سرشناسه:صانعی، یوسف، 1316-1399.
Saanei, Yusuf
عنوان و نام پديدآور:اجزاءالاغسال عن الوضوء: طبقا لنظریات المرجع الدینی سماحه آیه العظمی الشیخ یوسف الصانعی دام ظله/ تحقیق موسسه فقه الثقلین الثقافیه.
مشخصات نشر:قم: فقه الثقلین، 1440 ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:84 ص.؛ 11×21 س م.
فروست:سلسله الفقه المعاصر؛ 13.
شابک:80000 ریال:978-600-5280-69-2
وضعیت فهرست نویسی:فاپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:پشت جلد به انگلیسی:. ...Sufficiency of ghulus instead of wudu
یادداشت:کتابنامه: ص. [78] - 84؛ همچنین به صورت زیرنویس.
موضوع:غسل
*Ritual washing (Islam)
وضو
Ablutions (Islamic law)
فتوا های شیعه -- قرن 14
Fatwas, Shiites -- 20th century
فقه جعفری -- رساله عملیه
*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc.
شناسه افزوده:مرکز مطالعات و تحقیقات فقه الثقلین
رده بندی کنگره:BP185/6/ص2الف3 1397
رده بندی دیویی:297/352
شماره کتابشناسی ملی:5386138
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
موسسه فقه الثقلین الثقافیه
ص: 2
سلسة الفقه المعاصر 13
أجزاء الأغسال عن الوضوء
طبقاً لنظريات المرجع الديني
سماحة آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي (مدظله العالي)
1440 ه.ق
ص: 3
منشورات فقه الثقلين
إجزاء الأغسال عن الوضوء
طبقاً لنظريات المرجع الديني
سماحة آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي (مد ظله العالي
الناشر: منشورات فقه الثقلين / تحقيق: مؤسسة فقه الثقلين الثقافية
الطبعة: الأولي - 1440 / الكمية: 3000 نسخة
السعر: 8000 تومان
حقوق الطبع محفوظة للناشر
العنوان: قم المقدسة
شارع الشهداء (الصفائية)، الفرع 37 ، الفرع الخامس، رقم 662
صندوق البريد: 47664 - 37137
الهاتف: 8 - 37835101 ( 025 ) / الفاكس: (02537835109
info@feqh.ir / www.feqh.ir
ص: 4
المقدّمة: ... 8
تقرير موضع البحث ... 13
أدلّة إجزاء غُسل الجنابة عن الوضوء ... 15
1 - إجماع الفقهاء ... 15
2 - روايات المعصومين ... 16
القسم الأوّل: آراء وأدلّة القائلين بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء / 19
الفصل الأوّل: آراء الفقهاء ... 21
الفصل الثاني: مناقشة أدلّة القائلين بعدم الإجزاء ... 24
ص: 5
أ) الآية وكيفيّ-ة الاستدلال بها ... 24
ردّ الاستدلال بالآية ... 25
ب) الروايات ... 29
1 - مُرسلة ابن أبي عمير: ... 29
2 - حسنة حمّاد بن عثمان: ... 31
3 - رواية عليّ بن يقطين: ... 34
ج) عموم الأخبارالدالّة على وجوب الوضوء في كلّ حدث ... 38
د) أصل الاستصحاب ... 38
ه) الشهرة ... 40
و) الدليل العقلي ... 42
القسم الثاني: أدلّة القائلين بإجزاء الأغسال عن الوضوء / 45
الفصل الأوّل: آراء الفقهاء ... 47
الفصل الثاني: أدلّة القائلين بالإجزاء ... 49
أ) الروايات ... 49
1 - الأخبار المنفردة: ... 50
1- 1) صحيحة محمّد بن مسلم: ... 50
2- 1) صحيحة حكم بن حكيم: ... 56
3- 1) مرسلة حمّاد بن عثمان: ... 57
4- 1) مكاتبة الهمداني: ... 58
5 -1) موثّقة عمّار الساباطي: ... 60
6 - 1) مرسلة الكليني: ... 63
2 - الأخبار المنضمّة: ... 64
1 -2) الروايات الواردة في بحث الحيض والنفاس والاستحاضة: ... 64
2 -2) رواية أبي الصامت في باب غسل الزيارة: ... 69
3 -2) الروايات في باب صلاة الحاجة: ... 71
ب) رفع الحدث بالغسل ... 74
ص: 6
النتيجة: ... 76
مصادر الكتاب ... 78
ص: 7
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْم-ُتَطَهِّرِينَ ﴾.(1)
إنّ باب «الطهارة» من الأبواب الهامّة في الفقه، وقد شغل مساحة واسعة من الروايات المنقولة عن المعصومين علیهم السلام، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف وتضارب كبير بين آراء الفقهاء، وفي الوقت نفسه فإنّ هذا يشير إلى أهميّ-ة هذا الباب واهتمام الإسلام بموضوع «الطهارة» و«النظافة».
إنّ «الطهارة» من الموارد التي يتقرّب بها العباد إلى
ص: 8
الله سبحانه وتعالى، وإنّ عباديّ-ة «الوضوء» و«الغسل» و«التيمّم»، وكذلك الأوامر الوجوبيّ-ة والاستحبابيّ-ة فيما يتعلّق برعاية النظافة والطهارة في حقّ الميّت، تؤكّد الاهتمام البالغ لشريعة الإسلام المقدّسة بالنظام والبُعد عن الأقذار الجسديّ-ة، ممّا يشكل بدوره مقدّمة للتقرّب من الله والنقاء الروحي.
لقد أدّى تأكيد الفقهاء على بيان أمور من قبيل: الوضوء والغسل، إلى تخصيص مساحة كبيرة من كتب الفقهاء لمسائل وأبحاث متنوّعة فيما يتعلّق بهذه الأمور. إنّ الغسل واحد من الأحكام العباديّ-ة في الشريعة المقدّسة، وقد ورد ذكره في المصادر الفقهيّ-ة على نحو الوجوب أو الندب. وعلى الرغم من عدم اتّضاح جميع العلل التشريعيّ-ة لأحكام من قبيل الغسل والوضوء - وهما من الأحكام التأسيسيّ-ة والعباديّ-ة - ولكن ورد في بعض الروايات الواردة في علل تشريع «غسل الجمعة» أنّ الحكمة من ذلك إزالة الروائح الكريهة.(1)
ص: 9
كما أنّ الفرد من خلال التأمّل والتفکّر في أسباب تشريع الأغسال المندوبة، من قبيل: غسل الزيارة والإحرام، قد يصل إلى بعض حِكَمها، من قبيل: رعاية حقوق الله، وحقّ جسد المكلّف عليه، وحقوق الآخرين من الذين يتعاملون معه؛ إذ أنّ الإنسان في مثل هذه الموارد يتعاطى في الغالب مع أبناء المجتمع، ويضطرّ إلى معاشرتهم. وعليه، ينبغي أن يأخذ زينته عند الخروج إلى الوسط الاجتماعي فيكون طاهر الظاهر ونقيّ الباطن؛ فلا يؤذيهم برائحة كريهة.(1) ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ هناك عللاً أخرى ل- «الأمر بالغسل» لا يمكن للعقول أن تنالها بسبب عباديّتها، أو لعجز العقول عن إدراكها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَم-َا أُوتِيتُمْ م-ِنَ الْعِل-ْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.(2)
الأمر الآخر الذي يجب الالتفات إليه هو أنّ الإسلام دين يحترم الحياة الفرديّ-ة إلى حدّ كبير. وله
ص: 10
الكثير من الأحكام والقوانين الخاصّة والعامّة في هذا الشأن. بيد أنّ هذه القوانين لا تنافي يُسر الدين أبداً. وبعبارة أخرى: إنّ القوانين والأحكام الإلهيّ-ة لا تعرّض الإنسان إلى المشقّة والحرج، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.(1)
ومن هنا فقد أقام النبيّ الأكرم صلي الله عليه و آله بعثته على السهولة واليُسر في أداء التكاليف الإلهيّ-ة، وفي ذلك رويَ عنه صلي الله عليه و آله، أنّه قال: «بُعثت بالحنيفيّ-ة السمحة».(2)
وعليه، فإنّ الإسلام إذا أمر ب- «الغسل» أو «الوضوء»، فإنّما يكون ذلك بالنظر إلى ظروف وشرائط خاصّة تمّت الإشارة إليها في الكتب الفقهيّ-ة، وإذا أدّى شرط إلى وقوع المكلّف في المشقّة والعُسر، عمد الشارع المقدّس إلى تدارك مصلحة التكليف الابتدائي بتشريع أيسر؛ حتّى إذا فُقد الماء أو حال دون استعماله مرض، سقط وجوب أو استحباب
ص: 11
[الوضوء أو الغُسل]، وحلّ محلّهما ب-«التيمّم»، وهكذا الأمر بالنسبة إلى أبواب الفقه الأخرى المذكورة في مظانّها.
والحمد لله أوّلاً وآخراً
ص: 12
إنّ «غُسل الجنابة» من الأغسال التي تُجزي - بالنظر إلى الروايات الكثيرة - عن الوضوء. بل نُقل الإجماع على ذلك من قبل الكثير من علماء الشيعة. بل يجب القول: إنّ هذا الحكم يعتبر من ضروريّات فقه الشيعة، بل فقه الإسلام، إذا لم نقل إنّه من ضروريّات ذات المذهب والإسلام. بيد أنّ الذي وقع مورداً للخلاف بين الفقهاء هو إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء. فقد ذهب مشهور الفقهاء إلى القول بعدم إجزاء غير غُسل الجنابة عن الوضوء، وفي قبال هذا المشهور ذهب عددٌ من الفقهاء إلى القول بإجزاء جميع الأغسال -
ص: 13
واجبها ومندوبها - عن الوضوء. وعليه، فإنّنا نسعى في هذا المقال إلى مناقشة أدلّة الطرفين والإشكالات المطروحة عليهم، مع بيان التحقيق في هذه المسألة الفقهيّ-ة.
ولكن قبل الدخول في محلّ البحث يجدر بنا أن نشير على نحو الإجمال إلى أدلّة إجزاء غُسل الجنابة عن الوضوء، ثمّ ننتقل بعد ذلك إلى مناقشة أدلّة الطرفين في موضوع إجزاء أو عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء.
ص: 14
لقد اعتبر الإجماع في كلمات الفقهاء بوصفه واحداً من الأدلّة على إجزاء غُسل الجنابة عن الوضوء، وفيما يلي نشير إلى نموذجين من ذلك. قال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف:
غُسل الجنابة يجزي في الوضوء ... دليلنا: ... إجماع الفرقة... .(1)
ص: 15
وقال الشهيد الثاني:
كلّ الأغسال لابدّ معها الوضوء... إلّا غُسل الجنابة، فإنّه لا وضوء معه عندنا وجوباً إجماعاً.(1)
وهي كثيرة، نكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها:
أ - عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبدالله علیه السلام ، وذكر كيفيّ-ة غُسل الجنابة، فقال: «ليس قبله ولا بعده وضوء».(2)
ب - عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر [البزنطي]، قال: سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن غُسل الجنابة ؟ فقال: «تغسل يدك اليُمنى...، ولا وضوء فيه».(3)
ج - عن حريز، أو عمّن رواه، عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ علیه السلام أنّه كان يأمر
ص: 16
بالوضوء قبل الغُسل من الجنابة ؟ قال: «كذبوا على عليّ علیه السلام ما وجدوا ذلك في كتاب عليّ علیه السلام ، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾(1)».(2)
د - عن حمّاد بن عثمان، عن حكم بن حكيم، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة... - إلى أن قال: - قلت: إنّ الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغُسل، فضحك وقال: «وأيّ وضوء أنقى من الغُسل وأبلغ».(3)
بالالتفات إلى أنّنا في هذه الدراسة نسعى إلى إثبات المُدّعى القائل بأنّ جميع الأغسال تجزي عن الوضوء، نجد أنفسنا مضطرّين في إطار إثبات مدّعانا في القسم الأوّل إلى ذكر الآراء ومناقشة أدلّة القائلين بعدم الإجزاء، وفي القسم الثاني إلى نقل الآراء ودراسة أدلّة القائلين بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء.
جدير بالذكر أنّ سماحة آية الله العظمى الشيخ
ص: 17
يوسف الصانعي (مُدّ ظلّه) من القائلين ب- «إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء». ومن هنا فإنّ الأبحاث القادمة تشتمل على الآراء الفقهيّ-ة لسماحته في هذا الشأن.
ص: 18
ص: 19
ص: 20
ذهب مشهور فقهاء الشيعة في مورد إجزاء الأغسال عن الوضوء إلى الحكم بعدم الإجزاء. وفي هذا القسم نتعرّض إلى نقل آراء بعضهم، ثمّ ننتقل بعد ذلك إلى مناقشة الأدلّة المطروحة من قِبلهم.
يمكن لنا أن نذكر من بين المتقدّمين من العلماء القائلين بعدم إجزاء الغُسل عن الوضوء، الشيخ الصدوق؛ إذ يقول:
من اغتسل لغير جنابة، فليبدأ بالوضوء، ثمّ يغتسل، ولا يجزيه الغسل عن الوضوء؛ لأنّ الغسل سُنّ-ة[يعني ورد في الروايات] والوضوء فرضٌ[يعني ورد في القرآن]، ولا يجزي
ص: 21
السنّ-ة عن الفرض.(1)
وهناك احتمال قويّ في أنّ استدلاله حيث قال: «الغسل سُنّ-ة والوضوء فرض، ولا يجزي السنّ-ة عن الفرض»، ناظرٌ ومستلهمٌ من الحديث الذي روي عن الإمام موسى بن جعفرعلیه السلام ، وإليك نصّه:
عبدالرحمن بن أبي نجران، أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفرعلیه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر، أحدهم جنب، والثاني ميّت، والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة ومعهم الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال: «يغتسل الجنب، ويدفن الميّت بتيمّم، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء، لأنّ الغسل من الجنابة فريضة، وغسل الميّت سنّ-ة، والتيمّم للآخر جائز».(2)
وعليه، فمعنی كلام الشيخ الصدوق: أنّ وجوب الوضوء أمرٌ مذكورٌ في القرآن، فهو «فرض»، بيد أنّ الغُسل في حالة الوجوب والندب (غير غُسل الجنابة)، مذكورٌ في الروايات، فهو «سنّ-ة». وعليه، فإنّ الشيء
ص: 22
الذي فُهم وجوبه من الأحاديث وسنّ-ة النبيّ الأكرم صلي الله عليه و آله، لا يُجزي عن الأمر الذي وجب بدلالة القرآن الكريم.
ومن بين العلماء القائلين بعدم إجزاء الغسل عن الوضوء، كلّ من: الشيخ المفيد في المقنعة،(1) والشيخ الطوسي في النهاية،(2) وابن إدريس في السرائر،(3) وكذلك ابن حمزة في الوسيلة (4) (رحمهم الله تعالى).
كما أنّ بعض الأعاظم من أمثال المحقّق رحمه الله في المختصر النافع، رغم تردّده في حكم المسألة، إلّا أنّه أفتى لاحقاً بعدم الإجزاء استظهاراً، حيث قال:
ويجزي غسل الجنابة عن الوضوء، وفي غيره تردّد، أظهره أنّه لا يُجزي.(5)
وقد ذكر المقداد السيوري رحمه الله في بيان وجه التردّد في كلام المحقّق الحلّي قائلاً:
فقد تردّد المصنّف؛ لتعارض الروايات واختلاف الأصحاب.(6)
ص: 23
لقد تمسّك القائلون بعدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء، بعدد من الأدلّة، وتشتمل هذه الأدلّة على: آية، وبعض الروايات، وأصل الاستصحاب. ويستفاد من ظاهر كلام بعضهم أنّ شهرة القول بعدم إجزاء الغسل عن الوضوء، رافعة للتعارض بين أدلّة المشهور وأدلّة القائلين بالإجزاء. وبعبارة أخرى: إنّهم جعلوا من الشهرة واحدة من أدلّتهم الثابتة.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْم-َرَافِقِ ... ﴾.(1)
إنّ القائلين بعدم إجزاء الأغسال عن الوضوء، قد استدلّوا على ذلك بعموم هذه الآية الكريمة. بتقريب أنّ الله تعالى قد أمر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة. وعليه، كلّما قام المكلّف إلى الصلاة وجب عليه الوضوء. و بعبارة أخرى: إنّ عموم الآية شاملة للذي قد اغتسل والذي لم يغتسل، والجُنب وحده هو المُستثنى من هذه القاعدة، وإنّ عموم الآية بالنسبة
ص: 24
على الجُنب يتمّ تخصيصه بآية أخرى تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ... ﴾.(1) كما يتمّ تخصيصه بتكملة الآية المذكورة (الآية التي تمّ الاستدلال بها) التي تقول: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾.(2)
وأمّا بالنسبة إلى سائر الأفراد، فهو باقٍ على عموميّته. وقد ذكر العلّامة الحلّي هذا الاستدلال على النحو الآتي:
أمر مريد القيام للصلاة مطلقاً بالوضوء، وهو عام فيمن اغتسل وغيره، خرج الجنب بقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾، وبقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، فإنّه يفهم منه أنّ الأمر الأوّل لغيره، وبالإجماع فيبقى الباقي على عمومه.(3)
في الجواب عن هذا الاستدلال يجب القول: إنّ المراد من ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ - كما قال المفسّرون(4)
ص: 25
«إن كنتم محدّثين».
وعلى هذا الأساس، عند القيام بالغسل، لا يبقى هناك حدث حتّى تكون هناك ضرورة إلى إزالته. وبعبارة أخرى: إنّ الآية إنّما توجب الوضوء إذا كان هناك حدث، وأمّا إذا أتى المكلّف بالغُسل، لا يبقى هناك معنى لاعتباره محدثاً، كي يجب عليه الوضوء.
كما أشكل بعض الفقهاء على الاستدلال بهذه الآية بإشكالات قابلة للنقاش. وفيما يلي نشير إلى هذه الإشكالات ومناقشتها.
قال المحقّق السبزواري في ردّ هذا الاستدلال:
فلأنّ الآية وإن كانت عامّة، لكنّها تتخصّص بالأدلّة الآتية جمعاً بين الأدلّة، وممّا يضعّف الاستناد إليه ما نقل المصنّف في المنتهى، إجماع المفسّرين على أنّ المراد إذا قمتم من النوم، ونسبه في الخلاف إلى المفسّرين، ويدلّ عليه بعض الروايات المعتبرة،(1) وقد مرّ فى بحث نواقض الوضوء. وقد يناقش فى
ص: 26
عمومها؛ لعدم اشتمالها على شيء من أدوات العموم.(1)
كما قال المرحوم الخونساري في الإشكال على دلالة الآية:
والجواب أوّلاً: فبمنع العموم؛ لأنّ كلمة «إذا» ليس من أداته، بل للإهمال. وأمّا ثانياً: فلوجود المخصص ممّا أوردنا من الروايات.(2)
كما أنّ المحقّق الأردبيلي(3) وصاحب المدارك(4) لايقبلان بدورهما هذا الاستدلال بالآية الكريمة، وقد أوردا ذات الإشكالات المشار إليها، باعتبارها مانعة من الاستناد إلى عموم الآية.
وباختصار: فإنّ الاستدلال بالآية يرد عليه ثلاثة إشكالات من وجهة نظر الفقهاء، وهي كالآتي:
أوّلاً: لا عموم في الآية؛ لعدم وجود أداة دالّة على العموم فيها، وإنّ كلمة «إذا» للدلالة على الإهمال كما هو واضح.
وثانياً: إنّ الآية الكريمة مختصّة بالقيام من النوم، كما يدلّ على ذلك بعض الروايات، وعلى ذلك سار
ص: 27
المفسّرون أيضاً.
وثالثاً: إنّ عموم وإطلاق الآية الكريمة يتمّ تخصيصه بالروايات الدالّة على إجزاء كلّ غُسل عن الوضوء.
ولكن يبدو أنّ هذه الإشكالات لا تخلو من نقاش، وذلك على النحو الآتي:
1 - على الرغم من أنّ كلمة «إذا» ليست من أدوات العموم، ولكن حيث كان القرآن في مقام بيان الحكم، دون الإهمال والإجمال، فإنّ هذا يُشكل بدوره قرينة على عدم وجود الاختصاص في الآية. ومن هنا فإنّ إطلاق كلمة «إذا» في هذه الآية يفيد العموم والشمول الذي تقدّم ذكره.
2 - لو قيل: إنّ الآية الكريمة مختصّة ب«القيام من النوم»، قلنا: إنّ الآية إنّما تبيّن واحداً من المصاديق، ولا تشتمل على حكم كلّي يتعلّق بمصداق واحد.
3 - إنّ تخصيص الآية بالروايات الدالّة على إجزاء الغُسل عن الوضوء إنّما هو إشكال مبنائيّ؛ بمعنى أنّ تخصيص هذه الآية بالروايات إنّما يتمّ على مبنى القائلين بدلالة الروايات على الإجزاء، دون مبنى القائلين بعدم دلالة هذه الروايات على إجزاء الأغسال عن الوضوء.
ص: 28
وعلى كلّ حالٍ، حيث أنّ المراد في قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ... ﴾ - قطعاً - حالة عدم الطهارة من ناحية، وحيث أنّ أدلّة غسل الجنابة وكذلك روايات إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء، تثبت الطهارة للمكلّف من ناحية أخرى، فإنّ هذه الأدلّة والروايات يكون لها ورود على الآية، وتنفي موضوع «عدم الطهارة» تعبّداً، ولا تكون هناك - مع غُسل الجنابة وسائر الأغسال الأخرى - حاجة إلى الوضوء الذي تشير إليه هذه الآية؛ لأنّ عدم الطهارة المنظور في الآية قد ارتفع بهذه الأغسال، ومعه لا يبقى هناك موضوع لتحصيل الطهارة.
ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: «كلّ غُسل قبله وضوء إلّا غُسل الجنابة».(1)
طريقة الاستدلال: إنّ الاستدلال بهذه الرواية على عدم الإجزاء واضح؛ لأنّ الإمام قد أوجب الوضوء مع
ص: 29
كلّ غُسل باستثناء الغُسل من الجنابة بشكل صريح لا لبس فيه.
الردّ على الاستدلال: إنّ الاستدلال بهذه المرسلة غير تامّ؛ وذلك لوجود الإشكال فيها من ناحية السند والدلالة على السواء.
أمّا الإشكال في السند؛ فلأنّ الرواية مرسلة. فعلى الرغم من أنّ راويها هو ابن أبي عمير، وقد تلقّى الأصحاب مرسلاته بالقبول، ولكن حيث لا نعلم من هو الذي روى عنه، يبقى هناك احتمال أنّ الذي روى عنه ضعيف، وهذا يشكل مانعاً من قبول روايته.
ومن بين الفقهاء الذين ذكروا هذا الإشكال المحقّق الأردبيلي قدس سره؛ إذ يقول:
في قبول المرسل بحث - كما ذُكر في محلّه - نعم، لو علم أنّه لم يُرسل إلّا عن عدل، وعلم ذلك العدل فهو مقبول. واعترض عليه بأنّه خارج عن الإرسال ولا يضرّ ذلك؛ لأنّ الكلام فيما هو مرسل بحسب الظاهر. ولو علم أنّه عدل لا بعينه، ففي قبول مسألة بحث في كتب أصول الحديث، فإنّهم [أي: علماء الرجال والفقهاء] قالوا: لم يقبل قوله لو صرّح وقال: أروي عن عدل ولم يُسمّه؛ لأنّه قد يكون عدلاً
ص: 30
عنده، فاسقاً عندنا، فلو ظهر اسمه لجرحناه. وهذا مذكور في الكتب من غير ردّ... .(1)
كما ذكر هذا الإشكال في مشارق الشموس،(2) ومفاتيح الشرائع(3) أيضاً.
وأمّا الإشكال في الدلالة؛ فلاحتمال حمل الرواية على الاستحباب؛ لعدم اشتمالها على لفظ دالّ على الوجوب. وفي الرواية الثانية (أي: حسنة حمّاد بن عثمان) سيأتي بيان كيفيّ-ة حملها على الاستحباب، وإيضاح الوجه في ذلك.
عن ابن أبي عُمير، عن حمّاد أو غيره، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال: «في كلّ غُسل وضوء، إلّا الجنابة».(4)
طريقة الاستدلال: إنّ الاستدلال بهذه الرواية كالاستدلال المتقدّم بمرسلة ابن أبي عمير، وترد عليها ذات الإشكالات الواردة على المرسلة.
ردّ الاستدلال: إنّ هذه الرواية بدورها تحتوي على
ص: 31
إشكالات في الدلالة وفي السند أيضاً.
الإشكال في السند: إنّ ضعف سند هذه الرواية واضح جدّاً؛ إذ أنّ ذكر اسم حمّاد لا يخرجها من الإرسال؛ لأنّ شخص حمّاد يُشتبه براوٍ آخر، كما أنّ ابن أبي عمير نفسه قد تردّد في المرويّ عنه، بل هناك من ذهب إلى القول بأنّ هذه الرواية هي نفس مرسلة ابن أبي عمير السابقة. وحتّى لو سلّمنا أنّهما روايتان، يبقى الإرسال - المسقط للرواية عن الحجيّ-ة - باقياً على حاله. في حين أنّه مع وجود إشكال الإرسال، لا يخلو القول بكونها حسنة من الإشكال. بيد أنّ العلّامة الحلّي في المختلف والمنتهى عمد إلى حذف عبارة «أو غيره» في بيان سلسلة السند، واعتبر الرواية حسنة. ولكن يجب الالتفات إلى أنّ التهذيب قد ذكر هذه الرواية في موردين، وفي كلا الموضعين قد ذكر عبارة «أو غيره». ولم نعرف الوجه في حذف العلّامة لهذه العبارة في المختلف والمنتهى، رغم أنّ العلّامة نفسه في بحث عدم وجوب الوضوء للميّت في المختلف قد ذكر هذه الرواية مشتملة على عبارة «أو غيره» في غُسل الميّت، بيد أنّه واصل القول هناك بأنّها حسنة أيضاً.(1)
الإشكال في الدلالة: لقد وقع ظهور هذه الرواية في
ص: 32
الوجوب مورداً للنقاش، بل هناك من الفقهاء من ذهب إلى القول بأنّ الاستحباب هو الأقوى. من ذلك أنّ المحقّق الحلّي في بحث وضوء الميّت في مورد هذه الرواية احتمل الاستحباب، وقال:
لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجباً، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه، وغيره يجوز، ولا يلزم من الجواز الوجوب فإذن الاستحباب أشبه.(1)
ويؤيّد هذا الاحتمال أنّه لو حملنا هذه الرواية على الوجوب، وجب أن يكون الوضوء قبل الغُسل واجباً، في حين أنّ القائلين بوجوب الوضوء في سائر الأغسال لم يفتوا بوجوب الوضوء قبل الغسل.
والشاهد الآخر على تأييد هذا الاحتمال أنّ بعض الفقهاء من أمثال أبي الصلاح الحلبي(2)
- في بحث غُسل الميّت - قال بوجوب الوضوء للميّت قبل الغسل، مستدلاً لذلك بهذه الرواية. بيد أنّ بعض الفقهاء من أمثال الشهيد الثاني (من القائلين بعدم الإجزاء) قال: إنّ هذه الرواية لا تدلّ على الوجوب؛ إذ لا يلزم من التعبير ب- «في كلّ غُسل وضوء» أن يكون هو الوجوب، بل بمعنى أنّ
ص: 33
الوضوء في غسل الجنابة غير جائز، وفي سائر الأغسال جائز، وإنّ قولنا بوجوب الوضوء في سائر الأغسال، إنّما هو لدليل خارجي، وليس لهذه الرواية.(1)
وقد ذكر المحقّق الأردبيلي هذا الأمر قائلاً:
وأيضاً أكثر القائلين لا يقولون بالوجوب في غسل الميّت، فعلم أنّه غير محمول على الوجوب عندهم؛ فظهر أنّه لو قيل بالوجوب لهذه الرواية [مرسلة ابن أبي عُمير وحمّاد]، لوجب القول بوجوب التقديم [تقديم الوضوء على الغسل]، وهو نادر عندهم.(2)
سليمان بن الحسين، عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام ، قال: «إذا أردت أن تغتسل للجمعة؛ فتوضّأ واغتسل».(3)
طريقة الاستدلال: لقد اعتبر الاستدلال بهذه الرواية مع القول بعدم الفصل تامّاً؛ إذ ليس هناك فقيهٌ يقول بإجزاء الأغسال المندوبة عن الوضوء باستثناء
ص: 34
غسل الجمعة.
ردّ الاستدلال: إنّ الاستدلال بهذه الرواية على القول المشهور، وإن كنّا لا نراه في كتب المتقدّمين إلّا نادراً، بيد أنّنا نجده في كتب متأخّري المتأخّرين، من أمثال: المحقّق السبزواري في الذخيرة،(1) وصاحب الجواهر في جواهر الكلام.(2) وعلى كلّ حالٍ، فإنّ الاستدلال بهذه الرواية ينطوي على إشكال من ناحية السند والدلالة.
أمّا الإشكال في السند: إنّ هذه الرواية مجهولة بوجود سليمان بن حسين في سندها؛ لعدم بيان حاله من حيث التوثيق أو التضعيف.
وأمّا الإشكال في الدلالة:
أ - احتمل بعض الفقهاء الحمل على الاستحباب في الرواية، كما قال المرحوم الخونساري قدس سره :
وفيه - مع القدح في السند - الحمل على الاستحباب، مع أنّه مخصوص بغسل الجمعة.(3)
بيد أنّ هذا الاستدلال قابل للنقاش؛ إذ مع وجود ألفاظ أمريّ-ة، من قبيل: «فتوضّأ» و«اغتسل» لا وجه
ص: 35
لحمل الرواية على الاستحباب؛ لإمكان ظهور الأمر في الوجوب.
فإن قيل: حيث أنّ الأمر بالغسل للجمعة ندبيّ، فإنّ وحدة السياق قرينة للحمل على الاستحباب. قلنا في الجواب: إنّ وجوب الوضوء في غسل الجمعة وجوب شرطيّ، ينسجم مع الاستحباب المشروط - أي غسل الجمعة - كما أنّ الوضوء والطهارة للصلاة المندوبة وجوب شرطيّ.
ب - يمكن حمل هذه الرواية على التقيّ-ة؛ لأنّ العامّة يقولون باستحباب الوضوء قبل غسل الجنابة،(1) وفي بعض الفتاوى هناك قول بوجوب الوضوء في غسل الجنابة.(2)
قال المحقّق البحراني في الحدائق الناضرة:
الأظهر عندي حمل الأخبار المذكورة [روايات ابن أبي عُمير وعليّ بن يقطين] - وكذا كلامه علیه السلام في الفقه الرضوي(3) -
ص: 36
على التقيّ-ة.(1)
وفي خاتمة البحث عن هذه الطائفة من الروايات، يجدر الالتفات بشكل خاصّ إلى كلام صاحب الوسائل، حيث أنّه يذكر الروايات التي يستدلّ بها القائلون بعدم الإجزاء في باب تحت عنوان «استحباب الوضوء قبل الغسل في غير الجنابة»، إذ أنّه لم يستفد منها وجوب الوضوء في سائر الأغسال. كما ذهب العلّامة في المنتهى(2) إلى اعتبار هذه الرواية مؤكّدة لدليل عقليّ.
ولأهميّة كلام صاحب الوسائل، نذكر فيما يلي نصّ عبارته، إذ يقول:
أقول: هذان الحديثان [رواية عليّ بن يقطين و حمّاد بن عثمان] مع موافقتهما للتقيّ-ة، لا تصريح فيهما بالوجوب، بل حملهما على الاستحباب [بداعي التقيّ-ة]، قريب جدّاً لما مرّ، ويحتمل الحمل على التقيّ-ة، ويحتمل الأوّل [رواية حمّاد بن عثمان] الاستفهام الإنكاري ويراد أنّه ليس في غير غسل الجنابة أيضاً وضوء، نصّاً على غير غسل
ص: 37
الجنابة؛ لأنّه لا يحتاج إلى نصّ؛ لما علم من مذهبهم فيه.(1)
والدليل الآخر الذي استند إليه المشهور، عموم الروايات الدالّة على وجوب الوضوء عند عروض «الحدث».(2) وبعبارة أخرى: يستفاد من عموم هذه الروايات أنّ الحديث موجب للوضوء، ولا يحلّ محلّه شيء آخر.
الإشكال على هذا الاستدلال:
أوّلاً: إنّ هذا الدليل إنّما يتمّ إذا قلنا بأنّ الغسل غير رافع للحدث، ولكن سيتّضح من خلال الأدلّة التي سنأتي على ذكرها لاحقاً أنّ الغسل رافع للحدث، ولن تكون هناك حاجة إلى الوضوء.
وثانياً: إنّ الأدلّة التي سنأتي على ذكرها في القسم الثاني، مخصّصة لهذه العمومات.
لقد ذكر البعض - من أمثال العلّامة الحلّي - دليلاً
ص: 38
آخر، وهو عبارة عن استصحاب حرمة الدخول في الصلاة دون وضوء بعد الغسل. فقد قال العلّامة في المختلف:
أنّه قبل الغسل ممنوعٌ من الدخول في الصلاة، فكذا بعده؛ عملاً بالاستصحاب.(1)
نقول في الجواب: إنّ الاستصحاب إنّما يصحّ إذا لم يكن هناك دليل على إجزاء الغسل عن الوضوء، ولكن أوّلاً: إنّ أدلّة عدم إجزاء الغسل عن الوضوء مردودة، وفي المقابل، فإنّ أدلّة القائلين بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء أكثر إتقاناً وإحكاماً. وثانياً: بعد رفع الحدث بواسطة الغسل، لايبقى موضع للاستصحاب. وبعبارة أخرى: بعد الغسل ورفع الحدث، لايبقى هناك شكّ كي يشكل موضوعاً لاستصحاب الحكم المتيقّن (حرمة الدخول في الصلاة). وعليه، عندما يرد اليقين برفع الحدث، يكون هذا اليقين ناقضاً لليقين السابق.
وقد أفاد المحقّق السبزواري هذا الجواب قائلاً:
إنّ الاستصحاب يرتفع بالأدلّة.(2)
ص: 39
وقال المرحوم الحاج رضا الهمداني قدس سره :
إنّ الاستدلال بالعمومات - كاستصحاب الحدث، وقاعدة الشغل - إنّما يتمّ على تقدير الخدشة في أدلّة السيّد وأتباعه.(1)
قال بعض الفقهاء من أمثال الشهيد الأوّل بعد نقل أدلّة الطرفين:
الحقّ أنّ الترجيح باعتبار الشهرة بين الأصحاب - ويكاد يكون إجماعاً - والروايات، معارضة بمثلها وبما هو أصح إسناداً منها.(2)
فهو بعد مواجهة هذا التعارض، اعتبر الشهرة مرجّحاً وعمل على طبقها.
ومن بين الفقهاء أفراد مثل المحقّق الخونساري في مشارق الشموس، والمرحوم النراقي في مستند الشيعة،(3) من اعتبر الشهرة من الأدلّة، أو اعتبرها مرجّحة في مقام رفع التعارض. قال المرحوم الخونساري:
قد عرفت ما هو الأظهر من القولين [وهو قول
ص: 40
السيّد المرتضى]، ولكن مقتضى الاحتياط أن لا يترك الوضوء مع هذه الأغسال؛ للشهرة بين الأصحاب.(1)
الإشكال على الشهرة: يقال في الجواب عن مثل هذا الدليل: إنّ الشهرة إنّما تكون حجّة إذا كانت في الرواية، أمّا الشهرة الفتوائيّ-ة فلا يمكن أن تسعف الفقيه بوصفها حجّة ومرجّحة.
قال المحدّث البحراني بعد نقل كلام الشهيد الأوّل:
فإنّ الترجيح بالشهرة في الفتوى لم يدلّ عليه دليل، وإنّما الشهرة الموجبة للترجيح بين الأخبار هي الشهره في الرواية، كما اشتملت عليه مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها، وهو ثابت في جانب روايات القول الثاني[و هو قول القائلين بالإجزاء].(2)
لقد تمّ الاعتراف في الكتب الأصوليّ-ة والقواعد الفقهيّ-ة عادة بهذه النقطة، وهي أنّ الشهرة الروائيّ-ة هي المرجّحة دون الشهرة القوليّ-ة.(3)
ص: 41
وبذلك يتّضح جيّداً أنّ تمسّك بعض الأصحاب بقول المشهور، وذلك اعتماداً على الشهرة بين الأصحاب، ليس صحيحاً. كما سيتّضح في الأبحاث القادمة أنّ روايات القائلين بالإجزاء أكثر، وذلك يُثبت أنّ نقلها أو الاستناد إليها بين الأئمّة علیهم السلام كان مشهوراً، وأنّ ما أفتى به الفقهاء وإن كان مشهوراً، بيد أنّه من الشهرة في الفتوى، ولا يكون باعثاً إلى الترجيح.
وبطبيعة الحال فإنّ بعض الكبار من العلماء من أمثال سماحة الإمام الخميني (سلام الله عليه) يقول بحجيّ-ة الشهرة الفتوائيّ-ة، وعدم اعتبار الشهرة الروائيّ-ة من المرجّحات،(1) وهو أمر موضع نقاش من وجهة نظر سماحة آية الله العظمى الصانعي.(2)
لقد ذكر المحقّق رحمه الله دليلاً مقتبساً من العقل؛ إذ يقول:
إنّ كلّ واحد من الحدثين لو انفرد لأوجب حكمه ولا منافاة، وأمّا لو اجتمع حدثان
ص: 42
[حدث أصغر، وحدث أكبر]؛ فيجب ظهور حكمهما، لكن ترك العمل بذلك في غسل الجنابة، فيبقى معمولاً به هنا [في سائر الأغسال الأخرى].(1)
وبالالتفات إلى كون المحدّث البحراني من الإخباريين، ردّ على هذا الاستدلال بجوابين؛ إذ يقول:
ففيه أوّلاً: إنّ الأحكام الشرعيّ-ة توقيفيّ-ة ليس للعقول فيها مسرح... بل المرجع فيها إلى الكتاب العزيز والسنّ-ة المطهّرة. وثانياً: إنّه من الجائز الممكن أنّه وإن كان كلّ من الحدثين لو انفرد لأوجب حكمه إلّا أنّه بالاجتماع يندرج الأصغر تحت الأكبر كما في الجنابة، وكما خرجت الجنابة بالدليل - كما اعترف به - كذلك غيرها بالأدلّة التي قدّمناها [أدلّة القول غير المشهور، تخرج من هذه القاعدة، ولا حاجة إلى الوضوء فيها].(2)
وعلى هذا الأساس، فإنّ الأدلّة التي أقامها القائلون بالإجزاء والتي سنأتي على ذكرها في القسم الثاني من
ص: 43
هذه الدراسة، تجعل الأغسال الأخرى - مثل غسل الجنابة - مجزية عن الوضوء.
ص: 44
ص: 45
ص: 46
في هذا القسم نتناول بالدراسة أدلّة القائلين بإجزاء الأغسال عن الوضوء.
نشير في هذا الفصل على التعريف ببعض الفقهاء القائلين بهذا القول؛ أي إجزاء الأغسال عن الوضوء. إنّ من بين الفقهاء القائلين بهذا الرأي السيّد المرتضى علم الهدى رحمه الله . قال العلّامة الحلّي رحمه الله في هذا الشأن:
اختلف علماؤنا في غير غسل الجنابة [في أنّه هل يجزي عن الوضوء أم لا؟]، فقال المرتضى: إنّه [أي الغسل بجميع أنواعه] كافٍ
ص: 47
عن الوضوء، وإن كان الغُسل مندوباً.(1)
كما أنّ ابن الجنيد مثله، فهو من القائلين بالإجزاء أيضاً.(2)
وقد ذهب كلّ من المحقّق الأردبيلي،(3) والمرحوم العاملي،(4) والمحقّق السبزواري،(5) والمحدّث البحراني،(6) والفيض الكاشاني(7) - وهم من كبار الفقهاء - إلى القول بإجزاء الأغسال عن الوضوء. وبذلك يكون الرأي المختار لسماحة آية الله العظمى الصانعي (دام ظلّه) مطابقاً لرأي هؤلاء الكبار الذين قالوا بهذا الرأي أيضاً.
ومع وجود علماء كبار بحجم السيّد المرتضى وابن الجنيد، لايبقى هناك موضع لادّعاء الإجماع من قبل المخالفين، وحتّى إذا تمّ الاستناد إلى ما ادّعاه الشيخ الصدوق،(8) يمكن الإشكال بأنّ هذا النوع من الإجماعات لا يمكن الاعتبار به؛ لكونه مدركيّاً.
ص: 48
إنّ الذي يجب قوله في مورد أدلّة القائلين بالإجزاء هو أنّ أدلّتهم من حيث عدد الروايات أكثر من الروايات المستدلّ بها لرأي المشهور. وكما سبق أن ذكرنا فإنّ من بين كبار العلماء من قال لهذا الدليل (أي كثرة الأحاديث) بأنّ القول بالإجزاء هو الأرجح والأظهر، ولكنّه تبعاً للمشهور والتمسّك بالشهرة ارتضى رأيهم.
ومن هنا، فإنّ هذا الفصل يشتمل على بيان الأدلّة الدالّة على قول السيّد المرتضى، والقول المختار لسماحة الأستاذ المعظّم(دام ظلّه). (وعمدة هذه الأدلّة هي الروايات).
إنّ الروايات التي تمّ الاستدلال بها على القول بالإجزاء تنقسم إلى طائفتين، الطائفة الأولى: الروايات الدالّة على إجزاء الغسل عن الوضوء بشكل منفرد، والطائفة الثانية: الروايات الدالّة على إجزاء الغسل عن الوضوء بشكل جمعيّ.
ص: 49
عن عبدالحميد بن عواض، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: «الغُسل يجزي عن الوضوء، وأيّ وضوء أطهر من الغسل».(1)
إنّ الاستدلال بهذه الصحيحة واضح؛ لأنّ الإمام علیه السلام قد صرّح فيها بإنّ الغسل أطهر من الوضوء، بيد أنّ القائلين بعدم الإجزاء أشكلوا على الاستدلال بهذه الرواية بعدّة إشكالات:
الإشكال الأوّل: لقد طُرح هذا الإشكال من قبل المحقّق الحلّي رحمه الله في كتاب المعتبر؛ إذ يقول:
فإن احتجّ المرتضى (رضي الله عنه) بما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «الغسل يجزي عن الوضوء، وأيّ وضوء أطهر من الغسل»، وما روي من طرق عن الصادق علیه السلام ، أنّه قال: «الوضوء بعد الغسل بدعة». فجوابه: أنّ خبرنا يتضمّن التفصيل، والعمل بالمفصّل أولى.(2)
ص: 50
بمعنى أنّ الأخبار التي استدلّ بها المشهور من الفقهاء، قد فرّقت بين غسل الجنابة وغيره، وحكمت بالتفصيل، بيد أنّ الأخبار التي استدلّ بها القائل بالإجزاء لم تفصّل. وعليه، بالالتفات إلى أرجحيّ-ة العمل بالأخبار المفصّلة على العمل بالأخبار غير المفصّلة، إذن لابدّ من العمل بالأخبار المفصّلة.
جواب الإشكال: إنّ جواب هذا الإشكال واضح؛ لأنّ الأخبار التي يستدلّ بها السيّد المرتضى لا تنحصر بهاتين الروايتين، ففي روايات مثل مكاتبة الهمداني: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة»،(1) أو رواية حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أ يُجزيه الوضوء؟ فقال أبو عبدالله علیه السلام : «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟!»،(2) تمّ بيان الحكم بالتفصيل؛ إذ صرّح الإمام المعصوم علیه السلام أنّ الوضوء غير لازم في مطلق الغسل. وعليه، ففي الروايات التي يستدلّ بها السيّد المرتضى هناك روايات مشتملة على التفصيل أيضاً. وبذلك تحمل عليها الروايات المفتقرة - بزعمكم - إلى
ص: 51
التفصيل، مثل روايات محمّد مسلم.
الإشكال الثاني: إنّ هذه الرواية مجملة؛ إذ يحتمل أن تكون «الألف واللام» فيها للعهد دون الجنس. وعليه، يكون هناك احتمالان فيها؛ فتكون مجملة من هذه الناحية، ولا يمكن الاستدلال بالرواية المجملة والأخذ بعمومها.
جواب الإشكال: وجواب هذا الإشكال يتّضح من الجواب عن الإشكال الأوّل؛ إذ نقول: لو سلّمنا أنّ هناك احتمالين في هذه الرواية وأنّها مجملة، بيد أنّ دليلنا لا ينحصر في هذه الرواية، بل هناك روايات أخرى - مثل رواية حمّاد بن عثمان ومكاتبة الهمداني - غير مجملة، وإنّ «الألف واللام» فيها لاستغراق للجنس. وبذلك يُستفاد منها أنّ «الألف واللام» في رواية محمّد بن مسلم لاستغراق الجنس أيضاً.
الإشكال الثالث: الإشكال الثالث طرحه العلّامة الحلّي على وجهين:
الوجه الأوّل: ما قاله في المنتهى:
إنّ الألف واللام [في لفظ «الغسل» في رواية محمّد بن مسلم] لا يدلّان على الاستغراق...، يحمل الألف واللام على العهد؛
ص: 52
جمعاً بين الأدلّة.(1)
ومراده من العهد غسل الجنابة.
وقد أفاد الشهيد الثاني هذا الإشكال على النحو الآتي:
فإنّه [أي السيّد المرتضى] اكتفى بالغُسل مطلقاً [بمعنى إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء]؛ استناداً إلى صحيحة محمّد بن مسلم... بناءً على أنّ هذا اللام للجنس، وأنّ لام الجنس إذا دخل على اسمه أفاد العموم. والمقدّمتان ممنوعتان؛ لإمكان حمل اللام على العهد ويراد به غسل الجنابة؛ جمعاً بينها [رواية محمّد بن مسلم] وبين ما سيأتي من الأخبار الدالّة على اختصاص الحكم بغسل الجنابة نصّاً(2).(3)
وفي الحقيقة فإنّ هذا أهمّ إشكال يرد على رواية محمّد بن مسلم والروايات الأخرى التي سنأتي على ذكرها قريباً.
وحاصل هذا الإشكال والإشكال السابق عدم
ص: 53
استفادة العموم من عبارة: «الغُسل يجزي عن الوضوء» في صحيحة محمّد بن مسلم. مع فارق أنّ عدم الإفادة في الإشكال الثاني من حيث الإجمال في الصحيحة، وأمّا في هذا الإشكال فمن طريق الحكم بعهديّ-ة «الألف واللام» في كلمة «الغُسل». وبعبارة أخرى: في هذا الإشكال لا يقول المستشكلون إنّ الرواية مجملة، وإنّما يقولون إنّ «الألف واللام» في «الغُسل» للعهد الذي يشير إلى غسل الجنابة، وليس جميع الأغسال بحسب ما تدّعونه.
جواب الإشكال عن الوجه الأوّل: يقال في جواب الإشكال، أوّلاً: إنّ «الألف واللام» هنا لا يمكن أن تكون للعهد؛ إذ لم يرد ذكر لغُسل الجنابة في كلام الراوي ولا في كلام الإمام علیه السلام كي يتمّ الحمل عليه. ومن الواضح أنّ العهد الذهني لا يجدي في الحمل، ولا يكون مسوّغاً للحمل؛ إذ العهد الذهني لا ينافي بيان الغرض وإفادة الكلام. وثانياً: إنّ العلّة المذكورة في كلام الإمام علیه السلام : «وأيّ وضوء أطهر من الغُسل؟» لها ظهور في عموميّ-ة واستغراق «الغسل يجزي عن الوضوء»؛ إذ لو قلنا إنّ المراد من «الغُسل» في العلّة المذكورة إنّما هو غُسل الجنابة، وجب أن يكون في غسل الجنابة بالأطهريّ-ة خصوصيّ-ة خاصّة تميّزه من
ص: 54
سائر الأغسال الأخرى، في حين ليس هناك قول أو دليل على وجود خصوصيّ-ة خاصّة في غُسل الجنابة في الاتّصاف بالأطهريّ-ة. يضاف إلى ذلك: أنّ السؤال في مرسلة حمّاد بن عثمان عن إجزاء غسل الجمعة عن الوضوء، وليس فيها ذكر لغُسل الجنابة في السؤال، وقال الإمام علیه السلام في جواب السائل: «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟».(1)
الوجه الثاني: قال العلّامة الحلّي في كتاب مختلف الشيعة [ما معناه]: «المتبادر من لفظ «الغسل» هو غسل الجنابة؛ إذ عند استعمال هذا اللفظ مطلقاً، يكون المراد غسل الجنابة».(2)
جواب الإشكال عن الوجه الثاني: في معرض الجواب عن هذا الادّعاء، نكتفي بكلام المحقّق البحراني. فقد أفاد في جواب العلّامة الحلّي قائلاً:
فإنّ غسل الحيض والاستحاضة لا يقصران في التكرار والشيوع عنه، فالحمل [حمل الرواية] عليه - بعد ما عرف - تحكّم محض.(3)
وفي الختام نذكر جواباً مشتركاً في الردّ على
ص: 55
جميع هذه الإشكالات، وهو عبارة عن: إنّ العموم المستفاد من «الغسل يجزي عن الوضوء» إنّما هو عموم عرفي، وليس عموماً لفظيّ-اً؛ بمعنى أنّه كلّما واجه العرف هذه العمومات، فهم منها الشمول والعموم، من قبيل الفهم العرفي لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾،(1) بالنسبة إلى جميع العقود والمواثيق؛ إذ لو لم تدلّ هذه العمومات على العموم، لزم منه أن يكون كلام الشارع الحكيم مجملاً في مقام التشريع وبيان الأحكام، وهو خلاف الحكمة والتشريع.
عن حمّاد بن عثمان، عن حكم بن حكيم، قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن غسل الجنابة - إلى أن قال - قلت: إنّ الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك وقال: «وأيّ وضوء أنقى من الغُسل وأبلغ؟».(2)
طريقة الاستدلال ومناقشة الانتقادات: إنّ جواب الإمام علیه السلام له ظهور في العموم، فهو شامل لجميع
ص: 56
الأغسال. فإن أشكل بأنّ السؤال كان عن الجنابة، فيكون جواب الإمام علیه السلام مرتبطاً بغسل الجنابة أيضاً. قلنا في الجواب: لقد ثبت في محلّه أنّ المورد في السؤال لا يمكنه تخصيص العام الوارد في جواب الإمام علیه السلام ، وإنّ الإمام بدلاً من جواب السائل عن غسل الجنابة، قد أجابه بشكل عام مع ذكر دليل لا يمكن أن يقتصر على غسل الجنابة، يُثبت تعميم الحكم على جميع الأغسال.
وبعبارة أخرى: على الرغم من أنّ السؤال خاصّ بغسل الجنابة، إلّا أنّ الذي يتمّ الاهتمام به هو عموميّ-ة جواب الإمام علیه السلام . ويمكن القول أيضاً: إنّ المتبادر من الغسل في مثل هذه الموارد هو ماهيّته وليس خصوص غسل الجنابة. وبعبارة أخرى: إنّ المورد غير مخصّص، ولا يمكن تخصيص العام لمجرّد السؤال عن مورد خاصّ.
عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبدالله علیه السلام في الرجل يغتسل للجمعة، أو غير ذلك، أ يجزيه عن الوضوء؟ فقال أبو عبدالله علیه السلام : «وأيّ
ص: 57
وضوء أطهر من الغسل؟!».(1)
إنّ هذه المرسلة بالالتفات إلى أنّ السؤال فيها عن غسل الجمعة، وجواب الإمام علیه السلام فيها عام، تدلّ بوضوح على المطلوب، حيث ترى صراحة أنّ جميع الأغسال تجزي عن الوضوء؛ إذ السؤال في الأساس ليس عن غسل الجنابة، كي يقال: إنّ جواب الإمام ناظر بدوره إلى غُسل الجنابة أيضاً، ولا عموميّ-ة فيه. بل السؤال عن غسل الجمعة، ولم يقل فقيه أنّ غسل الجنابة وغسل الجمعة وحدهما هما اللذان يجزيان عن الوضوء دون غيرهما. وعليه، فإنّ تعميم حكم الإجزاء على كافة الأغسال في هذه المرسلة لا غبار عليه؛ وذلك أوّلاً: أنّ السؤال ليس عن غسل الجنابة حتّى يقال: إنّ جواب الإمام ناظر بدوره إلى غسل الجنابة؛ فلا عموميّ-ة له. وثانياً: إذا لم نستفد التعميم من جواب الإمام علیه السلام ، يجب القول على طبق هذه المرسلة بإجزاء خصوص غسل الجمعة وغسل الجنابة عن الوضوء، في حين لم يقل بهذا الحكم فقيه.
عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن عبد
ص: 58
الرحمن الهمداني، كتب إلى أبي الحسن الثالث علیه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة؟ فكتب علیه السلام : «لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة ولا غيره».(1)
هناك إشكال في سند هذه الرواية من جهتين:
الأولى: من حيث توثيق السند، والثانية: من حيث الإشكال في أنّ المكاتبة حجّة أم لا؟ أمّا من الجهة الأولى نشير إلى كلام العلّامة الحلّي؛ إذ يقول:
حسن بن عليّ بن إبراهيم بن محمّد، عن جدّه إبراهيم، ولا يحضرني الآن حالهما، ومحمّد بن عبد الرحمن الهمداني لا أعرف حاله.(2)
بالالتفات إلى كلام العلّامة الحلّي فإنّ هذه الرواية تعاني من ضعف السند. أو بعبارة أخرى: إنّها مجهولة. بيد أنّ ضعف السند لا يضرّ بمتنها؛ لأنّه يُعضد بروايات أخرى.
وأمّا الإشكال من حيث المكاتبة، فلابدّ من الالتفات إلى أنّ الذي يمنح الحجيّ-ة لخبر الواحد هو بناء العقلاء، وهذا البناء لايختلف فيما لو كان الخبر منقولاً مشافهة أو مكاتبة. وبعبارة أخرى: لا فرق بين
ص: 59
أن يكون الخبر المنقول عبر المراسلة أو من طريق المشافهة والسماع. فكما يعمل العرف بالخبر الواصل من طريق السمع، يعمل أيضاً بالخبر الواصل عبر الرسالة والكتابة أيضاً.
وقد يُشكل بأنّ مراد الإمام علیه السلام من أنّ غسل الجمعة يغني عن الوضوء قبل حلول وقت الصلاة. وبعبارة أخرى: إنّ جواب الإمام علیه السلام مقيّد بما قبل حلول وقت الصلاة. ولكن يقال في جوابه، أوّلاً: إنّ هذا خلاف الظاهر من كلام الإمام علیه السلام ؛ إذ ليس هناك دليل على هذا التقييد، بل الدليل على خلافه. وثانياً: إنّ الإمام علیه السلام لم يرَ عدم الحاجة إلى الوضوء منحصراً بغُسل الجمعة فقط، بل أفاد بقوله «ولا غيره» تعميم عدم الحاجة إلى الوضوء في سائر الأغسال الأخرى أيضاً.
مصدق بن صدقة، عن عمّار الساباطي، قال: سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته، أو يوم جمعة، أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: «لا، ليس عليه قبل ولا بعد، قد أجزأه الغسل».(1)
ص: 60
والإشكال الوحيد الوارد على هذه الرواية من ناحية السند، يأتي من جهة فطحيّ-ة عمّار الساباطي، بيد أنّ علماء الرجال قد وثّقوه.(1)
الإشكالات الواردة على الموثّقة: يرد على هذه الموثّقة من وجهة نظر العلّامة الحلّي قدس سره - بالإضافة إلى الإشكال السندي - إشكالان آخران أيضاً:
الإشكال الأوّل: قال العلّامة في المختلف:
لا عموم في هذا الحديث، بل هو مرتبط بما قبل حلول وقت الصلاة. ومن هنا قال الإمام علیه السلام : «لا وضوء قبل حلول وقت الصلاة»، لا أنّه لا وضوء للصلاة مع الغسل.
ثمّ أورد العلّامة بقوله «لايقال» إشكالاً على كلامه، وحاصل الإشكال يقول: الحديث عام، فتقييده بغير وقت الصلاة يخرجه عن حقيقته. وأجاب العلّامة الحلّي عن ذلك بقوله:
لأنّا نقول: بمنع العموم لدليل آخر، وهو ما يدلّ على وجوب الوضوء لكلّ صلاة.(2)
الجواب: أوّلاً: لايمكن هنا المنع من انعقاد العموم؛ سواء بواسطة لفظ «الغسل»، أو لعموم الرواية الشاملة
ص: 61
لعدّة أنواع من الأغسال.
وثانياً: إنّ العموم الدالّ على وجوب الوضوء لكلّ صلاة قابل للتخصيص؛ لأنّ هذا العام قد تمّ تخصيصه بغسل الجنابة. وفي هذه الموثّقة قام الإمام علیه السلام في جواب السؤال عن غسل الجمعة أو يوم العيد - اللذان جاءا في سياق غسل الجنابة - بنفي الوضوء بشكل كامل. وبعبارة أخرى: كما أنّ غسل الجنابة رافع لحكم وجوب الوضوء، كذلك هذان الغسلان الآخران يتساويان مع غسل الجنابة في الحكم المذكور أيضاً.
الإشكال الثاني: كما ذكر العلّامة الحلّي قدس سره الإشكال الثاني على هذه الموثّقة، قائلاً:
معنى إجزاء الغسل: إسقاط التعبّد به مع فعله، أمّا إنّه يجزئ عن الوضوء في الصلاة، فلا.(1)
الجواب: يقال في الجواب: إنّ عبارة: «قد أجزأها الغسل» بعد قوله: «لا، ليس عليه قبل ولا بعد» تدلّ بشكل مطلق على إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة ولغير الصلاة؛ إذ لو كانت هناك حاجة إلى الوضوء للصلاة، لقال الإمام علیه السلام : توضّأ بعد الغسل للصلاة. إلّا إذا قيل: إنّ سؤال السائل كان في مورد الحاجة إلى الوض-وء مع الغس-ل، وهل يج-ب الغس-ل مع الوض-وء
ص: 62
أم لا؟ وبعبارة أخرى: هل هناك في الغسل حاجة إلى الوضوء أم لا ؟ قال الإمام علیه السلام : لا حاجة إلى الوضوء مع الغسل أبداً؛ سواء قبله أو بعده. وأمّا هل يجب الوضوء للصلاة أم لا ؟ لا يمكن لهذه الرواية أن تثبته أو تنفيه. إلّا أنّ هذا الإشكال - كما قال صاحب المستند(1) - غير وارد؛ لأنّ الحكم بالإجزاء متعلّق بمورد يكون فيه المكلّف مأموراً بالوضوء. وعليه، عندما يقول الإمام علیه السلام : إنّ الغسل يجزئ عن الوضوء، يعني في المورد الذي يكون فيه المكلّف مأموراً بالوضوء.
قال الشيخ الكليني رحمه الله : وروي: «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟».(2)
إنّ هذه الرواية - مثل ما تقدّم في صحيحة ابن مسلم، وصحيحة حكم، ومرسلة حمّاد - بصدد بيان تعليل، وهو تعليل له ظهور في العموم. بمعنى أنّ العلّة المذكورة في هذه الروايات شاملة لجميع أنواع الأغسال.
ص: 63
أ) عن حريز، عن زرارة، قال: قلت له: ... - إلى أن قال - : «فإن جاز الدم لكرسف تعصّبت واغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل».(1)
ب) عن النضر، عن ابن سنان، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلّي الظهر والعصر، ثمّ تغتسل عند المغرب وتصلّي المغرب والعشاء، ثمّ تغتسل عند الصبح وتصلّي الفجر».(2)
ج) صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن الحجّاج، قل: سألت أبا إبراهيم علیه السلام - إلى أن قال - : «... إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ - إلى قوله: ... وإن كان دماً ليس بصفرة، فلتمسّك عن الصلاة أيّام قرئها، ثمّ [بعد
ص: 64
أيّام قرئها] لتغتسل ولتصلّ».(1)
د) عن الحسن بن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحّاف، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام - إلى أن قال - : «... فإن انقطع الدم عنها [لم تعد ترى دم الحيض] قبل ذلك [وقت الصلاة]، فلتغتسل ولتصلّ».(2)
ه) عن حمّاد بن عيسى وابن أبي عُمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله علیه السلام : «... فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف، اغتسلت للظهر والعصر - إلى ق-وله - : وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء».(3)
و) حسين بن عليّ بن يقطين، عن عليّ بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن الماضي علیه السلام - إلى أن قال - : «... فإذا رقّ وكانت صفرة، اغتسلت وصلّت».(4)
ص: 65
ز) عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن أبي الحسن علیه السلام - إلى أن قال - : «... تغتسل وتستدخل قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل».(1)
طريقة الاستدلال بهذه الرواية على النحو الآتي: إنّ أغلب هذه الروايات قد صدرت في مقام البيان، فلو كانت هناك حاجة إلى الوضوء في الصلاة لتمّ بيان ذلك من قبل الإمام علیه السلام . وهذا الأمر في صحيحة معاوية بن عمّار أظهر من سائر الروايات؛ لأنّ الإمام علیه السلام في مورد اختراق الدم للكرسف قد حكم بالغسل والصلاة، وأمّا إذا لم يخرق الدم الكرسف، حكم بالوضوء والصلاة، فلو كان الوضوء في المورد الأوّل ضروريّاً لبيّنه حتماً.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى صحيحة صفوان أيضاً، فيها صراحة في بيان الحكم؛ لأنّ أمر الإمام علیه السلام في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، صريح جدّاً في عدم الحاجة إلى الوضوء.
الإشكال على الاستدلال بهذه الروايات: قال الفاضل النراقي رحمه الله في الإشكال على هذه الطائفة من الروايات:
ص: 66
إنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة [الحيض والنفاس والاستحاضة] وبيانه، لا بيان غيره، ولذا لم يذكر فيها سائر شرائط الصلاة من ستر العورة والاستقبال وغيرهما.(1)
جواب إشكال صاحب المستند: يجب القول في الجواب: إنّ هذ الروايات، ولا سيّما صحيحة معاوية بن عمّار، لها من الظهور الواضح، بحيث لا تبقي أيّ مجال للشكّ في أنّ الإمام علیه السلام في مقام بيان جميع أحكام الأحداث الثلاثة. صحيح أنّ سياقها مفتقر إلى معرفة رافع الحدث [الدماء الثلاثة]، بيد أنّ الإمام علیه السلام بعد بيان رافع الحدث، أمر مباشرة بالصلاة من دون الإشارة إلى الوضوء.
إشكالان مشتركان: عمد العلّامة الحلّي في المنتهى(2) - بعد ذكر الإشكال على صحيحة محمّد بن مسلم - إلى إيراد إشكالين على سائر الروايات الأخرى:
1 - الإشكال السندي: إنّ سائر الروايات، باستثناء رواية محمّد بن مسلم تعاني من ضعف السند.
2 - الإشكال الدلالي: إنّ هذه الروايات تدلّ على
ص: 67
أنّ الغسل في بعض موارده، من قبيل «غسل الجمعة» و«غسل الحيض»، في حدّ ذاته رافع لجميع أنواع الحدث، ولا حاجة إلى ضمّ الوضوء إليه، وأمّا أن لا تكون الصلاة بحاجة إلى وضوء فإنّ هذه الروايات لا دلالة فيها على ذلك، وإنّما في «غسل الجنابة» فقط، دلّ الدليل الخاصّ على سقوط الوضوء. وبعبارة أخرى: إنّ الغسل «بما هو غسل» لايحتاج إلى الوضوء لتحصيل الغرض، وأمّا الصلاة فهي تحتاج إلى وضوء.
وقد أجاب صاحب الحدائق(1) عن هذين الإشكالين. فقال في مورد الإشكال الأوّل: كيف يمكن للعلّامة وأمثاله - وهم الذين أسّسوا لمصطلحات من قبيل: الصحيح والموثّق والضعيف وما إلى ذلك في سلسلة سند الروايات - كلّما احتاجوا إلى الاستدلال بهذا النوع من الروايات الضعيفة بحسب مصطلحهم فاستدلّوا بها وغضّوا الطرف عن ضعفها، ولولا ذلك لما أمكن لهؤلاء العلماء أن يؤلّفوا كلّ هذه الكتب، وإضافة الكثير من الفروع عليها؛ إذ لو كان الملاك على الاستدلال بخصوص الروايات الصحيحة فقط، فإنّ الروايات الصحيحة لا تشكل سوى عُشر الأحكام المذكورة في كتبهم.
ص: 68
وبالإضافة إلى جواب المحدّث البحراني قدس سره ، يجب القول: هناك بين هذه الروايات، روايات موثّقة أيضاً، وهي تكفي للاستدلال، وليس كلّها ضعيفة السند، كما سبق أن ذكرنا.
وأمّا بالنسبة إلى الإشكال الثاني، فقد قال المحدّث البحراني: إنّ هذا الكلام غير صحيح؛ لأنّ الإمام علیه السلام قال في مكاتبة الهمداني صراحة: إنّ الوضوء للصلاة غير واجب لا في غسل الجمعة ولا في غيره. وعليه، يمكن القول: إنّ كلامكم هذا ادّعاء في قبال النصّ.
عن جابر المكفوف، عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام وهو يقول: «من أتى قبر الحسين علیه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّ-ئة، ورفع له ألف درجة. فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل، فإذا أتيت باب الحائر [المقدّس] فكبّر أربعاً، ثمّ امش قليلاً، ثمّ كبّر أربعاً، ثمّ ائت رأسه فقف عليه فكبّر أربعاً وصلّ عنده،
ص: 69
وأسأل الله حاجتك».(1) .
إنّ غسل الزيارة من الأمور التي تمّ التأكيد على استحبابها، وقد تمّ اعتباره في هذه الرواية مجزياً عن الوضوء، وذلك أوّلاً: أنّ الإمام علیه السلام قد أمر بالغسل والصلاة، ولم يأت في كلامه على ذكر الوضوء. وثانياً: لو لم يكن الغسل رافعاً للحدث، لما جاز الأمر بالصلاة أيضاً.
قد يقال: إنّ وجود أبي الصامت وجابر المكفوف في سند هذه الرواية يوجب ضعفها؛ لأنّهما مجهولان، إلّا أنّه يقال في الجواب: قد وقع هذان الراويان في سلسلة أسانيد كامل الزيارات، وقد عمد ابن قولويه رحمه الله في مقدّمة هذا الكتاب إلى توثيق جميع رواته. وبذلك يخرج هذان الراويان عن الجهالة. وإليك عبارة ابن قولويه بشأن توثيق رواة الأحاديث المنقولة في كتاب كامل الزيارات؛ إذ يقول:
لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم الله برحمته) ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال.(2)
هناك بحث في الكتب الرجاليّ-ة حول هذا النوع
ص: 70
من التوثيق - لا سيّما بالنظر إلى صدوره من قبل أحد العلماء المتقدّمين - وإذا ما كان هو مثل التوثيق الخاصّ الصادر عن علماء الرجال من أمثال النجاشي والشيخ الطوسي (رحمهما الله تعالى). وقد ذهب كبار علماء الرجال المتأخّرون من أمثال المحدّث النوري في هذا الشأن إلى كفاية التوثيق الصادر عن ابن قولويه، وقال في ذلك:
فتراه [أي ابن قولويه رحمه الله ] نصّ على توثيق كلّ من رواه عنه فيه، بل كونه من المشهورين بالحديث والعلم، ولا فرق في التوثيق بين النصّ على أحد بخصوصه أو توثيق جمع محصورين بعنوان خاصّ، وكفى بمثل هذا الشيخ مزكياً ومعدلاً.(1)
كما يمكن الإشارة إلى ما يُشبه هذه الرواية في الروايات الواردة في صلاة الحاجة؛ إذ تمّ الاكتفاء فيها بالغسل لأداء صلاة الحاجة. جدير بالذكر أنّ هذا الوجه وسائر الوجوه التي أشار إليها صاحب الذخيرة،(2) يمكن لها أن تذكر بوصفها من المؤيّدات دون الأدلّة؛
ص: 71
لوجود إشكالات من حيث الدلالة في بعضها. وسوف نشير فيما يلي إلى بعضها تيمّناً وتبرّكاً:
أ) عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال في الأمر يطلبه الطالب من ربّه - إلى أن قال: - «... فإذا كان الليل اغتسلت في الثلث الباقي - إلى أن قال: - ... ثمّ تصلّي ركعتين».(1)
ب) زياد القندي، عن عبدالرحيم القصير، قال: دخلت على أبي عبدالله علیه السلام ، فقلت: جعلت فداك! إنّي اخترعت دعاءً، قال علیه السلام : «دعني من اختراعك... إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلي الله عليه و آله، وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله صلي الله عليه و آله». قلت: كيف أصنع؟ قال: «تغتسل وتصلّي ركعتين ... »، الحديث.(2)
ج) عليّ بن دويل، عن مقاتل بن مقاتل، قال: قلت للرضا علیه السلام : جعلت فداك! علّمني دعاءً لقضاء الحوائج، فقال: «إذا كانت لك حاجة
ص: 72
إلى الله مهمّة فاغتسل والبس أنظف ثيابك وشمّ شيئاً من الطيب، ثمّ أبرز تحت السماء، فصلّ ركعتين ... »، الحديث.(1)
د) عمر بن عبدالعزيز، عن جميل، قال: كنت عند أبي عبدالله علیه السلام فدخلت عليه امرأة، فذكرت أنّها تركت ابنها وقد قالت(2) بالملحفة على وجهه ميّتاً، فقال لها علیه السلام : «لعلّه لم يمت، فقومي فاذهبي إلى بيتك، فاغتسلي وصلّي ركعتين ... »، الحديث.(3)
إنّ الاستدلال بهذه الروايات شبيه بالاستدلال بروايات الدماء الثلاثة، حيث جاء الأمر بالصلاة بعد الأمر بالغسل مباشرة.
وقد يُشكل بأنّ هذا الغُسل خاصّ بصلاة الحاجة، وهي صلاة مندوبة.
ولكن يُقال في الجواب: إنّ عمومات من قبيل صحيحة زرارة عن الإمام الباقر علیه السلام ؛ إذ يقول: «لا
ص: 73
صلاة إلّا بطهور»،(1) شاملة للصلاة الواجبة والمستحبّ-ة، وصلاة الحاجة وإن كانت مندوبة، إلّا أنّها تقع تحت عموم وشمول رواية زرارة.
الدليل الآخر الذي يمكن إضافته إلى أدلّة القائلين بإجزاء الأغسال عن الوضوء، أن يُقال:
إنّ تشريع الغسل من قبيل تشريع الوضوء؛ أي كما أنّ الوضوء رافع للحدث، كذلك الغُسل رافع للحدث أيضاً. ولا فرق في ذلك بين غسل الجنابة وغيره من الأغسال الأخرى. وبعبارة أخرى: إنّ الشارع المقدّس قد شرّع الوضوء والغُسل، بحيث يكون كلّ واحد منهما مجزياً عن الشيء الذي شُرّع من أجله، دون أن تكون هناك حاجة إلى ضمّ أحدهما إلى الآخر.
يؤيّد ذلك الأغسال المندوبة التي تبطل وتنتقض بسبب النوم أو مطلق الحدث، من قبيل: «غسل الإحرام» و«دخول مكة» أو «غسل الزيارة»؛ إذ لو لم تكن هذه الأغسال رافعة للحدث، لما انتقضت بالحدث. قال العلّامة الحلّي في مورد نقض الغسل بالحدث:
ص: 74
لو اغتسل للإحرام، ثمّ نام قبله استحبّ له إعادته.(1)
كما قال الصيمري رحمه الله :
الأغسال المستحبّ-ة للفعل على قسمين؛ أحدهما: يُستحبّ الغسل قبله، كالإحرام والطواف وزيارة المعصوم - دون غيره - وصلاة الحاجة والاستخارة والاستسقاء وقضاء الكسوف مع استيعاب القرص والترك عمداً. هذه السبعة الأغسال يُستحبّ الغُسل قبل الفعل. ولو أحدث بعد الغسل وقبل الفعل انتقض غسله واستحبّ إعادته.(2)
ص: 75
بالالتفات إلى ما تقدّم فقد اتّضح أنّ أدلّة القائلين بإجزاء جميع الأغسال عن الوضوء - من أمثال السيّد المرتضى رحمه الله وآية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي (دامت بركاته) - أقوى وأكثر بكثير من أدلّة المشهور. كما أنّ هذا الرأي هو الأنسب بما روي عن رسول الله’ في قوله: «جئتكم بالشريعة السهلة السمحة»، وقيام الدين الإسلامي على السهولة والتيسير. جدير بالذكر أنّه طبقاً للرأي المختار لسماحته والاستفتاءات المطروحة عليه، فإنّ إجزاء الغسل عن الوضوء وإن كان غير منحصر بغسل الجنابة، وطبقاً لما تمّ بيانه في هذا المقال من أنّ جميع الأغسال - الأعمّ من الواجبة
ص: 76
والمندوبة - تجزي عن الوضوء، إلّا أنّ الأغسال المستحبّة التي تجزي عن الوضوء هي خصوص الأغسال المنصوصة والتي تمّ التصريح باستحبابها في الروايات فقط.
وبعبارة أخرى: إنّ «غسل الجمعة» أو «غسل زيارة الإمام الرضا علیه السلام » حيث ورد استحبابهما في النصوص، فإنّهما لذلك يجزيان عن الوضوء، وأمّا إذا أراد شخص - مثلاً - أن يغتسل ابتداءً لمطلق الاستحباب والكون على طهارة دون أن يكون في نيّته أيّ غسل واجب أو مستحبّ بعنوانه، فإنّ غسله هذا لن يكون مجزياً عن الوضوء.(1)
ص: 77
1. القرآن الكريم.
2. آيات الأحكام، محمّد بن عليّ الأسترآبادي (م: 1028 ه)، طهران، مكتبة معراجي.
3. أجود التقريرات، السيّد أبوالقاسم الخوئي (م: 1317 ه)، قم، مؤسّسة مطبوعات ديني، 1410 ه.
4. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، محمّد بن حسن الطوسي (م: 460 ه)، طهران، دارالكتب الإسلاميّ-ة، 1390 ه.
5. الأمالي، محمّد بن عليّ بن بابويه الصدوق (م: 381 ه)، قم، مؤسّسة بعثت، 1417 ه.
ص: 78
6. الأمالي، محمّد بن حسن الطوسي (م: 460 ه)، قم، دارالثقافة، 1414 ه.
7. تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف الحلّي (م: 726 ه)، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام .
8. التعادل والترجيح، الإمام الخميني (سلام الله عليه)، قم، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (س)، 1384 ه ش.
9. التنقيح الرائع في شرح المختصر النافع، المقداد بن عبدالله السيوري (م: 826 ه)، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1414 ه.
10. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، محمّد بن حسن الطوسي (م: 460 ه)، طهران، دارالكتب الإسلاميّ-ة، 1407 ه.
11. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف بن أحمد البحراني (م: 1186 ه)، قم، مؤسّسة انتشارات إسلامي، 1405 ه.
12. خاتمة المستدرك، الميرزا الشيخ حسين النوري (م: 1320 ه)، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، 1416 ه.
13. الخلاف، محمّد بن حسن الطوسي (م: 460 ه)، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1407 ه.
ص: 79
14. الدروس الشرعيّ-ة، محمّد بن مكي العاملي (م: 786 ه)، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1408 ه.
15. ذخيرة المعاد في شرح إرشاد الأذهان، محمّد باقر السبزواري (م: 1090 ه)، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام .
16. ذكرى الشيعة، محمّد بن مكي العاملي (م: 786 ه)، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام .
17. رجال النجاشي، أحمد بن عليّ النجاشي (م: 450 ه)، قم، مؤسّسة انتشارات إسلامي، 1427 ه.
18. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، زين الدين بن عليّ العاملي (م: 966 ه)، قم، بوستان كتاب.
19. زبدة البيان في أحكام القرآن، أحمد بن محمّد الأردبيلي (م: 993 ه)، طهران، المكتبة الجعفريّ-ة، الطبعة الأولى.
20. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، محمّد بن منصور الحلّي (م: 598 ه)، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1410 ه.
21. الشرح الكبير، عبدالرحمن بن قدامة (م: 682 ه)، بيروت، دارالكتاب العربي.
22. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي، قم، منشورات ميثم التمار، 1429 ه.
23. فقه الرضا علیه السلام ، المنسوب إلى الإمام عليّ بن
ص: 80
موسى علیه السلام ، (تاريخ الاستشهاد: 203 ه)، مشهد، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، 1416 ه.
24. فيض القدير، محمّد عبدالرؤوف المناوي (م: 1231 ه)، بيروت، دارالكتب العلميّ-ة، 1415 ه.
25. القواعد الفقهيّ-ة، حسين الموسوي البجنوردي (م: 1359 ه)، قم، نشر الهادي علیه السلام ، 1419 ه.
26. الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني (م: 329 - 328 ه)، طهران، دارالكتب الإسلاميّ-ة، 1407 ه.
27. كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه (م: 368 ه)، قم، نشر الفقاهة، 1428 ه.
28. كشف الالتباس، مفلح بن حسن الصيمري (م: 900 ه)، قم، الطبعة الأولى، 1417 ه.
29. كنز العرفان، المق-داد بن عبدالله السيوري (م: 826 ه)، قم، الطبعة الأولى.
30. المبسوط في فقه الإماميّ-ة، محمّد بن حسن الطوسي (م: 460 ه)، طهران، المكتبة المرتضويّ-ة، 1387 ه.
31. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، أحمد بن محمّد الأردبيلي (م: 993 ه)، قم، مؤسّسة نشر إسلامي، 1403 ه.
ص: 81
32. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، حسن بن يوسف الحلّي (م: 726 ه)، قم، مؤسّسة بوستان كتاب، 1413 ه.
33. المختصر النافع، جعفر بن حسن الحلّي (م: 676 ه)، قم، مؤسّسة مطبوعات ديني، 1418 ه.
34. المدونة الكبرى، مالك بن أنس (م: 179 ه)، القاهرة، نشر السعادة.
35. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، محمّد بن عليّ الموسوي العاملي (م: 1009 ه)، بيروت، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، 1411 ه.
36. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م: 1245 ه)، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، 1415 ه.
37. مسند أحمد، أحمد بن حنبل (م: 241 ه)، بيروت، دار صادر.
38. مشارق الشموس في شرح الدروس، آغا حسين خونساري (م: 1098 ه).
39. مصباح الفقيه، رضا بن محمّد هادي الهمداني (م: 1322 ه)، قم، المؤسّسة الجعفريّ-ة، 1416 ه.
40. المعتبر في شرح المختصر، جعفر بن حسن الحلّي (م: 676 ه)، قم، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ،
ص: 82
1407 ه.
41. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني (م: 360 ه)، القاهرة، دار إحياء التراث العربي.
42. المغني، عبدالله بن قدامة (م: 620 ق)، بيروت، دارالكتاب العربي.
43. مفاتيح الشرائع، محمّد محسن الفيض الكاشاني (م: 1091 ه)، قم، مجمع الذخائر الإسلاميّ-ة، 1401 ه.
44. المقنعة، محمّد بن محمّد المفيد (م: 413 ه)، قم، كنگره جهاني هزاره شيخ مفيد، 1413 ه.
45. مكارم الأخلاق، الحسن بن فضل الطبرسي (م: 548 ه)، منشورات الشريف الرضي، 1392 ه.
46. منتهى المطلب في تحقيق المذهب، حسن بن يوسف الحلّي (م: 726 ه)، مشهد، مجمع البحوث الإسلاميّ-ة، 1412 ه.
47. من لا يحضره الفقيه، محمّد بن عليّ بن بابويه الصدوق (م: 381 ه)، قم، دفتر انتشارات إسلامي، 1413 ه.
48. النهاية، محمّد بن حسن الطوسي (م: 460 ه)، بيروت، دارالكتاب العربي، 1400 ه.
49. نيل الأوطار، محمّد بن عليّ الشوكاني (م: 1255
ص: 83
ه)، بيروت، دار الجليل.
50. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمّد بن حسن الحرّ العاملي (م: 1104 ه)، قم، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، 1409 ه.
51. الوسيلة إلى نيل الفضيلة، محمّد بن عليّ الطوسي (م: 566 ه)، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1408 ه.
ص: 84