روضة الکافي المجلد 8

هویة الکتاب

سرشناسه : کلیني، محمّد بن یعقوب، - 329ق.

عنوان قراردادی : الكافي

عنوان و نام پدیدآور : روضة الكافي/ محمّد بن یعقوب الکلیني؛ ضبطه و صححه و علق علیه محمّدجعفر شمس الدین.

مشخصات نشر :بیروت : دارالتعارف للمطبوعات، 1411ق. = 1990م.= 1369.

مشخصات ظاهری : 1ج.

فروست : موسوعة الکتب الاربعه فی احادیث النبی (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و العتره؛1،2.

یادداشت : عربی.

یادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : شمس الدین، محمّدجعفر

رده بندی کنگره : BP129/ک 8ک 22 1369

رده بندی دیویی : 297/212

شماره کتابشناسی ملی : م 81-8050

محرر الرقمي: محسن مرادي

ص: 1

اشارة

ص: 2

مَوْسُوعَة الكُتب الأَربَعَةَ

فِیْ أَحَادِيث النّبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)والعِترة

8

رَوضَةُ الكَافي

لثقةِ الإسلام ِ

محمّد بن يعقوب الكلُيني ( قدس سره الشریف)

المتوفّى سنّة ٣٢٩/٣٢٨ه

ضَبطَهُ وصحّحَه وعلّق عليه

محمّد جعفر شمس الدِّين

دار التعارف للمطبوعات

بيروت لبنان

moamenquraish.blogspot.com

ص: 3

مكتبة مؤمن قريش

لو وضع ايمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه .

الإمام الصادق (عليه السلام)

حقوق الطبع محفوظة

١٤١١ه_ - ١٩٩٠م

دار المعارف المطبوعات

و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم

المكتب : شارع سوريا - بناية دوريش - الطابق الثالث

الادارة والمعرض - حارة حريك - المنشية - شارع دكاش - بناية الحسنين

تلفون - ٨٣٧٨٥٧

ص.ب8601 -11

ص: 4

محتویات الکتاب

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب الروضة

اشارة

(1).

1 - محمّد بن يعقوب الكليني قال(2) : حدّثني علي بن إبراهيم، عن أبيه فضّال، عن حفص المؤذّن(3)، عن أبي عبد الله(عليه السلام)(4)، وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله(عليه السلام): أنه كتب بهذه الرسالة إلى ،أصحابه وأمرهم بمدارستها (5)، والنظر فيها (6)، وتعاهدها (7)، والعمل بها (8)، فكانوا يضعونها في مساجد(9)بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها قال : وحدثني الحسن بن محمد، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي ، عن القاسم بن الربيع الصّحاف، عن إسماعيل بن مخلّد السّراج، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: خرجت(10)هذه

ص: 5


1- الروضة : لغةً - كما يقول صاحب القاموس - نقلا عن الكليات:« أرص مخضّرة بأنواع النبات». أقول: وقد فسّر الروض في قوله تعالى :﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَ﴾ ؛ أي في أرض ذات أزهار وأنهار . وفسرت الروضات في قوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾؛ أي في أطيب بقاعها وأنزهها. ومن هنا نفهم وجه استعارة ثقة الإسلام الكليني قدس سره هذا اللفظ لكتابه وذلك لتشبيه ما اشتمل عليه من الكلم الطيب والموعظة الحسنة والحكم البالغة بما تؤثر من الصفاء في النفس والغذاء للعقل، والقرة للعين عيناً كما تؤثر في النفس والعين مناظر الخضرة اليانعة والأزهار اليافعة الجميلة الأثر الحسن والجميل والله العالم .
2- قال المازندراني ١١ / ١٤٠ : هذا كلام الرواة عنه أو كلامه بلسانهم أو إخبار عنه بطريق الغيبة». وأقول: بل هو كلامه رحمه الله بلسانه وما المحذور في ذلك ؟ بل مما يؤيد هذا أنه ورد اسمه مجرداً عن أي مدح أو ثناء، وهذا هو ديدن علمائنا رضوان الله عليهم في كتبهم فراجع ولو كان من كلام أحد تلامذته أو رواه أحاديثه لأرفقه بصفات المدح والتعظيم، لا إنه يورده باسمه مجرداً عن ذلك . والله العالم .
3- قيل : بأنه كان مؤذنا لعلي بن يقطين . وهو حفص بن عمر ، أبو محمد، وقد ذكر الشيخ في رجاله حفص بن عمر، وكنيته أبي محمد، في أصحاب الصادق(عليه السلام): (337) ولا يبعد اتحادهما .
4- استبعد المازندراني أن يكون معطوفاً على علي بن إبراهيم بل جزم كما المجلسي في مرآته عطفه على ابن فضال لأن إبراهيم بن هاشم أحد رواته .
5- أي تعلمها وتعليمها .
6- أي نظر تفكر وتدبر .
7- أي برعاية عهدها وحفظه حالا بعد حال.
8- يدل على أن النظر إنما هو مقدمة للعمل، وإنه متى لم ينضم العمل إليه لا قيمة له .
9- أي أماكن الصلاة منها، وهو ما اعتادوا على أن يتخذوه مصلّى .
10- أي صدرت .

الرسالة من أبي عبد الله(عليه السلام)إلى جماعۀ الشیعه

بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد فاسألوا ربكم العافية(1)، وعليكم بالدَّعَة (2)، والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزّه عما تَنَزّه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحمّلوا الضَّيْم(3)منهم ، وإياكم ومماظَّتَهُمْ (4)، دينوا فيما بينكم وبينهم - إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام - بالتقية(5)التي أمركم الله (6)أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم ، فإذا ابتُليتم بذلك منهم، فإنهم سيؤذونكم ، وتعرفون في وجوههم المنكر، ولولا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسَطَوا بكم(7)، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم(8)، مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة(9)لا تأتلف ، لا تحبونهم أبداً ولا يحبونكم غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبَصَرَكُمُوه، ولم يجعلهم من أهله، فتجاملونهم وتصبرون عليهم، وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شيء، وحيلهم ووسواس بعضهم إلى بعض، فإن أعداء الله إن استطاعوا صدّوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك، فاتقوا الله، وكُفّوا ألسنتكم إلا من خير .

وإياكم أن تزلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه، كان خيراً لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به، فإن زَلَقَ اللسان فيما يكره الله وما ينهى عنه مرداة (10)للعبد عند الله ، ومَقْت(11)من الله ، وصَمّ وعَمى وبَكُمٌ يورثه الله إياه يوم القيامة، فتصيروا كما قال الله : ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾(12). يعني لا

ص: 6


1- العافية في الدين لأنه عصمة أمر المخلوق، أو الأعم من عافية الدين والدنيا يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «فنسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان النهج / 99 ، من خطبة في التزهيد من الدنيا .
2- الدَّعَة : الخفض في العيش والطمأنينة .
3- الضيم: الظلم.
4- المماطة : اللّج في المخاصمة إما في أمور العقيدة، أو الأعم.
5- متعلقة بقوله(عليه السلام) : دينوا .
6- إشارة إلى قوله تعالى : ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ آل عمران / 28 ، وغيرها من الآيات بهذا الخصوص.
7- سطا عليه وبه يسطو سطواً وسطوةً (واوي) : صال عليه ووثب أو قهره بالبطش، أو بسط عليه بقهره من فوق - هكذا في القاموس -
8- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾آل عمران / 118.
9- وذلك لاختلاف الطينات في عالم التكوين.
10- أي مهلكة .
11- أي سلب لطفه عن العبد فيهلك .
12- البقرة/ ١٨

ينطقون، ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ (1).

وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تَرْكَبوه(2)وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجُرُكُم عليه(3)، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله، والتضرع إليه، والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلوداً في النار من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها، وعليكم بالدعاء، فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء، والرغبة إليه، والتضرع إلى الله ، والمسألة (له)، فارغبوا فيما رَغَّبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه، لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله وإياكم أن تَشْرَه(4)أنفسكم إلى شيء مما حرّم الله عليكم، فأنه من انتهك ما حرّم الله عليه ههنا في الدنيا، حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذّتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.

واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها، ويل لأولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرَّتهم وأسوء حالهم عند ربهم يوم القيامة ، استجيروا الله أن يجيركم(5)في مثالهم أبداً ، وإن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم إلّا به .

فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به، فإنه لا يتم الأمر حتى(6) يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم، وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيراً، فتصبروا وتَعْرُكوا بجنوبكم(7)وحتى يستذل_وك_م ويبغضوكم وحتى يَحْمِلُوا (عليكم) الضَّيم ، فَتَحمَّلوا منهم، تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة، وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في الله عز وجل يجترمونه إليكم(8)وحتى

ص: 7


1- المُرْسَلات ٣٦ .
2- أي تقترفوه .
3- مما في الخوض فيه رضا الله سبحانه من ذكره والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحدث بالحكمة والموعظة الحسنة . . . الخ .
4- الشَّرَه : الحرص على الشيء
5- في الوافي : أن يجزيكم وفي شرح المازندراني : أن يخزيكم .
6- إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران /١٨٦ : ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ .
7- عركت الشيء إذا دلكته بيديك وحككته، ورجل عُرَكة : أي يمسح الأذى بجنبه ، يعني : يحتمله .
8- الاجترام الكسب، وفي القاموس : اجترم لأهله كسب والضمير يرجع إلى الضّيم أو إلى الأذى.

يكذّبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه ، فتصبروا على ذلك منهم، ومصداق ذلك في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل(عليه السلام)على نبيكم (صلی الله علیه وآله وسلم)، سمعتم قول الله عز وجل لنبيكم(صلی الله علیه وآله وسلم):﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ (1)ثم قال: ﴿ وان یکذّبَوک فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا ﴾ (2)فقد كُذّب نبيّ الله والرسلُ من قبله وأُوذوا مع التكذيب بالحق ، فإن سرّكم أمرُ الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل - أصل الخلق . من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الأصل، ومن الذين سمّاهم الله في كتابه في قوله : ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾(3)، فتدبَّروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه ، فإنه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه، ترك دين ، ترك دين الله ، وركب معاصِيه، فاستوجب سخط الله فأكبَّه الله على وجهه في النار .

وقال : أيتها العصابة المرحومة المفلحة، إن الله أَتَمّ لكم ما آتاكم من الخير(4)، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً(5)، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله ،علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من ،علمه وخصّهم به، ووضعه عندهم كرامةً من الله أكرمهم بها، وهم أهل الذّكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم(6)، وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله أن يصدّقهم ويتّبع أثرهم - أرشدوه واعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإِذْنِه، وإلى جميع سُبُل الحق ، وهم الذين لا يَرْغَبُ عنهم وعن مسألتهم ، وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم، إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأَظِلّة(7)، فأولئك الذين

ص: 8


1- الأحقاف / ٣٥ . وأولو العزم خمسة : نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد(صلی الله علیه وآله وسلم).
2- الأنعام / ٣٤ . ومطلعها في التنزيل ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ ... ﴾وأما الآية التي :أولها ﴿وإن يُكَذبَوك﴾ . ٤٢ / الحج وتتمتها :﴿ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ﴾والآية ٤ / فاطر وتتمتها :﴿ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾. وكذلك الآية ٢٥ / فاطر وتتمتها : ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾.
3- القصص / ٤١ .
4- وذلك بنصب علي(عليه السلام)أميراً للمؤمنين وخليفة لخاتم المرسلين(صلی الله علیه وآله وسلم)، وفيه إشارة إلى قوله تعالى :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ. . . ﴾الآية ٣ / المائدة .
5- وهم أهل بيت العصمة(عليه السلام)وفي هذا المعنى نزل قوله تعالى7/ آل عمران: ﴿ وَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ... الآية﴾ .
6- إشارة إلى قوله تعالى ٤٣ / النحل :﴿ ... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
7- أي أظلة العرش، وفيه إشارة إلى العهد الذي أخذه الله على خلقه لنفسه بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولعلي بالإمامة فى عالم الذَّر ، وقصد في قوله تعالى : 172 / الأعراف ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ... . الآية﴾ . فالذي أقر بذلك في ذلك العالم فهو مقر به في عالم الأجساد والأعيان، والذي كفر هناك به فهو من الكافرين هنا أيضا.

يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم ، حتى دخلهم الشيطان(1)، لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما أحلّ الله في كثير من الأمر حراماً، وجعلوا ما حرّم الله في كثير من الأمر حلالاً، فذلك أصل ثمرة ،أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قبل موته، فقالوا : نحن بعد ما قَبَضَ الله عز وجل رسوله يَسَعُنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد ما قبض الله عز وجل رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفاً لله ولرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فما أحد اجرأ على الله ولا أبين ضلالةً ممن أخذ بذلك، وزعم أن ذلك يسعه، والله، إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وبعد موته ، هل يستطيع(2)أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحداً ممن أسلم مع محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه، فإن قال: نعم، فقد كدب على الله وضلّ ضلالاً بعيداً ، وإن قال : لا ، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقر بالحجة على نفسه، وهو ممن يزعم أن الله يُطاعُ ويُتبع أمره بعد قبض رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وقد قال الله - وقوله الحق - :﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ (3)، وذلك لتعلموا أن الله يُطاع ويُتَّبع أمرُه في حياة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وبعد قبض الله محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)، وكما لم يكن لأحد من الناس محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافاً لأم_ر مع محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، فكذلك لم يكن لأحد من الناس بعد محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه .

وقال : دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتح الصلاة، فإن الناس(4)قد شهروكم بذلك، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال : أكثروا من أن تدعوا الله ، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد الله

ص: 9


1- لأنه رأس القياس وأصله، إذ أول من قاس الدين برأيه إبليس .
2- قال الفيض في الوافي م / ١٤ ص 30 الغرض من هذا الكلام إلى آخره أن يبين أنه لا فرق بين زمان حياته(صلی الله علیه وآله وسلم)وموته في عدم جواز العمل بالرأي ، كما أنه لا فرق بينهما في وجوب طاعة الله واتباع أمره»
3- آل عمران / ١٤٤ .
4- يعني المخالفين، وإنما أمرهم بذلك تقية، وقد كان رفع الأيدي من علامات التشيع .

عباده المؤمنين بالاستجابة(1)، والله مُصَيّرٌ دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنة، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فإن الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين(2)، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير، فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فإن الله لا يُدْرَكُ شيءٌ من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه(3)، فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق :﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾(4)، واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرّمه، واتبعوا آثار رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وسنَّته فخذوا بها ، ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا، فإن أضلَّ الناس عند الله من اتّبع هواه ورأيه بغير هدى من الله(5)، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم ،فلها وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم (6)، تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم. وإياكم وسبَّ أعداء الله حيث يسمعونكم، فيسبّوا الله عدواً بغير علم(7)، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدَّ سبهم الله كيف هو؟ إنه من سبَّ أولياء الله فقد انتهك سب الله ومن أظلم عند الله أسْتَسَبَ الله ولأولياء الله ، فَمَهْلاً مَهْلاً (8)، فاتبعوا أمر الله ممن ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال : أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم ، عليكم بآثار رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وسنّته، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)من بعده وسنّتهم ، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى،

ص: 10


1- إشارة إلى قوله تعالى ٦٠ غافر :﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... الآية﴾ .
2- إشارة إلى قوله تعالى /١٥٢ / البقرة : ﴿فاذكروني أَذْکُرْکَمْ....﴾.
3- العل المراد بما حرم الله تعالى في باطن القرآن مخالفة ولي الأمر ومتابعة أهل الضلال واتباع آرائهم واعتقاد الولاية فيهم، وذلك لأن ثلث القرآن ورد فيهم، كما ورد عنهم(عليه السلام)، وهو المراد بباطن الإثم، أو هو أحد أفراده الوافي للفيض م / ١٤ / ص ٣٠ .
4- الأنعام / ١٢٠ . وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالآية:﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾. وقيل معناه هاهنا : الظاهر منه : نكاح امرأة الأب، والباطن منه الزنا ، وقيل : الظاهر منه هو الزنا، والباطن منه هو اتخاذ الأخوان . .. الخ .
5- إشارة إلى قوله تعالى ٥٠/ القصص : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ... الآية ﴾.
6- المجاملة : المعاملة بالجميل ، وقد دل ذلك على الحث على حسن المعاشرة مع الناس بشرط ألا يصل ذلك الخضوع والخنوع لهم بشكل يفقد الإنسان كرامته وقيمته ويمسخ شخصيته بحيث يصبح إمعة وظلا للآخرين. وإذا كان المراد بالناس : المخالفين فهو نهي عن أن ينقلب حسن المعاملة معهم إلى متابعتهم في منكرهم وباطلهم والركون إلى ظلمهم وإعانتهم فيه .
7- فيه إشارة إلى قوله تعالى (108/ الأنعام : ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾. ويستفاد من قوله(عليه السلام): حيث يسمعونكم، جواز سب الكافرين وأربابهم التي يشركون بعبادتها إذا لم يكن مسموعاً لهم .
8- منصوب بفعل مقدّر أي امهلوا مهلاً ، والتكرار للمبالغة .

ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسولُ الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قَلَّ، أرضى الله وأنفَعَ عنده في العاقبة، من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء، إلا أن اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال، وكل ضلالة بدعة، وكل بدعة في النار(1)، ولن يُنال شيء من الخير عند الله إلا من بطاعته والصبر والرضا، لأن الصبر والرضا من طاعة الله، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما أهله هو وهو خير له مما أحب وكره، وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا الله قانتين، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلِكُم وإيّاكم(2)، وعليكم بحب المساكين المسلمين، فإنّه من حقّرهم وتكبّر عليهم فقد زلّ عن دين الله ، والله له حاقر ماقتْ»، وقد قال أبونا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «أمرني، ربي بحب المساكين المسلمين (منهم)، واعلموا أن من حقّر أحذاً من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس ، والله له أشد مقتاً، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين، فإن لهم عليكم حقاً أن تحبّوهم»، فإن الله أمر رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)بحبهم ، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين.

وإياكم والعظمة والكْبر، فإن الكبر رداء الله(3)عز وجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّه يوم القيامة، وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين، فإنه من بغى صَيّر الله بغيه على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بُغيَ عليه، ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله ، وإياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد، وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يقول : «إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة، ولْيُعنْ بعضكم بعضاً ، فإن أبانا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) كان يقول :« إن معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تُعسِروه بالشيء يكون لكم قبله وهو مُعْسر » (4)،

ص: 11


1- البدعة، كل ما أحدث ولم يكن له أصل من الكتاب أو السنة. هذا والمروي عنه (صلی الله علیه وآله وسلم): «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار»، أصول الكافي ،1، باب البدع والرأي والمقاييس ، ح 8 .
2- فيه إشارة إلى قوله تعالى 238 / البقرة : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين . والصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وقيل : غير ذلك. والمحافظة على الصلوات إنما هي بإقامتها على وجهها المطلوب تامة الأجزاء والشرائط وبتوجه قلبي وعقلي ينعكسان خشوعا وخضوعا بين يدي الله سبحانه .
3- وقد روي في الكافي ،٢ كتاب الإيمان والكفر ، باب الكبر ، عدة أحاديث بهذا المضمون فراجع.
4- المُعسِر: ضد الموسر.

فإنا أبانا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يقول : «ليس المسلم أن يُغسِر(1)مسلماً ومن أنظر معسراً ظلّه الله يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلا ظله»(2).

وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضّلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، فإنه من عجّل حقوق الله قِبَلَه كان الله أقدرَ على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل، وأنه من أخّر حقوق الله قِبَلَه كان الله أقدرِ على تأخير رزقه، ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب الله لكم بقيته، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم عددها ولا كُنْه فضلها إلا الله رب العالمين .

وقال : اتقوا الله أيتها العصابة، وإن استطعتم أن لا يكون منكم مُحرج(3)للإمام ، فإن محرج الإمام هو الذي يسعى(4)بأهل الصلاح من أتباع الإمام، المسلّمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، واعلموا أن من نزل بذلك المنزل عند الإمام فهو مُحرج للإمام، فإذا فعل ذلك عند الإمام أخْرَجَ الإمام إلى أن يَلْعَنَ أهل الصلاح من أتباعه (5)، المسلّمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، فإذا لعنهم لإحراج أعداء الله الإمامُ صارت لعنته رحمة من الله عليهم، وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسله على أولئك(6).

واعلموا أيتها العصابة أن السنّة من الله قد جرت في الصالحين قبلُ. وقال: من سرّه أن يلقى الله وهو مؤمن حقاً حقاً، فليتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا، وليبرأ إلى الله من عدوّهم، ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم، لأن فضلهم لا يبلغه مَلَكُ مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال:﴿ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾(7) ، فهذا وجه من وجوه فضل اتّباع الأئمة، فكيف بهم وفضلهم ، ومن سرّه أن يُتمَّ الله له إيمانه حتى يكون

ص: 12


1- أي أن يطالبه بدين له في ذمته حلّ أجله وهو يعلم أنه لا يملك ما يسدده به .
2- أي رحمته ورضوانه، وهو استعارة.
3- وإحراج الإمام إلجازه إلى ما لا يريد من الحرج بمعنى المشقة والضيق وجواب : وإن استطعتم أن لا ... الخ ، محذوف، أي فافعلوا .
4- من السعاية، وهي الوشاية إلى الوالي الظالم.
5- وإنما يفعل(عليه السلام)ذلك تقية محافظة على نفسه وإبعاداً لهم عن أذى السلطان.
6- أي الذين احرجوا الإمام والجأوه إلى فعل ذلك
7- النساء/ ٦٩ . وصدر الآية : ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾.

مؤمناً حقاً حقاً فليف الله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين، فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين، إقامةَ الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضاً حسناً، واجتنابَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فلم يبق شيء مما فسّر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله ، فمن

دان الله فيما بينه وبين الله مخلصاً لله ، ولم يرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا ، فهو عند الله حزبه الغالبين، وهو من المؤمنين حقاً، وإياكم والإصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه، وقد قال الله تعالى : ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (1). (إلى ههنا رواية القاسم بن الربيع )(2) يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئاً مما اشترط الله في كتابه، عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء، فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه ، فذلك معنى قول الله : ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ .

واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به، وليُنتَهى عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه ، وقد أدرك كل شيء من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبّه الله على وجهه في النار.

واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خَلْقه ، مَلَك مقرَّب ولا نبيّ مُرسَل ولا من دون ذلك من خَلْقه كلّهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله، إن سرّكم أن تكونوا مؤمنين حقاً حقاً، ولا قوة إلا بالله وقال : وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم.

واعلموا أن الإسلام هو التسليم(3)، والتسليم هو الإسلام، فمن سلّم فقد أسلم، ومن لم يسلّم فلا إسلام له، ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان، فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان.

وإياكم ومعاصي الله أن تركَبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فَرَكِبَها فقد أبلغ(4)في الإساءة إلى نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلَة (5)، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ،

ص: 13


1- آل عمران / 135
2- قال المازندراني ١٦٩/١١ : وما يأتي رواية حفص المؤذن وإسماعيل بن جابر، وإنما لم يقل : إلى هاهنا رواية إسماعيل بن مخلد السراج، لأنه لو قال ذلك لفهم أنه لم يرو الباقي، وذلك ليس بمعلوم لجواز روايته، وعدم نقله للقاسم، أو نقله له واختصار القاسم على القدر المذكور .
3- أي التسليم لآل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)بالولاية والطاعة والانقياد لهم فيما ورد عليهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه، فراجع أصول الكافي ،1 كتاب الحجة باب التسليم وفضل المسلمين .
4- أي بالغ .
5- يريد أن الذي وقع الحتم فيه قسمان لا ثالث لهما، لأنه إما مقر بالولايات المذكورة متمسك بشروطها، أو منكر لشيء منها، فالأول محسن والثاني مسيء، وأما المستضعف : وهو من لم يقر ولم ينكر فهو خارج عن المقسم فلا يرد أنه قسم ثالث المازندرانی 171/11 .

ولأهل الإساءة عند ربهم النار ، فاعملوا بطاعة الله، واجتنبوا معاصيه، واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئاً، لا مَلَك مقرَّب ولا نبيّ مُرسل ، ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله ، فليطلب إلى الله أن يرضى عنه ، واعلموا أن أحداً من خلق الله لم يُصِبْ رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله، وطاعةٌ ولاةِ أمْرِه من آل محمد صلوات الله عليهم، ومعصيتُهم من معصية الله ، ولم ينكر لهم فضلاً عَظُمَ أو صَغُرَ(1).

واعلموا أن المنكرين(2)هم المكذَّبون، وأن المكذبين هم المنافقون(3)، وأن الله عزّ وجل قال للمنافقين وقوله الحق :﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾(4) . ولا يَفْرَقَنَّ(5)أحد منكم الزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس، أخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من أهلها، فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق، فأولئك هم شياطين الإنس والجن(6)، وإن لشياطين الإنس حيلة ومكراً وخدائع، ووسوسة بعضهم إلى بعض، يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله ، الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله، إرادةَ أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب، فيكونون سواءاً ، كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله :﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾(7). ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله ولياً ولا نصيراً، فلا يهولنكم ولا يَرُدَّنكم عن النصر بالحقّ الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم من أموركم، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم ، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته ، وهم لا خير عندهم ، لا يحل لكم أن تظهر وهم على أصول دين الله، فإنهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه، ورفعوه عليكم وجهدوا على هلاككم ، واستقبلوكم بما

ص: 14


1- الفضل العظيم ما لا يُدْرَك كنهه، والصغير غير ذلك .
2- أي المنكرين لفضل آل بيت محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)الجاحدين لولايتهم(عليهم السلام)فاستبطن إنكارهم تكذيباً للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)في نصبه علياً وأولاده(عليه السلام)خلفاء من بعده.
3- لأن إنكارهم ورد بعد إقرارهم، فكشف عن أنهم أظهروا خلاف ما أبطنوا من الكفر والتكذيب وهذا هو شأن المنافقين .
4- النساء / ١٤٥ . والدَّرْك : الطبق، أي الطبقة والدرجة وقيل : توابيت من النار تطبق عليهم .
5- أي لا يخافن من الفَرَق، بمعنى الخوف .
6- «يعني شياطين الإنس إن كانوا من الإنس، وشياطين الجن إن كانوا من الجن، ويحتمل أن يكون المراد بهم الإنس خاصة ويكون إشارة إلى إلحاقهم بشياطين الجن بعد موتهم كما أشير إليه في قوله سبحانه : ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ على ما في بعض التفاسير» الوافي م / ١٤ ص 30 .
7- النساء/ 89.

تكرهون، ولم يكن لكم النَّصَفَةُ منهم في دول الفجّار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل، فإنه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل، لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ (1). أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل، ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى - وله المثل الأعلى - وإمامكم ودينكم الذين تدينون به عُرْضَةً لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا ، فمهلاً مهلاً يا أهل الصلاح، لا تتركوا أمر الله ، وأمر من أمركم بطاعته، فيغيّر الله ما بكم من نعمة، أحبّوا في الله من وصف صفتكم(2)، وابغضوا في الله من خالفكم ، وابذلوا مودتكم ونصيحتكم (لمن وصف صفتكم)، ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغى« ل_ »_كم الغوائل، هذا أدبنا أدب الله فخذوا به وتفهّموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم ما وافق هُداكم أخذتم به، وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به، وإياكم والتجبّر على الله(3)، واعلموا أن عبداً لم يَبتَلِ بالتجبر على الله إلا تجبّر على دين الله ، فاستقيموا الله ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولكم إلا بالله .

وقال(عليه السلام): إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل - أصل الخلق _ مؤمناً ، لم يمت حتى يُكَرّه الله إليه الشر ويباعده عنه ، ومن كَرّه الله إليه الشرو باعده عنه ، عافاه الله من الكبر أن يدخله والجِبْرِية(4)، فلانت عريكَتُه(5)وحَسُنَ خُلُقُه وطَلقَ وجهُه وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشّعه، وورع عن محارم الله ، واجتنب مساخطه، ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم، وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء، وأن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل - أصل الخلق - كافراً ، لم يمت حتى يحبِّبِ إليه الشر ويقرّبه منه، فإذا حبَّبَ إليه الشر وقرِّبه منه ابتُلي بالكبر والجِبْرية، فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فُحْشُه، وقلّ حياؤه، وكشف الله سره، وركب المحارم فلم ينزع عنها ، وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها، فَبَعُدَ ما بین حال المؤمن وحال الكافر .

سلوا الله العافية واطلبوها إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، صبّروا النفس(6)على البلاء في

ص: 15


1- ص / 28
2- أي دان بعقيدتكم في الولاية بعد الإسلام.
3- أي التكبر على الله بترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه
4- الجبرية : الكبر، والعطف للبيان .
5- أي سلس انقياده وحَسُنَت عشرته، والعريكة السجية والطبع .
6- أي احملوها على الصبر.

الدنيا فإن تتابع البلاء فيها، والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته، خيرٌ عاقبة عند الله في الآخرة من مُلْكِ الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله(1). وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته، فإن الله ولايته وطاعته، فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سمّاهم الله في كتابه في قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (2)وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم، وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد، يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ليحق عليهم كلمة العذاب، وَلِيُتِمَّ أن تكونوا مع نبي الله محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)والرسل من قبله، فتدبّروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السرّاء والضرّاء والشدة والرخاء، مثل الذي أعطاهم، وإياكم ومماظَّةَ أهل الباطل، وعليكم بهَدْيِ الصالحين(3)، ووقارهم ، وسكينتهم، وحلمهم، وتخشّعهم وورعهم عن محارم الله ، وصدقهم، ووفائهم، واجتهادهم لله في العمل بطاعته، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.

واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك : نطق لسانه بالحق، وعقد قلبه عليه فعمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه، وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقاً، وإذا لم يرد الله بعبد خيراً وَكَلَه إلى نفسه، وكان صدره ضَيّقاً حَرَجاً ، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال، كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه، ولم يعطه العمل به حجةً عليه، فاتقوا الله ، وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفّاكم وأنتم على ذلك، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم، ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين.

ومن سرّه أن يعلم أن الله يحبه، فليعمل بطاعة الله وليتَّبِعنا، ألم يسمع قول الله عز وجل

ص: 16


1- ووجه الخيريّة هو أن لذة الدنيا وبهجتها أمر زائل مهما طال أمده في حين أن عقاب الله الناتج عن معصيته هو أمر دائم في الآخرة لا زوال له ولا انقطاع إضافة إلى حقارة كل لذائذ الدنيا أمام لذائذ الآخرة الدائمة بلا انقطاع القائمة بلا نهاية .
2- الأنبياء / 73 .
3- الهَدْي : السّمت والهيئة

لنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم): ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ (1)،والله لا يطيع الله عبد أبداً إلا أدخل الله عليه في طاعته اتّباعنا، ولا والله لا يتّبعنا عبد أبداً إلا أحبه الله، ولا والله لا يدع أحد اتّباعنا أبداً إلا أبغضنا ولا والله لا يُبغِضُنا أحد أبداً إلا عصى الله ، ومن مات عاصياً الله أخزاه الله وأكبّه على وجهه في النار، والحمد الله رب العالمين(2).

صحيفة علي بن الحسين(عليه السلام)وكلامه في الزهد

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة(3)قال : ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين(عليه السلام)إلّا ما بلغني من علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال أبو حمزة : كان الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)إذا تكلم في الزهد ، وَوَعَظَ أبكى مَن بحضرته ، قال أبو حمزة وقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين(عليه السلام)، وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصحّحه وكان ما فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم : كفانا الله وإياكم كيد الظالمين، وبَغْيَ الحاسدين، وبطش الجبّارين، أيها المؤمنون: لا يفتننكم الطواغيت(4)وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا، المائلون إليها ، المفتنون بها المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد(5)، وهشيمها البائد غداً، واحذروا ما حذّركم الله منها ، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركونَ(6)من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، والله إن لكم مما فيها عليها «ل_» دليلا وتنبيها من

ص: 17


1- آل عمران/ 31
2- قال المازندراني ١٤١/١١: «واعلم أن الحديث وإن كان ضعيفاً بأسانيده الثلاثة عند المتأخرين، لكنه غير مضرّ لأن أثر الصحة في مضمونه لائح، مع تأيده بالعقل والنقل».
3- اسمه ثابت بن دينار الثمالي، وكنيته دينار أبو صفية . ونسب إلى ثمالة لأن داره كانت في حي طي من بني ثعل، توفي سنة ١٥٠ ه_. يقول الشيخ الصدوق في المشيخة عند ذكر طريقه إليه : وهو ثقة عدل، لقي أربعة من لأئمة(عليهم السلام): علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر(عليه السلام).
4- الطاغوت : المتمردون على أوامر الله ونواهيه ويطلق على كل ما عبد من دون الله . ويأتي للواحد والجمع.
5- الحطام الهشيم وما تكسر من اليبس، وقيل هو في قوله تعالى في سورة الزمر : (ثم يجعله حُطاماً) أي فتاتاً. والهامد: البالي المسود المتغير. هذا وقد تضمن هذا الكلام إشارة إلى أوصاف أهل الدنيا وهي أربع مترتبة وهي : الرغبة فيها ثم الميل إليها ثم الافتتان بها ثم الإقبال عليها والانهماك في تحصيلها بحيث تنسيهم الآخرة.
6- الركون: الميل والسكون والاطمئنان.

تصريف أيّامها ،وتغير انقلابها. ومَثُلاتِها(1)، وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل وتضع الشريف، وتورد أقواماً إلى النار غداً، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمتنبه، إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة، من مظلمات(2)الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان(3)، وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان، لتثبط القلوب عن تنبهها، وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق، إلا قليلاً ممن عصم الله ، فليس يعرف تَصَرُّفَ أيامها وتقلّبَ حالاتِها وعاقبةَ ضرر فتنتها إلا من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القَصْد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر، وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذّاتها، ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشَنَا(4)الحياة مع القوم الظالمين، نظر إلى ما في الدنيا بعين نيّرة حديدة البصر، وأبصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور الملوك الظَّلَمَة، فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة، والانهماك فيما تستدلّون به على تجنّب الغُواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله، وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أَوْلى بالطاعة ممن اتُّبعَ فأطيع.

فالحذرَ الحذرَ من الندامة والحسرة، والقدوم على الله والوقوف بين يديه، وتالله ما صدر قوم قطُّ عن معصية الله إلا إلى عذاب، وما آثر قوم قطُّ الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملواله ورغبوا إليه وقد قال الله :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾(5)، فلا تلتمسوا شيئاً مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، واغتنموا أيامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتَّبِعَة وأدنى من العذر، وأرجى للنجاة، فقدموا أمر الله ، وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها، ولا تقدّموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته، وطاعة أولي الأمر منكم .

ص: 18


1- مَثُلات: مثُلة. جمع والمقصود بها هنا العقوبة الفاضحة التي يُتمثَلُ بها . ومنه قوله تعالى في سورة الرعد /٦ : ﴿وقد خَلَتْ من قبلهم المَثُلات﴾.
2- في الوافي : من ملمّات .
3- البوائق : جمع البائقة وهي الداهية وقيل : البوائق : الظلم والغشم ، وقيل : الشر والغوائل .
4- شَنَا : أبْغَضَ .
5- فاطر / 28 .

واعلموا أنكم عبيد الله ، ونحن معكم(1)، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً، وهو مُوقِفُكُم ومُسَائلُكُم، فأعدّوا الجواب قبل الوقوف والمُسَاءَلة والعرض على رب العالمين، يومئذ لا تَكَلّم نفس إلا بإذنه(2)

واعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذباً ، ولا يكذّب صادقاً ، ولا يردّ عُذْرَ مستحق، ولا يعذر غير معذور(3)، له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل، فاتقوا الله عبادَ الله ، واستقبلوا في إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تُوَلُّونَه فيها، لعلّ نادماً قد ندم فيما فَرّط بالأمس في جنب الله(4)، وضيّع من حقوق الله، واستغفروا الله وتوبوا إليه، فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئة ويعلم ما تفعلون .

وإياكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم، واعلموا أنه من خالف أولياء الله ، ودان بغير دين الله ، واستبد بأمره دون أمر وليِ الله كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها، وغلبت عليها شقْوَتُها، فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار ، واعتبروا يا أولي الأبصار، واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ورسوله ثم إليه ،تُحشرون فانتفعوا بالعظة، وتأدَبوا بآداب الصالحين .

3- أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي وهو العاصمي ، عن عبد الواحد بن الصّواف، عن محمد بن إسماعيل الهمداني، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يوصي أصحابه ويقول : أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة(5)الطالب الراجي ، وثقة الهارب اللاجي، واستشعروا التقوى شعاراً ،باطناً، واذكروا الله ذكراً خالصاً تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طريق النجاة، انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها، فإنها تزيل الثاوي(6)الساكن، وتفجع المُتْرَفَ(7)الأمن ، لا يرجى منها ما تولّى فأدبر ، ولا يدرى ما هو آت منها فيُنتَظَر، وصل البلاء

ص: 19


1- أي نحن مثلكم عبيد الله
2- لا تكلَّم : أي لا تتكلم، وهو مأخوذ من قوله تعالى في سورة هود / ١٠٥: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ .
3- وذلك كله حق ، لأنه سبحانه الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم نفساً مثقال ذرة .
4- جنب الله : أي أمره وشأنه، فالكلام مسوق على التمثيل، كما تقول : اتق الله في جنب أخيك، أي : ارغ له حقه وشأنه، ومنه قوله تعالى في سورة الزمر / ٥٦ : ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾
5- الغبطة : حسن الحال، والمسرة.
6- الثاوي : المقيم .
7- المُترف: المتنعم .

منها بالرخاء، والبقاء منها إلى فناء، فسرورها مشوب(1)بالحزن، والبقاء فيها إلى الضعف والوهن، فهي كروضة اعتّم(2)مرعاها ، وأعجبت من يراها عذب شربها، طيب تربها، تمج(3)عروقها الثرى وتنطف(4)فروعها الندى، حتى إذا بلغ العشب إبّانه، واستوى بنانه، هاجت ريح تحت الورق، وتفّرق ما اتّسق، فأصبحت كما قال الله : ﴿ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾(5)، انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم.

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)وهي خطبة الوسيلة

٤ - محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام) فقلت : يابن رسول الله : قد أرمضني(6) اختلاف الشيعة في مذاهبها؟ فقال : يا جابر ألم أقِفْكَ على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرّقوا ؟ قلت : بلى یابن رسول الله، قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في أيامه، يا جابر اسمع وَعِ ، قلت : إذا شئت، قال: اسمع وعِ وبلّغ حيث انتهت بك راحلتكَ، إن أمير المؤمنين(عليه السلام)خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال : الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول أن تتخيل ذاته(7)لامتناعها من الشبه والتشاكل، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته، ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، ويكون فيها لا على وجه الممازجة(8)، وعَلِمَها لا بأداة(9)لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالماً بمعلومه، إن قيل : كان فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل : لم

ص: 20


1- مَشُوب : أي مختلط.
2- اعتم: أي اكتهل.
3- المج: الرمي عن الفم، وهو كناية عن إحكام العروق في الأرض.
4- النطف المص ، وهو كناية عن نضارة الفروع وطراوتها .
5- الكهف / ٤٥ .
6- أي أحرقني وأوجعني .
7- أي تدركها .
8- أي المداخلة والاحتواء كالظرف والمظروف .
9- أي بحاسة من الحواس الجسمانية المعهودة وذلك لاستحالة كونه جسماً من جهة ولاستحالة افتقاره إلى شيء لأنه الغني المطلق .

يزل، فعلى تأويل نفي العدم، فسبحانه وتعالى عن قول من عَبَدَ سواه، واتخذ إلهاً غيره عُلُّواً كبيراً .

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه(1)، وأوجب قبوله على نفسه(2)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول(3)وتضاعفان العمل(4)، خفّ میزان تُرفعان منه ، وثَقُلَ ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار ، والجواز على الصراط، وبالشهادة تدخلون الجنة ، وبالصلاة(5)تنالون الرحمة، أكثروا من الصلاة على نبيكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾(6)(صلی الله علیه وآله وسلم)وسلم تسليماً .

أيها الناس : إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل(7)أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لبأس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة، ولا كنز أغنى من القنوع، ومن اقتصر على بلغة الكفاف(8)فقد انتظم الراحة وتبوّأ خَفْضَ الدَّعَة(9)، والرغبة مفتاح التعب، والاحتكار(10)مطية النَّصّب، والحسد آفة الدين، والحرص داع إلى التقحّم في الذنوب وهو داعي الحرمان، والبغي سائق إلى الحَيْنَ(11)، والشره جامع لمساوي العيوب، رُبَّ طمع خائب، وأمل كاذب، ورجاء يؤدي إلى الحرمان، وتجارة تؤول إلى الخسران، ألا ومن تورّط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرّض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن .

أيها الناس : إنه لا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حَسَبَ أبلغ من الأدب، ولا نَصَبَ أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوأة أسوأ من الكذب،

ص: 21


1- وهو الحمد المنبعث عن معرفة أنه أهل للحمد على نحو الحقيقة المقترن بكمال الإخلاص والخلوص .
2- قيل بأنه حجة على من ذهب إلى إنكار وجوب شيء على الله سبحانه
3- أي ترفعه إلى درجة القبول، وإليه يشير قوله تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
4- أي تضاعفان ثوابه.
5- قيل : أي بالصلاة على محمد وآله(صلی الله علیه وآله وسلم)ينال الإنسان الرحمة : أي القرب والكرامة ورفع الدرجة .
6- الأحزاب / ٥٦ والصلاة من الإنسان الدعاء ومن الله الاستجابة والمغفرة.
7- المعقل : الحصن والملجأ والمراد أن الورع هو الحصن الذي يحصن الإنسان من الانجرار وراء المحرمات والموبقات المردية المهلكة .
8- البلغة ما تبلغ به من العيش والكفاف ما كف عن الناس من القوت وأغنى عنهم.
9- أي تمكن واستقر في متسع الراحة .
10- الاحتكار : الجمع والإمساك.
11- الحَيْن: الحتف والهلكة .

ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس: «إنه» من نظر في عَيْب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره، ومن سلّ سيف البغي قُتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب غیره انكشفت عورات بيته، ومن نسي زلله استعظم زلل غيره، ومن أعجِبَ برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زَلّ، ومن تكبر على الناس ذلّ، ومن سفه على الناس شُتم، ومن خالط الانذال ،حُقّر، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس إنه لا مال«هو» أعود(1)من العقل، ولا فقر«هو»أشد من الجهل، ولا واعظ«هو» أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولاورع كالكف عن المحارم، ولا حِلْم كالصبر والصمت .

أيها الناس : في الإنسان عشر خصال يُظهرها لسانه: شاهد يخبر عن الضمير، وحاكم يفصل بين الخطاب ،وناطق يُرَدّ به الجواب، وشافع يُدرَك به الحاجة، وواصف يُعرف به الأشياء، وأمير يأمر بالحَسَن، وواعظ ينهى عن القبيح ،ومُعَزّ(2)تسكن به الأحزان، وحاضر تُجلى به الضغائن(3)، ومونِق(4)تلتذ به الأسماع .

أيها الناس : إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل.

واعلموا أيها الناس، أنه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم(5)لا يحلَم، ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يَهُن، ومن يَهُن لا يوقّر، ومن لا يوقر يتوبخ ، «ومن يتَّق ينج خ ل» ، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجْره، ومن أجْره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم ، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً (6)، ومن يطلب العز بغير حق يَذِلّ، ومن يغلب بالجور يُغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه وُقّر، ومن تكبّر حُقِّر، ومن لا يُحْسِن لا يُحمد .

ص: 22


1- أعود: أي أنفع.
2- من التعزية بمعنى التسلية .
3- الضغينة : الحقد والسخيمة .
4- المونق : المعجب.
5- يتحلم : أي يتكلف الجلم .
6- «يعني أن الرزق قد قسمه الله فمن لم يرزق قاعداً لم يُجد له القيام» الوافي للفيض، م /١٤ ص8.

أيها الناس : إن المنية قبل الدنيّة(1)، والتجلّد قبل التبلّد ، والحساب قبل العقاب، والقبر خير من الفقر، وغض البصر خير من كثير من النظر، والدهر يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر(2)، وإذا كان عليك فاصبر، فبكليهما تُمتحن . - وفي نسخة : وكلاهما سيُخْتَبَر-.

أيها الناس : أعجب ما في الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذّله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأَسَف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ وإن أُسْعِد بالرضى نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرّة (3)- وفي نسخة : أخذته العزة - ، وإن جُدّدت له نعمة أخذته العزة ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى، وإن عضّته فاقة شغله البلاء، _ وفي نسخة : جهده البكاء- ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط في الشَّبع كظّته(4)البطنة، فكل تقصير به مُضِرّ، وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس : إنه من فَلّ(5)ذل، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رَأْس، ومن كثر حِلمه نبُل(6)، ومن أفكر(7)في ذات الله تزندق، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر مزاحه استُخِف به ومن كثر ضحكه ذهبت هیبته فسد حَسَبُ من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول(8)، من جالس الجاهل فليستعدّ لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله .

أيها الناس : لو أن الموت يُشْترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلَج (9)، واللئيم الملهوج (10) ومن

ص: 23


1- « يعني أن الموت خير من الذلّة، فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف وفي نهج البلاغة : المنية ولا الدنيّة ... وهو أوضح» الوافي للفيض، ن.م.
2- البطر: الأشر والطغيان في النعمة .
3- الغرّة: الغفلة
4- كظته البطنة : أي ملأته حتى لا يقدر على التنفس.
5- قال في الصحاح : فله فانقل أي كسره فانكسر وفي بعض النسخ من قل ذل أي من قل أعوانه وعشيرته هان على الناس ، وقيل : من قل عطاؤه ،ذلّ، ولعل ما يليه من قوله : ومن جاد ساد، يؤيد رواية القاف.
6- النبل : النباهة والذكاء .
7- افكر : أي اعمل فكره وأجال نظره. ومنه القول المأثور : من تمنطق تزندق .
8- أي بذي عقل وعلم ،« لأن الجاهل منتهى غرضه التصرف في أحوال الدنيا وكيفية تحصيلها والتمتع بها والتكلم بالفضول ولا ينفذ بصره إلى أحوال الآخرة، والعالم على عكس ذلك، فبينهما تضاد والمتضادان لا يجتمعان في محل واحد ... الخ» المازندراني 22٤/١١ .
9- أي الذي اشتهر كرمه وظهر .
10- الملهوج : الحريص . ووجه اشترائهما الموت رضاهما به ، لأن الكريم إذا اشتهر كرمه توجه الناس إليه بما عجز عن قدر اشتهاره وعلو همته وخجل مما نسب إليه فرضي بالموت، وأما الحريص فلأنه لم يبلغ ما حرص عليه فلا يزال يتعب نفسه ويزيد حرصه فيتمنى بذلك «الموت الوافي للفيض، ص 8 .

أيها الناس: إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم للمواعظ، ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوى، والعقول تزجر وتنهى ، وفي التجارب علم مستأنف والاعتبار يقود إلى الرشاد، وكفاك أدباً لنفسك ما تكرهه لغيرك، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبّر قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم، ومَن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، أمسك عنالفضول عدلت رأيه العقول، ومن حصن شهوته فقد صان قَدْرَه، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ، ونال حاجته، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال ، والأيام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغنى ترك المنى، والصبر جُنّة من الفاقة والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة(1)، والمودّة قرابة مستفادة، وَوَصُول معدّم (2)خير من جافٍ مُكثر، والموعظة كهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه (3) كثر أسفه(4)، وقد أوجب الدهر شكره على ما نال سؤله، وقل ما ينصفك اللسان(5)في نشر قبيح أو إحسان، ومن ضاق خلقه مله أهله، نال(6)ومن استطال، وقلّ ما تَصْدُقُكَ الأمنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ، ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه ، وانحَ القصدَ من القول(7)، فإن من تحرّى القصدَ خفّت عليه المؤن، وفي خلاف النفس رشدك ، من عَرَف الأيام لم يغقل عن الاستعداد، ألا وإن مع كل جرعة شَرَقاً، وإن في كل أكلة غصصاً، لا تُنِال نعمة إلا بزوال حى، ولكل ذي رمق ،قوت، ولكل حبة آكل، وأنت قوتُ الموت.

اعلموا أيها الناس : أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار يتنازعان - وفي نسخة أخرى - : يتسارعان في هدم الأعمار.

أيها الناس : كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم لينَ الكلام، ومن

ص: 24


1- أي يلبس صاحبه المسكنة والذلة .
2- أي بارُّ فقير .
3- الطرف العين .
4- «لأنه ربما يتعلق بقلبه مما نظر إليه ما يلهيه عن المهمات أو يوقعه في الآفات» الوافي للفيض م / ١٤ / ص ٨ .
5- «أي يحملك في الأكثر على المبالغة والزيادة في القول» الوافي للفيض، ن . م .
6- أي من نال ما يتمناه .
7- القصد من القول - وغيره - : ما لا إفراط فيه ولا تفريط .

العبادة إظهار اللسان(1)وإفشاء السلام، إياك والخديعة فإنها من خُلُق اللئيم ، ليس كل طالب يصيب(2)ولا كل غائب يؤوب، لا ترغب فيمن زهد فيك، رب بعيد هو أقرب من قريب، سَلْ عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار ، ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل(3)، استر عورة أخيك كما تعلمها فيك، اغتفر زلّة صديقك ليوم يركبك عدوك، من غضب على من لا يقدر على ضرّه طال حزنه وَعَذَّبَ نفسه، من خاف ربه كفّ ظلمه _ وفي نسخة : من خاف ربه كفى- عذابه - ، ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره(4)، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة، إن من الفساد إضاعة الزاد، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً(5)، هيهات هيهات، وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم، وما شرِّ بشرّ بعده ،الجنة وما خير بخير بعده النار ، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر، تصفية العمل أشد من العمل، وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد هيهات، لولا التّقى لكنتُ أدهى العرب(6).

أيها الناس : إن الله تعالى وعد نبيه محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)الوسيلة ، وَوَعْدُهُ الحق، ولن يُخلف الله وعده، ألا وإن الوسيلة على درج الجنة ، وذروة ذوائب الرُّلْفَة (7)، ونهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حُضْرُ الفرس(8)الجواد مائة عام، وهو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة ،زبرجدة إلى مرقاة لؤلؤة إلى مرقاة ياقوتة إلى مرقاة زمردة، إلى مرقاة

ص: 25


1- يقصد الإبانة به عن الحكمة وأداء الموعظة الحسنة، وإظهار الشكر والاعتراف بالذنب لخالقه ونصرة الحق، كل ذلك بالقول الذي هو إرادة ظاهرة كاشفة عن الإرادة الباطنة الكامنة في صقع الفس.
2- أي يحقق مطلوبه .
3- من القيلولة، ويقصد به الموت الذي هو نهاية سفر الإنسان في هذه الحياة إذا ما أسرع الليل والنهار في هدم الأعمار
4- أي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.في الوافي : ومن لم يرغ بالراء من الإرغاء، وهو عدم الإفصاح عن المعنى عند التكلم. وفي الفقيه : ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره : من الرعاية والحفظ واعلم أن كثير من الكلمات الحكمية الواردة هنا قد أوردها في الفقيه ٤ ، ١٧٦ - باب النوادر وهو آخر الكتاب ، ح ٥٦ فراجع .
5- أي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
6- أي لولا أني اتقي الله تعالى وأراعي في أموري وسياساتي ما أمرتُ به غير مجاوز عنه إلى استعمال آرائي فيها لكنت أفوق سائر العرب في الرأي والسياسة للناس» الوافي للفيض م ١٤ص9.
7- الذروة: القمة والجزء الأعلى من الشيء، والزلفة : القرب. وهي استعاره .
8- حُضْر الفرس : ارتفاعه فى عدوه والمرقاة : الدرجة .

مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة ،عنبر، إلى مرقاة يلنجوج(1)، إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور(2)، قد أنافت(3)على كل الجنان، ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يومئذ قاعد عليها، مرتدٍ برِيِطَتَيْن : رِيطة من رحمة الله ، ورِيطة(4) من نور الله ، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة ، قد أشرق بنوره الموقف، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته ، وعَلَيّ ريطتان: ريطة من أرجوان النور، وربطة من كافور، والرسل والأنبياء قد وقفوا على المراقي ، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور(5)أيْماننا، وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا مَلَك مقرّب ولا نبيُّ مُرسل إلا بهت بأنوارنا، وعجب من ضيائنا وجلالتنا، وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) غمامة بسطةَ البصر يأتي منها النداء : يا أهل الموقف : طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي العربي، ومن كفر فالنار موعده، وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)ظُلَّةٌ يأتي منها النداء : يا أهل الموقف طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي والذي له الملك الأعلى، لا فاز أحد ولا نال الرَّوْحَ والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما ،فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم، وشرف مقعدكم ، وكرم مآبكم، وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين، ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذِكْره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءاً بما كنتم تعملون، وما من رسول سَلَفَ ولا نبي مضى ، إلا وقد كان مخبراً أمته بالمرسل الوارد من بعده، ومبشراً برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وموصياً قومه باتباعه ومحلّيه عند قومه ليعرفوه بصفته وليتبعوه على شريعته، ولئلا يضلوا فيه من بعده، فيكون من هلك «أ» وصل بعد وقوع الإعذار والإنذار عن بيئة وتعيين حجة، فكانت الأمم فى رجاء من الرسل وورود من الأنبياء، ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي، على عظم مصائبهم وفجائعها بهم، فقد كانت على سعة من الأمل، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، لأن الله ختم به الإنذار والإعذار ، وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ولا قربة إليه إلا بطاعته، وقال في محكم كتابه :﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ

ص: 26


1- يلنجوج : عود يتبخر به - هكذا في القاموس -.
2- «وتشبيه المراقي بالجواهر المختلفة إشارة إلى اختلاف الدرجات في الشرف والفضل» الوافي للفيض م / ١٤ ص ٩ .
3- أي أشرفت.
4- الريطة : كل ثوب رقيق ليّن .
5- لعل المراد بهؤلاء الأوصياء(عليه السلام)والعلماء في عصر الغيبة فإن كلا منهم حجة الله على الخلق وعلم عصره وزمانه .

حَفِيظًا ﴾(1) فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلاً على ما فوض إليه، وشاهداً له على من اتبعه وعصاه، وبيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم، فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾(2)، فاتباعه(صلی الله علیه وآله وسلم) محبة الله، ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة، وفي التولّي عنه والأعراض محادّة الله وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار، وذلك قوله : ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾(3)، يعني الجحود به والعصيان له، فإن الله تبارك اسمه امتحن عباده، وقتل بيدي أضداده، وأفنى بسيفي جحّاده، وجعلني زُلْفَةً للمؤمنين، وحياضَ موت على الجبّارين، وسيفَه على المجرمين، وشدّ بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشَرّفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصّني بوصيته، واصطفاني بخلافته في أمته، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم)- وقد حشده(4)المهاجرون والأنصار وانغصّت بهم المحافل(5):

أيها الناس : إن علياً مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي ، فعقل المؤمنون عن الله نُطقَ الرسول، إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه، ولا كنت نبياً فاقتضى نبوة، ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي كما استخلف موسى هارون(عليه السلام) حيث يقول :﴿ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ (6)وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم)حين تكلمت طائفة فقالت : نحن موالي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فخرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى حجة الوداع ، ثم صار إلى غدير خُمّ ، فأمر فأصلِحَ له شبه المنبر ، ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعاً صوته قائلا في محفله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فكانت على ولايتي ولاية الله، وعلى عداوتي عداوة الله . وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾(7)فكانت ولايتي كمال الدين، ورضا الرب جلّ ذِكْره، وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصاً لي، وتكرّماً نحلنيه، وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)منحنيه وهو قوله تعالى : ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ

ص: 27


1- النساء/ 80 .
2- آل عمران/ 31
3- هود / 17 .
4- أي اجتمعوا عليه .
5- أي ضاقت بهم لكثرتهم المجامع وامتلات لكثرتهم المجامع وامتلأت حتى لا تقبل المزيد .
6- الأعراف/ ١٤٢ .
7- المأعده/ 3 .

أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ (1)، في مناقب(2)لو ذكرتها لعظَّم بها الارتفاع فطال لها الاستماع، ولئن تَقَمَّصها دوني الأشْقَيَان(3)، ونازعاني فيما ليس لهما بحق، وركباها ضلالة، واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليه وَرَدا ، ولبئس ما لأنفسهما مَهَدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه، يقول القرينه إذا التقيا : ﴿ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾(4)، فيجيبه الأشقى على رثوثة(5): يا ليتني لم أتخذك خليلاً (6)، لقد أضللتني عن الذِّكْر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً ، فأنا الذكر الذي عنه ضلَّ، والسبيلٌ الذي عنه مَالَ، والإيمان الذي به كفر، والقرآن الذي إياه هجر، والدين الذي به كذب، والصراط الذي عنه نَكَبَ (7)، ولئن رتعا في الحُطام (8)المنصرم والغرور المنقطع ، وكانا منه على شَفَا حفرة من النار لهما على شر ورود، في أخيب وفود وألعن مورود ، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، ما لهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة (9)، إن القوم لن يزالوا عبّادَ أصنام وسَدَنَةً(10)أوثان ، يقيمون لها المناسك، وينصبون لها العتائر(11)، ويتخذون لها القربان، ويجعلون لها البَحِيرَة والوصيلة والسائبة والحامّ (12)، ويستقسمون بالأزلام عامهين عن الله عز ذكره. حائرين عن الرشاد، مهطعين إلى العباد، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية، ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة، فأَخْرَجَنا الله إليهم رحمة، واطلعنا عليهم رأفة، وأسفر بنا عن الحُجُب نوراً

ص: 28


1- الأنعام / ٦٢ . ولعله أراد(عليه السلام)عندما استشهد بهذه الآية، أن يبين أن المراد بالمولى فيها هو نفسه(عليه السلام)وأنه مولاهم الحق، إذ إن ردّهم إليه(عليه السلام)في النتيجة هو رد إلى الله سبحانه .
2- أي فى جملة مناقب كثيرة .
3- أي جعلا الخلافة عليهما كالقميص والمراد بهما الأول والثاني .
4- الزخرف/ 38 . بعد المشرقين : أي بعد كل منهما من الآخر.
5- الرثاثة : - في الحال والمنظر - الدمامة والقبح، وثياب رثة : أي بالية خَلِقَة. وفي الوافي : على وُتُوبه .
6- في سورة الفرقان/ 28 وهو بصدد حوار أهل النار﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾. والخليل: الصديق المخلص، أو الحبيب.
7- نكَبَ : أي عدل. وفي الوافي : تنكّب.
8- الحطام :الهشيم.
9- المندوحة : السعة وفسحة للنجاة .
10- سدنة : جمع سادن وهو الخادم القائم على أمور شخص أو جهة .
11- العتائر : جمع العنيرة، وهي الذبيحة التي كانوا في الجاهلية يقدمونها للأصنام، ويلطخونها بدمائها .
12- البحيرة : الناقة إذا نُتِجَتْ خمسة أبطن عُمدِ إلى الخامس، فما لم يكن ذكراً بتكَ آذانها أي شقها ثم لا يَجُز لها وبراً ولا يذوق لها لبناً، وسمّاها لآلهتهم والوصيلة : الشاة إذا ولدت سبعاً ، عمد إلى السابع فإن كان ذكراً ذبح لآلهتهم وإن كان أنثى ،تركت وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما قالوا وصلت أخاها، فيتركان جميعاً لا يُذبحان، والسائبة ما يسيّبُ من ماله ولا يُمنع من حوض ولا حمى ، وهي الماشية المسيبة المخلاة، وكانوا في الجاهلية يفعلون ذلك ببعض مواشيهم فيحرمون الانتفاع بها على أنفسهم ويتركونها سائبة لآلهتهم . والحامي : الفحل يكون عند الرجل فإذا لقح عشر سنين قيل : قد حمى ظهره وسمي بالحامّ .

لمن اقتبسه وفضلاً لمن اتَّبعه، وتأييداً لمن صدّقه، فتبوأوا العز بعد الذلّة، والكثرة بعد القلّة، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها، وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة، وأمنٍ بعد خوف، وجمع بعد كُوف(1)، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدى، وأدخلناهم دار السلام، وأشملناهم ثوب الإيمان، وفلجوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين: من حام مجاهد، ومصلّ قانت، ومعتكف زاهد، يظهرون الأمانة ويأتون المثابة، حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)ورفعه إليه، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خَفْقَة، أو وميض من بَرْقة، إلى أن رجعوا على الأعقاب، وانتكصوا على الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلّوا الديار، وغيّروا آثار رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلا ، اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قُحافة أولى بمقام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ممن اختار رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لمقامه، وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجريّ الأنصاريّ الربّاني ناموس هاشم بن عبد مناف، ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام، شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فلما كان من أمر سعد بن عبادة(2)ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)مضى ولم يستخلف، فكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الطيبُ المباركُ أولَ مشهودٍ عليه بالزور في الإسلام، وعن قليل يجدون غِبَّ (3) ما أسّسه الأولون، ولئن كانوا في مندوحة من المَهَل، وشفاء من الأجَل، وسعة من المنقلَب ، واستدراج من الغرور، وسكون من الحال ، وإدراك من الأمل، فقد أمهل الله عز وجل شدّاد بن عاد، وثمود بن عبّود، وبَلْعم بن باعور، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأمدّهم بالأموال والأعمار، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله، وليعرفوا الإهابة له والإنابة إليه، ولينتهوا عن الاستكبار، فلما بلغوا المدة، واستتمّوا الأكلة، أخذهم الله عز وجل واصطَلَمَهُم (4)، فمنهم من حَصَب، ومنهم من أخذته الصَّيحة(5)،

ص: 29


1- الكوف: القطع ، والتمزق .
2- «كأنه أشار(عليه السلام)بذلك إلى إباء سعد عن بيعة أبي بكر واحتجاجه عليهم بمخالفتهم الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكان من جملة كلامه لعمر أنه قال له يا ابن صهباك الحبشية - وكانت جدة لعمر - أما والله لو أن لي قوة على النهوض - وكان مريضاً _ لمعت مني في سككها زئيراً يزعجك وأصحابك، ولا لحفتكم بقوم كنتم فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين فلقد اجترأتم على الله وخالفتم ،رسوله يا آل الخزرج، احملوني من مكان الفتنة، فحُمِل» الوافي للفيض م /١٤ ص ١٠ .
3- الغِبّ : العاقبة والنتيجة .
4- اصطلمهم : أي استأصلهم، واجْتَذَهُم .
5- كقوم شعیب (عليه السلام).

ومنهم من أحرقته الظُّلَّة(1)ومنهم من أوْدَتْه الرَّجْفة(2)، ومنهم من أرْدَته الخسْفة(3): ﴿وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ (4)، ألا وإن لكل أجل كتاباً، فإذا بلغ الكتاب أجله، لو كُشِف لك عما هوى إليه الظالمون وآل إليه الأخسرون، لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون، ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وَكَبَابِ حِطَّة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح إني النبأ العظيم والصدّيق الأكبر، وعن قليل ستعلمون ما توعدون، وهل هي إلا كلعقة الأكل، ومَذْقة(5) الشارب، وخفقة الوسنان(6)، ثم تلزمهم المعرّات(7)خزياً في الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون، فما جزاء من تتكَّب مَحَجَّته؟ وأنكر حُجته، وخالف هداته ، وحاد عن نوره، واقتحم في ظلمه، واستبدل بالماء السرابَ وبالنعيم العذاب، وبالفوز الشقاء وبالسرّاء الضرّاء، وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه، فليوقنوا بالوعد على حقيقته، وليستيقنوا بما يوعدون ؛ ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ،إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ،يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ﴾- إلى آخر السورة -(8).

خطبة لأمیر المومنین(علیه السلام)وهی خطبۀ الطَّالوتِيَّة

(9).

5- محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي قال حدثنا عبد الله بن أيوب الأشعري، عن عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمّر، عن سَلَمَة بن كُهَيل، عن أبي الهيثم بن التّيهان : أن أمير المؤمنين(عليه السلام)خطب الناس بالمدينة فقال : الحمد لله الذي لا إله إلّا هو، كان حياً بلا كيف(10)، ولم يكن له كان ، ولا كان لكانه كيف، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء، ولا

ص: 30


1- الظلة : قيل : كان غيماً تحته سموم . وهم أصحاب الأيكة .
2- وهم قوم صالح عندما عقروا الناقة .
3- كقارون .
4- العنكبوت / ٤٠ .
5- مذقة الشارب : تقال للبن المخلوط بالماء. لأن المذق هو الخلط والمزج .
6- الوسنان :من أخذته السنة، وهي النعاس .
7- المعرة: الإثم والأذى، والغرم.
8- هي سورة ق ، وقوله :﴿ يوم تأتي الصيحة بالحق ... ﴾هي الآية رقم ٤٢ ولكن فيها ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ ...﴾ الخ .
9- قيل : سمّيت بالطالوتية لاشتمالها على ذكر طالوت وأصحابه. هذا وقد عنونها الفيض في الوافي : باب خطبته(عليه السلام)في معاتبة أصحابه .
10- بلا كيف : وذلك لأن الكيف من المقولات التي تنطبق على الحادث دون القديم سبحانه، وذلك كالاين والمتى والكم . الخ، ومن هنا كانت حياته عين ذاته لا إنها أمر زائد عليها قائم بها، وكذلك باقي صفاته سبحانه . وحياته سبحانه مما قامت الضرورة على التصديق بها من خلال النقل والعقل، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلان آثار علمه وقدرته مع ما اشتملت عليه من بديع الصنع والحكمة دلت على حياته إذ لا يعقل أن تصدر عن غير حي .

كان على شيء. ولا ابتدع لكانه مكاناً ، ولا قوي بعدما كون شيئاً، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً . ولا يشبه شيئاً، ولا كان خلواً عن الملك قبل إنشائه، ولا يكون خلوا منه بعد ذهابه، كان إنها حياً بلا حياة(1)، ومالكاً قبل أن ينشىء شيئاً . ومالكاً بعد إنشائه للكون ، وليس يكون الله كيفٌ ولا أَينٌ ولا حَدٌّ يُعرف، ولا شيء يشبهه، ولايهرم لطول بقائه ، ولا يضعف لذُعرَة(2)، ولا يخاف كما تخاف خليقته من شيء، ولكن سميع بغير سمع، وبصير بغير بصر، وقوي بغير قوة من خلقه، لا تدركه حدق الناظرين، ولا يحيط بسمعه سمع السامعين، إذا أراد شيئاً كان بلا مشورة ولا مظاهرة ولا مخابرة، ولا يسأل أحداً عن شيء من خلقه أراده، لا تدركه الأبصار(3)وهو يدرك الأبصارو هو وهو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فبلغ الرسالة وأنهج الدلالة(صلی الله علیه وآله وسلم).

أيها الأمة التي خُدِعَت فانخدعت، وعرفت خديعة من خدعها فأصرّت على ما عرفت، واتّبَعَت أهواءها، وضربت في عشواء(4)غوائها، وقد استبان لها الحق فصدّت عنه، والطريق الواضح فتنكّبته ، أما والذي فَلَقَ الحبة وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه، وسلكتم من الحق نهجه ، لنَهَجَتْ بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رَغَداً ، وما عال فيكم عائل، ولا ظلُم منكم مسلم ، ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسُدّت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ، إذا ذُكر الأمر سألتم أهل الذكر، فإذا أفتوكم قلتم : هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه (5)؟! رويداً(6)، عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما

ص: 31


1- أي بلا حياة زائدة على ذاته قائمة به، بل هو حي بحياة هي عين ذاته .
2- الذعرة : بالفتح : التخويف، وبالضم : الخوف.
3- أي أحداق العيون والإدراك بمعنى الإحاطة وفي بعض الروايات التي مرّت معنا في أصول الكافي، باب الرؤية ، تفسير الإمام الرضا(عليه السلام) لهذه الآية وقوله : إن أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام .
4- العشا العمى، وسوء البَصَر ، والعَشْواء الناقة لا تبصر أمامها ومن هنا قيل : خَبط عشواء .
5- ومعنى كلامه هنا(عليهم السلام): إنكم مع معرفتكم أهل الذكر الذين أمرتم بسؤالهم عما تجهلون ومع سؤالكم لهم فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة وإجابتهم لكم بما تذعنون له وتقرّون أنه الحق، فإنكم مع كل ذلك نبذتموهم وخالفتموهم وما ذلك إلا لسلوككم سبيل الظلام واتباعكم الظلمة.
6- أي مهلا

إجترمتم(1)وما اجتلبتم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد علمتم أني صاحبكم، والذي به أُمرتم ، وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم، ووصي نبيكم، وخيرة ربكم(2)، ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وُعدِتم ، وما نزل بالأمم قبلكم، وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غداً تصيرون، أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت (3)، أو عِدة أهل بدر(4)وهم أعدادكم(5)، لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للفتق ، وأخذ بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين .

قال : ثم خرج من المسجد، فمرّ بِصِيرة(6)فيها نحو من ثلاثين شاةً، فقال: والله لو أن لي رجالاً ينصحون الله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه، لأزلت ابن آكلة الذِبّان(7)عن ملکه .

قال : فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلاً على الموت، فقال لهم أمير المؤمنين(عليه السلام): اغدوا بنا إلى أحجار الزيت(8)محلّقين(9)، وحلق أمير المؤمنين(عليه السلام)، فما وافى من القوم محلقاً إلا أبو ذر ، والمقداد، وحُذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر ، وجاء سلمان في آخر القوم ، فرفع يده إلى السماء فقال : اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون، اللهم فإنك تعلم ما نُخفي وما نُعلِن وما يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، توفّني مسلماً وأَلحِقْني بالصالحين، أمّا والبيتِ والمفضي إلى البيت _ وفي نسخة : والمزدلفة والخفاف إلى التجمير - لولا عهد عَهدَهَ إليَّ النبيّ الأمي(صلی الله علیه وآله وسلم)، لأوردتُ المخالفين خليجَ المنيّة، ولأرسلتُ عليهم شآبيبَ(10)صواعق الموت، وعن قليل سيعلمون .

مقامات الشیعه وفضائلهم وبشارتهم بخیر المآل

٦ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت

ص: 32


1- أي ما اكتسبتم من خذلكم لولي الأمر الحق واتباعكم للطاغوت.
2- أي الذي اختاره ربكم لكم إماماً وولياً .
3- العِدّة : الجماعة ، وقيل : كانت عِدّة أصحاب طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً . وقيل غير ذلك .
4- وكانوا 313 رجلا .
5- في المازندراني : وهم أعداؤكم .
6- الصِّيرَة: حظيرة الأنعام من البقر والغنم.
7- «وكنّى باين آكلتها عن سلطان الوقت فإنهم كانوا في الجاهلية يأكلون من كل خبيث نالوه» الوافي للفيض م / ١٤ ص 11 . والذُّبان : جمع الذُّباب وإنما نسبه إلى أمه - جرياً على عادة العرب _ عندما يريدون أن يذمّوا أحداً، خصوصا إذا اشتهرت بلقب خبيث كابن آكلة الأكباد أو كابن مرجانة .
8- أحجار الزيت موضع داخل المدينة .
9- أي لابسين للحلقة وهي السلاح مطلقاً، وقيل: هي للدروع خاصة .
10- الشّآبيب : جمع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر وغيره. وهو هنا على نحو الاستعارة.

عند أبي عبد الله(عليه السلام)، إذ دخل عليه أبو بصير ، وقد خَفَرَهُ النّفس(1)، فلما أخذ مجلسه قال له أبو عبد الله(عليه السلام): يا أبا محمد(2)، ما هذا النَّفَس العالي : فقال : جعلت فداك يا ابن رسول الله . كَبُر سني ، ودق عظمي ، واقترب أجلي ، مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): يا أبا محمد، وإنك لتقول هذا؟! قال : جعلت فداك، وكيف لا أقول هذا؟! فقال : يا أبا محمد، أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم ويستحي من الكهول، قال: قلت : جعلت فداك، فكيف يكرم الشباب ويستحي من الكهول؟ فقال : يكرم الله الشباب أن يعذبهم، ويستحي من الكهول أن يحاسبهم، قال: قلت جُعِلتُ فداك، هذا لنا خاصة(3)أم لأهل التوحيد ؟ قال : فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم قال : قلت : جُعِلتُ فداك، فإنّا قد نُبِنا نَبْزاً(4)انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم ،فقهاؤهم ، قال : فقال أبو عبد الله(عليه السلام): الرافضة ؟ قال : قلت : نعم، قال: لا والله ما هم سموكم ، ولكن الله سمّاكم به، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى(عليه السلام)لما استبان لهم هداه، فسمّوا في عسکر موسی الرافضة، لأنهم رفضوا فرعون، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادةً ، وأشدهم حباً لموسى وهارون وذريتهما(عليه السلام)، فأوحى الله عز وجل إلى موسى(عليه السلام): أن أُثْبِتْ لهم هذا الإسم في التوراة، فإني قد سميتهم به ونَحَلْتُهم إياه، فأثبت موسى(عليه السلام) الإسم لهم، ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نَحَلَكُمُوه، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة، وتشعبوا كلّ شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم(صلی الله علیه وآله وسلم)، وذهبتم حيث ذهبوا، واخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله ، فأبشروا فأبشروا ثم أبشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم من لم يأت الله عز وجل بما أنتم عليه يوم القيامة، لم يتقبل منه حسنة، ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد، فهل سررتك؟ قال : قلت: جُعِلتُ فداك، زِدْني ، فقال : يا أبا محمد، إن لله عز وجل ملائكة يُسقطون الذنوب عن ظهور شیعتنا كما يُسقط الريحُ الورق في أوان سقوطه، وذلك قوله عز وجل : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم . . . ويستغفرون للذين آمنوا(5)، استغفارهم والله لكم دون

ص: 33


1- هكذا هنا في المطبوعة، ولكن في المازندراني : وقد حفزه . . . بمعنى حته وأعجله وحركه . وهو الصحيح
2- أبو محمد كنية لأبي بصير وهو مشترك بين يحيى بن القاسم المكفوف وليث بن البختري المرادي .
3- أي لأهل الولاية دون غيرهم .
4- تَبَزه نَبْراً : لَمَزَه ، وفلاناً : لقبه ،به قيل : هو شائع في الألقاب المستهجنة القبيحة . - هكذا في القاموس - وهذا اللقب _ كما سوف يشار إليه في الرواية _ هو الرافضة .
5- غافر / 7

هذا الخلق، يا أبا محمد، فهل سررتُك ؟ قال : قلت : جُعِلتُ فِداك زِدْني ، قال : يا أبا محمد، لقد ذكركم الله في كتابه فقال : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾(1)، إنكم وَفَيْتُم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا، وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا، ولو لم تفعلوا لعَيّركم الله كما عَيّرهم حيث يقول جل ذكره :﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾(2)، يا أبا محمد، فهل سررتك؟ قال : قلت : جُعِلْتُ فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال :﴿ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾(3)، والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد، فهل سررتك؟ قال : قلتُ : جُعِلتُ فداك، زِدْني ، فقال : يا أبا محمد﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ (4)، والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد، فهل سررتُك؟ قال : قلت : جُعِلتُ فداك، زدني ، فقال : يا أبا محمد، لقد ذَكَرَنا الله عز وجل وشيعتنا وعدونا في آية من كتابه، فقال عز وجل :﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾(5)فنحن الذين يعلمون، وعدونا الذين لا يعلمون، وشيعتنا أولو الألباب يا أبا محمد، فهل سررتك؟ قال : قلت : جُعِلْتُ فداك زِدْني ، فقال : يا أبا محمد، والله ما استثنى الله عز وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا اتباعهم ما خلا أمير المؤمنين(عليه السلام)وشيعته، فقال في كتابه، وقوله الحق :﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ ﴾ (6). يعني بذلك علياً (عليه السلام)وشيعته، يا أبا محمد، فهل سررتُك ؟ قال : قلت : جُعِلتُ فداك، زِدْني ، قال : يا أبا محمد، لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول : ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾(7)، والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جُعِلتُ فِداك زدني ، فقال : يا أبا محمد، لقد ذكركم الله في كتابه فقال :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾(8)والله ما أراد بهذا إلا الأئمة(عليهم السلام) وشيعتهم ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جُعِلتُ فداك، زِدْني ، فقال : يا أبا محمد، لقد ذكركم الله في كتابه فقال : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ

ص: 34


1- الأحزاب / 23
2- الأعراف/ ١٠٢ .
3- الحجر / ٤٧. ومتقابلين : أي يقابل بعضهم بعضاً، لا يستدبره فينظر في قفاه .
4- الزخرف/ ٦٧ . والأخلاء : جمع جلّ، وهو الصديق الحميم، والمقصود بهم هنا المتصادقون في الدنيا على معاصي الله . والمشار إليه بيومئذ، يوم القيامة .
5- الزمر /9
6- الدخان / ٤١ - ٤٢ .
7- الزمر / ٥٣ . والقنوط : اليأس والقنوط من رحمة الله من الكبائر عندنا .
8- الحجر / ٤٢. والسلطان : الحجة والقدرة .

أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ (1) فرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) في الآية النبيّون، ونحن في هذا الموضع الصدّيقون والشهداء، وأنتم الصالحون، فتسمَّوا بالصلاح كما سمّاكم الله عز وجل، يا أبا محمد، فهل سررتُك ؟ قال : قلت : جُعِلْتُ فِداك ، زِدْني ، قال : يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوّكم في النار بقوله: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴾(2)، والله ما عَنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرارَ الناس وأنتم والله في الجنة تُحبَرون، وفي النار تُطلَبون، يا أبا محمد، فهل سررتك؟ قال: قلت : جُعِلتُ فداك زِدْني، قال: يا أبا محمد، ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار، إلا وهي في عدوّنا ومن خالَفَنَا، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال : قلت : جُعِلتُ فداك زِدْني ، فقال : يا أبا محمد، ليس على ملّة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء، يا أبا محمد فهل سررتك؟ وفي رواية أخرى فقال : حَسْبي(3).

حدیث أبی عبدالله (علیه السلام)مع المنصور فی موکبه وفیه علامات آخر الزمان، تناهز المائۀ والخمسین من الفتن والأشراط

7- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، جميعاً، عن محمد بن أبي حمزة، عن حمران قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام) - وذُكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم - فقال : إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه ، وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه ، فقال لي : يا أبا عبد الله قد كان فينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة، وفتح لنا من العز، ولا تخير الناس أنك أحق بهذا الأمر(4)منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم ، قال : قلت : ومن رفع هذا إليك عنيِ فقد كذب، فقال لي : أتحلف على ما تقول؟ قال : قلت : إن الناس سَحَرة _ يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي _ فلا تمكنهم من سمعك، فإنا إليك أحوج منك إلينا، فقال لي : تذكر يوماً سألتك : هل لنا مُلْكُ؟ فقلت : نعم ، طویل عریض شدید(5)، فلا تزالون في مهلة من

ص: 35


1- النساء/ ٦٩ . ومطلع الآية : ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ... ﴾.
2- ص / ٦٢ - ٦٣ . سخرياً : أي هُزُواً .
3- حسبي : أي يكفيني
4- أي بالخلافة .
5- أي طويل بحسب المدة الزمنية وعريض بحسب الرقعة الجغرافية التي ينبسط ظله عليها، شديد بحسب القوة والسلطة والقهر.

أمركم، وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دماً حراماً في شهر حرام في بلد حرام، فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعل الله عز وجل أن يكفيك، فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ، ثم لعل غيرك من أهل بيتك أن يتولى ذلك، فسكت عني، فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال : جُعِلْتُ فِداك، والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس، وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته ، فقلت بيني وبين نفسي : هذا حجة الله على الخلق، وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به، وهذا الآخر يعمل بالجور، ويقتل أولاد الأنبياء، ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله ، وهو في موكبه وأنت على حمار، فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي؟ قال: قلت(1): لو رأيت من كان حولي وبين يَدَيّ ومِن خَلْفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرتَه واحتقرتَ ما هو فيه، فقال: الآن سكن قلبي ، ثم قال : إلى متى هؤلاء يملكون، أو متى الراحة منهم ؟ فقلت : أليس تعلم أن لكل شيء مدة؟ قال بلى فقلت : هل ينفعك علمك إن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين؟ إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي ، كنت لهم أشد بغضاً، ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيه من الإثم لم يقدروا ، فلا يَسْتَفزَّنك(2)الشيطان، فإن العزة الله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون، ألا تعلم أن من انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف، هو غداً في زمرتنا، فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خَلِقَ (3)وأحدث فيه ما ليس فيه، ووجه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفى كما ينكفي الماء(4)، ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهراً لا يُنهى عنه، ويُعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال (5)والنساء بالنساء(6)، ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يُرَدّ عليه كذْبه وفِرْيَتَه، ورأيتَ الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطّعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يُرَدّ عليه قوله، ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة(7)، ورأيت

ص: 36


1- القائل هو أبو عبد الله(عليه السلام).
2- أي فلا يستخفنك ويتلاعب فيك فتشك فيما أنت عليه من عقيدة .
3- أي بلي ورثّ.
4- أي انكب وأهريق. وفي المازندراني : كما ينكفي الإناء .
5- وهو اللواط .
6- وهو المساحقة .
7- أي يُنكح كما تُنكح ، وفيه هنا إشارة إلى ذم المفعول به ، وهناك في قوله : واكتفى الرجال بالرجال؛ إشارة إلى ذم الفاعل، وفي كلا الموردين إشارة إلى فساد الفعل وذمه .

النساء يتزوجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر ، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا يُنهى ولا يؤخذ على يديه(1)، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد(2)، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن(3)، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تُشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل، ورأيت الأمر بالمعروف ذليلاً ، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآياتِ(4)يحقرون ويُحْتَقَرُ من يحبهم، ورأيت سبيل الخير منقطعاً، وسبيل الشر مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عطّل ويؤمر بتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله، ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجل معيشته من دبره(5)ومعيشة المرأة من فَرْجِها(6)، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، وأظهروا الخضاب ، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، واعطوا الرجال الأموال على فروجهم ، وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعز من المؤمن، وكان الربا ظاهراً لا يُعَيّر، وكان الزنا تُمتَدَحُ به النساء، ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن، ورأيت المؤمن محزونا محتقراً ذليلاً، ورأيت البدع والزنا قد ظهر ، ورأيت الناس يعتدّون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلل والحلال يُحَرِّم، ورأيت الدين بالرأي ، وعطّل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل، ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قَبَالَةً لمن زاد (7)، ورأيت ذوات الأرحام يُنكَحْن ويكتفى بهن، ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنّة، ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه وماله، ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على

ص: 37


1- والمعنى أنه يجب نهي المسرف عن الإسراف والتبذير، فإن انتهى وإلا حجر عليه باعتباره سفيها في المال.
2- يحتمل أنه يستعيذ بالله من أن يبتليه بما ابتلى به المؤمن من الجهد والمشقة والبلاء كما يحتمل أن يراد باجتهاد المؤمن اجتهاده في الطاعة والعبادة وحسن المعاملة فبدل أن يتأسى به الرائي له في هذه الأمور نراه بعدها منكرات فيتعوذ بالله من صاحبها وهذا مثل : فكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفاً .
3- أي من ضيق العيش والهم والكرب والبلاء والمهانة . . . الخ .
4- أي العلماء وأتباعهم ، وقيل : الأئمة(عليهم السلام)والعلماء وأتباعهم من المؤمنين .
5- أي يجعل اللياطة به متكسباً .
6- أي تتخذ من الزنا مهنة لتعتاش .
7- أي رأيت الإمارة سلعة تمنح لمن يدفع مقابلها أكثر .

زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدَّنِيِ من الطعام والشراب، ورأيت الأيمان بالله عز وجل كثيرة على الزّور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر ، ورأيت الملاهي قد ظهرت يُمرّ بها لا يمنعها أحد أحداً ، ولا يجترىء أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يُزَوِّر(1)ولا تُقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يُتنافس فيه، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه، ورأيت الحدود قد عطّلت وعمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زُخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشي ، ورأيت الغيبة تُستَملح ويبشِّر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يُذلّ للكافر المؤمنَ، ورأيت الخراب قد أديل من العمران، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخف بها ، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لغرض الدنيا، ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتّقى وتُسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استُخِفَّ بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكّه منذ ملكه، ورأيت الميت يُنبش من قبره ويؤذى وتُباع أكفانه، ورأيت الهرج(2)قد كثر ، ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتم بما الناس فيه، ورأيت البهائم تُنكح ، ورأيت البهائم تفرس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع وليس عليه شيء، من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست، وجمدت أعينهم، وثقل الذكر عليهم، ورأيت السُّحْت(3)قد ظهر يُتنافس فيه، ورأيت المصلّي إنما يصلّي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين، يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يُذَمّ ويُعيَّر، وطالب الحرام يُمدح ويُعظَّم، ورأيت الحَرَمَين(4)يعمل فيهما بما لا يحب الله لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد، ورأيت المعازف(5)ظاهرة في الحَرَمَين، ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول : هذا عنك موضوع ، ورأيت الناس ينظر بعضُهم إلى بعض

ص: 38


1- أي يرمى بشهادة الزور.
2- الهرج : الفتنة والاختلاط والاضطراب .
3- السحت الحرام .
4- مكة والمدينة .
5- المعازف - كما في القاموس - الملاهي كالعود والطنبور ، الواحد معزف كمنبر وفي المصباح: المعازف : آلات تُضرب ... الخ .

ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير وطريقه خالياً لا يسلكه أحد ، ورأيت الميتُ يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما كان ، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء ، ورأيت المحتاج يُعطى على الضحك به ويُرحم لغير وجه الله ، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم لا ينكر أحد منكراً تخوفاً من الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله، ويمنع اليسير في طاعة الله، ورأيت العقوق قد ظهر واستُخفّ بالوالدين، وكانا من أسواء الناس حالاً عند الولد ، ويفرح بأن يُفترى عليهما، ورأيت النساء وقد غَلَبْنَ على الملك، وغَلَبْنَ على كل أمر، لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور، أو بخس مكيال أو ميزان ، أو غشيان حرام ، أو شرب مسكر كئيباً حزيناً يحسب أن ذلك اليوم عليه وَضِيعَة(1)من عمره ، ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربي تُقسم في الزور ويُتقامر بها وتشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك التدين به، ورأيت رياح(2)المنافقين وأهل النفاق قائمة، ورياح أهل الحق لا تحرك، ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق، ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يُشَان(3)بالسكر، وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وتُرِكَ ، لا يعاقب ويُعذر بسكره، ورأيت من أكل أموال اليتامى يُحمد بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعه الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله ، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يَعْمَلُ القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استُخفَّ بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد دَرَست (4)، فكن على حذر، واطلب إلى الله عز وجل النجاة، واعلم أن

ص: 39


1- أي خسارة ونقيصة من عمره، وما ذلك إلا لتصوره أن عمر الإنسان إنما جعل لغرض الاستمتاع بالدنيا وزخرفها وملذّاتها ومحرماتها وإن هم الإنسان محصور في كيفية إشباع شهواته وغرائزه الحيوانية.
2- الريح والرياح : كناية عن القوة. ومنه قوله تعالى : ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ﴾: أي قوتكم .
3- أي ولا يُعاب .
4- المراد بأعلام الحق العلماء، والأحكام الإلهية التي يحملونها، ودرست : أي انطمست وخفيت .

الناس في سخط الله عز وجل، وإنما يمهلهم لأمر يُراد بهم ، فكن مترقباً واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه، فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عَجِلْتَ إلى رحمة الله، وإن أخرت ابتلوا، وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل، واعلم أن الله لا يُضِيعُ أجر المحسنين، وأن رحمة الله قريب من المحسنين .

حدیث موسی(علیه السلام)وما خاطبه الله عزوجل به

8- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى رفعه قال : إن موسى (عليه السلام) ناجاه(1)الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته : يا موسى: لا يطول(2)في الدنيا أملُكَ فيقسو لذلك قلبك، وقاسي القلب مني بعيد .

يا موسى : كن كمسرّتي(3)فيك فإن مسَرّتي أن أُطاع فلا أُعصى ، فأمتُ قلبك بالخشية، وكن خلق الثياب جديد القلب(4)، تخفى على أهل الأرض وتُعرَف في أهل السماء، جلسَ (5) البيوت، مصباحَ الليل، واقنت بين يديَّ قنوتَ الصابرين، وصح إليَّ من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوّه، واستعن بي على ذلك، فإني نعم العون ونعم المستعان .

يا موسى : إني أنا الله فوق العباد(6)والعباد دوني، وكلُّ لي داخرون(7)، فأتهم نفسك على نفسك، ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين .

یا موسی : اغسل واغتسل(8)واقترب من عبادي الصالحين.

يا موسى : كن إمامهم في صلاتهم، وإمامهم فيما يتشاجرون واحكم بينهم بما أنزلتُ عليك، فقد أنزلته حكماً بيناً وبرهاناً نيّراً، ونوراً ينطق بما كان في الأولين وبما هو كائن في الآخرين .

ص: 40


1- ناجاه أي سارّه . والاسم : المناجاة .
2- في بعض النسخ: لا تطوّل .
3- مَسَرَّة : مصدر سره سُروراً، أي أفرحه .
4- وما يستوجب جدة القلب هو تغذيته بالحكمة وتنزيهه عن الغفلة.
5- الجلس: ما يبسط تحت حر الثياب . وقيل : هو كساء يلقى على ظهر البعير تحت القتب وهو كناية عن لزوم البيت وعدم مغادرته إلا بمقدار قضاء الحاجات .
6- أي بالقهر والسلطان. وفيه إشارة إلى قوله تعالى :﴿ وهو القاهر فوق عباده﴾.
7- أي ذليلون منقادون .
8- أمر بالأعم من غسل النفس من أمراضها المعنوية ومن غسل الظاهر من القذارات الحسية المادية .

أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول(1)عيسى بن مريم صاحب الأتان(2)، والبرنس ، والزيت والزيتون(3)، والمحراب، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر (4)الطيب الطاهر المطهّر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن(5)على الكتب كلها، وأنه راكع ساجد، راغب، راهب، إخوانه المساكين، وأنصاره قوم آخرون، ويكون في زمانه أَزَلُّ(6)وزلزال وقًتْل ، وقلّة من المال، اسمه أحمد، محمد الأمين من الباقين من ثلة الأوّلين الماضين، يؤمن بالكتب كلها، ويصدّق جميع المرسلين، ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين ، أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه ، لهم ساعات موقّتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته، فيه فصدّق ومنهاجه فاتَّبِع فإنه أخوك .

يا موسى : إنه أمّيُّ ، وهو عبدُ صِدْقٍ يبارَكُ له فيما وضع يده عليه، ويبارك عليه كذلك، كان في علمي وكذلك خلقته، به افتح الساعة وبأمّته أختم مفاتيح الدنيا، فَمُرْ ظَلَمَةَ بني إسرائيل أن لا يدرسوا(7)اسمه، ولا يخذلوه، وإنهم لفاعلون وحبه لي حَسَنة، فأنا معه وأنا من حزبه(8)وهو من حزبي وحزبهم(9)الغالبون فتمت كلماتي لأظْهِرَنَّ دينه على الأديان كلها، ولأعْبَدَنَّ بكل مكان، ولأنْزِلَنَّ عليه قرآناً فرقاناً شفاءاً لما في الصدور من نفث الشيطان، فصل عليه يابن عمران، فإني أصلّي عليه وملائكتي .

یا موسى : أنت عبدي وأنا إلهك لا تستذلّ الحقير الفقير ،ولا تغبط الغني بشيء يسير، وكن عند ذكري خاشعاً، ، وعند تلاوته برحمتي طامعاً، وأسْمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزین ،إطْمَئِنّ عند ذكري ، وذكّر بي من يطمئن إليّ ، واعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وتحرّ مَسَرتي إني أنا السيد الكبير، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين من طينة أخرجتها من أرض ذليلة

ص: 41


1- البتول : المنقطعة عن الزواج، والمنقطعة إلى الله تعالى عن الدنيا . ومع الألف واللام لقب غلب على مريم العذراء(عليهم السلام) لانقطاعها عن الرجال، وعلى فاطمة عليها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا ودينا وعصمة ونسبا .
2- الأتان أنثى الحمار.
3- لعل تخصيصهما بالذكر لأنهما كانا غذاءه(عليه السلام) .
4- هو سيدنا ونبينا محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)بحكم أوصافه المذكورة بعد ، وباعتبار بعثته(صلی الله علیه وآله وسلم)بعد رسالته(عليهم السلام)وبه (صلی الله علیه وآله وسلم)ختم.
5- أي أمين عليها ، أو شاهد عليها .
6- الأزل: الضّيقُ والشدّة .
7- يعني لا يطمسوا ويخفوا اسمه.
8- أي في التأييد والإعانة والنصرة.
9- الأصح وحزبي الغالبون وما في الكتاب تصحيف والله العالم .

ممشوجة(1)فكانت بشراً ، فأنا صانعها خلقاً، فتبارك وجهي، وتقدّس صنيعي، ليس كمثلي شيء وأنا الحي الدائم الذي لا أزول.

يا موسى : كن إذا دعوتَني خائفاً مشفِقاً وَجِلا (2)، عفّر وجهك لي في التراب، واسجد لي بمكارم بدنك، واقنت بين يديّ في القيام، وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجِل، واحيي بتوراتي أيام الحياة، وعلّم الجهّال محامدي، وذكّرهم آلائى ونعمتي، وقل لهم لا يتمادون في غيّ ما هم فيه، فإن أخذي أليم شديد .

يا موسى : إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري، فاعبدني وقم بين يديّ مقام العبد الحقير الفقير، ذم نفسك فهي أولى بالذم ، ولاتتطاول بكتابي على بني إسرائيل، فكفى بهذا واعظاً لقلبك ومنيراً، وهو كلام رب العالمين جلّ وتعالى .

یا موسى : متى ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك، السماء تسبّح لي وجلاً، والملائكة من مخافتي مشفقون، والأرض تسبّح لي طَمعاً، وكل الخلق يسبّحون لي داخرون، ثم عليك بالصلاة، الصلاة، فإنها مني بمكان، ولها عندي عهد وثيق، وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام، فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي .

واقرن مع ذلك صلة الأرحام، فإني أنا الله الرحمن الرحيم، والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد ، ولها عندي سلطان في معاد الآخرة ، وأنا قاطع من قَطَعَها وواصل من وَصَلَها، وكذلك أفعل بمن ضيع أمري.

یا موسى : أكرم السائل إذا أتاك بردٍّ جميلٍ أو إعطاءٍ يسير، فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جانّ، ملائكة الرحمن يبلُونَك كيف أنت صانع فيما أُوْلَيْتُكَ(3)، وكيف مؤاساتك(4)فيما

ص: 42


1- مَشَجَ يمشيج مشجاً : خلط الشيء بغيره، ويقال للشيء المخلوط : الممشوج ووجه كون الطينة ممشوجة إنها اخذت عند خلق آدم من سهل الأرض وحزنها وعذبها وسبخها ثم خلطت بعضها مع بعض ومع مياه عذبة ومياه اجاج ثم صورها ثم نفخ فيها سبحانه من روحه .
2- لعل الخوف بملاحظة عظمته وغناه عن الخلق والإشفاق بملاحظة التقصير في الدعاء والثناء ورعاية حقوقه، والوجل من صدّ النفس الأمارة سبيله، وقطع نفئات الشيطان طريقه أو من ردّ الدعاء لعدم كونه على الوجه اللايق به كما روي عن علي بن الحسين(عليه السلام)أنه كان في التلبية وهو على راحلته فخر مغشياً عليه فلما أفاق(عليه السلام)، قيل له ذلك، فقال: خشيت أن يقول لي : لا لبيك ولا سَعْدَيك، والتأكيد محتمل المازندراني 319/11 - 320 .
3- أي أعطيتك من الرزق والنعم .
4- قيل : المواساة لا تكون إلا من كفاف إما مع اليسر والملاءة فلا والمواساة بالمال أن يجعله فيه أسوة بما ينيله منه

خَولْتُك؟ واخشع لي بالتضرع، واهتف لي بوَلْوَلَة(1)الكتاب ، واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكَه ليبلغ به شرف المنازل، وذلك من فصلي عليك وعلى آبائك الأولين .

يا موسى : لا تَنسَني على كل حال، ولا تفرح بكثرة المال، فإن نسياني يقسّي القلوب، ومع كثرة المال كثرة الذنوب(2)، الأرض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة، وعصياني شقاء الثقَلَين، وأنا الرحمن الرحيم، رحمن كل زمان، آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة، وبالملوك بعد الملوك، وملكي دائم قائم لا يزول، ولا يخفى عَلَيّ شيء في الأرض ولا في السماء، وكيف يخفى عَلَيّ ما مني مبتدأهُ ، وكيف لا يكون همّك فيما عندي وإليّ ترجع لا محالة .

يا موسى : اجعلني حِرْزَك، وضع عندي كَنْزك من الصالحات، وخَفْني ولا تخف غيري ، إليّ المصير.

یا موسى: ارحم من هو أسفل منك في الخلق، ولا تحسد من هو فوقك، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب(3).

يا موسى : إنّ ابنَي آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي ، فَقَربا قُرباناً ولا أقبل إلا من المتقين، فكان من شأنهما ما قد علمتَ ، فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ والوزير .

یا موسى : ضع الكِبْر ودَع الفخر ، واذكر أنك ساكنٌ القبر، فليمنعك ذلك من الشهوات .

يا موسى : عجّل التوبة، وأخِّر الذنب ،وتأنَّ في المكث بين يَدَيَّ في الصلاة، ولا ترجُ غيري، اتخذني جُنَّةً للشدائد وحصناً لملمّات الأمور.

یا موسى : كيف تخشع لي خليقة لا تعرف فضلي عليها ، وكيف تعرف فضلي عليها وهي

ص: 43


1- الولولة : الدعاء بالويل وصوت متتابع به والاستغاثة
2- وذلك لأن الغنى والثروة قد تجر إلى الوقوع في كثير من الذنوب كالبطر والإسراف والعُجب والتكبر والإنفاق في معصية الله، والتقتير وحبس الحقوق ... الخ .
3- وقد روي عن نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم)قوله : «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، يقول الشريف الرضي في المجازات النبوية / 210 - 211 : وهذه استعارة والمراد أن الحسد يخرج بصاحبه إلى الإقدام على المعاصي، والارتكاس في المهاوي، فيلغ في الدماء الحرام، ويحتطب في حبائل الآثام، ويشرع في نقل النعم من أماكنها وإزعاجها عن مواطنها ، فيكون عقاب هذه المحظورات محبطاً لحسناته ومسقطاً لثواب طاعاته . . . فيصير الحسد الذي هو السبب في استحقاق العقاب وإحباط الثواب كأنه يأكل تلك الحسنات لأنه يذهبها ويفنيها ويُسقط أعيانها ،ويعفيها ، وإنما شبهه(عليه السلام)في أكله الحسنات بالنار التي تأكل الحطب، لأن الحسد يجري في قلب الإنسان مجرى النار لا هتياجه واتقاده وإرماضه وإحراقه ، ومن هنا قال بعضهم : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد نَفَسٌ يتصعد وزفير يتردّد، وحُزن يتجدّد».

لا تنظر فيه، وكيف تنظر فيه وهي لا تؤمن به، وكيف تؤمن به وهي لاترجو ثواباً، وكيف ترجو ثواباً وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها رُكونَ الظالمين(1).

يا موسى: نافِس في الخير أهله فإن الخير كاسمه، ودع الشر لكل مفتون .

يا موسى : اجعل لسانك من وراء قلبك تَسْلم ، وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ، ولا تتّبع الخطايا فتندم ، فإن الخطايا موعدها النار .

يا موسى: اطلب الكلام لأهل الترك للذنوب، وكن لهم جليساً، واتخذهم لغيبك إخواناً، وجدّ معهم يجدّون معك .

يا موسى :الموت يأتيك لا محالة فَتَزَوّد زاد من هو على ما يتزوّد وارد .

یا موسی : ما أُريدَ به وجهي فكثير قليله، وما أريد به غيري فقليل كثيره، وإنّ أصلح أيامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو فأعدّ له الجواب، فإنك موقوف ومسؤول، وخذ موعظتك من الدهر وأهلِه ، فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل، وكل شيء فان، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة، فإن ما بقي من الدنيا كما ولّى منها، وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال، فكن مرتاداً (2)لنفسك يا بن عمران لعلك تفوز غداً يوم السؤال، فهنالك يخسر المبطلون .

يا موسى : ألقِ كَفَّيْكَ ذُلاً بين يَديّ كفعل العبد المستصرخ إلى سيده، فإنك إذا فعلت ذلك رُحِمْتَ وأنا أكرم القادرين.

یا موسى : سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي، لا يملكهما أحد غيري، وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي، لكل عامل جزاء، وقد يُجْزَى الكفور بما سعى .

يا موسى : طِبْ نفساً عن الدنيا وانطو عنها، فإنها ليست لك ولست لها، مالك ولدار

ص: 44


1- ويستفاد من هذا الكلام أن الخشوع لله والخشية منه درجة لا يمكن تحصيلها إلا بعد معاناة يقطع فيها الإنسان درجات مترتب بعضها على بعض ، ومراتب متقدم بعضها على الآخر، فالخشوع متوقف على التصديق بالفضل منه سبحانه، والتصديق متوقف على تصور المحكوم به وهو الفضل، وتصور الفضل متوقف على الإقرار بوجوده والإقرار متوقف على الرجاء بالثواب اللازم للفضل، وهذا الرجاء متوقف على عدم الانغماس في الدنيا والإغراق في شهواتها وملذاتها بحيث يراها الإنسان دائمية ولا انتقال عنها .
2- «المراد بالارتياد هنا طلب العمل على وجه التفكر في أوله وآخره، وحسنه ، وقبحه ومورده ومأخذه» المازندراني ٣٣٤/١١ .

الظالمين، إلا لعامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار .

یا موسى : ما آمرك به فاسمع ، ومهما أراه فاصنع ، خذ حقائق التوارة إلى صدرك، وتيقّظ بها في ، ساعات الليل والنهار، ولا تمكّن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وَكُراً كَوَكْرِ الطير (1).

يا موسى : أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم البعض، فكل مزين له ما هو فيه ، والمؤمن من زُيِّنَتْ له الآخرة فهو ينظر إليها(2) ما يفتر(3)، قد حالت شهوتها (4)بينه وبين لذة العيش(5) فادّلَجَتْهُ(6)بالأسحار ، كفعل الراكب السائق إلى غايته ، يظل كئيباً(7)ويمسي حزيناً، فطوبى له لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور.

یا موسى : الدنيا نُطْفَة(8)ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر، فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلَعْقَة لم تبق وبَلْعَة(9)لم تدم ، وكذلك فكن كما أمرتك وكلّ أمري رشاد.

يا موسى : إذا رأيت الغِنى مقبلاً فقل : ذَنْب عُجَلَتْ لي عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحباً بشَعار(10)الصالحين، ولا تكن جباراً ظلوماً، ولا تكن للظالمين قريناً .

یا موسى : ما عمر وإن طال يُذَمّ آخره، وما ضرك ما زُوي(11)عنك إذا حمدت مغبته(12)،یا موسی : صرح الكتاب(13)إليك صراحاً بما أنت إليه صائر ، فكيف ترقد على هذه العيون، أم

ص: 45


1- الوكر : عشَ الطائر .
2- تزيين الآخرة أي تزيين ما أعد للمؤسن فيها من نعيم مقيم وسرور دائم مما لا عين رأت ولا أذن رأت ولا أذن سمعت وذلك من خلال ما جاء به الأنبياء والرسل ونزلت به الكتب في ذلك، ولذلك فنظر المؤمن إليها من خلال كل ذلك حيث يتصورها بعقله فيلتذ وينشد شوقاً إلى التقلب فيها .
3- ما يفتر : أي ما يضعف وما يكلّ
4- أي شهوة الآخرة .
5- أي لذة العيش في الدنيا، وذلك لأنها لا تقاس بلذة العيش في الآخرة لحقارة ما في الدنيا من لذائذ في جند تلك .
6- الإدلاج : - بتخفيف الدال - السير في أول الليل والإذلاج - بتشديدها - السير في آخره، والمقصود به هنا الثاني بقرينة تعقبه بالأسحار.
7- أي في النهار . قال الخليل : لا تقول العرب : ظل، إلا لعمل يكون بالنهار .
8- النطقة : - هنا - ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء، وهو كناية عن قلة شأن الدنيا وضآلتها .
9- اللعقة ما يُلْعَق، والبلعة ما يبتلع .
10- الشعار: العلامة، وما وليّ الجسد من الثياب، وقد كنّى به عن الفقر للدلالة على أنه من لوازم الصلاح التي لا تنفك عنه غالباً. كما أن الغنى من لوازم الطلاح كذلك.
11- زُوي : أي صرف .
12- المغبة : أي العاقبة .
13- المقصود بالكتاب إما التوراة أو صحيفة أعمال الإنسان .

كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة، والاتّباع للشِقوة، والتتابع للشهوة، ومن دون هذا يجزع الصدّيقون .

یا موسى : مر عبادي يدعوني على ما كان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين، مجيب المضطرين، وأغني الفقير، وأنا الدائم العزيز القدير ، فمن لجأ إليك وانضوى(1)إليك من الخاطئين فقل : أهلاً وسهلاً، يا رَحْب الفناء بفناء رب العالمين، واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم ، ولا تستطيل عليهم بما أنا أعطيتُك فضله، وقل لهم فليسألوني من فضلي ورحمتي، فإنه لا يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم.

طوبى لك يا موسى : كهفُ الخاطئين، وجليسُ المضطرين ومستغفرٌ للمذنبين، إنك مني بالمكان الرضيّ، فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق، وكن كما أمرتك، أطع أمري ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتدأه ، وتقرّب إليّ فإني منك قريب، فإني لم أسألك ما يؤذيك ثِقله ولا حِمله، إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك، وإن تسألني فأعطيك، وأن تتقرب إليّ بما مني أخذت تأويله وعليّ تمام تنزيله .

یا موسى : انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك ، وارفع عينيك إلى السماء فإن فوقك فيها مَلِكاً عظيماً ، وابك على نفسك ما دمت في الدنيا، وتخوّف العَطَبَ والمهالك، ولا تَغُرّنك زينة الدنيا وزهرتها ولا ترضَ بالظلم، ولا تكن ظالماً فإني للظالم رصيد حتى أديل منه المظلوم(2).

يا موسى : إن الحسنة عشرة أضعاف، ومن السيئة الواحدة الهلاك، لا تشرك بي ، لا يحلّ لك أن تشرك بي ، قارب وسدّد(3)وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي، النادم على ما قدّمت يداه ، فإن سواد الليل يمحوه النهار ، وكذلك السيئة تمحوها الحسنة، وعشوة الليل(4)تأتي على ضوء النهار، وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسوّدها .

9-علي بن محمد، عَمّن ذكره، عن محمد بن الحسين، وحميد بن زياد، عن

ص: 46


1- أي سكن واطمأن .
2- الرصيد : المترقب المنتظر بتحفّز، وذلك لأخذ الدولة من الظالم فأعطيها للمظلوم ، والإدالة : الغلبة ، يقال : : أُديل له على أعدائه، أي نُصِرَ عليهم فصارت الدولة له بعدما كانت لهم .
3- قارب وسدّد: أي اقتصد في الأمور كلها، أو اترك الإفراط والتفريط في أعمالك وأقوالك .
4- عشوة الليل : أي ظلمة الليل .

الحسن بن محمد الكندي، جميعاً، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن رجلَ من أصحابه قال: قرأت جواباً من أبي عبد الله(عليه السلام)إلى رجل من أصحابه أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يُحوّله عما يكره إلى ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب(1)، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه ، فإن الله عز وجل لا يُخْدَع(2)عن جنّته، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله .

ان الله تعالی اختار من بنی هاشم سبعۀ لم یخلق مثلهم

10 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن عثيم بن أشيَم، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: خرج النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ذات يوم وهو مستبشر يضحك سروراً ، فقال له الناس أضحك الله سنّك يا رسول الله، وزادك سروراً، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تُحفة(3)من الله، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال : يا محمد إن الله عز وجل اختار من بني هاشم سبعة، لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي ، أنت يا رسول الله سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين ، والحسن والحسين سبطاك سيّدا الأسباط(4)، وحمزة عمك سيد الشهداء، وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء، ومنكم القائم، يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض من ذرية علي وفاطمة من ولد الحسين(عليه السلام).

معنی قوله تعالی: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾

11 - سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي المصري(5)، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قلت له : قول الله عز وجل :﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ﴾(6). فقال : إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق، ولكن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)هو الناطق

ص: 47


1- إشارة إلى قوله تعالى ، الطلاق / 3 : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» أي من حيث لا يظن، أو من حيث لا يقدر ولا يتوقع . والتقوى : عبارة عن فعل الواجبات وترك المحرمات
2- كناية عن إحاطته سبحانه بكل شيء قدرة وعلما لا يعجزه شيء ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء .
3- التحفة اللطف والبر والطرفة .
4- السبط ولد الولد والمراد هنا أنهما(عليهم السلام)سيدا أسباط جميع الأنبياء، ويشمل ذلك جميع التسعة من ذرية الحسين(عليه السلام)وآخرهم القائم عجل الله فرجه كما يصرح بذلك في ذيل الحديث .
5- الديلمي المصري، هذا هو الموجود في النسخ ، وهو الموافق للمنقول عن البرقي أيضاً. ولكن الموجود في الروايات هو البصري، ووصفه بالبصري الشيخ في رجاله عند عده له في أصحاب الرضا(عليه السلام)(2). كما أن العلامة في الخلاصة (٥٠) من الباب (1) من حرف الميم من القسم الثاني وابن داود في القسم الثاني من رجاله (٤٥٣) وصفاه بالنصري، وهو بهذا التوصيف لا وجود له في الروايات .
6- الجاثية / ٢٩

بالكتاب، قال الله عز وجل:﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ ، قال : قلت : جُعِلْتُ فداك، إنا لا نقرؤها هكذا ؟ فقال : هكذا والله نزل به جبرئیل علی محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولكنه فيما حُرّف من كتاب الله.

تأویل قوله تعالی:﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾

12 - جماعة ، عن سهل، عن محمد، عن أبيه عن أبي محمد»، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عز وجل : ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾(1)قال : الشمس رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، به أوضح الله عز وجل للناس دينهم . قال : قلت : ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾(2)؟ قال : ذاك أمير المؤمنين(عليه السلام) ، تلا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ونفثه بالعلم نفثاً ، قال : قلت : ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾(3)؟ قال : ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالأمر دون آل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)، وجلسوا مجلساً كان آل الرسول أولى به منهم، فغشوا دين الله بالظلم والجور، فحكى الله فعلهم فقال :﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ قال : قلت : ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴾(4)؟ قال : ذلك الإمام من ذرية فاطمة(عليه السلام) ، يُسأل عن دين رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فيجليه لمن سأله، فحكى الله عز وجل قوله فقال : ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴾ .

تأویل قوله تعالی: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾

13 - سهل، عن محمد، عن أبيه ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قلت : ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ (5)؟ قال : يغشاهم القائم بالسيف، قال قلت :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴾(6)؟ قال : خاضعة لا تطيق الامتناع قال قلت :﴿عاملة﴾(7)؟ قال : عملت بغير ما أنزل الله ، قال : قلت :﴿ناصِبة﴾ (8)؟ قال : نصبت غير ولاة الأمر قال : قلت :﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ (9)؟ قال : تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم، وفي الآخرة نار جهنم .

تأویل قوله تعالی: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾

١٤ - سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله(عليه السلام) : قوله : تبارك وتعالى : ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ

ص: 48


1- الشمس / ١ - ٤ . وقد استعار الشمس لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بعلاقة الإضاءة والإنارة المعنويتين بإيضاح الدين ورفع ظلمة الجهل والفتن كما استعار القمر لعلي(عليه السلام)بعلاقة أن نور علمه مستفاد من نور علم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كما أن نور القمر مستفاد من نور الشمس. وقد أشار بقوله : ونفثه بالعلم نفتاً، أي أوحى إليه العلم وألقاه في صدره، وأصل النفث النفخ المازندراني ٣٤٥/١١ بتصرّف.
2- الشمس / ١ - ٤ . وقد استعار الشمس لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بعلاقة الإضاءة والإنارة المعنويتين بإيضاح الدين ورفع ظلمة الجهل والفتن كما استعار القمر لعلي(عليه السلام)بعلاقة أن نور علمه مستفاد من نور علم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كما أن نور القمر مستفاد من نور الشمس. وقد أشار بقوله : ونفثه بالعلم نفتاً، أي أوحى إليه العلم وألقاه في صدره، وأصل النفث النفخ المازندراني ٣٤٥/١١ بتصرّف.
3- الشمس / ١ - ٤ . وقد استعار الشمس لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بعلاقة الإضاءة والإنارة المعنويتين بإيضاح الدين ورفع ظلمة الجهل والفتن كما استعار القمر لعلي(عليه السلام)بعلاقة أن نور علمه مستفاد من نور علم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كما أن نور القمر مستفاد من نور الشمس. وقد أشار بقوله : ونفثه بالعلم نفتاً، أي أوحى إليه العلم وألقاه في صدره، وأصل النفث النفخ المازندراني ٣٤٥/١١ بتصرّف.
4- الشمس / ١ - ٤ . وقد استعار الشمس لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بعلاقة الإضاءة والإنارة المعنويتين بإيضاح الدين ورفع ظلمة الجهل والفتن كما استعار القمر لعلي(عليه السلام)بعلاقة أن نور علمه مستفاد من نور علم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كما أن نور القمر مستفاد من نور الشمس. وقد أشار بقوله : ونفثه بالعلم نفتاً، أي أوحى إليه العلم وألقاه في صدره، وأصل النفث النفخ المازندراني ٣٤٥/١١ بتصرّف.
5- الغاشية / ١ .
6- الغاشية / ٢ و ٣ و ٤ .
7- الغاشية / ٢ و ٣ و ٤ .
8- الغاشية / ٢ و ٣ و ٤ .
9- الغاشية / ٢ و ٣ و ٤ .

أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (1)؟ قال : فقال لي : يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال : قلت : إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إن الله لا يبعث الموتى ، قال : فقال : تباً لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللّات والعُزّى؟ قال : قلت : جعلت فداك فأوجدنيه(2)، قال : فقال لي : يا أبا بصير، لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا، قِباعُ سيوفهم (3)على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون : بُعث فلان وفلان وفلان من قبورهم، وهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوماً من عدونا فيقولون : يا معشر الشيعة، ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب، لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة، قال: فحكى الله قولهم فقال :﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾(4).

تأویل قوله تعالی: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾

١٥ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن بدر بن الخليل الأسدي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول في قول الله عز وجل :﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ *لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾(5)، قال : إذا قام القائم وَبَعَثَ إلى بني أمية بالشام هربوا إلى الروم، فيقول لهم الروم : لا تُدخلَنكم حتى تتنصّروا، فيعلّقون في أعناقهم الصلبان، فيدخلونهم، فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح ، فيقول أصحاب القائم : لا نفعل حتى تدفعوا إلينا مَن قِبَلكم منا ، قال : فيدفعونهم إليهم، فذلك قوله :﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ ، قال : يسألهم عن الكنوز وهو أعلم بها ، قال : فيقولون :﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ *فَمَا

ص: 49


1- النحل / 38 .
2- أي أوضح لي المراد من الآية واظفرني به.
3- القباع : جميع قبيعة وهي ما على طرف مقبض السيف من الفضة أو الحديد .
4- هذا، وإن استدل بعض أصحابنا على الرجعة عند قيام القائم عجل الله فرجه بمثل هذه الآية، أو هذه الرواية، إلا أن الآية كما لا يخفى من سياقها إنها واردة في بيان حال المشركين الجاحدين للبعث، وقد ذكر الشيخ الطبرسي رضوان الله عليه في مجمع البيان ٥ - ٣٦٠/٦ في سبب نزول هذه الآية عن أبي العالية قال : قالوا : كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه فوقع في كلامه والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا، فقال المشرك وإنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت، واقسم بالله لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله الآية. هذا إضافة إلى أن محمد بن سليمان البصري راوي هذا الحديث عن أبيه هو ممن ذكر الشيخ في رجاله أنه يرمى بالغلوّ وأنه ضعیف، وقال النّجاشي عنه أنه ضعيف جداً لا يعوّل عليه في شيء، كما قال الشيخ عنه في فهرسته (٥٩٣ ) نقلا عن ابن الغضائري : ضعيف في حديثه مرتفع في مذهبه لا يلتفت إليه. ومن هذا المنظور انظر إلى ما تقدم وما سيأتي من رواياته .
5- الأنبياء / 12 - 13 . واحسّوا : عاينوا . والبأس العذاب.

زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾(1)بالسيف .

رسالة أبي جعفر(عليه السلام)إلى سعد الخير

١٦ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، والحسين بن محمد الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن يزيد بن عبد الله، عمّن حدثه قال: كتب أبو جعفر(عليه السلام)إلى سعد الخير :

بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، فإن فيها السلامة من التلف(2)، والغنيمة في المنقلب(3)، إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله(4). ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة، وصالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون، ونجت تلك العُصَبُ من المهالك، ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المَثُلات (5)، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحسین وذمّوا أنفسهم على ما فَرّطوا وهم أهل الذم، وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم، إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه ، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه، ثم أمكن أهل السيئاتِ من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ، ولم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله، وكتب على نفسه الرحمة، فسبقت قبل الغضب فتمت صدقاً وعدلاً، فليس يبتدىء العباد بالغضب قبل أن يُغْضبوه، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى، وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه، وولّاهم عدوهم حين تولوه، وكان من نَبْذِهِم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، وكان من نبذهم الكتاب أن ولّوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى ، وأصدروهم إلى الردى، وغيّروا عرى الدين، ثم ورثوه في السَّفَه والصِبا(6)، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى ،

ص: 50


1- الأنبياء / ١٤ - ١٥ . دعواهم أي دعاؤهم. حصيداً أي محصودين بالسيف كما يحصد الزرع ويستأصل بالمناجل خامدين أي هموداً قد سكنت حركاتهم
2- التلف الهلاك بسبب المعاصي جراء الانغماس في الشهوات والانجرار وراء الغرائز
3- أي الآخرة .
4- أي بعد عن إدراكه وغاب .
5- المَثَلاث : العقوبات .
6- السَّفَه : الجهل والطيش . والصبا من :الصبوة وهي الميل إلى الجهل. وقد يراد منها فتح الصاد: الصبا : وهو اللعب مع الصبيان .

وعليه يردّون، فبئس للظالمين بَدَلاً ولاية الناس بعد ولاية الله، وثواب الناس بعد ثواب الله ، ورضى الناس بعد رضى الله ، فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين، إن نبياً من الأنبياء كان يستكمل الطاعة، ثم يعصي الله تبارك وتعالي في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت(1)، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة ، فاعرف أشباه الأحبار(2)والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، ثم أعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرّفوا حدوده، فهم مع السادة والكَبَرَة(3)فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنياً وذلك مبلغهم من العلم، لا يزالون كذلك في طبع وطمع، لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الأذى والتعنيف، ويعيبون على العلماء بالتكليف(4)، والعلماء في أنفسهم خانة(5)، إن كتموا النصيحة، إن رأوا تائهاً ضالاً لا يهدونه، أو ميتاً لا يحيونه(6)، فبئس ما يصنعون، لأن الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أُمِروا به، وأن ينهوا عما نُهُوا عنه، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان ، فالعلماء من الجهّال في جهد وجهاد، إن وعظت قالوا : طَغَتْ، وإن علموا الحق الذي تركوا قالوا : خالفَت ،وإن اعتزلوهم قالوا فارقت وإن قالوا هاتوا برهانكم على ما تحدثون ، قالوا : نافقت، وإن أطاعوهم قالوا: عصيت الله عز وجل، فهلك جهّال فيما لا يعلمون، أميّون فيما يتلون، يصدّقون بالكتاب عند التعريف ويكذّبون به عند التحريف، فلا ينكرون، أولئك أشباه الأحبار والرهبان قادة فى الهوى، سادة في الردى، وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى، لا يعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى، يقولون ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو وصدقوا ، تركهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على البيضاء(7)ليلها من نهارها، لم يُظْهر فيهم بدعة ولم يبدّل فيهم سنّة ، لا خلاف عندهم ولا اختلاف، فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم صاروا

ص: 51


1- فيه إشارة إلى آدم ويونس(عليه السلام).
2- نفى عنهم صفتي الأحبار والرهبان الحقيقيتين، لأنهم لم يكونوا ملتزمين بلوازمهما الحقيقية، بل كانوا منافقين يتظاهرون بها فقط.
3- في بعض النسخ: الكثرة. وفيه إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب / ٦٧ ﴿وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءَنا فأضلّونا السبيلا﴾ أي زعماءنا .
4- أي بتكليف العلماء إياهم بالرجوع إلى الله وعبادته وطاعته من خلال أحكامه سبحانه .
5- خانة : جمع خائن .
6- المراد بالميت ميت القلب منغلق العقل، وإحياؤه إنما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة .
7- يعني بذلك الشريعة السمحاء الواضحة التي لا ليس فيها ولا غموض

إمامين : داع إلى الله تبارك وتعالى وداعٍ إلى النار ، فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه، وكثر خيله ورجله وشارك فى المال والولد من أشركه، فعمل بالبدعة وترك الكتاب والسنة، ونطق أولياء الله بالحجة، وأخذوا بالكتاب والحكمة، فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل، وتخاذل وتهادن أهل الهدى، وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه(1)، فأعرف هذا الصنف ، وصنف آخر فأبصِرْهُم رأي العين نجباء، والزَمْهُمْ حتى ترد أهلك(2)، فإن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة الا ذلك هو الخسران المبين .

إلى ههنا رواية الحسين، وفي رواية محمد بن يحيى زيادة :

لهم علم بالطريق، فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم(3)، فإن كان دونهم عَسْفُ(4)من أهل العسف، وخسف ودونهم(5)بلايا تنقضي، ثم تصير إلى رخاء، ثم أعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض، ولولا أن تذهب بك الظنون عني(6)لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ، ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ، ولكني أتقيك وأستبقيك، وليس الحليم(7)الذي لا يتقي أحداً في مكان التقوى، والحلم لباس العالم فلا تَعْرَيَنَّ منه، والسلام .

رسالة منه(عليه السلام) إليه أيضاً (8)

17 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع قال : كتب أبو جعفر(عليه السلام)إلى سعد الخير :

بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعدُ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي

ص: 52


1- يقصد بذلك إمام الجور ..
2- أي حتى ترد أمام الحق وهو من فرض الله عليك طاعته وأمر بملازمته .
3- في الوافي : فلا ينظر إليهم . وقال / م ١٤ ص ٢٤ : «وفي بعض النسخ: إليه ، وهو الصواب، أي فلا ينظر إلى البلاء لأنه ينقضي ولا يبقى».
4- العَف : الجور والظلم .
5- أي عندهم . والخَلْف : الهوان والنقصان .
6- أي تعرض عني بسبب ظنونك ما لا يليق ولا يجدر .
7- قال في الوافي: الحليم خبر ليس تقدم على اسمه .
8- يقول المازندراني ٣٦١/١١: «كان منشأوها أن سعداً كتب إليه كتاباً مشتملا على ذكر الولاية وطاعة أهلها، وخفاء الحق وقلة أهله وظهور الباطل وكثرة أهله ، وشكى إليه من ذلك، فكتب إليه(عليه السلام)تسلية له ورفعاً لاستبعاده وشكايته ».

تركه(1)، وطاعة من رضى الله ،رضاه فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته تعجب، إن رضى الله وطاعته ونصيحته لا تُقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء، أخلاء من الناس(2)، قد اتخذهم الناس سِخْرياً لما يرمونهم به من المنكرات، وكان يقال : لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار، ولولا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا ، فتجعل فتنة الناس كعذاب الله - وأعيذك بالله وإيّانا من ذلك _ لَقَرُبْتَ على بعد منزلتك(3).

واعلم رحمك الله، أنه لا تُنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس، ولا ولايته إلا بمعاداتهم، وفوت ذلك(4)قليل يسير لدَرْك(5)ذلك من الله لقوم يعلمون .

يا أخي ؛ إن الله عز وجل جعل في كلِّ من الرسل بقايا من أهل العلم(6)يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون معهم على الأذى، يجيبون داعِيَ الله ، ويدعون إلى الله، فأَبْصِرْهم رحمك الله ، فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة، إنهم يُحْيُونَ بكتاب الله الموتى الله(7)، ويبصّرن بنور من العمى(8)، كم من قتيل لأبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضالِّ قد هدُوه، يبذلون دماءهم دون هَلَكَة العباد، وما أحسن أثرهم على العباد وأقبح آثار العباد عليهم .

کان امیر المومنین (علیه السلام)یشبه عیسی بن مریم(علیه السلام)

18 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، ، عن أبيه، عن أبي بصير قال : بينما رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ذات يوم جالساً، إذ أقبل أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «إن فيك شبهاً من عيسى بن مريم، ولولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ،لقلتُ فيك قولاً لا تمرّ بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة» ، قال : فغضب الاعرابيان(9)، والمغيرة بن شعبة ، وعدّة من قريش معهم ، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلاً إلا عيسى بن مريم؟ فأنزل الله على

ص: 53


1- ويقصد بما لا ينبغي تركه الولاية لأهل البيت (عليهم السلام)لأن بها نظم أمور الأعيان والمؤمنين .
2- أي منزوون عن الناس لا يخالطونهم .
3- أي لقربت من الحق على بعد منزلتك منه ، وهذا الكلام جواب: لولا المتقدم.
4- إشارة إلى حب الناس وولايتهم .
5- إشارة إلى محبة الله وولايته .
6- إشارة إلى الأوصياء(عليهم السلام)ونوابهم من الفقهاء العدول الذين نصبوا حكاماً على الناس من قبلهم(عليهم السلام).
7- أي موتى القلوب .
8- أي عمى البصائر والقلوب .
9- المقصود بهما الأول والثاني ، ولا يخفى وجه تسميتهما بالأعرابيين .

نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (1)وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (2)،إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ*وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ (یعنی من بنی هاشم)مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾(3)، قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل، فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم، فأنزل الله عليه مقالة الحارث، ونزلت هذه الآية ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾(4)، ثم قال له : يا ابن عمرو ؛ إما تبت وإما رحلتَ ؟ فقال : يا محمد؛ بل تجعل لسائر قريش شيئاً مما في يديك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم، فقال له النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «ليس ذلك إلي ذلك إلىّ الله تبارك وتعالى» ، فقال: يا محمد؛ قلبي ما يتابعني على التوبة، ولكن أرْحَلُ عنك، فدعا براحلته ،فركبها فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة(5)فرضخت(6)هامته ، ثم أتى الوحي إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ( بولاية علي ) لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ *مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴾(7)، قال : قلت : جُعِلتُ فداك، إنا لا نقرؤها هكذا، فقال : هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة(عليها السلام)،فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به، قال الله عزوجل: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾(8)

تفسیر قوله تعالی : ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ..الأیۀ﴾

19 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)في قوله عزوجل : ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾(9)، قال : ذاك والله حين قالت الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير»(10).

20 _ وعنه ، عن محمد بن علي ، عن ابن مسكان عن ميسر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال:

ص: 54


1- يصِدّون : أي يضحون .
2- خصمون : أي يلتمسون الخصومة بالباطل.
3- الزخرف/ ٥٧ - ٦٠ . ويخلفون: أي يكونون خلفاء في الأرض.
4- الأنفال/ ٣٣ .
5- الجَنْدَلَة : الحجارة .
6- الرّضْخ : الكسر والشدخ .
7- المعارج / 1 - 3 . وذي :المعارج: أي ذي العلو والفواصل .
8- إبراهيم / ١٥ .
9- الروم/ ٤١ .
10- وقد حصل ذلك في سقيفة بني النجار في المدينة عندما قبض رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)والمقصود بقوله : منا، أي من الأنصار، ومنكم : أي من المهاجرين وكان القائل سعد بن عبادة الأنصاري وكان يطمع في الخلافة لنفسه .

تفسیر قوله تعالی: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾

قلت : قول الله عز وجل : ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾(1). قال : فقال : يا ميسّر؛ إن الأرض كانت فاسدة فأصلحها الله عز وجل نبيه(2)(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال :﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ .

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)فی ذم اتباع الهوی

21 - علي بن إبراهيم، عن أبيه عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه، ثم صلّى على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، ثم قال :

تأسفه علی بعض ما حدث بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

ألا إن أخوفَ ما أخافُ عليكم خَلَّتان(3): اتّباع الهوى(4)وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الأمل فَيُنْسي الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحّلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولاحساب، وإن غداً حساب ولا عمل، وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تُتَّبَع وأحكام تُبْتَدَع ، يخالف فيها حكم الله يتولى فيها رجال رجالاً ، ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أن الباطل خلص لم يخفَ على ذي حجى(5)، لكنه يؤخذ من هذا ضِعْثُ ومن هذا ضغثٌ (6)، فيمزجان فيجلّلان(7)معاً ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى، إني سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : «كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سُنّة، فإذا غُيّر منها شيء قيل: قد غُيّرت السنة، وقد أتى الناس منكراً، ثم تشتد البلية وتُسبى الذرية، وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحا بثفالها(8)، ويتفقهون لغير الله ، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون

ص: 55


1- الأعراف/ ٥٦ .
2- وإنما تم إصلاحها من خلال شريعة الله سبحانه وأحكامه التي أوحاها إلى نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)وبلغها (صلی الله علیه وآله وسلم)للبشرية ليطبقوها على أنفسهم وفي مجتمعاتهم فيحصلوا بذلك سعادتهم في الدارين .
3- الخَلّة : الخصلة .
4- الهوى: مجاراة النفس فيما ترغبه وتميل إليه مما لا ينسجم مع تعاليم السماء وقوانينها .
5- الحجى : العقل .
6- الضغث : القبضة من الشيء . وقد استعمل هنا بنحو الاستعارة، واستعمل لصورة ما إذا امتزج الحق بالباطل .
7- التجليل : الستر، أو إدخال الشيء في الشيء
8- الثفال : جلدة تبسط تحت رحى اليد ليسقط عليها الدقيق ويسمى الحجر الأسفل من الرّحى مثقالاً، قال الفيض في الوافي / م ١٤ ص 1٥ : والمعنى أنها تدقهم دق الرحى للحب إذا كانت مثقلة ولا تثفل إلا عند الطحن .

الدنيا بأعمال الآخرة». ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال : قد عملت الولاة قَبْلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسُنَّته ولو حملت الناس على تركها وحَوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرضَ إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنّة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم(1)(عليه السلام)فرددتُه إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ورددت فَدَك(2)إلى ورثة فاطمة(عليه السلام)، ورددت صاع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)(3)كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها(4)رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قضي بها ، ونزعت نساءاً تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن(5)، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام، وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يعطي بالسوية، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء، وألقيت المساحة (6)، وسويت بين المناكح(7)، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه ، ورددت مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سُدّ منه، وحرمت المسح على الخُفَّين، وحدَدْتُ على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين(8)، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في مسجده ممن كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أخرجه(9)، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ممن كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على

ص: 56


1- أي برده. وكان عمر قد غير موضعه في زمنه وردّه إلى ما كان عليه في الجاهلية وكان لاصقاً بالبيت.
2- دل على أنه (عليه السلام)لم يردّ فدك في خلافته لإفضائه إلى الفساد والتفرقة، فلا يرد ما أورده بعض العامة من أن أخذ فدك لو لم يكن حقا لردّه(عليه السلام)في خلافته المازندراني 372/11 - 373 .
3- في بعض الروايات ومنها الموثق أن صاعه(صلی الله علیه وآله وسلم)كان خمسة أمداد ولكن الأصحاب اتفقوا على أن الصاع هو أربعة أمداد.
4- اقطعها أي عينها .
5- كاللواتي يطلقن طلاق بدعة، لعدم استكمال الطلاق الصحيح شرائطه المعتبرة شرعاً.
6- يحتمل أنها مساحة الأرض للخراج .
7- «أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش أن يتزوج في قريش ومنعه العجم من التزويج في العرب».
8- يعني متعة النساء ومتعة الحج ، وكان قد حرمهما عمر في زمانه بعد اعترافه بأنهما كانتا على عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
9- والمراد بذلك الأول والثاني حيث أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ب__د بابيهما إلى المسجد فيمن أمر بسد أبوابهم، وكانا قد دفنا عند قبره(صلی الله علیه وآله وسلم).

أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)، إذاً (1)لتفرقوا عني، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام ، غُيّرت سُنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري، ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة، وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار،وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل :﴿ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾(2). فنحن والله عنى بذي القربي الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال تعالى : ﴿ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، (فينا خاصة)،كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ(في ظلم آل محمد)،إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(3)، لمن ظلمهم، رحمة منه(4)لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً أكرم الله رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذّبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقّنا، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم) والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

خطبة لامير المؤمنين(عليه السلام)فی تأسفه علی ما سیحدث

٢٢ -أحمد بن محمد الكوفي ، عن جعفر بن عبد الله المحمدي، عن أبي رَوْح فرج بن قرّة، عن جعفر بن عبد الله، عن مسعدة بن صَدَقة، عن ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي وآله ثم قال : أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء، ولم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أَزْل(5)وبلاء ، أيها الناس؛ في دون ما استقبلتم من عَطْب(6)، واستدبرتم من خَطْب(7)،

ص: 57


1- هذا جواب الشرط في قوله سابقاً : أرأيت لو أمرت ... الخ .
2- الأنفال/ ٤١ .
3- الحشر / 7
4- أي رحمة من الله سبحانه لنا حيث أنزل ذلك فينا وقرننا بنفسه وبرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم).
5- الأزل : الشدّة والضيق .
6- العطب : الهلاك. وفيه إشارة إلى ما لاقاه المسلمون في بداية الدعوة من الآلام والمصاعب والتنكيل، وما كان عليه حالهم من الوهن والضعف والهوان على الناس.
7- الخطب الحال والأمر صغر أو كبر، وفيه إشارة إلى ما خاضوه من حروب مع المشركين والكافرين مما ذهبت حزونته وانقضت الأمه وبقي أجره وثوابه وثمراته الدنيوية والأخروية .

معتَبّر(1)، وما كل ذي قلب بلبيب(2)، ولا كل ذي سمع بسميع ، ولا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد الله ؛ أحسنوا فيما يعنيكم(3)النظر فيه ثم انظروا إلى عرصات(4)من قد أقاده(5)الله بعلمه كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور، والأمر والنهي، ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون، ولله عاقبة الأمور.

فيا عجباً _ وما لي لا أعجب _ من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصّون(6)أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغَيب، ولا يعفون عن عَيب، المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا ، وكل امرىء منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات، فلا يزالون بجَور ولن يزدادوا إلا خطأ، لا ينالون تقرباً، ولن يزدادوا إلا بعداً من الله عز وجل، أُنْسُ بعضهم ببعض ، وتصديقُ بعضهم لبعض كل ذلك وحشةً مما ورث النبي الأمي(صلی الله علیه وآله وسلم)، ونفوراً مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض، أهل حسرات ، وكهوف شُبهات، وأهل عَشَوات(7)وضلالة وريبة ، من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من لا يعرفه فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها، وواأسفاً من فعلات شيعتي من بعد قُرْب مَوَدّتها اليوم كيف يَسْتَذلَّ بعدي بعضها بعضاً، وكيف يقتل بعضها بعضاً، المتشتتة غداً عن الأصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته(8)، كل حزب منهم آخذ (منه) بغصن أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله - وله الحمد -،سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية ،كما يجمع قَزَع(9)الخريف يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم رُكاماً كرُكام (10)السحاب ، ثم يفتح لهم أبواباً يسيلون من مستثارهم(11)كسيل الجنتين

ص: 58


1- أي في دون ما ذكر اعتبار لمن اعتبر، فكيف بما كان أعظم إذ يكون أولى بالاعتبار فيه والاتعاظ .
2- أي كامل العقل بحيث يعتد بعقله ويعتمد على حسن إدراكه .
3- يعنيكم : أي يهمكم.
4- العرصات : جمع ،عرصة ، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه ولعل المراد بها دورهم الخربة وأراضيهم الميتة . أي مكان خروجهم وانطلاقهم .
5- من القود وهو القصاص، حيث إنهم كانوا قد أصابوا دماء بغير حق.
6- الاقتصاص : الاتباع والاقتفاء .
7- العَشْوة :الظلمة ومثلثة كل أمر ملتبس لا يُعرف وجهه.
8- المراد بالأصل الإمام العادل المنصوب من قبله سبحانه وبالفرع بعض أولاده(عليهم السلام)ممن خرج على سلطان الجور كزيد(عليه السلام) وغيره ممن هو غير مفترض الطاعة والمراد بالفتح ظهور دولة الحق .
9- المراد بالأصل الإمام العادل المنصوب من قبله سبحانه وبالفرع بعض أولاده (عليهم السلام)ممن خرج على سلطان الجور كزيد(عليه السلام)وغيره ممن هو غير مفترض الطاعة والمراد بالفتح ظهور دولة الحق .
10- الفزع : قطع من السحاب متفرقة صغار ، وكل شيء يكون قطعاً متفرقة فهو قزع ، وأضافه إلى الخريف لأنه يكثر ظهوره فيه .
11- الركام : المتراكب بعضه فوق بعض .

سيل العرم(1)حيث بعث عليه فأرة فلم يثبت عليه أكمة ، ولم يرد سننه رضّ طود(2)، يذعذهم(3) الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الأرض ، يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، ويمكّن بهم قوماً في ديار قوم تشريداً لبني أمية، ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع الله ركناً وينقض بهم طي الجنادل من إرَم(4)، ويملأ منهم بطنان الزيتون(5)، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ليكوننّ ذلك، وكأني أسمع صهيل خيلهم ، وطَمْطَمَة(6)رجالهم، وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد، كما تذوب الألية على النار ، من مات منهم مات ضالاً ، وإلى الله عز وجل يفضي منهم من دَرَج(7)، ويتوب الله عز وجل على من تاب، ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء ، وليس لأحد على الله عز ذكره الخيرة بل الله الخيرة والأمر جميعا .

أيها الناس ،إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير، ولو لم تتخاذلوا عن مرّ الحق ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ، ولم يقومنّ قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها لكن تهتُمّ كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران(عليه السلام)، ولَعَمْري ليضاعفنّ عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ، ولَعَمْري أن لو استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية، لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة(8)، وأحييتم الباطل، وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى من أهل بدر، ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب الرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء، وقَرُب الوعد، وانقضت المدة، وبدا لكن النجم ذو الذنب من قِبَل المشرق، ولاح لكم القمر المنير، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة، واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)، فتداويتم من العمى والصمم والبكم، وكُفِيتم مؤونة الطلب والتعسّف ، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق، ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف، وأخذ ما ليس له، وسيعلم الذين ظلموا أي مُنْقَلَبِ ينقلبون .

ص: 59


1- وكأنه أشار(عليه السلام)بذلك إلى فتن أبي مسلم المروزي واستئصاله لبني أمية وإنما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد وأهلها الذين كانوا في خفض ودعة الفيض في الوافي / م ١٤ / ص ١٤ .
2- الرّض : الدّق الشديد، والطود: الجبل .
3- أي يضعضعهم ويزعزعهم .
4- قيل بأن إرم هي دمشق والاسكندرية .
5- الزيتون : قيل هو مسجد دمشق، أو جبال الشام.
6- الطمطمة في الكلام، هو أن يكون فيه عجمة .
7- دَرَج : أي آب ورجع .
8- يقصد به عبد الله بن محمد السفاح أول ملوك بني العباس .

خطبة لامير المؤمنين(عليه السلام)فی عاقبۀ الظلم والبغی

٢٣ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، ويعقوب السراج، عن أبي عبد الله(عليه السلام)؛ أن أمير المؤمنين(عليه السلام)لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال : الحمد لله الذي علا فاستعلى ، ودنا فتعالى، وارتفع فوق كل منظر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين، وحجة الله على العالمين، مصدّقاً للرسل الأولين، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فصلّى الله وملائكته عليه وعلى آله .

أما بعد أيها الناس ؛ فإن البغي يقود أصحابه إلى النار، وإن أول من بغى على الله جل ذكره عناق بنت آدم، وأول قتيل قتله الله عناق، وكان مجلسها جريباً (من الأرض) في جريب(1)، وكان لها عشرون إصبعاً في كل إصبع ظفران مثل المِنْجَلين، فسلط الله عز وجل عليها أسداً كالفيل، وذئباً كالبعير ، ونسراً مثل البغل فقتلوها، وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان وأهلك فرعون. وقد قُتِل عثمان، ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)، والذي بعثه بالحق لتبلبلُنَّ بلبلة(2)، ولتُغَرْبَلُنَّ غربلة(3)، ولتساطن سوطة القدر(4)حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقنّ سابقون كانوا فصّروا ، ولَيُقَصِّرن سابقون كانوا ،سبقوا والله ما كتمت وَشْمة (5)، ولا كذبت كذبة، ولقد نُبّئْتُ بهذا المقام وهذا اليوم، ألا وإن الخطايا خيلٌ شُمُشُ(6)، حمل عليها أهلها وخلعت لجم_ها فتقحّمت بهم في النار، ألا وإن التقوى مطايا ذُلُل حمل عليها أهلُها وأعْطُوا أزمّتها فأوردتهم الجنة، وفُتحت لهم أبوابها، ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم:﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾(7)، ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه، ومن لم أهبه له، ومن ليست له منه نوبة(8)إلا

ص: 60


1- الجريب من الأرض : ستون ذراعاً في ستّين .
2- البلبلة في الألسن اختلاطها، والبلبلة أيضاً الهم والحزن ووسوسة الصدور.
3- قال الفيض في الوافي / م ١٤ ص 12 : من الغربال الذي يغربل به الدقيق والغربلة أيضاً القتل، وكأنها كناية عن التقاط أحادهم وقصدهم بالأذى والقتل كما فعل بكثير من الصحابة والتابعين، أراد بذلك أنه يستخلص الصالح منكم من الفاسد كما يمتاز الدقيق عند الغربلة من نخالته . .. الخ » .
4- السّوط: التخليط ، والمسوط والمسواط : خشبة يحرّك بها ما في القدر ليختلط .
5- الوَشمَة: الكلمة، والوسمة: العلامة .
6- الشَّمس : جمع شَمُوس، وهي الدابة الصعبة تمنع ظهرها من الركوب
7- الحجر/ ٤٦
8- في بعض النسخ : توبة، وليس لها معنى محصل هنا كما هو واضح . وفي بعض النسخ : ثوية . وفي بعضها : ومن لبس ثوبه، أي ثوب الإمامة .

بنبي يُبعث، ألا ولا نبي بعد محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ،حق وباطل ولكل أهل، فلئن أُمرّ الباطل القديماً ،فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل ، ولقلّما أدبر شيء فأقبل ، ولئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء، وما علي إلا الجهد، وإني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني مَيْلةً كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي، ولو أشاء لقلت : عفى الله عما سلف، سبق فيه الرجلان(1)وقام الثالث(2)كالغراب، همّه بطنه، ويله لو قُصّ جناحاه وقُطع رأسه كان خيراً له، شغل عن الجنة والنار أمامه ، ثلاثة وإثنان(3)، خمسة ليس لهم سادس : ملك يطير بجناحيه، ونبي أخذ الله بضَبُعَيْه(4)، وساع مجتهد ، وطالب يرجو، ومقصّر في النار، اليمين والشمال مَضَلَّة، والطريق الوسطى هي الجادة، عليها يأتي الكتاب وآثار النبوة، هلك من ادّعى، وخاب من افترى، إن الله أدّب هذه الأمة بالسيف والسوط، وليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة، فاستتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذاتَ بينكم، والتوبة من ورائكم، من أبدى صَفْحَتَه للحق هلك(5)

حديث علي بن الحسين(عليه السلام)وفیه حثُّ علی التقوی

٢٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هلال بن عطية، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال : كان يقول : إنّ أَحَبَّكم إلى الله عز وجل أحسنكم عملاً ، وإن أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشيةً لله ، وإن أقربكم من الله أوسعُكم خُلقاً، وإن أرضاكم عند الله اسْبَغُكم(6)على عياله، وإن أكرمكم على الله أتقاكم الله.

علامات آخر الزمان أو أشراط الساعۀ

25 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن عمر الصَّيقل، عن أبي شعيب المحاملي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)(قال : ) قال أمير المؤمنين(عليه السلام): ليأتينَّ على الناس زمان يطرف(7)فيه الفاجر، ويقرّب فيه الماجن، ويضعف فيه المنصف،

ص: 61


1- يعني أبا بكر وعمراً.
2- أي عثمان .
3- يعني إن عباد الله المكلفين على خمسة أقسام ...
4- الضبعان : العَضُدان.
5- من أبدى صفحته للحق ... الخ ، يعني : من كاشف الحق مخاصماً له هلك هلاكاً أخروياً وهي كلمة جارية مجرى المثل . وفي رواية : هلك عند جهلة الناس، فيكون المراد من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبه أهل الجهل، لأنهم العامة وفيهم الكثرة فهلك هلاكاً دنيوياً» الفيض في الوافي / م ١٤ / ص ١٣.
6- أسْبعَ النعمة : أتمها وأضفاها .
7- في بعض النسخ: (يطرف)، أي يكون طريفاً، أي شريفاً، وتنسب إليه الطرافة. ويظرف، أي تنسب إليه الظرافة وهي الكياسة .

قال : فقيل له : متى ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : إذا اتُخِذَت الأمانة مَغْنماً. والزكاة مَغْرَماً. والعبادة استطالة(1). والصلة منًّا ، قال : فقيل : متى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا تسلّطن(2)النساء، وسلّطن الإماء، وأُمِرَ الصبيان .

تسویۀ أمیرالمومنین(عليه السلام)بین المسلمین فی تقسیم بیت المال

٢٦ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن جعفر العقبي ، رفعه :قال خطب أمير المؤمنين(عليه السلام)فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ؛ إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خوّل بعضكم بعضاً(3)، فمن كان له بلاء فصبر في الخير، فلا يمن به على الله عز وجل ، ألا وقد حضر شيء(4)ونحن مُسَوُّون فيه بين الأسود والأحمر، فقال مروان(5)لطلحة والزبير ما أراد بهذا غيرَكما ، قال : فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير، وأعطى رجلاً من الأنصار ثلاثة دنانير، وجاء بعدُ غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين ؛ هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواءاً؟ فقال : إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا(6).

حديث النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)حين عُرِضَتْ عليه الخَيْلُ

٢٧ _ أبو علي الأشعري، عن محمد بن سالم، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً،عن أحمد بن النضر، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أبي القاسم، عن الحسين بن أبي قتادة، جميعاً، عن عمرو بن شُمّر، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لعرض الخيل، فمر بقير أبي أحَيْحَة(7)، فقال أبو بكر : لعن الله صاحب هذا القبر، فوالله إن كان ليصدّ

ص: 62


1- أي تكبراً على الناس، واستعلاءاً عليهم .
2- «والظاهر، تسلط بدون النون، وكذا الظاهر من قوله : سلّطن أو تسلّطن، على اختلاف النسخ ، لوجوب إفراد الفعل إذا أسند إلى الظاهر، وحمل النون على التأكيد غير مناسب سيما في نسخة الأصل وهي : سُلّطن، بلفظ الماضي... والسلاطة القهر ...» المازندراني 397/11.
3- أي أعطى بعضكم بعضاً من باب التمليك تفضلاً.
4- أي حن المال .
5- هو مروان بن الحكم طريد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم). وإنما قال ذلك لخبثه وكفره وحبًّا منه لهما على نكث البيعة و مخالفته(عليه السلام)فيما أمر وحكم.
6- «قال الفاضل الأمين الأسترابادي : يعني مع أن النبي والأئمة وبني هاشم وقريش من ولد إسماعيل، والهود من ولد إسحاق، إذا كانا مسلمين سواء في الغنائم وشبهها بمقتضى كتاب الله، فثبتت المساواة بين غيرهما من باب الأولوية» المازندراني 399/11
7- أحَيْحَة : مصغّر أحَاحَ يكنّى بها ويسمّى . والأحاح: العطش والغيظ وحزازة الغم، أو ما يجده الرجل في صدره من الحزازة، وصوت من الصدر يشبه الأنين .

عن سبيل الله ، ويكذب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال خالد ابنه : بل لعن الله أبا قحافة، فوالله ما كان يَقْرِي الضيف ولا يقاتل العدو، فلعن الله أهونهما على العشيرة فَقْداً، فألقى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)خِطام(1)راحلته على غارِبها(2)ثم قال : إذا أنتم تناولتم المشركين فعُمّوا ولا تخصّوا فيغضب ولده، ثم وقف، فَعُرِضَت عليه الخيل، فمر به فرس، فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيتُ وكيتُ، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «ذَرْنا ، فأنا أعلم بالخيل منك»، فقال عيينة : وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى ظهر الدم في وجهه، فقال له : فأي الرجال أفضل؟ فقال عيينة بن حصن : رجال يكونون بنجد ، يضعون سيوفهم على عواتقهم، ورماحهم على كواثب(3)خيلهم ، ثم يضربون بها قدماً قدماً، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «كذبت، بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من أهل اليمن» ، الجفا والقسوة في الفدادين(4)أصحاب الوبر، ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس، ومَذْحِج(5)أكثر قبيل يدخلون الجنة، وحَضْرَمُوت خير من عامر بن صعصعة ، _ وروى بعضهم خير من الحارث بن معاوية - ، وبجِيلة(6)خير من رَعَل وذكوان ، وإن يهلك لحيان(7)فلا أبالي ، ثم قال : لعن الله الملوك الأربعة جَمَداً ومِخْوَساً ومُشَرَّحاً وَأَبْضَعَةً وأختهم العَمَرَّدة(8)، لعن الله المحلّل والمحلَّل(9)له، ومن يوالي غير مواليه، ومن ادّعى نسباً لا يعرف، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، ومن أحدث حدثاً في الإسعلام، أو آوى محدِثاً، ومن قتل غير قاتله، أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه، فقال رجل: يا رسول الله : أيوجد

ص: 63


1- الخِطام: الزمام .
2- الغارب : ما بين العنق والسّنام .
3- الكوائب : جمع كاتبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدّام السرج .
4- «الفدّادون - بالتشديد - الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم وأحدهم فدّاد، يقال: فدّ الرجل إذا اشتد صوته . وقيل : هم المكثرون من الإبل . وقيل : هم الجمّالون والبقّارون والحمّارون والرعيان ، وقيل : إنما هو الفدادين مخففاً واحدها فدّان مشدداً وهي البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وغلظة. ...» الفيض في الوافي / م ١٤ / ص ١٠٤ .
5- مذحج : - كما في القاموس - كمجلس أكمة ولدت مالكاً وطيئاً أمهما عندها فسموا مذحجاً .
6- بجيلة : حي باليمن من معد والنسبة بجلي
7- لحيان هو ابن هذيل بن مدرك أبو قبيلة .
8- قال في القاموس : بنو معد يكرب من ملوك كندة، وفدوا مع الأشعث وأسلموا ثم ارتدوا فقتلوا يوم النجير وقالت نائحتهم يا عين ابك للملوك الأربعة .
9- أي لعن الله من يحلّل المرأة المحرمة بالطلقات. وقال المازندراني ٤02/11 : «كأنه لعن الملوك الأربعة ومن تبعوه واعتقدوا بحكمه وهو جنادة بن عوف الكندي وكان مطاعاً في الجاهلية وكان يقوم في الموسم ويقول بأعلى صوته : إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأجلوه، ثم يقوم في القابل يقول : إن الهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه، ومثله في تفسير علي بن إبراهيم بعبارة أخرى . . » .

رجل يلعن أبويه ؟ فقال : نعم ، يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون أبويه، لعن الله رَعَلا وذكوان وَعَضَلاً(1)ولحيان، والمجدمين(2)من أسد ، وغَطَفَان ، وأبا سفيان بن حرب، وشهبلاً(3)ذا الأسنان، وابنَي مليكة بن جَزيم(4)، ومروان، وهُوذة وهُونة .

نصیحۀ أمیرالمومنین(عليه السلام)لمولی له فرّ منه إلی معاویۀ

28 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن مولى لأمير المؤمنين(عليه السلام)سأله مالا ، فقال : يخرج عطائي فأقاسمكه، فقال : لا أكتفي، وخرج إلى معاوية فوصله، فكتب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)يخبره بما أصاب من المال، فكتب إليه أمير المؤمنين(عليه السلام): أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهله بعدك، وإنما لك منه ما مَهَدْتَ لنفسك، فآثر نفسك على صلاح ولدك، فإنما أنت جامع لأحد رجلين : إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت، وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك، ولا تبرد له على ظهرك(5)فارجُ لمن مضى رحمة الله ، وثق لمن بقي برزق الله

خطبۀ علي بن الحسين(عليه السلام)وموعظۀ الناس فی کل یوم جمعۀ

29 - حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال : كان علي بن الحسين(عليه السلام)يعِظُ الناس ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وحفظ عنه وكتب، كان يقول:

أيها الناس ؛ اتقوا الله، وأعلموا أنكم إليه تُرجعون، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير مُحْضَراً، وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذّركم الله نفسه، وَيْحَكَ يابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه .

ص: 64


1- عَضَل : هو ابن الهون بن خزيمة، أبو قبيلة .
2- « أي المسرعين منهم إلى قطع المودة والصلة من الإجذام وهو الإسراع والمجذام رجل سريع القطع للمودة» المازندرانی ٤٠٣/١١ .
3- في بعض النسخ : شهيلاً، مكبراً كأمير أو مصغراً كزبير. وفي بعضها سهيلاً، ولعله سهيل بن عمرو وهو الذي اعترض في صلح الحديبية على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وأن ينص فيه على أنه رسول الله .
4- في بعض النسخ: جريم، وفي بعضها: حريم.
5- أي لا تحمل له ثقلاً أو مالاً أو عقوبة على ظهرك .

يابن آدم ؛ إن أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك . وكأن قد أوفيتَ أجَلَكَ وقَبَضَ المَلَكُ روحك، وصرت إلى قبرك وحيداً فرد إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمسائلتك وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولّاه ، ثم عن عمرك فيما كنت افنيتَه، ومالِكَ من أين اكتسبته وفيما أنت أنفقته، فخذ حِذْرَك ، وانظر لنفسك، وأعِدَّ الجواب قبل الإمتحان والمسائلة والاختبار، فإن تك مؤمناً عارفاً بدينك متبعاً للصادقين، موالياً لأولياء الله، لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب، وأحسنت الجواب، وبُشِّرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل، واستقبلتك الملائكة بالرَّوْح والرَّيحان، وإن لم تكن كذلك، تلجلج (1)لسانك ، ودَحَضَتْ(2)حجتك، وعييت(3)عن الجواب، ويُشّرتَ بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنُزُل من حَميم وتصلية جحيم.

واعلم يابن آدم، أن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين، ذلك يوم يُنفخ في الصور، وتبعثر فيه القبور، وذلك فيه القبور، وذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، وذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا يؤخذ من أحد فِدية، ولا تُقبل من أحد معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده .

فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذّركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده، عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله عز وجل يقول :﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾(4)، وأشعِروا قلوبكم خوف الله، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوفكم من شديد العقاب، فإنه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين

ص: 65


1- أي تردد .
2- أي بطلت .
3- أي عجزت .
4- الأعراف 201 . ومسَّهم : ألم بهم طائف من الشيطان قيل هو الغضب وكل ما طاف بالإنسان من نزغ الشيطان ووسوسته .

مكروا السيئات، فإن الله يقول في محكم كتابه :﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ *أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ *أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ﴾(1)، فاحذروا ما حذّركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القومَ الظالمين في الكتاب، والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم، فإن السعيد من وُعِظَ بغيره، ولقد أَسْمَعَكُم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال :﴿«وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ (2)، وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول : ﴿ وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾(3)فقال عز وجل :﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (4)، (يعني يهربون قال : )لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (فلما أتاهم العذاب)قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾(5)، وأَيْمَ الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظيم وخفتم، ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل:﴿ ولئن مستهم نَفْحَةٌ من عذاب ربك ليقولُنَّ يا ويلنا إنا كنا ظالمين﴾(6)فإن قلتم أيها الناس : إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول : ﴿ وَنَضَعُ الموازين القِسْطَ ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خَرْدَلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين﴾(7).

إعلموا عبادَ الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين، وإنما يُحشرون إلى جهنم زُمَراً ، وإنما نَصْبُ الموازين ونَشْرُ الدواوين لأهل الإسلام.

فاتقوا الله عبادَ الله، واعلموا أن الله عز وجل لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلُوَهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته، وأَيْمَ الله ، لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وصَرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلا بالله.

فازهدوا فيما زهّدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا، فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق:﴿«إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ

ص: 66


1- النحل/ ٤٥ - ٤٧ . في تقلبهم : أي في تصرفهم في البلاد ليلاً ونهاراً على تخوف : أي ويهلكهم بتخوف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم .
2- الأنبياء / 11 - 12 .
3- الأنبياء / 11 - 12 .
4- الأنبياء / 11 - 12 .
5- الأنبياء / ١٣ - ١٥
6- الأنبياء / ٤٦ . والنفحة النصيب والحظ.
7- الأنبياء / ٤٧

وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (1)، فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم):﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾(2)، ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بُلْغَةٍ ومنزلُ قُلَعَةٍ (3)ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيامها، وقبل الإذن من الله في خرابها، فكان قد أخربها الذي عَمَرَها أول مرة وابتدأها، وهو ولي ميراثها فأَسْأَلُ الله العون لنا ولكم على تزوّد التقوى والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، الراغبين لأجل ثواب الآخرة، فإنما نحن به وله(4)، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلّم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حديث الشيخ مع أبی جعفرالباقر(عليه السلام)

٣٠ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار قال : حدثني رجل من أصحابنا عن الحكم بن عُتيبة قال : بينما أنا مع أبي جعفر(عليه السلام)- والبيت غاصّ بأهله - إذ أقبل شيخ يتوكأ على عَنَزَة(5)له، حتى وقف على باب البيت فقال : السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت، فقال أبو جعفر(عليه السلام): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم ، ثم سكت ، حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر(عليه السلام)ثم قال : يابن رسول الله ، أديني منك جعلني الله فداك، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا ، و (الله) إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوِتْر(6)كان بيني وبينه والله إني لأحِلّ حلالكم وأحرّم حرامكم وأنتظر أمركم ، فهل ترجو(7) لي جعلني الله فداك ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): إليّ إليّ ، حتّى أقعده إلى جنبه

ص: 67


1- يونس / ٢٤ .
2- هود / 113 . والركون الميل والرضا بأعمال الظلمة
3- منزل قُلَعَة : أي ليس بمستوطن كأنه يقلع صاحبه وساكنه .
4- «أي إنما نحن موجودون بالله تعالى وله ففي الأول إشارة إلى تفويض الأمور كلها إليه، وفي الثاني إشارة إلى طلب التقرب منه بالإتيان بالمأمورات والاجتناب عن المنهيات، وبهما يتم النظام في الدارين وعلو المنزلة في النشأتين» المازندراني ٤١٥/١١ .
5- العَنَزَة : أطول من العصا وأقصر من الرمح وفي رأسها زج كزج الرمح .
6- الوِتر : الجناية التي يجنيها الواحد على الآخر.
7- أي ترجو لي المغفرة من الله والنجاة يوم القيامة .

ثم قال : أيها الشيخ : إن أبي علي بن الحسين(عليه السلام)أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي(عليه السلام): إن تَمُتْ تَرِدُ على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلى علي، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتَقَرُّ عينك، وتُسْتَقْبَلُ بالرَّوح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك ههنا - وأهوى بيده إلى حلقه- ، وإن تَعِشْ ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى(1)، (ف_) _قال الشيخ : كيف قلت يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر، إن أنا مِتّ أَرِدُ على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلى علي، والحسن والحسين وعلي بن الحسين(عليه السلام)، وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأسْتَقْبَلُ بالرَّوح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسي إلى ههنا، وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى؟!! ثم أقبل الشيخ ينتجب ، ينشج هاهاها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرَوْن من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر(عليه السلام)يمسح بإصبعه الدموع من حماليقَ(2)عينيه وينفضها ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر(عليه السلام): يابن رسول الله ، ناولني يدك جعلني الله فداك، فناوله يده فقبّلها ووضعها على عينيه وخدّه، ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام فقال : السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر(عليه َّالسلام) ينظر في قفاه وهو مدبر، ثم أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فقال الحَكَمُ بن عُتيبة : لم أر مأتماً قطّ يشبه ذلك المجلس.

قصة صاحب الزيت مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٣١ - عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان رجل يبيع الزيت، وكان يحب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حباً شديداً، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وقد عُرف ذلك منه ، فإذا جاء تطاول له حتّى ينظر إليه ، حتى إذا كان ذات يوم، دخل عليه فتطاول له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى نظر إليه، ثم مضى في حاجته، فلم يكن بأسرعَ من أن رجع ، فلما رآه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قد فعل ذلك، أشار إليه بيده : إجلس، فجلس بين يديه فقال : مَالَكَ فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك ؟ فقال : يا رسول الله ؛ والذي بعثك بالحق نبياً لقد غشي قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك، فدعا له وقال له خيراً، ثم مكث رسول

ص: 68


1- «استعار لفظ السنام الأشرف مرتبة من المراتب الإنسانية، وأرفع درجة من درجات الكرامة الربانية ثم وصفها بالأعلى ترشيحا لها وتصريحا بعلوها» المازندراني ٤١٧/١١ .
2- جمع حملوق: وهو باطن جفن العين الذي يسود بالكحل، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن .

الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أياماً لايراه، فلما فقده سأل عنه فقيل : يا رسول الله ؛ ما رأيناه منذ أيام، فانتعل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وانتعل معه أصحابه، وانطلق حتى أتوا سوق الزيت، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته فقالوا: يا رسول الله ؛ مات، ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً إلا أنه قد كان فيه خصلة ، قال : وما هي ؟ قالوا : كان يرهق - يعنون يتبع النساء- ، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «رحمه الله، والله لقد كان يحبني حباً لو كان نحاساً(1)لغفر الله له» .

32 - علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن ميسّر قال : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال : كيف أصحابك ؟ فقلت : جُعِلْتُ فداك، لنحن عندهم أشرُّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، قال: - وكان متكئاً _ فاستوى جالساً ، ثم قال : كيف قلتَ؟ قلتُ : والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، فقال : أما والله لا يدخل النار منكم إثنان، لا والله ولا واحد، والله إنكم الذين قال الله عز وجل :﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ*أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ (2)ثم قال : طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحداً.

وصية النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)لأمير المؤمنين(عليه السلام)

33 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : كان في وصية النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)لعلي(عليه السلام)أن قال: يا علي ؛ أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني، ثم قال: اللهم أَعنْهُ، أما الأولى : فالصدق، ولا تخرِجَنّ من فيك كذبة أبداً، والثانية : الورع ، ولا تجترىء على خيانة أبداً، والثالثة : الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه، والرابعة : كثرة البكاء من خشية الله يبني لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة، والخامسة : بَذْلُكَ مَالَكَ ودَمَكَ دون دينك، والسادسة : الأخذ بسنّتي في صلاتي وصومي وصدقتي . أما الصلاة فالخمسون ركعة، وأما الصيام فثلاثة أيام في الشهر، الخميس في أوله، والأربعاء في وسطه، والخميس في آخره، وأما الصدقة فجهدك حتى يقال قد أسرفتَ ولم تسرِف، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بتلاوة القرآن على كل حال وعليك برفع يديك في صلاتك

ص: 69


1- النخّاس : بياع الرقيق، وإنما ذكر(صلی الله علیه وآله وسلم)النخّاس لأنه شر الناس - كما ورد في بعض الروايات _ ومع ذلك فإن الله يغفر له ببركة محبته لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
2- ص / ٦٢ - ٦٤ . سخرياً : أي كنا نهزأ بهم في الدنيا . أم زاغت عنهم الأبصار : أي أم هم في النار لا نرى مكانهم .

وتقليبهما، وعليك بالسواك عند كل وضوء، وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها، ومساوىء الأخلاق فاجتنبها ، فإن لم تفعل فلا تلومَنَّ إلا نفسك .

الدین هو الحب وأنت مع من أحببتَ

٣٤ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ،عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن المغيرة قال : حدثني جعفر بن إبراهيم (بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار) عن أبي عبد الله عن أبيه(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): حسب المرء دينه ومروءته وعقله وشرفه وجماله، وكرمه وتقواه .

فضل أهل البیت وشیعتهم وأن علیاً(عليه السلام)أفضل الناس بعد النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)

٣٥ _ عنهم ، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن علي بن عُقبة. وثعلبة بن ميمون، و غالب بن عثمان، وهارون بن مسلم، عن بريد بن معاوية قال : كنت عند أبي جعفر(عليه السلام)في فسطاط له بمنى، فنظر إلى زياد الأسود منقلع الرجل فرثى له، فقال له : ما لرجليك هكذا؟ قال: جئت على بَكْرٍ لي نِضْو(1)فكنت أمشيِ عنه عامة الطريق، فرثى له، وقال له عند ذلك زياد : إني أَلِمّ بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة وتجلى عني ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): وهل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى: ﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾(2) وقال : ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و﴾(3)وقال :﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾(4)، إن رجلا أتى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا رسول الله ؛ أحب المصلّين ولا أصلّي، وأحب الصوّامين ولا أصوم ؟ فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «أنت مع من أحببتَ ولك ما اكتسبت»(5)، وقال : ما تبغون وما تريدون ، أما إنها لو كان فُزْعَةٌ(6)من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم وفزعنا إلى نبينا وفزعتم إلينا .

٣٦ - سهل، عن ابن فضّال، عن علي بن عُقبة، وعبد الله بن بكير، عن سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : الحمد لله ، صارت فرقة مُرجئة، وصارت فرقة حَرورِيّة، وصارت فرقة قَدَرية، وسُمِّيتُم الترابية وشيعة علي، أما والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له، ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وآل رسول الله عليهم السلام وشيعة آل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وما الناس إلا

ص: 70


1- البكر: الفتى من الإبل والأنثى : بَكْرة . والنضو: الدابة التي أذهبت الأسفار لحمها حتى هزلت.
2- الحجرات / 7 ، وزيّنه : أي وحَسَّنه .
3- آل عمران/ 31
4- الحشر/ ٩. وصدر الآية : والذين تبوء وا الدار والإيمان من قبلهم .
5- « الظاهر أن الرجل كان مؤمناً وأن المراد بالصلاة والصيام المندوبات مع احتمال الأعم» المازندراني ٤٢١/١١ .
6- الفزعة : ما يُفْزَع منه، والمراد به أهوال الساعة.

هُم(1)، كان علي(عليه السلام)أفضل الناس بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وأَوْلى الناس بالناس _ حتى قالها ثلاثاً- .

37 _ عنه ، عن ابن فضّال، عن علي بن عُقبة، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قلت له : أصلحك الله ، لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل في يده؟ فقال : يا (أبا ) عبد الحميد ؛ أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً أحيا أمرنا ، قلت : أصلحك الله ؛ إن هؤلاء المرجئة يقولون : ما علينا أن تكون على الذي نحن عليه حتى إذا جاء ما تقولون كنا نحن وأنتم سواء(2)؟ فقال : يا عبد الحميد؛ صدقوا، من تاب تاب الله عليه ومن أسَرَّ نفاقاً فلا يرغم الله إلا بأنفه، ومن أظهر أمرنا أهْرَقَ الله دمه(3)، يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصاب شاته قال : قلت : فنحن يومئذ والناس فيه(4)سواء؟ قال: لا ، أنتم يومئذ سنام الأرض وحكّامها ، لا يسعنا في ديننا إلا ذلك، قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم(عليه السلام)؟ قال : إن القائل منكم إذا قال: إن أدركتُ قائم آل محمد نصرته، كالمقارع معه بسيفه، والشهادة معه شهادتان(5).

إحیاء أمرهم وانتظار فَرَجِهِم(عجل الله تعالی فرجه)

٣٨ _ عنه ، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن الوليد الكندي قال: دخلنا على أبي عبد الله(عليه السلام)في زمن مروان فقال : من أنتم؟ فقلنا من أهل الكوفة، فقال: ما من بلدة من البلدان أكثر محباً لنا من أهل الكوفة، ولا سيما هذه العصابة، إن الله جلّ ذِكْرُه هداكم لأمر جهله الناس، وأحببتمونا وأبغضنا الناس، واتّبعتمونا وخالفنا الناس، وصدّقتمونا وكذّبنا الناس، فأحياكم الله محيانا وأماتكم (الله) مماتنا، فأشْهَدُ على أبي أنه كان يقول : ما بين أحدكم وبين أن يرى ما يقرّ الله به عينه وأن يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حلقه _ ، وقد قال الله

ص: 71


1- « الضمير للرسول ( ومن بعده )، والمراد بالناس هذا الهيكل مع كمال صورته الظاهرة بالأعمال الصالحة، وصورته الباطنة بالعلم والإيمان والأخلاق الفاضلة دون الهيكل فقط، لأنه بدون الصورة المذكورة عند أهل الحق في الظاهر (كالصنم) المصنوع من الخشب كما قال تعالى : ﴿كأنهم خشب مسندة﴾ ، وفي الباطن كالكلب أو كالحمار كما قال عز وجل:﴿ مَثَلُهم كَمَثَل الكلب ﴾، وقال :﴿مَثَلُهم كَمَثَل الحمار...﴾ المازندراني ٤٢٣/١١ .
2- «كأنهم قالوا ما نحن عليه من الاعتقاد بخلافة الثلاثة على تقدير بطلانه كما زعمتم، لا يضرنا إذا جاءنا ما تقولون من ظهور المهدي المنكر لخلافتهم، فإنا إذا علمنا أنه أيضاً ينكرها كما تنكرونها نؤمن به ونتوب عما كنا فيه، والتوبة تمحو تلك الخطيئة عنا» المازندراني ٤٢٣/١١
3- هذا دعاء منه(عليه السلام)على من يفضح أمرهم في الإمامة ولا يعمل فيها بالتقية في ذلك العصر، وذلك بقصد الإضرار بهم وإغراء سلطان الجور بأخذهم وشيعتهم وقتلهم أو حبسهم .
4- أي في عصر ظهور الحجة عجل الله فَرَجَه .
5- أي له ثواب شهيدين، الأول لإيمانه به وانتظاره له والثاني لاستشهاده بين يديه(عليه السلام).

فضل الشیعۀ وتفسیر قوله تعالی : ﴿ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك﴾

عز وجل في كتابه : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾(1)، فنحن ذرية رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

الشقی من الشقی فی بطن أمه والسعید من وُعِظَ بغیره

39 - حميد بن زياد ،عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن عديس، عن بن عديس، عن أَبَان بن عثمان، عن أبي الصباح(2)قال : سمعت كلاماً يروى عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعن علي(عليه السلام)، وعن ابن مسعود، فعرضته على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال : هذا قول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أعرفه ، قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعِظَ بغيره، وأكْيَس الكْيَس(3)التقى، وأحمق الحمق الفجور، وشر الرويّ(4)ي الكذب، وشر الأمور مُحْدَثاتها، وأعمى العمى عمى القلب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، وأعظم الخطايا عند الله لسان الكذّاب، وشر الكَسْب كَسْبُ الربا، وشر المآكل أكل مال اليتيم وأحسن الزينة زينة الرجل هدي حسن مع إيمان وأملك أمره به وقوام خواتيمه، ومن يتبع السمعة يسمع الله به الكذبة، ومن يتولّ الدنيا يعجز عنها، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه يَنْكُل(5)، والريب كفر، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يُطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذبه الله، ومن يشكر يزيده الله ، ومن يصبر على الرزية يعينه الله ، ومن يتوكل على الله فحَسْبُه الله(6)، لا تسخطوا الله برضا أحد من خلقه، ولا تَقَرّبوا إلى أحد من الخلق تتباعدوا من الله، فإن الله عز وجل ليس بينه وبين أحد من الخلق شيء يعطيه به خيراً، ولا يدفع به عنه شراً إلا بطاعته واتّباع مرضاته ، وإن طاعة الله نجاح في كل خير يُبتغى، ونجاة من كل شر يُتقى، وإن الله عز ذكره يعصم من أطاعه ولا يعتصم به من عصاه ولا يجد الهارب من الله عز وجل ،مهرباً وإن أمر الله نازل ولو كره الخلائق ، وكل ما هو آت قريب ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب» .

تفسیر قوله تعالی :﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

٤٠ _ وبهذا الإسناد، عن أبان عن يعقوب بن شعيب؛ أنه سأل أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل :﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ (7)؟ فقال : كان الناس قبل نوح أمة ضلال، فبدا الله

ص: 72


1- الرعد / 38 .
2- هو الكناني واسمه إبراهيم بن نعيم.
3- الكَيْس : العقل والفطنة، مصدر كاس كَيْساً . والكَيِّس : اسم فاعل، والجمع أكياس.
4- المقصود بالروي هما الرواية. وقد روى الصدوق في الفقيه ٤ / ٢٦٨ أكثر فصول هذا الحديث عن صفوان بن يحيى عن أبي الصباح وفيه وشر الرواية رواية الكذب . واحتمل أن يكون الروي من الرؤية وهي ما يرى أحد في نفسه من التزوير في القول والفعل، وهو بعيد .
5- أي يضعف ويجبن .
6- أي كافية .
7- البقرة/ 213 .

فبعث المرسلين، وليس كما يقولون : لم يزل وكذبوا ، يَفْرُقُ الله في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء الله عز وجل أن يقدر إلى مثلها من قابل.

حديث البحر مع الشمس

(1).

41- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستورد عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال: إن من الأقوات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه، البحرَ الذي خلقه الله عز وجل بين السماء والأرض، قال : وإن الله قد قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وقدر ذلك كله على الفَلَك، ثم وكل بالفَلَك ملكاً ومعه سبعون ألف مَلَك، فهم يديرون الفلك، فإذا أداروه دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله عز وجل فيها ليومها وليلتها، فإذا كثرت ذنوب العباد، وأراد الله تبارك وتعالى أن يستعتبهم(2)بآية من آياته، أمر المَلَك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر المَلَكُ أولئك السبعين ألف مَلك أن زيلوه عن مجاريه ، قال : فيزيلونه، فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك ، قال : فَيُطْمَسُ ضؤوها ويتغير لونها، فإذا أراد الله عز وجل أن يعظم الآية ، طمست الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوّف خلقه بالآية ، قال: وذلك عند انكساف الشمس ، قال : وكذلك يفعل بالقمر ، قال : فإذا أراد الله أن يجلّيها أو يردها إلى مجراها، أمر الملك الموكل بالفلك أن يردّ الفلك إلى مجراه ، فيرد الفلك فترجع الشمس الماء إلى مجراها، قال: فتخرج من وهي كَدِرَة(3)، قال : والقمر مثل ذلك، قال: ثم قال علي بن الحسين(عليه السلام): أما إنه لا يفزع لهما ولا يرهب بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا ، فإذا كان كذلك، فافزعوا إلى الله عز وجل ثم ارجعوا إليه .

٤٢ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن سليمان، عن الفضل بن إسماعيل الهاشمي، عن أبيه قال : شَكَوْتُ إلى أبي عبد الله(عليه السلام)ما ألقى من أهل بيتي من استخفافهم بالدين، فقال : يا إسماعيل ؛ لا تنكر ذلك من أهل بيتك، فإن الله تبارك وتعالى جعل لكل أهل

ص: 73


1- أخرج هذا الحديث الصدوق في الفقيه 1 ، 81 - باب صلاة الكسوف والزلازل و ...، ح 1 عن سيد العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)بتفاوت قليل. وقال المازندراني رحمه الله ٤٣١/١١ : «هذا الحديث غريب متشابه لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم» .
2- أي يخوّفهم ويلومهم.
3- الكَدِر : نقيض الصافي. ويستعمل في تغيّر اللون.

بيت حُجّة يحتج بها على أهل بيته في يوم القيامة فيقال لهم : ألم تروا فلاناً فيكم؟ ألم تروا هَدْيَه فيكم ؟ ألم تروا صلاته فيكم ؟ ألم تروا دينه؟ فهلا اقتديتم به؟ فيكون حجة عليهم في يوم القيامة .

لکل أهل بیت حجۀ یحتج الله بها یوم القیامۀ

٤٣ _ عنه ، عن أبيه ، عن محمد بن عثيم النخّاس، عن معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إن الرجل منكم ليكون في المحتلة الله فيحتج عز وجل يوم القيامة على جبرانه (به) فيقال لهم : ألم يكن فلان بينكم؟ ألم تسمعوا كلامه؟ ألم تسمعوا بكاءه في الليل؟ فيكون حجة الله عليهم(1).

تفسیر قوله تعالی :﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ...الآیۀ﴾

٤٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عز وجل :﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ *تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ﴾(2)قال : كان طير ساف جاءهم من قبل البحر، رؤوسها كأمثال رؤوس السباع ، وأظفارها كأظفار السباع من الطير، مع كل طائر ثلاثة أحجار : في رجليه حَجَران، وفي منقاره حَجَر، فجعلت ترميهم بها حتى جَدَرَت(3)أجسادهم فقتلهم بها، وما كان قبل ذلك رئي شيء من الجُدَري، ولا رأوا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده، قال : ومن أفلت منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضرموت - وهو واد دون اليمن ، أرسل الله عليهم سيلا فغرّقهم أجمعين، قال: وما رؤي في ذلك الوادي ماء قط قبل ذلك اليوم بخمسة عشر سنة ، قال : فلذلك سُمّي حضرموت، حين ماتوا فيه .

٤٥ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن عبد الله بن بكير، وثعلبة بن ميمون وعلي بن عُقبة عن زرارة، عن عبد الملك قال : وقع بين أبي جعفر وبين ولد الحسن(عليه السلام)كلام، فبلغني ذلك، فدخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فذهبت أتكلم، فقال لي : مَهْ، لا تدخل فيما بيننا فإنما مثلنا ومثل بني عمنا كمثل رجل كان في بني إسرائيل، كانت له ابنتان فزوّج إحداهما من رجل زَرّاع، وزوج الأخرى من رجل فَخار، ثم زارهما فبدأ بامرأة الزرّاع فقال لها : كيف حالكم ؟ فقالت : قد زرع زوجي زرعاً كثيراً، فإن أرسل الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً ، ثم مضى إلى امرأة الفخّار فقال لها : كيف حالكم؟ فقالت : قد عمل زوجي فخاراً كثيراً، فإن أمسك الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً، فانصرف وهو

ص: 74


1- وقد دل هذا الحديث - كسابقه - على أنه ينبغي من كل جماعة صغرت أو كبرت أن تقتدي بالصالحين فيها وإن قلوا لئلا يكونوا حجة عليهم يوم القيامة ولا عذر لهم .
2- الفيل / ٣ - ٤ أبايل : أي متفرقة يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى. السجيل : الطين.
3- أي أصيبت بالجدري .

يقول : اللهم أنت لهما، وكذلك نحن(1).

عُوذَۀ للریح والوجه

٤٦ - محمد، عن أحمد عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن ذريح قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يُعوّذ بعض ولده ويقول: «عزمت عليك يا ريح ويا وجع، كائناً ما كنت، بالعزيمة التي عزم بها عليُّ بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام)رسول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) على جن وادي الصُّبرة فأجابوا وأطاعوا، لَمَا أجبتِ وأطعتِ وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعةَ الساعةَ .

حدیث نبوی(صلی الله علیه وآله وسلم)فیه وصیۀ نافعۀ

٤٧ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من يَتَفَقَّد يُفْقَد، ، ومن لا يَعُد الصبر لنوائب الدهر يعجز، ومن قرض الناس قرضوه(2)، ومن تركهم لم يتركوه» ، قال : فأصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال : «أُقْرِضُهُم(3)من عِرْضِكَ ليوم فقرك».

ادعاء الرجل الهمدانی بغلۀ موسی بن جعفر(عليه السلام)

٤٨ _ عنه ، عن أحمد، عن البرقي، عن محمد بن يحيى، عن حماد بن عثمان قال : بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى(عليه السلام)مقبلاً من المَرْوَة على بغلة ، فأمر ابن هياج رجلاً من همدان منقطعاً إليه أن يتعلق بلجامه ويدّعي البغلة، فأتاه فتعلق باللّجام وادّعى البغلة ، فَثَنى أبو الحسن(عليه السلام)رجله فنزل عنها وقال لغلمانه : خذوا سرجها وادفعوها إليه، فقال : والسرج أيضاً لي، فقال أبو الحسن(عليه السلام): كذبت، عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي(4)، وأما البغلة فإنا اشتريناها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت .

٤٩ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن مرازم، عن أبيه قال : خرجنا مع أبي عبد الله(عليه السلام)حيث خرج من عند أبي جعفر المنصور من الحيرة، فخرج ساعة أُذِنَ له، وانتهى إلى السالحين(5) في أول الليل، فعرض له عاشر(6)كان يكون في السالحين في أول الليل، فقال

ص: 75


1- قال الأمين الأسترابادي : أي نريد الخير لبني عمنا كما نريد لأنفسنا ولا نرضى بالشر في حقهم فلا تتكلم عليهم وإنما جهالتهم بحقنا تسببُ لما جرى بيني وبينهم كما أن الرجل يريد خير بنتيه المازندراني ٤٣٦/١١ .
2- الصُّبرة : الحجارة الغليظة المجتمعة. هذا وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد قصة بهذا المعنى حصلت مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عندما توجه لقتال بني المصطلق فراجع .
3- القرض : المجازاة والقطع ، والمراد هنا أن من سب الناس وتنقّصهم سبّوه وتنقّصوه «أي إذا نال أحد من عرضك فلا تجازه ولكن اجعله قرضاً في ذمته لتأخذه منه يوم حاجتك إليه يعني يوم القيامة» المازندراني ٤٣٧/١١
4- هو جدّه الباقر(عليه السلام)، ومعنى ذلك أنه ورثه عنه(عليهم السلام)وهذا ما يفّسر عدم دفعه إلى الظالم.
5- السالحون: - كما في المغرب - موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى الغرب.
6- العاشر : وجمعه عُشّار، هو جابي الأعشار من الأموال.

له : لا أدعك أن تجوز، فألحّ عليه وطلب إليه، فأبى إباءاً، وأنا ومصادف معه، فقال له مصادف: جُعِلْتُ فداك، إنما هذا كلب قد آذاك، وأخاف أن يردّك ، وما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر ، وأنا ومرازم أتأذن لنا أن نضرب عنقه، ثم نطرحه في النهر ؟ فقال : كفّ يا مصادف، فلم يزل يطلب إليه حتى ذهب من الليل أكثره، فأذن له فمضى، فقال : يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه؟ قلت : هذا، جُعلتُ فداك، فقال : إن الرجل يخرج من الذلّ الصغير فيدخله ذلك في الذلّ الكبير .

تعریض العاشرلأبی عبدالله(عليه السلام) وسلوکه معه

50- عنه ، عن أحمد بن محمد، عن الحجّال، عن حفص بن أبي عائشة قال : بعث أبو عبد الله(عليه السلام)غلاماً له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد الله(عليه السلام)على أثره لما أبطأ عليه فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه، فلما انتبه قال له أبو عبد الله(عليه السلام): يا فلان، والله ما ذاك لك ،تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار(1).

کیفیۀ معاشرۀ أبی عبدالله(عليه السلام)مع غلامه

٥١ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن حسان (عن)(2)أبي علي قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : لا تذكروا سرّنا بخلاف علانيتنا، ولا علانيتنا بخلاف سرّنا، حسبكم أن تقولوا ما نقول، وتصمتوا عما نصمت، إنكم قد رأيتم أن الله عز وجل لم يجعل لأحد من الناس في خلافنا خيراً، إن الله عز وجل يقول : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (3).

حديث الطبيب وبیان وجه التسمیۀ

(4)

فی أن غالب الأدواء له مادۀ فی الجسد

٥٢ _ محمد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال موسى(عليه السلام)یا رب؛ من أين الداء؟ قال: قال : فالشفاء؟ قال : مني، قال : فما يصنع عبادك بالمُعالِج ؟ قال : يطيب بأنفسهم، فيومئذ سُمّي المعالج الطبيب .

٥٣ _ عنه ، عن أحمد ،عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي أيوب، عن أبي عبد

ص: 76


1- وهذا منهم(عليه السلام)يدل على عظيم الحِلْم وقمة الرأفة بالضعفاء من الناس، كما يدل على مدى تواضعهم وسمو ّأخلاقهم حيث لم يكتف (عليه السلام)بعدم إيقاض غلامه وهو ملكه بل راح يروح له ليطمئن في منامه ! ! .
2- في بعض النسخ : عن حسّان بن أبي علي
3- النور/ ٦٣ .
4- الطبيب - في الأصل - كما يقول صاحب النهاية هو الحاذق بالأمور والعارف بها .

الله(عليه السلام)قال : ما من داء إلا وهو سارع(1)إلى الجسد، ينتظر متى يؤمر به فيأخذه . وفي رواية أخرى : « إلا الحمى فإنها ترد وروداً.

الإستشفاء بالبُرّ وکیفیتۀ

٥٤ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن زربي قال : مرضت بالمدينة مرضاً شديداً، فبلغ ذلك أبا عبد الله(عليه السلام)فكتب إلي : قد بلغني علتك ، فاشتر صاعاً من بر، ثم استلق على قفاك وانثره على صدرك كيفما انتثر وقل: اللهم إني أسألك باسمك الذي إذا سألك به المضطر كشفت ما به من ضر ، ومكنت له في الأرض، وجعلته خليفتك على خلقك، أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته وأن تعافيني من علّتي، ثم استو جالساً واجمع البرّ من حولك وقل مثل ذلك، وأقسمه مداً مُداً لكل مسكين وقل مثل ذلك ، قال :داود : ففعلت مثل ذلك، فكأنما نَشَطْتُ من عقال(2)وقد فعله غير واحد فانتفع به .

حديث الحوت على أيّ شيءٍ هو ؟

(3)

خلق الأرض وإرسال الماء المالح إلیها وأصل الخلق

٥٥ _ محمد، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : سألته عن الأرض على أي شيء هي؟ قال: الأرض على أي شيء هي ؟ قال : هي على حوت ، قلت : فالحوت على أي شيء هو ؟ قال : على الماء قلت فالماء على أي شيء هو ؟ قال : على صخرة، قلت: فعلى أي شيء الصخرة ؟ قال : على قرن ثور أملس، قلت: فعلى أي شيء الثور؟ قال : على الثرى : قلت فعلى أي شيء الثرى؟ فقال: هيهات عند ذلك ضلّ علم العلماء .

٥٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج ، عن زرارة، عن أحدهما(عليهم السلام) قال : إن الله عز وجل خلق الأرض ثم أرسل عليها الماء المالح أربعين صباحاً، والماء العذب أربعين صباحاً، حتى إذا التقت واختلطت(4)أخذ بيده قبضة فَعَرَكَها عَرْكاً(5)

ص: 77


1- في بعض النسخ: يسارع، والمعنى أن له طريقاً ينفذ منه إليه. وفي بعض النسخ: شارع.
2- أي خرجت منه .
3- لعله الحوت الذي قيل أنه بحر تحت الأرض وهي على ظهره. وقال صاحب الوافي : في هذا الحديث رموز إنما يعلمها من كان من أهلها .
4- أي أن أجزاء الأرض تألفت واجتمعت وامتزجت بتأثير الماء فيها .
5- أي دَلَكَها، وإنما فعل ذلك ليشتد التصاق بعضها ببعض ويستكمل الامتزاج بين أجزائها .

شديداً جميعاً، ثم فرقها فرقتين، فخرج من كل واحدة منهما عُنُقٌ مثل عُنُق(1)الذر، فأُخِذَ عُنُق إلى الجنة وعُنُقٌ إلى النار.

حديث الأحلام والحجّة على أهل ذلك الزمان

(2)

٥٧ - بعض أصحابنا، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن(عليه السلام)قال: إن الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت فقلت : وما العلة في ذلك؟ فقال : إن الله عز ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا(3)، فوالله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزنا عشيرة ، فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار، فقالوا: وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك، فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متّم، فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً، فأحدث الله عز وجل فيهم الأحلام، فأتَوْه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك، فقال: إن الله عز وجل أراد أن يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم إذا متم، وإن بليت أبدانكم تصير تصير الأرواح إلى عقاب حتى تُبعَثَ الأبدان.

رؤیا المؤمن فی آخر الزمان علی سبعین جزاً من أجزاء النبوۀ

٥٨ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: سمعته يقول: رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءاً من أجزاء النبوة(4).

سؤال النبی(صلی الله علیه وآله وسلم):«هل من مبشّرات»

٥٩ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد عن الرضا(عليه السلام)قال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان إذا أصبح قال لأصحابه : «هل من مبشرات»؟. يعني به الرؤيا .

تفسیر قوله تعالی :﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدنيا﴾

٦٠ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة(5)، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قال رجل لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): في قول الله عز وجل : ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ

ص: 78


1- العنق : الجماعة من الناس.
2- أي زمان حدوث تلك الأحلام .
3- أي فماذا عندك تعطيه لنا مقابل إيماننا بك وبدعوتك .
4- وقد أورد هذا الحديث بتفاوت يسير الصدوق في الفقيه ،2 ، 217 - باب ثواب زيارة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والأئمة(عليه السلام)، ذيل ح ٣٣ . وأسنده إلى الرضا(عليه السلام).
5- واسمه المفضّل بن صالح .

الدُّنْيَا ﴾(1) قال : هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيُبَشَّر بها في دنياه .

الرؤیا علی ثلاثۀ وجوه

٦١ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعد بن أبي خَلَف، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام(2).

الرؤیا الصادقۀ والکاذبۀ مخرجها من موضع واحد

٦٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبيه، عن النضر بن سُوَيد، عن دُرُسْت بن أبي منصور، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): جُعِلْتُ فداك ؛ الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما(3)من موضع واحد ؟ قال: صدقت أما الكاذبة (ال_) _مختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفَسَقَة، وإنما هي شيء يُخيّل إلى الرجل، وهي كا اذبة مخالفة لا خَيْر فيها، وأما الصادقة إذا رأها بعد الثُلُثَيْن من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السَّحَر فهي صادقة، لا تُخلِف إن شاء الله، إلا أن يكون جُنُباً، أو ينام على غير طهور، ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره، فإنها تختلف وتبطىء على صاحبها.

حديث الرِّياح وهی أربعۀ أقسام : الشمال والجنوب والصبا والدبور

٦٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، وهشام بن سالم، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)، عن الرياح الأربع: الشَمال والجنوب والصَّبا والدَّبور وقلت : إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة ، والجنوب من النار؟ فقال : إن الله عز وجل جنوداً من رياح يعذّبٍ بها من يشاء ممن عصاه، ولكل ريح منها مَلَك مُوَكِّل بها، فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب قوماً بنوع من العذاب، أوحى إلى المَلَك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها، قال : فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب ، قال :

إن لله عزوجل ریاح رحمۀ وریاح عذاب

ولكل ريح منهن اسم، أما تسمع قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ *إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ﴾(4)وقال : ﴿ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴾(5).

ص: 79


1- يونس / ٦٤ .
2- الصغث : التباس الشيء بالشيء، وضعت الحديث ضغثاً : خلطه ومنه قيل : أضغاث من الأخبار، أي ضروب منها، وأضغاث الأحلام ما يدخل بعضها في بعض ولبست كالصحيحة ولا تأويل لها لعدم تبيّنها .
3- أي خروجهما، فالمخرج هنا مصدر.
4- القمر / ١٩ وصرصراً : أى شديدة عاصفة .
5- الذاريات / ٤١ . والريح العقيم : الشديدة التي لا تلقّح شيئاً .

وقال : ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾(1)وقال : ﴿ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ﴾(2)وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه ، قال : والله عز ذكره رياح رحمة لواقح ، وغير ذلك، ينشرها بين يدي رحمته، منها ما يهيج السحاب للمطر، ومنها رياح تحبس السحاب بین السماء والأرض ورياح تعصر السحاب فتمطره بإذن الله ، ومنها رياح مما عدد الله في الكتاب، فأما الرياح الأربع : الشمال والجنوب والصَّبا ،والدبور ، فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها، فإذا أراد الله أن يهب شمالاً أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام(3) فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر، وإذ أراد الله أن يبعث جنوباً ، أمر الملك الذي اسمه الجنوب، فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه، فتفرقت ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله ، وإذا أراد الله أن يبعث ريح الصَّبا، أمر الملك الذي اسمه الصَّبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الصباحيث يريد الله جل وعز في البر والبحر، وإذا أراد الله أن يبعث دبوراً ، أمر الملك الذي اسمه الدَّبُور فهبط على البيت الحرام. فقام على الركن الشامي، فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله في البر والبحر، ثم قال أبو جعفر(عليه السلام)اما تسمع تسمع لقوله: «ريح الشمال وريح الجنوب وريح الدبور وريح الصبا، إنما تضاف إلى الملائكة الموكلين بها»(4).

٦٤ _ عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل رياح رحمة ورياح عذاب، فإن شاء الله أن يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل، قال : ولن يجعل الرحمة من الريح عذاباً، قال: وذلك أنه لم يرحم قوماً قطّ أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالاً عليهم إلا من بعد تحوّلهم عن طاعته، قال : وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا، رحمهم الله بعدما كان قدّر عليهم العذاب وقضاه، ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة، فصرفه عنهم، وقد أنزله عليهم وغشيهم، وذلك لما آمنوا به وتضرعوا إليه(5)، قال : وأما الريح العقيم : فإنها ريح عذاب

ص: 80


1- الأحقاف / ٢٤ .
2- البقرة/ ٢٦٦ . والإعصار: الريح الشديدة العاصف فيها سموم حارة .
3- لعل أمره بالهبوط على البيت الحرام ليحرك ريحاً من الأربع لكونه موضع رحمته وإفاضته نظراً لقداسته وتشرفه بالانتساب إليه سبحانه .
4- أخرج هذا الحديث بتفاوت قليل الصدوق في الفقيه 1 ، 81 - باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح و . . . . ح 17 . وفيه : الركن اليماني ، بدل الشامي في جميع المواضع.
5- ذكر قصة ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره فراجع 317/10 - 318 . وكذا راجع بحار الأنوار للمجلسي

لا تلقّح شيئاً من الأرحام، ولا شيئاً من النبات، وهي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع، وما خرجت منها ريح قطّ إلا على قوم عاد(1)، حين غضب الله عليهم، فأمر الخزّان أن يخرجوا منها على مقدار سعة الخاتم ، قال : فعتت على الخزّان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظاً منها على قوم عاد ، قال : فضجّ الخزان إلى الله عز وجل من ذلك فقالوا : ربنا إنها قد عتَتْ عن أمرنا ، إنا نخاف أن تهلك من لم يعصِكَ من خَلْقِكَ وعُمّارِ بلادِك ،قال : فبعث الله عز وجل إليها جبرئيل(عليه السلام)فاستقبلها بجناحيه فردها إلى موضعها وقال لها : اخرجي على ما أمرت به، قال : فخرجت على ما أمرت وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم .

علاج الهم والفقر والسقم

٦٥ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): « من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر الحمد لله ، ومن كثرت همومه فعليه بالاستغفار، ومن أَلَحّ عليه الفقر فليكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ينفي عنه الفقر »، وقال : فقد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)رجلا من الأنصار، فقال: «ما غَيْبَكَ عنا»؟ فقال: الفقر يا رسول الله وطول السقم، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «ألا أعلّمك كلاماً إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم»؟ فقال : بلى يا رسول الله ، فقال : إذا أصبحت وأمسيت فقل : (لا حول ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم]، توكلت على الحي الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريك في المُلْك ولم يكن له وليُّ من الذل وكبره تكبيراً، فقال الرجل : فوالله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عني الفقر والسقم .

فی معنی ذوی القربی

٦٦ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحَكَم،عن إسماعيل بن عبد الخالق قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول لأبي جعفر الأحول(2)وأنا أسمع : أتيتَ البصرة ؟ فقال : نعم ، قال : كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر(3)ودخولهم فيه؟ قال : والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا وإن ذلك لقليل ، فقال : عليك بالأحداث (4)فإنهم أسرع إلى كل خيرِ، ثم قال : ما يقول أهل البصرة في هذه الآية :﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(5)؟ قلت : جُعِلْتُ فِداك ، إنهم يقولون : إنها لأقارب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال: كذبوا، إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (عليهم السلام).

ص: 81


1- قال تعالى في سورة الحاقة / ٦-8 : ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾. حسوماً : أي مواطع مستأصلات .
2- واسمه محمد بن علي بن النعمان لُقب بمؤمن الطاق ولقبه العامة شيطان الطاق .
3- أي التشيّع .
4- أي صغار السن.
5- الشورى / ٢٣ .

حديث الرجل الشاميّ مع أبي جعفر(عليه السلام)وما سأله عنه

٦٧ - عنه ، عن أحمد بن محمد ،عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن داود، عن محمد بن عطية قال: جاء رجل إلي أبي جعفر(عليه السلام)من أهل الشام من علمائهم فقال : يا أبا جعفر، جئت أسألك عن مسألة قد أُعْيَتْ (1)على أن أجد أحداً يفسرها، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف(2)من الناس، فقال كل صنف منهم شيئاً غير الذي قال الصنف الآخر، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): ما ذاك؟ قال: فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه، فإن بعض من سألته قال: القدر، وقال بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح ، فقال أبو جعفر(عليه السلام): ما قالوا شيئاً، أخبرك أن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره، وكان عزيزاً، ولا أحد كان قبل عزّه، وذلك قوله: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ (3)، وكان الخالق قبل المخلوق، ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء، إذاً لم يكن له انقطاع أبداً(4)،

کان کل شیء ماءاً وکان عرشه تعالی علی الماء

ولم يزل الله إذاً ومعه شيء ليس هو يتقدمه، ولكنه كان إذ لاشيء غيره، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه، فجعل نسب كل شيء إلى الماء، ولم يجعل للماء نسباً يُضاف إليه، وخلق الريح من الماء، ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زَبَدٌ على قدر ما شاء أن يثور، فخلق من ذلك الزبد أرضاً بيضاء نقية ليس فيها صدْع(5) ولا ثقب(6)، ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق الله النار من الماء، فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماءاً صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله :﴿ السَّمَاءُ بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾(7)قال : ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب، ثم طواها فوضعها فوق الأرض ، ثم نسب الخليقتين(8)، فرفع السماء قبل الأرض، فذلك قوله عز

ص: 82


1- أعيته : أعجزته .
2- يحتمل أنه سأل علماء الأديان الثلاثة الإسلام واليهودية والنصرانية، كما يحتمل أنه سأل الحكماء والمتكلمين والعلماء من أهل الإسلام خاصة .
3- الصافات / 180 .
4- «إذ يعود الكلام إلى الشيء الأول فيحتاج هو أيضاً إلى مثال متقدم» المازندراني 11/12.
5- الصدع: الشق .
6- في بعض النسخ: نَقْبَ، في جميع المواضع .
7- النازعات / 27 - 29 . سَمْكَها : ارتفاعها . أغْطَشَ ليلها : أظْلَمَ ليلها .
8- أي رتبهما في الوضع وجعل إحداهما فوق الأخرى، أو بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله : والأرض بعد ذلك دحاها، فبيّن أن دَحْوَ الأرض بعد رفع السماء المجلسي في مرآة العقول، ٢٢٩/٢٥ .

ذكره﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(1)يقول : بسطها، فقال له الشامي : يا أبا جعفر ؛ قول الله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾(2)، فقال له أبو جعفر(عليه السلام) :فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقاً ملتزقتين ملتصقتين، ففتقت إحداهما من الأخرى؟ فقال : نعم ، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إستَغْفِر ربك، فإن قول الله جل وعز: ﴿كانتا رتقا ﴾يقول : كانت السماء رتقاً لا تنزل المطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت الحب، فلما خلق الله تبارك وتعالى الخلق، وبث فيها من كل دابة، فتق السماء بالمطر، والأرض بنبات الحب، فقال الشامي : أشهد أنك من ولد الأنبياء، وأن عِلْمَكَ عِلْمُهُم .

٦٨ _ محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم ،والحجّال، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر(عليه السلام): كان كل شيء ماءاً وكان عرشه على الماء، فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم ناراً، ثم أمر النار فخمدت، فارتفع من خمودها دخان ، فخلق الله السماوات من ذلك الدخان، وخلق الأرض من الرماد ، ثم اختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء : أنا جند الله الأكبر، وقالت الريح : أنا جند الله الأكبر، وقالت النار : أنا جند الله الأكبر، فأوحى الله عز وجل إلى الريح : أنت جندي الأكبر .

حديث الجنان والنُّوق ووصف أهل الجنۀ

(3)

٦٩ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمد بن إسحاق المدني، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سئل عن قول الله عز وجل : ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾(4)، فقال : يا علي ؛ إن الوفد لا يكونون إلا ركباناً، أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله ، واختصهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتقين ، ثم قال له : «يا علي ؛ أما والذي فَلَقَ الحبة وبرأ النسمة، إنهم ليخرجون من قبورهم ،وأن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز(5)، عليها رحائل(6)الذهب مكلّلة بالدر والياقوت» وجلائلها(7) الاستبرق والسندس(8)، وخُطُمُها (9)

ص: 83


1- النازعات / ٣٠ .
2- الأنبياء / 30 رتقاً: أي متصلتين.
3- النوق: جمع ناقة. وقد قال العلامة المجلسي في المرآة أن هذا الحديث مجهول .
4- مريم / ٨٥ وفداً : أي وافدين عليه رُكباناً ليثيبهم .
5- أي هي نوق عزيزة في نفسها، أو أنه يعزّ من يركب عليها وقد خُلقت لذلك .
6- رحائل : جمع رحال، وهو شيء يوضع على سنام البعير للركوب كالسرج للفرس.
7- جلائلها جمع جلال، وهو ما يجلل به بدن الدابة ويستر.
8- الإستبرق : الديباج الغليظ السُندس : ما رق من الديباج .
9- خُطْمها: جمع خطام وهو الزمام : والجَدْل : القتل المحكم.

جَدْل الأرجوان، تطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدّامه، وعن يمينه، وعن شماله ، يزفّونهم زفّاً حتى ينتهوا إلى باب الجنة الأعظم، وعلى باب الجنة شجرة أن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس، وعن يمين الشجرة عين مطّهرة مزكية ، قال : فيُسقون منها شربة شربة فيطهّر الله بها قلوبهم من الحسد، ويسقط من أبشارهم الشعر، وذلك قول الله عز وجل :﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾(1)من تلك العين المطهرة، قال: ثم ينصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة، فيغتلسون فيها، وهي عين الحياة فلا يموتون أبداً، قال: ثم يوقف بهم قدّام العرش وقد سَلِمُوا من الآفات والاسقام والحر والبرد أبداً، قال: فيقول الجبار جلّ ذكره للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنة، ولا توقفوهم مع الخلائق، فقد سبق رضاي عنهم، ووجبت رحمتي لهم، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات، قال: فتسوقهم الملائكة إلى الجنة ، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم، ضرب الملائكة الحلقة ضربة فتصرّ صريراً يبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدّها الله عز وجل لأوليائه في الجنان، فيتباشرون بهم إذا سمعوا صرير الحلقة، فيقول بعضهن البعض: قد جاءنا أولياء الله، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة، وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين، فيقلن : مرحباً بكم، فما كان أشدّ شَوْقِنا إليكم، ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك، فقال علي(عليه السلام): يا رسول الله ؛ أخبرنا عن قول الله جل وعز : ﴿غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ﴾(2)بماذا بنيت يا رسول الله ؟ فقال يا علي ؛ تلك غُرَف بناها الله عز وجل لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد، سقوفها الذهب محبوكة بالفضة، لكل غرفة منها ألف باب من ذهب، على كل باب منها ملك موكّل به، فيها فُرُشُ مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة، وحَشْوُها المسك والكافور والعنبر، وذلك قول الله عز وجل : ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾(3)، إذا أدخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووُضِعَ على رأسه تاج الملك والكرامة، البِسَ حللَ الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الاكليل تحت التاج ، قال : وألْبِسَ سبعين حلّة حرير بألوان مختلفة، وضروب مختلفة، منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر، فذلك قوله عز وجل :﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾(4)، فإذا جلس المؤمن على سريره، اهتز سريره فَرَحاً ، فإذا استقر لولي الله جل وعز منازله في الجنان، استأذن عليه الملك

ص: 84


1- الإنسان/ 21 .
2- الزمَر / ٢٠ .
3- الواقعة / ٣٤ .
4- الحج / ٢٣ .

الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله عز وجل إياه، فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف: مكانَك، فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته وزوجته الحوراء تُهيَّأ له، فاصبر لولي الله ، قال : فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلةً وحولها وصائفها، وعليها سبعون حُلّة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد، وهي من مسك وعنبر، وعلى رأسها تاج الكرامة، وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ، شراكهما(1)ياقوت أحمر، فإذا دنت من ولي الله فَهَمَّ أن يقوم إليها شوقاً فتقول له : يا ولي الله ، ليس هذا يوم تعب ولا نصب، فلا تقم، أنا لك وأنت لي ، قال : فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملُّها ولا تملُّه، قال: فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة، نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قَصَب من ياقوت أحمر، وسطها لوح صفحته درّة مكتوب فيها : أنت يا ولي الله حبيبي، وأنا الحوراء حبيبتك، إليك تناهَتْ نفسي، وإليَّ تناهت(2)نفسك، ثم يبعث الله إليه ألف مَلَك يهنئونه بالجنة ويزوّجونه بالحوراء، قال: فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه : إستأذن لنا على ولي الله ، فإن الله بعثنا إليه نهنئه، فيقول لهم الملك : حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم ، قال : فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان، حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا ولي الله ، وقد سألوني أن أذن لهم عليه ، فيقول الحاجب : إنه ليعظم عليَّ أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو مع زوجته الحوراء، قال : وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان، قال : فيدخل الحاجب إلى القيّم فيقول له : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن لهم، فيتقدم القيّم إلى الخدام فيقول لهم : إن رسل الجبّار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون ولي الله فأعلموه بمكانهم، قال: فيعلمونه، فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب، وعلى كل باب من أبوابها مَلَك موكل به، فإذا أُذن للملائكة بالدخول على ولي الله ، فتح كل ملك بابه الموكل به ، قال : فيدخل القيّم كل ملك من باب من أبواب الغرفة ، قال : فيبلّغونه رسالة الجبار جل وعز، وذلك قول الله تعالى : ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ( من أبواب الغرفة )سلام عليكم - إلى آخر الآية- ﴾(3)قال : وذلك قوله جل وعز : ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾(4)يعني بذلك ولي الله وما هو فيه من

ص: 85


1- الشراك: سير النعل .
2- التناهي : بلوغ كل شيء حده الأقصى
3- الرعد/ ٢٣ - ٢٤ . وتتمة الآية :﴿ بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾
4- الإنسان / ٢٠

الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير، إن الملائكة من رُسُل الله عز ذكره، يستأذنون (في الدخول) عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه، فلذلك الملك العظيم الكبير . قال : والأنهار تجري من تحت مساكنهم ، وذلك قول الله عز وجل: ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾(1)، والثمار دانية منهم وهو قوله عز وجل :﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴾(2)من قربها منهم، يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكىء، وإن الأنواع من الفاكهة ليقُلْن لولي الله : يا ولي الله كُلْني قبل أن تأكل هذا قبلي، قال: وليس من مؤمن في الجنة إلا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات، وأنهار من خمر، وأنهار من ماء، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل، فإذا دعا ولي الله بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير أن يسمي شهوته ، قال : ثم يتخلّى مع إخوانه ويزور بعضهم بعضاً، ويتنعمون في جناتهم في ظل ممدود في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وأطيب من ذلك لكل مؤمن سبعون زوجة حوراء، وأربع نسوة من الآدميين، والمؤمن ساعة مع الحوراء وساعة مع الآدمية، وساعة يخلو بنفسه على الأرائك متكئاً ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وإن المؤمن ليغشاه شعاع نور وه_م على أريكته ويقول لخدّامه : ما هذا الشعاع اللامع، لعل الجبار لحظني ؟ فيقول له خدّامه : قدّوس قدّوس، جل جلال الله ، بل هذه حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد قد أشرفت عليك من خيمتها شوقاً إليك، وقد تعرضت لك وأحبت لقائك، فلما أن رأتك متكئاً على سريرك تبسمت نحوك شوقاً إليك، فالشعاع الذي رأيت والنور الذي غَشِيَك هو من بياض ثغرها وصفائه ونقائه ورقّته، قال : فيقول ولي الله : إندنوا لها فتنزل إليّ، فيبتدر إليها ألف وصيف وألف وصيفة يبشرونها بذلك، فتنزل إليه من خيمتها وعليها سبعون حلّة منسوجة بالذهب والفضة، مكلّلة بالدر والياقوت والزبرجد، صبغهن المسك والعنبر بألوان مختلفة، يرى مخُّ ساقها من وراء سبعين حلة، طولها سبعون ذراعاً، وعرض ما بين منكبيها عشرة أذرع ، فإذا دنت من ولي الله، أقبل الخدام بصحائف الذهب والفضة، فيها الدر والياقوت والزبرجد فينثرونها عليها ثم يعانقها وتعانقه فلا يملّ ولا تملّ.

قال : ثم قال أبو جعفر(عليه السلام): أما الجنان المذكورة في الكتاب(3)، فإنهن جنة عدن(4)،

ص: 86


1- يونس/ ٩. وفى أماكن كثيرة متفرقة .
2- الإنسان / ١٤ .
3- أي في القرآن .
4- قال تعالى : ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ 72 التوبة، واللفظ في ٢٣ / الرعد و 31 / النحل. و ٣١ / الكهف وغيرها. وجنات عدن أي جنات استقرار واطمئنان .

وجنة الفردوس(1)، وجنة نعيم(2)، وجنة المأوى(3)، قال : وإن الله عز وجل جناناً محفوفة بهذه الجنان، وإن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحب واشتهى ، يتنعم فيهن كيف (ي_) _شاء ، وإذا أراد المؤمن شيئاً أو اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد أن يقول : سبحانك اللهم(4)، فإذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به، وذلك قول الله عز وجل :﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾(5)يعني الخدام ، قال : ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾(6)يعني بذلك عندما يقضون من لذّاتهم من الجماع والطعام والشراب، يحمدون الله عز وجل عند فراغهم ، وأما قوله :﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴾(7)، قال : يعلمه الخدّام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله عز وجل:﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴾(8)قال : فإنهم لا يشتهون شيئاً في الجنة إلا أَكرِموا به.

کلامهم (عليه السلام)علی سبعین وجهاً لهم منها المخرج

٧٠ _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال : قيل لأبي جعفر(عليه السلام)- وأنا عنده - : إن سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك أنك تكلّم على سبعين وجها لك منها المخرج؟ فقال : ما يريد سالم مني ، أيريد أن أجيء بالملائكة، والله ما جاءت بهذا النبيون، ولقد قال إبراهيم(عليه السلام):﴿ إني سقيم﴾(9)وما كان سقيماً وما كَذَب ، ولقد قال إبراهيم(عليه السلام):

﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ (10)وما فعله وما كَذَب ولقد قال يوسف(عليه السلام): ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾(11)، والله ما كانوا سارقين وما كَذَب.

ص: 87


1- قال تعالى :﴿ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ 107 / الكهف وغيرها والفردوس : الوادي الخصيب، أو الروضة . الخ .
2- قال تعالى : ﴿ولأدخلناهم جنات النعيم﴾ ٦٥ المائدة واللفظ في /21 التوبة والنعيم : كل ما يتنعم به ويُتلذذ من مطعم ومفرش ومركب وغير ذلك .
3- قال تعالى : ﴿ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ١٩ السجدة و ١٥ / النجم و ٤١/٣٩ / النازعات. والمأوى : اسم للمكان الذي يؤوى إليه .
4- قال أمين الدين الطبرسي : يقولون ذلك لا على وجه العبادة، لأنه ليس هنالك تكليف بل يلتذون بالتسبيح» مرأة العقول للمجلسي ٢٤٠/٢٥
5- يونس / ١٠ .
6- يونس / ١٠ .
7- الصافات / ٤١ - ٤٢ .
8- الصافات / ٤١ - ٤٢ .
9- الصافات / 89
10- الأنبياء / ٦٣ .
11- يوسف / 70 .

حديث أبي بصير مع المرأة

(1)

71 - أبان ، عن أبي بصير قال : كنت جالساً عند أبي عبد الله(عليه السلام)، إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر(2)تستأذن عليه ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أيسرّكَ أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت نعم قال : فأُذَنْ لها، قال: وأجلسني معه على الطُنفُسة(3)قال : ثم دخَلَتْ فتكلّمتْ فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما(4)، فقال لها : تَوَلّيهما(5)؟ قالت : فأقول لربي إذا لقيته : إنك أمرتني بولايتهما قال نعم قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النَّوا(6)يأمرني بولايتهما، فأيهما خير وأحب إليك؟ قال : هذا والله أحب إلي من كثير النوا وأصحابه، إن هذا تخاصم فيقول :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾(7) ،﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالمون﴾(8)، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾(9).

الناصب لأهل البیت شرّ من تارک الصلاۀ

72 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمر بن ابان، عن عبد الحميد الوابشي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قلت له : إن لنا جارا ينتهك المحارم كلها، حتى أنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها ؟ فقال : سبحان الله ، وأعْظَمَ ذلك(10)، ألا أخبركم بمن هو شرّ منه؟ قلت بلى قال : الناصب لنا شر منه ، أما أنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرقّ لذكرنا ،إلا مسحت الملائكة ظهره، وغفر له ذنوبه كلها، إلا أن يجيء بذنب يخرجه من الإيمان، وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب، وإن المؤمن ليشفع لجاره ومالَهُ حسنة، فيقول : يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه، فيقول الله تبارك وتعالى : أنا ربك وأنا أحق من كافاً عنك، فيدخله الجنة وما له من حسنة، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً ، فعند ذلك يقول أهل النار : ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ

ص: 88


1- قال العلامة المجلسي في مرآته إن هذا الحديث ضعيف .
2- خلف الحجاج في ولايته على العراق .
3- قال في النهاية :الطنفسة : هي بكسر الطاء والفاء وبضمهما، وبكسر الطاء وفتح الفاء، البساط الذي له خمل رقيق .
4- أي عن أبي بكر وعمر .
5- أنما قال لها (عليه السلام)ذلك تقية .
6- «قيل : إنه عامي ، وقيل : زيدي وتنسب إليه الفرقة البترية من الزيدية لكونه أبتر اليد فسمي التابعون له بترية، وهم قائلون بخلافة الثلاثة »المازندراني 27/12 .
7- المائدة/ ٤٤ و ٤٥ و ٤٧ .
8- المائدة/ ٤٤ و ٤٥ و ٤٧ .
9- المائدة/ ٤٤ و ٤٥ و ٤٧ .
10- أي اعتبر فعله عظيماً في القبح شنيعاً .

صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ (1).

من استخفّ بمؤمن فیهم، ومن ذبّ عنهم(عليه السلام)

73 -محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين ،عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عُقبة، عن أبي هارون، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال لنفر عنده _ وأنا حاضر _ ما لكم تستخفّون بنا؟ قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال : معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك، فقال: بلى، إنك أحد من استخفّ بی ،فقال : معاذ لوجه الله أن استخف بك ، فقال له : ويحَكَ، أَوَلَمْ تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك : احملني قدر ميل فقد والله أعييت، والله ما رفعت به رأساً(2)، ولقد استخففت به، ومن استخف بمؤمن فَبِنَا استخفّ وضيّع حرمة الله عز وجل(3).

حدیث عبدالرحمن مع أبی عبدالله(عليه السلام)

٧٤ - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوساء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل منَّ علينا بأن عَرَّفَنا توحيده، ثم منَّ علينا بأن أقررنا بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)بالرسالة ، ثم اختصّنا بحبكم أهل البيت، نتولاكم ونتبرأ من عَدوَّكم، وإنما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار، قال: ورققْتُ فبكيتُ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): سَلَّني ، فوالله لا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به(4)، قال : فقال له عبد الملك بن أَعْيَن : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك، قال: قلت: خبرني عن الرجُلَين؟ قال : ظلمانا حقّنا في كتاب الله عز وجل، ومنعا فاطمة صلوات الله عليها ميراثها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم، قال - وأشار إلى خلفه-(5)ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما.

٧٥ - وبهذا الإسناد، عن ابان، عن عُقبة بن بشير الأسدي، عن بن بشير الأسدي ، عن الكُمَيْتِ بن زيد الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فقال : والله يا كُمَيْت؛ لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لحسان بن ثابت : لن يزال معك روح القدس(6)ما ذَبَبْتَ عنا ، قال : قلت : خَبِّرني عن الرجلين؟ قال: فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال : والله يا كُميت؛ ما

ص: 89


1- الشعراء / 100 و 101 . هذا وقد قال المجلسي في المرآة عن هذا الحديث إنه مجهول
2- كناية عن عدم الاعتناء به وبطلبه .
3- رمى المجلسي في المرأة هذا الحديث بالضعف وكذلك الحديث التالي له .
4- فيه دلالة على اطلاعه(عليه السلام)على إخلاصه وصدقه في ولائه ولذا فلا يتعامل معه بالتقية .
5- هذا تمثيل منه (عليه السلام) لكيفية النبذ وراء الظهر ونبذهما للكتاب وراء ظهورهما كناية عن الإعراض عنه وعدم العمل بما فيه
6- المراد بروح القدس : جبرئيل(عليه السلام)، وهذا يدل على أنه(عليه السلام)قد ينفث أحياناً في أرواح غير الأنبياء والأئمة (عليهم السلام). والمقصود بالمعية هنا الإمداد بالإلهام للمعاني الشعرية الراقية ما دام الذب عنهم(عليهم السلام)مقصوداً . والمراد بالذب: مدحهم(عليهم السلام) ودفع هجاء الآخرين لهم بذلك وبهجو أعدائهم ومخالفيهم .

أُهريق مِحْجَمَة(1)من دم ،ولا أخذ مال من غير حلّه، ولا قُلبَ حجر عن حجر(2)إلا ذاك في أعناقهما(3).

ما قال عمر لعلی بن أبی طالب (عليه السلام)فی بنی أمیۀ

٧٦ - وبهذا الإسناد، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي العباس المكي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إن عمر لقي علياً صلوات الله عليه فقال له: أنت الذي تقرأ هذه الآية : ﴿بأيكُم المفتون﴾(4)وتُعَرِّض بي وبصاحبي ؟ قال : فقال له : أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أمية : ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾(5)، فقال : كذبت، بنو أمية أوصلُ للرحم منك، ولكنك أَبَيْتَ إلا عداوة لبني تَيْمٍ وبني عَدي وبني أمية .

فی قوله تعالی:﴿ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾

77 - وبهذا الإسناد، عن أَبَان بن عثمان ، عن الحَرْث النصري قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله عز وجل :﴿ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا ﴾(6)قال : ما يقولون في ذلك؟ قلت : نقول هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة ،قال : ثم قال : هي والله قريش قاطبة، إن الله تبارك وتعالى خاطب نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : إني فضّلت قريشاً على العرب، وأتممت عليهم نعمتي، وبعثت إليهم رسولي ، فبدلوا نعمتي كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار .

نزول قوله تعالی :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾

78 - وبهذا الإسناد ،عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عليه السلام)أنهما قالا : إن الناس لمّا كذَّبوا برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا علياً فما سواه بقوله: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ﴾(7)، ثم بدا له فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه (صلی الله علیه وآله وسلم): ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(8).

79 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت علي بن الحسين(عليه السلام)يحدّث في مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : حدثني أبي ، أنه سمع أباه علي بن أبي طالب(عليه السلام)

ص: 90


1- المِحْجَمَة ما يحتجم به ، والمقصود مقدار ما يملأها دماً، والمقصود ما يهراق من الدم ظلماً.
2- كناية عن اضطراب الأمور ووقوع الهرج والمرج بسبب عدم وضع الأشياء كما رتبها الله سبحانه على لسان رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم).
3- والحديث ضعيف عند المجلسي رحمه الله كما نص عليه في مرآة العقول. وكذلك الحديث الذي يليه .
4- القلم / ٦ . والمفتون - هنا - : المجنون .
5- محمد ٢٢. فهل عسيتم : أي فلعلكم .
6- إبراهيم / 28 . وتتمتها وأحلوا قومهم دار البوار .
7- الذاريات / ٥٤ - ٥٥ . هذا وقد ضعّف المجلسي هذا الحديث في مرآته .
8- الذاريات / ٥٤ - ٥٥ . هذا وقد ضعّف المجلسي هذا الحديث في مرآته .

احوال یوم القیامۀ وبَعْث الخلایق

يحدّث الناس قال : إذا كان يوم القيامة ، بَعَثَ اللَّهُ تبارك وتعالى الناس من حفرهم عُزلاً (1)، بُهماً(2)، جُرْداً مُرْداً(3)في صعيد واحد، يسوقهم النور، وتجمعهم الظلمة، حتى يقفوا على عَقَبَة المحشر، فيركب بعضهم بعضاً ويزدحمون دونها فَيُمْنَعُونَ من المضي، فتشتد أنفاسهم، ويكثر عرقهم، وتضيق بهم أمورهم ، ويشتد ضجيجهم، وترتفع أصواتهم ، قال : وهو أول هول من أهوال يوم القيامة ، قال : فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة، فيأمر ملكاً من الملائكة فينادي فيهم : يا معشر الخلائق انصتوا واستمعوا منادي الجبار، قال : فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، قال : فتنكسر أصواتهم عند ذلك، وتخشع أبصارهم، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت :﴿ مُهطِعينَ إلى الداعي﴾(4)قال : فعند ذلك يقول الكافر : ﴿هذا يوم عَسِر ﴾(5)قال : فيشرف الجبار عز وجل الحكم العدل عليهم فيقول : أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لا يجور، اليومَ أحكم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يُظْلم اليوم عندي أحد، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه، ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات. يجب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ولأحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها صاحبها ، وأثيبه عليها وأخذ له بها عند الحساب، فتلازموا أيها الخلائق، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا، وأنا شاهد لكم عليهم وكفى بي شهيداً .

قال : فيتعارفون ويتلازمون ، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه بها ، قال : فيمكثون ما شاء الله ، فيشتد حالهم ويكثر عرقهم ويشتد غمهم وترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها ، قال : ويطلع الله عز وجل على جهدهم، فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى - يسمع آخرهم كما يسمع أولهم- : يا معشر الخلائق، أنصتوا لداعي الله تبارك وتعالى، واسمعوا، إن الله تبارك وتعالى يقول (لكم) : أنا الوهّاب إن أحببتم أن تَواهَبوا فتواهبو، وإن لم تَواهَبوا أخذت لكم بمظالمكم، قال : فيفرحون بذلك لشدة جهدهم وضيق مسلكهم وتزاحمهم، قال: فَيَهَبُ بعضُهم مظالمهم رجاء أن يتخلّصوا مما هم فيه،

ص: 91


1- في بعض النسخ غُرُلا . وبه أورد بعض العامة الحديث والأغرل: الأغلف الغير المختون. والأعزل: مفرد العُزل هو الوحيد الفريد المجرد من كل سلاح وغيره .
2- البهم : جمع بهيم وهو أصلاً الذي لا يخالط لونه لون سواه ، يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا كالعمى والعَور والعرج وغير ذلك وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار» مرآة العقول للمجلسي 253/25 نقلا عن الجزري في النهاية.
3- الأجرد : هو الذي ليس على بدنه شعر والأمرد هو الشاب الذي لم تنبت لحيته .
4- القمر / 8 مهطعين إلى الداع : أي مسرعين بنظرهم قبل داعيهم .
5- القمر / 8 مهطعين إلى الداع : أي مسرعين بنظرهم قبل داعيهم .

ويبقى بعضهم فيقول : يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها، قال: فينادي مناد من تلقاء العرش : أين رضوان خازن الجنان جنان الفردوس، قال : فيأمره الله عز وجل أن يطلع من الفردوس قصراً من فضة بما فيه من الأبنية والخدم قال فيطلعه عليهم في حفافة القصر(1)الوصائف والخدم قال : فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى : يا معشر الخلائق، إرفعوا رؤوسكم فانظروا إلى هذا القصر، قال : فيرفعون رؤوسهم فكلّهم يتمنّاه ، قال : فينادي مناد من عند الله تعالى : يا معشر الخلائق، هذا لكل من عفى عن مؤمن، قال : فيعفون كلهم إلا القليل، قال : فيقول الله عزوجل: لايجوز إلى جنتي اليوم ظالم، ولا يجوز إلى ناري اليوم ظالم ولأحد من المسلمين عنده مظلمة حتى يأخذها منه عند الحساب، أيها الخلائق استعدوا للحساب، قال: ثم يخلّي سبيلهم فينطلقون إلى العقبة، يطرد(2)بعضهم بعضاً حتى ينتهوا إلى العرصة، والجبار تبارك وتعالى على العرش، قد نُشِرت الدواوين ونُصِبَت الموازين وأُحضر النبيون والشهداء : وهم الأئمة، يشهد كل إمام على أهل عالمه بأنه قد قام فيهم بأمر الله عز وجل، ودعاهم إلى سبيل الله ، قال : فقال له رجل من قريش: يابن رسول الله، إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة أي شيء يأخذ من الكافر وهو من أهل النار؟ قال: فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ماله على الكافر، فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذاباً بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة .

قال : فقال له القرشي : فإذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف تؤخذ مظلمته من المسلم ؟ قال : يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم فتزاد على حسنات المظلوم ، قال : فقال له القرشي : فإن لم يكن للظالم حسنات ؟ قال : إن لم يكن للظالم حسنات، فإن للمظلوم سيئات يؤخذ من سيئات المظلوم فتزاد على سيئات الظالم(3)

من أحب أهل البیت (عليهم السلام)کان معهم یوم القیامۀ

80 - أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبّار ، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنهم قالوا حين دخلوا عليه : إنما أحببناكم لقرابتكم من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولما أوجب الله عز وجل من حقكم، ما أحببناكم للدنيا نصيبها منكم إلا لوجه الله والدار الآخرة، وليصلح لامرىء(4)منا دينه ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): صَدَقتم ، صَدَقتم، ثم قال: من أحبنا كان معنا(5)أو جاء معنا يوم

ص: 92


1- أي جوانبه وأطرافه
2- في بعض النسخ: يكرد : يعني يدفع ويطرد .
3- هذا وقد ضعف المجلسي في المرآة هذا الحديث .
4- أي لكل امرىء منا .
5- الترديد من الراوي .

القيامة هكذا، ثم جمع بين السبابتين، ثم قال : والله لو أن رجلا صام النهار وقام الليل، ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا أهل البيت، لَلَقِيه وهو عنه غير راض أو(1)ساخط عليه، ثم قال : وذلك قول الله عز وجل : ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ *فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾(2)، ثم قال : وكذلك الإيمان لايضر معه العمل(3)، وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل(4) ، ثم قال : إن تكونوا وحدانيين(5)فقد كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وحدانياً يدعو الناس فلا يستجيبون له، وكان أول من استجاب له علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):« أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي »(6).

ردٌّ علی من زعم دن الکمال کله فی عفۀ البطن والفرج

81 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام) لعبّاد بن كثير(7)البصري الصوفي : وَيْحَكَ يا عبّاد غَرّك إن عفّ بطنك وفَرْجُك، إن الله عز وجل يقول في كتابه :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ (8)إعلم أنه لا يتقبل الله منك شيئاً حتى تقول قولاً عدلاً (9).

82 - يونس، عن علي بن شجرة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: لله عز وجل في بلاده خمس حُرَم(10): حرمة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وحرمة آل رسول الله(عليهم السلام)، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة المؤمن(11).

ص: 93


1- الترديد من الراوي أيضاً.
2- التوبة / ٥٤ و ٥٥ . وتزهق : وتخرج .
3- أي بحيث يصير سبيبا لخلوده في النار، أو لعدم استحقاقه الشفاعة والرحمة مرآة العقول للمجلسي ، ٢٥٩/٢٥
4- أي نفعاً يوجب خلاصه من العذاب أو استحقاقه الشفاعة والمغفرة ويحتمل أن يكون المراد بالعمل هنا العبادات لاشتراطها بالإيمان .ن .م.
5- أي منفردين في أمر الإمامة دون غيركم من بقية الخلق .
6- وقد وثق المجلسي في المرآة هذا الحديث بطوله .
7- وكان عاد صوفيا منحرفاً عن أهل البيت(عليهم السلام).
8- الأحزاب / 70 و 71 .
9- ويدل على أن معنى القول السديد في الآية هو الاعتقاد الصحيح ، وأنه لا ينفع عمل مع فساد العقيدة. هذا وقد صحح ظاهراً المجلسي هذا الحديث وإن احتمل فيه الإرسال لعدم معهودية رواية يونس بن عبد الرحمن عن الصادق(عليه السلام)حسبما قال .
10- الحُرم : جمع حَرمه، وهي ما يجب احترامه على الخلق تقرباً إلى الله
11- وقد صحح المجلسي في مرآته هذا الحديث .

إذا بلغ المؤمن أربعین سنة

83 - عدّة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن القاسم ، عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه الله من الأدواء الثلاثة(1): البرص والجذام والجنون، فإذا بلغ الخمسين خفّف الله عزّوجل حسابه، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة(2)، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين أمر الله عز وجل بإثبات حسناته وإلقاء سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله تبارك وتعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكُتِبَ أسير الله في أرضه، وفي رواية أخرى: فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر(3).

فی جواز الفرار من الوباء

٨٤ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم، عن داود، عن سَيْف، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن العبد لفي فسحة(4)من أمره ما بينه وبين أربعين سنة ، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عز وجل إلى مَلَكيه(5): قد عَمّرْتُ عبدي هذا عمراً فغلّظا وشدّدا وتحفظّا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره، وصغيره وكبيره .

85 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي،عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوباء يكون في ناحية المصر، فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره؟ فقال: لا بأس، إنما نهى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عن ذلك لمكان ربيئة(6)كانت بحيال العدو ، فوقع فيهم الوباء فهربوا منه ، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الفارّ منه كالفارّ من الزحف، كراهية أن يُخلوا مراكزهم».

٨٦ - علي ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي مالك الحضرمي، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ثلاثة لم ينجُ منها نبي فَمَنْ دونَه : التفكر في الوسوسة في الخلق(7)، والطَّيرَةُ(8)والحسد، إلا أن المؤمن لا يستعمل حَسَدَه .

ص: 94


1- هذا محمول على الغالب
2- الإنابة : الرجوع . والمقصود بها هنا إقباله على الطاعات وفراره من المعاصي وشدّة مراقبته له سبحانه . وهذا أيضاً مبني على الغالب.
3- أي أخسّه . هذا وقد اعتبر المجلسي في المرآة هذا الحديث من قسم المجهول.
4- أي في سعة من أموره وأفعاله وذلك لمكان حرارة الشباب واندفاعه وقوة شهواته فيكون مأخوذاً كل ذلك بعين الاعتبار مما يستدعي التساهل معه .
5- يعني الملازمين للإنسان الكاتبين لأعماله. هذا والحديث مجهول عند المجلسي .
6- الربيئة : الطليعة للقوم الذي يكون عيناً لهم في موقع تقدم ليرصد أعداءهم حذراً من أن بدهموهم. والحديث حسن عند المجلسي في مرآة العقول .
7- الوسوسة والوسواس : حديث النفس وإلقاءات الشيطان، والمقصود هنا هو أن يوسوس له الخبيث مثلاً : خلقك ، فتجيب : الله فيوسوس لك ومن خلق الله ؟ أو كيف خلق الله الأشياء من العدم وهكذا .
8- الطيرة: النشام.

ثلاثۀ لم ینج منها نبی فمن دونه

87 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم(عليه السلام) قال : قال لي : إني لموعوك(1)منذ سبعة أشهر ، ولقد وُعِكَ ابني اثني عشر شهراً وهي تضاعف علينا، أشعرت أنها لا تأخذ في الجسد كله وربما أخذت في أعلى الجسد ولم تأخذ في أسفله، وربما أخذت في أسفله ولم تأخذ في أعلى الجسد كله ؟ قلت: جُعلتُ فِداك ؛ إنْ اذِنْتَ لي حدثتك بحديث عن أبي بصير، عن جدك أنه كان إذا وعك استعان بالماء البارد، فيكون له ثوبان : ثوب في الماء البارد، وثوب على جسده يراوح بينهما ، ثم ينادي حتى يُسْمَع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمد(2)، فقال: صدقت ، قلت : جُعِلتُ فداك ؛ فما وجدتم للحمى عندكم دواء ؟ فقال : ما وجدنا لها عندنا دواء إلا الدعاء والماء البارد، إني اشتكيت فأرسل إليّ محمد بن إبراهيم بطبيب له، فجاءني بدواء فيه قَيّ فأبَيْتُ أن أشربه لأني إذا قُبيتُ زال كل مفصل منى(3).

88 - الحسين بن محمد الأشعري ، عن محمد بن إسحاق الأشعري، عن بكر بن محمد الأزدي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام): حُمَّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فأتاه جبرئيل(عليه السلام)فعوّذه فقال : بسم الله أرْقيك يا محمد، وبسم الله اَشْفيك، وبسم الله من كل داء يُعييك، بسم الله بسم الله والله شافيك، بسم الله خذها فلتهنيّك، بسم الله الرحمن الرحيم، فلا أقسم بمواقع النجوم ، لَتَبْرَأَنَّ بإذن الله ، قال بكر: وسألته عن رقية الحمّى فحدّثني بهذا(4).

89 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمروبن شمّر، عن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): من قال :بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، ثلاث مرّات، كفاه الله عز وجل تسعة وتسعين نوعاً من أنواع البلاء أيسرهن الخنق(5).

90 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي ،عن أبان بن عثمان ، عن نعمان الرازي، عن أبي عبد الله

(عليه السلام) قال: انهزم الناس يوم أُحُد عن

ص: 95


1- الوعك : الحمّى ، وقيل : ألم الحمّى .
2- نداؤه إنما هو للاستغاثة بالزهراء(عليه السلام).
3- كناية عن شدّة ما ينتابه من ضعف وألم عند القيء والحديث ضعيف عند المجلسي .
4- والخبر بهذا السند عند المجلسي مجهول ، اللهم إلا أن يكون قد وقع تصحيف في محمد بن إسحاق وكان أحمد بن إسحاق، وهو الظاهر عنده بقرينة رواية أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد كثيراً، وحينئذ يكون الخبر صحيحا على الظاهر .
5- أي الموت بمرض الخناق، وهو مرض يحبس النفس فلا يصل الهواء إلى الرئتين فيموت الإنسان . والحديث ضعيف عند المجلسي .

رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فغضب غضباً شديداً ، قال : وكان إذا غضب انحدر عن جبينه مثل اللؤلؤ من العرق، قال : فنظر فإذا علي

(عليه السلام)إلى جنبه فقال له : الحَقْ ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله ، فقال يا رسول الله : لي بك أُسوة(1). قال : فاكفني هؤلاء، فحمل فضرب أول من لقي منهم، فقال جبرئيل(عليه السلام): إن هذه لهي المؤاساة يا محمد فقال : إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل(عليه السلام) وأنا منكما يا محمد، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): فنظر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى جبرئيل(عليه السلام)على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول : لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي .

غزوۀ أحد ومواساۀ أمیرالمومنین لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

91 - حميد بن زياد ،عن عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد، بن عيسى بيّاع السابري، عن أبان بن عثمان قال : حدثني فضيل البرجمي قال : كنت بمكة وخالد بن عبد الله أمير(2)، وكان في المسجد عند زمزم فقال : ادعوا لي قتادة قال: فجاء شيخ أحمر الرأس واللحية، فدنوت لأسمع ، فقال خالد : يا قتادة؛ أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب، وأعز وقعة كانت في العرب، وأذلّ وقعة كانت في العرب، فقال : أصلح الله الأمير، أخبرك بأكرم وقعة كانت في العرب، وأعز وقعة كانت في العرب، وأذل وقعة كانت في العرب واحدة قال خالد :وَيْحَكَ ،واحدة؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، قال أخبرني؟ قال بدر ، قال : وكيف ذا؟ قال : إن بدراً أكرم وقعة كانت في العرب، بها أكرم الله عز وجل الإسلام وأهله، وهي أعز وقعة كانت في العرب ،بها أعز الله الإسلام وأهله، وهي أذل وقعة كانت في العرب، فلما قُتِلَت قريش يومئذ ذلت العرب، فقال له خالد : كذبت، لَعَمْرُ الله إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم، ويلك يا قتادة، أخبرني بأشعارهم؟ قال : خرج أبو جهل يومئذ وقد أعلم(3)ليُرَى مكانه، وعليه عمامة حمراء، وبيده ترس مذهب وهو يقول :

ما تَنْقِمُ الحرب الشَّمُوسُ مني*** بازِلَ(4)ع_ام_ي_ن ح_دي_ثَ ال_س_ن

لمثل هذا وَلَدَتْني أمي

فقال : كذبت عدو الله ، إن كان ابن أخي لأفرسَ منه - يعني خالد بن الوليد _ وكانت أمه

ص: 96


1- الأسوة : القدوة.
2- أي أمير الحج .
3- أي جعل لنفسه علامة ليُعرف أو لفرسه .
4- البازل من الإبل : الذي أكمل ثمان سنين ودخل في التاسعة فيطلع نابه وتكتمل قوته، ويريد بهذا أن يقول بأنه قد استجمع شبابه واكتملت قوته فهو مؤهل لخوض غمار الحرب .

قشيرية(1)، ويلك يا قتادة؛ من الذي يقول: «أوفي بميعادي وأحمي عن حَسَب »؟ فقال : أصلح الله الأمير، ليس هذا يومئذ ، هذا يوم أحد، خرج خرج طلحة بن أبي طلحة وهو ينادي : من يبارز، فلم يخرج إليه أحد، فقال : إنكم تزعمون أنكم تُجْهِزُونا بأسيافكم إلى النار، ونحن نُجْهِزُكم بأسيافنا إلى الجنة فليبرزنّ إلي رجل يجهزني بسيفه إلى النار وأجهزه بسيفي إلى الجنة، فخرج إليه علي بن أبي طالب(عليه السلام)وهو يقول : أنا ابن ذي الحَوْضَيْن عبد المطلب*** وهاشمِ المُطْعِم في العام السَّغِب(2)

أوفي بميعادي وأحمي عن حسب

فقال خالد لعنه الله : كذب لعمري، والله أبو تراب ما كان كذلك، فقال الشيخ : أيها الأمير ، ائذن لي في الانصراف، قال: فقام الشيخ يفرج الناس بيده وخرج وهو يقول : زنديق ورب الكعبة، زنديق وربِّ الكعبة .

حدیث آدم(عليه السلام)مع الشجرة

(3)

92 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: إن الله تبارك وتعالى عَهِدَ إلى آدم(عليه السلام)أن لا يقرب هذه الشجرة، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها، نسي فأكل منها، وهو قول الله عز وجل:﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾(4)فلما أكل آدم(عليه السلام)من الشجرة أُهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأم، وولد له قابيل وأخته توأم، ثم إن آدم(عليه السلام)أمر هابيل و قابيل أن يقرّبا قرباناً، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابیل صاحب زرع، فقرّ هابیل كبشاً من أفاضل غنمه ، وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينقَ(5)، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل وهو قول الله عز وجل : ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا

ص: 97


1- الأصوب ما في بعض النسخ: قسيرية، لأن خالد قسيرية، لأن خالد بن عبد الله مشهور بالقسري كما . الخ، مرآة العقول للمجلسي ٢٥ / ٢٧٠
2- أي عام المجاعة، ويريد بالحوضين اللذين صنعهما عبد المطلب عند زمزم لسقاية الحاج.
3- هذا الحديث عند المجلسي في مرآة العقول من قسم المجهول. والمقصود سرد قصة آدم عندما نهي عن الأكل من الشجرة مخالف النهي .
4- طه / ١١٥ . والعهد: الوصية ، وقد أجمع علماؤنا على أن النهي لآدم(عليه السلام)كان نهي تنزيه لا نهي تحريم لما دل من العقل والنقل على وجوب عصمة الأنبياء (عليهم السلام).
5- أي ما لم ينظف من الزؤان وغيره مما يخالط الحب عادة .

وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ- إلى آخر الآية﴾(1)وكان القربان تأكله النار، فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتاً وهو أول من بنى بيوت النار ، فقال : لأعْبُدَنَّ هذه النار حتى تتقبل مني قرباني، ثم إن إبليس لعنه الله أتاه -وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق - فقال له : يا قابيل ؛ قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك، وإنك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون : نحن أبناء الذي تقبل قربانه، فاقتله كيلا يكون له عقب يفتخرون على عقبك، فقتله، فلما رجع قابيل إلى آدم(عليه السلام)قال له : یا قابیل این هابيل؟ فقال اطلبه حيث قَرّبنا القربان، فانطلق آدم(عليه السلام)فوجد هابيل قتيلاً، فقال آدم(عليه السلام): لُعْنتِ من أرض كما قبلت دم هابيل ، وبكى آدم(عليه السلام)على هابيل أربعين ليلة، ثم إن آدم سأل ربه ولداً ، فولد له غلام فسّماه هبة الله ، لأن الله عز وجل وهبه له وأخته توأم .

قصۀ قابیل وَهِبۀ الله

فلما انقضت نبوة آدم(عليه السلام)، واستكمل أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا آدم ؛ قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العِلْم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر(2)وميراث العلم ، وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند هبة الله ، فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة، ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يُعرف به ديني ، وتُعْرَفُ به طاعتي ، ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح، وبشر آدم بنوح(عليه السلام)فقال : إن الله تبارك وتعالى باعث نبياً اسمه ،نوح، وإنه يدعو إلى الله عز ذكره ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان، وكان بين آدم وبين نوح(عليه السلام)عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلهم، وأوصى آدم

(عليه السلام) إلى هبة الله : أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدّق به فإنه ينجو من الغرق، ثم إن آدم(عليه السلام)مرض المرضة التي مات فيها ،فأرسل هبة الله وقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فاقرأه مني السلام وقل له يا جبرئيل ؛ إن أبي يستهديك من ثمار الجنة ، فقال له جبرئيل : يا هبة الله إن أباك قد قُبضَ ، وإنا نزلنا للصلاة عليه فارجع ، فرجع فوجد آدم(عليه السلام) قد ،قبض، فأراه جبرئيل كيف يغسله فغسله، حتى إذا بلغ الصلاة عليه، قال هبة الله : يا جبرئيل تقدم فَصَلّ على آدم، فقال له جبرئيل : إن الله عز وجل أمرنا أن نسجد لأبيك آدم وهو في الجنة ، فليس لنا أن نؤم(3)شيئاً من ولده، فتقدم هبة الله فصلى على أبيه وجبرئيل خلفه وجنود الملائكة، وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمر جبرئيل(عليه السلام)فرفع(4)خمساً وعشرين تكبيرة _ والسنّة وهو

ص: 98


1- المائدة / 27 . وكانت كيفية تقبل قربان هابيل - كما قيل - أن نزلت نار بيضاء من السماء فوقعت عليه دون قربان قابيل أو أنها أكلته .
2- الاسم الأكبر فسّر في بعض الروايات بأنه كتب الأنبياء وعلومهم .
3- أي أن نكون إماما ويكون هو مأموما .
4- أي رفع وجوب خمس وعشرين تكبيرة أو مشروعيته بأمر من الله سبحانه وهو الزائد على الخمس.

اليوم فينا خمس تكبيرات، وقد كان يكبر على أهل بدر تسعاً وسبعاً _ ، ثم إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل فقال : يا هبة الله، إني قد رأيت أبي آدم قد خصّك من العلم بما لم أُخص به أنا، العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه، وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون : نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك ،قربانه، فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئاً قتلتك كما قتلت أخاك هابيل فلبث هبة الله والعقب منه مُسْتَخفِينَ بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النبوة وآثار علم النبوة، حتى بعث الله نوحاً(عليه السلام)، وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدم(عليه السلام)، فوجدوا نوحاً (عليه السلام) نبياً قد بشّر به آدم(عليه السلام)، فآمنوا به واتبعوه وصدقوه، وقد كان آدم(عليه السلام)وَصّى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيدهم، فيتعاهدون نوحاً وزمانه الذي يخرج فيه ، وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث الله محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)، وإنما عرفوا نوحاً بالعلم الذي عندهم وهو قول الله عزّوجل :﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه - إلى آخر الآية -﴾(1)وكان مَنْ بينَ آدمَ ونوح منَ الأنبياء مُسْتَخفينَ، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمي من استعلن من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وهو قول الله عز وجل: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ (2)يعني لم أسمّ المُسْتَخْفِينَ كما سميتٌ المسْتَعْلنين من الأنبياء(عليهم السلام).

قصّه نوح (عليه السلام)

فمكث نوح(عليه السلام)في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، لم يشاركه في نبوته أحد، ولكنه قَدِمَ على قوم مكذبين للأنبياء(عليهم السلام) الذين كانوا بينه وبين آدم(عليه السلام)، وذلك قول الله عزوجل : ﴿كَذَبَتْ قومٌ نوح المرسلين﴾(3)يعني من كان بينه وبين آدم(عليه السلام)إلى أن انتهى إلى قوله عز وجل:﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾(4)، ثم إن نوحاً(عليه السلام)لما انقضت نبوته واستُكملت أيامه، أوحى الله عز وجل إليه؛ إن يا نوح قد قضيت(5)نبوتك واستُكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، فإني لن أقطعها كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء(عليهم السلام)التي بينك وبين آدم(عليه السلام)، ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني، وتعرف به طاعتي ، ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر، وبَشِّرَ نوح ساماً بهود(عليه السلام)وكان فيما بين نوح وه_ود من الأنبياء (عليهم السلام)، وقال نوح : إن الله باعث نبيا يقال له هود، وإنه يدعو قومه إلى الله عز وجل

ص: 99


1- هود / . العنكبوت / ١٤ .
2- النساء / ١٦٤ .
3- الشعراء / ١٠٥ إلى 191 .
4- الشعراء / ١٠٥ إلى 191 .
5- يحتمل أنها على صيغة المجهول، كما يحتمل أنها على المعلوم : قَضَیْتَ.

فيكذّبونه، والله عز وجل مهلكهم بالريح ، فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه، فإن الله عز وجل ينجّيه من عذاب الريح ، وأمر نوح(عليه السلام) ابنه ساماً أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذ عيداً لهم، فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر ومواريث العلم وآثار علم النبوة، فوجدوا هوداً نبياً(عليه السلام)، وقد بَشِّر به أبوهم نوح(عليه السلام)، فأمنوا به واتبعوه وصدّقوه، فنجوا من عذاب الريح ، وهو قول الله عز وجل : ﴿وإلى عاد أخاهم هودا﴾(1)وقوله عز وجل :﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ (2)وقال تبارك وتعالى : ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ﴾(3)وقوله : ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا (لنجعلها في أهل بيته) وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾(4)، لنجعلها في أهل بيته، وأمر العقب من ذرية الأنبياء(عليه السلام)من كان قبل إبراهيم(عليه السلام)، وكان بين إبراهيم وهود من الأنبياء صلوات الله عليهم، وهو قول الله عز وجل: ﴿وما قوم لوط منكم ببعيد ﴾ (5)وقوله عز ذكره : ﴿فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي﴾(6) وقوله عز وجل : ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ (7)فجرى بين كل نبيَّيْن عشرة أنبياء ، وتسعة، وثمانية أنبياء، كلهم أنبياء، وجرى لكل نبي ما جرى لنوح(8)(عليه السلام)، وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم صلوات الله عليهم، حتى انتهت إلى يوسف بن يعقوب(عليه السلام)، ثم صارت من بعد يوسف في أسباط أخوته، حتى انتهت إلى موسى(عليه السلام)، فكان بين يوسف وبين موسى من الأنبياء(عليهم السلام)، فأرسل الله موسى وهارون(عليه السلام)إلى فرعون وهامان وقارون، ثم أرسل الرسل تترى(9):﴿ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ (10)، وكانت بنو إسرائيل تقتل نبياً واثنان قائمان، ويقتلون اثنين وأربعةٌ قيام ، حتى إنه كان ربما قتلوا في اليوم الواحد سبعين نبياً ، ويقوم سوق قتلهم آخر النهار(11)،

ص: 100


1- الأعراف/ ٦٥
2- الشعراء / ١٢٣ - ١٢٤ .
3- البقرة/ ١٣٢ .
4- الأنعام / ٨٤ .
5- هود/89
6- العنكبوت / ٢٦ .
7- العنكبوت / ١٦ .
8- أي من الوصية وتعاهدها وكتمانها .
9- أي متتابعين واحداً بعد الآخر.
10- المؤمنون/ ٤٤ .
11- «وآخر النهار ظرف لقيام السوق وهو رواجه مع احتمال أن يكون غاية له» المازندراني ٥٩/١٢ . وقد استظهر العلامة المجلسي في المرأة، ٢٥ / 280 أن( سوق قتلهم) مصحّف عن (سوق بقلهم) كناية عن عدم اعتنائهم بما فعلوه .

أمره سبحانه وتعالی رسوله بالوصیۀ لعلی صلوات الله علیهما

فلما نزلت التوراة على موسى(عليه السلام)بشّر بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء، وكان وصي موسى يوشع بن نون(عليه السلام)، وهو فتاه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه(1)، فلم تزل الأنبياء تبشّر بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى بن مريم فبشّر بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وذلك قوله تعالى:﴿ يَجِدُونَهُ (يعني اليهود والنصارى)مَكْتُوبًا (يعني صفة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم))عِنْدَهُمْ (يعني)فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (2)وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى : ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾(3)وبشّر موسى وعيسى بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم) كما بشّر الأنبياء (عليهم السلام)بعضهم ببعض، حتى بلغت محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما قضى محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) نبوته، واستُكملت أيامه، أوحى الله تبارك وتعالى إليه : یا محمد، قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾(4)وأن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلاً(5)، ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه، لا إلى مَلَك مُقرّب ولا نبي مرسل، ولكنه أرسل رسولاً من ملائكته فقال له : قل كذا وكذا، فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره، فقصّ إليهم أمر خلقه بعلم، فعلم ذلك العلم وعلّم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله جل وعز :﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾(6)، فأما الكتاب فهو النبوة، وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة، وأما المُلْكُ العظيم فهم الأئمة (الهداة) من

ص: 101


1- كما وردت قصة يوسف معه ومع الحوت في سورة الكهف عندما كان متوجهاً لملاقاة العبد الصالح وهو الخضر(عليه السلام).
2- الأعراف/ ١٥٧
3- الصف / ٦ .
4- آل عمران/ ٣٣ - ٣٤ .
5- أي لم يجعل العلم مبنياً على الجهل بأن يكون أمر الحجة مجهولاً لا يعلمه الناس، ولا بينة لهم، أو لم يجعل العلم مخلوطاً بالجهل، بل لا بد أن يكون العالم عالماً بجميع ما يحتاج إليه الخلق، ولا يكون اختيار مثله إلا منه تعالي . وقيل : المراد أن الله تعالى لم يبين أحكامه على ظنون الخلق، وإلا لكان العلم جهلا، لأن الظن قد يكون باطلاً فيكون جهلاً لعدم مطابقته للواقع، وأمر عباده باتباع العلم واليقين المطابق للواقع» مرآة العقول للمجلسي ٢٨١/٢٥ .
6- النساء/ ٥٤

الصفوة، وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض، والعلماء الذين جعل الله فيهم البقية وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا والعلماء ، وَلِوُلاةِ الأمر استنباط العلم وللهداة(1)فهذا شأن الفُضِّل(2)من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله عز وجل، واستنباط علم الله ، وأهل آثار علم الله من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء(عليهم السلام)من الآباء والأخوان والذرية من الأنبياء، فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم، ومن وضع ولاة أمر الله عز وجل وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء(عليهم السلام)، فقد خالف أمر الله عز وجل، وجعل الجهّال ولاة أمر الله، والمتكلفين بغير هدى من الله عز وجل، وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كَذَبوا على الله ورسوله، ورغبوا عن وصيّه(عليه السلام)وطاعته، ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى، فضلّوا وأضلّوا أتباعهم ، ولم يكن لهم حجة يوم القيامة، إنما الحجة في آل إبراهيم(عليه السلام)لقول الله عز وجل :﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾، فالحجة الأنبياء(عليه السلام)، وأهل بيوتات الأنبياء(عليه السلام)حتى تقوم الساعة، لأن كتاب الله ينطق بذلك، وصية الله(3)بعضها من بعض التي وضعها على الناس فقال عز وجل: ﴿في بيوت أذِنَ الله أن تُرفع﴾(4)وهي بيو (تا) ت الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى، فهذا بيان عروة الإيمان التي نجا بها من نجا قبلكم، وبها ينجو من يتّبع الأئمة، وقال الله عز وجل في كتابه :

﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *...أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ (5)فإنه وكل(6)بالفضل من أهل بيته ، والإخوان والذرية، وهو قول

ص: 102


1- معطوف على : ولولاة الأمر .
2- جمع فاضل.
3- أي الأمور المذكورة آنفاً وصية من الله إلى الأنبياء وأوصيائهم بلغوها إلى الناس ليتعاهدوها .
4- النور/ ٣٦ .
5- الأنعام / ٨٤ - ٨٩ .
6- «فإنه وكل بالفضل ... يحتمل أن يقرأ : وَكَلَ بالتخفيف ويكون الباء بمعنى أي وَكَلَ الإيمان والعلم إلى الأفاضل من أهل بيته وبالتشديد على سبيل القلب أو يتخفيف الفضل، فيكون قوله : من أهل بيته مفعولاً لقوله : وكل أي وكل جماعة من أهل بيته بالفضل وهو العلم والإيمان، وإنما احتجنا إلى هذه التكلفات لأن الظاهر من كلامه(عليه السلام)بعد ذلك أنه(عليه السلام)فسّر القوم بالأئمة، ولعل الباء في قوله بالفضل من زيادة النّساخ» مرآة العقول، للمجلسي ، ٢٨٣/٢٥ - ٢٨٤

الله تبارك وتعالى : إن تكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون به أبداً، ولا أضيّع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك، علماء أمتك(1) وولاة أمري بعدك، وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا زور ولا بَطَر ولا رياء، فهذا بيان ما ينتهي إليه أمر هذه الأمة(2)، إن الله جل وعز طهّر أهل بيت نبيه(عليهم السلام). وسألهم أجر المودة(3)، وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه وأحباءه ثابتة بعده في أمته، فاعتبروا يا أيها الناس فيما قلت حيث وضع الله عز وجل ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحججه، فإياه فتقبّلوا، و به فاستمسكوا تنجوا به وتكون لكم الحجة يوم القيامة، وطريق ربكم جل وعز، ولا تصل ولاية إلى الله عز وجل إلا بهم، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يكرمه ولا يعذبه، ومن يأتِ الله عز وجل بغير ما أمره كان حقاً على الله عز وجل أن يذلّه وأن يعذّبه.

93 - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي ، وأبو منصور، عن أبي الربيع قال : حَجَجْنا مع أبي جعفر(عليه السلام)في السنة التي كان فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع(4)مولی عمر بن حج الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر(عليه السلام)في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس، فقال نافع : يا أمير المؤمنين، من هذا الذي قد تداك (5)عليه الناس ؟ فقال : هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي ، فقال : أشهد لآتينه فلا سألته عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال : فاذهب إليه وسَلّه لعلك تُخْجله، فجاء نافع حتى اتكأ على الناس، ثم أشرف على أبي جعفر(عليه السلام)فقال : يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال: فرفع أبو جعفر(عليه السلام)رأسه فقال : سل عما بدا لك، فقال : أخبرني كم بين عيسى وبين محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)من سنة؟ قال : أخبرك بقولي أو بقولك ؟ قال : أخبرني بالقولين جميعاً، قال : أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة ، قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾(6)من الذي سأل

ص: 103


1- بدل من قوله : لأهل بيتك، أو بيان له .
2- أي حسب التخطيط الإلهي والعقيدة الربانية من أن الولاية من الله إنما جعلت في ذرية محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)وأهل بيته كما كانت في أهل بيت وذرية كل نبي من أنبياء الله السابقين .
3- أي سأل لهم أجر المودة وفيه إشارة إلى قوله تعالى : ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾ .
4- هو ابن سرجس وكان ديلمياً ناصبياً خبيثاً، وكان يميل إلى رأي الخوارج.
5- تداك : - هنا - أي تزاحم وأصل الدك: الدق والكسر.
6- الزخرف/ ٤٥

محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟ قال: فتلا أبو جعفر(عليه السلام)هذه الآية :

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾(1)، فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)حيث أسرى به إلى بيت المقدس، أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيل(عليه السلام)فأذَّنَ شِفعاً وأقام شِفعاً وقال في أذانه : حي على خير العمل، ثم تقدم محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) فصلّى بالقوم فلما انصرف قال لهم : على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله ، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فقال نافع : صدقت يا أبا ،جعفر فأخبرني عن قول الله عز وجل :

﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾(2)؟ قال : إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض، وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم(عليه السلام)، أمر السماء فتقطرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عَزَالَيْها(3)، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار، وتَفَهَّقَت(4)بالأنهار، فكان ذلك رتقها وهذا ،فتقها قال نافع : صدقت يابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل :

﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾(5)، أي أرض تُبدّل يومئذ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب، فقال نافع : إنهم عن الأكل لمشغولون؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): أهم يومئذ أشغلُ أم إِذْ هُمْ في النار؟ فقال نافع : بل إذ هم في النار قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأُطعِموا الزَّقوم ودَعَوا بالشراب فَسُقُوا الحميم، قال: صدقتَ يابن رسول الله ، ولقد بقيت مسألة واحدة ، قال : وما هي ؟ قال : أَخْبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟ قال : ويلَك، متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟ سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال : يا نافع أخبرني عما أسألك عنه، قال: وما هو؟ قال: ما تقول في أصحاب النهروان فإن قلت: إن أمير المؤمنين

ص: 104


1- الإسراء / ١.
2- الأنبياء / ٣٠ .
3- «العزلاء : وزن حمراء ، فم المزادة الأسفل والجمع : العزالي بفتح اللام وكسرها وأرسلت السماء عزاليها، إشارة إلى شدة وقع المطر على التشبيه بنزوله عن أفواه المزادات» مصباح اللغة ٦٦/٢ .
4- أي امتلأت .
5- إبراهيم / ٤٨

قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلتَ إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت ، قال : فولّى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقاً، فأتى هشاماً فقال له : ما صنعتَ؟ قال : دعني من كلامك هذا، والله انه أعلم الناس حقاً حقاً، وهو ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)حقاً، ويحقّ لأصحابه أن يتخذوه نبياً.

حديث نصراني الشام مع أبی جعفر الباقر(عليه السلام)

٩٤ _ عنه ، عن إسماعيل بن أبَان، عن عمر بن عبد الله الثقفي قال : أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر(عليه السلام)من المدينة إلى الشام ، فأنزله مع معه، وكان يقعد مع الناس في مجالسهم ،فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه، إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك، فقال : ما لهؤلاء؟ ألهم عيد اليوم ؟ فقالوا : لا يابن رسول الله، ولكنهم يأتون عالماً لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم، فيخرجونه فيسألونه عما يريدون، وعمّا يكون في عامهم، فقال أبو جعفر(عليه السلام): وله علم ؟ فقالوا : هو من أعلم الناس، قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى(عليه السلام)، قال : فهل نذهب إليه ؟ قالوا : ذاك إليك يابن رسول الله ، قال : فقنّع أبو جعفر(عليه السلام)رأسه بثوبه(1)، ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل، فقعد أبو جعفر(عليه السلام)وسط النصارى هو وأصحابه، وأخرج النصارى بساطاً، ثم وضعوا الوسائد ، ثم دخلوا فأخرجوه (2)، ثم ربطوا عينيه(3)، فقلّب عينيه(4)كأنهما عينا ،أفعى، ثم قصد إلى أبي جعفر(عليه السلام)فقال : يا شيخ أمنّا أنت أم من الأمة المرحومة؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): بل من الأمة المرحومة.

فقال : أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم ؟ فقال : لست من جهّالهم، فقال النصراني : أسألك أم تسألني ؟ ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): سَلْني ، فقال النصراني : يا معشر النصارى، رجل من أمة محمد يقول : سَلْني ، إن هذا لمليء بالمسائل، ثم قال : يا عبد الله، أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا من النهار أيّ ساعة هي ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فقال النصراني : فإذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار، فمن أي الساعات هي ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام)من ساعات الجنة(5)، وفيها تفيق مرضانا، فقال النصراني :

ص: 105


1- لعله فعل ذلك لئلا يُعرف .
2- أي اخرجوا عالمهم .
3- كأنهم ربطوا حاجبيه لطولهما المانع من الرؤية، أو لئلا تضر من شعاع الشمس بعد خروجه من ظلمة الغار المازندراني 70/12 . أقول : والأول أنسب لما دل عليه الكلام التالي من أنه قلب عينيه ... الخ والذي يكشف عن أنهما كانتا مكشوفتين وليستا مستورتين .
4- أي أجالهما في الحضور .
5- «الظاهر أن المراد بهذا الخبر أنها ساعة لا تشبه شيئاً من ساعات الليل والنهار بل هي شبيهة بساعات الجنة وإنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة ولطافتها واعتدالها على أنه يحتمل أن يكون(عليه السلام)أجاب السائل على ما يوافق غرضه واعتقاده ومصطلحه مرآة العقول للمجلسي ٢٩٣/٢٥

فأسألك أم تسألني ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): سَلْني ، فقال النصراني : يا معشر النصارى، إن هذا لمليء بالمسائل، أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون، اعطني مثلهم في الدنيا ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط، فقال النصراني : ألم تقل : ما أنا من علمائهم ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنما قلت لك ما أنا من جهالهم، فقال النصراني : فأسألك أو تسألني ؟

فقال أبو جعفر(عليه السلام): سَلْني ، فقال : يا معشر النصارى والله لأسألنَه مسألة عن يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له : سَلْ، فقال: أخبرني عن رجل دنا من من امرأته فحملت باثنين حملتهما جميعاً في ساعة واحدة وولدتهما في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، ودفنا في قبر واحد عاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، مَن هما؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): عُزَيرٌ وعزرة، كانا حملت أمهما بهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنة ، ثم أمات الله تبارك وتعالى عُزيراً مائة سنة ، ثم بُعث وعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة، وماتا كلاهما في ساعة واحدة، فقال النصراني : يا معشر النصارى؛ ما رأيت بعيني قطّ أعلم من هذا الرجل، لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام، ردّوني ، قال : فردّوه إلى كهفه، ورجع النصارى مع أبي جعفر(عليه السلام).

کتاب أبي الحسن موسى(عليه السلام)إلی علی بن سوید

٩٥ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران ،عن محمد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع ،عن علي بن سويد، والحسن بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور، عن علي بن سويد قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى(عليه السلام)وهو في الحبس كتاباً أسأله عن حاله ،وعن مسائل كثيرة، فاحتبس الجواب عليّ أشهراً، ثم أجابني بجواب هذه نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله العلي العظيم، الذي بعظمته(1)ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات ومن في

ص: 106


1- الظاهر أن الباء هنا للسببية وكان كل من الإبصار والمعاداة والابتغاء قد وقع عظمته ونوره .

الأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المتضادة، فمصيب ومخطىء، وضالّ ومهتدي، وسميع وأصمُّ، وبصير وأعمى حيران، فالحمد لله الذي عرف(1)ووصف دينَه محمد(صلی الله علیه وآله وسلم).

أما بعد، فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، وحفظ مودة ما استرعاك من دينه، وما ألهمك من رشدك ، وبصّرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم وبردّك الأمور إليهم، كتبت تسألني عن أمور كنتُ منها في تقية، ومن كتمانها في سعة، فلما انقضى سلطان الجبابرة، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم، رأيتُ أن أفسّر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم، فاتق الله عز ذكره ، وخصَّ بذلك الأمر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء، أو حارشاً عليهم(2)بإفشاء ما استودعتُك، وإظهار ما استكتمتُك، ولن تفعل إن شاء الله .

إن أول ما أنهي إليك أني أنعى إليك نفسي في لياليَّ هذه، غير جازع ولا نادم، ولا شاكّ(3)فيما هو كائن مما قد قضى الله عز وجل وحتم ، فاستمسك بعروة الدين ؛ آلِ محمد، والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة لهم، والرضا بما قالوا، ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك، ولا تُحِبَّنَّ دينهم، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، وتدري ما خانوا أماناتهم؟ التَّمِنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه، ودلّوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .

وسألت عن رجلين(4)اغتصبا رجلاً(5)مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله ، فلما اغتصباه ذلك، لم يرضيا حيث غصباه حتى حلاه إياه كرهاً فوق رقبته إلى منازلهما، فلما أحرزاه تولّيا إنفاقه، أيبلغان بذلك كفراً؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك، وردّا على الله عز وجل كلامه وهزئا برسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، والله ما دخل قلبَ أحد منهما شيءٌ من الإيمان منذ خروجهما من

ص: 107


1- أي عرف محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)دينه ووصفه للخلق ببيان أحكامه وعقائده وآدابه وحدوده
2- أي مغرياً بهم عدوهم بسبب إفشاء سرهم.
3- شاك : إما بالتشديد، والمعنى أني لا أشك في موافاة الأجل المقدّر منه سبحانه ولا في حقانيته ، أو بالتخفيف من الشكاية .
4- يقصد الأول والثاني
5- يعني علياً (عليه السلام).

حالتيهما(1)، وما ازدادا إلا شكاً، كانا خدّاعين مرتابين، منافقين، حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام .

وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يُغصَب ماله ويوضع على رقبته، منهم عارف ومنكر، فأولئك أهل الردّة الأولى من هذه الأمة، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه : ماضٍ وغابِرٌ(2)وحادث، فأما الماضي فمفسَّر ، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقَذْفٌ في القلوب، ونَقّرٌ في الأسماع، وهو أفضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا محمد(صلی الله علیه وآله وسلم).

وسألت عن أمهات أولادهم، وعن نكاحهم ، وعن طلاقهم، فأما أمهاتُ أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة، نكاح بغير ولي، وطلاق في غير عدّة، وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانُه ضلالَه ويقينُه شكَّه .

وسألت عن الزكاة فيهم، فما كان من الزكاة فأنتم أحق به، لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان، وسألت عن الضعفاء، فالضعيف(3)من لم يرفع إليه حجة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف .

وسألت عن الشهادات لهم، فأقِمْ الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين والأقربين، فيما بينك وبينهم، فإن خفتَ على أخيك ضَيْماً فلا، وادع إلى شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوتَ إجابته، ولا تَحَصَّنَ بحِصْن رياء، ووال آل محمد ، ولا تقل لِمَا بَلَغَكَ عنّا ونُسِبَ إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه، فإنك لا تدري لما قلناه، وعلى أي وجه وصفناه، آمِنْ بما أَخْبْركَ، ولا تُفْش ما استكتمناك من خبرك، إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته، ولا تحقد عليه وإن أساء وأجِبْ دعوته إذا دعاك ، ولا تُخَلَ بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك، وعُدْهُ في مرضه، ليس من أخلاق المؤمنين الغش، ولا الأذى، ولا الخيانة، ولا الكبر ، ولا الخَنَا، ولا الفحش(4)، ولا الأمر به . فإذا رأيت المشوَّهّ الإعرابي(5)في جَحْفَل جرّار فانتظر فَرَجَكَ ولشيعتك المؤمنين، وإذا انكسفت

ص: 108


1- أي في الجاهلية .
2- أي علم ما سيأتي .
3- أي المستضعف وهو الذي لا يعرف الحق ولا يعانده .
4- الظاهر أن الفحش أعم من الخنا، لأنه يكون في القول والفعل، والخنا إنما يكون في القول فقط .
5- الظاهر أنه المسيح الدجال، وسمي مسيحاً لأنه مسح أحد شقي وجهه. وإنما سمي مشوهاً لدمامة خلقته .

الشمس(1)فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عز وجل بالمجرمين، فقد فسّرت لك جُمَلاً مجملاً، وصلى الله على محمد وآله الأخيار .

حدیث نادر فی أبی ذر مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

(2)

٩٦ - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن أيوب، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أَبَان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: أتى أبو ذر رسولَ الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا رسول الله ؛ إني قد اجتويت المدينة(3)أفتأذن لي أن أخرج أنا وابن أخي إلى مُزَيْنَة(4) فنكون بها؟ فقال : إني أخشى أن يُغيِرَ عليك خيل من العرب فيقتل ابنُ أخيك فتأتيني شَعِثاً(5)فتقوم بين يدي متكئاً على عصاك فتقول : قتل ابن أخي وأخذ السّرْح (6)، فقال : يا رسول الله ، بل لا يكون إلا خيراً إن شاء الله ، فأذن له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فخرج هو وابن أخيه وامرأته، فلم يلبث هناك إلا يسيراً حتى غارت خيل لبني فزارة فيها عُيَيْنَة بن حصن، فأخذت السرح وقُتِل ابنُ أخيه، وأُخذت امرأته من بني غفار، وأقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وبه طعنة جائفة، فاعتمد على عصاه وقال : صدق الله ورسوله أخذَ السَّرْحُ وقُتل ابن أخي، وقمت بين يديك على عصاي، فصاح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في المسلمين، فخرجوا في الطلب، فردّوا السرح، وقتلوا نفراً من المشركين .

97 - أبَان ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: نزل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل من المشركين، والمسلمون قيام على شفير(7)الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل، فقال رجل من المشركين لقومه : أنا أقتل محمداً، فجاء وشدّ(8)على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالسيف، ثم قال : من

ص: 109


1- إشارة إلى ما تضمنته الروايات من انكساف الشمس وانخساف القمر في غير الزمان المعتاد وهو من علامات ظهور الحجة عجل الله فَرَجَه الشريف .
2- إنما سمي نادراً لأنه شاذ ، أو لأن مضمونه غريب أو لأنه متعلق بشخص معين المازندراني 81/12
3- اجتويت المدينة : أي كرهت المقام بها .
4- مُزينة : تصغير مُزنة وهي واحدة السحاب وجمعها مزن، وهي هنا اسم قبيلة.
5- الشَعَث: انتشار الأمر واغبرار الشعر.
6- السُرح : المال السائم.
7- الشفير : الجانب والحافة .
8- شد عليه : أي حمل عليه .

ينجيك مني يا محمد ؟ فقال : ربي وربك ، فَنَسَفَه(1)جبرئيل(عليه السلام)عن فرسه فسقط على ظهره ،فقام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأخذ السيف وجلس على صدره وقال : من ينجيك مني يا غورث(2)؟ فقال : جودُك وكرمك يا محمد ،فتركه، فقام وهو يقول : والله لأنت خير مني وأكرمُ.

لایقبل الله تعالی عملاً إلا بولایۀ أهل البیت (عليهم السلام)

98 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، (وعلي بن محمد، عن القاسم بن محمد)عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : قال : إن قدرتم أن لا تُعرَفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يُثْنِ الناس عليك، وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت محموداً عند الله تبارك وتعالى ، إن أمير المؤمنين(عليه السلام)كان يقول : لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين : رجل يزداد فيها كل يوم إحساناً، ورجل يتدارك منيته بالتوبة ، وأنّى له بالتوبة(3)، فوالله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله عز وجل منه عملاً إلا بولايتنا أهل البيت، ألَا ومن عَرَفَ حقنا، أو رجا الثواب بنا، ورضي بقوته نصف مد كل يوم ، وما يستر به عورته، وما اكنّ به رأسه(4)، وهم مع ذلك والله خائفون وَجِلون، ودّوا أنه حظهم من الدنيا، وكذلك وصفهم الله عز وجل حيث يقول :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ (5)ما الذي آتَوا به، آتَوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية، وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم ، وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين، ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبتنا وطاعتنا .

ثم قال : إن قدرت أن لا تخرج من بيتك(6)فافعل، فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تَتَصَنّع ولا تُداهِن .

ثم قال: نعم، صومعة المسلم بيته يكفّ فيه بصره ولسانه ونفسه وفَرْجَه، إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه، ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين، فقلت له : إنما يرى أن له عليه فضلاً بالعافية إذا رآه مرتكباً للمعاصي ؟ فقال : هيهاتَ هيهاتَ، فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى، وأنت موقوف

ص: 110


1- نَسَفَه : أي اقتلعه عن فرسه .
2- هو غورث بن الحارث .
3- هذا بلحاظ ما بعده - يرجع إلى المخالفين.
4- أي ما ستربه رأسه من عمامة أو سقف .
5- المؤمنون / ٦٠ وتتمة الآية :﴿أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.
6- أي فيما هو غير ضروري لمرمة المعاش وإصلاح المعاد.

محاسب، أما تلوتَ قصة سَحَرَةِ موسى(1)(عليه السلام)ثم قال : كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه، وكم من مُسْتَدْرَج(2)بستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه ، ثم قال : إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة، إلا لأحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى(3)، والفاسق المعلن.

ثم تلا: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾(4)ثم قال : يا حَفْص : الحب أفضل من الخوف، ثم قال : والله ما أحبَ الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا، ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى، فبكى رجل ، فقال : أتبكي؟ لو أن أهل السماوات والأرض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عز وجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك (5)،( ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس الله عز وجل في تلك الحال)، ثم قال له : يا حَفْص ؛ كن ذَنَباً ولا تكن رأساً(6)، يا حَفْص ؛ قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من خاف الله كلَّ لسانه»(7).

ثم قال : بينا موسى بن عمران(عليه السلام)يعِظُ أصحابه، إذ قام رجل فشقّ قميصه، فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى قل له : لا تشقّ قميصك، ولكن اشرح لي عن قلبك.

ثم قال : مر موسى بن عمران(عليه السلام)برجل من أصحابه وهو ساجد، فانصرف من حاجته وهو ساجد على حاله ، فقال له موسى(عليه السلام): لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك، فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحوّل عمّا أكره إلى ما أحب .

حدیث رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

99 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمير، عن هشام بن سالم وغبره، عن أبي

ص: 111


1- حيث استبدلوا كفرهم بالإيمان ومعصيتهم بطاعة الرحمن فاستحقوا الخلود الأبدي في جنة الرضوان
2- الاستدراج من قبل الله تعالى أنه سبحانه يجدّد النعمة على العبد كلما جَدّد معصيته وينسى التوبة والاستغفار، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
3- أي الذي يعمل برأيه في أحكام الله من دون رجوع إلى أهل البيت(عليه السلام).
4- آل عمران/ 31 .
5- هذا يدل على أن الباكي كان من المخالفين.
6- أي كن تابعاً لأهل الحق ولا تكن إماماً لأهل الباطل.
7- أي منعه من الخوض إلا فيما يرضي الله سبحانه من الذكر مطلقاً وإصلاح ذات البين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ..إلخ .

عبد الله(عليه السلام)قال: ما كان شيء أحب إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من أن يظل(1)جائعاً خائفاً في الله(2).

١٠٠ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار جميعاً، عن ابن فضّال، عن علي بن عُقبة، عن سعيد بن عمرو الجعفي، عن محمد بن مسلم قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)ذات يوم وهو يأكل متكئاً، قال : وقد كان يبلغنا أن ذلك يُكره(3)، فجعلت انظر إليه، فدعاني إلى طعامه، فلما فرغ قال : يا محمد، لعلك ترى أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ما رأته عين وهو يأكل وهو متكىء من أن بعثه الله إلى أن قَبَضه، ثم قال(4)رد على نفسه فقال : لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكىء من والله ما رأته عين يأكل وهو متكىء من أن بعثه الله إلى أن قَبَضه، ثم قال : يا محمد ؛ لعلك ترى أنه شبع من خبز البُر ثلاثة أيام متوالية من أن بعثه الله إلى أن قبضه، ثم رد على نفسه ثم قال : لا والله ما شبع من خبز البُر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى أن قبضه، أما إني لا أقول : إنه كان لا يجد ، لقد كان يجيز(5) الرجل الواحد بالمائة من الإبل، فلو أراد أن يأكل لأكَل، ولقد أتاه جبرئيل(عليه السلام) بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيّره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة شيئاً، فيختار التواضع لربه جل وعز، وما سُئِلَ شيئاً قط فيقول : لا ، إن كان أعطى، وإن لم يكن قال : يكون(6)، وما أعطى على الله شيئاً قط إلا سلم ذلك إليه، حتى إن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك ،له ثم تناولني بيده وقال : وإن كان صاحبكم(7) ليجلس جلسة العبد(8)، ويأكل أكلة العبد(9)، ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت، وإن كان ليشتري القميص السنبلاني(10)ثم يخيّر غلامه

ص: 112


1- في بعض النسخ: من أن يُصل.
2- والحكمة من ذلك هو أن الجوع يولد صفاء الذهن وحدته وطهارة القلب ورقته وخفّة المؤونة وكثرة الحفظ وسعة الوقت وكل ذلك يؤدي إلى كثرة التفكير بألاء الله واياته مما يزيد القرب منه سبحانه ونيل رضوانه بعد تعميق الخوف منه تعالى.
3- أي الأكل متكئاً
4- من هنا إلى قوله إلى أن ،قبضه زيادة لا توجد في بقية النسخ .
5- أي يعطي الجائزة.
6- أي يوجد عندنا مستقبلا فنعطيك
7- يعني عمياً(عليه السلام).
8- إما إنه يجثو في جلوسه على ركبتيه، أو على إحداهما ويقيم الأخرى. وأما أنه كان يجلس على التراب تواض ما الله سبحانه .
9- كناية عن أكله الجشب من الطعام، كما يوضحه ما بعده.
10- في القاموس : السنبلاني : السابغ الطول، أو منسوب إلى بلد بالروم . والصحيح - بلحاظ فوله بعد -: ويخير غلامه خيرهما القميصين السبلانيين، وهو ما ورد في أمالي الصدوق، ص / ٢٣٢

خيرهما، ثم يلبس الباقي ، فإذا جاز(1)أصابعه قطعه ، وإذا جاز كعبه حذفه ، وما ورد عليه أمران قط كلاهما الله رضى إلا أخذ بأشدّهما على بدنه، ولقد ولي الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعة، ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه، أراد أن يبتاع لأهله بها خادماً، وما أطاق أحد عمله(2)وإن كان علي بن الحسين(عليه السلام)لينظر في الكتاب من كتب علي(3)(عليه السلام)فيضرب به الأرض ويقول : من يطيق هذا .

فی زهد النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)وأدبه وزهد علی(عليه السلام)

١٠١ - عدة من أصحابنا،عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان قال : حدثني ابن المغيرة قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : إن جبرئيل(عليه السلام)أتى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فخيّره وأشار عليه بالتواضع ، وكان له ناصحاً، فكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يأكل أكلة العبد، ويجلس جِلسة العبد تواضعاً الله تبارك وتعالى، ثم أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدنيا فقال : هذه مفاتيح خزائن الدنيا، بعث بها إليك ربك ليكون لك ما أقلّت الأرض من غير أن يُنْقصك شيئاً(4)، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «في الرفيق الأعلى»(5).

فیما ناجی الله عزوجل عیسی بن مریم(عليه السلام)

١٠٢ - سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن علي بن عُقبة، عن عبد المؤمن الأنصاري،عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «عُرِضَت علي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: يا رب لا، ولكن أشبَعُ يوماً وأجوع يوماً، فإذا شبعت حمدتك وشكرتك، وإذا جعت دعوتك وذكرتك» .

حديث عيسى بن مريم(عليه السلام)

(6)

١٠٣ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط ، عنهم(عليهم السلام)قال: فيما وعظ الله عز وجل به عیسی(عليه السلام):

ص: 113


1- أي زاد طول كميه على أصابعه بحيث غطاهما. وكذلك ما بعده.
2- أي في العبادة أو الأعم منها ومن سيرته في السياسة والحكم.
3- أي من كتب تاريخه وسيرته وعمله العبادي.
4- أي من ثوابك ومنزلتك في الآخرة.
5- أي أحب أن أكون في الرفيق الأعلى وهم الملائكة المقربون ، وقيل : الأنبياء والمرسلون. وقيل : هو الله تعالى لأنه رفيق بعباده .
6- رواه الصدوق في الأمالي ، ص ٤١٦. بسنده إلى أبي عبد الله(عليه السلام).

يا عيسى ؛ أنا ربك ورب آبائك، إسمي واحد(1)، وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شيء، وكل شيء من صنعي، وكل إليَّ راجعون .

يا عيسى ؛ أنت المسيح بأمري(2)، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني، وأنت تحيي الموتى بكلامي، فكن إليّ راغباً ومني راهباً، ولن تجد مني ملجأً إلّا إليَّ .

يا عيسى ؛ أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بِتَحَرّيكّ(3)مني المسرّة، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت، أشهد أنك عبدي، ابن أَمتي، أنزلني من نفسك كهمّك(4)، واجعل ذكري لمعادك(5)، وتقرّب إلي بالنوافل، وتوكل عليَّ أكفِكَ، ولا تتوكل على غيري فأخذ لك(6).

يا عيسى ؛ إصبر على البلاء، وارضَ بالقضاء، وكن كمسرّتي فيك، فإن مسرتي إن أُطاع فلا أُعصى .

يا عيسى ؛ احيي ذكري بلسانك، وليكن ُودّي في قلبك.

يا عيسى ؛ تيقظ في ساعات الغفلة(7)، واحكم لي لطيف الحكمة.

يا عيسى ؛ كن راغباً راهباً، وأمِتْ قلبك بالخشية.

يا عيسى ؛ راع الليل لتحرّي مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي.

یا عیسی ؛ نافس في الخير جهدَك تُعْرَف بالخير حيثما توجهت .

يا عيسى ؛ احكم في عبادي بنصحي، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك(8)شفاءاً لما

ص: 114


1- فلا تركيب فيه لا ذاتاً ولا صفة .
2- قد تكرّر فيه ذكر المسيح(عليه السلام)فسمّي ،به لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برىء، وقيل: لأنه كان يمسح الأرض، أي يقطعها وقيل : المسيح الصدّيق ، وقيل : هو بالعبرانية مشيحاً فعرب» الجزري في النهاية ٤ / ٣٢٦ .
3- التحرّي : طلب أحرى الأمرين وأولاهما، والباء للسببية .
4- أي اجعلني قريباً منك كقرب همك من نفسك أو أهتم بأوامري ونواهي كاهتمامك بشؤون نفسك .
5- أي ذخيرة تنفعك عند منقلبك إليَّ .
6- أي أتخلّى عن تأييدك وكفايتك وأكلِكَ إلى من توكلت عليه .
7- أي غفلة الناس وهي ساعة ما قبل طلوع الشمس وساعة ما قبل غروبها ، أو البكرة والأصيل، كما ورد في بعض الآيات، وروي عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أكثروا ذكر الله في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة . والساعتان من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق، ومن حين يطلع الفجر إلى حين تطلع الشمس حيث يبث إبليس جنودهما فيهما .
8- يعني الإنجيل .

في الصدور من مرض الشيطان .

يا عيسى ؛ لا تكن جليساً لكل مفتون(1).

يا عيسى ؛ حقاً أقول : ما آمَنَتْ بي خليقة إلا خَشَعَتْ لي ، ولا خَشَعَتْ لي إلا رجت ثوابي، فاشهَدْ أنها آمنة من عقابي ما لم تبدّل أو تغيّر سنّتي .

يا عيسى ابن البكر البتول(2)؛ ابك على نفسك بكاء من ودّع الأهل وقَلى(3)الدنيا وتركها لأهلها، وصارت رغبته فيما عند إلهه .

يا عيسى ؛ كن مع ذلك تُلينُ الكلام وتُفشي السلام، يقظان إذا نامت عيون الأبرار، حذراً للمعاد والزلازل الشداد، وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال .

يا عيسى ؛ اكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطّالون.

يا عيسى ؛ كن خاشعاً صابراً ، فطوبى لك إن نالك ما وُعِدَ الصابرون .

يا عيسى ؛ رح من الدنيا يوماً فيوماً وذق لما قد ذهب طعمه، فحقاً أقول : ما أنت إلا بساعتك ويومك، فُرْح من الدنيا ببلغة، وليكفك الخشن الجشب، فقد رأيت إلى ما تصير، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت.

يا عيسى ؛ إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إيّاك، ولا تقهر اليتيم .

يا عيسى ؛ إبك على نفسك في الخلوات ، وانقل قدَمَيْكَ إلى مواقيت الصلاة، وأسمِعْني لذاذة نطقك بذكري، فإن صنيعي إليك حسن.

يا عيسى ؛ كم من أُمّة أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها .

یا عیسی ؛ ارفق بالضعيف، وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعُني فإني منك قريب، ولا تدعُني إلا متضرعاً إليّ وهمك هماً واحداً، فإنك متى تدعُني كذلك أُحبْكَ.

يا عيسى ؛ إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك ولا عقاباً لمن انتقمت منه .

يا عيسى ؛ إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك، وعندي ميقات أجَلَلِك ، وإليّ إيابك وعليَّ

ص: 115


1- أي بزخارف الدنيا وزينتها .
2- البتول : المنقطعة عن الرجال، وأيضاً : المنقطعة عن الدنيا إلى الله ، وبلحاظ الأول أصبح إسماً لمريم(عليها السلام)، وبلحاظ الثاني أصبح إسماً لفاطمة(عليها السلام).
3- قَلى : أبغض .

حسابك، فَسَلْني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة .

يا عيسى ؛ ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر، الأشجار كثيرة وطيبها قليل، فلا يغرَّنَّكَ حسنُ شجرة حتى تذوق ثمرها :

يا عيسى ؛ لا يغرَّنك المتمرد عليَّ بالعصيان، يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه، ثم يرجع إلى ما كان عليه ،فَعَليَّ يتمرّد أم بسخطي يتعرّض، فبي حلفتُ لأخذَنَّه أخذةً ليس له منها منجا ولا دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي وأرضي.

يا عيسى ؛ قل لظَلَمَةِ بني إسرائيل: لا تدعوني والسُّحْتُ(1)تحت أحضانكم(2)والأصنام في بيوتكم، فإني آليتُ أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم(3)حتى يتفرقوا (4).

يا عيسى ؛ كم أطيل النظر وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون، تخرج الكلمة من أفواههم، لا تعيها قلوبهم، يتعرّضون لمقتي، ويتحببون بقربي إلى المؤمنين .

يا عيسى؛ ليكن لسانك في السر والعلانية واحداً، وكذلك فليكن قلبك وبصرك، واطْوِ قلبك ولسانك عن المحارم، وكُفَّ بصرك عما لا خير فيه، فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة، ووردت به موارد حياض الهلكة .

يا عيسى ؛ كن رحيماً مترحماً، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك، وأكثر ذكر (ك) الموت ومفارقة الأهلين ولا تَلْهُ فإن اللهو يُفسد صاحبه، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد، واذكرني بالصالحات حتى أذكرَك .

يا عيسى؛ تب إليّ بعد الذنب، وذكّر بي الأوّابين(5)، وآمن بي، وتقرّب بي إلى المؤمنين ، ومُرْهم يدعوني معك، وإياك ودعوة المظلوم، فإني آليت على نفسي أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول، وأن أجيبه ولو بعد حين .

يا عيسى ؛ اعلم أن صاحب السوء يُعْدي وقرين السوء يُرْدي(6)، واعلم مَن تُقَارِن،

ص: 116


1- السُّحت: الحرام.
2- أحضان: جمع حضن والحضن ما دون الابط إلى الكشح أو الصدر.
3- أي على الظالمين.
4- أي الداعون .
5- أي الراجعين إلى الله بالتوبة والعمل الصالح .
6- أي يهلك من يقارنه .

واختر لنفسك إخواناً من المؤمنين.

يا عيسى، تب إليَّ فإني لا يتعاظمني ذنب أن اغفره وأنا أرحم الراحمين، إعمل لنفسك في مهلة من أجَلِكَ قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدّون، فيه أَجْزي بالحسنة أضعافها، وإن السيئة تُوبِق(1)صاحبها ، فامهد لنفسك في مُهلة، ونافس في العمل الصالح، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .

يا عيسى ؛ ازهد في الفاني المنقطع ، وَطَأ رسوم(2)منازل من كان قبلك فادْعُهُم وناجِهِم هل تحسّ منهم من أحد، وخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين .

يا عيسى ؛ قل لمن تمرّد عليَّ بالعصيان وعمل بالأدهان(3): ليتوقع عقوبتي، وينتظر إهلاكي إياه، سَيُصْطَلَم(4)مع الهالكين ، طوبى لك يابن مريم، ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحماً، وبدأك بالنعم منه تكرّماً ، وكان لك في الشدائد، لا تعصه يا عيسى، فإنه لا يحل لك عصيان، قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك، وأنا على ذلك من الشاهدين.

يا عيسى ؛ ما أكرمت خليقةً بمثل ديني، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي .

يا عيسى ؛ اغسل بالماء منك ما ظهر، وداو بالحسنات منك ما بطن، فإنك إليَّ راجع .

يا عيسى؛ أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضاً(5)من غير تكدير، وطلبت منك قرضاً لنفسك فبخلتَ به(6)عليها لتكون من الهالكين .

يا عيسى ؛ تزيّن بالدين، وحب المساكين، وامش على الأرض هَوْناً، وصلّ على البقاع فكلّها طاهر.

يا عيسى ؛ شمّر، فكل ما هو آت قريب، واقرأ كتابي وأنت طاهر، وأسْمِعْني منك صوتاً حزيناً .

ص: 117


1- تُوبِق : تُهْلِك .
2- رسوم : أي آثار.
3- الإدهان: من المداهنة، وهي أن يظهر الإنسان غير ما يبطن، والمقصود هنا المداهنة : في الدين.
4- أي سيُستأصل
5- أي واسعاً كثيراً .
6- هذا خطاب له ويراد به أمته لأنه(عليه السلام)معصوم منزّه عن القبيح .

یا عیسى ؛ لا خير في لذاذة لا تدوم، وعيش من صاحبه يزول ،يابن مريم ، لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبون، ويدخل عليهم الملائكة المقرّبون وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغيّر فيها النعيم ولا يزول عن أهلها ،يابن مريم ؛ نافس فيها مع المتنافسين فإنها أمنية المتمنّين، حسنة المنظر، طوبى لك يابن مريم إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم وإبراهيم، في جنات ونعيم لا تبغي بها بَدَلاً ولا تحويلاً، كذلك أفعل بالمتقين .

یا عیسی ؛ اهرب إليّ مع من يهرب من نار ذات لهب، ونار ذات أغلال وأنكال، لا يدخلها رَوحٌ ولا يخرج منها غم أبداً، قِطَعٌ كقطع الليل المظلم، من ينج منها يُفزْ، ولن ينجو منها من كان من الهالكين، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين وكلّ فظ غليظ، وكل مختال فخور.

يا عيسى ؛ بئست الدار لمن ركن إليها، وبئس القرار دار الظالمين، إني احذّرك نفسك فكن بيخبيراً .

يا عيسى ؛ كن حيث ما كنت مراقباً لي، واشهد عليّ أني خلقتك وأنت عبدي، وأني صورتك وإلى الأرض أهْبِطُك .

يا عيسى ؛ لا يصلح لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الأذهان.

يا عيسى؛ لا تستيقظنَّ عاصياً، ولا تستنبهنَّ لاهياً، وافطم نفسك عن الشهوات الموبقات ، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين، فكن مني على حَذَر، واعلم أن دنياك مؤدّيتك إليّ ، وإني أخذك بعلمي، فكن ذليل النفس عند ذكري، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظاناً عند نوم الغافلين .

يا عيسى ؛ هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك، فخذها مني وإني رب العالمين .

يا عيسى ؛ إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله عليّ، وكنت عنده حين يدعوني ،وكفا بي منتقماً ممن عصاني، أين يهرب مني الظالمون؟

يا عيسى ؛ أطب الكلام، وكن حيث ما كنتَ عالماً متعلماً .

یا عیسى ؛ أقض بالحسنات إليّ حتى يكون لك ذكرها عندي، وتمسّك بوصيتي فإن نيها شفاءاً للقلوب .

ص: 118

يا عيسى ؛ لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري .

يا عيسى ؛ حاسب نفسك بالرجوع إليّ حتى تنجز ثواب ما عمله العاملون ، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين.

یا عیسی ؛ كنت خلقاً بكلامي(1)، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها، روحي جبرئيل الأمين من ملائكتي ، حتى قمت على الأرض حياً تمشي ، كل ذلك في سابق علمي .

یا عیسی ؛ زكريا بمنزلة أبيك، وكفيل أمك إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقاً، ونظيرك يحيى من خلقي، وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني ويظهر فيك قدرتي ، أحَبُّكُمْ إليّ أطوعُكُم لي، وأشدُّكم خوفاً مني .

يا عيسى ؛ تيقّظ ولا تيأس من رَوحي، وسبّحني مع من يسبّحني، وبطيب الكلام فقدّسني .

يا عيسى؛ كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي، وتقلّبهم في أرضي، يجهلون نعمتي، ويتولون عدوّي وكذلك يهلك الكافرون .

يا عيسى؛ إن الدنيا سجن منتن الريح ، وَحُسَنَ فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبّارون، وإياك والدنيا فكلّ نعيمها يزول وما نعيمها إلا قليل .

يا عيسى ؛ ابغني عند وسادك تجدْني ، وادعني وأنت لي محب، فإني أسمع السامعين، استجيب للداعين إذا دَعَوْني .

يا عيسى ؛ خَفْني وخوّف بي عبادي، لعل المذنبين أن يمسكوا عمّا هم عاملون به فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون .

يا عيسى ؛ ارهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه، فكلّ هذا أنا خلقته فإياي فارهبون. يا عيسى؛ إن الملك لي وبيدي وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين .

يا عيسى ؛ إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك، وإن رضيت عنك لم يضرّك غضب المغضبين .

ص: 119


1- أي بقولي: كن، فكنت

يا عيسى ؛ اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي(1)، واذكرني في ملائك(2)أذكرك في ملاء خير من ملأ الآدميين(3).

يا عيسى ؛ ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث .

يا عيسى ؛ لا تحلف بي كاذباً فيهتز عرشي غضباً، الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل، وعندي دار خير مما تجمعون .

يا عيسى ؛ كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون ، بسرائر قد كتمتموها، وأعمال كنتم بها عاملين.

يا عيسى ؛ قل لَظَلَمَة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم، أبي تغتّرون أم عليّ تجترؤون، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميّتون .

يا عيسى ؛ قل لهم : قلّموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصمّوا أسماعكم عن ذكر الخَنا، وأقبلوا عليَّ بقلوبكم فإني لست أريد صُوَرَكم(4).

یا عیسى ؛ افرَحْ بالحسنة فإنها لي رضى، وابكِ على السيئة فإنها شَيْن(5)، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر، وتقرّب إليَّ بالمودة جهدَك، وأعرض عن الجاهلين.

يا عيسى ؛ ذل لأهل الحسنة وشاركهم فيها وكن عليهم شهيداً، وقل لَظَلَمَة بني إسرائيل : يا أخدان(6) السوء والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسُحكم قردة وخنازير.

يا عيسى ؛ قل لَظَلَمَة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فَرَقاً(7)مني وأنتم بالضحك

ص: 120


1- «أراد به الذكر القلبي وهو عدم الغفلة عنه، وذكره تعالى في نفسه عبارة عن الإكرام وإفاضة الخيرات» المازندراني ١٢ / ١٢٠.
2- الملأ - هنا - جماعة الآدميين.
3- يقصد جماعة الملائكة المقربين .
4- في بعض النسخ: ضرركم، وما في الكتاب أصح على الظاهر.
5- الشَيْن : القبيح والعيب .
6- أي يا أصحاب والخِدن والخدين : الصاحب .
7- « إسناد البكاء إلى الحكمة مجازي لأنها سبه، ويمكن أن يكون بتقدير مضاف، أي: أهل الحكمة. ويمكن أن تُقرأ : تُبكي، من باب الأفعال» مرآة العقول للمجلسي ٣٣٢/٢٥. والفَرَق : الخوف.

تهجرون، أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي ، أم تَعَرّضون لعقوبتي، فبي حلفت لأتركنَّكم مثلاً للغابرين .

ثم أوصيك يابن مريم البكر البتول، بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر ، المشرق بالنور، الطاهر القلب، الشديد البأس، الحيي المتكرم، فإنه رحمة للعالمين وسيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين عليّ وأقرب المرسلين مني، العربي الأمين، الديّان بديني(1)، الصابر في ذاتي، المجاهد المشركين بيده عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدّقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتّبعوه وأن ينصروه .

قال عيسى(عليه السلام): إلهي من هو حتى أرضيه ؟ فلك الرضا، قال: هو محمد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى الناس كافة، أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة، طوبى له من نبي، وطوبى لأمته إن هم لقوني على سبيله، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء، أمين ميمون(2)طيب مطيب، خير الباقين عندي، يكون في آخر الزمان، إذا خرج أرخت السماء عَزَاليها، وأخرجت الأرض زهرتها حتى يروا البركة، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه ، كثير الأزواج، قليل الأولاد، يسكن بكّة موضع أساس إبراهيم .

يا عيسى ؛ دينه الحنفية، وقبلته يمانية(3)، وهو من حزبي وأنا معه، فطوبى له ثم طوبى له، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن، يعيش أكرم من عاش، ويُقبض شهيداً(4)، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم، فيه آنية مثل نجوم السماء، وأكواب مثل مدر الأرض، عذب فيه من كل شراب وطعم كل ثمار في الجنة، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه على فترة بينك وبينه، يوافق سره علانيته، وقوله فعله؛ لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به، دينه الجهاد في عسر ويسر، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم، يسمي عند الطعام ويفشي السلام ويصلّي والناس نيام، له كل يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصفّ قدميه في الصلاة كما تصفّ الملائكة أقدامها، ويخشع لي قلبه ورأسه، النور في صدره والحق على لسانه، وهو على الحق حيثما كان، أصله يتيم، ضالّ برهة من زمانه عما

ص: 121


1- الديّان: القهاّر، المعنى يحملهم على الدخول في دين الله
2- في بعض النسخ: مأمون .
3- قال في النهاية : إنما قال ذلك، لأن الإيمان بدأ من مكة وهي من تهامة وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يقال : الكعبة اليمانية .
4- وقد ذكر في البحار أنه(صلی الله علیه وآله وسلم)مات مسموماً بذراع الشاة التي قدمته له اليهودية فراجع ٤٠٦/٨٧ .

یراد به(1)، تنام عيناه ولا ينام قلبه، له الشفاعة وعلى أمته تقوم الساعة، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة ، فَمُرَ ظَلَمَةً بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه، ولا يحرّفوا سنّته، وأن يقرؤوه السلام، فإن له في المقام شأناً من الشأن .

يا عيسى ؛ كلما يقرّبك مني فقد دللتك عليه، وكلما يباعدُك مني فقد نهيتك عنه فارتَدْ لنفسك (2).

يا عيسى ؛ إن الدنيا حلوة وإنما استعملتك فيها ، فجانب منها ما حذّرتك، وخذ منها ما أعطيتك عفواً(3).

يا عيسى ؛ انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطىء، ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب، كن فيها زاهداً ولا ترغب فيها فتعطب.

يا عيسى ؛ اعقل وتفكر وانظر في نواحي الأرض كيف كان عاقبة الظالمين .

يا عيسى ؛ كلُّ وصفي لك نصيحة، وكل قولي لك حق، وأنا الحق المبين، فحقاً أقول: لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك مالك من دوني وليّ ولا نصير .

يا عيسى ؛ أذلّ قلبك بالخشية، وانظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى من هو فوقك، واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب هو حب الدنيا ، فلا تحبّها فإني لا أحبها .

يا عيسى ؛ أطِبْ لي قلبك، وأكثر ذكري في الخلوات ، واعلم أن سروري أن تُبَصْبِصَ (4)إليّ ، كن في ذلك حياً ولا تكن ميتاً .

يا عيسى ؛ لا تشرك بي شيئاً، وكن مني على حذر، ولا تغتّر بالصحة وتغبط نفسك، فإن الدنيا كفيء زائل، وما أقبل منها كما أدبر، فنافس في الصالحات جهدك، وكن مع الحق حيثما كان، وإن قطعت وأحرقتَ بالنار، فلا تكفر بي بعد المعرفة فلا تكونن من الجاهلين، فإن الشيء يكون مع الشيء(5).

ص: 122


1- أي من البعثة والوحي .
2- أي أطلب لنفسك ما هو خير لك .
3- العفو: أطيب المال وأحلّه، ويطلق على ما تيسر وسهل متناوله أيضاً .
4- التبصبص : التملق .
5- أي لكل عمل جزاء، وكل شيء يكون مع ما يجانسه فلا تجلس مع الجاهلين تكن منهم، مرآة العقول للمجلسي ٣٤٠/٢٥ .

يا عيسى ؛ صبّ لي الدموع في عينيك، واخشع لي بقلبك .

يا عيسى ؛ استغث بي في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين، وأجيب المضطرّين، وأنا أرحم الراحمين.

١٠٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحَكَم، عن منصور بن يونس، عن عنبسة ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إذا استقر أهل النار في النار يفقدونكم فلا يرون منكم أحداً، فيقول بعضهم لبعض:﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ *أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴾ قال : وذلك قول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ »﴾ ، يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا(1).

حديث إبليس لعنۀ الله

105 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب قال : قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): من أشد الناس عليكم؟ قال : قلت : جُعِلت فداك ؛ كُلُّ(2)، قال : أتدري مم ذاك يا يعقوب؟ قال : قلت : لا أدري جعلت فداك، قال: إن إبليس دعاهم فأجابوه وأمرهم فأطاعوه ودعاكم فلم تجيبوه، وأمركم فلم تطيعوه، فأغرى بكم الناس .

١٠٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : إذا رأى الرجل ما يكره في منامه فليتحوّل عن شقّه الذي كان عليه نائماً وليقل : ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾(3)ثم ليقل : «عزت بما عادت به ملائكة الله المقرّبون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون، من شر ما رأيت ومن شر الشيطان الرجيم» .

دعاء علمۀ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فاطمۀ (عليه السلام)فی رؤیاها التی رأتها

١٠٧ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ،وعلي بن إبراهيم، عن أبيه ، جميعاً، عن ابن محبوب، عن هارون بن منصور العبدي، عن أبي الورد عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة(عليها السلام)في رؤياها التي رأتها(4)، قولي: «أعوذ بما عادت به ملائكة الله

ص: 123


1- لقد مر مثل هذا الحديث هنا فراجع
2- أي كل أعداء الإيمان في مستوى واحد من العداء لنا والشدة علينا .
3- المجادلة / ١٠ . والنجوى المناجاة. وقيل: عنى به مناجاة المنافقين بعضهم بعضاً .
4- روى علي بن إبراهيم في تفسيره قصة رؤيا فاطمة(عليه السلام)هذه في ج ٢ / ٣٥٥ فراجع .

المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت في ليلتي هذه، أن يصيبني منه سوء أو شيء أكرهه، ثم انقلبي عن يسارك ثلاث مرات».

حديث محاسبة النفس

108 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد، جميعاً، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد الله : إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه ، فليأيس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عز ذكره، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلا أعطاه ، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقداره ألف سنة، ثم تلا : ﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾(1).

مثل الناس یوم القیامۀ

109 - وبهذا الإسناد، عن حفص، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال :من كان مسافراً فليسافر يوم السبت، فلو أن حجراً زال عن جبل يوم السبت لردّه الله عز ذكره إلى موضعه، ومن تعذّرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء، فإنه اليوم الذي ألآنَ الله فيه الحديد لدواد(عليه السلام).

110 - وبهذا الإسناد، عن حفص، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : مَثَلُ الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين، مَثَلُ السهم في القُرْب(2)، ليس له من الأرض إلا موضع قدمه، كالسهم الكنانة، لا يقدر أن يزول ههنا ولا ههنا .

حدیث حفص وسجود أبی عبدالله(عليه السلام)

111 - وبهذا الإسناد، عن حفص قال : رأيت أبا عبد الله(عليه السلام)يتخلل بساتين الكوفة ، فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد ، فأحصيت في سجوده(3)خمسمائة تسبيحة ، ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات، ثم قال : يا (أبا) حفص ؛ إنها والله النخلة التي قال الله جلّ وعز لمريم(عليها السلام):﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾(4).

فی مذمۀ الدنیا

112 - حفص، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : قال عیسی(عليه السلام) : اشتدّت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة، أما مؤونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليها، وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعواناً يعينونك عليها .

ص: 124


1- السجدة / ٥ . مما تعدّون: أي من أيام الدنيا .
2- أي في قرب كل منها من الآخر. وفي بعض النسخ : في القرن : وهو جعبة من جلد تشق وتجعل فيها ال_سهام.
3- يحتمل في كل سجدة من سجوده، كما يحتمل أنه فعل هذا العدد من التسبيح في الجميع .
4- مريم / ٢٥ . وجَنِيًّا: أى مجنيّاً رطباً .

فی ذم شکایۀ المومن حاجته عند الکافر

113 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يونس بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : أيما مؤمن شكا حاجته وضُره إلى كافر أو إلى من يخالفه على دينه ، فكأنما شكا الله عز وجل إلى عدو من أعداء الله، وأيّما رجل مؤمن شكا حاجته وضره إلى مؤمن مثله كانت شكواه إلى الله عز وجل(1).

حدیث المشرکین مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

١١٤ - ابن محبوب ،عن جميل بن صالح، عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن داود(عليه السلام)، أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس، فقال لها : ما اسمك؟ قالت : الخرنوبة ، قال : فولّى سليمان مُدبراً إلى محرابه ، فقام فيه متكئاً على عصاه، فقبض روحه من ساعته ، قال: فجعلت الجن والإنس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم يظنّون أنه حي لم يمت، يغدون ويروحون وهو قائم ثابت، حتى دَبَت الأرضَة(2)من عصاه فأكلت منسأته(3)فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض فلا تسمع لقوله عز وجل :

﴿ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ (4).

إن الله تعالی خلق الجنۀ قبل أن یخلق النار

115 - ابن محبوب، عن جميل بن صالح ، عن سدير ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: أخبرني جابر بن عبد الله أن المشركين كانوا إذا مرّوا برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا - وغطى رأسه بثوبه - لا يراه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فأنزل الله عز وجل :﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾(5).

١١٦ - ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل خلق الجنة قبل أن يخلق النار، وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية، وخلق الرحمة قبل الغضب، وخلق الخير قبل الشر، وخلق الأرض قبل السماء، وخلق الحياة

ص: 125


1- «والوجه في ذلك أن المؤمن من حزب الله والشاكى إليه يجعله وسيلة يتوسل به إلى الله سبحانه، والكافر من أعداء الله فالشكاية إليه شكاية عن الله حيث أظهر سره إلى عدوه والأول محمود إلا عند المتوكلين . . . والثاني مذموم شرعاً وعقلاً» المازندراني ١٣٩/١٢ .
2- الأَرَضة : دابة تأكل الخشب .
3- المِنسأة : العصا.
4- سبأ / ١٤
5- هود / ٥ قيل : إن الآية نزلت في طائفة من المشركين قالوا : إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)كيف يعلم ؟ .

قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر، وخلق النور قبل الظُّلْمة .

فی قوله تعالی :﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾

117 - عنه، عن عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إن الله خلق الخير يوم الأحد، وما كان ليخلق الشر قبل الخير، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء، وخلق السماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس، وخلق أقواتها يوم الجمعة، وذلك قوله عز وجل :﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾(1).

118 - ابن محبوب، عن حنان، وعلي بن رئاب، عن زرارة قال : قلت له : قوله عز وجل :﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾(2)قال : فقال أبو جعفر(عليه السلام): يا زرارة، إنه إنما صمد لك ولأصحابك، فأما الآخرون فقد فرغ منهم .

حدیث فیه مدح لزرارۀ بن أعین وأصحابه

119 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعید ،جميعاً، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبد الله مسکان ،عن بدر بن الوليد الخثعمي قال : دخل يحيى بن سابور على أبي عبد الله(عليه السلام)ليودعه، فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): أما والله إنكم لعلى الحق، وإن من خالفكم لعلى غير الحق، والله ما أشك لكم في الجنة وإني لأرجو أن يقرّ الله لأعْيُنكم(3)عن قريب.

120 - يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال : قلت : جُعِلتُ فداك، أرأيت الرّاد على هذا الأمر(4)فهو كالراد عليكم ؟ فقال : يا أبا محمد، من رد عليك هذا الأمر فهو كالراد على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعلى الله تبارك وتعالى، يا أبا محمد، إن الميت (منكم) على هذا الأمر شهيد، قال: قلت: وإن مات على فراشه؟ قال: إي والله وإن مات على فراشه حي عند ربه يرزق(5).

١٢١ - يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن حبيب قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : أما والله ما أحد من الناس أحب إليّ منكم ، وإن الناس سلكوا سُبُلاً شتى ،

ص: 126


1- السجدة / ٤ . وقد أشار الحديث إلى أن خيريته تعالى تقتضي إلا يقدم خلق الشر على خلق الخير وابتداء خلق الخير كان يوم الأحد، ومقتضاه أن ابتداء خلق الجميع يوم الأحد فلم يخلق قبله شيء.
2- الأعراف / 17 . والقول حكاية عن إبليس لعنه الله ، والمقصود بالآخرين: المخالفون.
3- في بعض النسخ : بأعينكم ، وكلا الوجهين صحيحان .
4- أي أمر الإمامة .
5- أي له من الثواب والمنزلة ما للشهداء عند ربهم .

فمنهم من أخذ برأيه، ومنهم من اتبع هواه، ومنهم من اتبع الرواية(1)، وإنكم أخذتم بأمر له أصل، فعليكم بالورع والاجتهاد، واشْهَدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة، أما يستحي الرجل منكم أن يَعْرِفَ جارُه حقه ولا يعرف حق جاره .

فضل الشیعۀ، ووصیۀ أبی عبدالله (عليه السلام)لهم

١٢٢ - عنه ، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): يا مالك، أترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفّوا (2)وتدخلوا الجنة؟ يا مالك ؛ إنه ليس من قوم ائتمّوا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم ومن كان على مثل حالكم ،يا مالك؛ إن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله .

من مات ولم یکن له إمام مات میته جاهلیۀ

١٢٣ - يحيى الحلبي ، عن بشير الكناسي قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : وَصَلَّتم وقطع الناس، وأحببتم وأبغض الناس، وعرفتم وأنكر الناس وهو الحق، إن الله اتخذ محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)عبداً(3)قبل أن يتخذه نبياً، وإن علياً(عليه السلام)كان عبداً ناصحاً لله عز وجل فنصحه، وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا في كتاب الله بيّن، لنا صفو الأموال، ولنا الأنفال، وإنا قرم فرض الله عز وجل طاعتنا، وإنكم تأتمون بمن لا يُعْذَرُ الناس بجهالته، وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية»، عليكم بالطاعة فقد رأيتم أصحاب علي(عليه السلام)، ثم قال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال في مرضه الذي توفي فيه: «أُدْعُوا لي خليلي»، فأَرسَلَتَا إلى أبويهما(4)فلما جاء أعرض بوجهه، ثم قال: «أدْعُوا لي خليلي»، فقالا: قد رآنا، لو أرادنا لكلّمنا ، فأرسلتا إلى علي(عليه السلام)، فلما جاء أكبّ عليه يحدثه ويحدثه، حتى إذا فرغ لقياه فقالا : ما حدّثك ؟ فقال : حدّثني بألف باب من العلم يفتح كل باب إلى ألف باب.

إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إذا ذهب من طریق رجع من غیره

١٢٤ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن موسى بن عمر بن بزيع قال : قلت للرضا(عليه السلام): إن الناس رَوَوْا أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فهكذا كان يفعل؟ قال: نعم، فأنا أفعله كثيراً، فافْعَلْه، ثم قال لي : أما إنه أرْزَقُ لك (5).

١٢٥ - سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن محمد بن

ص: 127


1- أي الأخبار المنقولة عن أهل الخلاف والفسق ومن غير طريق أهل البيت(عليهم السلام)وأصحابهم .
2- أي ألسنتكم عن اللغو والباطل وقول السوء .
3- أي عبداً كاملاً فى عبوديته له سبحانه وهذا أعلى مراتب التحرر.
4- يعني أبا بكر والد عائشة وعمراً والدحفصة .
5- أى ذلك موجب لمزيد من الرزق .

الفضيل، عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)قال : قلت له : جُعِلْتُ فداك، الرجل من أخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله عن ذلك فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قوم ثقات؟ فقال لي : يا محمد، كذَّب سمعك وبصَرَك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قَسَامة، وقال لك قولاً فصدّقه وكذّبهم ،لا تذيعنَّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله في كتابه :

تکذیب المغتاب وحملُ فعل المومن علی أحسنه

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾(1).

حديث من وُلد في الإسلام

١٢٦ - سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد ربه بن رافع ، عن الحباب موسى ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: من وُلِدَ في الإسلام حراً فهو عربي، ومن كان له عهد فَخَفَرَ(2)في عهده فهو مولى لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومن دخل في الإسلام طوعاً فهو مهاجر(3).

عرف الله تعالی نفسه إلی خلقۀ بالکلام والدلالات

127 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صَدَقَة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): من أصبح وأمسى وعنده ثلاث(4)فقد تمّت عليه النعمة في الدنيا : من أصبح وأمسى معافاً في بدنه، آمناً في سِرْبِه(5)، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة فقد تمّت عليه النعمة في الدنيا والآخرة : وهو الإسلام.

128 _ عنه ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، عن أبيه(عليهم السلام)أنه قال لرجل وقد كلّمه بكلام كثير فقال : أيها الرجل ؛ تحتقر الكلام وتستصغره، إعلم أن الله عز وجل لم يبعث رسله حيث بعثهم ومعهم ذهب ولا فضة، ولكن بعثهم بالكلام، وإنما عَرّف الله جل وعز نفسه إلى خلقه بالكلام، والدلالات عليه والأعلام.

ما خلق الله عزوجل شیئاً إلا وخلق شیئاً یغلبه

١٢٩ _ وبهذا الإسناد قال : قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): ما خلق الله جل وعز خلقاً إلّا وقد أمّر عليه آخر يغلبه فيه، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فَخَرت وزَخَرَت(6)وقالت : أي

ص: 128


1- النور/ 19 . والإشاعة الإفشاء ،والإذاعة والفاحشة : ما يشتد قبحه من الذنوب، أو الذنب مطلقاً .
2- خَفَر: أي نقض العهد .
3- ) أي له ثواب المهاجر في سبيل الله، وعلى المؤمنين احترامه وتوقيره وأداء حقه .
4- أي ثلاث خصال .
5- السّرْب : الطريق. وقيل : الِّسرب : النفس.
6- أي طَمَت وتملَّات .

شيء يغلبني ، فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلّت، ثم قال : إن الأرض فَخَرت وقالت : أي شيء يغلبني ؟ فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بما عليها، فذلّت الأرض واستقرت، ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت وقالت : أي شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها، فقّرت الجبال وذلت، ثم إن الحديد فَخَرَ على الجبال وقال : أي شيء يغلبني ؟ فخلق النار فأذابت الحديد، فذلّ الحديد، ثم إن النار زَفَرَتْ وَشَهَقَتْ وَفَخَرَتْ وقالت : أي شيء يغلبني ؟ فخلق الماء فأطفأها، فذلّت، ثم إن الماء فخر وزَخَر وقال : أي شيء يغلبني؟ فخلق الريح فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذلّ الماء، ثم إن الريح فَخَرَت وعَصَفَتْ وأرخت أذيالها(1)وقالت : أي شيء يغلبني؟ فخلق الإنسان فبنى واحتال واتخذ ما يستتر به من الريح وغيرها، فذلّت الريح ، ثم إن الإنسان طغى وقال : من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت فقهره فذلّ الإنسان، ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله عز وجل : لا تفخر، فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة وأهل النار، ثم لا أحييك أبداً فتُرْجى أو تُخَاف(2)، وقال أيضاً: والحلم يغلب الغضب، والرحمة تغلب السُّخط، والصدقة تغلب الخطيئة، ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره .

وصیّۀ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لرجل استوصاه

١٣٠ - عنه ، عن هارون بن مسلم، عن مَسْعدة بن صَدَقَة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: إن رجلا أتى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال له : يا رسول الله أوصني ، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): فهل أنت مستوص(3)إن أنا أوصيتك، ، حتى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلها يقول له الرجل : نعم يا رسول الله ، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يَكُ رشداً فأَمْضِهِ وإن يك غياً فانْتَهِ عنه.

أمر النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)بالترحم علی ثلاث

131 - وبهذا الإسناد أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «ارحموا عزيزاً ذلّ، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع في زمان جهّال»

نهی عن تجسّس عیوب من کان أقبل إلینا بمودته

132 - وبهذا الإسناد قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول لأصحابه يوماً : لا تطعنوا في عيوب من أَقبَلَ إليكم بمودته ، ولا توقفوه(4)على سيئة يخضع لها، فإنها ليست من أخلاق رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ولا من أخلاق أوليائه .

ص: 129


1- هذا استعارة، والمعنى أنها رفعت أذيالها وتبخترت وتكبّرت .
2- أي يكون رجاءً لأهل النار علهم يموتون فينجون من عذاب النار، وخوفاً لأهل الجنة من أن يموتوا فيحرمون النعيم الذي هم فيه يتقلبون .
3- أي متحمل لوصيتي عامل بها .
4- أي لا تطلعوه على نقيصة علمتموها عنه فيكون ذلك سبباً لحطّ شأنه وشعوره بالمهانة بينكم فيذلّ لكم

قال : وقال أبو عبد الله(عليه السلام): إن خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لاالمال، فإن المال يذهب والأدب يبقى، قال مسعدة: يعني بالأدب العلم.

قال : وقال أبو عبد الله(عليه السلام): إن أُجَلْتَ في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على يوم موتك، فقيل له : وما تلك الاستعانة ؟ قال : تحسن تدبير ما تُخَلَّفُ وتُحْكِمُه .

قال : وكتب أبو عبد الله(عليه السلام)إلى رجل : بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعدُ؛ فإن المنافق يرغب فيما قد سعد به المؤمنون، والسعيد يتعظ بموعظة التقوى، وإن كان يراد بالموعظة لا غيره .

جعل المتعۀ للإمامیۀ عوضاً من الأشربۀ

133 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط قال : أخبرني بعض أصحابنا، عن محمد بن مسلم قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): يابن مسلم، الناس أهل رياء غيركم، وذلّكم إنكم أخفيتم ما يحب الله عز وجل وأظهرتم ما يحب الناس، والناس أظهروا ما يسخط الله عز وجل وأخفَوَا ما يحبه الله، يابن مسلم، إن الله تبارك وتعالى رأف بكم تجعل المتعة(1)عوضاً لكم عن الأشربة .

ما شرط الرضا(عليه السلام)علی المأمون فی قبول ولایۀ العهد

١٣٤ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن معمّر بن خلاد، قال: قال لي أبو الحسن الرضا(عليه السلام)قال لي المأمون: يا أبا الحسن؛ لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه النواحي التي قد فسدت علينا؟ قال : قلت له : يا أمير المؤمنين، إن وَفَيْتَ لي وَفَيْتُ لك، إنما دخلت في هذا الأمر (2)الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى ، ولا أُوَلّي ولا أعزل، وما زادني هذا الأمر الذي دخلتُ فيه في النعمة عندي شيئاً، ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب، ولقد كنت أركب حماري وأمرّ في سِكَك المدينة(3)وما بها اعزّ مني، وما كان بها أحد منهم يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له، قال: فقال لي : أفِي لَكَ.

بعض حقوق المسلم مع إخوانه

١٣٥ - علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم):« حقٌّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه، وحقٌّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه» (4).

ص: 130


1- أي النكاح المؤقت.
2- أي ولاية العهد.
3- أي طرق المدينة .
4- حقٌّ: أي ثابت، وحمله الأصحاب على الاستحباب .

١٣٦ - وبهذا الإسناد قال: قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «خلّتان كثير من الناس فيهما مفتون(1): الصحة والفراغ ».

النهی عن تعریض الإنسان نفسه للتهمۀ

137 - وبهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): من عَرّض نفسه للتهمة فلا يلومنَّ من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخِيَرَةُ في يده .

صفۀ نهر فی الجنۀ یقال له: جعفر

138 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن شاذان ، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)قال : قال لي أبي : إن في الجنة نهراً يقال له جعفر، على شاطئه الأيمن درّة بيضاء فيها ألف قصر، في كل قصر ألف قصر لمحمد وآل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، وعلى شاطئه الأيسر درّة صفراء فيها ألف قصر، في كل قصر ألف قصر لإبراهيم وآل إبراهيم(عليه السلام)(2).

النصر مع من أحسن الرعایۀ والحفظ للإسلام

139 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما التقت فئتان قط من أهل الباطل، إلا كان النصر مع أحسنهما بقية(3)على (أهل) الإسلام .

١٤٠ - عنه ، عن أحمد، عن علي بن حديد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله قال : جُبلَتْ القلوبُ(4)على حُبّ من ينفعها وبغض من أضَرَّ بها.

موعظۀ نافعۀ لعلی بن الحسین(عليه السلام)

١٤١ _ محمد بن أبي عبد الله، عن موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن عيسى بن عبد الله، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى

(عليه السلام)قال : أخذ أبي بيدي ثم قال : يا بني ؛ إن أبي محمد بن علي(عليه السلام)أخذ بيدي كما أخذت بيدك وقال : إن أبي علي بن الحسين(عليه السلام)أخذ بيدي وقال : يا بني إفعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان من أهله فقد أصبتَ موضعه، وإن لم يكن من أهله كنت أنتَ من أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك فاعتذَرَ إليك فاقْبَلْ عُذْرَه .

كان كل شيء ماءاً وكان عرشه على الماء

١٤٢ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم، والحجّال عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر(عليه السلام):

ص: 131


1- أي ممتحن. «والفتنة فيهما إما لطغيان النفس لأنهما من الأسباب القريبة له أو لترك الشكر عليهما لأنهما من النعماء الجليلة التي يجب الشكر عليها» المازندراني ١٥٧/١٢ .
2- صنف المجلسي في المرآة هذا الحديث في قسم الضعيف
3- أي حفظاً ورعاية .
4- أي خُلِقَت

كان كل شيء ماءاً وكان عرشه على الماء، فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم ناراً، ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان، فخلق الله عز وجل السماوات من ذلك الدخان، وخلق الله عز وجل الأرض من الرماد، ثم اختصم الماء والنار والريح فقال الماء: أنا جند الله الأكبر، وقالت النار: أنا جند الله الأكبر، وقالت الريح : أنا جند الله الأكبر، فأوحى الله عز وجل إلى الريح : أنتِ جندي الأكبر(1).

حديث زينب العطّارة

(2)

١٤٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن صفوان، عن خَلَف حمّاد، بن عن الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : جاءت زينب العطّارة الحولاء إلى نساء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وبناته، وكانت تبيع منهن العطر، فجاء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهي عندهنَّ فقال :« إذا أتيتنا طابت بيوتنا»(3)، فقالت : بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله ، قال : «إذا بعتِ فأحسني، ولا تغشّي، فإنه أَتْقى وأَبْقى للمال»، فقالت : يا رسول الله ، ما أتيت بشيء من بيعي، وإنما أتيت أسألك عن عظمة الله عز وجل، فقال: جل جلال الله ، سأحدثك عن بعض ذلك، ثم قال : إن هذه الأرض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ(4)، وهاتان بمن فيهما ومن عليهما عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ، والثالثة حتى انتهى إلى السابعة وتلا هذه الآية :

﴿ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾(5). والسبع الأرضين بمن فيهن ومن عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ، والديك له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب ورجلاه في التُّخوم(6)، والسبع والديك بمن فيه ومن عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ، والصخرة بمن فيها ومن عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ، والسبع والديك والصخرة والحوت بمن فيه ومن عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة

ص: 132


1- مر هذا الحديث بعينه متناً وسنداً فيما سبق فراجع رقم ٦٨ تحت عنوان: حديث أهل الشام .
2- وهو حديث غريب دل على كمال قدرة الصانع وعظمته بما يشتمل عليه إجمالاً من نضد العالم السفلي والعلوي ولا يعلم حقيقته وكيفيته إلا صاحب الوحي ومن تجرد عن العلائق الجسمية والعوائق البدنية حتى اتصل بالملأ الأعلى ورأى الأشياء كما هي عليه في نفس الأمر المازندراني ١٥٩/١٢
3- أي برائحة العطر .
4- القِيّ : القفر الخالي .
5- الطلاق / 12 .« استشهد بالآية لما ذكر حيث جعل الأرض سبع طبقات كل طبقة تحتانية أعظم من الفوقانية وهذه الأرض أصغر من الجميع ... المازندراني ١٦٠/١٢ . »
6- التخوم : جمع تخم وهو منتهى كل قرية أو أرض ولعل المراد هنا بها منتهى الصخرة المذكورة فيما يلى.

قِیّ، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء على الثرى كحلقة ملقاة في فلاة قِيّ ، ثم تلا هذه الآية :

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾(1). ثم انقطع الخبر عند الثرى، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومن عليه عند السماء الأولى كحلقة في فلاة قِيّ، وهذا كله وسماء الدنيا بمن عليها ومن فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قِيّ، وهاتان السماءان ومن فيهما ومن عليهما عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قِيّ، وهذه الثلاث بمن فيهن ومن عليهن عند الرابعة كحلقة في فلاة قِيّ، حتى انتهى إلى السابعة، وهنَّ ومن فيهن ومن عليهن عند البحر المكفوف (2)عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قِيّ، وهذه السبع والبحر المكفوف عند جبال البَرَد كحلقة في فلاة قِيّ، وتلا هذه الآية :

﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾(3)وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البَرَد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قِيّ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البَرَد والهواء عند حُجب النور كحلقة في فلاة قَيّ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البَرَد والهواء وحُجُب النور عند الكرسيّ كحلقة في فلاة قِيّ، ثم تلا هذه الآية :

﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾(4) وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البَرَد والهواء وحُجُبُ النور والكرسيّ عند العرش كحلقة في فلاة قِيّ، وتلا هذه الآية :

﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾(5). وفي رواية الحسن : الحُجُب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب .

حديث الذي أَضَافَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالطائف

(6).

حمل عظام یوسف(علیه السلام)وخبر عجوز بنی إسرائیل

١٤٤ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن يزيد

ص: 133


1- طه/٦. والثرى : كل شيء مبتلّ، وقيل : سبع أرضين .
2- أي المحجور عن أن يطغى بمائه على أهل الأرض وغيرهم .
3- النور/ ٤٣.
4- البقرة/ ٢٥٥ .
5- طه /5 . واستوى استولى بالقدرة وتسلّط .
6- « الظاهر من سياق الحديث أن هذه الضيافة كانت قبل بعثته(صلی الله علیه وآله وسلم)، وأن قدوم الرجل عليه كان بعد قوة الإسلام وكثرة الغنائم» المازندراني ١٦٣/١٢ .

الكناسي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)كان نزل على رجل بالطائف قبل الإسلام فأكرمه، فلما أن بعث الله محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى الناس قيل للرجل : أتدري من الذي أرسله الله عز وجل إلى الناس؟ قال : لا ، قالوا له : هو محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب، وهو الذي كان نزل بك بالطائف يوم كذا وكذا فأكرمتَه ، قال : فقدم الرجل على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فسلّم عليه وأسلم، ثم قال له: أتعرفني يا رسول الله ؟ قال : ومن أنت؟ قال: أنا رب المنزل الذي نزلت به بالطائف في الجاهلية كذا وكذا فأكرمتك، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «مرحباً بك، سَلْ يوم حاجتك»، فقال : أسألك مأتي شاة برعاتها، فأمر له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بما سأل، ثم قال لأصحابه : «ما كان على هذا الرجل أن يسألني سؤال عجوز بني إسرائيل لموسى(عليه السلام)»، فقالوا : وما سألت عجوز بني إسرائيل لموسى ؟ فقال :« إن الله عز ذكره أوحى إلى موسى أن أحمل عظام يوسف(1)من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدسة بالشام، فسأل موسى عن قبر يوسف(عليه السلام)فجاءه شيخ فقال : إن كان أحد يعرف قبره ، ففلانة فأرسل موسى(عليه السلام) إليها، فلما جاءته قال : تعلمين موضع قبر يوسف(عليه السلام)؟ قالت نعم قال : فدلّيني عليه ولك ما سألت، قالت : لا أدلك عليه إلّا بحُكْمى ، قال : فلك الجنة ، قالت : لا ، إلا بحكمي عليك، فأوحى الله عز وجل إلى موسى : لا يكبر عليك أن تجعل لها حكمها، فقال لها موسى: فلك حكمك، قالت : فإن حكمي أن أكون معك في درجتك التي تكون فيها يوم القيامة في الجنة، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «ما كان على هذا لو سألني ما سألت عجوز بني إسرائيل».

١٤٥ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد الله سنان، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : كانت امرأة من الأنصار تودّنا أهل البيت، وتكثر التعاهد لنا، وإن عمر بن الخطاب لقيها ذاتَ يوم وهي تريدنا فقال لها : أين تذهبين عجوزَ الأنصار؟ فقالت : أذهب إلى آل محمد أسلَم عليهم، أسلم عليهم، وأجدّد بهم عهداً، وأقضي حقّهم ، فقال لها عمر : ويلك ، ليس لهم اليوم حق عليك ولا علينا إنما كان لهم حق على عهد رسول الله(2)(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأما اليوم فليس لهم حق فانصرفي، فانصرفت حتى أتت أم سَلَمَة، فقالت لها أم سلمة : ماذا أبطأ بك عنا؟ فقالت : إني لقيت عمر بن الخطاب، وأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر ، فقالت لها أم سلمة : كذب، لا يزال حق آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة.

ص: 134


1- أي جسد يوسف(عليه السلام)لأن أجساد الأنبياء لا تبلَى.
2- «أعترف بأنه كان لهم حق على عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فيقال له : ذلك الحق أن كان لأجل القرابة فهي باقية بعده، وإن كان لأجل فضلهم وكمالاتهم فهي أيضاً كانت باقية بعده، فبأي شيء بطل حقهم بعده؟». المازندراني ١٦٥/١٢ .

تأویل قول تعالی :﴿ويستبشرون بالذين لم يلحقوا...الآیۀ﴾

١٤٦ -ابن محبوب، عن الحارث بن محمد بن النعمان ،عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن قول الله عز وجل :﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾(1)قال: هم والله شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنة، واستقبلوا الكرامة من الله عز وجل ،علموا واستيقنوا أنهم كانوا على الحق وعلى دين الله عز وجل، واستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خَلْفهم من المؤمنين ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

تفسیر قوله تعالی:﴿فيهِنَّ خَيْراتُ حِسان﴾

١٤٧ -عنه ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب الحلبي قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل : ﴿فيهِنَّ خَيْراتُ حِسان﴾ (2)قال : من صوالح المؤمنات العارفات، قال: قلت: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾(3)؟ قال : الحور هنّ البيض المضمومات المخدرات في خيام الدر والياقوت والمرجان ،لكل خيمة أربعة أبواب، على كل باب سبعون كاعباً(4)حجاباً لهن، ويأتيهن في كل يوم كرامة من الله عز ذكره ليبشِّر الله عز وجل بهن المؤمنين .

للشمس ثلاثمأئۀ وستون برجاً

١٤٨ _ علي بن إبراهيم، وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن محمد بن عيسى، عن أبي الصباح الكناني، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): إن للشمس ثلاثمائة وستين برجاً ، كل برج منها مثل جزيرة (5)من جزائر العرب، فتنزل كل يوم على برج، فإذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش، فلم تزل ساجدة إلى الغد، ثم تُرَدّ إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها، وإن وجهها لأهل السماء وقفاها لأهل الأرض، ولو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض ومن عليها من شدّة حرّها، ومعنى سجودها ما قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾(6).

نهی أبی جعفر(عليه السلام)جابر الجعفی عن إفشاء سبعین حدیثاً علّمه

149 - عدّة من أصحابنا ،عن صالح بن أبي حماد، عن إسماعيل بن مهران، عَمّن حدثه عن جابر بن يزيد قال : حدثني محمد بن علي(عليه السلام)سبعين حديثاً لم أحدّث بها أحداً

ص: 135


1- آل عمران / 170 .
2- الرحمن / 70 و 72 . وخيرات حسان أي خيّرات الأخلاق حسان الوجوه .
3- الرحمن / 70 و 72 . وخيرات حسان أي خيّرات الأخلاق حسان الوجوه .
4- الكاعب: هي المرأة حين يبدو ثدياها للنهود، والجمع كواعب.
5- في هذا التعبير كناية عن سعة البرج .
6- الحج / ١٨.

قط، ولا أحدّث بها أحداً أبداً ، فلما مضى محمد بن علي(عليه السلام)، ثَقُلَت على عُنُقي وضاق بها صدري ، فأتيت أبا عبد الله(عليه السلام) فقلت : جُعِلتُ فداك، إن أباك حدثني سبعين حديثاً لم يخرج مني شيء منها، ولا يخرج شيء منها إلى أحد، وأمرني بسترها ، وقد ثقُلت على عنقي وضاق بها صدري، فما تأمرني ؟ فقال : يا جابر إذا ضاق بك من ذلك(1)شيء فاخرج إلى الجبّانة(2) واحتفر حفيرة ثم دَلَّ رأسك فيها وقل : حدثني محمد بن علي بكذا وكذا، ثم طمّه ، فإن الأرض تستر عليك، قال جابر : ففعلت ذلك فخفّ عني ما كنت أجده .

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران مثله .

١٥٠ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة ، قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): لأخذنَّ البريء منكم بذنب السقيم، ولم لا أفعل، ويبلغكم عن الرجل ما يشينكم ويشينني فتجالسونهم وتحدثونهم، فيمر بكم المار فيقول : هؤلاء شرّ من هذا، فلو أنكم إذا بلغكم عنه ما تكرهون زبرتموهم(3)ونهيتموهم كان أبرَّ بكم وبي .

١ ١٥ - سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان ،عن عبد الله بن المغيرة ،عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قوله تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾(4)قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف ائتَمِروا وأَمَرُوا فنجَوا، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فَمُسِخوا ذراً، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا .

١٥٢ _ عنه ، عن علي بن أسباط ، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال : كتب أبو عبد الله(عليه السلام)إلى الشيعة: ليعطفنَّ ذوو السن منك والنُّهى(5)على ذوي الجهل وطلّاب الرئاسة، أو لتصيبنكم لعنتي أجمعين.

١٥٣ -محمد بن أبي عبد الله، ومحمد بن الحسن، جميعاً، عن صالح بن أبي حمّاد، عن أبي جعفر الكوفي، عن رجل، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : إن الله عز وجل جعل الدين دولتين دولة لآدم(عليه السلام)ودولة لإبليس، فدولة آدم هي دولة الله عز وجل، فإذا أراد الله عز وجل أن

ص: 136


1- أي من كتمان ما أؤتمنت عليه من سرّ .
2- الجبّانة : المصلى في الصحراء. وقد تطلق على المقبرة، ربما لأن المصلّى يكون فيها غالباً .
3- أي زجر تموهم .
4- الأعراف/ ١٦٥
5- عطف عنه : أي مال وانصرف بوجهه عنه، والنُهى : جمع النهية وهي العقل.

يُعْبَد علانية أظهر دولة آدم ،وإذا أراد الله أن يُعْبَدَ سراً كانت دولة إبليس، فالمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين(1).

حديث الناس يوم القيامة

١٥٤ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سنان، عن عمرو بن شمر . عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال يا جابر: إذا كان يوم القيامة ، جَمَعَ الله عز وجل الأولين : والآخرين لفَصْل الخطاب، دُعي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ودُعي أمير المؤمنين(عليه السلام)، فيُكْسى رسول الله حُلّة(2)(صلی الله علیه وآله وسلم)خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب، ويكسى علي(عليه السلام)مثلها، ويكسى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حلة وردية يضيء لها ما بين المشرق والمغرب، ويكسى علي(عليه السلام)مثلها ، ثم يصعدان عندها، ثم يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس، فنحن والله ندخل(3)أهل الجنةِ الجنةَ وأهلَ النارِ النارَ ، ثم يُدعى بالنبيين(عليهم السلام)فَيُقامون صفَّين عند عرش الله عز وجل حتى نفرغ من حساب الناس، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النّار، بعث رب العزة علياً(عليه السلام)فأنزلهم منازلهم من الجنة وزوّجهم ،فعلي والله الذي يزوّج أهل الجنة في الجنة وما ذاك إلى أحد غيره ، كرامةً من الله عز ذكره وفضلاً فضّله الله به ومنَّ به عليه، وهو والله يُدْخِلُ أهل النار النار(4)، وهو الذي يغلق على أهل الجنة إذا دخلوا فيها أبوابها ، لأن أبواب الجنة إليه، وأبواب النار إليه .

١٥٥ - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة، عن أبي عبد الله :(عليه السلام)قال : سمعته يقول : خالِطوا الناس، فإنه إن لم ينفعكم حب علي وفاطمة(عليهم السلام)في السر، لم ينفعكم في العلانية(5).

١٥٦ - جعفر، عن عنبسة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إياكم وذكر علي وفاطمة(عليهم السلام)،

ص: 137


1- أي خارج منه ، ولذا سمّي الخوارج مارقة .
2- الحلّة :عبارة عن ثوبين من صنف واحد، وجمعه حُلل .
3- وذلك لأنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه بولايته لهم ولا يدخل النار إلا من انكرهم وعرفوه بإنكاره حقهم(عليه السلام)ووالى في الدنيا مغتصبي هذا الحق .
4- وقد ورد من طرق العامة والخاصة أنه(عليه السلام)قسيم الجنة والنار .
5- « وأراد بالناس من أنكر حرمتهما أو أبغضهما وأبغض أولادهما الطاهرين وشيعتهم وكره استماع فضائلهم وتقدمهم على الأمة كلهم، ولما كانت مخالطتهم توجب اخفاء محبتهم وسترها خوفاً منهم أمر بالمخالطة دفعاً لضررهم بتركها وعلل بأن المحبة أمر قلبي لا تنافي المخالطة وأن تلك المحبة القلبية هي النافعة إذ لو لم تنفع، لم تنفع المحبة العلنية اللسانية إذ نفع هذه فرع لنفع تلك ....» المازندراني 172/12

فإن الناس(1)ليس شيء أبغض إليهم من ذكر علي وفاطمة(عليهم السلام):

١٥٧ - جعفر، عن عنبسة، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن الله عزّ ذِكْره إذا أراد فناء دولةِ قَوْمٍ أمر الفَلَكَ فأسرع السير فكانت على مقدار ما يريد.

حدیث سلیمان بن خالد مع أبی عبدالله(عليه السلام)فی الزیدیۀ

١٥٨ - جعفر بن بشير، عن عمرو بن عثمان، عن أبي شبل قال : دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد الله(عليه السلام)، فقال له سليمان بن خالد: إن الزيدية قوم قد عرفوا وجرّبوا وشهرهم الناس، وما في الأرض محمدي أحب إليهم منك ، فإن رأيتَ أن تدنيَهم وتقرّبهم منك فافعل، فقال يا سلیمان بن خالد، إن كان هؤلاء السفهاء يريدون أن يصدّونا عن علمنا إلى جهلهم(2)فلا مرحباً بهم ولا أهلاً، وإن كانوا يسمعون قولنا وينتظرون أمرنا(3)فلا بأس.

١٥٩ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : انقطع شِسْع(4)نعل أبي عبد الله وهو في جنازة ، فجاء رجل بشسعه لِيُناوِلَه فقال : أمسِك عليك شِسْعَك، فإن صاحب المصيبة(5)أوْلى بالصبر عليها.

١٦٠ - سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : الحجامة في الرأس هي المغيثة، تنفع من كل داء(6)إلا السّام وَشَبَرَ(7)من الحاجبين إلى حيث بلغ أبهامه، ثم قال: ههنا .

لم سُمّی المؤمن مؤمناً(عليه السلام)

١٦١ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رفاعة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال : أتدري يا رفاعة لم سمّي المؤمن مؤمناً؟ قال : قلت : لا أدري ، قال : لأنه يؤمن على الله عز وجل فيجيز (الله) له أمانه(8).

الناصب لا یبالی صلّی أم زنا

١٦٢ _ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن حنان، عن أبي عبد

ص: 138


1- يعني بالناس : المخالفين لأهل البيت(عليهم السلام).
2- باستعجالهم الأمر بخروجهم بالسيف.
3- وهو خروج الإمام الحجّة عجّل الله فَرَجه .
4- الشيع : هو سيور النعل الذي يكون بين إصبعي القدم.
5- المصيبة : - مطلقاً - كل ما يثقل على النفس تحمّله ، والمراد بها هنا ، انقطاع شسع نعله(عليه السلام)وهو في تلك الحال من التشييع .
6- أي كل داء مما يختص بالدم.
7- شَبر: أي قاسه بِشبر يده
8- أراد بالمؤمن، المؤمن الكامل الإيمان.

الله (عليه السلام)أنه قال : لا يُبالى الناصب صلّى أم زنا، وهذه الآية نزلت فيهم : ﴿«عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ *تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾(1).

من لم یوال علیاً(عليه السلام)

١٦٣ - سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن مرازم، ويزيد بن حمّاد، جميعاً، عن عبد الله بن سنان فيما أظن(2)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)أنه قال: لو أن غير ولي علي(عليه السلام)أتى الفرات وقد أشرف ماؤه على جنبيه وهو يزخ زخيخاً(3)فتناول بكفه وقال بسم الله ، فلما فرغ قال : الحمد الله ، كان(4)دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير.

مدح بالغ لزید بن علی بن الحسین

١٦٤ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل ذكره، عن سليمان بن خالد قال : قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): كيف صنعتم بعمّي زيد؟ قلت: إنهم كانوا يحرسونه، فلما شفَّ الناس أخذنا جثته فدفناه في جُرْفٍ على شاطىء الفرات، فلما أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه، فقال : أفلا أو قرتموه حديداً وألقيتموه في الفرات، صلى الله عليه ولعن الله قاتله(5).

هلاک بنی أمیۀ بعد زید بن علی بن الحسین(عليه السلام)

١٦٥ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي الوشّاء، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الله عز ذكره أذن في هلاك بني أمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيام.

١٦٦ - سهل بن زياد عن منصور بن العباس عمن ذكره ، عن عبيد بن زرارة، عن أبي ،عبد الله(عليه السلام)قال : إن الله جل ذكره ليحفظ من يحفظ صديقه .

إیاب الخلق إلیهم وحسابهم علیهم(عليهم السلام)

١٦٧ - سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن سعدان، عن سماعة قال : كنت قاعداً مع أبي الحسن الأول(عليه السلام)والناس في الطواف في جوف الليل، فقال : يا سماعة ؛ إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم، فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عز وجل حتمنا على الله في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك ، وعَوَّضَهُمْ الله عزّ وجَلَّ .

١٦٨ - سهل بن زياد، عن منصور بن العباس، عن سليمان المسترق، عن صالح

ص: 139


1- الغاشية / ٣ و ٤ . وناصبة : تعِبَةٌ في النار. لعل المراد أن صلاته غير نافعة له أو أن صلاته أيضاً معصية كالزنا لأن الصلاة الفاقدة لبعض شرائط صحتها معصية يعذب بها صاحبها كما يعذب من صلى بغير طهارة ... المازندراني ١٧٤/١٢.
2- هذا التظني من الراوي .
3- زخّه يزخّه زخيخاً: أي رفعه بيده.
4- وإنما كان بمنزلة الدم أو لحم الخنزير لأنه بالنسبة لغير الموالي لهم(عليه السلام)مغصوب إذ هم قد أباحوه لشيعتهم فقط
5- وقد دل الحديث على مدح زيد(عليه السلام)ورضا المعصوم(عليهم السلام)عنه .

الأحول قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : آخا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بين سلمان وأبي ذر، واشترط على أبي ذر أن لا يعصي سلمان(1).

وجوب الإجتناب عن فاعل المنکر

١٦٩ - سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن خطاب بن محمد، عن الحارث بن المغيرة قال : لقيني أبو عبد الله(عليه السلام)في طريق المدينة فقال : من ذا أَحَارث؟ قلت: نعم، قال: أما لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم، ثم مضى، فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت فقلت: لقيتني فقلت : لأحملنَّ ذنوب سفهائكم على علمائكم ، فدخلني من ذلك أمر عظيم، فقال: نعم، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون وما يدخل علينا به الأذى أن تأتوه فتؤنبوه وتَعْذِلوه(2)وتقولوا له قولاً بليغاً؟ فقلت (له) : جُعِلْتُ فداك، إذاً لا يطيعونا ولا يقبلون منا ؟ فقال : اهجروهم واجتنبوا مجالسهم(3).

إن الله يعذب الستة بالستة

170 - سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن سيّابة بن أيوب، ومحمد بن الوليد، وعلي بن أسباط، يرفعونه إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : إن الله يعذب الستة بالستة : العربَ بالعصبية، والدهاقين بالكِبْر، والأمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة، وأهل الرساتيق بالجهل(4).

أحب الأشیاء ألی رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

171 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ،عن ابن أبي عمير، عن هشام وغيره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما كان شيء أحب إلى رسول الله

(صلی الله علیه وآله وسلم)من أن يظل خائفاً جائعاً خائفاً جائعاً في الله عز وجل(5).

172 - علي، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، وحفص بن البختري ، وسَلَمَة بيّاع السابريّ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان علي بن الحسين(عليه السلام)إذا أخذ كتاب علي(عليه السلام)فنظر فيه قال : من يطيق هذا، من يطيق ذا؟ قال : ثم يعمل به، وكان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه حتى يُعْرف ذلك

ص: 140


1- دل الحديث على أفضلية سلمان الفارسي، ولزوم عدم تقدم المفضول على الفاضل فيكون إرشاداً إلى حكم العقل بذلك.
2- العَذْل: الملامة .
3- دل الحديث على لزوم هجر العاصي بعد أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وعدم إئتماره وعدم انتهائه .
4- الرساتيق : جمع رستاق وهو الناحية التي هي طرف الإقليم، والمقصود بالجهل الجهل بالأحكام الشرعية والآداب الإلهية فسكان الرساتيق كالأعراب .
5- مر هذا الحديث بعينه فيما سبق من الكتاب فراجع

في وجهه، وما أطاق أحد عمل علي(1)(عليه السلام)من ولده من بعده إلا علي بن الحسين(عليه السلام).

سیره علی(عليه السلام) وزهد وأن ولیّه لایأکل الحرام

173 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان ،عن الحسن الصيقل قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : إن ولي علي(عليه السلام)لايأكل إلا الحلال، لأن صاحبه كان كذلك ، وإن ولي عثمان لا يبالي أحَلَالاً أكل أو حراماً لأن صاحبه كذلك ، قال : ثم عاد إلى ذكر علي(عليه السلام)فقال : أَمَا والذي ذهب بنفسه، ما أكل من الدنيا حراماً، قليلاً ولا كثيراً حتى فارقها، ولا عرض له أمران كلاهما الله طاعة إلا أخذ بأشدّهما على بدنه، ولا نزلت برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)شديدة قطّ إلا وجَّهَهُ فيها ثقةً به ،ولا أطاق أحد من هذه الأمة عمل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بعده غيُره، ولقد كان يعمل عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة والنار، ولقد أعتق ألف مملوك من صُلْب ماله كل ذلك تَحْفى فيه يداه(2)، وتعرّق جبينه التماس وجه الله عز وجل والخلاص من النار، وما كان قوته إلّا الخلّ والزيت وحلواه التمر إذا وجده ، وملبوسه الكرابيس(3)، فإذا فضل عن ثيابه شيء دعا بالجَلَم(4)فجزه .

کراهیۀ أکل الطعام الحارّ وآکل التمر علی الطعام

١٧٤ - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن علي، عن يونس بن يعقوب، عن سليمان بن خالد، عن عامل كان لمحمد بن راشد قال: حضرت عشاء جعفر بن محمد(عليه السلام)في الصيف، فأُتيَ بخوان عليه خبز، وأُتيَ بجفنة فيها ثريد ولحم تفور، فوضع يده فيها فوجدها حارة ثم رفعها وهو يقول : نستجير بالله من النار، نعوذ بالله من النار، نحن لا نقوى على هذا فكيف النار، وجعل يكرر هذا الكلام حتى أمكنت القصعة فوضع يده فيها ووضعنا أيدينا حين أمكَنَتْنا فأكل وأكلنا معه، ثم إن الخوان رُفع فقال : يا غلام ؛ ائتنا بشيء، فاُتي بتمر في طبق، فمددت يدي فإذا هو تمر، فقلت : أصلحك الله ، هذا زمان الأعناب والفاكهة؟ قال: إنه تمر، ثم قال: ارفع هذا وائتنا بشيء، فأتي بتمر، فمددت يدي، فقلت: هذا تمر؟ فقال : إنه طيّب .

١٧٥ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحَكَم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما أكل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)متكئاً منذ بعثه الله عز وجل إلى أن

ص: 141


1- أي عمل علي في العبادة والزهد والتقشف .
2- الحفا: رقة القدم والخف والحافر من كثرة المشي ورقه اليد من كثرة العمل، وهو كناية هنا عن الاجتهاد في العمل وكناية عن المبالغة في الجهد.
3- جمع كرباس : وهو الثوب الخشن، فارسي معرب .
4- الجَلم : المقراض أو المقصّ.

قبضه تواضعاً الله عز وجل وما رأى ركبتيه(1)أمام جليسه في مجلس قط، ولا صافح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)رجلاً قط فنزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، ولا كافأ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بسيئة قط، قال الله تعالى له : ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾(2)، ففعل، وما منع سائلاً قط ، إن كان عنده أعطى وإلا قال : يأتي الله به ، ولا أعطى على الله عز وجل شيئاً قط إلا أجازه الله، إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله عز وجل له ذلك ، قال : وكان أخوه(3)من بعده ، والذي ذهب بنفسه ، ما أكل من الدنيا حراماً قط حتى خرج منها ،والله إن كان ليعرض له الأمران كلاهما لله عز وجل طاعة، فيأخذ بأشدهما على بدنه، والله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عز وجل دَبَرَتْ(4)فيهم يداه، والله ما أطاق عمل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من بعده أحد غيره والله ما نزلت برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)نازلة قط إلا قدّمه فيها ثقة منه به ، وإن كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ليبعثه برايته فيقاتلُ جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتى يفتح الله عزّ وجلّ له .

سیره علی وفاطمۀ(عليهم السلام)

١٧٦ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن زيد بن الحسن قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : كان علي(عليه السلام)أشبه الناس طُعْمةً(5)وسيرة برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكان يأكل الخبز والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم، قال: وكان علي(عليه السلام)يستقي ويحتطب ، وكانت فاطمة(عليه السلام) تطحن وتعجن وتخبز وترقع، وكانت من أحسن الناس وجها ،كأن وجنتيها وردتان صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين .

177 - سهل بن زياد عن الريّان بن الصَّلْت عن يونس رفعه قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن الله عز وجل لم يبعث نبياً قط إلا صاحب مِرَّة (6)سوداء صافية(7)، وما بعث الله نبياً قط حتى يقرّ له بالبداء .

ص: 142


1- كناية عن عدم مدّهما أمام جليسه احتراماً له وعملاً بأدب الله سبحانه . وقيل : أي إن احتاج لعلة إلى كشف ركبتيه ليرى ما بهما لم يفعل ذلك أمام جليسه .
2- المؤمنون/ ٩٦ .
3- يعني علياً(عليه السلام).
4- دبر : أي تقرّح والدَّبَر : القرحة .
5- الطعمة : المأكلة ، وهي ما يؤكل .
6- المرَّة : المزاج من أمزجة الإنسان .
7- صافية : أي غير مشوبة بكدرة لذات الدنيا وأمراض النفس.

178 - سهل، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد الحميد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما نفّروا برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ناقته قالت له الناقة : والله لا أزلت خُفاً عن خُفٌ ولو قطعتُ إِرْباً إرباً .

179 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن رجل، عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه قال : يا ليتنا سيّارَة(1)مثل آل يعقوب حتى يحكم الله بيننا وبين خلقه .

180 - سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن إسماعيل بن قُتيبة، عن حفص بن عمر، عن إسماعيل بن محمد، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : إن الله عز وجل يقول : إني لست كل كلام الحكيم أتقبل ، إنما أتقبّل هواه وهمّه، فإن كان هواه وهمه في رضاي جعلتُ همه تقديساً وتسبيحاً .

فی معنی قوله تعالی:﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾

181 - سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن الطياّر، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل:﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾(2)قال : خَسْفُ ومَسْحُ وقَذْف، قال: قلت حتى يتبيّن لهم؟ قال : دَعْ ذا، ذاك قيام القائم .

طاعۀ علی(عليه السلام)ومعصیته

182 - سهل، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، وابن سنان، وسماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): طاعة علي ذلّ(3)ومعصيته كُفْرٌ بالله ، قيل : يا رسول الله ، كيف تكون طاعة علي ذلًا ومعصيته كفراً بالله ؟ فقال : إن علياً يحملكم على الحق، فإن أطعتموه ،ذللتم، وإن عصيتموه كَفَرْتُمْ بالله .

١٨٣ - عنه ، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار أو(4)غيره قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): نحن بنو هاشم ، وشيعتنا العرب، وسائر الناس الأعراب (5).

ص: 143


1- « السيارة: القافلة، ولعل المراد بهم من دخلوا عليه (يوسف) حتى عرفوه وأخبروا يعقوب بحاله وموضعه، وقد تمنى(عليه السلام)ظهور المهدي(عجل الله تعالی فرجه)المنتظر في وقته وأخبار المخبرين به ليستولي على أعدائه ويظهر دين آبائه .... »المازندراني ١٨٤/١٢ .
2- فصلت/53
3- طاعته(عليه السلام)ذل لمن أطاعه عند مبغضيه من المخالفين.
4- الترديد من الراوي .
5- « لعل المراد أن الشيعة عرب بعد الموت يتكلمون بلسان العرب وسائر الناس وهم المخالفون كفار من العجم ... وهم يتكلمون في القيامة بلسان الفرس... إلخ » المازندراني ١٨٥/١٢ .

مدح الشیعۀ وذمّ مخافیهم

١٨٤ - سهل، عن الحسن بن محبوب، عن حنان، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): نحن قريش، وشيعتنا العرب، وسائر الناس علوج (1)الروم .

١٨٥ - سهل، عن الحسن بن محبوب، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه قال : كأني بالقائم(عجل الله تعالی فرجه)على منبر الكوفة، عليه قباء فيخرج من وريان(2)قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، فيفكه فيقرأه على الناس، فيجفلون عنه إجفال الغنم، فلم يبق إلا النْقَبَاء(3)، فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجاً حتى يرجعوا إليه وإني لأعرف الكلام الذي يتكلم به .

الحکمۀ ضالّۀ المؤمن فحیثما وجد أخذ

١٨٦ -سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن ابن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : الحكمة ضالَّة(4)المؤمن، فحيثما وجد أحدكم ضالته فليأخذها .

أشعث بن قیس وبنته وإبنه لعنهم الله

187 -سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد أو غيره، عن سليمان كاتب علي بن يقطين، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين(عليه السلام)، وابنَته جَعْدَة سَمّت الحسن(عليه السلام)، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين(عليه السلام).

الرقۀ والبکاءعند سماع قراءۀ القرآن وموعظۀ نافعۀ

188 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن صباح الحذّاء، عن أبي أُسامة قال : زاملت أبا عبد الله(عليه السلام)قال : فقال لي : إقرأ (قال) : فافتتحت سورة من القرآن فقرأتها، فَرَقَّ وبكى، ثم قال: يا أبا أسامة، ارعوا قلوبكم بذكر الله عز وجل، واحذروا النَّكْتَ(5)فإنه يأتي على القلب تارات أو ساعات الشك من صباح ليس فيه إيمان ولا كفر، شبه الخرقة البالية أو العظم النّخِر(6) . يا أبا أسامة ؛ أليس ربما تفقدت قلبك فلا تذكر به خيراً ولا شراً ولا تدري أين هو ؟ قال : قلت له : بلى إنه ليصيبني، وأراه يصيب الناس، قال: أجل ليس يعرى منه أحد. قال : فإذا كان ذلك فاذكروا الله عز وجل، واحذروا النَّكْتَ فإنه إذا

ص: 144


1- علوج : جمع عِلج ، وهو الرجل من كفار العجم، وبعض العرب يطلقه على الكافر مطلقاً
2- الوريان :الجيب، ولعله معرّب : كريبان
3- النقباء : جمع نقيب، وهو العريف على القوم .
4- لايخفى ما في هذا الكلام من استعارة، وذلك أنه(عليه السلام)جعل الحكمة للمؤمن بمنزلة الضالة التي هو ناشد لها وساع في طلبها لأنها أشبه بحكمته وسليقته وأولى بالإنضمام إلى أخواتها في قلبه فحيثما سمعها من قائل _ حتى غير حكيم - أو مرشد غير رشيد فهو أحق بالحيازة لها والغلبة عليها .
5- « المراد به دخول شيء من المفاسد فيه (القلب) كالكفر ونحوه فيتأثر به، ومنه النكتة، وهي النقطة، وشبه الوسخ» .
6- النَّخِر المتفتت البالي .

أراد بعبد خيراً نَكَتَ إيماناً ، وإذا أراد به غير ذلك نَكَتَ غير ذلك، قال: قلت: ما غير ذلك جُعِلْتُ فداك (ما هو) ؟ قال : إذا أراد كفراً نَكَتَ كفراً .

وصیۀ أبی عبدالله (عليه السلام)لعمرو بن سعید بن هلال

189 -عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن زيد الشحّام ، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إني لا أكاد ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء آخذ به، قال: أوصيك بتقوى الله ، وصدقِ الحديث، والورع والاجتهاد واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه، وإياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم):

﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾(1)وقال الله عز وجل لرسوله : ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (2)، فإن خفت شيئاً من ذلك فاذكر عيشَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فإنما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السَّعف إذا وجده، وإذا أُصِبْتَ بمصيبة فاذكر مُصابك برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإن الخلق لم يُصابوا بمثله(عليه السلام)قطُّ .

وصیۀ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لأصحابه

190 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن الحسن بن السري، عن أبي مريم، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)مرَّ بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته، وذلك حين رجع من حجة الوداع، فوقف علينا فسلّم، فرددنا عليه السلام ، ثم قال : ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كُتِبَ، وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وَجَبَ، وحتى كأن لم يسمعوا ويرَوا من خَبَر الأموات قبلهم، سبيلهم سبيل قوم سَفْرٍ(3)عما قليل إليهم راجعون، بيوتهم أجداثهم(4)، ويأكلون تراثهم، فيظنون أنهم مخلّدون بعدهم، هيهات هيهات ( أ ) مَا يتعظ آخرُهم بأوّلهم ، لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله، وآمنوا شر كل عاقبة سوء، ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق(5)حادثة .

طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس.

طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه .

ص: 145


1- التوبة / ٥٥ .
2- طه / 131.
3- سَفْر: جمع مسافر.
4- جمع جَدَث : وهو القبر .
5- جمع بائقة، وهي الداهية والشر الشديد.

طوبى لمن تواضع الله عز ذكره، وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي ، ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سُنّتي(1)، واتبع الأخيار من عترتي من بعدي، وجَانَبَ أهل الخُيَلَاء والتفاخر والرغبة في الدنيا، المبتدعين خلاف سنّتي، العاملين بغير سيرتي .

طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالاً من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة .

طوبى لمن حَسَّنَ مع الناس خُلْقَه، وبذل لهم معونته، وعدل(2)عنهم شره .

طوبى لمن أنفق القَصد(3)، وبذل الفَضْل(4)، وأمسك قوله عن الفضول(5)، وقبيح الفعل.

النهی عن الشکوی إلی أهل الخلاف

191 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، رفعه، عن بعض الحكماء(6)قال : إن أحق الناس أن يتمنى الغنى للناس أهلُ البخل، لأن الناس إذا استغنَوا كفّوا عن أموالهم، وإن أحق الناس أن يتمنى صلاح الناس أهل العيوب، لأن الناس إذا صلحوا كفّوا عن تَتَبّع عيوبهم، وإن أحق الناس أن يتمنى حلم الناس أهلُ السفه الذين يحتاجون أن يُعفى عن سفههم ، فأصبح أهل البخل يتمنَّون فقر الناس، وأصبح أهل العيوب يتمنون فسقَهم، وأصبح أهل الذنوب يتمنون سَفهَهُم، وفي الفقر الحاجة إلى البخيل وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب، وفي السفه المكافأة بالذنوب.

192 -عدة من أصحابنا، عن ، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام) : يا حَسَن ؛ إذا نَزَلَتْ بك نازلة فلا تَشْكُها إلى أحد من أهل الخلاف، ولكن اذكرها لبعض إخوانك، فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال: إما كفاية بمال وإما معونة بجاه أو دعوة فتستجاب، أو مشورة برأي .

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)فی الموعظۀ

١٩٣ - علي بن الحسين المؤدّب وغيره، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن

ص: 146


1- أي شريعتي، بحيث أخذ بأهداب الرهبانية التي هي ليست من الإسلام .
2- أي صرف .
3- أي ما لا إسراف فيه ولا تقتير. وهو الوسط.
4- وهو الزائد عن حد الكفاف .
5- فضول الكلام : هو ما لا فائدة فيه ولا طائل من ورائه .
6- قيل بأن المراد بهم الأئمة(عليهم السلام).

إسماعيل بن مهران، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال : الحمد لله الخافض الرافع، الضار النافع، الجواد الواسع ، الجليل ثناؤه ، الصادقة أسماؤه ، المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب، الذي جعل الموت بين خلقه عدلاً، وأنعم بالحياة عليهم فضلاً، فأحيا وأمات وقدّر الأقوات، أحكمها بعلمه تقديراً، وأتقنها بحكمته تدبيراً إنه كان خبيراً بصيراً، هو الدائم بلا فناء، والباقي إلى غير منتهى، يعلم ما في الأرض وما في السماء وما بينهما وما تحت الثرى .

أحمده بخالص حمده المخزون، بما حمده به الملائكة والنبيون، حمداً لا يُحصى له عدد ولا يتقدمه أمد ولا يأتي بمثله أحد، أؤمن به وأتوكل عليه، وأستهديه وأستكفيه، وأستقضيه بخير وأسترضيه(1).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق لِيُظْهِرَه على الدين كلّه ولو كره المشركون، صلى الله عليه وآله .

أيها الناس، إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار إنما أنتم فيها كَرَكْب عرّسوا فأناخوا(2)، ثم استقلّوا فغَدَوا وراحوا ، دخلوا خفافاً وراحوا خفافاً ، لم يجدوا عن مضيٍّ نزوعاً(3)، ولا إلى ما تركوا رجوعاً، جُدَّ بهم فجدّوا، وركنوا إلى الدنيا فما استعدّوا، حتى إذا أخذ بكظمهم(4)، وخلصوا إلى دار قوم جفّت أقلامهم(5)، لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر ، قلّ في الدنيا لَبْثُهم، وعجل إلى الآخرة بعثهم ، فأصبحتم حلولاً في ديارهم، ظاعنين(6)على آثارهم ، والمطايا بكم تسير سيراً، ما فيه أَيْنٌ(7)ولا تفتير نهاركم بأنفسكم دؤوب وليلكم بأرواحكم ذَهوب، فأصبحتم تحكون من حالهم حالاً، وتحتذون من مسلكهم مثالاً، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنما أنتم فيها سَفْرٌ ،حلول الموت بكم نزول، تُنتَضَلٌ فيكم مناياه (8)، وتمضي بأخباركم مطاياه إلى

ص: 147


1- أي التمس منه أن يكون لي قاضياً حاكماً بخير وأن يكون راضياً عني .
2- الرَّكْب جمع راكب. والتعريس : نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة من عناء السفر.
3- نزع من الأمر نزوعا : انتهى عنه وأباه . والمقصود هنا أنهم لم يجدوا بدا من الموت .
4- الكظم: مخرج النَفس .
5- جفت أقلامهم : «كناية عن عدم التغيير» كما في الوافي . أو جفت أقلام الناس عن كتابة آثارهم كتابة آثارهم لبعد عهدهم ومحو ذكرهم كما في المرآة .
6- الظعن: ضد الإقامة. أي مرتحلين .
7- الأَين: الإعياء
8- يعني« ترمى إليكم اختباراته وبلاياه وكأنه جعل المنايا أشخاصاً تتناضل بالسهام فمن الناس من يموت قتلاً ومنهم من يموت غرقاً ومنهم من يتردى في بئر أو يسقط عليه حائط أو يموت على فراشه» الفيض في الوافي / م ١٤ / ٢٢

دار الثواب والعقاب والجزاء والحساب.

فرحم الله امرءاً راقب ربه، وتنكّب(1)ذَنْبَه ، وكابر هواه وكذب مناه، امرءاً زم نفسه من التقوى بزمام، وألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة بزمامها، وقَدَعَها(2)عن المعصية بلجامها، رافعاً إلى المعاد طَرْفَه ، متوقعاً في كل أوان حتفه، دائم الفكر، طويل السهر، عَزوفاً عن الدنيا سأماً ، كدوحاً لآخرته متحافظاً، امرءاً جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدّة وفاته، ودواء أجوائه(3)، فاعتبر وقاس وترك الدنيا والناس، يتعلم للتفقّه والسداد، وقد وَقَرَ قلبه ذكرٌ المعاد، وطوى مهاده وهجر وساده، منتصباً على أطرافه(4)، داخلاً في أعطافه(5)، خاشعاً الله عز وجل، يراوح بين الوجه والكفين، خَشوعٌ في السر لربه، لدمعه صبيب ولقلبه وجيب(6) ، شديدة أسباله(7)، ترتعد من خوف الله عز وجل أوْصالُه، قد عظمت فيما عند الله رغبتُه واشتدت منه رهبته، راضياً بالكفاف من أمره، يظهر دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره لأَبَّره، أو دعا على أحد نصره الله، يسمع إذا ناجاه ويستجيب له إذا دعاه، جعل الله العاقبة للتقوى والجنة لأهلها مأوى، دعاؤهم فيها أحسن الدعاء :«سبحانك اللهم»(8)دعاؤهم المولى على ما آتاهم ﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ (9).

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)أیضاً فی الوصیۀ بتقوی الله تعالی فی یوم الجمعۀ

١٩٤ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان أو (10)

غيره عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)يوم الجمعة : الحمد الله أهل الحمد ووليه(11)، ومنتهى الحمد ومحلّه ، البدىء البديع، الأجلّ الأعظم،

ص: 148


1- تنكب ذنبه : رجع عنه وعدل .
2- قدعها: كفّها .
3- الأجواء: جمع الجوى: وهو الهوى الباطن والحزن والحرقة.
4- أي على يديه ورجليه ورأسه .
5- الأعطاف : جمع عطاف وهو الرداء سمّي به لوقوعه على عطفي الرجل وهما ناحيتا عنقه
6- وجيب القلب : اضطرابه
7- الاسبال: إرسال الدمع
8- یونس / ١٠ .
9- یونس / ١٠ .
10- الترديد من الراوي .
11- أي هو سبحانه أولى بالحمد لأنه مستحق له بذاته .

الأعزّ الأكرم، المتوحد بالكبرياء، والمتفرد بالآلاء، القاهر بعزه والمسلط بقهره، الممتنع بقوته، المهيمن بقدرته، والمتعالي فوق كل شيء بجبروته ، المحمود بامتنانه وبإحسانه، المتفضّل بعطائه وجزيل فوائده، الموسع برزقه، المسبغ بنعمه، نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمداً يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه وكبريائه .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي كان في أوليته متقادماً، وفي ديموميته متسيطراً(1)، خضع الخلائقُ لوحدانيته وربوبيته، وقديم أزليته، ودانوا لدوام أبديته .

وأشهد أن محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اختاره بعلمه، واصطفاه لوحیه، وائتمنه على سره، وارتضاه لخلقه ، وانتدبه لعظيم أمره، ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله، ومفتاح وحيه، وسبباً لباب رحمته، ابتعثه على حين فترة من الرسُل وهدأة من العلم، واختلاف من الملل، وضلال عن الحق، وجهالة بالرب، وكفر بالبعث والوعد ، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضّله وفصّله، وبيّنه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، ضرب للناس فيه الأمثال، وصرّف فيه الآيات لعلّهم يعقلون، أحلّ فيه الحلال وحرّم فيه الحرام، وشرع فيه الدين لعباده عُذْراً ونُذراً لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرُّسُل ويكون بلاغاً لقوم عابدين، فبلّغ رسالته، وجاهد في سبيله، وعبده حتى أتاه اليقين(صلی الله علیه وآله وسلم)وسلم تسليماً كثيراً .

أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه، وإليه يصير غداً ميعادها، وبيده فناؤها وفناؤكم، وتصرّم أيامكم ، وفناء آجالكم، وانقطاع مدتكم، فَكَأَنْ قد زالت عن قليل عنّا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم ، فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزوّدَ من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ، فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء، فتجافوا عنها، فإن المغتر من اغترّ بها، لن تعدوا الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها، المطمئنين إليها ، المفتونين بها، أن تكونوا كما قال الله عز وجل :

﴿ كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ - الآية ﴾(2)

مع أنه لم يصب امرء منكم في هذه الدنيا حَبْرة (3)إلا أورثته عَبْرة، ولا يصبح فيها في جناح آمن

ص: 149


1- أي متسلطاً على جميع ما سواه .
2- يونس / ٢٤ .
3- الحَبْرَة : النعمة الحسنة وسعة العيش.

إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة(1)، أو تغيّر نعمة أو زوال عافية، مع أن الموت من وراء ذلك، وهول المطّلَع والوقوف بين يدي الحَكَم العدل تُجزى كلُ نفس بما عملت:﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾(2).

فاتقوا الله عزّ ذِكْره، وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه قريب مجيب، جَعَلَنا الله وإيّاكم ممن يعمل بمحابّه ويجتنب سُخطه، ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله جلّ وعز، قال الله عز وجلّ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (3).

أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ (4). ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(5) اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وتحنّن على محمد وآل محمد وسلّم على محمد وآل محمد، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعْطِ محمداً الوسيلة(6)والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة، اللهم اجعل محمداً وآل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفاً يوم القيامة، وأقربَهم منك مقعداً، وأوجههم عندك يوم القيامة جاهاً، وأفضلهم عندك منزلة ونصيباً، اللهم أعْطِ محمداً أشرف المقام، وحباء السلام، وشفاعة الإسلام، اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكبين ولا نادمين ولا مُبَدِّلين إله الحق آمين .

ثم جلس قليلاً ثم قام فقال:

الحمد لله أحق من خُشيَ وحُمِد ، وأفضل من أُتقِيَ وعُبد، وأولى من عُظّم ومُجّد، نحمده لعظيم غنائه، وجزيل عطائه، وتَظَاهر نعمائه، وحُسْنِ بلائه، ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه،

ص: 150


1- الجايحة : آفة تصيب الثمار فتهلكها والفتنة المبيرة والمصيبة العظيمة .
2- النجم / ٣١ .
3- الأعراف/ ٢٠٤
4- العصر / ١ - ٣ .
5- الأحزاب / ٥٦ .
6- «الوسيلة : أعلى درجات الجنة ونهاية القرب، وأيضاً المنبر يوضع يوم القيامة له ألف مرقاة، وهذه الأمور التي طلبها له(صلی الله علیه وآله وسلم)كلها حاصلة ،له وليس الغرض من طلبها طلب حصولها له لاستحالة تحصيل الحاصل بل الغرض منه إظهار الشغف والسرور بحصولها له وطلب التقرب منه بذكر فضائله والرضا بها» المازندراني /٢١٤/١٢ .

ولا يتهمّدُ سناؤه، ولا يوهن عراه، ونعوذ بالله من سوء كل الرّيب وظُلمَ الفتن، ونستغفره من مكاسب الذنوب، ونستعصمه من مساوىء الأعمال ومكاره الآمال، والهجوم في الأهوال، ومشاركة أهل الريب، والرضا بما يعمل الفجّار في الأرض بغير الحق ، اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، الذين توفيتَهم على دينك ومِلّة نبيك(صلی الله علیه وآله وسلم)، اللهم تقبّل حسناتِهم ، وتجاوز عن سيئاتهم ، وأدخِلْ عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان، واغفر للأحياء من المؤمنين والمؤمنات، الذين وحّدوك وصدّقوا رسولك، وتمسّكوا بدينك، وعملوا بفرائضك، واقتدَوا بنبيك، وسنّوا سنتك، وأحلّوا حلالك وحَرِّموا حرامك، وخافوا عقابك، ورجَوا ثوابك، ووالَوا أولياءَك وعادَوا أعداءك، اللهم أقْبَل حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم وأدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين إله الحق آمين .

لكل مؤمن حافظ من الله عزوجلوسائب

١٩٥ _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشّاء، عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : لكل مؤمن حافظ وسائب، قلت وما الحافظ وما السايب يا أبا جعفر ؟ قال : الحافظ من الله تبارك وتعالى حافظ من الولاية(1)يحفظ به المؤمن أينما كان، وأما السايب(2)فبشارة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) يبشر الله تبارك وتعالى بها المؤمن أينما كان وحيثما كان(3).

الناس معادن کمعادن الذهب والفضۀ

١٩٦ - عدّة من أصحابنا ،عن سهل بن زياد، عن الحجّال ،عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : خالط الناس تَخْبُرهُم ومتى تَخْبرهم تَقْلُهُمْ(4).

197 - سهل، عن بكر بن صالح ، رفعه ،عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل.

حدیث الزُّوار وما یُقتل فیها

198 - سهل بن زياد، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان، عن معاوية بن وهب قال : تمثّل أبو عبد الله (عليه السلام)ببيت شعر لابن أبي عقب.

ص: 151


1- «أي بأن لا يَزُل من ولاية الحق إلى ولاية الباطل يحفظه الله بذلك الحافظ المؤمن من الخروج عنها أينما كان من شرق الأرض أو غربها أو سهلها أو جبلها أو برها أو بحرها» . المازندراني 217/12 .
2- «كأنه من الشَّيب بمعنى العطاء أو الجَرْي» ن . م .
3- «لعل هذه البشارة عند لقاء الموت فإنه يحضر المؤمن ويبشره بكرامة الله ورحمته ويخبره بمال حاله في الجنة كما دلت عليه الروايات» ن . م.
4- « المعنى : خالط الناس وجرّبهم فإنك إن خالطتهم وجربتهم تعرف مآل حالهم في الآخرة وانهماكهم في تحصيل الدنيا وجمع زخارفها وخبث عقايدهم وسوء أخلاقهم وكمال بعدهم عن ذكر الله تعالى ومتى تخبرهم وتعرفهم بهذه الخصال الذميمة تقلُهُمْ يعني تبغضهم أشد بغض . . » ن . م .

ويُنْحَر بالزَّوْراء منهم لدى الضحى ***ثمانون ألفاً مثل ما تُنْحَرُ البُدْنُ

وروى غيره : البُزْل .

ثم قال لي : تعرف الزَّوْراء؟

قال : قلت : جُعِلْتُ فداك، يقولون : إنها بغداد ، قال : لا ، ثم قال(عليه السلام): دخلت الرِّي؟ قلت : نعم، قال: أتيتَ سوق الدوابّ؟ قلت : نعم ، قال : رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق؟ تلك الزوراء، يُقتل فيها ثمانون ألفاً منهم ثمانون رجلاً من ولد فلان كلهم يصلح الخلافة، قلت : ومن يقتلهم جُعِلْتُ فداك؟ قال: يقتلهم أولاد العَجَم.

١٩٩ - علي بن محمد ،عن علي بن العباس، عن محمد بن زياد، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾(1)؟ قال : مستبصرين ليسوا بشكّاك.

تفسیر قوله تعالی:﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾

200 _ عنه ، عن علي ، عن إسماعيل بن مهران، عن حمّاد عثمان قال : سمعت أبا بن عبد الله(عليه السلام)يقول في قول الله تبارك وتعالى : ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ (2)فقال : الله أجلّ وأعدل (وأعظم) من أن يكون لعبده عذر ولا يدعه يعتذر به، ولكنه فُلج(3) فلم يكن له عذر .

تأویل قوله تعالی:﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾

201 - علي ، عن علي بن الحسين، عن محمد الكناسي قال : حدّثنا من رفعه إلى أبي عبد الله(عليه السلام)في قوله عزّ ذِكْرُه :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾(4)قال : هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا، فيرحل قوم فوقهم(5)وينفقون أموالهم ويُتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا فيسمعوا حديثنا فينقلونه إليهم فيعيه هؤلاء ، فأولئك الذين يجعل الله عزّ ذِكْرُه لهم مخرجاً ويرزقهم من حيث لا يحتسبون .

وفي قول الله عز وجل : ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾(6)؟ قال : الذين يَغُشّون الإمام إلى

ص: 152


1- الفرقان/73.
2- المرسلات / ٣٦ .
3- الفُلْج : الغلبة. وفُلِجَ : أي غُلِب بالحجّة .
4- الطلاق / ٢ و ٣ .
5- أي فوقية دنيوية بالمال والثروة .
6- الغاشية / ١ .

قوله عز وجل :﴿ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ﴾(1)قال : لا ينفعهم ولا يغنيهم، لا ينفعهم الدخول ولا يغنيهم القعود.

تأویل قوله تعالی:﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ...﴾

٢٠2 _ عنه ، عن علي بن الحسين، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل : ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾(2)قال : نزلت هذه الآية في فلان وفلان(3)وأبي عبيدة الجرّاح، وعبد الرحمن بن عوف، وسالم مولى أبي حُذَيفة، والمغيرة بن شعبة ، حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوافقوا : لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوة أبداً، فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية ، قال : قلت: قوله عز وجل :﴿أَمْ أَبْرَمُوا(4) أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ *أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ (5)قال : وهاتان الآيتان نرلتا فيهم ذلك اليوم، قال أبو عبد الله(عليه السلام): لعلك تری أنه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلا يوم قتل الحسين(عليه السلام)، وهكذا كان في سَابق علم الله عز وجل الذي أعلمه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أنْ إذا كُتِبَ الكتاب قُتِلَ الحسين وخرج الملك من بني هاشم، فقد كان ذلك كله .

قلت : ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ﴾(6).

الذین خرجوا یوم البصرۀ وهم الباغون

قال : الفئتان، إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة ، وهم أهل هذه الآية، وهم الذين بَغَوا على أمير المؤمنين(عليه السلام)، فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ، ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم، لأنهم بايعوا طائعين غيرَ كارهين ، وهي الفئة الباغية كما قال الله تعالى ، فكان الواجب على أمير

ص: 153


1- الغاشية / ٧.
2- المجادلة / ٧ .
3- يعني الأول والثاني .
4- أبْرَموا: أي أحكموا .
5- الزخرف/ 79 و 80 والمعنى إن أحكم هؤلاء الكافرون أمراً يكيدون به الحق فإنا محكمون لهم ما يخزيهم من النكال والعذاب. والمقصود بقوله :ورسلنا : أي الحفظة الكتبة .
6- الحجرات/ ٩ .

المؤمنين(عليه السلام)أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم، كما عدل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في أهل مكة، إنما منَّ عليهم وعفى ، وكذلك صنع أمير المؤمنين(عليه السلام)بأهل البصرة حين ظفر بهم مثل ما صنع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بأهل مكة حذْوَ النعل بالنعل .

قال: قلت: قوله عز وجل : ﴿والمؤتفكة أَهوى﴾(1)، قال : هم أهل البصرة هي المؤتفكة ، قلت : ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾(2)؟ قال : أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم : انقلبت عليهم .

إیذاء بعض الصحابۀ سلمان الفارسی رضی الله عنه

٢٠٣ -علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن حنان قال : سمعت أبي يروي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : كان سلمان جالساً مع نفر من قريش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب : أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك ؟ فقال : أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكنت عائلاً فأغنناني الله بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، هذا نسبي وهذا حَسَبي ، قال : فخرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وسلمان رضي الله عنه يكلّمهم، فقال له سلمان يا رسول الله ؛ ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إليَّ قال عمر بن الخطاب : من أنت وما أصلك وما حسبك؟ فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): فما قلت له يا سلمان؟ قال : قلت له أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عز ذكْرُه بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وكنت عائلاً فأغناني الله عز ذِكْرُه بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكنت مملوكاً فأعتقني الله عن ذِكْرُهُ بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، هذا نسبي وهذا حسبي، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا معشر قريش، إن حسب الرجل دينه ومروءته خُلقه، وأصله عقله»، وقال الله عز وجل:

﴿ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾(3)ثم قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لسلمان : ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل، وإن كانت التقوى لك عليهم فأنت أفضل .

تسویۀ أمیرالمومنین(عليه السلام)فی العطائ بین الأسود والأبیض

٣٠٤ - علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما وَليَ علي (عليه السلام) صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم

ص: 154


1- النجم / ٥٣ . والمؤتفكة : المخوف بها المقلوب عاليها سافلها وهي قرية قوم لوط .
2- التوبة / ٧٠ . أنظر التعليقة السابقة .
3- الحجرات/13

قال : إني والله لا أرزؤكم(1)من فيئكم درهماً ما قام لي عِذْق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم(2)،أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم؟ قال: فقام إليه عقيل كرّم الله وجهه فقال له : والله لتجعلني وأسودَ (3)بالمدينة سواءاً ، فقال : اجلس، أما كان ههنا أحد يتكلم غيرك، وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى .

موعظۀ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بنی عبدالمطلب

2٠٥ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على الصفا فقال : يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، إني رسول الله إليكم ، وإني شفيق عليكم ، وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله، لا تقولوا : إن محمداً منّا وسندخل مدخله، فلا والله ما أوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقُونَ، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتي الناس يحملون الآخرة، ألا إني قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم، وفيما بيني وبين الله عزَّوجلَّ فيكم (4).

رؤیا رآها أبو جعفر(عليه السلام)فی میسّر بن عبدالعزیز وعبدالله بن عجلان

٢٠٦ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه ، عن النضر بن سُوَيد، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: رأيت كأني على رأس جبل والناس يصعدون إليه من كل جانب، حتى إذا كثروا عليه، تطاول بهم في السماء وجعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب، حتى لم يبق منهم أحد إلا عصابة يسيرة، ففعل ذلك(5)خمس مرات، في كل ذلك يتساقط عنه الناس ويبقى تلك العصابة، أما إن قيس بن عبد الله بن عجلان في تلك العصابة ، قال : فما مكث(6)بعد ذلك إلا نحواً من خمس حتى هلك .

ان الملائکۀ تغسل أبا جعفر(عليه السلام)فی البقیع

٢٠٧ - عنه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان قال: حدثني أبو بصيرقال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إن رجلاً كان على أميال من المدينة، فرأى في منامه فقيل له : إنطَلِق فصلّ على أبي جعفر(عليه السلام)، فإن الملائكة تغسله في البقيع، فجاء الرجل فوجد

ص: 155


1- أي لا أنقصكم .
2- «أي فلتكن قلوبكم موافقة لألسنتكم في الجواب ولا تقولوا بأفواهكم ما ليس في قلوبكم».
3- لعله قصد من أعتقه عمار بن ياسر فساوى أمير المؤمنين(عليه السلام) بينه وبين سائر المسلمين بمن فيهم عمار فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير .
4- «ولعل المراد أني أبديت عذراً يرتفع عني اللوم فيما بيني وبينكم من أن القرابة لا تنفعكم وفيما بيني وبين الله عز وجل فيكم من تبليغ ما هو المطلوب منكم وهو التقوى» المازندراني 227/12
5- أي تطاول بهم في السماء والضمير يعود إلى الجبل .
6- يعني أبا جعفر(عليه السلام).

أبا جعفر(عليه السلام)قد توفي .

208 - علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قوله تعالى : ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا(1)(بمحمد)﴾ هكذا والله نزل بها جبرئيل(عليه السلام)على محمد(صلی الله علیه وآله وسلم).

٢٠٩ _ عنه ، عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله(عليه السلام): ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾(2)هكذا فأَقْرَأها .

بیان قوله تعالی:﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا...الآیۀ﴾

210 - عنه ، عن أبيه، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام):﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ (وسلموا للإمام تسليماً)أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ( رضى له) مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ(أن أهل الخلاف) أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾(3)، وفي هذه الآية :﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ(من أمر الوالي) وَيُسَلِّمُوا( لله الطاعة) تَسْلِيمًا ﴾(4).

بیان قوله تعالی:﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ...الایۀ ﴾

٢١١ -علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبي جنادة الحُصَيْن بن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي صاحب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)في قول الله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب)وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾(5).

لایوجب الله طاعۀ أولی الأمر ویرخّص فی منازعتهم

212 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذَينة، عن بريد بن معاوية قال : تلا أبو جعفر(عليه السلام): ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ﴾(6)، فإن

ص: 156


1- آل عمران / 103 . وشفا حفرة أي طرفها وحرفها، وهما منها .
2- آل عمران /92 . وفيها مما تحبون. والفرق بينهما أن (مما) ظاهر في التبعيض مع احتمال أن يكون (من) لبيان : الجنس، و (ما) ظاهر في بيان الجنس مع احتمال أن يكون للعموم، ولو كان المحبوب متعدداً ينبغي إنفاق الأحب، ويندرج فيه الإنفاق الواجب وغيره المازندراني ٢٢٩/١٢ .
3- النساء/ ٦٦ و ٦٥ . وما بين القوسين فهو تفسير وليس من أصل القرآن الموجود في المصحف.
4- النساء/ ٦٦ و ٦٥ . وما بين القوسين فهو تفسير وليس من أصل القرآن الموجود في المصحف.
5- النساء / ٦٣ . وما بين القوسين من التفسير قوله : فأعرض عنهم : أي لا تعاقبهم . وعظهم : خوّفهم بالله ونقمته . قولاً بليغاً : أي شافياً .
6- النساء/٥٩ ، وتتمة الآية في المصحف : فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلاً.

خفتم تنازعاً في الأمر فأَرجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم ، ثم قال : كيف يأمر بطاعتهم ويرخّص في منازعتهم، إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ .

حديث قوم صالح(عليه السلام)

213 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سأل جبرئيل (عليه السلام): كيف كان مهلك قوم صالح(عليه السلام)؟ فقال : يا محمد إن صالحاً بُعِث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة، فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة لا يجيبونه إلى خير، قال : وكان لهم سبعون صنماً يعبدونها من دون الله عزوجل، فلما رأى ذلك منهم قال: يا قوم بُعِثْتُ إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة، وقد بلغت عشرين ومائة سنة، وأنا أعرض عليكم أمرين : إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة، وإن شئتم سألت الهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني ، قالوا : قد أنصفتَ يا صالح ، فاتَّعَدُوا(1)ليوم يخرجون فيه، قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم(2)، ثم قرّبوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا، فلما أن فرغوا دَعوه فقالوا : يا صالح ، سَلْ، فقال لكبيرهم: ما اسم هذا(3)؟ قالوا : فلان ، فقال له صالح : يا فلان أجِبْ ، فلم يجبه، فقال صالح : ما له لا يجيب؟ قالوا : أَدْعُ غيره، قال : فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شيء، فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها : ما لك لا تجيبين صالحاً؟ فلم تجب، فقالوا : تنحّ عنّا ودعنا وآلهتنا ساعة، ثم نحَّوا بسطهم وفرشهم ونحَّوا ثيابهم وتمرّغوا على التراب وطرحوا التراب على رؤوسهم وقالوا لأصنامهم : لئن لم تُجِبْنَ صالحاً اليوم لتُفْضَحنَّ ، قال : ثم دعوه فقالوا: يا صالح ادْعُها ، فدعاها، فلم تجبه ، فقال لهم: يا قوم، قد ذهب صدر النهار، ولا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتى ادعو إلهي فيجيبكم الساعة، فانْتُدِبَ (4)له منهم سبعون رجلاً من كبرائهم والمنظور إليهم منهم ، فقالوا: يا صالح، نحن نسألك فإن إجابك ربك اتَّبَعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا، فقال لهم صالح(عليه السلام): سَلَّوني ما شئتم ، فقالوا : تقدّم بنا إلى هذا الجبل - وكان الجبل قريباً منهم- ، فانطلق معهم صالح فلما انتهوا إلى الجبل قالوا :

ص: 157


1- أي ضربوا موعداً. أي تواعدوا .
2- أي ظهر بلدهم.
3- أي هذا الصنم .
4- انتدب : على المعلوم والمجهول نَدَبَهُ فانتدب أي أجاب .

يا صالحُ ادْعُ لنا ربك يُخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقةً حمراء، شقراء، وبراء(1)، عَشْراء(2)، بين جنبَيْها مِيلٌ، فقال لهم صالح : لقد سألتموني شيئاً يَعْظُمُ عليَّ ويهون على ربي جلَّ وعزَّ، قال : فسأل الله تعالى صالحٌ ذلك فانصدع الجبل صَدْعاً كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك، ثم اضطرب ذلك الجبل اضطراباً شديداً كالمرأة إذا أخذها المخاض، ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع، فما استتمت رقبتها حتى اجترَّت، ثم خرج سائر جسدها، ثم استوت قائمة على الأرض ، فلما رأوا ذلك قالوا : يا صالح ما أسرعَ ما أجابك ربك، ادعُ لنا ربَّكَ يُخرج لنا فصيلَها ، فسأل الله عز وجل ذلك فرمت به فدبَّ حولها، فقال لهم : يا قومِ أبقيَ شيء؟ قالوا : لا ، انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك، قال: فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتدّ منهم أربعة وستون رجلاً وقالوا: سحر وكذبٌ ، قالوا : فانتهوا إلى الجميع فقال الستة : حقٌّ، وقال الجميع : كذب وسِحْر، قال: فانصرفوا على ذلك، ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عَقَرَها .

قال ابن محبوب: فحدَّثت بهذا الحديث رجلاً من أصحابنا يقال له سعيد بن يزيد، فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام ، قال : فرأيت جنبها قد حَكَّ الجبل فأثَّر جنبها فيه، وجبل آخر بينه وبين هذا مِيلٌ .

٢١٤ -علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قلت له : ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ *فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ *أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾(3)؟ قال : هذا كان بما كذّبوا به صالحاً، وما أهلك الله عز وجل قوماً قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم، فبعث الله إليهم صالحاً فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعَتَوا عليه، وقالوا : لن نؤمن لك حتى تُخْرِجَ لنا من هذه الصخرة ناقة عَشْراء، وكانت الصخرة يعظّمونها ويعبدونها ويذبحون(4)عندها في رأس كل سنة، ويجتمعون عندها فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبياً رسولاً فادعُ لنا إلهك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء ، فأخرجها الله كما طلبوا منه .

ص: 158


1- وَبْراء : كثيرة الوبر .
2- الناقة العشراء : هي التي مضى عليها من اليوم الذي أرسل فيه الفحل عليها عشرة أشهر وزال عنها المخاض وأكثر ما يطلق هذا الوصف على الخيل والإبل .
3- القمر / ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ . والسعر : جمع سعير ، وقيل : الشعر العناء أو الجنون والذكر: الوحي . والأَشِر : الذي لا يبالي ما قال، والبطر .
4- أي القرابين .

ثم أوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا صالح ،قل لهم : إن الله قد جعل لهذه الناقة (من الماء )شرب يوم ولكم شرب يوم، وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك، فإذا كان الليل ، وأصبحوا، غَدَوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم، فمكثوا بذلك ما شاء الله .

ثم إنهم عَتَوا على الله ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا : اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم، ثم قالوا: من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحبَّ، فجاءهم رجل أحمر ، أشقر، أزرق ولد زنا لا يُعْرَفُ له أب يقال له : قُدَار، شقي من الأشقياء مشؤوم عليهم ، فجعلوا له جعلاً، فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت تَرِدُه، تركها حتى شربت الماء وأقبلت راجعة، فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئاً فضربها ضربةً أخرى فقتلها وخرَّت إلى الأرض على جنبها وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغى ثلاث مرات إلى السماء ، وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلا شركه في ضربته، واقتسموا لحمها فيما بينهم، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها، فلما رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال : يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم، أعَصَيْتُم ربكم؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إلى صالح(عليه السلام): إن قومك طغَوا وبغَوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجةً عليهم، ولم يكن عليهم فيها ضرر، وكان لهم منها أعظم المنفعة، فقل لهم : إني مرسل عليكم عذابي إلى ثلاثة أيام، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصدرت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث، فأتاهم صالح(عليه السلام)فقال لهم :

يا قوم ، إني رسول ربكم إليكم ، وهو يقول لكم : إن أنتم تُبْتُم ورجعتم واستغفرتم غفرتُ لكم وتبتُ عليكم ، فلما قال لهم ذلك كانوا أعْتَى ما كانوا وأخبث، وقالوا :﴿ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾(1)قال : يا قوم إنكم تصبحون غداً ووجوهكم مصفَرَّة واليوم الثاني وجوهكم محمرّة ، واليوم الثالث وجوهكم مسوَدَّة، فلما كان أول يوم أصبحوا ووجوههم مصفرّة، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لانسمع قول صالح ولا نقبل قوله وإن كان(2)عظيماً ، فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرّة، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم، قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العناة منهم : لو أهلكنا جميعاً ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها، ولم يتوبوا

ص: 159


1- الأعراف / 77 . وفي سورة الشعراء / ١٥٤ : فاتِ بآية إن كنت من الصادقين .
2- أي قوله. ويحتمل أنه يرجع إلى صالح نفسه.

ولم يرجعوا، فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسوّدّة، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : يا قوم ، أتاكم ما قال لكم صالح ، فقال العناة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح ، فلما كان نصف الليل، أتاهم جبرئيل(عليه السلام)فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم، وفلقت قلوبهم، وصدعت أكبادهم، وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنّطوا وتكفّنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم، فماتوا أجمعين في طرفة عَيْن، صغيرهم وكبيرهم، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية(1)ولا شيء إلا أهلكه الله ، فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين، ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين، وكانت هذه قصّتهم.

حدیث فَرْوَۀ عن أبی جعفر(عليه السلام)

٢١٥ - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل بن الزبير قال : حدثني فروة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : ذاكرته شيئاً من أمرهما(2)، فقال : ضربوكم على دم عثمان ثمانين سنة(3)، وهم يعلمون أنه(4)كان ظالماً ، فكيف يا فَرْوَة إذا ذكرتم صَنَميهم.

٢١٦ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن سعيد، عن على بن النعمان، عن عبد الله بن مسکان ،عن سدير قال: كنّا عند أبي جعفر(عليه السلام)فذكرنا ما أحْدَثَ الناس بعد نبيهم(صلی الله علیه وآله وسلم)، واستذلالهم أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقال رجل من القوم : أصلحك الله ، فأين كان عزِّ بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): ومن كان بقي من بني هاشم، إنما كان جعفر وحمزة فمضيا، وبقي معه رجلان ضعيفان ذلیلان حديثا عهد بالإسلام : عباس وعقيل، وكانا من الطلقاء(5)، أما والله لو أن حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه ولو كانا(6)شاهديهما لأَتلفا نفسيهما .

217 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : من اشتكى الواهنة(7)، أو كان به

ص: 160


1- النعيق : الصوت والصياح والمعنى أنه لم يبق منهم أحد ليخبر بموتهم أو يرعاهم بعده. وفي الوافي : راعية ولا ناعية . وفي بعض النسخ : ثاغية ولا راعية والثغاء صوت الشاة والرغاء صوت الناقة .
2- يعني الأول والثاني .
3- هي مدة ملك بني أمية.
4- الضمير يرجع إلى عثمان .
5- كان(صلی الله علیه وآله وسلم)قد أطلقهما يوم بدر ولم يسترقّهما .
6- يعني الأول والثاني.
7- الواهنة : ريح تأخذ في المنكبين أو العضد. وفي بعض النسخ : الواهية وهي الخرّاج والدمّل والجراحة وفي القاموس : الوهى : الشق .

معالجة بعض الأمراض

صداع أو غَمْرَة بول(1)، فليضع يده على ذلك الموضع وليقل : اسكُن سكّنتك بالذي سكن له ما في الليل والنهار وهو السميع العليم .

218 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد من محمد بن أبي نصر، والحسن بن علي بن فضّال، عن أبي جميلة(2)، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: الحزم في القلب، والرحمة والغِلْظة في الكبد، والحياء في الرِّية .

وفي حديث آخر لأبي جميلة : العقل مسكنه في القلب.

219 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسّان، عن موسى بن بكر قال : اشتكى غلام إلى أبي الحسن(عليه السلام)فسأل عنه، فقيل : إنه به طحالاً ، فقال : اطعموه الكّراث ثلاثة أيام، فأطعمناه إيّاه، فقعد الدم ثم برأَ.

220 - محمد بن يحيى، عن غير واحد، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن عمرو بن إبراهيم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)وشَكَوْتُ إليه ضعفَ معدتي، فقال: اشرب الحَزَاء(3)بالماء البارد، ففعلت فوجدت منه ما أحِبّ .

معالجۀ من تغیّر علیه ماءالظهر

221 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح قال: سمعت أبا الحسن الأول(عليه السلام) يقول : من الريح الشابكة والحامّ(4)والأبردة في المفاصل، تأخذ كفَّ حُلْبَة وكفَّ تين يابس ، تغمرهما بالماء، وتطبخهما في قدر نظيفة، ثم تصفّى ثم تبرّد، ثم تشربه يوماً، وتغب يوماً حتى تشرب منه تمام أيامك قدر قدح رويّ .

222 - عدّة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن نوح بن شعيب، عمن ذكره، عن أبي الحسن(عليه السلام)قال: من تغيّر عليه ماء الظهر(5)فليُنقع له اللبن الحليب والعسل .

223 - الحسين بن محمد، عن معلی بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن حمران

ص: 161


1- غمرة الشيء : شدته ومزدحمه والظاهر أن المراد به هنا احتباس البول، ويحتمل أنه سلس البول. وفي بعض النسخ: غمزة ،بول بدل غمرة بول والغمز العصر.
2- واسمه المفضّل بن صالح .
3- الحزاء: نبت بالبادية يشبه الكرفس إلا أنه أعرض ورقاً منه، والواحدة حَزاة وحَزَاءة.
4- الحامّ: الحار.
5- «لعل المراد به المني، وبتغيّره فتوره وضعفه وقلّه الباء» المازندراني 238/12.

قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): فيم يختلف الناس؟ قلت : يزعمون أن الحجَامة في يوم الثلاثاء أصلح ، قال : فقال لي : وإلى ما يذهبون في ذلك؟ قلت : يزعمون أنه يوم الدم، قال: فقال : صدقوا، فأحرى أن لا يهيجوه في يومه، أمَا علموا أن في يوم الثلاثاء ساعة من وافقها لم يرق دمه حتى يموت، أو ما شاء الله(1).

٢٢٤ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن رجل من الكوفيين، عن أبي عروة أخي شعيب، أو(2)عن شعيب العقرقوفي قال : دخلت على أبي الحسن الأول(عليه السلام)، وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس، فقلت له : إن هذا يوم يقول الناس : إن من احتجم فيه أصابه البَرَص ، فقال : إنما يُخاف ذلك على من حملته أمه في حَيْضها .

٢٢٥ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال، فإن من احتجم مع الزوال في يوم الجمعة فأصابه شيء فلا يلومَنَّ إلا نفسه(3).

٢٢٦ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن أبي سلمة، عن معتّب عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : الدواء أربعة(4): السَّعوط(5)والحجامة والنورة والحُقْنَة.

227 -علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذَينة قال : شكا رجل إلى أبي عبد الله(عليه السلام)السعالَ وأنا حاضر ، فقال له : خذ في راحتك شيئاً من كاشم(6)، ومثله من سكّر، فاستفّه(7)يوماً أو يومين ، قال ابنُ أُذَينة : فلقيت الرجل بعد ذلك ، فقال : ما فعلته إلا مرة واحدة حتى ذَهَب(8).

228 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن رجل ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن موسى بن عمران (عليه السلام)شكا إلى ربه تعالى البلّة والرطوبة ،

ص: 162


1- دل الحديث على أن الحجامة مكروهة يوم الثلاثاء، وربما قيل بالحرمة لأنها قد تؤدي إلى التهلكة .
2- الترديد من الراوي .
3- أنظر التعليقة رقم (٤) .
4- «خصّها بالذكر لكونها أنفع الأدوية في الأمراض المخصوصة التي يعرفها أهل الصناعة» المازندراني ٢٣٩/١٢ .
5- السَّعوط : الدواء الذي يجعل في الأنف.
6- الكاشم : الانجدان الرومي ، وهو معرّب: أنكدان ، وأنكوان.
7- الاستفاف: تناول الدواء غير ملتوت، وذلك الدواء سفُوف .
8- يعني السعال .

فأمره الله تعالى أن يأخذ الهليلج ،والبليلج ، والأملج فيعجنه بالعسل ويأخذه، ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): هو الذي يسّمونه عندكم الطريفل.

229 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن يحيى، عن أخيه العلاء، عن إسماعيل بن الحسن المتطبّب (1)قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إني رجل من العرب، ولي بالطب بصر، وطبّي طب عربي ، ولست آخذ عليه صَفَداً (2)؟ فقال : لا بأس، قلت : إنا نبطّ الجرح(3)، ونكوي بالنار؟ قال : لا بأس، قلت: ونسقي هذه السموم الأسمحيقون والغاريقون؟ قال : لا بأس، قلت: إنه ربما مات ؟ قال : وإن مات، قلت : نسقي عليه النبيذ ؟ قال : ليس في حرام شفاء(4)، قد اشتكى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقالت له عائشة : بك ذاتُ الجَنْب ؟ فقال : أنا أكرم على الله عز وجل من أن يبتليني بذات الجَنْب، قال: فأَمَر فَلُدَّ بَصبر(5)

230 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن يعقوب، قال: قلت ، لأبي عبد الله(عليه السلام): الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق وربما انتفع به، وربما قتله؟ قال : يقطع(6)ويشرب .

٢٣١ - أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبد الحميد، عن الحكم بن مسكين، عن حمزة بن الطيّار قال : كنت عند أبي الحسن الأول(عليه السلام)فرآني أتأوَّه ، فقال : ما لَكَ؟ قلت ضِرْسي، فقال لو احتجمتَ، فاحتجمتُ فسكن، فأعلمته فقال لي : ما تداوى الناس بشيء خير من مصّة دم أو مَزْعَة عسل ، قال : قلت : جُعِلْتُ فداك ، ما المزعة [من] عسل ؟ قال : لعقةُ عَسَل .

دواء الضرس والفم

232 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح ، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : سمعت أبا الحسن موسى(عليه السلام) يقول : دواء الضرس ؛ تأخذ حنظلة فتقشرها ،ثم تستخرج دهنها، فإن كان الضرس مأكولاً منحفراً تقطر فيه قطرات وتجعل منه في قطنة شيئاً

ص: 163


1- المتطبّب : المتعاطي علم الطب.
2- الصَفْد : الوثاق والعطاء، والمقصود به هنا الأجر .
3- بطّ الدمّل : شقّه.
4- حمل على ما إذا لم يكن ضرورة، والمشهور عند أصحابنا حرمة التداوي بالحرام إلا عند الضرورة فإن الضرورات تبيح المحظورات .
5- اللَّدود : ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم، ولديد الفم جانباه . والصبْر : من السموم .
6- قطع العِرْق : فَصْدُه .

وتُجعل في جوف الضرس ، وينام صاحبه مستلقيا، يأخذه ثلاث ليال، فإن كان الضرس لا أكْلَ فيه، وكانت ريحاً، قطر في الأذن التي تلي ذلك الضرس ثلاث ليالي كل ليلة قطرتين، أو ثلاث قطرات يبرأ بإذن الله ، قال وسمعته يقول : لوجع الفم والدم الذي يخرج من الأسنان، والضَّرَبان(1)والحمرة التي تقع في الفم، تأخذ حنظلة رطبة قد اصفرّت، فتجعل عليها قالباً من طين، ثم تثقب رأسها وتدخل سكيناً جوفها فتحك جوانبها برفق، ثم تصب عليها خلّ تمر حامضاً شديد الحموضة، ثم تضعها على النار فتغليها غلياناً شديداً، ثم يأخذ صاحبه منه كلما احتمل ظفره، فيدلك به فيه(2)ويتمضمض بِخَلّ، وإن أحب أن يحوّل ما في الحنظلة في زجاجة أو بستوقة(3)، فعل، وكلما فني خله أعاد مكانه، وكلما عتق كان خيراً له إن شاء الله .

فی النظر فی علم النجوم

233 - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضّال، عن الحسن بن أسباط ، عن عبد الرحمان بن سيّابة قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): جُعِلْتُ لك الفداء، إن الناس يقولون : إن النجوم لا يحلّ النظر فيها (4)، وهي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني ، وإن كانت لا تضرّ بديني فوالله إني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها ، فقال : ليس كما يقولون، لا تضر بدينك، ثم قال إنكم تنظرون في شيء منها، كثيرُهُ لا يُدْرَك وقليله(5)لا يُنْتَفَعُ به، تحسبون على طالع القمر، ثم قال : أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة؟ قلت : لا والله، قال : أفتدري كم بين الزهرة وبين القمر من دقيقة؟ قلت : لا ، قال : أفتدري كم بين الشمس وبين السنبلة من دقيقة؟ قلت: لا والله ما سمعته من أحد من المنجّمين قطّ، قال : أفتدري كم بين السنبلة وبين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت : لا والله ما سمعته من منجّم قط، قال : ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون أو سبعون دقيقة - شك عبد الرحمان - ثم قال : يا عبد الرحمن ، هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه عرف القصبة التي وسط الأجَمَة وعدد ما عن يمينها، وعدد ما عن يسارها، وعدد ما خلفها، وعدد ما أمامها ،حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة .

٢٣٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، قال : أخبرنا النضر بن قرواش الجمّال قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن الجمال يكون بها

ص: 164


1- الضَرَبان: الاضطراب ووثوب العرق والجرح وتموجهما
2- أي فمه.
3- البستوقة: وعاء من الفخّار، معرّب بستو.
4- يقصد العمل بالتنجيم .
5- أي الذي يمكن أن تدركه العقول.

الجَرَب، أعزلها عن إبلي مخافة أن يعديها جربها، والدابة ربما صفّرتُ لها حتى تشرب الماء ؟ فقال أبو عبد الله(عليه السلام): إن أعرابياً أتى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا رسول الله ، إني أصيب الشاة والبقرة والناقة بالثمن اليسير وبها جَرَبٌ فأكره شراءها مخافة أن يعدي ذلك الحرب إبلي وغنمي ؟ فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أعرابي فمن أعدى الأول(1)؟ ثم قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لا عدوى، ولا طِيرَةَ، ولا هامة(2)، ولا شوم، ولا صَفَر(3)، ولا رضاع بعد فصال، ولا تعرّب بعد هجرة ، ولا صمت يوماً إلى الليل، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يُتْمَ بعد إدراك(4).

لا عدوى ولا طيرة ولا هامّة ولاشوم ولاصفَر

٢٣٥ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو بن حُرَيث ، قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): الطَّيَرَةُ على ما تجعلها، إن هوَّنْتَها تَهَوَّنتْ ، وإِن شَدَّدتها تشدَّدَتْ ، وإن لم تجعلها شيئاً لم تكن شيئاً .

٢٣٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «كفارة الطيرة التوكّل».

قصۀ الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذرَ الموت

237 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، وغيره، عن بعضهم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، وبعضهم ، عن أبي جعفر(عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾(5)، فقال : إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام، وكانوا سبعين ألف بيت، وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، فكانوا إذا أحسّوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوَّتهم، وبقي فيها الفقراء لضعفهم، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ، ويقلّ في الذين خرجوا، فيقول الذين خرجوا : لو كنّا أقمنا لكثر فينا الموت، ويقول الذين أقاموا: لوكنّا خرجنا لقلّ فينا الموت، قال : فاجتمع رأيهم جميعاً أنه إذا وقع الطاعون فيهم وأحسّوا به خرجوا كلهم من المدينة، فلما أحسّوا بالطاعون خرجوا جميعاً وتنحَّوْا عن الطاعون حذر الموت، فساروا في البلاد ما شاء الله.

ص: 165


1- غرضه (صلی الله علیه وآله وسلم)تنبيه الأعرابي إلى أن الجَرَب أو غيره لا يعدي وإلا فمن أين جاءت العدوى للمصاب الأول، وإنما الذي يمرض ويشفي هو الله سبحانه
2- الهامة: الرأس، واسم طائر هو البومة وكانوا يتشأمون بها .
3- «قال ابن الأثير : كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها صفر تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه وأنها تعدي فأبطل الإسلام ذلك. وقيل: أراد به النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر ويجعلونه هو الشهر الحرام فأبطله »المازندراني ٢٤٨/١٢ .
4- أي بعد بلوغ و احتلام .
5- البقرة / ٢٤٣ .

ثم إنهم مرّوا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون، فنزلوا بها، فلما حطّوا رحالهم واطمأنوا بها، قال لهم الله عز وجل: موتوا جميعاً ،فماتوا من ساعتهم، وصاروا رميماً يلوح(1)، وكانوا على طريق المارة، فكنستهم المارة فنحَّوهُمْ وجمعوهم في موضع، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له حِزْقيل ، فلما رأى تلك العظام بكى واستعبَر، وقال: يا رب ؛لو شئت لأحييتَهم الساعة كما أمتَّهُمْ ، فعمَروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى الله تعالى إليه : أفتحب ذلك ؟ قال : نعم يا رب، فأَحْيِهِمْ ، قال : فأوحى الله عز وجل إليه أن قل كذا وكذا، - فقال الذي أمره الله عز وجل أن يقول - فقال أبو عبد الله(عليه السلام): - وهو الاسم الأعظم- ، فلما قال حِزْقيل ذلك الكلام، نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض، فعادوا أحياءاً ينظر بعضهم إلى بعض يسبّحون الله عزّ ذِكْرُه ويكبّرونه ويهلّلونه، فقال حِزْقيل عند ذلك : أشهد أن الله على كل شيء قدير . قال عمر بن يزيد : فقال أبو عبد الله(عليه السلام): فيهم نزلت هذه الآية .

هل یعلم یعقوب (عليه السلام)أن یوسف حیّ؟

238 - ابن محبوب، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قلت له : أخبرني عن قول يعقوب(عليه السلام) لبنيه : ﴿ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾(2)، أكان يعلم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة ؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف علم ؟ قال : إنه دعا في السحر وسأل الله عزوجل أن يهبط عليه مَلَك الموت، فهبط عليه بريال وهو ملك الموت، فقال له بريال : ما حاجتك يا يعقوب؟ قال : أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة ؟ قال : بل أقبضها متفرقةً روحاً روحاً، قال له : فأخبرني هل مر بك روح يوسف فيما مرّ بك ؟ قال : لا ، فعلم يعقوب أنه حي. فعند ذلك قال لولده :﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ .

تدویل قوله تعالی: ﴿ فَعَمُوا وصَمّوا﴾

239 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحُصَين، عن خالد بن يزيد القمي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل:﴿وَحَسِبوا ألا تكونَ فتنة﴾(3)، قال : حيث كان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بين أظهرهم﴿ فَعَمُوا وصَمّوا﴾ (4)حيث قبض رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):﴿ ثم تاب الله عليهم﴾ (5)حيث قام أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال : ﴿ثم عَمُوا وصَمّوا﴾ (6) إلى الساعة .

معنی قوله تعالی:﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ..الآیۀ﴾

٢٤٠ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي

ص: 166


1- أي صاروا عظاماً خالصة تظهر وتبرق .
2- يوسف /87 ، وتحسَّسوا : أي التمسوا وتعرّفوا .
3- المائدة / 71 وتتمة الآية : كثير منهم والله بصير بما يعملون.
4- المائدة / 71 وتتمة الآية : كثير منهم والله بصير بما يعملون.
5- المائدة / 71 وتتمة الآية : كثير منهم والله بصير بما يعملون.
6- المائدة / 71 وتتمة الآية : كثير منهم والله بصير بما يعملون.

مُسخ الذين كفروا من بني إسرائيل خنازير وقردة على لسان داود وعيسى(عليه السلام)

عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل :﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾(1)قال : الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى بن مريم(عليها السلام).

قراءۀ قوله تعالی: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ...الآیۀ﴾

٢٤١ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد ،عن النضر بن سويد، عن محمد بن أبي حمزة، عن يعقوب بن شعيب ،عن عمران بن ميثم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قرأ رجل على أمير المؤمنين(عليه السلام):﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾(2)، فقال : بلى والله ، لقد كذّبوه أشد التكذيب، ولكنها مخففة :﴿ لا يكذِبُونَكَ ﴾، لا يأتون بباطل يكذبون به حقك .

قصه ابن أبی سرح وکتابه وهدر دمه

٢٤٢ _ أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما(عليهم السلام)قال : سألته عن قول الله عز وجل : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ﴾(3)قال : نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر وهو ممن كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يوم فتح مكة هَدَرَ دمه، وكان يكتب لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإذا أنزل الله عز وجل :﴿ إن الله عزيز حكيم﴾ ، كتب : ﴿إن الله عليم حكيم﴾، فيقول له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «دَعْها(4)فإن الله عليم حكيم(5)»، وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين : إني لأقول من نفسي مثل ما يجيء به فما يغيّر عليّ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه الذي أنزل(6).

نزول قوله تعالی:﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ...الایۀ﴾

٢٤٣ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذَينة ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): قول الله عز وجل :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ

ص: 167


1- المائدة/ 78 .
2- الأنعام / ٣٣ .
3- الأنعام /93
4- أي أسقطها واتركها .
5- أي هو سبحانه كذلك في الواقع ونفس الأمر ولكن المنزل: إن الله عزيز حكيم .
6- ومن الواضح أن ابن أبي سرح كان من الكذابين على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فالله سبحانه وإن كان عليماً حكيماً وعزيزاً حكيماً ولكن لكل واحد من التعبيرين مقام لا يصح أحدهما في موضع الآخر، وإلا لكان مخلا بالفصاحة، فقوله تعالى :﴿ إن الله عزيز حكيم﴾ إنما يرد فيما إذا كان المورد في سياق بيان نقمته وجبروته . في حين أن قوله تعالى : ﴿إن الله عليم حكيم﴾ إنما يرد فيما إذا كان المورد مورد بيان الأحكام الإلهية والتوجيهات السماوية . وحيث إنه لا يجوز لمخلوق حتى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يغير شيئاً في كتاب الله وجهنا ما ورد في الحديث التوجيه الذي ينسجم مع قلنا فتأمل .

الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾(1)فقال : لم يجيء تأويل هذه الآية ،بعد ، إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه ، فلو قد جاء تأويلها(2)لم يقبل منهم ، لكنهم يقتلون حتى يوحَّدَ الله عز وجل، وحتى لا يكون شرك.

العباس وعقیل یوم بدر

٢٤٤ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : سمعته يقول في هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾(3)، قال : نزلت في العباس وعقيل ونوفل(4)، وقال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) نهى يوم بدر أن يُقْتَلَ أحدٌ من بني هاشم، وأبو البختري، فأسروا فأرسل علياً(عليه السلام)فقال : انظر من ههنا من بني هاشم، قال : فمر عليٌّ(عليه السلام)على عقيل بن أبي طالب كرَّم الله وجهه فحاد عنه(5)، فقال له عقيل : يا بن أمَّ عَلَيَّ(6)أما والله لقد رأيت مكاني ، قال : فرجع إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وقال : هذا أبو الفضل في يد فلان، وهذا عقيل في يد فلان، وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان، فقام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى انتهى إلى عقيل فقال له يا أبا يزيد قُتِلَ أبو جهل ، فقال : إذاً لا تنازعون في تهامة(7)، فقال : إن كنتم أثخنتم القوم وإلّا فاركبوا أكتافهم ، فقال : فجيء بالعباس فقيل له : إِفْدِ نفسك وافْدِ ابن أخيك، فقال : يا محمد، تتركني أسأل قريشاً في كفي ؟ فقال : أعطِ مما خلَّفتَ عند أم الفضل وقلتَ لها : إن أصابني في وجهي هذا شيء فأنفقيه على ولدك ونفسك، فقال له : يا ابن أخي، من أخبرك بهذا ؟ فقال : أتاني به جبرئيل(عليه السلام)من عند الله عز وجل، فقال: ومحلوفَه(8)، ما علم بهذا أحد إلا أنا وهي، أشهد أنك رسول الله ، قال : فرجع الأسرى كلهم مشركين إلا العباس وعقيل ونوفل كرّم الله وجوههم، وفيهم نزلت هذه الآية : ﴿قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا_ إلى آخر الآية - ﴾.

نزول قوله تعالی﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ...الآیۀ﴾

٢٤٥ _ أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن

ص: 168


1- الأنفال / ٣٩.
2- حمله بعضهم على قيام القائم عجل الله فرجه .
3- الأنفال/ 70 .
4- هم العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
5- أي أعرض عنه .
6- أي أعطف عليَّ أو أَقبِل. وفي ذكر الأم زيادة استعطاف، ومنه قول هارون لموسى : يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ..
7- تِهامة : أي مكة زادها الله شرف_اً
8- أي بالذي يحلف به .

مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما(عليه السلام)في قول الله عز وجل:﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (1)، نزلت في حمزة وعلي وجعفر والعباس(2)وشَيْبَة(3)، إنهم فخروا بالسقاية والحجابة، فأنزل الله جل وعز : ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، وكان علي وحمزة وجعفر صلوات الله عليهم الذين آمنوا بالله واليوم الآخر، وجاهدوا في سبيل الله ، لا يستوون عند الله .

تفضیل الله عزوجل علیاً

٢٤٦ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن قول الله تعالى : ﴿«وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ﴾(4)، قال : نزلت في أبي الفصيل(5)، إنه كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عنده ساحراً فكان إذا مسّه الضر - يعني السقم - دعا ربه منيباً إليه _ يعني تائباً من قوله في رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ما يقول -﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ- يعني العافية _ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾(6) - يعني نسي التوبة إلى الله عز وجل مما كان يقول في رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه ساحر -ولذلك قال الله عز وجل : ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ (7)- يعني إمرتك على الناس بغير حق من الله عز وجل ومن رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)- قال : ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثم عطف القول من الله عز وجل في علي(عليه السلام)يخبر بحاله وفضله عند الله تبارك وتعالى فقال : ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ(أن محمداً رسول الله) وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(أن محمداً رسول الله وإنه ساحر كذاب) إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(8)قال : ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): هذا تأويله يا عمّار.

٢٤٧ _ علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان قال: تلوتُ عند أبي عبد الله(عليه السلام):﴿ ذوا عدل منكم﴾(9)، فقال :﴿ ذو عدل منكم﴾ هذا مما أخطأت فيه الكتّاب .

٢٤٨ - عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن

ص: 169


1- التوبة / ١٩
2- وكانت لهم سقاية الحاجّ .
3- وكانت لشيبة ومن تبعه الحجابة ومفتاح الكعبة.
4- الزُّمر / ٨
5- الفصيل : هو البكر ؛ ولد الناقة؟! ولعل المراد به الأول.
6- الزُّمر / ٨ .
7- الزُّمر / ٨ .
8- الزمر / 9
9- المائدة/ ٩٥ .

رجل، عن أبي جعفر(عليه السلام):﴿ لا تَسألوا عَنْ أشْياء (لم تبدلكم) إنْ تُبْدَلكم تَسُؤْكُمْ﴾(1).

٢٤٩ _ علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن محمد بن مروان قال : تلا أبو عبد الله(عليه السلام): ﴿وتَمَتْ كلمةُ رَبِّكَ (الحسنى) صِدْقاً وعَدلاً ﴾(2)، فقلت : جُعِلْتُ فِداك ، إنما نقرؤها ﴿وتَمَتْ كَلِمةُ رَبِّك صِدقاً وعَدلاً﴾ ؟ فقال : إن فيها (الحسنى).

تأویل قوله تعالی:﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ...الآیۀ﴾

٢٥٠ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمَّون، عن عبد الله بن الرحمان الأَصَمّ، عن عبد الله بن القاسم البَطَل، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قوله تعالى : ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ﴾(3)، قال: قُتِلَ علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وطُعِنَ الحسن(عليه السلام)،﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾(4)، قال: قتل الحسين(عليه السلام)﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ﴾(5)، فإذا جاء نصر دم الحسين(عليه السلام)،﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾(6)، قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه)فلا يدعون واترا لآل محمد إلا قتلوه،﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ (7)، خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه)،﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ﴾(8)، خروج الحسين(عليه السلام)في سبعين من أصحابه عليهم البَيْضُ المذهَّب لكل بيضة وجهان ، المؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه، وأنه ليس بدجال ولا بشيطان، والحجة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين(عليه السلام)، جاء الحجةَ الموتُ، فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحدُه في حفرته الحسين بن علي(عليه السلام)، ولا يلي الوصيَّ إلا الوصيُّ .

تسییر عثمان دبا ذر إلی الرَبَذَه

١ ٢٥ - سهل، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن حفص التميمي قال : حدثني أبو جعفر الخثعمي قال : قال : لما سيّر عثمانُ أبا ذر إلى الرَبَذَة، شيّعه أمير المؤمنين وعقيل والحسن والحسين(عليهم السلام)وعمّار بن ياسر رضي الله عنه، فلما كان عند الوداع ، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا أبا ذر ، إنك إنما غضبت الله عز وجل فارْجُ من غضبتَ له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فأَرحلوك عن الفناء، وامتحنوك بالبلاء، ووالله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتْقاً ثم اتّقى الله عز وجل جعل له منها مخرجاً، فلا يؤنسك إلا الحق، ولا يوحشك إلا الباطل.

ص: 170


1- المائدة / ١٠١ .
2- الإسراء / ٤ إلى ٦
3- الإسراء / ٤ إلى ٦
4- الإسراء / ٤ إلى ٦
5- الإسراء / ٤ إلى ٦
6- الإسراء / ٤ إلى ٦
7- الإسراء / ٤ إلى ٦
8- الإسراء / ٤ إلى ٦

ثم تكلّم عقيل فقال : يا أبا ذر أنت تعلم أنّا نُحبك، ونحن نعلم أنك تحبنا، وأنت قد حفظت فينا ما ضيّع الناس إلا القليل، فثوابك على الله عزوجل ، ولذلك أخرجك المخرجون، وسيّرك المسيِّرون، فثوابك على الله عز وجل، فاتَّقِ الله واعلم أن استعفاءك البلاء من الجزع، واستبطاءَك العافية من اليأس، فدَع اليأس والجزع وقل : حَسْبَي الله ونعمَ الوكيل.

ثم تكلّم الحسن(عليه السلام)فقال : يا عمّاه ، إن القوم قد أتوا إليك ما قد ترى، وإن الله عز وجل بالمنظرَ الأعلى، فدع عنك ذكر الدنيا بذكر فراقها وشدة ما يرد عليك لرخاء ما بَعْدَها، واصبر حتى تلقى نبيّك(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو عنك راض إن شاء الله .

ثم تكلّم(1) الحسين(عليه السلام)فقال : يا عمّاه ، إن الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما ترى وهو كلَّ يوم في شأن ، إن القوم منعوك دنياهم ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك ، وما أحوجهم إلى ما منعتهم، فعليك بالصبر، فإن الخير في الصبر، والصبر من الكرم ، ودع الجزع فإن الجزع لا يُغْنِيكَ .

ثم تكلّم عمار رضي الله عنه فقال : يا أبا ذر، أوحَشَ الله من أَوْحَشَكَ، وأخافَ من أخافَك، إنه والله ما منع الناس أن يقولوا الحق إلا الركون إلى الدنيا والحب لها، ألا إنما الطاعة مع الجماعة، والملك لمن غلب عليه، وإن هؤلاء القوم دعَوا الناس إلى دنياهم فأجابوهم إليها، ووهبوا لهم دينَهم فخسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين .

ثم تكلّم أبو ذر رضي الله عنه فقال: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بأبي وأمي هذه الوجوه، فإني إذا رأيتكم ذكرت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بكم، وما لي بالمدينة شَجَن(2)ولا سَكَن(3)غيركم، وأنه ثقل على عثمان جواري بالمدينة كما ثقل على معاوية بالشام، فالى أن يسيّرني إلى بلدة فطلبت إليه أن يكون ذلك إلى الكوفة، فزعم أنه يخاف أن أُفسِدَ على أخيه (4) الناس بالكوفة، وآلى بالله لَيُسَيِّرني إلى بلدة لا أرى فيها أنيساً ولا أسمع بها حَسيساً، وإني والله ما أريد إلا الله عز وجل صاحباً وما لي مع الله وحشة، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين(5).

ص: 171


1- ذكر قريباً من هذا الصدوق في الفقيه ٢ / ح ٨٠٤ فراجع .
2- الشجن الحاجة، والجمع شجون .
3- السَّكَن : ما يُسكن إليه .
4- يعني الوليد بن عقبة وكان أخا عثمان لأمّه، والياً على الكوفة من قبله وكان فاسقاً .
5- وقد أورد الصدوق رحمه الله كلام أبي ذر هذا بتفاوت في الفقيه ٢ / ٨٠٤ فراجع .

المحقۀ والمبطلۀ من الصیحتین تکونان عند قیام القائم(عجل الله تعالی فرجه)

٢٥٢ - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، والحجّال جميعاً، عن ثعلبة، عن عبد الرحمان بن مسلمة الجريري قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): يُوَبّخونا ويُكَذِّبونا أنا نقول : إن صيحتين تكونان(1)، يقولون : من أين تُعْرَفُ المحقّة من المبطلة إذا كانتا ؟ قال : فماذا تردّون عليهم؟ قلت: ما نردّ عليهم شيئاً ، قال : قولوا : يُصَدِّق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل، إن الله عز وجل يقول :﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾(2).

منادیان ینادی أحدهما أول النهار والآخر آخر النهار

٢٥٣ _ عنه ، عن محمد، عن ابن فضّال، والحجّال عن داود بن فَرْقَد قال : سمع رجل من العِجْليّة(3)هذا الحديث قوله : ينادي منادٍ أَلَا إن فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أولّ النهار، وينادي آخرّ النهار : ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون قال : وينادي أول النهار منادي آخر النهار، فقال الرجل : فما يُدْرينا أَيّما(4)الصادق من الكاذب؟ فقال : يصدّقه عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي، إن الله عز وجل يقول : ﴿ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي -الآیۀ-﴾ .

٢٥٤ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لا ترون ما تحبّون(5)حتى يختلف بنو فلان(6)فيما بينهم، فإذا اختلفوا طمع الناس وتفرَّقت الكلمة، وخرج السُّفْيانيّ .

حديث الصَّيْحَة

(7).

قصه أبی الدوانیق وملک بنی العباس

٢٥٥ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، وغيره، عن إسماعيل بن الصباح قال : سمعت شيخاً يذكر عن سيف بن عَمِيرة قال : كنت عند أبي الدوانيق(8)فسمعته يقول ابتداءاً من نفسه : يا سيف بن عَمِيرة ، لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ،

ص: 172


1- أي عند قيام القائم عجل الله فرجه كما صّرحت بذلك الروايات
2- يونس / ٣٥ .
3- نسبة إلى بني عجل.
4- أي أَيّهما .
5- يعني ظهور القائم عجّل الله فَرَجَه الشريف .
6- أي يتبع ملوكهم بعضهم بعضاً، أو أن المراد بالاختلاف التنازع والتقاتل قيل : إن المراد بهم بنو العباس .
7- قال المازندراني 2٦9/12 : «الأنسب أن يذكر الحديثين السابقين بعد هذا العنوان».
8- أبو الدوانيق: هو المنصور أحد ملوك بني العباس.

قلت : يرويه أحدُ الناس؟ قال : والذي نفسي بيده لَسَمِعَتْ أذني منه يقول : لا بدّ من مناد ينادي باسم ،رجل، قلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قطّ، فقال لي : يا سيف، إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه، أما إنه أحد بني عَمّنا، قلت: أيُّ بني عمكم؟ قال : رجل من ولد فاطمة (عليهم السلام)، ثم قال : يا سيف؛ لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي (عليه السلام).

٢٥٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال : كنت مع أبي جعفر(عليه السلام)جالساً في المسجد، إذ أقبل داود بن علي وسليمان بن خالد وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم : هذا محمد بن علي جالس، فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد، وقعد أبو الدوانيق مكانه، حتى سلّموا على أبي جعفر(عليه السلام)، فقال لهم أبو جعفر : ما منع جبّاركم(1)من أن يأتيني، فعذروه عنده ، فقال عند ذلك أبو جعفر محمد بن علي(عليه السلام): أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بین قُطْرَيْها، ثم لَيَطأَنَّ الرجالُ عقبه، ثم لَتَذِلَّنَّ له رقاب الرجال، ثم ليملكنَّ ملكاً شديداً، فقال له داود بن علي : وإن مُلكنا قبل مُلككم ؟ قال : نعم يا ،داود إن ملكَكُم قبل ملكِنا وسلطانَكم قبل سلطاننا، فقال له داود: أصلحك الله ، فهل له من مدة ؟ فقال : نعم يا داود والله لا يملك بنو أمية يوماً إلا ملكتم مثلَيه، ولا سنّةً إلا ملكتم مِثْلَيْها(2)، وليتلقفها الصبيان منكم كما تَلَقَّفُ الصبيان الكرة، فقام داود بن علي من عند أبي جعفر(عليه السلام)فرحاً يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك، فلما نهضا جميعاً هو وسليمان بن خالد ،ناداه أبو جعفر(عليه السلام)من خلفه : يا سليمان بن خالد، لا يزال القوم في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا منا دماً حراماً ، - وأومأ بيده إلى صدره- ، فإذا أصابوا ذلك فبطن الأرض خير لهم من ظهرها، فيومئذ لا يكون لهم في الأرض ناصر، ولا في السماء عاذر، ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق، فجاء أبو الدوانيق إلى أبي جعفر(عليه السلام) فسلّم عليه ، ثم أخبره بما قال له داود بن علي وسليمان بن خالد، فقال له : نعم يا أبا جعفر(3)، دولتكم قبل دولتنا وسلطانكم قبل سلطاننا، سلطانكم شديد عَسِرٌ لا يُسْرَ فيه . وله مدة طويلة، والله لا يملك بنو أمية يوماً إلا ملكتم مثلَيه، ولا سنة إلا ملكتم مثلَيْها، وليتلقفها صبيان منكم

ص: 173


1- الجبار العاتي المتمرد. ويقصد(عليه السلام)به المنصور.
2- «إثبات زيادة المثل لا ينافي زيادة الأكثر منه إلا بمفهوم اللقب وهو ليس بحجة اتفاقاً، فلا يرد أن ملك بني أمية ثمانون سنة ومدة ملك بني العباس خمسمائة سنة، ولعل النكتة في الاقتصار على المثلين بيان أصل الزيادة لا قدرها، أو التنبيه على سرعه زوال ملكهم كيلا يغتروا به» المازندراني ٢٦٧/١٢ .
3- يعني المنصور الدوانيقي.

فضلاً عن رجالكم كما يتلقف الصبيان الكرة ، أفهمتَ ؟ ثم قال: لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ما لم تصيبوا منا دماً حراماً ، فإذا أصبتم ذلك الدم غضب الله عز وجل عليكم فذهب بملككم وسلطانكم ، وذهب بريحكم وسلّط الله عز وجل عليكم عبداً من عبيده أعور(1)- وليس بأعور من آل أبي سفيان- ، يكون استيصالكم على يديه وأيدي أصحابه ثم قطع الكلام.

٢٥٧ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضّل بن مزيد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: قلت له أيام عبد الله بن علي : قد اختلف هؤلاء فيما بينهم ؟ فقال : دع ذا عنك، إنما يجيء فساد أمرهم من حيث بدأ صلاحهم (2).

آیتان تکونان قبل قیام القائم(عجل الله تعالی فرجه)

2٥٨ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن بدر بن الخليل الأزدي قال : كنت جالساً عند أبي جعفر(عليه السلام)فقال : آيتان تكونان قبل قيام القائم(عجل الله تعالی فرجه)، لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض: تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان ، والقمر في آخره، فقال رجل : يا ابن رسول الله ؛ تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف ؟! فقال أبو جعفر(عليه السلام): إني أعلم ما تقول، ولكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم(عليه السلام) .

فضل الشيعة

٢٥٩ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أبي المقدام قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : خرجتُ أنا وأبي حتى إذا كنا بين القبر والمنبر، إذا هو بأناس من الشيعة فسلّم عليهم ثم قال : إني والله لأُحِبّ رياحكم وأرواحكم، فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد، واعلموا أن ولايتنا لاتُنال إلا بالورع والاجتهاد، ومن ائتمَّ منكم بعبد فليعمل بعمله، أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون، والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا والسابقون في الآخرة إلى الجنة قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله عز وجل، وضمان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، والله ما على درجة الجنة أكثر أرواحاً منكم فتنافسوا في فضائل الدرجات، أنتم الطيبون ونساءكم الطيبات كل مؤمنة حوراء عيناء، وكل مؤمن صدّيق، ولقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لقنبر : يا قنبر أبشر وبشّر واستَبشِر، فوالله لقد مات رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو على أمته ساخط إلا الشيعة .

ألا وإن لكل شيء عزاً وعز الإسلام الشيعة.

ص: 174


1- الأعور : - عند العرب - يقال للذي ليس له أخ من أبيه وأمه . وقيل : إنهم يطلقونه على الرديء من كل وقيل : إن المقصود به هنا هولاكو.
2- أي من الشرق، وهكذا كان، إذ إن هولاكو جاء منه .

ألا وإن لكل شيء دعامة ودعامة الإسلام الشيعة .

ألا وإن لكل شيء ذروة وذروة الإسلام الشيعة .

ألا وإن لكل شيء شرفاً وشرف الإسلام الشيعة .

ألا وإن لكل شيء سيداً وسيد المجالس مجالس الشيعة .

ألا وإن لكل شيء إماماً وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة، والله لولا ما في الأرض منكم ما رأيتَ بعينٍ عُشباً أبداً، والله لولا ما في الأرض منكم ما أنعم الله على أهل خلافكم، ولا أصابوا الطيبات، ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب، كل ناصب وإن تعبَّد واجتهد منسوب إلى هذه الآية :﴿ عاملةٌ ناصبةٌ * تصلى ناراً حامية ﴾(1)فكل ناصب مجتهد فعمله هباء، شيعتنا ينطقون بنور الله عز وجلّ، ومن يخالفهم ينطقون بتفلّت(2)، والله ما من عَبْدٍ من شيعتنا ينام إلا أصعد الله عز وجل روحه إلى السماء فيبارك عليها، فإن كان قد أتى عليها أجلُها جعلُها في كنوز رحمته وفي رياض جنته وفي ظل عرشه ، وإن كان أجلُها متأخراً بعث بها مع أَمَنَتِهِ من الملائكة ليردّوها إلى الجسد الذي خرجت منه لتسكنَ فيه، والله إن حاجَّكم وعُمّارَكم لخاصة الله عز وجل، وإن فقراءكم لأهل الغنى، وإن أغنياءكم لأهل القناعة، وإنكم كلّكم لأهْلُ دعوته وأهلُ إجابته .

٢٦٠ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد الله(عليه السلام) مثله ، وزاد فيه : ألا وإن لكل شيء جوهراً وجوهر ولد آدم محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ونحن، وشيعتنا بعدنا، حَبّذا شيعتنا ما أقربهم من عرش الله عز وجل، وأحسن صنع الله إليهم يوم القيامة، والله لولا أن يتعاظم الناس ذلك(3)أو يدخلهم زهو(4)لسلّمت عليهم الملائكة قُبُلاً ، والله ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائماً إلّا وله بكل حرف مائة حسنة، ولا قرأ في صلاته جالساً إلا وله بكل حرف خمسون حسنة، ولا في غير صلاة إلّا وله بكل حرف عشر حسنات، وإن للصامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن ممن خالفه، أنتم والله على فرشكم نيام لكم أجر المجاهدين، وأنتم والله في صلاتكم لكم أجر الصافّين في سبيله، أنتم والله الذين قال الله عز

ص: 175


1- الغاشية / ٣ و ٤ .
2- أي بلا روية وبلا أساس يستندون إليه إلا الأهواء.
3- أي فيقولون فيهم ما ليس بحق، كأن يقولوا إنهم أنبياء أو معصومون .
4- الزهو: الكبر والخيلاء .

وجل : ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾(1)، إنما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين : عينان في الرأس، وعينان في القلب(2)، ألا وإنّ الخلائق كلهم كذلك، أَلَا إن الله عز وجل فتح أبصاركم وأعمى أبصارهم .

شکوی أبی عبدالله(عليه السلام) إلی الله عزوجل

٢٦١ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحَكَم، عن منصور بن يونس، عن عنبسة بن مصعب قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : أشكو إلى الله عز وجل وحدتي وتقلقلي بين أهل المدينة، حتى تُقدِموا وأراكم وأنس بكم، فليت هذا الطاغية(3)أذِنَ لي فأتخذ قصراً في الطائف فسكنته وأسكنتكم معي ، وأضمن له أنْ لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبداً.

٢٦٢ - عدّة من أصحابنا ،عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب قال : أنشد الكُمَيت أبا عبد الله(عليه السلام)شعراً فقال :

أخلص الله لي ه_وايَ (4)فما أغرق نزعاً ولا تطيش سهامي(5)

فقال أبو عبد الله(عليه السلام): لا تقل هكذا فما أغرق نزعاً، ولكن قُلْ : فقد أغرق نزعاً ولا تطيش سهامَي(6).

حدیث سفیان بن مصعب العبدی وشدۀ التقیۀ

٢٦٣ - سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن أبي داود المسترق، عن سفيان بن مصعب العبدي قال : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) فقال : قولوا لأم فَرْوَة تجيء فتسمع ما صُنِع

ص: 176


1- الحجر / ٤٧ . والغِلَّ : ما كان في الصدور في الدنيا من شحناء وضغائن وعداوة . والسُّرُر جمع سرير ومتقابلين : أي يقابل بعضهم بعضاً لا يستدبره فينظر في قفاه
2- يرون بهما الحقائق والمعقولات ويميزون بين صحيحها وسقيمها وحقها وباطلها .
3- المراد به إما أبو العباس السفاح أو أبو جعفر المنصور.
4- يعني : حبي لكم أهل البيت .
5- «نزع في القوس : مدّها وأغرق في نزعها استوفى مدّها هذا في الأصل ثم أستعير للمبالغة في الأمر والانتهاء فيه . وطاش السهم : جاز الهدف ... ولعل المراد بالقوس : قوس المحبة وبالسهم سهمها على سبيل التشبيه» المازندراني ٢٧٤/١٢ .
6- «هذا الكلام يحتمل وجهين : الأول : أن يكون الواو لعطف المنفي على المنفي فدل بحسب المنطوق على عدم الإغراق في نزع قوس المحبة وعدم المبالغة فيها وعدم طيش سهم المحبة عن الهدف إلى الغلو مثلا، وبحسب المفهوم على أنه لو أغرق طاش سهم المحبة عن الهدف فلذلك لم يغرق والثاني : أن يكون الواو للحال عن فاعل أغرق ويكون النفي راجعاً إلى القيد فيدل على أنه أغرق وطاش السهم لأجل إغراقه، ولما كان في الأول نقص في إظهار المحبة وجهين : الأول : عدم المبالغة في المحبة، والثاني : جواز سهم المحبة عن الهدف على تقدير المبالغة فيها وفي الثاني نقص بالوجه الثاني غير(عليه السلام) عبارته ليندفع كلا النقصين .... »ن . م .

بجدّها، قال: فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال : أَنشِدنا(1)، قال: فقلت :

«فَرْوُ جُودِي بدَمْعِكِ المسكوب»

قال : فصاحت وصحنَ النساء، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): الباب الباب(2)، فاجتمع أهل المدينة على الباب قال : فبعث إليهم أبو عبد الله(عليه السلام): صبيُّ لنا غُشِيَ عليه (3)، فصِحْن النساء .

٢٦٤ - سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أَبَان بن عثمان، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما حفر رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم)الخندق، مِرّوا بكُدْية(4)فتناول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)المعول من يد أمير المؤمنين(عليه السلام) ، أو(5)يد سلمان رضي الله عنه ، فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لقد فتح علي في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر ، فقال أحدهما لصاحبه (6): يَعِدُنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدُنا أن يخرج يتخلّى .

٢٦٥ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: إن الله تبارك وتعالى ريحاً يقال لها : الأَزيَب(7)، لو أرسل منها مقدار منخر ثور لأثارت ما بين السماء والأرض، وهي : الجَنوب(8).

استسقاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٢٦٦ _ علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن رزيق(9)أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : أتى قوم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فقالوا : يا رسول الله ، إن بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا، فادع الله تبارك وتعالى يرسل السماء علينا، فأمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالمنبر فأَخرجَ واجتمع الناس، فصعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ودعا وأمر الناس أن يؤمّنوا فلم يلبث أن هبط جبرئيل فقال : يا محمد أخبر الناس إن ربك قد وعدهم أن يمطروا يوم كذا وكذا، وساعة كذا وكذا، فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم وتلك الساعة، حتى إذا كانت تلك الساعة

ص: 177


1- دل على عدم حرمة سماع النساء صوت الرجال الأجانب.
2- أي أغلقوا الباب، أو ما شابه .
3- ربما فعل(عليه السلام)ذلك تقية ليفسّر صياحهن بما حصل للصبي .
4- الكُدية: الأرض الصلبة، أو الصخرة الصلدة.
5- الترديد من الراوي .
6- يقصد الأول والثاني .
7- الأَزيَب : - كما في القاموس - الجنوب ، أو النكباء تجري بينها وبين الصَّبا، والأمر المنكر والداهية .
8- أي هي الجنوب عند الناس.
9- في بعض النسخ: زريق. وكذا ما بعده.

أهاج الله عز وجل ريحاً فأثارت سحاباً وجلّلت السماء وأرخت عَزَالَيْها، فجاء أولئك النفر بأعيانهم إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقالوا : يا رسول الله ؛ ادع الله لنا أن يكفّ السماء عنا فإنا كدنا أن نغرق، فاجتمع الناس ودعا النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وأمر الناس أن يؤّمنوا على دعائه، فقال له رجل من الناس : يا رسول الله أسْمِعْنا فإن كل ما تقول ليس نسمع ، فقال : قولوا : اللهم حوالَينا ولا علينا، اللهم صُبَّها في بطون الأودية وفي نبات الشجر وحيث يرعى أهل الوَبَر(1)، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً.

٢٦٧ - جعفر بن بشير، عن رزيق، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما أبرقت قط في ظلمة ليل ولا ضوء نهار إلا وهي ماطرة .

٢٦٨ -محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن العزرمي، رفعه قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): وسئل عن السحاب أين يكون؟ قال: يكون على شجر على كثيب(2)على شاطيء البحر يأوي إليه ، فإذا أراد الله عزوجل أن يرسله أرسل ريحاً فأثارته، ووكَّل به ملائكة يضربوه بالمخاريق، وهو البرق، فيرتفع، ثم قرأ هذه الآية : ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ - الآية _﴾(3)والملك اسمه الرعد .

٢٦٩ - عدّة من أصحابنا ،عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنى الحناط ، ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو عبد الله (عليه السلام): من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسُنَت نيته زاد الله عز وجل في رزقه، ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره .

موعظۀ للنبی(صلی الله علیه وآله وسلم)

270 _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسن بن محمد الهاشمي قال: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال : حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يقول الله تبارك وتعالى لابن آدم : إن نازعك بصرُك إلى بعض ما حَرَّمْتُ عليك فقد أعنتك عليه بطبقينِ(4)، فاطبق ولا تنظر ، وإن نازعك لسانك إلى بعض ما حَرّمتُ عليك فقد أعنتك عليه بطبقين(5)فاطبق ولا تَكَلَّم، وإن نازعك فَرْجُك إلى بعض ما حرمتُ عليك فقد أعنتك عليه

ص: 178


1- أهل الوَبَر: أي أهل الإبل.
2- الكثيب: الرمل الطويل المحدودب
3- فاطر / ٩ . وتتمة الآية : فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور .
4- يقصد بهما :الجفنين .
5- يقصد بهما الشفتين.

بطبقين(1)فاطبق ولا تأتِ حراماً.

ثلاث من كن فيه فلا يرج خيره

271 -علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط ، عن مولى لبني هاشم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ثلاث من كن فيه فلا يرج خيره، من لم يستح من العيب، ويخش الله بالغيب(2)، ويَرعَوِ(3)عند الشيب .

إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه

272 - أبو علي الأشعري ،عن محمد بن عبد الجبّار، عن الحجّال قال: قلت لجميل بن دراج : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه ، قال : نعم ، قلت له : وما الشريف؟ قال : قد سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن ذلك فقال : الشريف من كان له مال ، قال : قلت : فما الحسيب؟ قال : الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله وغير مالِهِ، قلت : فما الكرم؟ قال: التقوى .

273 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ما أشد حزن النساء، وأبعد فراق الموت، وأشد من ذلك كله فقر يتملّق(4)صاحبه ثم لا يعطى شيئاً.

حديث يأجوج ومأجوج

(5)

٢٧٤ _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن العباس بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس قال : سئل أمير المؤمنين(عليه السلام)عن الخَلْق فقال : خلق الله ألفاً ومائتين(6)فى البر ، وألفاً ومائتين في البحر، وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج .

٢٧٥ - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّی بن محمد، عن الحسن بن علي الوشّاء ،عن مُثَنّى، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (إن) الناس طبقات ثلاث : طبقة

ص: 179


1- يقصد بهما هنا الفخذين.
2- أي في الخفاء والسر كخشيته سبحانه في العَلَن
3- لم يرعو: لم ينزجر وينكفى .
4- التملق : التودد والتضرّع فوق ما ينبغي والإغراق فيهما .
5- «قال القاضي : هما إسمان أعجميان بدليل منع الصرف وقيل : عربيان من أج الظليم إذا أسرع، وأصلهما الهمز كما قرأ ،عاصم ، ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث، وفي القاموس : من لا يهمزهما يجعل الألفين زايدتين» المازندراني 279/12.
6- أي من الأنواع والأجناس.

هم منّا ونحن منهم، وطبقة يتزَيَّنون بنا، وطبقة يأكل بعضهم بعضاً (بنا)(1).

٢٧٦ _ عنه، عن المعلّى، عن الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن عمّار بن مروان، عن الفُضَيل بن يسار قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): إذا رأيت الفاقة والحاجة قد كثرت وأنكر الناس بعضهم بعضاً فعند ذلك فانتظر أمر الله عز وجل ، قلت : جُعِلْتُ فداك، هذه الفاقة والحاجة قد عرفتهما، فما إنكار الناس بعضهم بعضاً ؟ قال : يأتي الرجل منكم أخاه فيسأله الحاجة فينظر إليه بغير الوجه الذي كان ينظر إليه، ويكلّمه بغير اللسان الذي كان يكلّمه به .

277 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن عبيد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): وكل الرزق بالحمق، ووكل الحرمان بالعقل(2)، ووكل البلاء بالصبر.

قصۀ عمر أخی غذافر وأبی عبدالله(عليه السلام)

278 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد العطّار، عن يونس بن يعقوب ، عن عمر أخي عذافر قال : دفع إلي إنسان ستمائة درهم م أو(3)سبعمائة درهم لأبي عبد الله(عليه السلام)، فكانت في جُوالَقي ، فلما انتهيت إلى الحفيرة(4)شُقّ جوالقي وذهب ما فيه، ووافقت (5)عامل المدينة بها فقال : أنت الذي شُقّت زاملتك وذُهب بمتاعك؟ بجميع فقلت : نعم، فقال: إذا قدمنا المدينة فأتنا حتى أعوضك، قال: فلما انتهيت إلى المدينة دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) فقال : يا عمر، شُقت زاملتك وذُهِبَ بمتاعك؟ فقلت : نعم، فقال: ما أعطاك الله خير مما أخذ منك إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ضلّت ناقته فقال الناس فيها : يخبرنا عن السماء ولا يخبرنا عن ناقته فهبط عليه جبرئیل(عليه السلام) فقال : يا محمد ناقتك في وادي كذا وكذا ملفوف خطامها بشجرة كذا وكذا قال فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس ؛ أكثرتم عَلَيّ في ناقتي ، ألا وما أعطاني الله خير مما أخذ مني ، ألا وأن ناقتي في وادي كذا وكذا ملفوف خطامها بشجرة كذا وكذا ، فابتدرها الناس فوجدوها كما قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

ص: 180


1- أي يلعن بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً. وبناءً على وجود كلمة (بنا) في ذيل الرواية فالمعنى : أنهم يأكل بعضهم أموال بعض بإفشاء علومنا أو أسرارنا أو بإظهار المودة لنا وهكذا .
2- وذلك لأن الأول يطلب الدنيا ويهلك نفسه في تحصيلها في حين أن الثاني يتركها ويبتعد عنها لعلمه بغرورها وزينتها وبلاءاتها .
3- الترديد من الراوي .
4- اسم مكان .
5- من الاتفاق وهو المصادفة. وفي بعض النسخ: وواقفتُ من المواقفة.

قال : ثم قال : انت عامل المدينة فَتَنَجَّزْ(1)منه ما وعدك ، فإنما هو شيء دعاك الله إليه لم تطلبه منه.

توجیه کلام أبی ذر رضی الله عنه

279 - سهل، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس ،عن شعيب العرقوفي قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): شيء يروى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول : ثلاث يبغضها الناس وأنا أحبها ؛ أحب الموت، وأحب الفقر، وأحب البلاء؟ فقال : إن هذا ليس على ما يروون، إنما عنى الموت في طاعة الله أحب إليَّ من الحياة في معصية الله، والبلاء في طاعة الله أحب إلي من الصحة في معصية الله ،والفقر في طاعة الله أحب إلي من الغنى في معصية الله .

رؤیا رآها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

280 - سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد ،عن يونس، عن علي بن عيسى القمّاط، عن عمّه قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : هبط جبرئيل(عليه السلام)على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كئيب حزين فقال : يا رسول الله، ما لي أراك كئيباً حزيناً ؟ فقال : إني رأيت الليلة رؤيا، قال: وما الذي رأيتَ ؟ قال : رأيتُ بني أمية يصعدون المنابر وينزلون منها ، قال والذي بعثك بالحق نبياً، ما علمت بشيء من هذا، وصعد جبرئيل(عليه السلام)إلى السماء ثم أهبطه الله جل ذكره بأي من القرآن يعزّيه بها ، قوله : ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ *مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾(2)وأنزل الله جل ذكره﴿«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، للقوم(3)، فجعل الله عز وجل ليلة القدر لرسوله خيراً من ألف شهر .

281 - عن محمد بن عبد الحميد ،عن يونس، عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل:﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾(4)، قال : فتنة في دينه، أو جراحة لا يأجره الله عليها .

حدیث عبدالأعلی فی اختلاف الشیعۀ تفرق أمۀ موسی وعیسی(عليه السلام)ومحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)

282 - سهل بن زياد، عن محمد، عن يونس، عن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إن شيعتك قد تباغضوا وشَنّأ بعضهم بعضاً ، فلو نظرت - جُعلتُ فداك - في أمرهم؟ فقال : لقد هممت أن أكتب كتاباً لا يختلف عليَّ منهم إثنان ، قال : فقلت : ما كنا قط أحوج إلى

ص: 181


1- تنجز الأمر: استنجحه وظفر به
2- الشعراء / ٢٠٥ إلى 207 . والتعزية : التسلية .
3- يعني بني أمية .
4- النور/٦٣ . والفتنة : في الأصل، الإمتحان والاختبار وكثر استعمالها في الإثم والقتل والقتال والعذاب والصرف عن الحق والعذاب هنا عام .

ذلك منا اليوم ، قال : ثم قال : أنّى هذا ومروان وابن ذر(1) ، قال(2): فظننت أنه قد منعني ذلك(3)، قال : فقمت من عنده فدخلت على إسماعيل، فقلت: يا أبا محمد إني ذكرت لأبيك اختلاف شيعته وتباغضهم ، فقال : لقد هممت أن أكتب كتاباً لا يختلف عليَّ منهم إثنان، قال : فقال : ما قال مروان وابن ذر، قلت: بلى قال يا عبد الأعلى، إن لكم علينا لَحَقاً كحقنا عليكم، والله ما أنتم إلينا بحقوقنا أسرع منا إليكم، ثم قال: سأنظر، ثم قال : يا عبد الأعلى، ما على قوم إذا كان أمرهم أمراً واحداً متوجهين ،إلى رجل واحد يأخذون عنه ألّا يختلفوا عليه ويُسندوا أمرهم إليه، يا عبد الأعلى ؛ إنه ليس ينبغي للمؤمن وقد سبقه أخوه إلى درجة من درجات الجنة، أن يجذبه عن مكانه الذي هو به، ولا ينبغي لهذا الآخر الذي لم يبلغ ، أن يدفع في صدر الذي لم يلحق به، ولكن يستلحق إليه ويستغفر الله(4).

283 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾(5)، قال : أما الذي فيه شركاء متشاكسون فلانٌ الأول، يجمع المتفرقون ولايته وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضاً ويبرأ بعضهم من بعض، فأما رجل سَلَم لرجل فإنه الأول حقاً وشيعته، ثم قال : إن اليهود تفرقوا من بعد موسى(عليه السلام)على إحدى وسبعين فرقة منها فرقة في الجنة وسبعون فرقة في النار، وتفرقت النصارى بعد عيسى(عليه السلام)على اثنين وسبعين فرقة فرقة منها في الجنة وإحدى وسبعون في النار، وتفرّقت هذه الأمة بعد نبيّها(صلی الله علیه وآله وسلم) على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة، ومن الثلاث وسبعين فرقة ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودتنا، اثنتا عشرة فرقة منها في النار، وفرقة في الجنة، وستون فرقة من سائر الناس في النار.

٢٨٤ _ وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان ، سنان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لم تزل دولة الباطل طويلة، ودولة الحق قصيرة(6).

ص: 182


1- أي كيف يمكن أن يكتب هذا الكتاب مع وجود هذين الرجلين ولعله كان يتقيهما. ويحتمل أنهما كانا من الشيعة قد اختلفا اختلافاً شديداً ووقعت بينهما العداوة فيكون المعنى : كيف ينفع هذا الكتاب في رفع خلافهما ودفع منازعتهما وإزالة عداوتهما، وكلام إسماعيل التالي يؤيد المعنى الثاني .
2- الضمير يعود إلى عبد الأعلى وهو السائل .
3- أي امتنع (أبو عبد الله)من كتابة الكتاب لي .
4- أي له ولأخيه ذاك .
5- الزمر / 29
6- أي بلحاظ شيوع الأولى بين الناس وكثرة أنصارها دون الثانية .

متى فَرَجُ شيعه

٢٨٥ _ وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يعقوب السّراج قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام) : متى فَرَجُ شيعتكم؟ قال : فقال : إذا اختلف ولد العباس، ووهي سلطانهم ، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أَعِنَّتَها(1)ورفع كل ذي صِيصِيَة(2)صيصيته، وظهر الشاميّ، وأقبل اليمانيّ، وتحرك الحَسَني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث(3)رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

فقلت ما تراث رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟ قال : سيف رسول الله ودرعه وعمامته وبُرْدُه، وقضيبه، ورايته ولامته ،وسرجه ،حتى ينزل مكة، فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع، وينشر الراية والبردة والعمامة، ويتناول القضيب بيده ويستأذن الله في ظهوره ، فيطّلع على ذلك بعض مواليه ،فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدر الحسني إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشامي، فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه الناس ويتبعونه .

ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى المدينة فيهلكهم الله عز وجل دونها ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي(عليه السلام)إلى مكة فيلحقون بصاحب هذا الأمر.

ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها .

تعرض بعض دصحاب أبی الخطّاب لأبی جعفر(عليه السلام)وبراءته منهم

٢٨٦ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن بعض أصحاب أبي عبد الله(عليه السلام)قال: خرج إلينا أبو عبد الله(عليه السلام)وهو مغضب فقال : إني خرجت آنفاً في حاجة فتعرّض لي بعض سودان المدينة، فهتف بي لبَّيك يا جعفر بن محمد لبَّيك ، فرجعت عودي على بدئي إلى منزلي خائفاً ذعراً مما قال(4)، حتى سجدت في مسجدي لربي، وعفّرت له وجهي وذللت له نفسي ، وبرئت إليه مما هتف وذللت له نفسي ، وبرئت إليه مما هتف بي ، ولو أن عيسى بن مريم عدا ما قال الله فيه إذا لصُمّ صمّاً لا يسمع بعده أبداً، وعمي عمَّى لا يبصر بعده أبداً، وخرس خرساً لا يتكلم بعده أبداً، ثم قال : لعن الله أبا الخطاّب وقتله بالحديد.

287 - عنه ، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب ،عن جهم بن أبي جُهَيْمة، عن

ص: 183


1- جمع عِنان : وهو سير اللجام الذي تمسك به الدابة وهذا التعبير كتابة عن خروجهم من ربقة التبعية والذل لغيرهم .
2- الصيصية : شبه الإصبع تكون خلف رجل الديك، كما يطلق على قرن البقر. وهذا التعبير كناية عن نهوض كل من به قوة أو طامع بالملك والسلطان .
3- أي ميراث .
4- كأنه فهم(عليه السلام)من هتافه له : لبيك إنه من القائلين بربوبيته ولعله كان من جماعة أبي الخطّاب لعنه الله .

بعض موالي أبي الحسن(عليه السلام)قال : كان عند أبي الحسن موسى(عليه السلام)رجل من قريش، فجعل يذكر قريشاً والعرب، فقال له أبو الحسن(عليه السلام)عند ذلك : دع هذا، الناس ثلاثة :عربي ومولى وعِلْج ، فنحن العرب، وشيعتنا الموالي ، ومن لم يكن على مثل ما نحن عليه فهو عِلج ، فقال القرشي : تقول هذا يا أبا الحسن، فأين أفخاذ قريش والعرب؟ فقال أبو الحسن(عليه السلام): هو ما قلت لك .

مایعمل القائم(عجل الله تعالی فرجه) بالنواصب

288 - عنه ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب، عن الأحول، عن سلام بن المستنير قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يحدّث : إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشدّ على وسطه الهِميان ويخرجهم من الأمصار إلى السواد.

ماأکثر الوصف وأقل الفعل

289 - الحسين بن محمد الأشعري، عن علي بن محمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم بن أبي سلمة، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن محمد بن بنان، عن أبي مريم، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قال أبي يوماً وعنده أصحابه : من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ ؟ قال : فَكَاعَ (1)الناس كلهم ونَكَلُوا ، فقمت وقلت : يا أبت أتأمر أن أفعل؟

فقال : ليس إياك عنيت، إنما أنت مني وأنا منك، بل إياهم أردت ، قال : وكرّرها ثلاثاً، ثم قال : ما أكثر الوصف وأقل الفعل، إن أهل الفعل قليل إن أهل الفعل قليل، ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معاً، وما كان هذا منا تعامياً عليكم بل لنبلوَ أخباركم ونكتب آثاركم ، فقال : والله لكأنما مادت بهم الأرض حياءاً مما قال، حتى أني لأنظر إلى الرجل منهم يَرْفَضُ(2) عرقاً ما يرفع عينيه من الأرض، فلما رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله، فما أردت إلا خيراً، إن الجنة درجات، فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول، ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم، قال: فوالله لكأنما نشطوا من عقال(3).

انّماشیعۀ علیّ من صدّق قوله فعله

290 - وبهذا الإسناد، عن محمد بن سليمان، عن إبراهيم بن عبد الله الصوفي قال : حدثني موسى بن بكر الواسطي قال : قال لي أبو الحسن (عليه السلام): لو ميزتُ شيعتي لم أجدهم إلا واصفة(4)، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مُرْتَدّين(5)، ولو تمحَّصْتهم لما خلص من الألف واحد،

ص: 184


1- كاعَ : جَبن
2- يرفضّ عَرَقاً : أي يتصبّب ويسيل .
3- نشطوا من عقال: أي خرجوا منه. وفيه كناية عن ارتياحهم وسرورهم جراء ترحّمه(عليه السلام)عليهم .
4- أي واصفين للتشيع قائلين به.
5- أي خارجين عن طريقتي وسنّتي .

ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكَّوا على الأرائك فقالوا : نحن شيعة علي، إنما شيعة علي من صدَّقَ قولَه فعلُه .

291 - حميد بن زياد ،عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : يؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول : يا رب حَسَنْتَ خَلْقى حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريم(عليها السلام)فيقال : أنت أحسن أو هذه؟ قد حَسّناها فلم تفتتن، ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول : يا رب حَسَّنْتَ خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت، فيجاء بيوسف(عليه السلام)فيقال : أنت أحسن أو هذا؟ قد حسّناه فلم يفتتن، ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شَدّدت علىَّ البلاء حتى افتتنت، فيؤتى بأيوب(عليه السلام)فيقال : أَبَلِيَّتُكَ أشدُّ أو بليّة هذا؟ فقد أُبْتُليَ فلم يفتتن(1).

292 - وبهذا الإسناد، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل البصري قال : سمعت أبا عبد لله(عليه السلام)يقول : تقعدون(2)في المكان فَتَحَدَّثونَ وتقولون ما شئتم، وتتبرؤون ممن شئتم، وتَوَلَّوْنَ من شئتم؟ قلت: نعم، قال: وهل العيش إلا هكذا.

رحم الله عبداً حببنا إلی الناس

293 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : رحم الله عبداً حَبَّبَنا إلى الناس ولم يُبغَضْنا إليهم، أما والله لو يَرْووُنَ محاسن كلامنا لكانوا به أعز ، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحطّ إليها عشراً(3).

بیان قوله تعالی:﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾

٢٩٤ - وهيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: سألته عن قول الله عز وجل:﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾(4)قال : هي شفاعتهم ورجاؤهم، يخافون أن تُرَدّ عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا الله عزّ ذِكْره ويرجون أن يَقبل منهم .

٢٩٥ - وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): ما من عبد يدعو إلى ضلالة إلا وجد من يتابعه .

ص: 185


1- «ليس الغرض منه (الحديث) مجرد الإخبار بل فيه وعد ووعيد للممتحن وحمل له على الصبر وبيان لرفع حجته على الله يوم القيامة »المازندراني /291/12
2- يقصد جماعة الشيعة. وفي الحديث ترغيب لهم في المجالسة وحسن العشرة والتآلف والتواد.
3- أي يزيد عليها فيقع التحريف، وذكر العشر للمبالغة.
4- المؤمنون / ٦٠ . وتتمة الآية : أنهم إلى ربهم راجعون .

٢٩٦ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن الصلت، عن رجل من أهل بَلَخ قال : كنت مع الرضا(عليه السلام)في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان ،وغيرهم، فقلت: جُعِلْتُ فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة؟ فقال : مَهْ، إن الرب تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والأب واحد، والجزاء بالأعمال.

297 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام)يقول : طبايع الجسم على أربعة: فمنها الهواء الذي لا تحيى النفس إلا به وبنسيمه، ويُخرج ما في الجسم من داء وعفونة، والأرض التي قد تُوَلّد اليَبَسَ والحرارة، والطعام ومنه يتولّد الدم ، ألا ترى أنه يصير إلى المعدة فيغذّيه حتى يلين ثم يصفو فتأخذ الطبيعة صفوه دماً ، ثم ينحدر الثَفَل(1)، والماء وهو يولد البَلْغَم .

سؤال عن قول الرجل :«جزاک الله خیراً»

298 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسين بن أَعْيَن أخو مالك بن أعين قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن قول الرجل للرجل : جزاك الله خيراً، ما يعني به؟ فقال أبو عبد الله(عليه السلام): إن خيراً نهر في الجنة، محرجه من الكوثر، والكوثر مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الأوصياء وشيعتهم، على حافتي ذلك النهر جواري نابتات، كلما قُلِعَتْ واحدة نبتت أخرى، سمّي(2) بذلك النهر، وذلك قوله تعالى : وفيهن خيرات حسان(3)، فإذا قال الرجل لصاحبه : جزاك الله خيراً، فإنما يعني بذلك تلك المنازل التي قد أعدّها عز وجل لصفوته وخيرته من خلقه .

٢٩٩ _ وعنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: إن في الجنة نهراً حافتاه حور(4) نابتات، فإذا مرّ المؤمن بإحداهن فأعجبته ،اقتلعها فأنبت الله عز وجل مكانها .

حديث القباب

300- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشّاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة قال : قال لي أبو جعفر(عليه السلام)ليلةً وأنا عنده ونظر إلى السماء فقال : يا أبا حمزة، هذه قبة

ص: 186


1- أي الفضلات تنحدر إلى الإمعاء المعدّة لذلك.
2- هكذا ورد هنا مبنياً للمجهول والنهر نائب فاعل ويحتمل قراءته للمعلوم والمعنى : أن الله سمّاه بما في الآية ..
3- الرحمن / ٧٠ .
4- الحور: نساء أهل الجنة الواحدة: حوراء، وهي الشديدة بياض العين والشديدة سوادها أيضاً.

أبينا آدم(عليه السلام)، وإن الله عز وجل سِواها تسعةً وثلاثين قبةً فيها خلق ما عصَوا الله طَرْفَةَ عين(1).

٣٠١ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن عجلان أبي صالح قال : دخل رجل على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال له : جُعلْتُ فِداك ، هذه قبة آدم(عليه السلام)؟ قال : نعم ، والله قباب كثيرة، ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغرباً أرضاً بيضاء مملوّة خلقاً يستضيئون بنوره، لم يعصوا الله عز وجل طَرْفَةَ عين، ما يدرون خُلِقَ آدم أم لم يُخْلَق، يبرؤون من فلان وفلان .

من خَصَفَ نعله، وَرَقَع ثوبه، وحمل سلعته فقد برىء من الكِبْر

302- علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، ، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : من خَصَفَ(2)نعله، وَرَقَع ثوبه، وحمل سلعته فقد برىء من الكِبْر .

براءۀ الصادق(عليه السلام)من أبی الخطّاب ومقالتهم

٣٠٣ - عنه ، عن صالح ، عن محمد بن أَورَمة، عن ابن سنان، عن المفضّل بن عمر قال : كنت أنا والقاسم شريكي، ونجم بن حطيم، وصالح بن سهل بالمدينة، فتناظرنا الربوبية، قال : فقال بعضنا لبعض: ما تصنعون بهذا، نحن بالقرب منه(3)وليس منّا في تقية ، قوموا بنا إليه ، قال : فقُمنا فوالله ما بلغنا الباب إلا وقد خرج علينا بلا حذاء ولا رداء، قد قام كل شعرة من رأسه منه وهو يقول : لا لا يا مفضّل و يا قاسم و يا نجم ، لا، لا، بل عبادٌ مكرَمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون(4).

٣٠٤ - عنه، عن صالح، عن علي بن الحكم ،عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن لإبليس عوناً يقال له : تمريح(5)، إذا جاء الليل ملأَ ما بين الخافقَين .

مقالۀ الوزع وإنه رجْس مِسْخ

٣٠٥ - عنه ، عن صالح ، عن الوشّاء، عن كرّام ، عن عبد الله بن طلحة قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن الوَزَع ؟ فقال : رِجْسٌ ، وهو مسخ كله، فإذا قتلته فاغتسل ، فقال : إن أبي كان قاعداً في الحِجْر ومعه رجل يحدثه فإذا بوزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول

ص: 187


1- «كأنه أشار (بهذه قبة أبينا آدم) إلى السماء الدنيا وعندها قبة آدم باعتبار أنها خلقت له ولذريته كما نطقت به الآيات والروايات أو باعتبار أنه لم تكن له(عليه السلام)قبة سواها، وأراد بتسعة وثلاثين ما فوقها من السموات ولا دليل عقلاً ونقلاً على انحصار السماوات في تسع بل يجوز العقل الأقل والأكثر ، وأراد بالخلق : الملائكة أو الأعم ...إلخ» المازندراني ٢٩٥/١٢ .
2- الخصف: ضم الشيء إلى الشيء . والمراد بخصف النعل هنا خَرْزُها لإصلاحها إذ فتقت.
3- يقصد الإمام المعصوم(عليهم السلام).
4- والذي يفهم من هذا أن بعض هؤلاء كانوا ممن يرون الربوبية في المعصومين(عليهم السلام)فهم غلاة .
5- من المرح وهو الفساد. وفي بعض النسخ : تمريج من المَرَج وهو الفساد والاختلاط .

هذا الوزغ ؟ قال : لاعلم لي بما يقول ، قال : فإنه يقول : والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشْتُمَنَّ علياً تى يقوم من ههنا، قال : وقال أبي : ليس يموت من بني أمية ميت إلا مُسِخَ وَزَعاً، قال : وقال : إن عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت مُسِخَ وزعاً فذهب من بين يَديْ من كان عنده -وكان عنده ولده - فلما أن فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون، ثم اجتمع أمرهم على أن يأخذوا جِذْعاً فيصنعوه كهيئة الرجل ، قال : ففعلوا ذلك، وألبسوا الجذع درع حديد، ثم لفوه في الأكفان فلم يطّلع عليه أحد من الناس إلا أنا وولده.

إن الله بعث محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)رحمة، ويبعث القائم(عجل الله تعالی فرجه)نقمة

٣٠٦ _ عنه ، عن صالح ، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن عبد الملك بن بشیر، عن عثيم بن سليمان، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنّه في عافية(1)، فإن الله بعث محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)رحمة، ويبعث القائم نقمة(2).

أشبه الناس بموسى بن عمران(عليه السلام)

307 _ عنه ، عن صالح ، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الملك بن بشير، عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)قال : كان الحسن(عليه السلام) أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين رأسه إلى سرّته، وإن الحسين(عليه السلام)أشبه الناس بموسى بن عمران ما بين سرّته إلى قدمه.

٣٠٨ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام): كم كان طول آدم(عليه السلام) حين هُبطَ به إلى الأرض، وكم كان طول حوّاء؟ قال : وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب(عليه السلام): إن الله عز وجل لما أهْبَطَ آدم وزوجته حواء(عليها السلام)إلى الأرض، كانت رجلاه بِثَنِيّة الصَّفا (3)ورأسه دون أُفُق السماء(4)، وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل(عليه السلام): أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس ، فاغمزه غمزة وصيّر طوله سبعين ذراعاً بذراعه، واغمز حوّاء غمزة فيصير طولها خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها .

٣٠٩ - عنه ، عن أبيه ، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب ،عن الحارث بن المغيرة قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن رجل أصاب أباه سَبْيٌ في الجاهلية فلم يعلم أنه كان أصاب أباه(5) سَبْيٌ في الجاهلية إلا بعد ما توالدته العبيد في الإسلام وأُعتِق؟ قال : فقال : فليُنسَب إلى آبائه

ص: 188


1- أي إذا تمنّى أحدكم ظهور القائم(عجل الله تعالی فرجه) فليدعُ أن يكون من أنصاره والمستشهدين بين يديه.
2- أي على العباد لأنه يعمل فيهم بعلمه ولا يحتاج إلى بينة ولا يقر أحداً على باطل ولا يقبل جزية .
3- ثنية الجبل : كالعقبة فيه . وقيل : هي الطريق العالي فيه .
4- الأفق: الناحية، كناية عن طول قامته .
5- أي أحد أجداده بقرينة قوله بعدُ : فلينسب إلى آبائه العبيد في الإسلام.

العبيد في الإسلام ، ثم هو يعد من القبيلة التي كان أبوه سُبِيَ فيها إن كان (أبوه) معروفاً فيهم، ويرثهم ويرثونه .

310 - ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن الله تبارك وتعالى أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا والآخرة، والفَلَج(1)في الدنيا والآخرة ،والمهابة في صدور الظالمين.

ثلاثة هم شِرارُ الخلق ابتِلُي بهم خيار خلق الله

٣١١ - ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : ثلاث هُنَّ فخر المؤمن وزَيَّنه في الدنيا والآخرة: الصلاة في آخر الليل، ويأسُه مما في أيدي الناس، وولايته الإمام من آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، قال : وثلاثة هم شِرارُ الخلق ابتِلُي بهم خيار الخلق : أبو سفيان أحدُهم ، قَاتَلَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعاداه، ومعاوية قَاتَلَ علياً(عليه السلام)وعاداه، ويزيد بن معاوية لعنه الله قَاتَلَ الحسين بن علي(عليه السلام)وعاداه حتى قتله .

312 - ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال: لا حَسَبَ لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بالنية، ولا عباده إلا بالتفقّه، ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله.

حدیث یزید بن معاویه لعنهما الله وعلی بن الحسین(عليه السلام)

313 - ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج ، فبعث إلى رجل من قريش فأتاه ، فقال له يزيد : أتقرّ لي أنك عبد لي، إن شئتُ بعتك وإن شئتُ استرقّيتك، فقال له الرجل: والله يا يزيد، ما أنت بأكرم مني في قريش حَسَباً، ولا كان أبوك أفضلَ من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت بأفضلَ مني في الدين، ولا بخير مني ، فكيف أقرّ لك بما سألت؟ فقال له يزيد : إن لم تقرّ لي والله قتلتك، فقال له الرجل: ليس قتلك إيايَ بأعظم من قتلك الحسين بن علي(عليه السلام)ابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأمر به فَقُتِل .

حديث علي بن الحسين(عليه السلام)مع يزيد لعنه الله

ثم أرسل إلى علي بن الحسين(عليه السلام)فقال له مثل مقالته للقرشي، فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): أرأيتَ إن لم أُقِرَّ لك ، أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس؟ فقال له يزيد لعنه

ص: 189


1- الفَلَج : الغلبة والنجاة والفوز والطُّهر .

الله : بلى، فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): قد أقررتُ لك بما سألت، أنا عبد مُكْره، فإن شئت فأمسِكْ ، وإن شئت فَبع ، فقال له يزيد لعنه الله : أوْلى لك، حقنت دَمَك ولم ينقصك ذلك من شَرَفِكَ .

من کذّب آیۀ من کتاب الله فقد نبَذَ کتاب الله وراء ظهره

٣١٤ - الحسين بن محمد الأشعري، عن علي بن محمد بن سعيد، عن محمد بن سالم بن أبي سَلَمَة، عن محمد بن سعيد بن غزوان قال : حدثني عبد الله بن المغيرة قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام): إن لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي، ولا بد من معاشرتهما ، فَمَن أُعَاشِر ؟ فقال : هما سيّان من كذَّب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، قال: ثم قال : إن هذا نصب لك(1)وهذا الزيدي نصب لنا(2).

من قعد فی مجلس یُسَبّ فیه إمام من الأئمۀ

٣١٥ - محمد بن سعيد قال : حدثني القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : من قعد في مجلس يُسَبّ فيه إمام من الأئمة يقدر على الانتصاف فلم يفعل، ألبسه الله عز وجل الذلّ في الدنيا وعذّبه في الآخرة، وسلبه صالح ما منَّ عليه من معرفتنا .

لاتقبل العبادۀ إلا ممن أَقرّ بولایتهم(عليه السلام)

٣١٦ _ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن إبراهيم ابن أخي أبي شبل، عن أبي شبل قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ابتداءاً منه : أحببتمونا وأبغضنا الناس، وصدّقتمونا وكذَّبَنَا الناس، ووصلتمونا وجفانا الناس، فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا، أما والله ما بين الرجل وبين أن يقرّ الله عينه إلا أن تبلغ نفسه هذا المكان _ وأومأ بيده إلى حلقه - فمد الجلدة ، ثم أعاد ذلك، فوالله ما رضي حتى حلف لي فقال : والله الذي لا إله إلّا هو، لَحَدَّثني أبي محمد بن علي(عليه السلام) بذلك ، يا أبا شبل ؛ أما ترضون أن تصلّوا ويصلّوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون أن تزكّوا ويزكّوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون أن تحجّوا ويحجّوا فيقبل الله جلّ ذِكره منكم ولا يقبل منهم ، والله ما تُقْبَلُ الصلاة إلا منكم، ولا الزكاة إلا منكم ،ولا الحج إلا منكم ، فاتقوا الله عز وجل فإنكم في هُدْنة(3)، وأدّوا الأمانة ، فإذا تميز الناس فعند ذلك ذهب كل قوم بهواهم وذهبتم بالحق ما أطعتمونا، أليس القضاة والأمراء

ص: 190


1- لا بد من حمل هذا الناصب على المخالف، فإنه يبغض من يقول بإمامة أهل البيت(عليه السلام)وقد لا يبغضون أهل البيت(عليهم السلام) أنفسهم .
2- لأن الزيدية يبغضون أهل البيت(عليهم السلام)ويقولون بفسقهم لأنهم لم يخرجوا بالسيف كما هي عقيدتهم في الإمام. والله العالم .
3- الهُدنة : المصالحة، وكأنه أمر بالتقية من سلاطين الجور، فإن التقية دين وهي من تقوى الله

وأصحاب المسائل منهم؟ قلت بلى قال(عليه السلام): فاتقوا الله عز وجل فإنكم لا تطيقون الناس كلهم، إن الناس أخذوا ههنا وههنا وإنكم أخذتم حيث أخذ الله عز وجل، إن الله عز وجل اختار من عباده محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)فاخترتم خِيَرَةَ الله فاتقوا الله وادّوا الأمانات إلى الأسود والأبيض وإن كان حرورياً(1)، وإن كان شامياً.

317 -عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن إبراهيم بن أخي أبي عن شبل، عن أبي شبل، عن أبي عبد الله(عليه السلام) مثله .

318 - سهل بن زياد، عن محمد بن سنان، عن حماد بن أبي طلحة، عن معاذ بن كثير قال : نظرت إلى الموقف والناس فيه كثير ، فدنوت إلى أبي عبد الله(عليه السلام)فقلت له : إن أهل الموقف لكثير ، قال : فصرف ببصره فأداره فيهم ثم قال: ادن مني يا أبا عبد الله، غُثَاءٌ يأتي به الموج من كل مكان، لا والله ما الحج إلا لكم، لا والله ما يتقبّل الله إلا منكم .

حديث أم خالد وأبی بصیر وکثیر النوا

319 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أَبَان بن عثمان ، عن أبي بصير قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله(عليه السلام)إذا دَخَلَتْ عليه أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أيسرّك أن تسمَعَ كلامها ؟ فقلت : نعم، فقال: أمّا الآن فأَذَن لها ، قال : واجلسني معه على الطنفسة، ثم دَخَلَتْ فَتَكَلَّمَتْ ، فإذا امرأة بليغة ، فَسَأَلَتْهُ عنهما(2)، فقال لها : تَوَلّيهما؟ قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما ؟ قال : نعم(3)، قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النَّوا يأمرني بولايتهما ، فأيهما خير وأحب إليك؟ قال : هذا والله أحب إليّ من كثير النوا وأصحابه، إن هذا يخاصم فيقول : ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾،﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.

حدیث فاطمۀ(عليها السلام)لما أخرج علی(عليه السلام)

٣٢٠ _ عنه ، عن المعلّى، عن الحسن، عن أَبَان، عن أبي هاشم قال: لما أُخرِجَ بعلي(عليه السلام)، خرجت فاطمة(عليها السلام)واضعة قميص رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)على رأسها، آخذة بيدَي ابنَيْها فقالت : ما لي وما لَكَ يا أبا بكر تريد أن تؤتم ابنَيَّ وتُرَمّلني من زوجي، والله لولا أن تكون

ص: 191


1- أي خارجياً .
2- أي عن الأول والثاني . وقد مر هذا الحديث بعينه في موضع سابق فراجع .
3- لقد صدر عنه(عليه السلام)ذلك تقية .

سيئة(1)لنشرت شعري، ولصرخت إلى ربي، فقال رجل من القوم : ما تريد إلى هذا(2)، ثم أخذت بيده فانطلقت به .

321 - أَبَان ، عن علي بن عبد العزيز، عن عبد الحميد الطائي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : والله لو نَشَرَتْ شعرها ماتوا طُرًّا(3).

322 - أَبَان ، عن ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن ولد الزنا يُسْتَعْمَل(4)إن عمل خيراً جُزي به وإن عمل شراً جُزيَ به .

تکنیۀ مروان وأبیه بالوزغ

٣٢٣ _ أبان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول: خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من حجرته ،ومروان وأبوه(5)يستمعان إلى حديثه، فقال له : الوزغ ابن الوزغ، قال أبو عبد الله

(عليه السلام): فمن يومئذ يَرَوْنَ أن الوزغ يسمع الحديث .

لما ولد مروان وحدیث عائشه مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٣٢٤ - أَبَان ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : لما ولد مروان عرضوا به لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يدعو له، فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له، فلما قربته منه قال : أَخْرِجوا عني الوزغ ابن الوزغ ، قال زرارة ولا أعلم إلا أنه قال : وَلَعَنَه .

٣٢٥ - أبان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله، عن أبي العباس المكي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إن عمر لقي أميرالمؤمنين (عليه السلام) فقال : أنت الذي تقرأ هذه الآية : ﴿بأيكم المفتون﴾ تَعَرُّضاً بي وبصاحبي ؟ قال : أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أمية :﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ فقال : كَذَبْتَ، بنو أمية أوصَلُ للرحم منك، ولكنك أبيْتَ إلا عداوة لبني تَيم وعدي وبني أمية(6).

٣٢٦ _ علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم ،عن مسعدة بن صَدَقة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان علي(عليه السلام)يقوم في المطر أول ما يمطر ، حتى يبتلّ رأسه ولحيته وثيابه، فقيل له يا أمير المؤمنين الكِنَّ الكِنَّ (7)فقال : إن هذا ماء قريب عهد بالعرش(8).

ص: 192


1- أرادت بالسيئة هلاكهم ونزول العذاب عليهم على تقدير نشر شعرها، وتكون هنا تامة .
2- يعني علياً(عليهم السلام)وكأنه خاطب أبا بكر .
3- طُرّاً : أي جميعاً .
4- أي يكلّف بالتكاليف الشرعية كغيره من المكلّفين .
5- يقصد مروان بن الحكم وأباه الحَكَم بن العاص .
6- مر هذا الحديث بعينه فيما سبق فراجع .
7- أي أدخل الكِنَّ، وهو ما يقي من حر أو برد من الأبنية وشبهها .
8- العرش هو العلم والقدرة، كما يطلق على الجسم المحيط بالعالم ، وعليه فهذا المطر قريب عهد من محل رحمته وهو العرش. والله العالم .

ثم أنشأ يحدّث فقال : إن تحت العرش بحراً فيه ماء يُنبتُ أرزاق الحيوانات، فإذا أراد الله عز ذِكْره أن يُنبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم ، أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء، حتى يصير إلى سماء الدنيا - فيما أظن(1)- فيلقيه إلى السحاب والسحاب بمنزلة الغربال، ثم يوحي الله إلى الريح أن أطحنيه وأذيبيه ذوبان الماء، ثم انطلقي به إلى موضع كذا وكذا فأمطِري عليهم ، فيكون كذا وكذا عُباباً(2)وغير ذلك، فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به، فليس(3)من قطرة تقطر إلا ومعها مَلَك حتى يضعها موضعها، ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود ووزن معلوم ، إلا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح (عليه السلام)، فإنه نزل ماء منهمر بلا وزن ولا عدد .

قال : وحدثني أبو عبد الله(عليه السلام)(4)قال : قال لي أبي(عليه السلام): قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «إن الله عز وجل جعل السحاب غرابيل للمطر ، هي تذيب البرد حتى يصير ماءاً لكي لا يضرّ به شيئاً يصيبه ، الذي ترون فيه من البرد والصواعق نقمة من الله عز وجل يصيب بها من يشاء من عباده» .

ثم قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا تشيروا إلى المطر ولا إلى الهلال، فإن الله يكره ذلك»(5).

كتاب أمير المؤمنين(عليه السلام)لابن عباس

٣٢٧ _ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، رفعه قال : كتب أمير - المؤمنين(عليه السلام)إلى ابن عباس: أما بعدُ فقد يَسُرُّ المرء ما لم يكن ليفوته، ويَحْزُنُه ما لم يكن ليصيبه أبداً وإن جهد، فليكن سرورك بما قدّمت من عمل صالح ، أو حكم، أو قول(6)، وليكن أسفك فيما فرّطت فيه من ذلك، ودع ما فاتك من الدنيا، فلا تكثر عليه حزناً، وما أصابك منها فلا تنعم به سروراً، وليكن همّك بعدَ الموت، والسلام .

ص: 193


1- فيما أظن : هو من كلام الراوي .
2- العُباب : ارتفاع السيل أو موجه أو معظمه. وهو منصوب هنا على التميز لأنه وارد بعد كذا وهو اسم مبهم يجري مجرى (كم).
3- من هنا رواه الصدوق عن سعدان بتفاوت في الفقيه ١ / ح ١٤١٤ .
4- روي قريبا من صدره في الفقيه ١/ ح ١٤٩٧ .
5- «ظاهر غریب، وكيفية الإشارة إليهما غير معلومة ويمكن أن يكون كناية عن نسبة منافعهما إليهما . ولو قرىء بالتاء من شَتِر به إذا سبّه، أو من شَتِر فلاناً إذا غته وجرحه ولو جعل (إلى) بمعنى الباء وزائدة لكان له وجه» المازندراني ٣١٠/١٢ .
6- أي حكم بعدل أو قول بحق .

فضل الشیعۀ وموعظۀ نافعۀ لأبی جعفر(عليه السلام)

328 - سهل بن زياد، عن الحسن بن علي ،عن كرّام، عن أبي الصامت، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: مررتُ أنا وأبو جعفر(عليه السلام) على الشيعة وهم ما بين القبر والمنبر، فقلت لأبي جعفر(عليه السلام): شيعتك ومواليك جعلني الله فِداك، قال: أين هم؟ فقلت: أراهم ما بين القبر والمنبر، فقال اذهب إليهم، فذهب فسلّم عليهم، ثم قال: والله إني لأحب ريحكم وأرواحكم فأعينوا مع هذا بورع واجتهاد، إنه لا ينال ما عند الله إلا بورع واجتهاد، وإذا ائتممتم بعبد فاقتدوا به، أما والله إنكم لعلى ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل، وإن كان هؤلاء على دين أولئك فأعينوا على هذا بورع واجتهاد.

إذا قام القائم(عجل الله تعالی فرجه)مدّ الله فی أسماع الشیعۀ وأبصارهم

٣٢٩ _ أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن الربيع بن محمد المسلي، عن أبي الربيع الشامي قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إن قائمنا إذا قام مدّ الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى (لا) يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه(1).

٣٣٠ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عثمان بن عيسى، عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : من استخار الله راضياً بما صنع الله له خار الله له حتماً .

331 - سهل بن زياد ،عن داود بن مهران، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن رجل ، عن جويرية بن مسهر قال : اشتدَدْتُ(2)خلف أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال لي : يا جويرية؛ إنه لم يهلك هؤلاء الحمقى(3)إلا بخفق النعال خلفهم، ما جاء بك؟ قلت : جئت أسألك عن ثلاث : عن الشرف، وعن المروءة، وعن العقل ، قال : أما الشرف فمن شَرِّفه السلطان شَرفَ(4)، وأما المروءة فإصلاح المعيشة، وأما العقل، فمن اتّقى الله عقل.

332 - سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن علي بن أبي النوار، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): جُعِلْتُ فداك، لأي شيء صارت الشمس أشد حرارة من القمر؟ فقال : إن الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء ، طَبَقاً من هذا وطَبَقاً من هذا، حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباساً من نار، فمن ثَمَّ صارت أشد حرارة من القمر، قلتُ : جُعِلْتُ

ص: 194


1- هذا ينطبق على ما نراه في عصرنا من آلة الهاتف وأجهزة التلفاز والتي ربما تتطور أكثر عند خروجه عجل الله فرجه الشريف.
2- اشتددت : أي عَدَوْتُ أَشدّ العَدْو.
3- يقصد سلاطين الجور وأصحاب الرئاسات الدنيوية
4- أي بمقاييس أهل الأرض في الشرف.

فداك، والقمر؟ قال : إن الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار وصفو الماء ، طَبَقاً من هذا وطَبَقاً من هذا، حتى إذا كانت سبعة أطباق، ألبسها لباساً من ماء ، فمن ثَمّ صار القمر أبردَ من الشمس .

من کانت له حقیقۀ ثابته لم یقم علی شبهۀ

333 -عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا ،عن محمد بن الهيثم ،عن زيد أبي الحسن قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة هامدة، حتى يعلم منتهى الغاية(1)، ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث(2)، وبأي(3)شيء جهلتم ما أنكرتم(4)، وبأي شيء عَرَفتم ما أبصرتم(5)إن كنتم مؤمنين .

٣٣٤ _ عنه ، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمان، رفعه قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): ليس من باطل يقوم بإزاء الحقُ إلا غلب الحقُ الباطل، وذلك قوله عز وجل :﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾(6).

کل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشُبهة منقطع یوم القیامۀ إلا ما أثبته القرآن

٣٣٥ _ عنه ، عن أبيه مرسلاً قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): لا تتخذوا من دون الله وَليجَة(7)فلا تكونوا مؤمنين، فإن كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشُبهة منقطع مضمحل كما يضمحّل الغبار الذي يكون على الحجر الصَّلْد إذا أصابه المطر الجَوْدَ(8)، إلا ما أثبته القرآن .

برنامج صالح للدین والدنیا

٣٣٦ _ علي بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد ،عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : نحن أصل كل خير، ومن فروعنا كل بر، فمن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ والعفو عن المسيء ورحمة الفقير وتعهد الجار والإقرار بالفضل لأهله، وعدوُّنا أصلُ كل شر ، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة، فمنهم الكذب والبخل والنميمة والقطيعة وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حقه، وتعدي الحدود التي أمر الله ، وركوب

ص: 195


1- «أي حتى يعلم غاية الشبهة ومفاسدها المترتبة عليها ويعلم أن الحق وراءها» المازندراني ١٢/ ٣١٤
2- «أي يطلب الأمر الحادث من أمور الدين أصلا كان أم فرعاً من الإمام الناطق عن الوارث وهو الله تعالى ولوبواسطة من العلماء الناقلين عنهم(عليه السلام)»ن . . م .
3- الظاهر أنه عطف على : حتى يعلم منتهى الغاية .
4- أي من ولاية الظالمين .
5- أي من ولاية أئمة الحق (عليهم السلام).
6- الأنبياء / 18 . فيدمغه : أي فيهلكه زاهق : مضمحلّ هالك .
7- وليجة الرجل : بطانته وخاصته وأهل سرّه .
8- الجَوْد: الغزير الكثير .

الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والزنا، والسرقة، وكل ما وافق(1)ذلك من القبيح ، فَكَذَب من زعم أنه معنا وهو متعلق بفروع غيرنا.

مدح القناعۀ

337 -عنه ، وعن غيره، عن أحمد بن محمد بن خالد،عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال لرجل : اقنع بما قسم الله لك، ولا تنظر إلى ما عند غيرك، ولا تَتَمَنَّ ما لست نائلَه، فإنه من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع ، وخذ حظك من آخرتك .

وقال أبو عبد الله(عليه السلام): أَنفعُ الأشياء للمرء سبقُه الناس إلى عيب نفسه، وأشد شيء مؤونة إخفاء الفاقة، وأقل الأشياء غناءاً النصيحة لمن لا يقبلها ومجاورة الحريص، وأروَحُ الرَّوح اليأسُ من الناس(2).

وقال : لا تكن ضَجِراً ولا غَلقاً(3)، وذلّل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك ،ومن له الفضل عليك، فإنما أقررت بفضله لئلا تخالفه، ومن لا يعرف لأحد الفضل فهو المعجَبُ برأيه .

وقال لرجل : أعلم أنه لا عزَّ لمن لا يتذلل لله تبارك وتعالى، ولا رِفعةَ لمن لم يتواضع الله عز وجل.

وقال لرجل : أحْكِمْ أمر دينك كما أحْكَمَ أهل الدنيا أمر دنياهم، فإنما جُعلَتْ الدنيا شاهداً يُعْرَفُ بها ما غاب عنها من الآخرة، فاعرف الآخرة بها، ولا تنظر إلى الدنيا إلا بالاعتبار.

338 - عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله يقول الحمران بن أَعْيَن: يا حمران ؛ انظر إلى من هو دونك في القدرة ، ولا تنظر إلى من هو فوقك في القدرة، فإن ذلك أقنع بما قُسِمَ لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله جل ذِكْره من العمل الكثير على غير يقين .

واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله ، والكفّ عن أذى المؤمنين واغتيابهم، ولا

ص: 196


1- أي شاكله وشابهه.
2- «لأن اليأس منهم يوجب رفض الطلب وسكون النفس عن الاضطراب وتوجه السر إلى الله تعالى ونزول الرزق من قبله وكل ذلك سبب الرَّوْح والراحة النفسانية والجسمانية» المازندراني ٣١٧/١٢.
3- الغلق : ضيق الصدر وقلة الصبر وسوء الخلق

الرجل الذي سأل أمير المؤمنين(عليه السلام)وجواب الحسين(عليه السلام)له

عيش أهنا من حُسْنِ الخُلُق، ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل أضر من العُجْب.

الناس وأشباه التاس والنسناس

339 - ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال :سمعت علي بن الحسين(عليه السلام)يقول : إن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال : أخبرني - إن كنت عالماً _ عن الناس، وعن الناس، وعن أشباه الناس، وعن النَّسْنَاسِ؟

فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا حسين، أجب الرجل .

فقال الحسين(عليه السلام): أمّا قولك: أخبرني عن الناس فنحن الناس(1)، ولذلك قال الله تعالى ذكره في كتابه:﴿«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾(2)فرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الذي أفاض بالناس .

وأما قولك : أشباه الناس، فهم شيعتنا، وهم موالينا، وهم منّا، ولذلك قال إبراهيم(عليه السلام):﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾(3).

وأما قولك : النسناس، فهم السواد الأعظم، وأشار بيده إلى جماعة الناس، ثم قال :﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾(4).

سؤال سدیر عن أبی جعفر(عليه السلام)

٣٤٠ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل عن حنان بن سدير عن أبيه قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عنهما ؟ فقال : يا أبا الفضل، ما تسألني عنهما ، فوالله ما مات منا ميّت قط إلا ساخطاً عليهما، وما منّا اليوم إلا ساخطاً عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير، إنهما ظَلَمَانا حقّنا(5)، ومنعانا فَيئَنا (6)، وكانا أول من ركب أعناقَنا(7)، وبَثَقَا علينا بثقاً(8)في الإسلام لا يُسَكِّرَ (9)أبداً حتى يقوم قائمنا، أو يتكلم متكلمنا .

ص: 197


1- أي الناس الكاملون في صورهم الظاهرية والباطنية غاية الكمال.
2- البقرة/ ١٩٩
3- إبراهيم / ٣٦
4- الفرقان / ٤٤ .
5- يعني الخلافة .
6- يعني الخمس والغنيمة والأنفال .
7- كناية عن القهر والتسلّط بغير حق .
8- البثّق: الكسر والفتح .
9- أي لا يغلق ولا يسدّ . وفي بعض النسخ: لا يسكن .

ثم قال : أما والله لو قد قام قائمنا ( أ ) وتكلم متكلمنا لأبدى من أمورهما ما كان يكتم ، ولكَتَم من أمورهما ما كان يظهر، والله ما أسِّسَتْ من بليّة ولا قضية تجري علينا أهل البيت، إلا هما أسَّسا أولهما ، فعليهما(1)لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

الناس بعد النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)أهل ردّۀ إلا ثلثۀ

٣٤١ - حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : كان الناس أهل ردّة بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)إلا ثلاثة فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ، ثم عرف أناس بعد يسير(2)وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا، وأَبَوا أن يبايعوا حتى جاؤوا أمير المؤمنين(عليه السلام)مكرَهاً فبايع، وذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾(3).

کلام رسول الله یوم فتح مکه

٣٤٢ - حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : صعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) المنبر يوم فتح مكة فقال : أيها الناس؛ إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنكم من آدم(عليه السلام)وآدم من طين، ألا إن خير عباد الله عبد اتّقاه، إن العربية ليست بأَبٍ والد، ولكنها لسان ناطق، فمن قصر به عمله لم يبلغه حَسَبُه ، ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحْنة - والإحْنة الشحناء - فهي تحت قَدَميّ هذه إلى يوم القيامة .

فی توبۀ ولد یعقوب وأنهم لیسوا بأنبیاء

٣٤٣ - حنان عن أبيه، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قلت له : ما كان ولد يعقوب أنبياء؟ قال : لا ، ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، ولم يكن يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكّروا ما صنعوا، وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يتذكّرا ما صنعا بأمير المؤمنين(عليه السلام)، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

استسقاء سلیمان(عليه السلام)وحدیث النملۀ

٣٤٤ _ حنان ، عن أبي الخطّاب عن العبد الصالح(عليه السلام)قال: إن الناس أصابهم قحط شديد على عهد سليمان بن داود(عليه السلام)، فشكّوا ذلك إليه وطلبوا إليه أن يستسقيّ لهم، قال: فقال لهم : إذا صليتُ الغداةَ مضيتُ، فلما صلّى الغداة مضى ومضَوا، فلما أن كان في بعض الطريق، إذا هو بنملة رافعة يدها إلى السماء، واضعة قدميها إلى الأرض وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم قال: فقال سليمان(عليه السلام): ارجعوا فقد سُقيتُم بغيركم، قال: فَسُقُوا في ذلك العام ما لم يُسْقوا مثله قط.

ص: 198


1- لعل هذا من كلام الراوي .
2- يمكن أن يكون (يسير) بالرفع صفة لأناس أو على الجر بالإضافة والمعنى: عرف أناس الحق بعد زمان قصير.
3- آل عمران / ١٤٤ .

٣٤٥ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد،عن خَلَف بن عيسى، عن أبي عبيد المدائني ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن الله تعالى ذِكْرُه عباداً ميامين مياسير، يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم، وهم في عباده بمنزلة القطر، والله عز وجل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم، وهم في عبادة بمنزلة الجراد، لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .

توقیع الرضا(عليه السلام)إلی الحسن بن شاذان الواسطی

٣٤٦ _ الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى، (جميعاً)، عن محمد بن سالم بن أبي سَلَمَة، عن الحسن بن شاذان الواسطي قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) أشكو جفاء أهل واسط، وحملهم عَلَيَّ ، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني . فوقّع بخطه :

إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل ، فاصبر لحكم ربك، فلو قد قام سيد الخلق لقالوا:﴿ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾(1).

ما جاء في فضل معرفة الله تعالى

٣٤٧ - محمد بن سالم بن أبي سَلَمَة، عن أحمد بن الريّان، عن أبيه، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل، ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلّ عندهم مما يطأونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله جل وعز وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله .

إن معرفة الله عز وجل أُنسٌ من كل وَحشة، وصاحبٌ من كل وحدة، ونور من كل ظُلمَة، وقوة من كل ضَعْف، وشفاء من كل سُقْم .

ثم قال(عليه السلام): وقد كان قبلكم قوم يُقتلون ويُحرقون ويُنشرون بالمناشير، وتضيق عليهم الأرض برَحْبها فما يردّهم عمّا هم عليه شيء مما هم فيه، من غير تِرَة(2)وَتَرُوا مَنْ فَعَلَ ذلك بهم ولا أذى، بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، فاسألوا ربكم درجاتهم، واصبروا على نوائب دهركم تُدْرِكوا سَعْيَهم .

ما جاء فی خلق البعوض وأنه أصغر الخلق

٣٤٨ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: ما خلق الله عز وجل خلقاً أصغر من البعوض،

ص: 199


1- يس/٥٢ .
2- ) الترة: الجناية والتبعَة . وقوله : من غير ... إلخ، متعلق بقوله : يقتلون وما بعده.

والجِرْجِس أصغر من البعوض، والذي نسمّيه نحن الولع أصغر من الجِرجِس، وما في الفيل شيء إلا وفيه مثله، وفُضِّل على الفيل بالجناحين .

تفسیر قوله تعالی:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ..الآیۀ﴾

٣٤٩ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، جميعاً ،عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن زيد بن الوليد الخثعمي ، عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾(1)؟ قال : نزلت في ولاية علي(عليه السلام).

قال : وسألته عن قول الله عز وجل :﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾(2)؟ قال : فقال: الورقة: السَّقْط، والحبة: الولد، وظلمات الأرض: الأَرحام ، والرَّطِب : ما يُحيى من الناس، واليابس : ما يُقبَض، وكل ذلك في إمام مبين.

قال : وسألته عن قول الله عز وجل :﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾(3)؟ فقال : عنى بذلك : أي انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه .

قال : فقلت: فقوله عز وجل : ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ *وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(4)؟ قال : تمرّون عليهم في القرآن، إذا قرأتم القرآن، فتقرأون ما قص الله عز وجل عليكم من خبرهم .

٣٥٠ _ عنه، عن ابن مسكان، عن رجل من أهل الجبل لم يسمّه، قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): عليك بالتِّلاد(5)، وإياك وكل مُحْدَث لا عهد له ولا أمانة ولا ذمة ولا ميثاق، وكن على حذر من أوثق الناس في نفسك، فإن الناس أعداء النعم .

ص: 200


1- الأنفال/ ٢٤ .
2- الأنعام / ٥٩ . والإمام المبين اللوح المحفوظ.
3- الروم /٤٢ . والآية :هكذا قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلُ كان أكثرهم مشکین.
4- الصافات / 137 - 138 . وقد ورد في التفسير - والكلام على قوم لوط - أن سدوم قرية قوم لوط كانت في طريق القوافل بين المدينة والشام فكانوا يمرون عليها في قوافلهم في ليلهم ونهارهم .
5- التَّلاِد: المال القديم ،والمحدث : خلافه . والمقصود بالتلاد هنا ما كان على عهده(صلی الله علیه وآله وسلم)من الشريعة والأحكام والآداب ،وبالمحدث كل بدعة سنّها الظالمون من بعده، وكل تحريف حرّفوه في الإسلام.

٣٥١ _ يحيى الحلبي، عن أبي المستهلّ، عن سليمان بن خالد(1)قال: سألني أبو عبدالله(عليه السلام)فقال : ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم فيه زَيْداً؟ قال : قلت : خصال ثلاث: أما إحداهنَّ فقلّة من تخلّف معنا ، إنما كنا ثمانية نفر، وأما الأخرى فالذي تخوَّفنا من الصبح أن يفْضَحَنا، وأما الثالثة فإنه كان مضجعه الذي كان سبق إليه ، فقال : كم إلى الفرات من الموضع الذي وضعتموه فيه؟ قلت : قَذْفَةٌ حجر، فقال: سبحان الله ، أفلا كنتم أوقَرْتموه حديداً وقذفتموه في الفرات وكان أفضل ؟ فقلت : جُعِلْتُ فِداك ، لا والله ما طقنا لهذا ، فقال : أي شيء كنتم يوم خرجتم مع زيد؟ قلت: مؤمنين، قال: فما كان عدوّكم؟ قلت كفاراً ، قال : فإني أجد في كتاب الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾(2)، فابتدأتم أنتم بتخلية من أسرتم، سبحان الله ما استطعتم أن تسيروا بالعدل ساعة .

٣٥٢ - يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة ،عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل أعْفى نبيكم أن يلقى من أمته ما لَقِيَت الأنبياء من أُممَها، وجعل ذلك علينا(3).

محارب رسول الله، شرُّ محارب علی(عليه السلام)

٣٥٣ _ يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن ضريس قال : تمارى الناس عند أبي جعفر(عليه السلام)، فقال بعضهم : حَرْبُ عليّ شرُّ من حَرْب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وقال بعضهم : حَرْب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)شرٌّ من حرب عليّ(عليه السلام)، قال : فسمعهم أبو جعفر

(عليه السلام)فقال : ما تقولون؟ فقالوا : أصلحك الله، تمارَيْنا في حرب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وفي حرب علي(عليه السلام) ، فقال بعضنا : حرب علي(عليه السلام)شرَّ من حرب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وقال بعضنا حرب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) شرّ من حرب علي(عليه السلام)، فقال أبو جعفر(عليه السلام): لا ، بل حرب علي(عليه السلام)شر من حرب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقلت له : جُعلتُ فداك، أحَرْبُ عليّ(عليه السلام)شر من حرب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟ قال: نعم، وسأخبرك عن ذلك، إن حرب رسول الله(4)(صلی الله علیه وآله وسلم)لم يقرّوا بالإسلام، وإن حرب علي(عليه السلام)أقروا بالإسلام ثم جحدوه .

ص: 201


1- كان وجيهاً قارئاً فقيهاً وكان قد خرج مع زيد بن علي(عليه السلام)في ثورته .
2- محمد / ٤. وقوله : ﴿يا أيها الذين آمنوا ﴾ليست في الآية، وإنما أوردها(عليه السلام)لينبه أن الخطاب في الآبة للمؤمنين وقد تضمنت شيئاً غير الذي فعله اتباع زيد ومنهم الراوي مع أنه ادعى بأنهم كانوا مؤمنين !!. أثخنتموهم غلبتموهم أوزارها أي أثقالها . وقيل : حتى لا يكون شِرْك .
3- والمقصود أنه تعالى أنجاه من القتل دون غيره من الأذى.
4- الحرب - هنا - العدو المحارب. يقال للجمع والواحد والذكر والأنثى

٣٥٤ _ يحيى بن عمران، عن هارون بن خارجة ،عن أبي بصير، عن أبي عبد عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل : ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ﴾(1)، قلت: ولده كيف أوتي مثلهم معهم؟ قال أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ .

٣٥٥ - يحيى الحلبي، عن المُثَنّى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل : ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ﴾(2)قال: أما ترى البيت إذا كان الليل كان أشد سواداً من خارج، فلذلك هم يزدادون سواداً .

٣٥٦ _ الحسين بن محمد، عن المعلّى بن محمد عن الوشّاء، عن أبَان بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة قال : سمعت عبد الملك بن أَعْيَن، يسأل أبا عبد الله(عليه السلام)،فلم يزل يسائله حتى قال : فهلك الناس إذًا ؟ قال: إي والله يا ابنَ أعْيَن، فهلك الناس أجمعون ، قلت : من في المشرق، ومن في المغرب؟ قال : إنها فتحت بضلال(3)، إي والله لهلكوا إلا ثلاثة(4).

لا يستحق عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فیه خصال

٣٥٧ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إسحاق بن يزيد، عن مهران، عن أبَان بن تغلب، وعدّة قالوا : كنا عند أبي عبد الله(عليه السلام)جلوساً ، فقال(عليه السلام): لا يستحق عبد حقيقة الإيمان حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة، ويكون المرض أحب إليه من الصحة، ويكون الفقر أحب إليه من الغنى، فأنتم كذا ؟ فقالوا : لا والله، جَعَلَنا الله فداك، وسُقِطَ في أيديهم ووقع اليأس في قلوبهم، فلما رأى ما دخلهم من ذلك قال : أَيَسُرْ أحدكم أنه عمّر ما عمّر ثم يموت على غير هذا الأمر ، أو يموت على ما هو عليه ؟ قالوا : بل يموت على ما هو عليه الساعة، قال: فأرى الموت أحب إليكم من الحياة .

ثم قال : أيَسُرُّ أحدكم إن بقي ما بقي لا يصيبه شيء من هذه الأمراض والأوجاع حتى يموت على غير هذا الأمر؟ قالوا : لا يا ابن رسول الله قال: فأرى المرض أحب إليكم من الصحة .

ثم قال : أَيَسُرّ أحدكم أنّ له ما طلعت عليه الشمس وهو على غير هذا الأمر؟ قالوا : لا يا ابن رسول الله ، قال : فأرى الفقر أحبّ إليكم من الغنى.

ص: 202


1- الأنبياء / ٨٤. والحديث عن أيوب(عليه السلام).
2- يونس / 27 . أغنيت: البست. قطعاً: جمع قطعة، بمعنى سواد من الليل وبقية .
3- أي في عهد أئمة الضلال والجور فدخل أهل البلاد المفتوحة في دين ملوكهم مع ما أبدعوا فيه .
4- وهم أبو ذر وسلمان والمقداد.

٣٥٨ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن حمّاد اللحّام، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، أن أباه قال : يا بني إنك إن خالفتني في العمل لم تنزل معي غداً في المنزل، ثم قال : أبى الله عز وجل أن يتولّى قوم قوماً يخالفونهم في أعمالهم ينزلون معهم يوم القيامة، كلّا وربِّ الكعبة .

ما هدی من هذه الأمۀ من اهتدی إلا بهم(عليه السلام)

٣٥٩ _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : ما أحد من هذه الأمة يَدِينُ بدينِ إبراهيم(عليه السلام)إلا نحن وشيعتنا، ولا هُدِيَ من هُدِيَ من هذه الأمة إلّا بنا، ولا ضلِّ من ضلِّ من هذه الأمة إلّا بنا .

٣٦٠ - علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : كنت عنده وسأله رجل: عن رجل يجيء منه الشيء على حدّ الغضب، يؤاخذه الله به؟ فقال: الله أكرم من أن يستغلق عبده .

وفي نسخة أبي الحسن الأول(عليه السلام): يستقلق عبده(1).

عرض أعمال الأمۀ لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)واستغفارۀ لهم

٣٦١ - علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، وغير واحد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «إن لكم في حياتي خيراً وفي مماتي خيراً»، قال : فقيل : يا رسول الله ؛ أمّا حياتك فقد علمنا ، فما لنا في وفاتك ؟ فقال : أما في حياتي فإن الله عز وجل قال :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾(2)، وأما في مماتي فتُعْرَض عَلَيَّ أعمالكم فأَستغفر لكم .

٣٦٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن ممن ينتحل هذا الأمر(3) ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه .

مجیء علی بن الحسین (عليه السلام)لزیارۀ الحسین(عليه السلام)

٣٦٣ _ علي بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة قال : إن أول ما عرفتُ علي بن الحسين (عليه السلام)، أني رأيت رجلاً دخل من

ص: 203


1- يستغلق : أي يكلفه جبراً ويسلب اختياره ويستقلق: من الاقلاق والقلق وهو الاضطراب والانزعاج. وفي بعض النسخ : يتعلق : أي يخاصمه بزلّة من دون أن يجعل له باباً للتوبة والإنابة إليه، من العلق : وهو الخصومة .
2- الأنفال /33 . وأنت فيهم أي بين أظهرهم حتى يخرجوك من مكة والكلام عن أهلها المشركين.
3- أي التشيّع .

باب الفيل(1)فصلّى أربع ركعات، فتبعته حتى أتى بئر الركاة وهي عند دار صالح بن علي ، وإذا بناقتين معقولتين ومعهما غلام أسود، فقلت له : من هذا؟ فقال: هذا علي بن الحسين(عليه السلام)، فدنوت إليه فسلّمت عليه وقلت له : ما أقدَمَكَ بلاداً قُتِلَ فيها أبوك وجدك؟ فقال : زُرْتُ أبي، وصلّيت في هذا المسجد، ثم قال ها هوذا وجهي صلى الله عليه (2).

نزول قوله تعالی : ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾فی الحسین

٣٦٤ _ عنه ، عن صالح ، عن الحجّال عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : سألته عن قول الله عز وجل : ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ﴾(3)؟ قال : نزلت في الحسين(عليه السلام)، لو قتل أهل الأرض به ما كان سَرَفاً .

٣٦٥ _ عنه ، عن صالح ، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الحوت الذي يحمل الأرض أسَرَّ في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوناً أصغر من شبر وأكبر من فِتْر ، فدخلت فى خياشيمه فصُعِقَ ، فمكث بذلك أربعين يوماً، ثم إن الله عز وجل رؤف به ورحمه وخرج، فإذا أراد الله جل وعز بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض(4).

٣٦٦ - عنه ، عن صالح، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بكر الحضرمي، عن تميم بن حاتم قال : كنّا مع أمير المؤمنين(عليه السلام) فاضطربت الأرض فوَحَاهَا بيده(5)، ثم قال لها : اسكني مالَكِ، ثم التفت إلينا وقال : أما إنها لو كانت التي قال الله عز وجل(6)لأجابتني ، ولكن ليست بتلك .

من أحب الشیعۀ حباً لعقیدته دخل الجنۀ

٣٦٧ - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي اليسع ، عن أبي شبل، قال صفوان : ولا أعلم إلا أني قد سمعت من أبي شبل قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): من أحبكم على ما أنتم عليه دخل الجنة، وإن لم يقل كما تقولون(7).

ص: 204


1- وهذا الباب في مسجد الكوفة، وهو باب الثعبان نسبة إلى الثعبان الذي دخل المسجد فكلم أمير المؤمنين(عليه السلام)وهو على المنير، فربط بنو أمية عليه فيلا بعد ذلك لطمس تلك الكرامة لعلي(عليه السلام)فاشتهر بعد بباب الفيل .
2- أي ها أنذا متوجه بعدها إلى قبر جدي(صلی الله علیه وآله وسلم)لأزوره .
3- الإسراء / ٣٣ .
4- أورد هذا الحديث الصدوق في الفقيه ١ / ح ١٥١٤ .
5- فَوَحاها بيده : أي أشار إليها بيده .
6- أي التي حدّث عنها الله في سورة الزلزلة وذلك عند قيام الساعة، حيث قال سبحانه : ﴿«وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا*يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ .
7- لأن من أحب قوماً حُشِر معهم. والمرء مع من أحبّ .

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)بعد الجمل

٣٦٨ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال : إن أمير المؤمنين(عليه السلام)لم انقضت القصة فيما بينه وبين طلحة والزبير وعائشة بالبصرة،صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ثم قال: يا أيها الناس، إن الدنيا حلوة خَضِرة ، تفتن الناس بالشهوات، وتُزَيِّن لهم بعاجلها، وأيمَ الله ، إنها لتغرّ مَن أَمَّلها ، وتُخْلِفُ من رَجَاها، وستورث أقواماً الندامة والحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها، وحسدهم وبغيهم على أهل الدين والفضل فيها ظلماً وعدواناً وبغياً وأشَراً وبطراً وبالله ، إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا، ولا دائم تقوى في طاعة الله والشكر لنعمه، فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير من أنفسهم، وتحويل عن طاعة الله ، والحادث من ذنوبهم، وقلة محافظةٍ ، وتركِ مراقبةِ الله جل وعز، وتهاونٍ بشكر نعمة الله ، لأن الله عز وجل يقول في محكم كتابه :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾(1)، ولو أن أهل المعاصي وكسبةَ الذنوب، إذا هم حذروا زوال نعم الله وحلول نقمته وتحويل عافيته، أيقنوا أن ذلك من الله جل ذِكْرُه بما كسبت أيديهم ، فأَقْلَعوا وتابوا وفزعوا إلى الله جلّ ذِكْرُه بصدق من نيّاتهم، وإقرار منهم بذنوبهم وإساءتهم، لَصَفَحَ لهم عن كل ذنب، وإذا لأقَالَهُم كلَّ عثرة، ولردَّ عليهم كل كرامة نعمة، ثم أعاد لهم من صلاح أمرهم ومما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم وأفسد عليهم .

فاتقوا الله أيها الناس حقَّ تقاته، واستشعِروا خوف الله جلّ ذِكْره ، وأخلصوا اليقين، وتوبوا إليه من قبيح ما استفزّكم الشيطان من قتال ولي الأمر وأهل العلم بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة وتشتت الأمر وفساد صلاح ذات البَيْن، إن الله عز وجل : ﴿«يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾(2).

٣٦٩ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن عثمان قال: حدثني أبو عبد الله المدائني ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل خلق نجماً في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد ،وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار، وهو نجم الأنبياء والأوصياء، وهو نجم أمير المؤمنين(عليه السلام)، يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها، ويأمر بافتراش التراب وتوسّد اللبن، ولباس الخشن وأكل الجَشِب، وما خلق الله نجماً أقرب إلى الله تعالى منه .

ص: 205


1- الرعد / 11 .
2- الشورى / ٢٥ .

نص الرضا(عليه السلام) بإمامۀ نفسه ومعجزه له

٣٧٠ - الحسين بن أحمد بن هلال، عن ياسر الخادم قال : قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام): رأيت في النوم كأن قفَصاً فيه سبعة عشر قارورة ، إذ وقع القفص فتكسّرت القوارير؟ فقال : إن صَدَقَتْ رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي، يملك سبعة عشر يوماً ثم يموت . فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا فمكث سبعة عشر يوماً ثم مات .

371 - عنه ، عن أحمد بن هلال، عن محمد بن سنان قال : قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام)في أيام هارون : إنك قد شَهَرْتَ نفسك بهذا الأمر، وجلست مجلس أبيك، وسيف هارون يقطر الدم، فقال : جَرّأني على هذا ما قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرةً فاشهدوا أني لست بنبي ، وأنا أقول لكم : إن أخَذَ هارون من رأسي شعرةً فاشهدوا أني لست بإمام .

حديث جارية الزبير وقصۀ الرجل العقیلی

372 - عنه ، عن أحمد، عن زُرعة، عن سُماعة قال : تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي، فقالت له : إن هذا العُمَريّ قد آذاني ، فقال لها : عِدِيه وأدخليه الدهليز . فَأَدْخَلَتْه، فشدّ عليه فقتله وألقاء في الطريق، فاجتمع البكريّون والعمريون والعثمانيون وقالوا : ما لصاحبنا كفو، لن نقتل به إلا جعفر بن محمد، وما قتل صاحبنا غيرُه، وكان أبو عبد الله(عليه السلام) قد مضى نحو قُبا(1)فلقيتُه بما اجتمع القوم عليه(2)، فقال: دعهم، قال : فلما جاء ورأوه وثبوا عليه وقالوا : ما قتل صاحبنا أحد غيرُك ، وما نقتل به أحداً غيرَك ، فقال : ليكلّمني منكم جماعة، فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد ، فخرجوا وهم يقولون : شيخنا أبو عبد الله جعفر بن محمد، معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا، ولا يأمر به، انصرِفوا ، قال : فمضيت معه فقلت : جُعلْتُ فِداك، ما كان أقرب رضاهم من سخطهم ، قال : نعم دعوتهم فقلت : أمسكوا وإلا أخرجتُ الصحيفة، فقلت : وما هذه الصحيفة جعلني الله فداك؟ فقال: إن أمّ الخطاب كانت أمَةً للزبير بن عبد المطلب ، فَسَطَر(3)بها نُفَيل(4)فأحبلها، فطلبه الزبير فخرج هارباً إلى الطائف، فخرج الزبير خلفه، فبصرت به ثقیف فقالوا يا أبا عبد الله، ما تعمل ههنا ؟ قال : جاريتي سطر بها نَفَيْلُكُم، فهرب منه إلى الشام، وخرج الزبير في تجارة له إلى الشام فدخل على ملك الدّومة(5)فقال له يا أبا عبد الله، لي إليك حاجة ، قال : وما حاجتك أيّها

ص: 206


1- مزرعة قرب المدينة، وفيها المسجد المعروف .
2- أي من المطالبة بدمه ثأراً لصاحبهم .
3- في النهاية : سطر فلان على فلان إذا زخرف له الأقاويل ونمقها . والمقصود هنا أنه خدعها بكلامه المعسول حتى أمكنته من نفسها .
4- تُفَيل : هو جد عمر بن الخطاب لأبيه .
5- هي دومة الجندل اسم حصن على بعد خمسة عشر ليلة من المدينة.

الملك؟ فقال : رجل من أهلك قد أخذتَ ولده فأحب أن تردّه عليه ، قال : ليظهر لي حتى أعرفه ، فلما أن كان من الغد دخل على الملك فلما رآه الملك ضحك، فقال : ما يضحكك أيها الملك؟ قال : ما أظن هذا الرجل ولدته ،عربية، لمّا رآك قد دخلت لم يملك آسْتَه أن جعل يضرط ، فقال : أيها الملك إذا صرتُ إلى مكّة قضيتُ حاجتك، فلما قدم الزبير، تحمّل عليه ببطون قريش كلها أن يدفع إليه ابنه فأبى، ثم تحمّل عليه بعبد المطلب فقال : ما بيني وبينه عمل، أما علمتم ما فعل في أبني فلان، ولكن امضوا أنتم إليه، فقصدوه وكلّموه، فقال لهم الزبير : إن الشيطان له دَولة، وأن ابن هذا ابنُ الشيطان(1)، ولست آمن أن يترَّأسَ علينا ، ولكن أدخلوه من باب المسجد عليَّ على أن أحمي له حديدة وأخط في وجهه خطوطاً وأكتب عليه وعلى ابنه إلّا يتصدر في مجلس، ولا يتأمر على أولادنا، ولا يضرب معنا بسهم ، قالوا : ففعلوا، وخطّ وجهه بالحديدة، وكتب عليه الكتاب، وذلك الكتاب عندنا ، فقلت لهم : إن أمسكتم وإلا أخرجتُ الكتاب، ففيه فضيحتكم، فأمْسَكوا.

وتوفي مولىَّ لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لم يخلف ،وارثاً ، فخاصم فيه ولدُ العباس أبا عبد الله(عليه السلام)، وكان هشام بن عبد الملك قد حجّ في تلك السنة، فجلس لهم ، فقال داود بن علي : الولاء لنا، وقال أبو عبد الله(عليه السلام): بل الولاء لي، فقال داود بن علي : إن أباك قَاتَل معاوية ، فقال : إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك(2)فيه الأوفر ، ثم فَرَّ بخيانته ، وقال(3): والله لأطوّقنك(4)غداً طوقَ الحمامة ، فقال له داود بن علي : كلامك هذا أهون عليّ من بَعرة في وادي الأزرق ، فقال :أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق ، قال : فقال هشام : إذا كان غداً جلست لكم، فلما أن كان من الغد، خرج أبو عبد الله(عليه السلام)ومعه كتاب في كرباسه وجلس لهم هشام فوضع أبو عبدالله (عليه السلام)الكتاب بين يديه، فلما أن قرأه قال : ادعوا لي جندل الخزاعي وعُكّاشة الضمريّ وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية، فرمى بالكتاب إليهما فقال : تعرفان هذه الخطوط؟ قالا : نعم، هذا خط العاص بن أمية ، وهذا خط فلان وفلان الفلان من قريش، وهذا خط حرب بن أمية، فقال هشام: يا أبا عبد الله، أرى خطوط أجدادي عندكم ؟ فقال : نعم ، قال : فقد قضيت بالولاء لك، قال: فخرج وهو يقول :

ص: 207


1- يقصد به ابن الخطاب والدعمر لأنه تولد من زنا نُقَبل بالجارية
2- يعني عبد الله بن عباس إذ كان مع أمير المؤمنين(عليه السلام)في قتاله معاوية .
3- الضمير يرجع إلى أبي عبد الله(عليه السلام).
4- كناية عن استرقاقه له .

إن عادت العقرب عُدنا لها ***وكانت النعل لها حاضرة(1)

قال فقلت : ما هذا الكتاب جُعلتُ فِداك ؟ قال : فإن نَثِيلَةَ كانت أَمَةً لأم الزبير ولأبي طالب وعبد الله(2)، فأخذها عبد المطلب فأولدها فلاناً(3)، فقال له الزبير : هذه الجارية ورثناها من أمنا، وابنك هذا عبد لنا، فتحمّل عليه ببطون قريش ،قال : فقال: قد أجبتك على خلة، على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس، ولا يضرب معنا بسهم، فكتب عليه كتاباً وشهد عليه، فهو في هذا الكتاب.

اصحاب الیمین هم شیعۀ علی(عليه السلام)

273 -الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد الهندي، عن معاوية بن حكيم، عن بعض رجاله عن عنبسة بن بِجَاد، عن أبي عبد الله(عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿«وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ *فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾(4)، فقال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام):« هم شيعتك، فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم».

بایع علی رسول الله صلوات الله علیهما علی العسر والیسر

٣٧٤ - حدثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي ، عن صفوان، عن محمد بن زياد بن عيسى، عن الحسين بن مصعب، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: قال أمير المؤمنين : كنت أبايع لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على العسر واليسر، والبسط والكُرّه، إلى أن كثر الإسلام وكثف، قال: وأخذ عليهم علي(عليه السلام)أن يمنعوا محمداً وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم، فأخذتها عليهم، نجا مَن نجا وهلك من هلك .

قصۀ آل الذریح وإیمانهم

٣٧٥ _ عنه عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن من وراء اليمن واد يقال له : وادي برهوت، ولا يجاوز ذلك الوادي إلا الحيّات السود والبوم من الطيور، في ذلك الوادي بئر يقال لها : بلهوت ، يُغْدى ويراح إليها بأرواح المشركين ،يُسْقَون من ماء الصديد، خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم الذريح . لما أن بعث الله تعالى محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)، صاح عجل لهم فيهم وضرب بذنبه فنادى فيهم : يا آل الذريح - بصوت فصيح- ، أتى رجل بتهامة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله قالوا : لأمر ما أنطَقَ الله هذا العجل ؟ قال فنادى فيهم ثانية، فعزموا على أن يبنوا سفينة فبنَوْها، ونزل فيها سبعة منهم، وحملوا من الزاد ما قذف الله في قلوبهم، ثم رفعوا شراعها وسيَّبوها في البحر، فما زالت تسير

ص: 208


1- هذا مثل لدفع العدو المؤذي والتصدي له بما يناسب من سلاح.
2- هما ابنا عبد المطلب .
3- يعني العباس.
4- الواقعة / 90 - 91

بهم حتى رمت بهم بجدّة، فأتوا النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال لهم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): أنتم أهل الذريح نادى فيكم العجل؟ قالوا : نعم، قالوا أعرض علينا يا رسول الله الدين والكتاب ، فعرض عليهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الدين والكتاب والسنن والفرائض والشرائع كما جاء من عند الله جل وعز، وولّى عليهم رجلا من بني هاشم سَنيّره معهم ،فما بينهم اختلاف حتى الساعة .

حدیث الإسراء ووصف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الشام للقوم

٣٧٦ -علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حديد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما أُسري برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، أصبح فقعد فحدثهم بذلك، فقالوا له : صف لنا بيت المقدس ، قال : فوصف لهم، وإنما دخله ليلا فاشتبه عليه النعت، فأتاه جبرئيل(عليه السلام)فقال : انظر ههنا، فنظر إلى البيت فوصفه وهو ينظر إليه ، ثم نعت لهم ما كان من غير لهم فيما بينهم وبين الشام، ثم قال: هذه عير بني فلان تقدم مع طلوع الشمس يتقدمها جمل أزرق أو أحمر ، قال : وبعثت قريش رجلاً على فرس ليردّها، قال : وبلغ مع طلوع الشمس، قال قرطبة بن عبد عمرو: يا لهفاً، ألا أكون لك جَذَعاً(1)حين تزعم أنك أتيتَ بيت المقدس ورجعت من ليلتك .

حدیث الهجرۀ وقصۀ أبی بکر مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فی الغار

377 - حميد بن زياد، عن محمد بن أيوب، عن علي بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين، عن يوسف بن صُهيب، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أقبل يقول لأبي بكر في الغار اسكن فإن الله معنا وقد أخذته الرِّعدة وهو لا يسكن، فلما رأى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حاله قال له : تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون، فأريك جعفراً وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال: نعم، فمسح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بيده على وجهه، فنظر إلى الأنصار يتحدثون، ونظر إلى جعفر(عليه السلام)وأصحابه في البحر يغوصون ،فأضمر تلك الساعة أنه ساحر .

حدیث سراقۀ بن مالک وسوء قصده لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

378 -علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(عليه السلام): أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لما خرج من الغار متوجهاً إلى المدينة، وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الإبل، فخرج سُراقة بن مالك بن جُشْعُم فيمن يطلب، فلحق برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «اللهم اكفني شر سُراقة بما شئت»، فساخت (2)قوائم فرسه فتنى رجله ثم اشتد، فقال : يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قِبَلك، فادعُ الله أن يُطلق لي فرسي، فلعَمْري إن لم يُصبكم مني خير لم يُصبكم مني شر، فدعا

ص: 209


1- جَذَعاً: يعني شاباً.
2- أي غاصت.

رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فأطلق الله عز وجل فرسه فعاد في طلب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يدعو رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فتأخذ الأرض قوائم فرسه، فلما أطلقه في الثالثة قال : يا محمد، هذه إبلي بين يديك فيها غلامي، فإن احتَجْت إلى ظَهْر أو لبن(1)فخذ منه ، وهذا سهم من كِنانتي علامة، وأنا أرجع فأرد عنك الطُّلَّب(2)، فقال : لا حاجة لنا فيما عندك .

379 - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : لا تَرَوْن الذي تنتظرون حتى تكونوا كالمعْزى الموات التي لا يبالي الحابس أين يضع يده فيها(3)، ليس لكم شرف ترفَوْنه، ولا سِناد تسندون إليه أمركم .

مدح زید بن علی بن الحسین(عليه السلام)

٣٨٠ _ وعنه ، عن علي بن الحكم، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود، مثله ، قال : قلت لعلي بن الحكم: ما الموات من المعز؟ قال : التي قد استَوَت (4)لا يفضل بعضها على بعض .

خروج السفیانی هو علامۀ ظهور القائم(عجل الله تعالی فرجه)

٣٨١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ،عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها، ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ،ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت، فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم، إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد، فإن زيداً كان عالماً ، وكان صَدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه(5). إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضَه، فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم ؟ إلى الرضا من آل محمد(عليهم السلام)؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم، وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لايسمع منا إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما

ص: 210


1- أي ظهر تركبه أو لبن تشربه..
2- الطلّب : جمع الطالب.
3- الحابس: الآخذ. والمعنى: أنكم تكونون في غاية الذل والمهانة والضعف وقلة الشأن حتى لا يرغب راغب في شيء أو شخص منكم . وفي بعض النسخ : الخابس : وهو الآخذ أيضاً. والخابس: الظالم الغاشم .
4- أي تساوت في الضعف والهزال .
5- هذا مدح لزيد(عليه السلام)ورضا بما صنع من قبل المعصوم(عليه السلام)وإن خروجه بالسيف لم يكن لنفسه وإنما كان ذاباً عن إمام الحق ومحاربا لسلطان الجور.

صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رَجَب فأقبلوا على اسم الله عز وجل، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى، وكفاكم بالسفياني علامة(1).

382 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي ، رفعه، عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال : والله لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه)، إلا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به.

الأمر باإلزام البیت قبل خروج السفیانی

383 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن بكر بن محمد، عن سدير قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا سدير، الزم بيتك، وكُنْ حِلْساً(2)من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رِجْلك(3).

٣٨٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن كامل بن محمد، عن محمد بن إبراهيم الجعفي قال : حدثني أبي قال : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال : ما لي أراك ساهم الوجه ؟ فقلت : إنّ بي حمّى الربع ، فقال من (ذا) يمنعك من المبارَك الطيب، إسحق السكر ثم امخضه بالماء واشربه على الريق وعند المساء، قال : ففعلت فما عادت إليَّ .

٣٨٥ - عنه ، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن بعض أصحابنا قال : شَكَوْتُ إلى أبي عبد الله(عليه السلام)الوجَعَ ، فقال : إذا أوَيْتَ إلى فراشك فكُلْ سُكَّرتين، قال ففعلت ،فبرأت ،وأخبرت به بعض المتطبيّين وكان أَفْرَة(4)أهل بلادنا فقال : من أين عرف أبو عبد الله (عليه السلام)هذا، هذا من مخزون عِلمنا ، أما إنه صاحب كُتُب ينبغي أن يكون أصابه في بعض كُتُبه .

٣٨٦ - عنه ، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن يحيى الخزاعي، عن الحسين بن الحسن، عن عاصم بن يونس، عن رجل ،عن أبي عبد الله

(عليه السلام)قال : قال لرجل : بأيِ شيء تعالجون محمومكم إذا حُمَّ؟ قال : أصلحك الله ، بهذه الأدوية المُرّة بسفايج والغافث(5)وما

ص: 211


1- أي علامة خروج القائم عجل الله فرجه الشريف .
2- الحلس : الكساء يوضع تحت القتب مما يلي ظهر البعير . وهو كناية عن ملازمة البيت وعدم الإتيان بأي تحرك ضد السلطان الجائر قبل أن يبلغ الكتاب أجله .
3- أي راجلاً
4- أَفْرَه : أي أحذَق.
5- قيل في منهاج الأدوية البسفايج : عود لونه يميل إلى السواد القليل مع الحمرة القليلة وله طعم كطعم القرنفل،ولما يكسر فلون وسطه أخضر كالفستق ... حار مسهل للسوداء . والغافث نبت يشبه ورقه ورق الحبة الخضراء يعني : شاهدانج له قبوضة ومرارة كمرارة الصبر لونه يميل بالسواد يجاء به من نواحي الروم ومن جبال فارس حار يابس . . . »المازندرانی ٣٥١/١٢ .

أشبهه، فقال: سبحان الله، الذي يقدر أن يبرى بالمُرّ يقدر أن يبرى، بالحلو، ثم قال : إذا حُمَّ أحدُكم فليأخذ إناءاً نظيفاً فيجعل فيه سكرة ونصفاً ثم يقرأ عليه ما حضر من القرآن، ثم يضعها تحت النجوم، ويجعل عليها حديدة، فإذا كان في الغداة صبَّ عليها الماء وَمَرَسَهُ (1)بيده ثم شربه ، فإذا كانت الليلة الثانية زاده سكرةً أخرى فصارت سكرتين ونصفاً، فإذا كانت الليلة الثالثة زادة سكرة أخرى فصارت ثلاث سكرات ونصفاً.

فضیلۀ البسملۀ

387 _ أحمد بن محمد الكوفي ، عن علي بن الحسن بن علي، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ،عن هارون، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال لي : كتموا بسم الله الرحمن الرحيم (2)فنعم والله الأسماء كتموها، كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر بیسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته، فتُولّي قريش فراراً، فأنزل الله عز وجل في ذلك : ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴾(3).

تعجب أبی عبدالله من العرب إذا ذکر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٣٨٨ _ عنه ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن أبي هارون المكفوف، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان أبو عبد الله(عليه السلام)إذا ذُكِرَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : بأبي وأمي وقومي وعشيرتي ، عَجَبٌ للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها والله عز وجل يقول في كتابه : ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾(4)، فبرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أُنقِذوا .

فی قوله تعالی:﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...الآیۀ﴾

٣٨٩ _ عنه ، عن إبراهيم بن أبي بكر بن أبي سماك، عن داود بن فَرْقد، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قلت له : ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾(5)، أليس قد أتى الله عز وجل بني أمية الملك؟ قال: ليس حيث تذهب إليه، إن الله عز وجل آتانا الملك وأخذته بنو أمية، بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذه .

فی قوله تعالی:﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا...الآیۀ﴾

390 - محمد بن أحمد بن الصَّلْت، عن عبد الله بن الصَّلْت، عن يونس، عن

ص: 212


1- المَرْس : الدلك والسحق .
2- أي حذفوا البسملة كجزء من كل سورة وأسقطوا قراءتها في الصلاة، والمقصود بهم أكثر مذاهب العامة.
3- الإسراء / ٤٦ .
4- آل عمران / ١٠٣ .
5- آل عمران / ٢٦

المفضّل بن صالح، عن محمد الحلبي، أنه سأل أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل : ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾(1)قال: العدل بعد الجور(2).

391 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن محمد بن أشيم ، عن صفوان بن يحيى قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن ذي الفقار سيف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ؟ فقال نزل به جبرئيل(عليه السلام)من السماء وكانت حلقته(3)فضة .

حديث نوح(عليه السلام) يوم القيامة

392 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن محمد، عن جميل بن صالح ، عن يوسف بن أبي سعيد قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)ذات يوم فقال لي : إذا كان يوم القيامة وَجَمَعَ الله تبارك وتعالى الخلائق كان نوح(عليه السلام)أول من يُدعى به فيقال له : هل بلّغتَ؟ فيقول : نعم، فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمد بن عبد الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، قال : فيخرج نوح(عليه السلام)فيتخطّى الناس حتى يجيىء إلى محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو على كثيب المسك، ومعه علي(عليه السلام)، وهو قول الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (4)، فيقول نوح لمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم) : يا محمد ؛ إن الله تبارك وتعالى سألني هل بلّغت؟

شهادۀ جعفر بن أبی طالب وحمزه للأنبیاء

فقلت نعم فقال: من يشهد لك؟ فقلت : محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، فيقول: يا جعفر، يا حمزة اذهبا واشهدا له أنه قد بلّغ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : فجعفر وحمزة هما الشاهدان للأنبياء(عليهم السلام) بما بلّغوا ، فقلت : جُعِلْتُ فداك ؛ فعلي(عليه السلام)أين هو؟ فقال: هو أعظم منزلة من ذلك .

كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقسم لحظاته بین أصحابه

393 - حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقسم لحظاته بین أصحابه ينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية(5).

ما کلم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) العباد بکُنْه عقله

٣٩٤ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد

ص: 213


1- الحديد / 17 .
2- عند ظهور الحجة(عجل الله تعالی فرجه)وهو الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلما وجوراً، والمقصود أنه الفرد الأكمل من أفراد الأحياء لا أنه منحصر فيه فلا ينافي ما ذهب إليه المفسرون المازندراني ٣٥٢/١٢ .
3- في بعض النسخ : جليته . وهذا الحديث يدحض قول من قال بأن ذا الفقار كان لبعض المشركين واصطفاه رسول الله . له(صلی الله علیه وآله وسلم)يوم بدر ثم أعطاه علياً(عليه السلام).
4- الملك / ٢٧ . والزلفة والزلفى : القرب .
5- وفق آداب المعاشرة والمجالسة.

الله (عليه السلام): ما كلّم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)العباد بكُنْه عقله قط ، قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «إنا معاشر الأنبياء أُمِرْنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» (1).

٣٩٥ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إني رجل من بَجِيلَة(2)وأنا أدين الله عز وجل بأنكم مَوَالِيّ وقد يسألني بعض من لا يعرفني فيقول لي : ممن الرجل؟ فأقول له : أنا رجل من العرب، ثم من بجيلة، فَعَلَيّ في هذا إثم حيث لم أقل : إني مولى لبني هاشم؟ فقال : لا ، أليس قلبك وهواك منعقداً على أنك من موالينا؟ فقلت: بلى والله ، فقال : ليس عليك(3)في أن تقول أنا من العرب، إذ ما أنت من العرب في النسب والعطاء والعدد والحسب فأنت في الدين، وما حوى الدين بما تدين الله غر رجل به من طاعتنا والأخذ به منا من موالينا ومنا وإلينا.

شیعتهم حواریهم (عليه السلام)

٣٩٦ - حدثنا ابن محبوب، عن أبي يحيى كوكب الدم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: إن حواري عيسى(عليه السلام)كانوا شيعته، وإن شيعتنا حواريّونا، وما كان حواري عيسى بأطوع له من حوارينا لنا، وإنما قال عيسى(عليه السلام)للحواريين: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾(4)فلا والله ما نصروه من اليهود، ولا قاتلوهم دونه، وشيعتنا والله لم يزالوا منذ قبض الله عز ذِكْره رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) ينصرونا ويقاتلون دوننا، ويحرقون ويعذّبون ويشرّدون في البلدان، جزاهم الله عنا خيراً .

وقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام): والله لو ضَرَبْتَ خيشوم محبينا بالسيف ما أبغضونا، ووالله لو أدنيت(5)إلى مبغضينا وحثوت(6)لهم من المال ما أحَبّونا .

تفسیر قوله تعالی: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾

397 - ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله عز وجل: ﴿ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾(7)؟ قال : فقال : يا أبا عبيدة إن لهذا

ص: 214


1- أي لا على قدر عقولنا، لأن عقول عامة الناس لا تبلغ ما بلغته عقول الأنبياء والأوصياء(عليه السلام)وإلا لوقعت الضلالة والشك لدى عامة الناس لعدم قدرتهم على استيعاب ما يخاطبون به عندئذ. وفي الحديث تربية وتوجيه إلى الطريقة المثلى في التعليم والتفهيم .
2- حي من أحياء اليمن .
3- أي إثم أو بأس.
4- الصف/١٤ .
5- في بعض النسخ : أدليت .
6- حشوت له - كما في القاموس - أعطيته كثير
7- الروم / ١ - ٢ .

تأويلاً لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من آل محمد صلوات الله عليهم، إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لما هاجر إلى المدينة و ( أ ) ظهر الإسلام، كتب إلى ملك الروم كتاباً وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتاباً يدعوه إلى الإسلام وبعثه إليه مع رسوله، فأما ملك الروم فعظّم كتاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأكرم رسوله ، وأما ملك فارس فإنه استخفّ بكتاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ومزّقه واستخف برسوله، وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم، وكان المسلمون يهوون(1)أن يغلب ملك الروم ملك فارس ، وكانوا لناحيته أرجى منهم لملك فارس، فلما غلب ملك فارس ملك الروم، كره ذلك المسلمون واغتمّوا به، فأنزل الله عز وجل بذلك كتاباً قرآناً ﴿ألم *غُلِبت الروم (يعني غلبتها فارس) في أدنى الأرض (وهي الشامات وما حولها) وهم( يعني فارس) من بعد غَلَبِهِمْ (الروم) سَيَغْلِبون * (يعني يغلبهم المسلمون) في بِضع سنينَ الله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر من يشاء﴾ عز وجل، فلمّا غزا المسلمون فارس وافتتحوها، فرح المسلمون بنصر الله عز وجل قال : قلت: أليس الله عز وجل يقول : ﴿في بضع سنين﴾ ، وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وفي إمارة أبي بكر وإنما غَلَب المؤمنون فارس في إمارة عمر؟ فقال: ألم أقل لكم إن لهذا تأويلاً وتفسيراً ، والقرآن - يا أبا عبيدة - ناسخ ومنسوخ . أما تسمع لقول الله عز وجل:﴿ لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ﴾ ؟ يعني إليه المشيئة في القول أن يؤخَّر ما قَدَّمَ ويُقدِّم ما أخَّرَ في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين، فذلك قوله عز وجل: الله ينصر ﴿ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله (ينصر من يشاء)﴾ أي يوم يحتم القضاء بالنصر .

إبطال ما زعمته العامۀ من إثبات خلافۀ أبی بکر بالإجماع

398 - ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضى الله جلّ ذِكره، وما كان ليفتن أمة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)من بعده ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): أَوَ مَا يقرؤون كتاب الله ، أو ليس الله يقول : ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ (2)قال : فقلت له : إنهم يفسرون على وجه آخر ، فقال : أوَ لَيس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم، أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حيث قال :﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ

ص: 215


1- وذلك لأن الروم كانوا نصارى وهم أهل كتاب.
2- آل عمران / ١٤٤ .

مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾(1)، وفي هذا ما يُسْتَدل به على أصحاب محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر .

سجدۀ أبی عبدالله (عليه السلام)

٣٩٩ _ عنه ، عن هشام بن سالم ،عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت مولى لأبي عبد الله(عليه السلام)، فَمِلْتُ إليه لأسأله عن أبي عبد الله(عليه السلام)، فإذا أنا بأبي عبد الله(عليه السلام)ساجداً ، فانتظرته طويلاً فطال سجوده عَلَيَّ ، فقمت وصلّيت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه متى سجد؟ فقال : من قبل أن تأتينا، فلما سمع كلامي رفع رأسه ثم قال: أبا محمد ادْنُ مني، فدنوت منه فسلّمت عليه، فسمع صوتاً خلفه فقال: ما هذه الأصوات المرتفعة؟ فقلت : هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة، فقال: إن القوم يريدوني فقم بنا، فقمت معه، فلما أن رأَوْه نهضوا نحوه فقال لهم : كفّوا أنفسكم عني ولا تؤذوني وتعرّضوني للسلطان، فإني لست بمفت لكم ،ثم أخذ بيدي وتركهم ومضى ، فلما خرج من المسجد قال لي : يا أبا محمد، والله لو أن إبليس سجد الله عز ذكره بعد المعصية والتكبّر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله عز ذكره ما لم يسجد لآدم كما أمره الله عز وجل أن يسجد له، وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيّها(صلی الله علیه وآله وسلم)، وبعد تركها الإمام الذي نصبه نبيهم(صلی الله علیه وآله وسلم)لهم، فلن يقبل الله تبارك وتعالى لهم عملاً ، ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله عز وجل من حيث أمرهم ويتولوا الإمام الذي أُمروا بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله عز وجل ورسوله لهم ، يا أبا محمد ؛ إن الله افترض على أمة محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)خمس فرائض : الصلاة والزكاة والصيام والحج، وولايتنا، فرخّص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة(2)، ولم يرخّص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا، لا والله وما فيها رخصة .

٤٠٠ - عدّة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي إسحاق الجرجاني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل جعل لمن جعل له سلطاناً أجلاً ومدة من ليال وأيام وسنين وشهور، فإن عَدَلوا في الناس، أمر الله عز وجل صاحب الفَلَك(3)أن يبطيء، بإدارته فطالت أيامهم ولياليهم وسنينهم وشهورهم، وإن جاروا في الناس ولم يعدلوا، أمر الله تبارك وتعالى صاحب الفَلَك فأسرع بإدارته فقصرت لياليهم وأيامهم وسنينهم وشهورهم، وقد وفى لهم عز وجل بعدد الليالي والشهور .

ص: 216


1- البقرة/ ٢٥٣
2- وذلك عند الاضطرار والحرج وشبههما، أو أن معنى الرخصة عدم الحكم بكفر تارك بعض الواجبات أو الفاعل لبعض المحرمات. وعليه فمن ترك الولاية فهو كافر حكماً .
3- أي الملك الموكل بإدارته وتحريكه .

من أین تهبُّ الریح

٤٠١ - أبو علي الأشعري، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن الفضيل عن العرزمي قال : كنت مع أبي عبد الله(عليه السلام)جالساً في الحِجْر تحت الميزاب، ورجل يخاصم رجلاً وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما تدري من أين تهبّ الريح، فلما أكثر عليه، قال أبو عبدالله(عليه السلام)فهل تدري أنت؟ قال : لا ، ولكني أسمع الناس يقولون. فقلت أنا لأبي عبدالله (عليه السلام): جُعلْتُ فداك، من أين تهبّ الريح ؟ فقال : إن الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي، فإذا أراد الله عز وجل أن يخرج منها شيئاً أخرجه إما جنوب فجَنوب، وإما شمال فشمال وصَبا فصَبا ، ودَبُور ،فَدَبُور ، ثم قال : من آية ذلك أنك لا تزال ترى هذا الركن متحركاً أبداً في الشتاء والصيف والليل والنهار.

٤٠٢ _ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم (عن أبيه)، جميعاً، عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ليس خلق أكثر من الملائكة، إنه لينزل كل ليلة من السماء سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم وكذلك في كل يوم .

٤٠٣ - حدثنا ابن محبوب عن عبد الله بن طلحة رفعه قال : قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): الملائكة على ثلاثة أجزاء(1)جزء له ،جناحان وجزء له ثلاثة أجنحة، وجزء له أربعة أجنحة».

٤٠٤ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن ميسرة، عن الحكم بن عُتيبة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: إن في الجنة نهراً يغتمس في_ه جبرئيل(عليه السلام)كل غداة ثم يخرج منه فيتنفض فيخلق الله عز وجل من كل قطرة تقطر منه مَلَكاً(2).

٤٠٥ _ عنه ، عن بعض أصحابه، عن زياد القندي، عن دُرُسْت بن أبي منصور، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : إن الله عز وجل ملكاً ما بین شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام خَفَقَان(3)الطير .

٤٠٦ _ الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشّاء، عن محمد بن الفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إن الله عز وجل ديكاً رجلاه في الأرض السابعة، وعنقه مثبتة تحت العرش، وجناحاه في الهواء، إذا كان في نصف الليل أو الثلث الثاني من آخر الليل، ضَرَبَ

ص: 217


1- أي : أضاف وقد قال تعالى : ﴿ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ...﴾
2- يتنفض : أي يحرك جناحيه . وظاهر الحديث أن تحوّل كل قطرة ماء تسقط منه ملكاً هو من خواصه(عليه السلام).
3- الخفقان التحرك والاضطراب.

بجناحه وصاح «سُبوحٌ قُدّوس رينا الله الملك الحق المبين، فلا إله غيره ، رب الملائكة والروح» فتضرب الدِيَكَةُ بأجنحتها وتصيح(1).

٤٠٧ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجّال، عن ثعلبة بن میمون، عن عمّار الساباطي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : ما يقول مَن قِبَلُكُم في الحِجامة؟ قلت : يزعمون أنها على الريق أفضل منها على الطعام قال : لا ، هي على الطعام أدرّ للعروق وأقوى للبدن .

٤٠٨ _ عنه، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : إقرأ آية الكرسي واحتجِم أيَّ يوم شئتَ، وتصدّق واخرج أيَّ يوم شئتَ .

٤٠٩ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن معاوية بن حكيم قال : سمعت عثمان الأحول يقول : سمعت أبا الحسن(عليه السلام)يقول : ليس من دواء إلا وهو يهيج داءاً، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك اليد(2)إلا عما يحتاج إليه .

٤١٠ - عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، رفعه إلى أبي عبد الله(عليه السلام)قال : الحُمّى تخرج في ثلاث : في العَرَق والبَطْن(3) والقي.

٤١١ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن حفص بن عاصم، عن سيف التمار ، عن أبي المرهف، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : الغبرة على من أثارها(4)، هلك المحاضير(5)، قلت : جُعلتُ فداك، وما المحاضير ؟ قال : المستعجلون أما إنهم لن يردوا إلا من يعرض لهم ، ثم قال : يا أبا المرهف، أما إنهم لم يريدوكم بمجحفة (6)إلا عرض الله عز وجل لهم بشاغل، ثم نكت أبو جعفر(عليه السلام) في الأرض، ثم قال: يا أبا المرهف! قلت: لبيك ، قال : أترى قوماً حبسوا أنفسهم على الله عن ذِكْره لا يجعل الله لهم فَرَجاً؟ بلى والله ليجعلَنَّ الله لهم فَرَجاً .

ص: 218


1- روى من باب هذا الحديث الصدوق في الفقيه 1/ 1397 عن أبي جعفر(عليه السلام)أيضاً .
2- إمساك اليد - هنا - كناية عن قلة الأكل وعدم الإفراط فيه .
3- البطن: أي بإخراج ما فيه بعلاج من حقنة أو شرب مسهل .
4- هذا مثل يضرب لمن أدخل نفسه في أمر لا يعنيه وكان فيه ضرر عليه .
5- المحاضير : جمع محضار وهو الفرس المسرع في العدو. وفي بعض النسخ المحاصير: جمع محصور وهو الضيق الصدر القليل الصبر. وعلى كلا المعنيين فالمراد التحذير من الاستعجال في الأمور من دون روية وخاصة في موضوع الانتظار وخروج الحجة(عجل الله تعالی فرجه).
6- المجحفة : البلية والداهية .

خبر أبي مسلم المروزي إلی الصادق(عليه السلام)

٤١٢ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين ،عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن الفضل الكاتب قال : كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام) فأتاه كتاب أبي مسلم(1)فقال: ليس لكتابك جواب، اخرج عنا، فجعلنا يسارُّ بعضُنا بعضاً، فقال : أي شيء تَسَارّون يا فضل، إن الله عز ذِكْره لا يَعْجَل لعجلة العباد، وَلإِزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال لم ينقضِ أَجَلَهُ ، ثم قال : إن فلان ابن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جُعلتُ فداك ؟ قال : لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً _ وهو(2)من المحتوم.

لم یکن إبلیس من الملائکه

٤١٣ - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن إبليس أكان من الملائكة أم كان يلي شيئاً من أمر السماء؟ فقال : لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء، ولا كرامة، فأتيت الطيّار فأخبرته بما سمعت فأنكره وقال : وكيف لا يكون من الملائكة؟ والله عز وجل يقول: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ﴾(3)، فدخل عليه الطيّار فسأله وأنا عنده فقال له : جُعلتُ فداك، رأيت قوله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾في غير مكان من مخاطبة المؤمنين، أيدخل في هذا المنافقون؟ قال : نعم، يدخل في هذا المنافقون والضُلّال وكل من أقرّ بالدعوة الظاهرة(4).

جعْل الصلاۀ للنبی(صلی الله علیه وآله وسلم)

٤١٤ _ عنه ، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبد الله(عليه السلام): أن رجلاً أتى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا رسول الله ، إني أصلي فأجْعَلُ بعض صلاتي لك؟ فقال : ذلك خير لك، فقال : يا رسول الله، فأجعل نصفَ صلاتي لك ، فقال : ذلك أفضل لك، فقال: يا رسول الله ، فإني أصلي فأجْعَلُ كل صلاتي لك ، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «إذاً يكفيك الله ما أهمّك من أمر دنياك وآخرتك »، ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن الله كلّف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ما لم يكلّفه أحداً من خلقه، كلّفه أن يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه، ولم يكلف هذا

ص: 219


1- وكان يطلب في كتابه منه(عليه السلام)الخروج على بني أمية لإزالة دولتهم وانتزاع السلطان منهم .
2- أي خروج السفياني أمر محتوم يسبق خروج الحجة عجل الله فرجه .
3- الكهف/ ٥٠ . والغريب أن تتمة الآية تصرّح بأنه لم يكن من الملائكة وكأن لسان الطيار قد اعتقل عنها : كان من الجن ففسق عن أمر ربه ... اللهم إلا أن يراد أية أخرى لم يرد فيها هذا التصريح
4- و «إذا جاز دخول المنافق والضال في خطاب المؤمنين إما باعتبار التغليب أو باعتبار الاختلاط وكونهما فيما بينهم أو باعتبار التجوز في الإيمان جاز دخول إبليس في خطاب الملائكة بتلك الاعتبارات فحصل المطلوب وهو أن إبليس ليس من الملائكة حقيقة وبطلت شبهة السائل . . » المازندراني 371/12 .

أحداً من خلقه قبله ولا بعده، ثم تلا هذه الآية : ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾(1)ثم قال : وجعل الله أن يأخذ له ما أخذ لنفسه، فقال عز وجل:﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾(2)، وجعلَتْ الصلاة على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بعشر حسنات (3).

415-عنه ، عن علي بن حديد، عن منصور بن رَوْح ، عن فضيل الصايغ قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : أنتم والله نور في ظلمات الأرض والله إن أهل السماء لينظرون إليكم في ظلمات الأرض كما تنظرون أنتم إلى الكوكب الدُّرِّي في السماء، وإن بعضهم ليقول لبعض يا فلان عجباً لفلان كيف أصاب هذا الأمر، وهو قول أبي(عليه السلام)، والله ما أعجب ممن هَلَكَ كيف هَلَكَ، ولكن أعجب ممن نجا كيف نجا .

٤١٦ - عدَّة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن أسباط، عن إبراهيم بن محمد بن حمران، عن أبيه ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب(4)لم يرَ الحُسنى .

٤١٧ _ عنه، عن ابن فضّال، عن عبيس بن هاشم عن عبد الكريم بن عمرو، عن الحكم بن محمد بن القاسم أنه سمع عبد عبد الله بن عطاء يقول: قال أبو جعفر(عليه السلام): قم فأسرج دابتين حماراً وبغلاً ، فأسرجتُ حماراً وبغلاً، فقدّمت إليه البغل ورأيت أنه أحبهما إليه ، فقال : من أمرك أن تقدم إليَّ هذا البغل؟ قلت : اخترته لك ، قال : وأمرتك أن تختار لي؟ ثم قال : إن أحب المطايا إلىَّ الحُمُر ، قال فقدمت إليه الحمار وأمسكت له بالركاب فركب، فقال: الحمد لله الذي هدانا بالإسلام ،وعلّمنا القرآن ومنَّ علينا بمحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، الحمد لله الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مُقْرِنين(5)وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، والحمد لله رب العالمين. وسار وسِرُت حتى إذا بلغنا موضعاً آخر قلت له : الصلاةَ جُعِلْت فداك ، فقال : هذا وادي النمل لا يصلّى فيه، حتى إذا بلغنا موضعاً آخر قلت له مثل ذلك : فقال : هذه الأرض مالحة(6)لا

ص: 220


1- النساء/ ٨٤.
2- الأنعام / ١٦٠
3- وهذا يفسّر أن المراد بجعل الصلاة كلاً أو بعضاً له(صلی الله علیه وآله وسلم)هو أن يقول : اللهم صل على محمد وآل محمد . وقد مرّ في كتاب الدعاء من أصول الكافي ، باب الصلاة على محمد وأهل بيته بعض الروايات بنفس المضمون فراجع .
4- أي في برج العقرب . وقد رواه الصدوق في الفقيه 1 / 778. ورواه أيضاً في المحاسن ص / ٣٤٧ .
5- مُقرنين : أي مطيقين من أقرن الشيء: أطاقه ،وقدر عليه والمفرد : مُقرن والمعنى : وما كنا من قبل على تسخيره قادرين .
6- أي سبخة . وقد حكم أصحابنا رضوان الله عليهم أن من جملة الأماكن التي يكره الصلاة فيها بيوت النمل والأرض السبيخة .

يصلّى فيها، قال: حتى نزل هو من قبل نفسه فقال لي : صليت أو(1)تصلي سِبُحَتكَ(2)؟ قلت : هذه صلاة يسمّيها أهل العراق الزوال، فقال: أما هؤلاء الذين يصلّون هم شيعة علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهي صلاة الأوابين، فصلّى وصلّيتُ ، ثم أمسكت له بالركاب، ثم قال مثل ما قال في بدايته، ثم قال : اللهم العن المرجئة، فإنهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة، فقلت له : ما ذكّركَ جعلت فداك بالمرجئة ؟ فقال : خطروا على بالي .

لعن المرجئه

٤١٨ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما أرادت قريش قتل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قالت: كيف لنا بأبي لهب ؟ فقالت أم جميل : أنا أكفيكموه ، أنا أقول له إني أحب أن تقعد اليوم في البيت نصطبح(3)، فلما أن كان من الغد وتهيأ المشركون للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، قعد أبو لهب وامرأته يشربان، فدعا أبو طالب علياً(عليه السلام)فقال له : يا بني ، اذهب إلى عمّك أبي لهب فاستفتح عليه، فإن فتح لك فادخل، وإن لم يفتح لك فتحامل على الباب واكسره وادخل عليه، فإذا دخلت عليه فقل له : يقول لك أبي إن امرءاً عمّه عَيْنه(4)في القوم فليس بذليل، قال: فذهب أمير المؤمنين(عليه السلام)فوجد الباب مغلقاً، فاستفتح فلم يفتح له، فتحامل على الباب وكسره ودخل، فلمّا رآه أبو لهب قال له : مالك يا بن أخي ؟ فقال له : إن أبي يقول لك : إن امرءاً عمّه عَيْنه في القوم ليس بذليل ، فقال له : صدق أبوك ، فما ذاك يا بن أخي ؟ فقال له : يُقتل ابن أخيك وأنت تأكل وتشرب، فوثب وأخذ سيفه، فتعلقت به أم جميل، فرفع يده ولطم وجهها لطمة ففقأ عينها، فماتت وهي عوراء، وخرج أبو لهب ومعه السيف ، فلما رأته قریش عرفت الغضب في وجهه فقالت: ما لك يا أبا لهب ؟ فقال : أبايعكم على ابن أخي ثم تريدون قتله واللاتِ والعُزَّى لقد هممت أن أُسْلم، ثم تنظرون ما أصنع، فاعتذروا إليه، ورجع .

حدیث أبی لهب وإرادۀ المشرکین قتل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٤١٩ _ عنه ، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : كان إبليس يوم بدر يقلّل المسلمين في أعين الكفّار، ويكثر الكفّار في أعين المسلمين، فشد عليه جبرئيل(عليه السلام)بالسيف فهرب منه وهو يقول : يا جبرئيل إني مؤجَّل(5)، إني مؤجَّل حتى وقع في البحر، قال زرارة :

ص: 221


1- الترديد من الراوي .
2- السبحة : النافلة .
3- الاصطباح أكل الصبوح وهو الغداء والاغتباق أكل الغبوق وهو العشاء وهما في الأصل استعملا في الشرب في هذين الوقتين ثم تعدى استعمالهما في الأكل.
4- العين: الرقيب والحافظ وجملة فليس بذليل، خبر إن .
5- مؤجل : أي مُنظَر إلى يوم الوقت المعلوم .

فقلت لأبي جعفر(عليه السلام): لأي شيء كان يخاف وهو مؤجل ؟ قال : يقطع بعض أطرافه.

غزوه الأحزاب

٤٢٠ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن أبان بن عثمان، عمّن حدثه ، عن أبي عبد الله

(عليه السلام)قال : قام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب في ليلة ظلماء قرّة(1)فقال : من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنة ؟ فلم يقم أحد ، ثم أعادها ، فلم يقم أحد ، فقال(2)أبو عبد الله(عليه السلام)بيده : وما أراد القوم؟! أرادوا أفضلَ من الجنة؟! ثم قال : مَن هذا ؟ فقال : حُذَيفة، فقال: أما تسمع كلامي منذ الليلة ولا تَكَلَّم أَقُبِرتَ(3)؟ فقام حذيفة وهو يقول : القُرّ والضر(4)، جعلني الله فداك، منعني أن أجيبك، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنطَلق حتى تسمعَ كلامهم وتأتيني بخبرهم، فلمّا ذهب قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، حتى تردّه ، وقال له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): يا حُذَيفة ؛ لا تُحْدِث شيئاً حتى تأتيني ، فأخذ سيفه وقوسه وحَجَفَته(5)، قال حذيفة : فخرجت وما بي من ضُرّ ولا قُرّ، فمررت على باب الخندق وقد اعتراه المؤمنون والكفار(6)، فلما توجه حذيفة، قام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ونادى: يا صريخَ المكروبين، و يا مجيبَ المضطرّين، أكشف هَمِّي وغَمِّي وكَرْبي ، فقد ترى حالي وحال أصحابي ، فنزل عليه جبرئيل(عليه السلام)فقال : يا رسول الله ؛ إن الله عزّ ذِكْره قد مقالتك ودعاءك ، وقد أجابك وكفاك سمع هول عدوّك ، فجثا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على ركبتيه وبسط يديه وأرسل عينيه(7)، ثم قال : شكراً شكراً كما رحمتني ورحمت أصحابي ، ثم قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قد بعث الله عز وجل عليهم ريحاً من السماء الدنيا فيها حَصَى، وريحاً من السماء الرابعة فيها جَنْدَل(8).

قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم ، وأقبل جندُ الله الأول : ريح فيها حَصَى، فما تركت لهم ناراً إلا أذرتها ولا خباءاً إلا طرحته ولا رمحاً إلا ألقته، حتى جعلوا يتترسون من الحصى في الأتْرِسَة، فجلس حذيفة بين رَجُلَين من المشركين، فقام إبليس في صورة رجل مطاع في المشركين فقال : أيها الناس : إنكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذّاب، ألا وإنه لن

ص: 222


1- أي باردة .
2- أي أشار بيده(عليه السلام). والعرب تطلق القول على غير الكلام أيضاً.
3- في بعض النسخ: اقترب. وقوله : أقْبِرت : كناية عن موته .
4- أي البرد وسوء الحال .
5- الحَجَفَة : الترس.
6- أي تدانوا وتقاربوا فى باب الخندق.
7- أي خفض ببصره إلى الأرض ذلّة وتخشعاً الله . أو أنه كناية عن البكاء من خشية الله وشكراً له .
8- الجَنْدَل : الحجارة أو الصخر.

يفوتكم من أمره شيء، فإنه ليس سنة ،مقام ، قد هلك الخُفّ والحافر، فارجعوا، ولينظر كل رجل منكم مَن جليسه، قال حذيفة: فنظرت عن يميني فضربت بيدي ، فقلت : مَنْ أنت؟ فقال : معاوية ، فقلت للّذي عن يساري : من أنت ؟ فقال : سهيل بن عمرو، قال حذيفة: وأقبل جند الله الأعظم (1)، فقام أبو سفيان إلى راحلته ثم صاح في قريش: النجاء النجاء(2)، وقال طلحة الأزدي : لقد زادكم محمد بِشَرّ(3)، ثم قام إلى راحلته وصاح في بني أشجَع : النجاء النجاء ، وفعل عُيَيْنَة بن حصن مثلها، ثم فعل الحارث بن عوف المزني(4)مثلها، ثم فعل الأقرع بن حابس مثلها، وذهب الأحزاب، ورجع حُذَيفة إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فأخبره الخبر، وقال أبو عبد الله(عليه السلام): إنه كان ليشبه يومَ القيامة .

فضل مسجد الکوفه والصلاۀ فیه

٤٢١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن هشام الخراساني، عن المفضّل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام)بالكوفة أيام قدم على أبي العباس، فلما انتهينا إلى الكُناسة(5)قال : ههنا صُلبَ عمي زيد رحمه الله ، ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزيّاتين، وهو آخر السّراجين، فنزل وقال : إِنزلْ فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم(عليه السلام)، وأنا أكره أن أدخله راكباً ، قال : قلت : فمن غَيرَه عن خطته؟ قال أمّا أول ذلك الطوفان في زمن نوح(عليه السلام)، ثم غيّره أصحاب كسرى ونعمان، ثم غيّره بعد زياد بن أبي سفيان ، فقلت : وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح(عليه السلام)؟ فقال لي : نعم يا مفضّل، وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة ، قال : وكان نوح(عليه السلام)رجلاً نجاراً، فجعله الله عز وجل نبياً، وانتجبه ، ونوح(عليه السلام)أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء ، قال : ولبث نوح(عليه السلام)في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل فيهزؤن به ويسخرون منه ، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال :﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾(6)، فأوحى الله عز وجل إلى نوح أن أصنع سفينة وأوسعها وعَجّل عملها، فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده، فأتى بالخشب من بعدُ حتى فرغ منها .

ص: 223


1- وهو الريح التي تحمل الجندل كما مر.
2- النجاء : مصدر منصوب بفعل مضمر أي أنجو النَّجاء .
3- في بعض النسخ :رادكم : أي طلبكم .
4- في بعض النسخ : الحارث بن عون المرّي .
5- الكناسة : اسم محلة في الكوفة ، ولعلها كانت إحدى ساحاتها العامة .
6- نوح / ٢٦ و ٢٧ . لا تذر لا تُبقي ديّاراً: من يدور فيها فيجيء ويذهب .

قال المفضّل : ثم انقطع حديث أبي عبد الله(عليه السلام)عند زوال الشمس، فقام أبو عبد الله(عليه السلام)فصلّى الظهر والعصر، ثم انصرف من المسجد فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الدّاريين، وهو موضع دار ابن حكيم، وذاك فرات اليوم، فقال لي: يا مفضّل (و) ههنا نُصِبَت أصنام نوح(عليه السلام): ﴿يَغُوثَ ويَعُوقَ ونسرا﴾، ثم مضى حتى ركب دابته .

فقلتُ : جُعِلْتُ فِداك ، في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها؟ قال : في دَوْرَين، قلت: وكم الدَّوْرَين؟ قال : ثمانين سنة.

قلت: إن العامة يقولون : عملها في خمسمائة عام، فقال: كلّا، كيف والله يقول﴿ وَوَحْينا﴾ .

قال : قلت : فأَخْبِرَني عن قول الله عز وجل : ﴿حتى إذا جاء أمرنا وفار التنّور﴾(1)فأين كان موضعه؟ وكيف كان ؟ فقال : كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دُبُرِ قبلة ميمنة المسجد، فقلت له : فإن ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم .

ثم قلت له : وكان بدء خروج الماء من ذلك التنور؟ فقال: نعم، إن الله عز وجل أحبَّ أن يرى قوم نوح آية ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضاً، وفاض الفرات فيضاً، والعيون كُلُّهُنَّ فيضاً فَغَرَّقهم الله عز ذِكْره وأنجى نوحاً ومن معه في السفينة .

فقلت له : كم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء وخرجوا منها ؟ فقال : لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها ، وطافت بالبيت أسبوعاً(2)، ثم استوت على الجُوديّ، وهو فرات الكوفة . فقلت له : إن مسجد الكوفة قديم؟ فقال : نعم ، وهو مصلّى الأنبياء(عليه السلام)، ولقد صلّى فيه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حين أسري به إلى السماء ، فقال له جبرئيل(عليه السلام): يا محمد، هذا مسجد أبيك آدم(عليه السلام)، ومصلّى الأنبياء(عليه السلام)فانزل فَصَلِّ فيه، فنزل فَصَلَّى فيه، ثم إن جبرئيل(عليه السلام)عَرَجَ به إلى السماء .

اخبار نوح(عليه السلام) و السفينة

٤٢٢ _ علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبَان بن عثمان ، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي رزين الأسدي، عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنه قال : إن نوحاً صلّى الله عليه، لما فرغ من السفينة، وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في إهلاك قومه أن يفور التنور، فقالت امرأته : إن التنور قد فار، فقام إليه فختمه، فقام الماء، وأدخل من أراد أن

ص: 224


1- هود/ ٤٠ .
2- أسبوعاً : أي سبعة أشواط .

يدخل وأخرج من أراد أن يخرج ، ثم جاء إلى خاتمه فنزعه، يقول الله عز وجل : ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ *وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾(1)قال : وكان نجرها في وسط مسجدكم، ولقد نقص(2)عن ذرعه سبعمائة ذراع .

٤٢٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ،عن الحسن بن علي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: جاءت امرأة نوح(عليه السلام)وهو يعمل السفينة فقالت له : إن التنور قد خرج منه ماء، فقام إليه مسرعاً حتى جعل الطبق عليه وختمه بخاتمه، فقام الماء(3). فلما فرغ من السفينة جاء إلى الخاتم ففضّه وكشف الطبق، ففار الماء.

٤٢٤ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أَبَان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : كانت شريعة نوح(عليه السلام)أن يُعْبَدَ الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها، وأخذ الله ميثاقه على نوح(عليه السلام)وعلى النبيين(عليهم السلام)أن يعبدوا الله تبارك وتعالى ولا يُشركوا به شيئاً، وأمَرَ بالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحلال والحرام، ولم يفرض عليه أحكامَ حدود، ولا فرض مواریث فهذه شريعته فلبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم سراً وعلانية، فلما أبوا وعَتَوا قال ﴿ رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾(4) ، فأوحى الله جل وعز إليه : ﴿ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾(5)، فلذلك قال نوح(عليه السلام): «ولا يَلِدُوا إلا فاجراً كفّاراً»، فأَوْحى الله عز وجل إليه ﴿أن إصنَع الفلك﴾ .

٤٢٥ _ عنه ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعاً، عن الحسن بن علی، عن عمر بن أبَان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : إن نوحاً(عليه السلام)لما غَرَسَ النوى، مَرّ عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد غَرّاساً، حتى إذا طال النخل وكان جباراً طوالاً قطعه ثم نحته، فقالوا : قد قعد نجّاراً، ثم أَلفَهَ فجعله سفينة، فمرّوا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولن : قد قعد ملّاحاً في فلاة الأرض، حتى فرغ منها(عليه السلام).

ص: 225


1- القمر / 11 و 12 و 13 . مُنهمر مندفق. دُسُر : مسامير تدسر بها السفينة أي تضرب فيها وخيوط من ليف تُشَدُّ بها ألواح السفينة . مفردها: دسار .
2- أي المسجد نقص عما كان عليه سبعمائة ذراع بسبب الطوفان أو أنهم نقصوا المسجد عما كان عليه زمن نوح هذا المقدار .
3- أي جمد أو توقف عن التدفق .
4- القمر / ١٠ وفيه : فدعا ربه أني مغلوب فانتصر.
5- هود / ٣٦ .

٤٢٦ _ علي ، عن أبيه ،عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: كان طول سفينة نوح(عليه السلام)ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء(1)ثمانين ذراعاً، وسعت بين الصفا والمروة، وطافت بالبيت سبعة أشواط(2)، ثم استَوَتْ على الجودي .

٤٢٧ _ محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل الجعفي، وعبد الكريم بن عمرو، وعبد الحميد بن أبي الدَّيْلم، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : حمل نوح(عليه السلام)في السفينة الأزواج الثمانية التي قال الله عز وجل : ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين(3)فكان من الضأن اثنين : زوج داجنة يربيها الناس، والزوج الآخر الضأن التي تكون في الجبال الوحشية أحلّ لهم صيدها، ومن المعز اثنين : زوج داجِنَة يربّيها الناس، والزوج الآخر الظبي التي تكون في المفاوز، ومن الإبل اثنين البخاتي والعراب، ومن البقر اثنين: زوج داجنة للناس، والزوج الآخر البقر الوحشية، وكل طَيْر طَيِّب وحشي (أ) وإنسي، ثم غرقت الأرض.

٤٢٨ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن داود بن أبي يزيد، عمن ذكره ،عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ارتفع الماء على كل جبل وعلى كل سهل خمسة عشر ذراعاً.

نوح ووصیّه

٤٢٩ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحَكَم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : عاش نوح(عليه السلام)ألفي سنة وثلاثمائة سنة، منها ثمانمائة وخمسين سنة قبل أن يُبعَث، وألف سنة إلا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم، وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونصب الماء، فمصّر الأمصار ، وأسكن ولده البلدان، ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس(4)، فقال : السلام عليك ، فردّ عليه نوح(عليه السلام)قال : ما جاء بك يا مَلَك الموت؟ قال : جئتك لأقبض روحك ، قال : دعني أدخل من الشمس إلى الظل، فقال له : نعم فتحوّل ثم قال : يا ملك الموت كل ما مر بي من الدنيا مثل تحويلي من الشمس إلى الظل، فامض لما أُمِرتَ به، فقبض روحه(عليه السلام).

ص: 226


1- أي ارتفاعها. وهو ما يعبر عنه بالعمق .
2- الظاهر أن سبعة أشواط متعلق بالفعلين على سبيل التنازع، والواو لا يدل على الترتيب فلا ينافي تأخر السعي عن طواف الزيارة ويمكن أن يراد بالطواف طواف النساء فإنه بعد السعي لطواف الزيارة المازندراني 381/12
3- هذا مشير إلى الآية ١٤٣ والآية ١٤٤ من ..... الأنعام .
4- أي في ضوء الشمس .

الکف عن المخالفین أجمل

٤٣٠ _ محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، وعبد الكريم بن عمرو، وعبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : عاش نوح(عليه السلام)بعد الطوفان خمسمائة سنة، ثم أتاه جبرئيل(عليه السلام)فقال : يا نوح؛ ربك يُقرئك السلام ويقول : إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك، فانظر إلى الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك، فادفعها إلى ابنك سام، فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تُعرف به طاعتي ويُعرف به هُداي، ويكون نجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر، ولم أكن أترك الناس بغير حجّة لي ، وداع إليّ وهادٍ إلى سبيلي ، وعارف بأمري، فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هادياً أهدي به السعداء، ويكون حُجّة لي على الأشقياء. قال: فدفع نوح(عليه السلام)الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة إلى سام، وأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به ، قال : وبشّرهم نوح(عليه السلام)بهود(عليه السلام)، وأمرهم باتّباعه، وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيداً لهم .

تأویل آیات فی خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه)

٤٣١ - علي بن محمد ،عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمان، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قلت له : إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون مَن خالفهم ؟ فقال لي : الكفُّ عنهم أجمل ، ثم قال : والله يا أبا حمزة؛ إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا قلت كيف لي بالمخرج من هذا ؟ فقال لي : يا أبا حمزة ؛ كتاب الله المنزل يدل عليه إن الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ثم قال عز وجل: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾(1)، فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حَرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة؛ ما من أرض تُفْتَح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلا كان حراماً على من يصيبه ، فَرْجاً كان أو مالاً ، ولو قد ظهر الحق لقد بيع الرجلُ الكريمةُ عليه نفسه فيمن لا يزيد(2)، حتى أن الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل إلى شيء من ذلك، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقنا ذلك بلا عذر ولا حق ولا حجة.

قلت : قوله عز وجل : ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾(3)؟ قال : إما موت في طاعة

ص: 227


1- الأنفال / ٤١ .
2- أي لا يزيد في ثمنه وفي بعض النسخ : لا يريد
3- التوبة /٥٢ . وتتمة الآية في المصحف :«وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ».

الله ، أو إدراك ظهور إمام، ونحن نتربّص بهم - مع ما نحن فيه من الشدة - :﴿أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِه﴾ قال : هو المسخ ﴿َوْ بِأَيْدِينَا﴾ وهو القتل، قال الله عز وجل لنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم): ﴿ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ﴾، والتربص انتظار وقوع البلاء بأعدائهم .

الذِکْر هو أمیرالمومنین

٤٣٢ - وبهذا الإسناد، عن أبي جعفر(عليه السلام)في قوله عز وجل : ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ *وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾(1)قال : هو أمير المؤمنين(عليه السلام)﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾(2) قال : عند خروج (2) قال : عند خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه).

وفي قوله عز وجل : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ﴾(3)، قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم .

وأما قوله عز وجل : ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾(4)قال : لولا ما تقدّم فيهم من الله عز وجل، ما أبقى القائم (عجل الله تعالی فرجه)منهم واحداً . وفي قوله عز وجل :﴿ والذين يُصَدّقون بيوم الدين ﴾(5).قال : بخروج القائم(عجل الله تعالی فرجه).

وقوله عز وجل :﴿ والله ربِّنا ما كنّا مشركين﴾(6)؟ قال: يعنون بولاية علي(عليه السلام).

وفي قوله عز وجل : ﴿وقل جاء الحق وَزَهَقَ الباطل﴾(7)، قال : إذا قام القائم(عجل الله تعالی فرجه)ذهبت دولة الباطل.

لا يسلّط إبلیس على دين المؤمن

٤٣٣ _ عنه ، عن علي بن الحسين، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : قلت له :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾(8)؟ فقال : يا أبا محمد، يسلِّط والله من المؤمن

ص: 228


1- ص / ٨٦ و ٨٨ .
2- ص / ٨٦ و ٨٨ .
3- هود / 110 .
4- الشورى/ ٢١
5- المعارج / ٢٦
6- الأنعام / 23
7- الإسراء /81. زَهَقَ : هلك وذهب .
8- النحل / 98 و 99 . وكأن السائل توهم وجود تنافٍ بين الآية الأولى التي دلت على أن للشيطان سلطاناً. على المؤمن ولذا أمرت بالاستعاذة منه والآية الثانية التي نفت أن يكون له سلطان عليه، ولذا جاء جوابه(عليه السلام)لرفع هذا التنافي الموهوم .

على بدنه ولا يُسَلَّط على دينه، قد سلط الله على أيوب(عليه السلام)فشوّه خلقه، ولم يسلّط على دينه، وقد يُسَلّط من المؤمنين على أبدانهم ولا يسلّط على دينهم . قلت : قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ (1)؟ قال الذين هم بالله مشركون يُسَلَّط على أبدانهم وعلى أديانهم .

تشبیه أبی جعفر طواف القوم بطواف الجاهلیۀ وتأویل بعض الآیات وتفسیرها

٤٣٤ _ عنه ، عن علي بن الحسن ،عن منصور ،عن حريز بن عبد الله، عن الفضيل قال : دخلت مع أبي جعفر(عليه السلام)المسجد الحرام وهو متكيء عَلَيَّ ، فنظر إلى الناس ونحن على باب بني شيبة فقال : يا فُضَيل، هكذا كانوا يَطَّوَّفُون في الجاهلية لا يعرفون حقاً ولا يدينون ديناً، يا فُضَيل، انظر إليهم مُكِبّين على وجوههم، لعنهم الله من خلق مَسْخورٍ بهم(2)مُكِبّين على وجوههم، ثم تلا هذه الآية : ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(3)يعني والله علياً(عليه السلام) والأوصياء(عليهم السلام)، ثم تلا هذه الآية: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ﴾ (4)أمير المؤمنين(عليه السلام)، يا فُضَيْل ؛ لم يَتَسَم بهذا الاسم غير علي(عليه السلام) إلا مفترِ كذاب إلى يوم البأس هذا ، أما والله يا فُضَيل، ما الله عزّ ذِكْره حاج غيركم، ولا يغفر الذنوب إلا لكم، ولا يتقبل إلا منكم، وإنكم لأهل هذه الآية : ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾(5).

يا فضيل : أما تَرْضَوْنَ أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتَكُفّوا ألسنتكم وتدخلوا الجنة؟ ثم قرأ :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾(6)، أنتم والله أهل هذه الآية.

٤٣٥ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمد بن سلمان الأزدي، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام):﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ(بظلمه وسوء سيرته) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾(7).

٤٣٦ - سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن حمران بن أَعْيَن، عن أبي

ص: 229


1- النحل / ١٠٠ . ومشركون أي يعبدونه مع الله ويجعلونه شريكاً له في العبادة.
2- في بعض النشيخ : مسخو بهم ؛ وقد فسره بعضهم بأنه(عليه السلام)رآهم على الصورة المبدلة المسخية .
3- الملك / ٢٢ .
4- الملك / ٢٧ .
5- النساء/ ٣١.
6- النساء / ٧٧ .
7- البقرة / ٢٠٥ . وما بين القوسين تفسير.

جعفر(عليه السلام):﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾(1).

٤٣٧ - علي بن إبراهيم ،عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن أبي جرير القمي _ وهو محمد بن عبد الله وفي نسخة عبد الله _ عن أبي الحسن(عليه السلام):﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ(وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم) مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾(2).

٤٣٨ - محمد بن خالد، عن حمزة بن عُبيد، عن إسماعيل بن عباد، عن أبي عبدالله (عليه السلام): ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ (3) وآخرها ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ ، والحمد لله رب العالمين وآيتين بعدها .

٤٣٩ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمد قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقرأ﴿ وَزُلزِلوا (ثم زلزلوا )حتى يقولَ الرسول ﴾(4).

بیان قوله تعالی:﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ..الآیۀ﴾

٤٤٠ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه ،عن علي بن أسباط ،عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)واتَّبعوا ما تتلوا الشياطين(بولاية الشياطين) على مُلْك سلیمان﴾(5).

ويقرأ أيضاً : ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ (فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقرّ ومنهم من بدّل )وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾(6).

٤٤١ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن الفيض قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): يمرض منا المريض فيأمره المعالجون بالحُمّيَة ؟ فقال : لكنا أهل بيت لا نحتمي إلا من التمر، ونتداوى

ص: 230


1- البقرة / ٢٥٧ . وفي المصحف : أولياؤهم الطاغوت، بدل الطواغيت.
2- البقرة/ ٢٥٥ ، وما بين القوسين من التفسير .
3- البقرة/ ٢٥٥ . ولعله أشار بقوله : وآيتين بعدها إلى أن هذا هو تمام ما يطلق عليه بآية الكرسي وآخرها هم فيها خالدون في مقابل الرواية الثانية التي تقول بأن آخر آية الكرسي هو قوله تعالى : ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ .
4- البقرة / ٢١٤ . وما بين القوسين ليس في المصحف وزُلزلوا - هنا - من الخوف لا من زلزلة الأرض وهو اضطرابها .
5- البقرة/ ١٠٢، وما بين القوسين ليس في المصحف . تتلو الشياطين : أي تحدث وتقول .
6- البقرة / 211 . وما بين القوسين ليس في المصحف.

تعبير المنامات

بالتفاح والماء البارد، قلت : ولم تَحْتَمُون من التمر؟ قال: لأن نبي الله حَمى علياً(عليه السلام)منه في مرضه .

٤٤٢ - عن ابن محبوب، عن ابن رئاب ،عن الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : لا تنفع الحُميةُ لمريض بعد سبعة أيام .

٤٤٣ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)قال : ليس الحُمْيَة أن تدع الشيء أصلاً لا تأكله، ولكن الحمية أن تأكل من الشيء وتخفّف.

444 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن المشي للمريض نُكْس(1)، إن أبي(عليه السلام)كان إذا اعتلّ جُعِلَ في ثوب فحمل لحاجته _ يعني الوضوء - وذاك أنه كان يقول: إن المشي للمريض نُکْسٌ.

٤٤٥ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أَذَينة أن رجلاً دخل على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال : رأيت(2)كأن الشمس طالعة على رأسي دون جسدي ؟ فقال : تنال أمراً جسيماً ونوراً ساطعاً وديناً شاملاً، فلو غطّتك لانغمستَ فيه ، ولكنها غطّت رأسك، أما قرأتَ: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي ... فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾(3)تبرأ منها إبراهيم(عليه السلام)، قال : قلت : جُعلتُ فِداك ، إنهم يقولون : إن الشمس خليفة أو مَلِك ؟ فقال : ما أراك تنال الخلافة، ولم يكن في آبائك وأجدادك مَلِك، وأي خلافة وملوكية أكبر من الدين والنور ترجوبه دخولَ الجنة ، إنهم يغلطون . قلت : صدقتَ، جُعلتُ فِداك .

٤٤٦ - عنه ، عن رجل رأى كأنّ الشمس طالعة على قدميه دون جسده، قال: مال يُنال من نبات الأرض من بُرِّ أو تَمْر يطأه بقدميه ويتسع فيه، وهو حلال، إلا أنه يكدّ فيه كما كَدّ آدم(عليه السلام).

علم أبی حنیفه فی التعبیر و خطأوه

٤٤٧ _ علي ، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن أبي جعفر الصائغ، عن محمد بن مسلم قال : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)- وعنده أبو حنيفة - فقلت له : جُعِلت فِداك، رأيت رؤيا عجيبة؟ فقال لي: يا ابن مسلم ،هاتها، فإن العالم بها جالس، وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، قال:

ص: 231


1- نُكس : أي عود إلى المرض، أو عود المرض إليه .
2- أي في المنام .
3- الأنعام / 78 بازغةً : طالعة . أفلت : غابت .

فقلت : رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت عَلَي فكسرت جوزاً كثيراً ونثرته عَلَيَّ ، فتعجبت من هذه الرؤيا؟ فقال أبو حنيفة : أنت رجل تخاصم وتجادل لثاماً في مواريث أهلك، فبعد نَصَبٍ شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أصبت والله يا أبا حنيفة، قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت: جُعلتُ فداك، إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال يا ابن مسلم لا يسوك الله، فما يواطي تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم، وليس التعبير كما عبّره ، قال : فقلت له : جعلت فداك، فقولك : أصبت، وتحلف عليه(1)وهو مخطىء؟ قال: نعم، حلفت عليه أنه أصاب الخطأ ،قال فقلت له : فما تأويلها؟ قال: يا ابن مسلم، إنك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثياباً جدداً، فإن القشر كسوة اللب، قال ابن مسلم : فوالله ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة، فلما كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب، إذ مرّت بي جارية فأعجبتني، فأمرت غلامي فردّها ثم أدخلها داري، فتمتعت بها فأَحَسَّت بي وبها أهلي، فدخلت علينا البيت، فبادرت الجارية نحو الباب، وبقيت أنا فَمَزَّقَتْ على ثياباً جدداً كنت ألبسها في الأعياد .

وجاء موسى الزوّار العطّار إلى أبي عبد الله(عليه السلام)فقال له: يا بن رسول الله ؛ رأيت رؤيا هَالَتْني، رأيت صِهْراً لي ميتاً وقد عانقني، وقد خفت أن يكون الأجل قد اقترب؟ فقال : يا موسى : توقّع الموت صباحاً ومساء فإنه ملاقينا، ومعانقة الأموات للأحياء أطول لأعمارهم، فما كان اسم صِهْرِك؟ قال : حسين، فقال: إما إن رؤياك تدل على بقائك وزيارتك أبا عبد الله(عليه السلام)، فإن كل من عانق سَمِيَّ الحسين يزوره إن شاء الله .

٤٤٨ - إسماعيل بن عبد الله القرشي قال : أتى إلى أبي عبد الله(عليه السلام)رجل فقال : يا بن رسول الله، رأيت في منامي كأنّي خارج من مدينة الكوفة في موضع أعرفه، وكأَنَّ من شبحاً خشب، أو رجلا منحوتاً من خشب على فرس من خشب يُلوّح بسيفه وأنا ( أ ) شاهده فَزِعاً مرعوباً ؟ فقال له(عليه السلام): أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته، فاتق الله الذي خلقك ثم يميتك، فقال الرجل: أشهد أنك قد أوتيتَ علماً واستنبطته من معدنه، أخبرك يا بن رسول الله عمّا (قد) فَسَّرْتَ لي، إن رجلا من جيراني جاءني وعرض عَلَيَّ ضيعته، فهممت أن أملكها بوَكْسٍ(2)كثير ، لمّا عرفتُ أنه ليس لها طالب غيري، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): وصاحبك يتولانا ويبرأ من عدوّنا؟ فقال : نعم يا ابن رسول الله رجل جيد البصيرة، مستحكم الدين، وأنا تائب

ص: 232


1- أي قوله(عليه السلام)لأبي حنيفة : أصبت والله .
2- الوكس : النقصان والوضيعة .

إلى الله عز وجل وإليك مما هَمَمْتُ به ونَوَيته، فأَخبِرْني يا بن رسول الله ، لو كان ناصباً حلَّ له اغتياله؟ فقال : أدَّ الأمانة لمن ائتمنك وأراد منك النصيحة ولو إلى قاتل الحسين(عليه السلام).

متى الفتح والفرج؟

٤٤٩ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن سَيْف بن عَمِيرة، عن أبي بكر الحضرمي ، عن عبد الملك بن أَعْيَن قال : قمتُ من عند أبي جعفر(عليه السلام)فاعتمدت على يدي فبكيتُ، فقال : ما لَك؟ فقلت : كنت أرجو أن أُدرك هذا الأمر (1)وبي قوة ، فقال : أما ترضَون أن عدوكم يقتل بعضهم بعضاً وأنتم آمنون في بيوتكم، وإنه لو قد كان ذلك(2)أُعْطي الرجل منكم قوة أربعين رجلاً وجُعلَت قلوبكم كزُبَر(3) الحديد، لو قذف بها الجبال لقلعتها ،وكنتم قوّام الأرض وخزّانها .

٤٥٠ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سفيان الجريري ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام)مرة بعد مرة وهو يقول _ وشبك أصابعه بعضها في بعض - ثم قال : تفرجي تضيقي وتضيقي تفرجي(4)، ثم قال: هلكت المحاضير (5)، ونجى المقرّبون، وثبت الحصى على أوتادهم(6)، أقسم بالله قسماً حقاً أن بعد الغم فتحاً عجباً.

٤٥١ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن ، أبيه ، عن ميسّر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال یا میسّر ؛ كم بينكم وبين قرقيسيا؟ قلت : هي قريب على شاطىء الفرات، فقال: أما إنه سيكون بها وقعة لم يكن مثلها منذ خلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض، ولا يكون مثلها ما دامت السماوات والأرض، مأدبة للطير تشبع منها سباع الأرض وطيور السماء، يهلك فيها قيس ولا يدعى لها داعية (7)، قال : وروى غير واحد وزاد فيه : وينادي منادٍ: هَلُمّوا إلى لحوم الجبّارين .

٤٥٢ - عنه ، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد ،عن حمّاد بن عيسى، عن

ص: 233


1- أي خروج القائم عجل الله فرجه الشريف .
2- أي خروج القائم عجل الله فرجه الشريف .
3- زُبَر : جمع زبرة وهي القطعة من الحديد.
4- مما نقل عنه(عليه السلام)قوله : أدنى ما يكون الفرج عند مضيق الأمر.
5- في بعض النسخ المحاصير، وقد مر تفسير اللفظين معاً
6- الضمير للمقربين، وهذا كناية عن ثباتهم في مقام الصبر على أذى الأعداء وتحملهم مكاره الضيق وشدائد البلاء حتى لا يسقط خيام صبرهم بصرصر شبهات المعاند لا تتحرك أوتادها بحصيات مفتريات المخالفين وهذه العبارة كالمثل في مقام الشدايد المازندراني 290/12
7- أي لا يبقى لها بقية تدعي الانتساب إليها وهذا كتابة عن الإستئصال.

الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبَد من دون الله عز وجل(1).

٤٥٣ - عنه ، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن شهاب بن عبد ربّه قال : قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): يا شهاب، يكثر القتل في أهل بيت من قريش حتى يُدْعى الرجل منهم إلى الخلافة فيأباها ، ثم قال : يا شهاب ولا تقل : إني عنيت بني عمي مؤلاء(2)، قال شهاب : أشهد أنه قد عناهم .

سبب کتمان أمیرالمؤمنین(عليه السلام)أمره

٤٥٤ - حميد بن زياد ،عن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد، عن أباَن بن عثمان ،عن الفُضَيل، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر ، لم يمنع أمير المؤمنين(عليه السلام)من أن يدعو إلى نفسه إلا نظراً للناس وتخوفاً عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام ،فيعبدوا الأوثان، ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكان الأحب إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن جميع الإسلام، وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا ، فأما من لم يصنع ذلك ، ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لأمير المؤمنين(عليه السلام)، فإن ذلك لا يكفّره ولا يُخْرِجُهُ من الإسلام، ولذلك كتم علي(عليه السلام)أمره، وبايع مكرهاً حيث لم يجد أعواناً .

حدیث ارتداد الناس عن الإیمان بعد النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)

٤٥٥ - حدثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن عبد الرحيم القصير قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إن الناس بفزعون إذا قلنا : إن الناس ارتدوا ؟ فقال : يا عبد الرحيم، إن الناس عادوا بعدما قُبِضَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أهلَ جاهلية، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير، جعلوا يبايعون سعداً(3)وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية، يا سعد أنت المرجّا وشعرك المرجَّل وفَحْلُكَ المُرجم(4).

٤٥٦ - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن غير واحد من أصحابه، عن

ص: 234


1- لا بد من حمله على ما إذا كانت الراية راية ضلال ويدعو صاحبها إلى غير الإيمان والإسلام ويدّعي كذباً أنه صاحب هذا الأمر.
2- إشارة إلى بني العباس.
3- هو سعد بن عُبادَة .
4- وإما من جعل على قبره الرُجمة وهي الحجارة، أو من رجم في المعارك ورمى فيها ، أو من لا يوقف على حقيقة أمر لفخامته، والفحل على الأول: الخصم المدعي للغلبة أو المساواة وعلى الأخيرين أبو المخاطب». المازندراني ٣٩٦/١٢.

أبَان بن عثمان، عن أبي جعفر الأحول، والفُضَيل بن يسار، عن زكريا النقاض، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : سمعته يقول : الناس صاروا بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بمنزلة من اتّبع هارون(عليه السلام)، ومن اتّبع العجلّ، وإن أبا بكر دعا فأبى علي(عليه السلام)إلّا القرآن، وإن عمر دعا فأبى علي(عليه السلام)إلا القرآن، وإن عثمان دعا فأبى علي(عليه السلام)إلا القرآن ،وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجّال(1)إلا سيجد من يبايعه، ومن رفع راية ضلال_ (_ة) فصاحبها طاغوت .

حدیث أَبي ذر رضي الله عنه

(2)

٤٥٧ - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن عبد الله بن محمد، عن سَلَمَة اللؤلوئي ، عن رجل ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: ألَا أُخبركم كيف كان إسلام سلمان وأبي ذر فقال الرجل(3)وأخطأ : أما إسلام سلمان فقد عرفته، فأخبرني بإسلام أبي ذر، فقال : إن أبا ذر كان في بطن مَرّ(4)يرعى غنماً له، فأتى ذئب عن يمين غنمه فهشّ (5)بعصاه على الذئب فجاء الذئب، عن شماله، فهش عليه أبو ذر ، ثم قال له :أبو ذر ما رأيتُ ذئباً أخبثَ منك ولا شراً، فقال له الذئب : شَرٌّ والله مني أهل مكة، بعث الله عز وجل إليهم نبياً فكذّبوه وشتموه، فوقع في أُذُن أبي ذر فقال لامرأته : هَلُمّي مُزْوَدي وأداوتي(6)وعَصاي ، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خير الذئب وما أتاه به ، حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارّة وقد تعب ونَصَب، فأتى زمزم وقد عطش، فاغترف دلواً فخرج لبن ، فقال في نفسه : هذا والله يدلّني على أن ما خبّرني الذئب وما جئت له حقٌّ، فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد، فإذا حلقة من قريش، فجلس إليهم فراهم يشتمون النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كما قال الذئب فما زالوا في ذلك من ذكر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والشتم له، حتى جاء أبو طالب من آخر النهار، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : كُفّوا، فقد جاء عمه ، قال : فكفّوا ، فما زال يحدثهم ويكلمهم حتى كان آخر النهار، ثم قام وقمت على أثره، فالتفتَ إليَّ فقال : اذكر حاجتك، فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: وما تصنع به؟ قلت: أؤمن به واصدّقه وأعرض عليه نفسي، ولا يأمرني بشيء إلا أطعتهُ، فقال: وتفعل؟ فقلت:

ص: 235


1- أي إلى آخر مدة خروجه المتصل بنزول عيسى(عليه السلام)وخروج الحجّة(عجل الله تعالی فرجه).
2- واسمه جندب بن جنادة .
3- وهو الراوي هنا .
4- بطن مَرّ : اسم مكان على مرحلة من مكة .
5- الهَشّ : الضرب بشدّة .
6- المزود: ما يجعل فيه الزاد والأداوة: المطهرة .

نعم، قال : فتعال غداً في هذا الوقت إليَّ حتى أدفَعَكَ إليه ، قال : فبتّ تلك الليلة في المسجد، حتى إذا كان الغد جلست معهم، فما زالوا في ذكر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : أمسِكوا فقد جاء عمّه ، فامسكوا ، فما زال يحدثهم حتى قام فتبعته فسلّمت عليه، فقال : اذكر حاجتك؟ فقلت : النبي المبعوث فيكم ، قال : وما تصنع به؟ فقلت : أؤمن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته، قال : وتفعل؟ قلت : نعم فقال : قم معي ، فتبعته، فدفعني إلى بيت فيه حمزة(عليه السلام)، فسلّمت عليه وجلست فقال لي : ما حاجتك؟ فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، فقال: وما حاجتك إليه؟ قلت: أؤمن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قال: فشهدت ،قال: فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر(عليه السلام)، فسلّمت عليه وجلست، فقال لي جعفر(عليه السلام): ما حاجتك؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ، قال : وما حاجتك إليه؟ فقلت : أؤمن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأن محمداً عبده ورسوله ،قال: فشهدت، فدفعني إلى بيت فيه علي(عليه السلام)فسلّمت وجلست ، فقال : ما حاجتك؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ، قال : وما حاجتك إليه؟ قلت : أؤمن به وأصدّقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشيء إلا أطعته فقال : تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، قال : فشهدت، فدفعني إلى بيت فيه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فسلّمت وجلست فقال لي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما حاجتك؟ قلت : النبي المبعوث فيكم، قال وما حاجتك إليه؟ قلت : أؤمن به وأصدّقه ولا يأمرني بشيء إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال لي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا أبا ذر، انطلق إلى بلادك، فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك، فخذ ماله ،وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا ، قال : فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

فقال أبو عبد الله(عليه السلام): هذا حديث أبي ذر وإسلامه رضي الله عنه، وأما حديث سلمان فقد سمعته، فقال جُعِلْتُ فِدَاك، حدثني بحديث سلمان ، فقال : قد سمعته، ولم يحدّثه لسوء أدبه(1).

حدیث إسلام ثمامۀ بن أثان

٤٥٨ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أَبَان بن

ص: 236


1- وذلك لأنه عندما عرض الإمام(عليه السلام)على حضور مجلسه بحديث إسلام سلمان وأبي ذر ابتدره هذا الرجل وادعى أنه يعرف قصة إسلام سلمان وطلب أن يقتصر الإمام على ذكر حديث أبي ذر وفي كلا الموقفين سوء أدب مع المعصوم(عليهم السلام).

عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام): أن ثمامة بن أُثال(1)أسرته خيل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وقد كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : اللهم أمْكِنّي من ثمامة ، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إني مخيّرك واحدة من ثلاث : اقتلك ، قال : إذاً تقتل عظيماً، أو أَفَاديك ، قال : إذاً تجدني غالياً، أو أمنّ عليك، قال: إذاً تجدني شاكراً ، قال : فإني قد مننت عليك ، قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله ، وقد والله علمت أنك رسول الله حيث رأيتك، وما كنت لأشهد بها وأنا في الوثاق.

حديث ولادة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)

٤٥٩ _ عنه، عن أبيه، عن أحمد بن محمد ،عن أَبَان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : لما وُلد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملأ من قريش، فيهم هشام بن المغيرة، والوليد بن المغيرة ،والعاص بن هشام ،وأبو وجزة بن أبي عمرو بن أمية، وعُتْبَة بن ربيعة، فقال: أوُلِدَ فيكم مولود الليلة؟ فقالوا : لا ، قال : فولد إذاً بفلسطين غلام اسمه أحمد ، به شامة(2)كَلَون الخزّ الأدْكَن(3)ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه ، قد أخطاكم(4)والله يا معشر قريش، فتفرقوا وسَألوا، فأُخبِروا أنه وُلدَ لعبد الله بن عبد المطلب غلام ، فطلبوا الرجل فلقوه فقالوا : إنه قد ولد فينا والله غلام ، قال : قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم ؟ قالوا : قبل أن تقول لنا ، قال : فانطلِقوا بنا إليه حتى ننظر إليه ، فانطلقوا حتى أتوا أمه فقالوا : أخرجي ابنك حتى ننظر إليه ، فقالت : إن ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان ، لقد اتقى الأرض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بُصْرى، وسمعت هاتفاً في الجو يقول : لقد ولدتيه سيدَ الأمة فإذا وضعتيه فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسمّيه محمداً، قال الرحي فأخرجيه فأخرجته، فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه فخرَّ مغشياً عليه، فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمه وقالوا : بارك الله لك فيه، فلما خرجوا أفاق، فقالوا له: ما لك ويلَك ؟ قال : ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة ،هذا والله من يبيرُهُم، ففرحت قريش بذلك، فلما رآهم قد فرحوا قال : (قد) فرحتم أما والله لَيَسْطُونَّ بكم سَطْوةً(5)يتحدث بها أهل المشرق والمغرب وكان أبو سفيان يقول : يسطو بمصره(6).

ص: 237


1- أثال : المال والمجد. سمّي به والدئمامة .
2- الشامة : العلامة التي يخالف لونها لون البشرة، ويقال لها الخال وهي التي تُسمّى بخاتم النبوة .
3- الدُكنة : لون يميل إلى السمرة أو السواد.
4- أخطاكم أي جاوزكم خبره أو أمره، والمعنى على الأول : أي لم يصلكم بعد. وعلى الثاني : أي لا مفر لكم منه ولا محيص لكم عنه. وفي بعض النسخ أحظاكم أي كنتم بسببه ذوي حظوة وهي المنزلة الرفيعة بين الأمم، وفي بعض النسخ أيضا : أخطأتم.
5- السَّطْو: شدة الأخذ.
6- كان يقولها استهزاءاً.

٤٦٠ _ حميد بن زياد ،عن محمد بن أيوب، عن محمد بن زياد، عن أسباط بن سالم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان حيث طَلقَت(1) آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت إحداهما للأخرى :هل تَرَيْنَ ما أرى؟ فقالت : وما تَرَيْن؟ قالت هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب، فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما : ما لكما، من أي شيء تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشّرك(2)؟ فقالت : بلى، فقال : أما إنك ستلدين غلاماً يكون وَصيَّ هذا المولود.

فی قوله تعالی:﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ..الآیۀ﴾

٤٦١ - محمد بن أحمد، عن عبد الله بن الصلت ،عن يونس، وعن عبد العزيز بن المهتدي، عن رجل، عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام)في قوله تعالى : ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾(3)قال : صلة الإمام في دولة الفَسَقَة.

٤٦٢ - يونس، عن سنان بن طريف قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : ينبغي للمؤمن أن يخاف الله تبارك وتعالى خوفاً كأنه مشرف على النار، ويرجوه رجاءاً كأنه من أهل الجنة، ثم قال : إن الله عز وجل عند ظن عبده إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً .

٤٦٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمدؤ عن ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال : كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام)بمكة، إذ جاءه رسول من المدينة فقال له : من صحبتَ؟ قال : ما صحبتُ أحداً، فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): أما لو كنت تقدَّمتُ إليك(4)لأحسنت أدَبَك؟ ثم قال: واحد شيطان، واثنان شيطانان ،وثلاثة صَحْبٌ وأربعةٌ رُفَقَاء (5).

٤٦٤ _ عنه ، عن أحمد، عن الحسين بن سَيْف، عن أخيه علي، عن أبيه قال : حدثني محمد بن المُثَنّى قال : حدثني رجل من بني نوفل بن عبد المطلب قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «أحب الصحابة إلى الله أربعة، وما زاد قوم

ص: 238


1- طلقت : أصابها الطلق وهو وجع الولادة .
2- الخطاب لفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
3- الحديد / 11 . والقرض الحسن ما قصد به وجهه تعالى وهو عام يشمل محبة الإمام وطاعته وتولّيه .
4- «أي لو جئتك لأحسنت أدبك بالضرب، وأما إذ جئتني فلا أضربك لقبح ضرب الضيف والزائر» المازندراني ٤٠٣/١٢ .
5- وقد دل على رجحان السفر رفقةً أي في قافلة، وكراهة السفر منفرداً أو منظماً إلى شخص واحد وقد أخرجه الصدوق في الفقيه 811/2 والبرقي في المحاسن ص ٣٥٦ .

على سبعة إلا كَثُر لَغَظُهُم»(1).

استحباب اتخاذ الرفیق فی السفر

٤٦٥ _ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عمن ذكره، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه(عليه السلام)، في وصية رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لعلي(عليه السلام): لا تخرج في سفر وحدك فإن الشيطان مع الواحد(2)، وهو من الاثنين أبعد، يا علي : إن الرجل إذا سافر وحده فهو غاوٍ(3)، والاثنان غاويان، والثلاثة نفر، قال: وروى بعضهم : سَفْر(4).

٤٦٦ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد ،وعلي بن محمد القاساني، عن سليمان بن داود ،عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : في وصية لقمان لابنه : يا بني، سافر بسيفك وخُفّك وعمامتك وخبائك وسقائك وابرتك وخُيوطك ومِخْرَزك، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع بها أنت ومن معك، وكن لأصحابك موافقاً إلا في معصية الله عز وجل(5)

٤٦٧ _ علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من شَرَفِ الرجل أن يُطِيبَ زاده(6)إذا خرج في سفره» .

٤٦٨ - علي ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان علي بن الحسين(عليه السلام)إذا سافر إلى الحج والعمرة، تَزَوّد من أطيب الزاد، من اللوز والسكر والسويق (7)المحَمّص والمُحلّى .

٤٦٩ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنه قال : دخلت عليه يوماً فألقى إليَّ ثياباً وقال : يا وليد، ردّها على مطاويها(8)فقمت بين يديه . فقال أبو عبد الله(عليه السلام): رحم الله المعلّى بن خُنَيس، فظننت أنه شبّه قيامي بين يديه بقيام المعلّى بين يديه ،ثم قال : افٍّ للدنيا أفّ للدنيا، إنما الدنيا دار بلاء، يسلّط الله فيها

ص: 239


1- اللغط : - في الأصل - الكلام المختلط الغير المفهوم المعنى. والمقصود هنا هو أنه غالباً يكون لغواً وباطلاً وأخرجه الصدوق في الفقيه ٢ / ٨٢٠ .
2- يستفرد به فیوسوس له وقد يغويه .
3- الغاوي : الضال.
4- السَّفْر : جمع مسافر. وقد أخرجه الصدوق في الفقيه 2 / ح 809 والبرقي في المحاسن ص/ ٣٥٦ .
5- أخرجه الصدوق بتفاوت في الفقيه ٢ / ح ٨٣٤.
6- أي كماً وكيفاً، وشرف الرجل هنا: نجابته وكرمه. وقد أخرجه الصدوق في الفقيه ٢ / ح ٨٣٠.
7- السويق : مقلّي الدقيق. وقد أخرجه الصدوق في الفقيه ٢ / ح 831.
8- مطاوي الثوب : أطواؤه ، المطوى. جمع المَطْوی.

عدوه على وليه، وإنّ بعدها داراً ليست هكذا، فقلت: جُعلتُ فداك، وأين تلك الدار؟ فقال ههنا، وأشار بيده إلى الأرض(1).

470-محمد بن أحمد، عن عبد الله بن الصَّلْت، عن يونس، عمن ذكره، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا أبا محمد، إن الله عز وجل ملائكة يُسْقِطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما تُسقِطْ الريح الورق من الشجر في أوان سقوطه، وذلك قوله عز وجل:﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾(2)، والله ما أراد بهذا غيركم.

٤٧١ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذَينة، عن زرارة قال: حدثني أبو الخطّاب في أحسن ما يكون حالاً قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل :﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ (3)، فقال: ﴿وإذا ذكر الله وحده (بطاعة من أمر الله بطاعته من آل محمد) اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين لم يأمر الله بطاعتهم إذا هم يستبشرون ﴾.

٤٧٢ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم صاحب الشعير(4)، عن كثير بن كلثمة، عن أحدهما(عليهم السلام)في قول الله عز وجل :﴿ فتلقّی آدم من ربه کلمات﴾ (5)، قال : لا إله إلّا أنت، سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً وظلمتُ نفسي فاغفِر لي وأنت خير الغافرين . لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك ، عملت سوءاً وظلمت نفسي فَتُبْ عليَّ إنك أنت التوّاب الرحيم، وفي رواية أخرى في قوله عز وجل : ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات ﴾، قال : سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة(صلی الله علیه وآله وسلم).

بعد ما رأی إبراهیم(عليه السلام) ملکوت السماوات

٤٧٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزّاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لما رأى إبراهيم(عليه السلام)ملكوتَ (6)السماوات والأرض التفت فرأى رجلاً يزني، فدعا عليه فمات، ثم

ص: 240


1- أي القبر وبداية عالم البرزخ وقيل غير ذلك .
2- المؤمن /7.
3- الزمر / ٤٥. اشمأزت نفرت وانقبضت .
4- أي بياع الشعير. وهو الشعيري.
5- البقرة / ٣٧ .
6- ملكوت :من الملك، والتاء للمبالغة كالرغبوت والرهبوت .

رأى آخر، فدعا عليه فمات، حتى رأى ثلاثة ، فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله عز ذكره إليه : يا إبراهيم، إن دعوتك مُجابة فلا تدعُ على عبادي، فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف : عبداً يعبدني لا يشرك بي شيئاً فأُثيبه، وعبداً يعبد غيري فلن يفوتَني ، وعبداً عبد غيري فأُخرِجُ من صُلبِه من يعبدني ، ثم التفت فرأى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البر، تجيء سباع البحر فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشدّ بعضها على بعض فيأكا بعضها بعضاً، وتجيء سباع البر فتأكل منها ، فيشدّ بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضاً، فعند ذلك تعجّب إبراهيم(عليه السلام)مما رأى وقال :﴿ رب أَرني كيف تُحيي الموتى﴾ (1)قال : كيف تُخْرِجُ ما تناسل التي أكل بعضها بعضاً؟﴿ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (2)يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها ﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ﴾ فقطعُهُنَّ واخلطهنَّ كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضاً، فخلط﴿ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ﴾(3)فلما دعاهن أجبنه وكانت الجبال عشرة .

سبب الحر والبرد

٤٧٤ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سلیمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن الحر والبرد مما يكونان؟ فقال لي : يا أبا أيوب، إن المريخ كوكب حار، وزُحل كوكب بارد ، فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زُحل وذلك في الربيع، فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زُحَلُ درجة ثلاثة أشهر، حتى ينتهي المريخ في الارتفاع وينتهي زُحلُ في الهبوط، فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر، فإذا كان في آخر الصيف وأول الخريف، بدأ زُحلُ في الارتفاع وبدأ المريخ في الهبوط، فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زُحلُ درجة انحط المريخ درجة ، حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع، فيجلو زحل، وذلك في أول الشتاء وآخر الخريف، فلذلك يشتد البرد، وكلما ارتفع هذا ،هبط هذا وكلما هبط هذا ،ارتفع هذا، فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر، وإذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس ، هذا تقدير العزيز العليم، وأنا عبد ربِّ العالمين.

من أحب علیاً(عليه السلام)

٤٧٥ - عدة من أصحابنا ،عن سهل بن زياد ،عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يا علي، من أحبّك ثم

ص: 241


1- البقرة / ٢٦٠
2- البقرة / ٢٦٠
3- البقرة / ٢٦٠

مات فقد قضى نحبه، ومن أحبك ولم يمت فهو ينتظر(1)، وما طلعت شمس ولا غربت إلا طلعت عليه برزق وإيمان، - وفي نسخة- : نور.

٤٧٦ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):

«سيأتي على أمتي زمان تخبُثُ فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، ولا يريدون به ما عند الله ربهم ، يكون دينهم ریاءاً، لا يخالطهم خوف، يَعُمُّهُم الله منه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم ».

حديث الفقهاء والعلماء

(2)

٤٧٧ _ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): كانت الفقهاء والعلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهن رابعة : من كانت همته آخرته كفاه الله همّه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله تبارك وتعالى فيما بينه وبين الناس(3).

الملاحم والفتن والأشراط

٤٧٨ _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن سعدان بن مسلم ،عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: كان رجل بالمدينة يدخل مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال : اللهم آنِسْ وحشتي ، وصِلْ وحدتي ، وارزقني جليساً صالحاً، فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلّم عليه وقال له : من أنت يا عبد الله؟ فقال : أنا أبو ذر ، فقال الرجل : الله أكبر، الله أكبر، فقال أبوذر: ولم تكبّر يا عبد الله ؟ فقال : إني دخلت المسجد فدعوت الله عز وجل أن يؤنس وحشتي وأن يَصِلَ وحدتي وأن يرزقني جليساً صالحاً، فقال له أبو ذر : أنا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس، فإني سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : أنا وأنتم

ص: 242


1- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب / 23 : ﴿«ِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾قضى نَحْبَه : فرغ من العمل الذي كان أوجبه الله تعالى عليه ، ومنهم من ينتظر الفراغ من الوفاء الله بعهده أو النصر والظفر منه .
2- « العالم أعم من الفقيه باعتبار أن الفقه يتعلق بالأحكام والعلم يتعلق بها وبغيرها، أو باعتبار أن الفقه في عُرف المحدثين المتقدمين . بصيرة قلبية تامة في الدين تابعة للإدراك توجب الميل إلى الآخرة ورفض الدنيا ومقت ذات الله تعالى والعلم أعم منها ومن الإدراك ... ثم المراد بهم إما فقهاء هذه الأمة وعلمائها أو الأعم أهلها في الشامل للأمم السابقة» المازندراني ٤١١/١٢ .
3- «واعلم أن هذه الكلمات الجزيلة مشتملة على جميع أنواع الفضيلة الدنيوية والأخروية والعقلية والعملية ولذلك داوم على مكاتبتها الفقهاء والعلماء . .. إلخ » ن . م .

على تُرْعة(1)يوم القيامة حتى يفرغ الناس من الحساب، قم يا عبد الله فقد نهى السلطان(2)عن مجالستي .

الملاحم والأشراط

٤٧٩ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رَسْمُه، ومن الإسلام إلا اسمه، يسمَّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهُدى، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة(3)وإليهم تعود(4)» .

صفۀ أهل بیت النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)

٤٨٠ - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الحسين بن يزيد قال : سمعت الرضا(عليه السلام) بخراسان وهو يقول: إنّا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب، وورثنا الشكر من آل داود، - وزعم أنه كان كلمة أخرى ونسيها محمد _ ، فقلت له : لعله قال : وورثنا الصبر من آل أيوب ؟ فقال : ينبغي .

قال علي بن أسباط : وإنما قلت ذلك، لأني سمعت يعقوب بن يقطين يحدّث عن بعض رجاله قال : لما قدم أبو جعفر المنصور المدينة سنة قُتل محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن، التفت إلى عمه عيسى بن علي فقال له : يا أبا العباس، إن أمير المؤمنين قد رأى أن يَعْضد(5)شجر المدينة وأن يُعوَر(6)عيونها ، وأن يجعل أعلاها أسفلها، فقال له : يا أمير المؤمنين ،هذا ابن عمك جعفر بن محمد بالحضرة، فابعث إليه فسله عن هذا الرأي، قال: فبعث إليه فأَعلَمَه عیسی فأقبل عليه فقال له : يا أمير المؤمنين ؛ إن داود

(عليه السلام)أُعطي فشكر، وإن أيوب ابتُليَ فصَبَر، وإن يوسف(عليه السلام)عفا بعدما قَدِر، فاعف فإنك من نسل أولئك .

تفسیر قوله تعالی: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾

٤٨١ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن زُرْعة بن محمد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز

ص: 243


1- التُرعة - في الأصل - الروضة على مرتفع من الأرض دون ما إذا وُجدت على الأرض المستوية فهي عندئذٍ تسمى روضة .
2- يقصد عثمان بن عفّان وذلك قبل أن ينفيه إلى الربذة .
3- بما حرّفوا وأحدثوا من البدع في الاسلام فضّلوا وأضلّوا .
4- أي بالعقاب والعذاب لهم عليها في القيامة، لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .
5- يَعْضد: أي يقطع .
6- يعور عيونها : أي يطمسها ويسدّها.

وجل : ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾(1)فقال : كانت اليهود تجد في كتبها أن مُهَاجَرَ (2)محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)ما بين عَيْر وأُحُد(3)، فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يُسمّى حداد فقالوا : حداد وأُحُد سواء، فتفرقوا عنده، فنزل بعضهم بتَيماء، وبعضهم بفَدَك، وبعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتَيماء إلى بعض إخوانهم ، فمرّ بهم أعرابي من قيس فتكارَوْا منه وقال لهم : أمرّ بكم ما بين عَيْر وأُحُد، فقالوا له : إذا مررت بهما فآذنا بهما، فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم : ذاك عَيْرٌ وهذا أُحُد، فنزلوا عن ظهر إبله ، وقالوا : قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت، وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفَدَك وخيبر : إنا قد أصبنا الموضع فهلمّوا إلينا، فكتبوا إليهم : إنا قد استقرت بنا الدار، واتخذنا الأموال، وما أقربنا منكم ، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم، فاتخذوا بأرض المدينة الأموال، فلما كثرت أموالهم بلغ تُبَّع (4)فغزاهم، فتحصّنوا منه فحاصرهم، وكانوا يرقّون لضعفاء أصحاب تُبَّع فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير، فبلغ ذلك تُبَّع فرقّ لهم وآمنهم ، فنزلوا إليه فقال لهم : إني قد استطبت بلادكم، ولا أراني إلا مقيماً فيكم، فقالوا له : إنه ليس ذاك لك، إنها مُهَاجَر نبي ، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك، فقال لهم: إني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره، فخلف حيين الأوْس والخزرج ، فلمّا كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم : أما لو قد بُعثَ محمد ليخرجنّكم من ديارنا وأموالنا، فلما بعث الله عز وجل محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم) آمنت به الأنصار، وكفرت به اليهود، وهو قول الله عز وجل: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾(5).

٤٨٢ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله تبارك وتعالى : ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾؟ قال : كان قوم فيما بين محمد وعيسى(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكانوا يَتَوَعَدون أهل الأصنام بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، ويقولون : لَيَخْرُجَنَّ نبيُّ فليكسرنَّ أصنامكم، وليفعلنَّ بكم (وليفعلن)، فلما خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كَفَروا به(6).

ص: 244


1- البقرة/ 89 . والاستفتاح : الاستنصار. وكان اليهود يزعمون أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)يكون منهم ويتهددون به العرب قبل مبعثه .
2- مُهَاجَر: مكان الهجرة وموضعها .
3- غير وأحُد : اسم جبلين بالمدينة .
4- تُبّع : لقب الملك من ملوك اليمن والجمع : تبابعة . وقيل : إن الذي غزاهم اسمه أسعد أبو كرب .
5- البقرة / ٨٩ .
6- الضمير يرجع إلى القوم ما بين عيسى ومحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وهم اليهود .

خمس علامات قبل قیام القائم(عجل الله تعالی فرجه)

٤٨٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحَكَم، عن أبي أيوب الخزّاز ، عن عمر بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : خمس علامات قبل قيام القائم : الصَّيْحَةُ والسفياني والخَسْف وقتل النفس الزكية واليمانيّ ، فقلت : جُعلتُ فداك، إنْ خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرجُ معه؟ قال: لا، فلما كان من الغد تلوتُ هذه الآية : ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾(1) ، فقلت له : أهي الصيحة ؟ فقال : أما أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عزّ وجلّ.

من علامات القائم(عجل الله تعالی فرجه)

٤٨٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم قلت وكيف النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون ، قال : وينادي مناد (في) آخر النهار : ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون .

تفسیر قوله تعالی :﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾

٤٨٥ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه ، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحّام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (عليه السلام)فقال : يا قتادة، أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون فقال أبو جعفر (عليه السلام): بلغني أنك تفسّر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): بِعِلْم تُفَسّره أم بجهل ؟ قال : لا ، بعلم ، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): فإن كنت تفسره بعلم فأنتَ أنتَ (2)وأنا أسألك؟ قال قتادة : سَل ، قال : أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾(3)، فقال قتادة : ذلك مَن خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمناً حتى يرجع إلى أهله ، فقال أبو جعفر(عليه السلام): نشدتُكَ الله يا قتادة، هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته، ويُضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه(4)؟ قال قتادة : اللهم نعم ، فقال أبو جعفر(عليه السلام): ويحَكَ يا قُتادة، إن كنت إنما فسّرت القرآن من تَلقاء نفسك فقد هلكتَ وأهلكت، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكتَ وأهلكت، وَيْحَكَ يا قتادة، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً

ص: 245


1- الشعراء / ٤ .
2- أي فأنت العالم المفسّر الذي ينبغي أن يرجع إليه فيما يتعلق بعلم التفسير.
3- سبا / 18 .
4- أي فيها هلاكه .

بحقنا، يهوانا قلبه، كما قال الله عز وجل : ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾(1)ولم يَعْنِ البيت فيقول : إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيم(عليه السلام) التي مَن هَوَانا قلبه قُبَلَتْ حِجَّتُه ، وإلا فلا، يا قتادة، فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة، قال قتادة : لا جَرَم والله لا فسّرتها إلا هكذا، فقال أبو جعفر(عليه السلام): ويحَكَ يا قتادة، إنما يعرف القرآن من خوطب به(2).

صفۀ جهنم

٤٨٦ - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): أخبرني الروح الأمين، أن الله لا إله غيره، إذا وَقَفَ الخلائقَ وَجَمَعَ الأولين والآخرين ، أتى بجهنم تُقاد بألف زمام، أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد، ولها هدّة وتحطّم(3)وزفير وشهيق ، وإنها لتزفر الزفرة فلولا أن الله عز وجل أخّرها إلى الحساب لأهلكَتْ الجميع ، ثم يخرج منها عُنُق(4)يحيط بالخلائق البَرّ منهم والفاجر، فما خلق الله عبداً من عباده ؛ مَلَكُ ولا نبي إلا وينادي : يا ربِ نفسي نفسي وأنت تقول : يا رب أمتي أمتي ، ثم يوضع عليها صراط ادقٌ من الشعر وأحدٌ من السيف، عليه ثلاث قناطر: الأولى عليها الأمانة والرحمة، والثانية عليها الصلاة ، والثالثة عليها رب العالمين(5)لا إله غيره فيكلّفون الممر عليها، فتحبسهم الرحمة والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جلّ ذِكره، وهو قول الله تبارك وتعالى :﴿ إن ربك لبالمرصاد﴾(6)، والناس على الصراط، فمتعلِّق تزّل قدمه وتثبت قدمه، والملائكة حولها ينادون: یا کریم یا حلیم اعفُ واصفَح وعُدْ بفضلك وسلّم ، والناس يتهافتون فيها كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله تبارك وتعالى برحمة الله تبارك وتعالى نظر إليها فقال : الحمد لله الذي نجّاني منك بعد يأس بفضله ومنّه إن ربنا لغفور شكور.

تأویل قوله تعالی:﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾

٤٨٧ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي خالد، عن أبي جعفر(عليه السلام)في قول الله عز وجل: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾(7)قال : الخيرات الولاية، وقوله تبارك وتعالى :

ص: 246


1- إبراهيم / 37 . تهوي إليهم : أي تسرع إليهم . وقيل : لو قال(عليه السلام): أفئدة الناس لحجت اليهود والنصارى والناس أجمعون.
2- وهم أهل البيت(عليهم السلام)وهم أهل الذّكر الذكر وهم الراسخون في العلم .
3- الهدّة: صوت ما يقع من السماء كالصاعقة. والتحطم : التلهب والتلفّي .
4- العنق من الشيء: القطعة منه .
5- أي عدل رب العالمين.
6- الفجر / ١٤ .
7- البقرة / ١٤٨ . استبقوا : أي سارعوا وبادروا .

﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، قال: وهم والله الأمّة المعدودة(1)، قال : يجتمعون والله في ساعة واحدة، قَزَعٌ (2)كفرع الخريف.

٤٨٨ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منذر بن جعفر، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : سيروا البَرْدَين(3)؟ قلت : إنا نتخوف من الهوام، فقال: إن أصابكم شيء فهو خير لكم مع أنكم مضمونون(4).

٤٨٩ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «عليكم بالسفر بالليل فإن الأرض تُطوى بالليل»(5).

٤٩٠ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران ، عن سَيْف بن عميرة، عن بشير النبّال ،عن حمران بن أَعيَن قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): يقول الناس : تُطوى لنا الأرض بالليل، كيف تُطْوى؟ قال : هكذا _ ثم عطف ثوبه-(6).

٤٩١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : الأرض تُطْوى في آخر الليل(7).

وفات النبی(صلی الله علیه وآله وسلم)کانت فی یوم الاثنین

٤٩٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخزّاز قال : أردنا أن نخرج فجئنا نسلّم على أبي عبد الله(عليه السلام)فقال : كأنكم طلبتم بركة الاثنين؟ فقلنا : نعم فقال : وأي يوم أعظم شؤماً من يوم الإثنين، يوم فقدنا فيه نبينا، وارتفع الوحي عنا، لا تخرجوا واخرجوا يوم الثلاثاء(8).

٤٩٣ _ عنه ، عن بكر بن صالح، عن سليمان الجعفري، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)قال : الشؤم للمسافر في طريقه خمسة أشياء : الغراب الناعق عن يمينه ، والناشر لذنبه ، والذئب

ص: 247


1- أي الجماعة القليلة.
2- القَزَع : السّحاب المتقطع، وخصّه بالخريف لأنه أسرع فيه التثاماً وتحركاً.
3- البردان: الغداة ،والعشي، ويقال : الأبردان. واحتمل بعضهم : السحر والغداة .
4- أي محفوظون، والخطاب لجماعة الشيعة .
5- أخرج هذا الحديث الصدوق في الفقيه 2 / 771. وسوف يفسر كيف تطوى الأرض في الحديث التالي
6- لقد حمل بعضهم طيّ الأرض للمسافر ليلا على أنه كناية عن سهولة السفر فيه ويُسره ، ولكن هذا الحديث يستظهر منه أن الطي طي حقيقي ، وما ذلك على الله بعزيز، وهو موافق لنظرية القبض والبسط فى المكان وإن كان نسبياً يختلف باختلاف الأشخاص .
7- أخرجه الصدوق في الفقيه ٢ / ح 772 ، والبرقي في 772 ، والبرقي في المحاسن ص ٣٤٦ .
8- أخرجه الصدوق في الفقيه 2 / ح 777 والبرقي في المحاسن ص ٣٤٧ .

العاوي الذي يعوي في وجه الرجل وهو مُقعٍ على ذنبه يعوي، ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثاً، والظبي السانح من يمين إلى شمال، والبومة الصارخة، والمرأة الشمطاء(1)تلقاء فرجها(2)(وجهها خ ل)، والأتان العضباء يعني الجدعاء، فمن أوجس في نفسه منهن شيئاً فليقل: «اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي»، قال : فيُعْصَمُ من ذلك .

٤٩٤ _ محمد بن يحيى، عن سَلَمَة بن الخطاب، عن عبد الله، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى زيّن شيعتنا بالحِلْم، وغشّاهم بالعلم، لعلمه بهم قبل أن يخلق آدم(عليه السلام).

٤٩٥ _ أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن ابن فضّال،عن ثعلبة بن ميمون، عن عمر بن أَبَان، عن الصباح بن سيّابة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن الرجل لَيُحِبّكم(3)وما يدري ما تقولون، فيُدخله الله عز وجل الجنة، وإن الرجل ليُبْغِضُكم وما يدري ما تقولون ، فيُدخِلُه الله عز وجل النار، وإن الرجل منكم لتُمْلأُ صحيفته من غير عمل قلت : وكيف يكون ذلك ؟ قال : يمر بالقوم ينالون منا فإذا رأوه قال بعضهم لبعض : كفّوا فإن هذا الرجل من شيعتهم، ويمر بهم الرجل من شيعتنا فيهمزونه ويقولون فيه، فيكتب الله له بذلك حسنات حتى يملأ صحيفته من غير عمل .

الأمر بالتزوار والتعاهد

٤٩٦ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): كم بينك وبين البصرة؟ قلت : في الماء(4)خمس . إذا طابت الريح، وعلى الظهر(5)ثمان ، ونحو ذلك ، فقال : ما أقرب هذا، تزاوروا ويتعاهد بعضكم بعضاً، فإنه لا بديوم القيامة من أن يأتي كل إنسان بشاهد يشهد له على دينه ، وقال : إن المسلم إذا رأى أخاه كان حياةً لدينه إذا ذكر الله عز وجل .

٤٩٧ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : والله لا يحبنا من العرب والعجم إلا أهل البيوتات والشرف والمعدِن(6)، ولا يبغضنا من

ص: 248


1- الشَّمَط : بياض شعر الرأس يخالط سواده ولا يقال للمرأة: شيباء، بل شمطاء . - هكذا في المغرب ..
2- أي مواجهة بوجهها ومقاديم ،بدنها، والفرج من مقاديمها.
3- الخطاب للشيعة.
4- أي في السفينة.
5- أي راكباً على دابة .
6- المعدن - في الأصل - مركز كل شيء ومكانه الذي فيه أصله ويحتمل أن يراد به هنا الصريح النسب الذي لا شبهة في أصله ومحتده .

هؤلاء وهؤلاء إلا كل دَنِس ملصق (1) .

خبر تابوت بنی إسرائیل

٤٩٨ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(علیه السلام)في قول الله عز وجل : ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ﴾(2) قال : لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة ﴿قال إن الله اصطفاه عليكم﴾(3) وقال :﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ﴾(4) فجاءت به الملائكة تحمله وقال الله جل ذكره : ﴿إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يَطْعَمُهُ فإنه مني﴾ (5)فشربوا منه إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، منهم من اغترف، ومنهم من لم يشرب ، فلما برزوا قال الذين اعترفوا : ﴿ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ (6) ، وقال الذين لم يعترفوا ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾(7).

٤٩٩ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن يحيى الحلبي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي جعفر(علیه السلام)أنه قرأ: «إن آية مُلْكِه(8) أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربّكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة»؟ قال : كانت تحمله في صورة البقرة .

500- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حَريز، عمن أخبره، عن أبي جعفر(علیه السلام)في قول الله تبارك وتعالى :﴿ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ قال : رضراض الألواح (9) فيها العلم (10) والحكمة.

الحسنین(علیهم السلام) ابنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٥٠١ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن ظريف، عن الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال : قال (لي) أبو جعفر(علیه السلام): يا أبا

ص: 249


1- الدنس : الذليل الذي لا يُعبأ به والملصق : هو الرجل المقيم في حي ولا نسب له منهم. ويحتمل أن يراد به من لا أب له معروف
2- البقرة / ٢٤٧
3- البقرة / ٢٤٧
4- البقره ٢٤٨
5- البقرة / ٢٤٩
6- البقرة / ٢٤٩
7- البقرة / ٢٤٩
8- الضمير يرجع إلى طالوت
9- رضراض الألواح الرضراض - في الأصل - مازق من الحصى والمراد بها هنا القطع الصغيرة التي نتجت عن تحطمها عندما ألقاها موسى(علیه السلام). وفي بعض النسخ رصاص وهو - هنا - فتات الألواح
10- أي علم الشريعة الموسوية

الجارود؛ ما يقولون لكم في الحسن والحسين(علیه السلام)؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

قال : فأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت: احتججنا عليهم بقول الله عز وجل في عيسى بن مريم(علیها السلام):﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وزكريا ويحيى وعيسى﴾(1)فجعل عيسى بن مريم من ذرية نوح(علیه السلام).

قال : فأي شيء قالوا لكم؟

قلت: قالوا : قد يكون ولد الإبنة من الولد ولا يكون من الصُلب.

قال : فأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت :احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم): ﴿قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾(2).

قال : فأي شيء قالوا؟ .

قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل، وآخر يقول: أبناؤنا .

قال : فقال أبو جعفر(علیه السلام): يا أبا الجارود، لأعْطِيَنَّكَها من كتاب الله جل وتعالى أنهما من صلب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لا يردّها إلا الكافر .

قلت : وأين ذلك جُعلتُ فداك؟

قال : من حيث قال الله تعالى : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾(3)الآية ، إلى أن انتهى إلى قوله تبارك وتعالى :﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾(4)فَسَلَّهم يا أبا الجارود: هل كان يحلّ لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)نكاح حليلتيهما ؟ فإن قالوا : نعم كذبوا وفجروا، وإن قالوا : لا ، فهما ابناه لصُلْبه.

غزوة أُحُد وقصه المنهزمین

٥٠٢ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين أبي العلاء الخفّاف، عن أبي عبد الله(علیه السلام)قال: لمّا انهزم الناس يوم أُحُد عن

ص: 250


1- الأنعام / ٨٤ و ٨٥ .
2- آل عمران / ٦١
3- النساء / ٢٣ . وقد جمعت الآية المحرمات النسبية والسببية
4- النساء / ٢٣ . وقد جمعت الآية المحرمات النسبية والسببية

النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، انصرف إليهم بوجهه وهو يقول : أنا محمد، أنا رسول الله لم أُقْتَل ولم أَمُتْ(1)، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا : الآن يسخر بنا أيضاً وقد هُزِمْنا، وبقي معه علي(علیه السلام)، وسِماك بن خَرَشَة أبو دجانة رحمه الله ، فدعاه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال: يا أبا دجانة، انصرف وأنت في حِلّ من بيعتك، فأما علي فأنا هو وهو أنا، فتحوّل وجلس بين يدي النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وبكى وقال : لا والله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : لا والله ، لا جعلت نفسي في حِلّ من بيعتي، إني بايعتك فإلى من انصرف یا رسول الله ، إلى زوجة تموت، أو ولد يموت، أو دار تخرب، ومال يفنى، وأجلٍ قد اقترب ، فَرَقَ له النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فلم يزل يقاتل حتى أثْخَنَتْه(2)الجراحة، وهو في وجه، وعلي(علیه السلام)فی وجه، فلما أُسْقِطَ احتمله علي(علیه السلام)فجاء به إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفَيْتُ ببيعتي؟ قال: نعم، وقال له النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)خيراً، وكان الناس يحملون على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) المَيْمَنَة فيكشفهم علي(علیه السلام)، فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع ، فجاء إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فطرحه بين يديه وقال : هذا سيفي قد تقطّع، فيومئذ أعطاه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ذا الفقار، ولما رأى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال : يا ربّ وعدتني أن تُظهر دينك، وإن شئتَ لم يُعيك، فأقبل علي(علیه السلام)إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا رسول الله ، اسمع دوياً شديداً، واسمعُ أَقْدِم حَيْزُوم(3)، وما أهمّ أضرب أحداً إلا سقط ميتاً قبل أن أضربه؟ فقال: هذا جبرئيل وميكائيل واسرافيل في الملائكة ثم جاء جبرئيل(علیه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا محمد إن هذه(4) لهي المواساة ، فقال : إن علياً مني وأنا منه، فقال جبرئيل : وأنا منكما، ثم انهزم الناس، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لعلي(علیه السلام): يا علي، إمضِ بسيفك حتى تعارضَهم فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجَنّبوا الخيل(5)فإنهم يريدون مكّة، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يُجَنّبون القِلاص فإنهم يريدون المدينة، فأتاهم علي(علیه السلام) فكانوا على القِلاص، فقال أبو سفيان لعلي(علیه السلام)يا علي ؛ ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة، فانصرفْ إلى صاحبك، فاَتْبَعَهُم جبرئيل(علیه السلام)، فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدّوا في

ص: 251


1- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وما محمد إلا رسول قد خَلَت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ..﴾.
2- أثخنته : أي أضعفته وأثقلته .
3- حيزوم - كما في التفاسير - اسم فرس جبرئيل(علیه السلام).
4- إشارة إلى استماتة علي(علیه السلام)في الدفاع عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
5- القلاص جمع القلوص وهي - كما في القاموس - الشابة من الإبل، أو الباقية على السير أو الناقة الطويلة : القوائم وجنبوا من الجنيبة وهي الفرس الرديفة يجعلها الراكب إلى جنب مركوبه ليركبها عند الحاجة .

السير، وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قالوا : هو ذا عسكر محمد قد أقبل، فدخل أبو سفيان مكة، فأخبرهم الخبر، وجاء الرعاة والحطّابون فدخلوا مكة فقالوا : رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان نزلوا، يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبّخونه، ورحل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والراية مع علي(علیه السلام)وهو بين يديه، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس ،نادى علي(علیه السلام): أيها الناس هذا محمد لم يَمُت ولم يُقْتَل ، فقال صاحب الكلام الذي قال: «الآن يسخر بنا وقد هُزِمْنا» هذا علي والراية بيده، حتى هجم عليهم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال إليه يلوذون به ويؤبون(1)إليه، والنساء، نساء الأنصار قد خدشنَ الوجوه ونشرنَ الشعور وجززنَ النواصي وخَرّقْن الجيوب ، وحَرِّمنَ البطون(2)على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما رأينَه قال لهن خيراً، وأمرهن أن يستترن ويدخلن منازلهن، وقال : إن الله عز وجل وَعَدَني أن يظهر دينه على الأديان كلها، وأنزل الله على محمد(صلی الله علیه وآله وسلم): ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا _ الآية-﴾ (3).

صلح الحديبية

٥٠٣ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي ،عمير وغيره ،عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام)قال : لمّا خرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في غزوة الحُدَيبية، خرج في ذي القعدة(4)، فلما انتهى إلى المكان الذي أحْرَمَ فيه أحرموا ولبسوا السلاح، فلمّا بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليردّه قال : أبْغُوني رجلا(5)يأخذني على غير هذا الطريق، فأُتي برجل من مُزَيَّنة أو(6)من جهينة ، فسأله فلم يوافقه فقال : ابغوني رجلا غيرَه، فأُتي برجل آخر إمّا من مزينة وإما من جُهَينة، قال فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة، فقال : من يَصْعَدها حطّ الله عنه كما حطّ عن بني إسرائيل، فقال لهم:﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾(7)قال : فابتدرها خيل الأنصار : الأوس والخزرج ، قال : وكانوا ألفاً وثمانمائة، فلما هبطوا إلى الحديبية، إذا امرأة معها ابنها على القليب(8)، فسعى ابنها هارباً، فلما أثبتت أنه أنفسهن .

ص: 252


1- أي يرجعون ، وفي بعض النسخ : يتوبون : أي يعتذرون إليه. وفي بعضها يثوبون.
2- حرّمنَ :البطون أي منعنها حقها من الطعام، وهو كناية عن تجويع
3- آل عمران / ١٤٤. وتتمتها وسيجزي الله الشاكرين .
4- وكان ذلك سنة ست للهجرة، ولم يكن ينوي ،قتالا ، بل كان يريد العمرة.
5- أي أطلبوا لي رجلاً .
6- الترديد من الراوي، وكذا ما بعده.
7- الآية في سورة البقرة / ٥٨ هكذا: «وإذ قلنا أدخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رَغَداً وأدخلوا الباب سُجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وستزيد المحسنين» .
8- القليب : البئر التي لم تُطو.

رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)صرَخَت به :هؤلاء الصابئون(1)ليس عليك منهم بأس، فأتاها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فأمرها فاستقت دلواً من ماء، فأخذه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فشرب وغسل وجهه، فأخذت فضلته فأعادته في البئر، فلم تبرح حتى الساعة.

وخرج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه(2)، ثم أرسلوا الحُلَيس(3)فرأى البُدُنَ وهي تأكل بعضها أوبار بعض(4)، فرجع ولم يأتِ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وقال لأبي سفيان :يا أبا سفيان، أما والله ما على هذا حالفناكم على أن تردّوا الهَدْيَ عن محله(5).

فقال: اسكت، فإنما أنت أعرابي، فقال : أما والله لتُخْلِين عن محمد وما أراد، أو لأنْفَردَن في الأحابيش(6).

فقال : اسكت حتى نأخذ من محمد ولتا (أي عهداً).

فأرسلوا إليه عروة بن مسعود، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة، كان خرج معهم من الطائف، وكانوا تجاراً ،فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فأبى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يقبلها وقال : هذا غدر ولا حاجة لنا فيه .

فأرسلوا إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقالوا: يا رسول الله ،هذا عروة بن مسعود قد أتاكم يعظم البُدُنَ ، قال : فأقيموها ، فأقاموها .

فقال : يا محمد مجيء مَن جئتَ؟

قال : جئتُ أطوف بالبيت، وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الإبل، وأخلّي عنكم وعن لحمانها .

قال : لا واللآتِ والعُزّى، فما رأيت مثلك رُدّ عما جئت له، إن قومك يذكّرونَكَ الله

ص: 253


1- كانت قريش والعرب يسمون المسلمين بالصابئة لأنهم خرجوا من دين قريش إلى الإسلام. من صَبَأت النجوم إذا خرجت من مطالعها.
2- أي بمحاذاته ليمنعه من الوصول إلى مكة .
3- في بعض النسخ : الحبيش. وفي بعضها حليش، وفي بعضها أيضاً : الحلش .
4- كناية عن أنها مجردة عن القتب وغيرها وهي علامة على أنها هَدْي وأن صاحبها لا يريد قتالاً.
5- هذا يكشف عن أن المشركين كانوا يستقبحون أن يُصد عن المسجد الحرام والبيت الحرام .
6- هذا يؤيد صحة رواية : ثم أرسلوا الحبيش دون غيره من الأسماء فهي مصحفة.

والرَّحِم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وأن تقطع أرحامهم ، وإن تُجرّي عليهم عدوَّهم .

فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «ما أنا بفاعل حتى أدخلها».

قال : وكان عروة بن مسعود حين كلّم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)تناول لحيته(1) ، والمغيرة قائم على رأسه فضربه بیده .

فقال : من هذا يا محمد؟ .

فقال : هذا ابن أخيك المغيرة.

فقال : يا غُدْر(2)، والله ما جئت إلا في غسل سَلْحَتِك(3).

قال : فرجع إليهم فقال لأبي سفيان وأصحابه : لا والله ما رأيت مثل محمد رُدّ عما جاء له ، فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العُزّى، فأمر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فأُثيرت في وجوههم البُدُن، فقالا : مجيء من جئت؟ .

قال : جئت لأطوف بالبيت، وأسعى بين الصفا والمروة، وأنحر البُدُن وأخلّي بينكم وبين لحمانها .

فقالا : إن قومك يناشدونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم، وتقطع أرحامهم ، وتُجرِّي عليهم عدوهم، قال : فأبى عليهما رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلا أن يدخلها.

وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أراد أن يبعث عمر ، فقال : يا رسول الله، إن عشيرتي قليل، وإني فيهم على ما تعلم ،ولكني أدلّك على عثمان بن عفان، فأرسل إليه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال: انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشّرهم بما وعدني ربي من فتح مكة، فلما انطلق عثمان، لقي أبان بن سعيد، فتأخر عن السرج فحمل عثمان بين يديه(4)، ودخل عثمان فأعلمهم، وكانت المناوشة ، فجلس سهيل بن عمرو عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وجلس عثمان في عسكر المشركين، وبايع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)المسلمين وضرب بإحدى يديه على الأخرى لعثمان، وقال المسلمون: طوبى لعثمان ، قد طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وأحلّ ، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما كان ليفعل، فلما جاء عثمان قال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): أطُفْت بالبيت؟ فقال: ما كنت لأطوف

ص: 254


1- الضمير يعود إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
2- الغُدر: الغادر ، وقد جى، به للمبالغة .
3- السلحة: النجو والغائط . «وهذا كناية عن دفع . تويدله بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)»
4- أي أفرد له مكاناً أمامه وحمله على سرجه

بالبيت ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لم يطُفْ به، ثم ذكر القصة وما كان فيها .

فقال لعلي(عليه السلام): اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم .

فقال سهيل : ما أدري ما الرحمن الرحيم، إلا أني أظن هذا الذي باليمامة، ولكن اكتب كما نكتب : باسمك اللهم .

قال : واكتب: هذا ما قاضی (علیه) رسول الله سهيل بن عمرو.

فقال سهيل : فَعَلَى ما نقاتلك يا محمد؟!

فقال : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله.

فقال الناس : أنت رسول الله .

قال : اكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله .

فقال الناس : أنت رسول الله ، وكان في القضية(1)أن من كان منّا(2)أتى إليكم رددتموه إلينا، ورسول الله غير مستكره عن دينه(3)، ومن جاء إلينا منكم لم نردّه إليكم.

فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لا حاجة لنا فيهم، وعلى أن يُعبَدَ الله فيكم(4)علانية غير سرّ، وإن كانوا ليتهادون السّيور(5)في المدينة إلى مكة، وما كانت قضية أعظم بركة منها، لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام .

فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه .

فقال : أول ما قاضينا عليه .

فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): وهل قاضيت على شيء؟ .

فقال : يا محمد ما كنت بغُدَار.

قال : فذهب بأبي جندل ، فقال : يا رسول الله ؛ تدفعني إليه؟ .

قال : ولم اشترط لك ، قال : وقال: اللهم اجعل لأبي جندل مَخْرَجاً .

قصه بنی مدلج

٥٠٤ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن نصر، عن أبَان، عن

ص: 255


1- أي قضية الصلح . وفي بعض النسخ في القصة، أي قصة الصلح أيضاً.
2- أي من المشركين .
3- أي عن حكمه وقضائه بالرد إلى المشركين .
4- أي أن للمسلم أن يمارس شعائر دينه في مكة بين ظهراني المشركين علناً من غير أن بعضلوه.
5- السيور: «حُلّة فيها خطوط من أبريسم، من السير : وهو السير : وهو القد، ويحتمل أن يراد بها الحصر المدنية لأنها كانت تنسج من السيور وهو ما يقدمه من الجلد».

الفضل أبي العباس، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل :﴿ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ﴾(1)قال : نزلت في بني مُدْلج(2)لأنهم جاؤوا إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقالوا : إنا قد حَصِرَت صدورنا أن نشهد أنك رسول الله ، فلسنا معك ولا مع قومنا عليك، قال : قلت : كيف صنع بهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟ قال : واعَدَهُم إلى أن يفرغ من العرب، ثم يدعوهم فإن أجابوا وإلا قاتلهم .

حدیث ضیف إبراهیم وإهلاک قوم لوط

٥٠٥ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، وهو فرقد، عن أبي يزيد الحمار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : إن الله تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكَرّوبيل(عليه السلام)، فمروا بإبراهيم(عليه السلام)وهم معتمّون، فسلموا عليه فلم يعرفهم ، ورأى هيئة حسنة فقال : لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي ، وكان صاحَب أضياف(3)، فشوى لهم عجلاً سميناً حتى أنضجه ، ثم قرّبه إليهم، فلما وضعه بين أيديهم ﴿رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾(4)فلما رأى ذلك جبرئيل(عليه السلام)حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه فعرفه إبراهيم(عليه السلام)فقال : أنت هو ؟ فقال : نعم ، ومرَّت امرأته سارة فبشّرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فقالت : ما قال الله عز وجل؟ فأجابوها بما في الكتاب العزيز ، فقال إبراهيم(عليه السلام)لهم : فيماذا جئتم ؟ قالوا له : في إهلاك قوم لوط ، فقال لهم : إن كان فيها مائة من المؤمنين تُهلِكونهم ؟ فقال جبرئيل(عليه السلام): لا ، قال : فإن كانوا خمسين؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا ثلاثين ؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا عشرين؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا عشرة؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا خمسة ؟ قال : لا ، قال : فإن كانوا واحداً؟ قال : لا قال: إن فيها لوطاً، قالوا: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾(5).

ثم مضوا، وقال الحسن العسكري أبو محمد(6): لا أعلم ذا القول إلا وهو يستبقيهم ،

ص: 256


1- النساء / ٩٠ حَصِرتَ : أي ضاقت وكرهوا أن يقاتلوكم ويقاتلوا قومهم .
2- فخذ من كنانة .
3- أي يتري الضيوف ويكرمهم .
4- هود / 70 نكرهم : أي أنكرهم . وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فأبى أن يتناول طعامهم ظنوا أنه يحدث نفسه بشرّ .
5- العنكبوت /32. من الغابرين من الذين أبقتهم الدهور وتطاولت أعمارهم فإنها هالكة مع قومها .
6- قال المجلسي في مرآة العقول ج ٢٦ :« لعل العسكري من طغيان القلم ، وأبو محمد كنية للحسن بن علي بن فضال، ويحتمل أن يكون كلام محمد بن يحيى ووقع في أثناء الحديث، وقد مضى هذا الخبر فيما سبق من كتاب الطلاق وفيه: قال الحسن بن علي، بدون : أبو محمد، فيمكن أن يكون من كلام الصادق(عليه السلام)والمراد الحسن بن على (العسكري)(عليه السلام) . » .

وهو قول الله عز وجل : ﴿يُجادِلُنا في قوم لوط﴾(1)فأتوا لوطاً وهو في زراعة له قرب المدينة، فسلّموا عليه وهم معتَمّون، فلما رأى هيئة حسنة وعليهم عمائم بيض وثياب بيض فقال لهم : المنزلَ(2)، فقالوا : نعم، فتقدمهم ومَشَوا خلفه فندم على عرضه عليهم المنزل، وقال: أي شيء صنعت، آتي بهم قومي وأنا أعرفهم، فالتفت إليهم فقال : إنكم تأتون شرار خلق الله ، وقد قال جبرئيل (عليه السلام): لا نعجَل عليهم حتى يشهد ثلاث شهادات، فقال جبرئيل(عليه السلام): هذه واحدة، ثم مشى ساعة ثم التفت إليهم فقال : إنكم تأتون شرار خلق الله ، فقال جبرئيل(عليه السلام): هذه اثنتان، ثم مضى، فلما بلغ باب المدينة التفت إليهم فقال : إنكم تأتون شرار خلق الله، فقال جبرئيل(عليه السلام): هذه ثالثة، ثم دخل ودخلوا معه ،فلما رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة، فصعدت فوق السطح وصعقت(3)فلم يسمعوا ،فَدَخنَتْ فلما رأوا الدخان أقبلوا يُهرَعون(4)إلى الباب فنزلت إليهم فقالت: عنده قوم ما رأيت قط أحسن منهم هيئة، فجاؤوا إلى الباب ليدخلوها، فلما رآهم لوط قام إليهم فقال :﴿ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾(5)فقال : ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾(6)فدعاهم إلى الحلال فقالوا : ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾(7)، فقال :﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾(8)، فقال جبرئيل(عليه السلام): لو يعلم أي قوة له. فكاثر وه حتى دخلوا البيت، قال: فصاح به جبرئيل : يا لوط، دعهم يدخلون، فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم، وهو قوله: ﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾(9)، ثم نادى جبرئيل فقال :﴿ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ﴾(10)، وقال له جبرئيل : إنا بُعِثْنا في إهلاكهم، فقال : يا جبرئيل، عجل ، فقال :﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾(11)، قال : فأمره فتحمل ومن معه إلا امرأته ، قال : ثم اقتلعها(12)جبرئيل بجناحيه من سبع أرضين، ثم رفعها حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قَلَبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجّيل .

ص: 257


1- هود / ٧٤ .
2- أي اقصدوا منزلي أو لنذهب إلى المنزل.
3- صعقت : أي صوتت بشدّة .
4- يُهرعون أي يُسرعون.
5- هود / 78 و 79 و 80 ، والركن الشديد العشيرة المانعة .
6- هود / 78 و 79 و 80 ، والركن الشديد العشيرة المانعة .
7- هود / 78 و 79 و 80 ، والركن الشديد العشيرة المانعة .
8- هود / 78 و 79 و 80 ، والركن الشديد العشيرة المانعة .
9- القمر / 37 . والآية : ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾.
10- هود / 81 .
11- هود / 81
12- الضمير يعود إلى قرية قوم لوط

الذی صنعه الحسن بن علی(عليه السلام) خیر الأمۀ

٥٠٦ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي الصباح بن عبد الحميد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : والله للَّذي صَنَعه الحسنُ بن علي(عليه السلام)كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، والله لقد نزلت هذه الآية :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾(1)، إنما هي الإمام، وطلبوا القتال، فلما كُتِبَ عليهم القتال مع الحسين(عليه السلام)قالوا : ﴿ربَّنا لِمَ كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب نُجِبْ دعوتك ونتبع الرسل ﴾(2)أرادوا تأخير ذلك إلى طاعة القائم(عجل الله تعالی فرجه).

حدیث سؤال معلّی بن خنیس عن النجوم

٥٠٧ - محمد بن يحيى، عن سَلَمة بن الخطاب وعدة من أصحابنا، عن سهل بن ،زياد جميعاً، عن علي بن حسان ، عن علي بن عطية الزيات عن مُعَلّى بن خنيس قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن النجوم(3)أحقُّ هي ؟ فقال : نعم، إن الله عز وجل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل، فأخذ رجلا من الحجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ ، ثم قال له : انظر أين المشتري ، فقال : ما أراه في الفلك، وما أدري أين هو ، قال : فنحاه، وأخذ بيد رجل من الهند، فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ ، وقال : انظر إلى المشتري أين هو؟ فقال : إن حسابي ليدلّ على أنك أنت المشتري ، قال وشَهَقَ شهقة فمات، وورث علمه أهله فالعلم هناك(4). علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : سُئِل عن النجوم ؟ قال : ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند.

قتل السفیانی من علامات القائم

٥٠٩ - حميد بن زياد، عن أبي العباس عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن علي بن الحسن الطَاطَري، عن محمد بن زياد بيّاع السابريّ، عن أبَان، عن صباح بن سيّابة عن المعلّى بن خُنيس قال : ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكُتُب غير واحد إلى أبي عبد الله(عليه السلام)حين ظهرت المسوّدة (5)قبل أن يطهر ولد العباس، بأنا قد قدّرنا أن يؤول هذا الأمر

ص: 258


1- النساء / 77 . وما صنعه(عليه السلام)هو عقد الهدنة مع معاويه بعد خَذل أصحابه(عليهم السلام)له وتفرقهم عنه
2- مأخوذ من آيتين الأولى في سورة النساء / 77 وفيها ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ .. والثانية في سورة إبراهيم / ٤٤/ وفيها : ﴿... رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ... ﴾.
3- أي عن علم النجوم وأحكام النظر فيها .
4- أي في بيت من بيوت الهند.
5- المسودة؛ جماعة من العباسيين سبقوا ظهور دولتهم وعلى رأسهم أبو مسلم الخراساني سُمّوا بذلك لأنهم كانوا يلبسون الثياب السوداء مع عمامة سوداء أيضاً.

إليك(1)فما ترى؟ قال فضرب بالكتب الأرض ثم قال أفّ أفّ، ما أنا لهؤلاء بإمام، أما يعلمون أنه إنما يُقْتَل السُّفياني(2).

بیوت النبی(صلی الله علیه وآله وسلم) هی البیوت أذن الله أن تُرفع

٥١٠ _ أبَان، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل : ﴿ فی بيوت أَذِنَ الله أَن تُرفَعَ﴾(3)قال : هي بيوت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم).

٥١١ - أبان ، عن يحيى بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : درع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ذات الفضول(4)لها حلقتان من وَرِق(5)في مقدمها، وحلقتان من وَرِقٍ في مؤخّرها، وقال : لبسها علي(عليه السلام)يوم الجمل.

٥١٢ - آبَان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : شدّ علي(عليه السلام)على بطنه يوم الجمل بعقال أُبرق(6)نزل به جبرئيل(عليه السلام)من السماء، وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يشد به على بطنه إذا لبس الدرع .

٥١٣ _ أبَان ، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: إن عثمان قال للمقداد : أما والله لتنتهينَّ(7)أو لأرَدَنَّك إلى ربك الأول ، قال : فلما حضرت المقداد الوفاة قال لعمّار : أبلغْ عثمان عني أني قد رُدِدْتُ إلى ربي الأول .

خبر أسامۀ لما حضره الموت

٥١٤ - أَبَان ، عن فضيل وعُبيد ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: لما حضر محمد بن أسامة الموت، دَخَلَتْ عليه بنو هاشم فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وَعَليَّ دَيْن فأحب أن تضمنوه عني ، فقال علي بن الحسين(عليه السلام): أما والله ثُلُثُ دَيْنك عَليّ ، ثم سكت وسكتوا ، فقال علي بن الحسين(عليه السلام)عَلَي دَيْنك كله، ثم قال علي بن الحسين(عليه السلام): أما إنه لم يمنعني أضمنه أوّلاً إلا كراهية أن يقولوا : سَبَقَنا .

ص: 259


1- أي الخلافة. وكانوا يظنون أنه هو القائم من آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم).
2- أي لا بد من حصول علامات قبل خروج القائم منها قتل السفياني وهو من المحتوم كما نصّت بعض الروايات .
3- النور/ ٣٦ . أن تُرفع : أن تبنى ، قيل : هي المساجد أيضاً.
4- سميت بذات الفضول، أو ذي الفضول لسعة كانت فيها وفضلة. وقد مر في بعض الروايات في كتاب الحجة من أصول الكافي ،1، باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، أن القائم(عجل الله تعالی فرجه)إذا لبسها ملأها إنشاء الله .
5- الورق : الفضة.
6- مر في باب ما عند الأئمة من سلاحه(صلی الله علیه وآله وسلم)من كتاب الحجة من أصول الكافي 1/ ذيل ح 9 : أن من جملة ما أعطى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عليا(عليه السلام): الإبرقة، وهي شقة تخطف الأبصار من إبرق الجنة وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «يا علي ؛ إن جبرئيل أتاني بها وقال : يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستدفر بها مكان المنطقة . . . » إلخ
7- أي لتتركنّ ذمّي والنيل مني أو . . . إلخ .

خبر ناقۀ رسول الله القصواء

٥١٥ - أبَان ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: كانت ناقة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)القصواء إذا نزل عنها علق عليها زمامها ، قال : فتخرج فتأتي المسلمين، قال: فيناولها الرجل الشيء ويناولها هذا الشيء فلا تلبث أن تشبع ، قال : فأدْخَلَت رأسها في خباء سَمَرَة بن جندب فتناول عَنَزَةً فضرب بها على رأسها فشجّها، فخرجت إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فشكَتْه.

إن مريم(عليها السلام)حَمَلَت بعيسى(عليه السلام)تسع ساعاتٍ

٥١٦ - أبَان : عن رجل، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن مريم(عليها السلام)حَمَلَت بعيسى(عليه السلام)تسع ساعاتٍ ،كل ساعة شهراً

٥١٧ - أبَان ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إن المغيرية(1)يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة(2)؟ فقال : كذبوا هذا اليوم للّيلة الماضية، إن أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام.

٥١٨ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سلار أبي عمرة، عن أبي مر(يم) الثقفي، عن عمار بن ياسر قال : بينا أنا عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إذا قال رسول الله : إن الشيعة الخاصة الخالصة منّا أهل البيت، فقال عمر : يا رسول الله، عَرِّفْناهم حتى نَعْرِفَهم، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما قلت لكم إلا وأنا أريد أن أخبركم، ثم قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): أنا الدليل على وجه الله عز وجل، وعلي نصر الدين، ومناره أهل البيت، وهم المصابيح الذين يُستضاء بهم، فقال عمر : يا رسول الله ، فمن لم يكن قلبه موافقاً لهذا؟ فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما وضع القلب في ذلك الموضع إلا ليوافق أو ليخالف، فمن كان قلبه موافقاً لنا أهل البيت كان ناجياً ،ومن كان قلبه مخالفاً لنا أهل البيت كان هالكاً .

٥١٩ - أحمد، عن علي بن الحكم، عن قتيبة الأعشى ، قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : عادَيتم فينا الآباء والأبناء والأزواج، وثوابكم على الله عز وجل، أما إن أحوجَ ما تكونون إذا بلغت الأنفس إلى هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - .

علی(عليه السلام)أَوْلى الناس بالناس بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)

٥٢٠ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن داود بن سليمان الحمار، عن سعيد بن يَسار قال : استأذنّا على أبي عبد الله(عليه السلام)أنا والحارث بن المغيرة النصري ومنصور الصيقل، فواعد نادار طاهر مولاه، فَصَلّينا العصر ثم رحنا إليه، فوجدناه متكئاً على سرير قريب

ص: 260


1- نسبة إلى المغيرة بن سعيد البجلي ، ادعى أن الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسين في محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الخارج بالمدينة وزعم أنه حي لم يمت ثم ادعى الإمامة لنفسه بعد محمد النفس الزكية، وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه واستحل المحارم ... إلخ .
2- لأنه كان يزعم أن النهار مقدّم على الليل.

من الأرض، فجلسنا حوله، ثم استوى جالساً ، ثم أرسل رجليه حتى وضع قدميه على الأرض تم قال : الحمد لله الذي ذهب الناس يميناً وشمالاً : فرقة مُرجئة، وفرقة خوارج، وفرقة قدرية، وسُمِّيتم أنتم الترابية، ثم قال بيمين منه : أما والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له، ورسوله ، وآل رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وشيعتهم كَرّم الله وجوههم، وما كان سوى ذلك فلا ، كان علي والله أَوْلى الناس بالناس بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) - يقولها ثلاثاً .

فضال آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)

521-عنه ، عن أحمد، عن علي بن المستورد النخعي، عمن رواه عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن من الملائكة الذين في سماء الدنيا ليطّلعون على الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد(عليهم السلام)فيقولون : أما ترون هؤلاء في قلّتهم وكثرة عَدُوّهم يصفون فضل آل محمد(عليهم السلام)، فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

٥٢٢ _ عنه ، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: يا قال : يا عمر؛ لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم ،فإن الناس لا يحتملون ما تحملون .

فی قوله تعالی :﴿ رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾

٥23 - محمد بن أحمد القمي، عن عمّه عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان ، عن حسين الجمّال، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾(1)، قال : هما ، ثم قال : وكان فلان شيطاناً .

٥٢٤ _ يونس، عن سورة بن كُليب، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله تبارك وتعالى :﴿ رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ ، قال : يا سورة، هما والله ، هما _ ثلاثاً- ، والله يا سورة إنا لخُزان علم الله في والله يا سورة إنا لخُزّان علم الله في السماء وإنا لخُزّان علم الله في الأرض.

525 _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن سليمان الجعفري قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام)يقول في قول الله تبارك وتعالى :﴿ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ﴾ (2)قال : يعني فلاناً، وفلاناً، وأبا عبيدة

ص: 261


1- فصلت/ 29
2- النساء / ١٠٨ . يبيتون : يُسرون، ويديرون بالليل .

فی قوله تعالی :﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ...الآیۀ﴾

526 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل، وغيره، عن منصور بن يونس، عن ابن أُذَينة، ، عن عبد الله بن النجاشي قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول في قول الله عز وجل :﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾(1)، يعني والله فلاناً وفلاناً ،﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾(2)، يعني والله النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وعلياً(عليه السلام)، مما صنعوا أي لو جاؤوك بها يا علي، فاستغفروا الله مما صنعوا، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله تواباً رحيماً ،﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾(3)فقال أبو عبد الله(عليه السلام): هو والله علي بعينه، ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ﴾(4)(على لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي)﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(5) لعلي .

٥٢٧ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمّر بن خلاد قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام)يقول : ربما رأيتُ الرؤيا فأُعَبّرها، والرؤيا على ما تُعَبّر .

٥٢٨ - عنه ، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن جهم قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام)يقول : الرؤيا على ما تُعبّر ، فقلت له : إن بعض أصحابنا روى أن رؤيا المَلِك(6)كانت أضغاثَ أحلام ؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن امرأة رأت على عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن جذع بيتها قد انكسر ،فانت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقصّت عليه الرؤيا، فقال لها النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): يقدم زوجك ويأتي وهو صالح(7). وقد كان زوجها غائباً، فقدم كما قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، ثم غاب عنها زوجها غَيْبَةً أخرى، فرأت في المنام كأن جِذْعَ بيتها قد انكسر ، فأتت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فقصّت عليه الرؤيا، فقال لها : يَقدُمُ زوجك ويأتي صالحاً ، فقدِمَ على ما قال، ثم غاب زوجها ثالثةً، فرأت في منامها أن جذع بيتها قد انكسر، فلقيت رجلا ،أعسر فقصَّت عليه الرؤيا، فقال لها الرجل السوء : يموت زوجك ، قال : فبلغ (ذلك) النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : ألا كان عَبّرَ لها خيراً(8).

ص: 262


1- النساء / ٦٣. وقد مر تفسير بعضها .
2- النساء / ٦٤ .
3- النساء / ٦٥ . شجر بينهم اختلط من أمورهم.
4- النساء / ٦٥ . شجر بينهم اختلط من أمورهم.
5- النساء / ٦٥ . شجر بينهم اختلط من أمورهم.
6- أي ملك مصر الذي كان على عهد يوسف(عليه السلام).
7- أي سليم معافى.
8- وقد دل هذا الحديث كبعض ما سبق على أن الرؤيا إنما تُعبر على نحو ما عبرت به وتقع عليه ولذا فلا ينبغي أن يعبّرها غير العالم لما فيها من القول بالغيب والتأويل. فلا ينبغي أن يعبّرها الجاهل أو الأحمق .

٥٢٩ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، (جميعاً)، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر(عليه السلام):أن رسول الله كان يقول : إن رؤيا المؤمن تَرفَ بين السماء والأرض على رأس صاحبها حتى يعبرها لنفسه ، أو يعبرها له مثله ، فإذا عُبرت لَزمت الأرض، فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يَعْقِل .

٥٣٠ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الرؤيا لا تُقصّ إلا على مؤمن خلا من الحسد والبغي»(1).

حديث ذي النمرة

٥٣١ - حميد بن زياد ،عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أَبَان بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : كان على عهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)رجل يقاال له : ذو النُّمْرَة(2)، وكان من أقبح الناس ، وإنما سمي ذو النُمْرَة من قبحه ، فأتى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا رسول الله ؛ أخبِرني ما فرض الله عز وجل عليَّ ، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): فرض عليك سبعة عشر ركعة في اليوم والليلة، وصوم شهر رمضان إذا أدركته، والحج إذا استطعت إليه سبيلاً، والزكاة وفسّرها له ، فقال : والذي بعثك بالحق نبياً ما أزيد ربي علىَّ ما فرض عليَّ شيئاً، فقال له النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): ولِمَ يا ذا النُمرة؟ فقال : كما خلقني قبيحاً، قال : فهبط جبرئيل(عليه السلام)على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال: يا رسول الله ؛ إن ربك يأمرك أن تبلّغ ذا النُمْرَة عنه السلام وتقول له : يقول لك ربك تبارك وتعالى : أما ترضى أن أحشرَكَ على جمال جبرئيل(عليه السلام)يوم القيامة؟ فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يا ذا النمرة، هذا جبرئيل يأمرني أن أبلّغك السلام، ويقول لك ربُك : أما ترضى أن أحشُرَك على جمال جبرئيل؟ فقال ذو النمرة : فإني رضيت يا رب، فوعزَّتك لأزيدنّك حتى ترضى .

حديث الذي أَحْياه عيسى(عليه السلام)

٥٣٢ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب ،وغيره ،عن أبي عبد الله (عليه السلام)؛ أنه سُئِل : هل كان عيسى بن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومُدّة وولد؟ فقال: نعم، إنه كان له صديق مواخ

ص: 263


1- لأن لنفسية المعبر تأثير كبير في التعبير وللتعبير مدخل كبير في وقوعه كما مر فلا يؤمن الحاسد والباغي أن يعبّرها بما يقتضيه حسده وبغيه فيكون شؤماً .
2- النُمْرة : النكتة من أي لون كانت والمرأة نمراء.

له في الله تبارك وتعالى ، وكان عيسى(عليه السلام)يمر به وينزل عليه، وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلّم عليه، فخرجت إليه أمه ، فسألها عنه، فقالت : مات يا رسول الله، فقال: أفتحبّين أن تَرَيْنَه؟ قالت : نعم، فقال لها : فإذا كان غداً (ف_) _آتيك حتى أُحييه لك بإذن الله تبارك وتعالى ،فيما كان من الغد أتاها فقال لها : انطلقي معي إلى قبره، فانطلقا حتى اتيا قبره، فوقف عليه عیسى(عليه السلام)ثم دعا الله عز وجل فانفرج القبر وخرج ابنها حياً، فلما رأته أمه ورآها بكيا، فرحمهما عيسى(عليه السلام)، فقال له عيسى : أتحب أن تبقى مع أمك في الدنيا؟ فقال : يا نبي الله ؛ بأكل ورزق ومدة، أم بغير أكل ولا رزق ولا مدّة؟ فقال له عيسى(عليه السلام): بأكل ورزق ومدة، وتعمّر عشرين سنة ، وتَزَوَّجُ ويولد لك ، قال : نعم إذاً ، قال : فدفعه إلى أمه فعاش عشرين سنة وتَزَوّج ووُلد له .

بیان قول تعالی:﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾

٥٣٣ _ ابن محبوب، عن أبي ولاَد، وغيره من أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل : ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ (1)، فقال : من عَبَدَ فيه غير الله عز وجل، أو تولّى فيه غير أولياء الله، فهو ملحد بظُلْم وعلى الله تبارك وتعالى أن يذيقه من عذاب أليم.

فی قول تعالی:﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ...الآیه﴾

٥٣٤ _ ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر(عليه السلام)في قول الله تبارك وتعالى :﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ (2)، قال : نزلت في رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعلي وحمزة وجعفر، وجرت في الحسين(عليه السلام)أجمعين .

٥٣٥ _ ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن بريد الكناسي قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله عز وجل : ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ﴾ (3)؟ قال : فقال : إن لهذا تأويلاً ، يقول : ماذا أُجِبتم في أوصيائكم الذين خلفتموهم على أممكم؟ قال : فيقولون : لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا (4).

حديث إسلام علي(عليه السلام)

٥٣٦ _ ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيّب قال :

ص: 264


1- الحج / ٢٥ . والكلام عن المسجد الحرام.
2- الحج / ٤٠
3- المائدة / ١٠٩
4- وهذا الجواب من الرسل« ينافي الأخبار الدالة على عرض الأعمال على( أن نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم)) أخبر وصيّه بما يفعلون به بعده فلا بد من تخصيص الرسل بغيره(صلی الله علیه وآله وسلم)، أو تخصيص العلم المنفي بالعلم المخصوص وهو العلم بطريق المشاهدة والعيان، أو القول بأن ذلك القول منهم تخشع وتذلل وإظهار العجز بمشاهدة جلال الله تعالى مع علمه الشامل لكل صغير وكبير فكأن علمهم في جنبه ليس بعلم . .. »المازندراني ٤٥٦/١٢ .

سألت علي بن الحسين(عليه السلام): ابن كم كان علي بن أبي طالب(عليه السلام)يوم أسلم ؟ فقال : أَو كَانَ كافراً قط ؟! إنما كان لعلي(عليه السلام)حين بعث الله عز وجل رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)عشر سنين، ولم يكن يومئذ كافراً، ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وسبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله وبرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وإلى الصلاة بثلاث سنين، وكانت أول صلاة صلّاها مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الظهر ركعتين، وكذلك فرضها الله تبارك وتعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين، وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يصلّيها بمكة ركعتين، ويصليها علي(عليه السلام)معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين ، حتى هاجر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى المدينة وخلّف علياً(عليه السلام)في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره، وكان خروج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من مكة في أول يوم من ربيع الأول، وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث، وقَدِم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خَلَت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس، فنزل بقبا فصلّى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، ثم لم يزل مقيماً ينتظر علياً(عليه السلام)يصلّي الخمس صلوات ركعتين ركعتين، وكان نازلاً على عمرو بن عوف، فأقام عندهم بضعة عشر يوماً يقولون : أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلاً ومسجداً؟ فيقول : لا ، إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يلحقني ولست مستوطناً منزلاً حتى يقدم عَلَيّ وما أسرعه إن شاء الله، فقدم علي(عليه السلام)والنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)في بيت عمرو بن عوف، فنزل معه، ثم إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لما قدم عليه علي(عليه السلام)تحوّل من قبا إلى بني سالم بن عوف، وعلي(عليه السلام)معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس، فخطّ لهم مسجداً ونصب قبلته، فصلّى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين، ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قَدِم عليها وعليُّ(عليه السلام)لا يفارقه ، يمشي بمشيه، وليس يمر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم : خلّوا سبيل الناقة فإنها مأمورة، فانطلقت به ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى - وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الذي يصلى عنده بالجنائز - فوقفت عنده وبَرَكَت ووضعت جِرَانها (1)على الأرض، فنزل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وأقبل أبو أيوب مبادراً حتى احتمل رحله فأدخله منزله ، ونزل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعلي(عليه السلام)معه حتى بنى له مسجده (و) بُنِيَت له مساكنُه ومنزل عليّ(عليه السلام)فتحولا إلى منازلهما .

فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين(عليه السلام): جُعِلْتُ فداك، كان أبو بكر مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حين أقبل إلى المدينة، فأين فارقه ؟ فقال : إن أبا بكر لما قدم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم علي(عليه السلام)، فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة، فإن القوم قد فرحوا

ص: 265


1- جِران البعير :مقدّم عنقه من مذبحه إلى منحره .

بقدومك وهم يستريثون(1)إقبالك إليهم، فانطلق بنا ولا تُقم ههنا تنتظر علياً إلى شهر، فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كلّا، ما أسرعه ، ولست أريم(2)حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل، وأحبُّ أهل بيتي إليّ، فقد وقاني بنفسه من المشركين، قال فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأزّ وداخله من ذلك حَسَدٌ لعلي(عليه السلام)، وكان ذلك أول عداوة بَدَتْ منه لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في علي(عليه السلام)، وأول خلاف على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فانطلق حتى دخل المدينة، وتخلّف رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بقبا ينتظر علياً(عليه السلام).

متى فُرضَت الصلاة على المسلمين

قال : فقلت لعلي بن الحسين(عليه السلام): فمتى زوّج رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فاطمة من علي(عليه السلام)؟ فقال : بالمدينة بعد الهجرة بسنة ، وكان لها يومئذ تسع سنين قال علي بن الحسين(عليه السلام): ولم يولد الرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من خديجة عليها السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة(عليها السلام)، وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة، فلما فقدهما رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد، وأشفق على نفسه من كفّار قريش، فشكا إلى جبرئيل(عليه السلام) ذلك، فأوحى الله عز وجل إليه : اخرج من القرية الظالم أهلُها وهاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكة ناصر ، وانْصُب للمشركين حرباً. فعند ذلك توجه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إلى المدينة، فقلت له(3): فمتى فُرضَت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال: بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام، وكتب الله عز وجل على المسلمين الجهاد، (و) زاد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في الصلاة سبع ركعات ،في الظهر ركعتين، وفي العصر ركعتين، وفي المغرب ركعة، وفي العشاء الآخرة ركعتين، وأقرّ الفجر على ما فُرِضَت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ولتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ،وكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)صلاة الفجر، فلذلك قال الله عز وجل : ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾(4)يشهده المسلمون، ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل.

٥٣٧ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما أيسر ما رضي به الناس عنكم ، كفّوا ألسنتكم عنهم.

صفۀ بنی العباس

٥٣٨ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وأبو علي الأشعري، عن

ص: 266


1- أي يستبطئون .
2- أي لست أبرح مكاني
3- من هنا إلى آخر الحديث أخرجه الصدوق في الفقيه 1 ح 1320 .
4- الإسراء /٧٨.

محمد بن عبد الجبار جميعاً، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال : كان أبو جعفر(عليه السلام) في المسجد الحرام فذكر بني أمية ودولتهم، فقال له بعض أصحابه : إنما نرجو أن تكون صاحبهم ، وأن يظهر الله عز وجل هذا الأمر(1)على يديك ، فقال : ما أنا بصاحبهم ولا يسرَّني أن أكون صاحبهم ، إن أصحابهم أولاد الزنا(2)، إن الله تبارك وتعالى لم يخلق منذ خلق السماوات والأرض سنين ولا أياماً أقصر من سنينهم وأيامهم، إن الله عز وجل يأمر الملك الذي في يده الفَلَك فيطويه طَيّاً .

٥٣٩ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ولد المرداس(3)من تقرّب منهم أكفروه، ومن تباعد منهم أفقروه ، ومن ناواهم قتلوه، ومن تحصّن منهم أنزلوه ، ومن هرب منهم أدركوه، حتى تنقضي دولتهم.

٥٤٠ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، وأحمد بن محمد الكوفي ، عن علي بن عمرو بن أيمن، جميعاً، عن محسن بن أحمد بن معاذ، عن أباَن بن عثمان، عن بشير النبّال، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : بينا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)جالساً إذ جاءته امرأة فرحّب بها وأخذ بيدها وأقعدها، ثم قال : ابنة نبي ضَيّعه قومه، خالد بن سنان دعاهم فأبوا أن يؤمنوا، وكانت نار يقال لها : نار الحدثان(4)، تأتيهم كل سنة فتأكل بعضهم، وكانت تخرج في وقت معلوم ، فقال لهم: إن رددتها عنكم تؤمنون؟ قالوا: نعم، قال : فجاءت فاستقبلها بثوبه فردّها ثم تبعها حتى دخلت كهفها، ودخل معها، وجلسوا على باب الكهف وهم يرون ألّا يخرج أبداً ، فخرج وهو يقول: هذا هذا، وكل هذا من ذا، زعمت بنو عبس أني لا أخرج وجبيني يندى، ثم قال : تؤمنون بي؟ قالوا : لا ، قال : فإني ميت يوم كذا وكذا ، فإذا أنا مِتّ فادفنوني ، فإنها ستجي. ء عانة(5)من حُمُر يقدمها عَيْر (6)أبتر حتى يقف على قبري، فانبشوني وسَلُوني عما شئتم ، فلما مات دفنوه، وكان ذلك اليوم، إذ جاءت العانة اجتمعوا وجاؤوا يريدون نبشه، فقالوا: ما آمنتم به في حياته فكيف تؤمنون به بعد موته، ولئن نبشتموه ليكونَنّ سُبَّةً عليكم، فاتركوه، فتركوه .

ص: 267


1- أي أمر القائم، فيكون استئصالهم على يديك.
2- لأن إماءهم ومهور نسائهم ملك للإمام(عليه السلام)وقد اغتصبوه .
3- «أريد بالمرداس السفاح وهو أول خليفة من ولد العباس، من ردس القوم رماهم بحجر، والمرداس شيء صلب يدرك به الحائط والجبل ونحوهما وإطلاقه عليه من باب الاستعارة» المازندراني ٤٦١/١٢ .
4- قال المجلسي في مرآة العقول ج ٢٦ : «لعل : الحدثان، تصحيف الحرتين». ونار الحرتين ، كانت في بلاد عبس تخرج من الأرض فتؤذي من مر بها فدفنها خالد بن سنان النبي ، كما ذكر ذلك السيوطي في شرح شواهد المغني .
5- العانة: الأتان والقطيع من الحمر الوحشية .
6- العَير: الحمار .

أول من بایع أبا بکر

٥٤١ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول : لما قُبضَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وصنع الناس ما صنعوا، وخاصم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح الأنصارُ فخصموهم بحجة علي(عليه السلام)قالوا :يا معشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم، لأن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من قريش والمهاجرين منهم ،إن الله تعالى بدأ بهم في كتابه وفضّلهم، وقد قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : الأئمة من قريش، قال سلمان رضي الله عنه : فأتيت علياً(عليه السلام)وهو يغسّل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فأخبرته بما صنع الناس وقلت : إن أبا بكر الساعةَ على منبر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة، إنهم ليبايعونه بيديه جميعاً بيمينه وشماله، فقال لي: يا سلمان؛ هل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟ قلت: لا أدري، إلا أني رأيت في ظُلَّة بني ساعدة حين خُصِمت الأنصار، وكان أول من بايعه بشير بن سعد، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، ثم عمر، ثم سالم(1)، قال : لست أسألك عن هذا ، ولكن تدري أولَ من بايعه حين صعد على منبر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟ قلت : لا ، ولكني رأيت شيخاً كبيراً متوكئاً على عصاه بين عينيه سجّادة (2)شديدة التشمير، صعد إليه أول من صعد وهو يبكي ويقول : الحمد الله الذي لم يُمِتْني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان، أُبسُط يدك ، فبسط يده فبايعه ثم نزل، فخرج من المسجد، فقال علي(عليه السلام): هل تدري من هو؟ قلت : لا ، ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ، فقال : ذاك إبليس لعنه الله ، أخبرني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نَصْبَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إياي للناس بغدير خُم بأمر الله عز وجل، فأخبرهم أني أَولى بهم من أنفسهم ، وأمرهم أن يبلّغ الشاهدُ الغائب، فأقبل إلى إبليسَ أبالسته ومَرَدَةُ أصحابه فقالوا : إن هذه أمة مرحومة ومعصومة، ومالك ولا لنا عليهم ،سبيل، قد أُعلِموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيّهم، فانطلق إبليس لعنه الله كئيباً حزيناً، وأخبرني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه لو قُبِض أن الناس يبايعون أبا بكر في ظُلّة ساعدة بعدما يختصمون ، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس لعنه الله في صورة رجل شيخ مشمّر يقول كذا وكذا، ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبالسته فينخر ويكسع(3)ويقول : كلّا ، زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل، فكيف رأيتم ما صنعت بهم حتى تركوا أمر الله عز وجل وطاعته وما أمرهم به رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

حدیث إبلیس یوم الغدیر

٥٤٢ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن سليمان عن عبد الله بن محمد اليماني، عن

ص: 268


1- سالم : هو مولى لعمر بن الخطاب
2- السجادة أثر السجود.
3- يكسع : أي يضرب دبره بيده أو رجله أو بكليهما .

مسمع بن الحجّاج، عن صباح الحذّاء، عن صباح المزني، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : لما أَخَذَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بيد علي(عليه السلام)يوم الغدير ، صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه، فقالوا: يا سيدهم ومولاهم(1)، ماذا دهاك(2)، فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ فقال لهم : فعل هذا النبي فعلاً إن تمّ لم يُعْصَ الله أبداً ، فقالوا: يا سيّدهم، أنت كنت لآدم، فلما قال المنافقون : إنه ينطق عن الهوى، وقال أحدهما لصاحبه: أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون، يعنون رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، صرخ إبليس صرخة بطرب، فجمع أولياءه فقال: أما علمتم أني كنت لآدم من قبل ؟ قالوا : نعم ، قال : آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب، وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول. فلما قُبضَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وأقام الناس غير عَليّ، لبس إبليس تاج الملك، ونصب منبراً وقعد في الوثبة(3)، وجمع خيله ورجله ثم قال لهم : اطربوا ، لا يطاع الله حتى يقوم الإمام.

وتلا أبو جعفر(عليه السلام):﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(4)قال أبو جعفر(عليه السلام): كان تأويل هذه الآية ؛ لما قُبضَ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، والظنّ من إبليس حين قالوا لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنه ينطق عن الهوى، فظنّ بهم إبليس ظنا فصدّقوا ظنّه .

بني أمية يردّون الناس عن الإسلام القهقرى

٥٤٣ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن زرارة ،عن أحدهما(عليهم السلام)قال : أصبح رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يوماً كئيباً حزيناً؟ فقال له علي(عليه السلام): ما لي أراك يا رسول الله كثيباً حزيناً ؟ فقال : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تَيم وبني عَدِيّ وبني أمية يصعدون منبري هذا، يردّون الناس عن الإسلام القهقرى، فقلت: يا رب في حياتي أو بعد موتي ؟ فقال : بعد موتك .

لولا قول الناس لضرب أعناق جمع من أصحابه

٥٤٤ - جميل، عن زرارة ،عن أحدهما(عليهم السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): لولا أني أكره أن يقال : إن محمداً استعان بقوم حتى إذا ظفر بعدوه قتلهم، لضربتُ أعناق قوم كثير .

٥٤٥ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبيد الله الدهقان، عن عبد الله بن القاسم، عن ابن أبي نجران، عن أبَان بن تغلب، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان المسيح(عليه السلام)يقول : إن التارك شفاءَ المجروح من جرحه شريكٌ لجارحه لا محالة، وذلك أن الجارح أراد

ص: 269


1- «ولم يضف إلى ضمير المتكلم مع أنه مراد لكراهة تلك الإضافة» المازندراني ٤٦٥/١٢ .
2- أي أي شيء أصابك من داهية : وهي الأمر العظيم .
3- وتبه توثيباً : أقعده على وسادة والوثاب السرير والفراش أو المقاعد.
4- سبا / ٢٠

فساد المجروح، والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه ، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطراراً، فكذلك لا تحدّثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، ولا تمنعوها أهلها فتأثموا، وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعاً لدوائه وإلّا أَمْسَكَ.

الرضا والشکر وحسن الظن بالله

٥٤٦ - سهل، عن عبيد الله، عن أحمد بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن الرضا(عليه السلام)أنا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة فقلت له : جُعِلْتُ فداك، إنا كنّا في سعة من الرزق وغضارة من العيش، فتغيّرت الحال بعض التغيير، فادعُ الله عز وجل أن يردّ ذلك إلينا، فقال: أي شيء تريدون، تكونون ملوكاً؟ أيسرّك أن تكون مثل طاهر وهرثمة(1)وإنك على خلاف ما أنت عليه؟ قلت؛ لا، والله ما يسرني أن لي الدنيا فيها ذهباً وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه ، قال : فقال : فمن أيسر منكم فليشكر الله ، إن الله عز وجل يقول : ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾(2)، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾(3)، وأحسِنوا الظن بالله ، فإن أبا عبد الله(عليه السلام)كان يقول : من حَسُن ظنه بالله كان الله عند ظنه به ، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفَت مؤونته وتَنَعّمَ أهله، وبصّره الله داء الدنيا ودواءَها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام.

قال : ثم قال : ما فعل ابن قياما(4)؟ قال : قلت : والله إنه ليلقانا فيُحسن اللقاء، فقال: وأي شيء يمنعه من ذلك ، ثم تلا هذه الآية :﴿ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾(5)قال : ثم قال : تدري لأي شيء تحيّر ابن قياما؟ قال : قلت : لا ، قال : إنه تبع أبا الحسن(عليه السلام)فأتاه عن يمينه وعن شماله وهو يريد مسجد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، فالتفت إليه أبو الحسن(عليه السلام)فقال : ما تريد حيّرك الله ، قال : ثم قال : أرأيت لو رجع إليهم موسى فقالوا لو نصبته لنا فاتّبعناه واقتصصنا ، أثره أهم كانوا أصوبَ قولاً أو من قال ﴿ لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾ (6)؟ قال : قلت :لا، بل من قال : نصبته لنا فاتّبعناه واقتصصنا أثره ، قال : فقال : من ههنا أتي ابن قياما ومن قال بقوله(7).

ص: 270


1- طاهر وهرثمة : الأول : هو أبو طلحة طاهر بن الحسين وكان من كبار قادة جند المأمون والثاني : هو هرثمة بن أعين كان أيضاً من قواد المأمون، يقال بأنه كان من خواصّ الإمام الرضا(عليه السلام)ومن شيعته ومحبّيه .
2- إبراهيم /٧
3- سبأ / 13.
4- الحسين بن قياما واقفي وقف على موسى بن جعفر(عليه السلام).
5- التوبة / ١١٠ . بنيانهم : يعني مسجد الضرار ريبةً : شكاً ونفاقاً. تقطّع قلوبهم : أي يموتوا .
6- طه/91
7- أي هلك هو ومن تبعه .

قال : ثم ذكر ابن السّراج(1)فقال : أنه قد أقر بموت أبي الحسن(عليه السلام)وذلك أنه أوصى عند موته فقال : كل ما خلّفت من شيء حتى قميصي هذا الذي في عنقي لورثة أبي الحسن(عليه السلام)، ولم يقل هو لأبي الحسن(عليه السلام)، وهذا إقرار، ولكن أي شيء ينفعه(2)من ذلك ومما قال، ثم أَمْسَكَ.

نصائح لقمان لابنه فی آداب السفر

٥٤٧- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حماد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: قال لقمان لابنه : إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريماً على زادك، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعِنْهم، واغلبهم بثلاث : بطول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تَثَبَّتَ وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته، فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه، ونزع عنه الأمانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، وإذا تصدّقوا وأعطَوا قرضاً فأعط ِمعهم، واسمع لمن هو أكبر منك سناً، وإذا أمروك بأمر وسألوك فقل : نعم، ولا تقل : لا ، فإن لا ، عِيُّ(3)ولؤم ، وإذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمر وا(4)، وإذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم ولا تستر شدوه، فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب ،لعله أن يكون عيناً للصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم، واحذروا الشخصين أيضاً إلا أن تروا ما أرى، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني ؛ وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشيء وصلهّا واسترح منها، فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زُج(5)، ولا تنامَنَّ على دابتك فإن ذلك سريع في دَبرِها(6)وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل، وإذا قَرُبْتَ من

ص: 271


1- هو أحمد بن أبي بشر السّراج، كان واقفياً خبيثاً .
2- « إقراره بموت أبي الحسن موسى(عليه السلام)عند موته لا ينفعه، إما لأن توبة العالم بالشيء المنكر له في هذا الوقت لا ينفعه ، أو لأنه لم يقر بإمامة أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، أو لأنه أضلّ كثيراً وتوبة المضل أن يعيد من أصله إلى الحق وهو أشد من خرط القتاد» المازندراني ٤٦٩/١٢ .
3- العِيّ : عدم الاهتداء إلى وجه المراد أو العجز عنه وعدم القدرة على إحكامه .
4- أي تشاوروا .
5- الزّج : نصل السهم والحديدة في أسفل الرمح .
6- أي تقرح ظهرها .

المنزل فأنزَل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك، وإذا أردت النزول فعليك من بقاع الأرض بأحسنها لوناً ، وأليَنِها تربة، وأكثرها عُشْباً، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض، وإذا ارتحلت فصلِّ ركعتين وودّع الأرض التي حَلَلْتَ بها وسلّم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلاً من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتى تبدأ فَتَتَصدّق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دمت راكباً، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملاً(1)، وعليك بالدعاء ما دمت خالياً(2) ، وإياك والسير من أول الليل، وعليك بالتعريس ، والدُّلَجَة(3)من لدن نصف الليل إلى آخره(4)، وإياك ورفع الصوت في مسيرك .

مناظرۀ أبی جعفر(عليه السلام)مع عبدالله بن نافع

٥٤٨ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن داود اليعقوبي، عن عيسى بن عبد الله العلوي قال: وحدثني الأُسَيدي، ومحمد بن مبشّر؛ إن عبد الله بن نافع الأزرق(5)كان يقول : لو إني علمت أن بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا يخصمني أن علياً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه، فقيل له : ولا ولده ؟ فقال : أفي ولده عالم ؟ فقيل له : هذا أول جهلك، وهم يَخْلون من عالم ؟! قال : فمن عالمهم اليوم؟ قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي(عليه السلام)، قال: فرحل إليه في صناديد أصحابه، حتى أتى المدينة فاستأذن على أبي جعفر(عليه السلام)، فقيل له : هذا عبد الله بن نافع ، فقال : وما يصنع بي وهو يبرء مني ومن أبي طرفي النهار؟ فقال له أبو بصير الكوفي : جُعِلتُ فداك، إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قُطْريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أن علياً(عليه السلام) قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه ، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): أتراه جاءني مناظراً قال نعم قال يا غلام، اخرج فَحُطّ رحله وقل له : إذا كان الغد فأتنا، قال: فلما أصبح عبد الله بن نافع غدا في صناديد أصحابه، وبعث أبو جعفر

(عليه السلام)إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم، ثم خرج إلى الناس في ثوبَين مُمَغِّرين(6)وأقبل على الناس كأنه فَلْقَة قمر، فقال:

الحمد لله مُحيّث الحيث، ومُكيف الكَيْف ومُؤَيِّن الأيْن، الحمد لله الذي لا تأخذهُ سِنَةٌ

ص: 272


1- عاملا: أي متشاغلا بعمل ما .
2- أي عاطلاً عن العمل، أو مختلياً بنفسك .
3- الدَّلَجَة : السير ليلا .
4- حيث ينبغي التعريس عنده كما ذكر هذا وقد أخرج الصدوق هذا الحديث في الفقيه ٢ / ح ٨٨٤ .
5- هو أصل فرقة الأزارقة من الخوارج وإليه تنسب .
6- المُمغر : المصبوغ بالمُغْرَة: وهي الطين الأحمر.

ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض - إلى آخر الآية-(1) وأشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له)، وأشهد أن محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)عبده ورسوله إجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.

الحمد لله الذي أَكْرَمَنَا بنبوّته واختصّنا بولايته، يا معشر أبناء المهاجرين والأنصار، من كانت عنده منقبة في علي بن أبي طالب(عليه السلام)فليَقُم وليتحدّث ، قال : فقام الناس فَسَرَدوا تلك المناقب، فقال عبد الله : أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء ، وإنما أحْدَثَ على الكفر بعد تحكيمه الحَكَمين، حتى انتهوا فى المناقب إلى حديث خيبر ؛ «الأُعطِينَّ الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»، فقال أبو جعفر(عليه السلام): ما تقول في هذا الحديث؟ فقال : هو حق لا شك فيه، ولكن أحدَثَ الكفر بعدُ، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): ثَكَلَتْكَ أُمك، أخبرني عن الله عز وجل أحبَّ علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ قال ابن نافع : أعِدْ عَلَيَّ، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): أخبرني عن الله جل ذِكْره، أحبَّ علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ قال : إن قلت: لا ،کفرت، قال: فقال : قد علم ، قال : فأحبّه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته؟ فقال : على أن يعمل بطاعته، فقال له أبو جعفر(عليه السلام): فقُمْ مخصوماً ، فقام وهو يقول : حتى يَتَبَيَّنَ لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، الله أعلم حيث يجعل رسالته .

٥٤٩ _ أحمد بن محمد، وعلي بن محمد، جميعاً، عن علي بن الحسن التيمي ، عن محمد بن الخطّاب الواسطي، عن يونس بن عبد الرحمان،عن يونس بن عبد الرحمان، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن حمّاد الأزدي ، عن هشام الخفّاف قال : قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): كيف بَصَرُك بالنجوم(2)؟ قال : قلت : ما خَلّفتُ بالعراق أبصرَ بالنجوم مني ، فقال : كيف دَوَران الفَلَك عندكم؟ قال : فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدَرْتُها، قال: فقال : إن كان الأمر على ما تقول، فما بال بنات النعش والجَدْي والفرقدين لا يُرَوْنَ يدورون يوماً من الدهر في القبلة؟ قال : قلت : هذا والله شيء لا أعرفه ولا سمعت أحداً من أهل الحساب يذكره، فقال لي : كم السكينة(3)من الزهرة جزءاً في ضوئها ؟ قال قلت هذا والله نجم ما سمعت به ولا سمعت أحداً من الناس يذكره، فقال : سبحان الله، فأسقطتم نجماً بأسره، فعلى ما تحسبون؟! ثم قال : فكم الزهرة من القمر

ص: 273


1- أي آية الكرسي إلى قوله: هم فيها خالدون، وهي ٢٥٥ - ٢٥٦ - ٢٥٧ من سورة البقرة .
2- أي بعلم النجوم .
3- السكينة : اسم نجم يدور في فَلَك الزهرة .

جزءاً في ضوئه؟ قال: قلت: هذا شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل، قال: فكم القمر جزءاً من الشمس في ضوئها؟ قال: قلت: ما أعرف هذا ، قال: صَدَقْتَ، ثم قال : ما بال العَسْكَرين يلتقيان، في هذا حاسب وفي هذا حاسب ،فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر، ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت النحوس؟ قال: فقلت : لا والله ما أعلم ذلك ، قال : فقال : صدقتَ، إن أصل الحساب حق، ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم(1).

خطبة الأمير المؤمنين(عليه السلام)بصفین

٥٥٠ - علي بن الحسن المؤدّب ، عن أحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد، عن علي بن الحسن التيمي، جميعاً، عن إسماعيل بن مهران قال : حدثني عبد الله بن الحارث، عن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : خطب أمير المؤمنين(عليه السلام)الناس بصفّين، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ثم قال :

أما بعدُ، فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقاً بولاية أمركم ، ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم، ولكم عليَّ من الحق مثل الذي لي عليكم، والحق أجمل الأشياء في التواصف، وأوسعها في التناصف(2)، لا يجري لأحد إلا جرى عليه ، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري ذلك له ولا يجري عليه لكان ذلك الله عز وجل خالصاً دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه، ولكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، وجُعِلَت كفارتهم عليه بحسن الثواب تفضلاً منه وتطولاً بكرمه، وتوسعاً بما هو من المزيد له أهلاً، ثم جعل من حقوقه حقوقاً فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافيء في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً ، ولا يُسْتَوْجَبُ بعضها إلا ببعض، فأعظمُ مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله عز وجل لكلِّ على كلٍّ فجعلها نظام اُلفَتِهم(3)وعزاً لدينهم ، وقواماً لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى إليها الوالي كذلك ،عز الحق بينهم، فقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم

ص: 274


1- أي الإحاطة بكل أحوالهم وكيفياتهم ونسبة بعضهم إلى بعض .
2- أي أن الحق أحرى الأمور بأن يصف الناس بعضهم لبعض ليعرف ويُرغب فيه، وهو عند العمل به يو تب سعة العيش وطمأنينة البال فيما يحققه من عدل وحفظ حقوق .
3- أي اجتماعهم وتكاتفهم .

العدل، وجرت على إذلالها(1)السنن ، فصلح بذلك الزمان وطاب به العيش، وطُمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء ، وإذا غلبت الرعية واليهم ، وعلا الوالي الرعية، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت مطامع الجور، وكَثُر الإدغال(2)في الدين وتركت معالم السنن فعُمِل بالهوى، وعُطّلت الآثار، وكثرت علل النفوس، ولا يُسْتَوحَشُ لجسيمِ حَدٍ عُطل، ولا لعظيم باطلٍ أَثل(3)، فهنالك تذلّ الأبرار وتعزّ الأشرار، وتخرب البلاد وتعظم تبعات الله عز وجل عند العباد.

فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل، والقيام بعدله والوفاء بعهده، والإنصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك، وحُسْن التعاون عليه، وليس أحداً وإن اشتد على رضى الله حِرصُه وطال في العمل اجتهاده، ببالغٍ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله، ولكن من واجب حقوق الله عز وجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق فيهم، ثم ليس امرىء وإن عَظُمَت في الحق منزلته ، وجَسُمَت في الحق فضيلته، بمستغنٍ أن يُعان على ما حمَّله الله عز وجل من حقه، ولا لامرىء مع ذلك خَسَأتْ به الأمور(4)واقتحمته العيون ،بدون ما أن يعين على ذلك ويُعان عليه، وأهل الفضيلة في الحال، وأهل النعم العظام، أكثر في ذلك حاجة، وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شَرْعٌ سواء .

فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو ويقال : إنه لم يُرَ في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده.

فقال وأحْسَنَ الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم ، والإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم .

ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك، بك أخرجنا الله عز وجل من الذل، وبإعزازك أطلق عباده من الغُلّ(5)، فاختر علينا فامض اختيارك ، وائتمر فأمض ائتمارك فإنك القائل المصدق والحاكم الموفق والملك المخَوّل ، لا نستحل في شيء من معصيتك، ولا نقيس علماً بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك، ويجلّ عنه في أنفسنا فضلك.

ص: 275


1- أي طرقها ومحاجَها .
2- الإدغال : - بكسر الهمزة - هو أن يدخل فى الدين ما ليس منه . وبفتحها الفساد والخيانة في أهل الدين. وفي بعض النسخ : الإذعار - مصدر _ وهو التخويف .
3- اثل: أي عظم أو جعل أصلا يعتمد عليه .
4- أي أبعده الأمور وطردته عن أعين الناس بسبب عدم جريانها وُفْق مراده .كناية عن ذله وعدم الاعتناء بشأنه .
5- الغَلّ: القيد.

فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام):

فقال : إن من حق من عظُم جلال الله في نفسه، وجل موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه، ولَطُفَ إحسانه إليه، فإنه لم تَعْظُم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عِظَماً، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطاً لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا عَليَّ بجميل ثناء، لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لا بد من إمضائها، فلا تُكَلّموني بما تُكلّم الجبابرة، ولا تتحفّظوا مني بما يُتَحفّظ به عند أهل البادرة(1)، ولا تخالطوني بالمصانَعة(2)، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فإنه من استثقل الحق أن يُقال له، أو العدلَ أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقلَ عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفَوق أن أخطىء(3)، ولا آمن من ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا ربّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صَلَحْنا عليه، فأبدَلَنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى .

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل:

فقال : أنت أهل ما قلت والله ، واللهُ فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يُكْفَر، وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا وولّاك سياسة أمورنا، فأصبحت عَلَمنا الذي نهتدي به وإمامَنا الذي نقتدي به ، وأمرك كله رُشْدُ وقَولُكَ كله أدب، قد قَرّت بك في الحياة أعيننا، وامتلأت من سرور بك قلوبنا، وتحيّرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، ولسنا نقول لك : أيها الإمام الصالح تزكية لك، ولا نجاوز القَصْد(4)في الثناء عليك، ولم يكن في أنفسنا طَعْنُ على يقينك أو غش في دينك، فنتخوّفَ أن يكون أحدثْتَ بنعمة الله تبارك وتعالى تجبّراً، أو دخلك كِبْر، ولكنا نقول

ص: 276


1- أهل البادرة: أهل الغضب والجدّة .
2- المصانعة : المداهنة والنفاق .
3- هذا منه(عليه السلام)أسلوب لجذبهم إلى الإنبساط معه في أمورهم وعدم نهيبهم الموقف بين يديه، مع ما فيه من التواضع وحسن الخلق، وإلا فهو(عليه السلام)معصوم من الخطأ.
4- القصد: العدل، والوسط من الأمور.

لك ما قلنا تقرباً إلى الله عز وجل بتوقيرك، وتوسعاً بتفضيلك، وشكراً بإعظام أمرك، فانظر لنفسك ولنا، وآثِر أمر الله على نفسك وعلينا، فنحن طُوَّع فيما أمرتنا ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا .

فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام):

فقال : وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وُلّيتُ به من أموركم، وعما قليل يجمعني وإياكم الموقفُ بين يديه ،والسؤال عمّا كنا فيه، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غداً، فإن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.

فأجابه الرجل ويقال : - لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين(عليه السلام) - فأجابه، وقد عال الذي في صدره فقال والبكاء يقطع منطقه ، وغَصَصُ الشَّجا تكسر صوته، إعظاماً لخطر مرزأته(1)، ووحشة من كون فجيعته .

فحمد الله وأثنى عليه ،ثم شكا إليه هول ما أشْفى(2)عليه من الخطر العظيم، والذل الطويل في فساد زمانه وانقلاب حدّه وانقطاع ما كان من دولته، ثم نصب المسألة إلى الله عز وجل بالامتنان عليه والمدافعة عنه بالتفجع وحسن الثناء فقال : يا ربّانيَّ العباد، ويا سَكَنَ البلاد، أين يقع قولنا من فضلك، وأين يبلغ وصفنا من فعلك ، وأنّى نبلغ حقيقة حسن ثنائك، أو نحصي جميل بلائك، وكيف وبك جرت نعم الله علينا وعلى يدك اتصلت أسباب الخير إلينا، ألم تكن لذل الذليل ملاذاً، وللعصاة الكفار إخوان(3)؟ فَبِمَن إلّا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله عز وجل من فظاعة تلك الخطرات؟ أو بمن فَرّج عنّا غمراتِ الكربات؟ وبمن؟ إلّا بكم أظهر الله معالم ديننا واستصلح ما كان فسد من دنيانا، حتى استبان بعد الجور ذكْرُنا ، وقَرّت من رخاء العيش أعينُنا لَمّا وَليتَنا بالإحسان جُهْدَكَ، وَوَفَيْتَ لنا بجميع وعدك، وقمتَ لنا على جميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منّا وخَلَفَ أهل البيت، لنا وكنتَ عزّ ضعفائنا، وثمال(4)فقرائنا، وعماد عظمائنا ، يجمعنا في الأمور عدلُك ويتسع لنا في الحق تأنيك، فكنتَ لنا أُنساً إذا

ص: 277


1- المرزأة: المصيبة .
2- أشفى : أشرف . والضمير في( عليه) يرجع إلى أمير المؤمنين(عليه السلام).
3- لغة في الخوان وهو ما يوضع عليه الطعام. «وكأنه شبهه(عليه السلام) به في أنهم يأخذون من مائدة علومه فيصيرون مؤمنين، وقيل: الاخوان الأسد، ولو ثبت فهو هو» المازندراني ٤٨٩/١٢ .
4- الثمال : الملجأ .

رأيناك، وسَكَناً إذا ذكرناك، فأي الخيرات لم تفعل ؟ وأي الصالحات لم تعمل؟ ولولا أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا، وتقوى لمدافعته طاقتنا، أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا لَقَدِّمنا أنفسنا وأبناءنا قبلك، ولأَخطَرناها وقلّ خطرها دونك، ولقُمنا بجهدنا في محاولة من حاولك وفي مدافعة من ناواك، ولكنه سلطان لا يحاوَل، وعز لا يزاول وربُّ لا يغالب، فإن يمنُن علينا بعافيتك ويترحّم علينا ببقائك ويتحنَّنَ علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا، وبقاء منك بين أظهرنا، نُحْدِثُ الله عز وجل بذلك شكراً نعظمه وذِكْراً نديمه، ونَقْسِم انصاف أموالنا صدقات ،وأنصافَ رقيقنا عُتَقاء، ونحدث له تواضعاً في أنفسنا، ونخشع في جميع أمورنا، وإن يمض بك إلى الجنان ويجري عليك حتم سبيله، فغير متهم فيك قضاؤه، ولا مدفوع عنك بلاؤه، ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه، ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلاً، وللدين والدنيا أكيلاً ، فلا نرى لك خَلَفاً نشكوا إليه ، ولا نظيراً نأمله ولا نقيمه

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)

٥٥١ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن علي، جميعاً، عن إسماعيل بن مهران، وأحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن التيمي، وعلي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن خالد، جميعاً، عن إسماعيل بن مهران ،عن المنذر بن جيفر، عن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن الأصبغ بن نباتة قال : أتى أمير المؤمنين(عليه السلام)عبدُ الله بن عمر، وولدُ أبي بكر، وسعدُ بن أبي وقّاص، يطلبون منه التفضيل لهم، فصعد المنبر ومال الناس إليه فقال :

الحمد الله وليّ الحمد ومنتهى الكرم ، لا تُدركه الصفاتُ، ولا يُحدّ باللغات، ولا يُعرفُ بالغايات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)نبي الهدى، وموضع التقوى، ورسول الرب الأعلى، جاء بالحق من عند الحق لينذر بالقرآن المنير والبرهان المستنير ، فَصَدَعَ بالكتاب المبين ومضى على ما مضت عليه الرسل الأولون، أما بعدُ :

أيها الناس، فلا يقولَنَّ رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار، وفجّروا الأنهار، وركبوا أفْرَهَ الدواب، ولبسوا الْيَنَ الثياب، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إن لم يغفر لهم الغفّار، إذا مَنَعْتُهُمْ ما كانوا فيه يخوضون، وصيّرتهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك، فيسألون ويقولون : ظَلَمَنا ابن أبي طالب، وحَرَمَنا ومَنَعَنا حقوقنا، فالله عليهم المستعان، من استقبل

ص: 278

قِبْلَتنا وأكَلَ ذبيحتنا، وآمن بنبيّنا ، وشهد شهادتنا ، ودخل في ديننا، أُجرَينا عليه حكم القرآن وحدود الإسلام، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، ألا وإن للمتقين عند الله تعالى أفضل الثواب وأحسن الجزاء والمآب، لم يجعل الله تبارك وتعالى الدنيا للمتّقين ثواباً، وما عند الله خیر للأبرار، أنظروا أهلَ دين الله فيما أصبتم في كتاب الله، وتركتم عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وجاهدتم به في ذات الله ، أبِحَسَبِ أم بِنَسَبٍ أم بعمل أم بطاعة أم زهادة، وفيما أصبحتم فيه راغبين، فسارعوا إلى منازلكم - رحمكم الله - التي اُمرتم بعمارتها ،العامرة التي لا تخرب، الباقية التي لا تنفد، التي دعاكم إليها وَحَظَّكُم عليها ورغّبكم فيها، وجعل الثواب عنده عنها، فاستتمّوا نِعَمَ الله عز ذِكْره بالتسليم لقضائه، والشكرِ على نعمائه، فمن لم يرض بهذا فليس منا ولا إلينا، وإن الحاكم يحكم بحكم الله ولا خشية عليه من ذلك، أولئك هم المفلحون، _ وفي نسخة: ولا وحشة وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون-.

وقال : وقد عاقبتكُم بدِرّتي(1)التي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا، وضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدودَ ربي فلم تَرْعَووا(2)أتريدون أن أضربكم بسيفي، أما إني أعلم الذي تريدون ويقيم أوَدَكُم (3)، ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي ، بل يسلط الله عليكم قوماً فينتقم لي منكم، فلا دنيا استمتعم بها، ولا آخرة صرتم إليها فَبُعْداً وسُحْقاً لأصحاب السعير.

حدیث ولد العالم مع جاره وفیه تقسیم الزمان علی ثلاثه

٥٥٢ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، جميعاً، عن علي بن حديد، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : سأله حمران فقال : جعلني الله فداك، لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسُرِرنا به؟ فقال: يا حمران، إن لك أصدقاء وإخواناً ومعارف، إن رجلا كان فيما مضى من العلماء، وكان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه ولا يسأله عن شيء، وكان له جار يأتيه ويسأله ويأخذ عنه، فحضر الرجل الموت فدعا ابنه فقال : يا بني، إنك قد كنت تزهد فيما عندي وتقلّ رغبتك فيه، ولم تكن تسألني عن شيء، ولي جار قد كان يأتيني ويسألني وبأخذ مني ، ويحفظ عني، فإن احتجت إلى شيء فأتِهِ ، - وَعَرَّفه جاره -، فهلك الرجل وبقي ابنه ، فرأى مَلِكُ ذلك الزمان رؤياً ، فسأل عن الرجل، فقيل له : قد هلك ،فقال الملك : هل ترك ولداً، فقيل له : نعم ، ترك ابناً، فقال: إئتوني به، فبعث إليه ليأتي الملك ، فقال الغلام : والله ما أدري لِمَا يدعوني الملك، وما عندي

ص: 279


1- الدَّرَّة : ما يُضرب به. وفي بعض النسخ : وقد عاتبتكم ..
2- تَرعَووا : أي ترجعوا عن جهلكم وغَيكم .
3- أودكم : أي اعوجاجكم

علم ، ولئن سألني عن شيء لأفْتَضِحَنَّ ، فذكر ما كان أوصاه أبوه به ، فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه فقال له : إن الملك قد بعث إليّ يسألني، ولست أدري فيم بعث إليّ ، وقد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شيء، فقال الرجل : ولكني أدري فيما بعث إليك، فإن أخبرتك فما أخرج الله لك من شيء فهو بيني وبينك ، فقال : نعم، فاستحلفه واستوثق منه أن يفي له، فأوثق له(1)الغلام ، فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها ، أي زمان هذا؟ فقل له : هذا زمان الذئب، فأتاه الغلام ،فقال له الملك : هل تدري لم أرسلت إليك ؟ فقال : أرسلت إلي تريد أن تسألني عن رؤيا رأيتها أي زمان هذا ، فقال له الملك : صَدَقْتَ ، فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال له : زمان ،الذئب فأمر له بجائزه فقبضها الغلام وانصرف إلى منزله، وأبى أن يفي لصاحبه، وقال: لَعَلّي لا أنفد هذا المال ولا أكله حتى أهلك، ولعلي لا أحتاج ولا أسأل عن مثل هذا الذي سُئِلت عنه، فمكث ما شاء الله ، ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه، فندم على ما صنع وقال : والله ما عندي علم آتيه ،به وما أدري كيف أصنع بصاحبي وقد غدرت به ولم أف له ، ثم قال : لآتينّه على كل حال ، ولأعتذرنّ إليه ولأحلفنَّ له فلعله يخبرني ، فأتاه فقال له : إني قد صنعت الذي صنعت ولم أف لك بما كان بيني وبينك، وتفرّق ما كان في يدي، وقد احتجت إليك ، فأنشُدُك الله أن لا تخذلني ، وأنا أوثق لك أن لا يخرج لي شيء إلا كان بيني وبينك، وقد بعث إليّ الملك ولست أدري عما يسألني ، فقال : إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا ، فقل له : إن هذا زمان الكبش، فأتى الملك فدخل عليه فقال : لِمَ بعثت إليك؟ فقال : إنك رأيت رؤيا وإنك تريد أن تسألني أي زمان هذا ، فقال له: صدقت، فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال : هذا زمان الكبش، فأمر له بصلة، فقبضها وانصرف إلى منزله وتدبّر في رأيه في أن يفي لصاحبه أولا يفي له ، فهمّ مرة أن يفعل ومرة أن لا يفعل، ثم قال: لعلّي أن لا أحتاج إليه بعد هذه المرة أبداً، وأجْمَعَ رأيه على الغدر وترك الوفاء، فمكث ما شاء الله ، ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه وبين صاحبه ، وقال : بعد غدر مرتين كيف أصنع ، وليس عندي علم، ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل فأتاه فناشده الله تبارك وتعالى، وسأله أن يعلّمه، وأخبره أن هذه المرة يفي منه وأوثق له وقال : لا تدعني على هذه الحال، فإني لا أعود إلى الغدر، وسأفي لك، فاستَوْثَقَ منه ، فقال : إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا، فإذا سألك فأَخْبره أنه زمان الميزان، قال : فأتى الملك فدخل عليه فقال له : لِمَ بعثتُ إليك؟ فقال : إنك رأيت رؤيا وتريد. أن تسألني أي زمان هذا، فقال: صدقتَ، فأخبرني أي زمان هذا؟ فقال: هذا زمان الميزان،

ص: 280


1- أي أعطاه العهد والميثاق على أن يفيَ له .

فأمر له بصلة فقبضها وانطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وقال : قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه، فقال له العالم : إن الزمان الأول كان زمان الذئب، وإنك كنت من الذئاب، وأن الزمان الثاني كان زمان الكبش يَهِم ولا يفعل، وكذلك كنت أنت تَهِمّ ولا تفي، وكان هذا زمان الميزان وكنت فيه على الوفاء، فاقبض مالك لا حاجة لي فيه، وردّه عليه .

٥٥٣ - أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي، عن علي بن الحسن التيمي، عن علي بن إسباط ، عن علي بن جعفر قال : حدثني معتّب أو غيره قال: بعث عبد الله بن الحسن إلى أبي عبد الله(عليه السلام): يقول لك أبو محمد : أنا أشجع منك ، وأنا أسخى منك، وأنا أعلم منك ، فقال لرسوله: أما الشجاعة فوالله ما كان لك موقف يُعرَف فيه جُنبُك من شجاعتك، وأمّا السخاء فهو الذي يأخذ الشيء من جهته فيضعه في حقه، وأما العلم فقد أعتق أبوك علي بن أبي طالب(عليه السلام)ألف مملوك ، فَسَمّ لنا خمسة منهم، وأنت عالم، فعاد إليه فأعلمه، ثم عاد إليه فقال له : يقول لك : أنت رجل صَحَفي(1)، فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): قل له : إي واللهِ، صحف إبراهيم وموسى وعيسى ورثتها عن آبائي(عليهم السلام).

٥٥٤ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله تبارك وتعالى : ﴿وبشر الذين آمنوا إن لهم صِدْقٍ عند ربهم﴾(2)، فقال : هو رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

خبر المعراج أو الإسرار

٥٥٥ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)في قول الله عز وجل : ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾(3)، قال : لمّا أسري برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أتاه جبرئيل بالبراق فركبها، فأتى بيت المقدس، فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء(عليهم السلام)، ثم رجع فحدّث أصحابه : إني أتيت بيت المقدس ورجعت من الليلة، وقد جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها، وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان ،وقد أضلّوا جملاً لهم ،أحمر، وقد هَمّ القوم في طلبه، فقال بعضهم لبعض : إنما جاء الشام وهو راكب سريع، ولكنكم قد أتيتم الشام وعرفتموها فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتجّارها، فقالوا : يا رسول الله ، كيف الشام وكيف أسواقها؟ - قال : كان رسول

ص: 281


1- صَحَفي : يقال لمن يكثر النظر إلى الصحف.
2- یونس /2 . وقيل : قدم صدق : أي أعمال صالحة يستوجبون بها ثواب الله تعالى . وقيل : سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة .
3- يونس / ١٠١ .

الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إذا سئل عن الشيء لا يعرفه شقّ عليه حتى يُرى ذلك في وجهه _ قال : فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل(عليه السلام) فقال : يا رسول الله هذه الشام قد رُفِعَت لك، فالتفت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإذا هو بالشام بأبوابها وأسواقها وتجارها فقال : أين السائل عن الشام ؟ فقالوا له : فلان وفلان ، فأجابهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في كل ما سألوه عنه، فلم يؤمن منهم إلا قليل، وهو قول الله تبارك وتعالى : ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ.﴾ .

ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله وبرسوله، آمنّا بالله وبرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم).

فضل الشیعه ومدحهم

٥٥٦ - أحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن التيمي، عن محمد بن عبد الله ،عن زرارة ،عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إذا قال المؤمن لأخيه : أفّ، خرج من ولايته، وإذا قال : أنت عدوي كفر أحدهما، لأنه لا يقبل الله عز وجل من أحد عملاً في تَثْريب(1)على مؤمن نصيحة(2)ولا يقبل من مؤمن عملاً وهو يضمر في قلبه على المؤمن سوءاً، لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا إلى وصل ما بين الله عز وجل وبين المؤمن خضعت للمؤمنين رقابهم، وتسهّلت لهم أمورهم ، ولانت لهم طاعتهم، ولو نظروا إلى مردود الله الأعمال من عز وجل لقالوا : ما يتقبل الله عز وجل من أحد عملاً .

وسمعته يقول لرجل من الشيعة: أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات، كل مؤمنة حوراء عيناء، وكل مؤمن صِدّيق .

قال وسمعته يقول : شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله عز وجل يوم القيامة بَعْدَنا ، وما من شيعتنا أحد يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته فيها عدد من خالفه من الملائكة يصلّون عليه جماعةً حتى يفرغ من صلاته، وإن الصائم منكم ليرتَع(3)في رياض الجنة تدعو له الملائكة حتى يفطر .

وسمعته يقول : أنتم أهل تحية الله بسلامه(4)، وأهل أُثْرة(5)الله برحمته، وأهل توفيق الله بعصمته، وأهل دعوة الله بطاعته، لا حساب عليكم ، ولا خوف ولا حزن، أنتم للجنة والجنة لكم ، أسماؤكم عندنا الصالحون والمصلحون، وأنتم أهل الرضا عن الله عز وجل برضاه

ص: 282


1- التثريب : الاستقصاء في اللوم، والتوبيخ .
2- على مؤمن نصيحة :بدل ل_ (عملا) أو صفة له، أو مفعول له ل_ : (تثريب).
3- الرّتع : الاتساع في الخصب والتنعّم
4- إشارة إلى قوله تعالى : ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾.
5- الاُثرة : المكرمة المتوارثة .

عنكم، والملائكة إخوانكم في الخير، فإذا جهدتم أدعوا، وإذا غفلتم اجْهَدوا، وأنتم خير البَرِيّة، دياركم لكم جنة، وقبوركم لكم جنة، للجنة خُلقتم وفي الجنة نعيمكم وإلى الجنة تصيرون .

اعجب ما رأی جعفر بن أبی طالب فی الحبشه

٥٥٧ - أحمد بن محمد بن أحمد، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن محمد بن الوليد، عن أبان بن عثمان ، عن الفُضَيل، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لجعفر(1)(عليه السلام)حين قَدِمَ من الحبشة : أي شيء أعجب ما رأيتَ؟ قال: رأيتُ حبشية مرت وعلى رأسها مِكْتَل، فمر رجل فزحمها فطرحها ووقع المِكْتل عن رأسها، فجلست، ثم قالت: ويل لك من ديّان يوم الدين إذا جلس على الكرسي وأخذ للمظلوم من الظالم. فتعجب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).

أخبار آزر ونمرود

٥٥٨ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي أيوب الخزّاز، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام): أن أزر أبا إبراهيم(عليه السلام)كان منجّماً لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره، فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود: لقد رأيت عَجَباً، قال : وما هو : قال : رأيت مولوداً يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلا قليلاً حتى يُحَمَل به ، قال : فتعجب من ذلك وقال : هل حَمَلَت به النساء؟ قال : لا ، قال : فحَجَب النساء عن الرجال فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها، ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم (عليه السلام)، فظن أنه صاحبه ، فأرسل إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شيء إلا علمن به ، فنظرن فألزم الله عز وجل ما في الرحم (إلى) الظَهْر، فقلن : ما نرى في بطنها شيئاً، وكان فيما أوتي من العلم أنه سيُحرق بالنار ، ولم يؤتَ علم أن الله تعالى سيُنَجِّيه، قال: فلما وضعت أم إبراهيم، أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله ،فقالت له امرأته : لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى بعض الغيران(2)أجعله فيه حتى يأتي عليه أَجَلُه، ولا تكون أنت الذي تقتل إبنك ، فقال لها: فأمضِ به ،قال فذهبت به إلى غار ثم أرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة، ثم انصرفت عنه، قال : فجعل الله عز وجل رزقه في إبهامه، فجعل يمصها فيشخب لبنها، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشبّ غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث. ثم إن أمه قالت لأبيه : لو أذنتَ لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي، فعلتُ، قال: فافعلي، فذهبت فإذا هي بإبراهيم(عليه السلام) وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان، قال : فأخذته فضمّته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه ، فسألها آزر عنه، فقالت : قد واريته في التراب، فمكثت

ص: 283


1- يعني جعفر بن أبي طالب(عليه السلام).
2- جمع الغار، وهو الكهف.

تفعل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم(عليه السلام)فتضمه إليها وترضعه، ثم تنصرف، فلما تحرك أتته كما كانت تأتيه، فصنعت به كما كانت تصنع، فلما أرادت الإنصراف أخذ بثوبها فقالت له : ما لَكَ؟ فقال لها : إذهبي بي معك، فقالت له : حتى استأمِرَ أباك، قال: فأتت أم إبراهيم (عليه السلام)آزر فأعلمته القصة ، فقال لها : آتيني به فأقعديه على الطريق، فإذا مر به إخوته دخل معهم ولا يُعرَف، قال : وكان إخوة إبراهيم(عليه السلام) يعملون الأصنام ويذهبون بها إلى الأسواق ويبيعونها، قال: فذهبت إليه فجاءت به حتى أقعدته على الطريق ومرّ إخوته فدخل معهم، فلما رآه أبوه وقعت عليه المحبة منه، فمكث ما شاء الله ، قال : فبينما إخوته يعملون يوماً من الأيام الأصنام، إذ أخذ إبراهيم(عليه السلام)القَدُوم(1)وأخذ خشبة فَنَجَرَ منها صنماً لم يروا قط مثله، فقال آزر لأمه : إني لأرجو أن نصيب خيراً ببركة إبنك هذا ، قال : فبينما هم كذلك إذ أخذ إبراهيم القَدُوم فكسر الصنم الذي عمله، ففزع أبوه من ذلك فزعاً شديداً، فقال له : أي شيء عملت؟ فقال له إبراهيم(عليه السلام) وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيم(عليه السلام):﴿ أتعبُدون ما تنحتون﴾(2)؟ فقال آزر (لأمه) : هذا الذي يكون ذهاب مُلْكِنا على يديه .

٥٥٩ _ على بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبَان بن عثمان، عن حجر ،عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : خالف إبراهيم(عليه السلام)قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه، فقال إبراهيم(عليه السلام): ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾(3)وقال أبو جعفر (عليه السلام): عاب آلهتهم : ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ *فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾(4)، قال أبو جعفر(عليه السلام): والله ما كان سقيماً وما كَذَبَ ، فلما تولوا عنه مُدْبِرين إلى عيد لهم ،دخل إبراهيم(عليه السلام)إلى آلهتهم بقَدُوم فكسرها إلا كبيراً لهم ووضع القَدُوم في عنقه، فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا : لا والله ما اجترأ عليها ولا كَسَرَها إلا الفتى الذي كان يعيبها ،ويبرأ منها، فلم يجدوا له قِتلةً أعظمَ من النار، فجُمع له الحطب واستجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يُحرق فيه ، برز له نمرود وجنوده ، وقد بنى له بناءاً لينظر إليه كيف تأخذه النار ، ووُضِعَ إبراهيم(عليه السلام)في منجنيق ، وقالت الأرض : يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره، يُحرَق بالنار ؟ قال الرب : إنْ دعاني كفيته ، فَذَكَرَ أَبَان ، عن محمد بن مروان، عمن رواه عن أبي جعفر(عليه السلام): إن دعاء إبراهيم(عليه السلام)يومئذ كان يا أحد (يا أحد، يا صمد) يا

ص: 284


1- القَدُوم : آلة للنجر. والتشديد فيه غلط .
2- الصافات / ٩٥
3- البقرة/ ٢٥٨. فبهت : انقطع وبطلت حجته .
4- الصافات / 88 - 89

صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد» ثم قال : «توكلت على الله»، فقال الرب تبارك وتعالى : كُفيتَ، فقال للنار:﴿كوني برداً ﴾(1) قال : فاضطربت أسنان إبراهيم(عليه السلام)من البرد حتى قال الله عز وجل : ﴿وسلاماً على إبراهيم ﴾وانحط جبرئيل(عليه السلام)وإذا هو جالس مع إبراهيم(عليه السلام)يحدّثه في النار ، قال : نمرود من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم، قال : فقال عظيم من عظمائهم : إني عزمت على النار أن لا تحرقه (قال) : فأخذ عُنق من النار نحوه حتى أحرقه ، قال : فآمن له لوط وخرج مهاجراً إلى الشام هو وسارة ولوط.

خبر إبراهیم مع نمرود وقصه ساره

٥٦٠ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه وعدّه من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي زيد الكرخي قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إن إبراهيم(عليه السلام)كان مولده بكوثى رُبا(2)وكان أبوه من أهلها، وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة، وورقة - وفي نسخة رقية - أختين وهما إبنتان للاحج، وكان اللاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً ، وكان إبراهيم(عليه السلام)في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه، واجتباه، وأنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرةَ وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملكت إبراهيم(عليه السلام)جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه، وكثرت الماشية والزرع حتى لم يكن بأرض كوئى رُبا رجل أحسن حالاً منه، وإن إبراهيم(عليه السلام)لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق وعمل له حَيْراً(3)وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيم(عليه السلام)في النار لتحرقه، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار، ثم أشرفوا على الحَيْر فإذا هم بإبراهيم(عليه السلام)سليماً مطلقاً من وثاقه، فأخبر نمرود خبره، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم(عليه السلام)من بلاده، وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجّهم إبراهيم(عليه السلام)عند ذلك فقال : إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردّوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم، واختصموا إلى قاضي نمرود، فقضى على إبراهيم(عليه السلام)أن يسلّم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود أن يردّوا على إبراهيم(عليه السلام)ما ذهب من عمره في بلادهم، فأُخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه، وقال : إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضَرَّ بالهتكم، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه(صلی الله علیه وآله وسلم)من بلادهم إلى الشام، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم :﴿ إني ذاهب إلى ربي سَيَهْدِين﴾(4)، يعني بيت المقدس.

ص: 285


1- الأنبياء / ٦٣ . ومطلع الآية :﴿ قلنا يا نار...﴾
2- كوثى رُبا : قيل بأنها من أرض العراق .
3- الحَير : شبه الحظيرة .
4- الصافات / ٩٩

فتحمّل إبراهيم(عليه السلام)بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرة منه عليها، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له : عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت، قال العاشر لإبراهيم(عليه السلام): أفتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه فقال له إبراهيم(عليه السلام): قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عُشْرَهُ ولا نفتحه ، قال : فأبى العاشر إلّا فتحه، قال: وغضب إبراهيم(عليه السلام)على فتحه، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال ، قال له العاشر : ما هذه المرأة منك ؟ قال إبراهيم(عليه السلام): هي حرمتي وابنة خالتي ، فقال له العاشر : فما دعاك إلى أن خَبّيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيم(عليه السلام): الغيرة عليها أن يراها أحد، فقال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى أعْلِمَ الملك حالها وحالك ، قال : فبعث رسولاً إلى الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به، فقال لهم إبراهيم(عليه السلام): إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك، فأرسل الملك : إن أحملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيم(عليه السلام)والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك، فقال له الملك : افتح التابوت، فقال إبراهيم(عليه السلام): أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتدٍ فتحه بجميع ما معي ، قال : فغضب(1)الملك إبراهيمَ(عليه السلام)على فتحه ، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهَه أن مد يده إليها، فأعرض إبراهيم (عليه السلام)بوجهه عنها وعنه غيرة منه، وقال: اللهم أحبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه، فقال له الملك : إن إلهك هو الذي فعل بي هذا ؟ فقال له : نعم، إن إلهي غيور يكره الحرام، وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام، فقال له الملك : فادعُ إلهك يردّ عليَّ يدي فإن أجابك فلم أعْرِضُ لها، فقال إبراهيم(عليه السلام): إلهي رد عليه يده ليكفّ عن حرمتي ، قال : فرد الله عز وجل عليه يده ، فأقبل الملك نحوها ببصره ثم أعاد بيده نحوها فأعْرِض إبراهيم(عليه السلام)عنه بوجهه غيرة منه وقال : اللهم أحبس يده عنها ، قال : فيبست يده ولم تصل إليها، فقال الملك لإبراهيم(عليه السلام): إن إلهك لغيور وإنك لغيور ، فادعُ إلهك يردّ علي يدي فإنه إن فعل لم أعد ، فقال له إبراهيم(عليه السلام):أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله، فقال الملك : نعم . فقال إبراهيم(عليه السلام): اللهم إن كان صادقاً فردّ عليه يده، فرجعت إليه يده، فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى، ورأى الآية في يده، عظّمَ إبراهيم(عليه السلام)وهابَهُ وأكرمه واتقاه وقال له : قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء مما معك، فانطلق حيث شئت، ولكن لي إليك حاجة ، فقال إبراهيم(عليه السلام)ما هي ؟ فقال له : أحب أن تأذن لى أن أُخْدِمَها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً ، قال : فأذن له إبراهيم

(عليه السلام)، فدعا

ص: 286


1- غضب: - هنا - أي أكره وأجبر .

بها فوهبها لسارة، وهي هاجر أم إسماعيل(عليه السلام)، فسار إبراهيم(عليه السلام)بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم(عليه السلام)إعظاماً لإبراهيم(عليه السلام)وهيبة له، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم: أن قِفْ ولا تمشِ قدّام الجبار المتسلّط ويمشي هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامشِ خلفَه وعظّمه وهَبْه فإنه مسلّط ولا بد من إمرة في الأرض بَرّة أو فاجرة، فوقف إبراهيم(عليه السلام)وقال للملك : امض فإن إلهي أوحى إلى الساعة أن أعظّمك وإهابك وأن أقدّمك أمامي وأمشي خلفك إجلالاً لك، فقال له الملك: أوحى إليك بهذا ؟ فقال له إبراهيم(عليه السلام): نعم، فقال له الملك : أشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم، وإنك ترغّبني في دينك، قال : وودعه الملك فسار إبراهيم (عليه السلام) حتى نزل بأعلى الشامات، وخلّف لوطاً(عليه السلام)في أدنى الشامات، ثم إن إبراهيم(عليه السلام)لما أبطأ عليه الولد قال لسارة : لو شئت لَبِعْتِني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خَلَفاً ، فابتاع إبراهيم(عليه السلام)هاجرَ من سارة، فوقع عليها فولدت إسماعيل(عليه السلام).

حجر بن زائده وعامر بن جذامه والمفضّل بن عمر

٥٦١ - علي بن إبراهيم ،عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن أحمد المنقري، عن يونس بن ظبيان قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): ألا تَنْهى هذين الرجلين عن هذا الرجل؟ فقال: من هذا الرجل ومن هذين الرجلين؟ قلت: ألا تنهى حِجْرَ بن زائدة وعامر بن جُذاعة عن المفضّل بن عمر ؟ فقال : يا يونس؛ قد سألتهما أن يكفّا عنه فلم يفعلا، فدعوتهما وسألتهما، وكتبت إليهما، وجعلته حاجتي إليهما، فلم يكفّا عنه ، فلا غفر الله لهما ، فوالله لكُثيّرُ عَزَّة أصدق في مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول :

ألا زعمت بالغيب ألّا أحبها*** إذاً، أنا لم يَحْرُمُ عَلَيَّ كريمُها (1)

أما والله لو أحبّاني لأحبا من أحب(2).

قال ابو عبدالله(عليه السلام):أنا بإمام من أطاعني، ولست بإمام لمن عصاني

٥٦٢ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن القاسم شريك المفضّل وكان رجل صدق قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول: حَلَقٌ في المسجد يشهرونا ويشهرون أنفسهم، أولئك ليسوا منا ولا نحن منهم(3)، انطلق فأُوَاري وأسْتر

ص: 287


1- إذاً: جواب وجزاء، والمعنى : إذا كان الأمر كما زعمت غزّة من أني لا أحبها فيلزم إلا يكون كريمها كريماً عندي ، والحال أنه كريم عندي فبطل زعمها إذن .
2- وقد ذكر بعض الأصحاب أن الرواية ضعيفة بابن ظبان والحسين بن أحمد، وقد وثق النجاشي حجر بن زائدة، وذكر الكشي أنه من حواریّي الصادقين(عليه السلام).
3- دل على أن إفشاء أمرهم(عليهم السلام)جرم عظيم، وهو مخالف للتقية المأمور بها على أنها دين بدان به. وذلك لما في الإفشاء من هدر دمائهم(عليهم السلام)عند أعدائهم .

فيهتكون سِتْري، هتك الله ستورهم، يقولون : إمام، أما والله ما أنا بإمام إلا لمن أطاعني، فاما من عصاني فلست له بإمام، لِمَ يتعلقون باسمي ؟! ألا يكفّون إسمي من أفواههم، فوالله لا يجمعني الله وإياهم في دار.

٥٦٣ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن صفوان، عن ذريح ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : قال : لما خَرَجَتْ قريش إلى بدر، وأخرجوا بني عبد المطلب معهم، خرج طالب بن أبي طالب فنزل رُجَازُهُمْ وهم يرتجزون، ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز ويقول :

يا ربِّ إما يَغْزُون بطالب ***في مِقْنَب(1)من هذه المق_ان_ب

مقنب(2)المغالب المحارب *** بجعله المسلوب غير السالب

وجعله المغلوب غير الغالب

فقالت قريش : إن هذا ليغلبنا فردّوه .

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله(عليه السلام): أنه كان أسلم(3).

٥٦٤ _ حميد بن زياد ،عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبَان بن عثمان، عن محمد بن المفضّل قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : جاءت فاطمة(عليه السلام)إلى سارية في المسجد وهي تقول وتخاطب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم):

قد كان بعدك أنباء وهَنْبَثَةٌ(4)*** لو كنتَ شاه_ده_ا ل_م تكثر الخطب

إنا فقدناك فَقْدَ الأرض وابلها*** واختلّ قومك فاشْهَدْهُم ولا تَغِبِ

خبر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) عن قتل جعفر(عليه السلام)

٥٦٥ - أبَان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : بينا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في المسجد، إذ خفض له كل رفيع ورفع له كل خفيض(5)، حتى نظر إلى جعفر(عليه السلام)يقاتل الكفّار(6)قال : فقتل فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قُتِلَ جعفر ، وأخذه (7)المغص في بطنه.

ص: 288


1- المِقْنَب : جماعة الخيل والفرسان . قيل بأن المقصود به هنا مقنب قريش أو مقانبهم .
2- قيل : المقصود هنا مقانب المسلمين
3- « فطلب من الله تعالى العزة والغلبة بأن يجعل من اختلسه الشيطان غير سائب ومختلس لأهل الإسلام ويجعل المغلوب بالهوى غير غالب على أهل الإيمان، ولما كان المشركون من أهل اللسان فهموا مقصوده وإن كان مفاداً بالتورية فلذلك أمروا برده لئلا يفسد عليهم» المازندراني ٥١٥/١٢
4- الهنبتة : الأمر الشديد والاختلاط في القول، الجمع : هنابث .
5- كناية عن انكشاف الغطاء له ورفع الحجب من أمام عينيه(صلی الله علیه وآله وسلم)لتبرز أمامهما ساحة المعركة في مؤتة .
6- أي في معركة مؤتة حيث استشهد(عليه السلام).
7- الضمير يرجع إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وذلك لفرط غمه وحزنه على ابن عمه جعفر(عليه السلام).

٥٦٦ _ حميد بن زياد، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد بيّاع السابريّ، عن عجلان أبي صالح قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول: قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام)بيده يوم حنين حُنَيْن أربعين .

عدد من قُتل بید علی(عليه السلام) یوم الحنین

٥٦٧ -أبَان ، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : أتى جبرئيل(عليه السلام)رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالبراق : أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عينيه في حافره ،وخُطاه مد بصره ، وإذا انتهى إلى جبل قَصُرَت يداه وطالت رجلاه ، فإذا هبط طالت يداه وقصُرَت رجلاه، أهدب العرف الأيمن(1)، له جناحان من خلفه .

بیان لقوله تعالی:﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾

٥٦٨ _ علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير ، عن فيض بن المختار قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): كيف تقرأ :﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾(2)؟ قال : لو كان خُلّفوا لكانوا في حال طاعة ، ولكنهم : «خالفوا» : عثمان وصاحباه، أمَا والله ما سمعوا صوتَ حافر ولا قعقِعة حَجَر إلا قالوا: أُتِينا، فسلّط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا .

بیان لقوله تعالی:﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾

٥٦٩ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحَكَم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: تلوت:﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ﴾(3)فقال : لا ، اقرأ التائبين العابدين - إلى آخرها - فسئل عن العلة في ذلك، فقال : اشترى من المؤمنين التائبين العابدين(4).

بیان لقوله تعالی:﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...الآیۀ﴾

٥٧٠ - عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك،عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : هكذا أنزل الله تبارك وتعالى :﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(5).

٥٧١ _ محمد، عن أحمد، عن ابن فضّال، عن الرضا(عليه السلام):﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا

ص: 289


1- أي كان طويل العرف ولذا أُرسل على الجانب الأيمن .
2- التوبة / 118 .
3- التوبة/ ١١٢
4- إشارة إلى الآية ١١١ من سورة التوبة :﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ »... ﴾الآية . وهي قبل هذه الآية المذكورة أعلاه .
5- الآية في المصحف وردت هكذا في سورة التوبة / 128 :﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾وأقول : لا بد من محاكمة سند هذه الروايات وما شابهها إذ قد يكون السند فيها ضعيفا فتسقط عن الاعتبار كما هو الحال في سند هذه الرواية حيث ورد فيها سهل بن زياد فقد ضعفه كل من الشيخ في الفهرست : (٣٤١) ، والنجاشي في رجاله : (٤٨٨) كما نقل الكشي في ترجمته لصالح بن أبي حماد الرازي : (٥٤٣) عن الفضل بن شاذان إنه كان لا يرتضي أبا سعيد هذا ويقول: هو الأحمق .

عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾(1)، قلت: هكذا؟ قال: هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها.

بیان لقوله تعالی:﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾

٥٧٢ _ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان عن عمّار بن سويد قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول في هذه الآية :﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾((2)فقال : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لما نزل قدَيْد(3)،قال لعلي(عليه السلام): يا علي، إني سألت ربي أن يُوالي بيني وبينك فَفَعَل، وسألت ربي أن يُواخي بيني وبينك فَفَعَل، وسألت ربي أن يجعلك وَصِي فَفَعَل ، فقال رجلان من قريش : والله لصاعٌ من تمر في شن(4)بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه، فهلّا سأل ربه ملكاً يعضده على عدوّه ،أو كنزاً يستغني به عن فاقته، والله ما دعاه إلى حق ولا باطل إلا أجابه إليه، فأنزل الله سبحانه وتعالى : ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ _ إلى آخر الآية -﴾ .

بیان لقوله تعالی:﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾

٥٧٣ _ علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان قال : سُئل أبو عبد الله(عليه السلام)عن قول الله عز وجل : ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *«إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾(5)؟ فقال: كانوا أمة واحدة فبعث الله النبيين ليتّخذ عليهم الحُجّة .

بیان لقوله تعالی: ﴿ َمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾

٥٧٤ - علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حمّاد، عن عمرو بن شمّر، عن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام)في قول الله عز وجل :﴿ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ﴾(6)قال: من تولى الأوصياء من آل محمد وانبع ،آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين، حتى تصل ولايتهم إلى آدم(عليه السلام)، وهو قول الله عز وجل :﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾(7)، يدخله الجنة وهو قول الله عز وجل :﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ﴾(8)، يقول أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة، وقال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والإنكار :﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ

ص: 290


1- التوبة / ٤٠ . والآية في المصحف :﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ ... إلخ﴾ .
2- هود / 12 .
3- قُدَيدْ : موضع بين الحرمين مكة والمدينة .
4- الشّنّ : القربة الصغيرة .
5- هود / 118 - 119 .
6- الشورى/٢٣ والاقتراف العمل والحسنة : العمل الصالح.
7- النمل / 89
8- سبا / ٤٧ .

الْمُتَكَلِّفِينَ﴾(1)يقول : متكلفاً أن أسألكم ما لستم بأهله، فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض : أما يكفي محمداً أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا ، فقالوا: ما أنزل الله هذا وما هو إلا شيء يتقوّله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قُتِلَ محمد أو مات لننزعنّها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبداً وأراد الله عز وجل أن يُعلم نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)الذي أخفَوا في صدورهم وأسرّوا به فقال في كتابه عز وجل: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ ِ﴾(2)يقول : لو شئتُ حبستُ عنك الوحي فلم تَكَلّم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِه (يقول: الحق لأهل بيتك الولاية)إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(3)ويقول : بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك

بیان لقوله تعالی:﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾

وهو قول الله عز وجل : ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾(4)،

بیان لقوله تعالی:﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى...الآیات﴾

وفي قوله عز وجل: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾(5)قال : أقسم بقبض محمد إذا قبض، ﴿«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ (بتفضيله أهل بيته)وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾(6)يقول : ما يتكلم بفضل أهل بيته بهواه وهو قول الله عز وجل : ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(7)

بیان لقوله تعالی :﴿ قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾

وقال الله عز وجل لمحمد (صلی الله علیه وآله وسلم):﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾(8)قال : لو أني أُمِرتُ أن أعْلِمَكُم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لِتَظْلِموا أهل بيتي من بعدي، فكان مثلكم كما قال الله عز وجل : ﴿ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ (9)، يقول : أضاءت الأرض بنور محمد كما تضىء الشمس، فضرب الله مثل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) الشمس، ومثل الوصي القمر، وهو قوله عز وجل :﴿ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾(10)وقوله : ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾(11)وقوله عز وجل: ﴿ذَهَبَ الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يُبصرون﴾(12)، يعني قُبضَ محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وظهرت الظلمة فلم يبصروا فَضْلَ أهل بيته وهو قوله عز وجل: ﴿وَإِنْ

ص: 291


1- ص / ٨٦. من المتكلّفين أي من المتخرّصين ما لم يأمرني به الله تعالى .
2- الشورى / ٢٤ .
3- الشورى / ٢٤ . وما بين القوسين ليس من المصحف .
4- الأنبياء /٣ .
5- النجم / ١ و ٢ و ٣ و ٤
6- النجم / ١ و ٢ و ٣ و ٤
7- النجم / ١ و ٢ و ٣ و ٤
8- الأنعام / ٥٨ .
9- البقرة / 17
10- یونس / 5 .
11- یس / 37 .
12- البقرة / 17 .

تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾(1)، ثم إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي وهو قول الله عز وجل : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾(2)، يقول: أنا هادي السماوات والأرض، مَثَل العلم الذي أعطيته وهو نور (ي) الذي يهتدى به مَثَلُ المشكاة فيها المصباح، فالمشكاة قلب محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، والمصباح النور الذي فيه العلم، وقوله :﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾(3)يقول : إني أريد أن أقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة،﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ (4)فأعلمهم فضل الوصي،﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾(5)فأصل الشجرة المباركة إبراهيم(عليه السلام)، وهو قول الله عز وجل: ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾(6)، وهو قول الله عز وجل :﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (7)،﴿ ولا شَرقيّة ولا غَربِيّة ﴾ (8)يقول : لستم بيهود فَتُصَلُّوا قِبَلَ المغرب ولا نصارى فَتُصَلُّوا قِبَلَ المشرق وأنتم على مله إبراهيم(عليه السلام)، وقد قال الله عز وجل :﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾(9)، وقوله عز وجل :﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (10)يقول : مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يُعصَر من الزيتون﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾، يقول : يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم مَلَكٌ .

بیان لقوله تعالی:﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾

٥٧٥ _ أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار ،عن الحسن بن علي، عن علی بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال : سألته

(عليه السلام)عن قول الله عز وجل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾(11)؟ قال : يريهم في : يريهم في أنفسهم المَسْخَ ، ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرَوْنَ قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق، قلت له ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾؟ قال : خروج القائم هو الحق من عند الله عز

ص: 292


1- الأعراف/ 198
2- النور / ٣٥ .
3- النور / ٣٥ .
4- النور / ٣٥ .
5- النور / ٣٥ .
6- هود/٧٣.
7- آل عمران / ٣٣ و ٣٤ .
8- النور/ ٣٥ .
9- آل عمران / ٦٧ .
10- النور/ ٣٥ .
11- فصلت/53 .

وجل، يراه الخلق، لا بدّ منه .

کان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لا يتداوى من الزكام

٥٧٦ _ محمد بن يحيى، والحسين بن محمد، جميعاً ،عن جعفر بن محمد، عن عباد بن يعقوب، عن أحمد بن إسماعيل، عن عمرو بن كيسان، عن أبي عبد الله الجعفي قال قال لي أبو جعفر محمد بن علي(عليه السلام): كم الرّباط(1)عندكم؟ قلت: أربعون(2)، قال: لكن رباطنا رباط الدهر، ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحاً كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين ولا لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين ولا من ثلاث ولا من أربع ، فإنما مَثَلُنا ومَثَلُكُم مَثَلُ نبي كان في بني إسرائيل، فأوحى الله عز وجل إليه : أن ادْعُ قومك للقتال فإني سأنصرك، فجمعهم من رؤوس الجبال ومن غير ذلك، ثم توجه بهم، فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا ، ثم أوحى الله تعالى إليه ؛ أن أدْعُ قومك إلى القتال فإني سأنصرك ، فجمعهم، ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا ، ثم أوحى الله إليه ؛ أن أدعُ قومك إلى القتال فإني سأنصرك ، فدعاهم فقالوا : وعدتنا النصر فما نُصِرنا فأوحى الله تعالى إليه ؛ إمّا أن يختاروا القتال أو النار ، فقال : يا رب القتال أحب إليّ من النار، فدعاهم فأجابه منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر عِدّة أهل بدر، فتوجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى فتح الله عز وحل لهم .

٥٧٧ - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ،عن بكر بن صالح، والنوفلي، وغيرهما، يرفعونه إلى أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لا يتداوى من الزُّكام ويقول: ما من أحد إلا وبه عرق من الجُذام، فإذا أصابه الزكام قَمَعَه(3).

٥٧٨ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «الزكام جند من جنود الله عز وجل يبعثه الله عز وجلَّ على الداء فيزيله ».

٥٧٩ - محمد بن يحيى، عن موسى بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد بإسناده، رفعه إلى أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : «ما من أحد من ولد آدم إلا وفيه عِرْقان : عِرْق في رأسه يهيج الجذام، وعرق في بدنه يهيج البَرَص، فإذا هاج العِرْق الذي في الرأس سلط الله عز وجل عليه الزكام حتى يسيل ما فيه من الداء، وإذا هاج العِرْق الذي في الجسد

ص: 293


1- الرباط: من المرابطة في جهاد العدو وارتباط الخيل وإعدادها لذلك.
2- أي أربعون يوماً .
3- فَمَعَ: أي ردّ ورَدَعَ، وَقَهَرَ.

سلّط الله عليه الدماميل حتى يسيل ما فيه من الداء، فإذا رأى أحدكم به زكاماً ودماميل فليحمد الله عز وجل على العافية، وقال :الزكام فضول في الرأس »(1).

580 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن رجل قال : دخل رجل على أبي عبد الله(عليه السلام)وهو يشتكي عينيه ، فقال له : أين أنت عن هذه الأجزاء الثلاثة : الصبر والكافور والمُرّ(2)؟ ففعل الرجل ذلك فذهبت عنه .

٥٨١ _ عنه ، عن أحمد، عن ابن محبوب ،عن جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إن لنا فتاة كانت ترى الكوكب مثل الجرة ، قال : نعم وتراه مثل الحب، قلت: إن بصرها ضعف فقال : أكحلها بالصبر والمر والكافور أجزاء سواء فكحلناها به فنفعها.

٥٨٢ - عنه ، عن أحمد ،عن داود بن محمد، عن محمد بن الفيض، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كنت عند أبي جعفر _ يعني أبا الدوانيق _ فجاءته خريص تحلّها ونظر فيها فأخرج منها شيئاً، فقال يا أبا عبد الله أتدري ما هذا؟ قلت ما هو: قال : هذا شيء يؤتى به من خَلْف إفريقية ، من طنجة أو طبنة _ شك محمد _ ، قلت : ما هو؟ قال : جبل هناك يَقْطُرُ منه في السنة قطرات فتجمد، وهو جيد للبياض يكون في العين، يكتحل بهذا فيذهب بإذن الله عز وجل ، قلت : نعم ،أعرفه ، وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله ؟ قال : فلم يَسْألني عن اسمه، قال: وما حاله ؟ فقلت : هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه يعبد الله عليه، فعلم به قومه فقتلوه ، فهو يبكي على ذلك النبي(عليه السلام)، وهذه القطرات من بكائه، وله من الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار، ولا يوصل إلى تلك العين.

٥٨٣ _ علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير، عن سليم مولى علي بن يقطين ؛ إنه كان يلقى من رمد عينيه أذى، قال : فكتب إليه أبو الحسن(عليه السلام)ابتداءاً من عنده : ما يمنعك من كُحْل أبي جعفر(عليه السلام): جزء كافور رباحي ، وجزء صبر اصفوطري(3)يُدَفّان جميعاً وينخلان بحريرة يكتحل منه مثل ما يكتحل من الأثمد ؛الكحلة في الشهر، تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن ،قال: فكان يكتحل به، فما اشتكى عينيه حتى مات.

ص: 294


1- قال في القاموس : الزكام فضول رطبة تجلب من باطني الدماغ المقدمين إلى المنخرين .
2- الصبر : عصارة شجرة ، وهو مر الطعم والكافور : صمغ ،شجرة، وهو معروف . والمُرّر: دواء نافع للسعال ولغيره .
3- نسبة إلى سُقطرى جزيرة ببلاد الهند - على ما في القاموس -.

حديث العابد

٥٨٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحَكَم، عن محمد بن سنان، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئاً، فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده ، فقال : من لي بفلان؟ فقال بعضهم : أنا له، فقال من أين تأتيه ؟ فقال : من ناحية النساء ، قال : لست ،له لم يجرب النساء، فقال له آخر فأنا له، فقال له : من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية الشراب واللذات ، قال : لست له، ليس هذا بهذا ، قال :آخر فَأَنَالَهُ، قال : من أين تأتيه؟ قال : من من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية البِرّ ، قال : انطلق فأنت صاحبه، فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاه يصلي ، قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح ، فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت(1)إليه نفسه واستصغر عمله، فقال : يا عبد الله بأي شيء قويت على هذه الصلاة؟ فلم يجبه، ثم أعاد عليه، فلم يجبه، ثم أعاد عليه ، فقال : يا عبد الله؛ أني أذنبت ذنباً وأنا تائب منه ، فإذا ذكرتُ الذنب قَوِيتُ على الصلاة، قال: فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب، فإذا فعلته قويتُ على الصلاة؟ قال: أدخل المدينة فَسَلْ عن فلانة البغيّة فأعطها در همين ونَلْ منها، قال: ومن أين لي در همين، ما أدري ما الدرهمين؟ فتناول الشيطان من تحت قدمه در همین فناوله إياهما ، فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغيّة، فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يَعِظُها فأرشدوه ، فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال: قومي، فقامت فدخلت منزلها وقالت : أدخل، وقالت : إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها، فأخبرني بخبرك، فأخبرها، فقالت له : يا عبد الله، إن تَرْكَ الذنب أهون من طلب التوبة(2)، وليس كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطاناً مُثْلَ لك، فانصرفْ فإنك لا ترى شيئاً، فانصرف وماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : أحْضِروا فلانة فإنها من أهل الجنة، فارتاب الناس فمكثوا ثلاثاً لم يدفنوها ارتياباً في أمرها، فأوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء - لا أعلمه إلا موسى بن عمران(عليه السلام)- أن ائت فلانة فصلّ عليها ومُرْ الناس أن يصلوا عليها، فإني قد غفرت لها وأوجبت لها الجنة بتثبيطها(3)عبدي فلاناً عن معصيتي .

ص: 295


1- أي شعرت بالقصور والنقص .
2- والوجه في أن ترك الذنب أسهل من طلب التوبة : «لأن النفس قبل الذنب أشد صفاءً فيها بعده ولا ريب في أن العبادة مع صفائها أسهل من العبادة مع ظلمتها مع أن للتوبة أسباباً وشرائط قد لا تتحصل فليس كل من طلب التوبة وجدها» المازندراني ٥٣٠/١٢ .
3- التثبيط عن الشيء : المنع منه والتعويق عنه .

٥٨٥ - أحمد بن محمد (بن أحمد)، عن علي بن الحسن، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان في بني إسرائيل رجل عابد، وكان محارَفاً (1)لا يتوجه في شيء فيصيب فيه شيئاً، فأنفقت عليه امرأته حتى لم يبقَ عندها شيء، فجاعوا يوماً من الأيام، فدفعت إليه نَصْلاً(2)من غزل وقالت له : ما عندي غيره، انطلِقْ فبِعْه واشتر لنا شيئاً نأكله، فانطلق بالنصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ووجد المشترين قد قاموا وانصرفوا، فقال : لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه وصَبَبْتُ علي منه وانصرفت، فجاء إلى البحر وإذا هو بصيّاد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلا سمكة ردية قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة ، فقال له : يعني هذه السمكة وأعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك، قال: نعم، فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل وانصرف بالسمكة إلى منزله فأخبر زوجته الخبر ، فأخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة، فَدَعَتْ زوجها فأرَته إياها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم وانصرف إلى منزله بالمال فوضعه، فإذا سائل يدق الباب ويقول : يا أهل الدار تصدّقوا رحمكم الله على المسكين، فقال له الرجل : أدخل، فدخل، فقال له: خذ أحَدَ الكيسين، فأخذ أحَدَهما وانطلق، فقالت له امرأته : سبحان الله بينما نحن مياسير إذ ذهبتَ بنصف يسارنا ، فلم يكن ذلك بأسرع من أن دقّ السائل الباب، فقال له الرجل: أدخل، فدخل، فوضع الكيس في مكانه ثم قال: كل هنيئاً مريئاً، إنما أنا مَلَكُ ملائكة من ربك، إنما أراد ربك أن يبلوَك فوجدك شاكراً، ثم ذهب.

خطبة لامير المؤمنين(عليه السلام)فی إنذاره بما یأتی من زمانالسوء

٥٨٦ _ أحمد بن محمد عن سعد بن المنذر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن أبيه قال : خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) _ ورواها غيره بغير هذا الإسناد، وذكر أنه خطب بذي قار - فحمد الله وأثنى عليه .

ثم قال : أما بعدُ، فإن الله تبارك وتعالى بعت محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)بالحق ليُخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته، ومن عهود عباده إلى عهوده، ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته، بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، عَوْداً وبَدْءاً وعذراً ونُذراً، بحكم قد فصّله، وتفصيل قد أحكمه، وفرقان قد فَرَقَه، وقرآن قد بيّنه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، وليقرّوا

ص: 296


1- المحارف :المحروم من الرزق حتى لو سعى إليه
2- النصل : الغزّل وقد خرج من المغزل .

به إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه، فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه، فأراهم حلمه كيف حلم، وأراهم عفوه كيف عفا، وأراهم قدرته كيف قدر، وخَوّفهم من سطوته ، وكيف خلق ما خلق من الآيات، وكيف مَحَقَ من محق من العصاة بالمَثُلات، واحتصد من احتصد بالنقمات، وكيف رزق وهدى وأعطى ، وأراهم حكمه كيف حكم وصبر حتى يسمع ما يسمع ويرى.

فبعث الله عز وجل محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)بذلك ، ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله تعالى ورسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تُليَ حق تلاوته ، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أعلى ثمناً من الكتاب إذا حُرِّف عن مواضعه، وليس في العباد ولا في البلاد شيء هو أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر، وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان، فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حَفَظَتُه حتى تمالت بهم الأهواء وتوارثوا ذلك من الآباء، وعملوا بتحريف الكتاب كذباً وتكذيباً فباعوه بالبَخْس وكانوا فيه من الزاهدين، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يأويهما مُؤْوِ، فحبذا ذانك الصاحبان، واهاً لهما ولما يعملان له، فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم، ومعهم وليسوا معهم، وذلك لأن الضلالة لا توافق الهدى وأن اجتمعا، وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة، قد ولَّوا أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، لم يبق عندهم من الحق إلا إسمه ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزَبْرُه(1)، يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالساً حتى يخرج من الدين، ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون، وإن كيده متين، بالأمل(2)والرجاء حتى توالدوا في المعصية، ودانوا بالجور، والكتاب لم يضرب عن شيء منه صفحاً(3)، ضُلّالاً تائهين، قد دانوا بغير دين الله عز وجل، وأدانوا لغير الله .

مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة، خربة من الهدى (قد بدل فيها من الهدى)) فقُرّاؤها وعُمّارها أخائب خلق الله وخليفته، من عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود، فحضور

ص: 297


1- أي كتابته .
2- متعلق ب_: فاستدرجهم .
3- أي والكتاب لم يردعهم عن شيء من الجور لتماديهم في الضلالة .

مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم، فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضلالة، قد بُدّلت سنّة الله وتُعُدّيَت حدوده، ولا يدعون إلى الهدى ولا يقسمون الفيء ولا يوفون بذمّة، يدعون القتيل منهم على ذلك شهيداً، قد أتوا الله بالافتراء والجحود، واستغنوا بالجهل عن العلم، ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة، وسموا صدقهم على الله فِرية، وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة، وقد بعث الله عز وجل إليكم رسولاً من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم(صلی الله علیه وآله وسلم)، وأنزل عليه كتاباً عزيزاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قرآناً عربياً غير ذي عوج لينذر مَن كان حياً ويحق القول على الكافرين، فلا يلهينكم الأمل، ولا يَطولَنّ عليكم الأجل، فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم وتغطية الآجال عنهم، حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة وترفع عنه التوبة وتحلّ التوبة وتحلّ معه القارعة والنقمة، وقد أبلغ الله عز وجل إليكم بالوعد ، وفصّل لكم القول، وعلّمكم السنّة، وشرح لكم المناهج ليزيح العلة، وحثّ على الذِكْر ودل على النجاة، وإنه من انتصح الله واتخذ قوله دليلاً هَدَاه للتي هي أقوم ووفّقه للرشاد وسدّده ويسّره للحسنى، فإنّ جار الله آمن محفوظ وعدوّه خائف مغرور، فاحترسوا من الله عز وجل بكثرة الذِكْر، وأخشوا منه بالتقى ، وتقربوا إليه بالطاعة، فإنه قريب مجيب، قال الله عز وجل : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (1)فاستجيبوا الله وآمنوا به، وعظّموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظّم فإن رِفْعَةَ الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له، وعزَّ الذين يعلمون ما جلال الله أن يذِلّوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة، ولا يضلّون بعد الهدى، فلا تنفروا من الحق نِفار(2)الصحيح من الأجرب والبارىء من ذي السقم .

واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولم تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نَقَضَه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نَبَذَه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حَرّفه، ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تَعَدّى، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على الله وعلى رسوله، والتحريف لكتابه، ورأيتم كيف هَدى الله من هَذى فلا يُجَهَلنّكم الذين لا يعلمون، إن علم

ص: 298


1- البقرة/ ١٨٦.
2- النفار : الفرار والتباعد .

القرآن ليس يعلم ما هو إلا من ذاق طَعْمَه ، فعلم بالعلم جهلَه وبَصُرَ بِهِ عَمَاه، وسمع به صَمَمَه ، وأدرك به علم ما فات، وحَييَ به بعد إذ مات، وأثبت عند الله عزّ ذِكْره الحسنات ومحى به السيئات، وأدرك به رضواناً من الله تبارك وتعالى، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة، فإنهم خاصة نور يستضاء به، وأئمة يُقتدى بهم، وهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق، فهم من شأنهم شهداء بالحق، ومخبر صادق لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، قد خلت(1)لهم من الله السابقة(2)، ومضى فيهم من الله عز وجل حكم صادق، وفي ذلك ذكرى للذاكرين، فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية فإن رواة الكتاب كثير ورعاتَه قليل، والله المستعان .

حديث إبراهيم(عليه السلام)والرجل العابد

587 - عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عمر بن علي، عن عمّه محمد بن عمر، عن ابن أُذَينة قال : سمعت عمر بن يزيد يقول : حدثني معروف بن خربوذ، عن علي بن الحسين(عليه السلام)أنه كان يقول : وَيْلُمّه(3)فاسقاً من لا يزال ممارئاً(4)، وَيْلُمه فاجراً مَن لا يزال مخاصماً، وَيْلُمه آثماً من كثر كلامه في غير ذات الله عز وجل.

٥٨٨ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبَان بن عثمان، عن الحسن بن عمارة، عن نعيم القضاعي، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : أصبح إبراهيم (عليه السلام)فرأى في لحيته شعرة بيضاء، فقال: الحمد الله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ لم أعص الله طرفَةَ عَيْن.

إن الله اتخذ ابراهیم(عليه السلام)خلیلاً

٥89 - أبَان بن عثمان ، عن محمد بن مروان، عمن رواه، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: لما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلاً أتاه بُشْراه بالخِلّة، فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماءاً ودُهناً فدخل إبراهيم(عليه السلام)الدار، فاستقيله خارجاً من الدار، وكان إبراهيم(عليه السلام)رجلاً غيوراً ، وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه، ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرجال، فأخذه بيده وقال : يا عبد الله، مَن أدخلك داري ؟ فقال : ربها أدخلنيها، فقال ربها أحق بها منى ، فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت،

ص: 299


1- أي في علم الله وتقديره .
2- اي نعمة سابقة هي الحكمة والعصمة .
3- أي ويل لأمّه .
4- من المماراة ؛ وهي الجدال لإثبات الباطل.

ففزع إبراهيم(عليه السلام)فقال: جئتني لتسلنبي روحي ؟ قال : لا ، ولكن اتخذ الله عبداً خليلاً فجئت لبشارته، قال : فمن هو لعلّي أخدمه حتى أموت؟ قال : أنت هو، فدخل على سارة(عليه السلام)فقال لها : إن الله تبارك وتعالى اتخذني خليلاً .

٥٩٠ - علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفرّاء، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(عليه السلام)مثله، إلا أنه قال في حديثه : إن الملك لما قال: أدْخَلَنيها ربُها، عرف إبراهيم(عليه السلام)أنه مَلَك الموت(عليه السلام)، فقال له: ما أهبطك ؟ قال : جئت أبشّر رجلا أن الله تبارك وتعالى اتخذه خليلاً، فقال له إبراهيم(عليه السلام): فمن هذا الرجل؟ فقال له المَلَك : وما تريد منه؟ فقال له إبراهيم(عليه السلام): أخدمه أيام حياتي ، فقال له الملك: فأنت هو.

كلام لعلي بن الحسين(عليه السلام)

٥٩١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر(عليه السلام)؛ أن إبراهيم

(عليه السلام)خرج ذات يوم يسير ببعير، فمرّ بفلاة من الأرض، فإذا هو برجل قائم يصلّي قد قطع الأرض إلى السماء طوله، ولباسُه شَعْر، فوقف عليه إبراهيم(عليه السلام)وعجب منه وجلس ينتظر فراغه، فلما طال عليه حَرّكه بيده فقال له : إن لي حاجة، فخفَّف الرجل وجلس إبراهيم(عليه السلام) ، فقال له إبراهيم(عليه السلام): لمن تصلّي ؟ فقال : لإله إبراهيم، فقال له : ومن إله إبراهيم؟ فقال : الذي خلقك وخلقني ، فقال له إبراهيم(عليه السلام): قد أعجبني نحوُك(1)، وأنا أحب أن أواخيك في الله ، أين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك ؟ فقال له الرجل : منزلي خلف هذه النطفة(2)_ وأشار بيده إلى البحر- ، وأما مُصَلّاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله ، قال : ثم قال الرجل لإبراهيم(عليه السلام): ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: نعم، فقال له : وما هي ؟ قال : تدعو الله وأؤمّن على دعائك، وأدعو أنا فتؤمّن على دعائي ، فقال الرجل : فَبِمَ ندعو الله ؟ فقال إبراهيم(عليه السلام) : للمذنبين من المؤمنين، فقال الرجل : لا ، فقال إبراهيم : ولم ؟ فقال : لأني قد دعوت الله عز وجل منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها حتى الساعة وأنا أستحيي من الله تعالى أن أدعوه حتى أعلم أنه قد أجابني ، فقال إبراهيم(عليه السلام): فیم دعوته؟ فقال له الرجل : إني في مصلّاي هذا ذات يوم إذ مرّ بي غلام أرْوَع(3)، النور يطلع من جبهته ، له ذؤابة من خلفه ومعه بقر يسوقها كأنما دهنت دُهنا(4)، وغنم يسوقها كأنما دخست

ص: 300


1- أي مثلك، أو طريقتك .
2- ويقال نطفة : للماء القليل والكثير، وهي بالقليل أخص.
3- الأروع: من يعجبك بحسنه أو بشجاعته .
4- دهنت دُهنا : كناية عن سِمَنها .

دَخْسا(1)، فأعجبني ما رأيت منه فقلت له: يا غلام، لمن هذا البقر والغنم؟ فقال: لإبراهيم(عليه السلام)، فقلت : ومن أنت؟ فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، فدعوت الله عز وجل وسألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيم(عليه السلام): أنا إبراهيم خليل الرحمن، وذلك الغلام إبني ، فقال له الرجل عند ذلك : الحمد لله الذي أجاب دعوتي ، ثم قبل الرجل صفحتي إبراهيم وعانقه، ثم قال: أما الآن فقُمْ فادعُ حتى أؤمن على دعائك، فدعا إبراهيم(عليه السلام) للمؤمنين والمؤمنات والمذنبين من يومه ذلك بالمغفرة والرضا عنهم قال وأمّنَ الرجل على دعائه .

قال أبو جعفر(عليه السلام): فدعوة إبراهيم(عليه السلام)بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة .

٥٩٢ _ علي بن محمد ،عن بعض أصحابه رفعه قال: كان علي بن الحسين(عليه السلام)إذا قرأ هذه الآية: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾(2)يقول : سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه، فشكر جل وعز معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما علم علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيماناً، علماً منه أنه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك، فإن شيئاً من خلقه لا يبلغ مدى عبادته من لا مدى له وكيف(3)، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً .

قول أبی عبدالله(عليه السلام): لا يخرج على هشام أحد إلا قتله، وحدیث زید(عليه السلام)

٥٩٣ _ محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن عنبسة بن بجاد العابد، عن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كنا عنده وذكروا سلطان بني أمية ، فقال أبو جعفر(عليه السلام): لا يخرج على هشام أحد إلا قتله، قال : وذكر ملكه عشرين سنة ، قال : فجزعنا ، فقال : مالكم، إذا أراد الله عز وجل أن يهلك سلطان قوم أمر الملك فأسرع بسير الفلك فقدر على ما يريد؟ قال: فقلنا لزيد(عليه السلام) هذه المقالة، فقال: إني شهدت هشاماً ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يُسَبّ عنده فلم ينكر ذلك ولم يغيّره، فوالله لو لم يكن إلا أنا وابني لخرجت عليه .

٥٩٤ - وبهذا الإسناد، عن عنبسة، عن معلّى بن خُنيس قال : كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام)، إذ أقبل محمد بن عبد الله، فسلّم ثم ذهب، فَرَقَ له أبو عبد الله(عليه السلام)ودمعت عيناه ، فقلت له : لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع ؟ فقال : رَفَقْتُ له لأنه ينسب إلى أمر ليس له،

ص: 301


1- أي ملي جلدها باللحم والشحم .
2- النحل/ ١٨
3- لاستحالة إحاطة المحدود بالمطلق .

لم أجده في كتاب علي(عليه السلام)من خلفاء هذه الأمة ولا من ملوكها .

خبرمحمد بن عبدالله بن الحسن بن علی(عليه السلام)

٥٩٥ - علي بن إبراهيم رفعه قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام)لرجل : ما الفتى عندكم؟ فقال له : الشاب ، فقال : لا ، الفتى : المؤمن، إن أصحاب الكهف كانوا شيوخاً فسمّاهم الله عز وجل فِتيةً بإيمانهم(1).

تفسیر قوله تعالی :﴿َقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾

٥٩٦ - محمد، عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن جميل بن صالح ، عن سدير قال: سأل رجل أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله عز وجل : ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾(2)؟ فقال : هؤلاء قوم كان لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية، وأموال ظاهرة، فكفروا بأنعم الله وغيّروا ما بأنفسهم، فأرسل الله عز وجل عليهم سيل العَرِم فغرّق قراهم وأخرب ديارهم وأذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنّاتهم جنتين ذواتي أُكلٍ خَمْط واَثلٍ وشيء من سدر قليل، ثم قال الله عز وجل :﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾(3).

صفۀ أهل البیت(عليهم السلام)

٥٩٧ _ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن أبي بصير، عن أحمد بن بن عمر قال: قال أبو جعفر(عليه السلام)- وأتاه رجل - فقال له : إنكم أهل بيت رحمة اختصّكم الله تبارك وتعالى بها ، فقال له : كذلك نحن والحمد لله ، لا تُدخل أحداً في ضلالة ولا نُخْرجه من هدى، إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله عز وجل رجلاً منا أهل البيت يعمل بكتاب الله ، لا يرى فيكم منكراً إلا أَنْكَرَه .

تم بعون الله وتوفيقه كتاب روضة الكافي والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين

ص: 302


1- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الكهف :﴿وإنهم فتية آمنوا بربهم ...﴾.
2- سبأ / ١٩.
3- سبأ / ١٧. وقد ذكر تعالى قصة هؤلاء كما أشير إليه في هذا الحديث في سورة سبأ أيضاً في الآيات ١٥ و ١٦ و ١٧و18و 19 . والخمط : هو كل نبت أخذ طعماً من مرارة أو حموضة وتعافه النفس، والأثل : الطرفاء، أو شجر شبيه به إلا أنه أعظم منه .

فهرست روضة الكافي

رسالة أبي عبد الله(عليه السلام)إلى جماعة الشيعة...6

صحيفة علي بن الحسين(عليه السلام)وكلامه في الزهد....17

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)وهي خطبة الوسيلة...20

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)وهي خطبة الطالوتية...30

مقامات الشيعة وفضائلهم وبشارتهم بخير المآل...32

حديث أبي عبد الله(عليه السلام)مع المنصور في موكبه وفيه علامات آخر الزمان . تناهز المائة والخمسين من الفتن والأشراط ...35

حديث موسى(عليه السلام)وما خاطبه الله عز وجل به ...40

وصية وموعظة لأبي عبد الله الصادق(عليه السلام)...45

إن الله تعالى اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم...47

معنى قوله تعالى :﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾...47

تأويل قوله تعالى :﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ ...48

تأويل قوله تعالى :﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ ...48

تأويل قوله تعالى : ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ﴾...48

تأويل قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ ...49

رسالة أبي عبد الله (عليه السلام)إلى سعد الخير ...50

كان أمير المؤمنين(عليه السلام)يشبه عيسى بن مريم(عليه السلام)...53

تأويل قوله تعالى : ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ...الآية﴾....54

تفسير قوله تعالى :﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾...55

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)في ذم اتّباع الهوى ...55

تأسفه على بعض ما حدث بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...55

خطبة أخرى له(عليه السلام)في تأسفه على ما سيحدث ...57

خطبة أخرى لأمير المؤمنين(عليه السلام)في عاقبة الظلم والبغي...60

ص: 303

حديث علي بن الحسين(عليه السلام)وفيه حثَّ على النفرى...61

علامات آخر الزمان أو أشراط الساعة ...61

تسوية أمير المؤمنين(عليه السلام)بين المسلمين في تقسيم بيت المال ...62

حديث النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)حين عُرِضَت عليه الخيل...62

نصيحة أمير المؤمنين(عليه السلام)لمولى له فرّ منه إلى معاوية ...64

خطبة علي بن الحسين(عليه السلام)وموعظته الناس في كل يوم جمعة...64

حديث الشيخ مع أبي جعفر الباقر(عليه السلام)...67

قصة صاحب الزيت مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...68

وصية النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)لأمير المؤمنين(عليه السلام)....69

الدين هو الحب وأنت مع من أحببت....69

فضل أهل البيت وشيعتهم وأن علياً(عليه السلام)أفضل الناس بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)...70

إحياء أمرهم وانتظار فَرَجِهِمْ(عجل الله تعالی فرجه)...71

فضل الشيعة وتفسير قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ﴾...72

الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وُعِظَ بغيره...72

تفسير قوله تعالى : ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾... 72

حديث البحر مع الشمس ...73

لكل أهل بيت حجة يحتج الله بها يوم القيامة ....74

تفسير قوله تعالى :﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ... الآية ﴾...74

عُوذَة للريح والوجع...75

حديث نبوي(صلی الله علیه وآله وسلم)فيه وصية نافعة ...75

ادعاء الرجل الهمداني بغلة موسى بن جعفر(عليه السلام)...75

تعريض العاشر لأبي عبد الله(عليه السلام)وسلوكه معه ....76

كيفية معاشرة أبي عبد الله(عليه السلام)مع غلامه...76

لم يجعل الله في خلاف أهل البيت(عليهم السلام)خيراً ...76

حديث الطبيب وبيان وجه التسمية...76

في أن غالب الأدواء له مادة في الجسد...76

الاستشفاء بالبُرّ وكيفيته ...77

ص: 304

حديث الحوت على أي شيء؟...77

خَلْقُ الأرض وإرسال الماء المالح إليها وأصل الخلق ...77

حديث الأحلام والحجّة على أهل ذلك الزمان ...78

رؤيا المؤمن في آخر الزمان على سبعين جزءاً من أجزاء النبوة...78

سؤال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «هل من مبشّرات »؟ ...78

تفسير قوله تعالى :﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنيا﴾ ...78

الرؤيا على ثلاثة وجوه ...79

الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد...79

حديث الرياح وهي أربعة أقسام : الشمال والجنوب والصَبا والدَبور...79

إن الله عز وجل رياح رحمة ورياح عذاب ...79

علاج الهم والفقر والسقم ...81

في معنى ذوي القربي ...81

حديث الرجل الشامي مع أبي جعفر(عليه السلام)وما سأله عنه ...82

كان كل شيء ماءاً وكان عرشه تعالى على الماء ...82

حديث الجنان والنوق ووصف أهل الجنة...83

كلامهم(عليهم السلام)على سبعين وجهاً لهم منها المخرج ...87

حديث أبي بصير مع المرأة ...88

الناصب لأهل البيت شر من تارك الصلاة ...88

من استخفّ بمؤمن فيهم ، ومن ذبّ عنهم(عليهم السلام)...89

حديث عبد الرحمن مع أبي عبد الله(عليه السلام) ...89

ما قال عمر لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)في بني أمية...90

في قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾...90

نزول قوله تعالى :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ ....90

أحوال يوم القيامة وبعث الخلائق ...91

من أحب أهل البيت(عليهم السلام)كان معهم يوم القيامة...92

ردُّ على من زعم أن الكمال كله في عفة البطن والفرج...93

إذا بلغ المؤمن أربعين سنة....94

في جواز الفرار من الوباء ....94

ص: 305

ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه...95

غزوة أحد ومؤاساة أمير المؤمنين لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...96

حديث آدم(عليه السلام)مع الشجرة...97

قصة قابيل وَهِبة الله ...98

قصة نوح(عليه السلام)...99

أمره سبحانه وتعالى رسوله بالوصية لعلي صلوات الله عليهما ....101

حديث نصراني الشام مع أبي جعفر الباقر(عليه السلام)...105

كتاب أبي الحسن موسى(عليه السلام)إلى علي بن سويد....106

حديث نادر في أبي ذر مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)....109

لا يقبل الله تعالى عملاً إلا بولاية أهل البيت(عليهم السلام)...110

في زهد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وأدبه وزهد علي(عليه السلام)....113

فيما ناجى الله عز وجل عيسى بن مريم(عليه السلام)...113

معنى قوله تعالى : ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ ...123

حديث إبليس لعنه الله ....123

دعاء علمه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فاطمة(عليها السلام)في رؤياها التي رأتها ...123

حديث محاسبة النفس ...124

مَثَلُ الناس يوم القيامة ....124

حديث حفص وسجود أبي عبد الله(عليه السلام)....124

في مذمّة الدنيا ...124

في ذم شكاية المؤمن حاجته عند الكافر....125

حديث المشركين مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...125

إن الله تعالى خلق الجنة قبل أن يخلق النار....125

في قوله تعالى : ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾...126

حديث فيه مدح لزرارة بن أعين وأصحابه ....126

فضل الشيعة، ووصية أبي عبد الله(عليه السلام)لهم ...127

من مات ولم يكن له إمام مات ميتة جاهلية....127

إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إذا ذهب من طريق رجع من غيره...127

تكذيب المغتاب وحَمْلُ فِعْل المؤمن على أحسنه ....128

ص: 306

حديث من وُلِد في الإسلام ...128

عرف الله تعالى نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات...128

ما خلق الله عز وجل شيئاً إلا وخلق شيئاً يغلبه....129

وصية رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لرجل استوصاه ....129

أمر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بالترحم على ثلاث . ...129

نهي عن تجسس عيوب من كان أقبل إلينا بمودته...129

جعل المتعة للإمامية عوضاً من الأشربة ...130

ما شرط الرضا(عليه السلام)على المأمون في قبول ولاية العهد...130

بعض حقوق المسلم مع إخوانه...130

النهي عن تعريض الإنسان نفسه للتهمة ...131

صفة نهر في الجنة يقال له : جعفر ...131

النصر مع من أحسن الرعاية والحفظ للإسلام ...131

موعظة نافعة لعلي بن الحسين(عليه السلام)...131

كان كل شيء ماءا وكان عرشه تعالى على الماء ...132

حديث زينب العطّارة ....132

حديث من أضاف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في الطائف ...133

حمل عظام يوسف(عليه السلام)وخبر عجوز بني إسرائيل...134

تأويل قوله تعالى : ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا...الأیة﴾...135

تفسير قوله تعالى : ﴿فيهنَّ خَيْراتُ حِسان﴾...135

للشمس ثلاثمائة وستون برجاً ....135

نهي أبي جعفر جابر الجعفي عن إفشاء سبعين حديثاً علّمه...135

حديث الناس يوم القيامة ...137

حديث سليمان بن خالد مع أبي عبد الله(عليه السلام)في الزيدية ...138

لم سُمّي المؤمن مؤمناً . ...138

الناصب لا يبالي صلّى أم زنا...139

من لم يوال علياً(عليه السلام)...139

مدح بالغ لزيد بن علي بن الحسين(عليه السلام)...139

هلاك بني أمية بعد زيد بن علي بن الحسين(عليه السلام) ...139

ص: 307

إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم(عليه السلام)...139

وجوب الاجتناب عن فاعل المنكر ...140

إن الله يعذب الستة بالسنة ...140

أحب الأشياء إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...140

سيرة علي(عليه السلام)وزهده وأن وليه لا يأكل الحرام ...141

كراهية أكل الطعام الحارّ وأكل التمر على الطعام...141

سيرة علي وفاطمة(عليها السلام)...142

في معنى قوله تعالى :﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾...143

طاعة علي(عليه السلام)ومعصيته...143

مدح الشيعة وذم مخالفيهم ...144

الحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجد أخذ...144

أشعث بن قيس وبنته وابنه لعنهم الله ...144

الرقة والبكاء عند سماع قراءة القرآن وموعظة نافعة...144

وصية أبي عبد الله(عليه السلام)لعمرو بن سعيد بن هلال ...145

وصية رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لأصحابه ...145

النهي عن الشكوى إلى أهل الخلاف ....146

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)في الموعظة...146

خطبة له(عليه السلام)أيضاً في الوصية بتقوى الله تعالى في يوم الجمعة...148

لكل مؤمن حافظ من الله عز وجل وسائب...151

الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ...151

حديث الزوراء وما يُقتل فيها ...152

تفسير قوله تعالى :﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾...152

تأويل قوله تعالى : ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾...152

تأويل قوله تعالى : ﴿ما يَكونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ . . . الآیة﴾.... 153

الذين تعاهدوا على غصب الخلافة ...153

الذين خرجوا يوم البصرة وهم الباغون...153

إيذاء بعض الصحابة سلمان الفارسي رضي الله عنه...154

تسوية أمير المؤمنين(عليه السلام)في العطاء بین الأسود والأبيض...155

ص: 308

موعظة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بني عبد المطلب...155

رؤيا رآها أبو جعفر(عليه السلام)في ميسر بن عبد العزيز وعبد الله بن عجلان...155

إن الملائكة تغسل أبا جعفر(عليه السلام)في البقيع ...155

بیان قوله تعالى : ﴿ولَوْ أَنَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا .... الآية﴾ ...156

بیان قوله تعالى : ﴿أُولِئِكَ الَّذيِنَ يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِم ... الآية﴾ ...156

لا يوجب الله طاعة أولي الأمر ويرخص في منازعتهم ...156

حدیث قوم صالح(عليه السلام)...157

قوم ثمود وناقة صالح النبي(عليه السلام)...157

حديث فَرْوَة عن أبي جعفر(عليه السلام)...160

معالجة بعض الأمراض...161

معالجة من تغيّر عليه ماء الظهر...161

دواء الضرس والفم ...163

في النظر في علم النجوم...164

لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا شوم ولا صَفَر...165

قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت...165

هل يعلم يعقوب(عليه السلام)أن يوسف حی؟...166

تأويل قوله تعالى : ﴿وعَمُوا وصَمُوا ﴾...166

معنى قوله تعالى :﴿ لُعِنَ الَّذيِنَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائِيلَ . .. الآية ﴾...167

قراءة قوله تعالى :﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ... الآية ﴾. ...167

قصة ابن أبي سرح وكتابه وهدر دمه...167

تأويل قوله تعالى : ﴿وَقّاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةُ ... الآية﴾ ...167

العباس وعقيل يوم بدر...168

نزول قوله تعالى :﴿ أَجَعَلْتُم سِقَايَةَ الْحَاجَّ ... الآية﴾...167

تفضيل الله عز وجل علياً (عليه السلام) ...169

تأويل قوله تعالى : ﴿وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إِسْرَائيِلَ ... الآية﴾ ....170

تسيير عثمان أبا ذر إلى الربذة...170

المحقّة والمبطلة من الصيحتين تكونان عند قيام القائم(عجل الله تعالی فرجه)...172

مناديان ينادي أحدهما أول النهار والآخر آخر النهار ...172

ص: 309

حديث الصيحة...172

قصة أبي الدوانيق وملك بني العباس...173

آیتان تكونان قبل قيام القائم(عجل الله تعالی فرجه)...174

فضل الشيعة ...175

شكوى أبي عبد الله(عليه السلام)إلى الله عز وجل ...176

حديث سفيان بن مصعب العبدي وشدة التقية ...176

استسقاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...177

موعظة للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ...178

ثلاث من كن فيه فلا يرج خيره...179

إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه...179

حديث يأجوج ومأجوج...179

من علامات الفرج ....180

قصة عمر أخي عذافر وأبي عبد الله(عليه السلام)...180

توجيه كلام أبي ذر رضي الله عنه ...181

رؤیا رآها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...181

حديث عبد الأعلى في اختلاف الشيعة تفرّق أمة موسى وعيسى(عليه السلام)ومحمد(صلی الله علیه وآله وسلم)...181

متى فَرَجُ الشيعة ...183

تعرض بعض أصحاب أبي الخطاب لأبي جعفر(عليه السلام)وبراءته منهم ...183

ما يعمل القائم(عجل الله تعالی فرجه)بالنواصب ...184

ما أكثر الوصف وأقل الفعل...184

إنما شيعة على من صدّق قوله فعله ...185

رحم الله عبداً حببنا إلى الناس ...185

بیان قوله تعالى : ﴿والَّذِينَ يُؤْتَونَ مَا أتَوْا وَقُلُوبُهُم وَجِلَة﴾ ...185

سؤال عن قول الرجل : جزاك الله خيرا ...186

حديث القباب ...186

من خصف نعله ورقع ثوبه وحمل سلعته فقد بريء من الكبر ...187

براءة الصادق(عليه السلام)من أصحاب أبي الخطاب ومقالتهم ...187

ص: 310

مقالة الوزع وإنه رِجْس مِسْخ...187

إن الله بعث محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)رحمة ويبعث القائم(عجل الله تعالی فرجه)نقمة ...188

أشبه الناس بموسى بن عمران(عليه السلام)....188

ثلاث من فخر المؤمن ...189

ثلاثة هم شر خلق الله وابتلى بهم خيار خلق الله...189

حديث يزيد بن معاوية لعنهما الله وعلي بن الحسين(عليه السلام)...189

من كذّب آية من كتاب الله فقد نَبَذَ كتاب الله وراء ظهره...190

من قعد في مجلس يُسَبّ فيه إمام من الأئمة(عليهم السلام)...190

لا تقبل العبادة إلا ممن أقر بولا يتهم(عليه السلام)...190

حديث أم خالد وأبي بصير وكثير النوا ...191

حديث فاطمة(عليها السلام)لما أخرج علي(عليه السلام)....191

تكنية مروان وأبيه بالوزغ...192

لما ولد مروان وحديث عائشة مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...192

كتاب أمير المؤمنين(عليه السلام)إلى ابن عباس ...193

فضل الشيعة وموعظة نافعة لأبي جعفر(عليه السلام)...194

إذا قام القائم(عجل الله تعالی فرجه)مد الله في أسماع الشيعة وأبصارهم...194

من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة ...195

كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع يوم القيامة إلا ما أثبته القرآن ...195

برنامج صالح للدين والدنيا...195

مدح القناعة ...196

الناس وأشباه الناس والنسناس ...197

سؤال سدير عن أبي جعفر(عليه السلام)....197

الناس بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أهل ردّة إلا ثلاثة ...198

كلام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يوم فتح مكة ...198

في توبة ولد يعقوب وأنهم ليسوا بأنبياء ...198

استسقاء سليمان(عليه السلام)وحديث النملة...198

توقيع الرضا(عليه السلام)إلى الحسن بن شاذان الواسطي ...199

ص: 311

ما جاء في فضل معرفة الله تعالى...199

ما جاء في خلق البعوض وأنه أصغر الخلق ...199

تفسير قوله تعالى : ﴿يَا أَيَّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وللرَّسُولِ . الآية ﴾...200

محارب رسول الله ، شَرٌّ أم محارب علي(عليه السلام)...201

لا يستحق عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ...202

ما هُدِي من هذه الأمة من اهتدى إلا بهم(عليه السلام)...203

عرض أعمال الأمة لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)واستغفاره لهم ...203

مجيء علي بن الحسين(عليه السلام)لزيارة الحسين(عليه السلام)...204

نزول قوله تعالى : ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظلوماً﴾ في الحسين(عليه السلام)...204

من أحب الشيعة حباً لعقيدته دخل الجنة ...204

خطبة أمير المؤمنين(عليه السلام)بعد الجمل...205

نص الرضا(عليه السلام)بإمامة نفسه ومعجزة له ...206

حديث جارية الزبير وقصة الرجل العقيلي ...206

أصحاب اليمين هم شيعة علي(عليه السلام)...208

بايع علي رسول الله صلوات الله عليهما على العسر واليسر...208

قصة آل الذريح وإيمانهم ...208

حديث الإسراء ووصف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الشام للقوم...209

حديث الهجرة وقصة أبي بكر مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في الغار...209

حديث سُراقة بن مالك وسوء قصده لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...209

مدح زید بن علي بن الحسين(عليه السلام)...210

خروج السفياني هو علامة ظهور القائم(عجل الله تعالی فرجه)...211

الأمر بإلزام البيت قبل خروج السفياني ...211

فضيلة البسملة ...212

تعجب أبي عبد الله من العرب إذا ذكر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)...212

في قوله تعالى :﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ ... الآية﴾ ...212

في قوله تعالى : ﴿اِعْلَمُوا أَنَّ الله يُحيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها . .. الآية ﴾...212

حديث نوح(عليه السلام)يوم القيامة ...213

شهادة جعفر بن أبي طالب وحمزة للأنبياء...213

ص: 312

كان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) يقسم لحظاته بين أصحابه...213

ما كلّم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)العباد بكُنْه عقله...214

شيعتهم حواريهم(عليهم السلام)...214

لو ضربت خيشوم المحب ما أبغض...214

تفسير قوله تعالى : ﴿غُلِبَت الرُّوم فِي أدْنَى الأَرْض﴾...214

إبطال ما زعمته العامة من إثبات خلافة أبي بكر بالإجماع...214

سجدة أبي عبد الله(عليه السلام) ...216

من أين تهب الريح...217

خبر كتاب أبي مسلم المروزي إلى الصادق(عليه السلام)...219

لم يكن إبليس من الملائكة...219

كل الناس في : ﴿يَا أيَّها الَّذيِنَ آمَنُوا ﴾سواء في الخطاب ...219

جعل الصلاة للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)....221

لعن المرجئة...221

حديث أبي لهب وإرادة المشركين قتل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...221

حديث إبليس يوم بدر ...221

غزوة الأحزاب ...222

موضع مسجد الكوفة ....223

منزل نوح(عليه السلام)ومدة لبثه في قومه ...223

فضل مسجد الكوفة والصلاة فيه...225

أخبار نوح(عليه السلام)والسفينة ...225

خبر نوح(عليه السلام)وَمَلَك الموت وتمصيره الأمصار....226

نوح ووصيّه ...227

الكف عن المخالفين أجمل ...227

في الخمس والفيء ...227

تأویل آيات في خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه)...228

الذِكْر هو أمير المؤمنين (عليه السلام)...228

تأویل آيات في خروج القائم(عجل الله تعالی فرجه)...228

لا يسلّط إبليس على دين المؤمن ...229

ص: 313

تشبيه أبي جعفر(عليه السلام)طواف القوم بطواف الجاهلية وتأويل بعض الآيات وتفسيرها ...229

بیان قوله تعالی : ﴿سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ ... الآية ﴾...230

علم أبي حنيفة في التعبير وخطأوه ...232

متى الفتح والفرج؟ ...233

سبب كتمان أمير المؤمنين(عليه السلام)أمره...234

ارتداد الناس عن الإيمان بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)...234

حديث إسلام أبي ذر - رضي الله عنه -...235

حديث إسلام ثمامة بن أثال...237

حديث ولادة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)...237

في قوله تعالى : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله . . . الآية﴾ ....238

استحباب اتخاذ الرفيق في السفر ....239

بعدما رأى إبراهيم(عليه السلام)ملكوت السماوات...240

سبب الحر والبرد ...241

من أحب علياً(عليه السلام)...242

الملاحم والفتن والأشراظ ...242

حديث الفقهاء والعلماء ...242

الملاحم والأشراط ...243

صفة أهل بيت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)...243

تفسير قوله تعالى : ﴿وكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذيِنَ كَفَرُوا ﴾...244

خمس علامات قبل قيام القائم(عجل الله تعالی فرجه). ..245

من علامات القائم(عجل الله تعالی فرجه)...245

تفسير قوله تعالى :﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيِهِمْ﴾...246

صفة جهنم ...246

تأويل قوله تعالى : ﴿أَيْنَمَا تَكُوُنُوا يَأتِ بِكُمُ الله جَميَعاً﴾ ...248

وفاة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كانت في يوم الاثنين ...248

الأمر بالتزوار والتعاهد...249

خبر تابوت بني إسرائيل...249

ص: 314

الحسنين(عليه السلام)ابنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...250

غزوة أحد وقصة المنهزمين ....251

صلح الحديبية ...253

قصة بني مدلج ...254

حديث ضيف إبراهيم وإهلاك قوم لوط ....255

الذي صنعه الحسن بن علي(عليه السلام)خير للأمة...256

حدیث سؤال معلى بن خنيس عن النجوم...257

قتل السفياني من علامات القائم...258

بيوت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)هي البيوت التي أذن الله أن تُرْفَعَ ...258

خبر أسامة لما حضره الموت...259

خبر ناقة رسول الله القصواء ...259

إن مريم حملت بعیسی(عليه السلام)تسع ساعات...259

علي(عليه السلام)أولى الناس بالناس بعد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)...260

فضل آل محمد(عليهم السلام)...261

في قوله تعالى : ﴿ربَّنَا أَرِنَا اللَّذِينَ أَضْلَانَا مِنَ الْجِنَّ وَالإنْسِ﴾...261

في قوله تعالى :﴿إذْ يُبَيِّتُوُن مَا لَا يَرضَى مِن القُولِ﴾....261

في قوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ الَّذيِنَ يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ...الآیة﴾...262

حديث ذي النُمرة ....263

حديث الرجل الذي أحياه عيسى بن مريم(عليها السلام)...263

بیان قوله تعالى : ﴿وَمَن يَرِدْ فِيهِ بِإلْحَادِ بِظُلْمِ﴾ ...264

في قوله تعالى :﴿ الَّذِيِنَ اَخْرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ...الآیة﴾...264

حديث إسلام علي(عليه السلام)...265

الهجرة إلى المدينة وتزويج فاطمة(عليها السلام) ...265

متى فُرِضَتْ الصلاة على المسلمين ...266

صفة بني العباس ...266

أول من بايع أبا بكر...267

حديث إبليس يوم الغدير ...268

بني أمية يردّون الناس عن الإسلام القهقرى ...269

ص: 315

لولا قول الناس لضرب النبي أعناق جمع من أصحابه...296

الرضا والشكر وحسن الظن بالله...270

نصائح لقمان لابنه في آداب السفر ...271

مناظرة أبي جعفر(عليه السلام)مع عبد الله بن نافع...272

مقالة أبي عبد الله(عليه السلام)في علم النجوم...274

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)بصفين ...274

خطبة له(عليه السلام)أيضاً في معاتبة طالبي التفضيل...278

حدیث ولد العالم مع جاره وفيه تقسيم الزمان على ثلاثة ...279

خبر المعراج أو الإسراء ...281

فضل الشيعة ومدحهم ...282

أعجب ما رأى جعفر بن أبي طالب في الحبشة....283

أخبار آزر و نمرود وميلاد إبراهيم(عليه السلام) ...283

احتجاج إبراهيم(عليه السلام)على نمرود...284

خبر النار التي أوقدوها لإبراهيم(عليه السلام)...284

مولد إبراهيم(عليه السلام) بكوثى رُبا ...284

إخراج إبراهيم(عليه السلام) من أرض مولده....284

خبر تعرض العاشر لإبراهيم(عليه السلام) . ...285

خبر إبراهيم(عليه السلام) مع نمرود وقصة سارة ....285

حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة والمفضّل بن عمر ...287

قال أبو عبد الله(عليه السلام) : أنا إمام من أطاعني ولست بإمام لمن عصاني ...287

خبر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عن قتل جعفر(عليه السلام) ...288

عدد من قتل بيد علي(عليه السلام) يوم حُنين...288

صفة البراق الذي ركبه رسول الله ليلة أسري به ...288

قراءة قوله تعالى : ﴿وَعَلَى الثَّلَاَثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا ﴾...289

قراءة قوله تعالى : ﴿التَّائِبُونَ العَابِدُونَ﴾ ....289

قراءة قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم ... الآية﴾...289

نزول قوله تعالى : ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضُ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾...290

بيان لقوله تعالى : ﴿وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةٌ وَاحِدَةً ﴾....290

ص: 316

بيان لقوله تعالى : ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾ ...290

بيان لقوله تعالى : ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذيِنَ ظَلَمُوا ﴾...291

بيان لقوله تعالى : ﴿والنَّجْمُ إِذَا هَوَى ... الآيات﴾ ...291

بیان لقوله تعالى : ﴿قُلْ لَو أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم﴾...291

بیان لقوله تعالى : ﴿سَنُرِیَهُمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ ...292

رباطهم (عليه السلام)رباط الدهر ...292

كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لا يتداوى من الزكام ...293

حديث العابد مع الشيطان ...295

حديث العابد وزوجته والسائل...295

خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام)في إنذاره بما يأتي من زمان السوء ...296

كلام لعلي بن الحسين(عليه السلام)...298

حديث ملك الموت وبشارته لإبراهيم(عليه السلام)...298

حديث إبراهيم(عليه السلام)والرجل العابد ...299

إن الله اتخذ إبراهيم(عليه السلام)خليلا ...300

كلام لعلي بن الحسين(عليه السلام)...300

قول أبي عبد الله(عليه السلام): لا يخرج على هشام أحد إلا قتله، وحديث زيد(عليه السلام)...301

خبر محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي(عليه السلام)...302

تفسير قوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ﴾....302

صفة أهل البيت(عليه السلام)...302

ص: 317

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.