آلاءُ الرحمن
في تفسیر القرآن
من فضله جلت آلاوه على عبده الضعيف الفقير إلى رحمته وعفوه
محمد جواد البلاغي النجفي اعانه الرحمن بالتوفيق والتسديد وانعم عليه بالحسنى والسعادة في الدنيا والآخرة انه ارحم الراحمين
وخير المسؤولين
الجزء الثاني
دار إحياء التراث العربي
بيروت - لبنان
محرر الرقمي: سيد محمّد رضوي
ص: 1
آلاء الرحمن فی تفسير القرآن
(الجزء الثاني)
اوله سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحیم
وله الحمد وهو المستعان وافضل الصلاة والسلام على خيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وآله سيد المرسلين وآله الطاهرين المعصومين صلواته عليهم اجمعين وبعد فهذا هو الجزء الثاني من کتاب آلاء الرحمن في تفسير القرآن. وقد تحريت فيه الاختصار مها امكن . مقتصرا على المهم في البيان سائلا من الله التوفيق والتسديد والإعانة انه أرحم الراحمين وخير معين
مائة وست وسبعون آية عند الكوفيين وعند المكيين والمدنيين مائة وخمس وسبعون، والخلاف في الفواصل. وهي مدنية. ولما كانت هذه الصورة متضمنة لتأسيس الأحكام الاجتماعية الجارية على حقيقة العدل ورعاية الحقوق على خلاف ما كان معتاداً قد استحكمت به ضراوة النفوس الوحشية بحيث جمله الجور وتشريعات الباطل سنة متبعة وخيله الهوى بمغالطاته عملا سائغا . فكان الناس منهم من لا يرى حرمةً لمال اليتيم الذي يربونه ومن لا يرى للطفل والمرأة حقا في الميراث. ومنهم من لا يتحرج من اكل مهر المرأة . وقد بقي من ذلك الداء الردي والعدوان الوخيم اثر في كثير من المسلمين إلى هذا العصر وقد اقتضت الحكمة ترويض
ص: 2
بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
........................................................
النفوس على ما يشرع في ذلك من الأحكام وعلى اجرائها على حقيقتها وحقوقها وعدلها. وان تقام بالموعظة والتذكير والإشارة إلى جلال الله وقدرته العامة سيطرة روحية تقاوم الأهواء وتراقب النفوس وتحاسبها وتردعها في ظواهر امورها وخفاتها . وما هذه السيطرة الا لملكة تقوى الله مالك امر الإنسان في مبدئه ومعاده والمطلع عليه في جميع احواله. فإن استقامة الإنسان في الظاهر والخفاء انما يكون لها وجود وثبات اذا كانت منبعثة بتقوى الله. واما السيطرة السياسية مهما كانت فإنها لا تردع الإنسان عن خفيانه واختلاساته . وإن الاخلاق مهما كانت لا تسير مع شريعة الحق إلا إذا كانت بتأديب تقوى الله وترويضها.
بسم الله الرحمن الرحيم
(1 یا ایها الناس) جمع انسان وهو شامل لكل بشر على الأرض كما لا يخفى ولام التعريف هنا تفيد العموم لغةً. ومن المعلوم في دين الإسلام ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم رسول إلى كافة نوع الإنسان بلا استثناء ؛ وفي سورة الأعراف 159 «قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا» وان الشريعة عامة لجميع البشر لا تخص قسما من الانسان ولا يخرج من نعمتها وعدلها قسم منه ومن المعلوم من الدين والعقل ان تقوى الله مطلوبة من جميع الناس لأجل سعادتهم في الدارين ونظام جماعتهم في الدنيا . فلا يختص بها قسم من الإنسان ولا يمنع الله نعمة الأمر بها عن قسم من نوع الإنسان البالغ العاقل . ومن النظر إلى هذه الوجوه يكون لفظ الناس هنا نصا على العموم (اتقوا) قد مر بيان معنى التقوى في الصفحة الرابعة والستين من الجزء الاول وغيرها (ربكم) خالقكم ومربيكم ومالك اموركم جميعا . وهل من المعقول ان لا تُبقى (الذي خلقكم من نفس واحدة هو آدم ابو البشر وفي ه-ذا بعد الامتنان والتذكير بالقدرة نوع استعطاف للناس بعضهم على بعض بما بينهم من الاتصال في النسب والاشتباك في الرحم. فإن الاتصال بالنسب مرعي عندهم فإن الأسرائيلي يرعى الاسرائيلي اسرائيليته وكذا القحطاني القحطاني وان كان الاتصال بينهما مضى منذ الوف من السنين ونوع الانسان مهما تباعدته افراده وشك في اتصالها في نحو خاص من صحيح النسب فإنه لا يشك في اتصالهم في الولاعة من آدم . وقد سمى الله البشر في القرآن بني آدم في سبع مواضع لا يحتمل ذو الرشد من
ص: 3
المسلمين ان يراد منهم بعضهم . وقد تكرر في القرآن ان اول هذا البشر الموجود والمسمى بالإنسان هو آدم. ففي سورة السجدة المكية «6 وبدء خلق الإنسان من طين 7 ثم جعل من سلالة من ماء مهين» وكذا في سورة البقرة «30 اني جاعل في الارض خليفة - 33» والحجر المكية «28 خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون – 31» وسورة ص«71 واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين - 78» وما في هذه السور وآياتها من امر الملائكة بالسجود لآدم واستكبار ابليس وقد ربط الله في القرآن خلق الانسان بخلقة آدم من الطين. ففي سورة الانعام «2 هو الذي خلقكم من طين» والصافات «1 خلقناهم من طين لازب» والرحمن «3 خلق الانسان من صلصال كالفخار» وعلى ما ذكرناه اتفاق المسلمين وحديثهم المتواتر في المعنى ولم يشذ منهم إلا الجاحظ على ظاهر ما حكاه السيد الرضي في حقائق التأويل حيث قال ما ملخصه ومن غريب كلامه قوله معنى من نفس واحدة على هيئة واحدة ومعنى وخلق منها زوجها جعل زوجها من جنبها ليسكن اليها ولا يستوحش منها انتهى وليت شعري إذا كان معنى النفس الهيئة فعلى م يعود الضمير في قوله «زوجها» والضمائر في قول هذا القائل «زوجها. جنسها . يسكن اليها . لا يستوحش منها» . وفي تفسير المنار نقل عن استاذه عدة جمل - الاولى منها «ليس المراد بالنفس الواحدة آدم بالنص ولا بالظاهر» ويردها أن ذلك معلوم مما تقدم من الآيات وغيرها ومتواتر الحديث واجماع المسلمين - الثانية - «والقرينة على انه ليس المراد هنا بالنفس الواحدة آدم قوله وبث منها رجالا كثيرا ونساء بالتنكير وكان المناسب على هذا الوجه ان يقول وبث منها جميع الرجال والنساء» ويودها مع ما ذكرناه من اسباب العلم ان المناسبة لا تنحصر بما اقترحه فإن هذا المعنى اي بث جميع الناس من آدم قد تقدم بقوله تعالى في خطاب الناس «خلقكم من نفس واحدة» وما اشرنا اليه من السور السبع ولم يتعلق الغرض هنا بتأكيد ما تقدم ما اقترحه بل الغرض بيان معنى تأسيسي وهو حال الخلق للناس في التدرج من خاق النفس الواحدة الى خلق زوجها الى بث الكثير من نسلهما الذي خلق الناس منه بالتناسل التدريجي - الثالثة – في مراعاته لما يزعمه اهل الصين في نسبة البشر الى اب آخر ويذهبون بتأريخه الى زمن بعيد . وان من الناس من لا يعرفون آدم ولا حواء ولم يسمعوا بهما . وفي حذره من ان يثبت ما يقوله الباحثون من الافرنج من ان لكل صنف من اصناف البشر ابا . اقول ومن العجيب ان تنبذ المعلومات الإسلامية من
ص: 4
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِه وَالْأَرْحَامَ
........................................................
القرآن الكريم والحديث المتواتر والإجماع ظهريا لأجل زعم اهل الصين او حذراً من الآراء الجديدة كتسلسل الانواع والتولد الذاتي كما احدثه داروين . وقال التلميذ ح 4 ص 327 ان المتبادر من لفظ النفس انها هي الماهية والحقيقة التي كان بها هذا الكائن الممتازاي خلقكم من جنس واحد وحقيقة واحدة . اقول ان النفس وان كانت كسائر الموجودات الخارجية ينتزع العقل منها بتحليله جنسا وماهية كلية لكن الآثار الخارجية كالخلق منها لا تتعلق إلا بالفرد الخارجي واذا قيد بالوحدة امتنع احتمال التعدد فيه فالذي يفهم من النفس الواحدة هنا ليس الا الفرد الخارجي الواحد بالشخص كما هو المفهوم من جميع استعمالات القرآن الكريم للنفس . ثم نسأل هذا القائل ما هو معنى قوله تعالى وخلق منها زوجها وما هو زوج الماهية المخلوق منها وهو مقابل لها بالزوجية . وما معنى قوله تعالى «وبث منهما» . ولهما في المقام كلمات (1) طويلة يفضي التعرض لها إلى طول ممل . ولولا ان العصر الحاضر مما تنمو به هذه البذور و امثالها لما تعرضنا لما ذكرناه (وخلق منا زوجها) وهى حوا (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله) كما تعرفون انه الا له القادر القاهر المجازي على الأعمال بحيث (تسائلون به) اي تتساءلون وحذف احدى التائين في مثل هذا مطرد في العربية . وكرر الامر بتقوى الله مبالغة في التأكيد . وفي الكلام احتجاج على الناس حتى الوثنيين بما معناه انكم في مهماتكم يسأل احدكم الآخر بالله لما تعرفونه من عظمته ومقام الهيئة اذن فاتقوه (و) انقوا (الارحام) اي اتقوا شر قطيعتها واثرها في ظلم ذوي الأرحام فانكم ترعون نوعا لاولي الارحام حرمة الرحم وتحذرون نوعا من وبال قطيعتها ونكال الله في ذلك . وفي صحيحة الكافي عن جميل عن الصادق (علیه السّلام) ان الله امر بصلتها وعظمها الا ترى انه جعلها معه انتهى اي قرن الامر
ص: 5
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً * (2) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كبيرا (3) وَإِنْ خِفْتُمْ الأتُقْسِطُوا في اليتامى فأنكحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ الْنِسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
........................................................
باتقائها بالأمر بتقواه . ونحوه عن العياشي عن عمر بن حنظلة عنه (علیه السّلام) (ان الله كان عليكم رقيبا) لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء بل يحاسبكم ويجازيكم في أمر الارحام (2 وآنوا اليتامى) اذا بلغوا الرشد (اموالهم) ويلزم من ذلك وجوب حفظها لهم والنهي عن اكلهم لها (ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) اي لا تجعلوا الخبيث بدلا تأخذونه بالطيب مثل قوله تعالى في سورتي البقرة 106 «ومن يتبدل الكفر بالإيمان» والاحزاب 52 «ولا ان تبدل بهن من ازواج غيرهن» والتبدل كالاستبدال يتعدى إلى المأخوذ أو المنتحل بنفسه ويتعدى الى المرغوب عنه بالباء. وفي تفسير البرهان عن نهج البيان للشيباني «قال ابن عباس لا تتبدأوا الحرام من اموالهم بالحلال من اموالَكم لأجل الجودة والزيادة فيه وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله» والظاهر ان الوصف بالخبث من اجل الحرمة وبالطيب من اجل الحل واستفادة الجودة والزيادة من دواعي التبدل الذي يكون به المأخوذ حراما خبيثا . وإلى ما ذكرناه يرجع ما جعله في التبيان اقوى الوجوه وتبعه في المجمع (ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم) ليس المراد هو النهي من خصوص الأكل بمعناه الحقيقي بل الأكل هنا مجاز بمعنى الأخذ و الغصب وضم الغاصب لها الى أمواله واشير الى ذلك بقوله تعالى «الى اموالكم» ليفهم من الأكل ما يناسب كلمة «الى» جريا على الغالب من كون المتسلطين على اموال اليتامى ذوي اموال وإن كانت عند بعضهم قليلة (انه) اي غصب مال اليتامى المكنى عنه بالأكل المنهي عنه ( كان حوبا كبيرا) فسروا الحوب بالإثم . وفي المصباح المنير باكتساب الإثم (3 وإن خفتم ان لا تقسطوا) قد قدمنا في الآية السادسة عشرة من سورة آل عمران ان القسط والاقساط انما هما مقاربان في المعنى للعدل لا مرادفان له على معنى واحد والظاهر بحسب النتبع لموارد الاستعمال ان الاقساط هو معاملة الطرف الواحد بالحق والإنصاف وان العدل هو الجري على الحق في المعاملة مع الاثنين او الاكثر او في الحكم بينهم او هو ما يعم هذا المعنى ومعنى الاقساط (في اليتامى انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وقد اضطربت الاوهام في هذه الآية
ص: 6
و تعسفت في الاعتراض والتفسير توهما لكون المراد من اليتامى في هذه الآية هو المراد منهم في الآية السابقة وهم الذكور والإناث الصغار الذين لم يخرجوا من الصفر الى البلوغ بحسب حال الذكر والانثى وتوهما لكون المراد من «تقسطوا » هو الاقساط في اموالهم كما هو مضمون الآية السابقة فشذت الافهام عن الوصول الى حقيقة الربط بين قوله تعالى «وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى» وبين قوله تعالى «فانكحوا ما طاب لكم من النساء» فلماذا يغيب عن الافهام ان لفظ اليتيم واليتامى قد تقتضي المناسبات ومحاسن الكلام ان يستعمل فيمن انقضى عنه اليتم فيقال يتيم ويتامى لغرض يدعو إلى ذلك . انشد السيد الرضي في حقائق التأويل : -
ان القبور تنكح الأيامي *** النسوة الأرامل اليتامى
وحكي عن الأصمعي عن بعض العرب :-
احب اليتامى البيض من آل سامة *** واكره منهن الينامي الفواركا
اذن فما ظنك بحسن الاستعمال فيمن من قريبات العهد بزمان اليتم وقد بقيت عليهن آثاره . ولماذا لا يلتفت إلى ان الحكم بحسب مناسبته كثيرا ما يكون هو المبين لموضوعه والمعين له . وكثيرا ما بدل طرف الكلام على تعيين المراد من طرفه الآخر كما تقول لمن يريد التزويج في وقته المرتضعات من امهاتهن تزوج منهم . وقد يؤثى بالحكم في بليغ الكلام على وجه يعم موضوع الكلام وغيره كما اذا سألت الطبيب عن اكل التفاح فقال يجوز لك ان تاكل ما اشتهيت من فواكه الصيف الى المقدار الفلاني . ولئن اخفت الغفلات وجه الدلالة فإنه يتضح بالنظر إلى قوله تعالى في هذه السورة 126 «يستفتونك في النساء» الظاهر من الاطلاق كون الاستفتاء عن الأمر المختص بالنساء وهو التزوج بهن لا من حيث اصل التزوج فإنه لا يشك فيه احد لكي يستفتي عنه بل عن التعدد «قل الله يفتيكم » بما شرعه في امرهن «و» يفتيكم ايضا بذلك كلما قرأ القرآن وجبه المنزل وهو «ما يتلى عليكم في الكتاب في» شأن «يتامى النساء اللائي» توليتم امور هن بعد موت آبائهن وبلغن مبلغ النساء واستحقق ان توتوهن ما كتب لهن من ميراثهن وغمائه مثلا وانتم من حرصكم واثر العادة الجاهلية «لا توتونهن ما كتب لهن» مما ذكر « وترغبون ان تنكحوهن» اي ترغبون في ان تنكحوهن فإنه الظاهر في التقدير دون كلمة «عن» ويكون هذا الظاهر محكما بالنظر الى انه ليس في القرآن فتوى في اللاتي يرغب عن نكاحهن بل الفتوى في الكتاب انما تنطبق على اللاتي يرغب في
ص: 7
نكاحهن وهي قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (1)فيكون محصل الكلام في الآية هو انه بعد أن جرى التعرض لاموال اليتامى جرى التعرض ليتامى النساء في المعاملة معهن في ذواتهن بالقسط بمعنى انكم اذا احس احدكم من نفسه انه لا يسمح لمن عنده من يتامى النساء ان يؤنبها ما كتب الله لها من الاموال لئلا تذهب به الى من يتزوجها وترغبون في ان تتزوجوهن إما رغبة في اموالهن وبقائها في حوزتكم او رغبة فيهن ولكنكم تنحرجون من التزوج بهن اما لتوهم الحرج في تعدد الزوجات او في نكاح من ربيت يتيمة عندكم قياسا على الربائب كما اشار اليه القمي في تفسيره فتخافون من اجل ذلك ان تمنعوهن من الزواج فلا تقسطوا فيهن بل تظلمونهن بذلك فإن الله جلت الاؤه يرشدكم الى رفع هذا الخوف بان تتزوجوهن وان كنتم ذوي زوجات فانه احل لكم ولغير كم في الشريعة ان تنكحوا ما طاب لكم بالحل من النساء اللاتي لم يذكر تحريمهن في الشريعة الى اربع . و «ما» في ما طاب الاشارة الى عنوان الجنس المتصف بالحل بجميع اصنافه من حيث الشيبوبة والبكارة والمال والجمال والفقر و عدم الج- الجمال وكونها يتيمة مرباة او غير ذلك ولو قيل «من طين» لتوجه الذهن الى اعيان المحللات وفاتت فائدة الإشارة المذكورة . واما الامر في قوله تعالى «فانكحوا» فانه بحسب وجه الكلام في الجملة الشرطية وعنوان الاسلوب والسياق ما هو الا للإرشاد الى نحو من انحاء التخلص مما يخافونه من عدم الاقساط مع امكان التخلص ايضا بجهاد النفس وكفها عن الحرص في اموال اليتامى . فالآية الكريمة اذن جارية في خصوصياتها واشاراتها وقرائنها على النحو السامي من البراعة والمنهج الواضح في البلاغة . ولنا الفخر إذا اهتدينا بالتدبر في خصوصياتها وقرائنها ومزاياها الى ما هي عليه من اتساق النظام ، وسداد الانتظام وبراعة الاسلوب (مثنى وثلاث ورباع) اي اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا واربعا اربعا بحسب ما تريدون . والمعدودات بدل تفصيلي من «ما طاب» ومنعت هذه الكلمات من الصرف لكونها معدولة عما
ص: 8
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً
........................................................
فسرناها به ولتضمنها الوصفية فإنك تصف المعدود وتقول جاءني رجال اربعة ونساء اربع (فإن خفتم الا تعدلوا) بين المتعددات في حقوقهن والتسوية بينهن فإن اكثر حقوقهن متساوية متكافئة ان زيدت احداهن كان ذلك جورا على غيرها منهن (فواحدة) بالنصب على المفعولية بكلمة «انكحوا» مقدرة يدل عليها «فانكحوا» المتقدمة ولا بد من ان تكونا بمعنى واحد في المادة والهيئة كما هو شأن المقدر وما يدل عليه . فكما كان الدال للإرشاد بكون المقدر ايضا للإرشاد إلى احدى الطرق المؤمنة من عدم العدل وان كان من الطرق ايضا ان يروض نفسه فيتبع العدل بحسب تكليفه في الحقوق الشرعية فإن هذا العدل مستطاع مقدور بالبداهة . وكيف يكون غير مستطاع مع قوله تعالى «وإن خفتم» ومع الإرشاد السابق ولازمه من اباحة ما زاد على الواحدة إلى الأربع. وأما قوله تعالى 128 « ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» فإن المراد فيه هو العدل في المودة القلبية لأن اسبابها خارجة عن الاختيار فإن منها جمال هذه او حسن اخلاقها ، وقبح تلك او سوء اخلاقها . وفي الكافي بسنده ان ابن ابي العوجاء اعترض على هشام بن الحكم بزعمه تناقض الآيتين فسأل هشام الصادق (علیه السّلام) فأجابه ان الاولى في النفقة والثانية في المودة . وقد اقتصر عليه السلام على ذكر من حقوق الزوجات اكتفاء بها في التفرقة بين الآيتين . واظن أن هشاما لا يخفى عليه الجواب ولكنه سأل الإمام ليأخذ الحقيقة من معدنها امناء الوحي احد الثقلين اللذين لن يتفرقا . فإنه لو تكلم واحد من البشر بمثل الا يتين لوجب في الاستقامة والفهم ان يحمل كلامه على اختلاف متعلق العدل كما في الآيتين (1)والمفهوم من قوله تعالى «وان خفتم
ص: 9
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
........................................................
الا تعدلوا» هو انه إذا او جس احدكم من نفسه او غيره امراً يخاف ان يغريه من حيث التعدد وهذا قليل الوقوع وليس المفهوم هو مجرد التجويز لأن يضعف في المستقبل التزامه بالشرع فيحيد عن العدل في حقوق الزوجات . فإن هذا التجويز المجرد لا يسمى خوفا مع انه حاصل لكل من لم يكن معصوما حتى في القسط والعمل بالشريعة مع الزوجة الواحدة فكيف يمنع الله معه التعدد ويأذن بالواحدة وكل من الواحدة والأكثر اماء الله والجور مبغوض في كل مقام . لكن امر المستقبل مع سلامة النفس في الحال لا يوقف الأمور عن سيرها في الحال ما لم تكن في الحال نزعة او حال تنذر بالورطة في المعصية ويتحقق معها عنوان الخوف فيحسن التحذر منها عند الخوف فإن رأى ما ينذر بذلك في التعدد حسن منها الحذر كما ارشده الله بقوله تعالى فواحدة ) او ما ملكت ايمانكم ) قيل ما ملكت اشارة إلى عنوان الجنس المتصف بالمملوكية كما تقدم نظيره اي ما يملكه الناكح من النساء فإن اللاتي يتسرى بهن المالك ليس لهن شيء من حقوق الزوجية فلا يكون في امرهن ما يخالف العدل بينهن من حيث المساواة المطلوبة في الزوجات . واما من كانت ملك الغير وتزوجها الحر على ما يأتي فإنها زوجة لها حقوق الزوجية . هذا وقد اتفق المسلمون على أن كل انثى تكون من المحارم ويحرم نكاحها إذا كانت حرة هي كذلك إذا كانت امة . وذهب الإمامية والحنفية إلى انه لا يملك من هي من محارمه وقال الشافعي لا يملك الأمهات وإن علون والبنات وإن نزلن لا غير ويزيد مذهب مالك عليه بأنه لا يملك الاخوات للأبوين او لأحدهما . وقال أهل الظاهر يملك الجميع وان حرم وطأهن والحجة للإمامية في مذهبهم اجماعهم واحاديثهم واحتج الحنفية بما أخرجه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن سمرة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم من ملك ذا رحم محرم فهو حرٌ. وهاهنا مسائل «الاولى» يجوز للعبد أن يتزوج اربع اماء لاطلاق الآية وعليه اجماع الإمامية ونص ما نشير اليه من رواياتهم في المسئلة الثانية . وعن ابي حنيفة والشافعي لا يجوز له إلا نكاح امتين ولم يحك في الاحتجاج لها إلا القياس على أن عليه نصف حد الحر . وفي هذا الاحتجاج ما فيه «الثانية» ذهب الإمامية إلى انه لا يجوز له التزوج من الحرائر إلا
ص: 10
ذلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا * (4) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَائِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
........................................................
اثنتين. والحجة لهم إجماعهم ورواية زرارة عن الباقر علیه السّلام. ورواية الصيقل عن الصادق علیه السّلام وصحيح ابن مسلم عن احدهما علیه السّلام ورواية زرارة ايضا عن احدهما بل وغيرها من الروايات «الثالثة» لا يزيد على حرة وامتين باجماع الإمامية وهل له ان يتزوج الحرة والأمتين فيه رواية في الفقيه عن أمير المؤمنين فإن كانت مجبورة بالشهرة فذاك : هذا ويشهد ايضا على أن قوله تعالى «فواحدة» إنما هو للارشاد قوله تعالى (ذلك) اي نكاح الواحدة او ملك اليمين حينما تريدون النكاح ابعد عن الامور المقتضية لمخالفة العدل بين ذوات الحقوق إذ ليس في هذين الصورتين ذوات حقوق و (ادنى) واقرب إلى (ان لا تعولوا) وتميلوا بمخالفة العدل قال ابو طالب في لاميته المعروفة المشهورة في مدح النبي صلی الله علیه و آله و سلّم والتصديق برسالته : -
بميزان عدل لا يخيس شعيرة *** ووزان صدق وزنه غير عائل
وحكي عن بعض انه فسر تعولوا بقوله بكثرة عيالكم ورده المتضلعون من علم اللغة بأن الذي يجي للمعنى الذي يقوله هو اعالُ يميل بضم الياء لا عال يعول ورد ايضا بأن المشار اليه بقوله «ذلك» هو نكاح ما شاء الرجل من ملك يمينه ولو عشراً وذلك يوجب كثرة العمال فكيف يكون اقرب إلى قلة العيال من الزوجتين او الثلاث او الأربع . وايضا لو كان كما يقول وليس بمعنى عدم العدل لكان علة ثانية للاقتصار على الواحدة فيلزم أن يؤتى بالواو قبله ويقال «وذلك ادنى » عطفا على العملة التي سبقت لها الجملة الشرطية وهي الأمن من عدم العدل (4 وآتوا النساء) الخطاب هنا بالنظر إلى الحكمة يكون للازواج بالنسبة إلى صداق زوجاتهم (صدقاتهن) جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال اسم لصداق الزوجة ومهرها (نحلة) النحلة العطية المقصود منها انتفاع من اعطيت له . وفي ذلك تأكيد لوجوب ابناء النساء صدقاتهن ببيان ان الوجه في اعطاء الصداق هو انتفاع الزوجة به وليس هو مجرد وسيلة لاستخلاصها ممن بلي امرها كثمن الشاة مثلا . وفي هذا البيان ردع عن العادة الجاهلية التي بقيت موروثة في كثير من الاوباش الى هذا الزمان وهي ان الزوج يدفع الصداق لمن بلي امر الإمرأة لمجرد أن يستخلصها منه مع علمه بأنه يأكله ظلما (فإن طين لكم عن شيء منه) «من» التبيين او التبعيض جريا على الغالب (نفسا) تمييز الضمير في «طبن» (فكلوه) الامر للاباحة حال كون المأكول
ص: 11
منْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (5) ولا أُوتُوا السُّفَهَاء أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قياماً وأرزقوهم فيها وأكسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا *
........................................................
(هنيئا) المراد كونه نعمة بلا نكد ولا تبعة (مريئا) والمراد منه السائغ كالطعام السائغ في المري بسهولة وبلا غصة (ولا أوتوا السفهاء) جمع سفيه . والسفه هو الخفة في العمل والطيش ووضع الامور في غير موضعها ومنه التبذير في صرف المال وصرفه في المحرمات والملاهي وشرب الخمر بل لا يخفى ان شرب الخمر بذاته من السفه كما اتفق عليه حديث الفريقين (اموالكم) وقد أكد النهي جلت حكمته واشار الى حكمته الرادعة للعقلاء بوصف الأموال بأنها (التي جعل الله ) اي جعلها الله والضمير هو المفعول الأول لكلمة «جعل» (قياما) وهو المفعول الثاني . وفي النبهان والمصباح انه مأخوذ من القوام بكسر القاف . وفي المصباح قوام الأمر عماده الذي يقوم به وينتظم . وفي القاموس نظام الأمر وعماده اقول اوما يعتمد عليه كقول لبيد في معلقته : -
افتلك ام وحشية مسبوعة *** خذات وهادية الصوار قوامها
اي والبقرة التي تهدي القطيع من بقر الوحش هي قوامها . وفي النهاية في الحديث الا ان يكون له قوام من معيشته . ومحصل بيان الآية الكريمة انه كيف يحسن لذي الرشد ان يعمد إلى المال الذي جعله الله قواما وقياما لأمر المعيشة فيعرضه للتلف هدراً بايتائه للسفيه وفي الكشاف تقومون بها وتنتعشون فكأنها في أنفسها قيامكم وانتعاشكم : ولا يخفى ما فيه من تعسف (وارزقوهم) فيما يحتاجون اليه (فيها) بما هو اعم من كون الرزق لهم بالشراء بالبعض من غمائها أو من أعيانها أو ببعضها إن كانت مما يحتاجون اليه من المأكول . ولذا لم يجر التعبير بقوله تعالى « منها » لئلا يظهر منه إيتاء البعض منها فيعود إلى إيتاء الأموال للسفهاء (واكسوهم) اي فيها (وقولوا لهم قولا معروفا) تألفا لهم واستصلاحا ورفعا الحزازة حبس الأموال من إينائها لهم. وقد اختلف المأثور في تفسير الآية في السفهاء . ففي الدر المنثور عن ابي هريرة هم الخدم وهم شياطين الإنس . وعن ابن مسعود النساء والصبيان. وعن ابن عباس من طريق العوفي النساء والأولاد وفي رواية اخرى السفيه من ولدك . وهذه الكلمات زيادة على اطلاقها ظاهرة بسوق الفاظها وقرائن اسلوبها في ارادة المطلق من
ص: 12
الخدم والنساء والأولاد . وفي ذلك ما فيه مضافا إلى ان تخصيصها للسفيه بمن ذكرت---ه كأنه اجتهاد لا رواية موقوفة على انها ساقطة بصحاح الروايات ففي تفسير القمي في الصحيح عن الصادق علیه السّلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حديث شارب الخمر لا تأتمنوه لأن الله يقول ولا تؤتوا السفهاء اموالكم واي سفيه اسفه من شارب الخمر . ونحوه رواية السكوني عن الصادق علیه السّلام عن آبائه امير المؤمنين علیه السّلام ورواية الكافي من قول الباقر علیه السّلام الصادق علیه السّلام. وصحيحته من قول الصادق علیه السّلام لولده اسماعيل ورواية العياشي عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابي جعفر علیه السّلام كل من يشرب المسكر فهو سفيه . وفي مستدرك الحاكم وصححه وعن البيهقي في الشعب عن ابي موسى عن رسول الله (ص) في حديث ورجلا أتى السفيه ماله وقد قال الله ولا تؤتوا السفهاء اموالكم الحديث. هذا وبعض هذه الروايات نص في كون السفيه في موردها من غير النساء والولد والخدم وبعض كالصريح في ارادة العموم . ولترجع الى مفردات الآية وما يستنتج منها في مسائل - الأولى - ان الأمر في قوله تعالى وارزقوهم واك وهم هل هو للوجوب فيختص بواجب النفقة . او هو للاباحة في كل من يباح رزقه من السفهاء وان لم يكن من الاقارب لأن الأمر وارد في مقام توهم المنع بالنهي عن ابنائهم الأموال . والثاني هو الأظهر – الثانية - ان النهي في الآية عام كعموم لفظ السفهاء فلا يختص بمن يحتاج الى الرزق والكسوة . وذلك لأن تعقب ضمير الخاص للعام لا يجعله خاصا الا بدلالة القرائن المقامية . والقرائن في الآية والحديث إنما هي على العموم ومنها ما اشرنا اليه من التعليل المستفاد من وصف الاموال بانها جعلها الله قياما للتعيش فلا يصح ان يسلط عليها السفيه المثلف لها - الثالثة - ان النهي لا يختص بمال المنهي بل يعم ما كان بيده بحسب الولاية او الوصاية او الوكالة او غير ذلك من اموال الناس . وذلك لأن المخاطبين هم الناس كما في اول السورة فتكون الأموال مضافة الى الضمير العائد لهم ولنوعهم وكأنه قيل لكل مكلف لا تؤت اموال الناس الذين انت منهم للسفهاء . ولا يلزم من ذلك حمل الاضافة الواحدة على الحقيقة والمجازية كما حكاه الرازي في تفسيره عن القاضي ولا حاجة الى ما اجاب به الرازي من دعوى عموم المجاز في الاضافة وقد جاء ما ذكرناه من الاضافة الى النوع في قوله تعالى في سورة النور 32 «وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم» فيكون منطوق الآية وعموم تعليلها محتويا لمقتضى الحكمة ومصلحة احترام المال وحفظه لمالكه مطلقا لانه جعله الله قياما للمعيشة
ص: 13
(6)وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ
........................................................
(6 وابتلوا اليتامى) الذين لهم اموال محجوبة عن تصر فهم لصغرهم وامتحنوهم وجربوهم، ممارسة امر هم لاستكشاف رشدهم ولياقتهم لصون اموالهم على النهج العقلائي النوعي بما يحصل به الامتحان ويتوقف عليه ولو بأن يدفع إلى اليتيم شيء من المال مع الاذن بالتصرف فيه والمراقبة له في تصرفاته المأذون له فيها . ولا دلالة في الابتلاء بوجه من الوجوه على ان يخلي بين اليتيم وبين المال ليتصرف فيه بلا اذن ولا مراقبة في التصرفات بل ان تعليق الدفع على البلوغ وانس الرشد يدل على ما قلناه . وليكن هذا الابتلاء قبل البلوغ ليعطي الرشيد ماله اول بلوغه كما هو حقه فإن حصول الرشد لا يتوقف على البلوغ بل يمكن حصوله مندرجا من حين التمييز ويعرف بالامتحان والابتلاء (حتى إذا بلغوا النكاح) اي الحالة والصفة التي قدرها الله لنوع الإنسان في تطورات نشأته ونموه وهي ان تحدث فيه مادة التناسل وهو المني بحسب نوعه ودم الحيض في رحم الانثى فيكون بذلك صالحا للتزاوج مائلا اليه بحركة مادة التناسل إلى الرغبة النوعية فيه . ولحدوث تلك الحالة وتلك الصفة امارات تدل عليها تكون العبرة باولها حصولا . منها هيجان تلك المادة وخروج المني ماء الشهوة المعروف باحد المحركات كالجماع ونحوه او بتخيله في النوم وهو الاحتلام ، ولأن الغالب تقدم الاحتلام على الجماع ونحوه جعل القرآن الكريم بلوغه هو العنوان في قوله تعالى في سورة النور 57 الذين لم يبلغوا الحلم 58 واذا بلغ الاطفال منكم الحلم . وربما يتأخر المحرك لخروج المني فتكون العبرة في الانثى بخروج دم الحيض منها واذا تأخر ذلك كان حملها كاشفا عن بلوغها . واذا تأخر ظهور هذه الإمارات اخذ بالسن وهو في الذكر اكمال خمسة عشر سنة هلالية على المشهور عندنا بل هو إجماع اذ لم يعهد البقاء على الخلاف الا من ابن الجنيد . ولو لم يكن اجماعا فهو شهرة تعضد ما توافقه من الحديث وتوهن ما تخالفه . وعلى المشهور معتبرة العبدي بالحسن ابن محبوب وروايات الكناسي عن الباقر علیه السّلام وصحيحا ابن وهب عن الصادق علیه السّلام ونحوهما وروايات الخصال في مرسلة ابن عامر عن الصادق . والروايات المعارضة ان لم تقبل التأويل باسكان ان تظهر الإمارات المذكورة قبل الخمسة عشر سنة فهي مطرحة لمخالفتها المشهور واعراض القدماء عنها . وفي الانثى اكمال تسع سنين باجماعنا وما اشرنا اليه من رواية العبدي : ومن
ص: 14
فَإِنْ أَنَستُم مِنهُمْ رُشْداً
........................................................
علامات البلوغ نبات الشعر الخشن على العانة دون الزغب وعليه علماؤنا وهو المحكي عن مالك واحمد والشافعي في أحد قوليه وفي القول الآخر خصه بالكفار وعن ابي حنيفة انه لا يعيد بذلك . والحجة عليه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم امر بالاعتبار به في امر بني قريضة كما هو مرو يي من طرف الجمهور في الصحيح عندهم كما في مسند احمد وصحيح ابن حبان وجامع عبد الرزاق عن عطية القرضي . ومن طرقنا رواية ابي البختري عن الصادق علیه السّلام عن الباقر علیه السّلام كما تدل عليه روايتا العبدي والكناسي عن الباقر علیه السّلام وذكرت فيها اللحية للغلام ايضا . وهناك امارات اخر كتغير الصوت وتورم الثديين وانفراج ارنبة الانف ولكن التدرج في حدوثها قد يسبق البلوغ فاذا لم تعد من الإمارات المعول عليها (فإن آنستم) في التبيان آنستم وجدتم يقال آنست من فلان خيرا . ولعله يشير بالمثال إلى وجه الاستعمال وه- و ان انس ليس معناه ابصر وعلم كما قال بعض اللغويين بل هو مأخوذ من الانس واستعمل في وجدان ما يونس به ضد ما يستوحش منه ولم يسمع في مستقيم الكلام استعماله فيما يحذر منه (منهم رشداً) في حفظ المال وعدم تبذيره ولعل في التنكير اشارة إلى ذلك . ولا يعتبر في ذلك الرشد في التقوى بمعني العدالة ولم يحك القول باعتبار العدالة الا عن الشيخ الطوسي والشافعي لكن قال في التبيان والأولى حمله اي الرشد على العقل واصلاح المال وهو المروي عن ابي جعفر علیه السّلام ايضا اقول وفي الفقيه عن الصادق علیه السّلام في الآية ايناس الرشد حفظ المال وعن العياشي عن يونس بن يعقوب عن الصادق علیه السّلام في الآية اي شيء الرشد الذي يؤنس منه قال علیه السّلام حفظ ماله وصحيحة العيص المروية في الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق علیه السّلام في اليتيمة متى يدفع اليها مالها قال علیه السّلام اذا علمت انها لا تفسد ولا تضيع . وفي صحيحة الكافي عن هشام عن الصادق علیه السّلام وان احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها وضعيفا فليمسك عنه وليه ماله . ونحوه رواية الفقيه والتهذيب والظاهر ان السفه والضعف بمنزلة عطف التفسير لعدم الرشد . وموثقة التهذيب عن عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السّلام في الغلام جاز امره إلا أن يكون سفيها او ضعيفا وفسر السفيه بالذي بشتري الدرهم باضعافه والضعيف بالابله : وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية رشدا في حالهم
ص: 15
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ولا تأكلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَان غَنِيًّا فليستعفف وَمَنْ كَان فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
........................................................
والإصلاح في اموالهم ومن السفه وعدم الرشد تعاطي صرف المال في الملاهي والقمار وشرب الحمر والزنا ونحو ذلك وقد سمعت من الحديث ان شارب الخمر سفيه (فادفعوا اليهم اموالهم) وخلوا بينهم وبينها كسائر ذوي الأموال . ومدلول الآية ان الولي على اموالهم لا يدفعها اليهم حتى يأنس منهم رشدا مهما طعنوا في السن فمن الغريب حتى في القياس والاستحسان ما عن ابي حنيفة من انها تدفع اليهم بعد الخمس وعشرين سنة من عمرهم وان كانوا سفهاء – هذا ولما نهى الله تعالى في الآية الثانية عن بعض الأنحاء من اكل اموال اليتامى اقتضت الحكمة والرحمة ان ينهي عن سائر الانحاء مما يغوي به الشيطان وتغري به دناءة النفس الأمارة من اكلها بالاسراف او في صورة الحذر من ان يكبر اليتيم فيأخذ ما يجده من امواله فيسرع المئولي عليها إلى صرفها واتلافها فقال جلت رحمته (ولا تأكلوها اسرافا) والاسراف معروف ومقتضى الظاهر ان «اسرافا» نائب عن المفعول المطلق (وبداراً ان يكبروا) البدار مص-در بادرته الشيء اين سابقته ومفعوله مصدر ان يكبروا ويكون بداراً مفعولا لأجله اي تأكلونها مسابقة منكم لكبرهم . ولا حاجة إلى تأويل الاسراف والبدار باسم الفاعل لجعلهما حالين كما في مجمع البيان والكشاف (ومن كان غنيا) بماله لا يضايقه العمل في اموال اليتامى واصلاحها والنظر في شؤونها ولا يزاحمه في امر معاشه وما يحتاج اليه (فليستعفف) اي يطلب صفة العفة ويتخلق بها او فليصر عفيفا مثل استحجر الطين ومن العفة تركه بكرم الاخلاق والشهامة والرحمة وان لم يكن حراما كما ذكره اللغويون و يعرف من موارد الاستعمال وسيأتي ان الامر فيه للاستحباب او للإرشاد إلى الخلق الحميد (ومن كان فقيراً) بحيث يكون عمله في اموال اليتامى ونظره في امرها مخلا بنظام تعيشه و كسبه لما يحتاج اليه (فليأ كل) الأمر
للاباحة (بالمعروف) ولا يعهد هنا معروف يحال عليه ويجعل ميزانا الا اجرة المثل لعمله . وتحرير الكلام في الآية الكريمة هو انه بحسب النظر إلى القواعد الشرعية العامة او الدليل الخاص وهل يجوز لمتولي مال اليتيم ان يأخذ الاجرة على عمله فيه ام لا . ولا يخفى انه عمل محترم وليس في امر الولاية ما يهدد حرمته . اما الوصية وقبولها فليس فيهما التباني على العمل مجانا
ص: 16
ولا ما يوجب الالتزام بهذا التباني لو كان . واما وجوب العمل فإنما هو توصلي لا يمنع من استحقاق الاجرة . ولو منع منها لمنعه من أن يستأجر غيره مع انه لا كلام ولا خلاف في جواز ذلك حتى الاستئجار على النظر في امور العاملين . ودعوى ان مباشرته مهدورة وان جاز له ان يستأجر محتاجة إلى بيان المبني والدليل والفارق . وأما النهي عن أكل اموال اليتامى فإنه ناظر إلى غصبها وهو القدر المتيقن من ذلك . ومن ذلك يعرف الكلام في سائر اقسام المتولين . وفي التبيان والظاهر في أخبارنا ان له اجرة المثل سواء كان قدر كفايته او لم يكن ونحوه في مجمع البيان وقد افتى الشيخ بذلك في نهايته في آخر باب التصرف في اموال اليتامى من كتاب المكاسب وعليه الفتوى في وصابا الشرايع والقواعد والارشاد والتذكرة والايضاح والدروس والجواهر وغيرها . وعلى ما ذكرناه من احترام عمل الولي واستحقاقه به اجرة المثل يبتني قول اللمعة والمسالك بها مع الحاجة والفقر وقول المبسوط وكنز العرفان وجامع المقاصد والروضة بأقل الأمرين منها ومن الكفاية . لأن ما ذكروه من التقييد مستند إلى ما فهموه من الآية الكريمة . وكذا ما ذكره الرازي من قول البعض من علمائهم ان له ان يأخذ من مال اليتيم ما يحتاج اليه وبقدر اجرة عمله وذكر الاحتجاج له بوجوه سنة سادسها القياس على الساعي في اخذ الصدقات . وما حكاه في الكشاف وتفسير ابي السعود عن محمد بن كعب من قوله ينزل نفسه منزلة الأجير فيما لا بد منه . وعن الشعبي يأكل من ماله بقدر ما يعين فيه وفي تفسير المنار «وعن يضع يده مع ايديهم ويأكل معهم كقدر خدمته في عمله ومن هنا قال الفقهاء ان له اجرة مثله من مال اليتيم » وعلى نحو ما ذكرناه يجري ما في الدر المنثور من انه اخرج البخاري وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه عن عائشة قالت انزلت هذه الآية في والي البتهم فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه انتهى والموجود فيما عندي من نسخة البخاري في التفسير يأكل منه مقام قيامه عليه بمعروف . والمال واحد . وايضا أخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في الآية قال يأكل الفقير اذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه على ماله ومنفعته له : وفي التهذيب في الصحيح عن هشام ابن الحكم قال سألت ابا عبد الله يعني الصادق علیه السّلام عمن تولى مال اليتيم ماله ان يأكل منه فقال ينظر إلى ما كان غيره يقوم به فليأكل بقدر ذلك . ولا يخفى ان مناسبات المقام وتشديد القرآن الكريم في المحافظة على أموال اليتامى والنهي عن أكلها لا تسوغ الذهن ان يحتمل ان الله
ص: 17
فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهد واعَلَيهِم وكفى باللهِ حَسيباً * (7) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِما ترك الوالِدانِ وَالأقربون والنساء نصيب مما ترك الوالِدانِ والأقربون مِمَّا قل منْهُ أَوْ كَثرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا*
........................................................
حمل أموال اليتامى طعمة لوليها الفقير يأكل منها بدون جهة استحقاق يعود نقعها لليتيم من عمل له اجرة . وهذه الجهة مشتركة بين الغني والفقير . وفي الدر المشور ذكر جماعة اخرجوا عن القاسم سم بن محمد قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن في حجري ايتاما وإن لهم ابلا فإذا يجل لي من البانها فقال إن تبغ ضالتها وتهنأ جرباها وتلوط حوضها وتسعى اليها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في حاب . وفي الكافي والتهذيب بسندهما عن حنان عن الصادق علیه السّلام نحوه ومما ذكرناه في معنى العفة واحترام عمل الولي ووجه استحقاقه للأكل يعرف أن الأمر في قوله تعالى « فليستعفف » إنما هو للندب لما في الاستعفاف من الخلق الكريم في الرحمة بالأيتام واعانة الضعفاء ، وصيانة النفس من تعديها ومغالطتها للغني بأن عمله من حيث جلالته بالثروة ثمين جداً. مع أن الاجرة برعى فيها ذات العمل لا شؤون العامل . وعلى هذا النحو من الأحكام الأخلاقية والآداب الإجتماعية جاءت الأحاديث المختلفة لسانها حسب النظر إلى مراتب الاستحباب والمروءة والحاجة كما في الدر المنثور والباب المائة والبابين اللذين بعده من كتاب المكاسب من الوسائل (فإذا دفتم) ايها المتولون على أموال اليتامى (اليهم أموالهم) عند بلوغهم ورشدهم (فأشهدوا عليهم) من يكتفى بشهادته وتقوم به الحجة . وهذا الأمر للإرشاد والاستحباب لبعض الجهات عند الإمامية ولم اعرف عاجلا قائلا بالوجوب . وفي تفسير الرازي اجمعت الأمة على الاشهاد هو الأولى والأحوط . وفي تفسير المنار عن استاذه أنه ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأمر بالإشهاد امرار شاد و حكى عن الشافعية والمالكية وجوب الإشهاد (وكفى بالله حسيبا) محاسبا لكم فيا اوصاكم به في هذه الآيات واليتامى إن جحدوكم . وقيل شاهدا . هذه شريعة الحق وزواجر العدل في امور اليتامى ومن شريعة العدل ، وقوانين الحق في المواريث قوله تعالى (7 للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا) وهو حال مؤكدة جي بها توطئة للوصف بكون النصيب ) مفروضا ) في شريعة المعدل لا يختص الرجال
ص: 18
بذلك ولا تنعزل عنه النساء مماقل منه او كثر فلا يستكثر عليهن الكثير وهذا هو النكتة في ذكر النساء اي كما ان الرجال يكونون وراثا من القليل والكثير فكذلك النساء لأن المال الموروث مال الميت وإنما ينتقل إلى غيره بسبب الولدية للوالدين والأقربية للأقربين وهذا السبب كما يحصل للرجال يحصل بعينه للنساء ايضا فلماذا نحرم النساء ارثها وإن كانت أقرب القربى والمراد بالمفروض هو الواجب المدلول عليه بالخصوص او العموم لا خصوص فرض النصف والثلثين فإن أكثر النساء كالبنات والأخوات مع اخوتهن وغيرهن ليس لهن فرض خصوصي – ولا يخفى - انه كثيراً ما يكون للرجل جميع التركة بإجماع الامة كما إذا انفرد بالإرث لا نصيب وبعض منها ، فيعرف من ذلك ان تعبير بالنصيب هنا وبالنصف والثلثين في الآيات الآخر إنما هو ناظر إلى صورة وجود الشريك في الإرث فيقال ذلك توسعة لمجال الشركة ومقدمة لحساب القسمة وتوطئة للموازنة بنحو غير حاصر بل تكون تصفية الحساب وجمعه وإكمال الحصص وتحديدها وأخذ النتيجة العملية من قاعدة الأقربية المؤسس تشريعها فيا كرد ههنا من قوله تعالى «والأقربون» فإنه جلت حكمته أوضح أن المبني في الإرث وقاعدته الأساسية هي الأقربية في الرحم فإنه إذا كان الموروث للوارث هو الأقرب اليه فالوارث هو الأقرب اليه . وقد جرى التأكيد لهذه القاعدة بقوله تعالى في سورة الأنفال 74 «والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم» لكن مقام العلقة النسبية والأقربية في الرحم محفوظ لا يتقدم عليها في آثار الارتباط شي «واولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم» وقوله تعالى في سورة الأحزاب «النبي اولى بالمؤمنين من أنفسهم وازواجه امهاتهم واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا ان تفعلوا إلى اوليائكم» منهم «معروفا» في حبوتكم بالعطاء المنجز او الوصية «كان ذلك الكتاب مسطورا» ونظر الآيتين إلي الميراث اظهر من ان يجحد . ومن المعلوم أن جل الصحابة ومنهم ابو بكر وعمر وعلي وابن مسعود والزبير كانوا يورثون الأرحام بهاتين الآيتين وعلى ذلك فقهاء العراق بل والشافعي إذا لم ينتظم بيت المال. وهو اجماع أهل البيت والإمامية . وحديثهم في ذلك كثير جداً . وتناصرت فيه احاديث اهل السنة من طرقهم مع صحتها عندهم في ان الآية نزلت في تقديم اولي الارحام في الإرث على غيرهم كما اسنده الطبري في تفسيره وعبد بن حميد عن ابي بكر واسنده الحاكم عن الزبير كما اسنده عن ابن عباس بسندين وذكر
ص: 19
(8) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لعم قَوْلاً مَعْرُوفًا * (9) وَلِيَخْشَ الَّذِينَ لَو تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَا فَأَخَافُوا عَلَيْهِمْ
........................................................
ثانيهما ابو داود ايضا في جامعه . والآيات الثلاث متعاضدة الدلالة واضحة العناية بتأكيد عمومها وتثبيته بالتكرار وبيان وجهه الواضح وعلته المأنوسة في الأذهان وهو الأقربية في الرحم . وزاد تشديد التأكيد بتكرار البيان لكون أولية الأقرب في الرحم ثابتة في كتاب الله وما سطره في كتابه من شريعة الحق الثابتة وبأن الله الذي هو بكل شيء عليم والعالم بما يحدث من الأمور نص في كتابه على أولية الأقرب في الرحم من غيره (8 وإذا حضر القسمة) الميراث (اولو القربى) الظاهر انهم او لو قربى الميت من غير الوراث الأقربين (و البتامي) المحتاجين (والمساكين فارزقوهم) من غير تعيين للمقدار بل ما يؤدي هذا العنوان ولا يجحف بالمال (منه) أي من المال المدلول عليه بمقام الميراث والقسمة كما ذكرنا مثله في الشعر العربي في الصفحة 155 من الجزء الأول (وقولوا لهم قولا معروفا) من القول الطيب والظاهرا تفاق الإمامية واجماعهم على أن مؤدى الآية غير واجب . واختلف الحديث من الفريقين في نسخها وعدمه كما في الدر المنثور في الروايات عن ابن عباس وفي تفسير البرهان من رواياتنا . واما الاستحباب فإن لم يثبت بعنوانه الخاص فلا بأس في ثبوته بعنوان الإحسان نعم لا يجوز ذلك قبل القسمة فيما إذا كان في الوراث قاصر او معنوه او غائب ولا بعدها فيما يرجع إلى هؤلاء (9 وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية) لهم (ضعافا) جمع ضعیف (خافوا عليهم) وهذه الجملة جواب « لو » وقد ورد فيما يرجع إلى مضمون الآية وينطبق عليه احاديث . منها : صحيحة عقاب الأعمال وعن العياشي عن الصادق علیه السّلام قال ان في كتاب علي علیه السّلام ان اكل مال اليتيم سيدركه ذلك في عقبه من بعده في الدنيا ويلحقه وبال ذلك في الآخرة اما في الدنيا فإن الله يقول وذكر الآية . وفي معناه موثقة سماعة المروية في الكافي والفقيه والتهذيب وعن العياشي عن الصادق علیه السّلام وما في الفقيه من قوله قال الصادق علیه السّلام أن آكل مال اليتيم يخلفه وبال ذلك في الدنيا وتلا الآية. وكذا ما اسنده عن الرضا علیه السّلام وروايتا الصفار والعياشي عن الصادق : ومرجع ذلك إلى أن الله لا يوفق آكل مال اليتامى لأن يجعل على يتاماه وذريته الضعاف قيما امينا ولا يدفع عن أموالهم من يريد أكلها ولا يدفع
ص: 20
عنها عوارض التلف مع أن فيها الأعيان المأكولة من اليتامى السابقين أو عهدة ضانها . فيتلفها الله بمقاديره وله ما في السماوات والأرض. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية ما حاصله أن الذي يخاف على ايتامه الضيعة وأن يسيء اليهم من بلي أمرهم فليحسن إذن إلى ايتام الناس اذا وليهم ولا يأكل أموالهم - ومن الأحاديث – ما في الدر المنثور مما اخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ان الآية في الرجل يسمع المريض يوصي بوصية تضر بورثته فأمره الله ان يرشد المريض ويسدده بالنظر إلى ورثته وما اخرجه ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس ما حاصله ان من حضر مريضا فلا يأمره بإنفاق ماله في العتق والصدقة بل ينظر لأيتام المريض كما ينظر لا ينام نفسه . ونحوه ما اخرجه ابن ابي حاتم ايضا عن ابن عباس - اقول - وان مفاد الآية الكريمة بالنظر إلى مفرداتها وجملتها وكرامة حجتها في تمثيلها المجيد لهو أعم مما ذكر . وملخص الكلام هو ان الغالب من نوع الإنسان من لا يزن الأمور الضارة بميزانها من القبح والمرجوحية ولا يرى وجوب تركها او رجحانه إلا إذا مسته بضررها او تمثل له في مفكرته انه يبتلي بها وتمسه بضررها المزعج . فشاء الله بلطفه اصلاحه لشؤون عباده و تنبيههم وارشادهم للخير وتحذيرهم من التعدي على اموال اليتامى . او اهمال امر هم او الإجحاف بهم . او الحمل على الإجحاف بهم. او السكوت عن ارشاد المجحف ونهيه . فاستلفت الله بحكمته الإنسان إلى انه ماذا يقول وما هو حاله وماذا يقدر من انتقام الله وغضبه إذا فرض في مفكرته انه ترك من بعده ذرية له ضعافا وايتاما صغارا وهو يرى حالهم ومن يأكل أموالهم . او يرى من يعين هذا الاكل على ظلمه . او يرى من يقدر على منع الظالم ولا يمنعه . او يرى من يقدر على ارشاد ايتامه واصلاحهم فلا يفعل او يرى ضباع ذريته وتلف أموالهم حيث اهمل الوصية كما ينبغي . او حابى بالوصية من لا يثق به من اصدقائه او اقربائه او زوجته . او يرى العاقبة حيث ان بعض الناس ورطه في انفاق ماله في العتق والصدقة وترك ايتامه عالة بتكففون . او يرى من سمع المنفق المعتق ولم يرشده إلى أن رسول الله نهى عن ذلك . اذن فالذين تستلفتهم الآية إلى تقدير ابتلائهم في ايتامهم بهذه الحوادث الكونية فيتألمون منها ويقدرون لها ما يقدرونه من الانتقام وسائر المحاذير . هؤلاء ليخشوا في امثال هذه الامور ومواردها وليخافوا من يجب ان يخشى وهو الله شديد الانتقام وليخشوا ما ينبغي ان يخشى من الانتقام
ص: 21
فليتقوا الله ولَيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * (10) إِنَّ الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً
........................................................
ومحاذير المخالفة للحرمة والوجوب والآداب الشرعية في الوجوه المذكورة. (فليتقوا الله) فيا نهاهم عنه أو أوجبه عليهم (وليقولوا قولاً سديداً) جاريا على الصلاح وآداب الشريعة فيها يحتاج إلى القول في اقامة الوصى الثقة العارف على ابنامهم. وفي مقام الإرشاد إلى المشروع وما هو الصالح وفي مقام ما يجدي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع هذه الشؤون . وان هذا البيان على طوله ليقصر عما تضمنته الآية الكريمة في تعليمها العام مما يفرضه الإنسان في مفكرته مما لا يرضاه من شؤون ايتامه ومن اهمال متعلق الخشية وايكاله إلى ما تقتضيه وجوه ما تعرضه المفكرة كما اشرنا إلى بعضها والله الهادي. وإنما جرى التعبير بكلمة «لوتركوا» لأن المقام مقام فرض وتقدير في المفكرة ليكون التعليم عاما لان الكثير من المأمورين بالخشية بتقدير هذا الفرض والتنبه به من لا يكون لهم ذرية ضعاف يتركونهم . والظاهر من كرامة تعليم الآية وعموم ارشادها ان المراد بالضعاف ما يعم المعتوهين الكبار والنساء الضعيفات . و «الذين» في الآية فاعل «فليخش» و «خافوا» جواب «لو» وجملة «لو» صلة للذين (10 إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) لا بلحاظ اجرة عملهم وتقديرها او باستقراض سائغ في مورده (إنما يأكلون في بطونهم نارا) اي إنما يأكلون في بطونهم شيئا يجرهم إلى النار . فالمأكول باعتبار هذه الغاية المهولة واستحقار سائر الغايات من الأكل بالنسبة اليها كأنه نار محضة . وبهذا الاعتبار جاء الحصر بكلمة (( إنما » كما في قول حطان بن المعلى .
وإنما اولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الارض
فإنه لأجل شدة الملقة بين الآباء والأولاد وقوة المحبة حصر شؤون الاولاد في وجودهم بأنهم اكباد الآباء لأن الأكباد من اعز الأعضاء كما يقال الولد قطعة من الكبد وكما قالت الخنساء في وصف البقرة الفاقدة لمجلها.
ترتع ما رتعت حتى إذا اذكرت *** فإنما هي اقبال وادبار
وفي مرسلة الكافي عن محمد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام في الآية ان اكل مال اليتيم يجي يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهبها من فيه يعرفه اهل الجمع بأنه أكل مال اليتيم
ص: 22
وسيصلون سيراً * (11) يُوصِيكُمُ اللهُ في أَولادِكُمْ
........................................................
ونحوه ما في الدر المنثور مما اخرجه ابن ابي شيبه وابو يعلي والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن ابي حاتم عن ابي برزة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وفي تفسير القمي عن الصادق علیه السّلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لما اسري بي إلى السماء رأيت قوما يقذف في افواههم النارو تخرج من ادبار هم فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء الذين يأكلون اموال اليتامى ونحوه ما في الدر المنثور مما اخرجه ابن جرير وابن ابي حاتم عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم (وسيصلون) يوم القيامة في جهنم (سعيرا) صلى النار لزمها وقاسى حرها واحراقها . وسعر النار واسعرها او قدها وشعلها. والسعير بمعنى المسعور ويقال في المؤنث ايضا ككف خضيب ( 11 يوصيكم) يعهد اليكم و مرجع ذلك إلى معنى يشرع ويفرض (في) ارث (اولادكم) منكم والولد يشمل من أولد من الإنسان ولو بواسطة او وسائط . وعلى ذلك جاءت رواية حذيفة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم سيد ولد آدم يوم القيامة محمد صلی الله علیه و آله و سلّم . ورواية بريدة ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم رأى الحسنين يمشيان ويعثران فنزل عن المنبر واخذهما ووضعهما بين يديه وقال صدق الله ورسوله إنما اموالكم واولادكم فتنة رأيت هذين ظلم اصبر كما اخرجه ابن ابي شيبة واحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابو يعلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة . ورواية الترمذي عن واثلة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم واصطفى من ولد اسماعيل بني كنانة . ورواية ام سلمة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم المهدي من عترتي من ولد فاطمة علیه السّلام كما اخرجه احمد ومسلم وابو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم . ورواية حذيفة عنه صلی الله علیه و آله و سلّم المهدي من ولدي اخرجه الروباني والطبراني وابو نعيم المسيوطي وصححه وغيرهم . ورواية انس نحن ولد عبد المطلب سادات اهل الجنة انا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين كما اخرجه ابن ماجه وابو نعيم والحاكم والطبراني والديلمي والثعلبي وغيرهم . نعم قد تقتضي قرائن الحال والمقال ومناسبة الحكم ان يفهم منه الولد بلا واسطة وقد يقتضي بيان الطبقة في الولدية بن يقال هذا ولد ولدي لا ولدي فإن النفي إنما هو لرتبة من رتب الموولدية لا لماهية الولدية وقد يراد النص على العموم فيقال اولادي واولاد اولادي . وقد اجمع المسلمون في هذا المقام وامثاله على مقتضى الوضع اللغوي في ثبوت الحكم لمعالق الوند
ص: 23
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ
........................................................
الوالد وان نزل بل لعله اجماع على استعمال اللفظ في ذلك في القرآن على مقتضى وضعه كما صرح به جماعة من الإمامية ويكون الميزان في ارث الطبقات منهم ما تكرر في الآية السادسة من قوله تعالى «والأقربون» وقوله تعالى في سورة الانفال والأحزاب «اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله» (للذكر) من الاولاد في حال الاجتماع مع نوع الإناث في الطبقة (مثل حظ الأنثيين) من الميراث . وقد سئل عن الحكمة في تفضيل الذكر بالحظ من الميراث على الانثى فأجاب ائمة الهدى من اهل البيت عن ذلك بأن الرجال يعولون ويعطون مهراً وعليهم جهاد ونفقات ومعقلة في الديات والمرأة تكون عالة وتأخذ مهراً كما ذكر رواياته في تفسير البرهان عن الصادق والرضا عليهما السلام . واهل هذا هو النكتة في ذكر القرآن الزيادة حظ الذكر لا نقص حظ الانثى فإن الإشارة الى جهة فضل الفاضل أحسن في التعليل واطيب إلى قلب المفضول من الإشارة إلى جهة نقصه (فإن كن) الوارثات من النساء بجهة الولدية والأقربية (نساء) ليس معهن من الأولاد في طبقتهن ذكر واحد او متعدد (فوق اثنتين فلمن ثلثا ما ترك) الميت الموروث المدلول عليه بمجرى الكلام . وقد اجمع المسلمون عذا ما يحكى عن ابن عباس على ان حكم الاثنتين حكم الاكثر . وذكر الثلثان ليبقى المجال لهم من يتفق معهن في الميراث كالأبوين او احدهما او الزوج أو الزوجة وليكون الثلثان ميزانا للرد مع الأب او الام (وإن كانت) الوارثة من الأولاد بحسب الأقربية (واحدة فلها النصف) وذكر النصف ليبقى مجال لهم من يتفق معها كالأبوين او احدهما او الزوج او الزوجة وليكون ميزانا للرد إذا كان معها الأبوان او احدهما (ولا بويه) اي ابوي الموروث . ولا يتعدى الحكم إلى الأجداد والجدات وان جاء في سورة الأعراف 26 «كما اخرج ابويكم من الجنة» لأن المعنى الحقيقي للأب لا يعلم شموله للجد ولو فرض العلم لكانت التثنية قرينة على ان المراد هو ما لا يتعدى بصداقه الاثنين وهما الأبوان القريبان واما الأجداد والجدات فيكونون في الطبقة الاولى اربعة وكلما علت الطبقة تضاعفوا هذا مع الاجماع على عدم تعدي الحكم إلى الأجداد والجدات (لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له) أي للموروث
ص: 24
وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثَ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فلامه السُّدسُ
........................................................
(ولد) وان نزل فإن الأمة مجمعة على ان ولد الولد وان نزل يرث مع الأبوين وبرد كلا منها إلى السدس وشذ خلاف الصدوق في الفقيه والمقنعة في ذلك (فإن لم يكن له ولد) وان نزل (وورثه أبواه) ممن يرث بالقرابة لأن سوق الكلام في الارث من هذه الجهة (فلامه الثلث) من أصل المال الموروث كما في سائر الفرائض المذكورة في القرآن (فان كان له اخوة) الأبويه او لأبيه (فلأمه السدس) من أصل المال باجماع المسلمين وعلى نهج سائر الفرائض والباقي للأب ما لم يزاحمه أحد الزوجين فيه . وقد اجمع المسلمون على كفاية الأخوين في الحجب للأم عن ثلثها عدا ما يروى عن ابن عباس من اشتراط الثلاثة . ومذهب الإمامية انه يكفي في هذا الحجب اربع اخوات أو أخ مع اختين وعلى ذلك حديثهم . واشترطوا ان لا يكون في العدد المعتبر في الحجب كافر ولا رق لاجماعهم على ذلك واطلاق احاديثهم في أن الكافر والمملوك لا يحجبان . وان لا يكون فيهم قائل للموروث لا جماعهم الذي لا يضر فيه ما يحكى من خلاف العماني والصدوق . وهؤلاء الاخوة لا يرثون وانما يوفرون على الأب نصيبه وحكي عن ابن عباس توريثهم . ولا يخفى ان مذهب الامامية ان للأم مع الأب عند عدم الحاجبين المذكورين ثلث اصل المال من بعد الوصية والدين سواء ورث احد الزوجين مع الأبوين أم لم يرث . وحجتهم على ذلك ظاهر القرآن في الثلث بظهور يقارب الصراحة بالنظر إلى نظائره من الفرائض وحياطة الظاهر بقوله تعالى في آخر الآية «من بعد وصية يوصي بها أودين» وصحاح أحاديثهم المتعاضدة المتناصرة عن رسول الله وامير المؤمنين والباقر والصادق علیه السّلام ووافقهم على ذلك ابن عباس . وهو احدى روايتي الجمهور عن علي علیه السّلام في رواية سعيد بن منصور والبيهقي في سنتهما من طريق يحيى الجزار وحكاه ابن رشد في البداية عن شريح وابن سيرين وداود وجماعة . وذهب الأكثر من الجمهور الى ان لها مع الزوج او الزوجة ثلث ما يبقى بعد فرض احدهما . ولهم في ذلك تشبثات مضطربة مدفوعة حلا ونقضا - التشبث الأول ما في تفاسير الكشاف والرازي وابي السعود وغيرهم من انهم حصروا فرض الآية بصورة انحصار الإرث بالأبوين فحسب من غير مشاركة احد الزوجين اتقوله تعالى « وورثه أبواه» . وهذا
ص: 25
مِنْ بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بهَا أَوْ دَين
........................................................
التشيت مدفوع اولا بما قدمناه من ان النظر في الآية إلى الارث بالقرابة ولبيان ان المورد لحجب الاخوة عن ثلثها وردها إلى السدس انما هو في صورة اجتماع الأبوين في الوارثية دون ما يكون الأب فيه ممنوعا عن الإرث بأحد الموانع وللإشارة إلى كون الوارث يسبب حجب الاخوة هو الأب دونهم . وثانيا : بالنقض عليهم باتفاقهم معنا على ان سدس الأم مع حجب الأخوة هو فريضة لها من أصل المال حتى مع وجود أحد الزوجين فمن أين جاء وابذلك وبالحجب إذا كانت الآية ناظرة إلى صورة عدم الزوجين – التشبث الثاني – قياس الأم مع الأب على البنت مع الولد والأخت مع الأخ في أن للذكر مثل حظ الأنثيين . ويدفعه أولا بطلان أصل القياس وثانيا ان العامل به لا يجعله حاكما على ظاهر القرآن الكريم ولا السنة على ان القياس منتقض بأن الله قد ساوى بين الأب والأم في الفريضة مع الولد على انه قياس مع الفارق فإن تفضيل الذكر على الانثى انما هو في الأولاد والاخوة والاخوات للأب او للأبوين وقد صرح القرآن بعدمه في الاخوة للأم - الثالث - ما يروونه عن ابن مسعود من قوله في المقام لا افضل اما على أب. وليت شعري ماذا يقال اذا اجتمع زوج أو زوجة مع عشرة اخوة ذكور من الأبوين مع اخت واحدة من الأم عند عدم الولد إلى غير ذلك من الأمثلة فهل يقال لا أفضل الأخت من الأم على الأخ من الأبوين – الرابع - تخصيص عموم الثلث في الآية بعموم قوله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين كما ذكره الرازي ويدفعه أولا ما ذكرناه من ان المورد التفضيل الذكر على الأنثى انما هم الأولاد في قوله تعالى «يوصيكم الله في أولادكم والاخوة للأب أو للأبوين كما في آية الكلالة في آخر السورة و ذلك في الارث بالقرابة لا بالفرض فأبن العموم للأب والأم ، ولو سلمنا لكانت فريضة الثلاث للام أخص كفريضة الاخوة من الام وحدها فكيف يقدم العام على الخاص وماذا الذي أخرج فريضة الام عن سائر الفرائض وجعلها بخصوصها هدفا لهذا العموم المزعوم. وهذه الفرائض والمواريث المذكورة تجري من أصل المال الموروث ولكنها ) من بعد وصية يوصي بها ) الميت الموروث او دين ) عليه وقدم ذكر الوصية على الدين لأنها أكثر وقوعا من الدين ولبيان أهميتها بكونها حقا ثابتا في المال . فاحفظوا هذه الوصايا في الفرائض والمواريث ولا يثقل عليكم بحسب اهو ائكم رجحان جانب أو نقصان جانب فإنكم بحسب طباعكم ومرتكزات نفوسكم انما ترجحون من
ص: 26
آبَاؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * (12) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُن * لهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمات ان وَلَد فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكَنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنِ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُم صية توصون بِها أودين وَإِنْ كَانَ رَجُلُ يُورث كلالة أو أمرَأَةً
........................................................
هو أقرب اليكم نفعا من جهات نفعكم وتنفرون ممن لا ينالكم منه نفع . وكم من شخص تحرصون على توريثه وتوفير فرضه ولو انكشف لكم الأمر لحرصتم على منعه فمهلا مهلا لا تستخفنكم النظرة الحمقاء فتثقل عليكم قسمة الله للمواريث واحكامه فيها فها هم (آباؤكم وابناؤ كم لا تدرون ايهم أقرب لكم نفعاً) مما هو نفع يرغب فيه العقلاء فعليكم بوصية الله وفرضه وأحكامه في المواريث على حسب حكمته (فريضة) الظاهر كما في التبيان انها حال من المواريث الموصى بها والمفروضة عموما وخصوصا في ضمن الآيات المتقدمة فتكون مؤكدة لتشريع المواريث (من الله ان الله كان عليما) بالأمور ومنها ما هو الأصلح والأوفق بالحكمة في قسمة المواريث (حكيما) في كل شيء ومن ذلك أحكام المواريث (12 ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد) وان نزل ذكرا كان أو انثى (فإن كان لهن ولد) اي جنس الولد منكم او من غير كم (فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن) وان كن أربعا (الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد) مطلقا (فإن كان لكم ولد) أي جنس الولد منهن او من غيرهن (فلهن) وان كن أربعا ( الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) عليكم (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة) « كان» تامة ورجل فاعل وجملة يورث صفة له اي بورث من حيث القرابة . عن الفرا الكلالة ما خلا الوالد والولد سموا كلالة لاستدارتهم بنسب الميت الاقرب فالأقرب من تكاله الشيء اذا استدار به فکل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد فهو كلالة مورثة . وفي التبيان واصل الكلالة الاحاطة ومنه الاكليل لا حاطته بالرأس والكلالة لا حاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد . وفي الصحاح الكل أي بفتح الكاف من لا ولد له
ص: 27
ولا والد يقال منه كل بكل الرجل كلالة والعرب تقول لم يرثه كلالة عن عرض بل قرب و استحقاق وقال بعضهم يسمى الوارث والموروث كلالة وأنشد له قول زياد بن زيد العذري :-
ولم ارث المجد التليد كلالة *** ولم يأنِ مني فترة لعقيب
وفي الكشاف وتطلق على القرابة من غير جهة الوالد والولد والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة انتهى و كاهم قالوا انها تطلق على من ليس بولد ولا والد وعلى هذا جاء الحديث ففي الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن عن الصادق علیه السّلام الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد . ونحوهما روايتهما عن حمزة بن حمران عنه علیه السّلام وروابة معاني الأخبار في الصحيح من مراسيل ابن أبي عمير عنه علیه السّلام : وأخرج الحاكم في مستدركه عن ابي هريرة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حديث والكلالة من لم يترك والداً ولا ولداً وفي الدر المنثور اخرج ابو الشيخ في الفرائض عن البراء قال سئل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن الكلالة فقال صلی الله علیه و آله و سلّم ما خلا الولد والوالد وذكر ايضا من اخرجوا ذلك عن ابن عباس وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت . وقال بعضهم يسمى الوارث والموروث كلالة اقول ولا يأباه ما تقدم بل هو مقتضى اطلاقه . وهب ان الكلالة في الأصل مصدر لكنها صارت اسما منقولا لمن ذكر في الحديث وذكره اللغويون فكلمة « كلالة » حال من الضمير النائب عن الفاعل أي يورث حال كونه ليس بوالد ولا ولد لوارثه . وفي جعلها خبراً لكان الناقصة تعقيد في الكلام وفي جعلها حالا من الوارث المشار اليه في الكلام تكلف زائد في التقدير . نعم لو أبقينا لفظ الكلالة على معناه المصدري جاز أن يكون مفعولاً لأجله ووجها للارث ويجوز في هذا المعنى أن تكون تمییزا رافعا لإيهام الارث في وجهه وفي المصدرية واحتماليها في الاعراب ضعف . والآية على كل تقدير تدل على اختصاص حكمها بما لم يكن الموروث وارث بالقرابة القوية الأصيلة من والد او ولد لأنها مقيدة لحكمها بصورة كون الارث عن كلالة لا يوجد معها والد ولا ولد وهو اجماع وقال مالك في الموطأ في ميراث الأخوة من الأم المجتمع عليه عندنا ان الأخوة للأم لا يرثون مع الولد ولا مع ولد الأبناء ذكر انا واناثا ولا يرثون مع الأب ولا مع الجدابي الأب شيئا . وذكر ابن رشد في بدايته عن أهل السنة نحو اجماع مالك . وقال مالك ايضا ما ملخصه ان الذي ادركت عليه أهل العلم ببلدنا ان الكلالة في هذه الآية هي التي لا ترث فيها الأخوة للأم حتى لا يكون والد ولا ولد . وهذا كله لقوله تعالى وإن كان رجل يورث
ص: 28
وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ*
........................................................
كلالة او امرأة اقول والتقييد وحصر الارث في الآية بجهة الكلالة من الاقارب في الآية جلي مضافا الى انها لو كانت مطلقة على خلاف ظاهرها للزم فيها تخصيص الأكثر بإخراج من ذكر الاجماع على انهم لا يرثون مع الاربعة المذكورين وتخصيص الأكثر قبيح في الاستعمال فمن الغريب إذن حكم الجمهور بارث الأخوة من الأم معها بفرض هذه الآية (أو امرأة) عطف على رجل ولها مثل حكمه الآتي (وله) أي الرجل فإن عنوان الجملة مسوق له (أخ او أخت) . وقد اجمع المسلمون على ان المراد ومورد النزول و الاخوة من الأم وحدها كما يشير اليه الجمع بين هذه الآية والآية الأخرى في الكلالة في آخر السورة (فلكل واحد منهما) مع اجتماعها او انفرادهما واجتماع الأخو بن او الأختين (السدس) من التركة (فإن كانوا) أي الاخوة المدلول عليهم بقوله تعالى أخ او اخت (اكثر من ذلك) أي من الاثنين (فهم شركاء في الثلث) على السواء لا يفضل حظ الذكر على حظ الأنثى . وذلك (من بعد وصية بوصي بها) ذلك الرجل او الامرأة المعطوفة عليه (أو دين) حال كون الرجل ومثله المرأة المعطوفة عليه (غير مضار) للورثة بوصيته بأن تكون اكثر من الثلث . وجرى التعرض للاضرار بالوصية هنا لأن المقام مظنة له لأن ارث الكلالة وخصوص كلالة الأم يكثر ان يكون ثقيلا على الموروث . والحكم عام (وصية) مصدر مؤكد منصوب بيوصيكم مقدرة وصرح بأنها (من الله) تأكيداً لعظيم شأنها والتحذير من مخالفتها (والله عليم) بمن يطيع ومن يعصي ويتعدى حدوده (حليم) لا يعاجل بالعقوبة. وبمناسبة هذه الآيات الكريمة ينبغي ههنا تفسير الآية المذكورة في آخر السورة وهي قوله تعالى (يستفتونك) يا رسول الله أي في الكلالة لدلالة ما يأتي (قل الله يفتيكم) في كتابه (في) ميراث (الكلالة) وقد مر معناها وقد أجمع المسلمون على ان المراد منها غير ما تقدم ذكره من كلالة الأم وحدها (إن امرء هلك ليس له ولد) أي جنس الولد وقد مر انه أعم من الذكر والأنثى وإن نزل . وجملة ليس له ولد صفة (وله أخت) الجملة تصلح لأن تكون صفة
ص: 29
معطوفة وحالية (فلها النصف مما ترك) ذكر النصف ليبقى مجال لفريضة جنسي الزوجة والاخوة من الأم وحدها وقد أجمع المسلمون على عدم توريث الأخت مع الأبوين إن لم يكن للميت ولد و كان ابن عباس يتضجر من حكم بعض بأن الأخت تأخذ مع البنت ما بقي بنحو التعصيب ويقول أأنتم اعلم أم الله وعن ابن طاوس ان ابن عباس قال قال الله تعالى إن امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك فقلتم انتم لها النصف وإن كان له ولد كما رواه الحاكم على شرط البخاري ومسلم ورواه عبد الرزاق في جامعه (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) في صورة تكون هي الميتة وهو باق بعدها . واجمع المسلمون ايضا على عدم توريثه مع الأبوين . والمراد من قوله تعالى يرثها يرث منها وذلك لكثرة ما يتفق معه من وجود الزوج والأخوة من الأم فقد علق إرثه منها على عدم الولد وإن كان أنثى وإن نزلت كما سبق (فإن كاننا) أي الأخوات (اثنتين فلهما ثاثا ما ترك) وذكر الثلثان ليبقى مجال الفريضة الزوجة والأخوة من الأم (وإن كانوا اخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) وقد اجمع المسلمون ايضا على عدم توريثهم مع الأبوين ففي الآية اطلاقات متعددة أجمع المسلمون على عدم العمل بالكثير من مواردها مضافا إلى أن الآية لم تبين من احكام الكلالة حكم ما فوق الاثنتين من الأخوات ولا حكم الأخوين فما زاد من الذكور ولا حكم الاثنين من الأخت والأخ مع أن قوله تعالى (يبين الله لكم ) حفظا لكم من (أن تضلوا) يدل على ان الله جات حكمته ولطفه قد بين أمر الكلالة في كتابه المجيد بالبيان الحافظ من الضلال وذلك بنظم هذه الآية في القرآن مع آيات المواريث فينكشف بالنظر إلى الجميع وتدبره ان وجوه مطلقاتها مبينة وموضحة ببيان تلك المواضيع التي ذكرت أحكامها في الآيات الأخر و مبتنية على أساسياتها من كون الإرث للأقربين وان اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ومن ان الذي ليس له ولد إنما يكون ارثه بسبب الرحم لأبويه وليس لغير الأبوين من الأرحام مقام في الإرث مع مقام الوالدية . وهذا هو السبب في الاقتصار بحسب حاجة البيان إلى اشتراط عدم وجود الولد في ارث الاخوة لأن الولد لم تذكر له فريضة ومقام إرث الغي فيه الاخوة . وقد تقدم الكلام في الآية العاشرة على مقام فريضة الابوين مع الغاء الاخوة فيه . وغاية ما هنا انه روعيت عيلولة الاب بهم فوفر نصيبه مع الأم بهم - لا يقال ان تلك الآية لا تدل على الغاء الاخوة مع وجود الأبوين معا ولا على الغائهم مع الام وحدها - لأنا نقول ان
ص: 30
القاعدة المستفادة من سير المواريث والمعقولة من إرث الاقارب هو انه إذا كان لقريب مقام ارث مع قريب آخر لا يحجبه عن هذا المقام وجود وارث ثالث بل غاية ما في وارثيثه ان--ه يزاحمهم فلا يكون وجود الاب مانعا عن مشاركة الاخوة للام لو كان لهم معها مقام ميراث كما توضح ذلك آيات الاقربين وأولي الارحام - لا يقال ان عموم تلك الآيات معارض باطلاق هذه الآية في أرث الاخوة مع عدم الولد - لانا نقول ان عموم تلك كالمعلل بجهة الاقربية وأولوية الرحم بل هو معلل في الحقيقة ومآل سوقه فيقوى قوة لا يعارضه فيها الا النص وأما الذي في هذه الآية فهو اطلاق موهون بخروج الكثير من افراده في صور وجود الاب منفرداً ومع الام مع ان الاخذ بالاطلاق لا يتجه إلا مع عدم البيان وتلك العمومات مع قوتها وجهة تعليلها كافية في البيان الذي يقف امام الاطلاق . إذن فموضوع الاطلاق مختص بالصورة التي لا يوجد فيها من هو اقرب من الاخوة ويكشف عن ذلك انهم لا يرثون مع الاب المنفرد وهو في هذه الصورة ليس بذي فرض وإنما قدم على الاخوة بكونه أقرب وأولى منهم فكذا الام لعين العلة . واما مسألة الارث معها بالتعصيب فسيأتي ان شاء الله بطلانه - لا يقال ان الاجماعات المتقدم ذكرها كافية في بيان الآية فيؤخذ بمطلقاتها في غير موارد الاجماع - لانا نقول لا مناص في تدبر القرآن من استيضاح دلالة بعضه ببعض والنظر في وجوه الدلالة . مضافا إلى ان قوله تعالى في نفس الآية «يبين الله لكم ان تضلوا» يدل على ان الآية حين وحيها كانت محفوفة ببيان الله في كتابه الكريم بالدلالة على تقيد موضوعاتها على ما ذكرناه لا موكولة إلى صدفة اجماع المسلمين بعد حين . وهذا جلى بفضل الله وله الحمد وان بعثنا بعض ما يقال في الشبهات إلى هذا التطويل تمحيصا للحقيقة التي عليها اجماع الإمامية وحديثهم والله الموفق.
بقي الكلام فيما يرجع إلى ما في الآيات من عمومات المواريث واطلاقاتها و في ذلك أمور «الاول» ان الكافر لا يرث المسلم ولا يحجب وارثه وعلى ذلك اجماع المسلمين وحديثهم «الثاني» ان المسلم يرث الكافر وعليه اجماع اهل البيت والإمامية وحديثهم . وهو المحكي عن معاذ بن جبل ومعاوية وعبد الله بن دغفل من الصحابة وسعيد بن المسيب ومسروف ويحيى بن يعمر من التابعين وأخرج احمد في مسنده بطريق صحيح عندهم والحاكم وصححه على شرط البخاري ومسلم ولم يتعقب في ذلك ان معاذ بن جبل اتي بميراث يهودي ولموارث
ص: 31
مسلم فقال سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول الإسلام يزيد ولا ينقص فورثه . واخرج ابو داود في سننه نحو ذلك ، وهو حديث معلل معتضد بالمعقول من ان الاسلام لا ينقص حظ المسلم في الدنيا والآخرة وبما اخرجه الروباني والدارقطني والبيهقي في سننه والضياء عن عائذ بن عمرو و صحح عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم الإسلام يعلو ولا يعلى عليه . وان حجب المسلم عن ميراثه بالكافرين علو على الاسلام وبمثل قول الباقر علیه السّلام في المقام ان الله لم يزد بالاسلام إلا عزا فنحن نرثهم ولا يرثوننا كما رواه المشائخ الثلاثة في كتبهم ونحوه عن الصادق علیه السّلام وعن الصادق علیه السّلام انه قال في مثل المقام ان الاسلام لم يزده الا عزا في حقه. وفي حديث آخر لم يزده في ميراثه إلا شدة . ويؤخذ هذا المعنى أيضا من قوله تعالى في السورة 40 «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا» فإن حجب الكافر للمؤمن عن ميراثه سبيل عليه . وقد ذكر ابن رشد في البداية وغيره احتجاج الجمهور بهذه الآية لعدم ارث الكافر من المسلم . وليت شعري لماذا
اغفلوا عن دلالتها على عدم حجب الكافر للمسلم فإنها في الدلالة على ذلك اوضح وأظهر. وعن البيهقي في سننه عن ابراهيم قال قال علي علیه السّلام المشرك لا يحجب ولا يرث . وعن ابراهيم ايضا كان علي علیه السّلام لا يحجب باليهودي ولا النصراني ولا المملوك ولا يورثهم - ولو اسلم الكافر قبل قسمة الميراث شارك فيه ان كان مساويا وانفرد فيه ان كان اولى وعليه اجماع الإمامية وحديثهم ووافقهم على ذلك جملة من الجمهور منهم الحسن وقتادة . وفي بداية ابن رشد روي من حديث عطا ان رجلا اسلم على ميراث على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قبل ان يقسم فأعطاه رسول الله نصيبه . واحتج الجمهور على مدعاهم بما اخرجه أحمد و أصحاب الجوامع الستة عن اسامة والحاكم عن جابر عن رسول الله (ص) لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر . ويدفع هذا الاحتجاج اولا بكون الرواية مخالفة لنفي السبيل في الآية ولكون الاسلام يزيد ولا ينقص وانه يعلو ولا يعلى عليه . وثانيا بأن روايات الجوامع وإن وصفت بالصحة في اصطلاحهم لا تجدي شيئا في قبال الاجماع من اهل البيت واتباعهم الامامية وحديثهم. واحتجوا أيضا بما أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لا يتوارث اهل ملتين شيئا . ويدفعه إن مدلوله هو ان اهل الملتين لا يتبادلون الميراث بحيث يرث كل من اهل الملثين من اهل الملة الأخرى. ولا يدل على ان احدى الملتين كالا سلام لا يرث اهلها من الكافرين كما قال الباقر والصادق علیه السّلام نرثهم ولا يرثوننا واحتجوا أيضا بما اخرجه احمد و اصحاب
ص: 32
الجوامع ما عدا الترمذي عن اسامة من قول النبي (ص) وهل ترك لنا عقيل من رباع. زاعمين ان المقصود ان عقيلا ورث أبا طالب دون علي وجعفر . ويرده إنه لا دلالة بوجه من الوجوه على ان عقيلا أخذ ذلك بحق الإرث المختص به في شريعة الإسلام فضلا عن ان النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لما سئل عن منزله بمكة عام الفتح قال وهل ترك لنا عقيل رباعاً وهذا يدل على ان بيع عقبل لرباعهم حتى رباع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و خديجة بل وحمزة وعبيدة إنما كان من خلافة الشرك وعدوانه وخلو الجوله - الأمر الثالث - ان العبد لا يرث مع الحروان بعد الحر نعم إذا انعتق قبل القسمة شارك أو انفرد كما ذكرناه في الكافر و على ذلك اجماع الإمامية وحديثهم . ولا يحضرني عاجلا قول الجمهور فيما إذا انعتق قبل القسمة - الرابع - ان ولد الزنا لا يرث ممن تولد منه بالزنا أبا كان أو أما ولا ممن يتقرب اليه بهما وهو لا ء لا يرثون منه وعليه اجماع الأمامية وذلك لأن الشارع قد قطع فوائد العلقة النسبية من الزنا بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : الولد للفراش وللعاهر الحجر . وفي جامع الترمذي مسندا عن عمرو بن العاص عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أيما رجل عاهر بحرة أو امة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث . ولا وجه للتفريع بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم فالولد ولد زنا الا التمهيد لبيان ان التولد من الزنا مانع من الارث مطلقاً . ويشهد له ما رواه الترمذي والحاكم واثلة قال قال رسول الله (ص) المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتبقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عنه : حيث جعل لها ميراثه باعتبار ان ملاعنتها نفت جهة الزنا من جانبها كما عليه اجماع الإمامية وحديثهم . وحكى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير وسلمان بن يسار قولهما بأن واد الزنا كولد الملاعنة في التوارث مع امه ومن يمت بها ثم قال مالك وعلى ذلك ادركت اهل العلم يبلدنا : أقول وهو غريب لا يلتثم مع ما ذكرناه من الأحاديث - الأمر الخامس-ان القاتل عمداً ظلماً لا يرث من مقلوله وعليه اجماع الإمامية وحديثهم عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وعن الباقر والصادق علیهما السّلام وذهب إلى ذلك أيضاً جل الجمهور لما رواه الترمذي وابو داود عن ابن عمر والبيهقي عن ابن عباس عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : فإن قتله بحق لم يمنع من ارثه وعليه اجماع الإمامية وروايتهم عن الباقر علیه السّلام في قتال اهل البغي . والمشهور عند الإمامية رواية وفتوى انه يرث في قتل الخطأ لكن المشهور انه لا يرث من الدية ووافقهم في الأمرين مالك واصحابه - الأمر السادس - ان آيات الأقربين واولي الأرحام وعمومها القوي المؤكد تقتضي ان يرد الفاضل من الفرائض على الأقرب من الأرحام ويكون الرد على نسبة مهامهم فإذا اجتمع
ص: 33
الأب والبنت رد ربع الفاضل على الأب وثلاثة ارباعه على البنت . وعلى هذا القياس وعليه أهل البيت وحديثهم واجماع الإمامية اتباعهم . وذهب الجمهور إلى التعصيب ورووه عن امير المؤمنين في بعض الموارد لكن روايتهم مع ضعفها و تعارضها مردودة بما صح في رواياتنا عن الأئمة من خلاف ذلك . والرواية عن ابن مسعود متعارضة ويكثر فيما يروى عنه من مسائل التعصيب العمل على خلافه . احتج الجمهور للتعصيب بوجوه منها المفهوم من تحدي---د الفرائض بالنصف والثلث ونحو ذلك وهو يقتضي بأن نصيب ذي الفرض ينحصر بمقدار فرضه فلا يرث اكثر من ذلك - ويدفعه اولا انه لا مفهوم مع احتمال فائدة غيره فضلا عن تحققها ويكفي . من الفائدة ابقاء مجال للفرائض الأخر التي تجمع مع الفريضة الخاصة ولأن يكون عنوان الفريضة في الأرحام ميزانا للرد عليهم - وثانيا – اجماع المسلمين على عدم المفهوم كما اذا كان الوارث أبا مع بنت أو بنتين واكثر فإن الشيعة يزيدون على سدس الأب بالرد ، والجمهور يزيدون عليه بالتعصيب . او كان الوارث زوج هو ابن عم فإن الشيعة يزيدون نصفه بالقرابة والجمهور يزيدونه بالتعصيب أو كان أخا من الأم وابن عم فإن الشيعة يزيدون سدسه بالقرابة والجمهور يزيدونه بالتعصيب ، أو كان الاخوة من الأم أكثر من اثنين وهم أبناء عمر فإن الشيعة يزيدون ثلثهم بالقرابة والجمهور بالتعصيب وان فقهاء العراق من الجمهور ومنهم ابو حنيفة واحمد بل والشافعي إذا لم ينتظم بيت المال وافقونا على الرد على ذوي الفرائض من الأرحام إذا لم يكن معهم عاصب وحكاه الترمذي في جامعه عن اكثر أهل العلم وهو المروي عن الصحابة عدا زيد بن ثابت . فينتفي المفهوم بالمرة لأنه ليس بلفظ له عنوان مدلول عليه لكي يقبل التخصيص والتقييد في بعض مصاديقه . بل هو لازم يتبع كون الفريضة حاصرة بمضمونها فإن ثبت ولو في مورد واحد انها في استعمالها غير حاصرة سقط المفهوم بالمرة وقد ثبت انها غير حاصرة – وثالثا – قد ثبت باجماع المسلمين واهل المحاورات على العمل بالدليل اللفظي وان كان عموما او اطلاقا دون المفهوم . ومن ذلك ان الشيعة يعملون بآيات الاقربين واولي الأرحام في الرد مطلقا وكذا جمهور الصحابة وفقهاء العراق بل والشافعي كما ذكرنا في الرداذا لم يوجد عاصب . والجمهور بأجمعهم يعملون بعموم ما يرويه ابن طاوس في التعصيب فيزيدون على الفرض كما ذكرناه في مثالي الأب والزوج الذي هو ابن عم - ومن الوجوه - حديثهم في ان معاذ بن جبل قضى في اليمن بأن نصف التركة للبنت ونصفها الآخر للأخت .
ص: 34
ويدفعه اولا انه اجتهاد من معاذ في اليمن لا حجة فيه وثانيا انه مردود بمخالفته للقرآن الكريم لأن آية الكلالة المذكورة في آخر السورة قد اشترطت في ارث الأخت أن لا يكون لأخيها ولد والبنت ولد بالاجماع وقد سمعت تضجر ابن عباس من هذه الفتيا . وبمخالفة القرآن يعرف الكلام فيما يروى عن ابن مسعود في ابنة وابنة ابن واخت من ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قضى بأن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي للأخت كما اخرجه عبد الرزاق في جامعه والحاكم في مستدركه . وفي بداية ابن رشد ذهب داود الظاهري وطائفة إلى ان الأخت لا ترث مع البنت شيئا - ومنها - ان رسول صلی الله علیه و آله و سلّم الله قضى بأن لزوجة سعد بن الربيع الثمن ولبنتيه الثلثين والباقي لأخيه . ومما يرد به هذا الاحتجاج ان الرواية قد انفرد بها عن جابر عبد الله بن محمد بن عقيل وان جماعة من اهل العلم لا يقبلون روايته كما ذكره ابن رشد في بدايته . والذي تساهل في امره قال في حديثه لين وقد تغير في آخر عمره كما في التقريب مضافا إلى اضطراب الرواية ففي سنن ابن داود من رواية بشير بن المفضل عن عبد الله المذكور روايتها في بني ثابت بن قيس وانه قتل يوم أحد وقال ابو داود ان ثابتا قتل يوم اليمامة - ومنها - ما تفرد به عبد الله بن طاوس عن ابيه عن ابن عباس عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الحقوا الفرائض بأهلها فما ابقت فلأول رجل ذكر . هكذا رواية الجوامع . وبرد هذا الاحتجاج - اولا - وهن متنه فانه لا بليق التعبير برجل ذكر ولا يصدر الا في كلام عي لا يحسن كيف يتكلم فكيف تجوز على رسول الله (ص) مضافاً إلى عدم عملهم على ظاهره فإنهم يورثون الأولى وان كان طفلا في يوم ولادته فإن قالوا اريد بهذا الحديث من لفظ الرجل ما يشمل الطفل المذكور فقد زادوا متنه بهذه الدعوى المجردة وهنا على وهن ورده إلى الكلام الساقط . وان قالوا ان من لم يتبع مبلغ الرجال غير مراد من هذا الحديث ولكن مساواتهم للرجل هو حكم الله . قبل لهم اولا من ابن علمتم هذه المساواة . وثانيا انكم رددتم الحديث إلى القصور والمعاياة الواهنة فإن المقام مقام بيان وتحديد . وقد خالفوا أيضا مضمونه في حكمهم بأن الإناث يعصبن مع اخوتهن وبذلك يزيدون الحديث في المعاياة والقصور في البيان - وثالثا - وهن سنده فقد روى الشيخ الطوسي في تهذيبه (1)عن ابي طالب الأنباري عن محمد بن احمد الترمذي عن بشير بن
ص: 35
هارون عن الحميري عن سفيان عن ابي اسحق عن قارية بن مضرب قال جلست إلى ابن عباس وهو بمكة فقلت له حديث يرويه اهل العراق عنك وطاوس مولاك ان ما ابقت الفرائض فلأ ولى عصبة ذكر . قال أمن اهل العراق انت قلت نعم قال ابلغ من وراءك - ما قلت هذا ولا طاوس يرويه علي قال قارية فلقيت طاوسا فقال لا والله ما رويت هذا على ابن عباس وانما الشيطان القاه على ألسنتهم . قال سفيان أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس فإنه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على هؤلاء حملا شديدا يعني بني هاشم - ورابعا يكفي في سقوط هذا الحديث وقيام الحجة على بطلان التعصيب ما رواه في التهذيب في المعتبر عن الصادق علیه السّلام ان رجلا مات على عهد رسول الله (ص) وكان يبيع يبيع التمر فأخذ عمه التمر وكان له بنات فأتت امرأته النبي (ص) فأعلمته بذلك فأخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم التمر من العم ودفعه إلى البنات . وفي الكافي والتهذيب في المعتبر عن الكاظم علیه السّلام في رجل ترك امه وأخاه قال يا شيخ تريد على الكتاب قال نعم قال علیه السّلام كان علي يعطي المال الأقرب فالأقرب قلت فالأخ لا يرث شيئا قال علیه السّلام قد اخبرتك ان عليا علیه السّلام كان يعطى المال الأقرب فالاقرب. يعني ان عليا كان يجر به على مقتضى الكتاب في آيات الأقربين واولي الأرحام ولا يقيم لمسألة التعصيب وزنا . وفيها في الصحيح عن الصادق المال للأقرب والعصبة في فيه التراب. وفي العيون بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السّلام في حديث ولا يرث مع الولد والوالدين إلا الزوج والمرأة وذو السهم احق ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله . وفي الفقيه في الصحيح عن الباقر علیه السّلام لا والله ما ورث رسول الله العباس ولا علي ولا ورثه إلا فاطمة ثم قال علیه السّلام واولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض . وفي الكافي والفقيه وبصائر الدرجات والتهذيب الصحيح عن الباقر علیه السّلام ورث علي علم رسول الله وورثت فاطمة تركته. وفي بصائر الدرجات في الصحيح عن الصادق مثله . إلى غير ذلك مما هو صحيح الرواية عن الأئمة المترة أهل البيت علیهم السّلام - ولو تنزلنا فرضنا التعارض والتكافؤ بين هذه الروايات وبين روايات التعصيب لكان المرجع كتاب الله في آيات الأقربين واولي الأرحام ودعوى ان آيتي أولي الارحام لا دخل لهما في الميراث ساقطة وذلك لعمومها وما دل من الحديث وعمل الصحابة واهل العلم واهل البيت في نزولها في شأن الميراث وعملهم عليهما في ذلك كما تقدم . على انه يكفينا في الانتصار آية الأقربين المؤكدة بالتكرار
ص: 36
- الأمر السابع - وعز عليّ ان أذكره . لكن اصحاب الجوامع والمسند وابن جرير وغيرهم من الجمهور تعرضوا له بما لا يخلو من النقد التاريخي وتعرض له الرازي والألوسي وصاحب المنار في تفاسيرهم بما لا يخلو من النقد العلمي والتاريخي وقد ذكروه بنحو يوجه اللوم على الزهراء علیه السّلام وعلي علیه السّلام وانهما لم يقتنعا بالرواية عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بل أصرا بحنق وشدة على المطالبة به على خلاف المأمول بمقامها العظيم في الكرامة والدين والمحافظة على الشريعة . ولولا ذلك لكان ترك التعرض منا له أولى واهده للخواطر . ولكن لا بأس بالنقد التاريخي النزيه وتمحيص الروايات والأقوال في هذا المقام . وأمر الحقيقة موكول الى الله وعلمه . وحاصله ان آيات الأقربين وأولي الأرحام وبوصيكم الله في اولادكم تقتضي ان تركة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يرثها وارثه وهي ابنته وبضعته فاطمة (علیها السّلام) . ولكن ذكر التاريخ المؤلم في ذلك نزاعا احتدمت ناره مدة من السنين بين أهل البيت والعباس من جانب وبين المعاريف من مشايخ الصحابة من جانب آخر . وكثر من ذلك في المروي ما لا يهون وقوعه . إذ يروى انه استمرت شكاية أهل البيت (علیهم السّلام) ومنازعتهم في ذلك الى زمن عثمان ورأوا بعد ذلك ان السكوت أولى . وقد جاء في تأريخ ذلك من كتب الجمهور عن الصحابة احاديث الاول في كتاب الجهاد من جامعي البخاري ومسلم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة ان فاطمة (علیها السّلام) بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ارسلت الى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
مما أفاء الله عليه بالمدينة (1)وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال ابو بكر قال رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال واني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ولأ عمان به بما عمل به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فأبى ابو بكر أن يدفع الى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على ابي بكر في ذلك . فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة اشهر : و روی نحوه مسلم ايضا في جامعه وابن جرير في تاريخه من طريق عبد الرزاق عن الزهري عن عروة عن عائشة . لكن ذكرا في أوله ان فاطمة والعباس أنيا ابا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وهما يطلبان ارضه من فدك وسهمه من خيبر . ونحوه في كتاب الفرائض من جامع البخاري من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة إلى قولها فهجرته حتى مالت: وروى مسلم ايضا من طريق صالح عن الزهري عن عائشة ان فاطمة سألت أبا بكر ان يقسم
ص: 37
لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه فقال ابو بكر ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال : لا تورث ما تركناه صدقة وعاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ستة اشهر وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله فأبى ابو بكر - وفي الحديث واما صدقته بالمدينة فدفعها عمر الى علي والعباس واما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال هما صدقة رسول الله كانت لحقوقه التي تعروه وأوائبه وأمرهما الى من ولي الأمر - الحديث الثاني - روى مسلم في كتاب الجهاد من طريق مالك عن الزهري عن مالك بن اوس ما ملخصه ان عليا والعباس جاءا الى عمر يختصمان فقال عمر العبد الرحمن وعثمان والزبير وسعد أنشدكم الله أتعلمون ان رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة فقالوا نعم ثم ناشد عليا والعباس مثل ذلك فقالا نعم - إلى أن قال عمر فبقي هذا المال فكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال فلما توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال ابو بكر أنا ولي رسول الله فجئتها تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال ابو بكر قال رسول الله ما نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذباً آثما غادر خائناً ثم توفي ابو بكر و أنا ولي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وولي ابي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادراً خائنا . الحديث ورواه البخاري ايضا في كتاب الفرائض من طريق عقيل عن الزهري عن مالك بن اوس من دون قول عمر فرأيتماه - فرأيتماني كاذبا آثما الى آخره . ورواه ابو داود في سننه بنحو رواية البخاري - الحديث الثالث - اخرج ابو داود في سننه عن ابي الطفيل قال جاءت فاطمة الى ابي بكر لطلب ميراثها من النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فقال ابو بكر سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول ان الله إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده. وروى نحوه احمد في مسند ابي بكر عن ابي الطفيل . ونقله في كنز العمال عن ابن جرير والبيهقي.
وهلم العجب في هذه المشكلة وما جرى في تاريخها من وجوه – الأول – لا يخفى ان فاطمة (علیها السّلام) قد صح بين المسلمين بل تواتر انها سيدة نساء العالمين. كما اشرنا اليه في الجزء الاول ص 282 وانها وعليا من العترة أهل البيت الذين هم ككتاب الله في انهما لا يضل من تمسك بهما ولن يفترقا ص 43 - 45 ومن الكلمات التي تاب الله بها على آدم ص 87 ومن أمر الله رسوله أن يباهل بهم ويستعين بدعائهم ص 290 و من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما سيأتي بيانه إن شاء الله وان عليا امير المؤمنين ص 112 وسيأتي إن شاء الله تأكيده ونفس رسول الله في وحي الله وحديث الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم 290-2940 وانه
ص: 38
يقائل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله على تنزيله كما مر ذلك في هذه المعدودات من صفحات الجزء الأول وباب مدينة العلم . ومع الحق. وأقضى الأمة ، وولي المسلمين، وغير ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله ، إذن فكيف تصر فاطمة مدة حياتها ويصر امير المؤمنين الى ايام عمر على المطالبة بإرث رسول الله : ألا تقول كيف يصران على ذلك مع ان أبا بكر يروي حديثا في ذلك عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم. وهل يكون ذلك إلا لأنهما يعلمان ان احتجاج أبي بكر لا يجدي شيئا . هب انهما يعلمان ذلك ويريان ان احتجاجه غير جار على الأصول الشرعية من حيث انه هو المدعي في هذه الخصومة وهو الذي استولى على الأموال ولم يتركها على مجراها الشرعي في الخصومات بل كان عليه أن يقف مع الزهراء للمحاكمة عند من سمع من رسول الله ما يسقط دعوى الزهراء فتجري الأمور على ميزان الدعاوي والحقوق في الشريعة . لكن هذا كله لا يوجب أن تهجر فاطمة ابا بكر حتى توفيت . ولا أن يقول عمر لعلي انه رأى ابا بكر آثما كاذبا خائنا غادراً ورأى عمر كذلك . بل كان على علي وفاطمة ان بريا ان من الجائزان يكون ابو بكر سمع من رسول الله ما رواه وإن لم تجر الخصومة على وجهها فلا تهجره فاطمة مدة حياتها ولا يختلج في اعتقاد علي ما ذكره عمر في شأن ابي بكر وشأنه . إذن فمقام على وفاطمة والتزامهما بالشريعة يقضي بأنهما كانا بحسب ما يعلمانه من القرآن ورسول الله لا يجدان الى تجويز الصحة في منع ابي بكر وروايته سبيلا . وقد روى في كتاب بلاغات النساء (1)من طريقين ان فاطمة احتجت على رد حديث لا نورث ما تركناه صدقة بآيتي وورث سليمان داود ودعاء زكريا لولد الوارث كما سنذكره إن شاء الله مع ان الاعتبار يساعد على ان أهل البيت أولى بسماع هذا الحديث من رسول الله على وجه يذعنون بأن رسول الله لا يرث ماله وارثه بنحو يلتثم مع آيتي وراثة سليمان ويحبى من ابوبهما النبيين ، بل هم أولى بأن يخبرهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بذلك جريا على قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين . لئلا تقع منهم بعده
ص: 39
هذه الدعوى بغير الحق والتي تثير الخلاف بين خواص الأمة. بل الحديث يدل على ان نساء النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لا علم لهن بذلك وأردن ان يبعثن عثمان رسولا الى ابي بكر للمطالبة بإرثهن من النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فمنعتهن عائشة برواية أبيها لا نورث كما اخرجه البخاري في كتاب الفرائض ومسلم في كتاب الجهاد عن عائشة بل اخرج البخاري في كتاب المغازي بعد حديث مالك ابن اوس عن عائشة ارسل ازواج النبي صلی الله علیه و آله و سلّم عثمان الى ابي بكر يسألنه ثمنهن الحديث وهذا
يدل على أن عثمان ايضا لا يدري بحديث لا نورث وإلا لذكره لهن ولم يقبل رسالتهن.
وروى أبو داود في كتاب الخراج حديث نساء النبي أيضا وفيه من رواية عائشة عن قول النبي لا نورث ما تركناه صدقة وإنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم ولضيفهم فإذا مت فهو إلى من ولي الأمر من بعدي - الوجه الثاني - ان الذي يروى من الجواب لفاطمة وعلي في منع الارث إنما هي كلمات متدافعة متنافرة . وكل منها لا يصلح جوابا ولنذكر في ذلك أمور - الأول - ان ابا بكر بحسب ما ذكرناه من المروي هو الخصم في هذه المنازعة ومدعي الصدقة والولاية عليها بالانحاء التي تقدمت في الأحاديث . وليس من شريعة القضاء ان يكون الخصم هو القاضي والحاكم لنفسه وولايته ومنفشه لرواية ينفرد بها مع التدافع والاضطراب المروي فيها . مع ان القرآن الكريم على خلافها - الثاني - ان انفراده بالرواية هو المعروف وجرى عليه علماء الاصول من اهل السنة حيث استدلوا بالعمل بتخصيص الكتاب المجيد بهذه الرواية مع انفراد ابي بكر بها . واخرج أحمد في مسند ابي بكر في حديث ان عمر قال لعلي والعباس حدثني ابو بكر وحلف انه لصادق انه سمع النبي يقول ان النبي لا يورث وانما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين . ولو كان عمر وغيره يعلم بذلك من النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لما احتاج ابو بكر الى ان يحلف لعمر انه لصادق .. وقد روى عن عائشة انفراد ابي بكر بذلك . وعدته من فضائله . ففي صواعق ابن حجر وكنز العمال ومختصره في فضائل ابي بكر انه اخرج ابو القاسم البغوي وابو بكر في الغيلانيات وابن عساكر عن عائشة في حديث ان الناس اختلفوا في ميراث رسول الله فما وجدوا عند احد من ذلك علما فقال ابو بكر سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول «انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة «لا يقال» ان رواية مالك بن أوس المتقدمة ناطقة بأن عمر ناشد عليا والعباس بالله انهما هل يعلمان ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة فقالا اللهم نعم «لأ نا نقول» ان لم يعرف ما لأمير المؤمنين من المقام السامي في العصمة فإنه لا يجهل
ص: 40
أحد من المسلمين ما له من المقام الأرفع في التقوى والزهد والورع . اذن فكيف يتصور في حقه انه يعلم بأن رسول الله أخبر بأن أمواله لا تكون ارثا بل تكون للمسلمين وهو بريد ان يستلبها منهم غصبا بدعوى الارث ومخالفة لحكم الله وبيان الرسول ويستمر مع ذلك على المطالبة سنين عديدة . ولو تنزلنا عن هذا لقلنا لا يخفى ان عليا والعباس لهما شرف ومروءة وسداد في الرأي والقول فكيف يطالبان بالارث من رسول الله مدة سنين ويعترفان مع ذلك بالعلم بقول الرسول لا نورث ما تركناه صدقة . وكيف يسجلان على انفسهما بهذا الاعتراف انهما يستمران على الدعوى الباطلة ومحاولة غصب المسلمين حقهم وأكل مالهم بالباطل . وأي صاحب شعور حتى من السفلة بقدم على ذلك فيشوه سمعته ويدنس مستقبله وإن لم يكن له رادع من تقوى الله . دع هذا ولكن كيف يجعله عمر مع ذلك من رجال الشورى المرشحين الخلافة والائتمان على امور المسلمين . فما رواية الاعتراف من علي علیه السّلام مع اصراره على المطالبة بالارث الا فلتة ممن لا يعرف كيف يتكلم فيما يرويه «ولا يقال» ان عمر ناشد عثمان وعب---د الرحمن والزبير وسعداً بمثل ما ناشد عليا والعباس فقالوا اللهم نعم «لأنا نقول» ان الراوي لهذه المناشدة وجوابها هو الراوي لمناشدته عليا والعباس وجوابها وقد عرفت قيمة الرواية. وثانيا ان الرواية تذكر ان عمر سألهم عن عليهم بذلك لا عن سماعهم له من رسول الله فأجابوا بالعلم اعتماداً على رواية أبي بكر وعمله «ولا يقال» ان عائشة قد روت حديث لا نورث لنساء النبي صلی الله علیه و آله و سلّم «لأنا نقول» انها استندت على علمهن من رواية أبيها كما يدل عليه ما تقدم في انفراد ابي بكر في روايتها فلم يسمهن الا السكوت في الموقف الحرج «ولا يقال» ان ابا هريرة روى عن رسول الله كما في جوامع مسلم والترمذي وابي داود لا يقتسم ورثتي ديناراً ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة . وفي حديث آخر لا نورث ما تركناه صدقة «لأ نانقول» لا يخفى ان الرواية الأولى واردة في النقود وانة صلی الله علیه و آله و سلّم لا يدخر ما يملكه منها ما يبقى بعده بل ينفقها بسماحة النبوة ورأفتها وابوته للأمة في سبيل الله والمحاويج . ولا يزاحم ذلك إلا بالواجب الوقتي من نفقة نسائه ومؤنة عامله فهو صلی الله علیه و آله و سلّم على هذا المنوال وقنا بعد وقت فلا يبقى في خزائنه ما يكون معرضاً لأن يتركه بعده إلا ما كان من بيت المال والصدقات ان وسع المال ان يتربص به حاجة المسلمين في المستقبل . فالحديث اجنبي عن مثل الأراضي والعقار . واما الرواية الثانية فتكون بقرنية اتحاد الراوي جارية هذا المجرى ولا دلالة لها على اكثر من ذلك
ص: 41
- الأمر الثالث - ان رواية عائشة في تفرد ابي بكر بالرواية. وتداول نقلها بين العلماء والمصنفين وذكرها في الكتب كلما تشهد بأن الأصل في الرواية «انا معاشر الأنبياء لا نورث» وعلى ذلك جرى سطرها في الكتب . وعليه قال الرازي في تفسيره مذهب اكثر المجتهدين ان الأنبياء لا يورثون ثم ذكر انهم احتجوا بقول النبي صلی الله علیه و آله و سلّم نحن معاشر الانبياء لا نورث . ويشهد لذلك ما في شمائل الترمذي من رواية ابي البختري ان عمر قال لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد نشدتكم الله أسمعتم رسول الله يقول كل مال نبي صدقة إلا ما اطعمه اهله الا لا نورث ونحوه في كتاب الخراج من سنن ابي داود . و ما رواه أحمد في مسند ابي بكر من قوله لفاطمة سمعت رسول الله يقول ان النبي لا يورث . إذن فالرواية مخالفة لكتاب الله في قوله تعالى في سورة النمل 16 « وورث سليمان داود» وليس ارث العلم والنبوة لأن القرآن يدل على ان سلمان اوتي العلم والحكمة كداود في زمان داود كما في سوره الأنبياء 77 و 78 وفي قوله تعالى في سورة مريم في قول زكريا ودعائه 4 «اني خفت الموالي» أي الأقارب الوارثين «من ورائي» أي بعد موتي اي خاف من أن يكونوا هم الوارثين لماله . ومقتضى مقام النبوة انه خاف ذاك لأمر شرعي «وكانت امرأتي عاقرا» لم تلد لي ولدا يكون هو الوارث من بعدي دونهم «فهب لي من لدنك» من رحمتك وقدرتك ولداً «ولياً برثني» ويكون له ما ابقيه من المال الذي خفت ان يرثه الموالي من ورائي . ولا يخفى ان مقام زكريا في النبوة يمنع من ان يقال انه خاف ان يرثه مواليه وأقاربه العلم والنبوة . وذلك لأن النبوة وعلمها امر بيد الله في مقامها الخاص يجعلها لمن هو اهل لها ويمنعها عمن ليس بأهل ولا يخفى ذلك عمن هو دون زكريا إذن فلا يصح في المعقول ان يقال ان زكريا النبي خاف من ان يجعل الله النبوة وعلمها فيمن ليس بأهل لذلك . ولا انه خاف من ان يجعل الله النبوة وعلمها بحسب حكمته فيمن هو اهل لها . فلا بد من ان يكون الذي خافه هوارث المال الذي يرثه البر والفاجر بحسب الشريعة . ومثل ذلك قوله تعالى عن زكريا في سورة الأنبياء 88 «رب لا تذرني فرداً» بلا ولد وارث كما يدل عليه قوله «وأنت خير الوارثين 89 فاستجبنا له ووهبنا له يحبى» وان استجابة دعائه بالوارث تبطل ان يكون يحيى قتلوه في حياة ابيه زكريا حتى لو قلنا ان مراد زكريا ارث العلم والنبوة فان معنى ارث يحيى لها من زكر بالا يستقيم في الكلام الا إذا وصلا ليحيى بعد موت زكريا ، ودعوى الاجماع على قتل يحيى في حياة
ص: 42
أبيه مجازفة تشهد دلالة القرآن ببطلانها - الأمر الرابع - في تدافع الحجة المروية في احاديث المسألة فإن الحديث الأول يذكر الاحتجاج أولا برواية انا لا نورث ما تركناه صدقة. وهذا كالصريح في دعوى ان اموال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم هي ملكه في حياله يتصرف بها كيف يشاء تكون بعد وفاته صدقة مضافاً إلى ان الاعتبار لا يساعد على ان يكون النبي محجور عليه في أمواله وما أفاء الله عليه . واضافه اليه وجعله له في نص القرآن فلا يكون كسائر المالكين يهب ويبيع ويعطي من اعيان امواله على ما تقتضيه الحالة والمصلحة بل تكون صدقة لا يقدر ان يتصرف فيها إلا على شيء من نمائه النسائه فلا يساوي في امواله التي جعلها الله له واحدا من المسلمين - لكن قول الحديث «إنما يأكل آل محمد من هذا المال يتضمن ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم كان محجورا عليه في املاكه بالنحو الذي ن گناه و بمجرد ان يعطيه الله شيئا تكون اعيانه صدقة محجورا عليها . فالعبارثان في الحديث مدافعتان متنافيتان . ودع ما في العبارة الثانية ومؤدى حجرها على الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم وعلى ذلك جری قول الحديث «لا اغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها» اذ لو كان المدعى ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم جعلها صدقة بجعله لكان أمرا ثالثا تجب اقامة البينة الكافية عليه ولا يكفي في ذلك كون الرسول يتناول من غماء أمواله نفقة نسائه ويصرف الباقي في سبيل الله فإنه رسول الله وابو الأمة والإسلام معدن الرحمة والجود . «لا يقال» ان معنى المروي هو ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم جعل هذه الأموال صدقة في حياته وجرى في سيرته - لأنه يقال - لو كانت صدقة بجعل الرسول قبل وفاته بمدة سنين كما يروى من سيرته لكان ذلك من الأمور المشهورة ولما خفي على خواص اصحابه وعلى نسائه واهل بيته . ولما احتاج ابوبكر في رد فاطمة إلى رواية لا نورث ولا احتاجت عائشة في رد نساء النبي صلی الله علیه و آله و سلّم إلى هذه الرواية ولا احتاج لمناشدة عثمان والزبير وطلحة وسعد عن علمهم بها . مع ان الرواية اجنبية عن موضوع النزاع على هذا التقدير بل الذي يلزم هو اقامة الحجة على وقوع التصدق منذسنين والاستشهاد عليه . وفي رواية مسلم والبخاري في باب فرض الخمس «واما خيبر وفدك فامسكها عمرو قال هما صدقنا رسول الله كاننا لحقوقه التي تمروه ونوائبه وامرهما إلى من ولي الأمر» والكلام في هذه الفقرة كالكلام في سابقها . وان كل مالك تكون امواله لحقوقه التي تعروه ونوائبه . وتزيد هذه الفقرة بدعوى ان امر فدك وخيبر إلى من ولي الأمر. فإن المقام مقام مطالبة بالحقوق على الموازين الشرعية والحجج لا مقام استفتاء يكتفي فيه بالفتيا المجردة والدعوى
ص: 43
المحضة - ومما ذكرناه - يعرف التدافع في حديث مالك بن اوس في الجمع فيها بين الاحتجاج برواية لانورث ما تركناه صدقة وبين الاحتجاج بأن رسول اللهصلی الله علیه و آله و سلّم كان ينفق من مال بني النظر على اهله نفقة سنتهم ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله كما في روايات البخاري وفي رواية مسلم ثم يجعل ما بقي اسوة المال . ولا يخفى ان للناس في اموالهم شوونا وهل يجب شرعا او عقلا أو عادة ان تجرى اموال الشخص بعد موته على ما كانت تجرى عليه في حياته وان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في تفانيه في ذات الله والإسلام ورحمته بالمسلمين لوملك اضعاف ما ملك لاقتصر على واجب النفقة وانفق الباقي في سبيل الله وأما بعد وفاته فيرجع الأمر إلى شأن وارثه وليس لأحد ان يتحكم بفعل الموروث في النماء ما لم يثبت انه تصدق بالعين في حياته . ومما يزيد في الاضطراب والتدافع في ما يروى من الحجة ما ذكرناه مما رواه احمد في مسند ابي بكر عن عمر عن ابي بكر انه سمع رسول الله يقول النبي لا يورث وإنما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين. و یزید ذلك بما ذكرناه في الحديث الثالث من قول ابي بكر سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ان الله إذا اطعم نبيه طعمة فهي للذي يقوم من بعده. ويزيد في الاضطراب ما ذكرناه من شمائل الترمذي - الوجه الثالث - قد سمعت مما تقدم من جامعي البخاري ومسلم وتاريخ الطبري ان فاطمة طالبت أبا بكر بارثها مما أفاء الله على رسوله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فردها ابو بكر برواية لا نورث ما تركناه صدقة وفي رواية مالك بن اوس ان عمر قال في فدك وخمس خيبر انهما صدقة رسول الله وامسكها . إذن فكيف بلغ الحال إلى ما رواه ابو داود في كتاب الخراج من سننه في فدك انه لما مضى ابو بكر وعمر اقطعها «بالبناء للمجهول» مروان بن الحكم وبقيت في ولده حتى ردها عمر بن عبد العزيز . وقد صرح جماعة كثيرون بما يفهم من الحديث من ان الذي أقطعها مروان هو عثمان في أيامه كما في السيرة الحلبية والمرقاة وغيرها . وما اكثر وجوه الاشكال في هذه المسألة ورواياتها وذلك في ذمة تاريخها هذا ومن المعلوم عند اهل البيت والإمامية وعليه حديثهم ان فد كا كانت نحلة من رسول الله الفاطمة وكانت تحت بدها وعمل عاملها في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ولما طرد عاملها ادعت النحلة وقدمت لأبي بكر شهودها فلم ينفعها ذلك أصلاً . ونقل ابن ابي الحديد في شرح النهج عن قاضي القضاة قوله انا لسنا ننكر صحة ما روي من ادعائها فدكا وأما انها كانت في يدها فغير مسلم ونقل أيضا عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري أحاديث جمة في ادعائها
ص: 44
علیه السّلام نحلة فدك وذكر في المواقف وشرحها في المقصد الرابع من مقاصد الإمامة انها ادعت النحلة وشهد لها علي والحسنان واضاف في المواقف ام كاثوم وقال في شرحها الصحيح انها ام ايمن : وقال ابن حجر في الشبهة السابعة من الباب الخامس من الفصل الأول في صواعقه ودعواها ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نحلها فدكا لم تأت عليها بشاهد إلا بعلي وام أيمن ونحوه في معجم البلدان وفتوح البلدان للبلادري. وقال الشهرستاني في الملل والنحل الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم ودعوى فاطمة تملكا تارة ووراثة اخرى حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة . وفي كتاب امير المؤمنين علي إلى عامله عثمان بن حنيف بلى كانت في ايدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم و سخت بها نفوس قوم آخرین ونعم الحكم الله» وفي الدر المنثور في تفسير قوله تعالى وآت ذا القربى حقه من سورة بني اسرائيل اخرج البزاز وابو يعلى وابن ابي حاتم وابن مردويه ع--ن ابي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية «وآت ذا القربى حقه» دعا رسول الله فاطمة فأعطاها فدكا . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت وآت ذا القربى حقه اقطع رسول الله فاطمة فدكا . ونقل السيوطي أيضا هذين الحديثين في لباب النقول وذكر ان الطبراني اخرج الحديث الأول عن ابي سعيد وفي كنز العمال ومختصره في صلة الرحم من كتاب الأخلاق عن تاريخ الحاكم عن ابي سعيد قال لما نزلت وآت ذا القربى حقه قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم یا فاطمة لك فدك - هذا ولكن لما وردت دعوى الزهراء في نحلة فدك ولم تنفعها فيها شهادة علي والحسنين وأم أيمن ويا للعجب عدلت إلى المطالبة بها بوجه الارث اقلا كسائر المتروكات هذا وان صاحب المنار ذكر عن الالوسي في تفسيره روح المعاني احتجاجه على الشيعة في ان الأنبياء لا يورثون بأمرين - احدهما - ما رواه في اصول الكافي بسنده عن ابي البختري وهب عن الصادق علیه السّلام قوله : ان العلماء ورثة الأنبياء وذلك ان الأنبياء لا يورثوا دينارا ولا درهما وانما اورثوا أحاديث من أحاديثهم . الحديث. فاحتج بان «إنما» تفيد الحصر «ويدفعه» ان الحصر لم يكن اضافيا بالنسبة إلى الدينار والدرهم فهو حصر بالنسبة لحملة الحديث من سائر الناس وعامتهم لا وارث المال من الأقرباء ومن المعلوم ان سائر الناس لا يرثون من الأنبياء إلا الحديث في العلم ولا ارث للعلماء من الأنبياء إلا ذلك - وثانيها - بأن تركة النبي صلی الله علیه و آله و سلّم وقعت في أيدي جماعة من المعصومين عند الشيعة والمحفوظين عند أهل
ص: 45
السنة كملي والحسنين وعلي بن الحسين فلم يعطوا منها العباس ولا بنيه ولا أزواج النبي صلی الله علیه و آله و سلّم ولو كان الميراث جاريا في تلك التركة شاركوهم قطعاً «ويدفعه» ان ما يشير اليه من نحو للعمامة المقدمة والسلاح والراية قد كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم اعطاء في مرضه لعلي على انها من مختصات الإمامة ولذا صارت تنتقل من إمام إلى إمام وعلى ذلك يجري ما رواه احمد في مسند ابي بكر عن ابن عباس بسند لو لم يكن صحيحا عندهم لكان حسنا مقبولا قال لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم واستخلف ابو بكر خاصم العباس عليا في اشياء تركها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال ابو بكر شيء تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه . فلما استخلف عمر اختصا اليه فقال شيء لم يحركه ابو بكر فلا احركه . فلما استخلف عثمان اختصما اليه فسكت ونكس رأسه فخشيت ان يأخذه فضربت بين كتفي العباس فقلت يا أبت اقسمت عليك ألا سلمته لعلي فسلمه اليه . ورواه في كنز العمال ومنتخبه في اول كتاب الخلافة عن البزاز أيضا . ولو تنزلنا عن ذلك وفرضنا كونها تركة موروثة لقلنا ان عدم اعطائهم للعباس لأنه لا يرث مع فاطمة عند اهل البيت لآيات الأقربين واولي الأرحام كما مر في مسألة التعصيب . وأما أزواج النبي (ص) فيجوزان يكون قد طبن نفا بذلك لفاطمة (علیها السّلام) لسماحتها لهن بقائهن في بيوتهن و تصرفين بما فيها من ادارة البيت احتراما لمقامهن من رسول الله او لغير ذلك من الوجوه . ويجوز ايضا ان تكون تلك الأشياء تستخلص في سائر الطبقات من بقية الوراث بطيب النفس أو بالمعاوضة فلا تشبث بذلك للالوسي وصاحب المنار .
- الأمر الثامن - في الدول ومحل النزاع فيه بين النافين له والمثبتين هو ان يجتمع من الفرائض المذكورة في القرآن الكريم بحسب صورة اطلاقها ما يتزاجم ولا يمكن اجتماعه مم الاطلاق وبقائه على معناه . فالقائل بالعول يخرج اسماء الفرائض في مسائل عوله عن معانيها الحقيقية لكي يقسم المال على نسبة تلك المعاني بعضها من بعض . والنافون للعول يستدلون على تقييد بعض المطلقات في تلك المسائل فيرتفع التزاحم . وتحرير الكلام هو ان الصور التي يفرض تزاحم الفرائض فيها في الظاهر هي على ما يخطر في ذهنى في الحال اثنتان وعشرون صورة ثلاثة عشر منها متفق على امكان تصويرها ووقوعها بين المسلمين وتسعة منها يختص تصويرها بأهل السنة لأنهم يورثون الاخوة والاخوات مع الأم فلنذكر هذه الصور وما تصير اليه فرائضها على تقدير المول ليتضح وجه الحجة والكلام في المسألة ان شاء الله وان استلزم التطويل -
ص: 46
فالصور المتفق عليها الأولى منها - زوج وبنت وأم وأب . يصير فيها على القول ربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر ونصف البنت ستة من ثلاثة عشر وكل من سدسي الأب والأم الثنين من ثلاثة عشر - الثانية - زوج وبنتان فما فوق وأم وأب . يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وثلثا البنات ثمانية من خمسة عشر وكل من سدسي الأب والأم اثنين من خمسة عشر - الثالثة - زوج وبنتان فما فوق وواحد من الأبوين . يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من ثلاثة عشر . وثلثا البنات ثمانية من ثلاثة عشر . وسدس احد الأبوين اثنين من ثلاثة عشر - الرابعة - زوج وأخت من الأبوين أو الأب واثنان من كلالة الأم . يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من ثمانية وكذا نصف الأخت . وكل واحد من سدسي الكلالة واحداً من ثمانية وهو الثمن – الخامسة – الصورة السابقة مع كون الكلالة من الأم فيها اكثر من اثنين يصير النصفان فيها كما في التي قبلها وثلث الكلالة ربما - السادسة - الصورة السابقة وكلالة الأم واحد . يصير فيها كل من النصفين ثلاثة من سبعة وسدس الكلالة واحد من سبعة السابعة - زوج واختان فما فوق من الأب أو الأبوين . يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من سبعة وثالثا الأخوات اربعة من سبعة – الثامنة - الصورة السابقة وواحد من كلالة الأم . يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من ثمانية وثلثا الاخوات أربعة من ثمانية وهو النصف وسدس الكلالة ثمنا - التاسعة - الصورة السابقة وكلالة الأم فيها اثنان . يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من تسمة وهو الثالث وثلثا الأخوات اربعة من تسعة وكل من سدسي الكلالة واحدا من تسعة - العاشرة - الصورة السابقة وكلالة الأم أكثر من اثنين وقسمتها كسابقتها ويكون ثلث الكلالة اثنين من تسعة - الحادية عشر - زوجة وبنتان فما فوق وأم واب . يصير فيها ثلثا البنات ستة عشر من سبعة وعشرين وثمن الزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع - الثانية عشر - زوجة واختان فما فوق من الأب أو الأبوين مع اثنين من كلالة الأم . تصير فيها القسمة كسابقها - الثالثة عشر - هذه الصورة وكلالة الأم فيها اكثر من اثنين وتصير كسابقتها وثلث الكلالة ثمانية من سبعة وعشرين ( وأما المختصة » بمواريث اهل السنة فهي - الرابعة عشر - زوج وام واخت من الأب والأبوين يصير فيها كل من نصفي الزوج والأخت ثلاثة من ثمانية وثلث الأم اثنين من ثمانية وهو الربع - الخامسة عشر – زوج وأم واختان فما فوق من الأب أو الأبوين يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من تسعة وهو الثلث وثلنا الاخوات
ص: 47
اربعة من تسعة وثلث الأم اثنين من تسمة - السادسة عشر - الصورة السابقة مع واحد من كلالة الأم . يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من عشرة وثلث الأم اثنين من عشرة وهو الخمس وثلثا الاخوات اربعة من عشرة وسدس الكلالة واحد من عشرة - السابعة عشر - الصورة السابقة مع ثان من كلالة الأم . يصير فيها نصف الزوج ثلاثة من احد عشر وثلث الأم اثنين من احد عشر وثلثا الأختين اربعة من احد عشر وكل من سدسي الكلالة واحد من احد عشر الثامنة عشر - الصورة السابقة ويكون فيها كلالة الأم اكثر من اثنين . يصير فيها ثلث الكلالة اثنين من احد عشر - التاسعة عشر - زوجة وام وأختان فما فوق من الأب او الأبوين، يصير فيها ربع الزوجة ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وثلث الأم اربعة من خمسة عشر وثلثا الاخوات ثمانية من خمسة عشر - العشرون -الصورة السابقة مع واحد من كلالة الأم . يصير ربع الزوج فيها ثلاثة من سبعة عشر وثلث الأم اربعة من سبعة عشر وثلثا الأخوات ثمانية من سبعة عشر وسدس الكلالة اثنين من سبعة عشر = الحادية والعشرون الصورة السابقة مع ثان من كلالة الأم يصير فيها ربع الزوج ثلاثة من تسعة عشر وثلث الأم اربعة من تسعة عشر وثلثا الاخوات ثمانية من تسعة عشر وكل من سدسي الكلالة اثنين من تسعة عشر الثانية والعشرون – الصورة السابقة ويكون فيها كلالة الأم أكثر من اثنين . يصير ثلثهم فيها أربعة من تسعة عشر.
إذن فعلى القول بالعول وما تقدم من الحساب في الصور المذكورة يصير معنى الثمن المذكور في القرآن للزوجة او الزوجات واحدا من ثمانية كما في غير مسائل العول وواحدا من تسعة أي تسعا في الصور الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر : ويكون ربع الزوجة واحدا من أربعة في غير العول وواحد من خمسة كما في الصورة التاسعة عشر وثلاثة من سبعة عشر كما في الصورة العشرين وثلاثة من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين والثانية والعشرين . وربع الزوج ثلاثة ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى والثالثة وثلاثة من خمسة عشر كما في الثانية من ويكون نصف الزوج واحدا من اثنين في غير العول وثلاثة من سبعة كما في الصورة السادسة والسابعة . وثلاثة من ثمانية كما في الرابعة والخامسة والثامنة والرابعة عشر . وثلاثة من تسعة اي ثلثا كما في التاسعة والعاشرة والخامسة عشر . وثلاثة من عشرة كما في السادسة عشر . وثلاثة من احد عشر كما في السابعة عشر والثامنة عشر ، وتزيد معاني النصف بالنظر إلى نصفي البنات والأخت
ص: 48
النساء : 12 في العول
فيكون ايضا ستة من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى . وثلاثة من ثمانية كما في الرابعة والخامسة والرابعة عشر - وثلاثة من سبعة كما في السادسة فيكون للنصف سبعة معان : ويكون سدس الأب أو الأم أو الواحد من كلالة في غير المول واحدا من سنة . واثنين من ثلاثة عشر كما في الصورة الأولى والثالثة ، واثنين من خمسة عشر كما في الثانية . وأربعة من سبعة وعشرين كما في الحادية عشر ، وواحدا من سبعة كما في السادسة . وواحداً من ثمانية كما في الرابعة والثامنة . وواحداً من تسعة كما في التاسعة . واربعة من سبعة وعشرين كما في الثانية عشر . وواحدا من عشرة كما في السادسة عشر . وواحدا من احد عشر كما في السابعة عشر . واثنين من سبعة عشر كما في الصورة العشرين . واثنين من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين . فيكون للسدس اثنا عشر معنى : ويكون الثلث لكلالة الأم واحداً من ثلاثة في غير العول . واثنين من ثمانية كما في الخامسة . واثنين من تسعة كما في العاشرة . وثمانية من سبعة وعشرين كما في الثالثة عشر . واثنين من أحد عشر كما في الثامنة عشر . واربعة من تسعة عشر كما في الثانية والعشرين : ويكون الثلث للأم اثنين من ثمانية كما في الرابعة . واثنين من تسعة كما في الخامسة عشر . واثنين من عشرة كما في السادسة عشر . واثنين من احد عشر كما في السابعة عشر والثامنة عشر . واربعة من خمسة عشر كما في التاسعة عشر . واربعة من سبعة عشر كما في الصورة العشرين : واربعة من تسعة عشر كما في الحادية والعشرين والثانية والعشرين . ويكون ايضا باعتبار ثلثي البنات والاخوات له معان أخر فإن الثلثين يكونان ثمانية من خمسة عشر في الصورة الثانية وثمانية من ثلاثة عشر في الثالثة . واربعة من سبعة في السابعة . واربعة من ثمانية في الثامنة . واربعة من تسعة في التاسعة والعاشرة والخامسة عشر . وستة عشر من سبعة وعشرين في الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر - واربعة من عشرة في السادسة عشر والثامنة عشر . وثمانية من خمسة عشر في التاسعة عشر. وثمانية من سبعة عشر في الصورة العشرين . وثمانية من تسعة عشر في الحادية والعشرين والثانية والعشرين . فيكون للمثلث باعتبار ثلث الأم وثلث كلالتها وثلثي البنات والاخوات أحد وعشرون معنى .
إذا تحرر هذا فنقول ان الله العليم الخبير والذي أحصى كل شيء علما وعدد الاشك في انه يمتنع على جلاله ان يكون قد جعل الفرائض وهو لا يعلم بما يؤدي اليه تزاحمها كما في فروض مسائل العول. إذن فلم يبق في المسألة إلا وجهان - احدهما - ان يكون استعمل
ص: 49
الفاظ الفرائض في معانيها الحقيقية في غير مسائل المول وفي المعاني الكثيرة المتنافرة التي يؤول اليها تقسيم العول كما شرحناه - وثانيهما - ان يكون الشارع في الموارد يتراءى فيها تزاحم الفرائض بحسب الظاهر البدوي من اطلاقها قد قيد بعض مطلقاتها وأخرج بعض مصاديقها منها بحيث لا يحصل التزاحم وأوكل أمر هذه المصاديق إلى عمومات الارث بالقرابة وآيات الأقربين واولي الأرحام - لكن - الوجه الاول باطل ممتنع في اللغة لأنه يستلزم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معناه الحقيقي ومعان أخر متنافية متشكلة لا جامع بينها كما شرحناه وليس فيما بين كل واحد منها وبين المعنى الحقيقي علاقة تصحح التجوز فانها كلها في مقام التقسيم واناطة الحكم بخصوصيات الكسور فتكون بذلك معاندة ومنافرة للمعنى الحقيقي ومتعاندة ومتنافرة فيما بينها . على انه لا يجوز الجمع في الاستعمال بين الحقيقة والمجاز حتى مع وجود العلاقة ووضوحها كما تحرر في الأصول . ومما يشهد لذلك ان الأوائل القائلين بالعول من الصحابة لم يدعوا أن تزاحم الفرائض صار قرينة على ان الله أراد من الفاظها ما ذكرناه من تلك المعاني الكثيرة بل جعلوا العول من قبيل الصلح القهري عند اشتباه الحكم الشرعي لم يتضح لهم من قدم الله ومن أخره كما يعرف من رواية عبيد الله عن ابن عباس . كما يشهد لذلك ان ابن عباس اكتفى في ابطال العول يعلم الله واحصائه لرمل عالج عددا ولم يخطر في خياله ان الله اراد من اسماء الفرائض تلك المعاني الكثيرة وعلى ذلك يجري تصويب الزهرى لقوله واحتجاجه وما ذاك الا لأن ما ذكرناه من الامتناع خصوصا في هذا المقام مرتكز في الغريزة مستحكم في الفطرة . هذا ولو تنزلنا وجوزنا الجمع بين كل من المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في استعمال واحد لما كان هذا المقام من واديه ولا يدانيه لما ذكرناه من المعاندة في مقام التقسيم - فان قيل يمكن ان يكون الفاظ الفرائض مستعملة في الجامع بين تلك المعاني المتشتتة وهو عنوان الجزء المطلق من التركة وما يشبهه - قلنا - إذا كان المسمى والمعنى هو الجزء المطلق وكانت اسماء الفرائض كالمترادفة فما هي الفائدة فيها والمحصل منها . ولماذا يعطى في كل مورد من موارد المول وغيره جزء مخصوص ومقدار معين - فان قيل انا نعطي تلك المقادير المخصوصة من باب تزاحم الحقوق المجعولة - قلنا - أولا لماذا تعطون في غير العول مقادير مخصوصة على مقتضى المعاني الحقيقية لألفاظ الفرائض كالنصف والثلث مثلا . وثانيا. افيا كانت اسماء الفرائض اسماء للجزء المطلق لم يكن هناك تزاحم حقوق بل يعطون
ص: 50
على التساوي . فلا مناص إذن عما ذكرناه قبلاً من ثاني الوجهين وهو التقييد لاطلاق بعض الفرائض التي لا تخرج اسمائها عن معانيها الحقيقية والرجوع في موردها إلى الارث بالقرابة. فعلينا البحث في تعيين ما هو خارج عن الاطلاق ويرجع امر مورده إلى آيات الاقربين واولي الأرحام . فإن اصبناه انحل اشكال التزاحم وإلا وجب التوقف والرجوع إلى الصلح ما بين الورثة في هذه الموارد المشكلة بظاهر التزاحم . بل لو تمحلنا وجوزنا استعمال القرآن الكريم لألفاظ الفرائض على الوجه الأول المخالف للمعنى الحقيقي والراجع إلى الألغاز والمعميات بل الطلاسم لكان الحمل على التقبيد هنا هو المتعين لأنه لا تجوز فيه وهو شايع جداً في المحاورات والقرآن الكريم . ومعرفة الخارج عن الاطلاق قريبة من التناول ووجه التقييد واضح كما قاله ابن عباس كما ذكره في كنز العمال ومختصره عن ابي الشيخ في فرائضه والبيهقي في سننه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواه ابن حزم الاندلسي في كتابه المحلى عن اسماعيل القاضي كما رواه المشايخ في الكافي والفقيه والعلل والتهذيب بأسانيدهم عن الفضل بن شاذان عن محمد بن يحيى جميعا عن علي بن عبد الله المدائني (1)ورواه أيضا في التهذيب سماعا واجازة عن ابن عبدون عن ابي طالب الانباري عن ابي بكر الحافظ احمد بن هوده عن علي بن محمد الحصيني جميعا عن يعقوب بن ابراهيم عن ابيه عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال خرجت انا وزقر بن اوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث فقال ابن عباس سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا . النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث . فقال له زفر يا ابا العباس من اول من اعال الفرائض فقال عمر بن الخطاب لما التقت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا قال ما ادري كيف اصنع . ما أدري أيكم قدم الله وايكم آخر وما اجد في ما اجدفي هذا المال شيئا أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص . ثم قال ابن عباس وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة . فقال له زفر وأيهم قدم الله وأبهم أخر . فقال كل فريضة لم يهبطها الله إلا إلى فريضة فهذا ما قدم وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فذلك الذي أخر . فأما التي قدم الله فالزوج له النصف فإذا دخل
ص: 51
عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء . والزوجة لها الربع فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء . والأم لها الثلث فإن زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شي . والذي أخر فريضة الاخوات والبنات النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي . فإذا اجتمع ما قدم الله وما اخر بدء بمن قدم فأعطي حقه كاملا فإن بقي شيء كان لمن أخر . فقال زفر فما منعك يا ابن عباس من ان تشير عليه بهذا الرأي قال ابن عباس هسته . قال ابن شهاب والله لولا انه تقدمه امام عدل أمره إلى الورع لما اختلف على ابن عباس اثنان من اهل العلم انتهى ورواه الحاكم في الصحيح على شرط البخاري ومسلم بسنده عن علي بن عبد الله المدائني إلى آخر السند المتقدم من قول ابن عباس اول من اعال الفرائض عمر إلى قوله فإن بقي شيء كان له . وفي ذلك محل الغرض من احتجاج ابن عباس فيمن قدم الله ومن أخر وبيان الوجه الذي يعرف منه التقييد لبعض المطلقات . فانه لو دخل ولد ذكر مع البنت أو البنات أو أخ مع الأخت أو الاخوات زلن عن فرضهن ولم يكن لهن مع أخيهن إلا ما بقي . بل لو كان في مقامهن ولد أو أولاد أو أخ او اخوة لم يكن إلا ما بقي . فيكشف ذلك عن ان هذا هو الشأن المشروع في مقام هذه الوراثة . وعلى ذلك جرى ما رواه المشايخ الثلاثة في الكافي والفقيه والتهذيب في الصحيح عن الباقر علیه السّلام قال كان علي علیه السّلام يقول ان الذي احصى رمل عالج يعلم ان السهام لا تعول على ستة . لو يبصرون وجهها لم تجزستة انتهى يعني علیه السّلام ان كل فريضة تعطى مثل مخرجها وهو ما بنستها من الستة فصاحبة الثمن تعطى ثلاثة أرباع الواحد من السنة . وصاحب الربع يعطى واحدا ونصفا من السنة (1)و مراده علیه السّلام من وجهها هو ما ذكرناه من التقييد للاطلاق في فرائض البنت والبنات والاخت والأخوات في صور التزاحم : وروى الشيخ في التهذيب عن ابن عبدون عن ابي طالب الانباري عن الحسن بن محمد بن ايوب عن عثمان بن ابي شيبة عن يحيى بن ابي بكر عن شعبة عن سماك عن عبيدة السلماني قال كان علي علیه السّلام على المنبر فقام اليه رجل فقال يا امير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وابوين وزوجة فقال علیه السّلام صار ثمنها تسعا قال سماك فقلت لعبيدة وكيف ذلك
ص: 52
قال ان عمر بن الخطاب وقعت في امارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع فقال له اصحاب محمد صلی الله علیه و آله و سلّم اعط هؤلاء فريضتهم للأبوين السدسان وللزوجة الثمن وللبنتين ما يبقى فقال و این فریضتهما الثلثان فقال علي علیه السّلام لها ما يبقى فأبي ذلك عليه عمر وابن مسعود قال عبيدة واخبرني جماعة من اصحاب علي علیه السّلام بعد ذلك في مثلها أنه اعطى الزوج الربع مع البنتين وللأبوين السدس والباقي رد على البنتين وذلك هو الحق وان أباه قومنا انتهى ومن الواضح ان قوله علیه السّلام صار ثمنها تسعا خارج مخرج الانكار والتألم من قسمة العول وهو ان الذي سماه الله ثمنا كيف يكون تسعا وكيف يطلق لفظ الثمن في استعمال واحد على جزء من ثمانية وعلي جزء من تسعة : هذا واما الأحاديث الواردة في بطلان العول ودخول النقص على البنات والاخوات عن الأئمة من اهل البيت علي والباقر والصادق والرضا عليهم السلام فهي كثيرة تناهز التوائر اكثرها من الصحيح وعلى مقتضاها اجماع الإمامية ومذهب ابن عباس ومحمد بن الحنفية وحكاه المرتضى في الانتصار عن عطا بن رياح وداود بن علي الاصفهاني . وفي المحلى لابن حزم قال به ابو سليمان وجميع اصحابه يعني داود انتهى وذهب اليه الناصر جد المرتضى في الناصريات واختاره ابن حزم في المحلي.
احتجوا للقول بالمول بوجوه - الأول - انه لا بد من النقص عند تزاحم الفرائض . و دخوله على بعض دون بعض ترجيح من دون مرجح ومقتضى العدل هو ادخاله على الجميع - ويدفعه - ان المقام مقام جعل وتشريع واتباع الشرع في القسمة وقد اوضحنا انه يمتنع ان يكون في أدلة التشريع ولفظه ما يراد منه دخول النقص على الجميع . اذن فإدخال النقص على الجميع تحكم باطل على الشرع لاعدل . خصوصا إذا علمنا انه لا بد فيه من التقييد لبعض المطلقات . واما ادخال النقص على البعض فانما هو لترجيج الدليل وتعيينه كما قدمناه عن ابن عباس وما جاء عن اهل البيت (علیهم السّلام) وإجماع الإمامية - الثاني - القياس على الحكم بالتقسيط
فيما اوصى الانسان بوصية نافذة بنصف الأنف لزيد ونصفها لعمرو وثلثه البكر مثلا - ويدفعه - اولا بطلان القياس من اصله . وثانيا . انه قياس مع الفارق فانا اذا لم نجد في هذه الوصية قرينة على العدول أو التقييد كان قرينة ارادة الموصي بلفظي النصف والثلث مجازا بنحو اللغز هو الجزء الناتج من التقسيط على نسبة المعاني الحقيقية . وليس في هذا ما يستلزم الممتنع من الجمع
ص: 53
في الاستعمال الواحد بين المعنى الحقيقي والمعاني المتعددة المتنافية المتباينة وهذا إذا جاز من الناس لا نجوز مثله من القرآن الكريم فضلا عن ان محل الكلام في العول يستلزم امرا ممتنعا في اللغة وهو الجمع بين المعنى الحقيقي والمعاني المتباينة المتنافرة كما شرحناه ولو تمحلنا وجوزناه على الناس في هذل الاحاجي والالغاز لما جاز على مجد القرآن الكريم في البيان لتمييز السهام - من وجوه القياس - ان المال اذا قصر عن ديون الغرماء يوزع عليهم على نسبة ديونهم - ويدفعه - مع انه قياس ان الفارق جلي . فإن قصور المال لا ينافي ثبوت الدين في الذمة بمقاديره الحقيقية ولم يكن ثبوته مبتنيا على استعمال ممتنع في اللفظ الواحد . وان توزيع المال على الدين لم يكن في حال يؤل الى العلم الإجمالي فضلا عن التفصيلي بالتقييد وخروج البعض من افراد الدين الاطلاق الذي في دليل ثبوته واستحقاقه . فما هذا القياس الا من نحو قياس الضد على ضده في جهة المضادة - الثالث - رواية القول بالعول عن علي علیه السّلام في رواية عبيدة السلماني بقوله علیه السّلام صار ثمنها تسما - ويدفعه - ما ذكرناه من ظهوره في نفسه في خروجه مخرج الانكار فضلا عما ذكرناه من تتمة الرواية عن عبيدة وفضلا عن المعلوم المنقول عن أئمة اهل البيت وغيرهم من انه علیه السّلام كان ينكر على القول بالعول - الرابع - النقض على الحل لمسئلة التزاحم بتقييد بعض المطلقات وتقديم من قدمه الله وتأخير من اخره وادخال النقص على البنات او : الاخوات من الأب أو الأبوين وذلك بما اذا كان التزاحم في فرائض من قدمه الله كما اذا كان الوراث زوجا واما واثنين او اكثر من كلالة الأم او اكثر فإن المال لا ينقسم على نصف وثلث وسدسين . وكذا اذا كان مع هؤلاء اخت أو اختان من كلالة الأب أو الأبوين فإن المال يضيق وان اخرجنا هذه الكلالة من الميراث بالمرة = ويدفعه = ان هاتين الصورتين ممتنعتين في المواريث بحسب ما تقيمه الشيعة من الأدلة على ان الكلالة بقسميهالا ترث مع الأم كما مر بعضه . فلا نقض بما ذكروه ولا تشبث .
«الأمن التاسع» ارث الزوج والزوجة في عقد المتعة فإنه خارج عن اطلاق ارث الزوجين على المشهور عند الإمامية وعليه حديثهم الدال على تقييد الاطلاق .
«الأمر العاشر» خروج الرباع مطلقا والشجر والبناء عينا لا قيمة عن ارث الزوجة غير ذات الولد بإجماع الإمامية وحديثهم وفي ذات الولد خلاف.
«الأمر الحادي عشر» = الحبوة - وهي لباس الميت وخاتمه ومصحفه وسيفه فان
ص: 54
النساء : 13 - 14 - 15 تلك حدود الله - واللاتي يأتين الفاحشة
(13) تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحتِها الأنهار خالدين فيها وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * (14) وَمَنْ بَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فيها وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ * (15) وَالّتي يأتين الفاحشة
........................................................
المشهور عند الامامية انها حبوة يختص بها الاكبر من اولاده الذكور الصلبيين او المنفرد وعلى ذلك حديثهم . وقيل انها على الاستحباب لتشكيك القائلين به في استفادة الوجوب والاستحقاق من الاحاديث
-
هذا وأما الكلام في مواريث الأجداد والجدات وابناء الاخوان والأخوات. والاعمام والاخوال وابنائهم من اولي الأرحام والأقربين وكذا ميراث الولاء فهو موكول الى علم الفقه وكتبه (13 تلك) اي ما ذكر من احكام المواريث (حدود الله ومن يطع الله ورسوله) في العمل بهذهُّ الاحكام على حدودها وما جاء في السنة في بيانها تفسيرا او تخصيصاً او تقييداً (يدخله) الله (جنات تجري من تحتها الأنهار) حال كون المطيعين (خالدين) وجرى الجمع على معنى «من» الموصولة (فيها وذلك الفوز العظيم 14 ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده) المذكورة (يدخله) الله (ناراً خالدا فيها وله) فوق ذلك (عذاب مهين) وجرى افراد الضمائر على لفظ الموصول (15 واللاتي يأتين الفاحشة) أي يفعلنها فجائت الكناية عن الفعل بالإتيان كما جاءت الكناية عن الفعل بالقرب في قوله تعالى الانعام 151 «ولا تقربوا الفواحش» وفي سورة الاسراء 32 «ولا تقربوا الزنا» والإتيان والقرب على معانيها الحقيقية والغرض منها الفعل ونحوه بالمعنى الكنائي فهي مثل قوله تعالى في سورتي الاعراف 79 والنمل 45 « أتأتون الفاحشة» وفي سورة العنكبوت 28 «انكم لتأتون الفاحشة 29 وتأتون في ناديكم المنكر» وقد التفت الرازي في تفسيره الى دلالة هذه الكنايات على ان فاعل الفاحشة هو الذي فعلها بارادته وذهب اليها من عند نفسه واتاها بقصده . واختارها بمجرد طبعه. اي غير مجبور على ذلك بوجه من الوجوه التي يلتجأ فيها الى فرض الكسب. ولكنه قال لا يتم ذلك إلا على قول المعتزلة. ويا ليته اصاب المرمى فقال وهذا مما يدل على قول المعتزلة في عدم الجبر والفاحشة اسم للفعل القبيح والمراد منه في الآية بحسب المعهود ومناسبة المقام هو الزنا، وحكي
ص: 55
مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةٌ مِنكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا
........................................................
عن ابي مسلم الاصفهاني من الجمهور وحكاه الرازي ايضا عن مجاهد ان الفاحشة هنا هي مساحقة النساء وفي قوله تعالى « واللذان يأتيانها منكم» هو اللواط. وذكر الرازي وجوه رده والدفع عنه بلا تصريح منه بترجيحه ورجحه صاحب المنار وحكى الترجيح عن استاذه بمالا يخرج عما ذكره الرازي وأيده الاردبيلي في زبدة البيان بنحو ذلك . والكل تخرص سقيم لا يجدى . فقد روي من عدا البخاري من اصحاب الجوامع الست وذكر في الدر المنثور من غيرهم اثنى عشر ممن اخرجه من كبار المحدثين عن عبادة ابن الصامت في حديث ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم اوحي اليه ولما سرى عنه الوحي قال صلی الله علیه و آله و سلّم خذوا عني قد جعل الله لهن سيلا الشيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة . واخرج احمد سلمة ابن المحيق عن رسول الله نحو ذلك . وروى في الكافي بسنده عن الباقر علیه السّلام ما ملخصه ان كل سورة النور نزلت بعد سورة النساء قال الله تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة إلى قوله تعالى سبيلا فالسبيل الذي قال الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة . وفي تفسير البرهان عن العياشي عن جابر عن الباقر جعل السبيل الرجم أو الجلد. ورواه الجزائري في القلائد عن العياشي عن ابي بصير عن الصادق علیه السّلام و في مجمع البيان ان النسخ اي بآية النور وهو المروى عن ابي جعفر وابي عبد الله . وفي الوسائل في رسالة المحكم والمتشابه للمرتضي نقلا من تفسير النعماني باسناده عن اسماعيل بن جابر عن الصادق علیه السّلام عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث ذكر فيه احكام هذه الآية إلى ان قال فلما قوي الإسلام انزل الله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة فنسخت هذه الآية الحبس والأذى الحديث وأما القول بأن السبيل هو التزويج والاستغناء بالحلال فقد قال في التبيان انه باطل بالاجماع (من نسائكم) أي من نساء المؤمنين وإن كان الحكم عاما وذلك لأن المؤمنين حينئذ هم الذين يتلقون احكام الشريعة بالاجراء فحسن لذلك خطابهم بالحكم العام . ودعوى ان المراد نساء الازواج يبطلها ما ذكرنا روايته من الفريقين من حكم غير المحصنة في الجلد (فاستشهدوا عليهن اربعة) من الرجال ( منكم) أي من المسلمين وذلك لأجل اجراء الحكم عليهن اي اطلبوا شهادتهم والظاهر انها على غط الدعاوي في اقامتها عند الحاكم (فإن شهدوا) وثبت الأمر
ص: 56
النساء : 16 واللذان يأتيانها منكم : 17 إنما التوبة
فأَمَسكُوهُنَّ في البيوتِ حتى يتوَفَاهُنَّ المَوْتُ أَو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * (16) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِها مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِياً (17) إِنَّمَا التَّوْبَةَ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السوء بِجَهَالَةٍ
........................................................
(فأمسكوهن) حبسا (في البيوت حتى يتوفاهن) أي بأخذهن ويستوفيهن (الموت) وقد تكلف في الكشاف وتبعه الرازي إذ قدرا حتى يميتهن ملائكة الموت . وقد قدمنا الكلام في معنى التوفي في الجزء الأول ص 33 - 37 (أو يجعل الله) ويشرع (لهن سبيلا) من غير شريعة الحبس مما هو مؤدب ومقاوم لمادة فساد الزنا. وقد جرى الأمر في كلتا الشريعتين على حكمة التشريع من حيث المسايرة في أول الأمر مع الناس فيما يألفونه في مقام المحافظة على ناموس العفة وان كان غير واف بالمصلحة المطلوبة في هذا المقام حتى إذا استحكم أمر م الدين وساد الخضوع للشريعة شرع الحكم الموافق للمصلحة العامة ونظام الاجتماع كما نطقت به رواية النعماني وإشارت اليه الغاية في الآية الكريمة . هذا في مقام صون المرأة عن معاودة الزنا وأما ما يعود إلى مقام الردع والتأديب في أول التشريع فهو ما قاله جل شأنه (16 واللذان) أي الزاني والزانية ( يأتيانها) أي فاحشة الزنا (منكم) باعتبار تلقي المسلمين لأحكام الشريعة حينئذ وان كان عاما أو لعلم الله بأن هذه الشريعة قبل نسخها لا يتيسر للمسلمين اجرائها على غيرهم (فآذوهما) بما يعتاد بينكم نوعا من الإيذاء في مقام الردع عن الزنا من التوبيخ والضرب ونحو ذلك (فان تابا واصلحا) أعمالها ليكون ذلك إمارة على التوبة الحقيقية (فأعرضوا عنها) من حيث الإيذاء . ولا يتقيد الاعراض بتوبتهما معاً . بل يعرض عن الإيذاء لمن عرفت توبته منهما باصلاح عمله . كما تقتضيه حكمة التوبة (إن الله كان) من الأزل وإلى الأبد (توابا) على التائبين (رحيما) بعباده لا يريد إلا صلاحم . ولكن لا يغتر المغترون باسم التوبة الجارية على حكمة الرحمة والاصلاح والاستصلاح بل التوبة حقيقة هي التي تجري عليها رحمة الله وحكمته . فما كل من قال تبت تاب الله عليه كما كتب بلطفه وغناه على نفسه الرحمة بل(17 إنما التوبة على الله) بمقتضى رحمته ولطفه وحكمته (الذين يعملون السوء بجهالة) منهم. وذكرت الجهالة للتوضيح والتوبيخ فان كل عمل للسوء إنما يكون بجهالة وعمى ولو أبصر الانسان وجه رشده وعرف ببصيرته ما فيه صلاحه لما عمل السوء ولما استولت عليه النفس الأمارة وغوابة
ص: 57
أوليست التوبة : 18 يا أيها الذين آمنوا
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ الله عَليهِم وَ كانَ الله عَليماً حكيماً * (18) وليسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إني تبت الآن ولا الذين يموتُونَ وَهُمْ كَفَارُ أُولئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِياً * (19) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهَا
........................................................
ابليس بفلتات الشهوة والغضب والتعقيب الذميم وسوء الأخلاق وحب العاجل والتغاضي عن وباله اعاذنا الله من ذلك واعاننا على انفسنا بلطفه وتوفيقه (ثم يتوبون من) عهد (قريب) بالنسبة إلى ما كانوا يرونه بعيدا من حضور آجالهم وانقطاع آمالهم من زهرة الحياة الدنيا وحينما تموت شهواتهم وتسقط دواعي المعصية كما قال بعضهم لما سئل عن الزنا عند ضعفه بالهرم «تركني وما تركته» بل التوبة انما هي في الحال التي يراغمون بها نزعات النفس الأمارة . وغواية ابليس وينسبون إلى الله اقلاعا عن المعصية وندما على ما فرطوا فيه ورغبة في الأعمال الصالحة في حالهم ومستقبلهم وطلبا لكمالهم واندماجهم في زمرة عباد الله الصالحين بنزوعهم إلى حقيقة التوبة وشوقهم إلى رضاء الله عنهم ، وعفوه عما سلف منهم مما عرفوا قبحه وندموا على ارتكابه . فما كل مظهر للتوبة ثائب ولا كل تارك للقبيح نادم . بل كما قيل :
إذا انبجست دموع من عيون *** تبين من بكى ممن تباكى
أوليس من حقيقة النوبة ان يخرج النائب جهد مقدوره مما لزمه في معاصيه السابقة من حقوق الناس وحقوق الله ويستشعر قلبه النوبة والندم (فأولئك يتوب الله عليهم) لأنهم تابوا على حقيقة التوبة ( وكان الله) منذ الأزل ، ولا يزال (عليها) بمن تاب حق التوبة ومن تظاهر بصورتها المموهة (حكيما) في دعوته إلى التوبة ووعده بأن يتوب على من أناب اليه وهو ارحم الراحمين (18 وليست التوبة) التي قد اعدتها الحكمة في الاصلاح والرحمة (للذين يعملون السيئات) مصرين عليها بجرأتهم على الله ومتمادين في غيهم (حتى إذا حضر احدهم الموت) وانقطعت عنه دواعي الهوى والضلال (قال اني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أو لئك اعتدنا لهم) بما عصوا (عذابا أليما 19يا أيها الذين آمنوا) بالله ورسوله ودانوا باتباع شريعة الله (لا يحل لكم ان ترثوا النساء) وتعدو من ارثا لكم كما ترثون الأموال وتتسلطون عليهن بدعوى انتقال حق الزوجية اليكم بالوراثة ( كرها) بفتح الكاف اكراها لهن بدون
ص: 58
وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بعض ما آتَيْتُمُوهُنَّ
........................................................
تزوج جدید برضاهن . «وكرها» نائب عن المفعول المطلق المستفاد من «ترثوا» بمعنى التسلط عليهم بزعم الأورث كرها. في تفسير القمي من رواية ابي الجارود عن الباقر علیه السّلام كان في قبائل العرب اذا مات حميم الرجل وله امرأة القى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان اصدقها يرث نكاحها كما يرث ماله وأن الآية نزلت في هذا الشأن. وفي الدر المنثور مما اخرجه البخاري وغيره من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه وزاد ان شاء بعضهم تزوجها وان شاؤوا زوجوها وان شاؤا لم يزوجوها فهم احق بها من اهلها انتهى وهذه الزيادة لا تنطبق على الآية فان هذا المعنى لم يكن للزوج ولا يورث منه وان كان ذلك للاهل في بدع الجاهلية ومما اخرجه ابو داود من طريق عكرمة ايضا عن ابن عباس كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت او تؤدي اليه صداقها انتهى وفي اقتصار الرواية على العضل مخالفة لجميع الروايات وخروج مغزى الآية . ومما اخرجه ابن جرير وابن ابي حاتم من طريق علي من ابن عباس ايضا كان الرجل اذا مات وترك جارية القى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فان كانت جميلة تزوجها وان كانت ذميمة حبسها حتى تموت فيرتها وهي قوله ولا تعضلوهن الآية وقال يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها اتفتدي انتهى وفي هذه الرواية من التدافع ما لا يخفى . فالروايات عن ابن عباس مع كونها متعارضة بعيدة المجرى على سياق الآية الكريمة خصوصاً اذا ضممناها الى سائر ما رواه في الدر المنثور هنا (ولا تعضلوهن) اي لا تعضلوا نسائكم لا الموروثات كرها وذلك لعدم المناسبة فيما يأتي من احكام الآية للموروثات وكذا قوله تعالى (لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن) من الصداق فإن وارث النكاح بتشريع الجاهلية لم يوتها شيئا . والقرآن الكريم في مقام نهيه وكرامة حكمته لا يسمي ايتاء اقربائهم للصداف ايتاء منهم فيثير منهم غبار المغالطات في بدعتهم . ولو تنزلنا فماذا يقال في قوله تعالى «وعاشروهن بالمعروف» فهل يأمر الله بمعاشرة موروثة النكاح ببدعة الجاهلية . وعضل المرأة هنا حبس الزوج لها على نكاحه ، والتضييق عليها عند كراهته لها لتفتدي منه ببعض ما اتاها من الصداق ، ليطلقها . وقد بقي عند الأوباش بقية من هذه العادة الوخيمة فنهى الله تعالى عن هذا الظلم . نعم إذا كانت الكراهة منها لا من الزوج جاز
ص: 59
إلا أنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيراً كثيراً * (20) وَإِنْ أَرَدْتُم استبدَالَ زَوْجٍ شَيْئًا مكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُم إِحدَاهُنَّ فِيطَارًا
........................................................
ان يقبل الزوج منها الفداء من دون عضل كما مر في الخلع في الجزء الاول ص 206 ، واما هنا فقد استثنى من حرمة العضل واخذ شيء منهن بقوله تعالى (الا أن يأتين بفاحشة مبينة) نكسر الياء المثناة اي موضحة لفحشائها وفي تفسير البرهان عن الشيباني ان الفاحشة هي الزنا وهو المروي عن أبي جعفر علیه السّلام و في مختصر التبيان والاولى حملها على كل معصية وفي مجمع البيان وهو المروي عن ابي جعفر علیه السّلام اقول ولم اعثر على شيء من الروايتين لكن صدق الفاحشة على الزنا هو المتيقن في المقام ومن المعاصي ما لا يسمى فاحشة والاطلاق انما يجري مع صدق اسمها وشمولها لمحض النشوز بعيد او للمساحقة والتهتك في التبرج وقول الفحش قريب في المقاهر . والمرجع في موارد الشك هو عموم هذا النهي عن العضل وهذا الاخذلان الشبهة في الخاص مفهومية (وعاشروهن) اي غير من استثني عضلها من الزوجات (بالمعروف) وهو معروف (فان كرهتموهن) لبعض الامور من خلقتهن وغير ذلك فحاسبوا انفسكم في هذه الكراهة فربما تزول اذا جوزتم ان يكون في هذه المرأة خير يعون عنده ما كرهتموهن لأجله بأن يجعل الله فيها الخير ويبارك في نسلها ويبارك لكم بسببها (فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) يرغب فيه ويرغب في ذلك الشيء لأجل رجائه فيه . فامسكوا من جماح نفوسكم في الكراهة وروضوها على الاخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة مع المؤمنات وتفكروا في عواقب الامور فكم شوهد من مبغوضات النساء من صار منهن النسل الطيب النافع ومن كانت هي المواسية والنافعة عند الشدائد والمرض والشيخوخة نفعا لا يوازيه شيء من احسان الرجل في الرفاهية وكم وكم ينعكس الأمر في المحبوبات - وهناك ايضا مورد يدعو الانسان لأن يحمل زوجته بانواع الوسائل على ان ترد عليه شيئا مما اعطاها من المهر. وذلك اذا اراد ان يطلقها ليستبدل بها زوجة أخرى فقال جل شأنه في الزجر عن ذلك والتوبيخ عليه (20 وان اردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احداهن قنطارا) مبالغة في كثرة ما يعطى على خلاف العادة لأجل التأكيد في الزجر لئلا يقال بقي عندها الشيء
ص: 60
فلا تَأْخُذُوا مِنه شيئًا أ تأخُذُونَهُ بهتانا وإنما مبينا (21) وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقدْ أَفضَى بعضُكُم إلى بعض وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِيثَاقا غليظا (22) وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ
........................................................
الكثير مما اعطيتها من مالي صداقا . وقد مر تفسير القنطار في الجزء الأول ص 262 (فلا تأخذوامنه شيئا أتأخذونه) انكار على اخذهم لذلك الشيء من المهر او يدله (بهتانا) الذي رأيته في التفاسير هو تفسير البهتان بالكذب الذي يواجه به على سبيل المكابرة . وتكلفوا في تفسير الآية حتى ان الرازي قال وروي ان الرجل منهم اذا مال الى التزوج بامرأة أخرى رمى امرأته بالفاحشة بهتانا حتى يلجئها الى الافتداء منه فجعل من ذلك تفسير الآية وتبعه على ذلك ابو السعود وصاحب المنار في تفسيره لكني لم اجد اثرا لما اعتمدوا عليه من الحكاية . وايسر المتكلفين تكلفا من قال اي ظلما كالظلم بالبهتان او بطلانا كبطلان البهتان وقال بعضهم مباهتين وآثمين ولكنهم غفلوا مع التكاف عن ان وصف الإثم بالمبين يأبى ما ذكروه من قولهم آثمين لكن في التبيان ومجمع البيان والكشاف ولسان العرب وعن أبي اسحاق وفي النهاية والمصباح ان البهتان مأخوذ من البهت وهو التحير وأن اصله ذلك وقال بعض من ذكرناهم ان الألف والنون زائدتان وعليه تكون تسمية الكذب بالمواجهة والمكابرة بهتانا لأجل تحييره اذن فالأولى في التفسير ان يكون المعنى أتأخذونه تجييرا للمرأة لانها لا تسمح في هذا المقام الا لحيرتها في امرها مع هذا الزوج (وإثما مبينا) وموضحا لكونه آثما فيكون من نحو قتله ظلما وعدوانا مبينا لعدوانيته . وبذلك تعرف الخطأ ممن فسر بقوله مباهتين وآثمين (21 وكيف تأخذونه) وهو مهر بازاء الزوجية والدخول (و) الحال (قد أفضى بعضكم الى بعض)، يقال افضى اليه بسره وفي القاموس افضى الى الارض بيده اذا مسها في سجوده . والمحصل من موارد الاستعمال ان الافضاء هو الاتصال بركون ونحو ملابسته وهو كناية عن الحالات التي تكون بين الزوجين من حيث ارتباط الزوجية وتمتعها ورفع الحشمة. والآية جارية على الغالب من الدخول فلا تنافي ثبوت المهر كله بمجرد الخلوة لو ثبت من السنة ذلك وهذه الآية لا دخل لها بآية الخام التي مرت في سورة البقرة لأن الكراهة في الخلع من المرأة ومورد هذه الآية ارادة الزوج للاستبدال وتحيره للمرأة فدعوى نسخ احدهما للاخر من الوهم (واخذن منكم ميثاقا غليظا) بعقد الزواج على السنة واحكام الشريعة في استحقاق المهر والمعاشرة بالمعروف وغير ذلك (22 ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم)، وان علو امن ناحية الاب
ص: 61
مِنَ النِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ
........................................................
او الأم لصدق اسم الأب ومنه قوله تعالى في سورة الاعراف 26 « كما اخرج أبويكم من الجنة» وفي سورتي الصافات 16 والواقعة 47 «وآبائنا الأولون» وشواهده في الشعر والنثر كثيرة . وإنما خص في المواريث بالاب الادنى لمقام التثنية مع الأم في قوله تعالى «ولأبويه» ولو اريد ما يشمل الجد لقبل «ولآباته» اذ يمكن ان يجتمع له بهذا المعنى آباء وأمهات متعددون في طبقة واحدة كجديه وجدتيه من ناحيتي أبيه وأمه ويزيد عددهم في الطبقة الأخرى وعلى ذلك يبنني الاجماع في المواريث على الاختصاص بالأب الادنى . والنكاح على المشهور المعروف وهو علقة الزواج ويقال ايضا على سببها وهو العقد المبيح للوط، دخل العاقد او لم يدخل وعلى ذلك اتفاق المسلمين في المسألة كما ورد عليه من الحديث صحيحة الكافي عن الباقر علیه السّلام في شأن الكندية والعامرية اللتين تزوجها رسول الله وطلقها قبل الدخول . وفي الدر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية يقول كل امرأة تزوجها أبوك دخل بها او لم يدخل فهي عليك حرام . ويكون التحريم لموطوءة الأب بملك اليمين مستفاداً مما يدل عليه من السنة والاجماع . والظاهر ان «ما » موصولة كناية عن القسم او النوع ان لا تنكحوا مصاديق هذا القسم من النساء مثل قوله تعالى «او ما ملكت ايمانكم. او ما ملكت ايمانهم . واحل لكم ما وراء ذلكم» (الا ما قد سلف) وقد ذكر لهذا الاستثناء وجوه اوجهها واظهرها انه لما كان النهي لا يتناول الا العلقة المتجددة في المستقبل فيقضي بفسادها وفساد سببها ولا يتناول العلقة الموجودة بسببها الكائن قبل النهي اراد الله ان يبين ان هذه العلقة في الفساد والمبغوضية كالعلفة المنهي عنها في المستقبل فلا ينبغي ان يكون لها وجود الا ما قد سلف من موضوعه من النساء في الجاهلية أو علقة النكاح ومضى بموت او طلاق . وذلك بان تكون «الا» صفة للموصول او لعلقة النكاح المدلول عليها بالنهي او استثنائية محصل مفادها هو انه لا اعتبار لهذه العلقة في النسب وآثار الزوجية الا فيما مضى وسلف بالاعتبار الجاهلي لأن لكل قوم نكاحاً يجعلونه فيا عندهم قسيما للزنا ويرتب الشارع اثاره على تناسله لكن هذا النكاح (انه كان) من حينه وفيما سلف عند الله ( فاحشة ومقتا) مبالغة في كونه ممقوتا مثل قوله تعالى في سورة البقرة 214 «كتب عليكم القتال وهو كره لكم» (وساء)
ص: 62
سَبیلاً * (23) «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
........................................................
فيما مضى (سبيلا) اي سبيل الذين اتخذوه به نكاحا في تشريعهم . وربما كان هذا الذي ذكرناه هو المراد للسيد الرضي فيها اختاره في حقائق التأويل (1)(23 حرمت عليكم امهاتكم) من المعلوم من سياق القرآن الكريم ان التحريم إنما هو من حيث النكاح والتمتع بالنساء من وط، ونحوه مضافا الى ان تعلق التحريم بكل موضوع ينظر الى الأثر المطلوب منه وهو في النساء ما ذكرناه وهذا ظاهر . والأم كل انثى ولدتك ولو بوسائط وعلى ذلك اجماع المسلمين وقد ذكرنا وجه اختصاص الأب والأم في المواريث بالقريبين (وبناتكم) وان نزلن لشمول البنت لذلك. وقد كثر في الحديث في شأن النساء «بنات آدم وبنات حواء» والاجماع على ذلك ايضا . ولو علم ان البنت المولودة من الزنا هي بنت الرجل الخاص حرمت عليه لصدق البنت وعموم الآية . وينسب الى الشافعي واصحابه انها لا تحرم تشبثا بقول النبي صلی الله علیه و آله و سلّم «الولد للفراش والماهر الحجر» وان ولد الزنا لا يرث كما ذكره ابن الروزبهان الشافعي في رده لنهج الحق للعلامة الحلي . ولكنه تشبث في غير محله لأنه ان كان بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم الولد للفراش فهو ظاهر المنع لان هذه الجملة مسوقة لمورد الشك جعل الحكم للفراش الذي هو امارة على التولد من صاحب الفراش ومحل الكلام فيما هو معلوم الولادة من الزاني فلا يدخل في حكم هذه الامارة كما لا يدخل فيه ما يمتنع بحسب العادة ان يكون للفراش وان كان بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم وللعاهر الحجر يعنى ان العاهر لا يلحق به ولد العهر قلنا ان غاية ما يفهم منه انما هو النفي لما يعود للمنتسبين من فوائد النسب الشرعية لا نفي الحقيقة المعلومة ولا جميع الآثار فان الام عاهر ويحرم عليها ولدها من الزنا باجماع المسلمين . وفي التذكرة في تحريم البنت المذكورة قال عند علمائنا اجمع كما يحكى نقل الاجماع عن الايضاح وغيره (واخواتكم) من الأبوين او من احدهما (وعماتكم) وان علون بان كن عمات الأب أو الأم او احد الاجداد او أحدث الجدات . والعمة كل
ص: 63
وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
........................................................
اخت لرجل تنتسب اليه بالولادة منه (وخالاتكم) وان علون . والخالة كل أخت لأنثى تنتسب اليها بالولادة منها (وبنات الاخ) وان نزلن سواء كان اخا من الابوين او من احدهما (وبنات الاخت) كذلك ( وامهاتكم اللاتي ارضعنكم) اي من تسمونهن بالأمهات من حيث انهن ارضعنكم كما كان متداولا عند العرب . فالآية اناطت التحريم بعنوان الأم والتسمية بذلك من جهة الرضاعة فقوله تعالى «اللاتي ارضعنكم» صفة تابعة مبينة لجهة التسمية بالأم. وفائدتها في الكلام موقوفة على صدق عنوان الام ويدور الاطلاق وشمول الحكم مدار التسمية وتحقق عنوان الأم اذن فلا وقع للتشبث للاطلاق وعموم التسمية بكفاية الرضعة والرضعتين وعلى هذا جري رد الفخر الرازي في تفسيره لأبي بكر الرازي في تشبثه باطلاق الرضاع في «ارضعنكم» التحريم بمسمى الرضاع : ففي جامع ابي داود بسنده عن ابن مسعود عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لا رضاع الا ماشد العظم وانبت اللحم وفي سند آخر أنشز العظم اي اعلاه بالنمو واستفاضت رواية ذلك من طرق الشيعة واكثرها عن الباقر علیه السّلام والصادق والكاظم علیهما السّلام كما احصاه في الوسائل في اوائل ابواب الرضاع . ومن هذا الباب ما رواه احمد والبخاري ومسلم وابو داود والنسائي عن عائشة ان رسول الله رأى عندها رجلا فغضب فقالت له انه اخي من الرضاعة فقال صلی الله علیه و آله و سلّم انظرن من اخوانكن فانما الرضاعة من المجاعة. وفي رواية مسلم انظرن من اخوتكن من الرضاعة فانما الرضاعة من المجاعة . انتهى وهو ظاهر في انه ينبغي ان ينظرن من تحقق له بكثرة الرضاع عنوان الاخوة بحسب متعارف الناس لا بمجرد الرضاع الذي يكون من مجاعة الطفل واسعاف المرضعة باشباعه اتفاقا . ونحوه ما رواه الترمذي وصححه عن ام سلمة عنه صلی الله علیه و آله و سلّم لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء في الثدي وكان قبل الفطام. وكذا ما رواه ابن حبان عن ابن الزبير عنه صلی الله علیه و آله و سلّم واخرج احمد ومسلم والاربعة عن عائشة . والنسائي وابن ماجه عن الزبير عنه صلی الله علیه و آله و سلّم لا تحرم المصة ولا المصتان . واخرج احمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن ام الفضل عنه صلی الله علیه و آله و سلّم لا تحرم الاملاجة ولا الأملاجتان وفي كنز العمال ومختصره عن الطبراني بسنده عن المغيرة عنه صلی الله علیه و آله و سلّم لا تحرم الفيقة. وعن ابن أبي شيبة وجامع عبدالرزاق عن المغيرة عنه صلی الله علیه و آله و سلّم قال لا تحرم الفيقة قيل وما الفيقة قال المرأة تلد فيحصر لبنها فترضعه طفل جارتها المرة والمرتين - نعم قد تخفى أول مرتبة يتحقق بها صدق اسم الام والاخت
ص: 64
وأَخَوَانُكُمْ مِن الرَّضَاعَةِ
........................................................
مثلا بانبات اللحم وشدة العظم فجعل لذلك في الشريعة امارة تحدده والمعروف عند الامامية انه رضاع يوم وليلة من امرأة واحدة أو خمسة عشر تأمة لا يفصل بينها برضاع من امرأة اخرى ويشترط ان يكون هذا الرضاع في الحولين كما تقدم من رواية الترمذي عن ام سلمة عنه صلی الله علیه و آله و سلّم وعن ابن عدي والدارقطني والبيهقي بأسانيدهم عن ابن عباس عنه صلی الله علیه و آله و سلّم لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين وعن ابن عساكر عن علي علیه السّلام عنه صلی الله علیه و آله و سلّم لارضاع بعد فطام ورواه في الكافي والفقيه والأمالي في الصحيح عن الصادق علیه السّلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وذكر في الوسائل في الباب الخامس من الرضاع بقية الاحاديث في ذلك . والظاهر انه لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من عائشة، واشترط الإمامية ان يكون اللبن الفحل واحد وعليه اجماعهم وحديثهم (واخواتكم من الرضاعة) والاعتماد على اطلاقه يتوقف ايضا على تحقق عنوان الاخوة عند العرف والرجوع إلى الإمارات المجمولة بالشروط المذكورة. ومما تحصل به الاخوة ما إذا ارتضع كل من الرضيعين بالمقدار المؤثر في التحريم من امرأة وكانا المرأتين لرجل واحد كما عليه اجماع الإمامية وحديثهم وعليه رواية ابن عباس كما في كنز العمال ومختصره عن جامع عبد الرزاق سئل عن الرجل تزوج امرأتين فارضعت الواحدة جارية والاخرى غلاما هل يتزوج الغلام الجارية قال لا تحل له اللقاح واحد . ويشترط عند الامامية ان يكون اللبن عن ولادة من نكاح صحيح وعليه اجتماعهم وحديثهم وعليه ينزل اطلاق الآية ولعلها منصرفة عن غيره هذا وقد تكفلت السنة الشريفة بتكملة بيان القرآن او التصريح بما لوح اليه في الآية بالإشارة بعنواني الام والاخوات في زمرة المناوين المحرمة في النسب كما في قوله صلی الله علیه و آله و سلّم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . كما رواه الفقيه في الصحيح عن الباقر عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وفي التهذيب في الصحيح عن الصادق عنه صلی الله علیه و آله و سلّم. واخرجه الترمذي عن علي عنه صلی الله علیه و آله و سلّم واخرج نحوه احمد واصحاب الجوامع الست عن عائشة عنه صلی الله علیه و آله و سلّم واحمد ومسلم والنسائي و ابن ماجة عن ابن عباس عنه صلی الله علیه و آله و سلّم - فكل عنوان يحصل بسبب الرضاع وهو محرم في النسب يكون محرما سواء كان بسيطا كعنواني الأم والاخت او مركبا بالإضافة كعنوان بنات الاخ ونحوه من العناوين المذكورة في المحرمات في الآية . ولا فرق بين ان يكون كلا عنواني
ص: 65
وأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
........................................................
المضاف والمضاف اليه من الرضاعة كالبنت الرضاعية للأخ الرضاعي او كان احد العنوانين كما رواه الفريقان في امتناع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم من تزوج ابنة حمزة النسبية لأن حمزة كان اخاه من الرضاعة . وبسط الكلام في هذا المقام موكول إلى كتب الفقه ( وأمهات نسائكم) سواء دخل بها ام لم يدخل لإطلاق النساء . وعلى ذلك اجماع الإمامية ولا يضر فيه ما يحكى من خلاف ابن ابي عقيل . وقد استفاض من موثقة غياث بن ابراهيم ومعتبرة اسحق ابن عمار عن الصادق عن الباقر عليهما السلام ورواية العياشي عن ابي حمزة عن الباقر وصحيحة منصور بن حازم ان عليا امير المؤمنين علیه السّلام منع التزوج بام الزوجة وان لم يدخل بها ورد على ابن مسعود في فتياه في الجوار واحتج عليه بالاطلاق بقوله عليه السّلام «إن هذه مستثناة» يعني مسألة الربائب «وهذه مرسلة» يعني مسألة امهات النساء وقالعلیه السّلام في معتبرة اسحق «وهذه مبهمة فحرموا وابهموا ما ابهم الله» ونحوه في رواية ابي حمزة . وبذلك يسقط ما رواه في كنز العمال ومختصره عن علي علیه السّلام مما يوهم ظاهره خلاف ذلك وكذا ما ذكر ابن رشد في بدايته انه مروي عن على وابن عباس من طرق ضعيفة . هذا والذي قال بمساواة ام الزوجة للربية يذكر عنه في تشبثه وجهان - الاول - ان قوله تعالى من نسائكم اللاتي دخلتم بهن إلى آخره راجع إلى قوله تعالى وامهات نسائكم وقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم انتهى . وهذا الوجه باطل لأن رجوعه إلى امهات نسائكم يقتضى أن تكون «من» فيه للتبين . ورجوعه إلى الربائب يقتضي ان تكون فيه للابتداء ولا يصح ان يستعمل اللفظ الواحد في كل واحد من المعنيين المختلفين كما اعترف به في الكشاف وتبعه عليه الفخر الرازي في تفسيره . واما التصحيح لذلك يجعل «من» للاتصال كما في قوله تعالى المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض . وقولهم لست منك و است مني . وما انا من دد ولا دد مني . فإنما هو خيال فاسد ينتج بعمومه امرا فاسدا . لانه لا بد من أن يراد من الاتصال المزعوم معناه العام الذي يشمل بعمومه اتصال الأم واتصال الربيبة فيصدق التحريم حينئذ على أم الزوجة التي لم يدخل بها إذا كانت متصلة بأي زوجة مدخول بها وان كانت اختها المطلقة او بنت عمها مثلا. وهم لا يرضون بذلك ويصدق التحريم ايضا على الربيبة التي لم يدخل بأمها إذا كانت متصلة
ص: 66
وَرَبَائِبُكُمُ
........................................................
باي زوجة مدخول بها وان كانت اختها المطلقة او بنت عمها مثلا وهو مخالف لا جماع المسلمين. اذن فايراد هذا القيد العام الذي لا يراد عمومه لا يكون في مقام التحديد والتقييد الا من المعاياة والقصور في التعبير و حاشا شأن القرآن الكريم من ذلك فلا مناص في مستقيم الكلام عن كونه قيدا للربائب - الوجه الثاني - ان يكون قوله تعالى «اللاتي دخلتم بهن» صفة واحدة لموصوفين وهما « نسائكم» من قوله تعالى امهات نسائكم و «نسائكم» من قوله تعالى من نسائكم - ويرده ما في مجمع البيان عن الزجاج من ان الجرين اذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا لا يجوز النحويون مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على ان تكون لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء . اقول ونحوه ما عن سيبويه من اعتباره اتحاد وجه الجر في الموصوفين . ويعرف هذا كله مما نبه عليه الشيخ الرضي في شرح الكافية في بحث الصفة من ان سيبويه سيبويه والخليل وجمهور النحويين يشترطون في جمع الموصوفين بصفة واحدة كونهما يشتر كان في اسم واحد خاص كالفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر والمضاف اليه فلا تقول مثلا هذا رجل وفي الدار آخر كريمان لأن الأول مبتدأ والثاني خبر ولم ينقل الخلاف إلا عن الاخفش والجرمي ، بل زاد الزجاج والمبرد وكثير من المتأخرين على الجمهور فاعتبروا كون العاملين بالموصوفين بمعنى واحد نحو جلس اخوك وقعد ابوك الكريمان. فلا يكفي مجرد كون الموصوفين يشتركان في تسميتهما بالفاعل . اذن فلا يجوز بحكم جمهور النحويين والذوق المستقيم ومجد القرآن الكريم في اسلوبه ان تكون «اللائي» في الآية صفة لنسائكم في كلا قوليه تعالى امهات نسائكم. ومن نسائكم . فإن الأولى مضاف اليه والثانية مجرورة بكلمة من » فلم يشتر كافي اسم واحد ولم يتحد وجه الجر. ودع عنك ما زاده المبرد والزجاج والكثير من المتأخرين . ولعل الكشاف لم يتعرض لهذا الوجه لوضوح ما ذكرناه في علم النحو «تكملة» الظاهر اجماع المسلمين على ان الموطوءة بالملك يحرم وطء امها وبنتها على الواطئ حتى بالملك نعم لا يمنع ذلك من مجرد تملكها . وعلى ذلك من طريق الإمامية احاديث كثيرة احصاها في الوسائل في الحادي والعشرين من ابواب ما يحرم بالمصاهرة (وربائبكم) جمع ربيبة من التربية وهي بنت الزوجة من غير الزوج وسميت بذلك لانها في الغالب معرض
ص: 67
التي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ الَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
........................................................
لتربية الزوج لها في كفالته. كما يروى في الحديث لا صدقة في الابل القتوبة اي المعدة لشد القتب عليها وهي الابل العوامل. وأبغني ناقة حلبانة ركبانة اي معدة للحلب والركوب صالحة فيهما ومعرضا لهما (1)(اللاتي) صفة للربائب (في حجوركم) الظاهر ان الجار والمجرور صلة للموصول اي متعلقان يكون عام . والحجور جمع حجر بفتح الحاء وكسرها و هو في الاصل حضن الانسان . وقولهم اي في تربيته او كنفه او حمايته تفسير بالمعنى المجازي او المكني عنه (من نسائكم) سواء كن منهن ابتداء او بواسطة الولادة منهن . وما ادخال المزني بها في قوله تعالى «من نسائكم» الا من الخبط ( اللاتي) صفة للنساء اللاتي منهن الربائب كما قدمناه (دخلتم بهن) الجملة صلة للموصول . والدخول بهن يتحقق بالوطء بعد العقد . وفي مختصر التبيان وقبل . الجماع وكذا ما يجري مجراه من المسيس والتجريد وهو مذهبنا والظاهر ارادة ما كان بشهوة كما صرح به في المبسوط وقال وهو الصحيح وعليه اكثر اهل العلم . وعن الخلاف استدل عليه باجماع الامامية وبالاخبار وما روي من طريق الجمهور من قول الرسول صلى الله عليه وآله من كشف قناع امرأة حرم عليه امها وبنتها . وربما يقال ان ذلك هو المعنى المكني عنه بالدخول بهن فإن الغالب على من يريد التلذذ بزوجته ان يدخل بها مخدعا او بينا كما يقال بنى بها وبني عليها . نعم الوطء هو القدر المتيقن من المعنى المكني عنه ويشهد للعموم ويدل عليه صحيحة الكافي والتهذيبين عن محمد بن مسلم عن احدهما علیه السّلام في رجل تزوج امرأة فنظر الى رأسها والى بعض جسدها أيتزوج ابنتها قال علیه السّلام لا اذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له ان يتزوج ابنتها وصحيحة التهذيبين عن محمد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام كما رواها في الكافي والتهذيبين في معتبرة ابي الربيع عن الصادق علیه السّلام ولا تعارضها صحيحة العيص عن الصادق علیه السّلام لأن السؤال فيها عن رجل باشر امرأة وقبل ولم يفض اليها ثم تزوج ابنتها فقال علیه السّلام اذا لم يكن افضى الى الأم فلا باس انتهى وذلك لجواز ورودها سؤالا وجوابا في الاجنبية
ص: 68
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
........................................................
والمباشرة والتقبيل المحرَّمين لا الزوجة كما اوردها العلامة في التذكرة في هذا المعنى = وهناك فروع أخر مأخذها من السنة فهي موكولة الى كتب الفقه = ولا يخفى ان القسم الغالب من بنات الزوجات من يكون اختلاطهن مع ازواج الامهات كاختلاط البنات مع آبائهن مع ان محرميتهن لم يتقرر احترامها في النفوس كمحرمية البنات فالحكمة التي اقتضت تشريع محر ميتهن اقتضت ايضا ان يقرن ذلك بما ينبه النفوس على جهة المحرمية ويثبتها على احترامها والاشمئزاز من طموح النظر اليهن ببوادر الشهوة والميل الى النكاح فلأجل ذلك ذكرت الصفة الغالبة التي تمثل بنت الزوجة بمثال البنت وهي التربية في الحجر كتربية البنات وان كانت الحكمة في تثبيت ذلك تقتضي طرد الحكم في مطلق المدخول بامها لتثبيت علقة المحرمية على حكمتها من اول الدخول وعلقة الاختلاط . ولذا بعد ذكر المنفر ومثبت علقة المحرمية جعل القرآن هذا الحكم دائراً مدار الدخول ويكفي في ذلك قوله تعالى (اللاتي دخلتم بهن) فضلا عما قد يستفاد من قيد الحيثية كتقييد التربية في الحجر من حيث انها بنت الزوجة فيظهر الغرض من قوله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) ولا اثم في التزوج بهن ولا ضيق بالنهي عن نكاحهن وتنحصر الفائدة بالتحقيق والتأكيد لدوران التحريم وعدمه مدار الدخول بالأم وعدمه : ولم يعرف تقييد التحريم بالتربية في الحجر الا من داود الظاهري واتباعه . وروي من طريق عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن مالك بن اوس بن الحدثان ان عليا علیه السّلام اباح له ان يتزوج بابنة امرأته التي دخل بها وولدت له ثم ماتت لأن البنت لم يربها في حجره وهذه الرواية خطأ فإن المعروف من مذهب اهل البيت عدم اعتبار التربية في الحجر و قدروي مسندا من طريقي اسحق بن عمار كما في التهذيبين وتفسير العياشي عن الصادق عن الباقر علیه السّلام ان عليا كان يقول ان الربائب عليكم حرام من الأم اللاتي دخلتم بهن هن في الحجور وغير الحجور سواء . وفي التهذيبين ايضا عن غياث بن ابراهيم عن الصادق عن الباقر نحوه. وفي الفقيه قال علي علیه السّلام وذكر نحوه وسند كما في آخر الكتاب من الحسن كالصحيح . وهل ما روي عن مالك عن علي علیه السّلام الا كما ذكرنا قبلا من ان عليا علیه السّلام اجاز التزويج بأم الزوجة اذا لم يدخل بيتها وقد ذكرنا استفاضة الرواية من اهل البيت عنه علیهم السّلام ان ام الزوجة مطلقا
ص: 69
وحلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصَلا بكم
........................................................
حرام . وفي النفس شيء كفانا ان نبوح به ما صرح به مسلم في اوائل جامعه في باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والكذابين فأسند عن ابى مليكة عن ابن عباس قال دعا بقضاء علي علیه السّلام فجعل يكتب منه اشياء ويمر به الشيء فيقول والله ما قضى بهذا علي . واسند عن طاوس ان ابن عباس أتي بكتاب فيه قضاء علي علیه السّلام فمحاه الاقدر واشار سفيان بن عيينة بذراعه . واسند ايضا عن المغيرة قوله لم يكن يصدق على علي في الحديث عنه الا من اصحاب عبد الله بن مسعود ( و ) حرمت عليكم ايضا (حلائل ابنائكم) وان نزلوا وفي التبيان ومجمع البيان وما رأيته من كتب اللغة ان الحليلة هي الزوجة . والزوج حليل وهو المتبادر من موارد الاستعمال من الحديث والشعر والنثر . نعم اتفق المسلمون ان مملوكة الابن اذا وطأها حرمت على ابيه وان علا واما اذا جردها او مسها او قبلها فالمشهور عند الامامية انها تحرم على ابيه وان علا ولعله اجماع قبل ابن ادريس وعليه صحيحنا ابن سنان عن الصادق علیه السّلام وابن بزيع عن الرضا علیه السّلام ومرسلة يونس عن الصادق علیه السّلام وهو المحكي عن ابن عمر ومسروق والقاسم والحسن ومكحول والنخعي والشعبي وابي ثور والاوزاعي ومالك وابي حنيفة واحد قولي الشافعي واحدى الروايتين عن احمد ، واما مجرد منك الابن فلا يحرمها . نعم يظهر من الفخر الرازي في تفسيره من ذكر الخلاف بين ابي حنيفة والشافعي ان الشافعي يحرمها . وقد تحذلق الرازي لادخالها في مسمى الحليلة وجعل النفي لتسميتها بالحليلة من باب ما لا يقبل من الشهادة على النفي لا من باب الشهادة على ان المسمى غيرها و أنى يجديه ذلك مع ان المتبادر من الحليلة هو خصوص عنوان الزوجة بنحو يعرف بقانون اللغة ان غير الزوجة خارج عن المعنى الحقيقي للحليلة وعلى ذلك جرت شهادة اللغويين (الذين من اصلا بكم) لا ما يسميه العرب ابنا باعتبار التبني على وجه شائع كأنه يدخل في المعنى الحقيقي للإبن . وقد كان في الاسلام عناية في ابطال هذه التسمية الباطلة التي يترتب عليها مفاسد كثيرة . منها : ان هذا الدعي الذي قد لا تعرف نجابة عنصره وسلامة ذاته يتركونه يعامل نساءهم وبناتهم واخواتهم معاملة ولدهم الحقيقي في ترتيب آثار المحرمية النسبية من الخلطة والخلوة وعدم الحجاب مع انه ليس فيه من الرحمية ما يردعه عن الاقدام على فعل الفحشاء والسوء معهن ولا يخشى من ان يرجع عارهن عليه = ولا يخفى ان
ص: 70
وأن تجمعوا بَيْنَ الأختين إلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
........................................................
هذا التقييد الذي يخرج به المتبني لا يمنع من ثبوت التحريم لحليلة الابن الرضاعي على ابيه من الرضاعة كما يقتضيه قوله صلى الله عليه وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإن مواده ان تحرم حليلة الابن الرضاعي كما يحرم بنص القرآن حليلة الابن النسبي وعليه فتوى الامامية و الفقهاء الاربعة واكثر اهل العلم(1)(و) حرم عليكم (ان تجمعوا) فيما يراد من النساء من الزوجية وماهو مثلها من التمتع بالوطء في المملوكة (بين الاخنين) فإن الآية مسوقة لذلك كما في قوله تعالى حرمت عليكم امهاتكم إلى آخرها (الا ما قد سلف) وزال موضوعه فإنه مسامح فيه . ومغفور وان كان من تشريعات الجاهلية (ان الله كان) ولا يزال (غفورا) للذنوب (رحيما) . بعباده ومن رحمته ان أمضى ما سلف من كل قوم وان كان تشريعا جاهليا فلم يجعل النسب الحاصل منه نسب زنا (2)وعلى تحريم الجمع بين المملوكتين فيما ذكرنا لا مجرد الملك اجماع
ص: 71
الأمامية وحديثهم وعليه ايضا مالك والاوزاعي وابو حنيفة والشافعي واحمد في احدى الروايتين وفي تذكرة العلامة حكى الخلاف عن داود الظاهري ونسبه ابن رشد في بدايته الى طائفة روك مالك في الموطأ وفي الدر المنثور اخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وعبد الرزاق و ابن ابي شيبة وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه من طريق ابن شهاب «الزهري» عن قبيصة بن ذويب ان رجلا سأل عثمان عن الاختين في ملك اليمين هل يجمع بينها فقال احلتها آیة وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك فخرج من عنده واقي رجلا من اصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أراه على بن ابي طالب فسأله عن ذلك فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت احدا فعل ذلك الجملته نكالا . واخرج ابن ابي شيبة وابن المنذر والبيهقي في سننه عن علي علیه السّلام انه سأل عن رجل له أمتان اختان فوطاً احدهما ثم أراد ان يطأ الأخرى قال علیه السّلام لا حتى يخرجها من ملكه واخرج ابن جرير وابن عبد البرفي الاستذكار عن اياس بن عامر قال سألت علي ابن ابي طالب وذكر في جوابه تعلق التي كنت تطأ ثم نطأ الاخرى . وقد جاء مثل ذلك عن الصادق علیه السّلام في احاديث كثيرة من الصحاح والموثقات كما في الوسائل في الباب التاسع والعشرين فيا يحرم بالمصاهرة ونحوها . نعم في الدر المنثور اخرج ابن ابي شيبة والبيهقي من طريق ابي صالح عن علي بن ابي طالب قال في الأختين المملوكتين احلتها ! ية وحرمتها آية ولا آمر ولا أنهى ولا أحل ولا احرم ولا افعله انا ولا اهل بيتي . وروى نحوه في الاستبصار عن البزوقري بسنده عن الصادق عن الباقر عن علي علیه السّلام ولا يخفى ان التحليل انها الاطلاق الأحوالي في قوله تعالى في الآية الآتية «ما ملكت ايمانكم » وقوله تعالى « الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم » والتحريم بالاطلاق الأفرادي في لفظ الاختين فبين الآيتين عموم وخصوص من وجه ولا بد من تخصيص احد الطرفين بالآخر الذي هو اقوى واظهر دلالة ولا شك في ان الاطلاق الأفرادي اللفظي اقوى واظهر دلالة من الاطلاق الأحوالي الذي يستفاد من السوق فيجب ان يخصص الأحوالي بالأفرادي . ولكن عليا علیه السّلام ربما جاب بما اجاب به عثمان (رضی الله عنه) حفظا للوئام وخروجا عن حزازات الخلاف التي حدثت في تلك السنين وعند الفرصة يجاهر بما يعلمه من التحريم كما اتفقت عليه الأحاديث الأول بل والرابع في قوله لا افعله انا ولا اهل بيتي ويشهد لذلك ما في الاستبصار في صحيح معمر من ل الباقر علیه السّلام قد بين لهم اذ نهى نفسه وولده وقوله ايضا في عدم التصريح من علي بالحرمة
ص: 72
(24) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ
........................................................
خشي ان لا يطاع ولو ان امير المؤمنين ثبتت قدماه اقام كتاب الله كله والحق كله . وفي فروع موكولة الى كتب الفقه (24 و) حرمت عليكم (المحصنات من) سائر (النساء) ومن ذوات الازواج مطلقا ( الاما ملكت ايمانكم) في الكافي في صحيح محمد بن مسلم سألت ابا جعفر الباقر» علیه السّلام عن قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت ايمانكم قال علیه السّلام هو أن يأمر الرجل عبده وتحته امته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبها عنه حتى تحيض ثم يمسها الرواية. وفي الدر المنثور اخرج ابن ابي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس إلا ما ملكت ايمانكم قال ينزع الرجل وليدته امرأة عبده. واخرج ابن ابي حاتم عنه ايضا ما هو بمعناه. وروى مسلم في جامعه واحمد وذكر في الدر المنثور سبعة عشر من اصحاب السنن عن ابي سعيد الخدري أن السبب في نزول الآية هو أن الصحابة تحرجوا من الاستمتاع بسبايا اوطاس» اي لأنهن ذوات ازواج والاستثناء إنما هو من هذه الجهة فلا ينافي اشتراط الاسلام ووضع الحمل واستبراء غير الحامل محيضة كما صرح بها في هذا الحديث وبالحيض في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة . فإن حل النساء المذكور في قوله تعالى «وأحل لكم ما وراء ذلكم» إنما هو الحل المعلق على العقد وسائر الشروط كحل بهيمة الانعام المعلق على التذكية بما يعتبر فيها من الشروط لا الحل الفعلى بدون شرط . فيجوز إذن أن يكون من مصاديق الآية ما إذا اشترى المزوجة حيث ان المشتري عند الإمامية مخبر فورا بين امضاء الزواج فيبقى على ما هو عليه وبين فسخه وحكى في مجمع البيان هذا الوجه عن أبي وجابر وانس وابن المسيب والحسن وعن ابن عباس وفي تفسير صاحب المنار عن ابن مسعود . و في الدر المنثور اخرج ابن ابي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير عن ابن مسعود في الآية كل ذات زوج عليك حرام إلا ما اشتريت بمالك واخرج ابن جرير ايضا عنه ماهو بهذا المعنى كما اخرج عن ابن عباس نحوه وكذا كل متجدد بعد احصان المملوكة كالملك بالإرث والوصية والهبة ونحوها . ولا تمانع بين هذه الوجوه الثلاثة في صدق الحل المعلق وكل وجه تعتبر فيه شروطه ( كتاب الله عليكم) بنصب كتاب على انه مصدر اجري على ما هو قريب من معنى فعله تأكيدا للتحريم بيبيان ان التحريم المتقدم هو كتابة الله وتسجيله الثابت
ص: 73
وأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْسِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استَمتَعُتُم
........................................................
عليكم (واحل) بضم الهمزة وكسر الحاء ( لكم ) من النساء حلا شأنيا معلق الفعلية على حصول اسباب الحل الفعلي وشروط (ما وراء) اي ما عدى (ذلكم) من المحرمات المذكورة صريحا او اشارة واشعارا بالعموم الذي تضمنه قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» واما الروايات المتفرقة في جوامع البخاري ومسلم والنسائي وابي داود عن ابي هريرة بما حاصل مجموعها انه لا تنكح العمة على بنت الاخ ولا الخالة على بنت الاخت ولا العكس فهي غير صالحة لتخصيص عموم الكتاب في حل ما وراء المحرمات المذكورة المعارضتها باحاديث الإمامية الصحاح باسانيدهم عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام لا تزوج ابنة الاخ ولا ابنة الاخت على العمة ولا على الخالة إلا بأذنها وتزوج العمة والخالة على ابنة الاخ وابنة الاخت بغير اذنهما . وفي المال باسناد عن الباقر علیه السّلام نهى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن تزويج المرأة على عمتها او خالتها اجلالا للعمة والخالة فإذا اذنت في ذلك فلا بأس . ولا يخفى انه ليس في اشتراط الأذن من العمة او الخالة تخصيص لعموم الحل لما وراء ذلكم لأن الحل فيها شأني معلق الفعلية على شروطها فالشروط لا تنافي الثاني المعلاق ولا تخصصه ولا تقيده وعلى هذا تخرج رواية المختلف وغيره عن علي بن جعفر عن اخيه الكاظم علیه السّلام في رجل يتزوج المرأة على عمتها او خالتها قال علیه السّلام لا بأس لأن الله عز وجل قال واحل لكم ما وراء ذلكم (1) (ان تبتغوا) قبل ان المصدر بدل من «ما وراء ذلكم» وقبل انه مجرور باللام المطرد حذفها من «ان» المصدرية واللام للتعليل وهو الأصح اي لتبتغوا النساء، وما يطلب منهن من حيث هن نساء (باموالكم) مهرا وشراء حال كونكم بالنسبة لما ابتغتم (محصنين) لأنفسكم او للمرأة عن الزنا بالحلال (غير مسافحين) اي مقاربين النساء زنا و سفاحا (فما استمتعتم) الفاء للتفريع على حل ما
ص: 74
بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
........................................................
وراء المحرمات وابتغاء النساء وما يطلب منهن محصنين و «ما» كناية عن القسم لا عن ذات النساء والا لقيل و «من» ولكن القسم بمفهومه معنى عام يقال في مقام التقسيم على من لا يعقل وما لا يعقل مثل بعض كما تقدم في قوله تعالى ما ملكت ايمانكم ونحوها فلا يصح التعبير عنه بلفظ «من» فالتفريع ومعنى «ما» يدلان على التنبيه في مقام التشريع على حكم قسم خاص من المنكوحات حال قصد الارحصان . «استمعتم» طلبتم المتعة واحصائها وتوصلتم الى التمتع وهو الانتفاع الموقت المحدود المبني على الانقطاع كما يدل عليه الفاظ المتاع والتمتيع وما يشتق من ذلك في القرآن بحسب موارده ويوضحه قوله تعالى في سورة الرعد 25 وما الحياة الدنيا في الآخرة الامتاع . ومعنى الآية طلبتم هذا التمتع من هذا القسم بالتزويج (به) الضمير راجع إلى القسم باعتبار مصاديقه ( منهن) اي من النساء (فآتوهن أجورهن) اي مهورهن حال كونها ( فريضة) فرضتموها في العقد وهذا مما يوضح ان المراد منه غير العقد الدائم الذي يصح فيه التزويج بدون فرض مهر في العقد فإن دخل بها استحقت عليه مهر المثل وان طلقها قبل الدخول استحقت عليه المتعة على قدر الموسع والمقتر كما في الآية الخامسة والثلاثين بعد المائتين من سورة البقرة.
وفي هذه المسأله خلاف لا ارغب بذكر كل مافيه اولا تعرض المسألة بتفسير الآية وتحقيق حكمها وتعرض المفسرين لها وما قيل فيها . فالكلام في هذه الآية ومسألة المتعة مقامات الاول - قد انفق جميع المسلمين ورواياتهم على تسمية هذا القسم المبحوث عنه بالمتعة جريا على ما هو مدلول الآية ومقتضى الفاظها في تشريعها مضافا إلى استفاضة الرواية عن الصحابة بل والتابعين في نزول الآية في متعة النساء التي هي مجمل الكلام فقد اخرج ابن جرير والحاكم وصححه وفي الدر المنثور اخرج عبد بن حميد وابن الانباري عن ابي نظرة عن ابن عباس ان الآية فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى ثم قال والله لأنزلها الله كذلك ونحوه فيما اخرجه ابن ابي حاتم والطبراني والبيهقي عن ابن عباس . واخرج ابن جرير وفي الدر المنثور وعبد بن حميد عن قتادة عن قراءة ابي نحوه . واخرج ابن ابي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير في قراءة أبي نحوه . واخرج عبد الرزاق عن عطا عن ابن عباس انه يقرأها
ص: 75
كذلك وقال ايضا في حرف ابيّ إلى اجل مسمى وعن تفسير الثعلبي بسنده عن حبيب بن ثابت عن ابن عباس نحوه .. واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد . وابن جرير عن السدي ان المعنى في الآية هو نكاح المتعة .. وكذا فيما اخرجه عن علي من طريقين وعن ابن عباس من ثلاثة طرق وعن ابن مسعود من انها نسخت . وفي الكافي في الصحيح عن ابي بصير سألت أبا جعفر عن المنعة قال نزلت في القرآن فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ونحوه ايضا في الصحيح عن الصادق علیه السّلام. وعن قرب الاسناد عن الصادق علیه السّلام نحوه . و في الكافي ايضا في مرسلة ابن ابي عمير عن الصادق علیه السّلام إنما انزلات فما استمتعتم به منهن إلى فآتوهن أجورهن فريضة وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام عن جايز كان ابن عباس يقرؤها وذكر إلى اجل مسمى مثل ذلك : وفي الفقيه عن الرضا علیه السّلام في حديث وقرأ ابن عباس وذكر مثل ذلك أيضا : هذا وان ما روي عن ابن عباس وابي والصادق من زيادة إلى اجل مسمى ينبغي تنزيله على ما علموه من شأن النزول وان المراد من نزول الآية هذه المتعة التي هي إلى اجل مسمى . فإن جماعة من الصحابة كانوا يرسمون في مصاحفهم ما يعلمونه انه التأويل المراد في النزول ويقولون هكذا انزل اي بالوحي بغير القرآن على رسول الله ويدرجونه مع القرآن في قراءتهم دفعا للشكوك او الجحود كما روى في الدر المنثور وغيره ان ابن مردويه في تفسيره اخرج (1)عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ان عليا مولى المؤمنين فادرج ابن مسعود في الآية ما كان يعلمه حين النزول من تأويلها المقصود بالنزول كما اخرج ابن ابي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابي سعيد الخدري أن الآية نزلت في غدير خم في علي بن ابي طالب ورواه الواحدي في اسباب النزول بسنده المتصل من غير هؤلاء عن ابي سعيد الخدري(2). ومما يشهد لما ذكرناه ان الباقر والصادق ذكرا الآية واحتجابها للمتعة على
ص: 76
ما هو المرسوم في المصاحف ونسبها الرضا عليه السلام والباقر علیه السّلام في رواية العياشي عن جابر إلى قراءة ابن عباس = المقام الثاني - اتفق جميع المسلمين وجميع رواياتهم في المتعة على انها نكاح شرع في دين الإسلام واستفاضت الرواية في عمل المسلمين على ذلك كما ستسمع من بعضها الذي نتعرض له = الثالث - استفاضت الرواية في دوام مشروعيتها والعمل عليها من زمان الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلّم إلى ايام ابي بكر في امارته إلى شطر من ايام عمر . فقد اخرج مسلم في نكاح المتعة عن جابر الانصاري كنا نستمتع بالقبضة من النمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وابي بكر حتى نهى عنه عمر «اي نكاح المتعة» في شأن عمرو بن حريث . واخرج ايضا عن ابي نظرة قال كنت عند جابر فأتاه آت فقال إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين «يعني منعة الحج ومتعة النساء» فقال جابر فعلناهما مع رسول الله ثم نهانا عنها عمر فلم نعد لها . ورواه في كنز العمال ومختصره مما اخرجه عبد الرزاق عن جابر واخرج احمد في مسند عمر عن ابي نظرة قال قلت الجابر بن عبد الله ان ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يأمر بها قال فقال لي على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ومع ابي بكر فلا ولي عمر خطب الناس فقال ان القرآن هو القرآن وان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم هو الرسول وانهما كاننا متعتان على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم احداهما متعة الحج والاخرى متعة النساء . اقول والحديث باعتبار سنده من الصحيح عندهم : واخرج مسلم في باب متعة النساء عن جابر سأله القوم عن اشياء ومنها المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله وابي بكر وعمر : واخرجه احمد في الجزء الثالث من مسنده ص 380 برجال مسلم وفيه حتى اذا كان في آخر خلافة عمر : واخرج احمد في الجزء الثالث من مسنده ص 325 في الصحيح عندهم عن جابر قال متعتان كانتا علي عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فنهانا عنهما عمر فانتهينا . وفي صفحتي 363و356 في الصحيح ايضا عندهم عن جابر تمتعنا متعتين على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الحج والنساء فنهانا عمر عنها فانتهينا . وفي الثالثة فلما كان عمر نهانا عنهما فانتهينا واخرج البخاري في تفسير سورة المائدة وفي اوائل ابواب النكاح . ومسلم في نكاح المتعة . وفي الدر المنثور اخرجه عبد الرزاق وابن ابي شيبة ايضا عن ابن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ليس معنا نساء قلنا الا نستخصي «وفي بعض النسخ الا نستمني» فنه انا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب الى اجل ثم قرأ عبد الله يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات احلت لكم ولا تعتدوا
ص: 77
إن الله لا يحب المعتدين انتهى وهذا كالصريح بل ابلغ من التصريح بأن تحريم المتعة ليس من الله ورسوله بل هو تشريع بتحريم الطبيبات مما احله الله ورسوله للمؤمنين : واخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال استمتع عمرو بن حريث و ابن فلان وكلاهما ولد له من المتعة زمان ابي بكر وعمر . واخرج ابن جرير في الصحيح عندهم عن شعبة عن الحكم بن عيينة انه سئل عن آية المتعة منسوخة هي قال لا وقال قال علي اولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي : وذكره في الدر المنثور مما اخرجه عبد الرزاف وابن جرير وابو داود في ناسخه وفي الكافي بسند معتبر عن عبد الله بن سليمان عن الباقر عليه السلام كان علي يقول لولاما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي . وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام مثله . وروى المفيد في رسالة المتعة بأسانيد كثيرة عن عبد الرحمن بن ابي ليلى قال سألت الصادق علیه السّلام هل نسخ آية المتعة شيء قال لا ولولا ما نهى عنه عمر ما زنى إلا شقي: وباسناده عن علي علیه السّلام لولا ما سبقني به عمر بن الخطاب ما زنى مؤمن : وذكر في كنز العمال ومختصره عن عبد الرزاق وابن جرير «اي في تهذيب الآثار» وابي داود في ناسخه عن علي علیه السّلام اولا ما سبقني من رأى عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي : وفي كنز العمال ومختصره ما اخرجه عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطا عن ابن عباس قال ير ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها امة محمد ولولا نهيه «اي عمر» ما احتاج إلى الزنا إلا شقي او شفي كما ذكره ابن الأثير في نهايته في مادة شفي : وقال المفيد في رسالته قال ابن بابويه ان عليا عليه السلام نكح في الكوفة امرأة من بني نهشل منعة : واخرج مسلم عن عروة ابن الزبيران عبد الله ابن الزبير قام بمكة فقال إن اناسا اعمى الله قلوبهم كما اعمى ابصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل «يعني ابن عباس» فناداه وقال انك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك باحجارك انتهى : وفي الكافي في الصحيح عن زرارة قال جاء الله بن عمير الليثي الى الباقر عليه السلام فقال له ما تقول في متعة النساء فقال احلها الله في كتابه وسنة نبيه إلى يوم القيامة فقال يا ابا جعفر مثلك من يقول هذا وقد حرمها عمر ونهى عنها فقال علیه السّلام وان كان فعل فقال واني اعبدك بالله ان تحل شيئا حرمه عمر فقال الباقر علیه السّلام فانت على قول صاحبك وانا على قول رسول الله فهلم ألا عنك . الحديث : وفي كنز العمال ومختصره
ص: 78
عن ابن جرير «اي في تهذيب الآثار» عن ام عبد الله بن خيثمة ما ملخصه ان رجلا من الصحابة الذين في الشام جاء إلى المدينة فتمتع بأمرأة واشهد على ذلك عدولا فاخبر عمر بذلك فقال للرجل ما حملك على الذي فعلته فقال فعلته مع رسول الله ثم لم ينهنا حتى قبضه الله ثم مع ابي بكر فلم ينهنا حتى قبضه الله ثم معك فلم تحدث لنا فيه فهي فقال عمر اما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمنك (1)الحديث : واخرج مسلم في المتعة بالحج عن جابر قال تمتعنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فلما قام عمر قال ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بماشاء ؟! وان القرآن قد نزل منازله فاتموا الحج والعمرة الله كما امركم وابنوا نكاح هذه النساء فلن اوتى برجل نكح امرأة إلى اجل إلا رجمته بالحجارة (2): واخرج مالك في الموطأ عن عروة ابن الزبير ان خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت ان ربيعة بن امية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر فزعا يجر رداءه فقال هذه المتعة واو كنت تقدمت فيها لرجمت : وذكر في كنز العمال ومختصره ان الحديث اخرجه الشافعي والبيهقي : اقول وهو من الصحيح عندهم وانت ترى انه والحديثين اللذين قبله كالصريحة في انه ليس هناك نهي من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يكون حجة على المستمتع في استحقاقه الرجم وان الحجة عليه منحصرة بأن يتقدم عمر بالنهي . فهذه الاحاديث كالصريحة في ان النهي من رأي عمر لا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم اوابي بكر. ولا تقدر ان تقول ان معنى الأحاديث انه لا عبرة بنهي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ولا حجة فيه على استحقاق الرجم وإنما الحجة هو نهي عمر . إذن فمعنى الروايتين هو ما قدمناه : وفي الدر المنثور وكنز العمال ومختصره اخرج ابن ابي شيبة عن نافع ان ابن عمر سئل عن المتعة فقال حرام فقيل له ان ابن عباس يفتي بها قال فهلا تزمزم (3)بها في زمان عمر : وفي الدر المنثور قال اخرج ابن ابي شيبة عن سعيد بن المسيب قال نهى عمر عن متعتين متعة النساء
ص: 79
ومتعة الحج : وفي كنز العمال ومختصره مما اخرجه ابو صالح كاتب الليث (1)والطحاوي عن انه قال متعتان كانتا على عهد رسول الله انهى عنها واعاقب عليها متعة النساء ومتعة الحج:
عمر وما اخرجه ابن جرير وابن عساكر عن ابي قلابة ان عمر قال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وانا انهى عنهما وأضرب فيها وقد تقدم في المقام الثاني في رواية جابر ان عمر قال في خطبة انهما كانتا على عهد رسول الله : ورواية هذا الكلام عن عمر مشهورة . فعن مختصر المحلى لابن حزم الاندلسي ما لفظه كما روينا عن ابي قلابة قال قال عمر بن الخطاب متعتان كانتا على عهد رسول الله وانا انهى عنهما واضرب عليهما متعة النساء ومتمة الحج وسيأتي ان الفخر الرازي في تفسيره ذكر احتجاج اهل السنة على تحريم المتعة بهذا الحديث : واما تأويله بأن عمر يستند في التحريم إلى رسول الله فسيأتي بطلانه ان شاء الله عند ما تتعرض لما اشرنا اليه من الاحتجاج الذي يذكره الرازي - المقام الرابع - في دعوى نسخها وهي باطلة بما ذكرناه في المقام الثالث وذلك لوجهين (احدهما) دلالة هذا المقام بالنص واليقين على انها كانت مشروعة في ايام رسول الله وآخر عهده بالدنيا وهذا كاف في كونها سنة متبعة حتى لو سبق نسخها قبل ذلك مرة أو اكثر لو ثبت ذلك وما يجد به نسخها السابق في خيبر او عام الفتح إذا كانت مشروعة بعد ذلك إلى آخر عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم - فليورد المورد ما شاء من رواياتهم للنسخ الشرعي في ايام رسول الله فإنما العبرة بما كان في آخر عهده بالدنيا وانقطاع الوحي نعم فيما رواه مسلم واحمد عن سبرة من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز الأموي عن الربيع عن ابيه سبرة ان النبي صلی الله علیه و آله و سلّم حرمها إلى يوم القيامة روى ذلك مسلم مجرداً عن قصة وتأريخ ولكن احمد رواها في قصة تمنع سبرة في حجة الوداع وسيأتي ان رواية سيرة هذه كالحرباء تبرز من كل راو بشكل يضاد الآخر فهي كلاشي وعلى كل حال هي معارضة بكل ما ذكر في المقام الثالث وخصوص رواية الحكم والرواية عن الصادق في ان آية المتعة لم تنسخ بل ورواية زرارة عن الباقر علیه السّلام في قوله أحلها الله في كتابه إلى يوم القيامة ولك العبرة في الولع برواية تحريمها بما في كنز العمال مما اخرجه الدارقطني في الافراد وابن عساكر مما تفرد به احمد بن محمد بن عمر بن يونس عن علي علیه السّلام انه سمع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم نهى عن متعة النساء ويقول هي حرام إلى يوم القيامة مع ان احمد المذكور قال ابن صاعد فيه كذاب (ثانيهما) ان رواياتهم في النسخ مبتلاة بالموهنات
ص: 80
اما رواية سبرة بن معبد للنهي عن المتعة بعد حكاية تمتعه فإنها مضطربة في رواية مسلم لها في جامعه واحمد في مسند سبرة ما شاء الاضطراب متدافعة ما شاء التدافع المعقوت . ففي الأولى من روايات مسلم ان الذي كان مع سبرة في القصة هو صاحب له . وفي الثانية من قومه وابن عمه . وفي الثالثة من بني سليم . وفي الثلاثة ان برد سبرة اردأ من برد الآخر وفي الأولى ان سيرة اشب من الآخر ولذا اختارته المرأة وتمتع بها . وفي الثانية لأن لسبرة على الآخر فضل جمال والآخر قريب من الدمامة وان القصة في فتح مكة . رواها اولا عن فضيل عن بشر عن عمارة بن غزية عن الربيع بن سبرة . ورواها ثانيا عن احمد بن سعيد عن ابي النعمان عن وهيب عن عمارة عن الربيع عن ابيه سيرة قال خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في فتح مكة فذكر مثل حديث بشر وزاد « قالت وهل يصلح ذاك» وفيه قال «ان بردح هذا خلق مح» ورواها احمد في مسند سيرة عن عفان عن وهيب إلى آخر السند ولكن فيها ان برد سبرة هو الجديد وسيرة هو القريب من الدمامة وان الذي اختارته المرأة وتمتع بها على رداءه برده هو ابن عمه على الضد من رواية مسلم . وروى مسلم الرابعة عن يحيى عن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة عن ابيه عن جده وان القصة كانت في فتح مكة . ورواها احمد عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة عن ابيه وان واقعتها كانت في حجة الوداع ورواها بعد ذلك عن وكيع إلى آخر السند . وفيها فلما قضينا عمرتنا : وقد تركنا عدة من الاضطراب بالألفاظ ومن نظر إلى الروايات في جامع مسلم ومسند احمد علم يقينا انها رواية لقصة واحدة : هذا وان مذهب ابن عباس في حل المتعة ومثابرته مع ابن الزبير على ذلك معلوم معروف من صحيح الحديث ومستفيضه ومأثور التأريخ . ومع ذلك رووا عنه في نسخها الشرعي روايات هي بنفسها تظهر كذبها وجهل جاعلها ففي جامع الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيأه حتى إذا نزات الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواها فهو حرام ورواها في الدر المنثور مما اخرجه الطبراني والبيهقي في سننه وزاد فيها «حتى نزلت هذه الآية حرمت عليكم امهاتكم إلى آخر الآية» فنسخ الأولى وحرمت المتعة وتصديقها من القرآن إلا علي ازواجهم الحديث : وهلم العجب اي كلمة من آية حرمت عليكم امهاتكم نسخت آية المتعة (11)
ص: 81
فحرمت المتعة. وايضا ان المستمتع بها هي زوجة كما صرحت رواية الترمذي وهذه الرواية والتي بعدها في قوله «فيتزوج المرأة» فكيف يكون قوله تعالى إلا على أزواجهم تصديقا لآية حرمت عليكم امهاتكم في تحريم المتعة . نعم إذا كانت آية حرمت عليكم امهاتكم وحلائل ابنائكم . واخواتكم من الرضاعة ناسخة فلا بأس ان تكون من نواسخ آية المتعة آيات . احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم . نساؤكم حرث لكم . وهلم جرا وقد اجاد صاحب المنار في تفسيره اذ ذكر غير ما ذكرناه من موهنات الرواية وقال : - وعبارة هذه الرواية تنم عليها وتشهد انها لفقت في عهد حضار المسلمين بعد الصحابة : وفي الدر المنثور ايضا مما اخرجه ابن ابي حاتم عن ابن عباس مثل رواية الترمذي إلى قوله وتصلح له متيعته فقال وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى نسختها محصنين غير مسافحين وكان الإحصان بيد الرجل يمسك متى شاء ويطلق متى شاء انتهى وليت شعري ان الكلمة القرآنية التي شرعت المتعة وجرى عليها عمل المسلمين في قدومهم إلى البلدان كيف تنسخها الكلمة التي قبلها بلا فاصل ومعها في الآية الواحدة. وإذا كانت بمعناها ولم تنسخها حينئذ لم تنسخها اذا وردت بعد ذلك في سورة المائدة مضافا إلى أن المتعة احصان لازنا و سفاح لأنها (1)«تكملة» السند الحاكم في تفسير سورة النساء من مستدركه عن ابي مليكة سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت بيني وبينكم كتاب الله وقرأت والذين هم لفروجهم حافظون إلا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم . فمن ابتغى وراء ما زوجه الله او ملكه فقد عدا زواج شرعي كما تصرح به هذه الرواية واللتان قبلها . وفي الدر المنثور فيما رواه عمار مولى الشريد عن ابن عباس ان المتعة ليست بسفاح وقد ذكرنا في الجزء الاول ص 197 في قوله تعالى في سورة المائدة «والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم . إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين» ان التدبر للقرآن يقتضي وروده في نكاح الكتابيات بالمتعة : واماما في الدر المنثور مما اخرجه ابو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطا عن ابن عباس في آية المتعة نسختها يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر انتهى فقل لراويها ان تشريع الطلاق لم يحصر اباحة الوطء وشرعيته بما كان موردا للطلاق وإلا فما تقول فی
ص: 82
النسري والوطء بملك اليمين فإن مورد الطلاق هو العقد المبني علي الدوام لأن الطلاق هو الحل لعقدة الزواج الدائم وقطع لدوامه وإن قلت ان النسخ بالمدة قلنا ان المستمتع بها عليها عدة ولكنها تنقص عن عدة الدائم بحسب الدليل كما نقصت عدة الأمة كما عليه جميع الإمامية وجمهور أهل السنة ما عدا داود و اصحابه الظاهريين. وقد روى في الدر المنثور من طريق عمار مولى الشريد عن ابن عباس ان المستمتع بها تعتد بحيضة وفي كنز العمال مما أخرجه عبد الرزاق عن جابر في المتعة وكنا نعتد من المستمتع بها منهن بحيضة وروى ايضا عن السدي انها تستبرئ رحمها : ومن الطريف ما في الدر المنثور مما اخرجه ابن المنذر والطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في ضمن قصة فيها شعر قوله ما احللتها «يعني المتعة» إلا للمضطر ولا احللت منها إلا ما احل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير انتهى وهل يكون ابن عباس يقول ان الآية نزلت في المتعة ثم يقيد اطلاقها ويخصها من تلقاء نفسه بالمضطر كأكل الميتة وفي تفسير الرازي وتبعه ابو السعود وروى (انه يعني ابن عباس) قال عند موته اللهم اني اتوب اليك من قولي في المتعة والصرف انتهى وهل روي في المنام مخبرا عن قبول توبته أو تشديد السؤال عليه من اجل المتعة وفي الدر المنثور ما اخرجه عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال المتعة نسخها الطلاق والصدقة والعدة والميراث انتهى ودع عنك سقوط الرواية بما ذكرناه في المقام الثالث وخصوص ما روي فيه عن ابن مسعود ولكنك ما ذكرناه في هذه الروايات المنسوبة إلى ابن عباس تعرف الخطأ ايضا في نسبة النسخ بالطلاق والعدة إلى ابن مسعود . واما الصدقة فإن كان المراد منها الصداق فإن المتعة فيها صداق ولئن سمي اجرا فإن القرآن قد سمى الصداق في العقد الدائم اجرا كما في هذه السورة 24 والممتحنة 9 والاحزاب 49 فمن اين يجي النسخ . وإن اراد الراوي غير الصداق فعليه حسابه = وأما الميراث فإن آية ميراث الزوجين تقتضي بنفسها ان يتوارث المستمتع والمستمتع بها لأنهما زوجان . نعم دل الدليل على عدم توارثها فخصص به الكتاب وامل ذلك لضعف علقتها بكونها موقتة وقد اتفق جمهور اهل السنة على جواز نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا على عدم التوارث بينها وبين زوجها المسلم تخصيصا منهم لعموم الارث بما رووه من قول النبي (ص) لا يتوارث اهل الملتين ونحوه واجمع المسلمون على أن القاتل من أحد الزوجين للآخر لا يرث منه . ومن هذا يعرف الحال ايضا فيما اخرجة البيهقي عن علي (ع) نهى رسول الله عن المتعة وإنما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة
ص: 83
والميراث بين الزوج والزوجة نسخت انتهى وتزيد هذه الرواية بالوهن أن آية المتعة ليست مقيدة بمن لم يجد كما في نكاح الإماء . وان التزويج كان نزول آياته بمكة قبل الهجرة ومنه قوله تعالى في سورة المؤمنون المكبة والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وهم يروون عن علي علیه السّلام أن المتعة حرمت يوم خيبر فكيف يتقدم الناسخ على المنسوخ بعده سنين وأيضا أن الرواية نفسها تدل على أن المتعة نكاح مشروع إذن فالمستمتع بها زوجة فكيف يكون الزواج ناسخا لها = وقد كفانا هذا المقام عن التعرض لما تشبث به المتألبون لتحريم المتعة بعدم ارث المستمتع بها وبعدم كونها زوجة .
«تتمة» لهذا المقام، قال ابن رشد في بدايته وأمانكاح المتعة فقد تواترت الاخبار عن رسول الله بتحريمه إلا انها اختلفت في الوقت الذي حرمت فيه ففي بعض الروايات أنه يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها عام أوطاس «وهو عام الفتح» وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء انتهى وقد ذكرنا في الوجه الأول من المقام الرابع أن الروايات التي يروونها في تحريم المتعة لا تجديهم في مدعاهم ولو كانت الفا لأنهم يروون نسخ تحريمها بعد ذلك كما اخرجه مسلم واحمد عن سلمة بن الأكوع رخص لنا رسول الله في المتعة عام اوطاس ثلاثا ثم نهى عنها فلم ينق عندهم في النهي بعد ذلك إلا هذه الرواية ورواية سبرة التي ذكرنا اضطرابها المزري بها . ولم تذكر رواية تحريمها إلى يوم القيامة الا رواية سبرة هذه وماهي قيمتها بعد ذلك الاضطراب فضلا عن سقوطها بما ذكرناه في المقام الثالث من تظاهر الأحاديث و تعاضدها والاستفاضة عن عدة من الصحابة والتابعين على شرعيتها بعد ما فارق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الدنيا وانقطع الوحي . حتى لو فرضنا انهم رووا انها ابيحت قبل وفاته صلی الله علیه و آله و سلّم بشهر مثلا . وقال ابن رشد ايضا واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبعه على القول بها اصحابه من اهل مكة واهل اليمن (اقول) وقد تحقق من الأحاديث المتقدمة عن ابن عباس وابن مسعود وعلي امير المؤمنين بالرواية عنه من طرق الفريقين انها باقية على الحل بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وكما صح ذلك من طرقهم عن الحكم بن عيينة من التابعين ومن طرق الإمامية عن الباقر والصادق علیه السّلام وحكاه (1)العلامة القول بحلها عن ابن جريح وسعيد بن جبير ومجاهد وعطا وغيرهم من التابعين وتقدم في الروايات العمل بذلك في زمان عمر من عمر و بن حريث وابن فلان وربيعة
ص: 84
ابن امية والشامي الصحابي بل ومن شهد على نكاحه من الصحابة وام عبد الله بن خيثمة فهل لأحد بعد ذلك ان يدعي الاجماع على تحريمها - المقام الخامس - في الأمور التي يتشبثون بها لتحريم المتعة . منها دعوى الاجماع وقد عرفت وهنها . ومنها ما اخرجه الحاكم في تفسير سورة النساء من مستدركه عن ابي مليكة سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت بيني وبينكم كتاب الله وقرأت والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا انتهى بدعوى ان مراد عائشة ان المستمتع بها ليست زوجة وقد حصر الله الحل بالزوجة والمملوكة (اقول) وهذا التشبث مردود أولا بالمنع مما نسبتموه لعائشة ولعلها تريد ان المستمتع بها زوجة لما جاء من شرعية المتعة . وثانيا لو ارادت ما ذكر تم لكان اجتهادا برده ان آبتي الا على ازواجهم جاءتا في سورتي المؤمنون والمعارج المكيتين باتفاق المفسرين فيكون ما ثبت من تحليل المتعة ناسخا الحصرهما لو سلمنا أن المستمتع بها ليست بزوجة. وثالثا ان الزوجة هي المنكوحة بعقد مشروع والمستمتع بها زوجة بحكم تشريع المتعة. ومنها ما ذكره ابن الروزبهان في معارضته لنهج الحق من دعوى الاجماع على ان المستمتع بها ليست بزوجة لأنها لا ترث ويرده ان دعوى الاجماع هنا لا قيمة لها في سوق العلم وشرف المعرفة وإن النظر إلى عدم الإرث غفلة عن الزوجة الكتابية والمسلمة القاتلة لزوجها. وهل بين الزوجية والإرث اتحاد في المفهوم أو ملازمة عقلية وهل الوارثية إلا حكم شرعي يثبت للزوجة بدليله ويرتفع بدليله كما في الكتابية والقاتلة . ومنها دعوى نسخ المتعة بآيات الطلاق والعدة والميراث. وقد تقدم رد ذلك . ومنها قوله تعالى محصنين غير مسافحين. وقد تقدم رد الشبث بذلك وان النزوج بالمتعة احصان شرعه الله وكف للنفس والزوجة عن الطموح إلى الزنا وإن قصرت مدته . واما ما ذكره صاحب المنار في تفسيره من ان الشيعة لا يقولون برجم الزاني المتمتع إذ لا يعدونه محصنا فكأنه اخذه من تساهل السماع دون النظر في كلمات الشيعة في مصنفاتهم وعناوين دروسهم ليرى ويسمع منهم ان النكاح الدائم جعلوه شرطا بمقتضى احاديثهم في الإحصان الذي يجب معه الرجم لا في مطلق الاحصان المراد في الآية الشريفة كما اشترط ابو حنيفة الإسلام وحرية الزاني والزانية وزاد مالك ان يكون في حالة لا يكون الوطء فيها محرما كأيام الحيض والصيام . فهل يقول انهم جعلوا هذه الشروط شروطا في احصان الآية وان من فقد هذه الصفات والشروط يكون في ذلك المال
ص: 85
مع زوجته من المسافحين لا من المحصنين (1)= ومنها = ما جعله الرازي في تفسيره الحجة الثانية لمن يقول بتحريم المتعة وتبعه على الاحتجاج صاحب المنار في تفسيره وهو ما روي عن عمر انه قال في خطبته متعتان كانتا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم انا انهى عنها و أعاقب عليهما وملخص وجه الاحتجاج هو ان عمر ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما انكر عليه احد فلا بد من ان يكون سكوتهم أعلمهم بالتحريم من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وإلا لكان مداهنة منهم وهو يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة وهو باطل ولا يجوز ان يكونوا غير عالمين بكون المتعة مباحة ومحظورة لأن المتعة مما يحتاج اليه فيمتنع ان يكون امرها مخفيا عليهم بل يجب ان يشتهر العلم ب-ه قلنا - اولا لا يلزم من علمهم بحلها ان يكون سكوتهم مداهنة يلزم منها تكفيرهم وتكفير معاذ الله بل يجوز ان يكونوا جوزوا عليه الاجتهاد خطأ وقد رأوا منه الجد الشديد في منعهما والاصرار القاطع على اجتهاده فسكتوا حفظ الاجتماع الكلمة و حذرا من عواقب الخلاف في الجامعة الإسلامية فلا يلزم من ذلك تكفير لأحد ويجوز ان يكون هناك وجه آخر وآخر لا يلزم منهما التكفير = وثانيا = لماذا غفل الرازي ومن احتج بحجله أو تغافلوا من ان تحريم عمر المتعة في هذه الرواية وفي روايات جابر وسعيد بن المسيب كما تقدم قد كان مقرونا بتحريم متعة الحج ايضا فلماذا سكنوا حينئذ عن تحريمها . هل يستطيع الرازي او غيره ان يقول انهم سكنوا لعلمهم بتحريمها من رسول الله . اذن فلماذااتفقی المسلمون
ص: 86
ولا جناح عليكم فِيمَا تَرَاضَيتُم بِهِ مِن بَعدِ الفَرِيضَةِ
........................................................
على مشروعيتها من ذلك العصر إلى الآن ولم يؤثر فيهم ما يروى من تشديد عمرو عثمان وابن الزبير . نعم لم يكن في متعة الحج ما يروى من التهديد بالرجم فلذا امكن الناس ان يحافظوا على سنتها تدريجا بالملاينة . اخرج احمد في الجزء الأول ص 39 ومسلم والنسائي في حج التمتع من طريق طارق بن شهاب عن ابي موسى في حديث انه كان يفتي بالمتعة على ما علمه من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و عمل به حتى في ايام ابي بكر وعمر إذ قال له قائل في مكة انك لا تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك فقال يا ايها الناس من كنا افتيناه بفتيا فليتئد فإن امير المؤمنين قادم عليكم فيه فائتموا (1)فلما قدم قال له با امير المؤمنين ما هذا الذي احدثت في النسك وفي رواية احمد في الجزء الرابع ص 393 فقلت يا امير المؤمنين هل احدثت في المناسك قال نعم . (اقول) ولم يكن جواب عمر لابي موسى إلا بيان اجتهاده ورأيه كما ذكرناه في الجزء الأول ص 172 و 173 واخرج الترمذي ان شاميا سأل عبد الله بن عمر عن متعة الحج فقال هي حلال فقال الشامي ان اباك قد نهى عنها فقال عبد الله أرأيت ان كان ابي نهى عنها وصنعها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أفرأي أبي يتبع ام امر رسول الله الحديث . واخرج البخاري في كتاب التفسير في باب من تمتع بالعمرة إلى الحج عن عمران بن حصين قال انزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء : وهذه الرواية سواء كانت حقيقتها في متعة الحج أو منعة النساء تكون ردا لهذه الحجة من المحتجين حلا ونقضا : واخرجها مسلم ايضا وفيها «يعني متعة الحج» -ومنها- ما ذكره ابن الروزبهان في معارضته لنهج الحق وهو ان النكاح يحتاج إلى ولي وشهود فتبطل المتعة فنقول انا نشترط فيها كل شرط ثبت في الكتاب او السنة انه شرط في المتعة بل قد نلتزم بالاحتياط عند الشك في الشرط فماذا عنده بعد ذلك (ولا جناح) ولا اثم او ولا منع (عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) من اسقاط الاجر كلا او بعضا برضاء المرأة أو التراضي على
ص: 87
إنَّ اللهَ كاَنَ عَليمًا
........................................................
ذلك بعد ان تفرضوه فلا تتوهموا المنع والجناح عليكم في ذلك من اشتراط هذا النكاح بايتاء الأجر وكونه فريضة في العقد. فالآية في عقد المتعة التي لا بد فيها من فرض الأجر مثلها في قوله تعالى في الآية الثالثة «فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا» ويجوز ان يكون المعنى ما تراضيتم به من الشروط السائقة بعد الفريضة في العقد وعليه تجري موثقنا ابن بكير مجمل قوله علیه السّلام بعد النكاح على انها في العقد بعد قوله انكحت إلى كذا بكذا. واما التراضي على زيادة الأجل بهر آخر فالمشهور عند الإمامية والموافق للقاعدة ومقطوعة الي بصير ورواية ابان عن الصادق علیه السّلام المرويتين في الكافي وروايتي العياشي عن ابي بصير عن الباقر علیه السّلام وعن ابي بصير عن الصادق علیه السّلام انه لا يجوز الا بعقد جديد بعد ان ينقضي الأجل او يهبها المدة الباقية ثم يعقد عليها جديدا على ما تراضيا عليه وفي مجمع البيان ان هذا قول الإمامية وتظاهرت به الروايات عن المتهم. ونسبه ايضا إلى السدي كما رواه عنه في الدر المنثور . نعم إن الحكم المذكور هو مذهب الإمامية وتظاهرت الروايات على الحكم لكن حمل الآية على هذا يحتاج إلى تكلف في تأويل قوله تعالى « من بعد الفريضة » . واما رواية بصائر الدرجات في تمديد الاجل في اثناء المدة فمو هونة بجهالة حال المدائني ومخالفتها القاعدة النكاح المشهور فضلا عن معارضتها بما يستوجب التقديم عليها (إن الله كان) منذ الأزل ولا يزال (عليا) بما يحتاج العباد اليه من اللطف بالشريعة وتيسير امورهم في مختلفات احوالهم بما يقوم بحاجتهم في العصمة عن الزنا ومكافحة النفس الأمارة ويساعد على تكثير النسل . فكم من مسافر بطول سفره ولا يسمح له بالتزويج بالعقد الدائم . وكم من حاضر لا يتيسر له ذلك على ما يريد او يناسبه . وكم من ايم مؤمنة لا يقدم الناس على تزوجها بالعقد الدائم فشرع الله المنعة بحدودها الصالحة لكي تقوم بهذ الحوائج الماسة وهذا الاصلاح الكبير . ومن ذلك بعلم جل اسمه انه يأتي زمان يمنع فيه من استرقاق الجواري الذي قد يقوم بشطر مهم مما اشرنا اليه من حاجة الرجال . ولولا ما تفاحش من كثرة الزنا السري والعلني وفحشاء اللواط لسمعت ضجة الناس من العسر والحرج وشدة الضيق عليهم من حصر الامر بالزواج الدائم ولو بقيت شرعية المتعة بحدودها الصالحة على رسلها بلا نكبر تحريم ولا ملام غالب يوجب
ص: 88
سوء سمعتها لما كان للزنا واللواط هذا الدوی المدهش والشبوع الفاحش الذي يستنزف الاموال الكثيرة ويهتك الشرف ويذيع الفساد ويشبع الامراض الردية الموبقة المعروفة، ويقلل التناسل ویدنس الأخلاق ويكثر فيه المنبوذون المعرضون للهلاك . ومن وباء هذه المفاسد صار التعقيم عملا لكثير من النساء وصار الكثير من الرجال تنقضي أيام شبابهم ولا يواد لهم ولو وجد نوع مشروعا على رسل مشروعيته يغنيهم عن خسة الزنا في حاجتهم إلى النساء لما استرسل اكثرهم في رذيلة الزنا و مفاسده واتباع الهوى وبواثقه حتى استدرجهم ذلك فاجترأوا على الزنا بالمحصنات الموجب لاختلاط الأنساب ، وسوء العشرة ، ومفاسد اولاد الزنا . ولكان الأمر كما قال امير المؤمنين علیه السّلام وابن عباس «لما زنى إلا شقي» أو إلا شفي اي قليل . ولما حدثت هذه المفاسد المعضلة العظيمة الإخلال بالنظام الشرعي والعمراني: وقد دون في كتب الفقه للامامية من احكام المتعة وآدابها حسبما تلقوه من مصدر الوحي وأمنائه ما يوقف المنعة في صف العقد الدائم في راحة الإنسانية وحفظ الشرف والعفة والنزاهة وكرامة النسل وحفظه من الاختلاط بميزان المدة والنواميس الشرعية وقد جمع من احاديثها في الوسائل عن أئمة أهل البيت في آدابهم وأحكامهم ما دونه في كتاب النكاح في سبعة و أربعين بابا ، فالزوجان المتمتعان إذا كانا ملتزمين بالشريعة وأجريا المتعة على احكامها الشرعية وآدابها لم يعرض في امرهما ولا امر نسلهما ادنى خلل من حيث النظاهر العمراني ولا الاجتماعي ولم يضع نسلهما من جهتيهما ولم يعره اختلاط ولم يقصر في جميع اموره حتى النفقة والتربية عن نسل العقد الدائم بوجه من الوجوه سواء كان التمتع في وطن الزوجين أو في دار الغربة لهما أو لأحدهما مهما كانت نائبة . وأما غير المتشرعين فنجعلهما في صف غير المتشرعين في لوازم العقد الدائم واحكامه . كالرجل يتزوج ثم يهاجر إلى البلاد النائية كما نعرفه في كثير من المهاجرين إلى أمريكا وأقاصي افريقا حيث تركوا اطفالهم وأزواجهم ضياعا بلا كفيل حتى صاروا في حالة يرثى لها . ويا ليتهم طلقوا نساء هم ليتزوجن ويكفين أنفسهن امر المعيشة ويصرن في حماية الازواج - او كمن يتزوج في بلاد غربنه فيولد له حتى إذا وجد فرصة الرجوع إلى بلاده أو التنقل في سياحة تركهم نسيا منسيا لا يعرفون لهم ابا ولا كفيلا . أو كالذي يطأ أمته أو يتسراها ثم بيعها في بلاد الغربة وهي حامل منه فيكون واده منها ابن الغربة وربيها ومكفولها او منسوباً لغير أبيه أو اسيراً للرف. وإذا كانت هذه الأمور من غير المتشرعين لا تخدش
ص: 89
حکیماً (25) وَمَنْ لَمْ يَستَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ
........................................................
في شرعية العقد الدائم ولا جواز الوطء للمملوكات فبالحري ان لا تخدش في شرعية المتعة كما يزعمه بعض الناس من بعث عاطفتهم الطائفية في تهو ياهم باخلال المتعة بالنظام الشرعي والعمراني على ما يفرضون وقوعه في متعة غير المتشرعين. ومن طبع هذه العاطفة ان لا تسمح لهؤلاء المهولين بأن يلتفتوا إلى ما ذكرنا وقوعه من غير المتشرعين من المتزوجين بالعقد الدائم والواطئين لا مائهم . او يلتفتوا إلى ما ذكر من شرعية المتعة في الكتاب والسنة فيما تقدم من المقام الاول والثاني والثالث بل والرابع والخامس لكي يلتفتوا إلى ان تهويلاتهم تكون منهم كتلة اعتراضات على الله ورسوله وكتابه في تشريع المتعة. وكان الله عليها (حكيما) في شريعته (25 ومن لم يستطع منكم طولا) الطول من حيث اللفظ مصدر كما نص عليه أهل اللغة وأما من حيث ما يرجع إلى المعنى ففي النبيان ومجمع البيان الطول الغنى . وفي الكشاف المعنى زيادة في المال وسعة يبلغ به نكاح الحرة . وفي كنز العرفان من لم يكن له زيادة في المال وفي القاموس الفضل والقدرة والغنى والسمة. وفي الدر المنثور ما اخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي عن ابن عباس من لم يكن له سعة ان ينكح الحرائر . ولم اجد من خرج عن هذه المعاني. والمعنى الذي يتردد بينها غير داخل في قدرة الإنسان واستطاعته بل هو امر بيد الله . اذن فلا يصح ان تكون كلمة «طولا» مفعولا به لكلمة «يستطيع» كما يلوح من بعض المفسرين وصرح به الفخر الرازي أولا في تفسيره ولكنه نقطن لعدم الجواز وقال انه على المفعولية يكون معنى الآية فلم يقدر منكم على القدرة انتهى . فالأظهر ان طولا » مفعول لأجله لبيان جهة الاستطاعة المذكورة . وليس في الآية ما يشير إلى نظر الطول إلى خصوص المهر بل هو متعلق بالتزويج وما يحتاج اليه في امره من المؤنة ومنها نفقة الحرائر. والمرجع في استطاعة الطول إلى العرف بحسب حال الشخص ونظام تعيشه (ان ينكح) المصدر مفعول لكلمة «يستطيع» والأظهران النكاح هو التزويج دواماً ومتعة ولكل إنسان رغبة في احدهما بحسب حاله من سفر أو حضر أو غير ذلك . فمن لم يستطع طولا ان يجري احدهما مع الحرائر انتقل به إلى الإماء على ما تقتضيه الآية باطلاقها وعليه مضمرة محمد بن صدقة البصري المروية عن تفسير العياشي وهذا هو وجه المناسبة بين الآية وما قبلها فإنها تعرضت للصورة النازلة من نكاحي الدوام والمتعة
ص: 90
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِن فتيائِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بإيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعض فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
........................................................
تتميماً لأحكام النكاح وآدابه (المحصنات) بفتح الصاد. والمراد منهن الحرائر المقائف المحصنات بالصوت بالنسبة إلى حالة الإماء نوعا في الابتذال (المؤمنات فما) اي فلينكح ما (ملكت ايمانكم) ايها المسلمون المخاطبون فلا يدخل الشخص المعبر عنه بالغيبة بالنسبة لبيان الحكم في نكاحه . وجواب الشرط للإباحة بالمعنى الذي يعم رجحان الترك والصبر عليه (من فتياتكم) يقال للأمة فتاة وان كانت مسنة (المؤمنات) فمسى ان تمنعهن ملكات الإيمان الحميدة واتباعهن للشريعة المقدسة عما يخشى من الأمة في تبذلها نوعا من بوادر منافيات العفة وسوء المعاملة فإن الإيمان الصحيح الثابت رادع نوعا عن السوء . ولكن لا سبيل لكم إلى العلم بما لأفراد كم من الإيمان الثابت وملكاته الحميدة وما دون ذلك من مراتب الإيمان المختلفة، والأخلاق المتفاوتة في البعد عن عادات الجاهلية ورذائلها والقرب منها (والله اعلم بإيمانكم) وما لكل منكم من مراتبه وأخلاقه وملكائه . وانكم لتعلمون انكم بشر (بعضكم من بعض) في الإختيار في الأعمال. فمنكم من يقبل على الله فيجيب داعيه إلى الإيمان والطاعة والصلاح فيوفقه لمراتب الكمال السامية . ومنكم من يتبع الهوى بسوء اختياره و بنقاد الشهوات وغواية الشيطان. ومنكم من يكون بين ذلك على احدى المراتب المتفاوثة فعليكم بظاهر الحال وما يقتضي لكم الوثوق باستقامة الأمة من مظاهر إيمانها ؛ وفي مختصر التبيان أي كلكم من ولد آدم وقبل كالكم على الإيمان ويمكن ان تكون الأمة افضل من الحرة واكثر ثوابا عند الله وفي ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة إذاجوز ان تكون اكثر ثوابا عند الله انتهى وعلى هذا النهج جرى في مجمع البيان والكشاف وتفاسير الرازي وابي السعود وصاحب المنار ولكن الظاهر لنا من مجموع ال- الآية وشروطها وقوله تعالى في آخرها « وان تصبروا خير لكم» هو ما ذكرناه. وعليه يكون المحصل من مجموع الآية وإذا خشيتم العنت ولم تصبروا كما هو الاشارة الأخيرة في الاية (فانكحوهن) فيه التفات إلى خطاب المحتاج إلى نكاح الأمة بعد ذكره بالغيبة . والأمر هنا للاباحة التي تعم المرجوح . والنكاح التزوج (باذن اهلهن) اي ما ليكهن وفي ذلك اشارة إلى كفاية الاذن من مالك الأمة في تزويجها اي لا يكون بغير اذنه ( وأتوهن أجورهن) كما يستحق
ص: 91
بالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتِ غَيْرَ مُسَافِحَاتِ وَلا مُتخدَاتِ أَخَذَانِ فَإِذا أَحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ احِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِن الْعَذَابِ
........................................................
بشريعة الزواج فانه اجرها ومقابل بضعها وان رجع إلى المالك ( بالمعروف) من عادة الزواج الشرعي ومهره حال كونهن بهذا الزواج (محصنات) قد اقدمن على الزواج للاحصان على الشريعة وسنة الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم (غير مسافحات) وقاصدات للزنا واتباع الشهوات (ولا متخذات اخدان) الخدن الخليل والصاحب والمراد هنا الاختصاص بخلته وصحبته للزنا . وقيل ان المراد تزوجوهن حال كونهن عقائف غير زانيات في العلن والسر ، والأول أظهر (فإذا احصن) بضم الهمزة وكسر الصاد كما هو القراءة المتداولة المعهودة بين المسلمين وعليها اكثر السبعة حتى عاصم في غير رواية ابي بكر عنه، فلا يناسبها تفسير الاحصان بالإسلام لأن الإسلام من فعلون الصادر منهن لا واقع من غير هن عليهن. بل المراد الاحصان لبن بالتزويج كما في صحيح الكافي والتهذيب وعن محمد بن مسلم عن احدهما يعني الباقر أو الصادق عليهما السلام وصحيح التهذيب عن يونس عن الصادق علیه السّلام وفي الدر المنثور مما اخرجه ابن المنذر وابن مردويه والضياء في المختارة وما اخرجه ايضا ابن ابي شيبة وابن جرير عن ابن عباس ، واما في الدر المنثور مما اخرجه ابن ابي حاتم عن علي علیه السّلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال احصانها إسلامها . وقال انه حديث منكر. وما اخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود من قوله احصانها اسلامها فيكفي في سقوطه معارضته بما اخرجه سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حديث قوله صلی الله علیه و آله و سلّم حتى تحصن بزوج . فإذا احصنت بزوج فإذا احصنت بزوج : هذا فضلا عن ان مؤدى الحديثين عن الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم وابن مسعود لا يناسب القراءة المتبعة كما ذكرناه وايضا إذا نظرنا إلى قوله تعالى«فإذا احصن» إلى آخر جواب الشرط قد وقع تفريعا في ضمن ما لنكاح الاماء المؤمنات من الاحكام وجدنا انه لا يحسن ان يكون الموضوع لحكمه غير الاماء المتزوجات (فإن اتين بفاحشة) أوجب الحد الشرعي (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) والذي ينصف من حد الزناوله عدد مخصوص هو المائة جلدة . واما الرحم فهو مقدمة مخصوصة لازهاق النفس بلا تقدير ينصف بل حده الموت فليس له نصف موزون بميزان يعول عليه . وامل قوله تعالى «من العذاب » يراد به نصف ما هو عذاب مع بقاء الحياة الذي قال فيه تعالى «وليشهد عذابهما طائفة
ص: 92
ذَلِكَ
........................................................
من المؤمنين» وليس لشرط الاحصان بالتزويج مفهوم ولا دليل خطاب. لقيام القرينة على ذلك من احاديث المسلمين . فمن ذلك ما اخرجه عبد الرزاق والبخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني ان النبي صلی الله علیه و آله و سلّم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال صلی الله علیه و آله و سلّم اجلدوها. واخرج احمد في مسند علي علیه السّلام والترمذي عن عبد الرحمن السلمي قال خطب علي علیه السّلام فقال ايها الناس اقيموا الحدود على ارقائكم من احصن منهم ومن لم يحصن وان أمة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم زنت فأمرني ان اجلدها. وأخرج احمد ايضا عن ابي جميلة عن علي علیه السّلام نحوه مع تقديم وتأخير وفيه اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم . وفي الدر المنثور اخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن انس بن مالك انه كان يضرب امائه الحد إذا زنين تزوجن اولم يتزوجن انتهى وعلى هذا عمل علماء الامصار من اهل السنة ولا يعرف فيه خلاف بين الإمامية بل الظاهر اجتماعهم عليه . وعليه صحيح الفقيه والكافي والتهذيب عن بريد عن الصادق علیه السّلام وصحيح الكافي عن بن مسلم عن احدهما عليهما السلام وصحيح التهذيب عن ابي بصير عن الصادق علیه السّلام بل لا مفهوم ولا دليل خطاب في الآية حتى لو قلنا بأن المراد من احصانهن اسلامهن . لما رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر في قصته امر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم برجم اليهودي واليهودية . ورواه أبو داود ايضا عن جابر والبراء بن عازب وابي هريرة . ورواه الترمذي بدون القصة . فيجب الحد على غير المسلم ايضا وهو مذهب الشافعي . ولا خلاف فيه بين الإمامية . وهو مفاد العموم في لفظ العبيد في الصحيح المروي في الكافي والتهذيب عن الباقر علیه السّلام قضى امير المؤمنين في العبيد اذا زنى احدهم ان يجلد خمسين جلدة وان كان مسلما او كافرا او نصرانيا . وعلى ذلك ايضا رواية قرب الاسناد عن الكاظم علیه السّلام فالفائدة في الجملة الشرطية هو بيان وجه من وجوه الارشاد الى ان الصبر عن تزوج الإماء خير. وذلك انهن في حال الاحصان بالتزويج قد اقتضت الحكمة والرحمة ان لا يشرع في حدهن الا جلد خمسين وطاً مع ان دواعي الزنا مع ابتذالهن في الرق والخدمة اقرب اليهن بالنسبة الى الحرائر المصونات نوعا وحد الحرائر الجلد والرجم فرادع الاماء في حال الاحصان اضعف من رادع الحرائر ودواعيهن الى الخنا نوعا اقرب من دواعي الحرائر (ذلك) اي نكاح المؤمنات بحسب الظاهر من اماء المسلمين لمن لم يجد طولا ان ينكح الحرائر من المؤمنات
ص: 93
لِمَنْ خَشِيَ الْعَنتَ مِنكُمْ وَأَنْ نَصْرُ وا خَيْرٌ لَكُمْ
........................................................
هو (لمن خشي المنت منكم) في التبيان العنت معناه هنا الزنا وقيل الضرو الشديد في الدين او الدنيا مأخوذا من قوله تعالى ودوا ما عنتم والأول اقوى . وجعله في مجمع البيان الاصح وفي الكشاف فسره بالائم مع قوله بأنه مستعار للمشقة والضرر . وقد ذكرنا في الجزء الأول 196 في قوله تعالى ولو شاء الله لأعتكم وفي ص 334 في قوله تعالى ودوا ما عنتم ان معنى العنت دائر بين الشدة والمشقة ونحو ذلك ولا دليل على ان المراد هنا الزنا او الاثم فالصحيح تفسيره بمن خشي الشدة والمشقة بسبب العروبة او من جهة من الجهات . اذا لم يصح ما اخرجه ابن جرير عن ابن عباس من ان العنت الزنا . ولا ما اخرجه الطبقي عنه من انه الإثم (وان تصيروا) بفتح الهمزة اي وصبركم عن نكاح الاماء حتى مع عدم الطول وخوف العنت (خير لكم) لأن في نكاحهن نوعا حزازات وعواقب يرغب عنها كما ذكرنا بعضها في الاثناء وتزيد على ذلك بأن امر الأمة في غير ما يعارض تمتع الزوج انما هو بيد المولى . وان نكاحها معرض للفسخ فيذهب ما بذله من المهر هدوا وذلك إذا بيعت او انتقل ملكها إلى آخر او اعتقت وهذه حزازات كبيرة . نعم ليس منها عند الامامية صيرورة الولدر قا فإن الولد عندهم بحسب اصل الشرع يتبع الحر من ابويه في الحرية كما عليه المعول به من حديثهم وإجماعهم الذي لا يقدح فيه خلاف الأسكافي - هذا وقوله تعالى «خير لكم» مع ما ذكرنا في قوله جل اسمه «المؤمنات . والله اعلم بايمانكم . بعضكم من بعض » يرشد الى ان المقام مقام ارشاد الى اجتناب نكاح الاماء لما فيه من الحزازات والمحاذير نوعا لا مقام تحريم كما هو الاشهر بين الامامية ويشهد له ما في الكافي والتهذيب من قول الصادق علیه السّلام «لا ينبغي » كمارواه ابو بصير وارسله ابن بكير عن بعض اصحابنا . واما صحيح زرارة عن الباقر علیه السّلام سألته عن الرجل يتزوج الأمة فقال علیه السّلام لا الا ان يضطر الى ذلك . فلا دلالة فيه على التحريم بل هو على الكراهة وما يرجع الى الارشاد ادل فان الظاهر من الاضطرار كونه امرا فوق عدم الطول و خوف العنت فعدم الاضطرار يجتمع معهما فلا يمكن ان يكون النفي الشامل له للتحريم على خلاف تجويز الآية بل للكراهة والارشاد الذي يرتفع بالاضطرار ولا يكون مصداقا لقوله شافى «وان تصبروا خير لكم» . ومن ذلك يعرف الكلام في موثقة ابي بصير عن الصادق علیه السّلام في اخر يتزوج الأمة قال علیه السّلام لا بأس اذا اضطر اليها . ونحوها رواية التهذيب عن محمد بن
ص: 94
واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * (26) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَنَ
........................................................
مسلم عن الباقر علیه السّلام ودعوى ان السؤال في الروايات عن الحل المقابل للتحريم مجازفة فان غابة ما في السؤال هو كونه عن الشأن الشرعي في تزويج الأمة مضافا إلى ما ذكرناه من خلل الحمل على التحريم في غير الاضطرار كحال خوف العنت والله غفور) لمن يخالف هذا الارشاد والكراهة (رحيم) بعباده في ارشادهم الى ما يصلحهم وغفرانه لمخالفة ارشاد مولاهم وآلههم ( 26 يريد الله ليبين) قال في الكشاف اللام زائدة والاصل ان يبين . قال ذلك ليجعل المصدر مفعولا فتكون اللام لغوا . وما اهون دعوى الزيادة عليه . ولم يقل شيئا في نظائرها من القرآن الكريم مثل قوله تعالى في سورة المائدة ما يريد الله ليجعل. يريد ليطهركم . والتوبة انما يريد الله ليعذبهم . والاحزاب انما يريد الله ليذهب . والقيامة يريد الانسان ليفجر : ومثله قول كثير على ما في مجمع البيان : -
اريد لأنى ذكرها فكأنما *** تمثل لي ليلى بكل سبيل
ونحوه ايضا ما سنذكره من البيتين. وقد ذكرنا بعض ما في دعاويهم للزيادة في الجزء الأول ص 38 حتى 41 و 361 و 362 ، وفي مختصر التبيان مرسلا ومجمع البيان عن الزجاج عن سيبويه ان اللام دخلت هنا على تقدير المصدر اي ارادة الله للبيان لكم نحو قوله تعالى إن كنتم للرؤيا تعبرون انتهى ومرجع التمثيل إلى هنا لام التقوية وهو غريب من مثل سيبويه اذ يأول القوي بالضعيف ليحتاج الى لام التقوية ومع ذلك يبقى المبتدأ بلا خبر وهل يكون مثل هذا التكلف في القرآن الكريم لكن في المغني قال الخليل وسيبو به ومن تابعهما ان الفعل مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء واللام وما بعدها خبر اي ارادة الله النبيين على ان تكون اللام التعليل . اقول ومع التكلف الذي لا يناسب كرامة القرآن يبقى الكلام ناظرا إلى متعلق الارادة ومفعولها فماهي فائدة الفرار الى التأويل . وقيل ان اللام بمعنى «ان» المصدرية ليكون المصدر مفعولا ليريد . ونقل في مختصر التبيان ومجمع البيان وشرح الكافية للشيخ الرضي وتفسير الرازي انها بمعنى «ان» مثلها في التي تقع بعد «امر» كقوله تعالى وامرنا لنسلم لرب العالمين ويرد ما ذكروه اولا ان مجيء اللام بعد ان المصدرية لم تقم عليه حجة – وثانيا - انها لو كانت كما يقولون لما وقعت بعدها «كي» و «ان» المصدريتان كما انشده الزجاج :-
اردت لكيما يعلم الناس انها *** سراويل قيس والوقوف شهود
ص: 95
لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
........................................................
وقول الآخر :-
أرادت لكما لا ترى لي عثرة *** ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وقولهُ تعالى في سورة الزمر «11 وأمرت لأن أكون أول المسلمين » فالصحيح هو ان اللام للتعليل ومفعول «يريد» في الموارد التي ذكرناها من القرآن الكريم محذوف . يقدر في كل مقام بحسب ما يناسبه ويقتضيه وقد ذكرنا في الجزء الأول ص 81 و 82 ان مثل هذا الحذف باب من ابواب البلاغة . ومما يناسب الآية ان يكون التقدير فيها . يريد الله ان يفصل لكم شرايع النكاح او الشرايع المذكورة في السورة او ما قبلها لكي يبين (لكم) ما هو الصالح في نظامكم واخلاقكم وسعادتكم (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) التي شرعها الله وسنها لهم لصلاحهم فاتخذوها بإيمانهم وطاعتهم لله سننا متبعة مما اقتضت المصلحة ان يسن لكم ايضا في شريعة الإسلام ( ويتوب عليكم) مما سلف من عملكم بعادات الجاهلية الفاسدة وتشريعاتها الوحشية الخسيسة (ويغفر لكم) بسبب وسيلتكم إلى رحمته من طاعتكم واتباعه لما بينه لكم من شريعته فإن ذلك توبة منكم عما سلف (1)(والله عليم) بما يصلحكم ويصلح نظامكم (حكيم) في شريعته وبيانها (27 والله) بلطفه ورحمته (يريد) ويجب( ان يتوب عليكم) بأن تصلحوا اعمالكم وتتبعوا شريعة الحق وصلاحها ويكون ذلك توبة عما سلف فتكونوا اهلا لأن يتوب الله عليكم . والارادة هنا نظيرة للارادة التكليفية لا التكوينية (ويريد الذين يتبعون الشهوات) المردية المورطة في قبائح الاعمال ورذائل الاخلاق وموبقات المعاصي كما تعرفونه (ان) تسترسلوا مثلهم في اتباع الشهوات وخسة الغواية وتكونوا مثلهم في جماحهم رغبة منهم في الغي وتكثير امثالهم وتقليل النكير عليهم وعنادا للحق و ( تميلوا ) عن الرشد إلى مثل غيهم وضلالهم (ميلا عظيا) كميالهم . ولا تحسبوا أن شريعة الحق والاصلاح ذات عب ثقيل وقيود باهظة ، بل جمعت
ص: 96
(28) يُريدُ الله أن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا * (29) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ أَرَاضِ مِنكُم
........................................................
بين فضيلة الاصلاح والتهذيب وحسن النظم والنظام الحميد على الحكمة وبين فضيلة الرأفة، والتيسير في احكامها بل وكون العمل عليها واتباعها ببا لتخفيف الأوزار السابقة (28 يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) بفقر امكانه واقتضاء الحكمة في تعريضه للسعادة لأن يخلقه الله مختارا في اعماله ذا شهوة يتنعم بها في لذة المباح الصالح في المجتمع. وقد اعانه الله بلطفه بالعقل والرسل والأئمة وشرايع الحق ودعاة الصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة . والأنسب بكرامة القرآن وسمو مقاصده وشرف بيانه ان تكون هذه الآية واللتان قبلها جاريات على ما يليق بها من العموم (29 يا ايها الذين آمنوا) لا يخفى ان احكام الآية عامة في اصلاحها لا تختص بالمؤمنين ولكن جرى الخطاب لهم باعتبار انهم هم المنصتون حينئذ لخطاب الوحي والمنقادون لأوامر الله ونواهيه ، والمذعنون بأنه يخاطبهم بشريعة الحق والحكمة (لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) والأكل كناية عما يعم الاستيلاء على الاموال بالحيازة . والمراد كما هو الظاهر لا يأكل بعضكم اموال بعض فيما تتعاملون فيه بينكم على غير جهة العطية والرضا وطيب النفس بما تعرفون من فطرتكم وشريعة الحق انه باطل وعلى غير الحق . وقد ذكرنا في الجزء الأول ص 164 ما ورد في بعض المصاديق من اكل المال بالباطل. وروى في التهذيب عن الصادق علیه السّلام في هذه الآية ما حاصله إن من أكل المال بالباطل أن يكون على الإنسان دين و عنده مال بنفقه في حاجته بل عليه ان يفي به دينه وان احتاج إلى الصدقة (إلا ان تكون تجارة) بنصب تجارة قال في مختصر التبيان حتى تكون الاموال تجارة او اموال تجارة فحذف المضاف ونصب المضاف اليه في مقامه ويجوز ان يكون التقدير إلا ان تكون التجارة تجارة . وتبعه على ذلك في مجمع البيان واستشهد يقول الشاعر «إذا كان يوما ذا كواكب اسفعا». والاستثناء على التقديرين منقطع لأنه ليس من أكل المال بالباطل . اقول الأموال ليست بتجارة بل هي ما يتاجر به . وفي قوله «او اموال تجارة إلى آخره» زيادة حذف و تقدير . ويجوزان يكون المعنى إلا ان تكون المعاملة التي تأكلون بها الأموال تجارة عن تراض ومنها الإجارات والجمالات. وبما ان التجارة المشروعة هي ما كانت (عن تراض منكم) تكون السنة
ص: 97
ولَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * (30) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصلِيهِ نَاراً وَ كَان ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
........................................................
توضيحية فيكون معنى تقديرهم إلا ان تكون التجارة تجارة عن تراض بمعنى إلا ان تكون التجاره تجارة مشروعة لا من نحو تجارات الجاهلية التي ابطلها الشرع ( ولا تقتلوا انفسكم ) عن العياشي عن اسباط بن سالم سأل الصادق عليه السلام رجل عن ذلك فقال عنى بذلك الرجل من المسلمين يشد على المشركين وحده يجي، في منازلهم فيقتل فنهاهم عن ذلك. وعنه ايضا عن الصادق علیه السّلام نحوه. وفي التبيان قيل لا تخاطروا بانفسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه وهو المروي عن ابي عبد الله يعني الصادق علیه السّلام. وعن العياشي بسنده عن زيد عن امير المؤمنين علیه السّلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حديث سأله فيه عمن كان في برد يخاف على نفسه إذا افرغ الماء على جسده فقرأ صلى الله عليه وآله ولا تقتلوا انفسكم إن الله كان بكم رحيما . وفي الدر المنثور مما اخرجه احمد وابو داود وابن المنذر وابن ابي حاتم عن عمرو بن العاص في حديث انه اجنب في غزاة في ليلة شديدة البرد فخاف الهلاك من الاغتسال بالماء فتيمم فسأله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن ذلك فذكر الحال واحتج بقوله تعالى ولا تقتلوا انفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ولم يقل شيئا . ونحوه ما اخرجه الطبراني عن ابن عباس في قصة ابن العاص : وفي الفقيه قال الصادق علیه السّلام من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها قال الله تعالى ولا تقتلوا انفسكم إن الله كان بكم رحيما . اقول ويمكن الجمع بين روايات العياشي وروايتي الدر المنثور والطبراني وبين رواية الفقيه بأن المنهى عنه في الآية هي المقدمات والافعال التي ينشأ عنها زهوق النفس. ولا مانع ايضا من شمول الآية لقتل المسلم مسلما آخر بغير حق فإن المنهى عنه هو قتل النفوس المضافة الى جماعة المؤمنين الشاملة لنفس القاتل ونفوس غيره من المؤمنين ولا حاجة فيما ذكرناه الى الجمع بين الحقيقة والمجاز لا في الاضافة ولا في المضاف اليه (ان الله كان) منذ الازل ولا يزال (بكم رحيما) يأمركم ويشرع لكم ما يصلحكم وبنها كم عما يضركم فرديا واجتماعيا (30 ومن يفعل ذلك) في أكل الأموال بالباطل وقتل النفس (عدواناً وظلماً فسوف نصليه) في الآخرة (نارا وكان ك) ولا يزال (على الله يسيرا) والتفت من ضمير المتكلم الى لفظ الجلالة للتنبيه على الحجة
ص: 98
(31) إن تجتنبوا كبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَئَاتِكُمْ
........................................................
على كون ذلك يسيرا . وكيف لا يكون يسيرا على الله الاوله الخالق القادر على احياء العظام وهي رميم وهو الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم (31 ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) اي تتركونها جانبا معرضين عنها (نكفر عنكم) ما عداها من (سيئاتكم) التي تعملونها . وقد ذكر التكفير في القرآن الكريم في نحو ثلاثة عشر موردا معدى بكلمة «عن» ومن ذكر الكفارة في سورة المائدة 44 و 92و88 ينصح ان التفكير هو الرحمة بحط الوزر عن الوازر ببركة طاعة اخرى . وفي هذه الآية اشارة الى أن تكفير السيئات هو ببركة الطاعة باجتناب الكبائر . والآية تدل على ان المنهي في الدين والشريعة فيه ما هو كبير بالنسبة الى بعض آخر وربما يعرف ذلك بحسب شدة قبحه وشناعته ومضاره ومفاسده. وربما تكشف النصوص عن كبره ويكون بعض الافراد من غيره صغيرا بالنسبة اليه وان كان ايضا بفساده الذي اقتضى نهي الله عنه بلطفه كبيرا في الفساد والمضرة في ذاته وشؤونه هذا كله بحسب ذات الفعل . وقد يقارن فعل الصغير جرأة وتمردا على الله ومحادة له تلحق الفعل بالكبائر في السوء فيكون بهذه الجهة داخلا بمقتضى الحكمة في الكبائر المذكورة . ومن رحمة الله بعباده ولطفه وحكمته في الرادع عن الصغائر والإصرار عليها وعد عباده وبشرهم بأن من تجنب الكبائر يكفر عنه ما عداها من السيئات . وهذا لا ينافي كون المعصية والمخالفة لعزائم الله في اوامره ونواهيه هي امر كبير في نفسه شديد قبحه. وما اقبح مخالفة العبد الضعيف الفقير الجاهل بمصالحه ومفاسده ، والمحاط بغواية الأهواء والشهوات والنفس الأمارة ، والشيطان الغوي العدو ، وما اشنع معصيته لعزائم إله وولي هدايته وارشاده، ومولاه الفني العظيم غامره باللطف والرحمة والنعم والإحسان . ومن نعمه العظيمة ولطفه جلت آلاوه امره الوجوبي ونهيه التحريمي لأجل صلاح العباد وتكميلهم واصلاحهم ونظم جامعتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة روى في اصول الكافي في باب الكبائر عن الصادق علیه السّلام في رواية الحلبي و صحيحي ابن مسلم وابي بصير ان الكبائر ما اوجب الله عليها النار اي اوجبها بوعيده واستحقاق الفاعل لها ونحو صحيحة ابن محبوب عن الكاظم علیه السّلام وفي الدر المنثور ما اخرجه ابن ابي حاتم وما اخرجه ابن جرير عن ابن عباس نحوه وذكر ايضا جماعة اخرجوا بطرق عن ابن عباس انه سئل عن الكبائر أسبع هي قال هي إلى السبعين اقرب وذكر جماعة اخرجوا من طريق سعيد
ص: 99
وتدخلكم مدخلاً كريماً (32) وَلاَ تَتمنوا ما فَضَلَ اللهُ بِهِ بعضكم عَلى بَعضٍ
........................................................
ابن جبير عن ابن عباس انه سئل عن الكبائر أسبعٌ هي قال هي إلى سبعمائة اقرب منها إلى سبع غير انه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار . ومن حكمة الله جلت حكمته في تکمیل عباده و تهذيبهم واصلاحهم ، ونظم جامعتهم واطفه في منعهم عن سائر المعاصي وتدنيسها لهم ومن رحمته في ذلك ان ابهم الكبائر هنا لأن ذكرها يجترى به الإنسان بسفاهته ومغالطة هواه على ارتكاب غيرها اتكالا على التكفير المذكور غفلة منه عن المأثور الذي يدل عليه العقل انه لا صغيرة مع الإصرار . بل تكون من الكبائر . وقد اشار إلى ذلك الشيخ في التبيان . و من حكمة هذا الإبهام والا جمال ان يكون داعيا ومشجعا للعبد على اجتناب المعاصي لأجل احرازة لاجتناب الكبائر توسلا إلى تكفير ما عداها . وهذا نحو من الطاف الله بعباده في وعده وتعليمه - هذا وقد ذكر في الكافي والدر المنثور كثيرا من احاديث الكبائر. وفي جملة منها عدها سبعا وكثيرا ما تختلف الروايات في المعدود وابدال كبيرة بأخرى في الذكر . وفي جملة منها عدها تسعا. و في بعضها اكبر الكبائر وعد منها ثمانيا وفي بعضها عد منها ثلاثا. وانهاها فی الدر المنثور عن ابن عباس إلى ثمان عشرة ذاكرا للوعيد على آحادها من الكتاب والسنة.
وفي صحيح الكافي عن عبد العظيم عن الجواد عن الرضا عن الصادق عليهم السلام عدَّ منها قسم عشرة ذاكرا للوعيد عليها من الكتاب والسنة ، ومن هذا كله يعرف ان ما ذكر من آحادها و عنوان بعضها إنما ذكره كان باعتبار اقتضاء المقام او بيان اكبر الكبائر . ولا يخفى ان الذي توعد الله عليه في الكتاب اكثر مما ذكر في الأحاديث . وهب انه احيط بما توعد الله عليه في القرآن الكريم لكنه لا يحاط بما ذكر الوعيد عليه بالنار والعذاب في كلام الرسول الاكرم فإن الكثير من كلامه صلى الله عليه وآله في مثل ذلك لم يصل الينا لما جناء تداول الأيام واختلاف الأحوال (وندخلكم مدخلا) بضم الميم وهو المحل الذي يدخل فيه (كريما) واعظم بكرامته تمجيد الله له بالكرامة (32 ولا تتمنوا) عين (ما فضل الله به بعضكم على بعض) من نعيم الحياة الدنيا فإن تمني ذلك من الحسد الذميم الباعث على الشرور . عن تفسير العياشي عن عبد الرحمن عن الصادق علیه السّلام في الآية لا يتمنى الرجل امرأة الرجل ولكن يسأل الله مثلها اقول ولا يخفى ان ذكر امرأة الرجل من باب المثال الذي يتعين فيه ان المنهي عنه هو التمني لمين ما فضل الله به الغير من النعم . وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم
ص: 100
للرّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتسبوا وَ لِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِمَّا أَكتَسَبَنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
........................................................
من طريق عن ابن عباس في الآية لا يتمنى الرجل فيقول ليت لي مال فلان واهله : وفي نهي الآية وسوقها توبيخ كبير على غفلة الإنسان عما يتمتع به من النعم العظيمة وعن الله المنعم بها عليه وعن عظيم ملك الله وقدرته ، وجوده، وحكمته ، فتطمح نفسه الخسيسة إلى خصوص ما عند غيره مما اقتضت حكمة الله ورحمته أن ينعم بها عليه فيتمناه لنفسه مع ان الله قادر على اعطائه مثله وخيرا منه . أفلا يجب على العبد أن يرغب إلى ربه وخالقه مالك الملك القادر المنعم الوهاب . وماذا ينال من التمني الاحسراته وخسة الحسد وآلامه (للرجال نصيب) من عطاء الله ونعمته وفضله (مما اكتسبوا وللنساء نصيب ما اكتسبن) وحصل لهم بالملك والجدة والاختصاص ولو بالإرث مثلا وفي النهاية في الحديث اطيب ما يأكل الرجل من كسبه وولده من كسبه . او ان المراد اشارة الى الغالب من ان الناس يسعون ويسترزقون الله فينعم الله عليهم بكسبهم. و من الجارة في «ما» في كلتا الجملتين وعلى كلا الوجهين هي بيانية لبيان النصيب فإن نصيبهم من عطاء الله هو كل ما اكتسبوه لا بعضه . فما بال الذين يركنون الى أوهام الأماني وهي التي تجر الى الشر واختلال النظام يا ايها الذين آمنوا ألا تعلمون ان الله هو خالقكم ورازقكم ارحم الراحمين واسع الرحمة، والخزائن والفضل بيده الأمور فارغبوا اليه (واسئلوا الله من فضله ان الله كان) ولا يزال (بكل شيء) حتى تمنيكم الفاسد وحكمة اعطائكم وتفضيل بعضكم على بعض ومصالحكم ودعائكم ورغبتكم فيما عنده وتوكلكم عليه وتسليمكم لحكمته ومشيئته (عليما) ولا زال القرآن الكريم من أول السورة يستقصي ببيانه الشافي مهمات نظام العدل وتهذيب الأخلاق و حقائق الإصلاح الفردي والاجتماعي من الأمر بالتقوى وهي روح الاصلاح وقوامه إلى التذكير بالاخوة البشرية والخلق من نفس واحدة الى رعاية الارحام الى رعاية اليتامى واحكامهم و حفظ الوصاة بحفظ اموالهم وحسن معاملتهم والولاية عليهم إلى حقوق المواريث والوصايا واحكام النساء والعدل في معاملتهن الى احكام النكاح وما فيها من الإرشاد الى الأصلح . الى رعاية العدل والحقوق الى النهي عن سوء التمني لشخص ما انعم الله به على الغير مع ما يقتضيه اللطف في كل مقام من الترغيب والترهيب والتوبيخ
ص: 101
(33) ولكل جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقربُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ
........................................................
والانذار بالحكمة والموعظة الحسنة. ومن هذا الاستقصاء الكريم اشارئه جل اسمه الى رعاية الاطراف من الاقارب في الميراث كالأجداد والأعمام والأخوال وان علوا واولادهم و اولاد الاخوة والاخوات وان نزلوا فقال جل اسمه ( 33 ولكل) من صنفي الرجال والنساء (جعلنا) بحسب الخلقة وسنة الموت والبقاء وشريعة المواريث على العدل والحكمة (موالي) يرثونهم لأنهم الأولى بهم بحسب القرابة وبميراثهم بقاعدة الأقربين وان اولي الارحام بعضهم اولى ببعض . او بسبب الولاء ان لم يكن هناك اولو الارحام(مما) اي من الصنف الذي (ترك) أباهم من الأقرباء (الوالدان) اذا ماتوا قبل ولدهم وتركوا ممن يمت بهم وارث للميت كالأجداد من ناحية الأب أو الأم والاعمام أولادهم من ناحية الأب والأخوال اولادهم من ناحية الأم (و) ما تركه (الأقربون) كاولاد الاخوة والاخوات ونحو ذلك. في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن الصادق علیه السّلام في الآية عنى بذلك اولي الارحام في المواريث فاولاهم بالميت أقربهم اليه من الرحم التي تجره اليه. انتهى وفي الآية غير ما ذكرنا من التفسير والإعراب ولكن الظاهر منها هو ما ذكرناه (و ) من (الذين عقدت) مولويتهم لكم (أيمانكم) جمع يمين بمعنى القسم او كما قيل بمعنى اليد اليمنى التي تعطى عادة عند العهد والاول اظهر واخرج البخاري وابو داود وابن جرير والحاكم وفي الدر المنثور عن غيرهم ايضا من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجر الانصاري دون ذي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بينهم فلما نزلت هذه الآية ولكل جعلنا موالي نسختها ثم قال والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرفادة والوصية يوصى له وقد ذهب الميراث اقول وما ذكر في الرواية من النسخ ووجهه لا يكاد ان يستقيم فإنه ما كل انسان جعل له موالي مما ترك الوالدان والاقربون لكي ينحصر الإرث بهم فينسخ بذلك ارث غيرهم ويكون الارث بالاخوة من المنسوخ واما جعل الموالي للصنفين من الرجال والنساء فلا يدل على نسخ التوارث بين المهاجرين والانصار بسبب الاخوة لو كان لذلك حقيقة مضافا الى ان الظاهر من النصيب هو الميراث لا ما ذكر في الرواية ، واخرج ابو داود وابن جرير وعن ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث احدهما الآخر فنسخ ذلك في الأنفال فقال واولو الارحام بعضهم
ص: 102
اولى ببعض في كتاب الله. وفي الدر المنشور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والنخاس في ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس وذكر نحوه. ويعارض الروايات عن ابن عباس ما اخرجه ابو داود وعن ابن ابي حاتم عن ام سعد بنت الربيع وكانت يتيمة في حجر ابي بكر ان قوله تعالى والذين عقدت ايمانكم نزلت في ابي بكر وابيه عبد الرحمن حين ابى الإسلام فحلف ابو بكر ان لا يورثه فلما اسلم امره رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ان يعطيه مهمه والحديث صحيح في اصطلاحهم. ومع ذلك فالروابتان المذكورتان عن ابن عباس في معنى الذين عقدت ايمانكم وفي الناسخ متعارضة في نفسها . على ان الميراث بالمؤاخاة لو كان له اصل لم يتوقف نسخه على هذه الآية لأنه منسوخ باولى آيات المواريث و اساس قانون وهو قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون . وان نظم هذه الآية وسوقها ليشهدان بأن حكم الذين عقدت الأيمان ولاء هم متأخر في الرتبة عن حكم اولي الارحام والأقربين كما ذهب اليه ابو حنيفة واصحابه محتجين بالآية وبقوله تعالى فيها والذين عقدت ايمانكم . وفي اصول الكافي وعن العياشي في الصحيح عن ابن محبوب عن الرضا انه سأله عن الآية فقال علیه السّلام انما عنى بذلك الأئمة علیهم السّلام بهم عقد الله عز وجل ايمانكم انتهى ولا يخفى ان اليمين تعقد عقدة مؤداها وعليه الآية ويعقدها الحالف وعليه قوله تعالى في سورة المائدة « 88 بما عقدتم الايمان» ويعقدها المستحلف آخذ الميثاق والآمر بالخلف واعطاء العهد وعليه جاءت الرواية نظرا الى ان يمين الولاء وميثاقه قدا خذ الله على العباد و امر باعطاء عهدها و الرواية ناظرة الى المصداق العام لجميع المسلمين وغير نافية للمصداق الاتفاقي وهو الارث بولاء النصرة وضمان الجريرة ومنه ولاء السائبة من المعتقين . ومعنى الرواية جار على مبدأ الائمة من العترة اهل البيت في كونهم کرسول الله صلى الله عليه و آله اولى بالمؤمنين من انفسهم على نهج حديث الغدير المتواتر وانهم داخلون في الميثاق المذكور في قوله تعالى في سورة آل عمران وإذ اخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله تعالي وانا معكم من الشاهدين كما تقدم في الجزء الأول ص 303 حتى 306 فإن قيل ان نزول هذه الآية كان قبل واقعة الغدير وما هو على نهجها ولفظ عقدتم فيها للماضي فلا يدخل فيها عهد الغدير وميثاقه - قيل -- لا يلزم ان يكون المضي في القرآن الكريم باعتبار زمان النزول بل يأتي باعتبار امر آخر مثل قوله تعالى في الآية الآتية «وبما انفقوا» وفي سورة المزَّمل« 20 فاقرأوا ما تيسر» اذ ليس المراد ما تيسر قبل نزول السورة فإن سورة المزّمل
ص: 103
فآتُوهُم نَصيبهم إِنَّ اللهَ كانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (34) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
........................................................
من اوائل ما نزل من القرآن حال كون الجل من المخاطبين لم يكونوا حينئذ من المسلمين ولم يعرفوا شيئا من القرآن بل المراد ما تيسر عند واجب القراءة . وقوله تعالى في سورة المائدة بما عقدتم الأيمان : وعلى هذا المبدأ يكون الأئمة كرسول الله وراث من لا وارث له من ارحامه ومولى العتاقة . أخرج احمد في مسنده وابو داود في جامعه والحاكم في مستدركه با سانيد متعددة عن المقدام عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم انا وارث من لا وارث له ارثه واعقل عنه : او افك عانيه وأرث ماله كما في جامع ابي داود. وفي رواية انا ولي من لا ولي له افك عنه وأرث ماله . وفي رواية أنا مولي من لا مولى له أرث ماله وأفك عنه . او افك عانيه كما في المستدرك وعلى ما ذكرناه اجتماع اهل البيت والإمامية وحديثهم . وأما ما جاء في الحديث من ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم امر فيمن لا وارث له باعطاء ماله لاهل بلده . او لواحد من قبيلته او لرجل من قبيلته كما في روايات ابي داود في جامعه فهو تنازل منه صلی الله علیه و آله و سلّم عن حقه كما روى الترمذي عن عائشة انه صلی الله علیه و آله و سلّم أمر بميراث مولاء لأهل القرية (1)كما روى في الوسائل عن الكافي والتهذيب عن علي علیه السّلام في ميراث من لا وارث له انه كان يعطيه او يأمر باعطائه لأهل بلده . وقد استفاضت الأحاديث الصحيحة عن الباقر والصادق والكاظم علیه السّلام ان ميراث من لاوارث له من الأنفال المختصة بالرسول صلی الله علیه و آله و سلّم والإمام علیه السّلام كما احصى روايته في الوسائل وعليه اجماع الإمامية ولئن رويه عن بعض الأئمة علیهم السّلام انه لبيت المال فهو تنازل منهم عن حقهم لمصلحة الوقت (آنوهم) تفريع على جعل الموالي المتقدم ذكرهم (نصبهم) من تركته إذ قد يكون معهم زوج او زوجة او وصية او دين (إن الله كان) ولا يزال(على كل شيء شهيدا) لا يغيب عنه شيء فلا تخونوهم في نصيبهم الذي كتب الله واحد زوا من الله الشهيد ثم استثنى التعليم والارشاد جلت الطاقه في النظام العائلي وامر الازواج في التأديب والاصلاح فقال جلت الطافه (34 الرجال قوامون) القوام كثير القيام . وقام على الشيء اي في تدبيره واصلاح شؤونه ومنه القيم على اليتيم والمراد من المبالغة هنا دوام قيام الرجل على الرجل في شؤون ارشادها وتأديبها وتثقيفها ما دامت معاشرة له. فهم قوامون بحسب ناموس الخلقة والفطرة والشريعة ( على
ص: 104
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ
........................................................
النساء) بالاستحقاق والفضيلة لا تحكما بل بما اقتضته الحكمة في الخلق وحسن النظام وذلك (بما فضل الله) الههم وخالقهم على الحكمة به (بعضهم) اي بعض الرجال والنساء وهم الرجال بحسب النوع والغالب (على بعض) أي النساء بحسب النوع والغالب من قوة المدارك وكمال الخلقة والأخلاق كما لا يخفى ذلك كله حتى ان المشرحين متفقون بحسب ما وجدوه بالتتبع على ان دماغ الرجل وقلبه اكبر من دماغ المرأة وقلبها في جميع الادوار للقلب والدماغ وقد اقتضت حكمة الاجتماع والاشتباك في العشرة المدنية والتناسل والتربية أن يخلق الله هذين الصنفين من الإنسان على هذا الناموس لكي ينضوي الصنفين في كنف الآخر فتستحكم الروابط ويستوسق الارتباط. مع ان صفات كل من الصنفين هي النعمة بحسب ذلك الصنف فيما يراد منه في حياته الفردية والاجتماعية. وهي النعمة على مجموع النوع في بقائه وانتظام امره. غرب فضل لفاضل يعود بالنعمة على المفضول. ورب مفضولية هي نعمة على المفضول . فشرع للرجال أن يكونوا قوامين على من يرتبط معهم في العشرة من النساء بسبب فضل الرجال (وبما انفقوا) في شأنهن وعليهن (من اموالهم) وليس المراد ما مضى من الإنفاق قبل زمان النزول فإن الآية عامة لكل زمان بل المراد الاستلفات إلى ما يتمثل في الوجود من الانفاق قبل ترتيب الآثار الثابتة للقيمومة من الإرشاد والتعليم والتأديب فإن الإحالة على واجب المستقبل امر لا يمثل للاذهان فضيلة الانفاق (فالصالحات) من النساء صلاحهن على الاستقامة فيما یراد منهن فهن (قانتات) اي مطيعات وفي تفسير القمي عن رواية ابي الجارود قانتات اي مطيعات. واطلاق الصفة فضلا عن معنى القنوت يفيد الدوام وملكة الطاعة . وإن كان القنوت مختصا بطاعة الله فإن وصفهن بذلك يتكفل بكونهن مطيعات لازواجهن على ما امر الله به (حافظات للغيب) الغيب كالغياب والغيبة مصدر غاب خلاف الشهود اي حافظات لغيبة الناس من ان يقع فيها ما لا يرضى الناس ان يقع فيها ولا ينبغي وقوعه فيها ما فيه توهين وغدر لحقوقهن اغتناما لفرصة غيابهم . والظاهر في تمجيدهن بالصفة كونها عن ملكة تعم غيب الناس وازواجهن فإن ذلك هو المناسب لوصف الصالحات واثبت في حفظهن لغيب ازواجهن
ص: 105
بما حفظ الله واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِ
........................................................
في انفسهن واموالهم ومالهم وغير ذلك من الحقوق . وفي الآية تنبيه على ان الغيب له حرمة ينبغي ان يحفظ فيها عن وقوع المنافي فيه (بما حفظ الله) اي بالنحو الذي حفظه الله في شريعته بأوامره ونواهيه وزواجره وما شرعه من الحقوق كما هو مفصل في القرآن الكريم وفي ابوابه من السنة من آداب الشريعة بل حتى الحقوق العرفية التي يريد الأزواج رعايتهم وحفظ شرفهم في حفظها دون ما جوزه الشارع مما يلزم من أداء الشهادة ولوازم نصح المستشير و امثال ذلك فإنه ليس ما حفظ الله الغيب فيه. وقد ذكر في الآية تفاسير اخر وهذا هو الظاهر والأنسب (واللاتي تخافون نشوزهن) اصل الارتفاع و كنى به هنا عن ارتفاع الزوجة بطغيانها عن طاعة زوجها وحقوقه وتباعدها بتمردها عن ذلك ويكون ذلك بعد التدرج منها بالخروج عن الطاعة وحفظ حقوق الزوج وواجباته فتكون اوائل التدرج في ذلك منها باعمالها واخلاقها منذرة ببلوغها مقام النشوز الوخيم ، والطغيان في الخروج عن الموافقة والاستقامة، وهذه الأوائل هي مقام الخوف الذي شرع الله فيه التدرج بالاستصلاح واذن فيه بقوله تعالى (فعظوهن) با يرجى تأثيره من انحاء المواعظ من نحو الترغيب بثواب المطيعات لأزواجهن والإنذار بسوء عواقب المعصية ووبال النشوز وعقابه بما جاء في الكتاب والسنة بل حتى من التجارب عواقب النواشز وحسن حال المطيعات (واهجروهن في المضاجع) في التبيان وقيل هو هجر المضاجعة وهو قول ابي جعفر علیه السّلام وقال «يعني ابي جعفر الباقر علیه السّلام» يحول ظهره اليها : ونسبه في المبسوط إلى رواية اصحابنا اقول وهو الظاهر من الآية فإن المضاجع فيها ظرف للهجران لظهور كلمة «في» في الظرفية وان تحويل ظهره اليها مع ما يلزمه من عدم تكليمه لها هو الذي تتجلى منه ظواهر الهجران المؤلم للمرأة دون ترك الكلام معها مع اقباله عليها بمقاديم بدنه اذ يحتمل ان يكون ترك الكلام لفكر او كل او نعاس ونحو ذلك. واما ما ذكره في الدر المنشور عما اخرجه ابن ابي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس «لا تضاجعها في فراشك» فإنه غير الهجران في المضاجع ولا يكون المضجع على هذا ظرفا للهجران نعم يمكن التكلف لتأويله بأن كلمة «في» للسببية داخلة على محذوف يؤل اليه تأويل الكلام ولكن فيه من التكلف ومخالفة الظاهر ما لا يخفى. ولا يصح في الآية ما قيل من حملها على المعنيين المذكورين وذلك لما ذكرنا مرارا من ان اللفظ لا يجوز ان يجمع فيه بين المعنيين او المعاني المتعددة . وفي
ص: 106
يوفي الله بينهما إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً (36) وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شيت و بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
........................................................
الضمير عائدا إلى الحكمين فإن ارادا اصلاح شأن الزوجين وكان ذلك من نيتها لاميل كل واحد الجانب (يوفق الله بينهما) ويجمع رأيهما على الصواب (إن الله كان) ولا يزال (عليها) بحقائق الامور وحكمتها (خبيرا) بالسرائر والنيات . ثم شاء الله ان يواصل لطفه على الإنسان بهدايته إلى اسباب السعادة وصالح الاعمال ومكارم الأخلاق وحسن السلوك في الحياة الدنيا والقيام بحقوق النوع . وصدر ذلك بأفضل الأوامر واساس النجاة وروح الصلاح وجامع الهدى فقال جلت آلاؤه (36 واعبدوا الله) إلهكم يا أيها الناس (ولا تشركوا به) في العبادة (شيئا) وهذا النهي بمنزلة التفسير للأمر المعطوف عليه فإن عبادة الله لا تستقيم لها حقيقة مع الاشراك به في العبادة وقد تقدم بعض البيان لمعنى العبادة في الجزء الأول ص 57 حتى 59 وحاصل الأمر هنا استشعروا مظاهر الخضوع الله إلهكم بالخضوع الذي يوفى به حق امتياز الله إله العالمين بالإ كمية . ويقرب ان ينظر في معنى العبادة إلى طاعة الله إله العالمين في اوامره ونواهيه باعتبار الخضوع المقام إلهيته بالطاعة والإذعان كأن الطاعة هي باب السعادة في الدارين وينظر بالشرك هنا الى ما يعم مخالفة الله بالاتباع للهو والانقياد للشيطان فإن ذلك وإن لم يوجب منه محض المعاصي في الاعمال كفرا وخروجا عن الدين لكنه خلل في حق الخضوع الله ومقام إلهيته على حد قوله في سورة يس «ألم اعهد اليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم» (وبالوالدين احسانا) أي احسنوا احسانا نائب عن فعله في الدلالة على الأمر والتأكيد في الإغراء بالإحسان يقال احسن اليه وأحسن به كما يقال اساء اليه واساء به كما في قول كثير :-
اسيتي بنا او احسني لا ملومة *** لدينا ولا مقلية ان تقلت
وقد تكرر قوله تعالى في الوصية بالوالدين «وبالوالدين إحسانا» كما في سورة البقرة 81 والأنعام 150 والاسراء 22. وإن قول القائل احسن به وبالوالدين احسانا يدل على دوام الإحسان وعدم الإساءة. وذلك لأن معناه جعل فعله به حسنا وإحدانا ومعنى الآية وأحسنوا بالوالدين فعلكم معهم . وهذا الوجه ظاهر من شعر كثير وان كان في استعمالي
ص: 107
وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ
........................................................
القرآن الكريم اظهر بخلاف احسن اليه فإن معناه اوصل اليه احسانا وهو يجتمع مع انقطاع الاحسان . وهذا هو السر في دوام تعبير القرآن الكريم في الوصية بالوالدين بهذه العبارة المذكورة في الآية (وبذي القربى) والرحم (واليتامى) فإنهم مورد الرحمة والرأفة والإحسان (والمساكين) وهم الفقراء مع ضعف يرثى فيه لحالهم . ولا يخفى ما في الإحسان بهؤلاء المذكورين من الأهمية في كرم الاخلاق والرحمة والاسعاف والقيام بالواجب (والجار ذي القربى والجار الجنب) بضم الجيم والنون. وفي الدر المنثور ذكر جماعة اخرجوا من طرق عن ابن عباس في قوله تعالى والجار ذي القربى يعني الذي بينك وبينه قرابة . والجار الجنب يعني الذي ليس بينك وبينه قرابة. وعن تفسير العياشي عن ابن عباس نحوه . فيكون التكرار لذي القربى باعتبار امتيازه بحق الجوار ايضا . قال في الكشاف وانشدوا لبلعان او بلعاء بن قيس : -
لا يحتوينا (1)مجاور ابدا *** ذو رحم او مجاور جنب
وفي المصباح عن بعض اللغويين أن الجنب بمعنى الأجنبي وهو ظاهر القاموس . ومقتضى القاموس والمصباح أن القربي كالقرابة مختصة بالقرب في الرحم لا في المكان لكن في الكشاف اختار تفسير الآية بالذي قرب جواره والذي جواره بعيد . وفي مختصر التبيان نوع اضطراب واظنه من الاختصار أو النساخ واقتصر في مجمع البيان على نقل الأقوال (والصاحب بالجنب) بفتح الجيم وسكون النون في القاموس هو شق الإنسان وغيره . وفي الدر المنثور ذكر من اخرج عن ابن عباس انه الصاحب في السفر. ومن اخرج عن علي علیه السّلام انه امرأة الرجل ومن اخرج عن ابن مسعود وابن عباس مثله اقول ولا مانع من شموله الأمرين ويشهد لذلك روايتهما معا عن ابن عباس وكذا من يصاحبه في الحضر بجنبه ماشيا او جالسا. وفي التبيان نسب الأمرين إلى القيل وقال وقيل هو المنقطع اليك رجاء رفدك وقيل انه جميع هؤلاء وهو اعم فائدة وتبعه على ذلك في مجمع البيان وزاد فيه الخادم الذي يخدمك كما اختار العموم اقول ان ادخال المنقطع رجاء الرفد إذا لم يكن له صحبة إلى الجنب في الخارج يستلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في الاستعمال (وابن السبيل) وهو المنقطع به في سفره عن مدد قومه
ص: 108
واضْرِبُوهُنَّ فَإِن أطعنكُمْ فَلا تبغوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كبيراً (35) وَإِن خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا
........................................................
الدر المنثور ذكر عمن اخرج عن ابن عباس في معنى الهجران في المضاجع روايات متعددة متعارضة (واضربوهن) في التبيان وأما الضرب فإنه غير مبرح بلا خلاف انتهى والمبرح هو ما يوجب المشقة والشدة والظاهر اتفاق المسلمين على هذا القيد واخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في خطبته في حجة الوداع . واخرجه ابن جرير عن حجاج عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم. ورواه في الدر المنثور عما اخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس اقول ويلزم ذلك ان لا يكون الضرب مدمبا ولا كأسرا بل ولا في المواضع التي هي معرض للخطر وسوء الأثر . وفي التبيان قال ابو جعفر يعني الباقر علیه السّلام بالسواك واخرج ابن جرير عن عطا عن ابن عباس بالسواك ونحوه ولعل المراد بعود مثل عود السواك. وكيف كان فلا تصلح الروايتان من حيث سندهما لتقييد الضرب في الآية نعم يكفي في تقييدها الاجماع على ان لا يكون مبرحا . والمعلوم من الآية كون الضرب للتوصل إلى اصلاح المرأة وانابتها إلى الطاعة فيلزم الاقتصار على اقل ما يرجى به حصول الغرض كما وكيفاً ويتدرج فيه ما لم يحصل اليأس من تأثيره. وكذا الكلام بالنسبة إلى التدرج في الوعظ إلى الهجران إلى الضرب والجمع بين بعضها وبينها . والآية الكريمة زعيمة ببيان هذه التفاصيل ببيان ان ذلك لأجل التوصل إلى التأديب والاستصلاح والطاعة بقوله تعالى (فإن الطعنكم ) فيما تجب فيه طاعة الزوجات (فلا تبغوا) ولا تتطلبوا ( عليهن سبيلا) بتشبثات التهم وسوء الظن وتكليف القلوب فوق ما تقتضيه الأحوال فإنكم مأمورون بمعاشرتهن بالمعروف وبعض الظن اثم وامر القلوب بيد الله (إن الله كان) ولا يزال (عليا) في عداه واحكامه وحكمته (كبيرا) في جلاله لا يكلف فوق الطاقة ولا يهمل ارشاد عباده في نظام اجتماعهم وتعليمهم، وسيأتي إن شاء الله في اواخر السورة ما يعود إلى خوف المرأة من نشوز الزوج واعراضه وحكمة اصلاحه (35 وان خفتم) با ايها الذين تعنيهم شؤون الزوجين بسبب الروابط والأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس عند ظهور المنافرة بين الزوجين وخشيتهم من عاقبة ذلك (شقاق بينهما ) باستمرار الخلاف بحيث ينشق ائتلافها إلى شقين متباينين في
ص: 109
فا بعنُوا حَكَمَا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَا مِنْ أَهْلَهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا
........................................................
العداوة والبغضاء (فابعثوا) الخطاب في الآية بصيغة الجمع وليس في عصر الخطاب من له ولاية الحكم الشرعي إلا واحد وهو رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فمقتضى ظاهرها ان بعث الحكمين عند خوف الشقاق لا يختص بمن له الولاية العامة . وعن تفسير العياشي و في الدر المنثور عن عبيدة السلماني أن امير المؤمنين علي علیه السّلام امر الفئامين الذين جاء آمع الرجل والمرأة أن يبعثوا حكماً من اهله وحكما من اهلها ولم يكن علیه السّلام هو المتصدي للبعث . نعم من يكون له الولاية بسيطرته منفذا لاحكام التحكيم كما في سائر الاحكام الشرعية . لكن في التبيان أن المأمور يبعث الحكمين هو السلطان الذي يترافعان اليه . وجعله اصح الأقوال. وفي المسالك انه قول الأكثر . وفي مجمع البيان وهو الظاهر في الاخبار عن الصادقين علیهما السّلام وفي كنز العرفان وهو المروي عن الباقر والصادق علیهما السّلام وهو الأصح لأن أول الكلام في «خفتم» يدل عليه اقول اما الرواية عن الباقر والصادق علیه السّلام فلم اعثر على اثراها بل لعل المستفاد مما سنشير اليه من الروايات خلافه.
واما الخطاب في «خفتم » فيدل على خلاف ما ذكره كما ذكرناه (حكما) الحكم هو من ينصب للتحكيم (من اهله) اي من اهل الزوج (وحكما) آخر (من اهلها) وذكر الأهل لأنهم اقرب إلى الاطلاع على الخفايا ومناهج الإصلاح. والظاهر عدم الانحصار بهم خصوصا مع عدمهم او عدم صلاحيتهم لذلك ولا بد من كون الحكم بحسب حكمة الآية صالح اللكفاية في المقام بحسب ذاته واهتدائه لما يراد فيه مكلفا عاقلا مسلما إذا كان الزوجان مسلمين او كان أحدهما مسلما . وفي اعتبار العدالة شك نعم يعتبر الاطمئنان بامانتهما في المقام واما الذكورة والحرية فا لا طلاق ينفي اشتراطهما في المقام. وقد استفاض الحديث في ان حكمهما بالفراق موقوف على اذن الزوجين او اشتراط الحكمين عليه ما و اتفاق الحكمين في موثقة سماعة عن الصادق علیه السّلام وموثقة ابن مسلم عن احدهما علیهما السّلام وصحيحة الحلبي وروايتي ابي بصير عن الصادق علیه السّلام والبطائني عن الكاظم علیه السّلام وعلى ذلك ما اشرنا اليه من رواية عبيدة السلماني عن امير المؤمنين علیه السّلام وان اشتراط الاذن من المرأة واجتماع الحكمين في الفراق حار على الغالب في المقام من كونه بالخلع
هنا والمباراة ومن يؤخذ انه لا يمضي اسقاط الحكمين لحقوق احد الزوجين او كليهما إلا باذنه أو اذنها . نعم يحكمان بما يقتضيه نشور احدهما او كليهما من الاحكام الشرعية فينقذ الحاكم ذلك بسيطرته ان لم يتيسر لها اصلاح الزوجين ( إن يريدا اصلاحا ) الظاهر من السباق كون
ص: 110
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (37) الَّذِينَ يبخلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبَحْلِ وَيَكتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ عَذَابًا مهينا (38) والَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْم الآخِرِ
........................................................
ووطنه و موارد نفعه ورقم احتياجه وفي تفسير القمي ابناء الطريق الذين يستعينون بك في طريقهم وفي التبيان المسافر وقيل هو الضيف وقال اصحابنا يدخل فيه الفريقان قلت كما يعرف ذلك من مباحث الزكاة ( وما ملكت ايمانكم ) يعني العبيد والإماء كما في التبيان . وان وجوه الرجحان للاحسان بالذين ذكروا لهي راجحة في سنن الاخلاق الفاضله والنفوس المهذبة ولا يدخل فيها ما هو معصية الله او يستلزم اساءة إلى شخص آخر . وقد كبر شأن الإحسان بهؤلاء المذكورين اذ قرن وصيته به بالوصية بعبادته وعدم الاشراك به . ولعمر الحق ان هذه الامور الموصى بها لما تنادي به الفطرة وتهتف به الحجة ويشهد بها الوجدان وتحث عليه الفضلة ، وتبعث عليه الاخلاق الفاضلة والعاطفة الصالحة ولا يحيد عنها الا من اعجبته نفسه الساقطة بخبلائها الممقوت واستكباره التعيس ، فيكون مختالا بغروره استكبارا ، فخورا من عجبه بنفسه بماليس فيه قد اغفله ذلك عن انه عبد مخلوق مربوب لا له واحد قهار ، واغفله ايضا عما يراد منه مما فيه سعادته وارتفاعه من حضيض النقص (ان الله لا يحب من كان مختالا) باستكباره وعجبه بنفسه وما زينه له جهله المركب، (فخورا) بالموهومات وهو غريق في ضعة الجهل والنقصان وويل لمن كان الله لا يحبه وكفى بذلك مقتا وشقاء (37 الذين) من لؤمهم وشقائهم الذي جره اليهم خلال استكبارهم وعجبهم بأنفسهم (يبخلون) بما آتاهم الله من فضله في موارد السماحة ومكاسب الفضيلة بطاعة الله ومحاسن الإنفاق من مال الله (ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) من مال او علم ومنه العلم بنبوة رسول الله وصفاته (واعتدنا) بما احضرنا مصداقا للوعيد بما يستحق من العذاب للكافرين عذابا مهينا) (38 والذين ينفقون اموالهم) اذا سنح لهم ان ينفقوا شيئا انفقوه لاطاعة لله ولا لحسن الإنفاق في مورده بل (رثاء الناس) ولأجل ذلك وقد ذكر معنى الرثاء في لله ولا في (الجزء الأول ص 234) (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) يوم المعاد وقد أسلموا قيام
ص: 111
ومَنْ يَكُن الشَّيْطَان لَهُ قرينا فَسَاء قرينا (39) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ
........................................................
للشيطان باتباعه حتى طمع فيهم فلا ينفك في الغواية وصار بسوء اختيارهم قرينا لهم لدوام اغوائه لهم اعاذنا الله منه (ومن يكن الشيطان له قربنا فساء) هذا القرين المشوم المهلك بقبايح غوايته وخسة اقترانه (قرينا) فهل ترك الشيطان يقف في غوايته للانسان على حد الاتراه يرديه في اقبح الكفر والنفاق وقبائح الاعمال أفلا ترى انقياد بعض الناس لغوايته الى اخس الأحوال وأقبحها واشنعها . وكلمة « الذين» في الآية السابقة بدل من «من» في قوله تعالى من كان مختالا. ودعوى انها مرفوعة او منصوبة على الذم تحتاج الى شاهد من تغير صورة الإعراب ولا شاهد. ودعوى انها مبتدأ وخبره محذوف كما في الكشاف وتفسير الرازي تحتاج الى قرينة وداع لما قدراه فضلا عن كونه تكلفا بعيدا عن كرامة القرآن . ودعوى ان الخبر قوله تعالى «ان الله لا يظلم الآية» كما ذكره في التبيان ومجمع البيان تحتاج الى رابط مع أن الآية التي جعلوها خبرا تخرج عن تمجدها العام إلى محل لا تصلح له واين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر من قوله تعالى وان تك حسنة يضاعفها الآية (39 وما ذا عليهم) من الوبال او الخسران او النقص او سوء العاقبة او غير ذلك من المحاذير (لو آمنوا بالله واليوم الآخر) أليس الايمان بالله دين الفطرة ونور المعلومة وسناء الحجة القيمة . وان الإيمان باليوم الآخر لمن اسمى المعارف الموصولة الى الحقائق وحق الايمان بذلك زعيم بنوع من تهذيب الانسان وتكميله و حسن اجتماعه مع نوعه بما يشعر به من الرغبة والرهبة . ذلك اليوم الذي بشر و انذر به الانبياء الذين قامت الحجج على نبوتهم وعصمتهم والكتاب الكريم الذي حفته الأدلة على انه منزل من الله بل انه بنفسه من وجوه متعددة هو الحجة على ذلك (و) ماذا عليهم لو ( انفقوا) كما امرهم الله وحكمت العقول مع ذلك بحسنه ومنه الانفاق في الموارد المذكورة (ما رزقهم الله) افلا يعتبرون بأن الإنسان يولد طفلا لا يملك لنفسه شيئا فيتغلب في جميع أدوار حياته في نعم الله ورزقه وقد يصير ذا مال وثروة طائلة فهل من قدرته انزال اللبن الرضاعه ونمو الزرع والفرس ونتائجهما وسلامة ذلك من الآفات . أم من قدرته انتاج الحيوان الذي ينتفع به أم بيده أرباح المكاسب أفلا يعتبر أنه كم من كادح في كسبه لم يربح الا الخسران والإملاق وكم من ذي ثروة عاد
ص: 112
وكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (40) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ بِضَاعِفَها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
........................................................
بالرغم عليه فقيرا . أفلا يشعرون بان ما في ايديهم هو رزق الله من خزائن رحمته التي لا تنقص فلما لا ينفقون كما أمرهم الله ويطلبون منه الثواب المضاعف والخلف (وكان الله) ولا يزال (بهم) في أمر ايمانهم وانفاقهم ونياتهم وجميع شؤونهم (عليا) يجزيهم جزاء هم (40 ان الله) القدوس المتعال (لا يظلم) الظلم معروف ويتعدى إلى مفعولين يقال ظلمه حقه وماله (مثقال) اسی ثقل ووزن (ذرة) ذكروا أن الذرة هي اصغر النمل وفي مجمع البيان والكشاف وقيل هي جزء من اجزاء الهباء في الكوة من اثر الشمس . وهذا اقصى ما يعرفه بالحس نوع الناس من الصغر لضرب المثل (وإن تك) اي تكن ويطرد في مثل هذا حذف النون (حسنة) بالنصب لأنها خبر . والحكم المذكور فائدة الكلام إنما هي باعتبار الخبر وعنوانه فلذا اعتبر الاسم المقدر مؤثثا لأن الحكم إنما هو لما يتحد مع الخبر كما في قوله تعالى «وإن كن نساء وإن كانت واحدة . إلا أن تكون تجارة . فإن كانتا اثنتين» اي وإن تكن التي بمقدار الذرة حسنة . وفي مجمع البيان وان تك زنة الذرة حسنة . ويدفعه ان الزنة والمقدار ليس هي الحسنة بل هي المقدر وزنه بزنة الذرة . وكذا قول الكشاف وان يك مثقال ذرة حسنة وإنما انت ضمير المثقال لأنه مضاف إلى مؤنث انتهى ويدفعه مضافا الى ما ذكرناه ان تأنيث المضاف باعتبار المضاف اليه شاذ لا يناسب كرامة القرآن على ان الاعتبار لا يساعد على تأثير المضاف اليه المحذوف هذا الأثر . وفي التبيان «وان تك فعلته حسنة» وهو جيد يرجع الى ما ذكرناه والعجب من مجمع البيان اذ لم يذكر هذا الوجه الوجيه مع انه لا يغادر شيئا من التبيان لا يذكره (يضاعفها) بمايشاء من المضاعفة. والمضاعفة هي ان يزاد على الشي مثله في المقدار ا و امثاله. ومضاعفة الحسنة هي ان يعتبرها الله برحمته الواسعة في مقام الجزاء بمقدار ضعفها او أضعافها اي يضاعف جزاءها. وفي سورة البقرة 244 اضعافا كثيرة (ويوت من لدنه) من فضله العظيم ورحمته الواسعة على الحسنة بمقدار الذرة (اجرا عظيما) بحسب ما يشاء ما يشاء من المضاعفة ويجعل الكل بعنوان الأم تكريما للمطيع، واكمالا لابتهاجه. فويل للذين لم يعبدوا الله واشر كوا به. ولم يتبعوا سيل الرشاد في امتثال اوامره ونواهيه بعد ما قامت عليهم الحجج في الدنيا وانقطعت المسافة
ص: 113
(41) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أمةٍ بِشَعِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هُؤلاء شَهِيداً (42)) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوا الرَّسُولَ لَوْ نُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضَ وَلَاَ يَكتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا
........................................................
وما اعظم حسرتهم واسوء حالهم يوم الحساب (41 فكيف) حالهم (إذا جئنا) یوم القیامه (من كل امة) ارسل اليهم رسول او قام فيهم نبي او امام هدى (بشهيد) يشهد عليهم في ذلك المحشر العظيم بأنه قد بلغهم و بشر وانذرهم وأقام لهم الحجج وقطع المعاذير وأظهر دين الحق ونصر دلالة العقل عليه وحفظ لهم احكام الشريعة . ولا حاجة في ذلك اليوم إلى الشهيد ولكن يؤتى ب-ه عليهم زيادة في خزيهم ببيان ما كانوا عليه من البغي والعناد للحق لحسرة ندامتهم جزاء بما كانوا يكسبون (وجئنا بك) يارسول الله ( على هؤلاء الذين كانوا موجودين حين النزول (شهيدا) تعلن ما جئتهم به في دار الدنيا من الحجج على دعوتك الصالحة وما قمت به احسن قيام في التبليغ والإنذار والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وما قاسيته منهم من عناد الضلال وشدة الأذى وتأليهم عليك مجاهرة ونفاقا . وفي رواية الكافي وسعيد بن عبد الله ما يعطي ان المراد من «هؤلاء» في الآية هم الشهداء على الأمم ورسول الله شهيد عليهم . لكن في الروايات ضعف. وفي تفسيرها للآية إشكال وفيما ذكر في تفسير البرهان من روايات المباشي نوع معارضة لها (42 يومئذ بود الذين كفروا وعصوا الرسول) فيما جاء هم به من الله ومن الدين والشريعة (لو (1)تسوى بهم الأرض) اي تكونون ترابا وجزءاً منها فتسوى بهم وتكون سواء لا يمتازون عنها بوجه (ولا يكتمون الله حديثا) يقال كتمت زيدا الحديث والخبر . وقد اختلفت كلمات المفسرين كما ذكره في التبيان ومجمع البيان فمنها ما يؤدي إلى أن الجملة وعدم كتمانها للحديث داخلة فيما يودونه يومئذ ومعطوف على جملة لو تسوى . وهو مؤدى ما في الدر المنثور في ذكر ما اخرج عن ابن عباس في السؤال عن هذه الآية . ومنها أن الجملة معطوفة على جملة «يود» وعليه ما صححه الحاكم في المستدرك عن حذيفة ثم عقبة بن عامر الجهني واني مسعود الأنصاري بسماعهم من فم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ومنها لا يكتمون الله في جوارحهم كما في الدر المنثور عن ابن عباس بل وما صححه الحاكم
ص: 114
(43) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وأنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ
........................................................
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : وعن العياشي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عن ابيه عن جده قال قال امير المؤمنين في خطبته يصف هول القيامة ختم الله على الأفواه فلا تكلم وتكلمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا . فالراجح كما هو الصواب كون الجملة معطوفة على جملة «بود» او مستأنفة (43 يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) أخرج الترمذي في تفسير جامعه عبد الرحمن السلمي عن علي أمير المؤمنين علیه السّلام قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا و حضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فأنزل الله وذكر الآية. وأخرج ابو داود في كتاب الأشربة بسنده عن سفيان عن عطا عن ابي عبدالرحمن السلمي عن علي علیه السّلام أن رجلا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاها قبل أن تحرم الخمر فأنهم علي في المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون فخلَّط فيها فنزلت الآية . وأخرج الحاكم في تفسير المستدرك بسنده عن سفيان عن عطا عن ابي عبد الرحمن السلمي عن علي علیه السّلام دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ قل يا أيها الكافرون فالتبس عليه فنزلت الآية. وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفيه فائدة كبيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى امير المؤمنين علي دون غيره وقد برأه الله منها فإنه روى هذا الحديث. وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم وصححه عن علي قال صنع لنا عبد الرحمن طعاما إلى آخر المتن الذي رواه الترمذي . وقد سمعت روايتي ابي داود والحاكم ولم أطلع على رواية الباقين ممن ذكرهم السيوطي لكي أعرف خطأه في النقل عنهم كما أخطأ في النقل عن ابي داود والحاكم (1) وأخرج ابن جرير وفي الدر المنثور عن ابن المنذر عن علي علیه السّلام أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ قل يا أيها الكافرون
ص: 115
فخلط فيها. وفيه ايضا أخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال نزلت في ابي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد صنع لهم علي طعاما وشرابا فأكاو او شربوا ثم صلى علي بهم المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون حتى خاتمتها فقال ليس لي دين وليس لكم دين فنزلت الآية . وأخرج احمد والترمذي وابو داود والنسائي وفي كنز العمال ومختصره ذكروا ايضا جماعة ممن أخرجوه أيضا، عن عمر لما نزل تحريم الخمر قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا فنزلت الآية التي في البقرة فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية وفي الدر المنثور في آية المائدة أخرج ابن المنذر من محمد ابن كعب القرضي وذكر حديثا فيه ثم انزلت التي في النساء بينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يصلي اذ غنى سكران خلفه فانزل الله لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية . وإنك لتعرف سقوط الرواية وانها من جنابات الأهواء إذا نظرت إلى الروايات الست المتقدمة واختلافها واضطرابها (1)وإلى نسبة السيوطي وصاحب المنار متن الترمذي إلى رواية ابي داود والنسائي والحاكم . وتزيد بصيرة اذا عرفت ما في تهذيب التهذيب عن الواقدي من أن أبا عبد الرحمن السلمي عبد الله ابن حبيب شهد مع علي صفين ثم صار عثمانيا أي معاديا لعلي ومواليا لمعاوية وجرى اصطلاحهم على ان مثل هذا في عداوة علي وموالاة معاوية يسمى عثمانيا. ومما يدل على معاداته لعلي ما أخرجه احمد في مسند علي برجال الصحة عندهم عن سعد بن عبيدة قال تنازع ابو عبد الرحمن السلمى وجبان بن عطية فقال ابو عبد الرحمن قد علمت ما الذي جراً صاحبك «يعني عليه السلام» قال حبان فما هو لا ابالك قال وذكر عن علي علیه السّلام حديث طلبه للمرأة التي كتب معها حاطب بن بلتعة إلى قريش يخبرهم بان رسول الله بريد ان يغزوهم فأراد عمران يضرب عنق
ص: 116
حاطب فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة الحديث فإنه لا يفد على هذه الجرأة على امير المؤمنين علیه السّلام إلا من كان معادياله يقول في شأنه المقدس انه يجترى على الكبائر اغترارا بكونه بدريا ثم نقول في امالي الصدوق بسند معتبر عن الصادق علیه السّلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم اول ما نهاني عنه ربي جل جلاله عبادة الأوثان وشرب الخمر الحديث وفي الدر المنثور اخرج البيهقي في الشعب عن علي علیه السّلام سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول لم يزل جبرائيل ينهاني عن عبادة الأوثان وشرب الخمر الحديث وأخرج البيهقي عن ام سلمة ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال كان من أول ما نهاني عنه ربي وعهد إلي بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر ملاحات الرجال . وفي كنز العمال و مختصره عن الطبراني عن ابي الدرداء وعن معاذ عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم نحوه وعن ابي نعيم في الدلائل عن علي علیه السّلام قبل النبي هل عبدت وثنا قط قال صلی الله علیه و آله و سلّم لا ، قالوا هل شربت خمرا قط قال لا ، وفي الكافي والتهذيب وعبون الصدوق وعلله عن علي بن ابراهيم عن الريان وفي التفسير عن ياسر الخادم عن الرضا علیه السّلام ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر . وفي الكافي والتهذيب في الصحيح عن زرارة عن الصادق علیه السّلام ما بعث الله نبيا قط إلا وفي علم الله انه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر ولم تزل الخمر حراما وإنما ينقلون من خصلة إلى خصلة ولو حمل ذلك عليهم جملة لقطع بهم دون الدين. ونحوه ما في الكافي والتهذيب عن ابراهيم اليماني عن الصادق علیه السّلام وما في الكافي عن زرارة عن الباقر علیه السّلام والمعنى أن الخمر لم تزل حراما عند الله وفي كل دين ولكن قد به تفحل الضلال وحكم الجاهليه في الأمم إلى أن يروها حلالا فإذا بعث الله نبيا آخر قد لا يفاجئهم في أول نبوته وتبليغه بتحريمها لأن الحكمة تقتضي أن يتدرج معهم في بيان المحرمات ببيان خصلة خصلة ولو حملهم دفعة على ترك جميع المحرمات لما انقادوا الى الدين ولقطع بهم دونه . ويشهد تدرج القرآن الكريم بيبان أن فيها اثما كبيرا واثمها اكبر ما يزعمه الناس كما مضى في سورة البقرة وانها رجس من عمل الشيطان ليوقع بها العداوة والبغضاء بينهم . كما في سورة المائدة . وما كان كما ذكرناه لا بد من ان يكون النبي عالما بتحريمه من أول الأمر ولا بد في كماله وعصمته واهليته للنبوة ودعوتها من أن لا يكون مدة عمره الشريف قد لوث قدسه بشر بها قبل النبوة وبعدها . اذن فمن تربى بتربية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ونهج من صغر سنه نهجه وتأدب من طفوليته بآدابه و آمن برسالته من أولها وكان أطوع له صلی الله علیه و آله و سلّم
ص: 117
من ظله كيف يقال في شأنه انه كان بشرب الخمر امٌّ الخبائث والموقعة في الفواحش والسالبة للعقل وشرف الإنسانية والملحقة للإنسان بمجنون الوحوش.
وايضا ان الانسان اذا سكر وعربد ظهر عليه في هذيانه ما كان مطويًا في نفسه من عادياته و مألوفاته ومرتكزات مخيلته ، ومكتومات خواطره في الحب والبغضاء وأن مثل امير المؤمنين علیه السّلام إذا عربد ظهر مرتكزات ذهنه وآثار عاداته ومألوفاته وما نشأ عليه من اوائل شعوره من بغض الأوثان وتسفيه عبادة الجاهلية والشرك فيقول وينادي لا اعبد رجس الأوثان . سفها لكم ايها المشركون لا اعبد الحجر والخشب المنحوت وكيف اجعل من ذلك آلهة مع الله وكيف أكون من المشركين وينشد ماقاله ابوه ابوطالب
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير اديان البرية دينا
ولكن قصاص الرواة قد نسبوا القدس رسول الله في مناكير رواياتهم ما هو اشنع من ذلك رووا أنه صلی الله علیه و آله و سلّم - وحاشا قدسه - قرأ في مكة بمحضر قريش سورة النجم ولما تلا أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى قال على الأثر تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ونسبوا لقدس جميع الانبياء والرسل إذا قرأوا القى الشيطان في قراءتهم مثل خرافة الغرانيق وفسروا بذلك قوله تعالى في سورة الحج المدنية وما من نبي ولا رسول إلا اذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته . وتتابعت على ذلك جملة من التفاسير كما اشرنا اليه في الجزء الأول من كتاب الهدى ص 123 - 128 ولينظر على الأقل إلى ما ذكره في الدر المنثور في الآية المذكورة من سورة الحج . ولم تترك بعض الروايات قدس رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بدون ان تلوثه بالخمر ففي الدر المنثور عن تميم الداري انه كان يهدى لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم كل عام راوية من خمر فلما كان عام حرمة الخمر جاء براوية فلما رآها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ضحك الحديث(1)
ص: 118
ومقتضى روايات الدر المنثور عن ابن عباس ان آية وأنتم سكارى نسختها آية انما الخمر والميسر وفي رواية آية الوضوء و في اخرى انها قبل أن تحرم الخمر وأن المراد سكر الخمر . ولكن ذكر ان عبد بن حميد اخرج عن ابن عباس أنه قال النعاس ويشبه أن يكون من ذلك ما اخرجه البخاري عن انس عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم اذا نعس احدكم وهو يصلي فلينصرف ولينم حتى يعلم ما يقول وفي الكافي في الموثق عن الصادق علیه السّلام سئل عن الآية فقال سكر النوم . وفي الصحيح عن الباقر علیه السّلام يعني سكر النوم وروى المباشي عن الباقر علیه السّلام نحوه . والسكر ضد الصحو وهو حالة تعتري الإنسان تعبث بشعوره وتخرجه عن استقامته الطبيعية . ومن ذلك ان يذهل عما يقول او يفعل كلا او بعضا فينفعل أو يقول ما لا يعلمه ولا يريده . وللسكر مرائب مختلفة ومنه الحالة التي تعتري الإنسان بهذه الصفة من شدة النعاس وهي المرادة من سكر النوم اي السكر الذي يكون من مقدمات النوم او بقاياه في الاستيلاء على الحواس والشعور ومنه قول الطرماح
مخافة ان يرين النوم فيهم *** بسكر سنانة كل الريون
وانشد الرضي في حقائق التأويل شاهدا على ذلك
وركب سروا حتى کان رقابهم***من السكر في الظلماء خيطان خروع
نعم قد كثر استعماله في سكر الخمر لكن هذه الكثرة لا تمنع ارادة المعنى العام في الآية خصوصا مع اقتضاء الآية لإرادته فإن قوله تعالى حتى تعلموا ما تقولون يدل على أن المراد حفظ صورة الصلاة والالتفات اليها . وصونها عن الذهول عنها والتخليط في افعالها واقوالها فإن احراز هم لكونهم يعلمون ما يقولون فيها يلزمه الصحو العادي . ولو قيل ان السكر حقيقة في سكر الخمر مجاز في سكر النوم لكانت الغاية على ما قررنا قرينة على إرادة معنى يعم ما زعموه من الحقيقة والمجاز . وانما خص بالذكر سكر النوم في روايات ابن عباس والباقر والصادق علیهما السّلام نظرا الى حال السائلين واكثر المسلمين في ان محل ابتلائهم الذي يقتضي بيان الحكم لهم هو سكر النوم لا الحصر مدلول الآية به. واما قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا فالخطاب فيه للمؤمنين الموجودين في حال الخطاب نهيا لهم عن ان يقربوا الصلاة على تلك الحالة في المستقبل فإن خطاب المعدومين ودخولهم فيه قبيح كما هو المذهب الصحيح نعم يعم الحكم غير الموجودين
ص: 119
من المؤمنين للاجماع على الاشتراك في احكام الإسلام . ودعوى ان الخطاب للمؤمنين السكارى في حال الخطاب مجازفة باردة ومن أين علم بوجود السكارى حال الخطاب . فلا وقع لوقوع البعض في الحيص والبيض في صحة خطاب السكران وتكليفه . ولا يدل هذا النهي باحدى الدلالات على ان شرب الخمر و المسكر حلال لكي يقال ان الآية باعتبار دلالتها على حل شرب الخمر والمسكر قد نسختها آية انما الخمر والميسر كما ذكر في الدر المنثور من اخرجه عن ابن عباس ومنهم ابو داود والنسائي . ومن الغريب ما ذكر من انه اخرج عن ابن عباس ان آية السكارى نسختها آية يا ايها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية ومن المعلوم ان كون الإنسان يعلم ما يقول يلزمه صحوه من السكر ولكن ذكر العلم بما يقولون لكي يشعر بوجه النهي والجهة التي تصان عنها الصلاة وللاشارة الى رذيلة السكر والخروج به عن حالة العقلاء وشرف الشعور والإنسانيه . والآية بنهيها وحكمة غايتها تدل على فساد الصلاة في حالة السكر . وقوله تعالى «لا تقربوا» هو على معنى القرب تأكيدا لاحترام الصلاة واجتنابها حال السكر حتى باجتناب القرب منها . ومن انحاء القرب منها دخول المسجد . وحكى عن بعضهم ان المراد لا تقربوا موضع الصلاة وهو المسجد فحذف المضاف وهو «موضع» وذكر له بعض وجها آخر وهو ان المسجد سمي في الآية بالصلاة باعتبار كثرة وقوعها فيه او سمي بذلك تعريبا لتسمية اليهود موضع عبادتهم «صلانا» اقول ومع ان هذا كله خلاف الظاهر في نفسه يلزم منه أن تكون الاحكام الآتية في الآية احكاما المسجد واللازم باطل لأن المساجد خصوصا في زمان الخطاب ليست معرضا لأن تكون في الاسفار حيث لا يوجد الماء كما في البراري فيتيمم لدخولها كما في قوله تعالى او على سفر ولم تجدوا ماء . ولأن الاجماع قائم على انه ليس من احكام المساجد ان الذي يجبي من الغائط منهي عن دخولها حتى يتيمم ان لم يجد ماء بل ما الحكمان الا من احكام الصلاة على حقيقتها : وجملة «وانتم سكارى» حالية والواو فيها لبيان الحال . ولا يخفى ان التبع في صحيح الكلام والتدبر له يقضي بأن الجملة الإسمية یوتی بها في ضمن الذهي حالا في مقام يكون مضمونها ظاهر المنافاة للفعل المنهي عنه فيؤتى بها استلفاتا إلى تلك المنافاة واحتجاجا لحكمة النهي . فكأنه قبل ان الصلاة المطلوب بها الطاعة في الاتيان بها بحدودها والاقبال بها في الخضوع الله وعبادته والتدبر في قراءتها واذكارها والتوسل بدعائها كيف يؤتى بها في حال السكر مع ما يعرف من منافاة ما هو المطلوب لطيش السكر
ص: 120
وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ
........................................................
وذهوله وغفلاته ومثل ذلك قوله تعالى في سورة البقرة «22 ولا تجعلوا الله ان-دادا وأنتم تعلمون» كما اشرنا إلى وجه المنافاة في الجزء الأول ص 76 وقوله تعالى «185ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد» فإن المطلوب من الاعتكاف هو الانقطاع إلى الله في المسجد للعبادة والتخلي عن التلذذ فأين هو من التلذذ بمباشرة النساء وقوله تعالى في سورة المائدة «99ولا تقتلوا الصيد وانتم حرم» فإن الإحرام هو حبس النفس على الطاعة وترويضها بالاجتناب عن كثير من المباحات فأين هو من تطلب الصيد وقتله . وأما الجنابة فليست ظاهرة المنافاة للصلاة وإنما كشف الشارع عن ذلك إجمالا بفرض الطهارة تعبدا فلذا جاء الحال الثاني مفردا (1)وقوله تعالى (ولا جنبا) الواو فيه عاطفة و «جنبا» منصوب على الحالية معطوف على الجملة و «لا» نافية تدل على دخول الحال الثاني في حيز النهي وتفيد أن المنهي عنه كل واحد من الحالين لا مجموعهما . والجنب بضم الجيم والنون من اصابتهم جنابة وهي معروفة تنشأ من خروج المني أو الوطء مع غيبوبة الحشفة او قدرها ويستوي في هذه الصيغة المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث (إلا عابري سبيل) قيل معناه إلا حال كونكم مسافرين ونسبه في التبيان إلى علي علیه السّلام وغيره وفي مجمع البيان نسبه إلى علي وابن عباس . ولم اجد في احاديث الإمامية رواية ذلك عن علي علیه السّلام نعم في الدر المنثور ذكر من اخرج عنه علیه السّلام في قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل قال نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي وفي لفظ لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء انتهى وهذه الرواية على ما بها لا تدل على ما نسب اليه علیه السّلام لأن قوله ولا جنبا
ص: 121
إلا عابري سبيل من كلام الراوي والظاهر ايضا ان قوله نزلت هذه الآية في المسافر إنما هو بالنظر إلى قوله تعالى او على سفر . وأما النسبة إلى ابن عباس فمنشأها بحسب الظاهر ما ذكر روايته عنه في الدر المنثور بنحو روايته عن على علیه السّلام. والكلام فيها كما تقدم . وقد ذكر في الدر المنثور من اخرج عن ابن عباس في قوله تعالى الا عابري سبيل قال لا تدخلوا المسجد إلا عابر سبيل تمر به مرا ولا تجلس . وعن البيهقي عن انس نحوه - وعن ابن جرير وعبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود نحوه . وعن ابن جرير عن ابن مسعود ايضاهو الممر في المسجد وفي علل الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر علیه السّلام قالا قلنا له الحائض والجنب يدخلان المسجد ام لا قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله تبارك وتعالى يقول ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا . وعن العياشي عن زرارة عن الباقر نحوه . وفي تفسير القمي سئل الصادق علیه السّلام عن الحائض والجنب وذكر نحوه . هذا مع ان تفسير عابري سبيل بالمسافرين يوجب التكرار المخل في الآية بقوله تعالى او على سفر وينحط بذلك اسلوب الآية عن كرامة القرآن الكريم . ومدلول هذه الروايات عليه اجماع الإمامية . ولا يضر فيه كلام سلار في مراسمه وكذا الصدوق في المقنع لموافقته في الفقيه والهداية للأصحاب بل وفي المقنع لما ذكره في الأخذ من المسجد والوضع فيه . ومذهب الشافعي مثل مذهب الأصحاب . ونسب اليه بناءه على جواز استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمعنى المجازي بأن تكون الصلاة في الآية قد استعملت في معناها الحقيقي وفي موضعها وهو المسجد . ولا اظنه بناه على ذلك اذ يلزم منه منع من جاء من الغائط عن الدخول في المسجد حتى يغتسل او يتيمم وهو لا يقول بذلك فإن التفرقة في الاحكام بين المعنيين لو صح استعمال اللفظ فيها معا إنما هي مجازفة . ولكن الوجه في دلالة الآية على ما ذكرناه هو ان نهي الجنب عن قربه للصلاة يختلج منه في الذهن نهيه عن دخوله للمسجد لأجل حرمته وشدة ارتباطه بالصلاة خصوصا في عصر النزول فكأنه من مناحي قرب الصلاة المنهي عنه فجاء قوله تعالى «إلا عابري سبيل» بمنزلة الاستثناء المفرغ في دلالته على مضمونه بالمطابقة وعلى المستثنى منه بدلالة الالتزام واقتضاء الاسلوب . فكأنه قبل ولا ندخل المسجد ونحن جنب فقيل نعم إلا عابري سبيل . ولمثل هذا الاسلوب البارع وهذه الدلالة بالإشارة الجميلة نظائر في بليغ المكلام منها ما ذكرناه في الجزء الأول ص 155 من قوله تعالي فأصلح بينهم. وما استشهد
ص: 122
به الفرّا من قولهم : -
اعمى إذا ما جارتي برزت *** حتى يواري جارتي الخدر
ويصم عما كان بينهما *** سمعی وما بي غيره وقر
و «منها» ما جاء في هذه الآية وفي آية الوضوء في سورة المائدة من قوله تعالى « فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم فإنه بدلالة المقام والأسلوب وقوله «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم» قد اكتفى عن قوله تعالى فاضربوا بأيديكم على الصعيداو مسوه وامسحوا أيديكم بوجوهكم وايديكم منه وادخل فاء التفريع على المسح مع أن حقه أن يعطف بالواو لولا الاكتفاء بجسب براعة البلاغة بالدلالة الظاهرة لأهل اللسان والذوق العربي على ما »ذكرناه منها» ما جاء في القرآن الكريم من العطف على المحذوف الذي يدل عليه العطف ومناسبة المعطوف وما يمثله المقام للذهن كما ستسمع بعض امثلته في آية الوضوء من سورة المائدة إن شاء الله تعالى وفي المقام مسائل ثلاث - الأولى - لا يجوز مرور الجنب و كذا الحائض في المسجد الحرام ومسجد رسول الله في المدينة المنورة . والظاهر انه لا خلاف فيه بين الإمامية وحكى غير واحد عليه اجماعهم . وعليه صحيح جميل وروايته عن الصادق علیه السّلام في الجنب ومرفوعة محمد بن يحيى عن ابي حمزة عن الباقر علیه السّلام في المحتلم فيهما انه لا يمر إلا متيما و كذا الحائض ولا بأس ان يمرا في سائر المساجد . وما اخرجه ابو داود عن عائشة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و وجوه بيوت اصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أح--ل المسجد الحائض ولا جنب انتهى فلم يستثن المرور بل لعل الحديث ونهيه ناظران إلى المرور كما يدل عليه ما يأتي في المسألة الأخرى - الثانية - لا يدخل في هذا النهي والتحريم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم او اهل بيته . اخرج الترمذي في فضائل علي عن ابي سعيد قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لعلي يا علي لا يحل لأحد ان يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك . وفي اللآلئ المصنوعة ذكر ممن أخرجه البيهقي في سننه والبزار عن سعد عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وأوله ضرار بن صرد وكنا في اللمعات والمفاتيح بأنه لا يحل لأحداث يستطرقه ويمر فيه جنبا غيري وغيرك وأخرج أحمد وعن النسائي في الكبرى عن ابن عباس في حديث قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم سدوا الأبواب إلا باب على وكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره . وعن القول. المسدد لابن حجر أخرج الطبراني في الكبير بسنده عن جابر بن سمرة في حديث سد الأبواب
ص: 123
فسدها غير باب على وربما مر وهو جنب . وأيضا عن القاضي اسماعيل المالكي في كتاب أحكام القرآن عن المطلب مرفوعا أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لم يكن يأذن لأحد أن يمر في المسجد ولا يدخل فيه وهو جنب إلا علي بن ابي طالب لأن بينه كان في المسجد . وذكر السيوطي في اللآلئ والحمويني في فرائد السمطين عن ابي نعيم بسنده عن بريدة الأسلمي في حديث سد الأبواب إلا باب علي تركه النبي صلی الله علیه و آله و سلّم مفتوحا فكان يدخل ويخرج منه وهو جنب . وأخرج موفق بن احمد بإسناده عن ابي ذر في حديث الشورى قال لهم علي علیه السّلام في مناشدته اتعلمون أن أحدكم كان يدخل المسجد جنبا غيري عن ابن ابي شيبة في مسنده والبيهقي في سننه عن ام سلمة قالت خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى صرحة المسجد ونادى الا ان هذا المسجد لا يجل لجنب ولا حائض إلا النبي وأزواجه وعليا وفاطمة وذكره البيهقي من وجه آخر وضعفه وليس في محله وفيه إلا محمد وأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين . ويدل على المسألتين في مسجد النبي صلی الله علیه و آله و سلّم كلما جاء في سد النبي للأبواب الشارعة إلى مسجده إلا باب علي . وقد تعنت ابن الجوزي فذكر الرواية لذلك بأسانيد متعددة عن ستة من الصحابة ورماها بالضعف وعمدة ما عنده زعمه انها من وضع الرافضة قابلوا به حديث ابي بكر في الصحيح . وقد كفانا الله مؤنة الرد لتعنته بما ذكر في اللآلئ المصنوعة وحكاه فيها عن ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند احمد : وقد وجدت روايته عن اكثر من عشرين صحابيا والكثير من اسانيدها من الحسان وفيها ما صححه الحاكم على اصولهم فالحديث لا شك في انه مشهوران لم يكن من المتواتر أو يقرب منه وهو مقام مشهوريته او تواتره لا يدخل في فن بعض المحدثين الذين همهم من الحديث سنده الأحادي الشخصي وإن كان مضطرب المتن واهية أو كان له معارض حتى ما يروونه بل يدخل في فن طلاب الحقيقة من العلماء والفقهاء الذين ينظرون إلى نتيجة العلم وأخذ المحصل ما جاء في الحديث ومستفيضه ومشهوره ومتواتره - المسألة الثالثة - المحصل من حديث سد الأبواب وما في الدر المنثور من رواية جابر وزيد بن حبيب أن تحريم المرور للجنب في مسجد النبي صلی الله علیه و آله و سلّم من باب النسخ لا التخصيص . وفي الجزء الأول ص 126 في قوله تعالى «طهرا بيتي» ذكرنا روايات الحلبيين عن الصادق علیه السّلام ومقتضاهما أن نهي الحائض والجنب عن مطلق الدخول في المسجد الحرام ثابت من عهد ابراهيم وليس بناسخ
ص: 124
حَتَّى تَغْسِلُوا وإِن كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
........................................................
(حتى تغتسلوا) الغسل الرافع لحدث الجنابة المانع من الصلاة ومن الكون مطلقا في المسجدين غير المرور والاجتياز في سائر المساجد . والآية واضحة الدلالة على كفاية غسل الجنابة في الدخول في الصلاة ودخول المساجد إذ جعل الاغتسال وحده غاية للنهي - ثم شرع الله التيمم في الحدث الأكبر والأصغر لاباحة الصلاة بدلا عن الطهارة لها بالماء فقال جل اسمه (وإن کنتم مرضى) وجوابه «فتيمموا» وذكر المرض يشعر بأن المراد منه ما يضره التطهر بالماء وفي بداية ابن رشد نسب جواز تيمم المريض وإن وجد الماء إلى الجمهور ولم يذكر الخلاف عطا . وفي معتبر المحقق ويجوز التيمم او منعه من استعمال الماء مرض وهو قول اهل العلم الا طاووس ومالكا. وفي تذكرة العلامة في المريض الذي يخاف التلف اوسقوط عضو او بطلان منفعة عضو انه يجب عليه التيمم بإجماع العلماء . ومراده علماء المسلمين من الفريقين انتهى وفي الفقيه قيل لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ان فلانا اصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال صلی الله علیه و آله و سلّم قتلوه الا سألوا ألا ييمموه ان شفاء العي السؤال . ورواه في الكافي مسندا عن الصادق علیه السّلام. وروي أيضا عن الصادق علیه السّلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن مجروح اجنب فأمر بالغسل فاغتسل فمات فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قتلوه إنما كان دواء العي السؤال . واخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا إذا كان بالرجل جراحة في سبيل الله او القروح او الجدري فيجنب فيخاف ان اغتسل أن يموت فليتيمم . وان ظهور الآية بكون المبيح للتيمم في المرض خوف الضرر ليمنع ان يقيد في هذا الحال بقوله تعالي « فلم تجدوا ماء» بل يدل على أن مقام خوف الضرر سبب مستقل للانتقال الى التيمم . نعم لا ينتقل مع عدم خوف الضرر الا اذا لم يجد الماء (أو على سفر) أي على حال سفر كما تقول اتيته على شوق اليه او علي رغبة او كره . والمراد من السفر معناه اللغوي وان كان دون المسافة الشرعية لقصر الصلاة بل وان كان سفر معصية (أو جاء أحد منكم من الغائط) الفائط الموضع المنخفض والمطمئن من الأرض وأهل البادية والقرى الصغيرة يقصدونه عند قضاء الحاجة في التخلي التستر وهو كناية متعارفة في قضاء الحاجة بما يخرج من السبيلين من العذرة والبول. و من بابه قول اهل البادية في هذه الازمنة خرجت الى الوهدة اتيت من الوهدة و من بابه ما يقال في الاستعمال الفارسي «كنار آب» والمراد جاء من الغائط بعد قضاء حاجته من الخروج اليه ولأجل المبالغة في حشمة
ص: 125
أَوْ لاَ مَستُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
........................................................
الخطاب ونزاهته كما هو المعهود من كرامة القرآن في اسلوبه لم يقل على نهج سائر الجمل «أو جئتم من الغائط» بل قال «احد منكم» على صورة التنكير والابهام حفظ اللحشمة (اولا مستم النساء) والمراد منه الجماع كقوله تعالى «باشروهن ولا تقربو هن . تمسوهن يتماسا . وقول مريم يمسسني» مع ان الملامسة اقرب في الكناية إلى الجماع من المس لأنها مفاعلة من اللمس الذي هو مس بقصد الإحساس فالملامسة تمثل الحالة الجماعية بين الرجل والمرأة في قصدهما التلذذ بالإحساس في مباشرتهما. وفي الدر المنثور ذكر من اخرج عن علي علیه السّلام اللمس هو الجماع. وعن ابن عباس في قوله تعالى او لامستم النساء قال هو الجماع . وفي التهذيبين في الموثق عن الباقر علیه السّلام قوله وما يعني بهذا او لامستم النساء إلا المواقعة في الفرج . وفي تفسير البرهان عن الشيخ الطوسي ولم اجده عاجلا في الصحيح عن الصادق علیه السّلام قال لمس النساء الإيقاع بهن وروى نحوه العياشي عن منصور والحلبي وقيس بن رمانة عن الصادق علیه السّلام وقد صح واستفاض عن الباقر والصادق ان امس المرأة بغير الجماع لا ينقض الوضوء وعلى ما ذكرنا اجماع الإمامية واليه ذهب ابو حنيفة واصحابه . وذكرت ملامسة النساء وجماعهن بعد ذكر الجنب من باب النص على الخاص بعد العموم لئلا يتوهم أن الجنابة الاختيارية بمقاربة النساء لا تدخل في رخصة التيمم فيلزم الانسان ان يمتنع في مظان عدم وجدان الماء اذن فليس هذا من باب التكرار كما توهمه بعض (فلم تجدوا ماء) تصلون إلى التطهر به بالغسل أو الوضوء فليس من ذلك وجوده في البئر مثلا مع عدم الوصلة اليه هذا ما يقتضيه سوق الكلام لا حمل عدم الوجدان على ما يشمل عدم التمكن من استعماله لمرض ونحوه فإنه تقييد لا دليل عليه او تجوز بعيد جدا (فتيمموا) أي اقصد واو التيمم في اللغة القصد . قال امرؤ القيس : -
تيممت العين التي دون ضارج (1)*** يفي عليها الظل عرمضها (2)طامي (3)
وقال الأعشى : -
تیممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمه (4)ذي شزن(5)
ومن هذه الآية واختها في سورة المائدة واستعمال المتشرعة لفظ التيمم في مقام الطهارة
ص: 126
صعيداً
........................................................
الترابية صار التيمم عند المتشرعة اسما لها (صعيدا) في التبيان الصعيد وجه الأرض غير نبات ولا شجر قال الزجاج لا اعلم خلافا بين اهل اللغة في أن الصعيد وجه الأرض سواء كان عليه تراب او لم يكن انتهى وتبعه في النقل عن الزجاج في مجمع البيان وقال وبهذا يوافق مذهب اصحابنا في ان التيمم يجوز بالحجر سواء كان عليه تراب او لم يكن وقال في التذكرة في ذلك عند علمائنا اقول وبحسب التتبع في التذكرة في مثل هذه العبارة بشك في نقله بها لا جماعنا . ونقل المنع عن التسمم بالحجر عن المرتضى في شرح الناصريات ولكن كلامه على الجواز ادل . وعن الغنية والظاهر ان كلامه واجماعه ناظران إلى مثل الكحل والزرنيخ . وفي الروضة ان المنع من التيمم بالحجر مطلقا حتى مع فقد التراب لا قائل به انتهى نعم ذهب جماعة منا إلى جواز التيمم بالحجر عند فقد التراب ولعل هذا القيد منهم للاحتياط وإلا فلا دليل عليه إن لم يكن الحجر مصداقا للصعيد والاستناد إلى الاجماع له موهون بأن أكثر القائلين بجواز التيمم به او جلهم يقولون بذلك لكونه مصداقا للصعيد فلا يلتئم من المجموع اجماع كاشف . وأما قوله صلی الله علیه و آله و سلّم في بعض الروايات جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا فلم يصح ولو صح لما قيد اطلاق الصعيد في الآية والأرض في الروايات لأن شرط التقييد التنا في وجعل التراب طهورا لا ينافي جعل الصعيد ومطلق الأرض طهورا . وفي معتبر المحقق الصعيد هو وجه الأرض بالنقل عن فضلاء اللغة ذكر ذلك الخليل وثعلب عن ابن الأعرابي ويدل عليه قوله تعالى فتصبح صعبدا زلقا ابي ارضا ملساء مزلقة انتهى وأما الزرنيخ والكحل فهما كالملح وسائر المعادن ليسأ من مصاديق الصعيد والأرض وان تولد امنها و «او » في الآية لبيان الأقسام التي شرع التيمم في كل واحد منها فإن الواو توهم اشتراط الاجتماع لهذه الأمور مع عدم وجدان الماء في صحة التيمم . وقد قدمنا أن قوله تعالى «فإن كنتم مرضى» واضح الدلالة في نفسه فضلا عن دلالة الحديث على أن المنشأ فيه للانتقال إلى التيمم هو خوف الضرر من الماء فيكون ذلك قرينة على أن عنوان المرضى في الآية غير مقيد في اسلوب لفظها بعدم وجدان الماء وإن كان من لا يخشى الضرر من استعماله يشترط في جواز تيممه عدم وجدان الماء بفحوى الآية ودلالتها على ان التيمم بدل عذري بدور مدار ما جعل عذرا . وأما باقي الخصال فهي باجمعها مقيدة بعدم وجدان الماء يقتضى
ص: 127
دلالة الآية بحسب الوضع اللغوي لأن الصحيح في المسألة الأصولية والمتبادر هو رجوع هذا القيد وامثاله الى الجميع عملا باطلاقه الوضعي ما لم تقم قرينة في بعضها على عدم تعلقه به في اسلوب اللفظ كما في المرضى (1) ويعضد الاطلاق المذكور في الآية ويشهد له اجماع المسلمين وحديثهم
........................................................
(1) وزعم صاحب المنار في تفسيره واسناده على ما حكاه عنه أن التقييد في الآية بعد وجدان الماء يختص بمن جاء من الغائط وملامس النساء دون المريض ودون المسافر . وغاية ما ذكره عن اسناده مستندا لزعمه هو ان هذا هو ما يفهمه القارئ من الآية نفسها واطال الكلام في التعريض بالمفسرين ومن يفسر الآية بغير ما زعمه . وغاية ما عند التلميذ هو انه ان قيل في المسألة أن القيد المتعقب لأمور تصلح لأن تقيد به انما يرجع للأخيرة لم يرجع التقييد بعدم الوجدان الى المسافر . وان قبل برجوعه إلى الجميع فهو مشروط بعدم المانع والمانع من رجوعه الى المسافر انه لا يظهر لاشتراط فقد الماء لتيمم المسافر دون المقيم . ثم عقب هذا في الصفحة موجود وهو الثانية باستحسان التوسعة على المسافر بالتيمم وان وجد الماء قياسا على قصر الصلاة والافطار في السفر . وقال بذلك في آية الوضوء والتيمم في سورة المائدة وانه يجوز للمسافر ان يتيمم بدل الوضوء وان وجد الماء . فنقول ان المسافر في هذه الآية يشمل من اجنب باحتلام او بملامسة النساء وان من لامس النساء الذي يعترف باشتراط تيممه بفقدان الماء يشمل الحاضر والمسافر فإن جعلنا كلا من المسافر وملامس النساء مخالفا للآخر في التقييد والإطلاق والحكم تعارضا في ملامس النساء في السفر فهل في الآية دليل على تقديم احد العاملين من وجه على آخر اذن فما هو . او هي مجملة معماة المراد وان كانت في مقام البيان والتعليم . ومع ذلك يخرج من مضمونها المحتلم في الحضر. وتزيد آية المائدة بأن المسافر على زعمه يعم من جاء من الغائط ومن كان محدثا بالنوم وان الجايى من الغائط يعم المسافر والحاضر فيتعارضان بحسب الاطلاق والتقييد في المسافر الجايى من الغائط فيسأل ايضا بمثل السؤال المتقدم . وهذا يوجب الاعضال والاشكال الشديدين في الآية التي هي للبيان والتعليم . ويلزم من ذلك ايضا بقاء المحتلم في الحضر وكذا المحدث بالنوم لا حكم لها في الآية في التيمم مع انهما قسمان لا يستهان بهما في هذا المقام لكنا نقول أن العنوان لمن كان على سفر في الآيتين لم يذكر لا متياز المسافر عن الحاضر في حكم الآيتين بل لأجل ان قوله تعالى في الآية قبل ذلك «ولا جنبا اولا عابري سبيل» يشير بمورده عند النزول إلى الحضر لان المساجد لم تكن حينئذ في طرق
ص: 128
كما جمع بعضه في الوسائل في ابواب التيمم . ومنه ما في الكافي والتهذيب في الصحيح عن زرارة عن احدهما «يعني الباقر و الصادق علیه السّلام» قال إذالم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا
........................................................
المسافرين بل لأجل ان هو الغالب من احوال المكلفين فربما يتوهم من ذلك اختصاص حكم التيمم بالحاضرين فذكر من كان على سفر لاجل النص على عموم الحكم للحاضر والمسافر . وكذا الكلام في آية المائدة بالنظر الى ان الحالة الغالبة هي الحضر . وان السفر مظنة لفقدان الماء اكثر من الحضر فيظهر فيه ، قام الامتنان والفائدة بتشريع التيمم ولئلا يتوهم المنع من اختيار السفر عند العلم والظن بفقدان الماء ولو لبعض الفرائض . وعنوان ملامسة النساء هو لبيان عموم الامتنان بالتيمم حتى مع كون الجنابة اختيارية تسوق اليها الشهرة وهذا هو الذي يفهمه السلف والخلف ممن العقد منهم الإجماع على خلاف ما يقوله مفسر المنار واستاذه وخلاف مما ذكرناه مما يلزم تفسير المنار . اذن فلا اشكال ولا اعضال في الايتين ولا تعارض ولا ابهام في مقام البيان ولا إهمال ما اشرنا اليه من اقسام المسألة.
واما بناء صاحب المنار للمسألة على رجوع القيد الى الجملة الأخيرة فهو مع فساد المبنى فاسد البناء لأنه ملتزم برجوع بفقدان الى ماقبل الأخيرة وهو قوله تعالى : اوجاء احد منكم من الغائط» وان خصه بزعمه في الحضر فما ذا الذي دل على رجوع القيد هنا الى ما قبل الأخيرة فإن قال الاجماع من علماء الإسلام قلنا ان هولا . مجمعون ايضا على رجوع القيد الى المسافر فكيف تحتج في مقام بإجماعهم وفي مقام تسميهم ادعياء العلم وتقول في شأنهم «المقلد لا يحاج لأنه لا علم له» وان قال الحديث قلنا له انت وصفتهم بالمفتونين بالروايات فلماذا صرت مثلهم ام تحل لنفسك ما تحرمه على غيرك . تلك اذن قسمة ضيزى واما بناؤه على وجود المانع من رجع القيد «وهو عدم وجدان الماء» الى من كان على سفر • فقد احتج فيه على ان المانع هنا هو انه لا يظهر وجه انه لا يظهر وجه لاشتراط فقد الماء للمسافر دون المقيم : ويرد عليه ان عنوان المسافر في الآية انما جاء كما ذكرناه للنص على عموم حكم التيمم له ولبيان الامتنان ولرفع توهم الخطر بالسفر مع العلم بفقدان الماء فيه او الظن به فمن اين يجى ما تحكم به من المانع واو كان العنوان في الآية يلزم منه اشتراط فقدان الماء دون العنوان المخالف له لعاد عليه الكلام فيمن جاء من الغائط فإنه لا يظهر وجه لاشتراط فقدان الماء به دون المحدث بالنوم وكذا ملامس النساء دون المحتلم . وهل يسعه الا ان هذه العناوين ذكرت لنكت اقتضت النص عليها لا لاشتراط فقدان الماء بها دون المحدث بالنوم والجنب بالاحتلام في الحضر . اذن فلماذا يغفل عن ذلك فيمن كان على سفر . واما استحسانه للتوسعة على المسافر على قصر الصلاة والإفطار فقد شذ فيهما فإن القائل بالقياس والاستحسان لا يقول بهما مع مصادمة
ص: 129
طّيِّاً
........................................................
خاف ان يفوته الوقت فليتيمم ويصلي . وفي التهذيب في المعنبر المعمول عليه عن السكوني عن الصادق عن ابيه عن علي امير المؤمنين علیه السّلام قال يطلب الماء في السفر ان كانت حزونة فغلوة وان كانت سهولة فغلوتين الحديث . وذكره في كنز العمال ومختصره ما اخرجه ابو خلف العسكري عن علي علیه السّلام وفيهما مما اخرجه ابن سعد وعبد ابن حميد و ابن جرير و القاضي اسماعيل في الأحكام والطحاوي والدار قطني والبيهقي عن الاسلام ابن شريك ما ملخصه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال له قم با اسلع فارحلن قال اصابتني جنابة فنزلت آية التيمم وعلمه اياه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ثم ساروا حتى مروا بماء فقال صلی الله علیه و آله و سلّم له يا اسلم امس هذا جلدك. وأخرج احمد والترمذي وعن ابن حبان في صحيحه عن ابي ذر عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الصعيد الطيب وضوء المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته وفي رواية الترمذي طهور المسلم . واخرج احمد عن ابي ذر فيما وقع في نفسه من تيممه اياما حينما اجنب وقد كان غرب عن الماء ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال له ان الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء إلى عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمس بشرتك . واخرج نحوه الحاكم في تدركه وذكر في كنز العمال ومختصره اخراجه عن عبد الرزاق وابن ابي منصور. (طيبا) جاء في القرآن الكريم بلد طيب . والبلد الطيب . وكلمة طيبة . والكلم الطيب . وربح طيبة . و مساكن طيبة . وحياة طيبة . ووصف المال الحلال بالطيب والحرام بالخبيث كما في قوله تعالى في الآية الثانية من السورة ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب . وفي النهاية في الحديث في شأن عمار قوله صلی الله علیه و آله و سلّم مرحبا بالطيب . ونهى ان يستطيب الرجل بيمينه اي يستنجي أقول والمستفاد من تتبع موارد الاستعمال ان الطيب هو الخالص المنزه عما يستخبث او يكره بحسب حاله او ما يراد منه ويرغب به فيه . ولم اجد عاجلا ما يؤثر عن الرسول الأكرم والصحابة الكرام والأئمة الهداة شيئا يتعلق بتفسير الطيب في الآية . والظاهر ان استعمال الطيب فيما ذكرناه من الموارد إنما هو من استعمال المشترك المعنوي في معناه الواحد الذي له اصناف من المصاديق فتستفاد إرادة المصداق في صنفه من مناسبات مقام الاستعمال على ما استظهرناه في معنى الطيب .
الاجماع والدليل لهما. ولم اقصد بكلامي هذا محاجة صاحب المنار. بل ذكرته خدمة للعلم والحقيقة • اللهم وفقنا لتدبر القرآن واتباع سبيل المؤمنين
ص: 130
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ
........................................................
وانسب ما يكون في هذا هو استفادة الطهارة والحل . اما الطهارة فيشهد لها ما صح واستفاض بين المسلمين من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم خلقت لي الأرض مسجدا وطهوراً. لا لما يقال من ان طهوراً مبالغة في الطاهر ومعنى المبالغة ان يكون مطهراً . فإنه ممنوع لأن المبالغة في الصفة القاصرة كالطاهر لا تقلبها إلى المتعدية كالمطهر . نعم لفظ الحديث يشير إلى معنى المطهر باعتبار ان الطهور اسم لما يتطهر به كالوقود والسحور والسعوط ونحوها بفتح أولها فتستفاد الطهارة من ذلك . لأن مما لا يذعن به الذهن ولا يستقيم في الفهم ان يكون ما يتطهر به غير طاهر وان كان تطهيره معنويا. ولا بد من جريان الحديث على ما يقتضيه الذهن والفهم من طهارة المطهر كما هو اللازم في حكمة الخطاب . فتكون الطهارة من وجوه الطيب في الآية. والظاهر اجماع الإمامية على اعتبار الطهارة في الصعيد. والظاهر اجماع المسلمين على اشتراط اباحته وعدم جواز التيمم بالمغصوب. ويعضده الإجماع على ان التيمم بجميع أفعاله عبادة ومنها الضرب على الصعيد او وضع اليد عليه وان كان على الحجر التيمم. وهذا الضرب أو وضع اليد على غير المباح تصرف غصب والغصب منهي عنه ولا يكون عبادة. وهذا أيضا يبين وجها من وجوه الطيب في الآية وهو الإباحة (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) ولا ينبغي الشك في ان يكون اللازم في دلالة الآية ان يكون هناك شيء يمس به الصعيد فيمسح بالوجه واليدين وبالنظر إلى المتعارف في الأعمال ودلالة المقام ان ذلك هما اليدان. وفي الجوامع الستة وعن ابن ابي شيبة عن عمار في حديث تيممه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال له إنما يكفيك ان تقول هكذا ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه. واستفاضت رواية ذلك من طرق الإمامية عن الباقر والصادق علیه السّلام لكن في صحيحة الفقيه عن زرارة عن الباقر علیه السّلام عن تيمم رسول الله فوضعهما على الصعيد ثم مسح بهما جبينيه . وفي آخر السرائر من كتاب ابن بكير عن زرارة عن الباقر علیه السّلام ثم مسح يجبينيه تم مسح كفيه كل واحد على ظهر الأخرى . واخرج الحاكم وعن الطبراني عن ابن عمر عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال التيمم ضربتان الحديث . واخرج الحاكم عنه أيضا تيممنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فضربنا ضربة بأيدينا على الصعيد - ثم ضربنا ضربة أخرى الحديث . واستفاض عن الأئمة علیهم السّلام ذكر الضرب على الأرض أو الوضع عليها في
ص: 131
افعال التيمم بل في الروايات جعل ذلك هو العنوان للتيمم كما احصى بعضه في الوسائل في الحادي عشر والثاني عشر من ابواب التيمم . ولأجل التفنن ببراعة التعبير وحسن الاكتفاء اكتفى القرآن الكريم بدلالة الاسلوب والمقام بذكر تيمم الصعيد الطيب وذكر الممسوح ب-ه ومجرى العادة في مزاولة الاعمال باليد واستغنى ذكر الضرب على الصعيد او مسه بباطن الكفين ومسحهما ببعض الوجه وبالبعض الآخر من اليدين واقتصر على قوله تعالى فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وايديكم . ومن المعلوم ان المعاني تختلف باختلاف التعبير وجهات التعلق فقول القائل امسح وجهك بيدك يقضي بمسح جميع الوجه تحصيلا لمسمى الاسم (1)بما يحصل به المسح من بعض اليد . وذلك لمكان الباء التي هي للآلة كما يقال امسح وجهك بالمنديل . وفي قول القائل امسح يدك بوجهك يقضي باستيعاب ما ينبغي مسحه من اليد وهو ما يلاقي الصعيد بالضرب وبأن مسحها ببعض الوجه لمكان الباء التي هي الآلة . فإن قلت ان المقصود هو مسح بعض الوجه لاكون الوجه آلة لمسح اليدين . قلنا . لو سلمنا ذلك لم يناف دلالة اللفظ وقوانين اللغة وصوغ التركيب ان يكنى بذلك عن التبعيض في الوجه. ويبين به ان الممسوح من اليدين هو ما مس الصعيد والممسوح به منها هو ما لم يمسسه فكشف الله جل اسمه عن المراد المحتاج الى العبارة الطويلة بالإتيان بياء الآلة . وهذا هو المحصل من صحيحة زرارة لما سأل الباقر علیه السّلام عن الحجة على كون المسح في الوضوء لبعض الرأس فقال علیه السّلام ما حاصله ان الله تعالى قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا ان الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وايديكم الى المرافق فوصلها «اي بالعطف والنسق والتسمية» بالوجه فعرفنا انه ينبغي لهما أن يغسلا ثم فصل بين الكلامين «اي باسلوب التعبير» فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء. أي لكون الباء بحسب السوق هي التي تدخل على الآلة كما حفظ علیه السّلام صورة ذلك بقوله علیه السّلام ان المسح ببعض الرأس . ثم طرد الكلام علیه السّلام الى التجمع واشار الى مكان الباء ووصل اليدين في الاسلوب والنسق بالعطف بمدخول الباء وهي الوجوه . هذا وقال الجمهور من اهل السنة بمسح الرأس كله. وهذا مناف لما ذكرناه من وجه الدلالة الذي هو ابلغ من التصريح . وأما ما ورد في حديثهم مما يوهم الإطلاق في الوجه فإنه يجب
ص: 132
إنَّ اللهَ كَانَ عَفُوا غَفُورًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَشْتَرُونَ الضَّلالَة وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ
........................................................
تقييده بدلالة الآية وحكى في التذكرة عن ابي حنيفة انه يجوز ان يترك من ظاهر الوجه دون الربع وفي رواية عنه لو مسح اكثر الوجه اجزاء فكأنه اخذ في ذلك بالمتيقن من مفاد الآية وحكى ابن رشد في بدايته ان مشهور المذهب وبه قال فقهاء الأمصار منهم ان مسح اليدين هو الى المرافق كالوضوء. وهذا مخالف لدلالة الآية على البعض وعلى ان الممسوح ما مس الصعيد والممسوح به ما لم يمسسه مضافا الى انه او اريدت الأيدي باجمعها الى المرافق لعبر بعبارة الوضوء ولكن لكل عبارة في القرآن مدلول ولكل مراد عبارة . ومخالف ايضا للمتفق على صحته عندهم وعند الإمامية وهو ما ذكرنا من حديث عمار هو أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في تعليمه التيمم مسح كفيه وأما حديث المرافق فقد ضعفه احمد وماذا له من الأثر في نفسه فضلا عن مصادمته بالآية والحديث الصحيح، وحكى ابن رشد انهم عضدوا حديثهم الضعيف بالقياس على الوضوء اقول وياله من قياس مخالف للآية والحديث المتفق على صحته فضلا عما صح من طرق في مسح الجبهة وظاهر الكفين والكلام في التيمم تتمة تأتي ان شاء الله في آية المائدة (ان الله كان) منذ الازل ولا يزال برحمته وغناه (عفوا غفورا) فهو الرحيم الموسع الميسر على عباده (44 الم تر) يا رسول الله. قد يقال ذلك كما في الآية في مقام الإنكار على ما يذكر من الفعل والتسفيه لفاعله (الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) يريد المعاصرين لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم واشار جل اسمه الى ان هؤلاء لم يصل اليهم من الكتاب الالهي المنزل على اسلافهم الا بعض ونصيب من انقاضه التي بقيت بعد تلف الباقي وتحريفه فإنه قد بقيت منه بعض الكلمات في التوحيد والنبوة ونبوة موسى وعيسى وان عيسى رسول الله وعبده وبعض احكام القصاص في التوراة . والبشرى برسول الله وقرآنه وانه كلام الله يجعله في فم رسوله . واما الباقي وهو الجل فقد عبث به التلف والتحريف ما شاءت الاهواء والشرك كما اشرنا الى بعض ذلك في كتاب «الهدى » و «الرحلة المدرسية» وفي المقدمة من هذا التفسير (يشترون الضلالة) وفي مقدمتها الشرك ويطلبونها على عمد وغي ويبذلون بازاء خسيسها المهلك اعلى الأمور واغلاها من التوحيد وصلاحه والهدى واسباب السعادة والكمال وحسن الاجتماع بالعدل والاصلاح
ص: 133
(45) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (46) مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلَّمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصينًا وَأَسمع غَيْرَ مسمَع وَرَاعِنَا لَيَا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنَا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنا وَأَسْمَعْ وَأَنْظُرْنَا
........................................................
الحقيقي (و) فوق ذلك (يريدون) من غيهم وانهماكهم بالضلال (ان تضلوا السبيل) المستقيم الذي هداكم الله بلطفه اليه واوضح منهجه وانار اعلامه فحظيتم بالتوفيق الحقيقة الإيمان ودين الهدى وشريعة الحق فلا يغووكم بضلالهم وان أظهروا لكم بنفاقهم مخادعات النصيحة والمودة والولاء والنصرة فإنهم عدو لكم (45 والله اعلم باعدائكم وكفى بالله) له الناس وخالقهم القاهر القادر ( وليا) للمؤمنين (وكفى بالله) كرر ذلك للتأكيد وملأ القلب بكفايته وكرر اسم الجلالة اشارة الى عظمة الإلهية وقدرة الله في كفايته ونصره جل اسمه (نصيرا 46 من الذين«من لتبيين الذين اوتوا» ولا يضر الفصل بالآية المتوسطة والاعتراض بجملها كما يعترض كثيرا بالدعاء ونحوه مع اتساق الكلام و تناسب اطرافه . وقيل ان «من الذين» خبر مقدم والمبتدأ محذوف وجملة «يحرفون» صفة والتقدير قوم يحرفون . وفي مجمع البيان كما قال ذو الرمة : « فظلوا ومنهم دمعه سابق له» اي من دمعه سابق له . وانشد سيبويه فما الدهر الا تارتان فمنهما *** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي فتارة منهما . لكن في هذا الحذف تكلفا لا يناسب كرامة القرآن (هادوا) وهم اليهود لأنهم انتسبوا الى مملكة يهودا بعد ان اضمحات سائر الأسباط من بني إسرائيل وباد ملكهم الوثني وجامعتهم بسبي الأشوريين وقتلهم لهم (يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون) من تمردهم في الضلال(سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع) بفتح الميم الثانية وهو دعاء على من يخاطبونه كقوله اسمع لا سمعت (وراعنا) قد مر تفسير هذه الكلمة فيما يريدونه منها في الجزء الأول 113 و 114 وأظنهم يقولون وعصينا. وغير مسمع. وراعنا بنحو من لحن التحريف ومناحي الالغاز واللهجة ؟ (ليا بألسنتهم وطمنا في الدين ولو انهم قالوا) اختياراً للهدى على الضلال (سمعنا وأطعنا واسمع) منا ما نقول في مقام الإيمان والاهتداء (وانظرنا) باللطف والعناية بهمزة الوصل وضم الظاء المعجمة وهو المعنى الذي كانوا يغالطون فيه في قولهم راعنا
ص: 134
لكان خبراً لَهُمْ وَأَقومَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً (47) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ آمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ مُصَدْ قَامَا مَعَكُمْ مِن قَبْلِ أَنْ نَطْمسَ
........................................................
من المراعاة والملاحظة وهي من النظر الذي فيه عناية ولطف . وكذا قوله تعالى في سورة البقرة «لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا» اي بدلوا كلمة «راعنا» بما هو بمعناها وهو قولكم انظرنا لئلا يتخذها اليهود وسيلة لسب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم كما تقدم. وقال بعض «أنظرنا» بمعنى انتظرنا وامهلنا ولكنه شذوذ عن مجرى الكلام ووجهه ان ساعدت اللغة (لكان) ذلك (خيراً لهم) اذ يلقون بسعادتهم قياد السمع والطاعة الى رسول الله هادي البشر ومبلغهم عن الله ما فيه الصلاح والسعادة والوصول الى الحقيقة وحقيقة الإيمان ومعارف الحق وشريعته (واقوم) واعدل ( ولكن) لا يزالون متمردين على الحق معرضين عنه بعصبيتهم وأهوائهم وعنادهم قد حرموا انفسهم بتمردهم لطف التوفيق ورحمة الهداية والإيصال فطردهم الله لذلك عن رحمته التي عاندوها واعرضوا عنها و (لعنهم الله بكفرهم) اي بسبب كفرهم عن عناد ومحادة الله ورسوله بعدما تجلت لهم الآيات وقامت عليهم الحجة (فلا يؤمنون الا قليلا) منهم من لم يتوغل في التمرد على الحق ولم ينهود في عناده للحجة ولا في المحادة لله ورسوله (46 يا أيها الذين أوتوا الكتاب) نسب إبناء جنس الكتاب الالهي اليهم باعتبار إينائه لأسلافهم حينما كان الكتاب في أول أمره مصونا عن النقصان المخل والتبديل والتحريف والضياع والزيادة . وأما المعاصرون لرسول الله فالذي أو توه انما هو نصيب من الكتاب كما تقدم في الآية السابقة (آمنوا بما نزلنا) على رسول الله محمد صلی الله علیه و آله و سلّم من القرآن الكريم الذي سبقت لكم البشرى به في التوراة وقد حفظ الله بعنايته هذه البشرى الى يومكم هذا (مصدقا لا معكم) في توراتكم من البشر به وبرسوله بكونه المصداق الذي تنطبق عليه وعلى رسول الله تلك البشرى الكريمة السامية او مصدقا لما معكم من اسم التوحيد ورسالة الأنبيا ، وبعض الحقائق التي لم يشوهها التحريف فاغتنموا سعادتكم بهذا الإيمان (من قبل أن نطمس) بكسر الميم وماضيه طمس بفتحها يستعمل قاصراً كما في كثير من الشعر والكلام ومتعديا كما في الآية وقوله تعالى في سورة القمر . فطمسنا اعينهم . ويعدى بعلى كما في قوله تعالى في سورة يس فطمسنا على اعينهم . وفي سورة يونس أطمس على أموالهم. في التبيان والطمس هو الدثر وهو عفو الأثر و الطامس والداثر والدارس
ص: 135
(48) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
........................................................
بمعنى واحد وتبعه على ذلك في مجمع البيان . قلت والظاهران الالفاظ الثلاثة متقاربة المعنى لا مترادفة وفسره في القاموس والمصباح بالمحو و الدروس وفي التبيان اي نمحو آثارها حتى تصير كالقفا ونجعل عيونها في قفاها فتمشي القهقرى . ونسبه في مجمع البيان الى ابن عباس وعطية العوفي وفي الدر المنثور اخرجه ابن جرير وابن ابي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس وفي التبيان ايضا قيل نطمسها عن الهدى فنردها على ادبارها في ضلالها ذما لها بانها لا تفلح ابدا وفي مجمع البيان رواه ابو الجارود عن ابي جعفر يعني الباقر علیه السّلام وقبل المراد جلاء الكثير منهم من الحجاز وردهم الى اريحات واذرعات وبلاد اسلافهم من الشام كما وقع ذلك ببني النضير ومن لم يصالح في حرب خيبر اذ محبت آثار وجوههم من الرؤية والوجود في الحجاز بجلائهم وردهم على أدبارهم الى بلاد الشام وفي التبيان وهو اضعف الوجوه وفي مجمع البيان لأنه ترك للظاهر (اقول) وترك الظاهر فيه اقل من القول الثاني اذ ليس فيه الا التجوز في الطمس بالاستعارة التي يقرب وجه الشبه فيها بخلاف الثاني وترجيح الثاني بالرواية عن الباقر علیه السّلام جيد لو سلمت الرواية عن ضعف الإرسال وغيره وعن المعارضة بالرواية الأخرى الراجحة عليها عن الباقر علیه السّلام ايضا لدلالتها على ان الفاظ الآية مستعملة في معانيها الحقيقية ففي تفسير البرهان عن النعماني و عن اختصاص المفيد عن عمر ابن ابي المقدام عن جابر الجعفي عن الباقر علیه السّلام في حديث الخسف في البيداء بجيش السفياني ولا يفلت منهم الا ثلاثة نفر تحول وجوههم الى اقفيتهم وفيهم نزلت هذه الآية يا ايها الذين الى قوله تعالى من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها الرواية. ولعل قوله علیه السّلام وفيهم نزلت انما هو باعتبار انطباق مضمونها عليهم وقال في الكشاف وقبل أن الطمس منتظر ولا بد من طمس ومسخ لليهود قبل يوم القيامة وقال الرازي في الرابع من اجوبته وعندنا انه لا بد من طمس في اليهود أو مسخ قبل يوم القيامة (1)(47 ان الله لا يغفر ان يشرك به) شيئا غيره في الآلهية وما لله تعالى شأنه من مقام الإلهية وشؤونها . فمن الشرك الشائع في العصور الماضية والحاضرة ما يزعمونه في بعض البشر من انه منبثق ومتولد من الله وانه ابن الله المتولد من عذراء من النساء ويجعلون الله الواحد ذا اقانيم ثلاثة الأب والابن
ص: 136
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء
........................................................
والروح القدس. ويجعلون لكل من الثلاثة آثاراً خاصة فالابن كالأب له خواص الإلهية اذاته ومن القائلين بهذا فرق البراهمة والبوذيين والنصارى ويحكى عن البابليين والأشوريين وغيرهم و من الشرك ما يحكى عن الوثنيين انهم جعلوا كل نوع من المخلوقات إلها وربايد برامره فجعلوا للماء إلها والنار إلها والهواء الها وغير ذلك. أأرباب متفرقون خيرام الله الواحد القهار . و من ذلك التأليه لبعض القوى والسيارات بحيث جعلوا المجسمات الاصنامية تمثالا و رمز العبادتها و هذا هو الأصل لعبادة المجسمات الاصنامية وان خفي على بعض المتوحشين من الوثنيين وكم جنى اتباع الفلسفة اليونانية بشطحات المتفلسفين والمتصوفين بمزاعم العرفان وجر على الحقائق ويلات عبثت بتوحيد بعض الناس الله في الإلهية وشؤونها وردتهم على اعقابهم من حيث لا يشعرون. أو ليس من نحو ذلك خرافات المظاهر وان الله سبحانه وتعالى لا يدرك من نحو ذاته بكل اعتبار الى غير ذلك من الكلمات وهلم الخطب في مسألة العقول العشرة والعقل الفعال فإنها لم تبق الله الواجب بالذات شيئا مما تمجد به في القرآن الكريم من خلقه لكل مخلوق وعلمه وارادته ومشيئته وحكمته واعماله بل جعلته لغيره من مخلوقاته . وراجع ما ذكره نصير الدين في التجريد من الخلل في مباني زعمهم وما ذكره قدس سره في فصول العقائد في بطلان قولهم واستلزامه للمحال وقد كنا ذكرنا ما ذكره قدس سره في آخر الجزء الثاني من الرحلة المدرسية في الطبعة الأولى ولما اطلعنا بعد ذلك على ما افاده في فصول العقائد ذكرناه و شرحناه واوضحناه في الطبعة الثانية.
وجرى التعبير بقوله تعالى «ان يشرك به» لدلالة المضارع على الدوام اي لا يغفر للانسان اشراكه الذي يدوم عليه الى الموت فإن مما اجمع عليه المسلمون بل عليه ضرورة دينهم ان من اسلم بعد شز که غفر له شركه السابق ولك الشاهد الكريم الحميد من شأن الكبار من الصحابة الكرام وائل قوله تعالى في آخر سورة الفتح محمد رسول الله والذين آمنوا معه الى قوله تعالى مغفرة واجرا عظيما وقال جل اسمه في سورة طه واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . وغير ذلك من الآيات (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ممن يراه بحكمته ورحمته اهلا للغفران جزاء لما سعد به من اختياره للأعمال الصالحات العظيمة التي
ص: 137
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ أَفْتَرَى إِنَّمَا عَظِيمًا (49) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنفُسَهُمْ يلِ اللَّهُ يُزَكي مَنْ يَشَاءُ
........................................................
تؤهله بكثرتها. وكبير شأنها وعظيم اثرها في الصلاح أن يغفر الله برحمته وحكمته له بعض سيئاته وان لم يبادرها بالتوبة (ومن يشرك بالله) في الاهيته وشؤونها (فقد افترى إثما عظيما) الافتراء اختلاق الكذب اي الكذب المختلق اي كذب اختلاقا ولأن الافتراء إ اه إثم وذنب جرى ذكر المصدر الذي هو الافتراء بصفته اللازمة وهو الإثم وذلك لزيادة البيان لقبحه ووباله و «عظيما» صفة للمصدر وهو الافتراء والاثم . وذلك لأن كل من اشرنا اليه من اقسام المشركين يعترفون بالإلهية وانه هو الإله الواجب الوجود وان كل ما يجعلونه من الشركاء هم مخلوقون الله ويشاهدون فيهم لوازم الحدوث ونقص الإمكان واحتياجه
ومع ذلك يختلقون له صفة الإلهية بسفسطات مستحيلة ومقدمات فاسدة وتأويلات لا تروج الا في سوق الاهواء والاغراض الفاسدة وقد اشرنا الى شيء من ذلك في الجزء الأول 356 وفي الصدر نفثات (49 الم تر) يا رسول الله اي ألم يصل الى علمك ولذا عديت بكلمة « الى » كما تقدم وهذه كلمة تقال كثيرا في مقام الإنكار على الغير والتنبيه على رداءة فعله (الى الذين يزكون انفسهم) اي يزعمون ان انفسهم زكية بارة اي يزكونها بالزعم والدعوى. في مختصر التبيان هم اليهود والنصارى في قولهم نحن ابناء الله واحباؤه ونسب غير ذلك الى القيل وفي مجمع البيان قبل نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا نحن ابناء الله واحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هو دا او نصارى وهو المروي عن ابي جعفر يعني الباقر علیه السّلام اقول ولم اجد للرواية اثرا وعليها فالتفسير بذلك لعله من باب الانطباق وبعض المصاديق . وفي الدر المنثور ذكر من اخرج عن ابن عباس ما لا ينطبق على تزكية النفس (بل الله يزكي من يشاء) وفي هذا الإضراب اشارة واضحة الدلالة والبيان باكتفاء بارع واسلوب جميل وحاصل ذلك انهم كيف يزكون انفسهم ويدعون ذلك لهم ولقومهم مع ان ما يعلم ويشاهد ويعرفونه فيما بينهم من ظواهر الأحوال والاخلاق والاهواء والاعمال تعارضهم في ذلك وكيف لهم بإثبات دعواهم في امورهم الخفية واعتقاداتهم السرية والزكي النفس إنما هو من رکت اعماله واخلاقه واعتقاداته في السر والعلانية فاين انتم من التزكية وادعائها لو اردتم
ص: 138
وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (50) أنظر كيف يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِنما مُبِينًا (51) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْعِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
........................................................
الصدق بل الله العالم بالحقائق والخفيات هو الذي يزكي من يشاء ان يخبر بتزكيته من عباده الصالحين كما اخبر في قرآنه المجيد بتزكية انبيائه ورسله وبعض اوليائه ووصفهم بالصلاح والإحسان ( ولا يظلمون) اي هؤلاء الذين يزكون انفسهم (فتيلا) اي مقدار فتيل وهو مفعول ثاني ليظلمون كما تقول ظلمني زيد مقدار فلس والفتيل في تفسير القمي القشر الذي على النواة وفي التبيان الذي في شق النواة وكذا في المصباح وكذا في النهاية وفيها وقيل ما يقتل بين اصبعيك من الوسخ وفسره بهما في القاموس وذكر في الدر المنثور من اخرجه عن ابن عباس انه الذي في شق النواة وانه استشهد له بقول النابغة الذبياني :
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو *** ثم لا يرزأ الأعادي فتيلا
وقول الآخر :
أعاذل بعض لومك لا تلحي *** فان اللوم لا يغني فتيلا
وفي الدر المنثور عن ابن عباس ايضا من طرق ان الفنيل ما خرج من بين الاصبعين اي من الوسخ عندما تدلك ما بينهما . والغرض من ذكر الفتبل هو قلته وحقارته والمراد ان الله لا يظلم هؤلاء بهذا المقدار لو احسنوا ولكن ابن هذا من التزكية (50 انظر) يا رسول الله (كيف يفترون على الله الكذب) في شركهم وما ينسبونه الى قدس الله جل وعلا وما شرعوه باهوائهم وما يزعمونه من انهم ابناء الله واحباؤه الى غير ذلك (وكفى به) اي بالكذب على الله (إثما مبينا) وموضحا لجرأتهم على الله ومحادته واقدامهم على المعاصي والفعل القبيح (51 ألم تر الي الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) باعتبار ما بقي من انتقاض الكتب الإلمية التي ضيعها اسلافهم وبدلوها وحرفوها (يؤمنون بالجبت والطاغوت) اما الجبت ففي مختلف روايات في الدر المنثور انه الساحر او الاصنام اوالشيطان او حي بني اخطب واقتصر في مختصر التبيان على نقل الاقوال بنحو ما ذكر وعلى هذا الترديد جرى في القاموس وفي مجمع البيان فسر الجبت والطاغوت بالصنمين اللذين كانا لقريش وفي الكشاف الجبت الأصنام وكل ماعبد من دون الله. هذا واما الطاغوت فقد اشرنا في الجزء الأول ص 228 و 229 الى معناه في
ص: 139
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (52) أُولَئِكَ الَّذِينَ لعنهم اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (53) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا
........................................................
موارد استعماله . ولا يخفى من القرآن الكريم ان معنى الجبت شبيه بمعنى الطاغوت في رجوعه الى الضلال وقد يسمى به الضال المضل وقد روي ان جماعة من اليهود مضوا الى مكة ليتألبوا مع مشركيها على حرب رسول الله فسجدوا لأصنامهم وقالوا ما حاصله أن مشركي مكة اهدى سبيلا من رسول الله والمؤمنين معه والآية الشريفة تدل على نحو هذا المعنى من دون تعيين للأشخاص فالتعيين على عهدة الرواية (ويقولون للذين كفروا هؤلاء) اشارة الى قومهم الكافرين (اهدى من الذين آمنوا) اي رسول الله واصحابه (سبيلا 52 اولئك) اي الذين أوتوا نصيبا من الكتاب المذكورين في الآية هم (الذين) لأجل تمردهم ومحادتهم الله ورسوله وطغيانهم (لعنهم الله) وطردهم عن رحمته وتوفيقه وعذبهم بذل القتل والجلاء وسلب الاموال مهما تألبوا واستنصروا واعدوا العدة والعديد (ومن يلعن الله) اي يلعنه الله (فلن تجد له نصيرا) ومن ذا ينصر على الله من لعنه (53 ام لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا) النقير كما في التبيان والكشاف والقاموس والمصباح وغيرها هو النقطة التي في ظهر النواة و«ام» هنا هي المنقطعة وهي التي لا تقع في اللفظ معادلة لهمزة استفهام قبلها وان تضمنت في الأكثر استفهاما انكاريا مع ترق واضراب عن جملة قبلها تتضمن ابطال ما يشارك ما بعدها في الانكار به عليهم كقوله تعالى الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ام يقولون افتراه و «اذن» هنا ملغاة عن العمل نحو قوله في سورة الاسراء 75 واذن لا يلبثون خلافك الا قليلا وقال بعض النحويين ان ذلك على سبيل الجواز فيما اذا وقعت اذن بعد الواو والفاء والظاهر اتفاقهم على ان نصبها المضارع مشروط بتصديرها كما في المغني وغيره وعبر ابن الحاجب عن هذا الشرط بأن لا يعتمد ما بعدها على ما قبلها وذكر الرضي امثلة ذلك ان يكون ما بعدها جزاء للشرط الذي قبلها . اقول مراده الشرط الموجود في الكلام وينبغي ان يكون ما كان محذوفا كما في الآية ودل عليه اجزاء الكلام من نحو فاء الجزاء او واو العطف على جزاء مقدر مع شرطه يدل عليهما سوق الكلام كما في آية الاسراء. هذا وان اذن في الاكثر تكون
ص: 140
(54) أَمْ يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
........................................................
جوابا وجزاء كما قال الشيخ الرضي وهو المعني بقول سيبويه اذن جزاء وحكاه في المغني عن سیبو په بدون تقييد بالاكثر وقال الشيخ الرضي كما اطلق النحاة ولكن قيده بذلك الفراء محتجا بقولهم احبك فتقول اذن اظنك صادقا واختاره الشيخ الرضي وحجته قوله تعالى حكاية عن قول موسى الفرعون فعاتها اذن وانا من الضالين - هذا وقد سبق في الآيتين حال اليهود مع المشركين وضلالهم وتألبهم واماني غيهم ولمن الله لهم وذلك يتضمن الانكار عليهم في حالهم السيء ومحادتهم لرسول الله والمؤمنين وفي امانيهم الخاسئة في الانتصار عليهم فترقى القرآن عما سبق في توبيخهم وانتقل بالإضراب الى الإنكار عليهم وتوبيخهم بوجه آخر وهو ان غرورهم وغلواء هم في الغي والمحادة هل لأن لهم نصيبا ذاتيا وحقا طبيعيا في ملك الله من حيث الدنيا والزعامة الدينية فيحتكرون ذلك عمن يشاؤون فسفهاً لهم من اين يكون هذا الحق ويكفي في بطلان ادعائهم لذلك ما يعرف من حالهم الخسيس في الشح وسنة الله في عباده وهو انهم ان كان لهم هذا النصيب والحق فاذن لا يؤتون الناس من هذا الملك مقدار نقير في الزنة والقيمة ولكن غيرهم من الناس قد نالوا اكثر منهم من مال الدنيا ورياساتها وزعاماتها الروحانية وما ذاك الا لأن امر الملك بيد الله يؤتيه من يشاء.
فيكون حاصل الآية الكريمة هو الاضراب بالترقي في توبيخ اليهود على ما ذكر قبلها من تألبهم مع الطواغيت من المشركين على عداوة رسول الله والمؤمنين وتزلفهم المشركين بتفضيلهم على المؤمنين والانكار عليهم فيما تضمنه ضلالهم المذكور من أوهامهم تمنيهم أن ينتصروا بالمشركين على رسول الله والمؤمنين ( 54 أم يحسدون الناس) أي رسول الله باعتبار ما أوتي من الرسالة والوحي وسيطرتها وواجب الطاعة وكذا أمناء الله ورسوله على وحيه ودينه باعتبار مقامهم الرفيع في ذلك وواجب الطاعة وبهذا الاعتبار ما جاء في الصحيح المستفيض عن الباقر والصادق علیه السّلام في الآية نحن المحسودون كما احصى بعضه في تفسير البرهان وقال ابن حجر في صواعقه أخرج ابن المغازلي عن الباقر علیه السّلام نحن الناس أي المحسودون وفي الدر المنثور أخرج ابن المنذر والطبراني من طريق عطا عن ابن عباس في الآية قال نحن الناس دون الناس (على ما آتاهم الله من فضله) كما أشرنا إليه فإن اليهود يحاولون بطغيانهم في الضلال وتوغلهم
ص: 141
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيمًا (55) فَينهم مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (56) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
........................................................
في دناءة الحسد أن يخصوا كل نبوة وكل زعامة دينية بقومهم لأنهم كما يزعمون انهم شعب الله وابنه البكر وأبناؤه وأحباؤه كل ذلك إعجاباً بكونهم من بني إسرائيل لأجل مكان يعقوب عند الله. إذن فأين هم عن ابراهيم خليل الله رجل التوحيد وبطله وداعيته وشيخ النبوة ودعونها وها هم العرب أولاد اسماعيل آل ابراهيم وكفى بذلك كرامة في الحسب الكريم . إذن فلترغم آنافهم (فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب) أي القرآن باعتبار انزاله على رسول الله سيد ولد ابراهيم وباعتبار استيداعه أمناء الوحي وكونهم عدل الكتاب في هدي الأمة واحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بها وهما كتاب الله وعترة الرسول أهل بيته اللذين ان يفترقا حتى يردا على رسول الله الحوض كما تقدم ذكر الحديث في ذلك وتواتره في الجزء الأول ص 43 والحكمة حكمة الرسالة وحكمة الإمامة (وآتيناهم ملكاً عظيما) وهو سلطان الرسالة وسيطرة الدين والشريعة والطاعة المفروضة على العباد ويتبع ذلك زعامة الإمامة التي هي عهد الله لا براهيم في ذريته وفي الصحيح المستفيض عن الباقر والصادق علیهما السّلام كما في الكافي وبصائر الدرجات وتفسير العياشي وأحصى بعضه في تفسير البرهان ان الملك العظيم هي الطاعة المفروضة وهو تفسير بالأثر الظاهر الجامع مما ذكرناه وفي الكافي وبصائر الدرجات عن الباقر علیه السّلام رواية في تفسير الآية واللتين قبلها ما يفضي بخلاف ما قلناه ويمكن تنزيل الرواية على ماذكرناه والله العالم (55 فمنهم) أي من آل ابراهيم وقيل من اليهود والأول أقرب وأنسب (من آمن به) أي بالملك العظيم بدخولهم في الإسلام (ومنهم من صد عنه) تستعمل صد قاصرة بمعنى أعرض أي. صرف نظره ووجهه عن الشيء المرئي له فيكون المعنى انهم أعرضوا عن الإيمان بهذا الملك العظيم بعد ما قامت به الحجة الواضحة وكان لهم كالمرأي بالعيان فويل للذين لعنهم الله و يحدون الناس على ما اتاهم والذين يصدون عن سلطان الإسلام وملكه العظيم (وكفى بجهنم) في عذابهم (سعيرا) بمعنى مسعور يستوي فيه المذكر والمؤنث يقال سعر النار وأسعرها إذا أوقدها بل الذي يفهم من موارد الاستعمال هو إيقادها بشدة وشدة اتقادها (56 ان الذين كفروا
ص: 142
بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُم جلوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيمًا (57) والَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا
........................................................
بآياتنا) فكفروا بالرسول الأكرم والكتاب الكريم (سوف نصليهم) يوم القيامة (نارا) مسعرة يصلونها (كلما نضجت جلودهم) بسميرها (بدلناهم جلوداً غيرها) في الصورة بأن تعود بقدرة الله تلك الجلود الناضجة كالتي لم تنضج ليبقى فيها حسها فيدوم بذلك عذابهم فمن أمالي الشيخ مسنداً وفي كتاب الاحتجاج عن الصادق علیه السّلام انه سئل عن ذلك فقال هي هي وهي وضرب لهم المثل باللبنة إذا كسرتها حتى صارت تراباً ثم صبيبت عليها الماء وجبلتها لبنة على هيأتها فهي هي في المادة وإنما حدث التغيير والمغايرة في الصورة . أقول وهذا هو المنطبق على حكمة المعاد الجسماني (1)وان الله يحيي العظام وهي رميم ومن ذلك قوله تعالى في سورة الاسراء أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقالوا إذا كنا عظاماً ورفاتاأإنالمبعوثون خلق جديد أقل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة (2)وهو الوجه للرازي وجزم به ابو السعود (ليذوقوا العذاب) الدائم (ان الله كان) ولا يزال (عزيزا) في حكمه (حكيما) في أعماله (57 والذين آمنوا وعملوا
ص: 143
الصَّالِحَاتِ سَنَدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً
........................................................
الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ، قد مر في متفرقات الجزء الأول تفسير ذلك في جمله ومفرداته (لهم فيها أزواج مطهرة) في الفقيه عن الصادق علیه السّلام اللاتي لا يحضن ولا يحدثن والظاهر انه علیه السّلام ذكر اكبر القذارات الملازمة لنوع النساء ومقتضى إطلاق التطهير لهن انهن مبرأت من كل نجاسة وخبث وقذارة في الخلقة والأخلاق.
........................................................
إلى هنا وقف براعه الشريف ولم يمهله الأجل «قده» لا تمام هذا السفر الجليل وقد أحب تسجيلاً للخير ذكر الآية السادسة من سورة المائدة لمناسبة ذكر آية التيمم المار ذكرها قريبا في سورة النساء فقال طاب ثراه.
وحيث ان الآية السادسة من سورة المائدة لها مشاركة مع آية التيمم في كثير من الأحكام آثرنا أن نتعرض لتفسيرها في هذا المقام قياما بحق المناسبة وما نحاوله من الاختصار وتعجيلا للخير ومن الله التوفيق والتسديد.
فلا يخفى انه يعرف من الآية ان الجنب لا يقرب الصلاة حتى يغتسل وان ذلك الاغتسال هو طهارة الجنب لاستباحة الصلاة كما يؤكده قوله تعالى في آية المائدة وإن كنتم جنبا فاطهروا كما يعرف من الآية ان المجيء من الغائط له قسم من الطهارة المائية مقابل الطهارة الجنب وعند فقد الماء يتيمم وقد أشرنا ان المجيء من الغائط كناية عما يعرض للذاهب إلى الغائط من خروج البول أو المذرة أو الريح ذات الصوت أو غيرها ولا يبعد ان ذلك معلوم عند المسلمين من السنة الشريفة من أول تشريع الصلاة وجاءت الآية مؤكدة لتشريعه على وجه الإشارة لحفظ تلك المشروعية وحجتها بما وعد الله به من حفظ القرآن الكريم نعم لا يفهم من الآية وجوب الطهارة للقيام من النوم فقال جل اسمه في سورة المائدة تأكيدا الحفظ شرعية الوضوء وصورته الواجبة في سورة المائدة التي دل الحديث المتفق عليه بين المسلمين انها آخر ما نزل من القرآن وان أحكامها محكمة لم يعترها نسخ وتغيير (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) متوصلين بقيامكم إلى الصلاة في النهيولها . وليس المراد منه القيام الذي هو من أفعال الصلاة فإنه قيام الصلاة كالسجود للصلاة لا قيام إلى الصلاة وللرازي في المقام في المسألة الأولى كلام غير
ص: 144
منتظم. وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن بكير (1)قلت لابي عبد الله يعني الصادق علیه السّلام قوله تعالى (إذا قمتم الى الصلاة) ما يعني بذلك قال علیه السّلام اذا قمتم من النوم قلت ينقض النوم الوضوء قال نعم الحديث. وفي قلائد الدرر للجزائري وتفسير البرهان وفي تفسير العياشي عن بكير بن اعين عن ابي جعفر يعني الباقر علیه السّلام في قول الله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا إذا قلم إلى الصلاة) قال قلت ما عنى بها قال من النوم وروى مالك في الموطأ عن زيد بن اسلم (2)ان تفسير هذه الآية إذا قمتم من المضاجع يعني النوم و في الدر المنثور اخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن زيد بن اسلم والنحاس وذكر مثله . واخرج ابن جرير عن السدي مثله (فاغسلوا وجوهكم) اطلاق الغسل يقضي بجريانه على العادة في الغسل بالماء ويوضحه قوله تعالى (فإن لم تجدوا ماء) و على النحو الذي لا يؤتى به لازالة وسخ تحتاج الى ذلك وكثرة افاضته للماء لاجل كثرته واستيلائه على الوجه بل يكفي فيه ما يحصل به غسل النقي عن الوسخ والحاجب للماء عن البشرة والعادة في مثله تقتضي انه باليد الواحدة وهي اليمنى وهي المعدة للاعمال مضافا الى انها المطلوبة في الشرع للأعمال المحترمة ولا يكون الغسل الوجه بكلتا اليدين في العادة الا في مقام الحاجة الى افاضة الكثير لأمر هو فوق مسمى الغسل كإزالة الخضاب مثلا او التراب الكثير او الطين ونحو ذلك مضافا الى ان العادة في الوضوء هو استعمال اليد اليسرى بإفراغ الماء من الاناء في اليمنى اذا فلا حاجة ولا مداخلة لليسرى في الغسل. كما ان المعتاد عليه في غسل الوجه ان يكون من اعلاه إلى اسفله فالاطلاق بحسب دليل الحكمة في الطبيعة المهملة انما يجري في الافراد العادية التي تتسابق بصدق الطبيعة الى الذهن فيقال حينئذ لو أراد المتكلم افرادا خاصة من هذه لحصرها بالتقييد وأما الافراد الخارجة عن الغالب والمعتاد فلا تسبق الى الذهن مع الغالب والمعتاد فلا يسري دليل الحكمة بالإطلاق اليها بل يقال حينئذ لو أرادها المتكلم لنص على ارادتها
ص: 145
بما يمثلها للذهن بالاستقلال او مع الأفراد الغالبة المعتادة . هذا وان تعلق الغسل باسم الوجه مقضي بأن يغسل جميع ما يسمى وجها كما تقدم في صحيحة زرارة عن الباقر علیه السّلام والمرجع في بیان مسمى العرف العام ومن لم يغسله كله لم يتحقق منه غسل الوجه فلا يتحقق منه امتثال الأمر به ومن المعلوم الوجه من جانب الطول هو من قصاص شعر الناصبة في مستوى الخلقة دون الأنزع والأغم الى آخر الذقن وفي صحيح الكافي والفقيه والتهذيب عن زرارة قلت لابي جعفر الباقر علیه السّلام اخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي ان يوضأ الذي قال الله عز وجل فقال علیه السّلام الوجه الذي قال الله عز وجل وأمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لأحداث يزيد عليه ولا ينقص منه الذي ان زاد عليه لم يؤجر (1)وان نقص منه اثم ما دارت عليه الوسطى والابهلم من قصاص شعر الرأس الى الذقن وما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه فقال الصدغ (2)من الوجه فقال لا (انتهى) والمراد من الوجه ما يواجه بالرؤية وان كان شعر اللحية والشارب (وأيديكم) وهي اسم للعضو المعروف وتشملها الى الكتف ولا بدخل في مسماها الشعر فلا يكفي غسله عن غسل البشرة (الى المرافق) المرفق هو مجمع عظمي الذراع والعضد وجرت الآية على المعتاد والمتعارف من ان الذي يغسل من اليد ما كان من ناحية الاصابع والكف والذراع فإنه المعرض لما يحتاج الى الغسل دون ما كان من ناحية الكتف الى المرفق فلا اطلاق في الآية ولا اجمال ولا ابهام كما ان العادة في غسل الذراع خصوصا من الغبار والأوساخ بل والتبريد ان يغسل من الاعلى متدرجا إلى الأنامل فيجري الاطلاق عليه كما تقدم في تعيين المغسول في اليد الى المرافق مع ان النكس في تمام غسل اليد مما يحتاج الى صعوبة كما نرى ان العمل عليه لا يقع غالبا الا مبعضا وربما يجري على هذا ما في الدر المنثور مما اخرجه الدارقطني والبيهقي في سننها عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه . وما اخرجه احمد ومسلم عن عمرو بن عتبة من النبي صلی الله علیه و آله و سلّم في حديثه وإذا غسل وجهه كما امره الله الاخرت خطايا وجهه من اطراف لحيته مع الماء ثم غسل يديه الى المرفقين الاخرت خطايا يديه من أطراف انامله مع الماء (الحديث) وهو يوضح ان منتهى مجرى الغسل ومجرى الماء هي اطراف اللحية والانامل اقول وحاصل المقام ان كلمة الى
ص: 146
ليس لتحديد الغسل وبيان انتهائه الى المرفق بعد ابتدائه من اول اليد بل إنما هي المغسول كما تقول اغسل ثوبك الى جبيه واخضب كفك إلى مفصل الزند واصقل السيف الى ضبته ونحو ذلك وعلى هذا اجماع الأمامية وحديثهم نعم يحكى عن بعضهم جواز النكس تشبثا بإطلاق الغسل كما في الامثلة المذكورة ولكن ماذكرنا من العادة والغالب في غسل هذا المقدار من اليد يمنع الاطلاق عن النظر الى غير الغالب المعتاد مضافا الى صحيحة بكير واخيه زرارة المروية في الكافي والتهذيبين في حكاية الباقر علیه السّلام لوضوء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وفيها فغسل يده اليمنى من الموفق الى الاصابع لا يرد الماء الى المرفق ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فافرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكف لا يرد الماء الى المرفق كما صنع في الينى ثم مسح رأسه وقدميه الى الكمبين بفضل كفيه لم يجدد ماء وفي رواية الكافي فغسل بها ذراعه من المرفق الى الكف لا پردها الى المرفق والمراد الى ناحية الكف ونحوهما في الصراحة رواية الكافي في الحسن كالصحيح عن زرارة عن الباقر علیه السّلام وجاء لفظ المرافق باعتبار صورة الخطاب بالجمع «يا ايها الذين آمنوا» كما يقال اغسلوا ايديكم الى مرافقكم وان كان لكل مكلف مرفقان ويصح ان يقال الى المرفقين باعتبار النظر الى ان خطاب الجماعة بالتكليف ينحل في الحقيقة الى خطابات متعددة بتعدد المخاطبين المكلفين فيذكر المرفقان باعتبار كل مكلف ولم يسمع في فصيح الكلام وصحيحه حل جمع الايدي الى افرادها فيقال وايديكم الي المرفق باعتبار اليد الواحدة الا ان يقال فاغسلوا وجوهكم وايديكم كل يد الى المرفق وامسحوا أرجلكم كل واحدة الى العقب والسر في ذلك ان غير الجموع الخطابية لا علاقة لها يحلها إلى المفردات الا ان يشار الى المفرد بقولك كل واحدة او كل يد او كل رجل ثم تحكم على المفرد بحكمه فلا تقول ولم تسمع قسمت الدراهم الى نصفين مثلا وان تريد قسمة كل درهم الى نصفين بل لا بد لك ان تقول قسمت الدراهم كل درهم الى نصفين لأن الحكم يجره سوق الكلام الى الجمع (وامسحوا برؤوسكم) قد بينا سابقا من مكان الباء التي هي للآلة ان المسح بالرأس يكون ببعضه كما كان المسح في التيمم بالوجه ببعضه وقد سبقت الحجة من الباقر علیه السّلام على ان المسح يكون بعض الرأس.
ص: 147
جدول الخطأ والصواب للجزء الثاني من آلاء الرحمن
صفحه ... سطر ... خطا ... صواب
3 ... 18... لاُتبقی ... لاُیبقی
4 ... 11 ... جنهنا ... جنسها
5 ... 4 ... احدئه ... احدثه
5 ... 4 ... ح ... ج
5 ... 17 ... الهئیه ... الهیته
8 ... 12 ... «من طين» ...«من طبن»
15 ... 3 ... لا يمعید ... لا يعتد
15 ... 5 ... من طرف ... من طرق
19 ... 8 ... ان تعبير ... ان التعبير
20 ... 5 ... أولية ... اولوية
20 ... 7 ... أولية ... اولوية
21 ... 3 ... من بلي ... من بلي
24 ... 22 ... بصداقه ... مصداقه
28 ... 7 ... ونحوهما ... ونحوها
28 ... 11 ... اخرجوا ذاک ... اخرجوا نحو ذالک
31 ... 2 ... وارثیشه ... وارثيته
32 ... 11 ... لماذا اغفلوا ... لماذا غفلوا
32 ... 14 ... قبل ... قبل
33 ... 5 ... من خلافه ... من جلافة
35... 18 ... من لم يتبع ... من لم يبلغ
36 ... 21... فرضنا ... وفرضنا
43... 3 ... هی ... التی هی
43... 23 ... سابقها ... سابقتها
47... 19 ... يصير فيها ثلثا ... يصير فيها ثلثا البنات
... ... ... البنات سنة عشر ... ستة عشر من سبعة
... ... ... من سبعة وعشرين ... وعشرين وكل من السدسين اربعة من سعة وعشرين
52 ... 12 ... لم يكن إلا ... لم يكن لهم إلا
52 ... 16 ... ما بنستها ... ما بنسبتها
52 ... 21 ... عن عبيده ... عن ابي عبيدة
53 ... 3 ... قال عبيده ... قال ابو عبيدة
54 ... 16 ... واثنين او اكثر من ... واثنين من
58 ... 5 ... والتعقيب ... والتعصيب
59 ... 12 ... من ابن عباس ... عن ابن عباس
60 ... 11 ... في المقاهر ... في المقام
60 ... 14 ... ماكرهتموهن ... ما كرهتموها
61 ... 4 ... او يدله ... او بذله
71 ... 9 ... من كل ... من نكاح كل
75 ... 3 ... من لا يعقل ... من يعقل
82 ... 12 ... لأنها (1) ... لأنها زواج شرعي كما تصرح به هذه الرواية واللتان قبلها
83 ... 16 ... عدازواج شرعي عدا . وفي كما تصرح به هذه
الرواية واللتان قبلها . وفي
ص: 148
صفحه ... سطر ... خطا ... صواب
89 ... 13 ... في آدابهم ... في آدابها واحكامها وأحكامهم
89 ... 15 ... من حيث التظاهر ... من حيث النظام
89 ... 16 ... ولم يعره ... ولم يعروه
90... 14 ... وقال انه عي ... وقال انه على
90 ... 17 ... فلم بقدر ... فمن لم يقدر
90 ... 20 ... «يستطيع» ... «يستطع»
91 ... 23 ... اي ماليكهن ... اي مالكهن
92 ... 13 ... واما في ... واما ما في
94 ... 7 ... بسبب العروبة ... بسبب العزوبة
94 ... 14 ... المعول به من ... المعول من
95 ... 15 ... الى هنا ... الى انها
96 ... 16 ... توبة عما ... توبة منكم عما
99 ... 6 ... ان التفكير ... ان التكفير
101... 3 ... من طريق عن ... من طريق علي عن
103... 16 ... قد اخذ الله ... قد اخذها الله
104... 22... الرجل على الرجل ... الرجل على المرأة
107... 5 ... واخرج الترمذي ... واخرجه الترمذي
108... 19 ... واتفاق الحكمين ... واتفاق الحكمين
108... 19 ... فیه ... کما فیه
109... 13 ... كان الطاعه ... لأن الطاعة
112 ... 21 ... فينغلب ... فتقلب
112 ... 24 ... انه ... بانه
113 ... 10... فائدة الکلام ... وفائدة الکلام
114 ... 18 ... و عدم کتمانها ... و عدم کتمانهم
115 ... 11 ... فسقاها ... فسقاهما
119 ... 8 ... فینفعل ... فیفعل
119 ... 15 ... الایه ... الغایة
124 ... 18 ... واهیة ... واهیه
127 ... 227 ... 127
128 ... 228 ... 128
128 ... 4 ... واسناده ... واستاده
128 ... 4 ... بعد ... بعدم
128 ... 6 ... عن اسناده ... عن استاده
128 ... 16 ... احد للعاملين ... احد العامين
131 ... 2 ... في هذا هو ... في هذا المقام هو
131 ... 21 ... كل واحد ... كل واحدة
133 ... 13 ... من طرق في ... من طرق الامامية في
133... 18 ...الا بعض ونصيب ... الا بعضا ونصيبا
137 ... 1... له ... آله له
137 ... 3 ... كل نوع ... لكل نوع
140 ... 8 ... بذل ... بدل
140... 18 ... امثلة ... من امثلة
ص: 149
صفحة ... صفحة
3 - آدم ابو البشر وأصله
4 - آدم اصل البشر وما يزعمه أهل الصين
5 - صاحب المنار واستاذه - اوالارحام
6 - فانكحوا ما طاب
9 - تعدد الزوجات
14 - علامات الباوغ
15 - رشد البنيم
17 - مال اليتيم
23 - في الميراث
24 - اوث البنات والأبوين
27 - كلالة الأم
31 - الكافر لا يرث المسلم والمسلم پرث الكافر
33- العبد لا يرث . ولد الزنا لا يرث
34 - في التعصيب
37- في ميراث النبي صلی الله علیه و آله و سلّم
46- في العول
54- ارث الزوجة - الحبوة
58- في التوبة المطلوبة
59- عوائد بعض العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة
60- في مصاديق الفاحشة
61- معنى البهتان
63- ما ينسب إلى الشافي في ولد الزنا
64- الرضاع المحرم
66- في الفرق بين ام الزوجة والربيبة
67- حرمة ام الموطوءة بالملك
68- في حرمة الربائب
70- في حرمة حليلة الأبن ومملوكته
71 - في حرمة حليلة الابن الرضاعي وكلام صاحب المنار في تحريم الجمع بين الاختين
72- في حرمة الجمع حتى في الملك
74- متعة النساء
76- متعة النساء وتسمية هذا النكاح بالمتعة
77- متعة النساء ودوام مشروعيتها إلى ما بعد زمن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم
80- في متعة النساء ودعوى نسخها
84- في متعة النساء وكلام ابن رشد في تحريمها
85 - في متعة النساء وكلام صاحب المنار
86- في متعة النساء وما يتشبث به لتحريمها
91- تزويج الأمة
92- المراد من الإحصان
93- المراد من العذاب
94- معنى العنت
95- معنى اللام في (ليبين) واشتباه الرازي
ص: 150
صفحة
97- لا تأكلوا : ومعنى الأكل
98- في مصاديق قتل النفس
99- معنى الكبائر والسبب لاخفائها
103- ميراث المؤاخاة
104- في ان الأئمة كرسول الله صلى الله عليه وسلم وارث من لا وارث له
105- فی ان الرجال اقوی ادراکاوا کمل خلقة
108- في بيان من له سيطرة البحث
109- بيان الاحسان
110- بيان تكرار المقربي
115 - لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى والروايات الواردة في سبب نزولها
116- اضطراب الروايات في سبب نزول لا تقربوا
117 - سيق تحريم الخمر وانه محرم في كل شريعة
118- قصاص الرواة ينسبون لقدس رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم اشنع شي
119- المراد من ( سكارى ) هو سكر النوم
120 - المراد من (لا تقربوا)
122- في جواز اجتياز الجنب المسجد
124- في سد الابواب الاباب علي الجواز مروره
جنبا
127 - معنى الصعيد
128- في بيان التيمم وكلام صاحب المنار
129- مزاعم صاحب المنار ودعوى القيد
130- معنى الطيب
131- كيفية التيمم
132- في بيان المسوح والممسوح به
135- معنى الطمس
136- ان الله لا يغفران يشرك به أي الشرك الدائم
138- في معنى التزكية
139- في معنى القتيل لغة وموارد استعماله
141- ام يحسدون الناس
140- في ان الناس هم النبي صلی الله علیه و آله و سلّم واهل بيته
144- في تفسير آية الوضوء
ص: 151
انا لله وانا اليه راجعون
قد انقطع (بالرغم منا ومن المسلمين) سلك هذا السفر العظيم والكتاب الكريم قبل اختتامه وانقصمت عروته الوثقي قبل انتهائه وفجع الاسلام والمسلمون بمفاجأة الأجل لعميدهم وعماده اعني الناظم لهذه الدرر المنثورة والجامع لشتات هذه اللئالى المنشورة (هو) الذي عقمت النساء في هذه الأعصار ان بلدن له من مثيل وهيهات ان يرينا الدهر لمثله من نظير (هو) الذي لاغابة لأمدجهادهولا منتهى لدى اصلاحه (هو) الذي تمثل مناضلا عن الدين ومدافعا عن شريعة سيد المرسلين.
(هو) الذي كان المزبر سادس أنامله والقرطاس أليف نهاره وسمير ليله (هو) الذي كان في حر النجف القائظ وبرده القارس جليس غرفته لا هم له الا الأخذ بناصر الدين والنظر في صالح المسلمين بتأليف او بيان الا (وهو) الامام المجاهد بطل العلم والعمل حجة الاسلام والمسلمين برهان الملة والدين آية الله البلاغي (الشيخ محمد جواد ) بن الشيخ حسن النجفي طيب الله ثراه واحسن مثواه ولم يزل (قده) مكبا على التصنيف والتأليف بكل جد و سعي حتى تضاءلت قواه وضعفت باصرته على شيخوخة من عمره لكن في جدة من شباب عزيمته حتى انه (قده) أنهى اواخر هذا التفسير با لقائه على التلاميذ والكتبة المحتفين به على ما هو عليه من شدة المرض وغاية الضعف مطروحا في فراش الموت فجزاه الله تعالى عن الاسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين وكان له (قده) من العمر ما يقرب من السبعين وكانت ولادته في النجف الاشرف من العزاق في ثيف و 1280 ه- وبها كان نشوه و ارتقاؤه ومبادئ، تحصيله وأتم دروسه العالية لدى اعلام عصره الفطاحل آيات الله على الانام الحاج آقا رضا الهمداني . والشيخ محمد طه نجف . والمولى محمد كاظم الخراساني قدس الله تعالى اسرارهم ثم كانت هجرته الى سامراء على عهد الامام المقدم آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي طاب ثراه وطوى هنالك بعشرا من الأعوام وبها ألف بعض كتبه (كالهدى) وغيره ثم غادرها لما احتلها الحشد البريطاني وهاجر من كان بها الى الكاظمية ومنهم المترجم (قده) ومكث فيها عامين له فيها مساعيه المشكورة مع العلماء الاعلام حول القضية العراقية وطلب الاستقلال وتسجيله وفيها ألف رسالته في تنجيس المتنجس ثم بارحها معرجا على النجف الأشرف ثانيا واقام بها الى ان صار أحد أعلامها الهداة والحجج والآيات ثم أتاه الأجل المحتوم وقضى نحبه سعيدا ليلة 22 من شهر شعبان سنة 1352 ه- وكان لوفاته (قده) أثر كبير في نفوس عظماء الدين كافة وأقيمت له الفواتح في جميع البلاد العراقية وتشادق الادباء في رثائه وتأبينه وطار نبأ فجيعته شرقا وغربا فتسأل الله تعالى أن يعلي في الخلد مقامه ويرفع اعلامه وكان تمام طبع الأوراق الأخيرة على يد الاحقر الراجي حسن الحسيني اللواساني النجفى عفي عنه في الثامن من شهر رجب الاصب سنة 1355 م
ص: 152