قدرها كُرّاً فصاعداً، حتّى يتمّ تقسيمه إلى ما يصعد وإلى ماهو كُرُّ خاصّة، لكن سوّغ ذلك ظهور المراد والاستئناس بأنّهم متى ذكروا الكُرّ يريدون به ماهو كُرّ فصاعداً. وفي الأكثر يعبّرون بلفظة «فصاعداً».

( ويطهر) هذا الماء المفروض كونه قدر كُرّ خاصّةً إذا تغيّر كلّه أو بعضه بالنجاسة (بإلقاء كُرّ عليه دفعةً) واحدة عرفيّة، فإن لم يزل التغيّر بالكُر المفروض (فكُرُّ) آخر وهكذا (حتّى يزول التغيّر).

ص: 410


1- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 43 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

واعتبار الدفعة في الكُرّ الملقى هو أحوط القولين، وليس عليه دليل واضح، وقد تقدّم في كلامنا ما يدلّ على عدم فائدته، وكلام جماعة من الأصحاب خال عنه.

وفي الذكرى عبر بالكُرّ المتّصل(1) ، بدل الدفعة.

ويمكن أن يريد المصنّف بالدفعة الاتّصال؛ فإنّ إلقاء الكُرّ مفرّقاً بحيث يقطع بين أجزائه يوجب تعدّد دفعات الإلقاء، ومع اتّصال بعضه ببعض تصدق الدفعة.

وهذا الحمل أقرب من حمل كلام الشهيد (رحمه الله) - في تعبيره بالمتّصل - على إرادة الدفعة العرفيّة السريعة.

وما مرّ في مادّة الحمّام يؤيّد ماقلناه، وحاصله: أنّه قد تقدّم في بحث الحمّام أنّه لونجس حوضه وكانت المادّة كُراً فصاعداً طهر باتّصالها به إمّا مع مطلق المماسّة، أو مع الاستيلاء، كما اختاره المصنّف في النهاية، وحَكَم بتعدية الحكم إلى غير الحمّام (2). وتعديته إلى مانحن فيه يقتضي الطهارة مع زوال التغيّر وبقاء كُرّ في الماء الملقى وإن لم يكن نزوله على النجس دفعةً واحدة، أو يكون ذلك نوعاً آخر من المطهّر لهذا الماء مع زوال التغيّر قبل نقصان الماء الخارج المطهّر عن الكُرّ أو مع زيادته عنه على مامرّ تفصيله .

تنبیهان:

الأوّل: ماذكره من الاحتياج إلى كُرّ آخر إن لم يُزل الأوّل التغيّر وهكذا ليس على وجه الحصر فيه أيضاً، بل لوزال التغيّر ولو ببعض كُر ثم أُلقى عليه كُر دفعةً طهر أيضاً؛ لوجود المقتضي، وهو نوع تخفيف في التطهير.

والثاني: أنّ الحكم بوجوب كُر آخر إن لم يطهّر الأوّل إنّما يحتاج إليه مع تغيّر الكُرّ السابق أو مالا يبقى معه كُرّ متميّز بغير تغيّر، وإلّا فلو اتّفق اجتماع كُرّ متميز غير متغیبر

ص: 411


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 230 .

لم يتحتّم كُر آخر، بل ما يزيل تغيّر المتغيّر ولو بالتموّج، كماسيأتي فيما لو تغيّر بعض الزائد عن الكُرّ؛ لدخول الفرض فيه.

(وإن كان) الماء الواقف (أكثر) من كُرّ، فإن تغيّر جميعه فحكمه ما تقدّم. وإن تغيّر بعضه (فالمتغيّر خاصّة) نجس (إن كان الباقي كرّا).

( ويطهر) حينئذ بزوال التغيّر عن المتغيّر ولو بالعلاج؛ لأنّ الباقي كُرّاً متميزاً غير متغيّر كالملقى، و (بإلقاء كُرّ طاهر عليه دفعةً) فإن لم يزل التغيّر بالكُرّ (فكُرُّ) آخر وهكذا (حتّى يزول التغيّر).

وذكر الدفعة هنا وإن كان غير مفسد لكنّه مستغنى عنه؛ لأنّ المقصود زوال التغيّر، ولهذا كفى تمويجه، كما أشار إليه بقوله (أو بتموّجه حتّى يستهلكه) أي المتغيّر الماء (الطاهر) ولو كان الباقي غير المتغيّر أقلّ من كُرّ نجس أجمع، وطهره بما تقدّم في القسم الأوّل.

(وإن كان) الماء الواقف (أقلّ من كُرّ نجس بجميع ما يلاقيه من النجاسة وإن ما لم يتغيّر وصفه) بها على أشهر القولين لمفهوم الشرط في قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا بلغ الماء كُرّاً لم يحمل خبثاً» (1)، وقول الصادق(علیه السلام) :« إذا بلغ الماء قدر كُر لم ينجسه شيء»(2) ، وقوله(علیه السلام) في سؤر الكلب: «رجس نجس لا تتوضّأ بفضله، واصبب ذلك الماء»(3) ، ولقول الكاظم(علیه السلام فيما رواه عنه أخوه عليّ في الدجاجة تطأ العذرة ثمّ تدخل في الماء أيتوضّاً منه؟ فقال: «لا، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كُرّ »(4) ، وقول الرضا(علیه السلام) - وقد سُئل عن

ص: 412


1- أورده السيد المرتضى في الانتصار، ص 85 المسألة 1؛ والشيخ في الخلاف، ج 1، ص 174، المسألة 127: والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 24 ذيل المسألة : والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 42 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الكافي، ج 3، ص 2 باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ح 1 و 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 39 - 40 ، ح 107 - 109؛ الاستبصار، ج 1، ص 6 ، ح 1 - 3 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 225، ح 646: الاستبصار، ج 1، ص 19، ح 40.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 419 ، ح 1326؛ الاستبصار، ج 1، ص 21، ح 49 .

الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة - : «يكفئ الإناء» (1).

وخالف في ذلك ابنُ أبي عقيل حيث ذهب إلى أنّ الماء لا ينجس إلّا بالتغيّر(2)،محتجّاً بقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «الماء طهور لا ينجسّه شيء إلّا ما غيّر لونه أوطعمه أوريحه»(3).

ووجه تقدّمه على مادلّ عليه قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا بلغ الماء كُرّاً» إلى آخره: دلالته بمنطوقه على مدلوله العامّ ودلالة ذاك بمفهومه على أنّه يحمل الخبث عند عدم البلوغ، ودلالة المنطوق أقوى.

وبقول الباقر(علیه السلام) في القربة والجرّة من الماء تسقط فيها فأرة فتموت:« إذا غلبت رائحته على طعم الماء أو لونه فارقه، وإن لم يغلب فاشرب منه وتوضّأ»(4) .

وجوابه أنّ مفهوم الشرط حجّة عند المحقّقين، فهو حينئذٍ خاصّ بالنسبة إلى حديثه، فيجب حمل العامّ على الخاصّ تقريراً للنصّين. ولا فرق عندنا بين تقدّم العامّ وتأخّره وجهل التاريخ. وليس المخصّص لعامّ حديثه وروده في بئر بضاعة(5) وكان ماؤها كثيراً؛ لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بل المخصّص ما قلناه.

هذا إن قلنا إنّ المفرد المعرّف بلام الجنس يفيد العموم، وإلّا فالحديث مطلق؛ لدلالته

ص: 413


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 39 ، ح 105 .
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 48 والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 22، ذيل المسألة 5 ؛ ومختلف الشيعة، ج 1، ص 13، المسألة 1.
3- أورده كما في المتن المحقق في المعتبر، ج 1، ص 48 والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 22، ذيل المسألة 5: وفي سنن أبي داود، ج 1، ص 17 . ح 66: والجامع الصحيح، ج 1، ص 95 - 96، ح 66؛ وسنن النسائي، ج 1، ص 174 : ومسند أحمد، ج 3، ص 415 - 416 ، ح 10864؛ ومسند أبي يعلى، ج 2، ص 476، ح 1304؛ وشرح معاني الآثار، ج 1، ص 12 صدر الخبر.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 412، ح 1298؛ الاستبصار، ج 1، ص 7 - 8، ج 7، والمؤلف (قدس سره) نقله بالمعنی.
5- سنن أبي داود، ج 1، ص 17 ، ح 66: الجامع الصحيح، ج 1، ص 95، ح 66: سنن النسائي، ج 1، ص 174؛ مسند أحمد، ج 3، ص 415، ح 10864؛ مسند أبي يعلى، ج 2، ص 476، ح 1304؛ شرح معاني الآثار، ج 1، ص 12.

على الماهيّة من حيث هي هي، وحينئذٍ فيحمل المطلق على المقيّد.

وأمّا حديث القربة، ففي سنده ضعف، مع معارضته بما سلف من الأحاديث التي هي أكثر وأصحّ إسناداً. وأوَّله الشيخُ بالكُرّ (1).

واعلم أنّ في صحّة الحديث الأوّل بل في ثبوته إشكالاً؛ إذ لم يوجد في كتب الحديث المعهودة مسنداً، ولا ادّعى أحد من الأصحاب أنّه وجده مسنداً، وإنّما ذكره المرتضى والشيخ (2)مرسلاً، وماهذا شأنه لا يحتج به.

لكنّ ابن إدريس (رحمه الله) ادّعى اتّفاق المخالف والمؤالف على هذه الرواية(3) .

وهذه دعوى عريّة عن برهان، بل البرهان قائم على خلافها.

أمّا عند المخالف: فلأنّ الحديث الذي ادّعوا أنّ حُفّاظهم وأئمّتهم صحّحوه هو قوله(صلی الله علیه و آله وسلم) : «إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث» (4).

وأمّا المؤالف فقد بيّنا أنّه لم يوجد في كتبهم مسنداً، ولا ادّعى أحد فيه ذلك، فكيف يقع الإجماع على ماهذا شأنه!؟

والبحث عن حال هذا الحديث مهمّ؛ إذ تترتّب عليه مسألة إتمام الماء النجس كُرّاً، فإن صحّ هذا الحديث لزم القول بطهره، وإلّا فلا؛ لأنّ ماصحّ عندنا من الحديث عن الصادق(علیه السلام) - وهو «إذا بلغ الماء قدر كُر لم ينجسه شيء»(5) - لا يدلّ عليه؛ لأنّ مقتضاه أنّ المانع من التنجيس بلوغ الكُريّة، فلا يدفع النجاسة السابقة، بخلاف عدم حمله الخبتَ عند بلوغه كُرّاً، فإنّه يدلّ على زوال النجاسة السابقة واللاحقة، خصوصاً على

ص: 414


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 412 ، ذيل الحديث 1298؛ الاستبصار، ج 1، ص 8، ذيل الحديث 7.
2- الانتصار، ص 85 المسألة 1 الخلاف، ج 1، ص 174 المسألة 127 .
3- السرائر، ج 1، ص 63.
4- سنن الدارقطني ، ج 1، ص 61، ح 8/8، وص 67 ، ح 15/15 : وسنن أبي داود، ج 1، ص 17، ح 63؛ والجامع الصحيح، ج 1، ص 97، ح 67؛ وسنن النسائي، ج 1 ، ص 46 و 175: «إذا كان الماء....».
5- الكافي، ج 3، ص 2، باب الماء الذي لا ينجسه شيء، ح 1و 2؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 39 - 40، ح 107 - 109 الاستبصار، ج 1، ص 6. ح 1 - 3، وفيها: «إذا كان الماء....».

ما ذكره جماعة من أهل اللغة من أنّ المراد بعدم حَمل الخبث في الحديث عدم ظهوره فيه(1) ، فدلالته على طهره بالإتمام صريحة أو ظاهرة.

وقد بالغ المحقّق في المعتبر في ردّ الحديث، فقال:

إنّا لم نروه مسنداً، والذي رواه مرسلاً المرتضى والشيخ أبو جعفر وآحاد ممّن جاء بعده، والخبر المرسل لا يعمل به، وكتب الحديث عن الأئمة(علیهم السلام) الخالية عنه أصلاً. وأمّا المخالفون فلم أعرف به عاملاً سوى ما يحكى عن ابن حيّ، وهو زيدي منقطع المذهب.

- قال: - وما رأيت أعجب ممّن يدّعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلّا نادراً، فإذن الرواية ساقطة.

وأمّا أصحابنا فرووا عن الأئمة(علیهم السلام) : «إذا كان الماء قدر كُرّ لم ينجسه شيء» وهذا صريح في أنّ بلوغه كُراً هو المانع لتأثّره بالنجاسة، ولا يلزم من كونه لا ينجّسه شيء بعد البلوغ رفع ماكان ثابتاً فيه ومنجّساً قبله والشيخ (رحمه الله) قال: لقولهم(علهم السلام) . ونحن فقد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ، وإنّما رأينا ما ذكرناه. ولعلّ غلط مَنْ غلط في هذه المسألة لتوهّمه أنّ معنى اللفظين واحد(2) . انتهى.

وهو كلام جيّد في موضعه.

وما يقال من أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد - المحكوم بكونه حجّةً عند جماعة من المحقّقين - كافٍ في ثبوت الخبر وإن لم يسند، إنّما يتمّ من ضابط ناقد للأحاديث، لا من مثل هذا الفاضل وإن كان غير منكور التحقيق، فإنّه لا يتحاشى في دعاويه ممّا يتطرّق إليه القدح، وقد بيّناه هنا وقد طعن فيه بذلك جماعة من فضلائنا من أهل عصره وغيره، والله يتولّى أسرار عباده.

ص: 415


1- حكاه الفيروزآبادي في القاموس المحيط، ج 3، ص 373 بعنوان «قيل».
2- المعتبر، ج 1 ، ص 53-52.

(ويطهر) الماء القليل المتنجّس (بإلقاء كرّ عليه دفعة) واحدة بمعنى وقوع جميع أجزاء الكُرّ في زمانٍ قصير بحيث يصدق اسم الدفعة عليه عرفاً؛ لامتناع ملاقاة جميع الأجزاء في آن واحد، فكان المرجع في ذلك إلى الاستعمال العرفي، كما يقال: جاء القوم دفعة، ونحوه. وقد تقدّم (1)الكلام في ذلك.

وما ذكر من التطهير بإلقاء الكُرّ ليس على وجه الانحصار؛ فإنّه يطهر أيضاً بوصول الماء الجاري إليه عند مَنْ لا يعتبر فيه الكثرة، وبنزول ماء المطر عليه، وبما ذكرناه من اتّصاله بالكثير الباقي على كثرته بعد الوصول؛ إذ لا يختصّ الحكم بالحمّام بعد اشتراط كثرة المادّة. وكذا يطهر بالنبع من تحته إذا اشتمل على قوّة وفوران، لاما يرشح رشحاً؛ لعدم الكثرة الفعليّة.

وهذا كلّه إذا لم يتغيّر، وإلّا لم يطهر بذلك إلّا مع زوال التغيّر. نعم، لو بقى المتغيّر متميّزاً عن الكُرّ أو الجاري كفى في طهره التموّج حتّى يزول التغيّر، كما سلف(2) .

القسم (الرابع: ماء البئر)

وهو نبع مخصوص له أحكام خاصّة، فلذلك خصّه بالذكر.

وقد عرّف الشهيد (رحمه الله) البئر في الشرح : بأنّها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعدّاها غالباً ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً(3).

واحترز بالقيد الأخير عن كثير من الماء النابع الذي لا يتعدّى محلّه غالباً لكن لا يسمّى بئراً عرفاً، فالحكم حينئذٍ تابع للاسم. ويمكن تغيّره بتغيّره(4) . ولا بُعد في ذلك بعد ورود الشرع.

ص: 416


1- في ص 411.
2- في ص 412.
3- غاية المراد، ج 1، ص 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
4- أي تغير الحكم بتغير الاسم.

والمراد بالعرف هنا العامّ، لا الموجود في زمانه(صلی الله علیه و آله و سلم) خاصّةً؛ لأنّ الحكم معلّق على اسم ليس له حقيقة شرعيّة، فيرجع فيه إلى العرف؛ لتقدّمه على اللغة.

وربما خصّه بعضهم بعرفه(صلی الله علیه و آله و سلم) ، أو عرف أحد الأئمة، فماثبت له الاسم في زمانهم - كالموجود في العراق والحجاز - لحقه الحكم، وإلّا فالأصل عدم تعلّق أحكام البئر به(1) .

وليس بجيّد؛ لما بيناه.

وحكم ماء البئر أنّه( إن تغيّر بالنجاسة نجس) إجماعاً.

وفيما يطهر به حينئذٍ أقوال:

أحدها: ما اختاره المصنّف (و) هو أنه (يطهر بالنزح حتّى يزول التغيّر) وهو اختيار المفيد(2) وجماعة(3).

وبناؤه على ما اختاره المصنّف(4) من عدم انفعال البئر بمجرّد الملاقاة كالجاري ظاهر؛ لأنّ زوال التغيّر عن الجاري كافٍ في طهارته.

قال في المختلف: ولأنّ سبب التنجيس التغيّرُ فيزول الحكم بزواله (5).

لكن هذا الدليل لو تمّ لزم طهارة البئر بزوال التغيّر من نفسه، فلاينحصر التطهير في النزح، وكأنّ ظاهر العبارة يأباه، لكنّ العبارة ليست خارجةً مخرج الحصر؛ لأنّ البئر تطهر بمطهّر غيره وبالنزح عند الأكثر(6) ، مع أنّه لم يصرّح به هنا، فيكون زوال التغيّر من نفسه كذلك.

ص: 417


1- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 120.
2- المقنعة، ص 66 .
3- منهم: القاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 22؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 130؛ والشهيد في البيان، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12)؛ وابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 28، المسألة 8.
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 25، المسألة 7 .
5- مختلف الشيعة، ج 1، ص 28، المسألة 8 .
6- منهم الشهيد في البيان، ص 94 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).

وأمّا على ما اختاره المفيد(1) والجماعة(2) من نجاسته بمجرّد الملاقاة فمستنده مارواه الشيخ - في الحسن - عن الصادق(علیه السلام) : «فإن تغير الماء فخُذه حتّى يذهب الريح»(3).

وقول الرضا(علیه السلام) في رواية محمّد بن إسماعيل الآتية: «إلّا أن يتغيّر ريحه أوطعمه فينزح منه حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه»(4) .

ويشكل ذلك فيما له مقدّر نصّاً إذا زال التغيّر قبل استيفاء المقدّر، فإنّ وجوب بلوغه لولم يتغيّر يقتضي وجوبه معه بطريق أولى.

وحَملُ مثل ذلك على الغالب من أنّ إزالة التغيّر تستوفي المقدّر و زيادة لوتمّ غير كافٍ في هذا المقام الموجب للإجمال والإخلال.

فالمناسب حينئذٍ وجوب أكثر الأمرين من المقدّر ومابه يزول التغيّر؛ جمعاً بين النصوص الدالّة على الاكتفاء بزوال التغيّر، والموجبة لاستيفاء المقدّر. وهو ثاني الأقوال، ومختار الشهيد في الذكرى (5).

وثالثها: التفصيل بكون النجاسة منصوصةَ المقدّر، فيجب نزح أكثر الأمرين من المقدّر ومابه يزول التغيّر، أو غير منصوصة فيجب نزح الجميع، ومع التعذّر التراوح، وهو اختيار ابن إدريس(6)، واستحسنه المصنّف في المختلف، لكن ادّعى أنّه ليس عليه دليل قويّ(7).

والظاهر أنّه أقوى الأقوال وأمتنها دليلاً.

أمّا وجوب أكثر الأمرين مع النصّ على المقدّر ؛ فلأنّ بلوغ المنصوص لابدّ منه؛

ص: 418


1- المقنعة، ص 64 .
2- منهم القاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 21؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 130؛ والشهيد في البيان، ص 94 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 233 - 234 ، ح 675 ، و 237، ح 684؛ الاستبصار، ج 1، ص 37، ح 102.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 234، ح 676: الاستبصار، ج 1، ص 33، ح 87، وتأتي الرواية في ص 421.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 50 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- السرائر، ج 1، ص 70 - 72 .
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 29، ذيل المسألة 8 .

للنصّ، ومع بقاء التغيّر بعده لا يعقل الحكم بالطهارة، فلابدّ من اعتبار زوال التغيّر؛ لما تقدّم من الأخبار. وإن تقدّم زوال التغيّر على استيفاء المقدّر فوجوب استيفائه ظاهر؛ لوجوبه على تقدير عدم التغيّر فمعه أولى.

وإن لم يكن للنجاسة مقدّر، فسيأتي أنّه يجب نزح الجميع مع عدم التغيّر فمعه أولى. ومع تعذّر نزح الجميع يجب التراوح؛ للنصوص الدالّة عليه، وسيأتي إن شاء الله.

فإن قيل : على تقدير تأخير زوال التغيّر عن استيفاء المقدّر يبقى الماء بعد الاستيفاء نجساً لا مقدّر له فيجب نزح الجميع، كما في غير المنصوص.

قلنا: إنّما اكتفينا بزوال التغيّر بعد ذلك؛ لما تقدّم من الحديث.

فإن قيل: هو مطلق فتقييده بما ذكرتم لاوجه له.

قلنا: تقييده في غير المتنازع لعارض لا يمنع من إعماله فيه، وهو ظاهر.

ورابعها: التفصيل كذلك مع زيادة وجوب إزالة التغيّر في المنصوص ثمّ استیفاء المقدّر. وهو اختيار المحقّق(1) . ووجهه كالأوّل إلّا أنّه أعطى كلّاً من السببين مقتضاه؛ لأصالة عدم التداخل ومامرّ من الإشكال آتٍ هنا .

وخامسها وجوب نزح الجميع، فإن تعذّر فالتراوح اختاره الصدوق(2) والمرتضى(3) وسلّار(4) ؛ لقول أبي عبد الله في رواية عمّار: «فإن غلبه الماء فلتنزف يوماً إلى الليل يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين ينزفون يوماً إلى الليل وقد طهرت» بعد حكمه(علیه السلام) في أوّل الخبر بوجوب نزح الجميع (5).

ولأنّه ماء نجس فيجب إخراج جميعه، ومع التعذّر التراوح، كما في غيره من النجاسات الموجبة لنزح الجميع.

ص: 419


1- المعتبر، ج 1 ، ص 76-77 .
2- الفقيه، ج 1، ص 19 ، ذيل الحديث 24 .
3- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 76 .
4- المراسم، ص 35 .
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832 .

وفيه ضعف سند الحديث مع اضطراب في متنه.

ووجوب إخراج جميع الماء النجس من البئر وتوقّف الطهر عليه في حيّز المنع؛ لطهارة البئر في كثير من النجاسات بإخراج بعضه بعد الحكم بنجاسة الجميع.

وسادسها: نزحها أجمع، فإن تعذّر نزح حتّى يزول التغيّر، نُقل ذلك عن المبسوط والنهاية(1) ؛ لقول الصادق(علیه السلام) في رواية [معاوية بن](2) عمّار: «فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر »(3).

ولأنّه ماء نجس فيجب إخراجه أجمع، ومع التعذّر ينزح إلى أن يزول التغيّر؛ لأنّه المقتضي لنزح الجميع.

وهذه الحجّة ضعيفة جداً.

أمّا الرواية: فلعدم دلالتها على مازاد عن نزح الجميع، بل عليه خاصّة من غير تفصيل بالتعذّر وعدمه.

وأمّا الاستدلال بنجاسة الماء، فلا يقتضي انحصار التطهير في مزيل التغيّر، كما لا يقتضي التغيّر وحده نزح الجميع مطلقاً، وهل هو إلّا عين المتنازع؟ بل الظاهر أنّ الموجب لنزح الجميع وقوع غير المنصوص، أمّا هو ففيه مامرّ.

وأُجيب عن الخبر: باحتياجه إلى إضمار؛ لأنّ المنزوح ليس هو نفس البئر، وليس إضمار جميع الماء أولى من إضمار بعضه (4).

وفيه نظر؛ لأنّ المضمر هو الماء المنسوب إلى البئر. ودلالته على الجميع؛ لأنّه ملزومه، لا أنّ المجموع هو نفس المضمر.

وسابعها: نزحها أجمع، ومع التعذّر بغلبة الماء يعتبر أكثر الأمرين من زوال التغيّر

ص: 420


1- المبسوط ، ج 1، ص 29 النهاية، ص 7.
2- مابين المعقوفين من الاستبصار ؛ وفي تهذيب الأحكام عن معاوية.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 232 ، ح 670: الاستبصار، ج 1، ص 30 - 31، ح 80 .
4- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 29، ذيل المسألة 8 .

والمقدّر، اختاره الشهيد في الدروس (1). ووجهه مركّب من الوجوه المتقدّمة.

ويظهر من اعتبار الأقوال ووجوهها أنّ أمتنها الثالث.

وإنّما أطنبنا القول في تحرير الأقوال؛ لعدم وجودها مجموعةً في كتاب على هذا المنوال.

(وإن لم يتغيّر) ماء البئر بالنجاسة (لم ينجس) على المختار عند المصنّف في أكثر كتبه(2)، تبعاً لشيخه مفيد الدين بن جُهيم(3) ولابن أبي عقيل(4) من المتقدّمين، وتبعه على ذلك ولده فخر المحقّقين (5)والمحقّق الشيخ عليّ (6). ومستندهم الأخبارُ والاعتبار.

أمّا الأوّل، فمنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع - بالباء الموحّدة المفتوحة فالزاي المعجمة المكسورة فالياء المثنّاة من تحت فالعين المهملة - قال: كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا(علیه السلام)، فقال: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح منه حتّى يذهب الريح ويطيب الطعم لأنّ له مادّة»(7) .

وهذه الرواية أقوى حجج القائلين بالتطهير(8) : الحكمه(علیه السلام) على الماء بالسعة.ويفهم منها عدم الانفعال بالملاقاة، ونفي إفساد شيء له، وهو عامّ؛ لأنّه نكرة في سياق النفي، واشتمالها على الحصر المستفاد من الاستثناء في سياق النفي، ووجود التعليل بالماّدة، والمعلَّل مقدّم على غيره.

ص: 421


1- الدروس الشرعية، ج 1، ص 40 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
2- منها: تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 46، الرقم 8 ومختلف الشيعة، ج 1، ص 25، المسألة ؛ ومنتهى المطلب، ج 1، ص 56 ونهاية الإحكام، ج 1، ص 235 .
3- حكاه عنه الشهيد في غاية المراد، ج 1، ص 50 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
4- حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 25، المسألة 7.
5- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 17 .
6- جامع المقاصد، ج 1، ص 121 - 122 .
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 234، ح 676؛ الاستبصار، ج 1، ص 33، ح 87 .
8- كذا، والظاهر الطهارة.

قيل: ولدلالتها على المراد نصّاً (1).

ومنها: حسنة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام) قال: سألته عن بئر ماء وقع فيها

زبيل - بتخفيف الباء مع فتح الزاي، وتشديدها مع كسرها - من عذرة رطبة أو يابسة أو زبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟ قال: «لا بأس»(2).

والمراد من العذرة والسرقين النجس؛ لأنّ الفقيه لا يُسأل عن ملاقاة الطاهر. وإن سُلّم فترك الاستفصال في العذرة دليل استواء الطاهرة والنجسة في الحكم باعتبار الوقوع.

ومنها: رواية حمّاد عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله ، قال: «لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلّا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر»(3).

وأمّا الاعتبار : فلأنّه لو نجست البئر بالملاقاة لما طهرت، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة: أنّ الدلو والرشا وجوانب البئر تنجس بملاقاة الماء النجس، ونجاستها مانعة من حصول الطهارة في الماء بالنزح لدوام ملاقاتها، وكذا المتساقط من الدلو حال النزح خصوصاً الدلو الأخير.

ولأنّها لو نجست كذلك لكان وقوع الكُرّ من الماء المصاحب للنجاسة فيها موجباً لنجاسة جميع الماء، والتالي ظاهر البطلان؛ لأنّ الملاقي للنجاسة إذا لم يتغيّر بها قبل وقوعه محكوم بطهارته، فتمتنع نجاسته بغير منجس.

وبيان الملازمة: أنّ نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة تقتضي نجاسة الماء الواقع ؛لاستحالة أن يكون بعض الماء الواحد طاهراً وبعضه نجساً مع عدم التغيّر.

ص: 422


1- القائل هو فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 1، ص 17-18.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 246، ح 709؛ الاستبصار، ج 1، ص 42. ح 118، وفيهما: «زنبیل» بدل «زبيل».
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 232، ح 670: الاستبصار، ج 1، ص 30 - 31، ح 80 .

ولأنّه بجريانه من منابعه أشبه الماء الجاري فيتساويان.

ولأنّ القول بنجاسة البئر بالملاقاة دون المصنع إذا كان كثيراً مما لا يجتمعان، والثاني ثابت إجماعاً فينتفي الأوّل.

بيان التنافي : أنّه لا فرق بينه وبين البئر سوى المادّة، وهي ممّا تؤكّد عدم نجاستها.

وأُجيب عن الأولى: بأنّها مكاتبة تضعف عن الدلالة. وبعدم التصريح بأنّ المُجيب الإمام. وبأنّ المراد بالفساد المنفي فساد الكلّ بكلّ وجه، ولا يلزم منه عدم استناد الفساد الكلّى إلى الملاقاة، أو لا يفسده فساداً يوجب التعطيل، كما قال النبيّ( صلى الله عليه و آله و سلم): «المؤمن لا يخبث»(1) أي لا يصير في نفسه خبثاً، وكقول الرضا(علیه السلام): «ماء الحمّام لا يخبث»(2) مع أنّه يجوز أن تعرض له النجاسة.

وهذا الحمل وإن كان خلاف الظاهر إلّا أن فيه جمعاً بين الأخبار.

وعن الأخيرتين: بأنّ لفظ «البئر» يقع على النابعة والغدير، فلعل السؤال عن بئر ماؤها محقون، فتكون الأحاديث الدالّة على وجوب نزح البئر عن أعيان المنزوحات مختصّةً بالنابعة ، ويكون هذا متناولاً لغيرها ممّا هو محقون.

وعن الثالثة بالخصوص: بأنّ حمّاداً الراوي عن معاوية مقول بالاشتراك على جماعة منهم ثقة و غیره، فلعله غير الثقة. وبأنّه يدلّ بصيغة «ما» العامة فيما لا يعقل، فيكون الترجيح لجانب الأحاديث الدالّة على أعيان المنزوحات؛ تقديماً للخاصّ على العامّ. ولمعارضة الأخبار الكثيرة لها.

وأكثر هذه الأجوبة للمعتبر (3).

وعن الاعتبار: بالنقض بطهرها بالنزح عندهم إذا نجست بالتغيّر، فإنّ السؤال قائم،

ص: 423


1- في صحيح البخاري، ج 1، ص 109، ح 281؛ وسنن ابن ماجة، ج 1، ص 178، ح 534؛ وسنن النسائي، ج 1، ص 146؛ ومسند أحمد، ج 3، ص 83، ح 8745: .... لا ينجس».
2- أورده المحقق في المعتبر، ج 1 ، ص 56 .
3- المعتبر، ج 1، ص 56-57 .

ولو اعتبر زوال التغيّر خاصّة لزم طهرها بزواله بنفسه وهُم لا يقولون به. وبأنّ الطهارة حكم شرعي، وهو حاصل مع المتساقط فيه. ولأنّ المطهّر هو الماء المنفصل عن البئر، فالساقط كجزء من ماء البئر لم ينزح، ولاطّراده في عدم نجاسة الثوب؛ إذ لونجس الماطهر ؛ إذ من طرق تطهيره - بالإجماع - الغسل بالقليل، وهو ينجس بالورود فلايقع مطهرا ، وهو خلاف الاتّفاق. وبأنّ الكُرّ المصاحب للنجاسة أزال حكمها وحقيقتها قبل وصوله إلى البئر فلم يؤثّر فيه شيئاً.

والباقي مجرّد استبعاد بعد ورود النصّ بالفرق، فإنّهم يوافقون على استحباب النزح أو وجوبه تعبّداً، وهو كافٍ في نفي التساوي.

(وأكثر أصحابنا (1)) بل كاد يكون إجماعاً منهم (حكموا بالنجاسة).

قال الشهيد في الشرح: ولعلّه الحجة(2) . أي الإجماع.

ومستند ذلك النقلُ الشائع بوجوب النزح من الخاصّ والعامّ، وقد روي عن جماعة الصحابة والتابعين ، وعليه عمل الإماميّة في سائر الأعصار والأمصار.

ويدلّ عليه أيضاً الأخبار عن أهل البيت(علیهم السلام)(3) والاعتبار:

أمّا الأوّل فمنها: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع - السالفة - أنّه كتب إلى رجل يسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا(علیه السلام) عن البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم ما الذي يطهّرها؟ فوقع(علیه السلام) في كتابي بخطّه:« ينزح منها دلاء»(4). وهو في قوّة قوله(علیه السلام): «طهرها

ص: 424


1- منهم المفيد في المقنعة، ص 64؛ والشيخ في النهاية، ص 6: والمبسوط، ج 1، ص 28؛ وسلار في المراسم . ص 34؛ والقاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 21؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه، ص 130؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 74: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 69 : والمحقق في المعتبر، ج 1، ص 54.
2- غاية المراد، ج 1، ص 46 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
3- کما في السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 401، ح 1262؛ والمغني المطبوع مع الشرح الكبير، ج 1، ص 66. المسألة 36؛ والشرح الكبير المطبوع مع المغني، ج 1، ص 55 والمعتبر ، ج 1، ص 55: وغاية المراد، ج 1، ص 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
4- الكافي، ج 3، ص 5، باب البئر وما يقع فيها، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244 - 245، ح 705؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 44. ح 124.

بأنّ ينزح منها دلاء» ليطابق السؤال، وطهرها بالنزح يدلّ على نجاستها بدونه، وإلّالزم إيجاد الموجود أو اجتماع الأمثال.

وهذه الرواية مساوية لنظيرتها - من حجج القائلين بالتطهير - في السند، وتختصّ عنها بمرجّحات:

التصريح بأنّ المجيب هو الإمام(علیه السلام) ؛ الإخبار الثقة الضابط أنّه بخطّه(علیه السلام) ، فهي في قوّة المشافهة، بخلاف الأولى؛ لعدم ذكر ذلك فيها، بل كما يحتمل أن يكون المجيب الإمام يحتمل أن يكون هو الرجل المسؤول أن يسأل أو غيره، لكنّ عود الضمير فيها في قوله: «فقال» باعتبار رجحان عوده إلى الأقرب يرجّح كون المجيب الإمام، إلّا أنّ ذلك ظاهر وهذا نصّ.

واشتمالها على الأمر بالنزح، المستلزم للنهي والحظر عن استعمال الماء قبل ذلك؛ لنجاسته، واشتمال الأولى على إباحة الاستعمال، وما اشتمل على الأوّل أرجح ممّا اشتمل على الثاني، كما حقّق في الأصول.

واعتضادها بعمل الأكثر إن لم يتمّ الإجماع، وهو مرجّح أيضاً كما حُقّق في محلّه.

وأمّا دعوى النصّ في الأولى فغير ظاهر؛ إذ الإفساد ليس مرادفاً للنجاسة ولا ملزوماً لها، بل غايته أن يكون ظاهراً عند تجرّده عن الموانع الموجبة لحمله على غير ظاهره، وكما يمكن حمل هذه على الطهارة اللغوية يمكن حمل الفساد المنفيّ في الأولى على فسادٍ يوجب التعطيل أو فساد الكلّ كما مرّ، ولا يلزم منه عدم استناد الفساد الكلّى إلى الملاقاة.

قيل: هذا خلاف مدلول الحديث، وأيّ فائدة للتعليل بالمادّة حينئذ؟

قلنا: ثبوت الحقائق الشرعيّة يوجب كون الحمل على الطهارة اللغويّة غير مراد ولا مدلول أيضاً، وتأويل حديثكم بما ذكرناه أقرب لأنّه بعض أفراد الحقيقة، بخلاف حمل الحديث الثاني على الطهارة اللغويّة فإنّه حمل على المجاز البحت، وفائدة المادّة عدم انفعال جميعه على وجه يفسد بأسره كالقليل.

ص: 425

فإن قيل: وجود الكثرة كافية في ذلك فلا فائدة للمادّة حينئذٍ.

قلنا: جاز كونهما سببين وإن اختلفا حكماً؛ لأنّ مبنى شرعنا غالباً على اختلاف المتّفقات.

ومنها: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق(علیه السلام) قال: «إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلواً ولا شيئاً تغترف به فتيمّم بالصعيد الطيّب؛ فإنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم»(1) أوجب التيمّم بصيغة الأمر المشروط بعدم الماء الطاهر، فلايكون الماء طاهراً على تقدير الوقوع والاغتسال، ونهى عن الوقوع في البئر وعن إفساد الماء، والمفهوم من الإفساد النجاسة. وحمله على نجاسته بغيره بعيد؛ لأنّ ظاهره استناد الإفساد إلى الوقوع وهو غير مغيّر لحالها. وللزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

قيل: لا يتمّ الاحتجاج بهذا الحديث على النجاسة؛ لأنّ بدن الجنب إذا كان طاهراً - كما هو المفروض والمفهوم من الحديث والمعلوم من غيره، كحديث الحلبي المتضمّن نزح سبع دلاء(2)؛ إذ نجاسة المنيّ توجب عند القائل بالتنجيس نزح الجميع، وبه صرّحوا كلّهم - كيف يحكم بنجاسة البئر بملاقاته مع أنّ نجاسة بدن الجنب حكميّة وهميّة ومثلها لا تتعدّى !؟ فإنّ الجنب لو غسل في ماء قليل لم ينجس إجماعاً، فالبئر أولى؛ لمكان المادّة.

قلنا: هذا مجرّد استبعاد، كيف لا! وقد اشتمل البئر على أحكام مختلفة واتّفاق حكم نجاسات متباينة، ومن أين عُلم تأثير النجاسات الخاصّة في الماء وغيره إلّا من قِبَل الشارع؟ فلا يبعد القول بانفعال ماء البئر بذلك وإن لم نقل بانفعال المستعمل؛ لجواز اختصاصه بالتأثّر ممّا لا يتأثر به غيره، والذي نجّسه بتلك الأشياء هو الذي نجّس هذا

ص: 426


1- . الكافي، ج 3، ص 65، باب الوقت الذي يوجب التيمم .... 9 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 149 - 150 ح 426 و 185. ح 535: الاستبصار، ج 1، ص 127 - 128، ح 435 باختلاف يسیر .
2- الكافي، ج 3، ص 6، باب البئر وما يقع فيها .... ح 7 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 694: الاستبصار، ج 1، ص 34. ح 92.

الماء بهذه الأشياء، ويؤيّده أنّ الحكم مختصّ باغتسال الجنب دون غيره ممّن يجب عليه الغسل كالحائض.

قيل: الإفساد أعمّ من النجاسة؛ لجواز إرادة الإفساد بثوران الحمأة(1) والطين.

قلنا: قد ورد الإفساد في أحاديث الفريقين، فمهما اعترض أحدهما فهو جواب الآخر، وقد عرفت من قريب منع هذا الفريق لإرادة هذا المعنى من قوله(علیه السلام): «لايفسده شيء»(2) إلى آخره، فكيف يثبته الآن على خصمه!؟

ومنها: صحيحة عليّ بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن موسى(علیه السلام) عن البئر تقع فيها لا الحمامة أو الدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة، فقال: «يجزئك أن تنزح منها دلاء، فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله تعالى»(3) والإجزاء ظاهر في الخروج عن عهدة الواجب، وتطهيرها بذلك يدلّ على نجاستها بدونه كما تقدّم.

قيل: يرد عليها عدم الدلالة نصّاً فلا يعارض ما تقدّم.

قلنا: النصّ منتفٍ في الجانبين، والظاهر موجود فيهما، فلم يبق إلّا الترجيح بأمرٍ آخر، مع أنّ دعوى عدم النصّ في هذه موضع نظر.

قيل: التمسّك بظاهرها لا يستقيم؛ لعدم استواء الكلب والفأرة في الحكم، وليس حملها

على تفسّخ الفأرة وخروج الكلب حيّاً بأولى من حملها على التغيّر أو إرادة التنظيف.

قلنا: قد دلّت على النجاسة في الجملة، وإنّما تختلف في قدر المطهّر بسبب اختلاف أعيان النجاسة، و ذلك لا يؤثّر فى أصل الدلالة.

وأمّا الاعتبار فهو أنّ البئر لولم تنجس لم يكن للنزح فائدة، فيكون عبثاً، والتالي ظاهر البطلان؛ لصدوره عمّن لا ينطق عن الهوى، فالمقدّم مثله، والملازمة ظاهرة.

وأُجيب: بمنع الملازمة؛ إذ لا يلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها مطلقاً،

ص: 427


1- الحماة: الطين الأسود المنتن لسان العرب، ج 1، ص 61، «حماً».
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 234، ح 676: الاستبصار، ج 1، ص 33، ح 87 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 237، ح 686: الاستبصار، ج 1، ص 37، ح 101.

ولا يلزم من عدم العلم بها عدمها ، ومن ثُمَّ قال المصنّف بالاستحباب(1) ، وهو فائدة، والشيخُ في التهذيب بأنّه تعبّد(2) .

وبالجملة، فالأخبار متعارضة، والاعتبار قائم، وباب التأويل متَسع إلّا أنّه خارج عن الحقيقة غالباً، والمسألة من أشكل أبواب الفقه، غير أنّ المعتبر في المصير إلى مثل هذه الأحكام رجحان ما لأحدهما على ضدّه، وكأنّه موجود هنا في جانب النجاسة، والله أعلم بحقائق أحكامه.

واعلم أنّ ماء البئر مباين لسائر المياه في طهره أو طيبه بالنزح إجماعاً، وتساويها فيما عدا ذلك من المطهّرات، كوصول الجاري إليه، ووقوع ماء الغيث عليه، وإلقاء كُرّ فصاعداً على مامرّ من التفصيل.

ثمّ النزح تارةً يكون للجميع وتارةً يكون للبعض، بحسب اختلاف قوّة النجاسة ،وضعفها، فتارةً يقتصر الأئمة(علیهم السلام) على أقلّ ما يحصل به، وتارةً يستظهر عن ذلك، وتارةً يأمر بالأفضل، فلا ينكر الاختلاف في الأحاديث.

قال المحقّق:

فانظر ما اشتهر بين الأصحاب غير مختلف فأفت به، وما اختلف فالأقلّ مجزئ والأوسط مستحبّ، والأكثر أفضل، وأسقط ما شذّ (3).

قلت: سيأتي أنّ عمل الأصحاب على الأكثر؛ لأنّه طريق اليقين وإن كان ما ذكره المحقّق متوجّهاً.

(و) القائلون بالنجاسة (أوجبوا نزح الجميع في) سبعة أشياء على اختلاف في بعضها: (موت البعير) فيها، وهو من الإبل بمنزلة الإنسان، يشمل الذكر والأنثى والكبير والصغير.

ص: 428


1- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 27، ذيل المسألة 6: نهاية الإحكام، ج 1، ص 260.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 232 .
3- المعتبر، ج 1، ص 57.

ومستنده رواية الحلبي عن الصادق(علیه السلام)(1) وغيرها.

ومثله الثور - وهو ذكر البقر - لصحيحة عبد الله بن سنان عنه(علیه السلام) :«وإن مات فيها ثور أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه»(2) .

واكتفى ابن إدريس في الثور بكُرّ(3)، ولعلّه إلحاقاً له بالبقرة، فيجب الكرّ فيه.

ولو عكس الحكم بأن يلحقها به في نزح الجميع كان أولى؛ لماسيأتي من عدم النصّ فيها، وأنّ غير المنصوص ينزح له الجميع.

(ووقوع المنيّ) على المشهور، لكن لا نصّ فيه على ما ذكره جماعة، منهم الشيخ أبو عليّ ابن الشيخ أبي جعفر في شرح نهاية والده(4) .

ويمكن أن يكون عدم النصّ هو العلّة في نزح الجميع، لكن ذكره بين هذه المعدودات للشهرة لالعدم النصّ؛ لأنّ غير المنصوص سيأتي الكلام والخلاف فيه.

ولا فرق بين منيّ الإنسان وغيره ممّا له نفس؛ للعموم، وعدم النصّ المقتضي للتخصيص.

وقيل: المراد به منيّ الإنسان، وغيره ملحق بما لانصّ فيه(5) .

وقد عرفت أنّ النوعين من هذا الباب لولا الشهرة.

(و) وقوع (دم الحيض والاستحاضة والنفاس) ذكر ذلك الشيخ(6)، وتبعه الأصحاب معترفين بعدم النصّ؛ نظراً إلى أنّها كالمنيّ، ولغلظ نجاستها بوجوب إزالة

ص: 429


1- الكافي، ج 3، ص 6، باب البئر وما يقع فيها .... 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 694؛ الاستبصار، ج 1، ص 34، ح 92.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 241، ح 695: الاستبصار، ج 1، ص 34 - 35، ح 93.
3- السرائر، ج 1، ص 72 .
4- حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 55 ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 138.
5- قال المحقق الكركي في حاشية إرشاد الأذهان، ص 48 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 9): نقل الأصحاب عن أبي علي ابن الشيخ أبي جعفر أنّ المراد به مني الإنسان، فمني غيره مما لانص فيه.
6- المبسوط ، ج 1، ص 29؛ الجمل والعقود، ضمن الرسائل العشر، ص 170؛ الاقتصاد، ص 253.

قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن، فغلظ حكمها في البئر.

وأطلق المفيد القول بأنّ الدم الكثير ينزح له عشر والقليل خمس(1) ، ولم يفرّق، وكذا المرتضى (2)وابنا بابويه(3) وإن خالفوه في المقدّر، ومال إليه المحقّق في المعتبر(4)؛ عملاً بالأحاديث المطلقة في الدماء.

والعمل بالمشهور أحوط إن لم يناف عبادة مضيّقة بحيث يمكن الطهارة به مع نزح بعضه خاصّة، وبالإطلاق أفقه.

ولا يلحق بها دم نجس العين كالميتة والكلب وأخويه؛ لبطلان القياس وإن كانت العلّة تقتضيه لكنّه شكٍّ في شكّ، فالأولى الاقتصار على المشهور إن لم يلحظ عموم الروايات أو إطلاقها.

(و) وقوع (المسكر ) المائع بالأصالة؛ لعدم نجاسة الجامد منه كالحشيشة.

ولا فرق بين الخمر وغيره، ولا بين قليله وكثيره حتّى القطرة عملاً بالإطلاق، والنصّ ورد على الخمر خاصّة كما تقدّم في صحيحة عبد الله بن سنان(5)، وغيرها،وألحق به باقي المسكرات؛ لعموم قول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : »كلّ مسكر خمر»(6) وقول الكاظم(علیه السلام) : «كلّ ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(7) .

وفرّق الصدوق بين القطرة من الخمر والكثير منه، فأوجب في الأوّل عشرين دلواً؛

ص: 430


1- المقنعة، ص 67.
2- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 59 نقلاً عن مصباحه.
3- الفقيه، ج 1، ص 17، ذيل الحديث ،22 ، المقنع، ص 34 وحكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 35 المسألة 15 .
4- انظر المعتبر ، ج 1، ص 59 .
5- في ص 429.
6- الكافي، ج 1، ص 408، باب أن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) حرم كل مسكر 0000 13 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 111 ح 482 .
7- الكافي، ج 6 ، ص 412 ، باب أن الخمر إنّما حرمت لفعلها .... 2؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 112، ح 486 المقنع، ص 29 و 31 .

استناداً إلى رواية زرارة عن الباقر(علیه السلام)(1).

ويعقل الفرق كما عقل في الدم؛ إذ ليس أثر القطرة فيه كأثر ما يصبّ صبّاً ؛لشيوعه في الماء . ويؤيّده إمكان حمل المطلق على المقيّد وإن كان العمل على المشهور.

(والفقّاع) لقول الصادق(علیه السلام) : «إنّه خمر مجهول»(2) فمادلّ على الخمر من الحكم كافٍ الدلالة عليه، وسيأتي بيانه إن شاء الله.

وهل يلحق به العصير العنبي بعد اشتداده بالغليان؟ رجّحه الشهيد في الذكرى؛ محتجّاً بشبهه به (3).

ويشكل بأنّ مجرّد المشابهة غير كافٍ في الحكم، وإنّما أُلحق الفقّاع للنصّ على مساواته له بل على أنّه منه، فإلحاق غيره قياس، بل الأولى إلحاقه بما لانصّ فيه.

(فإن تعذّر) نزح جميع الماء (الكثرته، تراوح عليه أربعة رجال) كلّ اثنين دفعة يريحان الآخرين، ومنه أخذ التراوح؛ لاشتقاقه من الراحة.

وليكن أحدهما فوق البئر يمتح (4)بالدلو والآخر فيها يملؤه.

ولا يجزئ مادون الأربعة؛ لقول الصادق(علیه السلام) : «يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين»(5) ويجزئ مافوقها.

ولا غير الرجال من نساء أو صبيان أو خناثي؛ للفظ «القوم» لنصّ بعض أهل اللغة(6) على اختصاصه بهم.

ص: 431


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 241، ح 697؛ الاستبصار، ج 1، ص 35، ح 96، وفيهما عن الإمام الصادق(علیه السلام) .
2- الكافي، ج 3، ص 407، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر .... ح 15: تهذيب الأحكام، ج 1. ص 282، ج 828؛ الاستبصار، ج 4، ص 96 ، ح 373.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 61 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 5) .
4- الماتح المستقي الصحاح، ج 1، ص 403، «متح».
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832 .
6- كالجوهري في الصحاح، ج 4، ص 2016؛ والفيومي في المصباح المنير، ص 520، «قوم».

ويؤيّده قوله تعالى: (لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءُ )(1) فإنّ العطف يقتضي المغايرة.

واجتزأ به(2) بعض الأصحاب(3)؛ لشمول الاسم في بعض اللغات(4) .

وليكن التراوح (يوماً) من طلوع الفجر إلى الغروب، ويجب إدخال جزءين(5) من الليل أوّلاً وآخراً من باب مقدّمة الواجب.

و لا فرق في اليوم بين الطويل والقصير؛ للإطلاق الشامل لذلك، لكن يستحبّ تحرّي الأطول حيث لاضرر؛ للمبالغة في التطهير.

ولا يجزئ الليل ولا الملفّق منه ومن النهار وإن زاد عن مقدار يوم طويل؛ اقتصاراً على مورد النصّ (6). ولما يعتري في الليل من الفتور عن العمل. ولأنّ الغالب على حكم البئر جانب التعبّد.

ويستثنى لهم الصلاة جماعةً، ويقتصرون على الواجب والندب المعتاد.

قيل: والأكل كذلك؛ لأنّه مستثنى عرفاً(7).

والأولى تركه؛ لإمكان حصوله حال الراحة؛ لأنّه من تتمّتها، بخلاف الصلاة التي لا تتمّ فضيلتها الخاصّة إلّا به.

ويجب تقديم التأهّب للنزح بتحصيل الآلة والسعي إليه قبل الجزء المجعول مقدّمةً للواجب؛ لظاهر قوله(علیه السلام) : «ينزفون يوماً إلى الليل»(8) مع احتمال إلحاق مقدّماته به.

ص: 432


1- الحجرات (49): 11 .
2- أي بغير الرجال.
3- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 139 وانظر تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 28، ذيل المسألة 6.
4- لسان العرب، ج 12، ص 505 : القاموس المحيط ، ج 4، ص 169 - 170، «قوم».
5- في هامش الطبعة الحجرية نسخة بدل: «جزء».
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832.
7- قال به الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 52 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ وكذا المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 139 .
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832 .

(و) أوجبوا (نزح كُرّ في موت الحمار) وكذا البغل؛ لرواية عمرو بن سعيد عن الباقر(علیه السلام)(1) . وضعفها منجبر بالشهرة وعمل الأصحاب.

(و) كذا (البقرة وشبهها) من الدوابّ كالفرس.

والمستند هنا الشهرة؛ إذ البقرة وشبهها ممّا لانصّ فيه، كما اختاره في المعتبر مطالباً

لموجب الكُرّ بالدليل. قال:

فإن قالوا: هي مثل الحمار والبغل في العظم طالبناهم بدليل التخطيّ إلى المماثل من أين عرفوه؟ ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور، والجاموس كالجمل، فالأوجه حينئذٍ أن يجعل الفرس والبقرة في قسم مالا يتناوله نصّ على الخصوص(2) .

(ونزح سبعين دلواً من دلاء العادة) على تلك البئر؛ لعدم انضباط العادة مطلقاً.

ولو اعتاد قوم على بئر آنية فخار ونحوها، ففي الاكتفاء بها نظر: من قيامها مقام الدلو - و به قطع بعض(3) المعاصرين - ومن عدم تسميتها (4)؛ دلواً.

ولو اختلف المعتاد فالأغلب. فإن تساوت فالأصغر مجزئ والأكبر أفضل.

ولو لم يكن لها دلو معتاد أصلاً، قيل: أجزأ أقلّ ما يعتاده الإنسان(5) .

وقيل: المراد بها ابتداءً الدلو الهجريّة(6) وزنها ثلاثون رطلاً(7). وقيل: أربعون(8) .

وذلك كلّه (في موت الإنسان) في ماء البئر.

ص: 433


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 235، ح 679: الاستبصار، ج 1، ص 34، ح 91.
2- المعتبر، ج 1، ص 61 و 62 .
3- لم نتحققه.
4- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: « تسميته». وما أثبتناه لأجل السياق.
5- لم نعثر على القائل بذلك في المصادر المتوفرة لدينا.
6- الهجرية نسبة إلى هجر، وهي قرية قرب المدينة. معجم البلدان، ج 5، ص 393.
7- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 55 - 56: والدروس الشرعية، ج 1، ص 41 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 9)؛ وجامع المقاصد، ج 1، ص 146
8- القائل بذلك هو الجعفي، كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 56 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

ولا فرق بين الذكر والأنثى والصغير والكبير؛ لشمول الإنسان للجميع.

ولو وقع ميّتاً فكذلك، فلو قال: لمباشرة ميّت الإنسان أو لوقوعه كان أشمل.

ويشترط كون الميّت نجساً، فلوطهر بالغسل أو لم يجب غسله لم يجب النزح، بخلاف المُيَمَّم ولو عن بعض الغسلات، ومَنْ غُسّل فاسداً ونحوهما.

وهل يفرق بين المسلم والكافر؟ المشهور العدم؛ لأنّ الإنسان جنس معرّف باللام، وليس هناك معهود، فيكون اللام معرّفاً للجنس، فيوجد الحكم بوجود الجنس أين كان، وجنس الإنسان ثابت للكافر، فيكون الحكم متناولاً له عملاً بالإطلاق.

وشرط أبو عليّ وابن إدريس الإسلام، وأوجبا(1) الموت الكافر الجميع(2)، بناءً على وجوبه بملاقاته حيّاً؛ إذ لا نصّ فيه، وحال الموت أشدّ نجاسةً؛ لأنّه ينجس الطاهر ويزيد النجس نجاسة.

وأُجيب: بأنّه استدلال في مقابلة النصّ؛ لأنّ مورد وجوب السبعين موت الإنسان مطلقاً أعمّ من المسلم والكافر، ووجوب الجميع فيما لانصّ فيه بخصوصه غير منصوص عليه، فلايجوز معارضته المنصوص عليه.

ونمنع زيادة نجاسته بعد الموت؛ فإنّ نجاسته حيّاً إنّما كانت سبب اعتقاده، وهو منفيّ بعد الموت (3).

وفيهما منع ؛ لعدم المعارضة بين المنصوص ومدّعى ابن إدريس؛ إذ النصّ إنّما أوجب نزح السبعين بعد الموت(4) ، ومجرّد وقوع الكافر في الماء إذا كانت نجاسته ممّا لا نصّ فيه أوجب نزح الجميع، فهذا الحكم ثابت له قبل الموت، فما الذي طهّر الماء

ص: 434


1- قي الأصل وم والطبعة الحجرية: «أوجبوا». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
2- السرائر، ج 1، ص 72 - 73؛ وحكاه عن أبي علي الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 56 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 )
3- المجيب للقسم الأول من الجواب هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 146؛ وللقسم الأخير منه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 32 المسألة 12.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 234 - 235، ح 678 .

بعده واكتفى بنزح سبعين؟

والتحقيق مع ذلك أنّا إن حكمنا بنزح الجميع لما لانصّ فيه، فلابدّ من القول بنزحه هنا؛ لثبوته قبل الموت الذي هو مورد النصّ عندهم. وإن اكتفينا فيه بنزح ثلاثين أو أربعين، فإن حكمنا بالتداخل مع تعدّد النجاسة ولو مختلفة كفت السبعون، وإلّا وجب لكلّ مقدّره.

وأمّا منع زيادة نجاسته بعد الموت بزوال الاعتقاد الذي هو سبب النجاسة ففيه منع؛ لأنّ أحكام الكفر باقية بعد الموت، ومن ثَمَّ لا يغسَّل ولا يدفن في مقابر المسلمين، فكلام ابن إدريس أوجه.

ثقات

،نعم لو وقع في الماء ميّتاً اتجه ما قالوه ودخل في العموم.

واعلم أنّ الحديث الدالّ على حكم الإنسان في رجاله جماعة من الفطحيّة، لكنّهم ثقات مع سلامته من المعارض وانجباره بعمل الأصحاب عملاً ظاهراً، وذلك يخرجه إلى كونه حجّة، كما ذكره الأصحاب، فلا يمكن العدول عنه.

قال المحقّق في المعتبر بعد ذكر نحو ذلك:

ولو عدل إلى غيره لكان عدولاً عن المجمع على الطهارة به إلى الشاذّ، وهو باطل؛ لخبر عمر بن حنظلة، المتضمّن لقوله(علیه السلام) : «خُذ ما اجتمع عليه أصحابك، واترك الشاذّ الذي ليس بمشهور» (1)(2).

(وخمسين) دلوا (للعذرة الذائبة) وهي فضلة الإنسان.

قال الشهيد سُمّيت بذلك؛ لأنّهم كانوا يلقونها في العذرات، أي الأفنية(3).

والموجود في اللغة ضدّ ذلك.

قال في الصحاح: العذرة: فناء الدار، سُميّت بذلك لأنّ العذرة كانت تلقى في الأفنية(4) .

ص: 435


1- الكافي، ج 1، ص 67 - 68، باب اختلاف الحديث، ح 10.
2- المعتبر، ج 1، ص 62.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 61 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- الصحاح، ج 2، ص 738، «عذر».

وعلى كلّ حال فلا فرق بين فضلة المسلم والكافر هنا، مع احتماله؛ لزيادة النجاسة بمجاورته. وفي فضلة غيرهما ممّا لا يؤكل لحمه احتمال.

والمستند مارواه أبو بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) في العذرة تقع في البئر: «ينزح منها عشر دلاء، فإن ذابت فأربعون أو خمسون»(1) .

وإنّما حكم الأصحاب بالأكثر؛ لأنّه طريق إلى اليقين والخروج من العهدة كذلك.

وما ذكره المحقّق من التخيير بين الأقلّ والأكثر(2) مع أفضليّة الأكثر متوجّه.

والمراد بالذوبان تفرّق الأجزاء وشيوعها في الماء بحيث يستهلكها.

وهل يشترط ذوبان جميعها أو يكفي بعضها ؟ يحتمل الأوّل لأنّه المفهوم من إسناده إليها. والثاني؛ لعدم الفرق بين قليلها وكثيرها فيكفي ذوبان البعض، كما لو لم يسقط غيره وذاب فإنّه كافٍ قطعاً.

وألحق المصنّف بالذائبة الرطبةَ(3) ، وفي بعض كتبه(4) أبدلها بها، تبعاً للشيخ في المبسوط(5) .

ولا نصّ على الرطبة على الخصوص، وأنكرها المحقّق في المعتبر؛ لعدم وقوفه على شاهد(6) .

ولعلّ المعنى المعتبر في الذوبان يحصل فى الرطبة غالباً، وهو يؤيّد الاكتفاء بذوبان البعض ؛ لحصوله فى الرطبة بمجرّد الوصول.

(والدم الكثير غير الدماء الثلاثة كدم الشاة المذبوحة) على المشهور.

قال المصنف في المختلف: لم أقف في هذا التقدير على حديث مرويّ(7) .

ص: 436


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244، ح 702؛ الاستبصار، ج 1، ص 41 - 42، ح 116.
2- المعتبر، ج 1، ص 64- 65.
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 47 ، الرقم 9 .
4- منها: قواعد الأحكام، ج 1، ص 187؛ ومنتهى المطلب، ج 1، ص 79؛ ونهاية الإحكام، ج 1، ص 259.
5- المبسوط ، ج 1، ص 30 .
6- المعتبر، ج 1، ص 65.
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 35 المسألة 15 .

والموجود في حسنة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام) في رجل ذبح شاة فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دماً، قال: «ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلواً»(1).

وأفتى وحَكَم بموجبها الصدوق(2) ، ومال إليه في المعتبر(3) ، وحسّنه في الذكرى(4) ، وهو الوجه، لكنّ العمل بالمشهور طريق اليقين.

وإطلاق الدم مع استثناء الثلاثة يشمل دم نجس العين، ولا بُعد فيه بعد النصّ و اشتمال البئر على جمع المختلفات مع احتمال الفرق وإلحاقه بالدماء الثلاثة أو بما لانصّ فيه؛ لغلظ نجاسته، ومن ثَمَّ لم يُعفَ عن قليله في الصلاة كالدماء الثلاثة، لكنّ العمل بالإطلاق أنسب بأحكام البئر؛ لعدم قدح هذه الاحتمالات فيها.

والاعتبار في كثرة الدم وقلّته بالنسبة إلى نفسه عرفاً.

وقال القطب الراوندي - وهو الذي نقله القطب الرازي(5) عن المصنّف أيضاً -: إنّ الاعتبار فيهما بالنسبة إلى ماء البئر ؛ لاختلافه في الغزارة والنزارة(6)، فربما كان دم الطير كثيراً في بئرٍ يسيراً في أُخرى.

وليس ببعيد؛ لظهور التأثير باختلافهما. ولأنّهما إضافيّان فجاز اعتبارهما بالإضافة إلى المحلّ المنفعل عنهما.

(و) نزح (أربعين) دلواً (في موت السنّور) في البئر (والكلب والخنزير والثعلب والأرنب) على المشهور.

و رواه علىّ بن أبي حمزة عن الصادق(علیه السلام)، قال: سألته عن السنّور، فقال: «أربعون

ص: 437


1- الكافي، ج 3، ص 6 ، باب البئر وما يقع فيها، ح 8: الفقيه، ج 1، ص 20، ح 29؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 409. ح 1288؛ الاستبصار، ج 1، ص 44، ح 123.
2- الفقيه، ج 1، ص 20، ح 29 .
3- المعتبر، ج 1، ص 65.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 56 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- كما في مفتاح الكرامة أيضاً، ج 1، ص 111 .
6- حكاه عنه السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 51.

دلواً وللكلب وشبهه»(1). والمراد بشبه الكلب الخنزيرُ والغزال وما ذُكر.

ويشمل السنّور أهليّه ووحشيّه للمشابهة، والكلب والخنزير البرّي والبحري للمماثلة أيضاً.

ورجّح المحقّق الشيخ عليّ في أكثر فتاويه وجوب أكثر الأمرين - من الأربعين ومقدر ما لا نصّ فيه - للخنزير إذا وقع حيّاً ثم مات، واحتمال التضاعف بناءً على عدم النصّ على نجاسته لو وقع حيّاً، واحتمال التضاعف في الكلب إذا وقع حيّاً فمات؛ لوجود النصّ على نجاسته حيّاً (2).

وهذا إنّما يتمّ لو كان التقدير بالأربعين في وقوعهما ميّتين، أمّا مع الإطلاق أو إرادة موتهما في الماء فلا؛ للحكم بتداخل النجاستين.

(و) في (بول الرجل) في المشهور، رواه عليّ بن أبي حمزة أيضاً عن الصادق(علیه السلام)(3). وفيه روايات أُخرى شاذّة.

وضَعف عليّ بن أبي حمزة بالوقف منجبر بالشهرة وعمل الأصحاب.

وفي المعتبر أن تغيّره إنّما كان في زمن(4) موسى(علیه السلام) ، فلا يقدح فيما قبله (5).

وفيه نظر؛ إذ لا يتمّ ذلك إلّا مع تحقّق الرواية عنه فيما قبله، لا إذا أسندها إلى ما قبله؛ الجواز إسناده إلى الصادق(علیه السلام) في زمن الوقف، وأين التاريخ الذي دلّ على تقدّم الرواية؟ و مجرّد الاشتباه كافٍ في الطعن، فالأولى التعليل بالشهرة والعمل بمضمونها، كما قد أكثر مَنْ ذكره في كتابه هذا.

ولا فرق بين بول المسلم والكافر؛ لشمول الرجل لهما.

وأمّا بول المرأة فالمشهور عدم لحوقه به؛ اقتصاراً على موضع النصّ، خلافاً

ص: 438


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 235 - 236، ح 680: الاستبصار، ج 1، ص 36 ، ح 97 .
2- انظر جامع المقاصد، ج 1، ص 141.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 343 ، ح 700؛ الاستبصار، ج 1، ص 34، ح 90.
4- في المصدر: «موت» بدل «زمن».
5- المعتبر، ج 1، ص 68.

لابن إدريس، محتجّاً بدخولها في لفظ الإنسان (1).

ونحن نسلّم ذلك ، لكن نطالبه أين وجد الأربعين معلّقة على بول الإنسان؟ فكأنّه وهم.

وما الذي يجب له؟ قيل: موجب مالانصّ فيه(2) . واختاره الشهيد(3) وجماعة.

وقيل: ثلاثون(4) ؛ لرواية كردويه، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر، قال: «ينزح منها ثلاثون دلوا»(5) فإنّ لفظ البول مطلق يشمل المرأة وغيرها، لكن خرج منها بول الرجل والرضيع والصبيّ بنصّ خاصّ فيبقى الباقي، وهو خيرة المعتبر(6) .

ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة على الأقوال الثلاثة، وكذا لافرق بين المسلمة والكافرة.

وأمّا بول الخنثى فأطلق جماعة(7) إلحاقه بما لانصّ فيه؛ للشكّ في الذكورة.

ولم يذكره المحقّق وابن إدريس حيث ذكرا المرأة، ودليلهما يشملهما، فالأقوال يشملها لزوماً.

ولو قيل بوجوب أكثر الأمرين من الأربعين وموجب مالانصّ فيه - كما اختاره وموجب بعض الأصحاب (8)- كان حسناً؛ أخذاً بالمتيقّن.

(و) في (وقوع نجاسة لم يرد فيها نصّ) نقلي ولو بعمومه أو إطلاقه، كالإنسان في شموله للمسلم والكافر.

ص: 439


1- السرائر، ج 1، ص 78 .
2- قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 142 .
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 61 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- لم نعثر على القائل بذلك في حدود المصادر المتوفرة لدينا.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 241 - 242، ح 698: الاستبصار، ج 1، ص 35، ح 95، و 45، ح 125 .
6- المعتبر، ج 1، ص 68 .
7- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 62 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
8- لم نتحققه.

وما ذكره الشهيد (رحمه الله) في الشرح من تعريف النصّ ب_: أنّه القول أو الفعل الصادر عن المعصوم، الراجح المانع من النقيض، وغير المنصوص بخلافه(1) . لا يطابق ما ذكره الأصحاب في بعض موارده، فإنّهم جعلوا من المنصوص الإنسانَ، وأدخلوا الكافر َ،فيه كما بتّنّاد في محلّه، مع أنّ تناول الإنسان له إنّما هو لكونه من جملة أفراد الكلّي، ودلالة الكلّي على أفراده ليس نصّاً بهذا التفسير، بل ظاهراً. وعلى هذا التعريف يكون الإنسان ممّا لا نصّ فيه.

ومثله القول في وقوع الكلب بالنسبة إلى أصنافه، كالسلوقي وغيره، حتّى أنّ المصنّف ذكر في جملة المنصوص بول وروث ما لا يؤكل لحمه؛ محتجّاً عليه بحديث كردويه(2) المشتمل على نزول أرواث الدوابّ وأبوالها (3)، وأين دلالة لفظ الدوابّ على ما لا يؤكل لحمه بالنصّ المذكور في التعريف؟ وإدخال(4) الفعل والمعصوم في التعريف اصطلاح خاصّ: لمناسبته هذه المسألة، وإلّا فالتعريف المشهور للنصّ: «إنّه اللفظ الدالّ على المعنى دلالة راجحة مانعة من احتمال غيره».

وبالجملة، فإدخال العامّ وأفراده وأفراد المطلق في المنصوص بهذا المعنى أيضاً لا يخلو من إشكال؛ لأنّ دلالة العامّ على مجموع أفراده من حيث مجموعها ظاهر لا نصّ؛ لاحتماله التخصيص احتمالاً راجحاً؛ إذ من المشهور قولهم: «ما من عامّ إلّا وقد خُص» وكذا دلالته بالنسبة إلى كلّ فردٍ على التعيين؛ لإمكان عدم إرادته. والمطلق يدلّ على الماهيّة من حيث هي هي، فلايدلّ على شيء من أفراد الماهيّة إلّا ظاهراً، فإن اعتبر هذا المعنى لم يتمّ كثير ممّا ادّعي كونه منصوصاً.

والأولى أن يراد به هنا ماكانت دلالته ظاهرةً وإن لم تكن قطعيّةً. وهذا المعنى للنصّ

ص: 440


1- غاية المراد، ج 1، ص 52 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
2- الفقيه، ج 1، ص 22، ج 35 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 413 ، ح 1300؛ الاستبصار، ج 1، ص 43، ح 120.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 29 - 30، المسألة 9.
4- في «الأصل و م»: «إدخاله».

يوجد في بعض الموارد، وكلامهم هذا يدلّ عليه.

إذا تقرّر ذلك، فما اختاره المصنّف من وجوب أربعين دلواً لمالانصّ فيه ليس له دليل مدّعى، إلّا ما نُقل عن الشيخ في المبسوط حيث احتمل الأربعين بقوله : إنّهم(علیهم السلام) قالوا: «ينزح منها أربعون وإن كانت مبخرة»(1) .

وهذه الحجّة منظور فيها من حيث عدم العلم بإسناد الحديث، وعدم وجوده في شيء من أُصوله فضلاً عن سنده حتّى نشأ منه عدم العلم بصدره المتضمّن لبيان متعلّق الأربعين.

وربما قال بعض الأصحاب(2) : إنّ الشيخ (رحمه الله) حجّة ثَبت فإرساله غير ضائر؛ لأنّ مثل الشيخ لا يُرسل إلّا عمّن علمه ثقة خصوصاً وليس هناك نصُّ آخر يدفعه، والظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف على محلّ النزاع.

وفيه نظر:

أما أولاً فلأنّ الشيخ لم يُفت بمضمونه وإنّما أوجب في المبسوط نزح الجميع وجَعَل نزح أربعين احتمالاً(3)، والخبر المرسل وإن لم يكن حجّةً لكن لا أقلّ من إفادته الاحتمال، وهو دليل على عدم تحقّقه له، وإلّا لما عدل عن مدلوله.

وأمّا ثانياً: فلأنّ مراسيله لووثق بها وعمل عليها لمكان قدره وعظم شأنه وتَبته لزم العمل بجميع المراسيل؛ لأنّ كتبه في الحديث قد صارت أصول حديث الأصحاب، واشتملت على ما في غيرها من حديث الفقة غالباً وزيادة مع ذكر بعض أسانيد بعضها وذكر متونها ولم يجوّز أحد من الأصحاب العمل بها لمكان شرف مرسلها، فكيف يسوع العمل بحديث لم يتحقّق متنه ولا إسناده، ويجعل مؤسّساً لحكم شرعي!؟

وأمّا ثالثاً: فلأنّ صدره المحذوف وإن كان احتجاجه به يثير الظنّ بكونه دالّاً على

ص: 441


1- المبسوط، ج 1، ص 30 .
2- في هامش الأصل: هو الشيخ علي (رحمه الله) في حاشية التحرير.
3- المبسوط ، ج 1، ص 30 .

محلّ النزاع، لكن ذلك غير كافٍ لنا في العمل بمقتضاه، لعدم اطّلاعنا عليه وإن كان للشيخ (رحمه الله) في ذلك فرض آخر.

واستدلّ المصنّف في النهاية للأربعين برواية كردويه(1) . وهو عجيب، وستقف عليها عن قريب.

(وقيل): يجب نزح (الجميع )(2) لكونه ماءً حُكم بنجاسته يقيناً، فالقطع بطهارته يتوقّف على نزح الجميع؛ لأنّ نزح البعض دون البعض الآخر ترجيح من غير مرجّح.

والحكم به في مواضع مخصوصة لنصّ خاصّ على خلاف الأصل لا يقتضي مثله في غير المنصوص؛ لعدم وجود دليل نقليّ عليه على الخصوص حتّى لو ورد ذلك لم تكن المسألة: الصيرورتها حينئذٍ منصوصةً، غايتها الإتيان بلفظ عامّ يشمل(3) الجميع، أو ما شاكله.

وذهب بعض الأصحاب(4) إلى نزح ثلاثين، ونفى عنه الشهيد في الشرح البأسَ (5).

وفي المختلف:

النقل الذي ادّعاه الشيخ لم يصل إلينا، وإنّما الذي بلغنا في الباب حديث واحد، وعنى به حديث كردويه: أنّه سأل أبا الحسن(علیه السلام) عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وخُرء الكلاب قال: «ينزح منها ثلاثون دلواً وإن كانت مبخرة»(6). ومعناها المنتنة، وروي بفتح الميم ،والخاء، ومعناها موضع النتن.

- قال: - ومع ذلك فكر دويه لا أعرف حاله، فإن كان ثقة فالحديث صحيح(7) .

ص: 442


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 260 .
2- قال به القاضي ابن البراج في المهذب، ج 1، ص 21؛ والسيّدابن زهرة في الغنية، ص 48؛ وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 72 و 81 .
3- في «الأصل و م»: «ليشمل».
4- هو السيد الفقيه جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاؤس في كتاب البشرى كما في غاية المراد، ج 1، ص 54 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
5- غاية المراد، ج 1، ص 54 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 1).
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 413، ح 1300: الاستبصار، ج 1، ص 43. ح 120.
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 51. المسألة 26 .

وفي الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب نظر؛ إذ لادلالة له - على تقدير صحّته - على ما نحن فيه، فإنّ مورده نجاسة مخصوصة، وإذا ثبت صارت منصوصةً ، والكلام في نجاسة غير منصوصة مطلقاً.

وفيه إشكال من وجه آخر، وهو أنّ جملة «إن» الوصليّة فيه تدلّ على مساواة حكم التغيّر بتلك النجاسات لغيره. وسيأتي فيه إشكال آخر إن شاء الله تعالى.

قال فى المعتبر :

ويمكن أن يقال فيه وجه آخر، وهو أنّ كلّ ما لم يقدّر له منزوح لا يجب فيه نزح؛ عملاً برواية معاوية، المتضمّنة قول أبي عبد الله (علیه السلام): «لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا يقع في البئر إلّا أن ينتن»(1) ، ورواية ابن بزيع: «إنّ ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر»(2) ، وهذا يدلّ بالعموم، فيخرج منه ما دلّت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها، ويبقى الباقي داخلاً تحت هذا العموم .

- قال: - وهذا يتمّ لو قلنا: إنّ النزح للتعبّد لا للتطهير، أمّا إذا لم نقل ذلك، فالأولى نزح مائها أجمع(3) . انتهى.

وقد تلخّص من جميع ذلك أنّ المصير إلى القول بنزح الجميع لازم عند القائل بالنجاسة؛ لأنّ كلّ حديث يحتجّ به على المطلوب فإنّ نجاسته منصوصة، وينعكس إلى قولنا: كلّ نجاسة ليست منصوصةً لم تدلّ عليها الأخبار، فيستصحب حكم النجاسة إلى أن يثبت المزيل، ولا ثبوت إلّا بنزح الجميع.

(وثلاثين في وقوع ماء المطر مخالطاً للبول والعذرة وخُرء الكلاب) لرواية كردويه، المتقدّمة(4) .

ص: 443


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 232 ، ح 670: الاستبصار، ج 1، ص 30 - 31، ح 80 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 234، ح 676.
3- المعتبر، ج 1، ص 78 .
4- في ص 442.

ولو خالط ماء المطر أحدها كفت الثلاثون؛ لمفهوم الموافقة.

هذا إن لم يكن له مقدّر أو كان وهو أكثر أمّا لو كان أقلّ - كبول الرضيع الداخل في إطلاق البول أو عمومه - فالظاهر الاكتفاء به؛ لأنّ مصاحبته لماء المطر إن لم تضعف حكمه - كما هو الظاهر - فلا تزيده.

والشهيد (رحمه الله) أطلق القول بأنّ حكم بعضها كالكلّ(1) . وبعض الأصحاب(2) خصّ الثلاثين بالجميع. وماذكرناه من التفصيل أجود.

وأورد على أصل الحكم إشكال هو(3) أنّ العذرة وحدها يجب لها خمسون، فإذا انضمّ إليها غيرها زادها نجاسةً، فكيف يجتزأ بالثلاثين؟ فاللازم إمّا عدم إجزاء الثلاثين، أو عدم وجود الخمسين. وأيضاً فإنّ ترك الاستفصال عن النجاسات المذكورة يقتضي المساواة في الحكم بين جميع محتملاتها، فيستوي حال العذرة رطبةً ويابسةً وحال البول إذا كان بول رجل أو رضيع أو امرأة أو خنثى، وقد قال بعضهم: إنّ خُرء الكلاب ممّا لا نصّ فيه، وذهب المصنّف في المختلف إلى أنّ بول وروث ما لا يؤكل لحمه ممّا لا نصّ فيه(4) .

ولو حمل الإطلاق على نجاسات مخصوصة، أشكل الحال من وجه آخر عند القائل بتضاعف النزح مع اختلاف النجاسات (5).

وأجاب المحقّق الشيخ عليّ عن ذلك بأنّ موضوع الرواية ماء المطر المخالط لهذه النجاسات، وليس فيها أنّ أعيانها موجودة، فيمكن تنزيلها على ماء المطر المخالط

ص: 444


1- البيان، ص 95 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- كالمحقق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 6؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 26، ذيل المسألة 6.
3- في «م»: «وهو».
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 29 - 30، المسألة 9.
5- تعرّض للإشكال - من قوله: وأيضاً فإنّ ترك الاستفصال، إلى آخره - المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 142 .

لهذه النجاسات مع استهلاك أعيانها؛ إذ لابُعد في أن يكون ماء النجاسة أخفّ منها، خلافاً للقطب الراوندي.

قال: وهذا الحمل وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّا صرنا إليه جمعاً بين الأخبار (1).

أقول: إنّك إذا تأمّلت ما ينفعل عنه البئر وما تطهر به تجدها قد جمعت بين المتباينات، كتساوي الهرّ والخنزير، وفرّقت بين المتماثلات، كاختلاف منزوح موت الكلب والكافر وغير ذلك، فلا تستبعد حينئذٍ أن ينزح لهذه الأشياء المخالطة لماء المطر مع انفرادها عنه أكثر ممّا يُنزح لها مع سقوطها في البئر مصاحبةً له، فتصير مصاحبتها لماء المطر مضعّفاً لنجاستها ومخفّفاً لها، وهو أولى من تقييد المطلق، و الحال في البئر ما ذكرناه، بل مقتضى لفظ الحديث في كون هذه الأشياء في الماء كون أعيانها فيه.

ثم لو كان الحكم في ماء المطر المتنجّس بهذه الأشياء من غير أن تكون أعيانها موجودةً لم يبق فرق بين ماء المطر وغيره، فالأولى الانقياد لما تناولته الرواية بإطلاقها من كون الماء ماء مطر ومصاحباً لهذه الأشياء، سواء كانت أعيانها موجودةً أم لا.

(و) نزح (عشر) دلاء (في) وقوع (العذرة اليابسة) والمراد بها غير الذائبة؛ لقول الصادق(علیه السلام) في خبر أبي بصير في العذرة تقع في البئر: «ينزح منها عشر دلاء، فإن ذابت فأربعون أو خمسون»(2) ، وقد تقدّم(3) ما المراد من العذرة.

(و) كذا في (الدم القليل غير) الدماء (الثلاثة، كذبح الطير والرعاف اليسير) لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام) حيث سأله عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقع في بئر هل يصلح أن يتوضّأ منها؟ قال: «ينزح منها دلاء يسيرة»(4).

ص: 445


1- جامع المقاصد، ج 1، ص 142 ، وفيه إلى قوله : أخف منها.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244، ح 702؛ الاستبصار، ج 1، ص 41 - 42، ح 116.
3- في ص 436 .
4- الكافي، ج 3، ص 6، باب البئر وما يقع فيها، ح 8؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 409، ح 1288؛ الاستبصار، ج 1، ص 44. ح 123.

وقول الرضا (علیه السلام) في قطرات الدم: «دلاء»(1).

قال الشيخ في التهذيب : وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة، فيجب أن يؤخذ به؛ إذ لا دليل على مادونه (2).

واعترضه في المعتبر ب_:

أنّ ذلك إنّما يكون مع الإضافة، أمّا مع تجريده عنها فلا؛ إذ لا يعلم من قوله: عندي دراهم، أنّه لم يخبر عن زيادة عن عشرة، ولا إذا قال: أعطه دراهم(3) .

وأجاب المصنف في المنتهى ب_:

أنّ الإضافة هنا وإن لم تجر لفظاً لكنّها مقدّرة وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولابدّ من إضمار عدد يضاف إليه تقديراً، فيحمل على العشرة التي هي أقلّ ما يصلح إضافته لهذا الجمع؛ أخذاً بالمتيقّن وحوالة على الأصل من براءة الذمّة(4).

وفيه نظر؛ إذ لا يلزم من عدم تقدير الإضافة هنا تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإنّما يلزم ذلك لو لم يكن له معنى بدون هذا التقدير والحال أنّ له معنى كسائر أمثاله من صيغ الجموع، ولو سُلّم وجوب التقدير لم تتعيّن العشرة.

وفي قوله «إنّ أقلّ ما يصلح إضافته لهذا الجمع عشرة» منع، وإنّما أقلّه ثلاثة فيحمل عليها؛ لأصالة البراءة من الزائد، وهو خلاف المدّعى، وسيأتي في كلام المحقّق(5) اختيار دلالته على ثلاثة.

قال المصنّف في المختلف:

ويمكن أن يحتجّ به من وجه آخر، وهو أنّ هذا جمع كثرة، وأقلّه مازاد على

ص: 446


1- الكافي، ج 3، ص 5، باب البئر وما يقع فيها ، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244 - 245، ح 705: الاستبصار، ج 1، ص 44. ح 124.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 245، ذيل الحديث 705.
3- المعتبر، ج 1، ص 66.
4- منتهى المطلب، ج 1، ص 81 .
5- في ص 453.

العشرة بواحد [ فيحمل](1) عليه؛ عملاً بالبراءة الأصليّة (2).

وأنت خبير بأنّ هذا الدليل لا ينطبق على الدعوى؛ لاستلزامه وجوب أحد عشر، والمدّعى الاكتفاء بعشرة.

وفي المنتهى ذكر أنّه جمع كثرة، وقال: فيحمل على أقلّها وهو العشرة (3).

وفيه أيضاً نظر؛ لأنّ أقلّ مراتب جمع الكثرة مازاد على مراتب جمع القلّة بواحد، كمانصّ عليه أهل العربيّة واعترف به المصنّف في المختلف(4)، فلا تتمّ العشرة، فتأمّل هذه الاختلافات الغريبة الواقعة بينهم، بل بين الواحد ونفسه.

(وسبع في موت الطير كالحمامة) في طرف الصغر (والنعامة) في طرف الكبر (وما بينهما).

و مستنده مع الشهرة رواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق(علیه السلام)(5) .

وفُسّر الطير بالحمامة والنعامة وما بينهما، وأورد على العبارة أنّ التشبيه يقتضي صدق الطير على غير ما ذُكر ؛ لوجوب المغايرة بين المشبّه والمشبّه به ولو بالجزئية والكلّيّة والحال أنّه محصور فيما ذُكر (6).

ويمكن الجواب بمنع حصره فيما ذُكر؛ لأنّ الطير المساوي للحمامة والنعامة في الحجم تقريباً خارج عنهما وعمّا بينهما مع دخوله في الطير، فباعتباره يصحّ التشبيه.

(و) كذا فى (الفأرة إذا تفسّخت) أي تقطّعت أجزاؤها وتفرّقت؛ لقول الصادق(علهی السلام) في رواية أبي سعيد المكاري: «إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسّخت فانزح منها سبع دلاء»(7).

ص: 447


1- بدل ما بين المعقوفين في الأصل وم والطبعة الحجرية: «حمل». وما أثبتناه من المصدر.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 36، المسألة 15.
3- منتهى المطلب، ج 1، ص 81 .
4- مختلف الشيعة، ج 1، ص 36؛ المسألة 15.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 235، ح 680: الاستبصار، ج 1، ص 36، ح 97.
6- المفسّر والمورد هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 142 - 143.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 239، ح 691: الاستبصار، ج 1، ص 39، ح 110.

وفي رواية عنه(علهی السلام) إطلاق السبع في الفأرة (1)، وفي أُخرى إطلاق ثلاث(2) .

وطريق الجمع: حمل الأولى على التفسّخ، والثانية على عدمه بقرينة خبر أبي سعيد. وضعفه لا يمنع من العمل على هذا الوجه؛ لأنّه كالأمارة الدالّة على الفرق وإن لم يكن حجّةً في نفسه.

(أو انتفخت) إلحاقاً بالتفسّخ، ولانصّ عليه ،بالخصوص، لكن ذكره المفيد(3)، وتبعه الباقون.

(وبول الصبيّ) وهو الذكر الذي زاد سنّه على الحولين ولم يبلغ على المشهور، وبه رواية عن الصادق(علیه السلام)(4) لا تخرج عن حدّ الإرسال.

وفي حكمه الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه، كما سيأتي.

ولا تلحق به الصبيّة؛ لعدم النصّ.

(واغتسال الجنب الخالي) بدنه (من نجاسة عينيّة).

وعبّر بالاغتسال الشامل للارتماس وغيره ردّاً على ظاهر الشيخ (5)وصريح ابن إدريس، حيث شرط في النزح المذكور ارتماسه(6) .

ولا وجه له؛ لخُلُوّ النصوص من اشتراطه؛ لأنّها واردة بنزول الجنب، كرواية عبدالله بن سنان(7) ، ودخوله مع الاغتسال، كرواية أبي بصير(8) ، ووقوعه، كرواية الحلبي(9)،

ص: 448


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 235، ح 680؛ الاستبصار، ج 1، ص 36 ، ح 97 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 238 ، ح 688: الاستبصار، ج 1، ص 39، ح 106.
3- المقنعة، ص 66 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 243، ح 701؛ الاستبصار، ج 1، ص 33 - 34 ، ح 89 .
5- المبسوط ، ج 1، ص 30 .
6- السرائر، ج 1، ص 79.
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 241، ح 695: الاستبصار، ج 1، ص 34 - 35، ح 93.
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244، ح 702.
9- الكافي، ج 3، ص 6، باب البئر وما يقع فيها، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 694: الاستبصار، ج 1، ص 34 . ح 92.

ودخوله كرواية محمّد بن مسلم(1) .

وإنّما قيد بالاغتسال دون الملاقاة المشترك مدلول الأخبار فيها؛ للتصريح به في بعضها، ويجب حمل المطلق على المقيّد.

وإنّما شرط خُلُو بدنه من نجاسة عينيّة ليتمّ الاكتفاء بالسبع، إذ لو كان عليه نجاسة لوجب لها مقدّرها إن كان، وإلّا فعلى مامرّ.

والعلّة فيه نجاسة البئر بذلك وإن كان بدنه خالياً من نجاسة، ولا بُعد فيه بعد ورود النصّ.

وليس الأمر في الماء الذي يغتسل به الجنب على حدّ الماء مطلقاً، ولهذا قال جمع بعدم طهوريّة قليله، فلا بُعد حينئذٍ في أن ينفعل عنه البئر الذي قد عُلم تأثّره بما لا يتأثّر به غيره و تأثیر غيره في التطهير والتنجيس.

فقول بعضهم: إنّ نجاسة البئر بغير منجّس معلومُ البطلان؛ إذ الفرض إسلام الجنب وخُلُو بدنه من العينيّة(2)، قد ظهر منعه، بل هو بمنجّس، فإنّ الذي نجّس غيره بتلك الأشياء هو الذي نجّسه بهذا الشيء على الوجه المخصوص.

ولو غلّبنا في النزح جانب التعبّد - كماهو ظاهر الشيخ في التهذيب(3) واختيار بعض المتأخّرين(4) - فالإشكال مرتفع من أصله.

والذي اختاره المصنّف في المختلف - تبعاً لشيخه المحقّق(5) - أنّ الحكم بالنزح لكونه مستعملاً، فيكون النزح لسلب الطهوريّة(6).

ويشكل بإطلاق النصوص، وبحكم سلّار وابن إدريس وجماعة من المتأخّرين

ص: 449


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244، ح 704.
2- القائل هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 143 .
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 232.
4- كالعلّامة في منتهى المطلب، ج 1، ص 68 .
5- انظر المعتبر، ج 1، ص 70 - 71 .
6- مختلف الشيعة، ج 1، ص 55 المسألة 29 .

بوجوب النزح مع طهوريّة المستعمل عندهم(1) ، وباستلزامه القول بعدم وجوب النزح ؛ لأنّه فرعه على القول بسقوط طهوريّة المستعمل وهو لا يقول به، فيلزم عدم القول بالنزح.

ويتفرّع عليه اشتراط النيّة والحكم بصحّة الطهارة؛ لكون الانفعال مسبيّاً عنها ومتأخّراً، ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) دالّة عليه، حيث سأله عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها، قال: «ينزح منها سبع دلاء»(2) والروايات الباقية كما لا تدلّ على اشتراط الاغتسال الشرعى كذلك لا تنافيه، فيحمل مطلقها عليه جمعاً بين الأخبار.

فيندفع بذلك ما أورده المحقّق الشيخ عليّ من خُلُو الأخبار عنه أو كونها أعمّ حتّى التزم بعدم الحكم بطهره؛ لقول الصادق(علیه اسلام) في خبر عبد الله بن أبي يعفور: «لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم»(3) فإنّ النهي المستفاد من الرواية يقتضي فساد الغسل ؛ لأنّه عبادة، فلايطهر الجنب (4).

ويجاب بمنع أنّ النهي عن العبادة بل عن الوقوع في الماء وإفساده، وهو إنّما يتحقّق بعد الحكم بطهر الجنب لا بمجرّد دخوله في البئر، فلايضرّ هذا النهي؛ لتأخّره، و عدم كونه عن نفس العبادة، إلّا أن يقال : الوسيلة إلى المحرَّم محرّمة وإن كانت قبل زمانه.

ويمكن على هذا فرض صحّة الغسل ووجوب النزح في بئر مملوكة للمغتسل، فإنّ تنجيسها (5)غير محرّم عليه.

ويرجح الأوّل أنّه لو لم يطهر لم يتحقّق الإفساد الذي هو متعلّق النهي، ومتى لم يتحقّق فلا حرج عليه، فيجوز الاغتسال.

ص: 450


1- المراسم، ص 34 و 35 - 36: السرائر ، ج 1، ص 61 و 79: الجامع للشرائع، ص 19 و 20.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244، ح 702.
3- الكافي، ج 3، ص 65 ، باب الوقت الذي يوجب التيم.... ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 149 - 150. ح 426؛ الاستبصار، ج 1، ص 127 - 128، ح 435.
4- جامع المقاصد، ج 1، ص 143 .
5- في «الأصل» و «م» والطبعة الحجرية: «مملوك... تنجيسه». والصحيح ما أثبتناه.

ودفع ذلك كلّه بما تقدّم من أنّ الإفساد متأخّر عن الحكم بصحّة الغسل، فلايؤثّر فيه، فعلى هذا إن اغتسل مرتمساً، طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث، وإن اغتسل مرتّباً، أجزأه غسل ما غسله قبل وصول الماء إلى البئر إن كان خارجاً عن الماء، وإلّا فما قارن به النيّة خاصّة. كذا قرّره بعض(1) المتأخّرين.

وللنظر في بعضه مجال؛ لتعليق الحكم - كما تحقّق - على الاغتسال ولا يتحقّق إلّا بالإكمال.

وبالجملة، فالمسألة من المشكلات، والله أعلم بحقيقة الحال.

(ولخروج الكلب) من الماء (حيّاً) على المشهور، وروي ذلك عن الباقر (علیه السلام)(2).

وأوجب ابن إدريس نزح أربعين؛ إذ لا نصّ فيه(3)، وكأنّه اطراحاً لخبر الآحاد، وإنّما اكتفى هنا بالأربعين مع حكمه بالجميع لمالانصّ فيه(4) ؛ لأنّها تجزئ لموته - كمامرّ(5) - فلوقوعه حيّاً أولى، ولولاه لوجب نزح الجميع. وقد عرفت وجود النصّ.

ولا يلحق به خروج الخنزير حيّاً لعدم النصّ.

(وخمس في ذرق الدجاج) على المشهور، ولم يوجد به نصّ على الخصوص.

ولم يقيّده المصنّف بالجلّال تبعاً للشيخ(6)، لكن وجه الإطلاق عند الشيخ ظاهر؛ لنجاسة ذرقه عنده مطلقاً(7) .

وخصّه جماعة - كالمفيد(8) وسلّار(9) - بالجلّال.

ص: 451


1- لم نتحققه.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 237 - 238، ح 687؛ الاستبصار، ج 1، ص 38، ح 103 ، وفيهما عن جعفر (علیه اسلام).
3- السرائر، ج 1 ، ص 76-77 .
4- السرائر، ج 1، ص 72 .
5- في ص 438.
6- النهاية، ص 7؛ المبسوط، ج 1، ص 30.
7- النهاية، ص 51 المبسوط ، ج 1، ص 61 .
8- المقنعة، ص 68 بناءً على نسختي «و، ز» منها .
9- المراسم، ص 36 .

قال المصنف في المختلف:

وعلى القولين لم يصل إلينا حديث يتعلّق بالنزح لهما.

ويمكن الاحتجاج بأنّه ماء محكوم بنجاسته، فلايطهر بدون النزح.

والتقدير مستفاد من رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع - الصحيحة - عن الرضا (علیه السلام) في البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شيء من العذرة كالبعرة أو نحوها، ما الذي يطهّرها ؟ فوقع(علیه السلام) : «ينزح منها دلاء»(1).

- قال - والاحتجاج به بعيد؛ لعدم دلالته على التقدير وإنّما يستدلّ به على أنّه لا يجزئ أقلّ من خمس من حيث إنّه جمع كثرة(2). انتهى.

وهذا كلّه يقتضي تخصيصه بالجلّال إن لم نقل بنجاسة الجميع.

ويمكن أن يستدلّ على نفي الزيادة عن الخمس بالإجماع على نفي وجوب الزائد.

قال المحقّق في المعتبر:

ويقرب عندي أن يكون داخلاً في قسم العذرة ينزح له عشر، وإن ذاب فأربعون أو خمسون. ويحتمل أن ينزح له ثلاثون؛ لحديث كردويه(3)(4) .

ويرد على الوجهين عدم القائل بما زاد على الخمس، والعذرة مخصوصة بفضلة الإنسان كما تقدّم (5)، فلاحجّة في الحديثين.

(وثلاث في موت الفأرة) مع عدم الوصفين : التفسّخ والانتفاخ، وقد تقدّم المستند (6).

ص: 452


1- الكافي، ج 3، ص 5 باب البئر وما يقع فيها، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 244 - 245، ح 705: الاستبصار، ج 1، ص 44، ح 124.
2- مختلف الشيعة، ج 1، ص 50 المسألة 25 .
3- الفقيه، ج 1، ص 22، ح 35؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 413، ح 1300؛ الاستبصار، ج 1، ص 43، ح 120.
4- المعتبر، ج 1، ص 76 .
5- في ص 435.
6- في ص 447 .

(و) كذا (الحيّة) على المشهور إحالة على الفأرة. وهو مأخذ ضعيف.

قال المحقّق:

ويمكن أن يستدلّ على الحيّة بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء»(1) فينزّل على الثلاث؛ لأنّه أقلّ محتملاته.وعلّله مع ذلك بأنّ لها نفساً سائلة، فتكون ميتتها نجسةً(2).

وألحق الشيخان بها العقرب والوزغة(3) بالتحريك؛ للرواية(4).

وحملها المصنّف على الاستحباب(5) تبعاً لشيخه المحقّق؛ لعدم النفس السائلة لهما ، فلا ينجسان بالموت ولا يتنجّس بهما شيء، بل روي أنّ لهما سمّاً، فيكره لذلك (6).

وكذا القول في سام أبرص.

(ودلو) واحد (في) موت (العصفور وشبهه) ممّا هو دون الحمامة؛ لقول الصادق(علیه السلام) في رواية عمّار: «أقلّه العصفور ينزح منها دلو واحدة»(7).

وقد تقدّم(8) الكلام على الرواية في موت الإنسان.

ولا فرق بين كونه مأكول اللحم أو لا، كالخفّاش للإطلاق، خلافاً للراوندي (9).

ص: 453


1- الكافي، ج 3، ص 6، باب البئر وما يقع فيها، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 240، ح 694: الاستبصار، ج 1، ص 34 ، ح 92.
2- المعتبر، ج 1، ص 75.
3- المقنعة، ص 67 ، وفيها الوزغة فقط النهاية، ص 7: المبسوط، ج 1، ص 30.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 238 ، ح 688 ، وص 245، ح 706: الاستبصار، ج 1، ص 39، ح 106. ولم نعثر على نص في العقرب.
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 259 .
6- المعتبر، ج 1، ص 75 .
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 234 - 235، ح 678 .
8- في ص 434.
9- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 74؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 63 (ضمن موسوعة الشهيد الأول. ج 5).

ولا يلحق به الطائر في حال صغره وإن شابهه في الحجم - خلافاً للصهرشتي(1) - لتعليق الحكم على الاسم. ولابدّ لمدّعي إلحاق المشابه من دليل على التخطّي.

(وبول) الصبيّ (الرضيع الذي لم يغتذ بالطعام) في الحولين اغتذاء غالباً على اللبن أو مساوياً له، فلايضرّ القليل.

والمراد بالطعام نحو الخبز والفاكهة، أمّا السكّر ونحوه فلا يسمّى طعاماً على الظاهر.

ولا تلحق به الرضيعة؛ لعدم النصّ.

(وكلّ ذلك عندي مستحبّ) لما تقدّم(2) من اختياره عدم انفعال البئر بمجرّد الملاقاة، فتُحمل الأخبار الواردة بالنزح على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين مادلّ على عدم النجاسة بدون التغيّر.

(تتمة: لا يجوز استعمال الماء النجس) وماهو في حكمه كالمشتبه به (في الطهارة مطلقاً) اختياراً واضطراراً بقرينة قوله فيما بعدُ: «ولا في الأكل والشرب اختياراً».

ويمكن - على بُعد - أن يريد به ما يشمل الرافعة للحدث والمزيلة للخبث؛ لتسمية الثاني طهارةً مجازاً، وجواز إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه، كما يقسّمون الماء في هذا الباب إلى مطلق ومضاف وغير ذلك.

والمراد بعدم الجواز ما هو المتعارف، وهو التحريم الذي يترتّب على فعل متعلّقه الذمُّ والعقابُ بناءً على أنّ استعمال المكلّف الماءَ النجس فيما يُسمّى طهارةً في نظر الشرع أو إزالة نجاسة مع اعتقاد شرعيّته يتضمّن إدخال ماليس من الشرع فيه فيكون حراماً، أو على تقدير استعماله والاعتداد بالصلاة به فيكون كالمصلّي بغير طهارة،

ص: 454


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 73 - 74؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 62 - 63 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- في ص 421.

والاعتداد بذلك محرم فتكون الوسيلة إليه محرّمةً، أو بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدث مجازاً، كما أنّهم يُطلقون الوجوب في مواضع ويريدون به الوجوب بمعنى الشرط، ولمّا كان التحريم مقابلاً للوجوب أطلق على مقابله كذلك التحريمُ بمعنى عدم الاعتداد به؛ لمقابلته الوجوب الشرطي.

وقد أشار المصنّف إلى إرادة هذا المعنى في النهاية حيث قال بعد التعبير بالتحريم: إنّا لا نعني بالتحريم حصول الإثم بذلك، بل بمعنى عدم الاعتداد به في رفع الحدث(1) .

ثمّ ينقسم الماء النجس بحسب حكمه ثلاثة أقسام أشار المصنّف إلى قسمين منها: مالا يجوز اختياراً واضطراراً، وهو استعماله في الطهارة كما تقدّم، وعكسه، كبلّ الطين به وسقيه الدابّة ونحوهما. وما يجوز مع الاضطرار خاصّة. وقد أشار إليه بقوله (ولا في الأكل والشرب اختياراً) أمّا مع الضرورة كإساغة اللقمة وحفظ الرمق - وهو بقيّة الحياة - وأشباه ذلك فيجوز.

ويجب الاقتصار على ما تندفع به الضرورة، ولفظ الضرورة يشعر بذلك.

(ولو اشتبه النجس من الإناءين) بالطاهر منهما (اجتُنبا) وجوباً.

ولا يجوز التحرّي - وهو الاجتهاد في طلب الأحرى بالاستعمال وهو الطاهر؛ لقرينة - لثبوت النهي عن استعمالهما، والقرينة التي لا تثمر اليقين غير كافية في الخروج عن النهي. وليس هذا كالاجتهاد في القبلة.

وجوّزه الشافعي(2) هنا.

(وتيمّم) عند عدم التمكّن من غيرهما.

ولا يشترط في صحّته إهراقهما قبله ليتحقّق عدم الماء الطاهر؛ لأنّه بالاشتباه في

ص: 455


1- نهاية الإحكام، ج 1، ص 246.
2- الوجيز، ج 1، ص 9 - 10: العزيز شرح الوجيز ، ج 1، ص 73؛ الوسيط ، ج 1، ص 214: حلية العلماء، ج 1، ص 103؛ روضة الطالبين، ج 1، ص 145؛ المجموع شرح المهذب، ج 1، ص 180.

حكم المعدوم، خلافاً للشيخ (1)استناداً إلى خبر ضعيف (2).

وربما كانت الإراقة حراماً؛ لخوف العطش ونحوه.

أمّا لو اشتبه المطلق بالمضاف وجبت الطهارة بكلّ واحد منهما ؛ لأنّه محصّل للطهارة بالمطابق المأمور به يقيناً، فيكون الجمع بينهما مقدّمةً للواجب المطلق فيكون واجباً.

ولا يضرّ عدم الجزم بالنيّة عند كلّ طهارة؛ لأنّ الجزم إنّما يعتبر بحسب الممكن، لكن يشترط لوجوبه بل لصحّته فَقدُ ماليس بمشتبه، وإلّا تعيّن استعماله؛ لقدرته حينئذٍ على الجزم التامّ في النيّة.

ولو فرض انقلاب أحدهما قبل الطهارة به وجبت الطهارة بالآخر ثمّ التيمّم؛ لما تقدّم من أنّ الجمع مقدّمة الواجب المطلق. ولأنّ الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق وقد كان وجوده مقطوعاً به فيستصحب إلى أن يثبت العدم.

ويحتمل ضعيفاً عدم الوجوب فيتيمّم خاصّة؛ لأنّ التكليف بالطهارة مع تحقّق وجود المطلق، وهو منتفٍ. ولأصالة البراءة من وجوب طهارتين.

وجوابهما يُعلم ممّا ذكرناه؛ فإنّ الاستصحاب كافٍ في الحكم بوجود المطلق.

وأصالة البراءة هنا منتفية بوجوب تحصيل مقدّمة الواجب المطلق، وهي لا تتمّ إلّا يفعلهما معاً.

فإن قيل : ماذكرتم من الدليل يقتضي عدم وجوب التيمّم، فإنّ استصحاب وجود المطلق إن تمّ لايتمّ معه وجوب التيمّم؛ إذ هو مع الاشتباه لا مع تحقّق الوجود.

قلنا: الاستصحاب المدّعى إنّما هو استصحاب وجوب الطهارة به بناءً على أصالة عدم فقد المطلق، وذلك لا يرفع أصل الاشتباه؛ لأنّ الاستصحاب لايفيد مافي نفس الأمر، فالجمع بين الطهارتين يحصّل اليقين.

ص: 456


1- النهاية، ص 6.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 229، ج 662، و ص 248، ح 712؛ الاستبصار، ج 1، ص 21، ح 48.

(ويستحبّ تباعد البئر عن البالوعة) التي يرمى فيها ماء النزح أو غيره من النجاسات (سبع أذرع إذا كانت الأرض سهلةً) أي رخوة (وكانت البالوعة فوقها) فوقيّة محسوسة بأن يكون قرارها أعلى من قرار البئر. ولا اعتبار بوجه الأرض.

(وإلّا) أي وإن لم يجتمع الأمران: فوقيّة البالوعة ورخاوة الأرض، ويصدق ذلك بعد مهما وعدم أحدهما (فخمس) أذرع.

وفي حكم الفوقيّة المحسوسة الفوقيّةُ بالجهة - بأن تكون البالوعة في جهة الشمال - وإن استوى القراران؛ لما ورد من أنّ«مجاري العيون مع مهبّ الشمال»(1) .

ويدلّ على اعتبار الصلابة وضدّها مع الشهرة مرسلة قدامة (2)عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته كم أدنى مايكون بين البئر والبالوعة ؟ قال: «إن كان سهلاً فسبعة أذرع، وإن كان جبلاً فخمسة أذرع»(3).

وعلى اعتبار الفوقيّة والتحتيّة رواية الحسن بن رباط، قال: سألته عن البالوعة، فقال: «إن كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، وإذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع»(4).

وما ذكره المصنّف طريق الجمع بين الروايتين.

ويدلّ على اعتبار الجهة مارواه محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف، فقال لي: «إنّ مجرى العيون كلّها مع مهبّ الشمال، فإذا كانت البئر النظيفة فوقَ الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّها إذا كان

بينهما أذرع، وإن كان الكنيف فوقَ النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر ذراعاً »(5).

ص: 457


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 410، ح 1292.
2- في «الأصل وم والطبعة الحجرية: «ابن قدامة». والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
3- الكافي، ج 3، ص 8 باب البئر تكون إلى جنب البالوعة، ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 410 ، ح 1291: الاستبصار، ج 1، ص 45 - 46 ، ح 127.
4- الكافي، ج 3، ص 7 ، باب البئر تكون إلى جنب البالوعة، ح 1 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 410، ح 1290: الاستبصار، ج 1، ص 45، ح 126.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 410، ح 1292 .

وحمل الزائد عن السبع منها على المبالغة في الاستحباب. واستفيد منها اعتبار المجرى، فتكون جهة الشمال فوقاً بالنسبة إلى ما يقابلها مع تساوي القرارين، فيضمّ إلى الفوقيّة والتحتيّة باعتبار القرار وإلى صلابة الأرض ورخاوتها، ويتحصّل من جميع ذلک أربع وعشرون مسألة؛ لأنّ الأرض إمّا رخوة أو صلبة، وعلى التقديرين إمّا أن يكون قرار البئر فوق قرار البالوعة أو أسفل أو يتساوى القراران، فالصور ستّ، ثمّ إمّا أن تكون البئر في جهة الشمال والبالوعة في جهة الجنوب أو بالعكس، أو تكون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب أو بالعكس، ومضروب الأربعة في الستّة يبلغ أربعة وعشرين، لكن لافرق بين كون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب وبين العكس، وإنّما اقتضاه التقسيم، فترجع المسائل إلى ثمانية عشر، فالتباعد بخمس في كلّ صورة يوجد فيها أحد الأمور: صلابة الأرض أو فوقيّة البئر بأحد المعنيين. والسبع في الباقي، وهو كلّ صورة ينتفي فيها الأمران، فيصير التباعد بخمس في سبع صورة صورة، وبسبع في سبع.

وإن أردت توضيح ذلك على وجه التفصيل، فنقول: إذا كانت البئر إلى جهة الشمال، فصوره ستّ:

أ: قرارها أعلى والأرض صلبة.

ب : الصورة بحالها والأرض رخوة.

ج استوى القراران والأرض صلبة.

د : الصورة بحالها والأرض رخوة.

ه_: قرار البالوعة أعلى والأرض صلبة.

ففى هذه الصور الخمس يكفي التباعد بخمس.

و: الصورة بحالها والأرض رخوة، فالتباعد بسبع.

وإن كانت البئر إلى جهة الجنوب، فالصور ستّ أيضاً:

أ : قرارها أعلى والأرض صلبة.

ص: 458

ب: الصورة بحالها والأرض رخوة.

ج : استوى القراران والأرض صلبة.

د: قرار البالوعة أعلى والأرض صلبة.

وفي هذه الصور الأربع التباعد بخمس.

ه_: قرارها أعلى والأرض رخوة.

و : استوى القراران، والأرض رخوة. وفي هاتين الصورتين التباعد بسبع.

وإن كانت البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب، فصُوره ستّ:

أ: قرارها أعلى والأرض صلبة.

ب : الصورة بحالها والأرض رخوة.

ج تساوى القراران والأرض صلبة.

د : البالوعة أعلى والأرض صلبة. ففي هذه الأربع التباعد بخمس.

ه_، و و: رخاوة الأرض مع تساوي القرارين أو فوقيّة البالوعة. وفي هاتين الصورتين التباعد بسبع.

والست بعينها آتية في العكس، وهو ما لوكانت البئر في جهة المغرب والبالوعة في المشرق.

واعلم أنّ في عبارة المصنّف هنا مخالفةً لطيفة لعبارة الأصحاب في المسألة بل العبارته في غير هذا الكتاب، وذلك لأنّه اعتبر في التباعد بسبع رخاوة الأرض وفوقيّة البالوعة، والخمس فيما عدا ذلك، فتساوي قرارهما مع رخاوة الأرض من صور التباعد بخمس؛ لعدم اجتماع شرطي السبع، فإنّ أحدهما فوقيّة البالوعة ولم تحصل، وعبارته في القواعد(1) وغيرها(2) وباقي ماوجدناه من عبارة الأصحاب صريحة في دخول هذه

ص: 459


1- قواعد الأحكام، ج 1، ص 190.
2- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 51 الرقم 32 تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 29، ذيل المسألة 6؛ منتهى المطلب ج 1، ص 110: نهاية الإحكام، ج 1، ص 235 .

الصورة في صور السبع؛ لأنّهم شرطوا في التباعد بخمس أحد الأمرين: صلابة الأرض أو فوقيّة البئر، فتساوي القرارين ليس منه، والرواية التي هي مستند الحكم ليس فيها ما يدلّ على حكم التساوي؛ لأنّه جعل السبع مع فوقيّة البالوعة، والخمس مع فوقيّة البئر، فالتساوي مسكوت عنه.

ومثله عبارة المصنّف في المختلف(1).

واعتبار السبع في المسألة المفروضة مع موافقته للمشهور أبلغ في الاستظهار.

(وأسآر الحيوان) جمع سؤر بالهمزة، وهو لغةً: مايبقى بعد الشرب. وشرعاً: ماء قلیل باشره جسم حیوان وإن لم يشرب منه.

وهو تابع له في الطهارة والنجاسة والكراهة، فأسر الحيوان (كلّها طاهرة عدا) سؤر (الكلب والخنزير والكافر و) من أنواعه (الناصب).

وعطفه عليه إمّا من باب عطف الخاصّ على العامّ، أو يريد بالكافرمَنْ خرج عن الإسلام، وبالناصب الإشارة إلى كفّار المسلمين.

والمراد به من نصب العداوة لأهل البيت(علهم السلام) أو لأحدهم، وأظهر البغضاء لهم صريحاً مَنْ أو لزوماً، ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والإعراض عن مناقبهم من حيث إنّها مناقبهم، والعداوة لمحبيّهم بسبب محبّتهم.

وروى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ليس الناصب مَنْ نصب لنا أهل البيت، لأنّك لاتجد رجلاً يقول: أنّا أبغض محمّداً وآل محمّد، ولكنّ الناصب مَنْ نصب لكم وهو يعلم أنّكم توالوننا وأنّكم من شيعتنا »(2).

والخوارج من جملة النواصب؛ لإعلانهم ببغض عليّ(علیه السلام) ، بل إنّما هو أبلغ من البغض. وأمّا الغُلاة فخارجون من الإسلام اسماً ومعنىً. وذكرهم في فِرَق المسلمين تجوُّز.

وهل ينجس سؤر غير هذه الثلاثة من فِرَق المسلمين؟ قيل: لا ؛ لعدم نقل اجتناب

ص: 460


1- مختلف الشيعة، ج 1، ص 80، المسألة 42 .
2- علل الشرائع، ج 2، ص 327، الباب 385 . ح 60 ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 247، ح 4.

النبيّ وعليّ(علیهما السلام) ذلك ما كان بين عليّ(علیه اسلام) وبين أهل عصره من المباينة والمخالفة في العقائد وسئل عليّ(علیه السلام) عن الوضوء من ركو أبيض مخمّر - أي مغطّى - أو من فضل وضوء المسلمين، فقال: «بل من فضل وضوء جماعة المسلمين، فإن أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة السمحة»(1) وهو اختيار المحقّق والشهيد (رحمه الله) في الذكرى (2).

وألحق جماعة - منهم: المصنّف في بعض كتبه(3)، والشهيد في غيرها(4) - المجسّمة بالحقيقة، وبعضهم(5) المجسّمة ولو بالتسمية، والشيخ (رحمه الله) المجبّرة(6) أيضاً، وابن إدريس كلَّ مَنْ خالف الحقّ (7).

وفي بعض الأخبار: أنّ كلّ مَنْ قدّم الجبت والطاغوت فهو ناصب (8).

واختاره بعض الأصحاب(9) ؛ إذ لا عداوة أعظم ممّن قدّم المنحطّ عن مراتب الكمال، وفضّل المنخرط في سلك الأغبياء الجُهّال على مَنْ تسنّم أوج الجلال حتّى شكّ في أنّه الله المتعال، والله أعلم بحقيقة الحال.

(و) الماء القليل (المستعمل في رفع الحدث طاهر) إجماعاً، سواء في ذلك الحدثُ الأصغر والأكبر (ومطهر) إن كان الحدث أصغر إجماعاً.

وكذا إن كان أكبر على المشهور؛ للعموم. ولأنّ الطَهور ما يتكرّر منه الطهارة كالضَروب، فلا ينافيه.

ص: 461


1- الفقيه، ج 1، ص 12، ح 16 .
2- المعتبر، ج 1، ص 97؛ ذكرى الشيعة، ج 1، ص 69 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 158 ، الرقم 510 .
4- البيان، ص 86 ( ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 12).
5- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 164.
6- المبسوط، ج 1، ص 33.
7- السرائر، ج 1 ، ص 84 .
8- مستطرفات السرائر، ضمن السرائر ، ج 3، ص 583.
9- لم نتحققه.

وذهب الشيخان(1) وجماعة(2) إلى كونه غير مطهّر؛ استناداً إلى أخبار لو لم تكن ضعيفةً أمكن حملها على التنزيه أو على نجاسة المحلّ؛ جمعاً بينها وبين غيرها من صحاح الأخبار.

وربّما علّلوه بتأثّر الماء لتأثيره في المحلّ رفع الحدث، أو رفع منعه من الصلاة حيث لا يرتفع، كما تأثّر رافع الخبث حيث جعل المحلّ بعد الغسل مخالفاً لما قبله، فكأنّ المنع الذي في البدن انتقل إليه.

وهذه العلّة لو تمّت لزم المنع من المستعمل في الصغرى؛ لاشتراكهما في العلّة، لكنّ الثاني جائز الاستعمال إجماعاً فثبت الأول.

ويصير الماء مستعملاً بانفصاله عن أعضاء الطهارة مع قلّته، فالكثير لا يتصوّر فيه الانفعال، كما أنّ المتردّد على الأعضاء لا يمكن الحكم باستعماله، وإلّا لامتنع فعل الطهارة بالقليل.

ولو ارتمس في القليل ارتفع حدثه بعد تمام الارتماس؛ لأنّه في حكم الانفصال، وصار مستعملاً بالنسبة إلى غيره وإن لم يخرج.

ولو نوى جنبان، فكذلك.

ولا يشترط إيقاعه النيّة في الماء بعد تمام الارتماس، كما يظهر من الذكرى(3)، لأنّ الارتماس لا يتبعّض، فلاير تفع الحدث إلّا بعد تمامه على التقديرين.

ويجوز إزالة النجاسة به ولو منعنا من الطهارة به حتّى نقل الفاضل ولد المصنّف الإجماع عليه(4).

ونقل في الذكرى قولاً بالمنع، محتجّاً بأنّ قوّته استُوفيت فالتحق بالمضاف(5) ، ولم يذكر قائله.

ص: 462


1- المقنعة، ص 64: المبسوط، ج 1، ص 28 .
2- منهم الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 13 ذيل الحديث :17 وابن حمزة في الوسيلة، ص 74.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 65 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- إيضاح الفوائد، ج 1، ص 19.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 65 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

(و) المستعمل (في رفع الخبث نجس، سواء تغيّر بالنجاسة أو لا) على أشهر الأقوال خصوصاً بين المتأخّرين.

وحجّتهم أنّه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس.

وقول أبي عبد الله(علیه السلام) : «الماء الذي يغسل به الثوب ويغتسل به من الجنابة لا يتوضّأ منه»(1) .

وقول الكاظم(علیه السلام) في غسالة الحمّام: «لا تغتسل منها»(2) فيثبت الحكم في غسالة غیره؛ إذ لا قائل بالفصل.

وفي هذه الأدلّة نظر.

أمّا الأول؛ فلمنع كلّيّة كبراه؛ فإنّها عين المتنازع، فأخذها في الدليل مصادرة. ولا نتقاضها بماء الاستنجاء.

فإن قيل: خرج ذلك بالدليل، فصار الباقي كالعامّ المخصوص في حجّيته على مابقي.

قلنا: ذلك إنّما يتمّ لو ثبت صورة الدليل كذا وإلّا فلنا أن نخرج ماء النجاسة أيضاً؛ لما سيأتي، مع أنّ كلّيّتها على ما عدا ذلك ممنوعة، وأين الدليل عليه؟

وأمّا الخبر فهو أعمّ من الدعوى؛ فإنّ المنع من الوضوء به أعمّ من النجاسة، فلا يستلزمها؛ لعدم دلالة العامّ على الخاصّ المعيّن.

وعطف الجنابة عليه على تقدير تمامه يؤذن برفع الطهوريّة لا الطهارة.

وأمّا خبر غسالة الحمّام فسيأتي الكلام فيه، مع أنّه معارض بقول الكاظم(علیه السلام) في غسالة الحمّام تصيب الثوب: «لا بأس»(3).

واعلم أنّ فى هذه المسألة أقوالاً أربعة:

أحدها: أنّ الماء المزيل للخبث كالمحلّ قبل الغسل مطلقاً، فمتى لم يطهر المحلّ

ص: 463


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 221 ، ح 630: الاستبصار، ج 1، ص 27 - 28، ج 71.
2- الكافي، ج 1، ص 498، باب الحمام، ح 10.
3- الكافي، ج 3، ص 15، باب ماء الحمام .... 4: الفقيه، ج 1، ص 12 ، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 379 ، ح 1176 .

فالغسالة نجسة كنجاسة المحلّ قبله فيجب غَسل ما أصابه هذا الماء كما يجب غَسل المحلّ بالنسبة إلى عدد الغسلات وجميع ما تقدّم من الأدلة صالح لهذا القول، وكلام المصنّف محتمل له بل ظاهر فيه؛ لإطلاقه القول بنجاسة الماء. وهذا القول نسبه الشهيد (رحمه الله)(1) إلى المصنّف .

وثانيها: أنّ الماء المستعمل في ذلك كالمحلّ ،قبلها، أي قبل الغسلة، فيجب غَسل ما أصابه ماء الغسلة الأولى مرّتين، والثانية مرّة فيما يجب غَسله مرّتين، وهكذا. وهو اختيار الشهيد (رحمه الله)(2) ومَنْ تأخّر عنه.

ويحتمل أن يكون مذهباً للمصنّف أيضاً؛ لأنّ إطلاق القول بنجاسة الماء لا ينافيه.

لكن ليس في عباراته تصريح به، وما تقدّم من الأدلّة صالح له.

ويزيد عن الأوّل اختصاصاً: أنّ المحلّ المغسول تضعف نجاسته بعد كلّ غسلة وإن لم يطهر، ولهذا يكفيه من العدد مالا يكفى قبلُ، فيكون حكم ماء الغسلة كذلك؛ لأنّ نجاسته مسبّبة عنه، ولايزيد حكمه عليه؛ لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل، وهذا هو المقيّد لتلك الأدلّة الدالّة على النجاسة على الإطلاق.

وثالثها: أنّه كالمحلّ ،بعدها أي بعد الغسلة، فإن كان طاهراً فهي طاهرة، كماء الغسلة الثانية فيما يجب غسله مرّتين. وإن كان المحلّ نجساً فهي نجسة على ذلك الوجه، كماء الغسلة الأُولى، فيجب غسل ما لاقته مرّة واحدة؛ لأنّ محلّها يطهر بعدها بغسلة واحدة، وهو اختيار الشيخ في الخلاف(3) .

وحجّته: أنّ المحلّ بعد الأخيرة طاهر مع بقاء بعض مائها فيه، والماء الواحد لا تختلف أجزاؤه في الطهارة والنجاسة.

وجوابه: اختصاص المتّصل بالعفو والحرج والضرورة، بخلاف المنفصل. ويعارَض

ص: 464


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 46 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الدروس الشرعية، ج 1، ص 42 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9).
3- الخلاف، ج 1، ص 179، المسألة 135 .

بماء الأولى للقطع ببقاء شيء منه.

ورابعها كالمحلّ بعده، أي بعد الغسل كلّه، وهو على طرف النقيض بالنسبة إلى القول الأوّل، فماء الغسالة طاهر مطلقاً سواء في ذلك الأولى والأخيرة، ذهب إليه الشيخ في المبسوط (1) والمرتضى(2) (رحمهما الله)، لكن قيّده بورود الماء على النجاسة(3)، وتبعهما ابن إدريس(4) ، وجماعة.

ويظهر من الشهيد في الذكرى الميل إليه؛ لاستضعافه أدلّة النجاسة، واعترافه بأنّه لا دليل عليها سوى الاحتياط (5).

والحجّة على هذا القول أنّه لو حكم بنجاسة القليل الوارد لم يكن لوروده أثر ، ومتى لم يكن له أثر لم يشترط الورود، فيظهر النجس وإن ورد على القليل. ولأنّه لو حكم بنجاسته لم يطهر المحلّ بالغسل العددي، والتالي باطل بالإجماع، والملازمة واضحة. وهذه حجّة المرتضى.

قال في الذكرى: ويلزمه أن لا ينجس بخروجه بطريق أولى(6).

وأجاب المصنّف في المختلف: بمنع الملازمة؛ فإنّا نحكم بطهر الثوب والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحلّ (7).

وهو تعسّف زائد؛ فإنّ الماء إذا لم ينجس بملاقاة النجاسة له لم ينجس بعد انفصاله

ص: 465


1- المبسوط ، ج 1، ص 33 - 34، 62 و 138.
2- حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 128.
3- المسائل الناصريات، ص 72 - 73 المسألة 3 .
4- حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 128؛ وفي السرائر، ج 1، ص 180 : ... فإن كان من الغسلة الأوّلة، يجب غسله. وإن كان من الغسلة الثانية أو الثالثة، لا يجب غسله. وقال العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 72 المسألة 37؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) بعد حكاية القول بالفرق بين ورود الماء على النجاسة و ورودها عليه عن السيد المرتضى : واختاره - تبعه ابن إدريس». انظر السرائر، ج 1، ص 180 - 181 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 47 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
7- مختلف الشيعة، ج 1، ص 72، المسألة 37.

عنها ومفارقته لها بطريق أولى؛ لأنّ المقتضي للتنجيس هو الملاقاة لها لا مفارقتها، فكيف يرتكب فكّ المعلول عن علّته التامّة ثمّ وجوده بدونها !؟

إن قيل : الدليل لمّادلّ على نجاسته بعد الاتّصال والانفصال وتوقّف طهارة المحلّ على عدم نجاسة الماء اقتصر فيه على محلّ الضرورة، وهو ماقبل الانفصال لا ما بعده.

قلنا: الانفصال لا يصلح سبباً للنجاسة ولا جزءاً للسبب؛ لعدم صلاحيته لذلك، فإنّه مقتض لبُعد الماء عن النجاسة، وذلك ينا في قبوله أثرها، ولم لا يرتكب طهارته مطلقاً - كما في ماء الاستنجاء، فإنّ وجود النظير يمنع(1) الاستبعاد - أو يحكم بنجاسته مطلقاً للدليل؟

والحكم بطهر المحلّ خرج بحكم الشارع، وبالإجماع، وبأنّه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل.

وهنا قول خامس حكاه الشهيد (رحمه الله) في حاشية الألفيّة(2) عن بعض الأصحاب ولم يسمّه، وهو أنّ ماء كلّ غسلة كمغسولها قبل الغسل وإن حكم بطهارة المحلّ بل وإن ترامت لا إلى نهاية محتجّاً بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة.

وبيانه أنّ طهارة المحلّ بالقليل على خلاف الأصل المقرّر من نجاسة القليل بالملاقاة، فيقتصر فيه على موضع الحاجة، وهو المحلّ دون الماء.

ويدفعه: حكم الشارع بالطهارة عند تمام الغسلات، فلا اعتبار بما حصل بعد ذلك، وللزوم الحرج المنفيّ.

وربما نسب هذا القول إلى المصنّف(3). وكلامه بالقول الأوّل أليق، وتحقيقه به أنسب، ووجه مناسبة عباراته له أنّه يسوقها في الماء المستعمل في إزالة النجاسة، وبعد الحكم بالطهارة شرعاً لا تصدق النجاسة.

وما نبّهنا عليه من الأقوال وحرّرناه لا يكاد يوجد مجموع الأطراف فيما علمناه وإن

ص: 466


1- في«الأصل و م»: «یدفع».
2- راجع رسائل المحقق الکرکي، ج3، ص231 و 232 .
3- کما في رسائل المحقق الکرکي، ج3، ص231.

كان بعض الفضلاء(1) قد نفى مازاد على ثلاثة أقوال.

بقي هنا شيء ينبغي التنبّه له، وهو أنّ المصنّف عطف بعد «سواء» ب_«أو» في قوله «سواء تغيّر بالنجاسة أو لا» وقد أكثر من استعمال ذلك في كتبه كغيره من الفقهاء، وقد منع منه جماعة من محقّقي العربيّة من المتقدّمين والمتأخّرين.

وحجّتهم في ذلك أنّ «أو» تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء، والتسوية تقتضي نفس الشيئين أو الأشياء، والأجود العطف ب_«أم» المتّصلة التي ماقبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.

قال تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾(2) ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ﴾ (3) ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾(4) ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَمِتُونَ ﴾(5) .

وقال أبو علىّ الفارسي:

لا يجوز «أو» بعد «سواء» فلا يقال: سواء عليَّ قمت أو قعدت؛ لأنّه يكون المعنى سواء عليَّ أحدهما، وذا لا يجوز؛ لأنّ التسوية تقتضي شيئين فصاعداً(6).

وقال ابن هشام في المغني:

قد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا: سواء كان كذا أو كذا، وهو نظير قولهم: يجب أقلّ الأمرين من كذا أوكذا. والصواب العطف في الأوّل ب_«أم» وفي الثاني بالواو.

ثمّ نقل عن الصحاح: سواء عليَّ قمت أو قعدت(7) . قال: وهو سهو.

ص: 467


1- لم نتحققه.
2- المنافقون (63): 6 .
3- إبراهيم (14): 21.
4- البقرة (2): 6.
5- الأعراف (7): 193.
6- حكاه عنه الرضي في شرح الكافية، ج 2، ص 376.
7- الصحاح، ج 4، ص 2386، «سوا».

ونقل عن الهذلي أنّ ابن محيصن قرأ من طريق الزعفراني «أو لم تنذرهم» وحَكَم عليه بأنّه من الشذوذ بمكان(1) .

والظاهر من المصنّف أنّه يختار مانقله صاحب الصحاح من جواز ذلك، وقد وافقه عليه بعض أهل العربيّة.

وظاهر الشيخ الرضي (رحمه الله) اختيار ذلك حيث قال - بعد نقل كلام الفارسي وحجّته بأنّ «أو» تقتضي أحد الشيئين - :

ویرد عليه أنّ معنى «أم» أيضاً أحد الشيئين أو الأشياء، فيكون معنى «سواء عليَّ قمت أم قعدت» سواء عليَّ أيهما فعلت، أي الذي فعلت من الأمرين، وهذا أيضاً ظاهر الفساد. - قال : - وإنّما لزمه ذلك في «أو» و «أم» لأنّه جعل «سواء» خبراً مقدّماً وما بعده مبتدأ. والوجه: أنّ «سواء» خبر مبتدأ محذوف، أي الأمران سواء، ثمّ بيّن الأمرين بقوله: قمت أو قعدت، والجملة سادة مسدّ جواب الشرط الذي لا شكّ في تضمّن الفعل بعد «سواء» و «ما أُبالي» معناه(2) ، ألا ترى إلى إفادة الماضي في مثله معنى المستقبل، وماذاك إلّا لتضمّن معنى الشرط (3).

انتهى كلام الرضي.

وفرّق السيرافي في شرح كتاب سيبويه(4) بين ما لو دخلت همزة التسوية بعد «سواء» أو لم تدخل فجوّز «أو» على الثاني دون الأول، فقال:

«سواء» إذا دخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت «أم» بعدها، كقولك: سواء عليّ

ص: 468


1- مغني اللبيب، ج 1، ص 95 .
2- أي معنى الشرط.
3- شرح الكافية، ج 2، ص 375 - 377 .
4- لا يوجد كتابه لدينا.

أقمت أم قعدت، وإن كان بعد «سواء» فعل بغير استفهام، جاز عطف أحدهما على الآخر ب_«أو» كقولك: سواء عليّ قمت أو قعدت. انتهى.

وكلام المصنّف جارٍ على القسم الثاني، والآيات الشريفة على الأوّل.

فقد تلخّص في المسألة ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً، والجواز مطلقاً، والتفصيل. وإنّما أطنبنا القول في ذلك؛ لكثرة جريانه وشدّة الحاجة إليه وعدم اشتهار ماحرّرناه من الخلاف. ثمّ عُد إلى عبارة الكتاب.

واعلم أنّ المستعمل في إزالة الخبث نجس( إلّا ماء الاستنجاء) من الحدثين (فإنّه طاهر) إجماعاً، كما نقله المصنّف في المنتهى(1). وفي المعتبر: هو العفو(2) . وقرّبه في الذكرى(3) .

وتظهر الفائدة في استعماله ثانياً، فيجوز على الأول دون الثاني.

والأصل فيه حكم الصادق(علیه السلام) بعدم نجاسة الثوب الملاقي له(4). وهو يستلزم الطهارة.

ولأنّ في الحكم بنجاسته حرجاً أو مشقّةً؛ لعموم البلوى به، وكثرة تكرّره ودورانه، بخلاف باقي النجاسات. والإجماع الذي ادّعاه المصنّف كافٍ أيضاً.

ولا فرق بين المخرجين، ولا بين المتعدّي وغيره إلّا أن يتفاحش بحيث يخرج عن مسمّى الاستنجاء، ولا بين الطبيعي وغيره إذا صار معتاداً؛ لإطلاق الحكم.

لكن يشترط لطهارته أُمور دلّ على اشتراطها أدلّة أُخرى أشار إلى بعضها بقوله:

ص: 469


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 130؛ وفي منتهى المطلب، ج 1، ص 143 هكذا: عفي عن ماء الاستنجاء إذا سقط منه شيء على ثوبه أو بدنه انتهى، ولم يتعرّض لذكر الإجماع.
2- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 45 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) وجامع المقاصد، ج 1، ص 130 وقال المحقق في المعتبر، ج 1، ص 91 وأما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين، وقال علم الهدى (رحمه الله) في المصباح: لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن. وكلامه صريح في العفو وليس بصريح في الطهارة. انتهى.
3- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 45 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل ، ج 5).
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 86 87، ح 228 .

(مالم يتغيّر بالنجاسة أو يقع على نجاسة خارجة) عن حقيقته، كالدم المستصحب للخارج، أو عن محلّه وإن لم يخرج عن الحقيقة، كالحدث الملقى على الأرض، وغيره من النجاسات، فلا يحتاج إلى تنقيح المحلّ بجعل عدم استصحابه لنجاسة أُخرى شرطاً ثالثاً.

ويشترط زيادةً على ما ذُكر: أن لا تنفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متميّزة؛ لأنّها كالنجاسة الخارجة يتنجّس الماء بها بعد مفارقة المحلّ.

وهل يشترط عدم زيادة الوزن؟ ظاهر الشهيد في الذكرى(1) ذلك.

والظاهر عدم الاشتراط؛ لانحصار التنجيس في تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة، لا مطلق الوصف، كالثقل والخفّة وغيرهما.

وأمّا سبق الماءِ اليدَ إلى المحلّ أو مقارنتها له فلا أثر له؛ لتنجّس اليد على كلّ حال، فلافرق بين تقدّمها عليه وتأخرها عنه.

نعم، يجب تقييد ذلك بما إذا كانت نجاستها لكونها آلةً للغسل، فلو تنجّست لا لذلك ثمّ حصل الاستنجاء فلا عفو .

(وغسالة الحمّام) وهي الماء المستنقع فيه والمنفصل عن المغتسلين (نجسة مالم يعلم خلوّها من نجاسة) لنهي الكاظم(علیه اسلام) عن الاغتسال من البئر التي تجمع فيها غسالة الحمّام، معللاً بأنّ فيها غسالة ولد الزنى والناصب وهو شرّهما (2).

وهذا هو المشهور حتّى ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع(3).

والرواية ضعيفة السند ،مرسلةُ ومعارضة بقوله (علیه السلام) في حديث آخر وقد سُئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: «لا بأس» (4).

ص: 470


1- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 45 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الكافي، ج 1، ص 498 - 499، باب الحمام، ح 12؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 373، ح 1143.
3- السرائر، ج 1، ص 90 - 91.
4- الكافي، ج 3، ص 15 ، باب ماء الحمام .... ح 4؛ الفقيه، ج 1، ص 10، ح 17؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 379 ، ح 1176.

وهذه الرواية وإن كانت مرسلةً أيضاً إلّا أنّها لا تقصر عن مقاومة الرواية الأُخرى، و تبقى معنا أصالة طهارة الماء.

واختار المصنّف في المنتهى طهارتها (1)؛ للخبر(2) ، والأصل، وهو الظاهر إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

(وتكره الطهارة ب_) الماء (المسخّن في الشمس في الأواني) لماورد من نهي النبيّ(علیه السلام) عنه، معلّلاً بأنّه يورث البرص (3).

وحُمل النهي على الكراهة، جمعاً بينه وبين قول الصادق(علیه السلام):« لابأس بأنّ يتوضّأ بالماء الذي يوضع في الشمس»(4) .

ويمكن الجمع بين خبري الغسالة بذلك؛ ولأنّ العلّة راجعة إلى المصلحة الدنيويّة، فالنهي من قبيل الإرشاد على حدّ قوله تعالى: (وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ)(5) .

وإنّما لم يكن محرّماً مع الاتّفاق على وجوب دفع الضرر؛ لأنّه ليس بمعلوم الوقوع ولا مظنونه، وإنّما هو ممكن نظراً إلى صلاحيته له.

وكما تكره الطهارة به يكره استعماله في غيرها من إزالة نجاسة وأكل وشرب على الظاهر؛ لاقتضاء التعليل ذلك. ولا يشترط القصد إلى التسخين، فيعمّ الحكم المتسخّن بنفسه، فلو قال «المتسخّن» كان أولى.

وكذا لا يشترط بقاء السخونة، استصحاباً ،لماثبت ولصدق الاسم مع زوالها؛ إذ المشتقّ لا يشترط في صدقه بقاء أصله. وربما قيل باشتراطهما.

ولا فرق بين الأواني المنطبعة - كالنحاس والحديد - وغيرها، ولا بين البلاد الحارّة

ص: 471


1- منتهى المطلب، ج 1 ، ص 146-147.
2- المصادر في الهامش 4 في ص 470.
3- الكافي، ج 3، ص 15، باب ماء الحمام ... . ح 5؛ علل الشرائع، ج 1، ص 327، الباب 194، ح 2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 379 - 380، ح 1177.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 366 - 367 ، ح 1114؛ الاستبصار، ج 1، ص 30، ح 78 .
5- البقرة (2): 282 .

وغيرها وإن كان المحذور يقوّي تولّده في الأوّلين، لتأثير الشمس فيهما زهومة يتولّد منها المحذور، فإنّ الحكم إذا علّق بمظنّة شيء عمّ جميع أفراده وإن قصر بعضها عن ذلك، كالقصر المعلّق بمظّنة المشقّة، وهو السفر إلى مسافة مع عدم عموم المشقّة لجميع أفراده، بل ربما حصلت المشقّة في بعض الأفراد في بعض المسافة أضعاف ما يحصل في الزائد عنها لفرد آخر.

والتقييد بالأواني يشعر باختصاص الحكم بها، فلوتسخّن الماء في حوض أو في ساقية (1)لم يكره استعماله.

وإطلاق النصّ والفتوى والتعليل يقتضي عدم الفرق بين القليل من الماء والكثير.

ولا منافاة بين الوجوب عيناً والكراهة، كما في الصلاة وغيرها من العبادات على بعض الوجوه، فلو لم يجد ماء آخر غيره لم تزل الكراهة وإن وجب استعماله عيناً؛ لبقاء العلّة، مع احتمال الزوال كما يأتي.

(و) كذا يكره استعمال الماء (المسخّن بالنار في غسل الأموات) لماورد من نهي أبي جعفر(علهی السلام) (2)عنه، وعلّل مع ذلك بأنّ فيه أجزاءً ناريّة فلا تعجّل له، وتفاؤلاً بالحميم، وبأنّه يرخي بدن الميّت ويعدّه لخروج شيء من النجاسات.

ومحلّ الكراهة عند عدم الضرورة، أمّا معها كخوف الغاسل على نفسه من البرد فلا، مع احتمال بقائها كمامرّ.

وكذا لا يكره استعماله في غير غسل الأموات؛ للأصل، وعدم النصّ، وفقد العلّة. (و) كذا يكره (سؤر) الحيوان (الجلّال) وهو الذي يغتذي بعذرة الإنسان محضاً إلى أن ينبت لحمه عليه، ويشتدّ عظمه، أو يسمّى في العرف جلّالاً. وسيأتي تفصيله وتحقيقه إن شاء الله تعالى.

(وآكل الجيف) مع خلق موضع الملاقاة من عين النجاسة.

ص: 472


1- في «الأصل وم»: «أو ساقية».
2- الفقيه، ج 1، ص 142 ، ح 394؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 322، ح 938 .

(و) سؤر (الحائض المتّهمة) بعدم التحفّظ من النجاسة والمبالاة بها.

وإنّما كره، جمعاً بين رواية النهي عن الوضوء بفضلها عن الصادق(علیه السلام)(1) وبين نفي البأس إذا كانت مأمونةً عن الكاظم(علیه السلام)(2) ؛ إذ لا قائل بالتحريم.

وأطلق الشيخ في المبسوط(3) الكراهة؛ لإطلاق بعض الأخبار. وحمل المطلق على المقيّد طريق الجمع.

وطرد الشهيد (رحمه الله) الحكم في كلّ متّهم (4).

ونُوقش(5) فيه حيث إنّه تصرّف في النصّ.

(و) سؤر (البغال والحمير) الأهليّة دون الوحشيّة، وكذا الدوابّ؛ لكراهة لحم الجميع.

(و) سؤر (الفأرة والحيّة) وكذا كلّ ما لا يؤكل لحمه.

(وما مات فيه الوزغ) بالتحريك جمع وزغة دابّة معروفة، وكذا ما خرج منه حيّاً، وسام أبرص من أصنافه.

وفي الصحاح : سام أبرص من كبار الوزغ(6).

(و) ما مات فيه (العقرب) وقد روي عن الباقر(علیه السلام) الأمر بإراقة ما يقع فيه العقرب(7) . وهو للتنزيه أو للسمّ.

وفي كثير من هذه قول بالمنع(8) مستند إلى روايات معارضة بأشهر منها. وحملها على الكراهة طريق الجمع.

ص: 473


1- الكافي، ج 3، ص 10 - 11، باب الوضوء من سؤر الحائض .... ح 1 و 3 و 4: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 222، ح 634 - 636: الاستبصار، ج 1، ص 17 ، ح 32 - 34 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 221 - 222، ج 632؛ الاستبصار، ج 1، ص 16 - 17 ، ح 30.
3- المبسوط، ج 1، ص 27.
4- البيان، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
5- المناقش هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 124.
6- الصحاح، ج 2، ص 1029، «برص».
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 230، ح 664: الاستبصار، ج 1، ص 27، ح 69.
8- انظر النهاية، ص 6.

(النظر السادس فیما یتبع الطهارة)

وهو إزالة النجاسة الذي يطلق عليه الطهارة مجازاً.

ولمّا كان الحكم بوجوب إزالتها وكيفيّته موقوفاً على العلم بها - لتوقّف التصديق بالشيء على تصوّره - أشار إلى تعدادها أوّلاً، فقال: (النجاسات عشرة) أنواع:

(البول والغائط من) الحيوان (ذي النفس السائلة) أي ذي الدم الذي يجتمع في العروق، ويخرج إذا قطع شيء منها بسيلان وقوّة، بخلاف دم مالانفس له، كالسمك، فإنّه يخرج ترشيحاً.

وإنّما يكونان نجسين إذا كانا من الحيوان (غير المأكول) اللحم، سواء كان تحريمه (بالأصالة) أي بأصل الشرع، لا بسبب عارض له أوجب تحريمه بعد أن كان محلّلاً (كالأسد، أو) كان تحريمه (بالعرض كالجلّال) ومثله موطوء الإنسان.

ومستند الجميع قول الصادق(علیه السلام) : «اغسل ثوبك من أبوال مالايؤكل لحمه »(1).

والغائط كالبول إجماعاً؛ لعدم القائل بالفرق.

وأخرج جماعةٌ من الأصحاب الطير(2)، وابنُ الجنيد بولَ الرضيع قبل أكله اللحم(3) ؛ استناداً إلى روايات معارضة بأشهر منها، أوقابلة للجمع.

ودخل في غير المأكول الإنسانُ بجميع أصنافه حتّى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يثبت أنّه(صلی الله علیه و آله و سلم) أقرّ

ص: 474


1- الكافي، ج 3، ص 57، باب أبواب الدواب وأورائها، ح 3 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 264، ح 770.
2- منهم الشيخ الصدوق في الفقيه، ج 1، ص 71، ذيل الحديث 164؛ وابن أبي عقيل والجعفي كما في مختلف الشيعة، ج 1، ص 298، المسألة 220؛ وذكرى الشيعة، ج 1، ص 70 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 301 المسألة :222؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 71 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).

أُمّ أيمن على شرب بوله وإن قال لها: «إذن لا تلج النار بطنك»(1) كمالم يثبت أنّه أقرّ حجّامه على شرب دمه، بل روي أنّه أنكر في الموضعين حتّى قال لأبي طيبة: «لا تَعُد، الدم كلّه حرام»(2) والمثبت مقدّم على النافي.

والمعتبر في الغائط صدق اسمه، فالحبّ الخارج من المحلّ غير المستحيل طاهر.

واعتبر المصنّف في طهارته إمكان نباته لوزُرع (3).

وليس بجيّد، بل المعتبر صدق الاسم.

(والمنيّ من كلّ حيوان ذي نفس سائلة وإن كان مأكولاً) ولافرق بين الآدمي وغيره، ولابين الحيوان البرّي والمائي كالتمساح؛ لعموم قول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إنّما يغسل الثوب من المنيّ والدم والبول»(4).

(والميتة من ذي النفس السائلة مطلقاً) سواء كان مأكول اللحم أم لا إجماعاً، ومنه الآدمي.

لكن يجب أن يستثنى منه ما إذا حكم بطهره شرعاً إمّا لتطهيره بالغسل وإن كان متقدّماً على موته كالمأمور به ليقتل، أو لكونه لم ينجس بالموت لكونه شهيداً أو معصوماً.

والاحتجاج بأنّ الآدمي لو كان نجساً لماطهر بالغسل معارَض بأنّه لو كان طاهراً لما أُمر بغسله، وقبوله الطهارة يوجب اختلاف النجاسات في ذلك بوضع الشرع. ولابعد فيه عند مَنْ نظر إلى مختلفات الأحكام.

(وأجزاؤها) نجسة كجملتها (سواء أُبينت) أي فصلت الأجزاء (من حي أو ميّت إلّا مالا تحلّه الحياة) من تلك الأجزاء (كالصوف والشعر والوبر والعظم والظفر)

ص: 475


1- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز، ج 1، ص 37.
2- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز، ج 1، ص 38.
3- منتهى المطلب ج ، ج 2، ص 179؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 266؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 51، ذيل المسألة 15.
4- سنن الدارقطني، ج 1، ص 311 ، ح 1/451 : السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 21 - 32. ذيل الحديث 40: مسند أبي يعلى، ج 3، ص 185 - 186 . ح 1611.

والظلف والقرن والحافر والسنّ من جملة العظم. وفي حكمها البيض إذا اكتسى القشر الأعلى، والإ نفحة - بكسر الهمزة وفتح الفاء مخفّفةً، قاله الجوهري(1)، ويجوز تشديد الحاء - وهي كرش السخلة قبل أن تأكل وإن حلّتها الحياة، فإنّ هذه الأشياء كلّها طاهرة بالأصل وإن كانت من الميتة (إلّا) أن تكون (من نجس العين كالكلب والخنزير والكافر) فإنّها نجسة؛ لنجاسة أعيانها، فيدخل فيه جميع أجزائها.

وخالف المرتضى (رحمه الله) في ذلك، فحَكَم بطهارة ما لا تحلّه الحياة منها؛ استناداً إلى عدم تنجّس ما لا تحلّه الحياة منها بالموت كغيرها من الميتات(2).

وأُجيب(3): بأنّ المقتضي للتنجيس في الميتة صفة الموت، وهي غير حاصلة فيما لا تحلّه الحياة، وفيهما نفس الذات(4) ؛ لقول الصادق(علیه السلام) في الكلب: «رجس نجس»(5) وقوله(علیه السلام) في الخنزير: «اغسل يدك إذا مسسته كما تمسّ الكلب»(6) وهو يقتضي أن تكون عينها نجاسةً، فتدخل فيه جميع الأجزاء.

(والدم من ذي النفس السائلة) مطلقاً؛ لعموم الخبر المتقدّم (7)، أو إطلاقه، ومنه العلقة وإن كانت في البيضة حتّى ادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع على نجاستها(8) .

واحتجّ عليها في المعتبر: بأنّها دم حيوان له نفس (9).

وفي الدليل منع، وتكوّنها في الحيوان لا يدلّ على أنّها منه.

ص: 476


1- الصحاح، ج 1، ص 413، «نفح».
2- المسائل الناصريات ص 100 - 101، المسألة 19 .
3- المجيب هو العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 314 ذيل المسألة 231؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد ج 1، ص 161.
4- أي مقتضي التنجيس في الكلب والخنزير نفس ذاتهما.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 225، ح 646: الاستبصار، ج 1، ص 19، ح 40.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 382 - 383، ح 1130.
7- في ص 475 الهامش 4 .
8- الخلاف، ج 1، ص 490 - 491، المسألة 232.
9- المعتبر، ج 1، ص 422.

وقول ابن الجنيد بعدم نجاسة الثوب بدم كعقد الإبهام العليا (1)الكافي، ج 3، ص 59، باب الثوب يصيبه الدم .... ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 260، ح 755 . (2)مخالف للإجماع.

واحترز بذي النفس عن غيره، كالسمك والجراد والبراغيث ونحوها فإنّ دمها طاهر عندنا إجماعاً، نقله الشيخُ في الخلاف(3)، وغيرُه(4) من المتأخّرين، فخلافه في المبسوط والجمل مدفوع باعترافه بالإجماع.

ولقول الصادق(علیه السلام) : «ليس به بأس»(5) وعن عليّ(علیه السلام) أنّه كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ .

ويستثنى من دم ذي النفس ما يستخلف في اللحم ممّا لا يقذفه المذبوح، فإنّه طاهر حلال إذا لم يكن جزءاً من محرّم، كدم الطحال.

ولا فرق بين تحلّفه في العروق أو في اللحم أو البطن ما لم يُعلم دخول شيء من الدم المسفوح ، أو تخلّفه لعارض كجذب الحيوان له بنفسه، أو لذبحه في أرض منحدرة ورأسه أعلى، فإنّ ما في البطن حينئذٍ نجس.

(والكلب والخنزير وأجزاؤهما) وإن لم تحلّها الحياة حتّى المتولّد منهما وإن باينهما في الاسم. أمّا المتولّد من أحدهما وحيوان طاهر فإنّه يتبع في الحكم الاسمَ، سواء كان لأحدهما أم لغيرهما، فإن لم يصدق عليه اسم أحدهما ولا غيرهما ممّا هو معلوم الحكم فالأقوى فيه الطهارة والتحريم.

(والكافر) بجميع أصنافه (وإن أظهر الإسلام إذا جحد ما يعلم ثبوته من الدين

ص: 477


1- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1، ص 4
2- 20 و 427: والعلامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 317، المسألة 233؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 72 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- الخلاف، ج 1، ص 476. المسألة .219 .
4- المبسوط، ج 1، ص 61؛ الجمل والعقود، ضمن الرسائل العشر، ص 170 - 171 حيث أفتى بنجاسة دم غير ذي النفس.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 255، ح 740: الاستبصار، ج 1، ص 176، ح 611.

ضرورة، كالخوارج) وهُم أهل النهروان ومَنْ دان بمقالتهم.

وسمّوا بذلك؛ لخروجهم على الإمام(علیه السلام) بعد أن كانوا من حزبه، أو لخروجهم من الإسلام كما وصفهم النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بأنّهم:« يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمِيَّة(1)»(2) ويسمّون أيضاً الشراة؛ لقولهم: نحن شرينا أنفسنا ابتغاء وجه الله. وخرجوا على إمامهم بشبهة التحكيم.

وقد روي عن الباقر(علیه السلام) أنّه قال عن خارجي بعد مفارقته إيّاه: «مشرك والله إي والله مشرك»(3).

(والغُلاة) جمع غال، وهو لغةً: مجاوزة الحدّ في شيء. والمراد هنا الدين، زادوا في الأئمة (علیهم السلام) واعتقدوا فيهم أو في أحدهم أنّه إله، ونحو ذلك.

ويطلق الغلوّ أيضاً على مَنْ قال بإلهيّة أحدٍ من الناس.

والأنسب أن يكون هو المراد هنا.

وفي حكمهم النواصبُ، وهم الذين ينصبون العداوة لأهل البيت(علیهم السلام) كما تقدّم. والمجسّمةُ، كما اختاره المصنّف في غير هذا الكتاب(4) ، وهُم قسمان: مجسّمة بالحقيقة، وهم الذين يقولون: إنّ الله جسم كالأجسام. ولاريب في كفر هذا القسم وإن تردّد فيه بعض الأصحاب(5) . ومجسّمة بالتسمية المجرّدة، وهم القائلون بأنّه جسم لا كالأجسام. وفي نجاسة هذا القسم تردّد، وكأنّ الدليل الدالّ على نجاسة الأوّل دالّ على الثاني؛ فإنّ مطلق الجسميّة يوجب الحدوث وإن غاير بعضها بعضاً.

ص: 478


1- في «الأصل و م» والطبعة الحجرية: «الرامي» بدل «الرمية» وما أثبتناه هو الصحيح كما في المصادر.
2- الجامع الصحيح، ج 4، ص 481، ح 2188؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 8، ص 295، ح 16700؛ المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 146 و 147.
3- أورده الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 76 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5) وانظر الكافي، ج 2، ص 387 ، باب الكفر ، ح 14.
4- تحرير الأحكام الشرعية، ج 1، ص 158، الرقم 510؛ منتهى المطلب، ج 3، ص 224.
5- لم نتحقّقه.

وألحق الشيخُ بهم: المجبّرة (1)، والمرتضى(2) وجماعة: مَنْ خالف الحق مطلقاً.

وما ذكره المصنّف من الفِرَق على جهة المثال، وضابطه: مَنْ جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وإن انتحل الإيمان فضلاً عن الإسلام.

والأصل في نجاسة الكافر بأقسامه - بعد إجماع الإماميّة - قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )(3)وإضمار «ذو نجس» ونحوه على خلاف الأصل لا يصار إليه إلّا مع تعذّر الحمل على الحقيقة وقد قال الله تعالى عن اليهود والنصارى: (وَتَعَلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(4) ، وعمّن خالف الإيمان: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )(5) وخروج بعض الأفراد لدليل لاينفي دلالته على الباقي.

وأيضاً فالنصارى قائلون بالتثليث وهو شرك، وكلّ مَنْ قال بنجاستهم قال بنجاسة جميع الفرق، فالفرق إحداث قول ثالث خارج عن الإجماع.

(والمسكرات) المائعة بالأصالة، فالخمر المجمَّد ،نجس، والحشيشة ليست نجسةً وإن عرض لها الذوبان.

وتوقّف المصنّف في المنتهى في تحريم الحشيشة؛ لعدم وقوفه على قول لعلمائنا فيها، قال: والوجه أنّها إن أسكرت فحكمها حكم الخمر في التحريم لا النجاسة (6).

والقول بنجاسة المسكر هو المشهور بين الأصحاب.

ونقل المرتضى فيه(7) الإجماع، ومستنده مع الإجماع وصفه في الآية (8)بالرجس

ص: 479


1- المبسوط، ج 1، ص 33.
2- نسبه إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 164.
3- التوبة .(9) : 28 .
4- المؤمنون (23): 92 .
5- الأنعام (6) : 125 .
6- منتهى المطلب، ج 3، ص 222 .
7- في الطبعة الحجرية: «فيها».
8- المائدة (5): 90 .

المرادف للنجاسة(1) ، ولذلك يؤكّد بها، كقولهم: رجس نجس.

ويدلّ عليها أيضاً أخبار، منها: قول الصادق(علیه السلام): «لاتصلّ في ثوب أصابه خمر أو

مسكر حتّى تغسل»(2) .

ولا تخلو تلك الأخبار من ضعف إمّا في السند أو الدلالة، ومن ثَمَّ قال الصدوق(3) وجماعة (4)،بطهارتها تمسّكاً بأحاديث، مع مساواتها لتلك في الضعف. وقصور بعضها في الدلالة لا تقاوم الإجماعَ - وإن كان منقولاً بخبر الواحد - وظاهرَ القرآن.

(و) في حكمها (العصير) العنبي على المشهور خصوصاً بين المتأخّرين.

ويظهر من الذكرى أنّ القائل به قليل، ولانصّ عليه ظاهراً(5).

وفي البيان: لم أقف على نصّ يقتضي تنجيسه(6).

وإنّما ينجس عند القائل به (إذا غلى) وهو أن يصير أعلاه أسفله بنفسه أو بالشمس أو بالنار (واشتدّ) وهو أن يحصل له ثخانة، وهي مسبّبة عن مجرّد الغليان عند الشهيد(7) ، وتبعه الشيخ عليّ (رحمه الله)(8).

ووجهه: أنّ الغليان لمّا كان هو الموجب لها فكلّ جزء منه يوجب جزءاً منها، ولمّا كان المعتبر أوّل أخذه في الثخانة كفى فيه أوّل أخذه في الغليان وإن لم تظهر للحسّ.

وفي المعتبر: يحرم مع الغليان، ولا ينجس إلّا مع الاشتداد (9).

ص: 480


1- المسائل الناصريات، ص 95-96، المسألة 16 .
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 278 ، ح 817؛ الاستبصار، ج 1، ص 189 ، ح 660.
3- الفقيه، ج 1، ص 74. ذيل الحديث 167.
4- منهم: الجعفي كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5) وابن أبي عقيل كما في مختلف الشيعة، ج 1، ص 310، المسألة 230.
5- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
6- البيان، ص 86 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12) .
7- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 74 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
8- جامع المقاصد، ج 1، ص 162 .
9- المعتبر، ج 1، ص 424.

وهذا هو الظاهر ، فإنّ التلازم غير ظاهر خصوصاً فيما غلى بنفسه.

والحكم مخصوص بعصير العنب كما ذكرناه، فلا یلحق به عصير التمر وغيره حتّى الزبيب على الأصحّ مالم يحصل فيه خاصّة الفقّاع؛ للأصل، وخروجه عن مسمّى العنب، وذهاب ثلثيه بالشمس، فكما تعتبر في نجاسته فكذا في طهارته فيحلّ طبيخه، خلافاً الجماعة من الأصحاب محتجّين بمفهوم رواية عليّ بن جعفر عن أخيه(علیه السلام) حيث سأله عن الزبيب يؤخذ ماؤه فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه، فقال: «لا بأس» (1).

ودلالة المفهوم الوصفي ضعيفة عندنا لو صحّ سند الحديث، كيف! وفي طريقه سهل بن زیاد.

وغاية نجاسة العصير ذهاب ثلثيه بالنار وغيرها، أو انقلابه خّلاً قبل صيرورته دبساً.

ولو أصاب شيئاً قبل ذهاب الثلثين فنجّسه، كفى في طُهره جفاف ثلثي ما أصاب من البلل؛ لوجود علّة الطهر، فلا يتخلّف عنها المعلول.

ومتى حكم بطهره حكم بطهر آلات طبخه، وأيدي مزاوليه وثيابهم، كما يحكم بطُهر آنية الخمر ومافيها من الأجسام الموضوعة للعلاج وغيره بانقلابه خلّا، وطُهرِيد نازح البئر والدلو والرشاء وحافّات البئر وجوانبها.

والسرّ في جميع ذلك أنّه لولا الحكم بطهره، لكانت طهارة هذه الأشياء إمّا متعذّرةً أو متعسّرةً جدّاً بحيث يلزم منه مشقّة عظيمة وحرج واضح مدفوع بالآي والخبر.

ولو وضع فيه أجسام طاهرة، تبعته في الطهارة والنجاسة، قطع به المصنّف في النهاية(2) ، ويؤيّده طُهر الأجسام المطروحة في الخمر المنقلب خلّاً. وليس قياساً ممنوعاً، بل جليّاً من باب مفهوم الموافقة.

(و) العاشر من أنواع النجاسات العشر (الفُقّاع) وهو من تفرّدات علمائنا، وقد ورد في الأخبار من الطريقين كونه بمنزلة الخمر.

ص: 481


1- الكافي، ج 6 ، ص 421 ، باب الطلاء، ح 10: تهذيب الأحكام، ج 9، ص 121، ح 522 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 273 .

نقل المرتضى عن أحمد بإسناده أنّ الغبيراء التي نهى النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) عنها هي الفقّاع.

وعن زيد بن أسلم : الغبيراء التي نهى النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) عنها هى الأسكركة، وهي خمر الحبشة(1) .

ومن طريق الأصحاب: مارواه سلیمان بن جعفر(2)، قال: قلت للرضا(علیه السلام) : ما تقول في

شرب الفقّاع؟ فقال: «هو خمر مجهول»(3) .

وعنه(علیه السلام) : «هي خمرة استصغرها الناس»(4).

والأصل في الفقّاع ما يُتخذ من ماء الشعير، كما ذكره المرتضى في الانتصار(5) ، لكن لمّا ورد النهي عنه معلّقاً على التسمية ثبت له ذلك - سواء أعمل منه أم من غيره - إذا حصل فيه خاصّته، وهي(6) النشيش.

وما يوجد في الأسواق ممّا يُسمّى فُقّاعاً يحكم بتحريمه تبعاً للاسم، إلّا أن يعلم انتفاؤه قطعاً، كما لو شُوهد الناس يضعون ماء الزبيب وغيره الخالي من خاصّيّته في إناءٍ طاهر ولم يغيبوا به عن العين ثمّ أطلقوا عليه اسم الفُقّاع، فإنّه لا يحرم بمجرّد هذا الإطلاق؛ للقطع بفساده.

واعلم أنّ ما ذكرناه من كون الفُقّاع هو أحد الأنواع العشرة للنجاسة هو المشهور في التقسيمات، وإلّا فيمكن جَعل العصير العنبي أحدَ العشرة، أو هو مع الفُقّاع بناءً على اشتراكهما في معنى واحد، وهو كونهما بحكم المسكر.

ص: 482


1- الانتصار، ص 421. المسألة 239 .
2- في تهذيب الأحكام: سليمان بن حفص.
3- الكافي، ج 1، ص 423 - 424، باب الفقاع، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 124، ح 539: الاستبصار، ج 4. ص 95 . ح 368 .
4- الكافي، ج 6 ، ص 423 باب الفقاع، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 125، ح 540؛ الاستبصار، ج 4، ص 95، ح 369.
5- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 162؛ وانظر الانتصار، ص 420 المسألة .239 .
6- في «الأصل و م»: «هو».

ولمّا فرغ من بيان النجاسات بذكر أنواعها شرع في بيان حكمها وهو المقصود بالذات، فقال:

(و تجب إزالة النجاسات) المذكورة ( عن الثوب والبدن للصلاة والطواف) وجوباً مشروطاً بوجوبهما، لا مستقراً - بمعنى تحريمهما بدون الإزالة - ولو كانا مندوبین، فوجوب الإزالة بمعنى الشرط على سبيل المجاز.

(ودخول المساجد) وإن لم يخف التلويث على ما اختاره المصنّف؛ فلذا أطلقه هنا؛ لقول النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم): «جنّبوا مساجدكم النجاسة»(1) .

وللاتفاق على منع الكافر من دخولها، وماذاك إلّا لنجاسته.

واعتبر جماعة من الأصحاب(2) في وجوب إزالتها لدخول المساجد كونها متعدّيةً إلى المسجد أو شيء من آلاته، أمّا مع عدمه فلا؛ لجواز دخول المستحاضة والحائض المسجد والأطفال وهُم لا ينفكّون عن النجاسة غالباً.

قال في الخلاف: يجوز للمجنب والحائض دخول المساجد بالإجماع (3). ولم يعتبر التلويث.

ومنع الكافر؛ لغلظ نجاسته، أو لأنّه معرّض للتلويث غالباً، أو لاختصاصه بذلك.

و یستفاد من الحديث وجوب إزالتها عن المساجد كفايةً؛ لعموم الخطاب وإن تأكّد الوجوب على مدخلها.

وهل ينافي إزالتها الصلاة مع سعة الوقت وإمكان الإزالة؟ وجه أخذ من أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه، وأنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد.

وفي المقدّمة الأولى منع ظاهر؛ فإنّ الذي يقتضي الأمر بالإزالة النهي عنه هو الضدّ

ص: 483


1- أورده العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 433، ذيل المسألة 99 ونهاية الإحكام، ج 1، ص 280 .
2- منهم الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 81 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 169.
3- الخلاف، ج 1، ص 513 - 514، المسألة 258، وص 517 - 518 المسألة 259 .

العامّ الذي هو النقيض، لا الخاصّ كالصلاة، فإنّ المطلوب في النهي هو الكفّ عن الشيء، والكفّ عن الأمر العامّ غير متوقّف على الأمور الخاصّة حتّى يكون شيء منها متعلّق النهى وإن كان الضدّ العامّ لا يتقوّم إلّا بالأضداد الخاصّة؛ لإمكان الكفّ عن الأمر الكلّي من حيث هو هو، حتّى أنّ المحقّقين من الأصوليّين على أنّ الأمر بالكلّي ليس أمراً بشيء من جزئياته وإن توقّف عليها من باب المقدّمة، ووجوبه من هذا الباب ليس من نفس الأمر.

لا يقال: وجوب الإزالة على الفور ينافي وجوب الصلاة مع سعة الوقت؛ لأنّ الوجوبين إن اجتمعا في وقت واحد مع بقاء الفورية في وجوب الإزالة لزم تكليف ما لا يطاق، وإلّا خرج الواجب الفوري عن كونه واجباً فورياً.

لأنّا نقول: لا منافاة بين وجوب تقديم بعض الواجبات على بعض وكونه غير شرط في الصحّة، كما في مناسك منى يوم النحر ؛ فإنّ الترتيب فيها واجب بالأصالة، ولو خالف أجزاً، ولا امتناع في أن يقول الشارع: أوجبت عليك كلاً من الأمرين مع تضيّق أحدهما وتوسعة الآخر، وإنّك إن قدّمت المضيّق امتثلت وسلمت من الإثم، وإن قدّمت الموسّع امتثلت وأتمت في المخالفة في التقديم، فلزوم تكليف مالا يطاق على هذا التقدير ممنوع .

ومثله القول في المعارضة بين الصلاة في الوقت الموسّع ووفاء الدَين، ونحو ذلك.

(و) كذا تجب إزالة النجاسة ( عن الآنية للاستعمال) حيث يكون الاستعمال (موجباً لتعدّي النجاسة )(1) ، مشروطاً بالطهارة، كالأكل والشرب اختياراً، لا مطلق الاستعمال.

وكذا تجب إزالتها عمّا أمر الشارع بتعظيمه : كالمصاحف المطهّرة، والضرائح المقدّسة وآلاتهما، وعن مسجد الجبهة؛ للنصّ(2) ، وعن المساجد السبعة عند أبي الصلاح(3)، وعن

ص: 484


1- ما بين القوسين لم يرد في «م».
2- انظر تهذيب الأحكام، ج 1، ص 272 - 273، ح 802، و، ج 2، ص 372، ح 154؛ والاستبصار، ج 1، ص 193 . ح 675.
3- الكافي في الفقه، ص 140 - 141.

المصلّى بأسره عند المرتضى(1) ، كلّ ذلك عند تحقّق الحاجة إليه، كدخول الوقت إن أُريد الواجب الموسّع وضيقه إن أريد المضيّق.

(وعُفي في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح اللازمة) أي المستمرّة الخروج بحيث لا تنقطع أصلاً، أو تنقطع فترة لا تسع لأداء الفريضة مع إزالتها، أمّا لو انقطعت كذلك وجب على ما اختاره المصنّف(2) وشيخه المحقّق (3)، وتبعهما الشهيد (رحمه الله) (4).

وبالغ المصنّف في النهاية، فاقتصر من نجاسة الثوب والبدن على محلّ الضرورة، وأوجب إبدال الثوب مع الإمكان مطلقاً؛ محتجّاً بزوال المشقّة (5).

وقريب منه حكمه في القواعد؛ فإنّه قيّد الرخصة من أصلها بمشقّة الإزالة (6).

ورواية أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: قلت: إنّ قائدي أخبرني أنّك تصلّي وفي ثوبك دم، فقال: «بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» (7)تدلّ على خلاف ذلك، بل على أنّ غاية الرخصة برؤها، فلا يجب إبدال الثوب، ولا تخفيف النجاسة ولا عصبها بحيث يمنع الدم من الخروج زمن الصلاة واختاره المحقّق الشيخ عليّ(8) وفسّر اللازمة في عبارة الكتاب بأنّها التي لم تبرأ(9) .

ص: 485


1- 1. حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1 ص 431؛ والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 82؛ والبيان، ص 127 (ضمن موسوعة الشهيد الأوّل، ج 5 و 12).
2- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 73 ذيل المسألة .23 .
3- المعتبر، ج 1، ص 429.
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- نهاية الإحكام، ج 1، ص 286 و 287 .
6- قواعد الأحكام، ج 1، ص 193 .
7- الكافي، ج 3، ص 58، باب الثوب يصيبه الدم... ، ح 1: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 258، ح 747؛ الاستبصار، ج 1، ص 177 . ح 616.
8- جامع المقاصد، ج 1، ص 171؛ حاشية المحقق الكركي على إرشاد الأذهان، ص 55 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 9)
9- حاشية المحقق الكركي على إرشاد الأذهان، ص 55 (ضمن حياة المحقق الكركي وآثاره، ج 9).

و مختاره حسن دون تفسيره؛ لأنّ ذلك ليس مذهباً للمصنّف حتى يفسّر كلامه به، وإنّما يصلح تفسيره بذلك على مذهب المفسّر.

(وعمّا دون سعة الدرهم البغلي) بإسكان الغين وتخفيف اللام، منسوب إلى رأس البغل ضربه للثاني في ولايته بسكّة كسرويّة فاشتهر به.

وقيل: بفتحها وتشديد اللام، منسوب إلى بغل قرية بالجامعين كان يوجد بها دراهم تقرب سعتها من أخمص الراحة، وهو ما انخفض من باطن الكفّ، ذكر ابن إدريس أنّه شاهده كذلك (1). وشهادته في قدره مسموعة.

وقدّر أيضاً بعقد الإيهام العليا، وهو قريب من أخمص الكفّ. وقُدّر بعقدة الوسطى.

والظاهر أنّه لا تناقض بين هذه التقديرات؛ لجواز اختلاف الدراهم (2)من الضارب الواحد كماهو الواقع، وإخبار كلّ واحد عن فرد رآه.

ومستند العفو صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق(علیه السلام)، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) : الرجل يصلّي وفي ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله فيصلّي ثم يذكره،

قال: «يغسله ولا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد»(3).

وإنّما يُعفى عن هذا المقدار (من الدم المسفوح) وهو الخارج من البدن - عدا ما استثني - في حال كونه (مجتمعاً) هذا المقدار، وهو مادون الدرهم.

(و في) الدم (المتفرّق خلاف) واختار المصنّف في غير هذا الكتاب(4) ، وأكثرُ المتأخّرين(5) إلحاقه بالمجتمع، فتجب إزالته إن بلغه لوجُمع؛ لإطلاق التقدير في بعض

ص: 486


1- السرائر، ج 1، ص 177 .
2- في «الأصل و م»: «أفراد الدراهم».
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 255، ح 740؛ الاستبصار، ج 1، ص 176 ، ح 611.
4- كتحرير الأحكام، ج 1، ص 160، الرقم 513: وقواعد الأحكام، ج 1، ص 193؛ ومختلف الشيعة، ج 1، ى 320 - 321، المسألة 236 ؛ ومنتهى المطلب، ج 3، ص 253: ونهاية الإحكام، ج 1، ص 287.
5- منهم السيوري في التنقيح الرائع، ج 1، ص 149 والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 95 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ والمحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 172.

الأخبار(1)، وصحيحة ابن أبي يعفور، المتقدّمة تدلّ عليه أيضاً؛ لأنّها مفروضة في المتفرّق كما عُلم من قوله «في ثوبه نقط الدم».

وقيل بعدم وجوب الإزالة مطلقاً (2)؛ استناداً إلى هذا الخبر ، بجعل «مجتمعاً» خبراً ل_«كان».

وأجاب المصنّف بإمكان كونه حالاً مقدّرة (3).

ورُدّ (4)بأنّ الحال المقدّرة هى التى زمانها غير زمان عاملها، ك_(مررت برجل معه صقر صائداً به غداً) أي مقدّراً فيه الصيد، وهنا لابدّ من اتّحاد زمان الحال وعاملها.

والأولى كونه حالاً محقّقة، وتقدير الاجتماع يدلّ عليه صدر الحديث كمابيّنّاه، وتبقى دلالته على ما تحقّق فيه الاجتماع من باب مفهوم الموافقة؛ لأنّ المجتمع بالفعل لا يعقل تقدير الاجتماع فيه.

وهذا الحكم في الدم المتفرّق في الثوب الواحد، أمّا المتفرّق في الثياب المتعدّدة أو فيها وفي البدن، فهل الحكم فيها كذلك بمعنى تقدير جميع مافيها، أو لكلّ واحد من الثوب والبدن حكم بانفراده ولا يضمّ أحدهما إلى الآخر، أو لكلّ ثوب حكم كذلك فلايضمّ بعضها إلى بعض ولا إلى البدن؟ أوجُه ، واعتبار الأوّل أوجَه وأحوط.

ولو أصاب الدم وجهَي الثوب، فإن تفشّى من جانب إلى آخر فدم واحد، وإلّا فدمان.

واعتبر الشهيد في الوحدة مع التفشّى رقّة الثوب، وإلا تعدّد (5).

ولو أصاب الدم المعفوّ عنه مائع طاهر ولم يبلغ المجموع الدرهمّ قيل(6) : زال العفو؛

ص: 487


1- الكافي، ج 3، ص 59، باب الثوب يصيبه الدم.... ح 3؛ الفقيه، ج 1، ص 249، ح 757؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 254، ح 763: الاستبصار، ج 1، ص 175 ، ح 609.
2- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 172 وانظر السرائر، ج 1، ص 178.
3- مختلف الشيعة، ج 1، ص 322، المسألة 236.
4- الراد هو المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 172 .
5- ذكرى الشيعة، ج 1 ، ص 96؛ البيان، ص 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 و 12).
6- انظر منتهى المطلب، ج 3، ص 256 .

لأنّه قد صار حاملاً لنجس(1) ، وهو الرطوبة الملاقية للدم، وليست دماً مسفوحاً، واختاره الشهيد في البيان(2) .

والأصحّ أنّ العفو بحاله؛ لأنّ المنجّس(3) بشيء لا يزيد عليه؛ لعدم زيادة الفرع على أصله، وهو وهو اختيار الذكرى(4).

وقوله: (غير) الدماء (الثلاثة) استثناء من الدم المذكور أو صفة له اعترض بينهما بجملة «وفي المتفرّق خلاف».

أمّا الحيض: فقد ورد في موقوف أبي بصير أنّه لا يعفى عن كثيره ولا قليله(5) ، وعمل بمضمونه الأصحاب. وألحقوا به دم الاستحاضة والنفاس؛ لاشتراكهما في إيجاب الغسل، وهو مشعر بغلظ حكمها ؛ ولأنّ النفاس حيض محتبس والاستحاضة مشتقّة منه.

(و) غير (دم نجس العين) وهو الكلب وأخواه والميتة؛ لتضاعف النجاسة.

(و) عُفي أيضاً (عن) مطلق (نجاسة مالاتتم الصلاة فيه) حالة كونه (منفرداً، كالتكّة والجورب) وهو نعل مخصوص معرّب (والقلنسوة) بضمّ السين (وما أشبه ذلك) ممّا لا يستر العورتين. والأصل فيه قول الصادق(علیه السلام) : «كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه فلابأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة والتكّة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك»(6).

ص: 488


1- في «الأصل و م»: « لمنجس».
2- انظر البيان، ص 89 - 90 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
3- في الطبعة الحجرية: «المتنجس».
4- ذكرى الشيعة، ج 1، ص 96 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
5- الكافي، ج 3، ص 405، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر.... ح 3؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 257، ح 745.
6- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 810 .

واقتصر بعضهم(1) على ما في الرواية. ولفظ «مثل» و «ما أشبه ذلك» يأباه.

وألحق الصدوقان العمامةَ (2)، بناءً على عدم صحّة الصلاة فيها على الهيئة المخصوصة.

وليس بجيّد؛ لأنّها ثوب تتمّ فيه الصلاة منفرداً إلّا أن تكون صغيرةً بحيث لاتستر العورة فتكون كغيرها.

وإنّما يعفى عن هذه الأشياء حالة كونها (في محالها) فلو كانت التكّة على عاتقه أو الجورب في يده لم تصحّ الصلاة فيه مع نجاسته؛ قصراً للرخصة على موضع الحاجة ومحلّ الوفاق. واشترط المصنّف أيضاً كونها ملابس(3)، كما في الأمثلة، فلا تتعلّق الرخصة بغيرها؛ لانتفاء الحاجة، وعدم النصّ المخرج عن عموم المنع، فلو كان معه دراهم نجسة أو غيرها كالسكّين والسيف، لم تصحّ صلاته وإن كانت في محالّها.

وفي كلا الحكمين إشكال؛ لعموم الحديث الدالّ على الجواز مطلقاً في قوله: «كلّ ما على الإنسان أو معه»(4) ، ولاريب أنّ ماذكره المصنّف أحوط (5).

والعفو عن هذه الأشياء ثابت (وإن نجست بغير الدم) حتّى لوكانت نجاستهاه، مغلظة، كأحد الدماء الثلاثة والمنيّ، أمّا لو كانت نفسها نجاسة كجلد الميتة لم يعف عنها؛ لقول الصادق(علیه السلام) في الميتة:« لا تصلّ في شيء منه ولا شسع »(6).

ص: 489


1- هو القطب الراوندي كما في مختلف الشيعة، ج 1، ص 325 - 326، المسألة 242؛ وذكرى الشيعة، ج 1، ص 97 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
2- الفقيه، ج 1، ص 73 ، ذيل الحديث 167: المقنع، ص 14: وحكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 1، ص 327 المسألة 243 والشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 97 ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 193؛ منتهى المطلب، ج 3، ص 260: نهاية الإحكام، ج 1، ص 283 .
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 810 .
5- في «م» الأصل وم زيادة: «واعلم أنّ الرواية الدالّة على الحكم مرسلة لكنّ الأصحاب تلقوها بالقبول، ولم أقف لها على راد، ويمكن حينئذ أن يقتصر فيها على مورد النص، وهو الذي اختاره المصنف، ولكن لادليل عليه من جهة النص».
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 203، ج 793.

(ولابدّ من العصر) في غَسل ما يمكن عصره بغير عسر- كالثياب - إذا كان الغَسل فى غير الكثير؛ لأنّ النجاسة تزول به، ولأنّ الماء القليل يتنجّس بها، فلوبقي في المحلّ لم يحكم بطهره خصوصاً على ما حكيناه من مذهب المصنّف من أنّ أثر النجاسة لا يطهر إلّا بعد الانفصال، فعلى هذا لوجفّ الماء على المحلّ ولم ينفصل لم يطهر.

وما يعسر عصره - كالثخين من الحشايا والجلود - يكفي فيه الدقّ والتغميز؛ للرواية (1).

وما لا يقبل العصر، فإن أمكن نزع الماء المغسول به عنه - كالبدن والخشب والحجر غير ذي المسام التي يثبت فيها الماء - كفى صبّ الماء عليه مع انفصاله عن محلّ النجاسة.

وإن لم يمكن نزع الماء عنه - كالمائعات والقرطاس والطين والحبوب والجبن ذي المسامّ المانعة من فصل الماء، والفاكهة المكسورة - لم يطهر بالقليل، بل بتخلّل الكثير لها في غير المائعات، أمّا فيها فإن امتزجت به بحيث يطلق على الجميع اسم الماء طهرت، وإلّا فلا، كالدهن الذائب ؛ لبقائه في الماء غير مختلط به وإنّما يصيب سطحه، ولو كان جامداً طهر ظاهره بالغسل كسائر الجامدات، ولا تمنع لُزُوجَتُه من تطهيره على هذا الوجه، كما لا تمنع من طهارة البدن وغيره الموجود عليه شيء منها إذا لم يكن لها (2)جرم.

واشتراط العصر معتبر في سائر النجاسات (إلّا في بول) الصبيّ (الرضيع) الذي لم يغتذ بغير اللبن كثيراً بحيث يزيد على اللبن أو يساويه ولم يتجاوز الحولين، فإنّه يكفي صبّ الماء على محلّه من غير عصر ولا جريان.

ولا يلحق به بول الصبيّة؛ للأمر بغَسله (3).

ص: 490


1- 1. الكافي، ج 3، ص 55، باب البول يصيب الثوب أو الجسد، ح 2؛ الفقيه، ج 1، ص 69، ح 159؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 251، ح 724.
2- في «الأصل و م»: «له».
3- الفقيه، ج 1 ، ص 68 . ح 157؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 718؛ الاستبصار، ج 1، ص 173 ، ح 601.

(وتكتفي المربيّة للصبيّ) والصبيّة؛ لأنّ مورد الرواية(1) المولود، وهو شامل لها (بغَسل ثوبها الواحد في اليوم) والليلة. واكتفاؤه بلفظ «اليوم» إمّا لشموله لها لغةً، أو لكونها تابعةً له (مرّة) واحدة.

والأفضل كونه آخر النهار؛ لتصلّي أربع صلوات متقاربة عقيبه.

وألحق المصنّف المربّي بالمربيّة (2)؛ للاشتراك في العلّة وهي المشقّة الحاصلة من تكثّر النجاسة على تقدير غسله للصلوات.

والحق بالمولود الواحد المتعدّدُ(3) ؛ للاشتراك فيها أيضاً وزيادة بسبب الحاجة إلى تعاهد التربية، مع احتمال زوال الرخصة؛ لقوّة النجاسة وكثرتها.

واحترز بالثوب الواحد عن ذات الثوبين فصاعداً، فلا تلحقها الرخصة لزوال المشقّة بإبدال الثياب، ووقوفاً مع ظاهر النصّ. وهذا إذا لم تحتج إلى لُبسهما دفعةً لبرد ونحوه، وإلّا فكالثوب الواحد. ولو أمكن ذات الواحد تحصيل غيره بشراء أو استئجار أو إعارة، ففي وجوبه عليها وزوال الرخصة بذلك نظر.

و مورد الرواية تنجّس الثوب بالبول(4)، فتقصر الرخصة عليه اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع اليقين، فلا يتعدّى إلى غيره من غائطه ودمه وغيرهما، ولا إلى نجاسة غيره بطريق أولى. وربما احتمل شمول البول للغائط بناءً على ما هو المعروف من قاعدة العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به، وعموم البلوى به کالبول، بل شمول الرخصة لنجاسة الصبيّ مطلقاً، كما يقتضيه إطلاق عبارة الكتاب وجماعة من الأصحاب، إلّا أنّ الوقوف مع النصّ أولى.

ص: 491


1- الفقيه، ج 1، ص 70، ح 161: تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719 .
2- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 494، ذيل المسألة 131: قواعد الأحكام، ج 1، ص 194؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 288 .
3- ألحقه الشهيد في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 97 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
4- الفقيه، ج 1، ص 70، ح 161؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 250، ح 719.

وهذا الحكم مختصّ بالثوب، أمّا البدن فيجب غَسله بحسب المكنة؛ لعدم النصّ، والمشقّة الحاصلة في الثوب الواحد بسبب توقّف لُبسه على يبسه.

(وإذا علم موضع النجاسة غسل) ذلك الموضع خاصّة (وإن اشتبه غسل جميع ما يحصل فيه الاشتباه) لتوقّف اليقين بالطهارة عليه. هذا إذا كان محصوراً، وإلّا سقط ؛ للحرج والعسر، وسيأتي إن شاء الله تحقيق حال المحصور وغيره.

(ولو نجس أحد الثوبين واشتبه غسلا ) وهذا كالمستغنى عنه؛ لدخوله في العبارة الأولى، وكأنّه أعاده ليرتّب عليه حكم الصلاة فيهما.

(ومع التعذّر يصلّي) الصلاة (الواحدة فيهما مرّتين) ليحصل اليقين بوقوعها(1) في ثوبِ طاهر، هذا مع فقد ثوب طاهر غيرهما يقيناً، وإلّا لم تجز الصلاة فيهما؛ لاشتراط الجزم في النيّة بحسب الإمكان، ومع الصلاة في الثوبين لاجزم؛ إذ لا يعلم أيّ الصلاتين فرضه؛ لعدم علمه بالثوب الطاهر، وهذا بخلاف مالو فقد غيرهما؛ لما بيّنّاه من أنّ الجزم إنّما هو بحسب الإمكان.

ومنع ابن إدريس من الصلاة فيهما وحتم الصلاة عارياً؛ محتجّاً بعدم الجزم (2).

وقد عرفت جوابه، وأيضاً فإنّ الجزم على هذا التقدير حاصل بهما؛ لأنّ يقين البراءة لمّا توقّف على الصلاتين فكلُّ منهما واجبة عليه وإن كان من باب المقدّمة، وهذا القدر كافٍ في حصول الجزم حيث لا يمكن أتمّ منه.

ولو تعدّدت الصلاة فيهما وجب مراعاة الترتيب فيصلّي الظهر في أحد الثوبين ثمّ ينزعه ويصلّيها في الآخر ثمّ يصلّي العصر ولو في الثاني ثمّ يصلّيها في الآخر.

ولو ضاق الوقت عن الصلاة فيهما على هذا الوجه فالمختار عند المصنّف الصلاة عارياً (3)؛ لتعذّر العلم بالصلاة في الطاهر بيقين.

ص: 492


1- في الطبعة الحجرية: «بها» بدل «بوقوعها».
2- السرائر، ج 1، ص 184 - 185.
3- قواعد الأحكام، ج 1، ص 194؛ نهاية الإحكام، ج 1، ص 282 .

والأصحّ تعيّن الصلاة في أحدهما؛ لإمكان كونه الطاهر. ولاغتفار النجاسة عند تعذّر إزالتها. ولأنّ فقد وصف الساتر أسهل من فقده نفسه، ولما سيأتي(1) من النصّ على جواز الصلاة في الثوب النجس يقيناً إذا لم يجد غيره.

(وكلّ مالاقى النجاسة برطوبة) حاصلة في المتلاقيين أو في أحدهما (نجس، ولا ينجس لو كانا) معاً (يابسين) كما ورد به النصّ(2) في ملاقاة الكلب والخنزير والكافر.

وما ورد من الأمر بالنضح يابساً (3)محمول على الندب.

وفي حكم اليابس مافيه بقايا رطوبة قليلة جدّاً بحيث لا يتعدّى منها شيء إلى الملاقي لها.

ويستثنى من ذلك ملاقاة ميّت الآدمي قبل تطهيره؛ فإنّ نجاسته تتعدّى مع اليبس كما تقدّم، وكذا ميتة غيره على الخلاف.

(ولو صلّى) المكلّف ( مع نجاسة ثوبه أو بدنه) أو القدر المعتبر من مسجد الجبهة(4) نجاسة لم يعف عنها مع تمكّنه من إزالتها (عامداً، أعاد في الوقت وخارجه) إجماعاً؛ للنهى المفسد للعبادة، وجاهل الحكم عامد.

(و) في (الناسي) أقوال ثلاثة مستندة إلى اختلاف الأخبار ظاهراً.

أحدها: الإعادة مطلقاً؛ لتفريطه بالنسيان، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار.

ولصحيحة أبي بصير عن الصادق(علیه السلام) قال: «إن أصاب ثوب الرجل الدم وصلّى فيه

وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن علم قبل أن يصلّي وصلّى فيه فعليه الإعادة» (5).

وفي مقطوعة زرارة قال، قلت: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ فعلّمت أثره إلى أن أُصيب الماء، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً

ص: 493


1- في ص 496 الهامش 3.
2- الكافي، ج 3، ص 60، باب الكلب يصيب الثوب والجسد... . ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 260، ح 756، و ص 424، ح 1347.
3- الكافي، ج 3، ص 60، باب الكلب يصيب الثوب والجسد... . ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 260، ح 756، و ص 424، ح 1347.
4- في «الأصل و م»: «جبهته».
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 254، ح 737؛ الاستبصار، ج 1، ص 182، ح 637 .

وصلّيت ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك، قال: «تعيد الصلاة وتغسله»(1) .

وفي معناها روايات أخر متناولة بإطلاقها الناسي والعامد، فيشتركان في غير الإثم. وهو اختيار الأكثر (2).

وثانيها: عدم الإعادة مطلقاً؛ لرفع الخطأ والنسيان عن الأمّة.

ولحسنة العلاء عن أبي عبد الله(علیه السلام) ، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء فينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: «لا يعيد، قد مضت الصلاة وكُتِبت له »(3).

ويؤيد هذه الرواية أنّ العمل بها لا ينافي العمل بالأولى؛ لأنّ مطلقها يحمل على العامد فيجمع بين النصّين، بخلاف العمل بالأولى فإنّ فيه إطراح هذه بالكلّيّة.

وحملها الشيخ في التهذيب على نجاسة قليلة لا تجب إزالتها، كالدم اليسير(4).

وثالثها: أنّه (يعيد في الوقت خاصّةً) كما اختاره المصنّف هنا، جمعاً بين الأخبار بحمل الثانية على خروج الوقت، والأولى على بقائه.

ويؤيد هذا الحمل مارواه عليّ بن مهزيار، قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يُخبره أنّه بال في ظلمة الليل وأنّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه ولم يره وأنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى، فأجابه بجوابٍ قرأته بخطّه: «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشيء إلّا ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ماكان منهنّ في وقتها، ومافات وقتها فلاإعادة عليك»(5).

ص: 494


1- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 421، ح 1335؛ الاستبصار، ج 1، ص 183 ، ح 641.
2- منهم السيد المرتضى كما في المعتبر، ج 1 ص 441 و الشيخ في النهاية، ص 52 والمبسوط، ج 1 ، ص 64: وابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 183.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 423 - 424 ، ح 1345؛ الاستبصار، ج 1، ص 183 - 184، ح 642.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 424.
5- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 426 - 27 4 ، ح 1355؛ الاستبصار، ج 1، ص 184، ح 643.

وهذه الرواية مردودة بجهالة المسؤول، وكونها مكاتبةً، والرواية الحسنة(1) لاتقاوم ما تقدّم من الروايات؛ فإنّها أكثر وأشهر، فتعيّن العمل بها، مع أنّ القول بالتفصيل متّجه؛ ما لأنّ فيه جمعاً بين الأخبار.

(والجاهل) بالنجاسة حتّى صلّى (لا يعيد) الصلاة (مطلقاً) لافي الوقت ولافي خارجه على أشهر القولين؛ لأمره بالصلاة على تلك الحال، والأمر يقتضى الإجزاء.

ولرواية أبي بصير المتقدّمة (2).

ومثلها رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله(علیه السلام) : « إن رأيت المني قبل أو بعد ماتدخل في الصلاة فعليك الإعادة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك»(3).

وفي رواية أخرى عنه(علیه السلام) إطلاق الإعادة (4).

وجمع بعض الأصحاب بينهما بالحمل على الوقت وخارجه(5) . وهو أولى.

(ولو علم) بالنجاسة (في الأثناء، استبدل) بالثوب الذي وجدها فيه، سواء علم تقدّمها على الصلاة أم لا، بناءً على ما اختاره من عدم إعادة الجاهل في الوقت، وإلّا استأنف الصلاة مطلقاً إن علم سبق النجاسة عليها مع سعة الوقت، لامع ضيقه بحيث لا يدرك ركعة بعد القطع، فيبني على صلاته مع طرح ماهي فيه؛ لئلا يلزم وجوب القضاء على الجاهل بالنجاسة.

(ولو تعذّر) الاستبدال (إلّا بالمبطل) للصلاة، كالفعل الكثير والاستدبار (أبطل) الصلاة إن كان في الوقت سعة، أمّا مع الضيق فإشكال من أنّ النجاسة مانع الصحّة، ومن وجوب أداء الفريضة في الوقت.

ص: 495


1- أي رواية العلاء المتقدّمة في ص 494.
2- في ص 493.
3- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 252 - 253، ح 730 ، و ، ج 2، ص 223، ح 880 .
4- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 202، ج 792؛ الاستبصار، ج 1، ص 182، ح 639.
5- كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 99 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5)؛ وجامع المقاصد، ج 1، ص 150.

واختار في البيان الاستمرار مع الضيق (1).

وعلى الأوّل يبطلها ثمّ يقضي بعد الاستبدال.

(ولو نجس الثوب وليس له غيره، صلّى عرياناً) كما اختاره الأكثر(2) ؛ للأمر بالصلاة عارياً في عدّة أخبار (3).

وذهب المصنّف في بعض كتبه إلى التخيير بين الصلاة فيه وعارياً(4)؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیهما السلام) قال: سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه أيصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ قال: «إن وجد ماءً غَسَله، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصلّ عرياناً »(5) .

وهذا هو الوجه، بل الصلاة فيه أفضل؛ لأنّ فوات الشرط أقوى من فوات وصفه، مع مافيه من فضيلة الستر وكمال أفعال الصلاة، فإنّ الصلاة عارياً توجب الإيماء على وجه. ولأنّ شرطيّة الستر أقوى من شرطيّة الطهارة من الخبث، ولو لا دعوى المصنّف فى المنتهى جواز الصلاة عارياً ولا إعادة قولاً واحداً (6)لأمكن القول بتحتّم الصلاة فيه.

(فإن تعدّر) فعله الصلاة عارياً (للبرد وغيره صلّى فيه) وعلى ماذكرناه تتحتّم الصلاة فيه هنا دفعاً للضرر.

(ولا يعيد) الصلاة على التقديرين؛ لامتثاله المأمور به على وجهه بالنسبة إلى هذه

ص: 496


1- البيان، ص 91 ( ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 12).
2- منهم الشيخ في النهاية، ص 55؛ والمبسوط، ج 1، ص 136؛ والخلاف، ج 1، ص 398، المسألة 150: وابن إدريس في السرائر ، ج 1، ص 186؛ والمحقّق في شرائع الإسلام، ج 1، ص 46 .
3- الكافي، ج 3، ص 396، باب الصلاة في ثوب واحد .... ح 15؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 406 - 407. ح 1278. و.، ج 2، ص 223 - 224، ح 881 و 882؛ الاستبصار، ج 1، ص 168، ح 582 و 583 .
4- منتهى المطلب، ج 3، ص 303 .
5- الفقيه، ج 1، ص 248 - 249، ح 755 تهذيب الأحكام، ج 2، ص 224، ح 884؛ الاستبصار، ج 1، ص 169، ح 585 .
6- منتهى المطلب، ج 3، ص 303 و 304.

الحال، فيخرج عن العهدة. وللأمر بفعله على هذه الحالة، كماورد في الخبر(1) ، فلا يتعقّب القضاء.

والمراد بالإعادة المنفيّة فعل الصلاة ثانياً، سواء كان في الوقت أم خارجه، وهو أحد التفسيرين للإعادة، وأكثر الأصوليّين(2) خصّها بالفعل ثانياً في الوقت لوقوع خلل في الأوّل، فهي قسم من الأداء، وليس المراد هنا، بل ماهو أعمّ منه، كما ذكرناه وإن كان القائل به قليلاً.

(و تطهّر الشمس ما تجفّفه من البول وشبهه) من النجاسات التي لاجرم لها الكائنة (في الأرض والبواري والحصر و) مالا ينقل عادةً ك_(الأبنية والنبات) المتّصل والأخشاب والأبواب المثبتة في البناء، والأوتاد المستدخلة فيه، والأشجار والفواكه الباقية عليها، ونحو ذلك.

ولابدّ في التجفيف من كونه بإشراق الشمس، فلا يكفي التجفيف بالحرارة؛ لقول الصادق(علیه السلام)(3): «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(4) ولا بالريح المنفرد عنها، خلافاً للخلاف(5).

نعم، لايضرّ مشاركته لها؛ لعدم انفكاكها عنه غالباً.

وحُمل(6) على إرادة ذهاب الأجزاء المنجَّسة؛ لحكمه فيه في موضع آخر بأنّ الأرض لا تطهر بجفاف غير الشمس (7).

ص: 497


1- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 224، ح 883؛ الاستبصار، ج 1، ص 169، ح 584.
2- منهم العلّامة في نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج 1، ص 110.
3- في المصادر عن الإمام الباقر(علیه السلام) ؛ وفي ذكرى الشيعة، ج 1، ص 87 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5 ) كما في المتن.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 273، ح 804: وج 2، ص 377، ح 1572؛ الاستبصار، ج 1، ص 193، ح 677 .
5- الخلاف، ج 1، ص 218 ، المسألة 186 .
6- أي حمل كلام الشيخ في الخلاف، كما في ذكرى الشيعة، ج 1، ص 87 (ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 5).
7- الخلاف، ج 1، ص 495، المسألة 236.

ولا يطهر ما تبقى فيه عين النجاسة، كحمرة الدم في المجزرة ونحوها ممّا تبقى فيه العين. ومتى أشرقت الشمس مع رطوبة المحلّ طهر الظاهر والباطن إذا جفّ الجميع بها مع اتّصال النجاسة واتّحاد الاسم، كالأرض التي دخلت فيها النجاسة، دون وجهي الحائط إذا كانت النجاسة فيهما غير خارقة له وأشرقت على أحدهما، فإنّه لا يطهر الآخر، ودون الأرض والحائط إذا أشرقت على أحدهما وإن كانا متّصلين.

(و) تطهّر (النار ما أحالته) رماداً أو دخاناً أو فحماً على أحد الوجهين، لا خزفاً على أظهرهما.

وطهّره الشيخ(1) والمصنّف في بعض(2) كتبه إجراءً له مجرى الرماد.

وفيه منع؛ لعدم خروج الخزف عن مسمّى الأرض، كما لم يخرج الحجر عن مسمّاها مع أنّه أقوى تصلّباً منه مع تساويهما في العلّة، وهي عمل الحرارة في أرض أصابها رطوبة، ومن ثَمَّ جاز السجود عليهما مع اختصاصه بالأرض ونباتها بشرطيه، فإنّ المصنّف وإن حكم بطهره جوّز السجود عليه (3).

وليست الاستحالة مختصّةً بالنار، بل هي مطهّرة برأسها، ومن ثَمَّ طهرت النطفة والعلقة بصيرورتهما حيواناً، والعذرة والميتة إذا صارتا تراباً.

لكن لو كانت العذرة ونحوها رطبةً ونجّست التراب ثمّ استحالت لم يطهر التراب المنجَّس بطهرها، فلو امتزجت بقيت الأجزاء الترابيّة على النجاسة والمستحيلة أيضاً؛ لاشتباهها بها.

(و) تُطهّر (الأرض باطنَ النعل والقدم) سواء زالت النجاسة عنهما بالمشي أم الدلك؛ لما روي عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) في النعلين «فليمسحهما وليصلّ فيهما»(4) ، وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «إذا وطء

ص: 498


1- الخلاف، ج 1، ص 499 ، المسألة 239 .
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 291 .
3- تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 177، ذيل المسألة 298 .
4- سنن أبي داود، ج 1، ص 175، ح 650؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 2، ص 563، ح 4087.

أحدكم الأذى بخُفّيه فإنّ التراب له طهور»(1) وقول الباقر(علیه السلام) في العذرة يطؤها برِجله: «يمسحها حتّى يذهب أثرها»(2).

والمراد بالباطن ماتستره الأرض حالة الاعتماد عليها، فلا يلحق به حافّاتهما.

ولا فرق بين التراب والحجر والرمل؛ لأنّها من أصناف الأرض.

واشترط بعض الأصحاب طهارتها؛ لأنّ النجس لا يطهّر غيره، وجفافَها(3).

ولم يشترطه المصنّف بل اكتفى بالرطبة ما لم يصدق عليها اسم الوحل(4) . وهو حسن.

نعم، لا تقدح الرطوبة اليسيرة بحيث لا يحصل منها تعدّ على القولين وتزول عين النجاسة.

ولا فرق في النجاسة بين ذات الجرم وغيرها ولا بين الجافّة والرطبة، ولا فرق بين النعل والخُفّ وغيرهما ممّا ينتعل ولو من خشب كالقبقاب.

و في إلحاق خشبة الزَمِن والأقطع بالنعل نظر من الشكّ في تسميتها نعلاً بالنسبة إليه.

ولا يلحق بهما أسفل العكّاز وكعب الرمح وما شاكل ذلك؛ لعدم إطلاق اسم النعل عليها حقيقةً ولا مجازاً.

وأمّا إلحاق سكّة الحرث(5) ونحوها بها - كما يوجد في بعض القيود - فمن الخرافات الباردة.

1 سنن أبي داود، ج 1، ص 105، ح 385، ح 386؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 166.

.2 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 809

.3 المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 179.

4. نهاية الإحكام، ج 1، ص 291

ه . في «الأصل و م»: «الحراث».

ص: 499


1- سنن أبي داود، ج 1، ص 105، ح 385، ح 386؛ المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 166.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 275، ح 809 .
3- المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 1، ص 179.
4- نهاية الإحكام، ج 1، ص 291 .
5- في «الأصل و م»: «الحراث».

(خاتمة) لمباحث إزالة النجاسات

والقصد الذاتي من ذكرها هنا بيان حكم تطهيرها وكيفيّته، وقد جرت العادة بانجرار البحث فيها إلى ما هو أعمّ من تطهيرها، فيذكر الجنس الذي يجوز اتّخاذها منه وما لا يجوز كما قال:

(يحرم استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل وغيره) لقول النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) : «لا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»(1) وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يُجَرِجِرُ في جوفه نار جهنّم»(2) يقال: جرجر الشراب، أي صوّت.

والمراد أنّه بفعله مستحقّ للعذاب على أبلغ وجوهه، فالمُجرجر في جوفه ليس إلّا نار جهنّم، والوعيد بالنار إنّما يكون على فعل المحرّم، وإذا حرم الشرب حرم غيره؛ لأنّه أبلغ . ولعدم القائل بالفرق، ويلزم من تحريمه في الفضّة تحريمه في الذهب بطريق أولى.

وهل يحرم اقتناؤها لغير الاستعمال، بل للادّخار أو تزيين المجالس؟ الأكثر على التحريم؛ لمارواه محمّد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) أنّه نهى عن آنية الذهب والفضّة (3).

ص: 500


1- صحيح البخاري، ج 5، ص 2133، ح 5310؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 1637 و 1638 ، ح 2067/4 و 2607/5 : السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 44، ح 103.
2- صحيح البخاري، ج 5، ص 2133، ح 5311؛ صحیح مسلم، ج 3، ص 1634، ح 2065/1؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 42 ، ح 99.
3- الكافي، ج 6، ص 267، باب الأكل والشرب في آينة الذهب والفضّة، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 90، ح 385.

والنهي للتحريم، ولمّا امتنع تعلّقه بالأعيان لأنّه من أحكام فعل المكلّف، وجب المصير إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة، والاتّخاذ أقرب من الاستعمال ؛ لأنّه يشمله، بخلاف العكس.

ولإيماء قول النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) المتقدّم(1) : «إنّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» إليه.

وكذا قول الكاظم(علیه السلام) «: آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون» (2).

ولما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وتعطيل الإنفاق، فإنّها خُلقت للانتفاع بها في المعاملات والمعاوضات.

وهل يحرم تزيين المشاهد والمساجد بها كما يحرم تزيين غيرها من المجالس؟ نظر: من إطلاق النهي، وحصول التعظيم.

ويستوي في النهي الرجالُ والنساء وإن جاز للنساء التحلّي بهما.

ولا يحرم الطعام والشراب الموضوع فيهما وإن كان الاستعمال محرّماً.

ولا يقدح في التحريم تمويههما بغيرهما من الجواهر؛ للعموم.

ولو انعكس بأن موّه إناء النحاس - مثلاً - بهما أو بأحدهما، فإن أمكن تحصيل شيء منهما بالعَرض على النار منع من استعماله، وإلّا فإشكال من المشابهة وعدم الحقيقة.

ولا يحرم اتّخاذها من غير الجوهرين وإن غلت أثمانها كالفيروزج والياقوت والزبرجد؛ للأصل، وخفاء نفاسة ذلك على أكثر الناس ، فلا يلزم منه ما لزم في النقدین.

(ويكره المفضّض) وهوما وُضع فيه قطعة من فضّة أو ضبّة؛ لقول الصادق(علیه السلام) : «لا بأس بالشرب في المفضّض ، واعزل فاك عن موضع عن موضع الفضّة »(3) .

ص: 501


1- في ص 500، الهامش 1 .
2- الكافي، ج 6، ص 268، باب الأكل والشرب في آينة الذهب والفضّة، ح 7؛ تهذيب الأحكام، ج 9، ص 91، ح 389 .
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 91 - 12، ح 392.

وقيل: يحرم(1) ؛ لماروي عنه(علیه السلام) أنّه كره الشرب في الفضّة والقداح المفضّضة(2)،والعطف على الشرب في الفضّة مشعر بإرادة التحريم.

وطريق الجمع بين الخبرين بحمل الثاني على الكراهة أو على تحريم الأكل والشرب من موضع الفضّة.

(و) على تقدير الجواز يجب أن( يجتنب موضع الفضّة) فيعزل الفم عنه؛ للأمر به في قوله(علیه السلام) : «واعزل فاك عن موضع الفضّة»(3) وهو للوجوب.

واختار في المعتبر الاستحباب؛ محتجّاً بالاستصحاب، وبقول الصادق(علیه السلام) حين سُئل عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضّة، فقال: «لا بأس إلّا أن يكره الفضّة فينزعها منه»(4)(5).

ولا دلالة له على مطلوبه؛ فإنّه إنّما دلّ على جواز (استعمال المفضّض)(6) لا على جواز استعمال موضع الفضّة، وما تقدّم صريح في وجوب العزل عن موضعها.

(وأواني المشركين طاهرة) كسائر ما بأيديهم ممّا لا يشترط فيه ولافي أصله التذكية؛ للأصل، وقول الصادق(علیه السلام) : كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر»(7) وغيره من الأخبار ( ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة) على وجه يلزم منه نجاستها.

وليس العلم بذلك مقصوراً على الإدراك بالحواسّ، بل ماحصل به العلم من طرقه الموجبة له، كالخبر المحفوف بالقرائن وغيره، كما حقّق في محلّه.

ص: 502


1- كما في جامع المقاصد، ج 1، ص 188؛ وانظر الخلاف، ج 1، ص 69، المسألة 15.
2- الكافي، ج 6، ص 267 ، باب الأكل والشرب في آينة الذهب والفضة، ح 5 تهذيب الأحكام، ج 9، ص 90 - 91، ح 387.
3- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 91 - 92، ح 392 .
4- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 91، ح 391 .
5- المعتبر، ج 1، ص 455 - 456.
6- بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية: «الاستعمال».
7- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284 - 285، ح 832، وفيه «كلّ شيء نظيف...».

وعلى تقدير الحكم بالطهارة يستحبّ اجتنابها؛ حملاً للأخبار المقتضية لغَسلها من غير تقييد على الاستحباب، أو لكونهم لا يتوقّون النجاسة، أولحصول الظنّ بنجاستها، فليخرج باجتنابها أو غَسلها من خلاف أبي الصلاح حيث حكم بثبوت النجاسة بكلّ سبب يثير الظنّ (1).

(وجلد الذكي) أي المذكّى ممّا هو قابل للذكاة من ذي النفس (طاهر) سواء كان مأكول اللحم أم لا، ولا يشترط في طهارته مع الذكاة الدبعُ، كما يقتضيه إطلاق العبارة، وهو أشهر الأقوال؛ للأصل، ولقوله(علیه السلام) : «دباغ الأديم ذكاته»(2) ولوقوع الذكاة عليه فيستغنى عن الدباغ؛ إذ لو لم يقع عليه لكان ميتةً، وهي لا تظهر بالدباغ، لكن يكره استعماله قبله؛ تفصّياً من الخلاف.

واحترز بذي النفس عمّا لا نفس له كالسمك؛ فإنّ جلده طاهر؛ لأنّه لا ينجس بالموت.

(وغيره) أي غير الذكي، وهو جلد الميتة وما لا يقبل الذكاة (نجس) وإن دُبغ؛ لإطلاق تحريم الميتة في الآية (3)، فينصرف إلى الانتفاع مطلقاً، وللأخبار المتواترة به.

مثل قول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب »(4) وهو من الصحيح عندهم.

وقول الباقر(علیه السلام) حين سُئل عنه: «لا ولو دُبغ سبعين مرّة» (5).

وقول الصادق(علیه السلام) :« لاتصلّ في شيء منه ولا شسع»(6) .

ص: 503


1- لم نعثر عليه في مظانّه.
2- سنن الدارقطني، ج 1، ص 123 . ح 13/106: السنن الكبرى البيهقي، ج 1، ص 33، ح 70؛ المعجم الكبير، الطبراني، ج 7، ص 46، ح 6341، وفيه «ذكاة الأديم دباغه».
3- المائدة (5): 3 .
4- سنن أبي داود، ج 4، ص 67 ، ح 4128؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1194 ، ح 3613: الجامع الصحيح، ج 4، ص 222 ، ح 1279؛ سنن النسائي، ج 7، ص 175؛ مسند أحمد، ج 5، ص 403، ح 18303.
5- الفقيه، ج 1، ص 247، ح 749 ؛تهذيب الأحكام، ج 2، ص 203، ج 794، وفيه مضمراً.
6- تهذيب الأحكام، ج 2، ص 203 ، ح 793 .

وما احتجّوا به من قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «أيّما إهاب دبغ فقد طهر»(1) معارض بخبرنا، ومعها يكون المقتضي لبقاء النجاسة سليماً عن المعارض، وبأنّ خبرنا متأخّر؛ لأنّهم رووا أنّ كتابه(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى جهينة بذلك كان قبل موته بشهر أو شهرين(2)، مع أنّ في جملة الحديث ما يصرّح بتأخّره.

ومن خبر (3)شاة ميمونة أو سودة بنت زمعة(4) ، فقد روي عن الصادق(علیه السلام): «أنّها كانت مهزولةً فتركوها حتّى ماتت، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم) : ماكان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها[أن تذكّى] (5)»(6)وهو(علیه السلام) أعرف بالنقل.

ومثله قوله(علیه السلام) في حديث عبد الرحمن بن الحجّاج: «زعموا أنّ دباغ الميتة ذكاته ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) »(7) .

وكما لاتظهر الميتة بالدباغ ولا تستعمل في الرطب فكذا لا يجوز استعمالها والانتفاع بها في اليابس؛ لعموم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ) (8)و «لا تنتفعوا»(9) .

ص: 504


1- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1193، ح 3609؛ الجامع الصحيح، ج 4، ص 221 ، ح 1728؛ سنن النسائي، ج 7، ص 173؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 127 ، ح 24/117: السنن الكبرى ، البيهقي، ج 1، ص 25، ح 49؛ مسند أحمد، ج 1، ص 362 ، ح 1898، و ص 446 ، ح 2431.
2- سنن أبي داود، ج 4، ص 67، ح 4128: الجامع الصحيح، ج 4، ص 222، ذیل الحدیث 1729؛ مسند أحمد ج 5، ص 403 ، ح 18306.
3- قوله: ومن خبر .... عطف على قوله: وما احتجوا به من قوله. وقوله: فقد روي، إلى آخره، جواب عن الاحتجاج بخبر الشاة.
4- صحيح مسلم، ج 1، ص 276، ح 363/100؛ سنن أبي داود، ج 4، ص 65، ح 4120: سنن النسائي، ج 7، ص 171 - 175 السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 24 - 25، ح 47.
5- أضفناها من الموضع الأوّل من المصدر، وفي الموضع الثاني: «أي تذكّى».
6- الكافي، ج 3، ص 398، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه.... ح 6؛ وج 6، ص 259، باب ما ينتفع به من الميتة .... ح 7.
7- الكافي، ج 3، ص 398، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه .... ح 5: تهذيب الأحكام، ج 2، ص 204، ح 798 .
8- المائدة (5): 3.
9- تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص 503، الهامش 4.

( ويغسل الإناء من الخمر وغيره من النجاسات حتّى تزول العين) والأثر، ولا يعتبر التعدّد على أصحّ القولين، بل ما يحصل به الإنقاء وإن كان بالأُولى ، كما تقتضيه العبارة.

ويحتمل اعتبار المرّة بعد زوال العين إن كانت موجودةً، وهو خيرة المعتبر (1)؛ إذ لا أثر للماء الوارد مع وجود سبب التنجيس.

ويضعف: بأنّ الباقي من البلل وغيره في المحلّ عين نجاسة، فيأتي الكلام فيه.

ويدلّ على الاجتزاء بالمرّة مطلقاً إطلاق الأمر بالغَسل في عدّة أخبار(2) . وماورد منها بعددٍ مخصوص(3) مع ضعف سنده يمكن حمله على الاستحباب.

وللمصنّف قول بوجوب غَسل إناء الخمر ثلاث مرّات(4)، والمشهور فيه السبع؛ استناداً إلى روايتي عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (علیه السلام)(5) .

واختلافها يدلّ على الاستحباب، مع اشتهار عمّار بفساد العقيدة.

وشمل قوله «وغيره» نجاسة موت الجرذ والفأرة، مع أنّ فيهما قولاً بالثلاث للمصنّف (6)، والسبع لغيره (7)، كما تقدّم؛ استناداً إلى خبر عمّار (8)أيضاً، ولا ريب أنّ العمل بالمشهور أحوط .

(و) يغسل الإناء (من ولوغ الكلب) وهو شربه ممّا في الإناء بطرف لسانه، كما

ص: 505


1- المعتبر، ج 1 ، ص 461.
2- الكافي، ج 6، ص 427، باب الأواني يكون فيها الخمر .... ح 1؛ وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 283 ، ح 830 . المعتبر، ج 1 ، ص 461. و ج 9، ص 115 - 116، ح 501.
3- الكافي، ج 6 ، ص 427. ح 1 وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 283 ، ح 830: و ج 9، ص 115 - 116، ح 501.
4- قواعد الأحكام، ج 1، ص 197 .
5- تهذيب الأحكام، ج 9، ص 115 - 116، ح 502,501.
6- قواعد الأحكام، ج 1، ص197.
7- الشيخ في النهاية، ص 5 - 6 وابن حمزة في الوسيلة، ص 80؛ والشهيد في الدروس الشرعية، ج 1، ص 45 . . المعتبر، ج 1 ،(ضمن موسوعة الشهيد الأول، ج 9) وغيرهم.
8- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 284، ح 832.

نصّ عليه أهل اللغة(1)، ويلحق به لطعه الإناء بطريق أولى، دون مباشرته له بسائر أعضائه،ووقوع لعابه في الإناء، بل هي كسائر النجاسات على المشهور، خلافاً للمصنّف في النهاية (2)،وجماعة(3) (ثلاثاً أولاهنّ بالتراب) وإطلاق الغَسل عليها مجاز من باب إطلاق اسم الجزء على الكلّ.

والأصل في ذلك النصّ الوارد عن النبيّ والأئمّة (صلوات الله عليهم).

كصحيحة الفضل عن الصادق(علیه السلام) حين سأله عن الكلب، فقال: «رجس نجس لا يتوضّأ بفضله، واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء مرّتين»(4).

وهذا الحديث حجّة على ابن الجنيد الموجب للغَسل منه سبعاً (5)، وعلى المفيد حيث جعل غَسله بالتراب وسطاً(6)، وعلى ابن إدريس حيث أوجب مزج التراب بالماء؛ بناءً على أنّ حقيقة الغَسل جريان الماء على المحلّ (7)، فإذا تعذَرت صيّر إلى أقرب المجازات إليها .

ويردّه إطلاق الخبر، ودلالته على اعتبار مسمّى التراب.

ويشترط طهارة التراب؛ لأنّ النجس لا يفيد طهارة غيره، ولإطلاق الطهور عليه في بعض الأخبار (8).

ص: 506


1- منهم الجوهري في الصحاح، ج 3، ص 1329، «ولغ».
2- نهاية الإحكام، ج 1، ص 294.
3- منهم الشيخ المفيد في المقنعة، ص 68.
4- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 225، ح 646؛ الاستبصار، ج 1، ص 19، ح 40، وليس فيهما كلمة «مرتين».
5- حكاه عنه المحقق في المعتبر، ج 1 ، ص 458 .
6- المقنعة، ص 65 و 68 .
7- السرائر، ج 1، ص 91 .
8- صحیح مسلم، ج 1، ص 234، ح 279/91؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 19، ح 71؛ سنن الدارقطني، ج 1، ص 174، ح 4/180 و 5/181 : السنن الكبرى، البيهقي، ج 1، ص 366 . ح 1143، وص 374، ح 1168 و 1169، المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 160؛ مسند أحمد، ج 3، ص 161 ، ح 9227.

ولو فُقد، قيل: أجزاً مشابهه من الأشنان والدقيق(1)؛ لأنّه ربما كان أبلغ في الإزالة من التراب.

والأولى بقاؤه على النجاسة؛ لعدم النصّ، وبطلان القياس، وعدم ثبوت التعليل بإزالته الأجزاء اللعابيّة، فجاز كونه تعبداً.

ولو خِيف فساد المحلّ باستعمال التراب فكالمفقود.

ولو تكرّر الولوغ قبل التطهير، تداخل، وفي الأثناء يستأنف.

ويكفي في تطهير الإناء في القليل أن يصبّ فيه الماء ثمّ يحرّك حتّى يستوعب مانجس منه ثمّ يفرغ حتّى يستوفى العدد إن كان.

ولو غسله في الكثير ، كفت المرّة بالماء بعد التعفير.

(و) يغسل الإناء أيضاً ( من ولوغ الخنزير سبعاً ) لصحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه موسى(علیه السلام)، قال: سألته عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به؟ قال: «يغسل سبع مرّات»(2) .

وهي حجّة على الشيخ حيث ألحقه بالكلب(3) ، وعلى المحقّق حيث اكتفى بالمرّة كما اكتفى بها في غير ولوغ الكلب، وحملها على الاستحباب(4) .

ولا وجه له ؛ إذ لا معارض لها مع صحّتها.

هذا كلّه فى غير الكثير، وإلّا كفت المرّة. والله الموفّق.

تمّ الجزء الأوّل من كتاب روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان*** حسب تجزئتنا ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني.

ص: 507


1- القائل هو الشيخ في المبسوط، ج 1، ص 33.
2- تهذيب الأحكام، ج 1، ص 261، ح 760.
3- الخلاف، ج 1، ص 186 ، المسألة 143.
4- المعتبر، ج 1 ، ص 460 و 461.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.