سرشناسه:تبریزیان، علاء
عنوان و نام پديدآور:صحة الحدیث/ تالیف علاء الحسون.
مشخصات نشر:قم: زلال کوثر، 1443ق.= 2022م.= 1401.
مشخصات ظاهری:514ص.
شابک:2800000 ریال: 978-622-7978-08-7
وضعیت فهرست نویسی:فاپا
يادداشت:زبان: عربی.
یادداشت:کتابنامه : ص. [461] - 495 ؛ همچنین به صورت زیرنویس.
موضوع:حدیث -- صحت و حجیت
Hadith -- Evidences, authority, etc.
حدیث -- علم الدرایه
Hadith -- *Ilm al-Dirayah
حدیث -- نقد و تفسیر -- روش شناسی
Hadith -- Criticism, interpretation, etc. -- Methodology
رده بندی کنگره:BP109
رده بندی دیویی:297/267
شماره کتابشناسی ملی:8753812
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا
ص: 1
صحة الحدیث
تالیف
الشیخ علا الحسون
مرکز حدیث اهل البیت
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 3
ص: 4
إنّ حديث أهل البيت علیهم السلام هو حديث من أودعهم الله علمَه، وائتمنهم على سرّه، وجعلهم ورثة علم الأوّلين والآخرين، واختارهم واجتباهم واصطفاهم وارتضاهم وانتجبهم وانتقاهم ليكونوا حجَجه وأمناءه وسفراءه وتراجمة أمره ولسانه الناطق في خلقه.
إنّ حديث أهل البيت علیهم السلام هو حديث من هم باب علم الله، ومعدن علم الله، وخزنة علم الله، والعلم كما بيّن أهل البيت علیهم السلام أصلُ كلّ خير، ورتبته أعلى المراتب، وهو منتهى كلِّ منزلة رفيعة، وهو كنزٌ عظيم لا يفنى، بل هو أعظم كنز، ولا كنزَ أنفعُ منه.
والعلم كما قال أهل البيت علیهم السلام : عماد الروح وحياة القلب ومصباح العقل ودليل العاقل في أعماله، وهو خير دليل، وبه يَبْلُغُ العبدُ منازل الأبرار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة.
ولا يخفى على أحد أهمّيّة العلم؛ لأنّه لا هداية لمن لا علم له، وليس إلى الله طريق يُسلك إلّا بالعلم، والناس ثلاثة: عالم ربّاني، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رُعَاع أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.
والأئمّة علیهم السلام مصدر العلم، وقد بيّن رسول الله صلی الله علیه واله في مواقف عديدة المكانة والمنزلة العلميّة التي يحظى بها الأئمّة علیهم السلام ، فقال: «اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي»، وبيّن بأنّهم أوعية علمه وخزّان علمه.
ص: 5
وأوّل هؤلاء الأئمّة علیهم السلام أمير المؤمنين علیه السلام ، وهو العالم الربّاني الذي أعطاه الله جوامع العلم، فأصبح معدن كلّ علم، وباب مدينة العلم، وخازن علم رسول الله صلی الله علیه واله ، ووارث علمه.
وورد حول الأئمّة علیهم السلام بشكل عامّ بأنّ الله تعالى آتاهم العلم، واستودعهم العلم، وأعطاهم علم ما مضى وعلم ما بقي، وأورثهم علم النبيّين والمرسلين، فهم مصابيح العلم، وعندهم أصول العلم، ومعاقل العلم، ومفاتيح العلم، وعلم الكتاب، وبيان ما فيه، وأنّهم الراسخون في العلم.
فالأئمّة علیهم السلام هم المصدر لتلقّي العلوم الإلهيّة، وعندهم مستقى العلم، وعندهم العلم الصحيح، وقد قال الإمام الصادق علیه السلام : «اُنظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه»، وقال علیه السلام : «اطلبوا العلم من معدن العلم، وإيّاكم والولائج، فهم الصادّون عن الله».
وقال علیه السلام لشيعته: «إنّ الناس سلكوا سبلاً شتّى، منهم من أخذ بهواه، ومنهم من أخذ برأيه، وإنّكم أخذتم بأمر له أصل»، وقال علیه السلام : «ذهب الناس إلى عين كدرة يُفْرَغ بعضها في بعض، ومَن أتى آل محمّد أتى عيناً صافيةً تجري بعلم الله».
وهنا تكمن أهمّيّة حديث أهل البيت علیهم السلام ؛ لأنّه السبيل لمعرفة العلوم الإلهيّة، وهو المصدر الذي يَهدي ويُرْشِد ويُنجي ويحيي القلوب، وهذا ما يحتّم القيام بما أكّد عليه أهل البيت علیهم السلام إزاء حديثهم، منها:
أوّلاً: كتابة حديث أهل البيت علیهم السلام : قال الإمام الصادق علیه السلام : «القلب يتّكل على الكتابة»، وقال علیه السلام لأحد أصحابه: «اكتب وبُثَّ علمك في
ص: 6
إخوانك، فإنْ مِتَّ فأورث كتبَك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم».
ثانياً: الأخذ بحديث أهل البيت علیهم السلام : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «من أرادنا فليأخذ بقولنا»، وقال علیه السلام : «يا كميل، لا تأخذ إلّا عنّا تكن منّا. يا كميل، ما من حركة إلّا وأنت محتاج فيها إلى معرفة»، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «أحاديثنا ...إن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم»، ونقرأ في زيارة الأئمّة علیهم السلام : «أُشهد الله وأُشهدكم أنّي ... آخذ بقولكم».
ثالثاً: القول بحديث أهل البيت علیهم السلام : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «إنّ المؤمن من قال بقولنا»، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «من سرّه أن يستكمل الإيمان كلَّه فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد فيما أسرّوا وما أعلنوا، وفيما بَلَغني عنهم وفيما لم يَبْلُغْنِي».
رابعاً: حفظ حديث أهل البيت علیهم السلام ، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثاً، بعثه الله يوم القيامة عالماً فقيهاً».
خامساً: نشر حديث أهل البيت علیهم السلام : قال رسول الله صلی الله علیه واله : «نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها»، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «حدّثوا عنّا ولا حرج، رحم الله من أحيى أمرنا»، وقال الراوي: «سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول: رحم الله عبداً أحيى أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا»، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «الراوية لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد»، وقال الإمام الصادق علیه السلام : «اعرفوا منازل الناس منّا على قدر روايتهم عنّا».
ص: 7
وأهمّ ما يجدر الاهتمام به إزاء حديث أهل البيت علیهم السلام معرفة المنهجيّة الصحيحة التي تتيح لنا معرفة الحديث الذي يمكن الاعتماد عليه والأخذ به؛ ولا شك أنّ السبيل الوحيد في هذا الأمر هو معرفة المنهجيّة التي بيّنها أهل البيت علیهم السلام في هذا المجال.
وقد تضمّن هذا الكتاب بيان القواعد والضوابط التي بيّنها أهل البيت علیهم السلام لأخذ أو ترك الحديث المنسوب إليهم، وما يلزم القيام به عند التعارض بين الأخبار، كما تضمّن هذا الكتاب دراسة عامّة حول منهج القدماء ومنهج المتأخّرين في معرفة الحديث الصحيح.
منهج القدماء: وهو المنهج القرائني أو منهج الوثوق بصدور الحديث، والحديث الصحيح وفق هذا المنهج هو الحديث المحفوف بالقرائن المفيدة للاطمئنان من صحّة صدوره عن المعصوم علیه السلام ؛ لأنّ الملاك والمعيار في هذا المنهج هو القول بصحّة كلّ حديث يحصل الوثوق بصدوره من المعصوم علیه السلام من خلال القرائن، ويكون التأكيد في هذا المنهج على مضمون الحديث لا سنده، وتكون الحجّيّة في هذا المنهج للخبر الموثوق به.
وتعتمد صحّة الحديث في هذا المنهج على جمع القرائن والشواهد التي توجب الاطمئنان بصحّة مضمون الحديث لا صحّة سنده، ولا يلازم ضعف السند نفي صحّة صدور الحديث؛ لأنّ الحديث قد يكون ضعيفاً من ناحية السند وصحيحاً من ناحية المضمون والمتن والمحتوى لاحتفافه بالقرائن القطعيّة الدالّة على صحّة صدوره عن المعصوم علیه السلام ، فمدار الصحّة في هذه المنهجيّة ليس السند، بل هو الاطمئنان بصدور الرواية من خلال جمع القرائن.
ص: 8
منهج المتأخّرين: وهو المنهج السندي أو منهج الوثاقة برواة الحديث، ومعيار اعتبار الحديث في هذا المنهج هو التعويل على السند، والاعتماد على صحّة السند، وتصحيح الحديث حسب وثاقة الرواة، ولزوم ثبوت عدالة أو وثاقة جميع رجال السند، وعليه يكون قبول الرواية أو عدم قبولها والأخذ بها أو طرحها جانباً متوقّفاً على صحّة سندها، ولا يُنظر في هذا المنهج إلى متن ومضمون الحديث بل الصحّة تدور مدار السند فقط، والملاك فيه حجّيّة خبر الثقة.
وقد تضمّن هذا الكتاب دراسة هذين المنهجين، وبيان أهمّ الأدلّة التي اعتمد عليه الطرفان، ومناقشة بعض الأدلّة المطروحة، كما تضمّن دراسة حول علم الرجال، والتعريف بأهمّ الكتب الرجاليّة، وبيان أسباب رفض المنهج السندي.
والنتيجة التي توصّل إليها البحث في هذا الكتاب هي القول بأصالة صحّة حديث أهل البيت علیهم السلام ؛ وذلك لتعاضد القرائن الموجبة للاطمئنان والشواهد المفيدة للعلم، وإثبات هذه القرائن والشواهد بأنّ كلّ حديث ورد عن أهل البيت علیهم السلام في مصادرنا صحيح حتّى يثبت عكس ذلك، بخلاف من يقول بأصالة عدم صحّة حديث أهل البيت علیهم السلام حتّى تثبت صحّته، فيكون موقفه عند مواجهة كلّ حديث لأهل البيت علیهم السلام الرفض والتشكيك في صحّته حتّى تثبت صحّته، فأثبت هذا الكتاب لزوم أن يكون موقفنا عند مواجهة كلّ حديث القول بصحّته حتّى يثبت خلاف ذلك.
ص: 9
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفّقنا لاتّباع منهج أهل البيت علیهم السلام في جميع الأصعدة، وأن تكون كلّ حركة منّا وفق المعرفة التي نأخذها عن أهل البيت علیهم السلام ، وأن لا نكون من الذين ذهبوا إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض، بل نأتي عين آل محمّد علیهم السلام الصافية التي تجري بعلم الله، وأن يكون القول منّا في جميع الأشياء قول آل محمّد علیهم السلام فيما أسرّوا وما أعلنوا، وفيما بَلَغنا عنهم وفيما لم يَبلُغنا.
علاء الحسّون
مدينة قم المقدّسة
ربيع الأوّل 1443ﻫ
ص: 10
ص: 11
ص: 12
بيّن أهل البيت علیهم السلام الضوابط والقواعد التي تكون الملاك والمعيار لقبول الحديث أو تركه، وهي عرض الحديث على القرآن والسنّة الثابتة:
جعل أهل البيت علیهم السلام عرض الحديث على القرآن هو المعيار والميزان والضابط الأساسي لتقييم حديثهم وتمييز الصحيح عن غيره، فأمرونا بعرض الحديث على القرآن والأخذ بما وافقه وترك ما خالفه، والأخذ بما نجد عليه شاهداً أو شاهدين من القرآن، فإن لم نجد وقفنا عنده، ثمّ رددناه إليهم حتّى يستبين لنا، ومن الأحاديث الواردة في هذا المجال:
1- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «أيّها الناس، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله»(1).
2- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «إذا حُدّثتم عنّي بالحديث فانحَلُوني أهنَأَه وأسهَلَه وأرشَدَه، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله»(2).
3- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب
ص: 13
نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه»(1).
4- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «سيكذب عليَّ كاذب كما كذب على من كان قبلي، فما جاءكم عنّي من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وما خالف كتاب الله فليس من حديثي»(2).
5- قال الإمام الباقر علیه السلام : «إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلّا فقفوا عنده، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم»(3).
6- قال الإمام الباقر علیه السلام : «اُنظروا أمرنا وما جاءكم عنّا، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده، وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا»(4).
7- قال الإمام الصادق علیه السلام : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف(5)»(6).
8- قال الإمام الصادق علیه السلام : «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف»(7).
ص: 14
9- قال الإمام الصادق علیه السلام : «ما أتاكم عنّا من حديث لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل»(1).
تنقسم الآيات القرآنيّة إلى قسمين:
القسم الأوّل: الآيات المحكمة ذات المعاني الواضحة والدلالات الصريحة.
القسم الثاني: الآيات المتشابهة ذات المعاني المبهمة والدلالات غير الصريحة.
وتنقسم معاني الآيات القرآنيّة أيضاً إلى قسمين:
القسم الأوّل: المعنى الظاهري الذي يدلّ عليه النصّ بوضوح، ويفهم من الآيات المحكمة بصراحة.
القسم الثاني: المعنى الباطني الذي لا سبيل لمعرفته إلّا عن طريق أهل البيت علیهم السلام ، فهم المصدر الوحيد لتبيينه والإفصاح عنه.
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في تعليقة له على حديث يرتبط بعرض الحديث على القرآن: «أقول: في هذا وغيره دلالة على عرض الحديث على ما كان من القرآن واضح الدلالة أو ما كان تفسيره وارداً عنهم علیهم السلام ، والعمل حينئذٍ بالحديث والقرآن معاً»(2).
وقال الشيخ الحرّ العاملي أيضاً حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونه موافقاً للقرآن، لما عرفت في القضاء من النصّ المتعدّد(3)، والمراد: الآيات
ص: 15
الواضحة الدلالة أو المعلوم تفسيرها عنهم علیهم السلام »(1).
وقد نهى أهل البيت علیهم السلام عن تفسير القرآن بالرأي، ومن هذه الأحاديث:
1- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب»(2).
2- قال الإمام الصادق علیه السلام : «ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن»(3).
3- قال الإمام الصادق علیه السلام : «من فسّر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر»(4).
4- قال الإمام الصادق علیه السلام : «من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه»(5).
5- قال الإمام الصادق علیه السلام : «من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء»(6).
1- قال الله عزّ وجلّ في وصف أمير المؤمنين علیه السلام : «خليفتي على عبادي؛ ليبيّن لهم كتابي»(7).
2- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «إنّ الله عزّ وجلّ أنزل عليَّ القرآن، وهو الذي
ص: 16
مَن خالفه ضلّ، ومن ابتغى علمه عند غير علي هلك»(1).
3- «قال رسول الله صلی الله علیه واله : يا علي، أنت تعلِّم الناس تأويل القرآن بما لا يعلمون، فقال علي: ما أبلّغ رسالتك بعدك يا رسول الله؟ قال: تخبر الناس بما أشكل عليهم من تأويل القرآن»(2).
4- قال رسول الله صلی الله علیه واله في يوم الغدير وهو آخذ بيد الإمام علي علیه السلام : «معاشر الناس، تدبّروا القرآن، وافهموا آياته ومحكماته، ولا تتّبعوا متشابهه، فوالله لهو مبيّن لكم نوراً واحداً، ولا يوضّح لكم تفسيره إلّا الذي أنا آخذٌ بيده»(3).
5- ورد بعد خطبة أمير المؤمنين علیه السلام بين الناس: «قام إليه علقمة وعبيدة السلماني، فقالا: يا أمير المؤمنين، فما نصنع بما قد خُبّرنا في هذه الصحف من أصحاب محمّد صلی الله علیه واله ؟ قال: سلا عن ذلك علماء آل محمّد صلی الله علیه واله ، كأنّه يعني نفسه»(4).
6- قال أمير المؤمنين علیه السلام في مقام احتجاجه على الزنديق الذي جاء إليه بآي من القرآن زاعماً تناقضها: «إنّ الله جلّ ذكره لِسَعة رحمته ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كتابه قسّم كلامه ثلاثة أقسام:
فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل.
وقسماً منه لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمييزه ممّن شرح
ص: 17
الله صدره للإسلام.
وقسماً لا يعرفه إلّا الله وأمناؤه والراسخون في العلم.
وإنّما فعل الله ذلك لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلی الله علیه واله من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن ولّاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعزّزاً وافتراء على الله عزّ وجلّ، واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عزّ وجلّ ورسوله»(1).
7- قال الإمام الحسين علیه السلام : «كتاب الله تبارك وتعالى ... المعوّل علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقائقه»(2).
8- «عن أبي عبد الله علیه السلام في رسالة: وأمّا ما سألت من القرآن فذلك أيضاً من خطراتك المتفاوتة المختلفة؛ لأنّ القرآن ليس على ما ذكرت، وكلّ ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه، وإنّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حقّ تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، فأمّا غيرهم فما أشدّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم.
ولذلك قال رسول الله صلی الله علیه واله : ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلّا من شاء الله، وإنّما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره، وأن يستنطقوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم.
ص: 18
ثمّ قال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، فأمّا غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً ولا يوجد، وقد علمت أنّه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الأمر؛ إذ لا يجدون من يأتمرون عليه، ولا من يبلّغونه أمر الله ونهيه، فجعل الله الولاة خواصّ ليَقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك.
فافهم ذلك إن شاء الله، وإيّاك وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك، فإنّ الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور، ولا قادرين عليه، ولا على تأويله إلّا من حدّه وبابه الذي جعله الله له، فافهم إن شاء الله واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله»(1).
9- قال الإمام الباقر علیه السلام : «إنّ مِن علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه»(2).
10- قال الإمام الباقر علیه السلام حول قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]: «هم الأئمّة المعصومون علیهم السلام »(3).
11- قال الإمام الباقر علیه السلام : «إنّما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما أُنزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا»(4).
12- قال الإمام الباقر علیه السلام : «القرآن ضرب فيه الأمثال للناس، وخاطب
ص: 19
الله نبيّه صلی الله علیه واله به ونحن، فليس يعلمه غيرنا»(1).
13- قال الإمام الباقر علیه السلام لقتادة بن دعامة: «یا قتادة، إن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ... ويحك يا قتادة، إنّما يعرف القرآن من خوطب به»(2).
14- «عن أحدهما علیهما السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 7]، فرسول الله صلی الله علیه واله أفضل الراسخين في العلم، قد علّمه الله عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه»(3).
15- قال الإمام الصادق علیه السلام حول قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49]: «هم الأئمّة خاصّة»(4).
16- قال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ الله علّم نبيّه صلی الله علیه واله التنزيل والتأويل، فعلّمه رسول الله صلی الله علیه واله عليّاً علیه السلام ، قال: وعلّمنا والله»(5).
17- قرّر الإمام الصادق علیه السلام قول من قال: «نظرت في القرآن فإذا هو
ص: 20
يخاصم به المرجئ والقدريُّ والزنديق الذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلّا بقيّم، فما قال فيه من شيء كان حقّاً ... فأشهد أنّ عليّاً علیه السلام كان قيّم القرآن»(1).
18- قال الإمام الرضا علیه السلام : «إنّ الله يقول في محكم كتابه: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، يعني آل محمّد، وهم الذين يستنبطون من القرآن، ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجّة لله على خلقه»(2).
19- قال الإمام الرضا علیه السلام في وصف أمير المؤمنين علیه السلام ، ثمّ الأئمّة علیهم السلام من بعده: «الناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه»(3).
20- قال الإمام الرضا علیه السلام في وصف الأئمّة علیهم السلام : «إنّهم المعبّرون عن القرآن»(4).
21- ورد في تفسير الإمام العسكري علیه السلام : «قال رسول الله صلی الله علیه واله : عليكم بالقرآن فإنّه الشفاء النافع، والدواء المبارك، وعصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتّبعه ... ثمّ قال رسول الله صلی الله علیه واله : أ تدرون من المتمسّك الذي بتمسّكه ينال هذا الشرف العظيم، هو الذي أخذ القرآن وتأويله عنّا أهل البيت، أو عن وسائطنا السفراء عنّا إلى شيعتنا، لا عن آراء المجادلين وقياس القائسين»(5).
ص: 21
1- کتب أمير المؤمنين علیه السلام إلى مالك الأشتر: «واردُد إلى الله ورسوله ما يضلعك(1) من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة»(2).
2- «عن سدير قال: كان أبو جعفر علیه السلام وأبو عبد الله علیه السلام لا يصدق علينا إلّا بما يوافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلی الله علیه واله »(3)، وورد أيضاً: «عن سدير قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله علیهما السلام : لا تصدق علينا إلّا ما وافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلی الله علیه واله »(4).
3- «روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا علیه السلام قال: قلت للرضا علیه السلام : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة، قال: ما جاءك عنّا فقسه على كتاب الله عزّ وجلّ وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا، وإن لم يشبههما فليس منّا»(5).
ص: 22
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «الأحاديث المتواترة دالّة على وجوب العمل بأحاديث الكتب المعتمدة، ووجوب العمل بأحاديث الثقات.
فإن قلت: هذه الأحاديث من جملة أحاديث الكتب المعتمدة، ومن جملة روايات الثقات، فالاستدلال دوري.
قلت: هذه الأحاديث موصوفة بصفات:
منها: كونها موجودةً في الكتب المعتمدة.
ومنها: كونها من روايات الثقات.
ومنها: كونها متواترة.
ومنها: كونها محفوفة بالقرائن القطعيّة.
ومنها: كونها مفيدة للعلم بقول المعصوم.
إلى غير ذلك، فيمكن الاستدلال بها باعتبار كلّ صفة من هذه الصفات على حجّيّة الأقسام الباقية، فاندفع الدور، لاختلاف الحيثيّات والاعتبارات، أو نستدلّ بأحاديث كلّ كتاب على حجّيّة ما سواه من الكتب، وبرواية كلّ ثقة على حجّيّة رواية غيره من الثقات»(1).
1- «عن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام أو عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لا تكذّبوا
ص: 23
بحديث أتاكم أحدٌ، فإنّكم لا تدرون لعلّه من الحقّ فتكذّبوا الله فوق عرشه»(1).
2- «عن أبي بصير عن أحدهما علیهما السلام قالوا: لا تكذّبوا بحديث أتاكم به مرجئيٌّ ولا قدريٌّ ولا خارجيٌّ نسبه إلينا، فإنّكم لا تدرون لعلّه شيءٌ من الحقّ فتكذّبوا الله عزّ وجلّ فوق عرشه»(2).
3- «عن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام أو أبي عبد الله علیه السلام قال: لا تكذّبوا بحديث إذا أتاكم به مُرجئيٌّ ولا قَدريٌّ ولا حروريٌّ ينسبه إلينا، فإنّكم لا تدرون لعلّه شيء من الحقّ فيُكذّب الله فوق عرشه»(3).
4- «عن علي السناني عن أبي الحسن علیه السلام أنّه كتب إليه في رسالة: ولا تقُل لما بلغك عنّا أو نُسب إلينا هذا باطلٌ وإن كنت تعرف خلافه، فإنّك لا تدري لم قلنا، وعلى أيّ وجهٍ وصِفَةٍ»(4).
5- «عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: والله إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا فلم يقبله اشمأزّ منه وجحده وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا»(5).
ص: 24
6- «عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، إنّ الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتّى نكذّبه، قال: فقال أبو عبد الله علیه السلام : أ ليس عنّي يحدّثكم؟ قال: قلت: بلى، قال: فيقول للّيل: إنّه نهار، وللنّهار: إنّه ليل؟ قال: فقلت له: لا، قال: فقال: ردّه إلينا، فإنّك إن كذّبت فإنّما تكذّبنا»(1).
7- «عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، يأتينا الرجل من قبلكم يُعرف بالكذب فيحدّث بالحديث فنستبشعه، فقال أبو عبد الله علیه السلام : يقول لك: إنّي قلت للّيل: إنّه نهار، وللنّهار: إنّه ليل؟ قلت: لا، قال: فإن قال لك: هذا إنّي قلته فلا تكذّب به فإنّك إنّما تكذّبني»(2).
8- «عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : ما جاءكم منّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردّوه إلينا»(3).
9- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «من ردّ حديثاً بلغه عنّي فأنا مخاصمه يوم القيامة، فإذا بلغكم عنّي حديث لم تعرفوه فقولوا: الله أعلم»(4).
10- قال رسول الله صلی الله علیه واله : «من بلغه عنّي حديث فكذّب به فقد كذّب ثلاثةً: الله ورسوله والذي حدّث به»(5).
ص: 25
11- «عن أبي إبراهيم علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله : ألا هل عسى رجل يكذّبني وهو على حشاياه(1) متّكئٌ؟ قالوا: يا رسول الله، ومن الذي يكذّبك؟ قال: الذي يَبلُغُه الحديث فيقول: ما قال هذا رسول الله قطّ، فما جاءكم عنّي من حديث موافق للحقّ فأنا قلته، وما أتاكم عنّي من حديث لا يوافق الحقّ فلم أقله، ولن أقول إلّا الحقّ»(2).
قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) في بحار الأنوار بعد ذكر هذا الحديث: «یظهر من آخر الخبر أنّ المراد التكذيب الذي يكون بمحض الرأي من غير أن يعرضه على الآيات والأخبار المتواترة، ويحتمل أن يكون المراد: لا تعملوا بما لا يوافق الحقّ الذي في أيديكم، ولا تكذّبوا الخبر أيضاً، إذ لعلّه كان موافقاً للحقّ ولم تعرفوا معناه، بل ردّوا علمه إلى من يعلمه»(3).
12- قال أمير المؤمنين علیه السلام : «إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفون فردّوه إلينا وقفوا عنده وسلّموا حتّى يتبيّن لكم الحقّ»(4).
13- «حدّثنا محمّد بن عيسى قال: أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث علیه السلام وجوابه بخطّه فقال: نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه، كيف العمل به على اختلافه إذا نردّ إليك فقد اختلف فيه؟ فكتب وقرأته: ما علمتم أنّه قولنا فالزموه، وما لم تعلموا فردّوه إلينا»(5).
ص: 26
14- «عن الحجّاج الخيبري قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إنّا نكون في موضع فيُروى عنكم الحديث العظيم، فيقول بعضنا لبعض: القول قولهم، فيشقّ ذلك على بعضنا، فقال: كأنّك تريد أن تكون إماماً يقتدى بك، من ردّ إلينا فقد سلّم»(1).
تنبيه:
إنّ النهي عن ردّ الحديث يعني النهي عن الحكم بوضعه، والنهي عن إنكار مضمونه، وذلك لاحتمال صحّة صدوره ومطابقته الواقع، ولا يعني هذا النهي لزوم العمل به والأمر بمتابعته والأخذ به.
قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «أقول: المراد من هذه الأحاديث الشريفة وما في معناها أنّ الإنسان إذا سمع حديثاً عن آل محمّد علیهم السلام وكان مخالفاً لرأيه وهواه، أو لما رُوي عنهم علیهم السلام في معناه، أو لم يدرك له معنىً محصّلاً، إمّا لإشكاله أو لقصور الفهم عنه أو لعدم موافقته للعقل أو الحُسن فلا يسارع إلى تكذيبه وردّه، بل إن رأى له وجهاً صحيحاً أو تأويلاً قريباً حمله عليه، وإلّا سكت عنه من غير قبول ولا ردّ؛ لإمكان وروده على أمر لا يحتمله عقله، أو سبب لم يظهر له وجهه من تقيّة أو غيرها»(2).
وأضاف: «اعلم أنّ اختلاف الأحاديث الموجب للحيرة إنّما كان معظمه في الكتب القديمة ... وأمّا الكتب التي وصلت إلينا خصوصاً الأربعة فإنّ مؤلّفيها رحمهم الله بذلوا جهدهم في تهذيبها وضبطها وبيان مشكلاتها، فلم
ص: 27
يرووا حديثاً مشكلاً إلّا وفي مقابله ما يوضّحه إمّا من الحديث أو من نتائج أفكارهم، وبيّنوا لنا طريق ذلك لنقتدي بهم ونهتدي بأنوارهم، اللّهم إلّا أشياء موقوفة على التوقيف من أئمّة الهدى علیهم السلام لعدم ظهور المراد منها لنا ... فإنّهم نقلوها كما هي لنتأدّب بآدابهم ونسكت عمّا سكتوا عنه، ولا نكلّف أنفسنا فَهم ما يُعجز عن إدراكه، ومن الله التوفيق»(1).
من الروايات الدالّة على صحّة الرجوع إلى خبر الواحد:
1- قال الإمام الصادق علیه السلام للفيض بن المختار: «إذا أردت بحديثنا فعليك بهذا الجالس وأومأ بيده إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه فقالوا: زرارة بن أعين»(2).
2- «عن يونس بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إنّ زرارة قد روى عن أبي جعفر علیه السلام أنّه ... فقال أبو عبد الله علیه السلام : أمّا ما رواه زرارة عن أبي جعفر علیه السلام فلا يجوز أن تردّه»(3).
3- «عن شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال: عليك بالأسدي، يعني أبا بصير»(4).
4- «عن سُلیم بن أبي حيّة قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام ، فلمّا أردت أن
ص: 28
أفارقه ودّعته وقلت: أحبّ أن تزوّدني، فقال: ائت أبان بن تغلب فإنّه قد سمع منّي حديثاً كثيراً، فما روى لك فاروِه عنّي»(1).
5- «عن أبان بن عثمان أنّ أبا عبد الله علیه السلام قال له: إنّ أبان بن تغلب قد روى عنّي رواية كثيرة، فما رواه لك عنّي فاروِه عنّي»(2).
6- «عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه، قال: فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي، فإنّه قد سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً»(3).
7- «عن يونس بن يعقوب قال: كنّا عند أبي عبد الله علیه السلام فقال: أما لكم من مفزع؟! أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟! ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري؟!»(4).
8- «عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتعة، فقال: إلقَ عبد الملك بن جُريح فسله عنها، فإنّ عنده منها علماً، فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً»(5).
ص: 29
9- «عن علي بن المسيّب قال: قلت للرضا علیه السلام : شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال: من زكريا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا، قال علي بن المسيّب: فلمّا انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم، فسألته عمّا احتجت إليه «(1).
10- «عن عبد العزيز بن المهتدي قال: قلت للرضا علیه السلام : إنّ شقّتي بعيدة فلست أصل إليك في كلّ وقت، فآخذ معالم ديني من يونس مولى ابن يقطين؟ قال: نعم»(2).
11- «الحسن بن علي بن يقطين ... قال: قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : جعلت فداك، إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم»(3).
12- «الفضل بن شاذان قال: حدّثني عبد العزيز بن المهتدي، وكان خير قمّي رأيته، وكان وكيل الرضا علیه السلام وخاصّته، فقال: سألته، فقلت: إنّي لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: خُذ عن يونس بن عبد الرحمن»(4).
ص: 30
13- «عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد صلوات الله عليه في يوم من الأيّام فقلت: يا سيّدي، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه. فلمّا مضى أبو الحسن علیه السلام وصلت إلى أبي محمّد ابنه الحسن العسكري علیه السلام ذات يوم فقلت له علیه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيى والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه»(1).
14- حديث الإمام الهادي علیه السلام : «أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن علیه السلام قال: سألته وقلت: من أعامل؟ أو عمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطِعْ فإنّه الثقة المأمون»(2).
1- قال السيّد المرتضى (ت 436 ﻫ): «إنّا قد بيّنّا أنّ العمل بخبر الواحد الذي لم يقُم دلالة على صدقه ولا على وجوب العمل به غير صحيح»(3).
2- قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابه الاستبصار: «كلّ خبر لا يكون متواتراً ويتعرّى من واحد من هذه القرائن، فإنّ ذلك خبر واحد ويجوز
ص: 31
العمل به على شروط»(1).
وقال الشيخ الطوسي في كتابه العُدّة: «خبر الواحد ... قد ورد جواز العمل به في الشرع، إلّا أنّ ذلك موقوف على طريق مخصوص، وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقّة، ويختصّ بروايته، ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره من العدالة وغيرها»(2).
وقال الشيخ الطوسي أيضاً في كتابه العدّة: «فأمّا ما اخترته من المذهب فهو أنّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة، وكان ذلك مرويّاً عن النبي صلی الله علیه واله أو عن واحد من الأئمّة علیهم السلام ، وكان ممّن لا يطعن في روايته، ويكون سديداً في نقله، ولم تكن هناك قرينة تدلّ على صحّة ما تضمّنه الخبر؛ لأنّه إن كانت هناك قرينة تدلّ على صحّة ذلك كان الاعتبار بالقرينة، وكان ذلك موجباً للعلم ونحن نذكر القرائن فيما بعد - جاز العمل به.
والذي يدلّ على ذلك: إجماع الفرقة المحقّة، فإنّي وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في أصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتّى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبي صلی الله علیه واله ومن بعده من الأئمّة علیهم السلام ، ومن زمن الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته، فلولا أنّ العمل بهذه الأخبار كان جائزاً لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه؛
ص: 32
لأنّ إجماعهم فيه معصوم»(1).
وقال الشيخ الطوسي في كتابه الاستبصار: «خبر واحد ... يجوز العمل به على شروط، فإذا كان الخبر لا يعارضه خبر آخر فإنّ ذلك يجب العمل به؛ لأنّه من الباب الذي عليه الإجماع في النقل، إلّا أن تعرف فتاواهم بخلافه فيترك لأجلها العمل به، وإن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين فيعمل على أعدل الرواة في الطريقين ... وأنت إذا فكّرت في هذه الجملة وجدت الأخبار كلّها لا تخلو من قسم من هذه الأقسام، ووجدت أيضاً ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه الأقسام، ولم نشِر في أوّل كلّ باب إلى ذكر ما رجّحنا به الأخبار التي قد عملنا عليها وإن كنّا قد أشرنا في أكثرها إلى ذكر ذلك طلباً للإيجاز والاختصار»(2).
وقال الشيخ الطوسي في كتابه العُدّة: «أمّا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، فلا يدلّ على ذلك أيضاً؛ لأنّ من عمل بخبر الواحد فإنمّا يعمل به إذا دلّه دليل على وجوب العمل به، إمّا من الكتاب أو السنّة أو الإجماع، فلا يكون قد عمل بغير علم، وإنّما الآية مانعة من العمل بغير علم أصلاً، وقد بيّنّا أنّا لا نقول ذلك؛ لأنّ من علم وجوب العمل بخبر الواحد فهو عالم بما يعمل به، فسقط التعلّق بهذه الآية أيضاً»(3).
ص: 33
3- قال المحقّق الحلّي (ت 676 ﻫ) في كتابه معارج الأصول: «ذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا، لكنّ لفظه وإن كان مطلقاً فعند التحقيق يتبيّن أنّه لا يعمل بالخبر مطلقاً، بل بهذه الأخبار التي رويت عن الأئمّة علیهم السلام ودوّنها الأصحاب، لا أنّ كلّ خبر يرويه الإمامي يجب العمل به، هذا الذي تبيّن لي من كلامه، ويدّعي إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار»(1).
وقال المحقّق الحلّي في كتابه المعتبر في شرح المختصر حول خبر الواحد: «ما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذّ يجب اطّراحه»(2).
4- قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) في كتابه مشرق الشمسين: «آية التثبّت، أعني قوله تعالى: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُواْ﴾ [الحجرات: 6]، دلّت على التعويل على رواية العدل الواحد»(3)، وقال أيضاً: «ذهب أكثر علمائنا قدّس الله أرواحهم إلى أنّ العدل الواحد الإمامي كافٍ في تزكية الراوي، وأنّه لا يحتاج فيها إلى عدلين كما يحتاج في الشهادة»(4).
إنّ الضابطة التي أكّد عليها أهل البيت علیهم السلام في معرفة منزلة الرواة هي التعرّف على منزلتهم من خلال روايتهم عن أهل البيت علیهم السلام ، وبقدر ما
ص: 34
يحسنون من روايتهم عنهم وفهمهم منهم ودرايتهم لكلامهم علیهم السلام ، ويكفي لإثبات حجّيّته تأكيد أهل البيت علیهم السلام عليه في العديد من الأحاديث، منها:
1- قال الإمام الصادق
علیه السلام : «اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا»(1).
2- قال الإمام الصادق علیه السلام : «اعرفوا منازل الناس منّا على قدر رواياتهم عنّا»(2).
3- قال الإمام الصادق علیه السلام : «اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر روايتهم عنّا»(3).
4- قال الإمام الصادق علیه السلام : «اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا»(4).
5- قال الإمام الصادق علیه السلام : «اعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قدر روايتهم عنّا وفهمهم منّا»(5).
6- قال الإمام الصادق علیه السلام : «قال أبو جعفر علیه السلام : يا بنيّ، اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية»(6).
7- قال الإمام الصادق علیه السلام : «حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا، وإنّ الكلمة من
ص: 35
كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً، لنا من جميعها المخرج»(1).
8- قال الإمام الصادق علیه السلام : «خبر تدريه خيرٌ من عشر ترويه، إنّ لكلّ حقّ حقيقةً، ولكلّ صواب نوراً، ثمّ قال: إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّى يلحن له(2)
فيعرف اللّحن»(3).
أشار أهل البيت علیهم السلام إلى وثاقة الراوي وأمانته في موارد خاصّة عند إرشادهم إلى راوٍ معيّن، ومن هذه الأحاديث:
1- «الحسن بن علي بن يقطين ... قال: قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : جعلت فداك، إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني، أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم»(4).
2- حديث الإمام الهادي علیه السلام : «أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن علیه السلام قال: سألته وقلت: من أعامل؟ أو عمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطِعْ فإنّه الثقة المأمون»(5).
ص: 36
3- «عن أحمد بن إسحاق ... قال: ... سألت أبا محمّد علیه السلام عن مثل ذلك، فقال: العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطِعهما فإنّهما الثقتان المأمونان»(1).
4- ورد في التوقيع الشريف عن الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف: «فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه عنّا ثقاتنا»(2).
ولكن الملفت للنظر في حديث للإمام الصادق علیه السلام أنّه لم يجعل لوثاقة الراوي أيّ دور في الترجيح عند اختلاف الحديثين، مع تصريح الراوي عند بيان اختلاف الحديثين بأنّ أحد الحديثين يرويه من يثق به والحديث الآخر يرويه من لا يثق، ولكنّ الإمام الصادق علیه السلام مع ذلك لم يجعل أيّة أرجحيّة لوثاقة الراوي أو عدم وثاقته، والحديث هو:
«عن عبد الله بن أبي يعفور ... قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن اختلاف الحديث، يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلی الله علیه واله وإلّا فالذي جاءكم به أولى به»(3).
ورد في أحاديث الأئمّة علیهم السلام النهي عن أخذ الحديث عن المخالفين، منها:
1- «عن هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إنّا نأتي هؤلاء
ص: 37
المخالفين فنسمع منهم الحديث يكون حجّةً لنا عليهم، قال: فقال: لا تأتِهم ولا تسمع عنهم لعنهم الله ولعن ملّتهم المشركة»(1).
2- «حدّثني المفضّل بن زياد العبدي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إنّا أهل بيت صادقون، هَمُّكم معالم دينكم، وهَمُّ عدوّكم بكم، وأُشرب قلوبُهم لكم بغضاً يحرّفون ما يسمعون منكم كلّه ويجعلون لكم أنداداً، ثمّ يرمونكم به بهتاناً! فحسبهم بذلك عند الله معصيةً»(2).
وورد من جهة أخرى إذن وإجازة الأئمّة علیهم السلام في بعض الموارد بالأخذ عن المخالفين، منها:
قال الإمام الصادق علیه السلام : «إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنّا فانظروا إلى ما رووه عن علي علیه السلام فاعملوا به»(3).
وفي جميع الأحوال يبقى الأئمّة علیهم السلام هم المعيار الذي تُعرض عليه الأحاديث التي ينقلها المخالفون لمعرفة صحّتها، ومن هذه الأحاديث:
1- «عن هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، عند العامّة من أحاديث رسول الله شيء يصحّ؟ فقال: نعم، إنّ رسول الله أنال وأنال وأنال، وعندنا معاقل العلم وفصل ما بين الناس»(4).
2- «قال أبو جعفر علیه السلام : إنّ رسول الله صلی الله علیه واله أنال في الناس وأنال،
ص: 38
وعندنا عُرى الأمر وأبواب الحكمة ومعاقل العلم وضياء الأمر وأواخيه(1)، فمن عرفنا نفعته معرفته وقبل منه عمله، ومن لم يعرفنا لم تنفعه معرفته ولم يقبل منه عمله»(2).
3- «قال أبو عبد الله علیه السلام : إنّ رسول الله صلی الله علیه واله قد أنال وأنال وأنال، يشير كذا وكذا، وعندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه وأواخيه»(3).
4- «قال أمير المؤمنين علیه السلام : إنّ الله بعث محمّداً صلی الله علیه واله بالنبوّة واصطفاه بالرسالة فأنال في الإسلام وأنال، وعندنا أهل البيت مفاتح العلم وأبواب الحكم وضياء الأمر وفصل الخطاب»(4).
5- «عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إنّا نجد الشيء من أحاديثنا في أيدي الناس، قال: فقال لي: لعلّك لا ترى أنّ رسول الله صلی الله علیه واله أنال وأنال، ثمّ أومأ بيده عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه، وإنّا أهل البيت عندنا معاقل العلم وضياء الأمر وفصل ما بين الناس»(5).
6- «عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال: سمعته يقول: إنّ رسول الله صلی الله علیه واله أنال في الناس وأنال وأنال، وإنّا أهل البيت معاقل العلم وأبواب الحكم وضياء الأمر»(6).
ص: 39
قال العلّامة المجلسي في بيان له ذيل هذا الحديث: «أنال، أي: أعطى وأفاد في الناس العلوم الكثيرة، لكن عند أهل البيت معيار ذلك والفصل بين ما هو حقّ أو مفترى، وعندهم تفسير ما قاله الرسول صلی الله علیه واله ، فلا ينتفع بما في أيدي الناس إلّا بالرجوع إليهم صلوات الله عليهم، والمعاقل جمع معقل وهو الحصن والملجأ، أي: نحن حصون العلم، وبنا يلجأ الناس فيه، وبنا يوصل إليه، وبنا يضيء الأمر للناس»(1).
وورد بيان معيار آخر من الأئمّة علیهم السلام إزاء الأحاديث التي ينقلها المخالفون وهو: «قال إبراهيم بن أبي محمود: فقلت للرضا: يابن رسول الله، إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام وفضلكم أهل البيت، وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أ فندين بها؟ فقال: يابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه علیه السلام أنّ رسول الله صلی الله علیه واله قال: من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عزّ وجلّ فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس»(2).
وبشكل عامّ يمكن القول بأنّ المعيار هو قبول الحقّ، وإنّ أخذ الحديث عن المخالفين كما يبدو في الوهلة الأولى أمر لا إشكال فيه، ولكن يبدو وجود موانع دفعت الأئمّة علیهم السلام إلى نهي شيعتهم عن الأخذ بأحاديث المخالفين نتيجة التحريفات المقصودة والمدروسة التي لوّثت منظومة المخالفين الروائيّة وحوّلتها إلى عيون كدرة.
ص: 40
اعتبار خبر فاسد العقيدة الموثّق عند أهل البيت علیهم السلام (1):
لم ينفِ أهل البيت علیهم السلام صحّة الاعتماد على رواة الفرق الشيعيّة المنحرفة، والأخذ بخبرهم بعد التبيّن وحصول الاطمئنان بصحّة خبرهم(2)، منها: ورد عن الإمام العسكري علیه السلام أنّه «سُئل عن كتب بني فضّال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاءٌ؟ فقال علیه السلام : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»(3).
وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على صحّة الأخذ برواية الشيعي غير الاثني عشري، وهذا ما يكشف نفي شرط العدالة بالمعنى الخاصّ في الراوي، ويثبت كفاية العدالة بالمعنى العامّ، وهي الوثوق بحديثه.
ولهذا قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) حول الواقفيّة والفطحيّة: «إنّ ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به إذا كانوا ثقات في النقل وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد إذا علم من اعتقادهم تمسّكهم بالدين وتحرّجهم عن الكذب ووضع الأحاديث، وهذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمّة علیهم السلام نحو عبد الله بن بكير، وسماعة بن مهران، ونحو بني فضّال من المتأخّرين عنهم، وبني سماعة ومن شاكلهم، فإذا علمنا أنّ هؤلاء الذين أشرنا إليهم وإن كانوا مخطئين في الاعتقاد من القول بالوقف وغير ذلك كانوا ثقات في النقل فما يكون طريقه
ص: 41
هؤلاء جاز العمل به»(1).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كون الراوي ثقة، يؤمن منه الكذب عادة، وذلك قرينة واضحة على صحّة الحديث، بمعنى ثبوته، وكثيراً ما يحصل العلم بذلك حتّى لا يبقى شكّ أصلاً، وإن كان ثقة فاسد المذهب، كما صرّح به الشيخ وغيره»(2).
وورد في أصل زید الزرّاد: «زيد قال: حدّثنا جابر بن یزید الجُعفي، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: إنّ لنا أوعية نملؤُها علماً وحكماً، وليست لها بأهل، فما نملؤُها إلّا لتنقل إلى شيعتنا، فانظروا إلى ما في الأوعية فخذوها، ثمّ صفّوها من الكدورة، تأخذونها بيضاء نقيّة صافية، وإيّاكم والأوعية فإنّها وعاء سوء فتنكّبوها»(3).
وهذا ما يكشف اختيار أهل البيت علیهم السلام في بعض الأحيان مَن ليسوا بأهل لرواية أحاديثهم، وجعلهم وسيلة لنقل الحديث إلى شيعتهم، وعلى الشيعة أن ينتبهوا، فيأخذوا ما في الأوعية، ثمّ يقوموا بتصفيتها من الكدورة؛ لأنّ الراوي قد يضيف بعض الزوائد على ألفاظ الحديث من حيث لا يشعر بسبب الأطر الفكريّة المتحكّمة به، والتي تؤثّر في فهمه للحديث، فيزيد في الحديث بعض الشوائب لينسجم المتن مع قناعاته الشخصيّة، ولهذا جعل أهل البيت علیهم السلام التأكيد على دراسة صحّة مضمون الحديث من تصفية الحديث عمّا
ص: 42
يخالف القرآن والسنّة، فقد لا يكون الراوي والناقل للحديث بدرجة مناسبة من الاستقامة والوثاقة، ولكنّ مضمون الحديث يتمّ تثبيت صحّة صدوره من خلال شواهد القرآن والسنّة الثابتة.
1 - ورد في رجال الكشّي (ت 350 ﻫ): «قال محمّد بن مسعود:... جماعة من الفطحيّة، هم فقهاء أصحابنا، منهم: ابن بكير، وابن فضّال يعني الحسن بن علي، وعمّار الساباطي، وعلي بن أسباط، وبنو الحسن بن علي بن فضّال: علي وأخواه، ويونس بن يعقوب ومعاوية بن حكيم»(1).
2 - قال النجاشي (ت 450 ﻫ): «عمّار بن موسى الساباطي أبو الفضل، مولى، وأخواه قيس وصباح، رووا عن أبي عبد الله وأبي الحسن علیهما السلام ، وكانوا ثقات في النقل»(2).
3 - قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ): «عمّار بن موسى الساباطي، وكان فطحيّاً، له كتاب كبير، جيّد معتمد»(3)، وقال أيضاً عنه: «إنّه ثقة في النقل لا يُطعن عليه فيه»(4)، وقال في مواضع من كتبه: «إنّ الإماميّة مجمعة على العمل بما يرويه السكوني وعمّار ومن ماثلهما من الثقات»(5).
ص: 43
تنبيه:
إنّ الأخذ برواية فاسد العقيدة لوثاقته لا ينافي فساد عقيدته؛ لأنّ الشرط في الأخذ بالأخبار هي الوثاقة وليس الإيمان والعدالة، وإلّا فإنّ فساد عقيدة المخالف تزيل وتنفي عنه الإيمان والعدالة، بل المستفاد من الأحاديث شرك ونصب فاسدي العقيدة، وقد قال الإمام الصادق علیه السلام : «من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله كان مشركاً بالله»(1).
ص: 44
قسّم أمير المؤمنين علیه السلام الرواة إلى أربعة أقسام وهم:
1 - راوٍ منافق يظهر الإيمان.
2 - راوٍ واهم ولم يتعمّد الكذب.
3 - راوٍ حفظ الناسخ ولم يحفظ المنسوخ.
4 - راوٍ صادق حافظ ضابط.
«عن سُليم بن قيس الهلالي قال: قلت لأمير المؤمنين علیه السلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه واله غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلی الله علیه واله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلی الله علیه واله متعمّدين، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل عليّ فقال: قد سألت فافهم الجواب:
إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله صلی الله علیه واله على عهده حتّى قام خطيباً فقال: أيّها الناس، قد كثرت عليَّ الكذّابة فمن كذب عليَّ
ص: 45
متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، ثمّ كذب عليه من بعده، وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
رجل منافق يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلی الله علیه واله متعمّداً، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله صلی الله علیه واله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره، ووصفهم بما وصفهم فقال عزّ وجلّ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: 4]، ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولّوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلّا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله صلی الله علیه واله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه ولم يتعمّد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلی الله علیه واله ، فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله علیه واله شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلی الله علیه واله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلی الله علیه واله ، لم ينسَه، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع لم يزِد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ
ص: 46
ورفض المنسوخ»(1).
وقال أحد الباحثين حول هذا الحديث: «إنّ هؤلاء الرواة الذين تحدّث عنهم أمير المؤمنين علیه السلام هم الذين ينقلون روايات وأحاديث غير صحيحة، فهم أربعة لا خامس لهم، وهؤلاء الأربعة ثلاثة منهم ثقات وواحد منهم كذّاب، أي: إنّ نسبة الثقات الذين ينقلون كلاماً غير صحيح هي نسبة 75% من جملة الروايات غير الصحيحة، فكيف يصحّ أن نأخذ بكلام الثقة دون أن نعير الاحتمال الخطأ والشذوذ بالاً؟ وقد يشتبه البعض ويقول: إنّ الرواة لم يبق فيهم راو ينقل لنا خبراً صحيحاً؟
نقول: إنّ الرواة الأربعة الذين ذكرهم أمير المؤمنين علیه السلام في كلامه هم من ينقلون الحديث الخطأ، وهم غير الذين ينقلون الحديث الصحيح، ولو رجعنا إلى بداية الرواية لوجدنا أنّ سُليم بن قيس قد سأل أمير المؤمنين علیه السلام عن سبب الاختلاف بين حديث الناس من جهة وحديثه علیه السلام وحديث أصحابه کسلمان والمقداد وأبي ذرّ من جهة أخرى، فأجاب أمير المؤمنين علیه السلام قائلاً: وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس، أي: إنّ ما سمعته يا سُليم من الحديث الذي يتناقله الناس والذي يخالف قول أمير المؤمنين علیه السلام وأصحابه قد خرجت هذه الأحاديث المخالفة للحقّ من أربعة رواة ليس لهم خامس، والحقّ كما مرّ هو في قول أمير المؤمنين علیه السلام وأصحابه والرواة الأربعة الذين ليس لهم خامس هم الناس الذين ينقلون الأحاديث غير الصحيحة.
وبعد ما تقدّم من البيان يتبيّن لنا بشكل واضح أنّ وثاقة الراوي ليست
ص: 47
حجّة قطعيّة على صدق الحديث»(1).
1 - «عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلی الله علیه واله لا يتّهمون بالكذب، فيجيئ منكم خلافه؟ قال: إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن»(2).
2 - «عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : ... أخبرني عن أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله صدقوا على محمّد صلی الله علیه واله أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أنّ الرجل كان يأتي رسول الله صلی الله علیه واله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثمّ يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب؟! فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً»(3).
إنّ التقيّة هي السبب الأساسي في وقوع الاختلاف في الأخبار الواصلة إلينا، بعد قيام العلماء بغربلة التراث من الأخبار المكذوبة والمدسوسة.
قال الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ): «إنّ منشأ الاختلاف في أخبارنا إنّما هو التقيّة من ذوي الخلاف لا من دسّ الأخبار المكذوبة»(4).
ص: 48
تنقسم التقيّة إلى نوعين:
1 - تقيّة موافقة المخالفين: وهي تعني موافقة قول المخالفين في المورد الخاصّ والمماشاة معه من باب التقيّة، والمعيار لمعرفة هذا النوع من التقيّة وجود قائل من المخالفين، وقد أشار الإمام الصادق علیه السلام إلى هذا القسم من التقيّة بقوله لأحد أصحابه: «ما سمعت منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه»(1).
2 - تقيّة إيقاع الاختلاف بين الشيعة: وهي تعني تعمّد الأئمّة علیهم السلام في إيقاع الاختلاف بين الشيعة عن طريق إجابة شيعتهم بأجوبة مختلفة ومتضاربة في المسألة الواحدة.
والداعي لهذا النمط من التقيّة هو المحافظة على الشيعة ليأمنوا من ضرر المخالفين، ولا علاقة لهذه التقيّة بالتقيّة من باب موافقة العامّة في المورد الخاصّ؛ لأنّ موافقة قول العامّة يستوجب القول بقولهم فقط، ولا يستوجب بيان الإجابات المتعدّدة والمتضاربة، والتعمّد في إيقاع الاختلاف بين الشيعة.
وقال الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) حول هذا النمط من التقيّة: «ولعلّ السرّ في ذلك أنّ الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين كلّ ينقل عن إمامه خلاف ما ينقله الآخر، سخّف مذهبهم في نظر العامّة، وكذّبوهم في نقلهم، ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين، وهانوا في نظرهم، بخلاف ما إذا اتّفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم، فإنّهم يصدّقونهم ويشتدّ بغضهم لهم ولإمامهم
ص: 49
ومذهبهم، ويصير ذلك سبباً لثوران العداوة»(1).
1 - «عن محمّد بن بشير وحريز عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: إنّه ليس شيء أشدّ عليَّ من اختلاف أصحابنا، قال: ذلك من قبلي»(2).
2 - «عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثمّ يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال: إنّا نجيب الناس على الزيادة والنقصان»(3).
3 - «عن أبي أيّوب الخزّاز عمّن حدّثه عن أبي الحسن علیه السلام قال: اختلاف أصحابي لكم رحمة، وقال: إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد، وسُئل عن اختلاف أصحابنا فقال علیه السلام : أنا فعلت ذلك بكم، لو اجتمعتم على أمر واحد لأُخذ برقابكم»(4).
4 - «عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سأله إنسان وأنا حاضر، فقال: ربّما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلّي العصر، وبعضهم يصلّي الظهر؟ فقال: أنا أمرتهم بهذا، لو صلّوا على وقت واحد لعُرفوا فأُخذ برقابهم»(5).
ص: 50
5 - «عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر علیه السلام قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثمّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثمّ جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلمّا خرج الرجلان قلت: يابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة، إنّ هذا خير لنا، وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم، قال: ثمّ قلت لأبي عبد الله علیه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال: فأجابني بمثل جواب أبيه»(1).
6 - «عن موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عزّ وجلّ فأخبره بها، ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأوّل، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتّى كأنّ قلبي يُشرّح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أنّ ذلك منه تقيّة، قال: ثمّ التفت إليّ فقال لي: يابن أشيم، إنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى سليمان بن داود فقال: ﴿هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٖ﴾ [ص: 39]، وفوّض إلى نبيّه صلی الله علیه واله فقال: ﴿مَا ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ﴾ [الحشر: 7]، فما
ص: 51
فوّض إلى رسول الله صلی الله علیه واله فقد فوّضه إلينا»(1).
7 - «عن حسين بن معاذ عن أبيه معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله علیه السلام قال لي: بلغني أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إنّي أقعد في المسجد فيجيء الرجل يسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجيء الرجل أعرفه بحبّكم أو مودّتكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول: جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا، فأُدخل قولكم فيما بين ذلك، قال: فقال لي: اصنع كذا، فإنّي كذا أصنع»(2).
8 - «عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت، فقال: فيما يُجهر فيه بالقراءة، قال: فقلت له: إنّي سألت أباك عن ذلك فقال: في الخَمس كلّها، فقال: رحم الله أبي، إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحقّ، ثمّ أتوني شُكّاكاً فأفتيتهم بالتقيّة»(3).
ومن هذا المنطلق فإنّ مخالفة الرواية للكتاب والسنّة لا تستلزم اتّصاف راويها بالكذب؛ لأنّ ظروف التقيّة قد تكون هي السبب في صدور هذه الرواية.
وهنا تتجلّى أهمّيّة الفقاهة في فهم حديث أهل البيت علیهم السلام ، وقد قال الإمام الصادق علیه السلام لشيعته: «أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا، إنّ كلامنا
ص: 52
لينصرف على سبعين وجهاً»(1).
وهنا تتجلّى أهمّيّة الدراية في فهم الحديث، وقال أمير المؤمنين علیه السلام : «عليكم بالدرايات لا بالروايات»(2)، و«قال أبو عبد الله علیه السلام خبر تدريه خير من عشر ترويه، إنّ لكلّ حقّ حقيقة، ولكلّ صواب نوراً، ثمّ قال: إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّى يلحن له فيعرف اللّحن»(3).
قد يتعرّض الحديث لبعض الأخطاء عند النقل أو النسخ نتيجة السهو أو النسيان، فيعتري النصّ الزيادة أو النقصان أو التغيير أو التبديل وغير ذلك ممّا قد يوجب الخلل في معناه.
ويزداد احتمال هذا الأمر بزيادة الوسائط في النقل والنسخ، كما يزداد وقوع الخطأ عند نقل الحديث بالمعنى وإن كان هذا النقل جائزاً، بل يجوز للراوي أن يزيد وينقص من الحديث إن كان يريد معانيه، ومن الأحاديث الدالّة على جواز النقل بالمعنى:
1 - «عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص، قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس»(4).
2 - «عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام إنّي أسمع الكلام
ص: 53
منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء، قال: فتعمّد ذلك؟ قلت: لا، قال: تريد المعاني؟ قلت: نعم، قال: فلا بأس»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «فإن قلت: بقي احتمال السهو قائماً؛ لعدم عصمة الرواة والنسّاخ، فلا يحصل العمل والوثوق، قلت: احتمال السهو يندفع تارة بتناسب أجزاء الحديث وتناسقها، وتارة بما تقدّم في الجواب السابق، وبعد التنزّل نقول: قد علمنا بأنّ تلك المسائل عرضت على الأئمّة علیهم السلام ، وورد جوابها، ودوّنت المسائل والأجوبة في الكتب المشهورة، واللازم أن تكون جميع الأجوبة المدوّنة جوابهم علیهم السلام أو بعضها، فإن لم ينقل في مسألة إلّا حديث واحد أو أحاديث متّفقة لم يبقَ إشكال، وإن نقلت أحاديث متخالفة، فللتمييز علامات يعرفها الماهر، وقد تقدّم ما يدلّ على القاعدة التي يَجِبُ العمل بها عند اختلاف الحديث، وعرفت المرجّحات المنصوصة في القضاء»(2).
قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «إنّ أصحاب الأئمّة علیهم السلام كانوا لا يخرجون عن النصّ، وكان كلّ منهم يعمل بما سمعه من الإمام علیه السلام أو نقله بواسطة ثقة في الرواية، وكانوا مختلفين في العمل لاختلاف الأخبار لضرورة التقيّة، وكان اختلافهم بأمر الأئمّة علیهم السلام رحمة لهم وتوسعة عليهم حتّى لا يُعرفوا؛ ليأمنوا من ضرر المخالفين، هذا كان حال أكثرهم، وكان فيهم جماعة من ذوي الأفهام يجتهدون في طلب الأخبار وحفظها
ص: 54
وتدوينها، فإذا وردت عليهم الأخبار المختلفة ولم يتميّز عندهم ما هو للتقيّة عن غيره سألوا الإمام علیه السلام عن ذلك، فيجيبهم بما يعلم أنّ فيه صلاحهم، ولمّا كانت المراجعة متعذّرة في أغلب الأوقات لشدّة التقيّة قرّر لهم الأئمّة علیهم السلام قواعد يُعرف بها كيفيّة العمل بالأخبار المختلفة»(1)، ومن هذه القواعد والطرق العلاجيّة:
1 - «عن عبد الله بن أبي يعفور ... قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلی الله علیه واله وإلّا فالذي جاءكم به أولى به»(2).
2 - «قال: حدّثني أحمد بن الحسن الميثمي أنّه سُئل الرضا علیه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قومٌ من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلی الله علیه واله في الشيء الواحد، فقال علیه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ حرّم حراماً وأحلّ حلالاً وفرض فرائض، فما جاء في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحلّ الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بيّنٌ قائمٌ بلا ناسخ نسخ ذلك، فذلك ممّا لا يسع الأخذ به؛ لأنّ رسول الله صلی الله علیه واله لم يكن ليحرّم ما أحلّ الله ولا ليحلّل ما حرّم الله ولا ليغيّر فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كلّه متّبعاً
ص: 55
مسلّماً مؤدّياً عن الله، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ [يونس: 15]، فكان علیه السلام متّبعاً لله مؤدّياً عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة»(1).
1 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «من عرف أنّا لا نقول إلّا حقّاً فليكتفِ بما يعلم منّا، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك دفاع منّا عنه»(2).
2 - «روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا علیه السلام قال: قلت للرضا علیه السلام : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة، قال: ما جاءك عنّا فقِسه على كتاب الله عزّ وجلّ وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا، وإن لم يشبههما فليس منّا»(3).
3 - قال الإمام الكاظم علیه السلام : «إذا جاءك الحديثان المختلفان فقِسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا، فإن أشبههما فهو حقّ، وإن لم يشبههما فهو باطل»(4).
4 - سئل الإمام الكاظم علیه السلام : «نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه، كيف العمل به على اختلافه إذا نردّ إليك فقد اختلف فيه؟ فكتب: ما علمتم أنّه قولنا فالزموه، وما لم تعلموه فردّوه إلينا»(5).
ص: 56
1 - «قال الصادق علیه السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه»(1).
2 - «روى سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام قلت: يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به، والآخر ينهانا عنه، قال: لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله عنه، قال: قلت: لا بدّ أن نعمل بأحدهما، قال: خذ بما فيه خلاف العامّة»(2).
3 - «قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم»(3).
4 - «عن محمّد بن عبد الله قال: قلت للرضا علیه السلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة فخذوه، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه»(4).
5 - «عن الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح علیه السلام : ... يُروى عن أبي عبد الله علیه السلام شيء ويُروى عنه خلافه فبأيّهما نأخذ؟ فقال: خُذ بما خالف
ص: 57
القوم، وما وافق القوم فاجتنبه»(1).
دعوة أهل البيت علیهم السلام إلى مخالفة العامّة بشكل عامّ:
إنّ الأخذ بخلاف العامّة لا يقتصر على موارد التعارض بين الخبرين؛ لأنّ منهجيّة أهل البيت علیهم السلام هي الأخذ بخلاف العامّة بشكل عامّ وحتّى في غير مقام التعارض، منها:
1 - «عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ما أنتم - والله - على شيء ممّا هم فيه، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفيّة على شيء»(2).
2 - «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتّباع غيرنا، وإنّ من وافقنا خالف عدوّنا، ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منهم»(3).
3 - ورد عن أهل البيت علیهم السلام : «دَعُوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم»(4).
4 - ورد في حديث الإمام الرضا علیه السلام : «عن علي بن أسباط قال: قلت له: يَحدث الأمر من أمري لا أجد بُدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحدٌ
ص: 58
أستفتيه، قال: فقال: ائت فقيه البلد إذا كان ذلك فاستفتِه في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخُذ بخلافه، فإنّ الحقّ فيه»(1).
5 - «عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا علیه السلام عن صلاة طواف التطوّع بعد العصر، فقال: لا، فذكرت له قول بعض آبائه علیهم السلام : إنّ الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين علیهما السلام إلّا الصلاة بعد العصر بمكّة، فقال: نعم، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه، فقلت: إنّ هؤلاء يفعلون، فقال: لستم مثلهم»(2).
«عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : أتدري لِمَ أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة؟ فقلت: لا ندري، فقال: إنّ عليّاً علیه السلام لم يكن يدين الله بدين إلّا خالفت عليه الأمّة إلى غيره، إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين علیه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم؛ ليلبسوا على الناس»(3).
1 - قال الإمام الصادق علیه السلام حول اختلاف الروایة: «خذوا بالمجمع
ص: 59
عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»(1).
2 - ورد عن الأئمّة علیهم السلام : «روي عنهم أيضاً أنّهم قالوا: إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنّه لا ريب فيه»(2).
3 - قال الإمام الصادق علیه السلام حول الحَكَمين إذا اختلفا وكانا عدلين مرضيين عند الشيعة ولا يفضل واحد منهما على الآخر: «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيُؤخذ به من حُكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»(3).
4 - «زرارة بن أعين قال: سألت الباقر علیه السلام فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال: يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر»(4).
1 - «قال الرضا علیه السلام : ... من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم، ثمّ قال: إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً
ص: 60
كمحكم القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(1).
قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ): «أي: اُنظروا إلى محكمات الأخبار التي لا تحتمل إلّا وجهاً واحداً، وردّوا المتشابهات التي تحتمل وجوهاً إليها، بأن تعملوا بما يوافق تلك المحكمات من الوجوه، أو المراد ردّوا علم المتشابه إلينا ولا تتفكّروا فيه دون المحكم، فإنّه يلزمكم التفكّر فيه والعمل به»(2).
2 - «عن أبي حيّون مولى الرضا علیه السلام قال: من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدِي إلى صراط مستقيم، ثمّ قال: إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(3).
1 - «عن أبي عبيدة عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال لي: يا زياد، ما تقول لو أفتينا رجلاً ممّن يتولّانا بشيء من التقيّة؟ قال: قلت له: أنت أعلم جعلت فداك، قال: إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجراً، وفي رواية أخرى: إن أخذ به أوجر، وإن تركه - والله - أثم»(4).
ص: 61
2 - «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لا يسع الناس حتّى يسألوا ويتفقّهوا ويعرفوا إمامهم، ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كان تقيّة»(1).
1 - «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أرأيتك لو حدّثتك بحديث العامّ، ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه بأيّهما كنت تأخذ؟ قال: قلت: كنت آخذ بالأخير، فقال لي: رحمك الله»(2).
2 - «عن المعلّى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟ فقال: خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا قوله، قال: ثمّ قال أبو عبد الله علیه السلام : إنّا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم، وفي حديث آخر: خذوا بالأحدث»(3).
3 - «عن أبي عمرو الكناني قال: قال لي أبو عبد الله علیه السلام : يا أبا عمرو، أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا، ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدثهما وأدعُ الآخر، فقال: قد أصبت يا أبا عمرو، أبى الله إلّا أن يعبد سرّاً، أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم، وأبى الله عزّ وجلّ لنا ولكم في دينه إلّا التقيّة»(4).
ص: 62
وقال الشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ) بعد نقل خبرین مختلفین: «لو صحّ الخبران جميعاً لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق علیه السلام ؛ وذلك لأنّ الأخبار لها وجوه ومعانٍ، وكلّ إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس، وبالله التوفيق»(1).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «أقول: يظهر من الصدوق أنّه حمله على زمان الإمام خاصّة، فإنّه قال في توجيهه: إنّ كلّ إمام أعلم بأحكام زمانه من غيره من الناس، انتهى. وهو موافق لظاهر الحديث، وعلى هذا يضعف الترجيح به في زمان الغيبة وفي تطاول الأزمنة، ويأتي ما يدلّ على ذلك، والله أعلم»(2).
1 - ورد عن أهل البيت علیهم السلام حول الحديثين المختلفين: «بأيّما أخذتم من باب التسليم وَسِعكم»(3).
2 - «عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّه عليه»(4).
3 - «عن سماعة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن رجل اختلف عليه
ص: 63
رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ فقال: يرجئه(1) حتّى يلقى من يخبره، فهو في سعة حتّى يلقاه، وفي رواية أخرى: بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك»(2).
4 - «عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لعبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن علیه السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله علیه السلام في ركعتي الفجر في السفر، فروى بعضهم أن صلِّهما في المحمل، وروى بعضهم أن لا تصلِّهما إلّا على الأرض، فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك، فوقّع علیه السلام : موسّع عليك بأيّة عملت»(3).
5 - قال الإمام الرضا علیه السلام : «إذا ورد عليكم عنّا فيه الخبران باتّفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره، وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وأحببت، موسّعٌ ذلك لك من باب التسليم لرسول الله صلی الله علیه واله والردّ إليه وإلينا، وكان تارك ذلك من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول الله صلی الله علیه واله مشركاً بالله العظيم»(4).
6 - «عن الحسن بن الجهم عن الرضا علیه السلام قال: قلت للرضا علیه السلام : ... يجيئنا الرجلان - وكلاهما ثقة - بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ، فقال: إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(5).
ص: 64
7 - ورد في جواب مكاتبة محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف : «قال: إنّ فيه حديثين: أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه تكبيرٌ، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه للقيام بعد القعود تكبيرٌ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى، وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صواباً»(1).
وذهب الشيخ الكليني (ت 329 ﻫ) إلى التخيير فيما اختلفت فيه الأخبار، فقال في خطبة كتاب الكافي: «فاعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحداً تمييز
شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء علیهم السلام برأيه إلّا على ما أطلقه العالم بقوله علیه السلام : (اعرضوها على كتاب الله، فما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه)، وقوله علیه السلام : (دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم)، وقوله علیه السلام : (خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه)، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم علیه السلام ، وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله: «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم»(2).
وقال الشيخ الحرّ العاملي حول الجمع عند اختلاف الأخبار بين قول الإمام الصادق علیه السلام : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره به فهو في سعه حتّى يلقاه» وقوله علیه السلام : «بأيّهما أخذت وسعك من باب التسليم»: «أقول: وجه الجمع حمل الأوّل على الماليّات، والثاني على العبادات المحضة، لما يظهر من موضوع الأحاديث، أو تخصيص التخيير بأحاديث المندوبات والمكروهات، لما يأتي من
ص: 65
حديث الرضا علیه السلام المنقول في عيون الأخبار»(1).
وهذا الحديث هو قول الإمام الرضا علیه السلام : «فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن النبي صلی الله علیه واله ، فما كان في السنّة موجوداً منهيّاً عنه نهي حرام أو مأموراً به عن رسول الله صلی الله علیه واله أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي رسول الله صلی الله علیه واله وأمره، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الآخر خلافه فذلك رخصةٌ فيما عافه رسول الله صلی الله علیه واله وكرهه ولم يحرّمه، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول الله صلی الله علیه واله ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا»(2).
1 - قال الراوي: «قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إنّ أصحابنا يختلفون في شيء وأقول: قولي فيها قول جعفر بن محمّد، فقال: بهذا نزل جبرئيل»(3).
2 - سئل الإمام الصادق علیه السلام : ما حقّ الله على خلقه؟ فقال علیه السلام : «أن
ص: 66
يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه»(1).
3 - «حدّثنا محمّد بن عيسى قال: أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث علیه السلام وجوابه بخطّه فقال: نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه، كيف العمل به على اختلافه إذا نردّ إليك فقد اختلف فيه فكتب وقرأته: ما علمتم أنّه قولنا فالزموه، وما لم تعلموا فردّوه إلينا»(2).
وقال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار بعد بيان بعض الطرق العلاجيّة التي بيّنها أهل البيت علیهم السلام : «المتأخّرون من أصحابنا وافقوا على هذا الطريق وعملوا به، لكن خالفوا القدماء في بعض المرجّحات بناء على قواعدهم، وضيّقوا على أنفسهم ما وسّعه الله عليهم؛ وذلك لأنّهم حاولوا معرفة حكم الله في الواقع والعمل به، وغفلوا عن أنّ العمل غير لازم لنا الآن، بل مناط العمل أحد أمرين: إمّا العلم بأنّ هذا حكم الله الواقعي أو العلم بكونه ورد عن الأئمّة علیهم السلام وإن كان وروده في نفس الأمر للتقيّة من باب الرخصة والتوسعة إلى أن يظهر الله الحقّ وأهله»(3).
ص: 67
ص: 68
ص: 69
ص: 70
إنّ الحديث الصحيح عند القدماء هو الحديث المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم، ويكون التصحيح وفق هذا المنهج هو التصحيح المبني على القرائن التي توجب الوثوق والظنّ المعتبر والاطمئنان بالصدور سواء ثبت عدالة جميع أجزاء السند أو لم يثبت ذلك؛ لأنّ الملاك والمعيار في هذا المنهج هو القول بصحّة كلّ حديث يحصل على قرائن توجب الوثوق بصدوره من المعصوم علیه السلام ، ويكون التأكيد في هذا المنهج على دراسة مضمون الحديث، أي: الاعتماد على ركنيّة المضمون لا ركنيّة السند، ومحاولة معرفة صحّة المضمون وعدم الاقتصار على معرفة صحّة السند.
وتعتمد صحّة الحديث عند القدماء على جمع القرائن والشواهد التي توجب الاطمئنان بصحّة مضمون الحديث لا صحّة سنده، ولا يلازم ضعف السند نفي صحّة صدور الحديث؛ لأنّ الحديث قد يكون ضعيفاً من ناحية السند وصحيحاً من ناحية المتن والمضمون والمحتوى لاحتفافه بالقرائن الدالّة على صحّة صدوره عن المعصوم علیه السلام ، فمدار الصحّة في هذه المنهجيّة ليس السند، بل هو الاطمئنان بصدور الرواية أو عدم صدورها من خلال جمع القرائن، ويُعرف هذا المنهج بمبنى الوثوق؛ لأنّه يعتمد على مبنى الوثوق بالصدور بمعنى حجّيّة الخبر الموثوق بصدوره من المعصوم علیه السلام .
ص: 71
قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) في كتابه مشرق الشمسين: «قدماؤنا ... المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يتقضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه»(1).
وقال الشيخ البهائي أيضاً: «وقد جرى رئيس المحدّثين ثقة الإسلام محمّد بن بابويه قدّس الله روحه على متعارف المتقدّمين في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه، فحكم بصحّة جميع ما أورده من الأحاديث في كتاب من لا يحضره الفقيه، وذكر أنّه استخرجها من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، وكثير من تلك الأحاديث بمعزل عن الاندراج في الصحيح على مصطلح المتأخّرين»(2).
وهذا ما يكشف بأنّ الملاك والمعيار الصحيح في معرفة صحّة الأخبار عند القدماء هو لحاظ العديد من القرائن، ولا تعتمد صحّة الخبر على وثاقة رجال السند فقط.
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «ولا يخفى أنّ إثبات الحديث في الكتاب يقتضي زيادة الاعتماد، ومن المعلوم قطعاً أنّ الكتب التي أمروا علیهم السلام بالعمل بها كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل، وكثير منها مراسيل»(3).
وقال الشيخ الحرّ العاملي: «ومثله يأتي في رواية الثقات الأجلّاء كأصحاب الإجماع ونحوهم عن الضعفاء والكذّابين والمجاهيل حيث يعلمون حالهم ويروون عنهم ويعملون بحديثهم ويشهدون بصحّته، وخصوصاً مع العلم
ص: 72
بكثرة طرقهم وكثرة الأصول الصحيحة عندهم وتمكّنهم من العرض عليها بل على الأئمّة علیهم السلام »(1).
إذن لا يشكّل صحّة السند عند القدماء العلّة الأساسيّة للحكم بصحّة الحديث، وإنّما ترتبط الصحّة بمجموع القرائن والشواهد التي تعزّز الاعتماد على الحديث وتحكم بقبوله والأخذ به.
إنّ أكثر أحاديث أصولنا الحديثيّة محفوفة بالقرائن التي تدلّ على صحّتها، وهذا ما يمنحها القوّة والاعتبار ما يتيح لنا الأخذ بها.
ولهذا قال الحسن ابن الشهيد الثاني (ت 1011ﻫ) في كتابه معالم الدين وملاذ المجتهدين حول السيّد المرتضى (ت 436ﻫ): «إنّ السيّد قد اعترف في جواب المسائل التبّانيّات بأنّ أكثر أخبارنا المرويّة في كتبنا معلومة مقطوع على صحّتها إمّا بالتواتر أو بأمارة وعلامة دلّت على صحّتها وصدق رواتها، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد»(2).
وذهب المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) إلى قطعيّة صدور أكثر أحاديثنا، وذلك لاحتفافها بالقرائن الحاليّة والمقاليّة المفيدة للقطع، فقال: «بقيت في زماننا بمنّ الله تعالى وبركات أئمّتنا علیهم السلام قرائن موجبة للقطع
ص: 73
العادي بورود الحديث عنهم علیهم السلام »(1)، وقال أيضاً: «أكثر أحاديثنا المدوّنة في كتبنا صارت دلالتها قطعيّة بمعونة القرائن الحاليّة أو المقاليّة، وأنواع القرائن كثيرة»(2).
إنّ المراد من قطعيّة صدور الحديث هو العلم والمعرفة العرفيّة واطمئنان النفس وسكونها إليه وما تقضي العادة القول بصدقه كما هو المتفاهم عرفاً، وهو المعبّر عنه بالعلم العادي الحاصل من القرائن المعتبرة.
وتبيين ذلك: إنّ الظنّ ينقسم إلى قسمين: القسم الأوّل هو الظنّ الذي لا دليل على اعتباره وحجّيّته، وهذا الظنّ هو الذي قال الله تعالى عنه: ﴿إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَئًْا﴾ [يونس: 36]، والقسم الثاني هو الظنّ الذي قام الدليل على اعتباره وحجّيّته وصحّة العمل به.
ومن هذا المنطلق فإنّنا عندما نقول بصحّة الحديث فإنّنا نقصد الصحّة القائمة على الظنّ المعتبر الذي قام الدليل على قبوله والاعتماد عليه، وهذا ما يحصل من القرائن التي توجب اطمئنان النفس إلى صحّة صدوره، وقد قرّر الشارع اعتبار هذا الظنّ والتعويل عليه وترتيب الأثر عليه.
ودعوى قطعية قول الثقة منتفية؛ لأنّ العلم بوثاقة ناقل الخبر لا توجب اليقين الجازم بصدق خبره لوجود احتمال السهو والخطأ والنسيان واختلاف النسخ وما شابه ذلك ممّا يمنع حصول هذا اليقين، كما لا يخفى بأنّ الوثاقة أمر
ص: 74
باطني وخفي ولا سبيل إلى معرفتها إلّا عن طريق معرفة ظواهر الأفعال الدالّة عليه، وهذه الظواهر مهما كانت جليّة عن طريق الصحبة والمعاشرة وكثرة الملازمة والمعاملة فهي ظنّيّة، ولا تبلغ حدّ القطع واليقين الجازم، فلهذا يكون المعيار في أصل الوثاقة هو الظنّ المعتبر والباعث على الاطمئنان الذي يقوم مقام العلم في هذا المقام، ولا يقع في دائرة تكليفنا أكثر من هذا العلم العادي.
1 - قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ): «واعلم أنّ الأخبار على ضربين: متواتر وغير متواتر، فالمتواتر منها ما أوجب العلم، فما هذا سبيله يجب العمل به من غير توقّع شيء ينضاف إليه، ولا أمر يقوى به ولا يرجّح به على غيره، وما يجري هذا المجرى لا يقع فيه التعارض ولا التضادّ في أخبار النبي صلی الله علیه واله والأئمّة علیهم السلام ، وما ليس بمتواتر على ضربين: فضرب منه يوجب العلم أيضاً، وهو كلّ خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم، وما يجري هذا المجرى يجب أيضاً العمل به، وهو لاحق بالقسم الأوّل، والقرائن أشياء كثيرة»(1).
2 - قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) حول القدماء: «كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه»(2).
وقال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) في رسالته الوجيزة في الدراية: «جميع
ص: 75
أحاديثنا إلّا ما ندر ينتهي إلى أئمّتنا الاثني عشر سلام الله عليهم أجمعين، وهم ينتهون فيها إلى النبي صلی الله علیه واله ، فإنّ علومهم مقتبسة من تلك المشكاة»(1).
3 - قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «إنّ القدماء صرّحوا بأنّ الأخبار المنقولة في الكتب المعمول عليها عندهم مقطوع على صحّتها أو صحّة مضمونها، إمّا بالتواتر أو بقرائن توجب العلم والعمل بها، لثبوت ورودها عن المعصومين علیهم السلام سواء رواها عدل أو غيره، وأنّ كثيراً من الرواة كانت مذاهبهم فاسدة ولكنّ كتبهم معتمدة»(2).
قال الشيخ الكركي أيضاً: «وأمّا القدماء كالكليني والصدوق والشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي ومن تقدّمهم أو تأخّر عنهم من الفقهاء إلى أواخر الخمسمائة من الهجرة، فكان الصحيح عندهم ما صحّ اتّصاله بالمعصوم، إمّا لتواتره أو لقرائن أوجبت ذلك ونحوه وجوده في الأصول المعتمدة أو غير ذلك ممّا نذكره إن شاء الله تعالى سواء كان راويه ثقة أم لا؛ لأنّ الاعتماد عندهم كان على القرائن لا على نفس الراوي، نعم عدالة الراوي عندهم قرينة تجوّز العمل بما يرويه إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه بأن يكون رواية المعارض أعدل أو أكثر عدداً أو غير ذلك من المرجّحات التي نذكرها، وربّما كان راوي المعارض غير عدل ولا إمامي ولكن انضمّت إلى خبره قرائن أوجبت القطع بصحّته وترجیحه على رواية العدل؛ لأنّ رواية العدل المجرّدة إنّما تفيد الظنّ فقط، وذلك لا يوجب وجوب العمل عندهم بل ولا جوازه إلّا مع عدم المعارض الأقوى وقبول الطائفة له، ولهذا ترى
ص: 76
الشيخ في التهذيب ربّما طرح خبر الثقة في مقابلة خبر المجروح لذلك»(1).
وقال الشيخ الكركي أيضاً حول الشيخ الطوسي: «إنّا نرى الشيخ كثيراً ما يتمسّك بأحاديث في طريقها الضعفاء، وربّما طرح أحاديث الثقات وأوّلها لأجلها، وما ذاك إلّا لأنّه ظهر له صحّتها إمّا لوجودها في الكتب المعتمدة أو غير ذلك من الوجوه الموجبة لقبولها وترجيحها فلذلك رجّح العمل بها»(2).
4 - قال الفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ) في كتابه الوافي بعد تبيين منهج تصحيح الحديث وفق القرائن: «وقد جرى صاحبا كتابي الكافي والفقيه على متعارف المتقدّمين في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه، فحكما بصحّة جميع ما أورداه في كتابيهما من الأحاديث»(3).
5 - قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «إنّ طريقة القدماء موجبة للعلم، مأخوذة عن أهل العصمة؛ لأنّهم قد أمروا باتّباعها، وقرّروا العمل بها، فلم ينكروه، وعمل بها الإماميّة في مدّة تقارب سبعمائة سنة، منها في زمان ظهور الأئمّة علیهم السلام قريب من ثلاثمائة سنة، والاصطلاح الجديد ليس كذلك قطعاً، فتعيّن العمل بطريقة القدماء»(4).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104ﻫ): «قال الشيخ في كتابه العُدّة وفي الاستبصار كلاماً طويلاً، ملخّصه: أنّ أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام:
ص: 77
منها: ما يكون الخبر متواتراً.
ومنها: ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر.
ومنها: ما لا يوجد فيه هذا ولا ذاك، ولكن دلّت القرائنُ على وجوب العمل به.
وأنّ القسم الثالث ينقسم إلى أقسام:
منها: خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً.
ومنها: ما انعقد إجماعهم على صحّته.
وأنّ كلّ خبر عمل به في كتابَي الأخبار (1) وغيرهما لا يخلو من الأقسام الأربعة.
وذكر في مواضع من كلامه أيضاً أنّ كلّ حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة.
وقد صرّح في كتاب العُدّة بأنّه لا يجوز العمل بالاجتهاد ولا بالظنّ في الشريعة.
وكثيراً ما يقول في التهذيب في الأخبار التي يتعرّض لتأويلها ولا يعمل بها: هذا من أخبار الآحاد التي لا تفيد علماً ولا عملاً(2)، فعلم أنّ كلّ حديث عمل به فهو محفوف بقرائن تفيد العلم أو توجب العمل»(3).
ص: 78
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في كتابه الإيقاظ في الهجعة بالبرهان على الرجعة: «من المعلوم من حال السلف عند التتبّع أنّهم كانوا يعتمدون في النصّ على تعيين الإمام على خبر واحد محفوف بقرائن قطعيّة توجب العلم من حال ناقله وغير ذلك أو على أخبار يسيرة، فإنّ حصول اليقين غير منحصر في طريق التواتر»(1).
6 - قال الشيخ عبد النبي الكاظمي (ت 1256 ﻫ) في كتابه تكملة الرجال حول أحد الأخبار: «هذا خبر محفوف بقرائن الصدق فيكون حجّة، فإنّ الخبر المحفوف بالقرائن وإن ضعف يكون حجّة بالاتّفاق، بل هو أقوى من الصحيح الخالي عن القرائن»(2).
7 - قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ): «نقول بحجّيّة كلّ خبر حصل الاطمئنان بصدوره، صحيحاً كان أو موثّقاً أو حسناً أو قويّاً أو ضعيفاً منجبراً بالشهرة»(3).
8 - ورد في بحوث السيّد السيستاني التي قرّرها السيّد منير الخبّاز القطيفي في كتاب الرافد في علم الأصول: «قد بحثنا في باب حجّيّة خبر الواحد عن المسلك العقلائي في الأمارات، واخترنا أنّ المعتمد عليه عند العقلاء هو الوثوق الناشئ عن مقدّمات عقلائيّة، ومن هذه المقدّمات كون الخبر صادراً من ثقة أو كون المضمون مشهوراً أو مجمعاً عليه، فهذه العناوين وهي خبر الثقة والشهرة والإجماع لا موضوعيّة لها عند العقلاء، وإنّما هي مقدّمات
ص: 79
للوثوق الذي هو الحجّة الواقعيّة، ومن مقدّمات الوثوق أيضاً الموافقة الروحيّة بمعنى أنّ مضمون الخبر موافق للأصول الإسلاميّة والقواعد العقليّة والشرعيّة، وهذا معنى قولهم علیهم السلام : «إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه»(1)، هذا مسلكنا في مقابل المسلك التجزيئي وهو اعتبار خبر الثقة حجّة مستقلّة»(2).
ص: 80
أبرز القرائن الموجبة للاطمئنان والوثوق بصحّة الحديث:
إنّ علماء الطائفة ألّفوا كتب الحديث لهداية الناس وندبوا إلى العمل بها، فلا شكّ أنّهم مع علوّ مستواهم العلمي وتحلّيهم بالفضل والتقوى بذلوا قصارى جهدهم في تهذيب هذه الكتب وتنقيتها من الشوائب حسب معرفتهم بقرائن الصحّة التي لا يمكن الاستهانة بها نتيجة قربهم من صدور الأحاديث ووجود أصول الحديث المعتمدة عندهم.
قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) في كتابه الفوائد المدنيّة حول قرائن صحّة الحديث: «منها: نقل العالم الثقة الورع - في كتابه الذي ألّفه لهداية الناس ولأن يكون مرجع الشيعة - أصل رجل أو روايته مع تمكّنه من استعلام حال ذلك الأصل أو تلك الرواية وأخذ الأحكام بطريق القطع عنهم علیهم السلام »(1).
وقال الشيخ الكركي (ت 1076ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «إنّا نقطع بأنّ الثقة العالم الضابط الورع إذا ألّف كتاباً ليُعمل به إلى يوم القيامة يجتهد أن ينقل
ص: 81
فيه ما صحّ؛ ليفوز بالأجر ويسلم من الوزر، ومن ذلك أنّ الثقة العالم بأحوال الرجال إذا نقل عن مجروح أو عن كتاب مؤلّفه متّهم بالكذب أو فاسد المذهب حديثاً ليعمل به هو أو من يرجع إليه يبذل جهده في البحث عن صحّته وعدمها، فما لم يقطع بصحّته لا ينقله، ولا يفتي به، بل ربّما كان ما هذه حاله أوثق وأقوى ممّا ينقله عن الثقة؛ لعدم التهمة في الثقة وقبول خبره من غير بحث عنه مع إمكان سهوه فيه وعدم ضبطه له»(1).
إنّ تضمّن الحديث للمفاهيم والمضامين العالية والرفيعة في مختلف المجالات المعرفيّة وإرشاده إلى الأدلّة والبراهين والحجج المتينة والرصينة يعدّ من القرائن والمؤيّدات والشواهد على صدوره عن معادن العلم.
قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «إنّا إذا تأمّلنا في كثير من هذه الأخبار سواء كانت مرسلة كخطب نهج البلاغة أو مسندة نحو كثير من الأخبار الواردة في التوحيد وغيره ممّا هو منقول في هذه الكتب المتداولة في زماننا سواء رواها ثقة أو غير ثقة فإنّا نجد من أنفسنا ميلاً إليها في الجملة، فإذا كرّرنا النظر والتأمّل تزايد ذلك الميل بحسب التوجّه والإخلاص إلى أن يصل إلى مرتبة اليقين والجزم بأنّه من كلام المعصوم علیه السلام بحيث لا تتطرّق إليه الشبهة ولا تزول بتشكيك المشكّك، وهذا أمر تشهد له التجربة مع صدق النيّة في طلب الحقّ»(2).
ص: 82
ومن نماذج الاستشهاد بهذه الطريقة على صحّة الحديث:
1 - قال الشيخ الطبرسي (ت حدود 520 ﻫ) في مقدّمة كتابه الاحتجاج: «لا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إمّا لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلّت العقول إليه»(1).
2 - قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) حول توحيد المفضّل ورسالة الإهليلجة المرويّتين عن الإمام الصادق علیه السلام : «لا يضرّ إرسالهما لاشتهار انتسابهما إلى المفضّل ... مع أنّ متن الخبرين شاهد صدق على صحّتهما»(2).
3 - قال العلّامة المجلسي في كتابه الأربعون حديثاً ذيل حديث الثلاثين: «فالخبر ضعيف على المشهور، وهو يؤيّده الإرسال هاهنا، لكنّ علوّ مضامينه يشهد بصحّته»(3).
إنّ في حديث أهل البيت علیهم السلام بلاغة وفصاحة ولحن ونبرة ونكهة ونور وتميّز خاصّ بأهل البيت علیهم السلام بحيث يستطيع المستأنس بحديثهم التعرّف عليه والإلمام بذلك ومعرفته من لحن القول وتمييزه عن غيره، وهذا ما يعدّ قرينة على الوثوق بصدور الحديث عن أهل البيت علیهم السلام ، ومن أقوال العلماء في هذا المجال:
ص: 83
1 - قال الميرداماد محمّد باقر الأسترآبادي (ت 1041 ﻫ) في كتابه الرواشح السماويّة حول معرفة صحّة الحديث: «قد يُحكم بصحّة المتن - مع كون السند ضعيفاً - إذا كان فيه من أساليب الرزانة وأفانين البلاغة وغامضات العلوم وخفيّات الأسرار ما يأبى إلّا أن يكون صدوره من خزنة الوحي، وأصحاب العصمة، وحزب روح القدس، ومعادن القوّة القدسيّة، وللمضطلعين بعلم الحديث ملكة قويّة وثقافة شديدة يعرفون بها الصحيح من المكذوب، ويميّزون الموضوع من المسموع»(1).
2 - قال السيّد عبد الله شبّر (ت 1242ﻫ) في كتابه الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: «لا يخفى على أولي البصائر النقّادة وأرباب الأذهان الوقّادة وذوي العقول السليمة وأصحاب الأفهام المستقيمة أنّ الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأناً وأعلاها مكانة ومكاناً، وأنّ فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها تنادي بصدورها من عين صافية نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام، وتدعو إلى أنّها خرجت من ألسنة نواميس الدين ومعاقل الأنام، فإنّها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلّام، قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلّة والبراهين المتعلّقة بمعارف أصول الدين وأسرار الأئمّة الطاهرين ومظاهر صفات ربّ العالمين، وقد احتوت على رياض نضرة وحدائق خضرة، مزيّنة بأزهار المعارف والحكمة، محفوفة بثمار أسرار أهل بيت العصمة ... وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حقّ وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربّانيّة وأرباب الأسرار
ص: 84
الفرقانيّة، المخلوقين من الأنوار الإلهيّة، فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة وأكثر الدعوات والمناجاة ... واعلم أنّ هذه الزيارة الشريفة لا تحتاج إلى ملاحظة سند، فإنّ فصاحة مشحونها وبلاغة مضمونها تغني عن ذلك، فهي كالصحيفة السجّاديّة ونهج البلاغة ونحوهما»(1).
3 - قال الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373ﻫ) عندما سُئل عن سند دعاء الصباح: «للأئمّة سلام الله عليهم أسلوب خاصّ في الثناء على الله والحمد لله والضراعة له والمسألة منه، يعرف ذلك من مارس أحاديثهم وأنس بكلامهم وخاض في بحار أدعيتهم، ومن حصلت له تلك الملكة وذلك الأنس لا يشك في أنّ هذا الدعاء صادر منهم، وهو أشبه ما يكون بأدعية الأمير علیه السلام مثل دعاء كميل وغيره، فإنّ لكلّ إمام لهجة خاصّة وأسلوباً خاصّاً على تقاربها وتشابهها جميعاً، وهذا الدعاء في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة والمتانة والقوّة مع تمام الرغبة والخضوع والاستعارات العجيبة، اُنظر إلى أوّل فقرة منه: (یا من دلع لسان الصباح بنُطق تبلّجه(2))، واعجب لبلاغتها وبديع استعارتها، وإذا اتّجهت إلى قوله: (یا من دلّ على ذاته بذاته) تقطع بأنّها من كلماتهم سلام الله عليهم مثل قول زین العابدین علیه السلام : (بك عرفتك وأنت دللتني عليك)، وبالجملة فما أجود ما قال بعض علمائنا الأعلام: (إنّنا كثيراً ما نصحّح الأسانيد بالمتون)، فلا يضرّ بهذا الدعاء الجليل ضعف سنده مع قوّة متنه، فقد دلّ على ذاته
ص: 85
بذاته سبّوح لها منها عليها شواهد»(1).
قال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: «الذي يظهر بعد التتبّع والتأمّل التامّ أنّ أكثر الأخبار الواردة عن الجواد والهادي والعسكري علیهم السلام لا يخلو من اضطراب تقيّة أو اتّقاء على أصحابهم علیهم السلام ؛ لأنّ أكثرها مكاتبة، ويمكن أن تقع بأيدي المخالفين، ويصل بها ضرر على الأصحاب، ولمّا كان أئمّتنا علیهم السلام أفصح فصحاء العرب عند المؤالف والمخالف، فلو اطّلعوا على أمثال أخبارهم كانوا يجزمون بأنّها ليست منهم علیهم السلام ؛ ولهذا لا يسمّون غالباً ويعبّرون عنهم بالرجل والفقيه وأمثالهم، وعلى ذلك النهج صدر تفسير العسكري علیه السلام عنهم علیهم السلام ، ولمّا لم يتنبّهوا لما قلناه ردّ أخبارهم من لم يكن له تدبّر، ولهذا ترى شيخ الطائفة أنّه لم يردّ أمثالها من الأخبار؛ لأنّه كان عالماً بذلك، فتنبّه لذلك الفائدة فإنّها تنفعك كثيراً»(2).
وعلّق الشيخ محمّد السند على قول المجلسي في بحوثه المقرّرة في كتاب الاجتهاد والتقليد في علم الرجال وأثره في التراث العقائدي، فقال: «أقول: صريح كلامه قدس سره أنّ طعن النجاشي والغضائري في كتاب ابن الحريش مستنده الاجتهاد منهما في مضمون رواياته، وأنّ هذا المنشأ لتضعيفهما روايات الكتاب هو لعدم وقوفهما على نكتة درائيّة بالغة الخطورة، وهي رويّة أحاديث الجواد والعسكريّين علیهم السلام من أنّها كانت على خلاف سبك الأئمّة السابقين علیهم السلام ،
ص: 86
نظراً إلى كون أكثر الروايات عنهم كانت بالمكاتبة، وهي في معرض الوقوع بأيدي السلطان والمخالفين، فكان التركيب فيها يتضمّن التقطيع والتفكيك في الجمل كثيراً كي لا تظهر قوّة الأدب اللغوي الخاصّ المعروف عن أئمّة أهل البيت علیهم السلام ، لكنّها كانت مليئة بعوالي المعارف التي لم تظهر من قبل»(1).
1 - أورد الشيخ الأنصاري (ت 1281 ﻫ) في كتابه فرائد الأصول حديث الإمام الصادق علیه السلام المشهور المروي في تفسير الإمام العسكري علیه السلام ، وهو: «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلّا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم»(2)، ثمّ قال الشيخ الأنصاري: «دلّ هذا الخبر الشريف اللائح منه آثار الصدق على جواز قبول قول من عُرف بالتحرّز عن الكذب»(3).
2 - قال السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ) حول عهد أمير المؤمنين علیه السلام لمالك الأشتر: «العهد وإن نُقل مرسلاً إلّا أنّ آثار الصدق منه لائحة كما لا يخفى للناظر إليه»(4)، وورد أيضاً في تقريرات السيّد الخوئي في وصف إحدى الروايات: «ضعيفة لعبد الله بن عوف وعمر بن سعد ومحمّد بن علي القرشي وغيرهم، ولكنّ آثار الصدق منها ظاهرة»(5).
ص: 87
ورد في التوقيع الشريف عن الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف : «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما یؤدّيه عنّا ثقاتنا»(1).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كون الراوي ثقة، يؤمن منه الكذب عادة، وذلك قرينة واضحة على صحّة الحديث بمعنى ثبوته، وكثيراً ما يحصل العلم بذلك حتّى لا يبقى شكّ أصلاً»(2).
وما يجدر الالتفات إليه في هذا المقام أنّ «الأحاديث المشار إليها عامّة مطلقة فيما يرويه الثقة ويحكم بصحّته، سواء رواه مرسلاً أم مسنداً، عن ثقة أو ضعيف أو مجهول»(3).
قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن يكون راويه من الجماعة التي ورد في شأنهم من بعض الأئمّة علیهم السلام أنّهم ثقات مأمونون، أو خذوا عنهم معالم دينكم، أو هؤلاء أمناء الله في أرضه، ونحو ذلك»(4).
ص: 88
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونه من روايات بعض الجماعة الذين وثّقهم الأئمّة علیهم السلام ، وأمروا بالرجوع إليهم، والعمل برواياتهم»(1).
قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن يكون راويه أحداً من الجماعة التي اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم»(2).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كون بعض رواته من أصحاب الإجماع، وقد صحّ عنه مطلقاً، بمعنى أنّه ثبت نقله له أعمّ من أن يكون مرسلاً أو مسنداً، عن ثقة أو ضعيف أو مجهول، لما تقدّم(3) من ذلك الإجماع الشريف الذي قد علم دخول المعصوم فيه»(4).
أكّد الإمام الهادي علیه السلام على أحد أصحابه أن يأخذ معالم دينه من كلّ راوٍ مسنّ في حبّ أهل البيت علیهم السلام وكلّ كبير التقدّم في أمرهم علیهم السلام ، وورد في الحديث: «أبو الحسن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إليه - يعني أبا
ص: 89
الحسن الثالث علیه السلام - أسأله عمّن آخذ معالم ديني؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا، وكلّ كبير التقدّم في أمرنا، فإنّهما كافوكما إن شاء الله تعالى»(1).
قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أنّه كثيراً ما نقطع بالقرائن الحاليّة والمقاليّة بأنّ الراوي كان ثقة في الرواية لم يرضَ بالافتراء ولا برواية ما لم يكن بيّناً واضحاً عنده وإن كان فاسد المذهب أو فاسقاً بجوارحه، وهذا النوع من القرينة وافرة في أحاديث كتب أصحابنا»(2).
قال الشيخ البهائي (ت 1030ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: اندراجه في أحد الكتب التي عرضت على الأئمّة سلام الله عليهم فأثنوا على مؤلّفها، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي الذي عرضه على الصادق علیه السلام ، وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري علیه السلام »(3).
ص: 90
1 - عرض كتاب سُليم بن قيس العامري على الإمام زين العابدين علیه السلام :
«عن أبان بن أبي عيّاش قال: هذه نسخة كتاب سُليم بن قيس العامري، ثمّ الهلالي دفعه إلى أبان بن أبي عيّاش وقرأه، وزعم أبانٌ أنّه قرأه على علي بن الحسين علیهما السلام فقال: صدق سُليم رحمة الله عليه، هذا حديث نعرفه»(1).
2 - عرض كتاب عبيد الله بن علي الحلبي على الإمام الصادق علیه السلام :
ذكر النجاشي: «عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ... صنّف الكتاب المنسوب إليه، وعرضه على أبي عبد الله علیه السلام وصحّحه، قال عند قراءته: أ ترى لهؤلاء مثل هذا؟!»(2).
وقال الشيخ الطوسي: «عبيد الله بن علي الحلبي، له كتاب، مصنّف معمول عليه، وقيل: إنّه عرض على الصادق علیه السلام فلمّا رآه استحسنه وقال: ليس لهؤلاء - يعني المخالفين - مثله»(3).
3 - عرض كتاب ظريف في الديات على الإمام الصادق علیه السلام :
«عن سهل بن زياد عن الحسن بن ظريف عن أبيه ظريف بن ناصح قال: حدّثني رجلٌ يقال له: عبد الله بن أيّوب، قال: حدّثني أبو عمرو المتطبّب، قال: عرضته على أبي عبد الله علیه السلام ، قال: أفتى أمير المؤمنين علیه السلام فكتب الناس فتياه، وكتب به أمير المؤمنين إلى أمرائه ورؤوس أجناده»(4).
ص: 91
وورد أيضاً: «عن سهل بن زياد عن الحسن بن ظريف عن أبيه ظريف بن ناصح عن رجل يقال له: عبد الله بن أيّوب، قال: حدّثني أبو عمرو المتطبّب، قال: عرضت هذا الكتاب على أبي عبد الله علیه السلام ، وعن ابن فضّال عن الحسن بن الجهم قال: عرضته على أبي الحسن الرضا علیه السلام فقال لي: ارووه، فإنّه صحيحٌ، ثمّ ذكر مثله»(1).
وذكر الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «عن أبي عمرو المتطبّب قال: عرضته على أبي عبد الله علیه السلام ، يعني كتاب ظريف في الديات، ورواه الصدوق(2) والشيخ(3) بأسانيدهما الآتية، وذكرا أنّه عرض على أبي عبد الله وعلى الرضا علیهما السلام »(4).
4 - عرض كتاب حول المتعة على الإمام الصادق علیه السلام ، وهو بخط إسماعيل بن الفضل الهاشمي وإملاء عبد الملك بن جُريح:
«عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتعة، فقال: الْقَ عبد الملك بن جُريح فسله عنها، فإنّ عنده منها علماً، فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها... فأتيت بالكتاب أبا عبد الله علیه السلام ، فعرضت عليه، فقال: صَدَقَ، وأقرّ به»(5).
5 - عرض كتاب الفرائض على الإمام الرضا علیه السلام :
ص: 92
«عن ابن فضّال ومحمّد بن عيسى عن يونس جميعاً، قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين علیه السلام على أبي الحسن الرضا علیه السلام فقال: هو صحيح»(1).
6 - عرض كتاب الديات لعبد الله بن سعيد بن حيّان بن أبجر الكناني على الإمام الرضا علیه السلام :
قال النجاشي: «عبد الله بن سعيد بن حيّان بن أبجر الكناني أبو عمر الطبيب، شيخ من أصحابنا، ثقة، وبنو أبجر بيت بالكوفة أطبّاء وأخوه عبد الملك بن سعيد ثقة، عمّر إلى سنة أربعين ومائتين، له كتاب الديات، رواه عن آبائه، وعرضه على الرضا علیه السلام ، والكتاب يُعرف بين أصحابنا بكتاب عبد الله بن أبجر»(2).
7 - عرض كتب أهل العراق على الإمام الرضا علیه السلام من قبل يونس بن عبد الرحمن:
ورد عن يونس بن عبد الرحمن: «قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر علیه السلام ، ووجدت أصحاب أبي عبد الله علیه السلام متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا علیه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله علیه السلام »(3).
8 - عرض كتاب يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين على الإمام العسكري علیه السلام :
ص: 93
«... قال لنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري : عرضت على أبي محمّد صاحب العسكر علیه السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: أعطاه الله بكلّ حرف نوراً يوم القيامة»(1).
وورد أيضاً: «... حدّثني أبي الجليل الملقّب بشاذان، قال: حدّثني أحمد بن أبي خلف ظئر أبي جعفر علیه السلام ، قال: كنت مريضاً، فدخل عليّ أبو جعفر علیه السلام يعودني في مرضي، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتّى أتى عليه من أوّله إلى آخره، وجعل يقول: رحم الله يونس، رحم الله يونس، رحم الله يونس»(2).
وورد عن محمّد بن إبراهيم الورّاق السمرقندي عن بورق البوسنجاني الذي كان معروفاً بالصدق والصلاح والورع والخير: «قال بورق: فخرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة، فدخلت على أبي محمّد علیه السلام وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك، إن رأيت أن تنظر فيه، فلمّا نظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة قال: هذا صحيح ينبغي أن يُعمل به»(3).
وورد أيضاً: «عن داود بن القاسم، أنّ أبا جعفر الجعفري قال: أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري علیه السلام
ص: 94
فنظر فيه، وتصفّحه كلّه، ثمّ قال: هذا ديني ودين آبائي، وهو الحقّ كلّه»(1).
9 - عرض كتاب الفضل بن شاذان على الإمام العسكري علیه السلام :
«عن الملقّب بفورا، من أهل البوزجان من نيسابور أنّ أبا محمّد الفضل بن شاذان رحمة الله كان وجّهه إلى العراق إلى حيث به أبو محمّد الحسن بن علي صلوات الله عليهما، فذكر أنّه دخل على أبي محمّد علیه السلام ، فلمّا أراد أن يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء له، فتناوله أبو محمّد علیه السلام ونظر فيه، وكان الكتاب من تصنيف الفضل، وترحّم عليه، وذكر أنّه قال: أغبِطُ أهلَ خراسان بمكان الفضل بن شاذان، وكونه بين أظهرهم»(2).
ولا يخفى بأنّ بعض الكتب كانت بخط المعصوم علیه السلام ، منها: توقیعات الإمام العسكري علیه السلام التي كتبها لمحمّد بن الحسن الصفّار، وقد قال الشيخ الصدوق: «كتب محمّد بن الحسن بن الصفّار إلى أبي محمّد الحسن بن علي علیه السلام : ... وهذا التوقيع في جملة توقيعاته عندي بخطه علیه السلام في صحيفة»(3).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ): «... الفرقة المحقّة، فإنّي وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في أصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتّى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه
ص: 95
سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبي صلی الله علیه واله ومن بعده من الأئمّة علیهم السلام »(1).
وقال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم، وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار، مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار»(2).
وقال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه حول القدماء: «على أيّ حال فالظاهر منهم النقل من الكتب المعتبرة المشهورة، فإذا كان صاحب الكتاب ثقة يكون الخبر صحيحاً»(3).
قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، أو على العمل بروايتهم كعمّار الساباطي ونظرائه ممّن عدّهم شيخ
ص: 96
الطائفة في كتاب العُدّة»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونه منقولاً من كتاب أحد من أصحاب الإجماع، ويعلم ذلك بالتتبّع والقرائن وتصريح الشيخ وغيره»(2).
قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أخذه عن أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلّفها من الفرقة الناجية الإماميّة ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار أو من غير الإماميّة ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد الله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري»(3).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كون الحديث موجوداً في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها أو في كتاب أحد الثقات ... ولا يخفى أنّ إثبات الحديث في الكتاب يقتضي زيادة الاعتماد، ومن المعلوم قطعاً أنّ الكتب التي أمروا علیهم السلام بالعمل بها كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل، وكثير منها مراسيل، وقد علم بالتتبّع والنقل
ص: 97
الصريح أنّهم ما كانوا يثبتون حديثاً في كتاب معتمد حتّى يثبت عندهم صحّة نقله، وقد نصّوا على استثناء أحاديث خاصّة من بعض الكتب، وهو قرينة على ما قلنا، وكون الحديث مأخوذاً من الكتب المشار إليها يعلم بالتصريح، وبقرائن ظاهرة في التهذيب والاستبصار والفقيه وغيرها كما عرفت»(1).
ولهذا قال الشيخ الصدوق رحمة الله بعد روايته حديثاً في سنده محمّد بن عبد الله المسمعي: «كان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيّء الرأي في محمّد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث، وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب؛ لأنّه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه فلم ينكره، ورواه لي»(2).
وقال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار بعد ذكر كلام الشيخ الصدوق أعلاه: «أقول: كلامه هذا يدلّ على أنّ مذهبه أنّ قبول الثقة من علماء الحديث لخبر مجروح مع علمه بحاله كافٍ في الحكم بصدقه وثبوته، وهو حقّ؛ لأنّ علم الثقة بجرح الراوي يمنع من قبول خبره بدون قرينة تدلّ على صحّته، خصوصاً إذا نقله في كتابه ليعمل به من بعده، والله أعلم»(3).
1 - قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) حول قرائن صحّة
ص: 98
الحديث: «منها: وجوده في أحد كتابي الشيخ وفي الكافي وفي من لا يحضره الفقيه؛ لاجتماع شهاداتهم على صحّة أحاديث كتبهم أو على أنّها مأخوذة من تلك الأصول المجمع على صحّتها»(1).
2 - قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «ومن ذلك تعاضد الروايات وتكرّرها في الكتب الأربعة أو في أحدها بطرق متعدّدة»(2).
3 - قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كون الحديث موجوداً في الكتب الأربعة ونحوها من الكتب المتواترة اتّفاقاً، المشهود لها بالصحّة»(3).
قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث للحديث الذي يرويه العالم الثقة الورع الذي ألّف كتابه لهداية الناس وليكون المرجع للشيعة: «منها: تمسّكه بأحاديث ذلك الأصل أو بتلك الرواية مع تمكّنه من أن يتمسّك بروايات أخرى صحيحة»(4).
ص: 99
قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «ومن ذلك شهادة مؤلّفي هذه الكتب بصحّة ما أطلقوا العمل به فيها، وشهادة أكابر المتأخّرين أنّها ملخّصة من الكتب التي استقرّ أمر القدماء على العمل بها»(1)، وسيأتي لاحقاً تصريح بعض مصنّفي كتب الحديث بصحّة أحاديث كتبهم.
قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة
معتبرة»(2).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونه مكرّراً في كتب متعدّدة معتمدة، وقد عرفت أنّ وجوده في كتاب واحد معتمد قرينة منصوصة نصّاً متواتراً، فكيف إذا وجد في كتب متعدّدة؟!»(3).
ص: 100
إنّ من قرائن صحّة الحديث هو تعاضد بعض الأحاديث ببعض في الأجواء المحفوفة بالقرائن التي توجب وصول هذه الأخبار حدّ التواتر فتوجب حصول القطع بصحّة صدورها، وهذا ما يشكّل منظومة مترابطة ومتماسكة من الأحاديث الصحيحة.
قال المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: تعاضد بعضها ببعض»(1)، وقال في عبارة أخرى: «من جملتها: تعاضد الأخبار بعضها بعضاً»(2).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونه موافقاً للقرآن، لما عرفت في القضاء من النصّ المتعدّد(3)، والمراد: الآيات الواضحة الدلالة أو المعلوم تفسيرها عنهم علیهم السلام »(4).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن يكون الخبر مطابقاً لنصّ الكتاب إمّا خصوصه أو عمومه أو دليله أو فحواه، فإنّ جميع ذلك دليل على صحّة متضمّنه، إلّا أن يدلّ دليل يوجب العلم يقترن
ص: 101
بذلك الخبر يدلّ على جواز تخصيص العموم به أو ترك دليل الخطاب فيجب حينئذٍ المصير إليه»(1).
وقال الشيخ الطوسي أيضاً حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن تكون مطابقة لظاهر القرآن إمّا لظاهره أو عمومه أو دليل خطابه أو فحواه، فكلّ هذه القرائن توجب العلم، وتخرج الخبر عن حيّز الآحاد وتدخله في باب المعلوم»(2).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن يكون الخبر موافقاً للسنّة المقطوع بها من جهة التواتر، فإنّ ما يتضمّنه الخبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحّته أيضاً وجواز العمل به، وإن لم يكن ذلك دليلاً على صحّة نفس الخبر لجواز أن يكون الخبر كذباً وإن وافق السنّة المقطوع بها»(3).
وقال الشيخ الطوسي حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن تكون مطابقة للسنّة المقطوع بها إمّا صريحاً أو دليلاً أو فحوى أو عموماً»(4).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونه موافقاً للسنّة المعلومة الثابتة لما مرّ أيضاً(5)»(6).
ص: 102
قال الشيخ الطوسي في كتابه العُدّة في أصول الفقه حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن تكون موافقة لأدلّة العقل وما اقتضاه»(1)، وقال في كتابه الاستبصار: «منها: أن تكون مطابقة لأدلّة العقل ومقتضاه ... فكلّ هذه القرائن توجب العلم، وتخرج الخبر عن حيّز الآحاد وتدخله في باب المعلوم»(2).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: موافقته لدليل عقلي قطعي، وهو راجع إلى موافقة النصّ المتواتر؛ لأنّه لا ينفكّ منه أصلاً»(3).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كونها موافقاً للضروريّات؛ لأنّه راجع إلى موافقة النصّ المتواتر، لما تقدّم»(4)، والذي تقدّم هو كتاب الإمام الكاظم علیه السلام للرشيد حيث ورد فيه: «جميع أمور الأديان أربعة: أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها ...»(5)، وقال الشيخ الحرّ العاملي ذيل هذا الحديث: «الضروريّات هنا بمعنى المتواترات قطعاً»(6).
ص: 103
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن تكون مطابقة لما أجمع المسلمون عليه ... فإنّ جميع هذه القرائن تخرج الخبر من حيّز الآحاد وتدخله في باب المعلوم، وتوجب العمل به»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: موافقته لإجماع المسلمين»(2).
وهذه القرينة مأخوذة من قول الإمام الكاظم علیه السلام : «جميع أمور الأديان أربعة: أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها، والأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كلّ شبهة، والمستنبط منها كلّ حادثة، وهو إجماع الأمّة ...»(3).
وقال الشيخ الحرّ العاملي ذيل هذا الحديث: «أقول: الإجماع هنا مخصوص بالضروريّات أو بالإجماع على الرواية لا على الرأي، وهو صريح كلامه علیه السلام »(4).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: أن تكون مطابقة لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة، فإنّ جميع هذه القرائن تخرج الخبر من حيّز الآحاد وتدخله في باب المعلوم، وتوجب العمل به»(5).
ص: 104
وقال الشيخ الطوسي أيضاً حول قرائن صحّة الخبر: «منها: أن يكون موافقاً لما أجمعت الفرقة المحقّة عليه، فإنّه متى كان كذلك دلّ أيضاً على صحّة متضمّنه»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: موافقته لإجماع الإماميّة، لما مرّ من النصّ»(2)، ومن هذه النصوص:
1 - قال الأئمّة علیهم السلام : «إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنّه لا ريب فيه»(3).
2 - قال الإمام الصادق علیه السلام حول اختلاف الروایة: «خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»(4).
3 - قال الإمام الصادق علیه السلام حول اختلاف الحكم في القضاء بين حكمين من الشيعة: «يُنظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيُؤخذ به من حُكمنا ويُترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»(5).
ص: 105
وقال أبو الحسن الشعراني (ت 1393 ﻫ) صاحب الحاشية على كتاب شرح أصول الكافي لمحمّد صالح المازندراني (ت 1086 ﻫ): «وبالجملة ما يوجب اليقين دون أخبار الآحاد، والأحاديث الواردة في أبواب الأصول إنّما يُعتمد عليها إذا كانت موافقة لاعتقاد الشيعة الإماميّة المعلوم بالقطع واليقين ممّا صرف العلماء عمرهم واستفرغوا جهدهم في استخراجها من الأدلّة اليقينيّة، وأمّا ما خالفه فمؤوّل أو مردود، فلذلك ترى أنّ أكثر أحاديث الأصول في الكافي غير صحيحة الإسناد ومع ذلك أورده الكليني رحمة الله معتمداً عليها لاعتبار متونها وموافقتها للعقائد الحقّة، ولا ينظر في مثلها إلى الإسناد»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: موافقته للمشهور بين الإماميّة، لما مرّ»(2)؛ لأنّ هذه الشهرة الروائيّة تكشف عن وجود حجّة دفعت السلف الصالح إلى قبول هذه الرواية، وهذا ما يدفعنا إلى القول بصحّة هذه الرواية اعتماداً على سيرة السلف وإن خفيت علينا الحجّة.
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث:
ص: 106
«منها: موافقته لفتوى جماعة من علمائهم»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: موافقته للاحتياط؛ لما عرفت في القضاء من الأحاديث الكثيرة الدالّة على الأمر به(2)»(3)، وسبب ذلك هو أنّ منهجيّة أهل البيت علیهم السلام هي الوقوف عند الشبهات، وكفّ العبد عمّا لا يعلم.
قال الشيخ الطوسي (ت 460ﻫ): «إذا كان الخبر لا يعارضه خبر آخر فإنّ ذلك يجب العمل به؛ لأنّه من الباب الذي عليه الإجماع في النقل، إلّا أن تعرف فتاواهم بخلافه فيترك لأجلها العمل به»(4).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: عدم وجود معارض، فإنّ ذلك قرينة واضحة، وقد ذكر الشيخ: إنّه يكون مجمعاً عليه؛ لأنّه لولا ذلك لنقلوا له معارضاً، صرّح بذلك في مواضع: منها أوّل الاستبصار، وقد نقله الشهيد في الذكرى عن الصدوق في المقنع وارتضاه»(5).
ص: 107
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: عدم احتماله للتقيّة، لما تقدّم(1)»(2).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ): «والذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة، فإنّي وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم، ودوّنوها في أصولهم»(3).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «منها: كون الراوي غير متّهم في تلك الرواية، لعدم موافقتها لاعتقاده أو غير ذلك، ومن هذا الباب رواية العامّة للنصوص على الأئمّة علیهم السلام ومعجزاتهم وفضائلهم، فإنّهم بالنسبة إلى تلك الروايات ثقات، وبالنسبة إلى غيرها ضعفاء»(4).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104ﻫ) بعد ذكر مجموعة من قرائن صحّة
ص: 108
الحديث: «والقرائن كثيرة غير ذلك، يعرفها الماهر في هذا الفنّ»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول قرائن صحّة الحديث: «القرائن المعتبرة أقسام: بعضها يدلّ على ثبوت الخبر عنهم علیهم السلام ، وبعضها على صحّة مضمونه وإن احتمل كونه موضوعاً، وبعضها على ترجيحه على معارضه»(2).
قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «وأمّا الضعيف عند القدماء يُطلق تارة على خبر يعارضه ما هو أقوى منه، وضعف هذا بالنسبة إلى المعارض لا في نفسه، ويُطلق تارة على خبر رواه مجروح أو مجهول ولم تقم قرينة على صحّته أو صحّة مضمونه، أو رواه عدل إمامي ولكن أعرض عنه الأصحاب، وهذا هو الخبر الواحد الذي لا يفيد علماً ولا عملاً»(3).
وقال الشيخ الكركي بعد ذلك: «فإن قلت: إنّ الشيخ الطوسي في التهذيب ردّ بعض أخبار الكافي ووصفها بالضعف والشذوذ وهو ينافي الصحّة، قلت: لا منافاة، فإنّ الشيخ عارضها بأحاديث أقوى منها؛ لأنّ رواتها أعدل أو أكثر، فضعّفها بالنسبة إلى المعارض الأقوى، وشذوذها؛ لأنّها تخالف ما رواه الأكثر، وذلك لا ينافي الصحّة بمعنى اتّصالها بالمعصوم، بل
ص: 109
ينافي العمل بها لخروجها مخرج التقيّة أو غير ذلك، وسيأتي في كلام الشيخ أنّه لا يعمل بخبر العدل الإمامي فضلاً عن غيره إلّا مع عدم المعارض الأقوى، ألا ترى كثيراً ما يقول: هذا الحديث ضعيف؛ لأنّه شاذّ أو لأنّه مخالف للأحاديث الكثيرة أو المتواترة، وكثيراً ما يردّ خبر العدل الإمامي بخبر في غاية الضعف عند المتأخّرين لقرينة دلّت على رجحانه»(1).
وأضاف الشيخ الكركي: «وليس كلّ خبر صحّ يجب علينا اعتقاد مدلوله والعمل به؛ لأنّه قد يكون ورد للتقيّة»(2)
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في خاتمة كتابه تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: «فإن قلت: إنّ رئيس الطائفة كثيراً ما يطرح في كتابَي الأخبار بعض الأحاديث التي يظهر من القرائن نقلها من الكتب المعتمدة، معلّلاً بأنّه ضعيف، قلت: للصحيح عند القدماء، وسائر الأخباريّين ثلاثة معانٍ:
أحدها: ما علم وروده عن المعصوم.
وثانيها: ذلك مع قيد زائد، وهو عدم معارض أقوى منه بمخالفة التقيّة ونحوها.
وثالثها: ما قطع بصحّة مضمونه في الواقع، أي: بأنّه حكم الله، ولو لم يقطع بوروده عن المعصوم.
وللضعيف عندهم ثلاثة معانٍ، مقابلة لمعنى الصحيح:
ص: 110
أحدها: ما لم يعلم وروده عن المعصوم بشيء من القرائن.
وثانيها: ما علم وروده وظهر له معارض أقوى منه.
وثالثها: ما علم عدم صحّة مضمونه في الواقع، لمخالفته للضروريّات ونحوها.
فتضعيف الشيخ لبعض الأحاديث المذكورة معناه: أنّ الحديث ضعيف بالنسبة إلى معارضه وإن علم ثبوته بالقرائن.
وأمّا الضعيف الذي لم يثبت عن المعصوم ولم يعلم كون مضمونه حقّاً فقد علم بالتتبّع والنقل أنّهم ما كانوا يثبتونه في كتاب معتمد ولا يهتمّون بروايته، بل ينصّون على عدم صحّته»(1).
ص: 111
إنّ مهمّة القيام بحماية الأخبار والحفاظ على سلامتها وصيانة التراث الروائي من الوضع والدسّ والتزوير والتلاعب والتبديل والاختلاق والتحريف والتخريب والتدليس وغيرها من محاولات التشويه اثبات في الواقع مهمّة قام بها المحدّثون الأوائل في مرحلة تدوين أصول الحديث، فقاموا في هذه المرحلة بتمييز المعتبر عن غير المعتبر والمقبول عن غير المقبول من بين ما وصل إليهم من الروايات من أجل تدوين أصحّ المتون.
وغاية ما يقع في دائرة إمكان المتأخّرين هو مراجعة معطيات ومدارك المتقدّمين في المجالات المتاحة لهم وهي قليلة جدّاً من أجل التدقيق وإعادة النظر فيها للاطمئنان من صحّتها، وهذا ما قد يكشف لهم وقوع بعض الأخطاء من قبل الأوائل فيقومون بتصحيحها أو يحاولون اتّباع طرق جديدة في تقييماتهم للرواة، ويبحثون عن معلومات وقرائن وشواهد جديدة تدعوهم إلى إعادة النظر في المعلومات السابقة، وتوصلهم إلى نتائج مغايرة لنتائج المتقدّمين.
إنّ الطريقة التي اتّبعها الأوائل في توثيق الرواة هي الطريقة التي اتّبعوها في تصحيح الروايات، فما يدفعنا إلى قبول توثيقاتهم للرواة هو الذي يدفعنا إلى قبول تصحيحاتهم للروايات، فيتيح لنا هذا الأمر الاستغناء والاكتفاء
ص: 112
بالأحاديث المصحّحة عن ملاحظة السند والنظر في حال الرواة ومراجعة كتب الرجاليّين.
وبعبارة أخرى: إنّ اعتبار وحجّيّة تصحيح المعتمدين الأوائل للروايات يشبه ويساوي اعتبار وحجّيّة توثيقهم للرواة، فيغنينا تصحيحهم للروايات عن إخضاعها مرّة أخرى للفحص والتدقيق، بل اعتبار وحجّيّة شهادة الكليني والصدوق على صحّة الأحاديث الواردة في كتبهم من دون شكّ أعلى وأرفع من اعتبار وحجّيّة شهادة الكشّي والنجاشي على تصحيح الرواة.
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول مصنّفي كتب الحديث: «لو لم يجُز لنا قبول شهادتهم في صحّة أحاديث كتبهم وثبوتها ونقلها من الأصول الصحيحة والكتب المعتمدة وقيام القرائن على ثبوتها لما جاز لنا قبول شهادتهم في مدح الرواة وتوثيقهم، فلا يبقى حديث صحيح ولا حسن ولا موثّق، بل يبقى جميع أحاديث كتب الشيعة ضعيفة، واللازم باطل، فكذا الملزوم، والملازمة ظاهرة، وكذا بطلان اللازم، بل الإخبار بالعدالة أعظم وأشكل وأولى بالاهتمام من الإخبار بنقل الحديث من الكتب المعتمدة، فإنّ ذلك أمر محسوس ظاهر، والعدالة عندهم أمر خفي عقلي يتعسّر الاطّلاع عليه، وهذا إلزام لا مفرّ لهم عنه عند الإنصاف»(1).
وأشكل البعض بأنّ قول الأوائل في «تعديل الرواة» أمر قائم على الحسّ وهو غير اجتهادي، ولكن قول الأوائل في «تصحيح الروايات» أمر اجتهادي وقائم على الحدس والاستنباط الشخصي، فلا يمكن تشبيه توثيق الرواة
ص: 113
بتصحيح الروايات.
ويلاحظ عليه بأنّ «تعديل الرواة» أيضاً قائم على الاجتهاد والاستنتاج المستفاد من القرائن كما سيأتي بحث ذلك لاحقاً، ولا فرق بين «تعديل الرواة» و«تصحيح الروايات» في هذا المجال، وما يرويه الكشّي أو النجاشي هو إخبار عن أشخاص استنتجوا عن طريق بعض القرائن الحكم بعدالة البعض، وهو استنتاج شخصي قائم على مشربهم ومذاقهم وفهمهم الخاصّ في الاعتماد على بعض القرائن والأسباب التي دعتهم إلى تجريح أو تعديل الرواة.
وما يجدر الالتفات إليه في هذا المقام أنّ «صحّة السند» لم تكن شرطاً لازماً عند القدماء للحكم ب «صحّة الحديث»، بل كانت منهجيّتهم في القول بصحّة الحديث اعتضاده بالقرائن التي تقضي الاعتماد عليه، بخلاف المتأخّرين الذين اشترطوا «صحّة السند» في الحكم ب «صحّة الحديث»، ولهذا فالذي لا يؤيّد طريقة المتقدّمين لا يمكنه الانتفاع من تصحيحهم لبعض الروايات إلّا أن يكون في تصحيحهم التصريح بتصحيح سند الحديث والقول بوثاقة رواته وعدالتهم، فيمكن حينئذٍ للمتأخّرين الاعتماد على تصحيحهم.
والنتيجة التي يمكن التوصّل إليها في هذا المجال هي أنّ ترجيح قول الرجاليّين في توثيق الرواة على قول علمائنا في تصحيح الروايات ترجيح بلا مرجّح، وقد قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في كتابه تفصیل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: «إنّا قد علمنا علماً قطعيّاً بالتواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن أنّه قد كان دأب قدمائنا وأئمّتنا علیهم السلام في مدّة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمّة وغيرها، وكانت همّة علمائنا مصروفة في تلك المدّة الطويلة في تأليف ما يحتاج إليه من أحكام الدين؛
ص: 114
لتعمل بها الشيعة، وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها وضبطها وعرضها على أهل العصمة، واستمرّ ذلك إلى زمان الأئمّة الثلاثة، أصحاب الكتب الأربعة، وبقيت تلك المؤلّفات بعدهم أيضاً مدّة، وأنّهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب المعلومة المجمع على ثبوتها»(1).
وقال الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) في كتابه الحدائق الناضرة: «إنّ التوثيق والجرح الذي بنوا عليه تنويع الأخبار إنّما أخذوه من كلام القدماء، وكذلك الأخبار التي رويت في أحوال الرواة من المدح والذمّ إنّما أخذوها عنهم، فإذا اعتمدوا عليهم في مثل ذلك فكيف لا يعتمدون عليهم في تصحيح ما صحّحوه من الأخبار واعتمدوه وضمنوا صحّته كما صرّح به جملة منهم، كما لا يخفى على من لاحظ ديباجتي الكافي والفقيه وكلام الشيخ في العُدّة وكتابَي الأخبار، فإن كانوا ثقات عدولاً في الإخبار بما أخبروا به ففي الجميع، وإلّا فالواجب تحصيل الجرح والتعديل من غير كتبهم، وأنّى لهم به»(2).
وقال الشيخ يوسف البحراني أيضاً: «إنّ هذه الأحاديث التي بأيدينا إنّما وصلت إلينا بعد أن سهرت العيون في تصحيحها، وذابت الأبدان في تنقيحها، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان، وهجروا في تنقيتها الأولاد والنسوان، كما لا يخفى على من تتبّع السير والأخبار، وطالع الكتب المدوّنة في تلك الآثار، فإنّ المستفاد منها - على وجه لا يزاحمه الريب ولا يداخله القدح والعيب - أنّه كان دأب قدماء أصحابنا المعاصرين لهم علیهم السلام إلى وقت المحمّدين الثلاثة في مدّة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في
ص: 115
مجالس الأئمّة، والمسارعة إلى إثبات ما يسمعونه خوفاً من تطرّق السهو والنسيان، وعرض ذلك عليهم، وقد صنّفوا تلك الأصول الأربعمائة المنقولة كلّها من أجوبتهم علیهم السلام ، وأنّهم ما كانوا يستحلّون رواية ما لم يجزموا بصحّته(1)، وقد روي أنّه عرض على الصادق علیه السلام كتاب عبيد الله بن علي الحلبي فاستحسنه وصحّحه، وعلى العسكري علیه السلام كتاب يونس بن عبد الرحمن وكتاب الفضل بن شاذان فأثنى عليهما، وكانوا علیهم السلام يوقفون شيعتهم على أحوال أولئك الكذّابين، ويأمرونهم بمجانبتهم، وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب العزيز والسنّة النبويّة وترك ما خالفهما»(2).
وقال الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) أيضاً في كتابه الحدائق الناضرة حول أصحاب أصول الحديث وسبب تدوينهم لأحاديث الضعفاء: «لا يدوّنونها في أصولهم إلّا مع اقترانها بما يوجب صحّتها ويعلن بثبوتها»(3).
وأشار الشيخ محمّد جعفر الأسترآبادي (ت 1262 ﻫ) إلى هذا المعنى في كتابه لبّ اللباب في علم الرجال فقال حول مصنّفي أصول الحديث: «وبالجملة فهم ممّن سهرت عيونهم في تصحيحها، وذابت أبدانهم في تنقيحها، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان، وهجروا في تنقيتها الأولاد والنسوان، سيّما وقد ورد عن الأئمّة علیهم السلام المنع عن العمل بكلّ رواية تحرّزاً عن الأحاديث الموضوعة.
فهؤلاء الثقات إذا سمعوا ذلك كيف يحتمل نقلهم ما لا يثقون بصحّته
ص: 116
ولا يعتمدون على حقّيّته، بل من المقطوع والمعلوم عادة من أمثالهم أنّهم لا يذكرون ولا يريدون في مصنّفاتهم إلّا ما اتّضح لهم فيه الحال، وأنّه في الصدق والاشتهار كالشمس في رائعة النهار؛ لأنّهم نوّاب حفّاظ الشريعة وحرّاسها، وبهم استحكام بنائها وأساسها، فلا حاجة إلى ملاحظة السند الموقوفة على الرجوع إلى علم الرجال غالباً»(1).
وقال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار بعد أن ذكر شاهداً من كتاب المعتبر على عمل المحقّق الحلّي (ت 676 ﻫ) بروايتين ضعيفتين سنداً بسبب عدم وجود معارض لهما مع قبول الأصحاب لهما: «وفي المعتبر من هذا كثير فليراجع، وهو صريح في اختيار مذهب القدماء من الاعتماد على ما قَبِله الأصحاب، وعملوا به من دون التفات إلى سلامة السند وعدمها؛ لوجود ما يجبر ذلك من الشهرة وغيرها، وأنّهم لم يقبلوا إلّا ما قطعوا بصحّته؛ لضبطهم وتقواهم وقرب زمانهم من زمان الأئمّة علیهم السلام الموجب لسهولة الاطّلاع على أحوال الأخبار.
فإن قلت: أنا لا أرضى باجتهاد هؤلاء في صحّة الأحاديث، ولا أقلّدهم فيما قالوه، بل يمكن أن أصير مثلهم في ذلك.
قلت: لو أمكن هذا لم ننازعك، ولكنّه لا يمكن الآن؛ لذهاب الأصول وانحصار الصحّة عندك الآن في عدالة الراوي، فلو اقتصرت عليها لم يسلم لك عُشر الأحاديث الموجودة، ولزمك طرح أبواب كثيرة من كتب الحديث، وفي ذلك من الإزراء على مؤلّفيها وتجهيلهم وعدم الوثوق بضبطهم ما لا
ص: 117
يخفى مع أنّهم أكابر القدماء وشيوخ الطائفة، وهذا ما يوجب الطعن على المذهب وأهله، نعوذ بالله من ذلك»(1).
وأضاف الشيخ الكركي: «ونقول للمعترض ثانياً بطريق المماشاة: ... يلزمك من القول بعدم الوثوق والاعتماد على أفكار القدماء واجتهاداتهم وضبطهم أن لا تعتمد على حكمهم بعدالة الراوي الذي اعتبرت قوله؛ لأنّ ذلك إنّما نشأ عن تتبّع أحوال الرواة حتّى حكموا بالجرح والتعديل، وذكروا ذلك في كتبهم مرسلاً؛ لأنّهم لم يروا الرواة، بل عرفوا أحوالهم بالنقل وتعاضد القرائن الدالّة على صدقه، فأخبروا عمّا قطعوا بصحّته، وشهدوا بمطابقته للواقع بحسب ما تحقّق عندهم، فقبول قولهم في هذا دون غيره ممّا يتعلّق بصحّة الأخبار وضعفها مع اتّحاد الطريقين تَحكّم، وأيّ فرق بين أن يقول النجاشي أو العلّامة مثلاً: فلان ثقة، وأن يقول الصدوق مثلاً: الحديث الفلاني صحيح مع علمه بضعف رواته؟ ومن المعلوم أنّ القولين مبنيّان على التتبّع والعمل بالقرائن الدالّة على صحّة هذا وتوثيق ذاك، والكليني والصدوق والشيخ الطوسي ليسوا دون العلّامة وأتباعه في معرفة الرجال والصادق منهم والكاذب، فلو لم تظهر لهم قرائن توجب القطع بصحّة ما نقلوه من أخبار المجروحين لما حكموا بصحّته»(2).
وقال الشيخ الكركي في موضع آخر: «فإن قلت: نحن نعلم أنّ أئمّة الحديث الثلاثة رحمهم الله وغيرهم من الثقات لم يكذبوا في النقل، ولم يعملوا
ص: 118
إلّا بما صحّ عندهم، ولكن لمّا كان الكذّابون والوضّاعون على الأئمّة علیهم السلام كثيرين كما تشهد به كتب الرجال، فربّما غفلوا ونقلوا بعض الأخبار الموضوعة في كتبهم لا عن عمد، وربّما سها بعض الرواة الثقات فزاد الحديث أو نقص لا عن عمده فنقلوه كما وجدوه ... قلت: هذا محتمل، ولكنّه يندفع بالتأمّل في تناسب أجزاء الحديث، ومطابقة السؤال للجواب، واعتضاد بعض الأخبار ببعض، وکون الحديث مضطرباً أو مخالفاً لصريح العقل أو الحسّ أو لا يدلّ على معنىً محصّل أو غير ذلك، فلو وجدنا حديثاً يقع فيه الريب أو الشكّ لا نعمل به ولا نكذب به، بل يُسكت عنه احتياطاً، ولعلّك لو سبرت كتب الحديث الموجودة في زماننا كلّها لا تجد فيها عشرين حديثاً بهذه الصفة، وإذا وجد فلا يتعلّق به حكم ضروري»(1).
ص: 119
1 - قال رسول الله صلی الله علیه واله في حجّة الوداع: «قد كثُرت عليَّ الكذّابة وستكثُرُ بعدي، فمن كَذَبَ عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنّتي، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به»(1).
2 - قال رسول الله صلی الله علیه واله : «ستكثر بعدي القالة عليّ، فإذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله العزيز، فإن وافقه فاعملوا به، وإلّا فردّوه»(2).
3 - قال أمير المؤمنين علیه السلام : «قد كذب على رسول الله صلی الله علیه واله على عهده حتّى قام خطيباً فقال: أيّها الناس، قد كثر عليَّ الكذّابة، فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار»(3).
4 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّا أهل بيت صدّيقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلی الله علیه واله أصدق الناس لهجة وأصدق البريّة كلّها وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان
ص: 120
أمير المؤمنين علیه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ»(1).
5 - «قال أبو عبد الله علیه السلام : إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلی الله علیه واله أصدق البريّة لهجة وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين علیه السلام أصدق من برأ الله من بعد رسول الله صلی الله علیه واله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي علیه السلام قد ابتلي بالمختار.
ثمّ ذكر أبو عبد الله الحارث الشامي وبنان فقال: كانا يكذبان على علي بن الحسين علیهما السلام .
ثمّ ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعاً والسري وأبا الخطّاب ومعمّراً وبشّاراً الأشعري وحمزة الزبيدي وصائد النهدي، فقال: لعنهم الله، إنّا لا نخلو من كذّاب يكذب علينا أو عاجز الرأي، كفانا الله مُؤنَة كلّ كذّاب، وأذاقهم الله حرّ الحديد»(2).
6 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ الناس أولعوا بالكذب علينا، إنّ الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره، وإنّي أحدّث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتّى يتأوّله على غير تأويله، وذلك أنّهم لا يطلبون بحديثنا وبحبّنا ما عند الله، وإنّما يطلبون به الدنيا، وكلّ يحبّ أن يُدعى رأساً»(3).
ص: 121
7 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «كان للحسن علیه السلام كذّاب يكذب عليه ولم يسمّه، وكان للحسين علیه السلام كذّاب يكذب عليه ولم يسمّه، وكان المختار يكذب على علي بن الحسين علیه السلام ، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي»(1).
8 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى أبي، ثمّ يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم أن يبثّوها في الشيعة، فكلّ ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلوّ فذاك ما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم»(2).
9 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا صلی الله علیه واله »(3).
10 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله علیه السلام ، لعن الله أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله علیه السلام ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن والسنّة، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث»(4).
ص: 122
11 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ لكلّ رجل منّا رجلاً يكذب عليه»(1).
12 - قال الإمام الكاظم علیه السلام : «لعن الله محمّد بن بشير، وأذاقه حرّ الحديد، إنّه يكذب عليّ، برئ الله منه وبرئت إلى الله منه، اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعي فيّ ابن بشير، اللّهم أرحني منه»(2).
13 - قال الإمام الكاظم علیه السلام : «ما أحد اجترأ أن يتعمّد الكذب علينا إلّا أذاقه الله حرّ الحديد، وإنّ بناناً كذب على علي بن الحسين علیهما السلام فأذاقه الله حرّ الحديد، وإنّ المغيرة بن سعيد كذب على أبي جعفر علیه السلام فأذاقه الله حرّ الحديد، وإنّ أبا الخطّاب كذب على أبي فأذاقه الله حرّ الحديد، وإنّ محمّد بن بشير لعنه الله يكذب عليّ، برئت إلى الله منه، اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعيه فيّ محمّد بن بشير، اللّهم أرحني منه، اللّهم إنّي أسألك أن تخلّصني من هذا الرجس النجس محمّد بن بشير، فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمّه»(3).
14 - قال الإمام الرضا علیه السلام : «كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر علیه السلام فأذاقه الله حرّ الحديد»(4).
15 - قال الإمام الرضا علیه السلام : «كان بنان يكذب على علي بن الحسين علیه السلام فأذاقه الله حرّ الحديد، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر علیه السلام فأذاقه الله حرّ الحديد، وكان محمّد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى علیه السلام فأذاقه الله حرّ الحديد، وكان أبو الخطّاب يكذب على أبي عبد الله علیه السلام فأذاقه الله حرّ
ص: 123
الحديد، والذي يكذب عليَّ محمّد بن فرات»(1).
واجه الأئمّة علیهم السلام حركة دسّ الأخبار بمواقف عديدة، منها: فضح الكذّابين، ولعنهم، وتحذير شيعتهم منهم، والأمر بمجانبتهم، وتفنيد جميع محاولاتهم في تخريب الحديث، والصدّ من تأثيرها، فبذلوا وُسعهم لمنع انتشارها وتغلغلها في أصول الحديث والكتب التي جاءت من بعدها، ومن الشواهد على ذلك:
1 - «عن زرارة قال: قال - يعني أبا عبد الله علیه السلام -: إنّ أهل الكوفة قد نزل فيهم كذّاب، أمّا المغيرة فإنّه يكذب على أبي - يعني أبا جعفر علیه السلام - قال: حدّثه أنّ نساء آل محمّد إذا حضن قضين الصلاة، وكذب والله، عليه لعنة الله، ما كان من ذلك شيء ولا حدّثه، وأمّا أبو الخطّاب فكذّب عليّ، وقال: إنّي أمرته أن لا يصلّي هو وأصحابه المغرب حتّى يروا كوكب كذا يقال له: القنداني، والله إنّ ذلك لكوكب ما أعرفه»(2).
2 - «عن يونس بن عبد الرحمن: إنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمّد، ما أشدّك في الحديث، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟
فقال: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله علیه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثاً إلّا ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا
ص: 124
المتقدّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا علیه السلام ، فإنّا إذا حدّثنا قلنا: قال الله عزّ وجلّ، وقال رسول الله صلی الله علیه واله .
قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر علیه السلام ، ووجدت أصحاب أبي عبد الله علیه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا علیه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله علیه السلام ، وقال لي: إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله علیه السلام ، لعن الله أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله علیه السلام ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث، ولا نقول: قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا، وكلام أوّلنا مصادق لكلام آخرنا، فإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه، وقولوا: أنت أعلم وما جئت به، فإنّ مع كلّ قول منّا حقيقة وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان»(1).
أكّد الأئمّة علیهم السلام على كتابة الحديث:
1 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «القلب يتّكل على الكتابة»(2).
ص: 125
2 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «اكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا»(1).
3 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «احتفظوا بكتبكم، فإنّكم سوف تحتاجون إليها»(2).
4 - قال الإمام الصادق علیه السلام للمفضّل بن عمر: «اكتب، وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم»(3).
5 - «عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شینولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني علیه السلام : جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله علیهما السلام ، وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم فلم تروَ عنهم، فلمّا ماتوا صارت تلك الكتب إلينا، فقال: حدِّثوا بها فإنّها حقٌّ»(4).
الأصول الأربعمائة هي المدوّنات الأصليّة والأساسيّة والأمّ التي تضمّنت أحاديث الأئمّة علیهم السلام في زمن الأئمّة علیهم السلام .
و«إنّ الأصل هو الكتاب الذي جَمع فيه مصنّفه الأحاديثَ التي رواها عن المعصوم علیه السلام أو عن الراوي»(5)، وهو في الأعمّ الغالب الكتاب الذي لم
ص: 126
يُؤخذ فيه من كتاب آخر، و«الظاهر أنّ الأصل ما كان مجرّد رواية أخبار بدون نقض وإبرام وجمع بين المتعارضين، وبدون حكم بصحّة خبر أو شذوذ خبر»(1).
1 - «قال الشيخ المفيد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي رضي الله عنه وقدّس روحه: صنّف الإماميّة من عهد أمير المؤمنين علي علیه السلام إلى عهد أبي محمّد الحسن العسكري صلوات الله عليه أربعمائة كتاب تسمّى الأصول، وهذا معنى قولهم: أصل»(2).
2 - قال الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ﻫ) في كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى: «روى عن الصادق في أبوابه من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان، وصنّف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب، وهي معروفة بكتب الأصول رواها أصحابه وأصحاب أبيه من قبله وأصحاب ابنه أبي الحسن موسى علیهم السلام ، ولم يبقَ فنّ من فنون العلم إلّا روي عنه فيه أبواب»(3).
3 - قال المحقّق الحلّي (ت 676 ﻫ) في كتابه المعتبر في شرح المختصر:
«جعفر بن محمّد علیه السلام ... روى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل ... من أعيان الفضلاء كُتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنّف سمّوها أصولاً»(4).
ص: 127
4 - قال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: «إنّ أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام كُتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف، ودوّن من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل العراق والحجاز وخراسان والشام، وكذلك عن مولانا الباقر علیه السلام ، ورجال باقي الأئمّة معروفون مشهورون أولو مصنّفات مشتهرة ومباحث متكثّرة ... فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم علیهم السلام ... ومن رام إنكار ذلك فكمن رام إنكار المتواتر من سنّة النبي صلی الله علیه واله ومعجزاته وسيرة مَن بعده ... فالإنكار بعد ذلك مكابرة محضة وتعصّب صرف»(1).
5 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية: «كان قد استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها الأصول، وكان عليها اعتمادهم، ثمّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الأصول، ولخّصها جماعة في كتب خاصّة تقريباً على المتناوِل»(2).
6 - قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) في كتابه الوجيزة في الدراية: «كان قد جمع قدماء محدّثينا رضي الله عنهم ما وصل إليهم من أحاديث أئمّتنا سلام الله عليهم في أربعمائة كتاب تسمّى الأصول، ثمَّ تصدّى جماعة من المتأخّرين شكر الله سعيهم لجمع تلك الكتب وترتيبها تقليلاً للانتشار وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار، فألّفوا كتباً مبسوطة مبوّبة وأصولاً مضبوطة مهذّبة مشتملة على الأسانيد المتّصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم»(3).
ص: 128
7 - قال الفاضل عبد الله بن محمّد التوني (ت 1071 ﻫ) في كتابه الوافية في أصول الفقه: «إنّ أحاديث الكتب الأربعة أعني: الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار مأخوذة من أصول وكتب معتمدة معوّل عليها، كان مدار العمل عليها عند الشيعة، وكان عدّة من الأئمّة علیهم السلام عالمين بأنّ شيعتهم يعملون بها في الأقطار والأمصار، وكان مدار مقابلة الحديث وسماعه في زمان العسكريّين علیهما السلام ، بل بعد زمان الصادق علیه السلام على هذه الكتب»(1).
8 - قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) في كتابه الأربعين ذيل الحديث الخامس والثلاثين: «إنّ الظاهر أنّ هذا الخبر مأخوذ من كتاب ابن أبي عمير كما لا يخفى على من له أدنى تتبّع، وكُتُب ابن أبي عمير كانت أشهر عند المحدّثين من أصولنا الأربعة عندنا، بل كانت الأصول المعتبرة الأربعمائة عندهم أظهر من الشمس في رابعة النهار، فكما أنّا لا نحتاج إلى سند لهذه الأصول الأربعة، وإذا أوردنا سنداً فليس إلّا للتيمّن والتبرّك والاقتداء بسنّة السلف، وربّما لم ينال بذكر سند فيه ضعف أو جهالة لذلك فكذا هؤلاء الأكابر من المؤلّفين، لذلك كانوا يكتفون بذكر سند واحد إلى الكتب المشهورة وإن كان فيه ضعيف أو مجهول، وهذا باب واسع شافٍ نافع إن أتيتَها يظهر لك صحّة كثير من الأخبار التي وصفها القوم بالضعف.
ولنا على ذلك شواهد كثيرة لا يظهر على غيرنا إلّا بممارسة الأخبار، وتتبّع سيرة قدماء علمائنا الأخيار، ولنذكر هنا بعض تلك الشواهد ينتفع بها من لم يسلك مسلك المتعسّف المعاند:
ص: 129
الأوّل: إنّك ترى الكليني رحمة الله يذكر سنداً متّصلاً إلى ابن محبوب أو إلى ابن أبي عمير أو إلى غيره من أصحاب الكتب المشهورة، ثمّ يبتدئ بابن محبوب مثلاً ويترك ما تقدّمه من السند، وليس ذلك إلّا لأنّه أخذ الخبر من كتابه، فيكتفي بإيراد السند مرّة واحدة فيظنّ من لا دراية له في الحديث أنّ الخبر مرسل.
الثاني: إنّك ترى الكليني والشيخ وغيرهما يروون خبراً واحداً في موضعين ويذكرون سنداً إلى صاحب الكتاب، ثمّ يوردون هذا الخبر بعينه في موضع آخر بسند آخر إلى صاحب الكتاب أو يضمّ سنداً أو أسانيد غيره إليه، وتراهم لهم أسانيد صحاح في خبر يذكرونها في موضع، ثمّ يكتفون بذكر سند ضعيف في موضع آخر، ولم يكن ذلك إلّا لعدم اعتنائهم بإيراد تلك الأسانيد لاشتهار هذه الكتب عندهم.
الثالث: إنّك ترى الصدوق رحمة الله مع كونه متأخّراً عن الكليني رحمة الله أخذ الأخبار في الفقيه عن الأصول المعتمدة، واكتفى بذكر الأسانيد في الفهرست، وذكر لكلّ كتاب أسانيد صحيحة ومعتبرة، ولو كان ذكر الخبر مع سنده لاكتفى بسند واحد اختصاراً؛ ولذا صار الفقيه متضمّناً للصحاح أكثر من سائر الكتب.
والعجب ممّن تأخّره كيف لم يقتفِ أثره لتكثير الفائدة وقلّة حجم الكتاب؟! فظهر أنّهم كانوا يأخذون الأخبار من الكتب، وكانت الكتب عندهم معروفة مشهورة متواترة.
الرابع: إنّك ترى الشيخ رحمة الله إذا اضطرّ في الجمع بين الأخبار إلى القدح في سند لا يقدح فيمن هو قبل صاحب الكتاب من مشايخ الإجازة، بل يقدح إمّا في صاحب الكتاب أو فيمن بعده من الرواة كعلي بن حديد وأضرابه، مع أنّه
ص: 130
في الرجال ضعّف جماعة ممّن يقعون في أوائل الأسانيد.
الخامس: إنّك ترى جماعة من القدماء والمتوسّطين يصفون خبراً بالصحّة مع اشتماله على جماعة لم يوثّقوا، فغفل المتأخّرون عن ذلك، واعترضوا عليهم كأحمد بن محمّد بن الوليد وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار والحسين بن الحسن بن أبان وأضرابهم، وليس ذلك إلّا لما ذكرنا.
السادس: إنّ الشيخ قدّس الله روحه فعل مثل ما فعل الصدوق، لكن لم يترك الأسانيد طرّاً في كتبه، فاشتبه الأمر على المتأخّرين؛ لأنّ الشيخ عمل لذلك كتاب الفهرست، وذكر فيه أسماء المحدّثين والرواة من الإماميّة وكتبهم وطرقه إليهم، وذكر قليلاً من ذلك في مختتم كتابي التهذيب والاستبصار، فإذا أورد رواية ظهر على المتتبّع الممارس أنّه أخذه من شيء من تلك الأصول المعتبرة، وكان للشيخ في الفهرست إليه سند صحيح، فالخبر صحيح مع صحّة سند الكتاب إلى الإمام وإن اكتفى الشيخ عند إيراد الخبر بسند فيه ضعف.
السابع: إنّ الشيخ رحمة الله ذكر في الفهرست عند ترجمة محمّد بن بابويه القمّي ما هذا لفظه: (له نحو من ثلاثمائة مصنّف، أخبرني بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري وأبو الحسين جعفر بن الحسن بن حسكة القمّي وأبو زكريا محمّد بن سليمان الحمراني كلّهم عنه)(1). انتهى
ص: 131
فظهر أنّ الشيخ روى جميع مرويّات الصدوق نوّر الله ضريحهما بتلك الأسانيد الصحيحة، فكلّما روى الشيخ خبراً من بعض الأصول التي ذكرها الصدوق في فهرسته بسند صحيح فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سنداً صحيحاً إليه، وهذا أيضاً باب غامض دقيق ينفع في الأخبار التي لم تصل إلينا من مؤلّفات الصدوق رحمة الله .
فإذا أحطت خُبراً بما ذكرنا لك من غوامض أسرار الأخبار وإن كان ما تركنا أكثر ممّا أوردنا، وأصغيت إليه بسمع اليقين، ونسيت تعسّفات المتعصّبين وتأويلات المتكلّفين لا أظنّك ترتاب في حقّيّة هذا الباب، ولا تحتاج بعد ذلك إلى تكلّفات الأخباريّين في تصحيح الأخبار، والله الموفّق للخير والصواب، ولنا في تصحيح الأخبار طرق أخرى لا تتّسع تلك الرسالة لإيرادها، وعسى أن تقرع سمعك في عوض تلك الرسالة بعضها»(1).
9 - قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في كتابه تفصیل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة حول السيّد رضي الدين علي بن موسى المعروف بابن طاووس (ت 664 ﻫ): «وقد ذكر السيّد رضي الدين بن طاووس في كتبه ما يدلّ على أنّ أكثر الكتب المذكورة وغيرها من أمثالها من أصول أصحاب الأئمّة علیهم السلام كانت عنده، ونقل منها شيئاً كثيراً، ونحن نقلنا من ذلك أحاديث كثيرة ... بل قد ذكر الشهيد في الذكرى والكفعمي في مصباحه قريباً من ذلك، وصرّحا بأنّ كثيراً من أصول القدماء وكتبهم كانت موجودة عندهما»(2).
ص: 132
وأضاف الشيخ الحرّ العاملي: «ومعلوم أنّ كتب القدماء إنّما اندرست بعد ذلك لوجود ما يغني عنها، بل هو أوثق منها، مثل الكتب الأربعة وغيرها ممّا تقدّم ذكره من الكتب المعتمدة التي هي أحسن ترتيباً وتهذيباً، وفي بعضها كفاية»(1).
إنّ رواة الحديث أولوا عناية فائقة، وبذلوا قصارى جهدهم، وصرفوا غاية هممهم في مدّة طويلة تزيد على ثلاثمائة سنة لضبط الأحاديث وغربلتها والأخذ بالصحيح منها، وتدوينها وتصنيفها على شكل أصول صحيحة ثابتة كانت المرجع لأتباع أهل البيت علیهم السلام ، وكان هؤلاء الرواة في غاية التمكّن من تمييز الصحيح من غيره، وهذا ما لا يخفى على أحد، بل يمكن القطع به من خلال التواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن.
وجاء بعد هذه الفترة علماؤنا الثقات والأجلّاء والمعتمد عليهم فدوّنوا كتب الحديث اعتماداً على الأصول الصحيحة الثابتة، وقد شهد بعضهم في ديباجة مصنّفاتهم بصحّة الأحاديث التي قاموا بتدوينها وثبوتها، فكانت النتيجة تأليف كتب حديث أصبحت متداولة ومعتمداً عليها ومجمعاً على ثبوتها بين أصحابنا.
وإنّ وجه اعتمادنا على هؤلاء المصنّفين الثقات والأجلّاء الذين نقلوا الأحاديث وشهدوا بثبوتها وصحّتها هو صدقهم، وجلالة قدرهم، وغزارة علمهم، وكثرة وجود الأصول المتواترة في زمانهم، وكثرة امتلاكهم القرائن في تحصيل الاطمئنان بصحّة الأحاديث التي دوّنوها في كتبهم.
ص: 133
إنّ انتشار الأخبار المكذوبة يرتبط بزمن الصدور دون زمن التدوين، وإنّ الكتب الحديثيّة الواصلة إلينا في الواقع منقّحة من الدسّ والوضع؛ لأنّ علماءنا بذلوا أقصى جهدهم عند نقل الأحاديث وتدوينها في كتبهم المعتبرة لغربلة الأحاديث الموجودة وتصحيحها وتنقيحها وضبطها وتدوين الصحيح منها حسب القرائن المتوفّرة لديهم، وهم عدول وثِقات وأهل ورع وتقوى واحتياط، وكانت مهمّتهم حفظ الشريعة وحراستها، كما كانوا أصحاب خبرة في تمييز الأخبار المكذوبة عن غيرها.
وكان قصد علمائنا من تأليف مصنّفاتهم في الحديث هداية الناس، فلم يستحلّوا لأنفسهم نقل ما لا يثقون باعتباره، ولم يرووا في مصنّفاتهم إلّا ما دلّت القرائن المعتبرة على صحّته واتّضاح الصدق فيه.
تنبيه: لا يجدر نسبة الاختلاف في الأحاديث التي وصلت إلينا إلى وجود الأخبار المكذوبة بعد غربلة العلماء لها، وإنّما يعود السبب الأساسي لذلك في عوامل أخرى، من قبيل التقيّة التي سنشير إليها لاحقاً.
من الشواهد على شدّة اهتمام مصنّفي الأحاديث في عدم نقل ما لا يثقون به إلّا بعد وجود القرائن الموجبة لصحّتها:
1 - ذكر الشيخ الصدوق حديثاً، ثمّ قال: «كان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيّئ الرأي في محمّد بن عبد الله المسمعي راوي
ص: 134
هذا الحديث، وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب؛ لأنّه كان في كتاب الرحمة(1)، وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي»(2).
2 - ذكر الشيخ الصدوق حديثاً، ثمّ قال: «قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: لم أسمع هذا الحديث إلّا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه بهمدان عند منصرفي من حجّ بيت الله الحرام، وكان رجلاً ثقة ديّناً فاضلاً رحمة الله ورضوانه عليه»(3).
3 - ذكر الشيخ الصدوق حديثاً، ثمّ قال: «قال مصنّف هذا الكتاب رضي الله عنه: لم أسمع هذا الحديث إلّا من علي بن عبد الله الورّاق، وجدت بخطّه مثبتاً فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن إسحاق رضي الله عنه كما ذكرته»(4).
4 - ذكر الشيخ الصدوق حديثاً، ثمّ قال: «قال مصنّف هذا الكتاب: هذا حديث لم أسمعه إلّا من الحسن بن حمزة العلوي، ولم أروِه عن شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، ولكنّه صحيح عندي»(5).
5 - ذكر الشيخ الصدوق حديثاً، ثمّ قال: «قال مصنّف هذا الكتاب: لم أجد شيئاً في ذلك في شيء من الأصول، وإنّما تفرّد بروايته علي بن إبراهيم بن هاشم»(6).
ص: 135
وهذه التعليقات من الشيخ الصدوق في ذيل هذه الأحاديث تكشف قوله بصحّة جميع الأحاديث التي ذكرها من دون تعليق، ونقله إيّاها من الأصول الصحيحة عنده.
ولهذا قال الشيخ الحرّ العاملي حول مصنّفي كتب الحديث المعتمدة: «قد علم بالتتبّع والنقل الصريح أنّهم ما كانوا يثبتون حديثاً في كتاب معتمد حتّى يثبت عندهم صحّة نقله، وقد نصّوا على استثناء أحاديث خاصّة من بعض الكتب، وهو قرينة على ما قلنا»(1).
ورد في مقدّمة الكثير من كتب الحديث تصريح مؤلّفيها بأنّهم قاموا بتنقية الأحاديث التي كانت في متناول أيديهم، وأنّهم لم يذكروا في كتبهم إلّا الأحاديث المحفوفة بقرائن الصحّة، ومن هذه الكتب:
قال الشيخ الكليني في خطبة كتابه الكافي حول مَن طلب منه تأليف الكتاب: «وقلت: إنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين علیهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدّي فرض الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلی الله علیه واله ، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سبباً يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملّتنا، ويقبل بهم إلى مراشدهم ... وقد يسّر الله وله الحمد
ص: 136
تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت، فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيّتنا في إهداء النصيحة، إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملّتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكلّ من اقتبس منه، وعمل بما فيه في دهرنا هذا، وفي غابره إلى انقضاء الدنيا»(1).
قال علي بن إبراهيم في مقدّمة تفسيره: «فرض الله عزّ وجلّ على نبيّه صلی الله علیه واله أن يبيّن للناس ما في القرآن من الأحكام والقوانين والفرائض والسنن، وفرض على الناس التفقّه والتعليم والعمل بما فيه حتّى لا يسع أحداً جهله ولا يعذر في تركه، ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم ولا يقبل عمل إلّا بهم، وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى وفرض سؤالهم والأخذ منهم فقال:
﴿فَسْٔلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]»(2).
قال ابن بابويه في مقدّمة كتابه: «وقد بيّنت الأخبار التي ذكرتها من طريق العدد، وكلّ ما وقع في عصر إمام من إشارة إلى رجل أو داعية منه بغير حقّ، واستحالة مجاوزة العدد وتبديل الأسماء بصحيح الأخبار عن الأئمّة الهداة الهادين علیهم السلام ، متوكّلاً على الله تعالى، ومستغفراً من التقصير، ومستعيذاً به سبحانه، إن أريد بما تكلّفته إلّا الإصلاح، وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكّلت
ص: 137
وإليه أنيب»(1).
قال الشيخ الحرّاني في مقدّمة كتابه: «وقفت ممّا انتهى إليّ من علوم السادة علیهم السلام على حِكَم بالغة، ومواعظ شافية، وترغيب فيما يبقى، وتزهيد فيما يفنى، ووعد ووعيد، وحضّ على مكارم الأخلاق والأفعال، ونهي عن مساويهما، وندب إلى الورع، وحثّ على الزهد، ووجدت بعضهم علیهم السلام قد ذكروا جملاً من ذلك فيما طال من وصاياهم وخطبهم ورسائلهم وعهودهم، وروي عنهم في مثل هذه المعاني ألفاظ قصرت وانفردت معانيها وكثرت فائدتها، ولم ينتهِ إليّ لبعض علماء الشيعة في هذه المعاني تأليف أقف عنده، ولا كتاب أعتمد عليه وأستغني به يأتي على ما في نفسي منه، فجمعت ما كانت هذه سبيله، وأضفت إليه ما جانسه وضاهاه وشاكله وساواه من خبر غريب أو معنى حسن متوخّياً بذلك وجه الله جلّ ثناؤه، وطالباً ثوابه، وحاملاً لنفسي عليه، ومؤدّباً لها به، وحملها منه على ما فيه نجاتها شوق الثواب وخوف العقاب، ومنبّهاً لي وقت الغفلة، ومذكّراً حين النسيان، ولعلّه أن ينظر فيه مؤمن مخلص، فما علمه منه كان له درساً، وما لم يعلمه استفاده، فيشركني في ثواب من علمه وعمل به، لما فيه من أصول الدين وفروعه وجوامع الحقّ وفصوله وجملة السنّة وآدابها وتوقيف الأئمّة وحكمها والفوائد البارعة والأخبار الرائقة ... فتأمّلوا معاشر شيعة المؤمنين ما قالته أئمّتكم علیهم السلام وندبوا إليه وحضّوا عليه، وانظروا إليه بعيون قلوبكم، واسمعوه بآذانها، وعوه بما
ص: 138
وهبه الله لكم واحتجّ به عليكم من العقول السليمة والأفهام الصحيحة»(1).
قال الشيخ الإسكافي في مقدّمة كتابه: «لمّا رأيت ما شملني والعصابة المهديّة من الاختبار واللأواء والتمحيص والابتلاء في باب معيشتها، وتصرّف أحوال الدنيا بها، والامتحان ... وعلمت بعموم ما قاله النبي والوصي والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين في هذا المعنى ... عملت هذا الكتاب، وترجمته كتاب التمحيص، واشتققت ترجمته من معناه، وذكرت فيه وجوه الاختبار من الله جلّ ثناؤه لعباده المؤمنين، وتمحيصه عن أوليائه الموحّدين، وأضفت إليه ما جانسه، وضممت إليه ما شاكله من الصبر والرضا والزهد فيما يفنى؛ لتكمل الفائدة ويعمّ النفع فيكون ذلك درساً لعالمينا، وفائدة لمتعلّمينا، ومقويّاً يقين من ضعف يقينه منّا، ومسلّياً عن حطام الدنيا، ومبشّراً بسرور الأخرى، وكاشفاً عمّن اتّصل غمّه وملكه همّه؛ ليرجع إلى ربّه، ويثق بوعد إمامه، فيكمل الله أجره، ويجزل ذخره»(2).
قال النعماني في مقدّمة كتابه: «قصدت القربة إلى الله عزّ وجلّ بذكر ما جاء عن الأئمّة الصادقين الطاهرين علیهم السلام من لدن أمير المؤمنين علیه السلام إلى آخر من روي عنه منهم في هذه الغيبة التي عمي عن حقّيّتها ونورها من أبعده الله عن
ص: 139
العلم بها، والهداية إلى ما أوتي عنهم علیهم السلام فيها ما يصحّح لأهل الحقّ حقيقة ما رووه ودانوا به، وتؤكّد حجّتهم بوقوعها، ويصدّق ما آذنوا به منها.
وإذا تأمّل من وهب الله تعالى له حسن الصورة، وفتح مسامع قلبه، ومنحه جودة القريحة، وأتحفه بالفهم وصحّة الرواية بما جاء عن الهداة الطاهرين صلوات الله عليهم على قديم الأيّام وحديثها من الروايات المتّصلة فيها، الموجبة لحدوثها، المقتضية لكونها ممّا قد أوردناه في هذا الكتاب حديثاً حديثاً، وروّى(1) فيه، وفكّر فكراً ممعناً، ولم يجعل قراء ته ونظره فيه صفحاً دون شافي التأمّل، ولم يطمح ببصره عن حديث منها يشبه ما تقدّمه دون إمعان النظر فيه والتبيين له ولما يحوي من زيادة المعاني بلفظة من كلام الإمام علیه السلام بحسب ما حمله واحد من الرواة عنه، علم أنّ هذه الغيبة لو لم تكن ولم تحدث مع ذلك ومع ما روي على مرّ الدهور فيها لكان مذهب الإمامة باطلاً، لكنّ الله تبارك وتعالى صدّق إنذار الأئمّة علیهم السلام بها، وصحّح قولهم فيها في عصر بعد عصر، وألزم الشيعة التسليم والتصديق والتمسّك بما هم عليه، وقوّى اليقين في قلوبهم بصحّة ما نقلوه»(2).
وقال النعماني في آخر مقدّمته: «وقد جمعت في هذا الكتاب ما وفّق الله جمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن أمير المؤمنين والأئمّة الصادقين علیهم السلام في الغيبة وغيرها»(3).
ص: 140
قال ابن قولویه في مقدّمة كتابه: «کتابي هذا ... جمعته عن الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين من أحاديثهم، ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذ كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكنّ ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم، وسمّيته كتاب كامل الزيارات وفضلها وثواب ذلك»(1).
قال الشيخ الصدوق في مقدّمة كتابه: «أمّا بعد، فهذه لآلي غوالي وجواهر زواهر، وصايا خرجت من عمّان(2) النبوّة ومعدن الرسالة، محلّ البركات الإلهيّة ومنزل الرحمات الغير المتناهية ... فطوبى لمن وعاها وأوعاها خزانة قلبه، ومرحباً بمن سعى في حفظها بمقتضى سلامة عقله ولبّه»(3).
قال الشيخ الصدوق في بداية كتابه: «إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا
ص: 141
ما رُوي عن النبي صلی الله علیه واله أنّه قال: الدالّ على الخير كفاعله، وسمّيته كتاب ثواب الأعمال، وأرجو أن لا يحرمني الله ثواب ذلك، فما أردت من تصنيفه إلّا الرغبة في ثواب الله وابتغاء مرضاته سبحانه، ولا أردت بما تكلّفته غير ذلك»(1).
قال الشيخ الصدوق في بداية كتابه: «وجدت في تصنيفه نفعاً كثيراً لطالب العلم والراغب في الخير، فتقرّبت إلى الله جلّ اسمه بتصنيف هذا الكتاب طالباً لثوابه وراغباً في الفوز برحمته، وأرجو أن لا يخيّبني فيما أمّلته ورجوته منه بتطوّله ومنّه»(2).
قال الشيخ الصدوق في بداية كتابه: «إنّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أنّي لمّا قضيت وطري من زيارة علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلى نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إليّ من الشيعة قد حيّرتهم الغيبة، ودَخَلَتْ عليهم في أمر القائم علیه السلام الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقاييس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقّ وردّهم إلى الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبي والأئمّة»(3).
ص: 142
قال الشيخ الصدوق في بداية كتابه: «إنّي صنّفت كتابي هذا، وسمّيته كتاب المقنع لقنوع من يقرأه بما فيه، وحذفت الأسانيد منه؛ لئلّا يثقل حمله، ولا يصعب حفظه، ولا يملّ قارئه، إذ كان ما أبيّنه فيه في الكتب الأصوليّة موجوداً مبيّناً عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله، أرجو بذلك ثواب الله، وأبتغي به مرضاته، وأطلب الأجر عنده»(1).
قال الشيخ الصدوق في بداية كتابه حول لقائه في أرض بلخ بشخص يُدعى أبو عبد الله محمّد بن الحسين وهو معروف بنعمة: «ذاكرني بكتاب صنّفه محمّد بن زكريّا المتطبّب الرازي، وترجمه بكتاب من لا يحضره الطبيب، وذكر أنّه شافٍ في معناه، وسألني أن أصنّف له كتاباً في الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحكام موفياً على جميع ما صنّفت في معناه، وأترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ليكون إليه مرجعه، وعليه معتمده، وبه أخذه، ويشترك في أجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه، هذا مع نسخه لأكثر ما صحبني من مصنّفاتي وسماعه لها وروايتها عنّي ووقوفه على جملتها وهي مائتا كتاب وخمسة وأربعون كتاباً فأجبته أدام الله توفيقه إلى ذلك؛ لأنّي وجدته أهلاً له، وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد؛ لئلّا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده، ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره
ص: 143
وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ... وغیرها من الأصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم، وبالغت في ذلك جهدي مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل»(1).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) بعد ذكره قول الشيخ الصدوق أعلاه: «وهو صريح في الجزم بصحّة أحاديث كتابه والشهادة بثبوتها، وفيه شهادة بصحّة الكتب المذكورة، وغيرها ممّا أشار إليه، وثبوت أحاديثها»(2).
وقال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: «(و جميع ما في هذا الكتاب استخرجته من كتب مشهورة) بين المحدّثين بالانتساب إلى مصنّفها(3) ورواتها، والظاهر أنّ المراد بالشهرة التواتر (عليها المعوّل)، يعني كلّها محلّ اعتماد الأصحاب (وإليها رجوعهم)»(4).
قال الخزّاز في بداية كتابه: «وبعد، هذه رسالة وجيزة في الأدلّة الدالّة على
ص: 144
إمامة الأئمّة الاثني عشر من الكتاب والسنّة ... ثمّ ذكرت الأحاديث التي دلّت على إمامة الأئمّة الاثني عشر بروايات صحيحة الأسانيد متّصلة بأصحاب رسول الله المعروفين»(1).
قال القمّي في بداية كتابه: «وبعد، فقد سألتني أدام الله عزّك أن أجمع لك طرفاً عمّا سمعت منّي في مجلس المذاكرة من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه واله على حروف المعجم، فأجبتك إلى ملتمسك تقرّباً إلى الله تعالى وإلى نبيّه صلی الله علیه واله ، وجعلته مختصراً وحذفت أسانيدها إلّا إسناداً لأوّل كلّ باب منه ليكون أقرب إلى الفهم، وبالله أستعين، وعليه أتوكّل وإليه أنيب»(2).
قال الطبري حول أحاديث كتابه: «... وجمعت من كتب شتّى من مناقبهم وعلومهم واحتجاجاتهم التي لا يستغني عنها الطالب للحقّ والراغب فيه زلفة إلى الله، وابتغاء لمرضاته، وتقرّباً إلى صاحب الحضرة العليّة الإماميّة المرتضويّة صلوات الله على مشرّفها»(3).
ص: 145
قال الخزاعي في مقدّمة كتابه: «أمّا بعد، فإنّ الشريف السيّد أبا الفضل هادي بن الحسين بن مهدي العلوي الحسيني أدام الله في العلوم رغبته سألني أن أخرج طرفاً من الأحاديث في فضائل علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأجبته إلى ملتمسه، وأخرجت له أربعين حديثاً عن أربعين رجلاً من شيوخي، وسمّيته بكتاب الأربعين عن الأربعين في فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، والله ينفعني وإيّاه وجميع المؤمنين به بمنّه ولطفه»(1).
قال الكراجكي في بداية كتابه: «أمّا بعد، هذا كتاب جمعت فيه من جواهر الألفاظ ودُرَرِها وعيون المعاني وغُرَرِها ما فيه نفع لمن انتفع، وعلم لمن وعى وجمع»(2).
قال الشيخ الطوسي في مقدّمة كتابه: «وأنا أرجو إذا سهّل الله تعالى إتمام هذا الكتاب على ما ذكرت، ووفّق لختامه حسب ما ضمنت، أن يكون كاملاً في بابه، مشتملاً على أكثر الأحاديث التي تتعلّق بأحكام الشريعة، ومنبّهاً على ما عداها ممّا لم يشتمل عليه هذا الكتاب»(3).
ص: 146
وقال الشيخ الطوسي في كتابه الاستبصار في وصف كتابه تهذيب الأحكام: «أمّا بعد، فإنّي رأيت جماعة من أصحابنا لمّا نظروا في كتابنا الكبير الموسوم بتهذيب الأحكام، ورأوا ما جمعنا فيه من الأخبار المتعلّقة بالحلال والحرام، ووجدوها مشتملة على أكثر ما يتعلّق بالفقه من أبواب الأحكام، وأنّه لم يشذّ عنه في جميع أبوابه وكتبه ممّا ورد في أحاديث أصحابنا وكتبهم وأصولهم ومصنّفاتهم إلّا نادر قليل وشاذّ يسير، وأنّه يصلح أن يكون كتاباً مذخوراً يلجأ إليه المبتدي في تفقّهه، والمنتهي في تذكّره، والمتوسّط في تبحّره، فإنّ كلّا ً منهم ينال مطلبه ويبلغ بغيته، تشوّقت نفوسهم إلى أن يكون ما يتعلّق بالأحاديث المختلفة مفرداً على طريق الاختصار يفزع إليه المتوسّط في الفقه لمعرفته والمنتهي لتذكّره»(1).
وقال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب: «والآن فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يتوصّل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنّفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات»(2).
قال الشيخ الطوسي في وصف كتابه: «أتكلّم بجمل يزول معها الريب وتنحسم به الشبه، ولا أطوّل الكلام فيه فيملّ، فإنّ كتبي في الإمامة وكتب شيوخنا مبسوطة في هذا المعنى في غاية الاستقصاء، وأتكلّم على كلّ ما يسأل
ص: 147
في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، وأردف ذلك بطرف من الأخبار الدالّة على صحّة ما نذكره؛ ليكون ذلك تأكيداً لما نذكره، وتأنيساً للمتمسّكين بالأخبار»(1).
قال الشيخ الطوسي في بداية كتابه: «سألتم أيّدكم الله أن أجمع عبادات السنة ... فإنّ كثيراً من أصحابنا ينشط للعمل دون التفقّه وبلوغ الغاية فيه، وفيهم من يقصد التفقّه، وفيهم من يجمع بين الأمرين، فيكون لكلّ طائفة منهم شيء يعتمدونه ويرجعون إليه وينالون بغيتهم منه، وأنا مجيبكم إلى ذلك مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه»(2).
قال الحلواني في بداية كتابه: «أمّا بعد، فقد سطّرت لك - أمتعني الله بك - من أقوال الأئمّة من أهل البيت علیهم السلام الموجزة وألفاظهم المعجزة وحكمهم الباهرة ومواعظهم الزاهرة لمعاً تنزّه ناظرك بها وتنبّه خاطرك بها، وحذفت الأسانيد حتّى لا يخرج الكتاب عن الغرض المقصود في الاختصار ... ولو جمع ما رواه أهل العدل عنهم لما وسعته الطوامير ولا حوته الأضابير؛ لأنّهم بالحكمة ينطقون وبالموعظة يتفوّهون، ولكن اعتمدت قول أمير المؤمنين علیه السلام إذ قال: (خُذُوا من كلّ علم أرواحه، ودَعوا ظروفه، فإنّ العلم كثير والعمر قصير)، وقد وسمت كتابي هذا بنزهة الناظر وتنبيه الخاطر، وبالله تعالى
ص: 148
التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل»(1).
قال النيسابوري في مقدّمة كتابه: «هممت أن أجمع كتاباً يشتمل على بعض كلام الله، ويدور على محاسن أخبار النبي صلی الله علیه واله ، ويحتوي على جواهر كلام الأئمّة علیهم السلام ، وأبوّبه أبواباً ومجالس، وأضع كلّ جنس موضعه، فإنّه لم يسبقني أحد من أصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به أكثر والنصب أعمّ وأكثر، وأنا إن شاء الله أفتتح لكلّ مجلس منها بكلام الله تعالى، ثمّ بآثار النبي والأئمّة علیهم السلام ، محذوفة الأسانيد، فإنّ الأسانيد لا طائل فيها إذا كان الخبر شايعاً ذائعاً، ووقعت تسميته بروضة الواعظين وبصيرة المتّعظين»(2).
قال الطبرسي في مقدّمة كتابه: «لا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إمّا لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف إلّا ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري علیه السلام فإنّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه، وإن كان مشتملاً على مثل الذي قدّمناه، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أوّل جزء من ذلك دون
ص: 149
غيره؛ لأنّ جميع ما رويت عنه علیه السلام إنّما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها علیه السلام في تفسيره، والله المستعان فيما قصدناه، وهو حسبنا ونعم الوكيل»(1).
قال الطبري حول مقدّمة كتابه: «سمّيته بكتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى صلوات الله عليهما، ولا أذكر فيه إلّا المسند من الأخبار عن المشايخ الكبار والثقات الأخيار، وما أبتغي بذلك إلّا رضا الله والزلفى، والدعاء من الناظر فيه وحسن الثناء، والقربة إلى خير الورى من أهل العبا ومن طهّرهم الله من أئمّة الهدى صلوات الله عليهم عدد الرمل والحصى»(2).
قال ابن حمزة حول كتابه: «سمّيته الثاقب في المناقب، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك خالصاً لرضاه، ولا يكلني إلى سواه، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه»(3).
قال الراوندي في مقدّمة كتابه: «ما رواه الشيعة الإماميّة خاصّة في معجزات أئمّتهم المعصومين علیهم السلام صحيح لإجماعهم عليه، وإجماعهم حجّة؛
ص: 150
لأنّ فيهم حجّة، وقد جمعت بعون الله سبحانه من ذلك جملة لا تكاد توجد مجموعة في كتاب واحد؛ ليستأنس بها الناظرون، وينتفع بها المؤمنون، وسمّيته بكتاب الخرائج والجرائح»(1).
قال الراوندي في مقدّمة كتابه حول موضوع قصص الأنبياء علیهم السلام : «الكتب المصنّفة في هذا المعنى فيها الغثّ والسمين والردّ والثمين، فجمعت بعون الله تعالى زلالها، وسلبتها جريالها، وحصّلته مرتّباً على تسعة عشر باباً، وفصّلته مبوّباً، وبالله التوفيق والعصمة»(2).
قال شاذان في مقدّمة كتابه: «وبعد، فإنّي قد جمعت في كتابي هذا الذي سمّيته بالروضة، ويشتمل على فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ما نقلته عن الثقات واتّفقت عليه الروايات، فأسأل الله تعالى أن يوفّقنا لمرضاته وطاعة الأئمّة، وهو حسبي ونعم الوكيل»(3).
قال ابن شهر آشوب في مقدّمة كتابه: «قد قصدت في هذا الكتاب من
ص: 151
الاختصار على متون الأخبار، وعدلت عن الإطالة والإكثار والاحتجاج من الظواهر والاستدلال على فحواها ومعناها، وحذفت أسانيدها لشهرتها، ولإشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها؛ لتخرج بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات.
وربّما تتداخل الأخبار بعضها في بعض، أو تختصر منها موضع الحاجة، أو تختار ما هو أقلّ لفظاً، أو جاءت غريبة من مظانّ بعيدة، أو وردت مفردة محتاجة إلى التأويل، فمنها ما وافقه القرآن، ومنها ما رواه خلق كثير حتّى صار علماً ضروريّاً يلزمهم العمل به، ومنها ما بقيت آثارها رؤية أو سمعاً، ومنها ما نطقت به الشعراء والشُعرورة(1) لتبذّلها، فظهرت مناقب أهل البيت علیهم السلام بإجماع موافقيهم، وإجماعهم حجّة على ما ذكر في غير موضع، واشتهرت على ألسنة مخالفيهم على وجه الاضطرار، ولا يقدرون على الإنكار على ما أنطق الله به رواتهم، وأجراها على أفواه ثقاتهم، مع تواتر الشيعة بها، وذلك خرق العادة وعظة لمن تذكّر، فصارت الشيعة موفّقة لما نقلته ميسّرة، والناصبة مخيّبة فيما حملته مسخّرة لنقل هذه الفرقة ما هو دليل لها في دينها، وحمل تلك ما هو حجّة لخصمها دونها ... وسمّيته بمناقب آل أبي طالب ونظّمته للمعاد لا للمعاش وادّخرته للدين لا للدنيا، فأسأل الله تعالى أن يجعله سبب نجاتي وحطّ سيّئاتي ورفع درجاتي، إنّه سميع مجيب»(2).
ص: 152
قال المشهدي في مقدّمة كتابه: «أمّا بعد، فإنّي قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد المشرّفات، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والأدعية المختارات، وما يدعى به عقيب الصلوات، وما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات، وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات ممّا اتّصلت به من ثقات الرواة إلى السادات»(1).
قال الطبرسي في مقدّمة كتابه: «وبعد، فإنّ مولاي والدي الشيخ الإمام الأجلّ السعيد رضي الدين أمين الإسلام والمسلمين حجّة الخلق أبا نصر الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي نوّر الله حفرته وحشره مع مواليه الطاهرين لمّا جمع كتاب مكارم الأخلاق واستحسنه أهل الآفاق، ابتدأ بتصنيف كتاب آخر جامع لسائر الأحوال، حاوٍ لمحاسن الأفعال، واختار في ذلك المعنى كثيراً من الأخبار المرويّة المنتقاة من مشاهير كتب أصحابنا رضي الله عنهم أجمعين، ولم يتيسّر له إتمامه وأدركه حمامه، جعل الله له الجنّة مأواه، وأعطاه من فضله ما يتمنّاه، بحقّ محمّد وعترته الطيّبين الطاهرين، ثمّ سألني جماعة من المؤمنين الراغبين في أعمال الخير أن أؤلّف هذا الكتاب، فتقرّبت إلى الله عزّ وجلّ بتأليفه، وكتبت ما حضرني من ذلك، ورتّبته وبوّبته، وتركت في آخر كلّ باب أوراقاً لألحق به ما شذّ عنّي، وسمّيت هذا الكتاب بمشكاة
ص: 153
الأنوار في غرر الأخبار، أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي بذلك ذنوبي، ويستر عليَّ في يوم القيامة عيوبي»(1).
قال ابن طاووس في مقدّمة كتابه: «اعلم أنّني أروي فيما أذكر من هذا الكتاب روايات وطريقي إليها من خواصّ أصحابنا الثقات، وربّما يكون في بعضها بين بعض الثقات المشار إليهم وبين النبي صلی الله علیه واله أو أحد الأئمّة علیهم السلام رجل مطعون عليه بطعن من طريق الآحاد، أو يكون الطعن عليه برواية مطعون عليه من العباد وبسبب محتمل لعذر للمطعون عليه يعرف ذلك السبب، أو يمكن تجويزه عند أهل الانتقاد، وربّما يكون عذري أيضاً فيما أرويه عن بعض من يطعن عليه أنّني أجد من أعتمد عليه من ثقات أصحابنا الذين أسندت إليهم عنه أو إليه عنهم قد رووا ذلك عنه ولم يستثنوا تلك الرواية ولا طعنوا عليها ولا تركوا روايتها فأقبلها منهم، وأجوّز أن يكون قد عرفوا صحّة الرواية المذكورة بطريقة أخرى محقّقة مشكورة، أو رأوا عمل الطائفة عليها فاعتمدوا عليها، أو يكون الراوي المطعون على عقيدته ثقة في حديثه وأمانته»(2).
ص: 154
قال الديلمي في مقدّمة كتابه حول الأحاديث التي ذكرها: «لم ألتزم ذكر كلّ سند؛ لشهرتها وظهورها بين العلماء وفي كتبها المنقولة فيها والمسندة عن رجالها»(1).
قال السبزواري في مقدّمة كتابه: «أمّا بعد، فإنّي مذ كنت ابن عشرين حتّى ذرف سنّي إلى خمسين متشوّق إلى جمع كتاب يشتمل فصولاً جامعة للزهد والموعظة والترغيب والترهيب من الأخبار المنقولة عن الأئمّة الأطهار والآثار المأثورة عن الرواة الأخيار، محجوجة بالقرآن، متأيّدة بالبرهان، مضبوطة بالإسناد، مربوطة بالإرشاد، كاشفة للقلوب زائلة للكروب، وأنا مجتهد لاستجماع ذلك، تائق إلى ترتيبه ... فرتّبت هذا الكتاب على أحسن ترتيب وأتقن تهذيب ... وسمّيته بجامع الأخبار»(2).
قال الشهيد الأوّل في مقدّمة كتابه: «إنّه لمّا كثرت عناية العلماء السالفين والفضلاء المتقدّمين بجمع أربعين حديثاً من الأحاديث النبويّة والألفاظ الإماميّة بما اشتهر في النقل الصحيح عنه بألفاظ مختلفة بهذا العدد المخصوص ... فرأيت أنّ أكثر الأشياء نفعاً وأهمّها العبادات الشرعيّة، لعموم البلوى بها
ص: 155
وشدّة الحثّ عليها، فخرّجت أكثرها فيها وباقيها في مسائل غيرها»(1).
قال الكفعمي في مقدّمة كتابه: «فبعد، فهذا كتاب محتوٍ على عُوَذ ودعوات وتسابيح وزيارات منقولة عن سادات القادات وقادات السادات الغرّ الميامين آل طه وياسين، لا تمجّ ألفاظها الآذان، ولا يبلي معانيها الزمان، مأخوذة من كتب معتمد على صحّتها، مأمور بالتمسّك بعروتها، لا يغيّرها اختلاف العصرين ولا كرّ الملوين، وقد رسمت ما وضعته، ووسمت ما جَمعتُه بالبلد الأمين والدرع الحصين»(2).
قال الكفعمي في مقدّمة كتابه حول الأدعية التي ذكرها: «وقد جمعته من كتب معتمد على صحّتها، مأمور بالتمسّك بوثقى عروتها، لا يغيّرها كرّ العصرين ولا مرّ الملوين»(3).
قال ابن جمهور في مقدّمة كتابه: «لمّا كان تلقّي الحكم والآثار والأحكام
ص: 156
والأخبار عن النبي والأئمّة الأطهار، طوراً بالتقرير والأفعال، وطوراً بالاستفتاء والأقوال، وكان من بعدهم من الطبقات من أهل العلم وذوي الرئاسات، الموصوفين بالعدالة والديانات، إنّما يُؤخذ عنهم ما أخذوه، ويصل إلى من يقتدي بهم ما تلقّفوه وحفظوه، طوراً بالحديث والرواية، وطوراً بالسماع والإجازة، حداني ذلك إلى جمع كتاب جامع لأشتات المتفرّقات، من جمل ما رواه الثقات عن النبي صلی الله علیه واله والأئمّة الهداة؛ ليكون منهجاً يقتدى به إلى معرفة الحلال والحرام، ومسلكاً يعوّل عليه في استظهار خفايا الأحكام، وسلماً ينال به الارتقاء إلى أعالي ذلك المقام، ومدرجاً يتدرّج به أولو البصائر والأفهام إلى النجاة من مهاوي الانتقام، فشرعت في جمعه وتهذيبه، ونهضت إلى ترتيبه وتبويبه، تسهيلاً على الطلّاب، ولينتفع به جميع الأصحاب، رغبة في حصول الثواب يوم المآب»(1).
قال البحراني في مقدّمة كتابه: «وبعد، فقد استخرت الله تعالى، وأزمعتُ على أن أجمع من كلام سيّد البشر محمّد المصطفى الشافع في المحشر ألف حديث ممّا أعتقدُ صِحَّتَه ونقلتُه عن مشايخي رضوان الله عليهم»(2).
قال السيّد هاشم البحراني في مقدّمة تفسيره حول المصادر التي اعتمد عليها: «هذه الكتب من الكتب المعتمد عليها والمعوّل والمرجع إليها،
ص: 157
مصنّفوها مشايخ معتبرون وعلماء منتجبون»(1).
ووصف السيّد هاشم البحراني تفسيره: «كتابي هذا يُطلعك على كثير من أسرار علم القرآن، ويُرشدك إلى ما جهله متعاطو التفسير من أهل الزمان، ويوضّح لك عن ما ذكره من العلوم الشرعيّة، والقصص والأخبار النبويّة، وفضائل أهل البيت الإماميّة، إذ صار كتاباً شافياً، ودستوراً وافياً، ومرجعاً كافياً، حجّة في الزمان، وعيناً من الأعيان، إذ هو مأخوذ من تأويل أهل التنزيل والتأويل الذين نزل الوحي في دارهم عن جبرئيل عن الجليل، أهل بيت الرحمة، ومنبع العلم والحكمة صلّى الله عليهم أجمعين»(2).
قال العلّامة المجلسي في مقدّمة كتابه: «ثمّ بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة تتبّعت الأصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية ... ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الإخوان، ضربوا في البلاد لتحصيلها، وطلبوها في الأصقاع والأقطار طلباً حثيثاً حتّى اجتمع عندي بفضل ربّي كثير من الأصول المعتبرة التي كان عليها معوّل العلماء في الأعصار الماضية، وإليها رجوع الأفاضل في القرون الخالية، فألفيتها مشتملة على فوائد جمّة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة، واطّلعت فيها على مدارك كثير من الأحكام، اعترف الأكثرون بخلوّ كلّ منها عمّا يصلح أن يكون مأخذاً له، فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها
ص: 158
وتنقيحها ... ولاشتماله على أنواع العلوم والحكم والأسرار، وإغنائه عن جميع كتب الأخبار سمّيته بكتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، فأرجو من فضله سبحانه على عبده الراجي رحمته وامتنانه أن يكون كتابي هذا إلى قيام قائم آل محمّد عليهم الصلاة والسلام والتحيّة والإكرام مرجعاً للأفاضل الكرام ومصدراً لكلّ من طلب علوم الأئمّة الأعلام»(1).
قال الشيخ الحرّ العاملي في خاتمة كتابه تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: «أكثر الكتب التي ذكرناها ونقلنا منها معلومة النسبة إلى مؤلّفيها بالتواتر، وهي إلى الآن في غاية الشهرة، والباقي منها علم بالأخبار المحفوفة بالقرائن، وذكرها علماء الرجال وغيرهم في مؤلّفاتهم، واعتمَدَ على نقلها علماء الأعلام، ووجدت بخطوط ثقات الأفاضل، ورأينا على نسخها خطوط علمائنا المتأخّرين وجمع من المتقدّمين بحيث لا مجال إلى الشكّ في صحّتها وثبوتها عن مؤلّفيها، وأكثرها لا يقصر في الشهرة والتواتر عن الكتب الأربعة المذكورة أوّلاً، بل التحقيق والتأمّل يقتضي تواتر الجميع، على أنّ أدناها رتبة في الوثوق والاعتماد مقصورة على أخبار السنن والآداب التي لا يحتاج في إثباتها إلى زيادة القرائن، لكون أكثرها من الضروريّات المعلومة بالتواتر المعنوي التي دلّ على مضمونها أحاديث أخَر معتمدة.
وقد عرفت شهادة جماعة من ثقات علمائنا المعتمدين بصحّة هذه الكتب عموماً أو خصوصاً، وكذلك أكثر المتقدّمين والمتأخّرين من علماء الرجال
ص: 159
وغيرهم قد اتّفقت شهادتهم بنحو ذلك، وما نقلناه كافٍ، ويأتي ما يؤيّده إن شاء الله»(1).
وقال الشيخ الحرّ العاملي أيضاً: «الفائدة الرابعة: في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب، وشهد بصحّتها مؤلّفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلّفيها، أو علمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبقَ فيها شكّ ولا ريب كوجودها بخطوط أكابر العلماء، وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم، وشهادتهم بنسبتها، وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة، أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة وغير ذلك ... وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرّحوا باسمه فكثير جدّاً، مذكور في كتب الرجال، يزيد على ستّة آلاف وستّمائة كتاب على ما ضبطناه»(2).
وقال الشيخ الحرّ العاملي أيضاً: «قد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره، وأنّها مرويّة عن الثقات عن الأئمّة علیهم السلام ... وأكثر أصحاب الكتب المذكورة قد شهدوا بنحو ذلك، إمّا في أوائل كتبهم أو في أواخرها أو أثنائها»(3).
وقال أيضاً: «إنّ أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قد شهدوا بصحّة أحاديث كتبهم وثبوتها ونقلها من الأصول المجمع عليها، فإن كانوا ثقات تعيّن قبول قولهم وروايتهم ونقلهم؛ لأنّه شهادة بمحسوس، وإن كانوا غير
ص: 160
ثقات صارت أحاديث كتبهم كلّها ضعيفة؛ لضعف مؤلّفيها وعدم ثبوت كونهم ثقات، بل ظهور تسامحهم وتساهلهم في الدين وكذبهم في الشريعة واللازم باطل، فالملزوم مثله»(1).
وقال أيضاً: «إنّا قد علمنا بوجود أصول صحيحة ثابتة كانت مرجع الطائفة المحقّة، يعملون بها بأمر الأئمّة، وأنّ أصحاب الكتب الأربعة وأمثالها كانوا متمكّنين من تمييز الصحيح من غيره غاية التمكّن، وأنّها كانت متميّزة غير مشتبهة، وأنّهم كانوا يعلمون أنّه مع التمكّن من تحصيل الأحكام الشرعيّة بالقطع واليقين لا يجوز العمل بغيره.
وقد علمنا أنّهم لم يقصّروا في ذلك، ولو قصّروا لم يشهدوا بصحّة تلك الأحاديث، بل المعلوم من حال أرباب السير والتواريخ أنّهم لا ينقلون من كتاب غير معتمد مع تمكّنهم من النقل من كتاب معتمد، فما الظنّ برئيس المحدّثين وثقة الإسلام ورئيس الطائفة المحقّة؟! ثمّ لو نقلوا من غير الكتب المعتمدة، كيف يجوز عادة أن يشهدوا بصحّة تلك الأحاديث، ويقولوا: إنّها حجّة بينهم وبين الله؟! ومع ذلك تكون شهاداتهم باطلة، ولا ينافي ذلك ثقتهم وجلالتهم، هذا عجيب ممّن يظنّه بهم»(2).
وقال الشيخ الحرّ العاملي أيضاً: «إنّ علماءنا الأجلّاء الثقات إذا نقلوا أحاديث وشهدوا بثبوتها وصحّتها كما في أحاديث الكتب المذكورة سابقاً لم يبقَ عند التحقيق فرق في الاعتماد ووجوب العمل بين ذلك وبين أن يدّعوا
ص: 161
أنّهم سمعوها من إمام زمانهم؛ لظهور علمهم وصلاحهم وصدقهم وجلالتهم، وكثرة الأصول المتواترة المجمع عليها في زمانهم، وكثرة طرق تحصيل اليقين والعلم عندهم، وعلمهم بأنّه مع إمكان العلم لا يجوز العمل بغيره»(1).
ص: 162
ص: 163
ص: 164
إنّ المعيار عند أكثر المتأخّرين في تقييم اعتبار الحديث هو التعويل على السند، وتقييم الحديث حسب وثاقة الرواة، وعليه يكون قبول الرواية أو عدم قبولها والأخذ بها أو طرحها جانباً متوقّفاً على سندها، ولا يُنظر في هذا المنهج الرجالي إلى متن ومضمون الحديث لمعرفة صحّة الحديث، بل الصحّة تدور مدار السند فقط، ويُعرف هذا المنهج بالمنهج السندي ومبنى الوثاقة، واصطلح عليه أيضاً حجّيّة خبر الثقة.
إنّ الأمور التي يجدر ملاحظتها في سير تحقيق سند الرواية عند المتأخّرين هي:
الأوّل: التحقيق والفحص عن حال آحاد الرواة الواقعين في السند؛ لكي تثبت وثاقة جميع الرجال الواقعين في السند، أو يثبت حسن حالهم أو اعتبار روايتهم.
الثاني: اتّصال سلسلة رجال السند في جميع الطبقات، وإلّا فلا اعتبار بالرواية المرسلة.
الثالث: إحراز اتّحاد طبقة كلّ واحد من رجال السند مع من يروي عنه.
الرابع: تمييز الشخص الواقع في السند من بين المشتركين(1).
ص: 165
قال الحسن ابن الشهيد الثاني (ت 1011 ﻫ) في كتابه منتقى الجمان: «اصطلح المتأخّرون من أصحابنا على تقسيم الخبر باعتبار اختلاف أحوال رواته إلى الأقسام الأربعة المشهورة، وهي: الصحيح والحسن والموثّق والضعيف»(1).
قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ): «قد استقرّ اصطلاح المتأخّرين من علمائنا رضي الله عنهم على تنويع الحديث المعتبر ولو في الجملة إلى الأنواع الثلاثة المشهورة، أعني الصحيح والحسن والموثّق بأنّه إن كان جميع سلسلة سنده إماميّين ممدوحين بالتوثيق فصحيح، أو إماميّين ممدوحين بدونه كلّا ً أو بعضاً مع توثيق الباقي فحسن، أو كانوا كلّا ً أو بعضاً غير إماميّين مع توثيق الكلّ فموثّق، وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا»(2).
قال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: «الصحيح ... هو ما اتّصلت روايته إلى المعصوم بعَدْل إمامي، ويُسمّى: المتّصل والمُعَنْعَن، وإن كان كلٌّ منهما أعمّ منه، وقد يُطلق الصحيح على سَليم الطريق من الطعن وإن اعتراه إرسال أو قطع»(3).
وقال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية:
ص: 166
«الصحيح ... هو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات حيث تكون متعدّدة [وإن اعتراه شذوذ](1)»(2).
وقال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: «الصحّة المتعارفة بين المتأخّرين ... صحّة الطرق التي كان رواتها ثقات»(3).
قال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: «الحسن ... هو ما رواه الممدوح من غير نصّ على عدالته»(4).
وبيّن الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية بأنّ الحديث الحسن هو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بإمامي ممدوح من غير نصّ على عدالته(5).
قال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام
ص: 167
الشريعة: «الموثّق ... ما رواه مَنْ نُصّ على توثيقه مع فساد عقيدته، ويُسمّى: القوي، وقد يراد بالقوي مرويّ الإمامي غير المذموم ولا الممدوح، أو مروي المشهور في التقدّم عن(1) الموثّق»(2).
وبيّن الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية بأنّ الحديث الموثّق هو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بمن نصّ الأصحاب على وثاقته مع فساد عقيدته سواء أتحقّق ذلك في جميع رواة سنده أم في أحدهم، وسمّي موثّقاً؛ لأنّ رواته ثقات، ويقال له أيضاً: القوي؛ لقوّة الظنّ بجانبه بسبب توثيقه(3).
قال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة بعد ذكر الموثّق: «الضعيف يقابله، وربّما قابل الضعيف الصحيح والحسن والموثّق، ويُطلق الضعيف بالنسبة إلى زيادة القدح ونقصانه»(4).
وبيّن الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية بأنّ الحديث الضعيف هو الحديث الذي لا يكون من الأقسام السابقة، فيشتمل سنده كلّه أو بعضه على الراوي المجروح أو المجهول(5).
ص: 168
1 - قال الحسن ابن الشهيد الثاني (ت 1011 ﻫ) في كتابه منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: «إنّ القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً؛ لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالّة على صدق الخبر ... ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلّامة إلّا من السيّد جمال الدين ابن طاووس»(1).
2 - قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) في كتابه مشرق الشمسين: «هذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا قدّس الله أرواحهم كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه»(2).
وقال الشيخ البهائي أيضاً: «أوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخّرين شيخنا العلّامة جمال الحقّ والدين الحسن بن المطهّر الحلّي قدّس الله روحه، ثمّ إنّهم أعلى الله مقامهم ربّما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحّة لما شاع من أنّهم لا يرسلون إلّا عمّن يثقون بصدقه، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي بالصحّة نظراً إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وعلى هذا جرى العلّامة قدّس الله
ص: 169
روحه في المختلف حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة: إنّ حديث عبد الله بن بكير صحيح، وفي الخلاصة حيث قال: إنّ طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان، مستنداً في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما، وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضاً كما وصف في بحث الردّة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحّة، وأمثال ذلك في كلامهم كثير فلا تغفل»(1).
3 - قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «الفصل الخامس: في سبب دخول الشبهة على المتأخّرين من أصحابنا حتّى قسّموا أخبارنا إلى الأقسام الأربعة المشهورة، ودفع الشبهة الموجبة لذلك، فنقول:
قد ظهر لك ممّا تقدّم طريق القدماء في قبول الأخبار وردّها، وأنّ ما عملوا به كان معلوم الصحّة عندهم لم يختلفوا في ذلك إلى أن جاء ابن إدريس وكان على مذهب القدماء في أنّه لا يعمل في إثبات أحكامه تعالى إلّا بما يوجب العلم، فرأى أخبارنا مدوّنة في الكتب بطرق الآحاد، فحكم بأنّ أكثرها أخبار آحاد عارية عن القرائن، وغفل عن تصريحات مَن تقدّمه بأنّها ليست كذلك، بل أكثرها معلوم الصحّة، والذي أوقعه في ذلك عدم التأمّل، واعتماده على ما يظهر له من أوّل وهلة ...
والحاصل أنّه رحمة الله توهّم فأكثر الاعتراض على الشيخ في فتاواه المستندة إلى الأخبار لزعمه أنّ ما استدل به الشيخ أخبار آحاد مجرّدة، وقد بيّن العلّامة رحمة الله
ص: 170
أكثر توهّماته، ثمّ اقتفى ابن إدريس أكثر من تأخّر عنه، واختلفت آراؤهم في العمل بالأخبار، وخلطوا المعقول بالمنقول لكثرة اختلاطهم بالعامّة وقراءة كتبهم ودراستها للتقيّة؛ لأنّ المدرّسين المشهورين في ذلك الوقت كانوا منهم والرئاسة لهم والمدارس في أيديهم والكتب المتداولة من تصانيفهم، بل ولغير التقيّة أيضاً نحو إرادة التبحّر في العلوم وغير ذلك كما نشاهده الآن في بلاد العجم التي هي مقرّ الشيعة ومعدن الإيمان لا يَعدّون من لم يقرأ العضدي ومتعلّقاته أصوليّاً، ولا من لم يقرأ تفسير البيضاوي والكشّاف مفسّراً، ولا من لم يصرف عمره فيما ألّفه الدواني وأضرابه من الكتب الحكميّة والكلاميّة حكيماً ولا متكلّماً حتّى كاد الحقّ أن يخفى لاختلاط الأصول الحقّة بالباطلة، هذا كلّه مع ارتفاع التقيّة ببركة الدولة الصفويّة أدام الله أيّامها ونشر في الخافقين أعلامها، فكيف ذلك الزمان مع شدّة الخوف من المخالفين والطِباع تسرق والمعاشرة تؤثّر.
واستمرّ الأمر على ذلك إلى أن وصلت النوبة إلى المحقّق أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلّي، وكان طريقه أوّلاً يقرب من طريق المتأخّرين في الأخبار، ثمّ لمّا انتبه لما فيه من الطعن على أكابر الطائفة وظهر له الحقّ رجع إليه ووافق القدماء في كتاب المعتبر الذي ألّفه في آخر عمره، ثمّ لمّا وصلت النوبة إلى شيخنا العلّامة جمال الدين الحلّي وكان واسع العلم، ذكيّ الطبع، محبّاً للتصنيف في أنواع العلوم على اختلافها، وانتهت إليه رئاسة المذهب وزالت التقيّة في زمانه في دولة السلطان محمّد خدا بنده، فأكثر البحث مع العامّة، واشتغل بمطالعة كتبهم، ورأى ما فيها من التدقيقات الغريبة والمباحث العجيبة المبنيّة على ما تُولّده الأفكار وترجّحه الأنظار ممّا تستحسنه العقول
ص: 171
وتميل إليها الطباع فأعجبه ذلك الطريق، وألّف الكتب في الفروع والأصول على ذلك النمط كما يشهد به كتاب النهاية في الأصول وكتاب القواعد في الفقه وغيرهما من كتبه، واشتبه عليه الأمر في العمل بالأخبار؛ لأُلفة ذهنه بكتب العامّة وعدم تأمّله في كلام من تقدّم من الخاصّة كما تراه في زماننا هذا من العلماء المشهورين، فإنّ عُدّة الشيخ في الأصول والذريعة للمرتضى قلّ أن تخلو خزانة كتب أحد منهم مع ذلك فربّما تمضي عليهم الشهور والأعوام لا يَنظرون فيهما مسألة واحدة، بل مدارهم على مراجعة ما ألّفه العامّة من كتب الأصوليين، فإن تجاوزوا ذلك فإلى ما ألّفه المتأخّرون من أصحابنا على ذلك النمط.
والذي أوجب للعلّامة رحمة الله الشبهة في العمل بالأخبار أنّه كان حسن الاعتقاد في الشيخ الطوسي، ورأى في باب الأخبار من كتاب العُدّة أنّه يجوز العمل بخبر الواحد، ولم يتأمّل كلامه كما تأمّله المحقّق؛ ليعلم أنّه لا يعمل بكلّ خبر كذلك، بل بأخبار خاصّة قبلها الأصحاب وعملوا بها، وانضاف إلى ذلك ما وصل إليه من كلام ابن إدريس أنّ أكثر ما في هذه الكتب أخبار آحاد، وما رآه في كتب العامّة أنّه لا يوجد خبر متواتر إلّا ثلاثة أو أربعة، ورأى السيّد جمال الدين ابن طاووس قسّم أخبارنا إلى الأقسام الأربعة المشهورة، ولا يظهر لذلك فائدة إلّا في أخبار الآحاد، ورأى هذه الأحاديث مدوّنة في الكتب بطرق الآحاد، فتوهّم أنّها كلّها أخبار آحاد، ونسب السيّد المرتضى إلى دخول الشبهة عليه في منع العمل بخبر الواحد، وتوهّم أنّه خالف القدماء في ذلك، وغفل عن تصريح الشيخ وغيره بأنّ الاعتماد عندهم في العمل بأخبار الآحاد ليس على السند وحده، بل على عمل الطائفة بها وقبولهم لها أو دلالة القرائن على صحّتها أو صحّة مضمونها.
ص: 172
مع ذلك فإنّ قدماء الطائفة والثقات من أصحاب الأئمّة علیهم السلام كانوا يتحرّزون عن نقل أخبار الكذّابين والفسّاق والمخالفين من العامّة والواقفة وغيرهم ما لم يقم عندهم أمارة توجب القطع بصحّة ما نقلوه، وقد نصّ الشيخ وغيره في كتب الرجال على ما يعتمد عليه من كتب هؤلاء وما لا يعتمد عليه، واستثنوا ما وقع فيه الريب من ذلك، وقد نصّ الأئمّة الثلاثة على صحّة ما عملوا به في كتبهم لذلك، مع أنّ أكثره مروي عن المجروحين والمجهولين، وغفل عن أنّ القول بجواز العمل بخبر الواحد المجرّد، وأنّه ليس في الأخبار ما هو متواتر ولا مفيد للعلم إلّا أخبار خاصّة لا تزيد على أربعة، وأنّ حصر الصحيح فيما رواه الثقة كلّ ذلك من اصطلاحات العامّة وأقوالهم المبتدعة؛ لأنّه ليس عندهم خبر متواتر ولا مقترن بما يوجب العلم بوروده عن النبي صلی الله علیه واله ، بل كلّ أخبارهم أخبار آحاد، فتوهّم أنّ أخبارنا كذلك، فقسّمها إلى الأقسام الأربعة، واقتفى أثر العلّامة من جاء بعده في ذلك إلى يومنا هذا»(1).
4 - قال الفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ) في كتابه الوافي: «قد اصطلح متأخّرو فقهائنا على تنويع الحديث المعتبر في صحيح وحسن وموثّق ... وأوّل من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك العلّامة الحلّي»(2).
5 - قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وموثّق وضعيف ... تجدّد في زمن العلّامة وشيخه أحمد بن طاووس»(3).
ص: 173
6 - قال السیّد محسن الأمين (ت 1371 ﻫ) في كتابه أعيان الشيعة: «إنّ أوّل من قسّم الخبر إلى الأقسام الأربعة المعروفة وغيرها هو العلّامة الحلّي أو شيخه جمال الدين ابن طاووس، وقبل ذلك لم يكن لهذا التقسيم أثر»(1).
ص: 174
توجد بعض الدعوات ولا زالت في مختلف الأوساط تدعو إلى حذف الروايات الضعيفة سنداً من الكتب الروائيّة وإعادة تدوين المجاميع الروائيّة من جديد باسم الصحاح، أو تدعو إلى تأليف موسوعة جديدة مشتملة على الروايات الصحيحة سنداً فقط بحيث لا تكون فيها الأخبار التي يقع في سندها المجروحون أو المجهولون، فتكون المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه الخاصّ والعامّ.
وتنطلق هذه الدعوى من جهل عميق بالكتب والمجاميع الروائيّة، وما يجدر الالتفات إليه:
أوّلاً: إنّ الحديث الضعيف سنداً لا يعني أنّ الحديث موضوع، ومن الخطأ أن نتصوّر بأنّ كلّ حديث ضعيف موضوع، وإنّما حكم بضعفه نتيجة الجهل بحال راويه أو وجود الإرسال في سنده، ومن الخطأ أن نتصوّر بأنّ روايات الكاذب كلّها موضوعة؛ لأنّ الكاذب قد يصدق، ومن الخطأ أن نتصوّر بأنّ روايات الراوي الموصوف بوضع الحديث كلّها موضوعة ومرفوضة، بل إنّ هذا الأمر يعني ثبوت الوضع لبعضها، وعلينا التعامل مع مرويّات هذا الراوي بالحيطة والحذر والتبيّن.
ثانياً: إنّ كتبنا الروائيّة نقيّة من الأحاديث الموضوعة والمدسوسة ونحوها؛
ص: 175
لأنّ علماءنا الأعلام بذلوا الجهود الكبيرة من بداية تدوين الحديث بتنقيح التراث الروائي وتمحيصه وغربلته وتصفيته من الروايات الموضوعة والمدسوسة، ولهذا فإنّ كتبنا الروائية الواصلة إلينا في الواقع غنيّة عن هذا النمط من التنقيح والتنقية، وقد تظافرت الشواهد على وقوع هذا الأمر.
ثالثاً: إنّ الحديث الضعيف سنداً عند أتباع المنهج السندي لا يعني أنّه حديث لا جدوى منه، بل للأحاديث الضعيفة سنداً الكثير من الفوائد كما سنبيّن، ولا يدرك أصحاب هذه الدعوى مدى خطورة هذا العمل في تدمير حديث أهل البيت علیهم السلام والإجحاف في حقّه.
أوّلاً: إنّ الأخبار الضعيفة سنداً تشكّل بتراكمها القوّة التي ترفع مستوى احتمال الصدور، وترفع درجة الظنّ غير المعتبر إلى أن يصل إلى درجة الظنّ المعتبر.
ثانياً: يفيد مضمون الخبر الضعيف سنداً في أصول المعارف والفروع الفقهيّة إلى خلق التصوّرات المحتملة التي تؤدّي إلى توسيع آفاق الرؤية، وإلفات النظر إلى الجوانب المعرفيّة الفائقة في الأهمّيّة، ورفع مستوى إدراك حقيقة المسائل العلميّة.
ثالثاً: إنّ للأخبار الضعيفة سنداً الدور الكبير في جمع القرائن الروائيّة من أجل تشييد وتوسيع المنظومة الفكريّة، والتوصّل إلى المستند الشرعي في عمليّة استنباط الأحكام، ولهذا فإنّنا بحاجة إلى جميع موروثنا الروائي؛ ليقوم الأخصّائيّون باستخراج المعارف منه.
ص: 176
رابعاً: يؤدّي حذف الأخبار الضعيفة سنداً إلى حذف أخبار الأعمال المستحبّة التي أجاز الفقهاء العمل بها وفق قاعدة التسامح في أدلّة السنن، فينتهي ذلك إلى الحرمان من ثواب هذه الأعمال.
وتسمّى الأخبار الدالّة على هذه القاعدة أخبار من بلغه شيء من الثواب(1)، وهي أخبار مستفيضة تدلّ على جواز العمل بالأخبار الضعيفة في المستحبّات، ومن هذه الأخبار:
1 - قال الإمام الباقر علیه السلام : «من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه»(2).
2 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله صلی الله علیه واله لم يقُله»(3).
3 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «من بلغه شيء من الخير فعمل كان له ذلك وإن لم يكن الأمر كما بلغه»(4).
4 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه»(5).
5 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «من بلغه عن النبي صلی الله علیه واله شيء من الثواب
ص: 177
فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلی الله علیه واله لم يقُله»(1).
6 - قال الإمام الصادق علیه السلام : «من بلغه عن النبي صلی الله علیه واله شيء فيه الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلی الله علیه واله كان له ذلك الثواب وإن كان النبي صلی الله علیه واله لم يقُله»(2).
7 - قال علیه السلام : «من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه»(3).
وقال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الدراية في علم مصطلح الحديث: «جوّز الأكثر العمل به - أي: بالخبر الضعيف - في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في نحو صفات الله المتعال وأحكام الحلال والحرام، وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع والاختلاق، لما اشتهر بين العلماء المحقّقين من التساهل بأدلّة السنن»(4).
وقال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: «أخبار الفضائل يُتسامح فيها عند أهل العلم»(5).
وقال الشيخ الأنصاري (ت 1281 ﻫ) في وصف الأخبار الدالّة على هذه القاعدة: «الأخبار المستفيضة التي لا يبعد دعوى تواترها معنى»(6)، ثمّ قال:
ص: 178
«هذه الأخبار مع صحّة بعضها غنيّة عن ملاحظة سندها؛ لتعاضدها وتلقّيها بالقبول بين الفحول»(1).
وأشار العلّامة المجلسي (ت 1110ﻫ) إلى ملاحظة مهمّة ترتبط بهذا الموضوع قائلاً: «اعلم أنّ بعض الأصحاب يرجعون في المندوبات إلى أخبار المخالفين ورواياتهم ويذكرونها في كتبهم وهو لا يخلو من إشكال؛ لورود النهي في كثير من الأخبار عن الرجوع إليهم والعمل بأخبارهم لا سيّما إذا كان ما ورد في أخبارهم هيئة مخترعة وعبادة مبتدعة لم يعهد مثلها في الأخبار المعتبرة، والله تعالى يعلم»(2).
قال السيّد محمّد صادق الروحاني في كتابه زبدة الأصول في مقام الردّ على من يقول بحرمة نقل ما لم يثبت؛ لكونه من الكذب المحرّم: «إنّ الكذب المحرّم هو ما لو كان الخبر بما له من المراد الاستعمالي للمتكلّم مخالفاً للواقع، فما لا علم بمخالفته للواقع لا يصدق عليه الكذب، بل هو محتمل لكونه كذباً، فمع الشكّ في الموضوع لا يشمله أدلّة حرمة الكذب.
فإن قيل: لازم ذلك جواز الإخبار به حينئذ للشكّ في الحرمة فيشمله أدلّة البراءة.
أجبنا عنه: بأنّ العلم الإجمالي بمخالفته أو الأخبار بنقيضه للواقع يمنع عن الإخبار به، فعلى هذا حيث تكون أخبار من بلغ مرخصّة في المخالفة الاحتماليّة لهذا العلم الإجمالي، وقد مرّ أنّه لا مانع من الترخيص في المخالفة الاحتماليّة،
ص: 179
فلا محذور في الحكم باستحباب نقل الفضائل والمصائب مستنداً إلى تلكم الأخبار»(1).
خامساً: إنّ حذف الأحاديث الضعيفة سنداً يوجب لنا الحرمان من معرفة المستفيض والمتواتر من الأخبار؛ لأنّ الأخبار المستفيضة(2) والمتواترة لا يُشترط فيها صحّة السند، بل تتحقّق من خلال تضافر الأحاديث وإن كانت ضعيفة، فيؤدّي حذف هذه الأحاديث إلى فقدان العلم واليقين الذي تفيده هذه الأخبار.
قال الميرداماد محمّد باقر الأسترآبادي (ت 1041 ﻫ) في كتابه الرواشح السماويّة: «إذا كان لحديثٍ طرق عديدة وأسانید متلوّنة، فسنّة أصحاب الحديث أنّهم لا يهتمّون بتصحيح السند والتعمّق في حال رجاله، فإنّ مثل هذا عندهم يلحق بالمتواترات، ولذلك كثيراً ما يقول شيخ الطائفة في التهذيب والاستبصار في مثل ذلك من الحديث المتعدّد الطريق، المتكثّر الإسناد: إنّ ذلك قد أخرجه من حيّز الآحاد إلى التواتر، وهذا ليس يعرفه إلّا أهل الصناعة»(3).
ص: 180
ص: 181
ص: 182
تعريف علم الرجال:
ذُكر لعلم الرجال تعاريف مختلفة من أجل تطويره من «الرسم المميّز للعلم عمّا سواه» إلى «الحدّ المبيّن لما في العلم»، ومن أجل رفع مستواه من «التعريف في الجملة» إلى «التعريف التامّ الموجب للتدقيق في قيوده»، ومن أبرز هذه التعريفات:
1 - «علم يُبحث فيه عن أحوال رواة الحديث(1) وأوصافهم التي لها دخل في جواز قبول قولهم وعدمه»(2).
2 - «علم يُعرف به أحوال الرواة من حيث قبول خبرهم وردّه»(3).
3 - «علم يُعرف به رجال السند ذاتاً(4) أو وصفاً(5)، مدحاً أو قدحاً وما في
ص: 183
4 - «علم يُقتدر به على معرفة أحوال خبر الواحد صحّة وضعفاً وما في حكمهما، بمعرفة سنده ورواة سلسلة متنه ذاتاً ووصفاً، مدحاً وقدحاً وما في معناهما»(3).
5 - «ما يُبحث فيه عن أحوال الراوي من حيث اتّصافه بشرائط قبول الخبر وعدمه(4)»(5).
6 - «ما وُضع لمعرفة الحديث المعتبر عن غيره»(6).
ص: 184
7 - «ما وُضع لتشخيص رواة الحديث ذاتاً ووصفاً، مدحاً وقدحاً»(1).
8 - «العلم بأحوال رواة الخبر الواحد ذاتاً ووصفاً، مدحاً وقدحاً وما في حكمها(2)»(3).
9 - «ما يُبحث فيه عن أحوال الرواة التي لها مدخليّة في تشخيص ذواتهم أو في حال رواياتهم»(4).
10 - «ما وُضع لبيان ما له مدخليّة في أخذ الحديث وردّه مدحاً وقدحاً»(5).
11 - «علم يُبحث فيه عن أحوال الرواة ممّا له دخل في اعتبار رواياتهم من الوثاقة والضعف»(6).
12 - «علم يُبحث فيه عن أحوال الراوي من حيث اتّصاف خبره بشرائط الحجّيّة وعدمه»(7).
ص: 185
13 - «علم يُبحث فيه عن أحوال الرواة من حيث اتّصافهم بما يوجب قبول رواياتهم أو عدم قبولها من حيث الوثاقة والصدق أو الجرح والضعف، ومن حيث التمييز عند الاشتباه والاشتراك»(1).
14 - «علم يُقتدر به على معرفة أحوال الخبر الواحد صحّة وضعفاً وما في حكمهما بمعرفة سنده وسلسلة رواته ذاتاً ووصفاً، مدحاً وقدحاً وما في معناهما»(2).
15 - «علم يُبحث فيه عن أحوال الرواة وأوصافهم التي لها دخل في اعتبار الحديث من حيث كونهم عدولاً أو غير عدول، موثّقين أو غير موثّقين، ممدوحين أو غير ممدوحين أو مذمومين أو مهملين، من الإماميّة الاثني عشريّة أو غيرهم، ومن حيث الاطّلاع على طبقاتهم وتصانيفهم وأصولهم، وتشخيص هويّتهم بالتمييز بين الأسماء المشتركة وطُرُق رواياتهم وسائر ما له دخلٌ في اعتبار الخبر وصحّته وسقمه»(3).
16 - «علم الرجال علم يُبحث فيه عن أحوال الرواة التي لها دخل في اعتبار رواياتهم وعدمه، من الوثاقة والصدق، والضعف والتمييز، والاشتراك ونحوها»(4).
17 - «علم الرجال هو العلم الباحث عن أحوال الرواة المذكورين في أسانيد الأحاديث ونقلة الروايات؛ للتأكّد من صدقهم ووثاقة منقولاتهم
ص: 186
لتقبل وتعتمد أو عدم ذلك لِتُرفَض وتُردّ»(1).
18 - «العلم الباحث عن أحوال الرواة وأوصافهم من حيث الرواية»(2).
إنّ موضوع كلّ علم هو ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة، وموضوع علم الرجال هو رواة الحديث(3) الذين يقعون في طريقه، فيُبحث في هذا العلم عن أحوال الرواة من حيث مدخليتها في اعتبار روايتهم أو عدمها كالوثاقة والضبط والعدل وغيرها من أوصاف المدح والقدح.
أُشكل عليه:
إنّ موضوع كلّ علم هو ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة، ولكنّ أوصاف المدح والقدح ليست من العوارض الذاتيّة، بل هي من العوارض الخارجيّة(4)، وإنّ العدالة والفسق تعرض الراوي لأمور خارجيّة من قبيل خوف العقاب أو مطلق الذمّ واللوم وخلافه(5).
الجواب الأوّل:
قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ): «ربّما يورد في المقام إشكال
ص: 187
وهو أنّ من جملة الأحوال المبحوث عنها هو فسق الراوي، وهو عرض يعرض الإنسان بواسطة القوّة الشهويّة والغضبيّة، وهما أعمّ؛ لمكان عروضهما للحيوان، فلا يكون من الأعراض الذاتيّة، فإنّها إنّما تلحق بالذات للحيوان، وبواسطته تلحق الإنسان، ورُدّ بأنّ صحّة هذا الإيراد مبتنية على كون العارض للنوع بواسطة الجزء الأعمّ الذي هو الجنس عرضاً غريباً لا ذاتيّاً، وهو محلّ منع، بل العدالة والفسق من العوارض الذاتيّة جدّاً، فإنّ الواسطة واسطة في الثبوت لا في العروض»(1).
الجواب الثاني:
لا تعدّ العوارض الذاتيّة الملاك والمعيار التعبّدي الذي يجب التقيّد به في تحديد موضوع العلم، بل هو «أمر اجتهادي يُعرف من التتبّع في مشي المؤلّفين وطريقة سلوكهم في تصانيفهم»(2)، ويكشف التتبّع في العلوم شمول موضوع بعض العلوم للعوارض غير الذاتيّة وعرضها عن طريق أمر خارجي أخصّ منه كما في النحو(3)، أو أمر خارجي أعمّ منه كما في الفقه(4).
ص: 188
إنّ مسائل كلّ علم هي القضايا التي يُبحث عنها في ذلك العلم، ومسائل علم الرجال هي أحوال الرواة التي يُبحث عنها من الجهات المؤثّرة في تقييم اعتبار الرواية كالوثاقة والضبط ونحوهما.
أُشكل عليه:
إنّ مسائل العلم يجب أن تكون أموراً كلّيّة، ولكنّ المسائل المرتبطة بأحوال الرواة أمور جزئيّة.
الجواب:
أوّلاً: إنّ التعرّف والاطّلاع على أحوال كلّ واحد من الرواة يعطي ضابطة كلّيّة وهي: كلّ ما رواه فلان فهو حجّة، فتُنتزع قاعدة كلّيّة من خلال التعرّف على أحوال ذلك الراوي، فلهذا يكون البحث عن وثاقة الراوي ونحوها من باب تمهيد المقدّمات لانتزاع الضابطة الكلّيّة.
ثانياً: لا يقتصر الجُهد في هذا العلم على المعلومات الجزئيّة فقط، بل يهتمّ أيضاً بوضع الحدود والضوابط والقواعد والأسس والمباني المطلوبة في الأبحاث السنديّة.
ثالثاً: لا توجد أيّة ضرورة في الالتزام والقول بأنّ مسائل العلم يجب أن تكون كلّيّة؛ لأنّ الوجدان الخارجي شاهد على خلاف ذلك، ونحن نرى أنّ مسائل الكثير من العلوم جزئيّة، ويدور البحث فيها عن الأعيان الشخصيّة، من قبيل:
1 - علم الهيئة الباحث عن أحوال القمر والشمس وسائر الكواكب.
ص: 189
2 - علم الجغرافيا الباحث عن أقطار الأرض وأحوالها الطبيعيّة.
«وبذلك يظهر أنّه لا حاجة إلى ما التزموا به من لزوم كون مسائل العلوم كلّيّة، خصوصاً العلوم الاعتباريّة كالعلوم الأدبيّة والرجال التي يكفي فيها كون المسألة - جزئيّة كانت أو كلّيّة - واقعة في طريق الهدف الذي لأجله أسّس العلم الاعتباري»(1).
إنّ غاية علم الرجال هو التعرّف على أحوال الرواة وحملة الأخبار وحفظة السنن من ناحية العدالة والصدق والضبط وما يوجب إحراز أمانتهم في إبلاغ الروايات، وما قيل فيهم من المدح والذمّ والوثاقة والضعف وصحّة المذهب وفساده وغيرها من الأحوال والأوصاف التي لها مدخليّة في قبول رواياتهم بلا تبيّن أو لزوم التبيّن فيها من أجل معرفة مَن يمكن الاعتماد عليه والاطمئنان بصحّة منقولاته وأخذ الحديث عنه.
1 - بحوث جزئيّة تتضمّن وصف الرواة فرداً فرداً بالصفات المرتبطة بالجرح والتعديل.
2 - بحوث كلّيّة تتضمّن الضوابط والقواعد العامّة.
ص: 190
استشكل البعض بأنّ العلم هو المتضمّن للقواعد الكلّيّة التي تتيح للباحث التعرّف على الجزئيّات غير المحصورة عن طريق إعمال الفكر والنظر فيها، ولا يتّصف علم الرجال بهذه الصفة، بل هو عبارة عن معلومات جزئيّة حول أحوال الرجال المستندة إلى الحواس الظاهرة.
الجواب:
أوّلاً: إنّ تضمّن العلم للقواعد الكلّيّة لا يُشترط في كلّ العلوم، ويكفي إطلاق العلم على كلّ معلومات مترابطة يجمعها عنوان عامّ.
ثانياً: يتضمّن علم الرجال قواعد كلّيّة وضوابط عامّة يمكن التعرّف من خلالها على صحّة الحديث الفلاني أو ضعفه أو غيرهما(1).
1 - المبادئ التصوّريّة: هي من قبيل تصوّر الموضوع وجزئيّاته وأجزائه ممّا يتوقّف عليه القبول أو الردّ.
2 - المبادئ التصديقيّة: هي القواعد التي يبتني عليها التوثيق والتحسين والتضعيف، من قبيل: هل يقتضي تصحيح السند الوثاقة أم لا؟ وهل الجرح والتعديل من باب الظنون الاجتهاديّة أو الرواية أو الشهادة(2)؟
ص: 191
1 - علم دراية الحديث(1).
2 - علم أصول الحديث(2).
3 - علم مصطلح الحديث(3).
4 - علم قواعد الحديث(4).
ذُكر لعلم الدراية تعاريف مختلفة، منها:
1 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية: «علم دراية الحديث، وهو علم يُبحث فيه عن متن الحديث وطرقه من صحيحها وسقيمها وعللها وما يحتاج إليه ليُعرف المقبول منه والمردود»(5).
2 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه شرح البداية في علم الدراية: «علم دراية الحديث، وهو علم يُبحث فيه عن متن الحديث وطرقه من صحيحها وسقيمها وعليلها وما يحتاج إليه من شرائط القبول والردّ ليُعرف المقبول منه والمردود»(6).
ص: 192
3 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه مُنية المريد: «علم الحديث ... هو علم يُعرف به معاني ما ذكر ومتنه وطرقه وصحيحه وسقيمه وما يحتاج إليه من شروط الرواية وأصناف المرويّات ليُعرف المقبول منه والمردود؛ ليعمل به أو يجتنب»(1).
4 - قال الشيخ البهائي (ت 1030ﻫ) في كتابه الوجيزة في الدراية: «علم الدراية علم يُبحث فيه عن سند الحديث ومتنه وكيفيّة تحمّله وآداب نقله»(2).
5 - قال العلي ياري (ت 1327ﻫ) في كتابه بهجة الآمال في شرح زبدة المقال: «علم الدراية الذي يقال له: علم أصول الحديث، ويُبحث فيه عن متن الحديث وكيفيّة تحمّله وآداب نقله وطرقه من صحّتها وسقمها وعللها وما يحتاج إليه ليُعرف المقبول منه والمردود»(3).
6 - قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351ﻫ) في كتابه مقباس الهداية في تعريف علم الدراية: «علم يُبحث فيه عن متن الحديث وسنده وطرقه من صحيحها وسقيمها وعليلها وما يحتاج إليه ليُعرف المقبول منه من المردود»(4).
1 - ذهب الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) إلى أنّ موضوع علم الدراية هو الراوي والمروي من حيث معرفة الصحيح والسقيم والمقبول والمردود من
ص: 193
الحديث والرواية(1)، ومراده من الراوي هو بعض خصوصيّاته التي تؤثّر على نوع الخبر؛ لأنّ موضوع الرواة يرتبط بعلم الرجال، ولا يتكفّل علم الدراية بالبحث عن الرواة.
2 - ذهب والد الشيخ البهائي (ت 984 ﻫ) إلى أنّ موضوع علم الدراية في الأصل المقصود بالذات هو السنّة المطهّرة، والمراد من السنّة هي قول وفعل وتقرير المعصوم(2).
3 - ذهب الشيخ الكجوري الشيرازي (ت 1293 ﻫ) إلى أنّ موضوع علم الدراية هو السند والمتن(3).
4 - ذهب البعض إلى نفي اشتراط وجود موضوع في كلّ علم، ومنها علم الدراية(4).
1 - ذهب الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) إلى أنّ غاية علم الدراية هو «معرفة ما يقبل من ذلك ليعمل به، وما يردّ منه ليتجنّب»(5).
2 - ورد حول غاية علم الدراية: «أمّا الغاية من هذا العلم فهي أنواع الحديث وتقسيماته، ومعرفة المقبول منها وغير المقبول، وهي الغاية الأوّليّة،
ص: 194
ومن غايته معرفة آداب تحمّل الحديث وآداب نقله أو كتابته ونحو ذلك ممّا يرتبط بالحديث، لكن هي غاية ثانويّة»(1).
3 - «إنّ علم الدراية يرتكز أساساً على تفحّص سند الحديث ومتنه، وكيفيّة تحمّله وآداب نقله، وصولاً إلى تصنيف الأحاديث المرويّة ضمن مراتبها التي يتعامل من خلالها مع تلك الأحاديث»(2).
4 - «علم يتكفّل البحث عن السند لكن لا من حيثيّة توثيق الرجال أو تضعيفهم، بل من حيثيّة بيان أنواع الحديث المختلف باختلاف سنده»(3).
إذن الغاية من علم الدراية هي التحقّق في سند الروايات من أجل إثبات مدى اعتبار الأحاديث من جهة الصدور، وتمييز الطريق الصحيح عن الضعيف، والإسناد السليم عن السقيم، والمقبول من المرفوض، والقوي من الضعيف، والبحث للحصول على أسلم وأقوم السبل لمعرفة صحّة سند الحديث.
إنّ مسائل علم الدراية هي ما يُذكر في كتبه من المقاصد، ويُذكر بيان مصطلحاتهم في هذا العلم، من المفهومات المنقولة عن معانيها اللغويّة، أو المخصّصة لها»(4).
ص: 195
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في كتابه أمل الآمل في علماء جبل عامل حول الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ): «هو أوّل من صنّف من الإماميّة في دراية الحديث، لكنّه نقل الاصطلاحات من كتب العامّة كما ذكره ولده وغيره»(1).
وقال الشيخ محمّد حسين سليمان الأعلمي المهرجاني الحائري (ت 1320 ﻫ) في كتابه دائرة المعارف المسمّاة بمقتبس الأثر ومجدّد ما دثر: «من المعلومات التي لا يشكّ فيها أحد أنّه لم يصنّف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني، وإنّما هو من علوم العامّة»(2).
قال الحسن بن زين الدين العاملي المعروف بابن الشهيد الثاني (ت 1011ﻫ) في كتابه منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: «إنّ أكثر أنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث بين المتأخّرين من مستخرجات العامّة بعد وقوع معانيها في أحاديثهم، وأنّه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا»(3).
وقال الشيخ الحرّ العاملي حول أصحاب الاصطلاح الجديد: «إنّهم اتّفقوا على أنّ مورد التقسيم هو خبر الواحد الخالي عن القرينة، وقد عرفت أنّ أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن، وقد اعترف بذلك أصحاب الاصطلاح
ص: 196
الجديد في عدّة مواضع، قد نقلنا بعضها، فظهر ضعف التقسيم المذكور وعدم وجود موضوعه في الكتب المعتمدة»(1).
وقال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار حول علم الدراية: «اعلم أنّ هذا العلم عندنا قليل الجدوى بعد ما ظهر لك ما بيّنّاه من صحّة أحاديثنا وبطلان العمل بالاصطلاح الجديد فيها ... وتحقيق الحقّ في ذلك:
إنّ العامّة لمّا كان بناء أمرهم على التلبيس وستر الحقّ بالباطل وإظهار الباطل في صورة الحقّ وتحليته بما يوافق طباع العوام ومَن جرى مجراهم ممن يميل إلى المزخرفات والتمويهات حرصاً على إصلاح دنياه وإن أوجب ذلك ضياع دينه، وكان القدماء منهم ما بين منافق يظهر الإسلام ويستر الكفر، وكذّاب متصنّع بإظهار الزهد محبّ للرياسة يصنع لكلّ بدعة مال إليها حديثاً، وحشوي لا يبالي من أين يأخذ دينه، وبليد الفهم عديم الشعور ينقل كلّ ما سمعه ويصدّق به سوى كان له أو عليه، وكان من لطف الله سبحانه أن غطّی على أنظارهم وأنطق ألسنتهم بما يتضمّن إبطال ما هم عليه، فرووا من الأخبار ما يدلّ على ضلال أسلافهم والإقرار لأهل الحقّ بالحقّ؛ لئلّا يكون لأتباعهم على الله حجّة يوم القيامة، وليَعرف الحقّ مَن طلبه، ويستدل عليه بشهادة من أنكره.
ثمّ لمّا كثر العلماء والمحدّثون من العامّة ورأوا في أحاديثهم ما يوجب للعاقل الحيرة والعدول عن مذهبهم تصدّى جماعة من النواصب لستر عيوب أسلافهم ما أمكن فوضعوا علم الدراية، وهو علم يُبحث فيه عن متن
ص: 197
الحديث وسنده وبيان المقبول منه والمردود وكيفيّة تحمّله ونقله، وموضوعه الراوي والمروي من حيث ذلك، وغايته معرفة ما يقبل ليعمل به وما لا يقبل ليردّ، والغرض الأصلي من وضعه ما رأوه في فتاوی أئمّتهم من مخالفة السنّة، وفي أحاديثهم من فضل آل محمّد علیهم السلام وتفضيلهم والطعن على من خالفهم وذمّ أئمّة الضلال وأتباعهم، فدبّروا تدبيراً سياسيّاً، وقالوا: الأخبار كلّها أخبار آحاد، فلا يقبل منها إلّا ما كان أبعد عن الريب، وهو ما رواه الثقة وسمّوه الصحيح، وقالوا: ما سواه ضعيف، فإذا رأوا حديثاً يتضمّن الطعن على أسلافهم وتخطئة أئمّتهم ضعّفوه وطعنوا في رواته وردّوه، وما لم يمكنهم ردّه لوجوده في صحاحهم المعتمدة عندهم أوّلوه وتمحّلوا له معنى غير ما يفهم منه، وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر؟!
وأمّا الإماميّة حيث كانت أحاديثهم متلقّاة من مشكاة النبوّة، لم يكن فيها اختلاف إلّا لضرورة التقيّة، فوضع لهم الأئمّة علیهم السلام قواعد يُعرف بها المقبول منهم(1)، وكان القدماء منهم يعرفون ما يُقبل إمّا لتواتره أو لقرائن دلّتهم على ذلك كما صرّح به المفيد والمرتضى والشيخ، ولم يكن لهم حاجة إلى مزخرفات العامّة وتلبیساتهم، وتصدّى جماعة منهم لتأليف ما يعتمد عليه من تلك الأخبار المتفرّقة، فكان أحسن ما جمعوه الكتب الأربعة، وكان عمل من تأخّر عنهم على ما فيها.
فلمّا طال الأمد اشتبه الأمر على جماعة من المتأخّرين بسبب مطالعة كتب العامّة وما فيها من التدقيقات المبنيّة على الأنظار العقليّة والتدبيرات
ص: 198
السياسيّة، ورأوا في أحاديثنا ما ظاهره الموافقة لبعضها، فأجروا بعض قواعد الدراية في أخبارنا، وتوهّموا أنّها كلّها أخبار آحاد، فحكموا بصحّة بعضها وضعف البعض نظراً إلى السند، وغفلوا عن طريق القدماء من أنّ اعتمادهم لم يكن على السند وحده، بل على القرائن التي يلحق الضعيف السند بقويّه، وربّما رجّحه عليه فعمل به وطرح القوي كما فعله الشيخ في أماكن من التهذيب.
ولم يكن للإماميّة تأليف في الدراية لعدم احتياجهم إليها ومخالفة عمدة مقاصدها لطريق القدماء، وكون العمل بها يوجب سوء الظن بالسلف الصالح وعدم الاعتماد عليهم وتخطئتهم فيما شهدوا بصحّته، وما أشبه ذلك بالماء الصافي يلقى فيه التراب فيكدره.
وأوّل من ألّف في الدراية من أصحابنا الشهيد الثاني، اختصر دراية ابن الصلاح الشافعي في رسالته ثمّ شرحها، وحيث لم يطّلع على عدّة الشيخ ولا على أصول المحقّق ليعرف الفرق بين طريق القدماء والمتأخّرين كما عرفه ولده الشيخ حسن أخذته الحيرة، وأكثر الاعتراض على الشيخ وغيره في العمل بالأخبار»(1).
«الطبقة في الاصطلاح عبارة عن جماعة اشتركوا في السنّ ولقاء المشايخ، فهم طبقة، ثمّ بعدهم طبقة أخرى وهكذا»(2).
ص: 199
1 - إحراز اتّصال سلسلة السند إلى المعصوم علیه السلام ، والأمن من تطرّق القطع والإرسال في السند.
2 - معرفة نقصان السند وكماله، والتمكّن من تمييز السند الكامل من السند الناقص؛ لكشف السقط والتحريف والتصحيف والتدليس الواقع في السند.
ومن هذا المنطلق يفسح للباحث مجال التثبّت ليعرف عند رواية أحد الرواة عمّن قبله من المشايخ، هل كان هذا الراوي في طبقة ذلك الشيخ الذي يروي عنه أم لا؟
عدّ الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة أكثر من عشرين كتاباً باسم الطبقات(1)، أبرزها:
1 - كتاب الطبقات، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 280ﻫ)(2).
2 - كتاب الطبقات، لأحمد بن محمّد بن حسين القمّي (ت 350 ﻫ)(3).
3 - كتاب الشيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم، لمحمّد بن عمر بن محمّد الجعابي(4).
4 - كتاب بغية الوعاة في طبقات مشايخ الإجازات، للسيّد حسن الصدر
ص: 200
(ت 1354 ﻫ).
5 - مقدّمة كتاب تجريد أسانيد الكافي، للسيّد حسين البروجردي (ت 1380 ﻫ).
6 - كتاب الشجرة الطيّبة في سلسلة مشايخ الإجازة وطبقات أصحاب الروايات، للسيّد هبة الدين الشهرستاني (ت 1386 ﻫ).
جعل الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) طبقات الرواة اثنتي عشرة، الأولى للشيخ الطوسي والنجاشي وأضرابهما، والثانية للشيخ المفيد وابن الغضائري وأمثالهما، والثالثة للشيخ الصدوق وأحمد بن محمّد بن يحيى وأشباههما، والرابعة للشيخ الكليني وأضرابه، ثمّ استمرّ فجعل الطبقة الثامنة لأصحاب الإمام الكاظم علیه السلام ، والطبقة التاسعة لأصحاب الإمام الصادق علیه السلام ، والطبقة العاشرة لأصحاب الإمام الباقر علیه السلام ، والطبقة الثانية عشر لأصحاب الإمام الحسين والإمام علي علیهما السلام (1)، ولكن السيّد حسين البروجردي (ت 1380ﻫ) جعل طبقات الرواة اثنتي عشرة طبقة، وتبدأ طبقاته من زمن رسول الله صلی الله علیه واله وتنتهي إلى سنة ستّين وأربعمائة.
قال السيفي المازندراني في كتابه مقياس الرواة: «قد يخطر بالبال خروج المشيخة عن مسائل علم الرجال؛ نظراً إلى عدم تعرّض فيها إلى حال الرواة،
ص: 201
جرحاً أو تعديلاً، وفيه: أنّ طبقات الرواة من أهمّ حالات الرواة الدخيلة في تنقيح أسناد الروايات، كما لا يخفى على الماهر في هذا الفنّ دورها الأساسي في قوّة سند الحديث وصحّته أو ضعفه وسقمه، وأنّ في المشيخة يحصل الوقوف بطبقات الرواة من سلسلة الرواة - طبقةً بعد طبقةً - ويُميَّز فيها بين الراوي والمروي عنه، ومن هنا ينبغي عدّ المشيخة من كتب علم الرجال»(1).
هذه المشيخة عبارة عن رسالة رجاليّة أدرجها الشيخ الصدوق في آخر كتاب من لا يحضره الفقيه، لذكر طرقه إلى آخر من وقع في سلسلة سند روايات هذا الكتاب؛ لأنّ الشيخ الصدوق سلك في كتابه هذا مسلك اختصار الأسانيد وحذف أوائل الإسناد، وجعل الدليل إلى المحذوف في نهاية الكتاب؛ لتكون المرجع في اتّصال سنده في الأخبار التي قد ذكرها في الكتاب.
2 - مشيخة الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابي التهذيب والاستبصار:
«اعلم أنّ الشيخ الطوسي رحمة الله ذكر أحاديث كثيرة في كتابَي التهذيب والاستبصار عن رجال لم يلقَ زمانهم، وإنّما روى عنهم بوسائط وحذفها في الكتابين، ثمّ ذكر في آخرهما طريقه إلى كلّ رجل رجل ممّا ذكره في الكتابين»(2).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في مشيخة التهذيب: «اقتصرنا من إيراد
ص: 202
الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله ... فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يُتوصّل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنّفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتُلحق بباب المسندات»(1).
وقال الشيخ الطوسي بعد بيان الطرق في مشيخة التهذيب: «قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم الله، مَن أراده أخذه من هناك إن شاء الله، وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة»(2).
وقال الشيخ الطوسي في مشيخة الاستبصار: «سلكت في أوّل الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني، ثمّ اختصرت في الجزء الثالث، وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله على أن أورد عند الفراغ من الكتاب جملة من الأسانيد يتوصّل بها إلى هذه الكتب والأصول حسب ما عملته في كتاب تهذيب الأحكام»(3).
وقال الشيخ الطوسي أيضاً في مشيخة الاستبصار: «قد أوردت جملة من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول، هو مذكور
ص: 203
في الفهرست للشيوخ، فمن أراده وقف عليه من هناك إن شاء الله تعالى»(1).
وقال أبو المعالي محمّد الكلباسي (ت 1315 ﻫ) حول هذا القول: «مقتضاه عدم انحصار الطريق فيما ذكره في مشيخة التهذيب والاستبصار، فلو كان الطريق المذكور في التهذيب أو الاستبصار ضعيفاً يتّجه الأخذ بالطريق المعتبر المذكور في الفهرست على تقدير ثبوته، بناء على لزوم نقد الطريق»(2).
ورد في لسان العرب: «فِهرس: الليث: الفهرس الكتاب الذي تُجمَع فيه الكتُب؛ قال الأَزهري: وليس بعربيّ محض، ولكنّه معرّب»(3)، وورد في القاموس المحيط: «الفِهرس بالكسر ... معرّب فهرست»(4).
والمعروف في اللغة كما ورد في لسان العرب، لابن منظور الأنصاري (ت 711 ﻫ) وتاج العروس(5)، لمرتضى الزبيدي (ت 1205 ﻫ) هو (الفهرس) بدون التاء، ولكنّ النجاشي والشيخ الطوسي استعملا كلمة (الفهرست) بالتاء في عدّة موارد (6).
ص: 204
«علم يُبحث فيه عن تقييم الكتب ونسخها وتحقيق الطرق إليها وصحّة انتسابها إلى مؤلّفيها»(1)، والفهرست في الاصطلاح يُطلق على الكتاب المتضمّن لأسماء الأصول والكتب والمصنّفات مع ذكر الطريق إليها.
1 - فهارس أسماء مؤلّفات أصحابنا مع ذكر الطرق إلى مصنّفيها.
2 - فهارس أسماء مؤلّفي أصحابنا مع ذكر الطرق إلى مصنّفاتهم.
1 - التعريف بالتراث المكتوب.
2 - تمييز الكتب المعتبرة من غيرها.
3 - حفظ التراث المكتوب من الضياع.
ص: 205
الفهارس الثمانية الأساسیّة (قبل النجاشي والشيخ)
1 - فهرست سعد بن عبد الله الأشعري(1) (ت 301 ﻫ).
2 - فهرست عبد الله بن جعفر الحميري(2) (ت حدود 305 ﻫ).
3 - فهرست حميد بن زياد النينوائي(3) (ت 310 ﻫ).
4 - فهرست محمّد بن جعفر بن بطّة(4) (ت حدود 330 ﻫ).
5 - فهرست محمّد بن الحسن بن الوليد(5) (ت 343 ﻫ).
6 - فهرست جعفر بن محمّد بن قولويه(6) (ت 368 ﻫ).
7 - فهرست الشيخ الصدوق(7) (ت 381 ﻫ).
8 - فهرست أحمد بن عبدون(8) (ت 423 ﻫ).
ص: 206
لم تصل إلينا الفهارس الثمانية الأساسيّة نتيجة استغناء الطائفة عنها بعد اهتمامها بفهرست النجاشي وفهرست الشيخ، «ومن المحتمل أنّ إحراق مكتبة الشيخ الطوسي بالكرخ - عند ورود طغرل بيك أوّل ملوك السلاجقة بغداد سنة 448 ﻫ - أثّر في تلف وضياع النسخ الأصليّة من هذه الفهارس الثمانية»(1).
وقد نقل النجاشي والطوسي بعض مضامين هذه الفهارس في فهرستيهما، وقد قام أخيراً الشيخ مهدي خدّاميان باستخراج المواد المتبقّيّة لهذه الفهارس من مطاوي كلمات النجاشي والشيخ الطوسي، وطباعتها تحت عنوان: فهارس الشيعة(2).
كانت الفهارس الثمانية معروفة ومشهورة ومتداولة زمن النجاشي والشيخ، وقد أشارا وأرجعا إلى هذه الفهارس في عدّة موارد، منها:
1 - قال النجاشي في ترجمة إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني: «له كتب ذكرها بعض أصحابنا في الفهرستات»(3).
2 - قال النجاشي في ترجمة الحسن بن محمّد النهاوندي: «ذكر ذلك أصحابنا في الفهرستات»(4).
3 - قال النجاشي في ترجمة عبد العزيز بن يحيى الجلودي: «هذه جملة كتب
ص: 207
أبي أحمد الجلودي التي رأيتها في الفهرستات»(1).
4 - قال النجاشي في ترجمة عليم بن محمّد البكري: «له كتاب ... ذُكر في الفهرستات»(2).
5 - قال الشيخ الطوسي في مقدّمة فهرسته: «أمّا بعد، فإنّي لمّا رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنّفوه من التصانيف ...»(3).
«أفضل ما عندنا حاليّاً في مجال علم الفهرست هو ما ألّفه النجاشي في كتابه المشهور برجال النجاشي، وكذلك كتاب الفهرست للشيخ الطوسي، فإنّهما جمعا في كتابيهما أسماء مؤلّفي الشيعة ممّن عرف له كتاب أو أكثر، وتعرّضا لبيان المباحث المهمّة في مجال علم الفهرست، من تحقيق نسخ الكتب، وبيان الطرق إليها»(4).
يتكفّل علم الفهرست:
1 - ذكر أسماء المؤلّفين.
2 - ذكر عناوين كتب المؤلّفين.
3 - البحث عن تحقيق نسخ الكتاب.
4 - تقييم الطرق إلى كلّ كتاب.
ص: 208
1 - اسم المؤلّف، وذكر ترجمة مختصرة له.
2 - اسم أو عنوان الكتاب، وإنّ بعض الكتب ليس لها اسم أو عنوان خاصّ، فيقال في ترجمة المؤلّف: «له كتاب».
3 - شهرة الكتاب أو عدمها، وتكون شهرة الكتاب شاهداً قويّاً على اعتبار الكتاب، يعبّر النجاشي عن شهرة الكتب بتعابير: «له كتاب يرويه عنه جماعة»، «له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»، «له كتاب رواه جماعة»، «قد رواه جماعات من الناس»(1).
4 - وصف الكتاب، وتؤثّر هذه الأوصاف في مقدار الوثوق بالكتاب والاعتماد علىه، ومن الأوصاف الرائجة للكتاب هي وصف الكتاب بصفات: «جيّد»، «سديد»، «صحيح»، «صحيح الحديث»، «كثير الفوائد»، «كثير العلم»، «معتمد»، «عظيم»، «كبير»، «حسن»، «حسن مستوفى»، «كثير الغريب»، «حسن غريب»(2).
5 - نسخ الكتاب والطريق إليه: «الطريق هو الوسائط المتّصلة بين الراوي والمروي عنه، ويعبّر عنه بالسند، يضاف تارة إلى الحديث فيقال: طريق الحديث، وأخرى إلى الأصل أو الكتاب فيقال: طريق الكتاب أو طريق الأصل»(3).
ص: 209
ويقوم صاحب الفهرس بذكر طرقه إلى المصنّفات التي أشار إليها بسند متّصل ينتهي إلى مصنّفيها من أجل إثبات صحّة انتساب الكتاب إلى مؤلّفه.
وتكمن أهمّيّة الطريق في تحديد اعتبار ما يرشد إليه من حديث أو كتاب، وقد حرص علماؤنا السلف على قراءة الكتب على غيرهم، واستماعها من غيرهم لحفظ التراث من التحريف والضياع، وهذا ما أوجب أن يصل إلينا من تراثنا ما نعتمد عليه اليوم.
علم الرجال يبحث عن رواة الحديث الواقعين في طريقه، وغايته التعرّف على وثاقة الرواة وضعفهم ومدى ضبطهم وتمييزهم.
ولكنّ علم الدراية يبحث عن أحوال الحديث متناً وسنداً، وكيفيّة تحمّله وآداب نقله(1)، وطرقه من صحيحها وسقيمها وعليلها وما يحتاج إليه من شرائط القبول والردّ ليُعرف المقبول منه والمردود(2)، وغايته التعرّف على أقسام الأحاديث والطوارئ العارضة عليها.
وأمّا في خصوص الفرق بين علم الرجال وعلم الدراية في البحث عن السند:
إنّ علم الرجال يبحث عن أحوال الرواة صغرويّاً، أي: يبحث عن
ص: 210
أحوال أفراد السند بأشخاصهم وأعيانهم من أجل تبيين وثاقته أو عدمها.
ولكنّ علم الدراية يبحث عن أحوال الرواة كبرويّاً، أي: يبحث في مجموع السند دون أفراده من أجل بيان معنى الصحيح والحسن من الحديث وغيره من الأقسام المعروفة عند أصحاب الدراية.
فيقال في علم الدراية على سبيل المثال: كلّما كان الراوي بصفة كذا فالرواية تتّصف بكذا، مثلاً إنّ الرواية التي يكون جميع رواتها عدولاً إماميّين ضابطين فهي رواية صحيحة عند المتأخّرين(1).
إذن «وظيفة علم الدراية ليس إلّا مجرّدُ بيان معنى الصحيح من الحديث وغيره من الأقسام المعروفة عند أصحاب الدراية، مثلاً عُرِّف فيها الحديث الصحيح بأنّه ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامي الضابط، فغاية ما يستفاد من هذا التعريف أنّ معنى الخبر الصحيح كذا وكذا من غير أن يُستفاد منه صحّة خبر خاصّ، وكذا الكلام في الصحيح والضعيف، بخلاف علم الرجال، فإنّ شأنه إفادة صحّة هذا الخبر وضعف ذاك الخبر ونحوهما»(2).
إنّ علم الرجال ما يكون عرض معلومات الأشخاص فيه حسب طبقات أصحاب أهل البيت علیهم السلام أو حسب التوثيق والتضعيف أو حسب الأسماء.
وأمّا الفهارس، فهو ما يكون عرض معلومات الأشخاص فيه حسب
ص: 211
الأصول والمصنّفات ومؤلّفيها وذكر الطرق إليها، ومثال ذلك: فهرس النجاشي حيث صرّح المؤلّف في بداية الجزء الثاني من كتابه أنّه «الجزء الثاني من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة»(1)(2).
إنّ موضوع علم الرجال هو: رواة الحديث الواقعين في طريقه، والغرض منه التعرّف على وثاقة الرواة وضعفهم ومدى ضبطهم وتمييزهم.
ولكنّ موضوع التراجم هو: الشخصيّات البارزة في المجتمع سواء كانوا رواة أم لا، والغرض منه بيان الآثار السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة للشخصيّات البارزة(3).
ص: 212
إنّ لعلم الرجال عند أتباع المنهج السندي دوراً مهمّاً وأثراً كبيراً وأهمّيّة قصوى في تمحيص رجال سند الرواية من حيث الوثاقة وعدمها، وتشخيص صحّة الروايات التي هي المصدر لتلقّي المعارف الإلهيّة والمعتمد في عمليّة استنباط الأحكام الشرعيّة.
ويضمَن هذا العلم للباحث صحّة خطواته وسلامتها عند سيره في حركته العلميّة، فيساعده على غربلة الروايات ليأخذ معارف دينه وأحكامه الشرعيّة من الأحاديث المعتبرة دون غيرها.
ويعتمد هذا العلم على بناء العقلاء في حجّيّة خبر الصادق، وبناء الروايات الدالّة على حجّيّة رواية الثقات، وسيرة المتشرّعة الدالّة على أنّ خبر الثقة ممّا يصحّ التعويل عليه ويجوز الأخذ به.
حظي هذا العلم عند المتأخّرين وبعد نشوء المنهج السندي في القرن السابع باهتمام واسع وتوجّه خاصّ وعناية ملحوظة، فبذل الكثير من أتباع المنهج السندي مساعيهم وجهودهم المتواصلة والمكثّفة، وأولوه الرعاية المستمرّة مع المزيد من البحث والتحقيق، وخاضوا في هذا المضمار، فألّفوا العديد من الآثار والمصنّفات والموسوعات المتنوّعة في مختلف فنون الأبحاث
ص: 213
السنديّة من قبيل: ضبط أسماء الرواة وذكر أحوالهم وتحديد طبقاتهم وشؤونهم وتمييز المشتركات بينهم.
1- معرفة وثاقة الرجال(1):
ما يوجب الحاجة إلى معرفة أحوال الرجال هو الحاجة إلى معرفة وثاقة الرجال، سواء كانت هذه الوثاقة من لوازم صحّة الخبر أو قرينة من قرائن صحّته؛ لأنّ خبر الواحد يحتاج حسب المنهج القرائني أيضاً إلى ما يجبره ويعضده ويقوّيه ويوجب الاطمئنان بصدوره عن طريق احتفافه بالقرائن القطعيّة أو المرجّحات الظنّيّة المعتبرة، وتعدّ وثاقة الراوي التي نطّلع عليها من خلال مراجعة أحوال الرجال أحد أسباب هذه التقوية، وهذا ما يكشف لنا وجه الحاجة إلى هذا العلم.
قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ) في كتابه تنقيح المقال في علم الرجال: «لا ريب في أنّ كلّ خبر - من حيث هو - يحتمل الصدق والكذب، فتقديم أحد هذين الاحتمالين على الآخر لا بدّ له من مرجّح ودليل؛ لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح الذي اتّفق العقلاء على بطلانه وقبحه.
والمرجّح على قسمين: قطعي، وظنّي، وكلّ منهما إمّا داخلي، أو خارجي، والقطعي الداخلي هو التواتر، والخارجي هو الاحتفاف بالقرائن المورثة للقطع، والظنّي الخارجي اعتضاد الرواية بالسيرة والشهرة ونحوهما، والظنّي
ص: 214
الداخلي هو عدالة الراوي ووثاقته، والأقسام الثلاثة الأُوَل لا تفي بالفقه، فتعيّن الاستناد إلى الأخير أيضاً، وذلك لا يحصل إلّا بالاختبار، ولا طريق لنا اليوم إلى الاختبار إلّا المراجعة إلى ما كتب في أحوال الرجال، وهو المطلوب»(1).
ينفي القدماء وجود لا بديّة في العمل بالصحيح سنداً دون الضعيف سنداً؛ لأنّ الملاك والمعيار عندهم هو الحصول على القرائن لرفع مستوى اعتبار الحديث، وقد يستدعي الأمر ترك الخبر الصحيح سنداً والعمل بالخبر الضعيف سنداً نتيجة سقوط حجّيّة الخبر الصحيح بمختلف الأسباب، والعثور على قرائن تُلزِم بالعمل بالخبر الضعيف سنداً.
وبشكل عامّ فإنّ الأصل في حجّيّة الخبر غير المتواتر عند القدماء هي القرائن التي تعضده فتوصله إلى حدّ الاعتبار والوثوق به، فقد يكون السند ضعيفاً ولكن يُحكم بصحّة الخبر من خلال القرائن الأخرى، وقد يكون السند قويّاً ولكن لا يُؤخذ بالخبر من خلال القرائن الأخرى.
ورد في الأخبار العلاجيّة الأمر بقبول رواية الأعدل والأفقه والأصدق والأورع عند وقوع التعارض في الخبرين، وهذا ما يبيّن أهمّيّة علم الرجال والحاجة إليه في هذا المقام للكشف عن عدالة الراويين وأعدليّة أحدهما من أجل الأخذ بخبر الأعدل.
ص: 215
وقد صنّف الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) كتابه الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، وقال حول الخبر في مقام الجمع بين الخبرين المتعارضين: «وإن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين، فيعمل على أعدل الرواة في الطريقين»(1).
وقال الفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ) حول الحاجة إلى علم الرجال بعد بيان منهج تصحيح الحديث وفق القرائن: «نعم، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترجيح بينهما، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما أشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهم علیهم السلام : فالحكم ما حَكَم به أعدلهما وأورعهما وأصدقهما في الحديث، وهو أحد وجوه التراجيح المنصوص عليها، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب»(2).
مناقشة الاستشهاد بالأخبار العلاجيّة لإثبات الحاجة إلى علم الرجال:
الخبر الأوّل: مقبولة عمر بن حنظلة، وهي: «عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك؟
قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وقد
ص: 216
أمر الله أن يُكفر به، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾ [النساء: 60]، قلت: فكيف يصنعان؟
قال: ينظران إلى مَن كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حَكَم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله.
قلت: فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟
قال: الحكم ما حَكَم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.
قال: قلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر؟
قال: فقال: يُنظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيُؤخذ به من حكمنا ويُترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنّما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيُتّبع، وأمر بيّن غيّه فيُجتنب، وأمر مشكل يُردّ علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلی الله علیه واله : حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك، فمَن ترك الشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم.
قلت: فإن كان الخبران عنكما(1) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟
ص: 217
قال: يُنظر فما وافق حكمُه حُكْمَ الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيُؤخذ به، ويُترك ما خالف حكمُه حُكْمَ الكتاب والسنّة ووافق العامّة.
قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عَرَفَا حكمه من الكتاب والسنّة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة والآخر مخالفاً لهم بأيّ الخبرين يُؤخذ؟
قال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد.
فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟
قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيُترك، ويُؤخذ بالآخر.
قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟
قال: إذا كان ذلك فأرجِه حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(1).
الخبر الثاني: «عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله علیه السلام في رجلين اتّفقا على عَدلين جعلاهما بينهما في حُكْم وقع بينهما فيه خلافٌ فرضيا بالعدلين، فاختلف العدلان بينهما، على قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال: يُنظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فيُنفذ حكمه، ولا يُلتفت إلى الآخر»(2).
الخبر الثالث: «عن موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سُئل عن رجل يكون بينه وبين أخ منازعة في حقّ فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما، فحكما فاختلفا فيما حكما، قال: وكيف يختلفان؟ قال: حَكَم كلّ واحد
ص: 218
منهما للذي اختاره الخصمان، فقال: ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضى حكمه»(1).
لا يصحّ الاستشهاد بهذه الأخبار لإثبات الحاجة إلى علم الرجال؛ لأنّ هذه الأخبار ترتبط بصفات «القاضي» لا صفات «الراوي»، ولحاظ صفة في القاضي لا يعني لزوم لحاظها في الراوي، وإن كان القاضي راوياً؛ لأنّ مقام «القضاء» مغاير لمقام «الرواية».
الخبر الرابع: قال الإمام الرضا علیه السلام : «إذا ورد عليكم عنّا فيه الخبران باتّفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره، وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وأحببت، موسّعٌ ذلك لك من باب التسليم لرسول الله صلی الله علیه واله والردّ إليه وإلينا، وكان تارك ذلك من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول الله صلی الله علیه واله مشركاً بالله العظيم»(2).
الخبر الخامس: «ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّه إليه»(3).
الخبر السادس: «ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا علیه السلام قال: قلت
ص: 219
للرضا علیه السلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة، قال: ما جاءك عنّا فقِسه على كتاب الله عزّ وجلّ وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا، وإن لم يشبههما فليس منّا، قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقةٌ بحديثين مختلفين، فلا نعلم أيّهما الحقّ؟ فقال: إذا لم تعلم فموسّعٌ عليك بأيّهما أخذت»(1).
إنّ هذه الأخبار لا تستوجب الرجوع إلى علم الرجال؛ لكون حال الرواة معلوماً بالوثاقة، ولكون الخبرين موصوفين بالصحّة والاعتبار، ويكون عدم الرجوع لعلم الرجال هنا من باب السالبة بانتفاء الموضوع، بمعنى أنّه لا موضوع للرجوع لعلم الرجال، كما أنّ العلاج المذكور في هذه الأخبار هو التخيير والتوسّع وصحّة أخذ المكلّف بأيّ الخبرين المتعارضين شاء، وهي علاجات يعمل بها من غير الرجوع إلى علم الرجال(2).
الخبر السابع: مرفوعة زرارة: «زرارة بن أعين قال: سألت الباقر علیه السلام فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟
فقال: يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر.
فقلت: يا سيّدي، إنّهما معاً مشهوران مرويّان مأثوران عنكم.
فقال: خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك.
ص: 220
فقلت: إنّهما معاً عدلان مرضيّان موثّقان.
فقال: اُنظر إلى ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه، وخُذ بما خالفهم، فإنّ الحقّ فيما خالفهم.
فقلت: ربّما كانا معاً موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟
فقال: إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك، واترك ما خالف الاحتياط.
فقلت: إنّهما معاً موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟
فقال: فتخيّر أحدهما فتأخذ به، وتدع الآخر.
وفي رواية أنّه علیه السلام قال: إذن فأرجِه حتّى تلقى إمامك فتسأله»(1).
يلاحظ على الاستشهاد بهذا الخبر:
إنّ هذا الخبر يوحي من خلال ملاحظة السياق والتدقيق في ضمائر السؤال والجواب بأنّه عبارة عن دمج مقطعين من خبرين مختلفين؛ لأنّ الراوي يسأل الإمام علیه السلام عن الخبرين بقوله: «إنّهما معاً مشهوران مرويّان مأثوران عنكم»، فيجيبه الإمام عن الشخصين بقوله: «خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك»، وهذا ما يكشف بأنّ المقطع الأوّل يرتبط بالأخبار المتعارضة، والمقطع الثاني مأخوذ من الروايات المرتبطة بالقضاء، وأنّ العلاج المذكور في هذا الخبر للأخبار المتعارضة هو الأخذ بالمشهور بين الأصحاب وترك الشاذّ النادر، وهذا ممّا لا حاجة فيه إلى علم الرجال.
ص: 221
يحكم العقل بلزوم الفحص والتفتيش لمعرفة صدق أو كذب الأخبار الواردة على كلّ فرد بمقدار أهمّيّة تلك الأخبار وترتيب الأثر عليها، كما يحكم العقل بذمّ المتضرّر من خبر الكذّاب مع تركه للفحص والتفتيش في هذا المجال، وهذا ما يكشف لنا أهمّيّة علم الرجال ووجه الحاجة إليه والاستعانة به لمعرفة الرواة الكذّابين والوضّاعين من أجل أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع مرويّات هؤلاء وصيانة التراث الروائي من الروايات المكذوبة والمفتعلة والمدسوسة والفاقدة للحجّيّة، وهنا يتّضح دور علم الرجال ووجه الحاجة إليه في معرفة الكاذب من الرواة.
يلاحظ عليه:
لا يخفى بأنّ كتبنا الحديثيّة المعتبرة هي الكتب التي بذل علماؤنا الأعلام غاية جهدهم لتنقيتها وغربلتها وتنزيهها من الأحاديث الموضوعة والمختلقة والمكذوبة والمدسوسة تبعاً للتحذيرات الكثيرة التي صدرت عن الأئمّة علیهم السلام .
وعليه فالتراث الحديثي الذي بأيدينا اليوم تراث تمّ بذل غاية الجهد لتنقيته من جميع الشوائب، وما يجدر التنبيه عليه هو أنّ وجود الراوي الكاذب في أحاديث كتبنا المعتبرة لا يلازم ضعف الحديث مطلقاً؛ لأنّ المنهجيّة التي سار عليها علماؤنا القدماء هي منهجيّة القرائن، فقد تحكم القرائن بصحّة حديث على الرغم من وجود راوٍ كذّاب في سلسلة سنده، وحسب هذه المنهجيّة فإنّ الحديث إذا استمدّ صحّته من مجموعة قرائن معتبرة فإنّ وجود الراوي الكذّاب لا يضرّ بصحّته قطّ.
ص: 222
أضف إلى ذلك أنّ المعيار الذي بيّنه أهل البيت علیهم السلام بعد التحذير من وجود رواة كذّابين هو التأكيد على مضمون الحديث والأخذ بما وافق القرآن وسنّة النبي صلی الله علیه واله وردّ ما خالفه، ولم تَرِدْ في جميع هذه الأحاديث أيّة إشارة إلى الفحص عن الصدور أو ملاحظة السند أو تحقيق حال الرجال؛ ليمكننا الاستدلال من خلال وجود الكذّابين على إثبات الحاجة إلى علم الرجال.
كان الأئمّة علیهم السلام يفتون أهل العامّة بما هو سائد في مذهبهم ومعروف بين أئمّتهم، ولهذا يكون السبيل لتمييز الخبر الصادر تقيّة عن غيره القيام بالرجوع إلى أحوال الرواة ومعرفة العامّي في أسانيد الروايات، وهذا ما يكشف الحاجة إلى علم الرجال في تمييز رواة أهل العامّة عن غيرهم.
يلاحظ عليه:
لا يلازم حديث الإمام المعصوم علیه السلام مع الراوي العامّي حمل الحديث على التقيّة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد اكتفاء المتأخّرين بوثاقة الراوي لقبول خبره وإن كان عامّيّاً، وإنّما يحمل الخبر على تقيّة موافقة المخالفين عند تعارض خبرين يوافق أحدهما مذهب العامّة.
إنّ الاهتمام بعلم الرجال والعناية به أمر واضح وثابت ومعروف ومشهور في سيرة جميع العلماء المتقدّمين والمتأخّرين، وهو أمر لا يخفى على كلّ متتبّع لأقوالهم وأحوالهم وطريقتهم في التعامل مع الأخبار.
ولهذا نجد دأب وديدن ومسلك جلّ المحدّثين قديماً وحديثاً نقل أسانيد
ص: 223
الروايات والاحتراز من الإرسال والقطع والرفع قدر الإمكان، والتعرّض للرواة وشرح أحوالهم، والبحث عن أوصافهم من ناحية الوثاقة والضبط والدقّة، والقيام بتوثيقهم أو جرحهم مع ذكر رجال سند كلّ رواية في نفس الكتاب أو في المشيخة أو في مقام آخر، مع مراعاة عدم سقوط شيء منه.
وقد حرص العلماء أيضاً على تأليف وتدوين كتب الرجال وتنقيحها، والرجوع إليها لمعرفة أوصاف وأحوال الرواة من حيث العدالة والوثاقة والدقّة والضبط، وغيرها من الاهتمامات والعنايات.
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابه العُدّة في أصول الفقه: «إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم، وقالوا: فلان متّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مخلّط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنّفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم حتّى أنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعّفه برواته.
هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم، فلولا أنّ العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز لما كان بينه وبين غيره فرق، وكان يكون خبره مطروحاً مثل خبر غيره، فلا يكون فائدة لشروعهم فيما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق وترجيح الأخبار بعضها على بعض، وفي ثبوت ذلك دليل على صحّة ما اخترنا»(1).
ص: 224
وجميع هذه الأمور تكشف عن الحاجة إلى علم الرجال، وإلّا لم يكن إجماع وتسالم على دور هذا العلم وأهمّيّته في الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعيّة، ولما تحمّل الفقهاء والمجتهدون العناء في إيصال رجال سند كلّ رواية إلى غيرهم، وهم ممّن ليس من شأنهم القيام بجهد ينتهي إلى هدر طاقتهم فيما لا قيمة له على أرض الواقع.
يلاحظ عليه:
أوّلاً: إنّ ما ذكره الشيخ الطوسي لا وجود له على أرض الواقع، بل حتّى كتابيه الرجال والفهرست خالية من الشموليّة التي أشار إليها هنا، كما سيتّضح ذلك خلال دراسة رجاله وفهرسته.
ثانياً: لا يعني الاهتمام بذكر السند لزوم جعله الملاك والمعيار في تشخيص صحّة الأخبار وسقمها؛ لأنّ هذا الأمر قد يكون لدواعٍ أخرى من قبيل التيمّن في اتّصال السند بالمعصوم أو دفع تعيير العامّة.
ولهذا نجد بأنّ أهمّ مصنّف من المصنّفات الرجاليّة وهو رجال النجاشي لم يؤلّف لداعي تصحيح أسانيد الأحاديث، بل أُلّف للتعريف بمصنّفي الشيعة، وقال النجاشي (ت 450 ﻫ) في مقدّمة رجاله:
«أمّا بعد، فإنّي وقفت على ما ذكره السيّد الشريف أطال الله بقاءه وأدام توفيقه من تعيير قوم من مخالفينا أنّه لا سلف لكم ولا مصنّف، وهذا قول من لا علم له بالناس ولا وقف على أخبارهم، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحداً فيعرف منه، ولا حجّة علينا لمن لم يعلم ولا عرف، وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته؛ لعدم أكثر الكتب، وإنّما
ص: 225
ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره»(1).
وقال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في مشيخة التهذيب: «والآن فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يتوصّل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنّفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات»(2).
وقال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار حول الأصول الأربعمائة: «إنّ الطرق المذكورة إلى مؤلّفيها ذُكرت لمجرّد التبرّك باتّصال السند، ولئلّا يطعن عليهم المخالف بأنّ أحاديثهم غير مسندة»(3).
وأشار الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) إلى هذا الأمر فقال: «إنّا كثيراً ما نقطع في حقّ كثير من الرواة أنّهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث، والذي لم يعلم ذلك منه يعلم أنّه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه، والفائدة في ذكره مجرّد التبرّك باتّصال سلسلة المخاطبة اللسانيّة، ودفع تعيير العامّة الشيعة بأنّ أحاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم»(4).
وقال الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة الخامسة: «في بيان بعض الطرق التي نروي بها الكتب المذكورة عن مؤلّفيها، وإنّما ذكرنا ذلك تيمّناً وتبرّكاً باتّصال السلسلة بأصحاب العصمة علیهم السلام لا لتوقّف العمل عليه؛ لتواتر تلك الكتب
ص: 226
وقيام القرائن على صحّتها وثبوتها كما يأتي إن شاء الله»(1).
وقال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه حول القدماء: «على أيّ حال فالظاهر منهم النقل من الكتب المعتبرة المشهورة، فإذا كان صاحب الكتاب ثقة يكون الخبر صحيحاً؛ لأنّ الظاهر من نقل السند إلى الكتاب المشهور المتواتر مجرّد التيمّن والتبرّك»(2).
وقال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) في كتابه الأربعين حول المحدّثين: «كانت الأصول المعتبرة الأربعمائة عندهم أظهر من الشمس في رابعة النهار، فكما أنّا لا نحتاج إلى سند لهذه الأصول الأربعة وإذا أوردنا سنداً فليس إلّا للتيمّن والتبرّك والاقتداء بسنّة السلف»(3).
ومن هذا المنطلق قال الشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) حول حديث بيّن فضيلة للإمام أمير المؤمنين علیه السلام : «شهرته تغني عن تكلّف إيراد الإسناد له»(4)، وقال الشيخ المفيد أيضاً حول خطبة أمير المؤمنين علیه السلام المعروفة بالشقشقيّة: «هي أشهر من أن ندلّ عليها لشهرتها»(5).
وعليه فمَن تثبت عنده صحّة الحديث من قرائن أخرى غير الرجال لا تثبت عنده في هذه الحالة الحاجة إلى علم الرجال، كثبوت الخبر بالشهرة فيغني ذلك عن لحاظ السند، ويرى البعض صحّة الرجوع إلى الأوائل، فيكون
ص: 227
الصحيح عندهم هو المعمول به من دون لحاظ السند حاليّاً، فتكون الحاجة إلى علم الرجال عند هؤلاء مقتصرة على الأوائل دون المتأخّرين، فتكون استشهاداتهم في التعرّض لأحوال الرواة بالمدح والقدح استمراراً لما قام به الأوائل.
قد يتضمّن السند أسماء مشتركة بين شخصين أو عدّة أشخاص، ولا سبيل للتمييز بين ذلك إلّا بمراجعة كتب الرجاليّين، وهذا ما يثبت الحاجة إلى علم الرجال.
إنّ ضبط وأضبطيّة الراوي تصونه من زيادة حركة أو حرف أو نقطة أو نقصانها أو نحوها ممّا يقدح في الرواية وإن ثبت قطعيّة صدورها، وكتب الرجال هي التي تبيّن هذه الأمور ضمن بيان أوصاف الراوي، وهذا ما يكشف أحد وجوه الحاجة إلى علم الرجال.
يلاحظ عليه:
إنّ المعلومات الموجودة حول ضبط الرواة في الكتب الرجاليّة لا تبلغ الحدّ الأدنى لتحقّق ما نبتغيه من معرفة ضبط الراوي؛ لأنّها لم تهتمّ بهذا الجانب، ولا تتضمّن الكتب الرجاليّة المعلومات المُعتنى بها والصريحة والواضحة في هذا المجال.
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ): «وللبحث عن أحوال الرجال فوائد:
ص: 228
منها: الاطّلاع على بعض القرائن التي عرفها المتقدّمون.
ومنها: وجود السبيل إلى كثرة القرائن الدالّة على ثبوت الحديث كما صرّح به صاحب المعالم.
ومنها: إمكان الترجيح بذلك عند التعارض مع عدم مرجّح آخر أقوى منه كما مرّ.
ومنها: إمكان إثبات التواتر بنقل جماعة وإن كانوا قليلين لعدم انحصار عدده على الصحيح، بل عدده يختلف باختلاف أحوال الرواة، والضابط إحالة العادة تواطؤهم على الكذب، فقد يحصل بأقلّ من خمسة، كما صرّح به المحقّقون، وشهد به الوجدان في موارد كثيرة.
ومنها: معرفة أحوال الكتب التي نريد النقل منها والعمل بها.
فإن كان راوي الكتاب ومؤلّفه ثقة عمل به وإلّا فلا، إلى غير ذلك من الفوائد»(1).
ص: 229
تدفع وثاقة الراوي إلى قبول روايته ولحاظها بعين الاعتبار كقرينة دالّة على صحّة صدور الرواية، و«لا يعتبر في أخذ الرواية أكثر من وثاقة المخبر في إخباره، فلا يعتبر حتّى وثاقته في دينه، فلو كان فاسقاً في دينه ومع ذلك علمنا بوثاقته في الإخبار أخذنا بخبره، وظاهر لفظة (الثقة) لا يقتضي غير هذا.
لا يقال: إنّ المراد بالثقة هو العدالة، كما نراه في أخبار صلاة الجماعة كقول الباقر علیه السلام : (لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه)(1)؛ لأنّا نقول: إنّ الظاهر من لفظة (الثقة) هو (المعتمد عليه)، والثقة في كلّ شيء بحسبه، فالثقة في صلاة الجماعة هو الثقة في دينه، أي: العادل، وفي الخبر هو المعتمد عليه في إخباره.
ولذا نرى توثيق من ليس إماميّاً، نحو إبراهيم بن عبد الحميد(2)، وإسحاق بن عمّار(3)، وحنّان بن سدير(4)، فإنّ الشيخ الطوسي رحمة الله مع تصريحه بكون
ص: 230
الأوّل(1) والثالث(2) من الواقفيّة، والثاني من الفطحيّة(3)، وثّقهم، فلفظة (الثقة) لا تقتضي العدالة ولا الإماميّة»(4).
ونجد الكشّي والشيخ والنجاشي أطلقوا لفظ (الثقة) على أصحاب المذاهب الفاسدة(5).
ومن أقوال العلماء في هذا المجال:
1 - قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) حول قبول خبر الثقات من الفِرَق الباطلة كالواقفيّة: «إنّ ما يرويه هؤلاء يَجوز العمل به إذا كانوا ثقات في النقل - وإن كانوا مخطِئين في الاعتقاد - إذا عُلم من اعتقادهم تمسّكهم بالدين، وتحرُّجهم من الكذب ووضع الأحاديث»(6).
2 - قال الشهيد الثاني رحمة الله (ت 965 ﻫ) في كتابه مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: «إنّ المراد بالثقة من تسكن النفس إلى خبرها وإن لم تكن متّصفة بالعدالة المعتبرة في قبول الشهادة»(7).
3 - قال المیرزا محمّد بن علي الأسترآبادي (ت 1028 ﻫ) في كتابه منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: «وأيضاً نرى مشايخنا يوثّقون المخطئين في
ص: 231
الاعتقاد توثيق المصيبين من دون فرق بجعل الأوّل موثّقاً والثاني ثقة كما تجدّد عليه الاصطلاح، ويعتمدون على ثقات الفريقين ويقبلون قولهم، فالعدالة المعتبرة عندهم هي بالمعنى الأعمّ، فظهر قوّة الاعتماد على أخبار الموثّقين»(1).
4 - قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في كتابه تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: «دعوى بعض المتأخّرين أنّ (الثقة) بمعنى (العدل، الضابط) ممنوعة، وهو مطالب بدليلها، وكيف وهم مصرّحون بخلافها حيث يوثّقون من يعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه؟! وإنّما المراد بالثقة من يوثق بخبره ويؤمن منه الكذب عادة، والتتبّع شاهد به، وقد صرّح بذلك جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين، ومن المعلوم الذي لا ريب فيه عند منصف أنّ الثقة تجامع الفسق، بل الكفر»(2).
5 - قال أبو المعالي محمّد الكلباسي (ت 1315 ﻫ) في كتابه الرسائل الرجاليّة: «الاستقراء الكامل في كلمات أرباب الرجال - كما يأتي - يفيد الظنّ المتاخم للعلم، بل العلم بكون المقصود بالوثاقة في (ثقة) هو المعنى اللغوي، أعني الاعتماد، ولم يقُل أحد بدلالة (ثقة) على الإماميّة»(3).
6 - قال الشيخ محمّد حسن الشيخ الكبير (ت 1345 ﻫ) في كتابه نتيجة المقال في علم الرجال: «على مختارنا في المقام أنّه لا فرق بين كون المعدّل والجارح إماميّاً وغيره؛ إذ المعتبر على هذا هو حصول الظنّ، فلا ريب أنّ قول
ص: 232
غير الإمامي أيضاً يفيده كما لا يخفى، بل لعلّ قول غيره في مقام التعديل أكثر إفادة للظنّ من قوله: لما قيل من أنّ الفضل ما شهد به الأعداء»(1).
إنّ ضبط الراوي عبارة عن إتقانه في نقل الرواية، وغلبة بقاء الرواية في ذاكرته إلى الحدّ المعتدّ به، وعدم سهوه ونسيانه الزائد عن المتعارف.
ويحكم العقل بلزوم ضبط الراوي من أجل الوثوق بروايته؛ لأنّ غير الضابط قد يسهو من غير قصد، فينقص أو يزيد في سند أو متن الرواية، فيتبع ذلك وقوع الغلظ والتصحيف والتغيير والتحريف والتبديل في ألفاظ روايته ما يؤدّي إلى وقوع الاختلال في المعنى.
ومن أقوال العلماء في هذا المجال:
1 - قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابه العُدّة في أصول الفقه حول الترجيح بين الخبرین: «إذا كان أحد الراويين يروي الخبر بلفظه والآخر بمعناه ينظر في حال الذي يرويه بالمعنى، فإن كان ضابطاً عارفاً بذلك فلا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ لأنّه قد أبيح له الرواية بالمعنى واللفظ معاً، فأيّهما كان أسهل عليه رواه، وإن كان الذي يروي الخبر بالمعنى لا يكون ضابطاً للمعنى، أو يجوز أن يكون غالطاً فيه، ينبغي أن يُؤخذ بخبر من رواه باللفظ، وإذا كان أحد الراويين أعلم وأفقه وأضبط من الآخر، فينبغي أن يقدّم خبره على خبر الآخر ويرجّح عليه»(2).
ص: 233
2 - قال العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ): «إنّ الضبط من أعظم الشرائط في الرواية، فإنّ من لا ضبط له قد يسهو عن بعض الحديث، ويكون ممّا يتمّ به فائدته ويختلف الحكم به، أو يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب به معناه، أو يبدّل لفظاً بآخر، أو يروي عن النبي صلی الله علیه واله ويسهو عن الواسطة، أو يروي عن شخص فيسهو عنه ويروي عن آخر»(1).
3 - قال الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ) في كتابه مشرق الشمسين: «لا ريب أنّه لا بدّ في حصول الوثوق بقول الراوي من كونه ضابطاً، أي: لا يكون سهوه أكثر من ذكره ولا مساوياً له»(2).
وأضاف الشيخ البهائي: «فإن قلت: فكيف يتمّ لنا الحكم بصحّة الحديث بمجرّد توثيق علماء الرجال رجال سنده من غير نصّ على ضبطهم؟ قلت: إنّهم يريدون بقولهم: فلان ثقة، أنّه عدل ضابط؛ لأنّ لفظ الثقة منشقّ من الوثوق، ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره أو يغلب سهوه على ذكره»(3).
ذكر العلماء بعض الصفات ممّا لا تشترط في الراوي لقبول روايته من باب التنبيه وزيادة الفهم، منها: الذكورة، الحريّة، البصر، البلوغ، العلم بالفقه، وعليه تصحّ رواية المرأة والعبد والأعمى وغير البالغ إذا تميّز وتمكّن من الضبط في نقل الحديث، وغير الفقيه، وقد قال رسول الله صلی الله علیه واله : «نضّر الله
ص: 234
عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم تبلغه، يا أيّها الناس، ليبلّغ الشاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه»(1).
يدلّ حسن ظاهر الفرد على عدالته وثبوت أمانته القوليّة حتّى يثبت خلاف ذلك، وعليه فالقاعدة الأساسيّة هي القول بعدالة كلّ راوٍ عاشره الناس فعرفوه بالظاهر الحسن ولم يظهر منه فسق، وقد بيّن الشيخ الطوسي هذا الأمر في عدّة مواضع من كتبه، منها:
1 - ذكر الشيخ الطوسي في كتابه الاستبصار في باب (العدالة المعتبرة في الشهادة) مجموعة أخبار أوّلها: «عن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : بما تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ قال: فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان، ويُعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والدالّ على ذلك كلّه والساتر لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وغيبته، ويجب عليهم تولّيه وإظهار عدالته في الناس، المتعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ وحافظ مواقيتهنّ بإحضار جماعة المسلمين، وأن لا يتخلّف من جماعتهم ومصلّاهم إلّا من علّة، وذلك أنّ الصلاة ستر وكفّارة للذنوب، ولولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على أحد بالصلاح ... ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته بينهم»(2).
ص: 235
وقال الشيخ الطوسي بعد ذكر هذا الخبر: «لا يجب على الحاكم التفتيش عن بواطن الناس، وإنّما يجوز له أن يقبل شهادتهم إذا كانوا على ظاهر الإسلام والأمانة، وأن لا يعرفهم بما يقدح فيهم ويوجب تفسيقهم، فمتى تكلّف التفتيش عن أحوالهم يحتاج إلى أن يعلم أنّ جميع الصفات المذكورة في الخبر الأوّل منتفية عنهم؛ لأنّ جميعها يوجب التفسيق والتضليل ويقدح في قبول الشهادة، والوجه الثاني أن يكون المقصود بالصفات المذكورة في الخبر الأوّل الإخبار عن كونها قادحة في الشهادة وإن لم يلزم التفتيش عنها والمسألة والبحث عن حصولها وانتفائها، ويكون الفائدة في ذكرها أنّه ينبغي قبول شهادة من كان ظاهره الإسلام، ولا يُعرف فيه شيء من هذه الأشياء، فإنّه متى عرف فيه أحد هذه الصفات المذكورة فإنّه يقدح ذلك في شهادته ويمنع من قبولها»(1).
2 - قال الشيخ الطوسي في كتابه العُدّة في أصول الفقه: «أمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فهو أن يكون الراوي معتقداً للحقّ، مستبصراً ثقة في دينه، متحرّجاً من الكذب، غير متّهم فيما يرويه.
فأمّا إذا كان مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب وروى مع ذلك عن الأئمّة علیهم السلام نُظر فيما يرويه.
فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب اطّراح خبره.
وإن لم يكن هناك ما يوجب اطّراح خبره، ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به.
ص: 236
وإن لم يكن من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يُعرف لهم قول فيه وجب أيضاً العمل به؛ لما رُوي عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما ورد عنّا فانظروا إلى ما رووا عن علي علیه السلام فاعملوا به»(1) ...
وإذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحيّة والواقفة والناووسيّة وغيرهم نُظر فيما يرويه.
فإن كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم وجب العمل به.
وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين وجب اطّراح ما اختصّوا بروايته والعمل بما رواه الثقة.
وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه، ولا يُعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرّجاً في روايته، موثوقاً في أمانته وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد ...
وأمّا ما ترويه الغلاة والمتّهمون والمضعّفون وغير هؤلاء، فما يختصّ الغلاة بروايته فإن كان ممّن عُرف لهم حال استقامة وحال غلوّ، عُمل بما رووه في حال الاستقامة، وتُرك فيما رووه في حال خطئهم ... فأمّا ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كلّ حال.
وكذلك القول فيما يرويه المتّهمون والمضعّفون.
وإن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحّتها وجب العمل به.
ص: 237
وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحّة وجب التوقّف في أخبارهم.
... فأمّا من كان مخطِئاً في بعض الأفعال أو فاسقاً بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته متحرّزاً فيها، فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره ويجوز العمل به؛ لأنّ العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، وليس بمانع من قبول خبره»(1).
3 - قال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف: «إذا شَهد عند الحاكم شاهدان يُعرف إسلامهما ولا يُعرف فيهما جرح حَكَم بشهادتهما، ولا يقف على البحث إلّا أن يجرح المحكوم عليه فيهما بأن يقول: هما فاسقان، فحينئذٍ يجب عليه البحث... دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طارئ عليه يحتاج إلى دليل، وأيضاً نحن نعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبي علیه السلام ولا أيّام الصحابة ولا أيّام التابعين، وإنّما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي، فلو كان شرطاً ما أجمع أهل الأعصار على تركه»(2).
4 - قال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف: «إذا حضر الغرباء في بلد عند الحاكم فشهد عنده اثنان فإن عُرفا بعدالة حكم، وإن عُرفا بالفسق وقف، وإن لم يَعرف عدالة ولا فسقاً بحث عنهما، وسواء كان لهما السيماء الحسنة والمنظر الجميل وظاهر الصدق»(3).
وإنّ النظرة الشاملة إلى هذه العبارات تكشف بأنّ الشيخ الطوسي لم
ص: 238
يذهب إلى أصالة عدالة كلّ مسلم ومؤمن بشكل مطلق، بل ذهب إلى أصالة عدالة كلّ مسلم أو مؤمن تكون له عشرة وخلطة بين الناس فعُرف بحسن في الظاهر، وبسلامة في السلوك، وأن تكون له أمارات تكشف عن صلاحه، وأن لا يصدر منه في الظاهر خلال التعايش معه ما ينافي العدالة، فيحكم على هذا الشخص بأصالة العدالة، ويكون غنيّاً لإثبات عدالته عن الفحص والتفتيش والتنقيب الزائد عمّا ظهر خلال التعايش، ولهذا صرّح الشيخ في عبارة أخرى له في كتاب الخلاف بأنّ الغريب الذي لم يعاشر المسلمين ولهم جهل بحاله يلزم الفحص عنه وتحرّي الأمارات لإثبات عدالته.
ونُسب القول بأصالة عدالة الراوي إلى العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) لبعض العبارات التي وردت في كلامه، منها:
1 - قال العلّامة الحلّي في كتابه خلاصة الأقوال في معرفة الرجال في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة: «كان من أهل الفضل والأدب والعلم ... ولم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل، ولم يرد فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض»(1).
2 - قال العلّامة الحلّي في ترجمة إبراهيم بن هاشم أبي إسحاق القمّي: «أصحابنا يقولون: إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم ... ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله»(2).
ص: 239
ويبدو أنّ العلّامة الحلّي لم يوثّق هذين الرجلين من منطلق أصالة العدالة، بل قام بتوثيقهما من خلال قرائن الوثاقة التي أشار إليها في تبيين حالهما، ولهذا نرى بأنّ العلّامة لم يوثّق الكثير ممّن لم يرد فيهم توثيق ولا تضعيف، وأدرجهم في القسم الثاني من كتابه، أي: قسم من ترك روايته أو توقّف فيه.
ومن منطلق أصالة عدالة الراوي، ورد حول وثاقة الراوي: «يكتفى لإثباتها بظهور الصلاح من حال الراوي، ولا يُشترط العلم بالتوثيق الخاصّ ولا النصّ عليه به ... وهذا هو منهج القدماء من علماء الرجال الذين يجعلون عدم ظهور فسق الرجل، وعدم ورود قدح فيه من أحد، كافياً للحكم بوثاقته إذا كان مسلماً مؤمناً، بناء على أصالة الوثاقة في كلّ مؤمن»(1).
ص: 240
ورد حول مناط ومدرك حجّيّة قول الرجالي، ووجه اعتبار الرجوع إليه، ودليل الأخذ بقوله والاعتماد عليه عدّة أقوال، أبرزها:
الشهادة تعني الحضور، من قبيل قوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، أي: من حضره ولم يسافر، و«الشهادة اسم من المشاهدة، وهي الاطّلاع على الشيء عياناً»(1)، وهي تعني الخبر «عن أمر محسوس مُدرك بإحدى الحواس الظاهرة»(2)، وعليه تكون شهادة الفرد هي إخباره بما شاهد ورأى.
الشرط الأوّل: أن تكون عن حسّ مباشر.
وعليه لا يمكن قبول شهادة النجاشي والشيخ الطوسي؛ لأنّها كانت غير مباشرة، وكان بينهما وبين بعض الرواة أكثر من مائتي عام، وإنّما كان اطّلاعهم عن طريق قراءة أو سماع أو شهرة وغيرها من أنواع الإخبار عن شهادة الغير
ص: 241
ولو بالواسطة، وهذه كلّها لا تسمّى شهادة.
قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351ﻫ) حول أرباب الرجال: «إنّا لم نعتبر توثيقهم من باب الشهادة المصطلحة؛ لفقد ما يعتبر فيها من الحسّ والحياة واللفظ في ذلك، وإنّما اعتبرناه من باب إيراث الوثوق والاطمئنان بصدور الخبر»(1).
الشرط الثاني: تعدّد الشاهد وكونه اثنين، فلا تقبل شهادة الشخص الواحد(2).
وعليه لا يمكن قبول شهادة النجاشي أو شهادة الشيخ الطوسي إذا كانت منفردة، وهذا ما يوجب فقدان اعتبار الكثير ممّا بأيدينا من توثيقات وتضعيفات؛ لأنّها قليلاً ما تكون من اثنين.
الشرط الثالث: أن يكون الشاهد إماميّاً اثني عشريّاً، فلا تقبل شهادة غيره وإن كان ثقة.
وعليه لا يمكن قبول التوثيقات عن غير الشيعة الاثني عشريّة كالمخالفين وفاسدي العقيدة كابن عقدة الزيدي وابن فضّال الفطحي.
وبشكل عامّ فإنّنا لو قلنا بلزوم شهادة العدلين في توثيق أو تضعيف الرجال لسقطت حجّيّة معظم معلومات علم الرجال، ولم يبقَ منها إلّا النادر.
ص: 242
إنّ قول كلّ ذي فنّ في فنّه حجّة باعتباره أهل فنّ وذي اختصاص، والدليل على ذلك بناء العقلاء، فقد استقرّ بناؤهم على العمل بقول الخبير، وقول أهل الخبرة في الواقع هو: «الرأي المستحصل من المتضلّع بعلم وفنّ معيّن اختصّ فيه بحيث تكون آراؤه المستنتجة مبنيّة على الحدس المتولّد من ملكته العلميّة وحيطته بأبواب ذلك العلم يعسر على غيره الوصول إلى تلك النتائج؛ لعدم الحيطة والاضطلاع بمسائل وقواعد ذلك العلم»(1)، ويُشترط لإثبات حجّيّة قول أهل الخبرة وثاقة الخبير وإحراز خبرويّته.
يلاحظ عليه:
إنّ كتب أصحاب الأصول الرجاليّة لم تكن كتباً رجاليّة بالمعنى المصطلح، بل هي «جمع روايات» كرجال الكشّي، أو «فهرست أسماء مصنّفي الشيعة» كرجال النجاشي، أو «فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنّفين وأصحاب الأصول» كفهرست الطوسي، أو «أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن النبي صلی الله علیه واله والأئمّة الاثنا عشر علیهم السلام » كرجال الطوسي.
وعليه فإنّ توثيقات وتضعيفات أصحاب الأصول الرجاليّة ومؤلّفي أهمّ المصادر الأوليّة والأُصول المعتمدة في الجرح والتعديل كانت من باب جمع المعلومات من المصادر المتوفّرة لديهم، ونقلها في مصنّفاتهم، ويكشف الواقع أنّ هذه المصنّفات تفتقر إلى المعلومات المطلوبة.
ص: 243
تُعلم وثاقة بعض الرواة بالتواتر والشهرة والاستفاضة، ولا يخفى حجّيّة هذه الطرق بناء على سيرة العقلاء، ولم يردع عنها الشارع.
يلاحظ عليه:
لا يخفى بأنّ ثبوت وثاقة الرواة أو ضعفهم بهذه الطريقة لا تشمل جميع الرواة، والدليل على ذلك وجود الاختلاف في عبارات النجاشي والشيخ الطوسي ووقوع التعارض بينهما، وهذا ما يكشف بأنّ طرقهم في التوثيق والتضعيف مختلفة، وبعضها متواترة ومشهورة ومستفيضة وبعضها ليست كذلك.
بعبارة أخرى: إنّ تعارض أقوال أصحاب الأصول الرجاليّة في مدح وذمّ الرواة ينفي القول بأنّ جميع توثيقاتهم وتضعيفاتهم مبتنية على التواتر والشهرة والاستفاضة، نعم يمكن القول بأنّ هذه الشهرة صادقة للرواة المعروفين والمشهورين، ولكنّها لا تشمل جميع الرواة.
إنّ حجّيّة قول الرجالي تكون في بعض الأحيان من باب الفتوى والظنون الاجتهاديّة المستندة إلى القرائن التي يستنبط منها الرجالي وثاقة الراوي أو ضعفه، ويحكم العقل باعتبار ولزوم الأخذ بهذه الظنون بعد انسداد باب العلم بأحوال الرواة؛ لبُعد الفترة الزمنيّة بين الرواة وبين مشايخ الرجال، وعليه فيُشترط في حجّيّة قول الرجالي ما يُشترط في المفتي من الاجتهاد والعدالة وغيرها.
ص: 244
وقال الميرزا القمّي (ت 1231ﻫ) صاحب القوانين في هذا المجال: «التزكية من باب الظنون الاجتهاديّة لا الرواية والشهادة، وأنّ المعيار حصول الظنّ على أيّ نحو يكون، كيف لا والمزكّون لم يلقوا أصحاب الأئمّة علیهم السلام ، وإنّما اعتمدوا على مثل ما رواه الكشّي؟! وقد يفهمون منه ما لا دلالة فيه، أو فيه دلالة على خلافه، بل وكلّ منهم قد يعتمد على تزكية من تقدّم عليه الحاصلة باجتهاده، ومن ذلك قد يتطرّق الخلل من جهة فهم كلام من تقدّمه أيضاً، فضلاً عن عدم كونه موافقاً للحقّ أو كونه موافقاً»(1).
وحاصل كلام الميرزا القمّي: «إنّ حجّيّة أقوال الرجاليّين من باب الأخذ بالظنّ الاجتهادي؛ لانسداد باب العلم بحال الرواة وعدم إمكان الشهادة الحسيّة لعدم الملاقاة، فكلّ منهم اعتمد على تزكية من تقدَّمه الحاصلة باجتهاده، وقلّما ثبتت لهم عدالة الراوي بالاشتهار أو شهادة من عاشرهم عن حسّ»(2).
ومن الأدلّة على ظنّيّة قول الرجاليّين هو: أنّ «حصول العلم في الرجوع إليهم في غاية الندرة وإن كانوا عدولاً مع احتمال السهو والاشتباه في حقّهم، والعدالة إنّما تمنع التعمّد بالكذب لا الغفلة والاشتباه، على أنّ دعوى حصول العلم في تمييز المشتركات مجازفة بيّنة، إذ الغالب فيه إنّما هو بإعمال الظنون والأمارات الظنّيّة»(3).
ص: 245
يلاحظ عليه:
أوّلاً: لا يلزم علينا الالتجاء إلى الظنون الاجتهاديّة بذريعة انسداد باب العلم بأحوال الرواة؛ لأنّ الحجّة الشرعيّة لم تنسدّ، وأنّ قول الرجالي الثقة هو من قبيل خبر الثقة في الموضوعات وهو حجّة.
ثانياً: يستلزم هذا القول صحّة التقليد في الرجاليّين، ولكنّ أقوال الرجاليّين ليست من باب التقليد، بل هي من باب أخذهم بالأخبار الواصلة إليهم عمّن عاشر الرواة وعرف أحوالهم وأوصافهم، كما هو واضح.
ومن أبرز الشواهد على عدم اعتماد أصحاب الأصول الرجاليّة على أقوال مَن سبقهم مِن أهل الرجال من باب الفتوى هو اعتمادهم على من لا يُعتمد على فتواه كابن عقدة الزيدي وابن فضّال الفطحي وغيرهما ممّن لم تتوفّر فيهم شروط الإفتاء.
إنّ خبر الثقة حجّة لبناء العقلاء على قبوله وترتيب الأثر عليه؛ لأنّه يفيد الوثوق النوعي عند متعارف الناس ونوعهم في جميع أمورهم، وهو ممّا دلّت النصوص المعتبرة على حجّيّته.
ويُشترط في هذا الباب:
1 - وثاقة المخبر.
2 - استناد الخبر إلى الحسّ.
ولا يُشترط في هذا الباب:
1 - إيمان الشخص بالمعنى الأخصّ، بل يكفي تحرّزه عن الكذب.
ص: 246
2 - تعدّد الشخص، بل يكفي إخبار الشخص الواحد.
3 - حياة الشخص، بل يكفي إخباره حال الحياة فتبقى حجّيّة قوله بعد وفاته.
تنبيه:
لا يخفى بأنّ سيرة العقلاء والمنهجيّة المتعارفة بين الناس في أمور معاشهم هي الاعتماد على خبر الثقة، وهي المنهجيّة السائدة التي توجب لهم الاطمئنان، ولكنّ هذا الاعتماد يقِلّ عندهم في الأمور المهمّة جدّاً، فيحاولون التوصّل إلى المزيد من الاطمئنان بطرق مختلفة ومراجعة عدد أكبر من الثقات. وقد يقال من هذا المنطلق بأنّ الموضوعات الدينيّة والمرتبطة بالشريعة مهمّة جدّاً فلا يصحّ الاكتفاء فيها بخبر الثقة، ولكنّ هذا القول مردود؛ لأنّ منهجيّة الشارع تكشف بأنّه لم يطالب المكلّفين بأكثر من الحالة الطبيعيّة والمتعارفة والسائدة في معيشتهم الطبيعيّة إلّا الموارد الخاصّة التي تصعّب الشارع في إثباتها وألزم فيها أكثر من شاهد.
إنّ مستند توثيقات وتضعيفات الرجاليّين لا تخلو من ثلاثة أقسام:
1 - حسيّة، أي: منقولة حتّى تنتهي إلى الحسّ المباشر الذي أبداه المعاصر للراوي.
2 - حدسيّة، أي: مبنيّة على حدس وأمارات اجتهاديّة وقرائن ظنّيّة.
3 - حسيّة وحدسيّة، أي: بعضها حسيّة وبعضها حدسيّة واجتهاديّة.
وما يجدر الالتفات إليه هو أنّ بناء العقلاء على اعتبار الأخبار الحسيّة أو
ص: 247
القريبة من الحسّ هي الأخبار التي تدلّ عليها الآثار الحسيّة الظاهرة والواضحة والقطعيّة، وأمّا أخبار أصحاب الأصول الرجاليّة فهي أخبار بعيدة عن مستندها القريب من الحسّ؛ للفجوة الزمنيّة الكبيرة التي بينها وبين الرواة، وهذا ما أوجب وقوع الاختلاف فيها، وهذا ما يستوجب معرفة الوسائط ووثاقتهم في أخبار الرجاليّين المرسلة.
تنبيه:
لا مانع من احتمال اطّلاع أصحاب الأصول الرجاليّة على وثاقة بعض الرواة عن طريق التواتر، ولكن لا يعني هذا الأمر القول بتواتر جميع أخبارهم المرسلة؛ لأنّ مصادرهم كانت معيّنة ومحدودة، ولا دليل على القول بأنّ جميع توثيقاتهم وتضعيفاتهم المرسلة متواترة، خصوصاً بعد وقوع الاختلاف بين هؤلاء الرجاليّين في تبيين أحوال الرواة، وهذا ما ينفي التواتر ويكشف اعتماد كلّ رجالي على المصادر المغايرة للآخر، بل نجد للواحد من هؤلاء الرجاليّين قولين في راوٍ واحد.
وعموماً فإنّ القول بأنّ إخبار أصحاب الأصول الرجاليّة في توثيقاتهم وتضعيفاتهم عن حسّ هو مجرّد احتمال، ولا يوجد ما يدلّ على هذا الاحتمال دون غيره.
إنّ الاطمئنان كالقطع في الحجّيّة، وهو عند العُرف مباين للظنّ، وعند العقلاء طريق من طرق إثبات جميع أمور معاشهم ومعادهم، ولا شكّ أنّ جميع الحجج الظنيّة يلزم انتهاؤها إلى الاطمئنان؛ لئلّا تستلزم الدور والتسلسل.
ص: 248
ويحصل هذا الاطمئنان من قول الرجالي في المجال الحسّي من باب حجّيّة خبر الثقة المفيد للاطمئنان، ويحصل في المجال الحدسي من باب الاستنباط إذا كان وفق القواعد والضوابط الصحيحة، ومع توفّر القرائن القطعيّة الموجبة للاطمئنان النوعي العقلائي.
إنّ السبب الأساسي الذي دفع المتأخّرون إلى قبول أقوال أصحاب الأصول الرجاليّة والقول بحجّيّتها هو الاعتقاد بأنّ تقييماتهم عبارة عن شهادات حسيّة واصلة إليهم بالتواتر والاستفاضة ممّن عاشرهم، وهذا ما دفعهم إلى قبول تقييماتهم والخضوع أمامها والتعبّد بها، ولكن الواقع خلاف ذلك، وتكشف الأدلّة بأنّ التضعيفات والتوثيقات التي جمعها أرباب الجرح والتعديل للرواة لم تكن كلّها حسيّة، بل أغلبها حدسيّة ومبتنية على اجتهاداتهم الشخصيّة أو آراء شيوخهم الاستنتاجيّة التي لا علم لنا بمستنداتها الاستدلاليّة.
والبحث في معرفة الأسس والمعايير التي اعتمد عليها أصحاب الأصول الرجاليّة في جمعهم للمعلومات يكشف تأثّر كلّ واحد من أصحاب المعلومات بمذهبه الخاصّ في تقييم الرجال، وتكشف وجود تضارب في آرائهم الرجاليّة ومبانيهم في الجرح والتعديل، وهذا ما أدّى إلى وقوع الاختلاف في توثيقاتهم وتضعيفاتهم.
ولا يمكن الاستهانة بالنزاعات الكلاميّة ومذاهب أهل التقييم للرجال وتأثيرها الكبير على بلورة قناعاتهم وخلق الانطباع في أنفسهم ليقوموا من
ص: 249
خلال ذلك بتقييم وثاقة الرواة وضعفهم، ولا سيّما في مجال الجرح والطعن والتضعيف، ولهذا نجد بأنّ أبرز معيار عند الرجاليّين لتقييم الراوي هو النظر إلى مبانيه الكلاميّة وتوجّهاته العقديّة واتّجاهاته الفكريّة ومدرسته الكلاميّة التي ينتمي إليها ومضامين الروايات التي يرويها، فإن لم تكن رواياته منسجمة مع انتماءاتهم قاموا بجرحه وتضعيفه للحدّ من تأثيره العقائدي في الساحة الاجتماعيّة.
ولم يكن التوثيق والتضعيف في الواقع على سلوك الراوي من الناحية الأخلاقيّة، وما هو معروف عن شخصيته الاجتماعيّة بنقل شهادات حسيّة مستندة بحيث يتّصل سندها إلى مَن عاشر الراوي وشهد عليه بالجرح أو التعديل.
وليس الكلام حول ما جاء به أصحاب الأصول الرجاليّة من تعديل أو تجريح نقلوه عن أشخاص عاصروا هؤلاء الرواة، بل الكلام حول الأشخاص الذين عاصروا الرواة وتدخّلت اجتهاداتهم في تقييمهم لوثاقة الرواة.
وتبيّن القرائن بأنّ تقييمات المتقدّمين الذين عاشروا الرواة لم تكن ناشئة من معرفة الطريق إلى الواقع فحسب، بل أثّرت فيهم طبائعهم النفسيّة واجتهاداتهم الشخصيّة والتيارات الحاكمة على تبيين أحوال الرواة وتعديلهم وتجريحهم.
1 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية: «قد اتّفق لكثير من العلماء جرح بعض، فلمّا استُفسر ذَكر ما لا يصلح جارحاً. قيل
ص: 250
لبعضهم: لم تَركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون، وسُئل آخر عن رجل من الرواة، فقال: ما أصنع بحديثه، ذُكر يوماً عند حمّاد فامتخط حمّاد»(1)، وهذا ما يكشف تدخّل الأمور المزاجيّة في بعض الأحيان في جرح بعض الرواة والطعن بهم.
2 - قال الوحید البهبهاني (ت 1206 ﻫ) في فوائده الرجاليّة: «اعلم أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء سيّما القمّيّين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للأئمّة علیهم السلام منزلة خاصّة من الرفعة والجلالة ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي ارتفاعاً وغلوّاً على حسب معتقدهم حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض الذي اختلف فيه كما سنذكر، أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم، وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به سيّما بجهة أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة، مخلوطين بهم مدلّسين.
وبالجملة الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصوليّة أيضاً، فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غير ذلك، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذلك، وربّما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم
ص: 251
كما أشرنا آنفاً وادّعاه أرباب المذاهب كونه منهم أو روايتهم عنه، وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه إلى غير ذلك، فعلى هذا ربّما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة»(1).
وقال الوحيد البهبهاني أيضاً: «وبالجملة أكثر الأجلّة ليسوا بخالصين عن أمثال ما أشرنا إليه، ومن هذا يظهر التأمّل في ثبوت الغلوّ وفساد المذهب بمجرّد رمي علماء الرجال إليهما من دون ظهور الحال، وقد أشرنا إليه في الفوائد»(2).
وهذا ما يكشف بأنّ جرح وتضعيفات ابن الغضائري والمتقدّمين من القمّيّين مبنيّة على آراء اجتهاديّة وقناعات شخصيّة، ولم تكن وفق المعيار الرجالي العُرفي وظاهر السلوك الأخلاقي.
3 - قال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) حول بعض الرجاليّين في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: «ولمّا رأيناهم يضعّفون بعض الأصحاب لبعض الأشياء والمعجزات كثيراً، لا نجزم بقولهم بمجرّد(3) ما لم يذكروا سبب القدح كما ذكره جماعة من لزوم ذكر سبب الجرح في الجارح، فإنّ للناس فيه مذاهب مختلفة وآراء مشتّتة، والله تعالى يعلم»(4).
4 - قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) في كتابه بحار الأنوار: «أفرط
ص: 252
بعض المتكلّمين والمحدّثين في الغلوّ؛ لقصورهم عن معرفة الأئمّة علیهم السلام ، وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات؛ لنقلهم بعض غرائب المعجزات»(1).
وقال العلّامة المجلسي في كتابه مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول علیهم السلام في ردّ تضعيف الحسن بن العباس بن حريش: «لكن يظهر من كتب الرجال أنّه لم يكن لتضعيفه سبب إلّا رواية هذه الأخبار العالية الغامضة التي لا يصل إليها عقول أكثر الخلق، والكتاب كان مشهوراً عند المحدّثين، وأحمد بن محمّد روى هذا الكتاب مع أنّه أخرج البرقي عن قم بسبب أنّه كان يروي عن الضعفاء، فلو لم يكن هذا الكتاب معتبراً عنده لما تصدّى لروايته، والشواهد على صحّته عندي كثيرة»(2).
5 - قال سليمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال: «قد يقال: إنّ في قبول الجرح مطلقاً كلاماً، وإنّ مذهب أكثر المحدّثين عدم قبوله إلّا مع بيان السبب الموجب له؛ لاختلاف الناس فيما يوجبه، فربّما أطلق بعضهم القدح بشيء بناء على أمر اعتقده جرحاً وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بدّ من بيان سببه حينئذ ليعتبر»(3).
6 - قال الميرزا حسين النوري (ت 1320 ﻫ) في كتابه مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: «قد كانت جملة من المسائل المتعلّقة بالمعارف عند جماعة من أعاظم هذا العصر من المناكير التي يضلّلون معتقدها وينسبونه إلى الاختلاط،
ص: 253
كوجود عالم الذرّ والأظلّة عند الشيخ المفيد، وطيّ الأرض عند علم الهدى، ووجود الجنّة والنار الآن عند أخيه الرضي، وأمثال ذلك ممّا يتعلّق بمقاماتهم علیهم السلام وغيره، مع تواتر الأخبار بها وصيرورتها كالضروريّات في هذه الأعصار، وظاهر أنّ من يرى الذي يروي خلاف ما اعتقده ينسبه إلى الاختلاط بل الزندقة، ومن سبر روايات جابر في هذه الموارد وغيرها يَعرف أنّ نسبة الاختلاط إليه اعتراف له ببلوغه المقامات العالية والذروة السامية من المعارف»(1).
7 - قال الشيخ علي الخاقاني (ت 1334 ﻫ) في رجاله: «إنّ الرمي بما يتضمّن عيباً فضلاً عن فساد العقيدة ممّا لا ينبغي الأخذ به والتعويل عليه بمجرّده، بل لا يجوز؛ لما في ذلك من المفاسد الكثيرة العظيمة، إذ لعلّ الرامي قد اشتبه في اجتهاده، أو عوّل على من يراه أهلاً في ذلك وكان مخطئاً في اعتقاده، أو وجد في كتابه أخباراً تدلّ على ذلك وهو بريء منه ولا يقول به، أو ادّعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة أنّه منهم وهو كاذب، أو روى أخباراً ربّما تُوهِم من كان قاصراً أو ناقصاً في الإدراك والعلم أنّ ذلك ارتفاع وغلوّ وليس كذلك، أو كان جملة من الأخبار التي يرويها ويحدّث بها ويعترف بمضامينها ويصدّق بها من غير تحاش واتّقاء من غيره من أهل زمانه، بل يتجاهر بها لا تتحمّلها أغلب العقول؛ فلذا رُمي، ولقد كان هو السبب في رمي نفسه؛ إذ ما كلّ ما يعلم يقال، ولا كلّ ما يقال حضر أهله، ولا كلّ ما حضر أهله حان وقته، وهذا ميزان لا بدّ من ملاحظته في سائر موارده»(2).
8 - قال عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ): «لا يعوّل على رمي القدماء
ص: 254
للرواة بالغلوّ، ولا يصحّ تصديقهم بالتضعيف إلّا بعد الوقوف على رواياتهم الدالّة دلالة صريحة على الغلوّ، وهذه فائدة جليلة ينبغي التنبّه إليها، وتطبيقها في الموارد اللازمة، فتفطّن»(1).
وقال المامقاني أيضاً: «إنّ المتتبّع النيقد يجد أنّ أكثر من رُمي بالغلوّ بريء من الغلوّ في الحقيقة، وأنّ أكثر ما يعدّ اليوم من ضروريّات المذهب في أوصاف الأئمّة علیهم السلام كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلوّ»(2).
وقال المامقاني في ترجمة أحمد بن الحسين بن سعيد الأهوازي: «ولعلّ من التفت إلى ما في رمي القمّيّين بالغلوّ من النظر حتّى أنّهم عدّوا نفي السهو عن النبي صلی الله علیه واله والأئمّة علیهم السلام غلوّاً، والتفت إلى أنّ اقتصار النجاشي رحمة الله والشيخ على نقل الرمي بالغلوّ من القمّيّين يستشمّ منه توقّفهما فيه، ولاحظ أخبار الرجل وأحاديثه المرويّة في كتب الأخبار الصريحة في خلاف الغلوّ»(3).
وقال المامقاني في ترجمة محمّد بن سنان الخزائي: «قد بيّنّا مراراً عديدة أنّه لا وثوق لنا برميهم رجلاً بالغلوّ؛ لأنّ ما هو الآن من الضروري عند الشيعة في مراتب الأئمّة علیهم السلام كان يومئذ غلوّاً»(4).
وهذا ما يكشف بأنّ معتمد علماء الرجال في الجرح والطعن هو النظر إلى مرويّات الراوي، ولحاظ مدرسته الفكريّة، والقيام بالجرح عند مخالفتهم مع الراوي في هذا المجال.
ص: 255
9 - قال المیرزا أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ﻫ) في كتابه سماء المقال في علم الرجال حول ابن الغضائري ورجاله: «إنّ الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره أنّه كان يرى نقل بعض غرائب الأمور من الأئمّة علیهم السلام من الغلوّ على حسب مذاق القمّيّين، فكان إذا رأى من أحدهم ذكر شيء غير موافق لاعتقاده فيهم عنهم يجزم بأنّه من الغلوّ، فيعتقد بكذبه وافترائه، فيحكم بضعفه وغلوّه، ولذا تكثر حكمه بهما في غير محلّهما»(1)، ثمّ ذكر الكلباسي بعض الشواهد على ذلك(2).
10 - قال الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني في كتابه مجموعة الرسائل: «ربّما كان رجل عند شخص غال وهو صحيح المذهب عند غيره، وهذا باب يدخل فيه اجتهاد الرجاليّين وآراؤهم في الغلوّ، بل وغلوّهم في أمر الغلوّ وشدّة تحفظّهم عن الوقوع فيه، فيتّهم بعضهم على حسب اجتهاده أو رأيه رجلاً بالغلوّ في حين أنّه يراه غيره مستقيم المذهب، فالاعتماد على حكم البعض بالغلوّ إنّما يجوز إذا كان ما هو الملاك عنده في الغلوّ معلوماً لنا وملاكاً عندنا أيضاً، وكان مستنده في إسناد الغلوّ إليه أيضاً معتبراً عندنا، فلا اعتماد على الاجتهاد والشهادة الحدسيّة، وإلّا فلا عبرة برميه به، ولا نحكم عليه به فضلاً من أن نعدّ ذلك موجباً لعدم الاعتماد على رواياته، سيّما إذا كان الرجل من المشايخ وتلامذة الشيوخ، موصوفاً بالصدق والوثاقة»(3).
11 - قال الشيخ السبحاني في كتابه كلّيّات في علم الرجال: «إنّ أكثر
ص: 256
علماء الرجال أو من كان ينقل عنه علماء الرجال لم يكن عندهم ضابطة خاصّة لتضعيف الراوي من حيث العقيدة، بل كلّما لم تنطبق عقيدة الراوي عقيدته(1) رماه بالغلوّ والضعف في العقيدة، وربّما يكون نفس الرامي مخطئاً في اعتقاده بحيث لو وقفنا على عقيدته لحكمنا بخطئه، أو وقف في كتاب الراوي على أخبار نقلها هو من غير اعتقاد بمضمونها فزعم الرامي أنّ المؤلّف معتقد به، إلى غير ذلك مما يورث سوء الظنّ، مثل ما إذا ادّعى بعض أهل مذاهب الفاسدة أنّ الراوي منهم وليس هو منهم»(2).
من الشواهد الدالّة على لحاظ الرجاليّين عقيدة الراوي وخصوصاً الغلوّ والارتفاع والتخليط، ولحاظهم مضامين الروايات التي يرويها الراوي، وترتيب الأثر على ذلك في تقييمهم لأحوال الراوي، وحكمهم عليه بالجرح والتعديل من خلال ذلك:
1 - ضعّف الشيخ الطوسي والنجاشي محمّد بن أورمة، وقال الشيخ الطوسي: في رواياته تخليط، وأنّه طعن عليه بالغلوّ(3)، وقال النجاشي: ذكره
ص: 257
القمّيّون وغمزوا عليه، ورموه بالغلوّ(1)، وفي المقابل أبرأه ابن الغضائري عمّا غُمز به، وقال بأنّ حديثه نقي لا فساد إلّا في أوراق موضوعة عليه(2).
2 - ذكر الشيخ الطوسي حول سفيان بن مصعب العبدي هذا الحديث: «قال أبو عبد الله علیه السلام : يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبدي فإنّه على دين الله، قال أبو عمرو(3): في أشعاره ما يدلّ على أنّه كان من الطيّارة»(4)، والطيّارة وصف للمغالين.
3 - قال النجاشي في ترجمة علي بن محمّد بن شيرة القاساني أو القاشاني: «كان فقيهاً، مُكثراً من الحديث، فاضلاً، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسى،
ص: 258
وذكر أنّه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما يدلّ على ذلك»(1).
4 - قال النجاشي في ترجمة علي بن حسّان بن كثير الهاشمي: «ضعيف جدّاً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد، له كتاب تفسير الباطن، تخليط كلّه»(2).
5 - قال النجاشي في ترجمة الحسن بن محمّد بن يحيى: «روى عن المجاهيل أحاديث منكرة، رأيت أصحابنا يضعّفونه»(3).
6 - قال النجاشي في ترجمة علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي: «غلا في آخر أمره، وفسد مذهبه، وصنّف كتباً كثيرة أكثرها على الفساد»(4)، وقال الغضائري في ترجمته: «علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي المدّعي العلويّة، كذّاب غال، صاحب بدعة ومقالة، رأيت له كتباً كثيرة، لا يلتفت إليه»(5).
7 - قال ابن الغضائري في ترجمة أحمد بن الحسين بن سعيد بن حمّاد بن مهران: «قال القمّيّون: كان غالياً، وحديثه فيما رأيته سالم، والله أعلم»(6)، وقال النجاشي في ترجمته: «روى عن جميع شيوخ أبيه إلّا حمّاد بن عيسى فيما زعم أصحابنا القمّيّون، وضعّفوه، وقالوا: هو غال، وحديثه يُعرف ويُنكر»(7).
ص: 259
8 - قال العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) في ترجمة إبراهيم بن سليمان في كتابه خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: «ضعّفه ابن الغضائري فقال: إنّه يروي عن الضعفاء، وفي مذهبه ضعف، والنجاشي وثّقه أيضاً كالشيخ، فحينئذ يقوى عندي العمل بما يرويه»(1).
9 - قال العلّامة الحلّي في ترجمة إسماعيل بن مهران: «قال الشيخ أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري رحمة الله : إنّه يُكنّى أبا محمّد، ليس حديثه بالنقي، يضطرب تارة ويصلح أخرى، ويروي عن الضعفاء كثيراً، ويجوز أن يخرّج شاهداً، والأقوى عندي قبول روايته؛ لشهادة الشيخ أبي جعفر الطوسي والنجاشي له بالثقة، قال الكشّي: حدّثني محمّد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن عن إسماعيل بن مهران، قال: رمي بالغلوّ، قال محمّد بن مسعود: يكذبون عليه، كان تقيّاً ثقة خيراً فاضلاً»(2).
10 - قال العلّامة الحلّي في ترجمة محمّد بن خالد بن عبد الرحمن: «ثقة، وقال ابن الغضائري: إنّه مولى جرير بن عبد الله، حديثه يُعرف ويُنكر، ويروي عن الضعفاء كثيراً، ويعتمد المراسيل، وقال النجاشي: إنّه ضعيف الحديث، والاعتماد عندي على قول الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمة الله من تعديله»(3).
11 - قال العلّامة الحلّي في ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين: «اختلف علماؤنا في شأنه، فقال شيخنا الطوسي رحمة الله : إنّه ضعيف، استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما يختصّ بروايته،
ص: 260
قال الشيخ: وقيل: إنّه يذهب مذهب الغلاة، وقال الكشّي: حدّثني علي بن محمّد القتيبي قال: كان الفضل بن شاذان يحبّ العُبيدي، ويثني عليه، ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه مثله، وعن جعفر بن معروف أنّه ندم إذ لم يستكثر منه، وقال النجاشي: إنّه جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، وروى عن أبي جعفر الثاني علیه السلام مكاتبة ومشافهة، وذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه، قال: ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون: من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى»(1).
12 - قال العلّامة الحلّي في ترجمة محمّد بن سنان: «قد اختلف علماؤنا في شأنه، فالشيخ المفيد رحمة الله قال: إنّه ثقة، وأمّا الشيخ الطوسي رحمة الله فإنّه ضعّفه، وكذا قال النجاشي، وابن الغضائري قال: إنّه غال ضعيف لا يلتفت إليه، وروى الكشّي فيه قدحاً عظيماً، وأثنى عليه أيضاً، والوجه عندي التوقّف فيما يرويه»(2).
13 - قال الشيخ عنایة الله القهبائي (كان حيّاً سنة 1016 ﻫ) في ترجمة علي بن العبّاس في كتابه مجمع الرجال: «علي بن العبّاس الجراذيني أبو الحسن الرازي، مشهور، له تصنيف في الممدوحين والمذمومين يدلّ على خبثه وتهالك مذهبه، لا يُلتفت إليه، ولا يُعبأ بما رواه»(3).
والغريب في الأمر أنّ جَرح البعض لمن اختلفوا معهم لم يقتصر على وصفه بالغلوّ والتفويض، بل وصل إلى الافتراء عليه بالكذب والوضع،
ص: 261
وهذه ظاهرة خطيرة جدّاً؛ لأنّ المتبادر من وصف الراوي بالكذب والوضع أنّها شهادة حسيّة، وليست مقولة اجتهاديّة قائمة على الحدس والاستنباط، ولكن يبدو أنّ شدّة تعصّب البعض دفعهم إلى اتّخاذ مواقف حادّة بعيدة الإنصاف.
لا يخفى بأنّ الأصل في الجرح والتعديل هو كلمات قدماء الأصحاب، وقال السيّد بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) حول هؤلاء الأشخاص: «أصحاب الجرح والتعديل من القدماء: ابن فضّال، ابن عقدة، ابن نمير، ابن النديم، ابن نوح، محمّد بن عبد الله بن أبي حكيمة، يروي عن ابن نمير، يروي عنه ابن عقدة في الجرح والتعديل(1)»(2).
ورد في رجال الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا، منهم ابن بكير، وابن فضّال، يعني الحسن بن علي، وعمّار الساباطي، وعلي بن أسباط، وبنو الحسن بن علي بن فضّال: علي وأخواه، ويونس بن يعقوب، ومعاوية بن حكيم، وعدّ عدّة من أجلّة العلماء»(1).
قال النجاشي (ت 450 ﻫ) في رجاله حول ابن عقدة: «كان كوفيّاً زيديّاً جاروديّاً على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم ومداخلته إيّاهم وعظم محلّه وثقته وأمانته»(2).
قال الشیخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابه الفهرست حول ابن عقدة: «كان زيديّاً جاروديّاً، وعلى ذلك مات، وإنّما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة رواياته عنهم وخلطته بهم وتصنيفه لهم»(3).
قال ابن حجر العسقلاني (ت 852 ﻫ) في كتابه تقريب التهذيب حول ابن نمير: «عبد الله بن نمير - بنون مصغّر - الهمداني أبو هشام الكوفي، ثقة صاحب حديث من أهل السنّة من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين وله أربع وثمانون»(4).
ص: 263
قال السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ) في كتابه معجم رجال الحديث: «محمّد بن إسحاق أبي يعقوب(1) النديم: أبو الفرج صاحب الفهرست المعروف بفهرست ابن النديم، ذكره النجاشي في ترجمة بندار بن محمّد بن عبد الله، وقد نقل عن فهرسته الشيخ الطوسي قدس سره في الفهرست في موارد، منها: ترجمة داود بن أبي زيد، أقول: الظاهر أنّ الرجل من العامّة، وإلّا لترجمه النجاشي والشيخ في كتابيهما، ولم يثبت وثاقته أيضاً، فإنّ مجرّد نقل النجاشي والشيخ عنه لا يدلّ على وثاقته»(2).
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابه الفهرست حول ابن نوح: «أحمد بن محمّد بن نوح، يُكنّى أبا العبّاس، السيرافي، سكن البصرة، واسع الرواية، ثقة في روايته، غير أنّه حكي عنه مذاهب فاسدة في الأصول، مثل القول بالرؤية وغيرها»(3).
قال السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ) في كتابه معجم رجال الحديث حول ابن أبي حكيمة: «إنّ محمّد بن عبد الله بن أبي حكيمة مجهول»(4).
ص: 264
1 - عبيد الله بن أبي رافع (النصف الثاني من القرن الأوّل): «كاتب أمير المؤمنين علیه السلام ... له كتاب تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام الجمل وصفّين والنهروان من الصحابة»(1)، وعدّه الآقا بزرك الطهراني أوّل مصنّف في أسماء الرجال(2).
2 - جعفر بن بشير البجلي (ت 208 ﻫ): «جعفر بن بشير البجلي بالولاء، أبو محمّد الوشاء فاضل، من أهل الكوفة، مات بالأبواء في طريقه إلى مكة، له كتب، منها: المشيخة»(3).
3 - عبد الله بن جبلة الكناني (ت 219 ﻫ): «كان عبد الله واقفيّاً ... له كتب، منها: كتاب الرجال ... ومات عبد الله بن جبلة سنة تسع عشرة ومائتين»(4)، وقال السيّد حسن الصدر: «إنّه أوّل من صنّف في علم المغازي والسير في الإسلام»(5).
ص: 265
4 - الحسن بن علي بن فضّال (ت 224ﻫ): «له ... كتاب الرجال، مات الحسن سنة أربع وعشرين ومائتين»(1).
5 - الحسن بن محبوب السرّاد (ت 224ﻫ): «روى عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ... له كتب كثيرة، منها: المشيخة»(2)، وكتاب «معرفة رواة الأخبار»(3).
6 - محمّد بن عيسى اليقطيني: «روى عن أبي جعفر الثاني علیه السلام ... له من الكتب ... كتاب الرجال»(4).
7 - أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 273ﻫ): «صنّف كتباً كثيرة، منها: ... كتاب طبقات الرجال»(5).
8 - أحمد بن علي بن محمّد العقيقي (ت 280ﻫ): «صنّف كتباً وقع إلينا منها: ... كتاب تاريخ الرجال»(6).
9 - إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي (ت 283ﻫ): «له مصنّفات كثيرة انتهى إلينا منها: ... أخبار المختار ... أخبار زيد، أخبار محمّد وإبراهيم، أخبار من قتل من آل أبي طالب ... مات إبراهيم بن محمّد الثقفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين»(7).
ص: 266
10 - علي بن الحسن بن علي بن فضال الكوفي (نحو 290 ﻫ): «علي بن الحسن بن علي بن فضّال، أبو الحسن فاضل، من أهل الكوفة، من فقهاء الإماميّة، يعدّونه من الثقات، له كتب، منها: ... كتاب في الرجال»(1).
11 - سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (ت 301 ﻫ): «لقي مولانا أبا محمّد علیه السلام ... وصنّف سعد كتباً كثيرة، وقع إلينا منها: ... كتاب مثالب رواة الحديث ... توفّي سعد رحمة الله سنة إحدى وثلاثمائة، وقيل: سنة تسعة وتسعين ومائتين»(2).
12 - علي بن أحمد العقيقي (كان حيّاً سنة 305 ﻫ)(3): «له كتب، منها: ... كتاب الرجال»(4).
13 - حميد بن زياد بن حمّاد الدهقان (ت 310 ﻫ): «صنّف ... كتاب الرجال، كتاب من روى عن الصادق علیه السلام ... ومات حميد سنة عشر وثلاثمائة»(5).
14 - محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي، أبو النضر، المعروف بالعيّاشي (ت 320 ﻫ): «صنّف أبو النضر كتباً، منها: ... كتاب معرفة الناقلين»(6)، والعيّاشي هو أستاذ الكشّي (ت 350 ﻫ) الذي ألّف
ص: 267
كتاب (معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين علیهم السلام ) في رجال الشيعة.
15 - محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت 329 ﻫ): «له غير كتاب الكافي ... كتاب الرجال ... مات أبو جعفر الكليني رحمة الله ببغداد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة»(1).
16 - عبد العزيز بن يحيى بن أحمد الجلودي (ت بعد 330 ﻫ): «له كتب قد ذكرها الناس، منها: ... كتاب رسائل علي علیه السلام ، كتاب من روى عنه من الصحابة»(2).
17 - حمزة بن القاسم بن علي أبو يعلى (كان حيّاً سنة 339 ﻫ)(3): «له كتاب من روى عن جعفر بن محمّد علیه السلام من الرجال، وهو كتاب حسن»(4).
18 - أحمد بن محمّد بن عمّار الكوفي (ت 346 ﻫ)(5): «له كتاب الممدوحين والمذمومين، وهو كتاب كبير»(6).
19 - أحمد بن محمّد بن الحسين القمّي (ت 350 ﻫ): «له مائة كتاب ... كتاب الطبقات ... وجاء وفاة أحمد بن محمّد بن دول سنة خمسين وثلاثمائة»(7).
ص: 268
20 - محمّد بن أحمد بن داود (ت 368 ﻫ): «شيخ القمّيّين في وقته وفقيههم ... صنّف كتباً: ... كتاب الممدوحين والمذمومين ... ومات أبو الحسن بن داود سنة ثمان وستّين وثلاثمائة»(1).
21 - محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ): «له كتب كثيرة، منها: ... كتب المصابيح ...كتاب المعرفة برجال البرقي»(2)، وكتب المصابيح هي خمسة عشر مصباحاً في ذكر الرواة عن المعصومين علیهم السلام ، وله أيضاً المشيخة التي ذكر فيه مشايخه في الرجال، وهم يزيدون عن مائتي شيخ، طُبعت في آخر كتاب من لا يحضره الفقيه.
22 - أحمد بن محمّد بن عبيد الله الجوهري (ت 401 ﻫ): «له كتب، منها: ... كتاب الاشتمال على معرفة الرجال ... مات سنة إحدى وأربعمائة»(3).
23 - أحمد بن عُبدون (ت 423 ﻫ)، وهو من مشايخ النجاشي والشيخ الطوسي(4)، وله كتاب «الفهرس»(5).
24 - أحمد بن علي بن العبّاس السيرافي، أستاذ الشيخ النجاشي (ت 450ﻫ): «له كتب كثيرة، أعرف منها: كتاب المصابيح في ذكر من روى عن الأئمّة علیهم السلام لكلّ إمام»(6).
ص: 269
25 - محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي: «له ... كتاب مناقب الرجال»(1).
26 - محمّد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المحاربي، قال النجاشي في وصفه: «خبير بأمور أصحابنا، عالم ببواطن أنسابهم، له كتاب الرجال»(2).
27 - محمّد بن عمر بن محمّد، المعروف بالجعابي: «له كتاب الشيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم، وهو كتاب كبير»(3).
وغير ذلك من المصنّفين القدماء، وقد أحصى أكبر عدد ممكن من أسمائهم الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال.
تنبيهان:
1 - لم تصل إلينا هذه الكتب إلّا رجال البرقي ومشيخة الصدوق؛ لأنّ أصولنا الرجاليّة المهمّة دوّنت في القرنين الرابع والخامس، فاستغنى الناس بها، وأهملوا الكتب التي قبلها؛ لانتفاء الحاجة إليها بعد وجود ما هو أفضل منها، فاندثرت الكتب السابقة بمرور الزمان، وضاعت أعيانها الشخصيّة، وعَفَا أثرها، ولا يخفى بأنّ رجال البرقي ومشيخة الصدوق لا يمكن عدّهما من الكتب الرجاليّة بالمعنى الاصطلاحي؛ لعدم اهتمامهما بتعديل وتجريح الرواة.
2 - لا يمكن معرفة صلة هذه الكتب بعلم الرجال؛ لأنّها مجرّد عناوين
ص: 270
عامّة، ولا علم لنا بمحتواها، وربّما تكون مشيخة تتضمّن أسماء الشيوخ لا
أكثر، أو تكون كتباً تاريخيّة تتضمّن أسماء أشخاص حضروا في واقعة معيّنة فقط من دون بيان جرح أو تعديل أو إعطاء معلومة تنفع الرجاليّين في تقييم أسانيد الروايات.
المرحلة الأولى: الأصول الرجاليّة (دورة التأسيس) (القرن 4 - 5)
1 - رجال الكشّي (ت 350 ﻫ).
2 - رجال النجاشي (ت 450 ﻫ).
3 - فهرست الطوسي (ت 460 ﻫ).
4 - رجال الطوسي (ت 460 ﻫ).
بقيّة الكتب الرجاليّة في دورة التأسيس (غير الأصول الرجاليّة):
1 - رجال البرقي (ت 280 ﻫ).
2- رسالة أبي غالب الزرازي (ت 368 ﻫ).
المعروف أنّ الأصول الرجاليّة المعتمدة أربعة، وهي: رجال الكشّي، ورجال النجاشي، وفهرست الطوسي، ورجال الطوسي؛ لأنّها أمّهات الكتب الرجاليّة، وهي الأصول المعتمدة في هذا المجال، وعليها مدار معرفة أحوال الرواة وفق المنهج التقليدي.
وعدّ البعض الأصول الرجاليّة خمسة بزيادة رجال البرقي، وعدّها البعض الآخر ثمانية؛ لأنّ هذه الكتب الثمانية تشكّل جميع تراث القدماء، مع الاعتراف بأنّها لا تقاس في القيمة مع الكتب الأربعة الأولى، فأضاف: رسالة أبي غالب الزرازي، ومشيخة الصدوق، ومشيخة الطوسي، وذُكر رجال ابن الغضائري أيضاً في هذه المرحلة، ولكنّه لم يصل إلينا.
ص: 271
وما يجدر الالتفات إليه هو أنّ أقوال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) وآراءه تشكّل الحجر الأساس لجميع الكتب الرجاليّة التي جاءت من بعده؛ لأنّه مصنّف ثلاثة كتب من الأصول الرجاليّة الأربعة.
المرحلة الثانية: المصادر الثانويّة للكتب الرجاليّة (القرن 6 - 8):
1 - فهرست الشيخ منتجب الدين (ت بعد سنة 585 ﻫ).
2 - معالم العلماء، لابن شهر آشوب (ت 588 ﻫ).
3 - رجال ابن داود (ت بعد سنة 707 ﻫ).
4 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، للعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ).
المرحلة الثالثة: الجوامع الرجاليّة في العصور المتأخّرة (دورة التنقيح) (القرن 11 - 13).
1 - جامع الرواة، للأردبيلي (كان حيّاً سنة 1101 ﻫ).
2 - التحرير الطاووسي، لابن الشهيد الثاني (ت 1011 ﻫ).
3 - منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، للأسترآبادي (ت 1028 ﻫ).
4 - مجمع الرجال، للقهبائي (ت 1031 ﻫ).
5 - نقد الرجال، للتفرشي (ق 11 ﻫ).
6 - منتهى المقال في أحوال الرجال، للحائري (ت 1216 ﻫ).
المرحلة الرابعة: الجوامع الرجاليّة الدارجة على منهج القدماء (القرن 14 - 15).
1 - بهجة الآمال في شرح زبدة المقال، للعلي ياري (ت 1327 ﻫ).
2 - تنقيح المقال في علم الرجال، للمامقاني (ت 1351 ﻫ).
3 - قاموس الرجال، للتستري (ت 1415 ﻫ).
ص: 272
المرحلة الخامسة: الجوامع الرجاليّة الحديثة والمتطوّرة (القرن 14 - 15)
1 - طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، للجابلقي البروجردي (ت 1313 ﻫ).
2 - الموسوعة الرجاليّة (ترتيب الأسانيد)، للسيّد حسين البروجردي (ت 1380 ﻫ).
3 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، للسيّد الخوئي (ت 1413ﻫ).
تنبيه:
ألّف الشيخ آقا بزرك الطهراني كتاباً أسماه: مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال، فأحصى ما يقارب ستّمائة وستّين مؤلّفاً شيعيّاً له كتاب حول أحوال الرواة(1).
قام علماء الرجال بعد مرحلة تأليف الأصول الرجاليّة على تطوير هذه الأصول من خلال العمل في مختلف المجالات، منها:
1 - جمع الكلمات.
2 - التنظيم.
3 - التعليق.
4 - الشرح.
5 - الاختصار.
6 - الترجمة.
7 - رفع النقصان.
8 - حلّ الإشكال.
9 - تأسيس الضوابط.
ص: 273
وغيرها من الأعمال التي أدّت إلى توسيع هذا العلم وتطوير مناهجه؛ لأنّ معرفة القواعد والمباني التي اعتمد عليها القدماء في توثيق وتضعيف الرواة تفتح لمن جاء بعدهم باب الاجتهاد والاستنباط والتدقيق في هذا الحقل للتوصّل إلى النتائج الجديدة في هذا المجال.
1 - روايات كتب الحديث المتضمّنة مدح أو ذمّ الأئمّة علیهم السلام لبعض الرواة.
2 - تصريحات وإشارات بعض مصنّفي كتب الحديث، من قبيل: إشارات الشيخ الكليني والشيخ الصدوق في شأن بعض الرواة، وذكر الشيخ الطوسي أسماء بعض الوكلاء المذمومين ومدّعي الوكالة في كتاب الغيبة.
3 - التوثيقات والتضعيفات الاجتهاديّة المذكورة في كتب الفقه الاستدلاليّة حسب المباني الفقهيّة.
4 - كتب التاريخ، فهي حافلة بأخبار مختلف الرجال، منها ما ترتبط بأحوال الرواة وأصحاب الفرق والمذاهب ما يوجب لهم المدح أو الذمّ الذي لم يُذكر في كتب الرجال.
5 - كتب الأنساب، فهي قد تكون مصدراً مهمّاً في تضعيف الرواة، مثلاً فيما لو ادّعى شخص نسباً كذباً وزوراً.
6 - كتب التراجم، فهي تتضمّن تراجم بعض الرواة والمحتوية على المعلومات المؤثّرة في معرفة أحوالهم ممّا لم تذكر في كتب الرجال، فتكون مصدراً لتوثيق أو تضعيف الراوي أو تكون من مرجّحات الطعن أو الوثاقة.
ص: 274
7 - الكتب المؤلّفة حول الفِرق الإسلاميّة، فهي قد تتضمّن معلومات ترتبط بأحوال الرواة من خلال معرفة أصحاب مختلف المذاهب والفِرق وتبيين عقائدهم وآرائهم(1).
أبرز مناهج التصنيف في علم الرجال(2):
يتكفّل هذا المنهج عرض أسماء الرواة على شكل مجموعات بحيث تكون كلّ مجموعة متضمّنة للرواة الواقعين في الطبقة الواحدة، ومثال ذلك أن يُدرج في الطبقة الأولى أسماء الرواة عن رسول الله صلی الله علیه واله ، وفي الطبقة الثانية الرواة عن أمير المؤمنين علیه السلام ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الطبقات في عصر كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام ، وقد اتّبع الشيخ الطوسي هذا المنهج في كتابه اختيار معرفة الرجال.
يستهدف هذا المنهج درج أسماء الثقات ومن يُعتمد على حديثهم من الرواة في قسم، ودرج أسماء الضعفاء منهم في قسم آخر، وقد اتّبع العلّامة الحلّي هذا المنهج في كتابه خلاصة الأقوال في معرفة الرجال حيث رتّب كتابه على قسمين، فذكر من اعتمد على روايته أو يترجّح عنده قبول قوله في القسم الأوّل، وذكر الضعفاء ومن تُركت روايته أو توقّف فيه في القسم الثاني.
ص: 275
يقوم هذا المنهج بذكر أسماء الرجال حسب الحروف، وهو منهج معروف وشائع في علم الرجال، وقد اتّبعه الشيخ الطوسي والنجاشي في خصوص ترتيب أسماء الرجال.
مراحل تطوّر علم الرجال(1):
المرحلة الأولى: عصر رسول الله صلی الله علیه واله ، وهي مرحلة ظهور مبرّرات علم الرجال لكثرة الكذّابين في رواية الحديث، فحذّر رسول الله صلی الله علیه واله من هذه الظاهرة، ولعن الكذّابين في حياته وبعد وفاته، وأكّد على مرجعيّة أهل البيت علیهم السلام لمعرفة الحديث الصحيح من بعده.
المرحلة الثانية: عصر الأئمّة علیهم السلام ، وقد قام الأئمّة علیهم السلام في هذه المرحلة بمدح وذمّ وتوثيق وتضعيف بعض الرجال، والتحذير من بعض الكذّابين بأسمائهم.
المرحلة الثالثة: تدوين أسماء الرواة والاهتمام بكتابة المشيخة والتصنيف حول طبقات الرجال، والملاحظ أنّه لم يكن في هذه المرحلة أيّ اهتمام بتوثيق وتضعيف الرواة إلّا على شكل إشارات نادرة.
المرحلة الرابعة: التصنيف في علم الرجال مع ذكر أحوال الرواة بجرح أو تعديل وذكر مصنّفاتهم والطرق إليها، وهي المرحلة التي ظهرت فيها الأصول الرجاليّة الأربعة، وهي رجال الكشّي ورجال النجاشي والفهرست
ص: 276
والرجال للطوسي، وهي الكتب التي أصبحت مصدر الجرح والتعديل في علم الرجال، ومدار البحث والتحقيق لكلّ من جاء بعدهم.
1 - الاهتمام بتوثيق وتضعيف رواة الحديث والمصنّفين.
2 - تدوين فهارس مصنّفات الشيعة مع ذكر الطرق إليها.
3 - ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم ومواطن سكنهم.
4 - جمع نصوص الأئمّة علیهم السلام في مدح أو ذمّ بعض الرواة.
5 - إحصاء أكبر عدد ممكن من الرواة مع ذكر طبقاتهم.
المرحلة الخامسة: جمع التراث الرجالي والنظر فيه، وتبلورت هذه المرحلة بعد زوال الاضطهاد عن الشيعة وانهيار السلاجقة وتشييد حوزة الحلّة، وألّفت فيها كتب رجاليّة شكّلت مرحلة جديدة في علم الرجال، أهمّها: حلّ الإشكال في معرفة الرجال، لأحمد بن موسى المعروف بابن طاووس الحلّي (ت 673 ﻫ)، وكتاب رجال ابن داود الحلّي (ت 707 ﻫ)، وخلاصة الأقوال في معرفة الرجال، للعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ).
1 - جمع وتنظيم التراث المرتبط بتوثيق وتضعيف رواة الحديث.
2 - الدراسات النقديّة والتصحيحيّة لمضامين الأصول الرجاليّة.
3 - تصنيف الكتب حسب الممدوحين والمجروحين والمجهولين.
4 - تأسيس القواعد والضوابط والمباني الجديدة في علم الرجال.
ص: 277
5 - النظر في سند كلّ حديث بدل الاعتماد على الطرق للكتب.
المرحلة السادسة: الاعتماد على كتب الحديث في البحوث الرجاليّة، وتزامنت هذه المرحلة مع نشاط الأخباريّين في الأوساط العلميّة من بداية القرن الحادي عشر حتّى القرن الثالث عشر، فظهر في هذه المرحلة الاهتمام الكبير والواسع بالحديث، وجعله المحور الأساسي في البحوث العلميّة.
1 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد، للشيخ محمّد بن علي الأردبيلي (ت 1101 ﻫ).
2 - الوجيزة، المعروف برجال المجلسي، للشيخ محمّد باقر المجلسي (ت 1110 ﻫ)، وقال العلّامة المجلسي في مقدّمة هذا الكتاب: «التمس منّي جماعة من طالبي علوم أئمّة الدين صلوات الله عليهم أجمعين أن أكتب لهم في تحقيق أحوال رجال أسانيد الأخبار رسالة وجيزة أقتصر فيها على بيان ما اتّضح لي من أحوالهم، واشتهر عند أصحابنا رضي الله عنهم من أقوالهم، من غير تعرّض لخصوص الأقوال وقائليها، وترك المجاهيل لعدم الفائدة للتعرّض لها، على غاية الإيجاز والاختصار؛ ليسهل على الطالبين تحصيلها، ولا يعسر عليهم مصاحبتها وتحويلها، فأجبتهم إلى ذلك«(1).
3 - الفوائد الرجاليّة، للمحقّق محمّد بن إسماعيل المازندراني الخواجوئي (ت 1173 ﻫ)، وهو يتضمّن فوائد قال المؤلّف عنها في خطبة الكتاب: «هذه
ص: 278
فوائد وزوائد استفدت بعضها من الكتب المصنّفة في الرجال، وبعضها من كتب الأخبار، وبعضها من غيرهما من أبواب متفرّقة وأسباب متشتّتة»(1).
1 - أمل الآمل، للحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ)، ويتضمّن هذا الكتاب قسمين: الأوّل: سمّاه (أمل الآمل في علماء جبل عامل)، والآخر: (تذكرة المتبحّرين في ترجمة سائر العلماء المتأخّرين)، واتّبع العاملي في هذا الكتاب المنهجيّة السائدة في وصف أحوال الرجال عن طريق نقل كلمات المدح والتوثيق، وذكر التلميذ والأستاذ.
2 - رياض العلماء وحياض الفضلاء، للميرزا عبد الله الأفندي الأصبهاني (ت 1130 ﻫ).
1 - التعرّف على أحوال الراوي من خلال استقراء جميع الروايات التي يقع الراوي في سندها من أجل التعرّف على أحواله التالية:
أوّلاً: معرفة كمّيّة روايات الراوي ومقدارها، وهل هو قليل الرواية أو كثيرها.
ثانياً: معرفة ميزان علم الراوي وفقهه ومهارته وكماله وفهمه وذكائه، ومدى تضلّعه في الفقه والكلام والتاريخ والتفسير وغيرها من علوم أهل البيت علیهم السلام .
ص: 279
ثالثاً: معرفة مدى ضبط الراوي ووثاقته في النقل، وهل هو مخلّط أو مدلّس، من خلال مقارنة رواياته بعضها مع بعض، ومقايستها مع روايات الآخرين المشابهة لها في المعنى.
وهذا بخلاف الكتب الرجاليّة القديمة التي كانت تعتمد في معرفة أحوال الرواة على قول أصحاب الأصول الرجاليّة، وجعله المعيار في تمييز الثقات عن الضعاف.
2 - التعرّف على طبقة الراوي وشيوخه وتلاميذه من خلال استقراء جميع أسانيد الروايات، والتمييز بين الراوي والمروي عنه، وهذا ما ساعد على اكتشاف الخلل أو الحلقات المفقودة في الأسانيد.
3 - الاهتمام بجمع الحديث وتحقيقه ودراسة أسانيده، والقيام بتصحيح أكبر عدد ممكن من الأحاديث عن طريق تمييز المشتركات.
4 - ظهور التأليف في علم التراجم بشكل واسع، حيث كان هذا العلم مهملاً قبل هذه المرحلة، ولم يعتنَ به بالشكل المطلوب، ولم يكن له الاهتمام البالغ قبل هذه المرحلة.
5 - التأليف في إجازات الحديث وروايته، وإضافة توثيق جديد في البحث الرجالي.
المرحلة السابعة: ظهور المباني الجديدة والقواعد الكلّيّة في علم الجرح والتعديل، وبدأت هذه المرحلة بعد ظهور الوحيد البهبهاني (ت 1206 ﻫ) ليحسم الصراع لصالح المدرسة الأصوليّة، وشيّد البهبهاني قواعد جديدة لعلم الرجال في فوائده وتعليقاته على كتب الرجال، ثمّ جاء أتباعه من بعده ليسيروا على خطاه، وينحوا منحاه، ويقوموا بتطوير منهجه الرجالي.
ص: 280
1 - تعليقة على منهج المقال، للشيخ محمّد باقر أكمل الوحيد البهبهاني (ت 1206 ﻫ)، وهي فوائد توجّه إليها دون غيره، وضبطها وجعلها تكملة لما ذكره علماء الرجال وتتمّة لما اعتبروا، فأثبتها على شكل تعليقة على منهج المقال للمیرزا محمّد بن علي الأسترآبادي.
2 - رجال السيّد بحر العلوم، المعروف بالفوائد الرجاليّة، للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ﻫ)، وهو من تلاميذ الوحيد البهبهاني، وقد قسّم كتابه هذا إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: ذكر فيه أهمّ البيوت الرجاليّة المكتظّة بثقات الرواة كآل أعين وبني سابور، ثمّ استعرضها بالتوثيق أو النقد.
القسم الثاني: ذكر فيه أسماء الرواة عن النبي والأئمّة علیهم السلام حسب الحروف الألفبائيّة، ثمّ بيّن ما ذكره الرجاليّون حول توثيق هؤلاء الرواة أو تضعيفهم، ثمّ أبدى رأيه في ذلك بشكل مستدلّ وشامل.
القسم الثالث: ذكر فيه فوائد رجاليّة مهمّة، ولذلك اشتهر الكتاب بالفوائد الرجاليّة(1).
3 - عدّة الرجال، للسيّد محسن الأعرجي الكاظمي (ت 1227 ﻫ)، وهو من تلاميذ الوحيد البهبهاني، وقد قال في مقدّمة كتابه: «سألني أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ، الولد الموفّق علي أمدّه الله تعالى بالعمر المديد والعيش الرغيد أن أرسم في ذلك كتاباً جامعاً للفوائد، مجرّداً عن الزوائد، مبيّناً ما اجتمعوا
ص: 281
عليه واختلفوا فيه، منبّهاً على ما يقع به تميّز كلّ عمّا يشاركه، مشيراً إلى ما كان سلف للأستاذ(1) أيّده الله تعالى من التحقيق فيما علّق على المنهج» (2)، وقد تضمّن هذا الكتاب ثماني عشرة فائدة اهتمّت بتبيين وتطبيق القواعد الكلّيّة والأساسيّة في علم الرجال.
المرحلة الثامنة: الموسوعات الرجاليّة، وتميّزت البحوث الرجاليّة في هذه المرحلة بالعمق والشموليّة واستيعاب الكتب الرجاليّة السابقة والمباني العلميّة في هذا الباب، ومن أهمّ الموسوعات المؤلّفة في هذه المرحلة:
1 - تنقيح المقال في أحوال الرجال، للشيخ عبدالله المامقاني (ت 1351 ﻫ).
2 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، للسيّد أبي القاسم الخوئي (ت 1413 ﻫ).
3 - مستدركات علم الرجال، للشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت 1405 ﻫ).
4 - قاموس الرجال، للشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ).
1 - استيعاب المصنّفات الرجاليّة السابقة مع استقصاء الرواة غير المذكورين.
2 - دراسة أُصول علم الرجال والتحقيق في مختلف المدارس والمناهج الرجاليّة.
ص: 282
3 - الاهتمام بالراوي والمروي عنه وضبط الأسماء والأنساب لتمييز المشتركات.
4 - معرفة طبقات الرواة واستقصاء روايات كلّ راوٍ لدراستها والحكم عليها وعليه.
5 - الاستدراك على ما جاء في أسماء الرواة مع ذكر رواياتهم في الكتب الأربعة وغيرها.
6 - تشييد المباني الجديدة والاهتمام ببحثها كالتوثيقات العامّة والخاصّة في علم الرجال.
ص: 283
ص: 284
ص: 285
ص: 286
اسم الكتاب:
1 - معرفة الرجال(1).
2 - معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين علیهم السلام (2).
رمزه في الكتب (كش).
المؤلّف:
أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي (ت 350 ﻫ)(3).
1 - قال النجاشي (ت 450 ﻫ): «محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي أبو عمرو، كان ثقة، عيناً، وروى عن الضعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي(4)، وأخذ عنه، وتخرّج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم، له كتاب
ص: 287
الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة»(1).
2 - قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في الفهرست: «محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، يُكنّى أبا عمر، ثقة بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد، له كتاب الرجال»(2).
وقال الشيخ الطوسي في رجاله: «محمّد بن عمر بن عبد العزيز، يُكنّى أبا عمر الكشّي، صاحب كتاب الرجال، من غلمان العيّاشي، ثقة بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب»(3).
3 - قال العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ): «محمّد بن عُمر - بضمّ العين - بن عبد العزيز الكشّي، يُكنّى أبا عَمرو - بفتح العين - بصير بالأخبار وبالرجال، حسن الاعتقاد، كان ثقة، عيناً، روى عن الضعفاء، وصحب العيّاشي، وأخذ عنه، وتخرّج عليه، له كتاب الرجال، كثير العلم، إلّا أنّ فيه أغلاطاً كثيرة»(4).
اختفى رجال الكشّي وطواه الزمان فلم يُعلم له أثر، ولم يصل إلينا منه إلّا ما اختار الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) منه بعد تنقيحه، والذي سمّاه اختيار معرفة الرجال، والمعروف حاليّاً برجال الكَشّي.
ص: 288
قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ) حول كتاب معرفة الرجال: «وأمّا أصل كتاب الكشّي فلم نقِف عليه، ولم نقِف على من وقف عليه بعد السيّد جمال الدين أحمد بن طاووس قدس سره، فإنّه أيضاً قد اختار منه ومن كتب أُخر أخباراً ورتّبه وبوّبه، ولكنّا لم نعثر عليه(1)، وكان عند العلّامة رحمة الله ، وحذا حذوه، وكلّ ما ينقله عن الكشّي فإنّما ينقل عنه لا عن اختيار الشيخ رحمة الله »(2).
إنّ الواصل إلينا والموجود حاليّاً عندنا من كتاب معرفة الرجال للكشّي هو الذي اختاره الشيخ الطوسي، وأسماه باختيار معرفة الرجال، أو اختيار الرجال(3)، فحلّ محلّ الأصل.
1 - كان في كتاب الكشّي أغلاط وأخطاء واشتباهات وهفوات كثيرة شهد بها النجاشي بقوله: «إلّا أنّ فيه أغلاطاً كثيرة»(4)، فقام الشيخ بتهذيب
ص: 289
الكتاب وتنقيحه من هذه الأغلاط الكثيرة(1).
2 - كان في كتاب الكشّي زوائد وفضول، فقام الشيخ بتلخيص الكتاب واختصاره وإسقاط الزوائد والفضول عنه(2).
3 - كان الكتاب جامعاً لرواة العامّة والخاصّة، فقام الشيخ بتجريد الكتاب من رجال العامّة(3)، وذهب البعض إلى خلاف ذلك عن طريق الاستشهاد بوجود رجال العامّة في اختيار الشيخ(4).
ص: 290
أسمى الشيخ الطوسي كتاب (معرفة الرجال) للكشّي بعد الاختيار منه باسم (اختيار معرفة الرجال)، وعدّه من جملة كتبه في كتابه الفهرست (1)، ويُعرف الكتاب حاليّاً برجال الكَشّي.
أملى الشيخ الطوسي ما اختار من كتاب معرفة الرجال على تلامذته في المشهد الغروي ابتداء من 26 صفر سنة 456 ﻫ(2).
1 - تضمَّن الكتاب روايات الذمّ والمدح التي ذكر الكشّي إسناده إليها عادة بالسند المتّصل(3).
2 - احتوى الكتاب على عناوين جماعيّة مثل: (الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله علیه السلام ) و(الواقفة) و(الغُلاة)(4).
لم تكن منهجيّة الكشّي ذكر جميع الرجال ولا غالبهم، بل كانت منهجيّته الاقتصار على ذكر الرجال الذين وردت الأحاديث في مدحهم أو ذمّهم،
ص: 291
وإهمال مَن لم ترد فيهم رواية.
وما يجدر الانتباه إليه في هذا المقام أنّ ذمّ الأئمّة علیهم السلام لبعض الرواة لا يعني في جميع الأحوال جرحهم حقيقة وسلب التوثيق منهم؛ لأنّ التقيّة كانت تدفع الأئمّة علیهم السلام في بعض الأحيان إلى جرح بعض الثقات، وهذا ما يتطلّب من الفقيه معرفة مقصود الإمام علیه السلام من خلال القرائن ودرايته للحديث، ومن أمثلة ذلك زرارة بن أعين، فقد ورد:
«عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله علیه السلام : اقرأ منّي على والدك السلام، وقل له: إنّي إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك، فإنّ الناس والعدوّ يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبّه ونقرّبه، ويرمونه لمحبّتنا له وقربه ودنوّه منّا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كلّ من عبناه نحن وأن نحمد أمره(1)، فإنّما أعيبك لأنّك رجل اشتهرت بنا ولميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودّتك لنا ولميلك إلينا، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منّا دافع شرّهم عنك، يقول الله جلّ وعزّ: ﴿أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِك يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبا﴾ [الكهف: 79].
هذا التنزيل من عند الله صالحة، لا والله ما عابها إلّا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ والحمد لله.
ص: 292
فافهم المثل يرحمك الله، فإنّك والله أحبّ الناس إليّ، وأحبّ أصحاب أبي علیه السلام حيّاً وميّتاً، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، أنّ من ورائك ملكاً ظلوماً غصوباً يرقب عبور كلّ سفينة صالحة تَرِد من بحر الهدى ليأخذها غصباً، ثمّ يغصبها وأهلها.
فرحمة الله عليك حيّاً، ورحمته ورضوانه عليك ميّتاً، ولقد أدّى إليّ ابناك الحسن والحسين رسالتك، حاطهما الله وكلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين.
فلا يضيقنّ صدرك من الذي أمرك أبي علیه السلام وأمرتك به، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلّا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به.
ولكلّ ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحقّ، ولو أذن لنا لعلمتم أنّ الحقّ في الذي أمرناكم به، فردّوا إلينا الأمر وسلّموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها، والذي فرّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرّق بينها لتسلم، ثمّ يجمع بينها لتأمن من فسادها وخوف عدوّها في آثار ما يأذن الله، ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده، عليكم بالتسليم والردّ إلينا، وانتظار أمرنا وأمركم، وفرجنا وفرجكم»(1).
1 - عدد الرجال المذكورين في رجال الكشّي: «كتاب الكشّي ... عدد
ص: 293
المذكورين فيه حسب أرقام النسخة المطبوعة في النجف هو 520 شخصاً»(1).
2 - عدد روايات ومنقولات رجال الكشّي: بلغت عدد روايات رجال الكشّي ومنقولاته عن المعصوم وغيره من النصوص الواردة في الجرح والتعديل والأخبار عن أحوال الرواة والرجال حسب أرقام طبعة مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث 1151رواية ونقلاً.
3 - عدد الذين روى عنهم الكشّي مباشرة: بلغ عدد من روى الكشّي مباشرة عنهم 53 نفراً، بلا واسطة أحد على ظاهر عباراته(2).
لم تكن منهجيّة الكشّي التصدّي بنفسه لتوثيق الرواة وتضعيفهم من قبيل وصف الراوي أنّه ثقة أو ضعيف، أو التعرّض لشهادات الأصحاب في الجرح والتعديل، بل كانت منهجيّته ذكر اسم الراوي أوّلاً، ثمّ نقل ما وصل إليه عن الأئمّة علیهم السلام من روايات مادحة أو قادحة له.
ولم يكن غرض الكشّي من نقل روايات المدح أو القدح إثبات القدح والمدح وتحقّقه فعلاً، أو قبوله واختياره أصلاً، بل كان غرضه جمع كلّ روايات المدح أو الذمّ المرتبطة بالرواة، وترك الحكم والنتيجة للباحث، ولهذا أورد في بعض الأحيان روايات متعارضة في المدح والذمّ من دون معالجة تعارضها.
وهذا ما يكشف بأنّ القدح والمدح المذكور في هذا الكتاب لا يعبّر عن رأي واعتقاد الكشّي أو الشيخ الطوسي، بل هو مجرّد سرد للروايات الواردة
ص: 294
في هذا المجال، وأنّ الاعتماد على هذه النصوص متوقّف على دراسة أسانيدها عند أتباع المنهج السندي، ومعرفة قيمتها من خلال القرائن المعتبرة عند أتباع المنهج القرائني، فلا يكون للكتاب قيمة ذاتيّة في علم الرجال، بل يلزم التثبّت عند الأخذ بالروايات الواردة فيه، فلا بدّ لأتباع المنهج السندي من وجود علم رجال مسبق يكون الميزان لمعرفة صحّة سند هذه الروايات؛ ليمكنهم الاعتماد عليها والركون إليها في الجرح والتعديل.
يمكن تصنيف روايات ومنقولات رجال الكشّي إلى ما يلي:
أوّلاً: نصوص منقولة عن المعصومين فيها ذمّ أو مدح لبعض الرواة.
ثانياً: نصوص مسندة لبعض الأصحاب فيها جرح وتعديل لبعض الرواة.
ثالثاً: شهادة معاصري الكشّي - كالعيّاشي وابن شاذان - على ضعف بعض الرواة.
رابعاً: شهادة الكشّي نفسه بتضعيف بعض الرجال (1).
أكثَرَ الكشّي في كتابه من الرواية عن الضعفاء والمجاهيل(2)، ولم يتحرّز عن الروايات الضعيفة أو المتضاربة في الدلالة، وهذا ما أوجب تضمّن كتابه التدافع البيّن والواضح بين منقولاته، وتوثيق من ضعّفهم النجاشي.
ص: 295
وقال الشيخ القهبائي (كان حيّاً سنة 1016 ﻫ) حول الكشّي: «روايته عن الضعفاء لا يضرّ فيه بعد التأمّل في ترجمته، فإنّه يظهر منها حرصه على الأخذ لنفع الأخذ، ولو من الضعيف كما لا يخفى»(1).
قال النجاشي حول الكشّي: «له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة»(2)، وأيّد العلّامة الحلّي وجود هذه الأغلاط فقال حول الکشّي: «له كتاب الرجال، كثير العلم إلّا أنّ فيه أغلاطاً كثيرة»(3).
قال المحدّث النوري (ت 1320 ﻫ): «واعلم أنّه قد ظهر لنا من بعض القرائن أنّه قد وقع في اختيار الشيخ أيضاً تصرّف من بعض العلماء أو النسّاخ بإسقاط بعض ما فيه، وأنّ الدائر في هذه الأعصار غير حاوٍ لتمام ما في الاختيار، ولم أرَ من تنبّه لذلك»(4).
وقال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «وأمّا رجال الكشّي فلم تصل نسخته صحيحة إلى أحد حتّى الشيخ والنجاشي، حتّى قال النجاشي فيه: (له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة)، وتصحيفاته أكثر من أن تُحصى، وإنّما السالم منه معدود: أحمد بن عائذ، وأحمد بن الفضل، وأسامة بن حفص، وإسماعيل بن الفضل، والأشاعثة، والحسين
ص: 296
بن منذر، ودرست بن أبي منصور، وأبي جرير(1) القمّي، وعبد الواحد بن المختار، وعلي بن حديد، وعلي بن وهبان، وعمر بن عبد العزيز زحل، وعنبسة بن بجاد، ومنذر بن قابوس، فلم أقف أنا فيها على تحريف وإن كان محتملاً، وقد تصدّينا فيما سوى ذلك في كلّ ترجمة على تحريفاته، بل قلّما تسلم رواية من رواياته عن التصحيف، بل وقع في كثير من عناوينه، بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى، وخلط طبقة بأخرى»(2).
إنّ الواصل إلينا من رجال الكشّي هو الذي هذّبه الشيخ، فيكون هذا الكتاب من جهة الاعتبار في صفّ فهرست الشيخ ورجاله، والمعروف أنّ رجال الكشّي يقع في الرتبة الثالثة بين الأصول الرجاليّة بعد رجال النجاشي وفهرست الشيخ، ولكنّه في الواقع من الكتب التي لا يهتمّ بها الرجاليّون؛ لأنّه يعدّ من كتب الحديث التي تحتاج أحاديثه حسب المنهج السندي إلى تصحيح أسانيدها، ولا يعدّ من الكتب الرجاليّة التي تميّز الرواة بأقوال رجاليّين، فلا يحقّق مرادهم في معرفة أحوال الرواة.
يبدو الكتاب في الوهلة الأولى والنظرة الإجماليّة إليه أنّ رجاله مرتّبة حسب معاصرتهم للمعصومين علیهم السلام ، فهو يبدأ بذكر أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام ، ثمّ أصحاب الأئمّة علیهم السلام حتّى ينتهي برجال
ص: 297
الغيبة، لكنّ الكتاب في الواقع غير مبوّب ويفتقر للبُعد التنظيمي، وفيه الكثير من الخلط والاشتباه في ترتيب الرجال، وأدرج بعض رجاله في غير موضعه، كما لم ترتّب فيه الأسماء حسب حروف التهجّي، وهو في الواقع «على خلاف الطريقة المعروفة في الكتب الرجاليّة، ولذا يصعب منه الظفر على المرام، وكثيراً ما يروي أخباراً متعدّدة في حقّ شخص واحد في مواضع شتّى؛ فلا بدّ لمن أراد تحقيق الحال التصفّح الأكيد والتفحّص الشديد فيه؛ ليحصل الاطّلاع على تمام المرام»(1).
1 - قام الشيخ عناية الله القهبائي (كان حيّاً سنة 1016 ﻫ) بترتيب الكتاب حسب حروف التهجّي في الأوائل والثواني(2)، على ترتيب منهج المقال للأسترآبادي (3).
2 - قام الشيخ داود البحراني بترتيب الكتاب على حروف المعجم(4).
3 - قام السيّد الفاضل يوسف بن محمّد الحسيني الشامي سنة 981ﻫ بترتيب الكتاب على ترتيب رجال الشيخ(5).
4 - جرى صاحب المنتقى على انتزاعه عمّا عداه؛ لوجه ذكره في فاتحته،
ص: 298
مسمّياً له بتحرير الطاووسي(1).
5 - قام الشيخ داود بن الحسن الجزائري بترتيب الكتاب بحيث يسهل التناول منه(2).
6 - قام الشيخ علي النمازي الشاهرودي في كتابه مستطرفات المعالي بتلخيص الروايات وحذف المكرّرات منها، وترتيب أسماء الرواة حسب الحروف الهجائيّة(3).
اسم الكتاب:
أُطلق على هذا الكتاب تسميات مختلفة، منها:
1 - فهرست أسماء مصنّفي الشيعة، وهو الاسم الذي صرّح به النجاشي في أوّل الجزء الثاني من كتابه بقوله: «الجزء الثاني من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة، وما أدركنا من مصنّفاتهم، وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم أو أنسابهم، وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذمّ»(4)، واستعمل ابن طاووس أيضاً هذه التسمية لكتاب النجاشي(5).
2 - فهرست النجاشي، والدليل على هذه التسمية هي وصف النجاشي
ص: 299
بنفسه كتابه بالفهرست كما وردت الإشارة إليه أعلاه.
3 - رجال النجاشي، وقد سمّاه العلّامة الحلّي(1) وابن داود(2) بهذا الاسم، والسبب الذي دعا إلى تسمية هذا الكتاب بالرجال هو تعرُّض النجاشي فيه إلى حال الكثير من الرواة بالجرح والتعديل استطراداً، ولم يهمل ذكر طبقتهم، فأصبح كتابه متضمّناً لمعلومات رجاليّة منحته الصدارة بين الكتب الرجاليّة، وهذا ما أدّى إلى اشتهاره بالرجال، فصحّ إطلاق الرجال عليه بالعرض.
ويبدو أنّ تغيير التسمية كانت من أجل جعل هذا الكتاب ضمن كتب الرجال لا كتب الفهرست، وملء الفراغ الذي يعاني منه علم الرجال؛ لأنّ أتباع المنهج السندي لا يمتلكون كتاباً آخر أهمّ من هذا الكتاب لدعم منهجهم القائم على علم الرجال.
يرمز إلى كتاب رجال النجاشي ب (جش).
وصف النجاشي بنفسه كتابه بالفهرست في أوّل الجزء الثاني منه(3)؛ لأنّه قام بجمع أسماء مصنّفي الشيعة وذكر مصنّفاتهم وطرقه إليها، ومهمّته جمع أسماء المؤلّفين وأسماء كتبهم، وقد ذكر ما يقارب أربعة آلاف مصنّف من كتب
ص: 300
المترجمين لهم(1)، وبيّن طرقه إلى مصنّفات ما يقارب ألف شخص ممّن ذكرهم(2)، فكتابه فهرست أسماء مصنّفي الشيعة، وهذا ما لا علاقة له بعلم الرجال ومعرفة أحوال الرواة، كما لم يقصد النجاشي تأليف كتاب رجالي، بل تناول التوثيق والتضعيف استطراداً لغرض التعريف بمصنّف الكتاب وتبيين مدى إمكانيّة الاعتماد على كتابه.
فكتاب النجاشي في الواقع كتاب فهرست وليس كتاباً رجاليّاً؛ ودليل ذلك: «إنّ الرجال ما كان مبتنياً على الطبقات دون مجرّد ذكر الأصول والمصنّفات، فإنّه يسمّى بالفهرست»(3).
الكنية: أبو العبّاس، وأشار إلىها كثير ممّن ترجم له، وله كنية أبو الحسين، ذكرها العلّامة الحلّي في الخلاصة(1)، والسيّد ابن طاووس في التحرير الطاووسي(2)، وله كنية أبو الحسن، ذكرها ابن طاووس في فتح الأبواب(3).
الولادة: ولد في الكوفة، شهر صفر سنة 372 ﻫ (4).
النشأة: نشأ في الكوفة، فكان يُعرف بالكوفي(5).
الوفاة: توفّي بمطير آباد(6)، في شهر جمادى الأولى سنة 450 ﻫ (7).
1 - قال أحمد بن محمّد البرقي (ت 274 ﻫ) في كتابه الرجال: «النجاشي ... مصنّف كتاب الرجال ... معظّم، كثير التصانيف»(8).
2 - قال الشيخ سلمان بن الحسن الصهرشتي (ت 442 ﻫ) في كتابه قبس
ص: 302
المصباح: «أحمد بن علي بن أحمد النجاشي ... كان شيخاً بهيّاً ثقة، صدوق اللسان عند الموافق والمخالف»(1).
3 - قال العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ): «النجاشي ... ثقة معتمد عليه، له كتاب الرجال، نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة»(2).
4 - قال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: «أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس بن النجاشي، مصنّف كتاب الرجال المعروف بالنجاشي مخفّفاً، وثّقه العلّامة، بل أكثر الأصحاب؛ لأنّهم يعتمدون عليه في التعديل والجرح، وهو ثبت كما يظهر من التتبّع، لكنّه يقع منه الاجتهاد الغلط في بعض الأوقات، ويظهر منه أنّه اجتهاده كما نبّهنا عليه وسننبّه أيضاً إن شاء الله، ولكنّه أثبت من الجميع كما يظهر من التتبّع التامّ والله تعالى يعلم، وهو في مرتبة شيخ الطائفة، ومشايخهما متّحدة»(3).
ألّف النجاشي هذا الكتاب حميّة منه للسلف، ودفعاً لتعيير المخالفين، وقد صرّح بذلك بقوله في مقدّمة الكتاب: «أمّا بعد، فإنّي وقفت على ما ذكره السيّد الشريف أطال الله بقاه وأدام توفيقه من تعيير قوم من مخالفينا أنّه لا سلف لكم ولا مصنّف، وهذا قول من لا علم له بالناس، ولا وقف على أخبارهم،
ص: 303
ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحداً فيَعرف منه، ولا حجّة علينا لمن لم يعلم ولا عرف، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته؛ لعدم أكثر الكتب، وإنّما ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره»(1).
ألّف النجاشي كتابه بعد الفهرست للطوسي، والشاهد على ذلك أنّه ترجم للشيخ، وذكر في ترجمته كتاب الرجال والفهرست للشيخ(2).
عدد مشايخ النجاشي:
تصدّى السيّد بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) لجمع مشايخ النجاشي(3)، وقال: «لم أجد أحداً تصدّى لجمعهم، وهو مهمّ»(4)، فعدّهم ثلاثين رجلاً، وعدّهم السيّد الخوئي أكثر من أربعين رجلاً(5)(6).
ص: 304
إنّ المستفاد من منهجيّة النجاشي في النقل هي اهتمامه بالرواية عن الثقات وعدم روايته عن الضعفاء والمتّهمين، ومن الشواهد على ذلك أقوال النجاشي حول مختلف الأشخاص:
1 - قال النجاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك بن سابور: «كان ضعيفاً في الحديث، وقال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعاً، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري؟!»(1)، ومقتضى هذا الاستغراب من النجاشي احترازه في النقل عن فاسد المذهب والرواية.
2 - قال النجاشي في ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكران: «كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاور، وكان يروي كتاب الكليني عنه، وكان في هذا الوقت علوّاً(2)، فلم أسمع منه شيئاً»(3)، ومقتضى هذا القول أنّ النجاشي لا يروي عمّن هو ضعيف في مذهبه والذي فيه الغلوّ.
ص: 305
3 - قال النجاشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن عبيد الله الجوهري: «سمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه، فلم أروِ عنه شيئاً وتجنّبته»(1)، ومقتضى هذا القول أنّ النجاشي لا يروي عمّن ضعّفه شيوخه.
4 - قال النجاشي في ترجمة محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبيد الله بن البهلول: «كان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلّط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه ... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً، ثمّ توقّفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه»(2)، ومقتضى هذا القول أنّ النجاشي لا يروي عمّن ضعّفه الأصحاب إلّا بواسطة، وقال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «مراد النجاشي من قوله: (وسمعت منه كثيراً، ثمّ توقّفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه) أنّه أدرك عصر تخليطه فلم يروِ عنه بلا واسطة، بل روى عن مشايخ أدركوا عصر ثبته، فرووا عنه فروى عنهم عنه»(3).
5 - وصف النجاشي بعض الطرق بأنّه «مجهول»(4)، أو «فيه اضطراب»(5)، أو «مظلم»(6)، أو «غريب»(7)، ومقتضى ذلك اعتبار الطريق الذي يسكت عنه النجاشي، ولا سيّما مع إكثار النقل.
وقال السيّد بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) بعد الإشارة إلى الشواهد أعلاه:
ص: 306
«مَن هذا كلامه، وهذه طريقته في نقد الرجال، وانتقاد الطرق، والتجنّب عن الضعفاء والمجاهيل، والتعجّب من ثقة يروي عن ضعيف، لا يليق به أن يروي عن ضعيف أو مجهول، ويدخلهما في الطريق، خصوصاً مع الإكثار وعدم التنبيه على ما هو عليه من الضعف أو الجهالة، فإنّه إغراء بالباطل، وتناقض واضطراب في الطريقة، ومقام هذا الشيخ في الضبط والعدالة يجلّ عن ذلك، فتعيّن أن يكون مشايخه الذين روى عنهم ثقات جميعاً»(1).
وذهب آخرون إلى أنّ هذه الشواهد لا تعني أنّ النجاشي لا يروي إلّا عن الثقات، بل تعني أنّ النجاشي لا يروي عمّن هو ضعيف في مذهبه والذي فيه الغلوّ، وتؤكّد بأنّه لا يروي عمّن ضعّفه شيوخه، ولا يخفى بأنّ عدم رواية النجاشي عمّن ضعّفه شيوخه لا يلازم عدم روايته عن المجهول والضعيف الذي لم يشتهر ضعفه عند مشايخه، وإنّما كان النجاشي يجتنب الرواية عمّن ضعّفه مشايخه؛ لئلّا يتّهم بالرواية عن المتّهمين(2).
وقد روى النجاشي في رجاله عن أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن بن عیّاش الجوهري(3) الذي قال عنه: «سمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه، فلم أروِ عنه شيئاً، وتجنّبته»(4).
والملفت للنظر في هذا المجال هو أنّ النجاشي «لم يترجم لجميع مشايخه، بل ترجم لسبعة منهم، ولم يوثّق منهم إلّا أربعة، علماً بأنّ من ذكرناهم في عداد
ص: 307
مشايخه في هذا القسم قد بلغ عددهم ثمانية وعشرون شخصاً»(1).
بدأ النجاشي كتابه بذكر المصنّفين الذين كانوا زمن رسول الله صلی الله علیه واله والإمام أمير المؤمنين علیه السلام فذكر أقلّ من عشرة، وسمّاهم بالطبقة الأولى، ثمّ ذكر مصنّفي الشيعة من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام ، ثمّ أصحاب بقيّة الأئمّة علیهم السلام حسب الحروف الهجائيّة، وقال النجاشي: «وقد جعلت للأسماء أبواباً على الحروف؛ ليهون على الملتمس لاسم مخصوص منها»(2).
5 - أهمل النجاشي توثيق أو تضعيف بقيّة من ذكر أسماءهم، فلم يذكر لهم مدحاً أو قدحاً.
لم يُلزم النجاشي نفسه في المقدّمة بتعديل وتجريح من يذكر أسماءهم من المصنّفين، ولكنّه التزم بذلك عملاً في طيّات الكتاب استقلالاً أو استطراداً على النحو التالي:
1 - ذكر النجاشي لبعض الأشخاص ترجمة، وقام فيها بتعديلهم أو تجريحهم.
2 - ذكر النجاشي لبعض الأشخاص ترجمة، ولكنّه قام بتعديلهم أو تجريحهم ضمن ترجمة الغير(1).
3 - لم يترجم النجاشي لبعض الأشخاص بشكل مستقلّ، ولكنّه قام بتعديلهم أو تجريحهم ضمن ترجمة الغير (2).
4 - أعرض النجاشي في بعض الحالات النادرة عن التعرّض بشيء من التعديل والتجريح في شأن بعض من ذكر أسماءهم.
ترجم النجاشي للكثير من الأشخاص، ولم تكن مصادره كرجال الكشّي الاستشهاد بذكر الروايات المادحة أو القادحة، وإنّما اعتمد على ما سمع عن الرجال أو عثر عليه في الكتب من توثيقات أو تضعيفات من سبقه من
ص: 309
شيوخه والعلماء في حقّهم(1)، والطريقة الغالبة عند النجاشي أنّه لا ينسب التوثيقات إلى أحد، ولكنّه ينسب التضعيف إلى غيره(2).
إنّ الملفت للنظر في بيان النجاشي لأحوال الأشخاص هي التوسّع وتضمّن الترجمة للموارد التالية:
1 - النسب، فلم يقتصر النجاشي على ذكر اسم الشخص ولقبه، بل ذكر أحياناً من نسبه ما يميّزه عمّن شاركه في الاسم.
2 - الطبقة، وذلك عن طريق ذكر المعصوم أو المعصومين الذين روى الشخص عنهم.
3 - المصنّفات، وقد أكّد النجاشي على هذا الجانب تبعاً لدواعي تأليف الكتاب، فحرص على ذكر ما عثر عليه من مصنّفات كلّ شخص في ترجمته مع ذكر فهرس أبواب الكتاب بشكل مفصّل في بعض الأحيان.
4 - الطريق إلى المصنّفات، وقد فصّل النجاشي طرقه إلى المصنّفات التي أشار إليها بسند متّصل ينتهي إلى مصنّفيها من أجل إثبات صحّة انتساب الكتاب إلى مؤلّفه.
إنّ إهمال النجاشي للشخص وعدم تعرّضه لجرحه أو تعديله لا يعني
ص: 310
سلامة هذا الشخص عند النجاشي من كلّ مغمز ومطعن؛ لأنّ كتاب النجاشي مجرّد فهرس لمصنّفي الشيعة أو من صنّف لهم من غير الشيعة، ولم يُلزم النجاشي نفسه التعرّض لذمّ من يستحقّ الذمّ ليكون في سكوته دلالة على انتفاء ذمّ الشخص المذكور.
واستدلّ البعض على سلامة من يهمله النجاشي؛ لأنّ النجاشي لا يذكر إلّا مصنّفي الشيعة الذين بذلوا الجهد وتحمّلوا المشاقّ في التصنيف، فتكون مصنّفاتهم أفضل دليل على وثاقتهم وحسن حالهم وعلوّ مقامهم، وهذا الاستدلال منقوض بالضعفاء الذين صرّح النجاشي بضعفهم، وهم مع ذلك أصحاب مصنّفات وبذلوا الكثير من الجهد وتحمّلوا العديد من المصاعب والمشاقّ في تصنيفها.
وعليه فالإهمال في كتاب النجاشي بل حتّى في غيره من الكتب المؤلّفة لغرض البحث عن أحوال الرجال لا يعني السلامة من الذمّ، بل يعني عدم العلم بالحال، وجميع هذه الكتب تتضمّن الكثير من المجهولين الذين لا يوجد علم بأحوالهم.
يعدّ رجال النجاشي أهمّ الأصول الرجاليّة وعمدتها عند أتباع المنهج السندي؛ لأنّهم لا يمتلكون كتاباً أفضل من هذا الكتاب في علم الرجال، ولهذا عكفوا عليه واعتمدوا عليه واستندوا إليه في التوثيق والتضعيف، وجعلوه كلمة الفصل عند تعارض الجرح والتعديل.
المعروف تقديم قول النجاشي على أقوال غيره من أهل الرجال كالكشّي
ص: 311
والشيخ عند التعارض؛ لأنّه أضبط علماء الرجال والأبصر بأحوال المصنّفين والرواة، ومن أقوال وتصريحات العلماء في هذا المجال:
1 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: «ظاهر حال النجاشي أنّه أضبط الجماعة وأعرفهم بحال الرجال»(1).
2 - قال الشيخ عبد النبي الجزائري (ت 1021 ﻫ) في كتابه حاوي الأقوال في معرفة الرجال: «لم يبعد ترجيح قول النجاشي في الجرح والتعديل على قول الشيخ؛ لتأخّره»(2).
3 - قال المیرزا محمّد بن علي الأسترآبادي (ت 1028 ﻫ) في كتابه منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: «لا يخفى تخالف ما بين طريق الشيخ والنجاشي، ولعلّ النجاشي أثبت»(3).
4 - قال محمّد بن الحسن العاملي (ت 1030 ﻫ) في كتابه استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: «النجاشي أثبت من غيره كما يعلم من رجاله»(4).
وقال العاملي في موضع آخر من كتابه استقصاء الاعتبار حول أحد الرواة: «نقل عن الكشّي القول بأنّه بتري رواية، لكنّ الجارح مجهول، ولم نقِف على ذلك في الكشّي، وغير بعيد أن يكون اعتماد الشيخ على ما في الكشّي، والنجاشي أثبت»(5).
ص: 312
وقال العاملي في مقام آخر حول تعارض النجاشي والشيخ: «... وحينئذٍ يتعارض الجرح والتعديل، والنجاشي يقدّم على الشيخ في هذه المقامات كما يُعلم بالممارسة»(1).
5 - قال الشيخ محمّد التقيّ المجلسي (ت 1070 ﻫ) حول النجاشي: «إنّه يقع منه الاجتهاد الغلط في بعض الأوقات، ويظهر منه أنّه اجتهاده، ولكنّه أثبت من الجميع كما يظهر من التتبّع التامّ»(2).
6 - قال سلیمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال حول إبراهيم بن أبي سمّال: «هو مذكور في كتاب النجاشي الذي هو أضبط علماء الجرح والتعديل»(3).
7 - قال المیرزا عبد الله الأفندي الأصبهاني (ت 1130 ﻫ) في كتابه رياض العلماء وحياض الفضلاء: «النجاشي أبصر في علم الرجال حتّى من الشيخ الطوسي»(4).
8 - قال الميرزا القمّي (ت 1231ﻫ) في كتابه القوانين المحكمة في الأصول: «النجاشي أضبط من الشيخ»(5).
ذكر النجاشي لنفسه ترجمة شخصيّة، فقال: «أحمد بن العباس النجاشي
ص: 313
الأسدي، مصنّف هذا الكتاب، له كتاب الجمعة وما ورد فيه من الأعمال، وكتاب الكوفة وما فيها من الآثار والفضائل، وكتاب أنساب بني نصر بن قعين وأيّامهم وأشعارهم، وكتاب مختصر الأنوار ومواضع النجوم التي سمّتها العرب»(1).
ولا يخفى بأنّ النجاشي لا يمتلك كتاباً واحداً في علم الرجال ومعرفة أحوال الرواة، وإنّما تكشف كتبه عن خبرته في الآثار وأخبار القبائل والأنساب، وكتابه أنساب بني نصر بن قعين وأيّامهم وأشعارهم، هو أنساب بني أحد أجداده القدامى.
ومن يقرأ رجال النجاشي يجد أنّ خبرة النجاشي في أنساب العرب قد انعكست بوضوح على كتابه، وظهر فيه اهتمامه الخاصّ بهذه الناحية، فهو يحاول عند بيان ترجمة مَن يذكره أن ينسبه إلى أعمق ما يمكن في بطون وأصول القبائل العربيّة، ويذكر أقصى حدّ ممكن من أسماء أجداده العرب.
ولهذا قال السيّد بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) حول علم الرجال: «استمداد هذا العلم من علم الأنساب والآثار وأخبار القبائل والأمصار، وهذا ممّا عرف للنجاشي رحمة الله ودلّ عليه تصنيفه فيه واطّلاعه عليه، كما يظهر من استطراده بذكر الرجل ذكر أولاده وإخوته وأجداده، وبيان أحوالهم ومنازلهم حتّى كأنّه واحد منهم»(2).
ص: 314
1 - يبدو من تسمية النجاشي كتابه ب (فهرست أسماء مصنّفي الشيعة) لزوم اقتصاره على ذكر مصنّفي الشيعة وفق تصريح النجاشي المذكور في المقدّمة، ولكنّه مع ذلك ذكر غير الشيعة ممّن رووا عن الشيعة أو صنّفوا للشيعة مع التنبيه عليهم، كالمدائني والطبري، وذكر من الشيعة غير الإماميّة أيضاً مع الإشارة إلى مذهبهم، ولا إشكال في ذلك مع التنبيه، ولكنّ النجاشي لم يلتزم بهذا الأصل، فذكر غير الشيعة ولم ينبّه على مذهبهم كعبد الله بن بكير والسكوني وغيرهما، كما يظهر للمتتبّع(1)، وذكر أيضاً بعض الشيعة غير الاثني عشريّة، وسكت عن التنبيه إلى فساد مذهبهم(2).
2 - ورد في رجال النجاشي وفاة محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري سنة 463 ﻫ (3)، ولازم ذلك حياة النجاشي إلى تلك السنة، وهذا ما يتعارض مع اتّفاق علماء الرجال على وفاة النجاشي سنة 450 ﻫ، وهذا ما يكشف وقوع التغيير في رجال النجاشي، وقد يكون ذلك من إضافات النسّاخ أو القرّاء بعد النجاشي في الحاشية، ثمّ أدخلها المتأخّرون من النسّاخ في المتن غفلةً أو ظنّاً منهم بأنّها من النجاشي.
3 - لم يبيّن النجاشي طريقته في التوثيق والتضعيف، فطريقته في هذا المجال مجهولة، ولم يُشر النجاشي في مقدّمة كتابه إلى شيء من هذا القبيل؛ لأنّ
ص: 315
الغاية التي دفعته إلى تصنيف هذا الكتاب هو تأليف كتاب فهرست، ولم يكن قصده تأليف كتاب رجالي ليهتمّ بجزئيّات الجوانب المرتبطة بهذا الاختصاص.
4 - يتضمّن رجال النجاشي بعض الأسماء المكرّرة (1) وبعض العناوين التي تكرّرت فيه(2).
5 - إنّ النقص واضح في معلومات رجال النجاشي، وقد اعترف النجاشي بنفسه في مقدّمة كتابه بأنّه لم يبلغ غايته في الوصول إلى أكثر كتب الأصحاب، فقال: «وقد جمعت من ذلك ما استطعتُه ولم أبلغ غايته؛ لعدم أكثر الكتب»(3).
6 - لم يبيّن النجاشي عند توثيقه أو تضعيفه لبعض الرواة المصادر التي اعتمد عليها في معرفة أحوال هؤلاء الرواة، والعجيب من أتباع المنهج السندي أنّهم يرفضون أحاديث أهل البيت علیهم السلام المرسلة، ولكنّهم لا يرفضون معلومات النجاشي المرسلة التي بيّنها من دون ذكر المصادر والأسانيد التي اعتمد عليها في توثيقاته وتضعيفاته لرواة توفّوا قبله بمائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة سنة.
ص: 316
قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «لم تصل نسخة من النجاشي صحيحة ولا كاملة إلينا»(1).
وقال السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ): «نقل الحائري عن حاشية كبيرة للميرزا التصريح بسقوط التوثيق عن كثير من نسخ النجاشي»(2).
وبيّنت بعض المصادر أغلاط رجال النجاشي، ومن هذه المصادر:
1 - كتاب الرسائل الرجاليّة، لأبي المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت 1315 ﻫ): ورد في هذا الكتاب الإشارة إلى أربعة وثمانين غلطاً من أغلاط رجال النجاشي(3)، وصرّح في بداية كلامه: «إنّ الاستقراء في كلمات النجاشي يقضي بتطرّق الغلط له في موارد كثيرة ...»(4).
2 - كتاب سماء المقال في علم الرجال، لأبي الهدى الكلباسي (ت 1356ﻫ): جاء في هذا الكتاب حول رجال النجاشي: «إنّه قد وقع له مع ما قرع سمعك، أغلاط وأوهام، يقف عليها أبناء الأفهام، ونحن نذكر شطراً منها في المقام، فمنها: ...»(5).
3 - كتاب مشايخ الثقات، لغلام رضا عرفانيان (ت 1424 ﻫ): أشار إلى
ص: 317
سبعة موارد تحت عنوان: «بعض سقطات النجاشي»(1).
4 - كتاب مع موسوعات رجال الشيعة، للسيّد عبد الله شرف الدين (ت 1441 ﻫ)، وهي موسوعة تتضمّن بيان بعض الإشكالات على الكتب الرجاليّة، وقد بيّن عشرة إشكالات على رجال النجاشي(2).
اسم الكتاب:
اسم الكتاب هو فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنّفين وأصحاب الأصول، واشتهر بالفهرست، ويُرمز إليه ب (ست).
المؤلّف:
أبو جعفر الشيخ محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (385 ﻫ - 460 ﻫ)
قال الشيخ الطوسي في مقدّمة الكتاب حول تأليفه الفهرست: «أمّا بعد، فإنّي لمّا رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنّفوه من التصانيف ورووه من الأصول، ولم أجد منهم أحداً استوفى ذلك، ولا ذكر أكثره، بل كلّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب، ولم يتعرّض أحد منهم لاستيفاء جميعه ... عمدتُ إلى عمل كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات
ص: 318
والأصول ...»(1).
قال الشيخ الطوسي في أوّل فهرسته: «إذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح»(2)، وهذا تصريح منه باعتماده على النقل في جميع توثيقاته وتضعيفاته، وإن لم يفِ بوعده حتّى في أوّل كتابه.
يتضمّن الفهرست ذكر المصنّفين وأصحاب الأصول الشيعة(3)، مع بيان طرق الشيخ إلى هذه الأصول والمصنّفات غالباً.
قال الشيخ في مقدّمة الفهرست: «فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وأبيّن عن اعتقاده وهل هو موافق للحقّ أو هو مخالف له؟ لأنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة»(4).
ويظهر من هذه العبارة التي ذكرها الشيخ في المقدّمة بأنّ الفهرست
ص: 319
خاصّ بالمصنّفين الشيعة، ولكن ذكر الشيخ في ترجمة نفسه في نفس الكتاب بأنّ الفهرست يتضمّن من صنّف للشيعة وليس منهم، فقال في ترجمة نفسه: «له هذا الكتاب، وهو فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنّفين منهم وأصحاب الأصول والكتب وأسماء من صنّف لهم وليس منهم»(1).
ومن أهل العامّة الذين ذكرهم الشيخ في الفهرست:
1 - «عبّاد بن يعقوب الرواجني، عامّي المذهب، له كتاب أخبار المهدي»(2).
2 - «عبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا، عامّي المذهب، له كتاب مقتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما، ومقتل أمير المؤمنين علیه السلام ، وغيرهما»(3).
1 - عدد أسماء الرجال: ينتهي تسلسل الكتاب إلى 912 شخصاً(4).
2 - عدد من وثّقهم: 86 شخصاً.
3 - عدد من ضعّفهم: 14 شخصاً.
4 - عدد من قال هم من مذاهب مختلفة: 27 شخصاً، «سبعة منهم من الواقفيّة، وخمسة من الفطحيّة، وخمسة من الزيديّة، وعشرة من العامّة، والباقي
ص: 320
كلّهم من الإماميّة»(1).
5 - عدد من لا طريق للشيخ إليهم في الفهرست: 75 شخصاً، وبيان ذلك: لم يذكر الشيخ في الفهرست طريقه إلى جماعة بلغ عددهم 47 شخصاً، وهناك جماعة أخرى أيضاً بلغ عددهم 28 شخصاً أشار الشيخ إلى من ذكرهم أو روى عنهم، ولكن لم يصل إسناده فيه إلى من ذكر، فيكون المجموع 75 شخصاً لا طريق للشيخ إليهم في الفهرست(2).
6 - ترك الشيخ توثيق أو تضعيف 775 شخصاً، فلم يذكر عنهم أيّ شيء من مجموع 912 شخصاً ممن ذكر أسماءهم في كتابه، فهذا الكتاب في الواقع هو مجرّد قائمة وفهرست لأسماء المصنّفين وأصحاب الأصول من دون وجود معلومات رجاليّة يُعتنى بها، ومن دون وجود أيّ اهتمام مطلوب لمعرفة أحوال رواة الحديث.
إنّ تأليف الكتاب لا يدلّ على وثاقة صاحبه، والشاهد على ذلك:
1 - قال الشيخ في إسماعيل بن علي بن رزين الخزاعي: «كان مختلط الأمر في الحديث، يُعرف منه ويُنكر، وله كتاب تاريخ الأئمّة علیهم السلام »(3).
2 - قال الشيخ في أحمد بن محمّد بن سيّار: «ضعيف الحديث، فاسد
ص: 321
المذهب، مجفوّ الرواية، كثير المراسيل، وصنّف كتباً»(1).
وما يؤيّد هذا الأمر قول الشيخ: «فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح»(2)، وهذا ما يدلّ بأنّ مجرّد ذكر الشخص وذكر مصنّفاته لا تدلّ على وثاقته.
1 - إنّ عبارة الشيخ الطوسي في مقدّمة الفهرست: «فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح»(3) تكشف بأنّ توثيقات الشيخ أقوال نقلها عن الآخرين.
2 - تكشف منهجيّة الفهرست بأنّ الأساس في الكتاب هو التعرّف على المصنّفين وأصحاب الأصول الشيعة فيه، وأمّا مسألة التعرّف على الرواة فهي مسألة فرعيّة وتابعة، فالشيخ لا يعنيه الراوي بما هو راوٍ، بل يعنيه من له كتاب فقط سواء كان راوياً أو غير راوٍ.
3 - أهمّ فائدة الفهرست هي ذكر الشيخ طرقه إلى الرواة وكتبهم، وهو ما يفيد في تمييز المشتركات وبيان الطبقات وتطبيق نظريّة التعويض في الموارد التي توفّرت فيها شروطه(4).
ص: 322
1 - إنّ فهرست الطوسي في الواقع كتاب فهرست، وهو في حقيقة الأمر كتاب يتضمّن ذكر المصنّفين وأصحاب الأصول الشيعة، كما أنّ الشيخ لم يهتم عملاً في كتابه هذا بمسألة التوثيق والتضعيف، بل قام ببيان المصنّفين وأصحاب الأصول فقط، وكانت عنده مسألة تقييم أحوال الرواة والمؤلّفين في الواقع العملي مسألة ثانويّة وتبعيّة وغير مهمّة، ولهذا نجد نسبة عدد الذين قام الشيخ بتعديلهم أو تجريحهم ما يقارب عشرة بالمائة من عدد الأسماء التي ذكرهم في كتابه.
وهذا ما قلّل من قيمة الفهرست من الناحية الرجاليّة؛ نظراً إلى عدم تعرّض الشيخ لحال تسعين بالمائة من أصحاب الأصول والمصنّفات الذين ذكرهم في كتابه.
2 - يفتقد فهرست الشيخ المنهجيّة المنظّمة في التوثيق أو عدم التوثيق، منها على سبيل المثال: أنّه لم يوثّق البعض لوضوح وثاقتهم من قبيل: زرارة(1)، وسلمان(2)، ولكنّه في نفس الوقت وثّق أشخاصاً لا يحتاجون إلى توثيق من قبيل: الشيخ الكليني(3)، وابن أبي عمير(4).
3 - «ممّا يلاحظ على الشيخ في الفهرست أيضاً اعتماده كثيراً على الفهرست لابن النديم، وقد نقل تراجم عديدة منه دون أن يشير إلى كون المترجم إماميّاً أو عامّيّاً»(5).
ص: 323
4 - «إنّ أكثر نسخ الكتاب لا يخلو من تصحيفات وأغاليط كما قال بعض المهرة من أنّ أكثر النسخ الموجودة في أيدي أبناء الزمان لقد لعبت بها أيدي التصحيف، وولعت بها حوادث الغلط والتحريف»(1).
وقال سليمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال: «كتاب الفهرست لشيخ الطائفة ... خالٍ عن الترتيب، محتاج إلى التهذيب، يتعسّر على الناظر فيه معرفة ما يحاوله إلّا بعد تفتيش كثير، فكأنّه عقد قد انفصم فتناثرت لآليه، مع أنّ أكثر نسخه الموجودة في أيدي أبناء الزمان قد لعبت بها أيدي التصحيف، ووكعت(2) بها حوادث الغلط والتحريف»(3).
5 - قال سليمان بن عبد الله البحراني أيضاً حول الشيخ الطوسي: «إنّه خرق نطاق الفهرستيّة في كثير من النقاط؛ إذ ذكر أشخاصاً ليس لهم أيّ كتاب سوى أنّه تنسب إليهم روايات، وهذا الأمر لا يبعث على إقحامهم في إحصائيّة المصنّفين ففي ترجمة أبو محمّد(4) صالح، وطاهر بن حاتم بن ماهوية، وعلي بن محمّد بن الأشعث، وعلي بن الفضيل، وعبد الله بن جبلة، وعبيد بن عبد الرحمن، وعمر بن خالد، محمّد بن أبي الصهبان، وأبو عمّار(5) الطحّان عبّر أنّ لهم روايات، وبالتأكيد ما كتبه الطوسي هنا ليس من الفهرستيّة بشيء.
ص: 324
ولا يبرّر صنيعه هذا بأنّ روايات أولئك الأفراد كان العلماء والأخباريّون يتعاملون معها بما هي مجموعة تنقل عنهم ككتاب لكلّ واحد منهم وإن لم تباشرها يد التصنيف، وهذا الوضع كافٍ في جعلها داخل الفهرست، لا يبرّر ذلك؛ لأنّه يعوزه دليل ينتجه، وهو متوقّف على كون معنى (روايات) قد يستخدم عند القدماء أو على الأقلّ لدى الطوسي بمعنى يقارب مفهوم الكتاب، وهذا بالتأكيد باطل؛ لأنّ مصطلح (رواية) بريء من بعيد أو قريب عن مدلول (كتاب) براءة الذئب من دم يوسف، علاوة على ذلك أنّنا نرى الطوسي يستعمل كلمة (رواية) في قبال المصطلح الفهرستي ل (الكتاب)، فحينما أتى إلى محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري وأبو جعفر(1) محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ومحمّد بن علي بن محبوب قال في كلّ من الأوّلَين: له كتب وروايات، وعن الأخير كتب: له مصنّفات وروايات، وكون الواو بين الكلمتين في العبارتين للتفسير مقالة باردة؛ إذ لا إبهام هنا، وما الداعي إلى استعمال التفسير في هذه المواضع دون غيرها مع أنّ الفهرست مشحون بكلمتي (مصنّفات) و(كتب) مطلقتين دائماً»(2).
الوعد الأوّل:
قال الشيخ الطوسي في مقدّمة الفهرست: «رتّبت هذا الكتاب على حروف المعجم التي أوّلها الهمزة وآخرها الياء؛ ليسهل على الطالب الظفر بما
ص: 325
يلتمسه، ويسهل على من يريد حفظه أيضاً»(1).
ولكنّ الشيخ لم يفِ بهذا ا لوعد، ولم يلتزم به في الكتاب، فأهمل ترتيب الكتاب على حروف المعجم، ولم يعتنِ بتنظيم معلومات الكتاب وفق النهج والخطّة التي ذكرها.
وقال سليمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال: «لقد اتّبع الطوسي في كتابه هذا تسلسل حروف المعجم باعتبار أوّل حرف من أسمائهم فيعقد باب الهمزة قبل باب الباء وهذا سابق لباب الثاء وهكذا هلمّ جرّاً، وأسفل كلّ باب حرف أبواب لكلّ مجموعة من الأشخاص تشترك في اسم واحد، ونشاهد أنّ هذه الأبواب غير مترتّبة على وفق التنظيم المعجمي، وكذلك تقدّم وتأخّر الأسماء التي تحتها فمثلاً في (باب العين) أتى أوّلاً (باب علي) قبل (باب عبد الله) و(باب عبيد) أمام (باب عبد الرحمن)، والأسماء الواقعة في (باب علي) لم يراعِ فيها أوّل حرف من اسم الأب ف (علي بن رئاب) متقدّم على (علي بن الحكم) وهو سابق ل (علي بن جعفر)»(2).
الوعد الثاني:
قال الشيخ في الفهرست: «إذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وأبيّن عن اعتقاده وهل هو موافق للحقّ أم هو مخالف له؟
ص: 326
لأنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة، فإذا سهّل الله تعالى إتمام هذا الكتاب فإنّه يطّلع على ذكر أكثر ما عمل من التصانيف والأصول، ويَعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم»(1).
ولكنّ الشيخ لم يفِ بوعده هذا، ولم يلتزم في تراجم الكتاب بما قال، وأهمل الكثير من المصنّفين وأصحاب الأصول من دون الإشارة إلى ما قيل فيهم من التعديل والتجريح، ولم يذكر هل يعوّل على روايتهم أو لا؟ ولم يبيّن اعتقادهم وهل هو موافق للحقّ أو هو مخالف له؟
وممّن لم يشِر الشيخ إلى فساد مذهبهم:
1 - إبراهيم بن أبي بكر بن أبي السمّال(2): لم يبيّن الشيخ أنّه كان واقفيّاً كما صرّح به الكشّي(3) والنجاشي(4).
2 - الحسن بن علي بن أبي عثمان الملقّب بسجّادة(5): لم يبيّن الشيخ أنّه كان يفضّل أبا الخطّاب(6) على النبي محمّد صلی الله علیه واله ، وقد صرّح النجاشي بفساد مذهبه(7).
ص: 327
3 - عمّار بن موسى الساباطي(1): أهمل الشيخ توثيقه، ولا يخفى وجود الإبهام في حاله؛ لأنّه من جهة كونه فطحيّاً قد لا يُعتمد على روايته.
ومن هنا يتّضح بأنّ ذكر الشيخ للشخص في الفهرست وعدم التعرّض لمذهبه لا يكشف أن يكون الشخص شيعيّاً بالمعنى الأخصّ، أي: من الشيعة الاثني عشريّة، بل قد يكون الشخص شيعيّاً بالمعنى الأعمّ، أي: من الشيعة الزيديّة أو الإسماعيليّة أو الواقفيّة أو الفطحيّة.
1 - تحقيق وتعليق السيّد محمّد صادق بحر العلوم، طُبع في النجف.
2 - تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي، طُبع في قم، وقد اعتمد في هذا التحقيق على عشر نسخ.
أسماء الکتاب:
أُطلق على هذا الكتاب تسميات مختلفة، منها:
1 - رجال الطوسي.
2 - كتاب الأبواب. قال البعض: «وقد يُسمّى: كتاب الأبواب؛ لأنّه مرتّب على أبواب»(2).
3 - تسمية الرجال الذين رووا الحديث عن النبي صلی الله علیه واله وعن أهل البيت
ص: 328
وهم الأئمّة الاثنا عشر علیهم السلام (1).
ويُرمز إلى رجال الطوسي ب (جخ).
المؤلّف:
أبو جعفر الشيخ محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (385 ﻫ - 460 ﻫ)
قال الشيخ الطوسي في مقدّمة الكتاب: «يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن رسول الله صلی الله علیه واله وعن الأئمّة علیهم السلام من بعده إلى زمن القائم علیه السلام ، ثمّ أذكر بعد ذلك من تأخّر زمانه عن الأئمّة علیهم السلام من رواة الحديث أو من عاصرهم ولم يروِ عنهم ... وأوّل ما أبتدئ من الرجال الذين رووا عن النبي صلی الله علیه واله ، ثمّ من بعد ذلك رجال الأئمّة علیهم السلام »(2).
قال الشيخ الطوسي في المقدّمة حول ترتيب الكتاب: «أرتّب ذلك على حروف المعجم التي أوّلها الهمزة وآخرها الياء؛ ليقرب على ملتمسه طلبه، ويسهل عليه حفظه»(3).
وورد حول ترتيب الكتاب: «الكتاب مرتّب على الألفباء فباب الباء قبل التاء وبعد باب الألف وهلمّ جرّاً إلى آخر باب الياء، وفي أسفل كلّ باب
ص: 329
الأسماء المبدوءة بالحرف المسمّى به العنوان الرئيسي لكنّها في حدّ ذاتها لم تكن تلكم الأسماء مرتّبة، ففي (باب الراء) من أصحاب علي علیه السلام تسلسل الأسماء كلّها هكذا: (رشيد، ربيعة، رفاعة، رافع، رفاعة، رقيقة، ربيعة، أركان)، وكلّ هذه العمليّة الترتيبيّة مكرّرة دواليك(1) بصورة منفصلة عنها بالنسبة لصحابة المعصوم الآخر»(2).
ورد في فهارس كتاب رجال الطوسي التي أعدّها محقّق الكتاب جواد القيّومي الإصفهاني إحصائيّات، منها:
1 - فهرس الرجال: يتضمّن 5715 شخصاً.
2 - فهرس الثقات والضعاف: يتضمّن قسم الثقات 157شخصاً، ويتضمّن قسم الضعاف 43 شخصاً.
3 - فهرس المنسوبين إلى المذاهب الفاسدة: يتضمّن 128 شخصاً، وهم: من البتريّة 11 شخصاً، ومن الخوارج 5 أشخاص، ومن الزيديّة 6 أشخاص، ومن العامّة 11 شخصاً، وفي قسم الغلوّ والتفويض والرمي به 30 شخصاً، ومن الواقفيّة 64 شخصاً، ومن غيرهم شخصاً واحداً.
4 - فهرس المجاهيل: يتضمّن 50 شخصاً(3).
وينتهي تسلسل الكتاب في هذا الطبعة إلى رقم 6428 وهو أبو العبّاس
ص: 330
صاحب عمّار بن مروان، ثمّ ذكر امرأة واحدة في باب النساء.
وورد في مصدر آخر بأنّ رجال الطوسي «يتضمّن زهاء 8900 اسم»(1)، وورد في مصدر آخر حول رجال الطوسي: «هو أوسع كتب الرجال من حيث عدد أسماء المذكورين فيه فقد بلغوا 6398 راوياً مع التكرار»(2).
وأخرج البعض «أسماء من قال الشيخ في حقّهم: خارجي ملعون أظهر الغلوّ، رمي بالغلوّ ملعون، غالٍ كذّاب، غالٍ ومتّهم بالغلوّ، فبلغت 37 شخصاً»(3).
وورد بأنّ «رجال الشيخ الطوسي لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي، فقد جمع فيه 6429 من الرواة، وقد ضعّف منهم 74 بمختلف ألفاظ التضعيف، ووصف 50 منهم بالجهالة، ونسب جماعة منهم إلى البتريّة الخوارج والزيديّة والواقفيّة والعامّة»(4).
لم يختصّ رجال الطوسي بالشيعة والمؤمنين، بل تضمّن المخالفين والمنافقين، منهم:
1 - تضمّن من أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظائرهم.
ص: 331
2 - تضمّن من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام زياد بن أبيه وابنه عبيد الله بن زياد.
3 - تضمّن من أصحاب الإمام الصادق صلی الله علیه واله منصوراً الدوانيقي.
وتضمّن رجال الطوسي ذكر الأصحاب والرواة غير الشيعة من دون إشارة إلى مذهبهم أو ذكر شيء فيهم، ولهذا فإنّ ذِكر اسم الشخص في هذا الكتاب من دون التصريح بمذهبه لا يكشف عن كونه شيعيّاً فضلاً عن كونه من الشيعة الاثني عشريّة(1).
قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال حول رجال الطوسي: «غير الإمامي فيه من أوّله إلى باب أصحاب الصادق علیه السلام أكثر من الإمامي، وبعده ليس غير الإمامي فيه بتلك الكثرة، بل بابه الأخير (باب من لم يروِ عنهم علیهم السلام ) لم يعلم ذكر غير إمامي فيه، لعدم المناسبة»(2).
لم تكن من اهتمامات الشيخ الطوسي في رجاله من بداية الكتاب إلى نهاية أصحاب الإمام الصادق علیه السلام القيام بتوثيق أو تضعيف الذين يذكر أسماءهم إلّا في بعض الأحيان وبصورة نادرة وفي مواضع قليلة وبشكل استطرادي، ولهذا اكتفى بتقديم لائحة بأسماء الأصحاب والرواة من دون البحث عن قدحهم ومدحهم أو التعرّض لتعديلهم وجرحهم، وإنّما ظهرت منهجيّة التجريح والتعديل من باب أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام فقط إلى آخر الكتاب.
ص: 332
ولهذا قال الشيخ محمّد آصف المحسني (ت 1440 ﻫ) في كتابه بحوث في علم الرجال: «من العجيب أنّه لم يوثّق ولم يضعّف من أصحاب الصادق علیه السلام مع تلك الكثرة المكثرة إلّا عدداً ضئيلاً غير قابل للالتفات إليه، مع أنّه وثّق من أصحاب الكاظم والرضا علیهما السلام عدداً كثيراً بالنسبة إلى عدد أصحابهما، ولو أنّ الشيخ التفت إلى قدر توثيقاته وتجريحاته وأهمّيّتهما بالنسبة إلى الأجيال القادمة والأزمان الآتية، كأمثال زماننا لأتعب نفسه الزكيّة فيهما حتّى لا يخلو ذكر أحد عن مدحه أو جرحه، اللّهم إلّا من لم يتمكّن الشيخ من استعلام حاله»(1).
إنّ كتاب فهرست الطوسي أقدم من كتاب رجال الطوسي، وقد ألّف الشيخ الطوسي الفهرست قبل رجاله، والدليل على ذلك أنّه أحال في رجاله إلى كتاب الفهرست، فقال على سبيل المثال: «محمّد بن أحمد بن يحيىالأشعري، صاحب نوادر الحكمة، وقد ذكرناه في الفهرست«(2).
وفي نفس الوقت أشار الشيخ في الفهرست إلى كتاب الرجال الذي سيؤلّفه لاحقاً، فقال في ترجمة زرارة بن أعين بعد الإشارة إلى إخوة زرارة وأبنائهم: «لهم روايات عن علي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد علیهم السلام ، نذكرهم في كتاب الرجال إن شاء الله»(3).
ص: 333
وأمّا ذكر الشيخ كتاب الرجال في عداد تأليفاته في الفهرست(1)، فالمحتمل أن يكون من زياداته بعد التأليف؛ لأنّه ذكر فيه المبسوط أيضاً مع أنّه آخر كتبه(2).
1 - إنّ رجال الشيخ يتضمّن ذكر أصحاب النبي صلی الله علیه واله والأئمّة علیهم السلام سواء كان لهم كتاب أم لا، أمّا الفهرست فهو يتضمّن ذكر من له كتاب من الشيعة فقط، وليس فيه ذكر من ليس له كتاب، ولو كان من أصحاب النبي صلی الله علیه واله
والأئمّة علیهم السلام .
2 - لم يذكر الشيخ في رجاله مصنّفات الرواة وكتبهم كما فعل في الفهرست إلّا الإشارة عند ذكر بعض الرواة بأنّ له كتاباً، ولم يذكر فيه طرقه إلى هذه الكتب كما فعل في الفهرست.
1 - أدّت منهجيّة الشيخ الطوسي من خلال ضبط أسماء الرجال حسب ترتيب عصور المعصومين علیهم السلام في رجاله إلى تحديد طبقة الراوي وأنّه من أصحاب أيّ إمام.
2 - يتضمّن رجال الطوسي الرواة عن المعصومين علیهم السلام بشكل مطلق، سواء كانت روايتهم مع الواسطة أو بدونها(3).
ص: 334
3 - كثر في رجال الطوسي توضيح ما يتعلّق بالأشخاص المذكورين من كناية ونسبة وشهرة، والتعرّض إلى كون الرجل مسنداً إليه(1).
4 - قلّ في رجال الطوسي التطرّق إلى عقيدة الرجل أو مكان سكناه أو سنة ولادته أو وفاته وما شابهها(2).
5 - وصف الشيخ الطوسي بعض الرواة في رجاله بأنّه مجهول، ويبلغ عددهم خمسين شخصاً، والمراد من هذه الجهالة على الأرجح جهالة حاله،
وأنّه لم تثبت معرفته(3).
لم تكن منهجيّة الشيخ في أرض الواقع عند تأليف هذا الكتاب الاهتمام والاستقراء الكامل للأصحاب والرواة، بل اكتفى بذكر بعضهم، وقال الشيخ الطوسي في مقدّمة كتابه بعد تبيين هدفه من تأليف رجاله: «لا أضمن أنّي أستوفي ذلك عن آخره فإنّ رواة الحديث لا ينضبطون ولا يمكن حصرهم لكثرتهم وانتشارهم في البلدان شرقاً وغرباً، غير أنّي أرجو أنّه لا يشذّ عنهم إلّا النادر، وليس على الإنسان إلّا ما تسعه قدرته وتناله طاقته»(4).
وقال السيّد البروجردي (ت 1380ﻫ): «إنّ كتاب الرجال للشيخ كانت
ص: 335
مذكّرات له، ولم يتوفّق لإكماله، ولأجل ذلك نرى أنّه يذكر عدّة أسماء ولا يذكر في حقّهم شيئاً من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية، بل يعدّهم من أصحاب الرسول والأئمّة فقط»(1).
ورد في مقدّمة تحقيق رجال الطوسي: «يظهر من كتابه هذا وما ذكره في المقدّمة أنّه جمع بين أصول الأصحاب التي دوّنت في ذكر أصحاب النبي والأئمّة علیهم السلام ، ولهذا نراه كثيراً ما يذكر شخصاً واحداً بعنوان واحد أو بعنوانين بلا اختلاف في ذكر الاسم أو مع اختلاف في ذكر اسمه أو اسم أبيه أو كنيته، ومنشأ الاختلاف أصول الأصحاب، والشيخ ذكر الأسماء كما وجدها»(2).
وقال المیرزا محمّد بن علي الأسترآبادي (ت 1028 ﻫ) في كتابه منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: «إنّ عادة الشيخ في كتاب الرجال نقل جميع ما ذكره الأصحاب وإن احتمل الاتّحاد، وظاهر النجاشي تحقيق الحال»(3).
وقال السيّد التفرشي (ق 11 ﻫ) في كتابه نقد الرجال حول تعدّد الأسماء في رجال الشيخ: «مثل هذا في كلامه كثير مع جزمنا بالاتّحاد»(4)، وقال في موضع آخر: «مثل هذا في كلامه قدس سره كثير مع عدم التعدّد يقيناً كما يظهر من
ص: 336
أدنى تتبّع»(1).
ولا يخفى بأنّ هذا التعدّد لا يدلّ على تعدّد المعنون؛ وسبب ذلك هو أنّ الشيخ الطوسي لم يكن بناؤه في رجاله على الاجتهاد، بل على ذكر ما ذكره الأصحاب.
قال السيّد بحر العلوم (ت 1212 ﻫ) في رجاله المعروف بالفوائد الرجاليّة: «من الإشكال المشهور أنّ الشيخ رحمة الله في كتاب الرجال قد يذكر الرجل في باب من لم يروِ عنهم علیهم السلام وفي غيره من الأبواب»(2).
وقد ذكر الشيخ الطوسي ما يقارب خمسين راوياً ضمن قوائم من رووا عن الأئمّة علیهم السلام ، ثمّ ذكرهم في «باب من لم يروِ عن واحد من الأئمّة علیهم السلام »، وهذا تناقض واضح، ولا يعقل أن يكون الشخص الواحد من الذين رووا عن الأئمّة علیهم السلام وممّن لم يروِ عنهم علیهم السلام ، ومن هؤلاء: بكر بن محمّد الأزدي(3)، كليب بن معاوية الأسدي(4)، ثابت بن شریح الصائغ(5)، القاسم بن محمّد الجوهري(6)، قتيبة بن محمّد الأعمش(7)، فضالة بن أيّوب(8)، محمّد بن عيسى
ص: 337
بن عبيد اليقطيني(1)، الحسين بن الحسن بن أبان(2)(3).
ولا يصحّ القول بأنّ من ذكرهم الشيخ في الأبواب قد ذكرهم تحت عنوان الأصحاب وقد لا يكونون من الرواة؛ لأنّ الشيخ ذكر في أوّل الكتاب بأنّه يقصد من الأصحاب الذين رووا عن المعصومين علیهم السلام فقال: «إنّي قد أجبت إلى ما تكرّر من سؤال الشيخ الفاضل فيه من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن رسول الله صلی الله علیه واله وعن الأئمّة علیهم السلام من بعده إلى زمان القائم علیه السلام »(4).
وذكر الشيخ محمّد آصف المحسني (ت 1440 ﻫ) حول الشيخ الطوسي في هذا المجال: «إنّه رحمة الله عنون باباً في آخر رجاله وذكر فيه أسماء من لم يروِ عن رسول الله صلی الله علیه واله والأئمّة علیهم السلام ، وهم يزيدون عن خمسمائة رجل لكنّ فيهم 62 رجلاً رووا عن أحد من الأئمّة علیهم السلام بتصريح من الشيخ في رجاله، وهذا هو التناقض، وقد تصدّى جماعة من الرجاليّين لدفع التناقض بين كلامي الشيخ، وبعضهم توقّف، وبعضهم نسبه إلى غفلة الشيخ»(5).
قال الخواجوئي (ت 1173 ﻫ) في كتابه الفوائد الرجاليّة حول كلام
ص: 338
الشيخ الطوسي في علم الرجال: «كلام الشيخ في هذا الباب مضطرب، ومن اضطرابه:
إنّه يقول في موضع: إنّ الرجل ثقة، ثمّ يقول في موضع آخر: إنّه ضعيف، كما في سالم بن مكرم(1)، وسهل بن زياد(2) من رجال علي بن محمّد الهادي علیهما السلام .
وقال في الرجال: محمّد بن علي بن بلال ثقة(3)، وفي كتاب الغيبة: إنّه من المذمومين(4).
وفي عبد الله بن بكير: إنّه ممّن عملت الطائفة بخبره بلا خلاف(5)، وفي باب الطلاق صرّح بما يدلّ على فسقه وكذبه وأنّه يقول برأيه(6).
وفي عمّار الساباطي أنّه ضعيف لا يعمل بروايته(7)، كذا في الاستبصار،
ص: 339
وفي العُدّة: إنّ الطائفة لم تزل تعمل بما يرويه(1)، وأمثال ذلك منه كثير جدّاً»(2).
ورد في الرسائل الرجاليّة: «حكم الفاضل الخواجوئي في أوائل أربعينه وأوائل رسالته المعمولة في الكرّ بأنّه لا يسوغ الاعتماد على أقوال الشيخ في الرجال في معرفة أحوال الرجال، ولا يفيد إخباره بها ظنّاً ولا شكّاً في حال من الأحوال؛ تعليلاً بأنّ كلامه في هذا الباب محلّ الاضطراب»(3).
قال الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت 1070 ﻫ) في كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه حول الشيخ الطوسي: «كلّ ما يقع منه رضي الله عنه من السهو والغفلة فكان باعتبار كثرة تصانيفه ومشاغله العظيمة ... فلهذه المشاغل العظيمة يقع منه السهو كثيراً»(4)(5).
قال الشيخ محمّد آصف المحسني (ت 1440 ﻫ) في كتابه بحوث في علم الرجال حول رجال الطوسي: «إنّه لم يفِد فائدة مهمّة تامّة لعلم الرجال الباحث عن أحوال الرواة وثاقة وضعفاً؛ إذ مجموع من وثّقه في كتابيه الرجال والفهرست أقلّ من 320 راوياً، ومجموع من ضعّفه أقلّ من 83 شخصاً»(6).
ص: 340
وأضاف: «واعلم أنّ المتدبّر في كتابي الشيخ قدس سره يقضي جزماً بأنّ استنباط الأحكام من الأخبار الآحاد لم يكن عنده وعند من سبقه من المجتهدين الكرام على مجرّد صحّة السند وصدق الراوي، وإلّا لتعرّض الشيخ لحال الرواة المذكورين في كتابيه، وبيّن صدقهم أو كذبهم أو جهالتهم، فإنّه المجتهد المتضلّع والفقيه الماهر، فلا يعقل عدم التفاته إلى متطلّبات الفقه وحاجات الاجتهاد، بل كان استنباطهم على القرائن الخارجيّة دون السند غالباً المورثة للاطمئنان بصدق الرواية، وربّما يعتمدون على وثاقة الراوي، وقد سبق ذكر بعض تلك القرائن، ولكنّها قد اختفت غالباً في هذه الأعصار، فأصبحت وثاقة الراوي ذات أهمّيّة بالغة»(1).
وعليه فكتاب رجال الطوسي في الواقع لم يكن اهتمامه معرفة أحوال الرواة ورجال الأسانيد، بل هو مجرّد قائمة أسماء، وثّق أو ضعّف فيها 378 شخصاً من مجموع 6429 شخصاً، وأهمل 6051 شخصاً.
اسم الكتاب:
1 - رجال البرقي.
2 - الرجال للبرقي.
3 - طبقات الرجال(2).
ويرمز إليه ب (قي).
ص: 341
المؤلّف:
اتّفقت الكلمة على أنّ مؤلّف هذا الكتاب هو البرقي، ولكن وقع الاختلاف في اسم المؤلّف، منها:
1 - أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274 ﻫ أو 280ﻫ) (صاحب المحاسن).
2 - محمّد بن خالد البرقي (والد صاحب المحاسن).
3 - عبد الله بن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ولد صاحب المحاسن).
4 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (حفيد صاحب المحاسن)(1).
قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ) في كتابه تنقيح المقال: «وأمّا البرقي، ففي كون المراد به هو أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، أو أبوه محمّد، وجهان، جزم بأوّلهما بعض الأواخر(2)؛ معلّلاً بأنّ الابن هو صاحب الكتاب، وجزم آخر بالثاني؛ معلّلاً بأنّ كثرة نقله في الكتاب عن كتاب سعد بن سعد الأشعري يوهم ذلك، كما يظهر من ترجمة سعد، وعبارة منتهى المقال(3) عند ذكر الرموز لا تعيّن شيئاً منهما؛ إذ لم يذكر إلّا أنّ كتاب البرقي(4) (قي)، ولم
ص: 342
يعيّن أنّ الكتاب للأب أو الابن، والأمر سهل بعد وثاقة كليهما»(1).
قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «اختلف في رجال البرقي ... فقال بعضهم: إنّه لأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وقال بعضهم: إنّه لأبيه محمّد بن خالد البرقي، وكلاهما وهم، وكيف يمكن أن يكون لهما وقد استند في كثير من رجاله إلى كتاب سعد بن عبد الله القمّي، وسعد كان من تلامذة أحمد الابن، وعنون فيه عبد الله بن جعفر الحميري وصرّح بسماعه منه، فيكون شيخه، مع أنّ عبد الله كسعد تلميذ أحمد الابن، وعنون أحمد بن أبي عبد الله فيه ولم يذكر أنّه مصنّف الكتاب، كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرستيهما والعلّامة وابن داود في كتابيهما، وعنون محمّداً البرقي ولم يشِر إلى أنّه أبوه؟! والذي يعلم من ملاحظة الطبقة أنّه لعبد الله بن أحمد البرقي الذي يروي عنه الكليني، أو أحمد بن عبد الله البرقي الذي يروي عنه الصدوق، والثاني أقرب؛ لعنوانه سعداً والحميري، كما عرفت»(2).
يتضمّن رجال البرقي ذكر أسماء أصحاب النبي صلی الله علیه واله ، ثمّ أصحاب كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام إلى الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، وورد بأنّ «رجال البرقي بُني على جمع أسماء أصحاب النبي صلی الله علیه واله والأئمّة علیهم السلام الذين رووا عنهم الحديث، مركّزاً على كونهم إماميّة دون غيرهم إلّا مع التصريح، ويبتني كذلك على
ص: 343
ذكرهم على الطبقات»(1)، «ويذكر في أصحاب كلّ إمام أوّلاً الذين أدركوا الإمام السابق عليه أيضاً، ثمّ الذين نشؤوا في عصر هذا الإمام»(2).
قال الشيخ محمّد تقّي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «وأمّا رجال البرقي، فلا يذكر في أصحابهم علیهم السلام طعناً سوى العامّيّة إلّا شاذّاً، وعدّ في أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام جمعاً، وقال: مجهولون، والظاهر أنّه أراد الجهل بإماميّتهم وعامّيّتهم، ولا يذكر الطعن بفساد المذهب أو الضعف، فممكن القول بتشيّع من لم يذكر فيه عامّيّته»(3).
إنّ رجال البرقي «يحتوي على 1760 عنواناً حسب ترقيم نسختنا المحقّقة بما في ذلك الأسماء المكرّرة في الطبقات المتعدّدة»(4).
ليس في رجال البرقي أيّ تعديل وتجريح للأصحاب والرواة الذين وردت أسماؤهم في هذا الكتاب.
1 - رجال البرقي متقدّم زمنيّاً على الأصول الأربعة الرجاليّة الأساسيّة.
ص: 344
2 - لا يعدّ رجال البرقي من الأصول الرجاليّة؛ لعدم تعرّضه إلى تعديل وتجريح.
3 - أهمّ فائدة رجال البرقي هي تحديد طبقة الراوي، كما أنّه لم يستوف جميع الطبقات.
4 - «لا سند إلى هذا الكتاب بناء على كونه لأحمد بن عبد الله البرقي كما هو الظاهر، فلا يمكن الركون إليه»(1).
5 - اعتمد السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ) على رجال البرقي في معجمه(2)، وقال: «رجال البرقي المعبّر عنه في فهرست الشيخ بطبقات الرجال، وقد اعتنى العلّامة بهذا الكتاب في الخلاصة، وذكر في إجازته الكبيرة وغيرها طريقه إلى فهرست الشيخ، وإلى ما اشتمل عليه الفهرست من الكتب»(3).
اسم الكتاب:
رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين، وطُبعت هذه الرسالة أخيراً بعنوان رسالة في آل أعين، مع شرح السيّد محمّد علي الأبطحي(4).
ص: 345
المؤلّف:
الشيخ أبو غالب الزراري، وهو أحمد بن محمّد (285 ﻫ - 368 ﻫ) الذي ينتهي نسبه إلى بكير بن أعين(1)، وهو من أساتذة الشيخ المفيد، وقد أكثر الشيخ المفيد النقل عنه(2).
هذا الكتاب في الواقع عبارة عن رسالة كتبها أبو غالب إلى ابن ابنه محمّد بن عبد الله بن أبي غالب، ولهذا عبّر الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي عن هذه الرسالة بكتاب الرسالة إلى ابن ابنه أبي طاهر في ذكر آل أعين(3)، وكانت هذه الرسالة في الواقع إجازة منه إلى ابن ابنه، كتبها سنة 356 ﻫ، ثمّ جدّدها في سنة 367 ﻫ(4).
تتضمّن هذه الرسالة الصغيرة شرح حال رجال وأعلام آل زرارة بن أعين، بما فيهم رواة الحديث، وهم الأكثر، وقد ترجم أبو غالب لنفسه ولأعيان بيته والمحدّثين منهم.
ص: 346
تتضمّن هذه الرسالة بضعة وعشرين من مشايخ المؤلّف (1)، وتتضمّن في نهايتها فهرس الكتب التي كانت موجودة عند أبي غالب، والتي رواها بطرقه عن مؤلّفيها(2)، وقد بلغ عددها 122 كتاباً وجزءاً (3).
1 - قال الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة: «إنّ هذه الإجازة المبسوطة أنفس إجازة وصلت إلينا من القدماء»(4).
2 - قال السيّد محمّد رضا الجلالي محقّق هذه الرسالة: «إنّ الكتاب احتوى على مادّة علميّة مهمّة، وهي (إجازة الحديث) باعتبار كونه من أقدم الإجازات العلميّة الواصلة إلينا، بل هي أطول إجازة من القرن الرابع على الإطلاق»(5).
اسم الكتاب:
1 - رجال ابن الغضائري.
2 - الرجال لابن الغضائري.
3 - الضعفاء.
ص: 347
المؤلّف:
القول الأوّل: أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الشهير بابن الغضائري (قيل: ت 450 ﻫ)(1)، وهو القول الصحيح(2).
القول الثاني: الحسين بن عبيد الله الغضائري (ت 411 ﻫ)(3)، وذهب الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) إلى هذا القول(4)، «وهو قول مردود؛ لعدم نسبة كتاب في الرجال إلى الوالد فيما ترجم له عند الخاصّة والعامّة»(5).
القول الثالث: بعض أعداء المذهب من المخالفين، ثمّ نسبوه إلى ابن الغضائري، قال آقا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة بعد ذكر قرائن: «كلّ ذلك قرائن تدلّنا على أنّ هذا الكتاب ليس من تأليفه، وإنّما ألّفه بعض المعاندين للاثني عشريّة المحبّين لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وأدرج فيه بعض أقوال نسبة الشيخ والنجاشي في كتابيهما إلى ابن الغضائري ليتمكّن من النسبة إليه، وليروّج منه ما أدرجه فيه من الأكاذيب والمفتريات»(6).
وقال السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ) في كتابه معجم رجال الحديث: «وأمّا
ص: 348
الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري فهو لم يثبت، ولم يتعرّض له العلّامة في إجازاته، وذكر طرقه إلى الكتب، بل إنّ وجود هذا الكتاب في زمان النجاشي والشيخ أيضاً مشكوك فيه، فإنّ النجاشي لم يتعرّض له، مع أنّه قدس سره بصدد بيان الكتب التي صنّفها الإماميّة حتّى أنّه يذكر ما لم يرَه من الكتب، وإنّما سمعه من غيره أو رآه في كتابه، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيد الله أو ابنه أحمد وقد تعرّض قدس سره لترجمة الحسين بن عبيد الله وذكر كتبه، ولم يذكر فيها كتاب الرجال، كما أنّه حكى عن أحمد بن الحسين في عدّة موارد، ولم يذكر أنّ له كتاب الرجال. نعم، إنّ الشيخ تعرّض في مقدّمة فهرسته أنّ أحمد بن الحسين كان له كتابان، ذكر في أحدهما المصنّفات وفي الآخر الأصول، ومدحهما، غير أنّه ذكر عن بعضهم أنّ بعض ورثته أتلفهما ولم ينسخهما أحد. والمتحصّل من ذلك: أنّ الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم يثبت، بل جزم بعضهم بأنّه موضوع، وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري»(1).
والغريب أنّ السيّد الخوئي على الرغم من تشكيكه بكتاب رجال ابن الغضائري، والقول بأنّه لم يثبت، وذكره جزم البعض بأنّه موضوع من قبل المخالفين وعدم ردّه عليهم، فإنّه مع ذلك ذكر أقوال ابن الغضائري على طول معجمه واعتمد عليها وأخذها بنظر الاعتبار في الكثير من الأحيان.
1 - كتاب ذكر فيه المصنّفات.
2 - كتاب ذكر فيه الأصول.
ص: 349
وهذان الكتابان أشار إليهما الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في مقدّمة الفهرست، وقال: «إنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا، واخترم هو رحمه الله، وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين»(1).
3 - كتاب الممدوحين(2)، وقد نقل عنه العلّامة في الخلاصة(3)، ولم يصل إلينا.
4 - كتاب الضعفاء الذي ذكر فيه المذمومين، ويُعرف برجال ابن الغضائري، وقد وصل إلينا على النحو الذي بيّنّاه.
1 - لم يذكر النجاشي (ت 450 ﻫ) في رجاله أيّة ترجمة مستقلّة لأحمد بن الحسين الغضائري على الرغم من استقصائه كتب ومصنّفات الإماميّة وعمق صلته به، وعلى الرغم أنّه كان مشاركاً مع ابن الغضائري في القراءة على الحسين بن عبيد الله الغضائري(4)، وإنّما اكتفى فقط بالنقل عنه في موارد قليلة، لا تتجاوز بضعة وعشرين مورداً(5).
وورد حول نقل النجاشي عن ابن الغضائري: «الظاهر أنّ النجاشي لأجل مخالطته ومعاشرته معه قد وقف على مسودّاته ومذكّراته فنقل ما نقل
ص: 350
عنها»(1)، وهذا لا يلازم وجود كتاب لابن الغضائري، كما أنّ نقل النجاشي عن ابن الغضائري لا يلزم صحّة ما بأيدينا؛ لأنّ معتمد النجاشي في نقله هو السماع لمخالطته له، ولم يصرّح النجاشي بوجود كتاب مستقلّ لابن الغضائري قد نقل عنه.
2 - لم يذكر الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) أيّة ترجمة مستقلّة لأحمد بن الحسين الغضائري في رجاله والفهرست.
لم يكن لكتاب الضعفاء لابن الغضائري ذكر في عصر الشيخ النجاشي (ت 450 ﻫ)، والشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) إلى مدّة قرنين من الزمن حتّى ظهرت نسخة منه بلا سند ولا طريق على يد السيّد أحمد بن طاووس (ت 673 ﻫ)، فاستفاد منه في كتابه حلّ الإشكال في معرفة الرجال الذي جمع فيه أحوال الرجال من الأصول الرجاليّة ومنها رجال ابن الغضائري، ثمّ لم يبقَ لأصل كتاب رجال ابن الغضائري أثر بعد ذلك.
ولهذا قال الآقا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ): «لم يبقَ من الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري إلّا ما وزّعه السيّد ابن طاووس في كتابه حلّ الإشكال، ولولاه لما بقي منه أثر»(2).
قال السيّد أحمد بن طاووس (ت 673 ﻫ) في أوّل كتابه حلّ الإشكال في معرفة الرجال حول اعتماده على رجال ابن الغضائري: «ولي بالجميع روايات
ص: 351
متّصلة سوى كتاب ابن الغضائري»(1)، وهذا تصريح بأنّه لم يروِ كتاب ابن الغضائري عن أحد، وإنّما وجده منسوباً إليه.
ولهذا قال الآقا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ) حول إدراج السيّد أحمد بن طاووس لكتاب ابن الغضائري في كتابه حلّ الإشكال في معرفة الرجال: «لم يكن إدراجه فيه من السيّد لأجل اعتباره عنده، بل ليكون الناظر في كتابه على بصيرة، ويطّلع على جميع ما قيل أو يقال في حقّ الرجل حقّاً أو باطلاً ليصير ملزماً بالتتبّع والاستعلام عن حقيقة الأمر، فلم يدرجه السيّد إلّا بعد الإيماء إلى شأنه أوّلاً بحسب الترتيب الذكري فأخّره عن الجميع، ثمّ تصريحه بأنّها ليست من مرويّاته، بل وجده منسوباً إلى ابن الغضائري، فتبرّأ من عهدته بصحّة النسبة إليه»(2).
ثمّ أدرج العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) في الخلاصة وابن داود في رجاله (ت 707 ﻫ) عين ما أدرجه السيّد ابن طاووس في كتاب حلّ الإشكال.
وكان كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال موجوداً عند الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، ثمّ انتقلت هذه النسخة بعده إلى ولده حسن ابن الشهيد الثاني (ت 1011ﻫ)، ثمّ انتقلت بعينها إلى الشيخ عبد الله التستري (ت 1021 ﻫ)، وكانت مخرّقة مشرفة على التلف، فاستخرج منها جميع ما فيها من عبارات كتاب الضعفاء المنسوب إلى ابن الغضائري ورتّبها حسب الحروف، وهو الموجود الآن من كتاب ابن الغضائري.
قال الشيخ عبد الله بن الحسين التستري (ت 1021 ﻫ): «إنّي لمّا وقفت
ص: 352
على كتاب السيّد المعظّم السيّد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف، وقد كنت رزقت بحمد الله تعالى النافع من تلك الكتب إلّا كتاب ابن الغضائري فإنّي كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا هذا، وكان كتاب السيّد هذا بخطّه الشريف مشتملاً عليه فحداني التبرّك به مع ظنّ الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفرداً عنه»(1).
ثمّ جاء الشيخ عناية الله القهبائي (كان حيّاً سنة 1016 ﻫ) فوزّع في كتابه مجمع الرجال تمام عبارات كتاب رجال ابن الغضائري التي استخرجها أستاذه التستري من كتاب حلّ الإشكال، ثمّ لم يبقَ لكتاب حلّ الإشكال أثر بعد ذلك (2).
وكمحاولة أخيرة لإحياء رجال ابن الغضائري قام السيّد محمّد رضا الجلالي بجمع ما نقل عن رجال ابن الغضائري في مختلف كتب الرجال، فطبعه في مجلّد مستقل، وجاء في تصدير هذا الكتاب: «جرى استلال نصّ كتاب الرجال لابن الغضائري ومستدركاته المستقاة من مختلف نصوص كتب الرجال، وهكذا تمّ إحياء الكتاب»(3).
اسم الكتاب:
1 - الفهرست، فيُطلق على الكتاب: فهرست الشيخ منتجب الدين.
ص: 353
2 - الفهرس، فيُطلق على الكتاب: فهرس الشيخ منتجب الدين.
3 - فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم(1).
المؤلّف:
منتجب الدين أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين (أخ الشيخ الصدوق) بن علي (والد الشيخ الصدوق) بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي الرازي، من أعلام القرن السادس، تُوفّي بعد سنة 585 ﻫ(2)، وورد أنّه كان حيّاً سنة 600 ﻫ (3).
1 - محتوى هذا الفهرست: «هذا الفهرست تتميم وتكملة لفهرست الشيخ الطوسي، أورد فيه المتأخّرين عن الشيخ الطوسي أو معاصريه غير المذكورين في فهرسته كما صرّح به في أوّله»(4).
2 - محفّز الشيخ منتجب الدين على تأليف هذا الفهرست: قال الشيخ منتجب الدين حول كلامه مع عزّ الدين أبي القاسم يحيى بن أبي الفضل محمّد الشريف المرتضى نقيب قم (ت 592 ﻫ)(5): «قد جرى أيضاً في أثناء كلامه أنّ شيخنا الموفّق السعيد أبا جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (رفع الله منزلته) قد
ص: 354
صنّف كتاباً في أسامي مشايخ الشيعة ومصنّفيهم، ولم يصنّف بعده شيء من ذلك، فقلت: لو أخّر الله تعالى أجلي وحقّق أملي أضفت إليه ما عندي من أسماء مشايخ الشيعة ومصنّفيهم الذين تأخّر زمانهم عن زمان الشيخ أبي جعفر رحمة الله وعاصروه»(1).
3 - عدم اطّلاع الشيخ منتجب الدين على كتاب معالم العلماء: يبدو من مقدّمة فهرست الشيخ منتجب الدين(2) أنّه لم يطّلع على كتاب معالم العلماء (تتمّة فهرست الشيخ)، تأليف معاصره الشيخ محمّد بن علي بن شهر آشوب (ت 588 ﻫ)، ولهذا قام بتأليف كتابه من غير الإشارة إلىه(3).
4 - قيمة الفهرست: «من هنا كانت قيمة هذا الكتاب في التعرّض لتوثيقات العلماء والرواة بعد عصر الشيخ إلى عصره في بداية القرن السابع»(4).
5 - اختلاف منهجيّة الشيخ منتجب الدين والشيخ الطوسي: «الملحوظ حضور أعداد هائلة من أسماء أشخاص لم يذكر لهم أيّ كتاب، فمن هذه الناحية نتصوّر أنّه لم يكن في مخيّلة منتجب الدين إكمال فهرست الطوسي على هدي الكتاب المتمّم؛ لأنّ الطوسي قد رام من كتاب(5) إيراد المصنّفات وتبعاً لها لا بدّ من ذكر مؤلّفيها، أمّا صاحبنا منتجب الدين فكان قصده أوّلاً
ص: 355
وبالذات هو جمع قائمة بأسماء المصنّفين من الشيعة، ولا يلزم أن تذكر معهم كتبهم»(1).
6 - عدد من أرّخ لهم الشيخ منتجب الدين في كتابه الفهرست: «أرّخ فيه لأكثر من سبعمائة علم من أعلام عصر أبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّى سنة 460 ﻫ) حتّى عصره»(2)، وينتهي تسلسل الرجال الموجود في طبعة المحقّق جلال الدين المحدّث إلى 544 شخصاً(3).
7 - اهتمام الشيخ منتجب الدين بالتوثيق دون التضعيف: قال سليمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال حول الشيخ منتجب الدين الرازي في فهرسته: «لم نجده خلال مطالعتنا للكتاب إلّا موثّقاً أو مادحاً، فما ذمّ ولا ضعّف، فعليه لعلّنا نقول: إنّ كتابه جمع فيه فقط من رأى صلاحه أو عدالته»(4).
اسم الكتاب:
معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً وحديثاً(5).
ص: 356
المؤلّف:
محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ﻫ)(1)، وأبرز كتبه:
1 - مناقب آل أبي طالب.
2 - متشابه القرآن.
3 - معالم العلماء.
قال ابن شهر آشوب: «هذا كتاب معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً وحديثاً، وإن كان قد جمع شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في ذلك العصر ما لا نظير له، إلّا أنّ هذا المختصر فيه زوائد وفوائد، فيكون إذن تتمّة له، وقد زدت فيه نحواً من ستّمائة مصنّف، وأشرت إلى المحذوف من كتابه، وإن كانت الكتب لا تعدّ ولا تحدّ»(2)، وعليه يكون كتاب معالم العلماء مجرّد فهرست لأسماء أصحاب الكتب.
«ابن شهر آشوب نظم كتابه على التسلسل الألفبائي ... والكتاب لم يخرج عن نطاق الأسلوب الذي جرى عليه المؤسّسان النجاشي والطوسي في العرض الفهرستي»(3).
يتضمّن معالم العلماء 1021 ترجمة، ثمّ يليها «فصل فيما جهل مصنّفه»
ص: 357
و«باب في بعض شعراء أهل البيت علیهم السلام »(1).
التشابه بين معالم العلماء وفهرست الشيخ منتجب الدين:
إنّ كتاب معالم العلماء كفهرست الشيخ منتجب الدين تتمّة وتكملة لفهرست الشيخ الطوسي، والمؤلّفان معاصران.
اسم الكتاب:
1 - كتاب الرجال لابن داود.
2 - رجال ابن داود.
المؤلّف:
تقي الدين أبو محمّد الحسن بن علي بن داود الحلّي (ت بعد 707 ﻫ).
ترتيب أسماء الرواة في رجال ابن داود:
قال ابن داود في مقدّمة رجاله: «رتّبته على حروف المعجم في الأوائل والثواني فالآباء، على قاعدة تقود الطالب إلى بغيته، وتسوقه إلى غايته، من غير طول وتصفّح للأبواب، ولا خبط في كتاب، وضمّنته رموزاً تغني عن التطويل، وتنوب عن الكثير بالقليل»(2).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول ابن داود: «سلوكه في كتاب الرجال أنّه ... جعل لكلّ كتاب علامة، بل لكلّ باب حرفاً أو حرفين،
ص: 358
وضبط الأسماء، ولم يذكر عن المتأخّرين من الشيخ إلّا أسماء يسيرة»(1).
وكانت هذه الطريقة التي اتّبعها ابن داود طريقة جديدة في زمانها، ولهذا قال ابن داود بنفسه: «وهذه لجّة لم يسبقني أحد من أصحابنا رضي الله عنهم إلى خوض غمرها، وقاعدة أنا أبو عذرها»(2).
وقال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) حول ابن داود ورجاله: «سلك فيه مسلكاً لم يسبقه إليه أحد من الأصحاب»(3).
قال ابن داود في مقدّمة رجاله: «صنّفت هذا المختصر جامعاً لنخب كتاب الرجال للشيخ أبي جعفر رحمة الله ، والفهرست له، وما حقّقه الكشّي والنجاشي، وما صنّفه البرقي والغضائري وغيرهم ... وبيّنت فيها المظانّ التي أخذت منها، واستخرجت عنها، فالكشّي (كش)، والنجاشي (جش)، وكتاب الرجال للشيخ (جخ)، والفهرست (ست)، والبرقي (قي)، وعلي بن أحمد العقيقي (عق)، وابن عقدة (قد)، والفضل بن شاذان (فش)، وابن عبدون (عب)، والغضائري (غض)، ومحمّد بن بابويه (يه)، وابن فضّال (فض)»(4).
وقال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول ابن داود: «سلوكه في كتاب الرجال أنّه ... جمع جميع ما وصل إليه من كتب الرجال مع حسن
ص: 359
الترتيب وزيادة التهذيب»(1).
ولهذا قال حسين عبد الله المرعي في كتابه منتهى المقال في الدراية والرجال حول رجال ابن داود: «لا يمكن الاعتماد على هذا الكتاب بالنسبة لنا؛ لأنّه اعتمد في توثيقاته على الأعلام القدامى، ونقل عنهم ما وصل إليه، لا أنّه وثّق عن حسّ، وتقدّم الكلام في ذلك»(2).
قسّم ابن داود رجاله إلى جزئين: الأوّل: خصّصه بذكر الموثّقين والمهملين، والثاني: خصّصه بالمجروحين والمجهولين، وقال ابن داود حول هذا الأمر: «بدأت بالموثّقين وأخّرت المجروحين ليكون الوضع بحسب الاستحقاق والترتيب بالقصد لا بالاتّفاق»(3).
قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «وأمّا الجزء الأوّل من كتاب ابن داود فلمن ورد فيه أدنى مدح ولو مع ورود ذموم كثيرة أيضاً فيه ولو لم يعمل بخبره، ويذكر من ورد فيه أدنى جرح في الثاني ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ... إنّ العلّامة لا يُعَنْوِن مختلفاً فيه في القسمين، بل إن رجّح المدح يذكره في الأوّل، وإن رجّح الذمّ أو توقّف يذكره في الثاني»(4).
ص: 360
1 - قال الفاضل الأردبيلي (ت 993 ﻫ) في كتابه مجمع الفائدة والبرهان: «ابن داود ... أنّا نرى في كتابه غلطاً كثيراً، لعلّه من غلط الكتّاب»(1).
2 - قال السيّد نور الله التستري (ت 1019 ﻫ) في كتابه تذهيب الأكمام في شرح تهذيب الأحكام، في شرح سند الحديث الأوّل منه في جملة كلام له: «ولا يعتمد على ما ذكره ابن داود في باب محمّد بن أورمة؛ لأنّ كتاب ابن داود لم أجده صالحاً للاعتماد؛ لما ظفرنا عليه من الخلل الكثير في النقل عن المتقدّمين وفي نقد الرجال والتمييز بينهم، ويظهر ذلك بأدنى تتبّع للموارد التي نقل ما في كتابه منها»(2).
3 - قال عبد النبي الجزائري (ت 1021 ﻫ) في كتابه حاوي الأقوال في معرفة الرجال: «واعلم أيضاً أنّي لم أعتمد على كتاب ابن داود وإن كان حسن الترتيب واضح المسلك؛ لأنّي وجدت أغلاطاً كثيرة تنبئ عن قلّة الضبط»(3).
4 - قال السيّد التفرشي (ق 11 ﻫ) في كتابه نقد الرجال: «الحسن بن علي بن داود ... له في علم الرجال كتاب معروف حسن الترتيب إلّا أنّ فيه أغلاطاً كثيرة»(4).
ص: 361
5 - قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) في كتابه أمل الآمل: «الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي ... له في علم الرجال كتاب حسن الترتيب إلّا أنّ فيه أغلاطاً كثيرة»(1).
6 - قال الميرزا عبد الله الأفندي الأصبهاني (ت 1130 ﻫ) في كتابه رياض العلماء وحياض الفضلاء: «وليعلم أنّ نقل ابن داود في رجاله عن كتب رجال الأصحاب ما ليس فيها ممّا ليس فيه طعن عليه؛ إذ أكثر هذا نشأ من اختلاف النسخ والازدياد والنقصان الحاصلين من جانب المؤلّفين أنفسهم بعد اشتهار بعض نسخها، وبقي في أيدي الناس على حاله الأولى من غير تغيير»(2).
واعتذر البعض أيضاً عن ابن داود حول سبب وجود الأغلاط الكثيرة في رجاله، بقولهم: «لعلّ خطّه رحمة الله كان رديئاً، وكان كلّ ناسخ يكتب حسب ما يفهمه منه، ولم تعرض النسخة عليه، فبقيت سقيمة ولم تصحّح»(3)، وقد ورد في رياض العلماء وحياض الفضلاء حول خطّ ابن داود: «رأيت خطّه الشريف ... وخطّه لا يخلو من جودة»(4).
7 - قال الخواجوئي (ت 1173 ﻫ) في كتابه الفوائد الرجاليّة: «...وأمّا كتاب ابن داود في الرجال، فقد سبق في تضاعيف البحث أنّه غير صالح للاعتماد عليه، كما أشار إليه جمع من المتأخّرين، والله يعلم»(5).
ص: 362
8 - قال الشيخ محمّد حسن الشيخ الكبير (ت 1345 ﻫ) في كتابه نتيجة المقال في علم الرجال بعد الإشارة إلى تصريح السيّد التفرشي (ق 11 ﻫ) بوجود أغلاط كثيرة في رجال ابن داود: «إنّه إشارة إلى ما في كتابه من الخبط وعدم الضبط، فإنّك تراه كثيراً ما يقول: (جش)، والذي ينبغي (كش)، أو يقول: (كش) و(جخ) (1)، أو يقول: (جخ) وليس فيه منه أثر، وربّما يستنبط المدح، بل الوثاقة ممّا لا رائحة منه فيه، وقد يعتذر عن ذلك بأنّ خطّه رحمة الله كان رديّاً، وكان كلّ ناسخ يكتب حسب ما يفهمه منه ولم تعرض النسخة عليه فبقت سقيمة ولم تصحّح، وهو وجيه؛ إذ هو بعيد عن مثل هذا العالم»(2).
9 - قال المیرزا أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ﻫ) في كتابه سماء المقال في علم الرجال حول ابن داود ورجاله: «كتابه هذا مشتمل على أغاليط لا تحصى، واشتباهات لا تستقصى، يَعرفها من تأمّل فيه، ونظر في ظاهره وخافيه، وبه صرّح غير واحد من الأصحاب»(3)، وقال في موضع آخر حول رجال ابن داود: «حال الكتاب في نهاية الاضطراب، فلا ينبغي الاعتماد على نقل توثيقه»(4).
10 - قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال: «وأمّا كتاب ابن داود فتحريفاته أكثر من أن تحصى، وهو في كتب المتأخّرين ككتاب الكشّي في كتب المتقدّمين، كما أنّ مؤلّفه في الرجاليّين مخلّط، كابن إدريس في الفقهاء ... ولا ننكر كثرة أغلاطه واشتباهاته، فكان كثير
ص: 363
التخليط بحيث لا يصحّ الاقتصار عليه في المراجعة»(1).
ذكر المیرزا أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ﻫ) في كتابه سماء المقال في علم الرجال عشرات النماذج من الأغلاط والاشتباهات والهفوات الموجودة في رجال ابن داود المرتبطة بالمجالات التالية:
1 - نسبة ذكر بعض إلى بعض، مع عدم وقوعه منه.
2 - نسبة توثيق بعض إلى بعض، مع أنّ الموثّق غيره.
3 - نسبة توثيق بعض إلى بعض، مع عدم صدوره منه.
4 - نقل عبارة عن بعض، مع أنّها مغلوطة مصحّفة.
5 - نسبة إهمال بعض إلى بعض، مع أنّه موثّق في كلامه(2).
وقد حاول السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم في تحقيقه لرجال ابن داود أن يقوم قدر إمكانه بإصلاح هذه الأغلاط والاشتباهات والهفوات.
المؤلّف:
أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ).
إنّ خلاصة الأقوال عبارة عن خلاصة ما في رجال الكشّي والطوسي والنجاشي وغيرها من الكتب الرجاليّة، وقال العلّامة الحلّي في مقدّمة هذا الكتاب: «لم نذكر كلّ مصنّفات الرواة، ولا طوّلنا في نقل سيرتهم»(1)، ولكنّه لم يكن مجرّد تجميع، بل «ضمّ إلى مجموعة ما كتبه المؤسّسون آراءه الشخصيّة فأنتج كتاباً تجميعاً له صفة زائدة هي في حدّ نفسها ورقة مجموعة، وأعني بها تلكم الآراء التي حملها كتابه هذا»(2).
وقال العلّامة الحلّي حول امتياز الكتاب: «لم يسلك أحد النهج الذي سلكناه في هذا الكتاب، ومن وقف عليه عرف منزلته وقدره وتميّزه عمّا صنّفه المتقدّمون»(3).
بيّن الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ)(4) بأنّ المعلومات التي نقلها العلّامة الحلّي في الخلاصة عن رجال الكشّي والطوسي والنجاشي وغيرها من
ص: 365
الكتب الرجاليّة لا يكون لها فائدة وقيمة كمصدر ننقل عنه مع وجود الكتب الأصليّة عندنا، وإنّما تكمن الفائدة في المعلومات التي نقلها العلّامة ولم نعثر على مأخذها ولم نقف على مستندها، من قبيل:
1 - المعلومات التي نقلها من كتب لم تصل إلينا من قبيل نقله جزءاً من رجال العقيقي، وجزءاً من رجال ابن عقدة، وجزءاً من ثقات كتاب ابن الغضائري، وكتاب آخر له في المذمومين لم يصل إلينا.
2 - المعلومات التي نقلها عن كتب وصلت إلينا ولكنّ ما نقله لم يكن في نسختنا؛ لأنّه كان يمتلك على سبيل المثال نسخة أكمل من النسخة التي وصلت إلينا من رجال النجاشي وأكمل من الموجود من ابن الغضائري.
قال العلّامة الحلّي بعد بيان أهمّيّة العلم بحال الرواة: «دعانا ذلك إلى تصنيف مختصر في بيان حال الرواة، ومن يعتمد عليه، ومن تترك روايته، مع أنّ مشايخنا السابقين رضوان الله عليهم أجمعين صنّفوا كتباً متعدّدة في هذا الفنّ، إلّا أنّ بعضهم طوّل غاية التطويل مع إهمال الحال فيما نقله، وبعضهم اختصر غاية الاختصار»(1).
إنّ العلّامة الحلّي «نظّم كلّ قسم على حروف المعجم فكلّ حرف له باب، تحته لأيّ اسم مشترك فصل خاصّ به، وللأسماء المتفرّقة فصل يضمّها جميعاً،
ص: 366
لكنّ كافّة الأسماء في مختلف الأبواب والفصول لم ترتّب على ضوء التسلسل الألفبائي»(1).
قال العلّامة الحلّي حول كتابه خلاصة الأقوال: «لم نطل الكتاب بذكر جميع الرواة، بل اقتصرنا على قسمين منهم، وهم الذين أعتمد على روايتهم، والذين أتوقّف عن العمل بنقلهم، إمّا لضعفه أو لاختلاف الجماعة في توثيقه وضعفه أو لكونه مجهولاً عندي»(2).
وقال العلّامة الحلّي حول ترتيبه لكتاب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: «رتّبته على قسمين وخاتمة:
الأوّل: فيمن أعتمد على روايته أو يترجّح عندي قبول قوله.
الثاني: فيمن تركت روايته أو توقّفت فيه»(3).
وذكر العلّامة في آخر القسم الثاني خاتمة تتضمّن عشر فوائد رجاليّة.
قال المیرزا أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ﻫ) في كتابه سماء المقال بعد الإشارة إلى هذه الأقسام: «ولكنّ التتبّع فيه يشهد بصدور ما ينافيه، فترى أنّه قد ذكر كثيراً ممّن توقّف في روايته في القسم الأوّل»، ثمّ ذكر الميرزا الكلباسي بعض الشواهد على ذلك، ثمّ قال: «بل ربّما ذكر بعض الرجال في كلّ من القسمين ... مضافاً إلى أنّه ذكر جماعة من الموثّقين من ذوي العقائد الفاسدة في
ص: 367
القسم الثاني»(1).
وقال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) حول كتاب خلاصة الأقوال: «لم يلتزم المصنّف بذلك في تفاصيل الرجال، بل ذكر في القسم الأوّل جماعة ممّن توقّف في حالهم، قد نبّهنا عليهم في محالّهم، وذكر أيضاً فيه جماعة من الموثّقين من الإماميّة أو غير الإماميّة، وذكر أيضاً منهم جماعة في القسم الثاني، فإن كان ذلك عنده مجوّزاً للعمل بقولهم كما يظهر من مذهبه كثيراً من كتب الفقه، فكان ينبغي ذكر الجميع في القسم الأوّل، وإلّا فذكرهم أجمع في القسم الثاني، فما فرّقه غير جيد، وبالجملة فقد اشتمل القسم الأوّل على رجال الصحيح والحسن والموثّق والموقوف والضعيف، فينبغي التثبّت في ذلك، والرجوع إلى الحقّ، والله أعلم»(2).
قال المحقّق التستري (ت 1415 ﻫ): «إنّ العلّامة ما يأخذه من الكشّي أو النجاشي أو الفهرست أو رجال الشيخ أو ابن الغضائري لا يذكر المستند(3)، لكن يعبّر بعين عباراتهم حتّى في بعض المواضع التي لا مقتضي له ... وأمّا ما ينقله عن غيبة الشيخ أو عن ابن عقدة أو العقيقي فيما وجد من كتابيهما فيصرّح بالمستند، كما أنّ الكشّي والنجاشي وابن الغضائري والفهرست ورجال الشيخ لو كانوا مختلفين في رجل يصرّح بأسمائهم، وحينئذٍ يستكشف
ص: 368
في عنوان قال شيئاً وسكت عن مستند أنّه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسخنا»(1).
قال الميرزا عبد الله الأفندي الأصبهاني (ت 1130 ﻫ) في كتابه رياض العلماء وحياض الفضلاء: «إنّي رأيت في بلدة الساري نسخة من خلاصة العلّامة قد كتبها تلميذه في عصره، وكان عليها خطّه، وفيها اختلاف شديد مع النسخ المشهورة، بل لم يكن فيها كثير من الأسامي والأحوال المذكورة في النسخ المتداولة منه»(2).
قال سلیمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال حول العلّامة الحلّي: «كتابه خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ... إن كانت غايته منه هي بيان من يعمل بروايته ومن لا يجوز الاعتماد على نقله بَيْدَ أنّ الكتاب لم يبلغ درجة عدّه في صعيد الكتابات التنقيحيّة التي تعالج الرجل بصورة استدلاليّة»(3).
1 - قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الرعاية في علم الدراية: «قد
ص: 369
صحَّف العلّامة في كتب الرجال كثيراً من الأسماء، مَن أراد الوقوف عليها فليطالع الخلاصة له وإيضاح الاشتباه في أسماء الرواة، وينظر ما بينهما من اختلاف، وقد نبَّه الشيخ تقي الدين ابن داود على كثير من ذلك»(1).
2 - قال سليمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ) في كتابه معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال: «وابن داود بما أنّه ألّف كتابه بعد تصنيف العلّامة للخلاصة، فلذا أكثر من الإيراد عليه في توضيح الألفاظ والأنساب، معبّراً عنه في موارد عديدة ببعض الأصحاب، حتّى أنّه كثيراً ما ينسبه إلى الوهم والغلط»(2).
3 - قال الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ) في كتابه لؤلؤة البحرين حول العلّامة الحلّي: «كان قدس سره لاستعجاله في التصنيف، ووسع دائرته في التأليف يرسم كلّ ما خطر بباله الشريف، وارتسم بذهنه المنيف، ولا يراجع ما تقدّم له من الأقوال والمصنّفات، وإن خالف ما تقدّم منه في تلك الأوقات»(3).
4 - قال أبو المعالي محمّد الكلباسي (ت 1315 ﻫ) في كتابه الرسائل الرجاليّة: «ونظير ما ذكر - من غفلة العلّامة في الخلاصة في متابعة النجاشي - كثير، بل كان له شدّة العجلة»(4)، ثمّ ذكر بعض الشواهد على ذلك، وذهب الكلباسي أيضاً إلى تضمّن كتاب خلاصة الأقوال العديد من الأخطاء والاشتباهات،
ص: 370
ثمّ أشار إلى ما يقارب عشرين اشتباهاً (1).
5 - صرّح المیرزا أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ﻫ) بكثرة اشتباهات العلّامة الحلّي في خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ثمّ ذكر بعض الشواهد على ذلك(2)، وقال حول العلّامة الحلّي: «إنّه قد وقع له في الخلاصة اشتباهات متوفّرة، ولا وجه لكثير منها إلّا قلّة التأمّل وشدّة العجلة، كما هي طريقته المستقرّة في مصنّفاته المتكثّرة... وبالجملة إنّه قد وقع منه الاشتباه والاختلاف في غير مورد»(3).
قال محمّد بن الحسن العاملي (ت 1030 ﻫ) في كتابه استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: «إنّ للعلّامة رحمة الله في الرجال كثرة أوهام يبعد زيادة بُعد معها الاعتماد»(4)، وقال أيضاً: «الاضطراب قد عُلم من العلّامة في التصحيح كما يُعرف من المنتهى والمختلف»(5).
قال أبو المعالي محمّد الكلباسي (ت 1315 ﻫ) في كتابه رسالة في حجّيّة الظنّ: «ذكر الشهيد الثاني في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس أنّ الغالب من طريقة العلّامة في الخلاصة متابعة السيّد جمال الدين ابن طاووس حتّى شاركه في كثير من الأوهام»(6).
ص: 371
1 - كتاب إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة، وهو كتاب ألّفه العلّامة الحلّي لتوضيح مشكلات ألفاظ الأسماء والأنساب، ولم يتعرّض فيه للجرح والتعديل إلّا بشكل نادر جدّاً، وقال العلّامة الحلّي في مقدّمة هذا الكتاب: «إنّي مثبت في هذه الأوراق تحقيق أسماء جماعة من رواتنا وإيضاحها على وجه الإيجاز والاختصار، ولم نُطِل الكتاب باستقصاء أحوال الرجال، ولا ذكرنا تعديلهم وجرحهم»(1).
2 - كتاب كشف المقال في معرفة الرجال، وهو كتاب كبير قال العلّامة الحلّي عنه: «إنّا ذكرنا فيه كلّ ما نقل عن الرواة والمصنّفين ممّا وصل إلينا من المتقدّمين»(2)، وهو مفقود ولم يصل إلينا، بل الظاهر أنّه لم يقف عليه أحد من علمائنا(3).
اسم الكتاب:
1 - جامع الرواة أو رافع الاشتباهات: قال الشيخ الأردبيلي حاكياً عن نفسه: «سمّى هذا التأليف بجامع الرواة، وإن شئت قلت: رافع الاشتباهات»(4).
ص: 372
2 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد، وهو الاسم المتعارف حاليّاً للكتاب المطبوع.
المؤلّف:
الشيخ محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري (ت 1101 ﻫ)، تلميذ العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ)، انتهى من تأليف هذا الكتاب عام 1100ﻫ(1).
وجد الشيخ الأردبيلي إهمال الفقهاء للكثير من الأخبار بسبب وجود المجاهيل في سندها، فاستثقل هذا الأمر، وتضرّع إلى الله ليرشده إلى ابتكار قواعد رجاليّة تؤدّي إلى تبديل الكثير من الأخبار المجهولة والضعيفة والمرسلة إلى أخبار معلومة وصحيحة ومسندة، فرأى خلال بحثه(2):
1 - لم يذكر علماء الرجال الكثير من الأشخاص الذين رووا عن المعصومين علیهم السلام .
2 - لم يضبط علماء الرجال جميع الرواة، بل أشاروا إلى البعض منهم تحت عنوان أنّه روى عنه جماعة منهم فلان وفلان.
3 - عدّ علماء الرجال البعض من رجال الإمام الصادق علیه السلام ، ولكنّه مثلاً ممّن قد روى عن الإمام الكاظم علیه السلام أيضاً.
4 - ذكر علماء الرجال البعض فيمن لم يروِ عن المعصومين علیهم السلام ، ولكنّهم
ص: 373
في الواقع ممّن رووا عن المعصومين علیهم السلام .
ومن هذا المنطلق خطر ببال الشيخ الأردبيلي القيام بتوسيع دائرة التعرّف على الرواة من خلال معرفة شبكة التواصلات بين الراوي والمروي عنه(1)، ف «جمع رواة الكتب الأربعة، وذكر في كلّ راوٍ ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم، وعيّن مقدار رواياتهم، ورفع بذلك النقص الموجود في كتب الرجال»(2).
ورد حول الشيخ الأردبيلي في كتابه جامع الرواة: «جمع فيه جميع المصادر الرجاليّة من القدامى والمتأخّرين، ونبّه على التوثيقات الموجودة في غير هذه الكتب، كذا التوثيقات العامّة، وأضاف إلى ذلك بيان من روى عنه ومن روى عنهم، وكشف بذلك عن كثير من الغوامض، ورفع الاشتباهات في الرواة، وفتح الباب في هذا المجال لمن أتى بعده»(3)، وقد بلغ عدد المترجم لهم في جامع الرواة 3711 شخصاً(4).
وبعبارة أخرى: إنّ جامع الرواة عبارة عن كشف عصر الراوي وطبقته وشيوخه وتلاميذه عن طريق دراسة أسانيد الكتب الأربعة وغيرها.
إنّ الشيخ الأردبيلي «تعرّض إلى ذكر الطبقة وأهمّ موارد رواية كلّ راوٍ في
ص: 374
الأبواب المختلفة من الفقه»(1)، و«ميّز التلميذ عن الشيخ، والراوي عن المروي عنه، ولكن لم يجعل كتابه على أساس الطبقات حتّى يقسّم الرواة إلى طبقة وطبقة، ويعيّن طبقة الراوي ومن روى هو عنه، أو رووا عنه، مع أنّه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بإمعان ودقّة»(2).
«إنّ القيمة الفعليّة لكتاب جامع الرواة هي في الحقيقة فقط تمييز المشتركات من أسماء الأخباريّين، فإنّه لمّا لم يرَ من علماء الرجال حلّ مشكلة الاختلاط والتمازج بين الكثير من الرواة قام بمشروعه في تأليف هذا الكتاب، محاولاً استعلام القرائن المفرّقة بين كلّ رجل وآخر حتّى استطاع ببركة ذلك - كما قال - على أن يصير قريب اثني عشر ألف من الأخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة معلومة الحال صحيحة مسندة»(3).
قال الشيخ الأردبيلي: «إنّ في أوّل أمرنا كنّا لا نعتمد إلّا على قرائن كثيرة قويّة، فلمّا ظهر لنا بالتتبّع أنّ في ترجيح بعض الأسماء على بعض بحسب المشهور ترجيحاً بلا مرجّح أو ترجيح مرجوح، والترجيح بحسب القرينة الضعيفة أولى من الترجيح بلا مرجّح أو ترجيح مرجوح اعتمدنا بعض المواضع بقرينة قليلة ضعيفة أيضاً»(4).
ص: 375
يعتبر الشيخ الأردبيلي أوّل من أبدع طريقته الجديدة في علم الرجال، وقد صرّح أنّه ظفر بفوائد كثيرة من الطريقة الجديدة التي اتّبعها عند التأليف، فقام بكتابتها وتدوينها في الكتاب، منها:
1 - إنّ علماء الرجال وثّقوا بعض الرواة ولم ينقلوا أنّه روى عن المعصوم علیه السلام ، فرأى الشيخ الأردبيلي أنّ هذا الراوي روى عن المعصوم علیه السلام فضبط اسمه حتّى تظهر الفائدة في حال نقله الحديث مضمراً.
2 - إنّ معرفة طبقة الراوي ومعرفة المعصوم الذي ينقل عنه الراوي تكون المعيار الذي يكشف وقوع الخطأ عند ثبت الراوي في غير موقعه.
3 - إنّ رواية الكثير من الثقات عن الشخص تفيد أنّه حسن الحال أو أنّه من مشايخ الإجازة.
الجبعي (ت 1011 ﻫ)، المعروف بابن الشهيد الثاني، والمشهور بصاحب المعالم، وهو أستاذ العلّامة(1) وابن داود(2).
انتزع ابن الشهيد الثاني كتابه التحرير الطاووسي من كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال للسيّد أحمد بن طاووس(3).
المؤلّف: جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن جعفر العلوي الحسيني الحلّي المشتهر بابن طاووس (ت 673 ﻫ)(4).
وقام السيّد أحمد بن طاووس في كتابه هذا بعمل وصفه بما لم يسبقه إليه أحد(5)، فجمع أسماء الرجال المصنّفين وغيرهم وما ورد عنهم في الأصول الرجاليّة الخمسة(6)، كما اعتمد على رجال البرقي، وكتاب معالم العلماء لابن
ص: 377
شهر آشوب فنقل منه أسماء الرجال(1)، ورتّب الرجال حسب حروف المعجم، وقال: «بعد الفراغ من الأسماء في آخره شرعت كذلك في إثبات الكنى ونحوها من الألقاب، ولي بالجميع روايات متّصلة عدا كتاب ابن الغضائري»(2).
وقام ابن طاووس في كتابه بإعمال النظر في قبول أو ردّ ما ورد من معلومات حول الرواة عن كتاب اختيار معرفة الرجال، وقال: «اختصّ كتاب الاختيار من كتاب الكشّي بنوعي عناء لم يحصلا في غيره؛ لأنّه غير منسوق على حروف المعجم فنسّقته، وغير ذلك من تحرير دبّرته، ثمّ القصد إلى تحقيق الأسانيد المتعلّقة بالقدح في الرجال والمدح حسب ما اتّفق لي»(3).
وأمّا في خصوص مصير كتاب حلّ الإشكال فقد كان هذا الكتاب موجوداً عند الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، و«قال الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد: وهذا الكتاب عندنا موجود بخطّه المبارك«(4).
انتقل الكتاب بعد الشهيد الثاني إلى ولده صاحب المعالم الشيخ الحسن بن زين الدين العاملي (ت 1011 ﻫ)، فاستخرج منه كتابه الموسوم بالتحرير الطاووسي.
وورد حول كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال: «هذا الكتاب نضبت نسخه، ووصلت نسخة الأصل التي أغلبها بخطّ المصنّف ابن طاووس إلى صاحب المعالم الشيخ الحسن ابن الشهيد الثاني، وكانت مصابة بالتلف في أكثر
ص: 378
المواضع بحيث صار نسخ الكتاب بكماله متعذّراً فاقتطع منه ما اختصّ بكتاب أبي عمرو الكشّي وعلّق عليه، ثمّ أسمى تلخيصه بالتحرير الطاووسي لكتاب الاختيار من كتاب أبي عمرو الكشّي»(1).
وبعد ذلك «حصلت تلك النسخة بعينها عند المولى عبد الله التستري (ت 1021 ﻫ)، وكانت مخرّقة مشرفة على التلف فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء المنسوب إلى ابن الغضائري مرتّباً على الحروف»(2)، ثمّ لم يبقَ لأصل كتاب حلّ الإشكال أثر بعد المولى عبد الله التستري.
قال ابن الشهيد الثاني حول الباعث له على تأليف التحرير الطاووسي: «الباعث لي على ذلك أنّي لم أظفر لكتاب السيّد رحمة الله بنسخة غير نسخة الأصل التي أغلبها بخطّ المصنّف، وقد أصابها تلف في أكثر المواضع بحيث صار نسخ الكتاب بكماله متعذّراً، ورأيت بعد التأمّل أنّ المهمّ منه هو تحرير كتاب الاختيار(3)، حيث إنّ السيّد رحمة الله جمع في الكتاب عدّة كتب من كتب الرجال بعد تلخيصه لها، ولمّا كان أكثر تلك الكتب محرّراً منقّحاً اقتصر فيها على مجرّد الجمع، فيمكن الاستغناء عنها بأصل الكتب؛ لأنّ ما عدا كتاب ابن الغضائري منها موجود في هذا الزمان بلطف الله سبحانه ومنّه، والحاجة إلى
ص: 379
كتاب ابن الغضائري قليلة؛ لأنّه مقصور على ذكر الضعفاء.
وأمّا كتاب الاختيار من كتاب الكشّي للشيخ رحمة الله فهو باعتبار اشتماله على الأخبار المتعارضة من دون تعرّض لوجه الجمع بينها، محتاج إلى التحرير والتحقيق، ومع ذلك ليس بمبوّب، فتحصيل المطلوب منه عسر، فعنى السيّد رحمة الله بتبويبه وتهذيبه، وبحث عن أكثر أخباره متناً وإسناداً، وضمّ إليه فوائد شريفة، وزوائد لطيفة، ووزّعه على أبواب كتابه.
وحيث تعذّر نسخ الكتاب آل أمر تلك الفوائد إلى الضياع، مع أنّ أغلبها بتوفيق الله تعالى سَليم من ذلك التلف، والذاهب منها شيء يسير قليل الجدوى، فرأيت الصواب في انتزاعه من باقي الكتاب وجمعه كتاباً مفرداً يليق أن يوسم بالتحرير الطاووسي لكتاب الاختيار من كتاب أبي عمرو الكشّي، نفع الله تعالى به»(1).
المؤلّف:
الميرزا محمّد بن علي الأسترآبادي (ت 1028 ﻫ)، وهو أستاذ المولى محمّد أمين الأسترآبادي (ت 1023 ﻫ) صاحب الفوائد المدنيّة(1)، و«الأسترآبادي كان من أفواج المنقّحين في علم الرجال»(2).
قال الميرزا الأسترآبادي حول كتابه منهج المقال: «هذا كتاب منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، حاولت فيه ذكر ما وصل إليّ من كلام علمائنا المتقدّمين والمتأخّرين، وما وقفت عليه من المقال في شأن بعض أصحابنا من علماء المخالفين، مثبتاً فيه الأسماء على ترتيب الحروف، مراعياً للأوّل والثاني على النسق المألوف»(3).
وقد بلغ عدد المترجم لهم في منهج المقال حسب طبعة مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث 4026 شخصاً (4).
1 - «الأسترآبادي كانت وظيفته التي أراد تحمّلها في كتابه منهج المقال هي محاولة ذكر ما وصل إليه من كلام علماء الطائفة في الجرح والتعديل من متقدّميهم ومتأخّريهم، إضافة إلى الانعطاف نحو ما وقف عليه من أقوال
ص: 381
علماء المخالفين في شأن بعض رجالات الإماميّة»(1).
2 - «الأخذ والردّ والإسهاب في التحليل مع همّ الابتكار ما كان قطّ الأسترآبادي في صدده، وإنّما كلّما أمكنه بسهولة الأمر أو خطر في ذهنه شيء ممّا هو مزيد استنتاج وخلاف قيّده في كتابه استطراداً»(2).
3 - «الكتاب من حقّه أن لا يعدو خانة كتب المجمعين، بَيْدَ أنّ ما جاء به من مقدار استنتاجي آتى ثماره في جيل المنقّحين، وأوجد نشاطاً في وسطهم التحقيقي، فأخذوا يتعرّضون لآرائه نقضاً وإبراماً إلى وقت متأخّر حتّى بات ملتقى الرجاليّين في شروحهم وتعليقاتهم عليه»(3).
«امتاز منهج المقال عن سائر الكتب الرجاليّة المماثلة له المؤلّفة في عمره أو المتأخّرة عنه، بل وحتّى المتقدّمة عليه ببعض المميّزات ... يمكن تلخيصها بما يلي:
1 - استقصاء جميع رواة الحديث.
2 - ذكر جميع ما قيل فيهم من الكتب الرجاليّة وغيرها مع دقّة في النقل.
3 - ذكره لبعض الرواة الذين لم ترد في حقّهم ترجمة مستقلّة فيما تقدّم من الكتب الرجاليّة.
4 - تمييزه للمشتركات.
5 - إبداء آرائه من حيث التوثيق والتضعيف وما شاكلهما.
ص: 382
6 - ضبطه لبعض التراجم أو بعض المفردات ممّا لا يُعرف معناها، وتفسيره لبعض الكلمات، وتوضيحه لبعض الجمل.
7 - ذكر اختلافات النسخ في بعض التراجم.
8 - مناقشته لآراء بعض علماء الرجال كابن داود والعلّامة والشهيد الثاني.
9 - كون كتابه غير مقتصر على كتب رواة الإماميّة، بل سجّل فيه حتّى من كتب العامّة.
10 - إشارته إلى بعض السقوطات والتحريفات في النسخ.
11 - ترتيبه التراجم على حروف المعجم، وختمه الكتاب بعشر فوائد.
إلى غير ذلك من الأمور التي تظهر للمتتبّع للكتاب ممّا قد تزيد على ما ذكرنا وأشرنا إليه»(1).
اسم الكتاب:
قال الشيخ القهبائي في مقدّمة الكتاب حول اسم الكتاب: «سمّيته مجمع الرجال»(2).
المؤلّف:
الشيخ زكي الدين عناية الله القهبائي (كان حيّاً سنة 1016 ﻫ)، وهو من تلامذة الشيخ البهائي (ت 1031 ﻫ).
ص: 383
محتوى كتاب مجمع الرجال:
جمع الشيخ القهبائي في هذا الكتاب - المؤلّف من سبعة أجزاء - الأصول الرجاليّة الخمسة بألفاظها بعد ترتيب كلٍّ منها بصورة مستقلّة، ولم يترك شيئاً من ألفاظها حتّى خطبها التي ذكرها في بداية الكتاب، ثمّ ذكر في نهاية الكتاب اثنتي عشرة فائدة رجاليّة نافعة، ثمّ بيّن طرق الشيخ في كتابيه التهذيب والاستبصار، وطرق الصدوق في كتابه الفقيه.
والأصول الرجاليّة الخمسة التي جمعها الشيخ القهبائي عبارة عن رجال الكشّي، رجال النجاشي، فهرست الشيخ ورجال الشيخ ورجال ابن الغضائري الضعفاء الذي استخرجه الشيخ عبد الله التستري من كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال للسيّد أحمد بن طاووس بغير إسناد(1).
معلومات حول مجمع الرجال:
1 - رتّب الشيخ القهبائي التراجم في كتابه على ترتيب حروف المعجم بالنحو المألوف.
2 - إنّ الشيخ القهبائي «له على كتابه مجمع الرجال حواشٍ كثيرة مفيدة نافعة جدّاً»(2).
اسم الكتاب:
ص: 384
نقد الرجال(1).
المؤلّف:
السيّد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي (ق 11 ﻫ)، ألّفه عام 1015ﻫ(2)، وهو من تلامذة الشيخ عبد الله التستري (ت 1021 ﻫ) (3).
قال السيّد التفرشي: «لمّا نظرت في كتب الرجال رأيت بعضها لم يرتّب ترتيباً يسهل منه فهم المراد، ومع هذا لا يخلو من تكرار وسهو، وبعضها وإن كان حسن الترتيب إلّا أنّ فيه أغلاطاً كثيرة، مع أنّ كلّ واحد منها لا يشتمل على جميع أسماء الرجال، أردت أن أكتب كتاباً يشتمل على جميع أسماء الرجال، من الممدوحين والمذمومين والمهملين، يخلو من تكرار وغلط، ينطوي على حسن الترتيب، يحتوي على جميع أقوال القوم قدّس الله أرواحهم من المدح والذمّ إلّا شاذّاً شديدَ الشذوذ»(4).
بعبارة أخرى: «كان مقصده من التأليف ترتيب الأسماء التي لم تنتظم في كتب السابقين، والفرار من التكرار، وتصحيح الأخطاء النقليّة، مع عدم وجود واحد منها حاوٍ لجميع الأسماء، فمن أجل تسهيل فهم المراد منها صنّف الكتاب بوجه أليق في الترتيب، وبصورة جامعة لأقوال كافّة العلماء
ص: 385
الماضين»(1).
محتوى نقد الرجال:
ورد حول السيّد التفرشي وكتابه نقد الرجال: «جمع في كتابه مصادر القدامى والمتأخّرين من الكشّي والنجاشي والشيخ وابن الغضائري وابن شهر آشوب والعلّامة وابن داود»(2)، وضمّن كتابه الممدوحين والمذمومين والمهملين.
ترتيب الكتاب:
قال السيّد التفرشي حول كتابه نقد الرجال: «رتّبته على ترتيب الحروف في الأسماء في الأوائل والثواني، وكذا الآباء، وضمّنته رموزاً تغني عن التطويل والتكثير كما جعل بعض المصنّفين»(3).
معلومات حول نقد الرجال:
1 - بلغ عدد المترجم لهم في نقد الرجال 6604 أشخاص(4)، وذكر المؤلّف في نهاية الكتاب خاتمة تتضمّن ستّ فوائد.
2 - إنّ نقد الرجال «هو كتاب تغلب عليه مسحة التجميع لمعلومات
ص: 386
كتب المؤسّسين والمتمّمين والخلاصة وابن داود مع نقله عن الشهيد الثاني في مقام كلامه عن زرارة»(1).
3 - «أمّ المزايا في نقد الرجال أنّه غني بتوحيد العناوين المختلفة»(2).
4 - إنّ السيّد التفرشي «أكثر من التنبيهات على أخطاء ابن داود»(3).
5 - «إنّ كتاب نقد الرجال لم ينوِ مصنّفه جعله كتاباً تنقيحيّاً كما هي عليه كتب الرجال الاستدلاليّة التحقيق في ملابسات القضيّة الرجاليّة، وإنّما كان تأليفه بداعي ما ذكرناه سابقاً من التجميع والإشارة إلى هفوات ما نقله العلماء، ولكنّ التفرشي خلال ثنايا كتابه يرى الناظر إليه قد تعرّض إلى كمّيّة لا بأس بها من المسائل الرجاليّة المتنوّعة بروح تحقيق مصغّرة كوّنتها انقداحات الذهن وخواطره الفجائيّة»(4).
6 - كتب الشيخ عبد النبي الكاظمي (ت 1256 ﻫ) بعض التعليقات والحواشي على هامش كتاب نقد الرجال، ونشرها تحت عنوان: تكملة الرجال(5).
اسم الكتاب:
ص: 387
حاوي الأقوال في معرفة الرجال.
المؤلّف:
الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري (ت 1021 ﻫ).
«قسّم العلّامة الجزائري كتابه حاوي الأقوال إلى أربعة أقسام: الصحاح والحسان والموثّقون والضعفاء، وكان هذا أوّل عمل من نوعه قام به المؤلّف حيث لم يسبقه سابق في ذلك ... والكتب الرجاليّة قبله إمّا غير مقسّمة، أو مقسّمة على قسمين، مثل: خلاصة العلّامة ورجال ابن داود»(1).
وقال الجزائري في ديباجة الكتاب: «رتّبت الرجال على ترتيب حروف الهجاء في الابن والأب تسهيلاً للطلب وإيضاحاً للمكتسب»(2).
ورد حول الجزائري في كتابه حاوي الأقوال: «لم يذكر غالب المجاهيل ... ومذاقه يقرب من مذاق ابن الغضائري في تضعيف جملة وافية ممّن لا يستحقّ التضعيف، فأدرج في الضعفاء جملة من الحسان والموثّقين»(3).
اسم الكتاب:
1 - منتهى المقال في أحوال الرجال.
2 - رجال أبي علي الحائري.
ص: 388
المؤلّف:
الشيخ أبو علي محمّد بن إسماعيل المازندراني الحائري (ت 1216 ﻫ)(1).
رأى الشيخ أبو علي الحائري بأنّ كتاب منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال الذي ألّفه الميرزا الأسترآبادي كتاب جامع وافي لجميع المذاهب والأقوال، ورأى بأنّ الحاشية التي علّقها عليه أستاذه الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهاني نافعة جدّاً، ولكنّه وجد بأنّ همم المشتغلين قصرت، وأنّ رغبات المحصّلين قلّت، وصارت الطباع إلى المختصرات أميل منها إلى المطوّلات، فلهذا رأى أن يؤلّف نخبة وجيزة، بل تحفة عزيزة، يذكر فيها مضمون الكتابين، وملخّص المصنّفين، بأن يذكر ملخّص ما ذكره الميرزا الأسترآبادي، ثمّ ملخّص ما أفاده أستاذه الوحيد، وإن لم يكن كلام له اقتصر على ما ذكره الميرزا، مع مراجعة الأصول المنقول منها، أو شهادة عدلين بوجود المنقول في المنقول عنه(2).
وقال الشيخ أبو علي الحائري: «لم أذكر المجاهيل؛ لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم، وإذا عثرت على كلام غير مذكور في الكتابين ذكرته بعد ذكر الكلامين، وكتبت قبله (أقول) أو (قلت) بالحمرة، وذكرت ما ذكره مولانا المقدّس الأمين الكاظمي في مشتركاته؛ لئلّا يحتاج الناظر في هذا الكتاب إلى
ص: 389
كتاب آخر من كتب الفنّ»(1).
قسّم المصنّف الكتاب إلى مقدّمة وأصل وخاتمة، وذكر في المقدّمة خمس مقدّمات فرعيّة، ثمّ شرع في كتاب الرجال، وبعد أن انتهى من ذلك شرع في الكنى وقسّمها إلى خمسة أبواب، ثمّ أنهى كتابه بخاتمة تشتمل على خمس فوائد(2).
1 - وجود الأغلاط والسقطات في الكتاب: قال النوري في خاتمة مستدركه حول منتهى المقال: «فيه من الأغلاط ما لا يخفى على نَقَدَة هذا الفنّ ... مضافاً إلى سقطاته»(3).
2 - إهمال المجهولين: «الملاحظ أنّ المؤلّف رحمة الله قد أهمل ذكر المجهولين في كتابه معلّلاً ذلك بقوله: (لم أذكر المجاهيل؛ لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم)(4)، بينما نرى أنّ الكتب المؤلّفة قبله وبعده جلّها قد ذكرت جميع الرواة بما فيهم المجاهيل، ولم يسبقه في ذلك أحد إلّا المحقّق عبد النبي الجزائري في كتابه حاوي
ص: 390
الأقوال، فقد أهمل ذكر المجاهيل، وكذلك المولى خداويردي الأفشار»(1).
قال النوري (ت 1320 ﻫ) في خاتمة مستدركه حول الشيخ أبي علي الحائري وكتابه منتهى المقال: «إنّه أسقط عن الكتاب ذكر المجاهيل، قال: لعدم تعقّل فائدة في ذكرهم، وكذا ذِكر مؤلّفات الرواة من الأصول والكتاب(2)، وبذلك بدا النقص في كتابه»(3).
وورد في مقدّمة تحقيق كتاب منتهى المقال: «وليتهم لم يسقطوهم؛ لأنّهم غير منصوصين بالجهالة من علماء الرجال، مع أنّ الفوائد في ذكرهم كثيرة، ولذلك ذكرهم علماء الرجال من أوّل يوم ألّفت فيه كتب الرجال وإلى عصره، وكذا بعد زمانه وإلى هذا اليوم، فمن فوائد ذكرهم:
أوّلاً: إنّه ربّما تظهر للناظر أمارة الوثوق بالمجهول فيعمل بخبره، فلو لم يُذكر تنتفي الفائدة والفحص عنه غالباً.
ثانياً: إنّه ربّما كان الاسم مشتركاً بين المجهول وغيره، فمع عدم ذكره لا يعلم الاشتراك.
ثالثاً: إنّ الفائدة من ذكرهم هي نفس الفائدة في ذكر الموثّق والممدوح والمقدوح وغيرهم، فلو لم يُذكر لم تعلم حاله لمن يريد البحث عن سند الرواية، كما أنّه لا تعلم صفة غيره لو لم يُذكر»(4).
وقال الشيخ جعفر السبحاني حول الشيخ أبي علي الحائري في كتابه منتهى
ص: 391
المقال: «وترك ذكر جماعة بزعم أنّهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم، ولكنّهم ليسوا بمجاهيل، بل أكثرهم مهملون في الرجال، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل(1)»(2).
اسم الكتاب:
بهجة الآمال في شرح زبدة المقال.
قال مؤلّف الكتاب: «إنّي سمّيت هذا الشرح ببهجة الآمال في شرح زبدة المقال»(3).
المؤلّف:
الملّا علي بن عبد الله العلي ياري (ت 1327 ﻫ)، تلميذ الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ﻫ)(4).
1 - شرح مزجي لزبدة المقال في معرفة الرجال، تأليف: العلّامة السيّد حسين بن رضا البروجردي، وهي منظومة في علم الرجال.
2 - شرح لمنتهى الآمال، وهي منظومة للشارح تمّم بها منظومة البروجردي
ص: 392
حيث إنّه لم يذكر المتأخّرين ولا المجاهيل من الرواة، فأتمّها وأكملها الشارح بالنظم والشرح(1).
وقال الملّا العلي ياري حول كتابه بهجة الآمال: «رتّبته على مقدّمة وثماني(2) وعشرين باباً وخاتمة»(3).
اسم الكتاب:
1 - تنقيح المقال في علم الرجال، وهو الاسم الأصلي للكتاب.
2 - رجال المامقاني، وهو الاسم المتداول لهذا الكتاب.
المؤلّف:
الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ).
قام الشيخ المامقاني في كتابه تنقيح المقال ب «استقصاء ما وسعه من رجال الحديث والرواة من الصحابة والتابعين وأصحاب الأئمّة الميامين صلوات الله عليهم أجمعين وغيرهم، ونقل عين عبارات أصحاب الجرح والتعديل، ثمّ ذكر ما له وعليه من نظر وتحقيق، وحذف ما تداوله الرجاليّون من رموز وإشارات التي كانت متداولة زمن ابن داود صاحب الرجال ومن تابعه،
ص: 393
حيث أبطلها بعد أن أثبت ما فيها من مفاسد، وحقّق ما وسعه وبما لا مزيد عليه في الرجال في توضيح ما ينفع في مقام الجرح والتعديل على أن يكون واضحاً في حكمه»(1).
يتكوّن كتاب تنقيح المقال من ثلاثة مجلّدات ضخام، وقد طبع الشيخ عبد الله المامقاني مجلّدين منه في حياته، واستمرّ في تأليف الثالث، إلّا أنّه توفّي قبل إتمامه، فأتمّه صهره الفاضل الشيخ موسى آل أسد الله التستري الكاظمي(2).
ورد حسب إحصائيات الشيخ عبد الله المامقاني في تنقيح المقال(3):
1 - عدد أسماء الرواة 13365 شخصاً.
2 - الثقات منهم: 1328 شخصاً تقريباً.
3 - الحسان منهم: 1665 شخصاً تقريباً.
4 - الموثّقون منهم: 46 شخصاً تقريباً.
5 - الباقون: ما بين مهمل وضعيف ومجهول.
وقال المصنّف: «وقلّة الموثّقين من جهة أنّا أثبتنا إماميّة جمع كثير ممّن رمي
ص: 394
بالانحراف عن مذهبنا فاندرجوا لذلك في الثقات أو الحسان»(1).
«ولبعض المؤلّفين في معجم الثقات جدول آخر في هذا المقام، وإليك خلاصته:
1 - الثقات بتوثيق الخاصّ 934 رجلاً.
2 - الثقات بتوثيق العامّ، كمن يروي عنه صفوان وابن أبي عمير والبزنطي: 361 رجلاً.
3 - الثقات بتوثيق ابن قولويه في كامل الزيارات: 388 رجلاً.
ص: 395
4 - الثقات بتوثيق علي بن إبراهيم في تفسيره: 260 رجلاً.
5 - من يمكن إثبات وثاقته أو مدحه: 1023.
المجموع العامّ: 2966»(1).
إنّ ما قام به الشيخ عبد الله المامقاني في كتاب تنقيح المقال:
«أوّلاً: جَمَع أكبر عدد ممكن من الرواة ومَن جاء اسمه في الأسانيد، ونقل كلّ ما قيل فيه، كلّ ذلك من أمّهات المصادر، ومحاولة ذكر الأدلّة على كلا الوجهين قدحاً أو مدحاً، واختيار الحقّ في المقام بعد ذكر وجوه الترجيح والطرح.
ثانياً: بدأ الكتاب بثلاثين فائدة مهمّة جدّاً، وختم الكتاب بفوائد عشرة تعدّ أصول مباني الرجال وقواعده.
ثالثاً: ترتيب التراجم على حروف الألفباء، مع محاولة استقصاء جميع الرواة حتّى بعض من لم ترد في حقّه ترجمة مستقلّة.
رابعاً: حكمه في كلّ ترجمة بعد درجه لكلّ الأقوال والأدلّة ومناقشته لها.
خامساً: توضيح بعض المصطلحات، وبيان معاني بعض المفردات، والتعليق على بعض المفردات، بل الدقّة في تعيين الكلمات.
سادساً: محاولة ضبط كلّ اسم ورد فيه وأسماء الآباء والأجداد والألقاب،
ص: 396
ونقل الأقوال المختلفة في ذلك الباب، واختيار ما يراه حقّاً مع ذكر مصادر الضبط واختلافاتهم فيه...
سابعاً: الدقّة في تعيين المصدر الناقل، وما نقله منه وعنه، عدا ما تعرّض له من اختلاف النسخ والطبعات...
ثامناً: درج ما حَكَم به المصنّف رحمة الله مجملاً على كلّ من ترجمه، وذلك ضمن ما وضعه من فهرست لكلّ الأسماء تحت عنوان: (نتائج التنقيح) التي أدرجها في أوّل الكتاب.
تاسعاً: ما أشار له في أوّل كتابه من أنّه حاول فيه إغناء هذه الموسوعة عن جملة وافرة من كتب الخاصّة ومهمّ الكتب الرجاليّة من العامّة - فيما يرتبط برجال الشيعة - بنقل كلماتهم بدقّة، وذكر اختلاف النسخ فيها من سقط وغيره ...
عاشراً: إنّه باشر مقابلته بنفسه عند الطبع مرّتين بل ثلاثاً»(1).
قال آقا بزرك الطهراني حول الشيخ المامقاني وتنقيح المقال: «استعجاله بهذا النحو في هذا التأليف المنيف الذي يحتاج إلى تكرار المراجعات والبحث والفحص في الكتب والمكتبات، وإلى إكثار المذاكرات مع مشايخ الفنّ خلال السنوات، ثمّ إسراعه في طبع ما رتّبه وألّفه عاجلاً مخافة فوت الوقت وغير ذلك من الأمور، كلّ ذلك قد سبّب له وقوع جملة من زلّات القلم في مواضع كثيرة تحتاج إلى التنقيح لدفع ما يتوجّه إليه فيها من الاعتراض والنقد، وقد
ص: 397
جمع الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد كاظم حفيد العلّامة الشيخ جعفر التستري جملة من الانتقادات عليه في مجلّد كبير سمّاه: تعليقات تنقيح المقال»(1).
قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في قاموس الرجال: «إنّ كتاب رجال العلّامة المامقاني ... فيه تطويلات بلا طائل ... كما أنّ فيه أيضاً تحصيلات لحاصل ... وفيه اشتباهات عجيبة والتباسات غريبة ... وله انتقادات زيّفة ناشئة من عدم تدبّره في عباراتهم وعدم فهمه لمرادهم ... وله تخليطات وتناقضات ... وفيه نواقص ومعايب»(2)، وقد ذكر الشيخ التستري الشواهد على جميع هذه الإشكالات التي أوردها على تنقيح المقال.
اسم الكتاب:
قاموس الرجال.
قال الشيخ محمّد تقي التستري حول تسميته لكتابه هذا: «وحيث إنّ الأصل مترجم بتنقيح المقال في الرجال، فهذه ينبغي أن تسمّى بتصحيح تنقيح المقال، لكن سمّاه بعض الفضلاء لنا قاموس الرجال، وحيث إنّه أخصر هو أحسن، فخير الكلام ما قلّ ودلّ»(3).
ص: 398
اسم المؤلّف:
الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ).
قام الشيخ محمّد تقي التستري في هذا الكتاب بنقد ما جاء في كتاب تنقيح المقال للشيخ عبد الله المامقاني، ومناقشة نظريّاته وإيضاح اشتباهاته.
ورد حول الشيخ التستري وقاموس الرجال: «كتبه أوّلاً بصورة التعليقة على رجال العلّامة المامقاني، وناقش كثيراً من منقولاته ونظريّاته، ثمّ أخرجه بصورة كتاب مستقلّ، وطبع في 13 جزءاً»(1).
ملاحظات على قاموس الرجال(2):
1 - لم يتّبع الشيخ التستري في كتابه قاموس الرجال النظم والترتيب المطلوب، فترى أنّه يكتب عدّة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاصّ.
2 - لم يأتِ الشيخ التستري بأسماء الكتب الرجاليّة والأئمّة إلّا بالرموز، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده.
3 - روى الشيخ التستري عن كثير من الكتب التاريخيّة والحديثيّة، ولم يعيّن مواضعها.
ص: 399
اسم الکتاب:
مستدركات علم رجال الحديث.
المؤلّف:
الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت 1405 ﻫ).
ترجم الشيخ النمازي في كتابه مستدركات علم رجال الحديث ل 18189 راوياً(1).
قال الشيخ النمازي الشاهرودي في مقدّمة هذا الكتاب: «اعلم أنّ وضع كتابي هذا لشرح أحوال الرواة، ولبيان المطالب الراجعة إلى تلك التي لم يظفر بها علماء الرجال في كتبهم الشريفة، مثل: كتاب تنقيح المقال ... وكتاب جامع الرواة للعلّامة الأردبيلي ... وكتاب معجم رجال الحديث ... فلا أذكر من الرجال إلّا من لم يذكروه، ومن لنا مزيد بيان في حقّه، وإلّا الثقات المشهورين كي لا يخلو كتابي من ذكرهم»(2).
وورد في ترجمة المؤلّف في مقدّمة كتابه مستدركات علم رجال الحديث: «ذكر المؤلّف فيه أسامي آلاف من رواة أحاديث الشيعة ورجال المشايخ
ص: 400
العظام في الكتب الأربعة المشهورة وغيرها لم يذكرهم علماء الرجال رضوان الله تعالى عليهم حتّى العلّامة المامقاني في كتابه تنقيح المقال.
ولا يترك القول أنّ العلّامة المامقاني ألّف رجاله من ثلاثين كتاباً رجاليّاً إلّا أنّ العلّامة المرحوم استخرج إضافاته من كتب المشايخ العظام ومصادر بحار الأنوار، ولم يذكر فيها أحداً من غير الثقات المشهورين ممّن ذكروه إلّا من كان له مزيد من البيان في حقّه من رفع الجهالة أو الضعف عنه أو جعله ممّن روى عنهم بعد أن جعلوه ممّن لم يروِ عنهم علیهم السلام ، أو دركه وصحبته لإمام أزيد ممّا تعرّضوا له، كلّ ذلك مع تعيين المدرك والدليل ... إنّ هذا الكتاب في الحقيقة مستدرك لجميع الكتب الرجاليّة المؤلّفة قبل المرحوم أو في عصره»(1).
اسم الكتاب:
طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال.
المؤلّف:
السيّد علي أصغر بن محمّد شفيع الجابلقي البروجردي (ت 1313 ﻫ).
قال السيّد الجابلقي البروجردي في مقدّمة كتابه: «لاحظناه حسب ما رتّبه سلفنا الصالحون وعلماؤنا السابقون، وذكرنا فيه الأسماء في كلّ طبقة، ثمّ الكنى، ثمّ الألقاب؛ ليسهل على الناظر، وجعلنا كلّ واحد منهم في جدول
ص: 401
نقتصر فيه ما يفيه من ذكر الصفات»(1).
وعليه فإنّ السيّد الجابلقي البروجردي «جعل مشايخه الطبقة الأولى، ثمّ مشايخ مشايخه الطبقة الثانية، إلى أن ينتهي إلى عصر النبي صلی الله علیه واله ، فجاء الكلّ في اثنتين وثلاثين طبقة، وجعل الشيخ الطوسي ومن في طبقته الطبقة الثانية عشرة»(2).
قال السيّد مهدي الرجائي محقّق كتاب طرائف المقال: «ومن الأسف جدّاً على أنّا لم نعثر على كتب الطبقات التي أُلّفت في القرون السالفة، وضاعت فيما ضاعت من ألوف كتب الشيعة، ولعبت بها أبناء الزمان.
وأوّل ما عثرت عليه من الكتب في هذا الموضوع هو كتاب طرائف المقال في معرفة طبقات الرواة للفقيه الأصولي الرجالي السيّد علي أصغر الجابلقي قدس سره، وهو كتاب جامع في موضوعه، قد صرف المؤلّف جدّه وسعيه البليغ في ترتيب الطبقات وتدوين الكتاب على أحسن سياق.
ومع ذلك يحتاج إلى تهذيب وتنقيح أكثر من هذا، وذلك أنّ المؤلّف قدس سره اعتمد في تأليفه هذا الكتاب على الرجال الكبير الموسوم بمنهج المقال للميرزا الأسترآبادي قدس سره المطبوع على الحجر المشحون بالأغلاط والتشويشات.
وكذا اعتمد على التعليقات على الرجال الكبير للعلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني قدس سره المطبوع على هوامش الرجال الكبير، وهي أيضاً غير منقّحة مع
ص: 402
ما فيها من الفوائد الهامّة لا توجد في غيرها.
وكذا اعتمد على كتاب منتهى المقال للعلّامة المعروف بأبي علي قدس سره، وهو أيضاً مطبوع على الطبع الحجري المشحون بالأغلاط والسقطات، وهذا هو حال الكتب المطبوعة على الحجر، حيث إنّ المهمّ كان عندهم هو طبع الكتاب وتكثيره، وما كانوا بصدد التنقيح والتحقيق في الطبع.
واستفاد المؤلّف قدس سره من هذه الكتب وكتب أخرى أشار إليها في تأليف كتابه هذا، ومن المعلوم أنّ تلك الأغلاط والتشويهات ربّما انتقل إلى كتابه هذا، فقمت بتصحيح ما عثرت عليه، ولعلّ هناك أغلاطاً وسقطات لم أعثر عليها»(1).
اسم الكتاب:
الموسوعة الرجاليّة.
قام مجمع البحوث الإسلامية التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة في مدينة مشهد بطباعة كتب السيّد البروجردي الرجاليّة عام 1414ﻫ باسم الموسوعة الرجاليّة في سبعة مجلّدات، وتتضمّن هذه الموسوعة:
المجلد الأوّل: ترتيب أسانيد كتاب الكافي للشيخ الكليني.
المجلّد الثاني: ترتيب أسانيد كتاب التهذيب للشيخ الطوسي.
المجلّد الثالث: ترتيب أسانيد كتاب الخصال، كتاب معاني الأخبار، كتاب علل الشرائع، كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق.
ص: 403
المجلّد الرابع: رجال أسانيد أو طبقات رجال كتاب الكافي للشيخ الكليني.
المجلّد الخامس: ترتيب أسانيد ورجال أسانيد أو طبقات رجال كتاب من لا يحضره الفقيه، وترتيب أسانيد كتاب الأمالي للشيخ الصدوق.
المجلّد السادس: رجال أسانيد كتاب رجال الكشّي، فهرست الشيخ الطوسي، فهرست الشيخ النجاشي.
المجلّد السابع: رجال أسانيد أو طبقات رجال كتاب التهذيب للشيخ الطوسي.
المؤلّف:
السيّد حسين البروجردي (ت 1380 ﻫ)
قال السيّد البروجردي في مقدّمة كتابه ترتيب أسانيد الكافي: «إنّي حينما كنت أتصفّح الجوامع العظام لتتبّع ما أُودع فيها من روايات الأحكام، وأراجع لتعرّف أسانيدها ما صنّفه علماؤنا في فنّي الرجال وتمييز المشتركات رأيت أنّ في الطائفة الأولى من هذه الكتب نقائص؛ لإهمالها ذكر كثير ممّن تضمّنته الأسانيد من الرواة، وعدم تعرّضها في تراجم من ذُكر فيها لبيان طبقته وشيوخه الذين روى عنهم وتلامذته الذين تحمّلوا عنه، مع أنّ هذه من أهمّ ما له دخل في الغرض من ذلك الفنّ، إذ بالأوّل يتبيّن الإرسال في كثير ممّا توهّم أنّه من الأحاديث الصحيحة، وبالثاني تُعرف رتبة الرجل في فنّ الحديث ومنزلته عند أهله في زمانه. وأنّ الطائفة الثانية لا تُغني من غرضها شيئاً، إذ لم
ص: 404
يبحثوا فيها عمّا هو موضوعها وهو أسانيد الروايات بأشخاصها، بل استقرؤوا استقراءً ناقصاً، كلٌّ على حسب وسعه، واستنبطوا منها قضايا كلّيّة ذكروها في تلك الكتب على وجه الفتوى أو استشهدوا عليها بشواهد قليلة من جزئيّاتها ممّا لا يوجب للمحصّل علماً ولا ظنّاً، ولا يخرجه عن حدود التقليد باعاً ولا شبراً، ولأجل ذلك صارت تلك الكتب متروكة عند أهل العلم رأساً»(1).
وقال السيّد محمّد رضا الجلالي حول منهجيّة السيّد البروجردي: «فالذي وجده السيّد في الكتب الرجاليّة المعروفة سابقاً من النقائص والخلل، هي:
أوّلاً: في الكتب المعدّة لعلم الرجال:
1 - عدم إبراز أسماء كثير من الرواة مع ورودها في الأسانيد، فكثيراً ما نجد راوياً قد وقع اسمه في سند الأحاديث، وعند مراجعة الكتب الخاصّة بعلم الرجال والجامعة لأسمائهم لم نجد له ذكراً أصلاً، لا إجمالاً ولا تفصيلاً، وقد اصطلحوا على تسميته بالمُهمل.
2 - لم يوجد في تراجم كثير ممّن ذُكرت أسماؤهم في علم الرجال تحديداً لطبقته ومعرفة عصره، ولا ذكراً عن شيوخه وتلامذته الرواة عنه مع أهمّية هذه الجهة، وهي الطبقة ودخالتها في أداء المهمّة الباعثة على تأليف كتاب الرجال.
ثانياً: في الكتب الموضوعة لتمييز المشتركات من أسماء الرجال:
1 - عدم تماميّة الاستقراء فيها لذكر المميّزات، وهي مأخوذة عمدة من
ص: 405
الأسانيد، فلذا تكون الأدلّة والشواهد المذكورة للتمييز ناقصة غير وافية لأداء الغرض والمهمّة التي تصدّى المؤلّفون لها، فلا توصل الطالب إلى القناعة بالنتيجة المتوخّاة من وضع هذا الفنّ وتحديد المميّزات.
2 - إنّ ما ذكروه في التمييز إنّما هي كلّيّات تعتمد على الاستنباطات الخاصّة، قد أوردت بعنوان فتاوى وآراء خاصّة بأصحابها، غير معتمدة على الشواهد المقنعة، ولا ترشد الطالب إلى الاطمئنان ليخرج من حيّز التقليد لهم في هذا الفنّ إلى ميدان الاجتهاد والاستقلاليّة، والتمكّن من أزمّة العلم.
إنّ محاولة السيّد في إدخال عنصر الأسانيد إلى كتاب الرجال له أهمّيّة بالغة في تحقيق أهداف العلم، وذلك لأنّ علم الرجال كما سبق قد وُضع أساساً من أجل معرفة أحوال رجال الأسانيد الذين هم حملة الحديث ورواته.
فالأسانيد بمجموعها لها الارتباط الوثيق بعلم الرجال؛ لأنّها هي مجال التطبيق له، كما أنّها تحتوي على موضوعه الذي يدور عليه رحاه، وتشعّب بحثه ومجراه.
كما أنّ الأسانيد تحتوي على معلومات إضافيّة يبتني على جمعها وتنظيمها وعرضها أثر عظيم في علم الرجال، خصوصاً إذا لوحظ جانب الإغفال لها من قبل مؤلّفي الكتب الرجاليّة غالباً.
وإذا لجأ القدماء من علماء الرجال لإفراد كتب خاصّة هي عيون التراث الرجالي لحلّ المشاكل الرجاليّة أو لبيان أمور تمتّ إلى علم الرجال بصلة ما كتعيين المؤلّفين للكتب مثلاً، فإنّ الحاجة المهمّة المرادة من وضع العلم تبقى هي معرفة أحوال الرواة للتأكّد من صحّة الأحاديث على أساس ضبط الأسانيد ومعرفة الموصول من المقطوع وتصحيح الأسماء والعناوين وغير
ص: 406
ذلك من العلل والمشاكل وحلولها، فلا بدّ أن يكون هذا من الأهداف السامية لكلّ جهد يُبذل في سبيل هذا العلم من قبل المتوغّلين فيه أو الممارسين له والملمّين به...
مشاكل وحلول:
ولكنّ السيّد لاحظ أنّ الأسانيد لم تخل هي الأخرى من مشاكل عالقة بها، فقال: (إنّ تعرّف الأسانيد يحتاج مضافاً إلى هذين إلى البحث عن عللها والسعي في تحصيل ما هو الصواب في مواردها، فإنّها مع ما في بعضها من الإرسال قد طرأتها في طول الزمان بسهو الناسخين أو المؤلّفين المكتفين في تحمّل الحديث عن الشيخ بالوجادة أو الإجازة أو المناولة علل كثيرة متنوّعة، بالتصحيف والقلب والزيادة والنقص، والأخير هو أكثرها، فإنّه مضافاً إلى أنّ تأثير السهو في وقوعه أكثر قد ينشأ أيضاً من توهّم المؤلّفين تماميّة السند في المنقول عنه، فيورده على حسب ما وجده مفصولاً عمّا تقدّمه مع أنّه كان معلّقاً على سابقه فيسقط بذلك من السند رجل أو رجلان، والفرق بين النقص بأحد الوجهين وبين الإرسال واضح)(1).
ولحلّ هذه المشاكل لاحظ السيّد أنّ المرجع هي الأسانيد الأخرى المماثلة، فقال:
(وإنّ كلّ شيخ من رجال السند - وقع الإجمال أو الاعتلال فيما فوقه من أجزاء السند - يوجد في سائر أسانيده غالباً أو دائماً ما يفسّر ذلك الإجمال أو يدلّ على [رفع] هذا الاعتلال على ما هو الصواب فيه بحيث يغنينا غالباً عن
ص: 407
النظر إلى ما هو خارج عنها.
فأسانيد الروايات كما تكون بعضها موضوعاً للمسائل الباحثة عن تلك الجهات المذكورة، كذلك تكون بعضها الآخر دليلاً علیها ومنبعاً لاستنباطها)(1).
لقد وجد السيّد في الأسانيد منبعاً غزيراً يستنبط منه الحلول الواضحة للمشاكل العالقة في الأسانيد، واعتبار ذلك قرينة داخليّة حاضرة تُغني الباحث عن اللجوء إلى الكتب الأخرى المحتوية في أكثر حلولها على الاجتهادات والاستنباطات الظنّية.
فإذا كانت المشكلة مفروضة في الأسانيد فالحلّ الموجود فيها أيضاً هو الأقرب إلى الدلالة على المراد والصواب، فالمراجعة إليها أولى وألزم من القرائن الخارجيّة والمطروحة في كتب الرجال لو وجدت وسهل ارتباطها بالمشاكل بوضوح لفرض اقتصار مؤلّفيها على ما يقنعهم من التتبّعات الناقصة ممّا أدّى بكتبهم أن أصبحت متروكة عند أهل العلم كما يقول السيّد»(2).
قال السيّد البروجردي: «رأيت بعد ما تحقّق عندي هذه الأمور أنّه:
1 - لو جرّدت الأسانيد عن المتون.
2 - ورتّبت على وجه تنفصل أسانيد الشيوخ بعضها من بعض، ويجتمع إسناد كلّ واحد منهم في موضع واحد، أو في مواضع محصورة مضبوطة، يمكن للمستدلّ الإشارة إليها، ويسهل على المحصّل وجدانها.
ص: 408
3 - وعلّق على مواضع إجمالها واعتلالها ما ينبّه عليهما على تفسير الأوّل وإصلاح الثاني مع الاستشهاد عليها إن احتاج إليه بشهود حاضرة أو كالحاضرة.
كان خدمة لعلم الحديث، ثمّ للعلوم المتفرّعة عليه؛ إذ به يُعلم جميع ما ذكر من الجهات التي لها دخل في تعرّف أسانيدها التي هي الأصل في إحراز متونها:
1 - فيُعرف به جميع من تضمّنته الأسانيد من الرجال.
2 - ويتبيّن به طبقاتهم ومن يروي كلّ واحد منهم عنه ومن يروي عنهم.
3 - ويتكفّل بتمييز مشتركاتهم.
4 - وبيان عللها والإشارة إلى ما هو الصواب فيها بوجه علمي واضح المأخذ.
5 - يقدر كلّ طالب على النظر فيه والاستنباط منه.
6 - ويُرجى بذلك أن يتوارد عليه أفكار المحصّلين، ويتّسع نطاقه بذلك»(1).
اسم الكتاب:
معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة.
المؤلّف:
السيّد أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (ت 1413 ﻫ).
ص: 409
1 - ذكر السيّد الخوئي في ترجمة كلّ شخص جميع رواته ومن روى هو عنهم في الكتب الأربعة، وقد ذكر ما في غيرها أيضاً، ولا سيّما رجال الكشّي، فقد ذكر أكثر ما فيه من الرواة والمروي عنهم، وبذلك يحصل التمييز الكامل بين المشتركات غالباً.
2 - تعرّض السيّد الخوئي لبيان موارد الروايات في الكتب الأربعة، فإن لم تكن الروايات كثيرة، ولم يوجب التعرّض لبيان مواردها الإخلال بوضع الكتاب أدرجه في ذيل الترجمة، وإلّا أخّره وذكره في آخر كلّ جزء ما يناسب ذكره فيه.
3 - ذكر السيّد الخوئي في الكتاب كلّ من له رواية في الكتب الأربعة، سواء كان مذكوراً في كتب الرجال أم لم يكن، وذكر موارد الاختلاف بين الكتب الأربعة في السند، وكثيراً ما بيّن ما هو الصحيح منها وما فيه تحريف أو سقط(1).
4 - اعتمد السيّد الخوئي في النقل عن أصل المصدر، وعدم الاعتماد على الحكاية في كتب الرجال أو غيرها إلّا رجال ابن الغضائري فإنّه لم يوجد لديه، فنقل عنه من الخلاصة للعلّامة أو رجال ابن داود أو مجمع الرجال للقهبائي(2).
5 - قال السيّد الخوئي: «لم نتعرّض لتوثيقات المتأخّرين فيما إذا كان توثيق من القدماء؛ لعدم ترتّب فائدة على ذلك. نعم، تعرّضنا لها في موارد لم نجد
ص: 410
فيها توثيقاً من القدماء، فإنّا وإن كنّا لا نعتمد على توثيقات المتأخّرين، إلّا أنّ جماعة يعتمدون عليها، فلا مناص من التعرّض لها»(1).
6 - تعرّض السيّد الخوئي للطريق وبيان صحّته وعدمها في ترجمة كلّ شخص كان للصدوق أو الشيخ الطوسي طريق إليه؛ لأنّ الباحث قد يراجع الرواية فيرى أنّ جميع رواتها ثقات، فيحكم بصحّتها، ولكنّه يغفل عن ضعف طريق الصدوق أو الشيخ إليه(2).
1 - ذكر طبقات جميع الرواة من حيث العصر والمشايخ والتلاميذ.
2 - تمييز المشتركات وتجميع المفترقات من أسماء رواة الحديث.
3 - بيان عدد روايات كلّ راوٍ، وذكر مواضع الروايات الفقهيّة.
4 - ذكر النصوص الواردة في جرح الرواة وتعديلهم.
5 - احتواء هذا المعجم مزايا الجوامع الرجاليّة المتقدّمة(3).
ورد في مقدّمة معجم رجال الحديث: «جرت تعديلات أساسيّة على الكتاب في بعض المباني الرجاليّة والأصول العامّة المتّخذة في مقدّمة المعجم أدّت إلى تغييرات جذريّة على مواقع بعض رجال الحديث واعتباراتهم من
ص: 411
حيث التوثيق والتضعيف، وعلى بعض طرق الرواية من حيث الصحّة والضعف شملت جميع أجزاء الكتاب»(1).
«معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، للسيّد أبي القاسم بن علي أكبر الخوئي (ت 1413 ﻫ)، ترجم فيه 15706 راوياً في أربع وعشرين مجلّداً(2)»(3).
العدد الكلي لأسماء الرواة: 15706.
عدد الثقات: 700.
عدد الممدوحين: 1457.
يعني مجموع عدد الثقات مع الممدوحين: 2157 من مجموع 15706.
عدد الذين لم يمدحوا ولم يقدحوا: 9665.
عدد المجاهيل بحسب المصطلح: 336.
عدد المذمومين: 419.
عدد الرواة من المذاهب الأخرى: 141.
عدد المغالين: 48.
عدد الأسماء المكرّرة: 3087.
وعليه فعدد الممدوحين والمذمومين: 2765، وأمّا عدد أسماء البقيّة:
ص: 412
12941، وهي مجرّد قائمة أسماء فلان وفلان، ولا نستطيع أن نتّخذ منهم.
وعموماً فإنّ التضخّم في الموسوعات الرجاليّة المتأخّرة يعود لكونها تراكم ما ورد في الكتب الرجاليّة السابقة، وجمع لأقوالهم حول الرواة، ومعظم ما يرد فيها أن يقول مؤلّف الموسوعة: قال الكشّي، قال النجاشي، قال الشيخ في الفهرست، وقال الشيخ في رجاله، وقال ابن الغضائري، وإن كانت أقوال هؤلاء مجرّد قائمة أسماء أو معلومات لا صلة لها بمعرفة أحوال الرواة.
وعلى الرغم من الجهود المكثّفة التي بذلت لحدّ الآن في علم الرجال قال الشیخ محمّد آصف المحسنی: «إنّ كتب الرجال لم تستوفِ جميع الرواة، كما يظهر للمراجع المتتبّع، فإنّ عمدة نظر المتأخّرين إلى رواة الكتب الأربعة المشهورة، فكثير من الرواة لم تذكر أسماؤهم في كتب الرجال، ومن تتبّع الأسانيد في بحار الأنوار وغيره يظهر له جملة وافرة أخرى من الرواة»(1).
وقال السيّد محمّد رضا الجلالي: «لا يشاهد في أكثر المؤلّفات المتأخّرة غير التكرار المملّ لما سبق، والإعادة من غير جديد إفادة، مع تكثير التصحيفات المشينة، أو ذكر الاحتمالات البعيدة، ممّا يزيد الطالب مشقّة وعناء، ويورّطه في التزام الفرضيّات العقليّة المتناهية البعد عن الواقع، فيعرقل مسيرة عمله ودراسته وبحثه، ويكدّر صفاء ذهنه»(2)، وصرّح بأنّ الهدر والإضاعة للأوقات والأموال هو «المشاهد في بعض المؤلّفات المتأخّرة المتّسمة بكبر الحجم وتكديس المنقولات»(3).
ص: 413
ص: 414
ص: 415
ص: 416
إنّ المعيار عند أتباع المنهج السندي كما سبق بيانه هو الاعتماد على صحّة السند للقول بصحّة الحديث، فالحديث المعتبر عندهم هو الحديث الذي تثبت وثاقة جميع رجال سنده، وعليه يكون قبول الرواية أو عدم قبولها متوقّفاً على صحّة سندها.
وتوجد في هذا المقام أسباب توجب رفض المنهج السندي، وتمنع من جعله الميزان لتقييم حديث أهل البيت علیهم السلام ، منها:
قال الله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، فورد في هذه الآية لزوم التبيّن إزاء خبر الفاسق، ولم تأمر الآية بردّ ورفض قول الفاسق لمجرّد فسقه، فقال تعالى: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُواْ﴾، ولم يقل: فردّوا نبأه أو كذّبوه؛ لأنّ الفاسق لا يكذب دائماً، بل قد يكذب وقد يصدق، ولهذا يكون الطريق الصحيح في التعامل مع خبره هو التبيّن والبحث والتأكّد لا الردّ والرفض مطلقاً؛ لأنّ المعيار والملاك الصحيح في تقييم الأنباء هو القرائن وليس الناقل و الراوي فقط.
وبيان ذلك: إنّ لآية النبأ منطوقاً ومفهوماً:
1 - منطوق الآية هو الذي نطقت به ألفاظ الآية.
ص: 417
2 - مفهوم الآية هو الذي ليس موجوداً في الألفاظ وإنّما يفهم من وراء
الألفاظ.
ومنطوق آية النبأ: إنّ الخبر الذي يأتي به الفاسق لا يُردّ، بل يتطلّب التبيّن والبحث في مضمون ومتن ونص الخبر الذي جاء به الفاسق من أجل التأكّد من صحّته.
ومفهوم آية النبأ كما ذهب إليه البعض هو أنّ خبر الثقة حجّة، ولكن هذا المفهوم غير دقيق؛ لأنّ خبر الثقة ليس حجّة بصورة مطلقة؛ لأنّ الثقة قد يخطأ وقد ينسى وقد يسهو، بل قد يكون الثقة فاسقاً، أي: يكون ثقة في نقل الخبر وفاسقاً في السلوك والتعامل الديني، فمفهوم الآية أن نقبل خبر الثقة إذا كنّا مطمئنّين أنّه دقيق في نقله، فالوثاقة تشكّل العلّة الناقصة لقبول الخبر ولا تشكّل العلّة التامّة؛ لأنّ الثقة وإن كان لا يكذب، ولكنّه قد لا يكون دقيقاً في نقل الخبر من غير تعمّد، وقد يكون غير ضابط في نقل المعلومات.
ولا يخفى بأنّ منطوق الآية أولى وأقوى حجّة من مفهومها، والغريب أنّ البعض يهمل منطوق هذه الآية ويؤكّد على مفهومها الناقص.
قال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) حول آية النبأ في كتابه هداية الأبرار: «إنّها لا تدلّ على طرح خبر الفاسق بالكلّيّة، بل على التوقّف في قبوله حتّى يظهر صدقه أو كذبه، والقدماء لم يكونوا يعملون بخبر الفاسق إلّا بعد الفحص عنه، فإن ظهر لهم صدقه عملوا به وإلّا ترکوه»(1).
وقال الشيخ الكركي أيضاً: «أمّا وجود بعض الضعفاء والكذّابين في
ص: 418
أسانيد الأخبار التي نقلوها فلا يوجب ردّها والإعراض عنها؛ لأنّ الكاذب قد يصدق، والفاسق قد يصدق، فلو لم يطّلعوا على صدق تلك الأخبار الخاصّة لما نقلوها، وذلك إمّا لكونها منقولة من الكتب المعروضة على الأئمّة علیهم السلام أو المجمع على العمل بها، وذلك يجبر ما فيها من الضعف، وإمّا لكون أولئك الضعفاء كانوا من شيوخ الإجازة، وتلك الأحاديث منقولة من أصول الثقات المتواترة النسبة إليهم، فلا يضرّ بحالها جرح الوسائط أو غير ذلك من الوجوه الصحيحة»(1).
وقال المحقّق الحلّي (ت 676 ﻫ) في كتابه المعتبر في شرح المختصر حول خبر الواحد: «أفرط الحشويّة في العمل بخبر الواحد ... واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال: كلّ سَليم السند يعمل به، وما علم أنّ الكاذب قد يصدق، والفاسق قد يصدق، ولم يتنبّه أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب؛ إذ لا مصنّف إلّا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر الواحد المعدّل»(2).
ومن هذا المنطلق ندرك بأنّ ردّ الحديث وترك العمل به لوجود غير الثقات أو المجاهيل في سنده منهج يخالف القرآن، ومنطوق آية النبأ واضح في رفض المنهج السندي في تقييم أحاديث أهل البيت علیهم السلام ، فالقرآن يقول: لا تردّوا خبر الفاسق وإنّما تبيّنوا في مضمون خبره لتطمئنّوا هل خبره صحيح أو غير صحيح، ومجرّد فسق المخبر لا يستلزم ردّ الخبر مطلقاً، فالأساس هو التدقيق في الخبر والمتن والنص والمضمون، ولا شأن لنا بالراوي أكان ثقة أم لم
ص: 419
يكن ثقة، والميزان هو الرجوع إلى مضمون الخبر وليس سند الخبر، وآية النبأ أسقطت قيمة السند، ونهت عن ردّ الخبر لفسق مخبره، بل أمرتنا بالتبيّن والتثبّت في أصل خبره ومضمونه.
ورد عن الإمام الصادق علیه السلام حول دور وثاقة الراوي في الأخذ بالحديث: «عن عبد الله بن أبي يعفور ... قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن اختلاف الحديث، يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلی الله علیه واله وإلّا فالذي جاءكم به أولى به»(1).
والجدير بالانتباه في هذا الحديث أنّ الإمام الصادق علیه السلام لم يجعل في هذا الحديث أيّ دور لوثاقة الراوي في الترجيح عند اختلاف الحديثين، مع تصريح الراوي عند بيان اختلاف الحديثين بأنّ أحد الحديثين يرويه من يثق به والحديث الآخر يرويه من لا يثق به، ولكنّ الإمام الصادق علیه السلام مع ذلك لم يجعل أيّة أرجحيّة لوثاقة الراوي أو عدم وثاقته، وأهمل قضيّة من نثق به ومن لا نثق به، ولم يعطها أيّة قيمة في تقييم الحديث، وإنما أكّد أهل البيت علیهم السلام على تقييم الحديث من ناحية المتن والمضمون.
قال رسول الله صلی الله علیه واله : «إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما
ص: 420
وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه»(1).
وقال الإمام الصادق علیه السلام : «خبر تدريه خير من عشر ترويه، إنّ لكلّ حقّ حقيقة، ولكلّ صواب نوراً، ثمّ قال: إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّى يُلحن له فيَعرف اللحن»(2).
وهذا ما يبيّن بأنّ حديث أهل البيت علیهم السلام في الواقع حقّ، ولكلّ حقّ حقيقة تدلّ عليه، وهذا الحديث أيضاً صواب، ولكلّ صواب نور، وهذا ما يتيح معرفة الحقّ عن طريق معرفة حقيقة الحقّ، ومعرفة الصواب عن طريق معرفة نور الصواب.
وبعبارة أخرى: إنّ الحقيقة التي على الحقّ هي المعيار لمعرفة الحقّ، وإنّ النور الذي على الصواب هو المعيار لمعرفة الصواب، والحقائق أساساً تحمل قيمتها في نفسها لا في أسانيدها، ودور كلّ واحد من الرجال أن يكشف عن هذه القيمة لا أن يعطيها القيمة.
ومن هذا المنطلق فإنّ لحديث أهل البيت علیهم السلام قيمة ذاتيّة، وهو يحمل القيمة في ذاته، ويحمل حقيقة تكشف نفسها بنفسها.
فالعبرة ليست بالسند والرواة، وإنّما العبرة بالمتون والمضمون، والميزان هو أنّ الحديث يحمل قيمته في مضمونه، وحقيقة الحديث في مضمونه لا في سنده، والمعيار لتقييم المضمون هو وجود الشاهد عليه من كتاب الله أو من قول رسول الله صلی الله علیه واله الثابت كما قال الإمام الصادق علیه السلام : «إذا ورد عليكم حديث
ص: 421
فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلی الله علیه واله وإلّا فالذي جاءكم به أولى به»(1)، وقال الإمام الباقر علیه السلام : «إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلّا فقفوا عنده، ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم»(2).
قال الشيخ الحرّ العاملي: «إنّ رئيس الطائفة في كتابي الأخبار وغيره من علمائنا إلى وقت حدوث الاصطلاح الجديد بل بعده، كثيراً ما يطرحون الأحاديث الصحيحة عند المتأخّرين ويعملون بأحاديث ضعيفة على اصطلاحهم، فلولا ما ذكرناه لما صدر ذلك منهم عادة، وكثيراً ما يعتمدون على طرق ضعيفة مع تمكّنهم من طرق أخرى صحيحة، كما صرّح به صاحب المنتقى وغيره، وذلك ظاهر في صحّة تلك الأحاديث بوجوه أُخر من غير اعتبار الأسانيد، ودالّ على خلاف الاصطلاح الجديد لما يأتي تحقيقه»(3).
قال الإمام الصادق علیه السلام : «كذب من زعم أنّه من شيعتنا وهو متمسّك بعروة غيرنا»(4).
وورد «عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنّك إن أصبت لم
ص: 422
تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عزّ وجلّ»(1).
وقال الإمام الكاظم علیه السلام : «من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه صلی الله علیه واله ضلّ»(2).
وقال علیه السلام : «لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم»(3).
و«عن سديرٍ قال: قلت لأبي جعفرٍ علیه السلام : إنّي تركت مواليك مختلفين يتبرّأ بعضهم من بعض، قال: فقال: وما أنت وذاك؟! إنّما كلّف الناس ثلاثة: معرفة الأئمّة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه»(4).
وقد بيّن أهل البيت علیهم السلام القواعد والضوابط في قبول وترك أحاديثهم، وسار الشيعة على ذلك بمدّة سبعة قرون حتّى انتشرت الطريقة الجديدة تأثّراً بمنهج المخالفين.
قال الشيخ الحرّ العاملي: «إنّ طريقة المتقدّمين مباینة لطريقة العامّة، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامّة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر للمتتبّع ... وقد أمرنا الأئمّة علیهم السلام باجتناب طريقة العامّة»(5).
والسبب الذي دفع المخالفين إلى اتّباع المنهج السندي أنّهم وجدوا عندما
ص: 423
أرادوا جمع وتدوين الأحاديث مشكلة كبيرة، وهي وجود عشرات آلاف الأحاديث التي تتناول المضامين الهزيلة والخرافيّة والمخزية؛ لأنّ تدوينهم للحديث جاء بعد فترة متأخّرة من عصر الصدور، وبعد أن كثرت الافتراءات والأكاذيب والخرافات في أحاديثهم، فدفعهم الاضطرار إلى أن يلتجئوا إلى علم الرجال، ويؤسّسوا له قواعد ليكون ذريعتهم في تنقيح أحاديثهم، والتخلّص من الكم الهائل الذي واجهوه من الأحاديث المليئة بالسخافات والترّهات، وعلى هذا الأساس ألّف البخاري كتابه الجامع الصحيح، فجمع فيه 2761 حديثاً من ستّمائة ألف حديث، حيث قال ابن حجر في كتابه فتح الباري: «عن البخاري قال: صنّفت الجامع من ستّمائة ألف حديث»(1)، ومعنى ذلك أنّ البخاري استخرج من مجموع كلّ مائة ألف حديث 460 حديثاً، وأهمل 99540 حديثاً لم يجد فيها الصلاحيّة ليذكرها في كتابه الجامع.
وأضف إلى ذلك أنّ المخالفين لم يجدوا بغيتهم بعد تنقيح أحاديثهم وفق قواعد علم الرجال، فوجدوا خزعبلات كثيرة في أحاديث الثقات، فأسّسوا علماً آخر أسموه علم الحديث كي يجدوا لأنفسهم مساحة يتحرّكون فيها لتنقية أحاديثهم من التزوير والتحريف الذي ابتلي به، فقالوا بأنّ الأحاديث التي يرويها الثقات وإن كانت صحيحة وفق معايير علم الرجال ولكنّها مع ذلك تطرح جانباً ولا يعمل بها إذا كانت شاذّة وفق قواعد علم الحديث، فحاولوا التخلّص من أحاديثهم الصحيحة المزوّرة أيضاً بعلم الحديث، فاتّبعوا منهجيّة الترقيع بعد الترقيع لتغطية عوراتهم.
ص: 424
وهذه المشكلة لم تكن عند أتباع أهل البيت علیهم السلام ؛ لأنّ المخالفين ينقلون عن النبي صلی الله علیه واله فقط، وزمن صدور الحديث عندهم عشر سنوات من السنة الأولى للهجرة إلى السنة العاشرة، بينما أتباع مذهب أهل البيت علیهم السلام ينقلون عن أربعة عشر معصوماً وزمن صدور الحديث عندهم استمرّ إلى سنة 329 للهجرة، وهي السنة الأخيرة من عصر الغيبة الصغرى، أي: استمر إلى ثلاثة قرون برعاية أهل البيت علیهم السلام ، وقد بيّنّا اهتمام الأئمّة علیهم السلام بتدوين وكتابة الحديث، فكانت ثمرة ذلك أنّ أحاديث أهل البيت علیهم السلام ضبطت وكتبت وبقيت محفوظة برعاية أهل البيت علیهم السلام الغيبيّة المذكورة في حديث الثقلين والتي لا يمتلكها حديث المخالفين، وإنّ المشكلة التي دفعت المخالفين إلى غربلة أحاديثهم عن طريق علم الرجال لم توجد عند أتباع مذهب أهل البيت علیهم السلام لتدفعهم إلى التأثّر بمنهج المخالفين ومجاراتهم وتقليدهم الأعمى في هذا المجال.
قال الشيخ الحرّ العاملي حول الاصطلاح الجديد: «إجماع الطائفة المحقّة الذي نقله الشيخ والمحقّق(1) وغيرهما على نقيض هذا الاصطلاح، واستمرّ عملهم بخلافه من زمن الأئمّة علیهم السلام إلى زمن العلّامة في مدّة تقارب سبعمائة سنة»(2).
قال الشيخ الحرّ العاملي أيضاً: «هذا الاصطلاح مستحدث في زمان
ص: 425
العلّامة أو شيخه أحمد بن طاووس كما هو معلوم، وهم معترفون به، وهو اجتهاد وظنّ منهما ... وليس لهم هنا دليل قطعي، فلا يجوز العمل به، وما يتخيّل من الاستدلال به لهم ظنّي السند أو الدلالة، أو كليهما، فكيف يجوز الاستدلال بظنّ على ظنّ، وهو دوريّ؟! مع قولهم علیهم السلام : شرّ الأمور محدثاتها(1)»(2).
قال الشيخ آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني (ت 1322 ﻫ) في كتابه مصباح الفقيه: «فلا يكاد يوجد خبر(3) يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجّيّة، بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجيّة التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة أو مأخوذة من الأصول المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم إعراضهم عنها.
ولا شبهة في أنّ قول بعض المزكّين بأنّ فلاناً ثقة أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة لا يؤثّر في الوثوق أزيد ممّا يحصل من إخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة.
و لأجل ما تقدّمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحّة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدّمين الذين تفحّصوا عن حالهم»(4).
ص: 426
إنّ القول باهتمام القدماء بعلم الرجال وعنايتهم الفائقة به لا يعني اهتمامهم بجرح وتعديل رواة الحديث، بل لم يهتمّ السلف بهذا الأمر، ولم يشكّل لهم أيّة أولويّة، وكانت معظم كتبهم الرجاليّة مجرّد ذكر أسماء رجال بعض الوقائع، وتدوين فهرس كتب الأصحاب وتصنيفاتهم من دون أيّ اهتمام بمسألة جرح وتعديل الرواة، ومعرفة الأحوال المؤثّرة في تقييم صحّة الأخبار.
ولا يخفى بأنّ الأصل المطلوب من الكتب الرجاليّة هي المعلومات التي تحقّق غاية هذا العلم، وهو التعرّف على الراوي، والتعرّف على نسبة الاطمئنان بنقله للحديث، وأمّا المعلومات الشخصيّة والتاريخيّة التي لا صلة لها بهذه الغاية فهي معلومات إضافيّة، ولا فائدة منها في الكتب الرجاليّة إلّا تضخيم حجم هذه الكتب؛ لأنّها ليست من المعلومات المؤثّرة في معرفة أحوال الرواة ورجال الأسانيد من حيث الصدق والوثاقة، ومن حيث الجرح والضعف، ومن حيث التمييز ورفع الاشتراك.
ولهذا يجد كلّ متصفّح للأصول الرجاليّة بأنّها لم تؤلّف لتفيد علم الرجال الذي يقصده أتباع المنهجي السندي، بل هي مجرّد كتب فهارس أو تاريخ أو سير لا صلة لها بالعلم الذي نصطلح عليه اليوم بعلم الرجال، والملحوظ حتّى في الكتب المهتمّة بشأن معرفة أحوال الرواة من ناحية الجرح والتعديل الضعف الكبير جدّاً، فهي تعاني من قلّة المعلومات في هذا المجال مقارنة بالعدد الكبير جدّاً من رواة كتبنا الحديثيّة.
وأشار السيّد حسين البروجردي (ت 1380 ﻫ) إلى نواقص علم الرجال،
ص: 427
وقال في بداية كتابه ترتيب أسانيد كتاب الكافي للشيخ الكليني: «إنّي حينما كنت أتصفّح الجوامع العظام لتتبّع ما أودع فيها من روايات الأحكام، وأراجع لتعرّف أسانيدها ما صنّفه علماؤنا في فنّي الرجال وتمييز المشتركات رأيت أنّ في الطائفة الأولى من هذه الكتب نقائص؛ لإهمالها ذكر كثير ممّن تضمّنته الأسانيد من الرواة، وعدم تعرّضها في تراجم من ذكر فيها لبيان طبقته وشيوخه الذين روى عنهم وتلامذته الذين تحمّلوا عنه، مع أنّ هذه من أهمّ ما له دخل في الغرض من ذلك الفنّ، إذ بالأوّل يتبيّن الإرسال في كثير ممّا توهّم أنّه من الأحاديث الصحيحة، وبالثاني تعرف مرتبة الرجل في فنّ الحديث ومنزلته عند أهله في زمانه، وأنّ الطائفة الثانية لا تغني من غرضها شيئاً، إذ لم يبحثوا فيها عمّا هو موضوعها وهو أسانيد الروايات بأشخاصها، بل استقرؤوا استقراءً ناقصاً، كلٌّ على حسب وسعه، واستنبطوا منها قضايا كلّيّة ذكروها في تلك الكتب على وجه الفتوى أو استشهدوا عليها بشواهد قليلة من جزئيّاتها ممّا لا يوجب للمحصّل علماً ولا ظنّاً، ولا يخرجه عن حدود التقليد باعاً ولا شبراً، ولأجل ذلك صارت تلك الكتب متروكة عند أهل العلم رأساً»(1).
وقال السيّد محمّد رضا الجلالي في كتابه المنهج الرجالي والعمل الرائد في الموسوعة الرجاليّة للسيّد البروجردي: «قلّة التوثيقات الصريحة في التراث الرجالي والمصادر الرجاليّة الأولى، وضآلة عدد الموجود منها بالنسبة إلى زرافات الرواة التي تعجّ بأسمائهم المعاجم الرجاليّة المتأخّرة، وكذلك تزخر
ص: 428
بأسمائهم أسانيد الروايات المجموعة في الأصول الحديثيّة، حيث لم يحظ بالتصريح بحالته الرجاليّة - أعمّ من التوثيق والتضعيف - سوى ربع المجموع منهم، كلّ هذه الحقائق تؤكّد على ضرورة انتهاج مسلك القدماء في البناء على الاكتفاء بالنقد الرجالي واللجوء إليه في الحالات النادرة فقط»(1).
من الإشكالات الواردة على الأخذ بأقوال الرجاليّين هي معرفة المبنى الذي يتّبعه كلّ واحد منهم في التوثيق والتضعيف، فنواجه عند مراجعة كلّ واحد منهم حالات، منها:
1 - لا نعرف مبناه في التوثيق والتضعيف، ولا نعرف كيف وصل إلى المعلومة الصحيحة، فلا يمكننا الاعتماد على أقواله في معرفة أحوال الرواة ورجال الأسانيد؛ لأنّه ربّما اتّبع المبنى المغاير للمشهور وفق اجتهاداته الشخصيّة أو اتّبع المبنى الذي لا نذهب إلى صحّته.
2 - نعرف مبناه، ولكنّنا نجده مبنىً خاصّاً وفق اجتهاد شخصي مغاير للمبنى الذي نعتقد بصحّته، فكيف يمكننا الاعتماد على توثيقاته وتضعيفاته؟!
ولهذا قال الفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ): «إنّ في الجرح والتعديل وشرائطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا يكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها»(2).
ص: 429
وهذا ما يوجب حصول الالتباس في الاعتماد على توثيقات وتضعيفات علماء الرجال، ومن أبرز مصاديق الاختلاف في مبنى الرجاليّين هو اختلافهم في معنى العدالة وموجبات الفسق.
اختلاف العلماء في معنى العدالة وموجبات الفسق:
اختلف العلماء في معنى العدالة، ففسّروا معناها على عدّة وجوه منها:
القول الأوّل:
العدالة هي المعروفيّة بالدين والورع عن محارم الله.
قال الشيخ المفيد (ت 413 ﻫ) في المقنعة: «العدل من كان معروفاً بالدين والورع عن محارم الله عزّ وجلّ»(1).
القول الثاني:
العدالة تثبت للشخص بمجرّد ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق.
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ): «إذا شهد عند الحاكم شاهدان يُعرف إسلامهما، ولا يُعرف فيهما جرح، حَكَم بشهادتهما، ولا يقف على البحث إلّا أن يجرح المحكوم عليه فيهما، بأن يقول: هما فاسقان، فحينئذٍ يجب عليه البحث... دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طارٍ عليه يحتاج إلى دليل، وأيضاً نحن نعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبي علیه السلام ، ولا أيّام الصحابة، ولا أيّام التابعين، وإنّما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي، فلو كان شرطاً ما أجمع أهل الأعصار على تركه»(2).
ص: 430
وقال الميرزا القمّي (ت 1221 ﻫ) في غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: «ذهب جماعة من القدماء إلى كفاية ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق، وادّعى الشيخ في الخلاف على ذلك الإجماع وقال: إنّ البحث في شهادة العدول كان من مُحدَثات شريك بن عبد الله القاضي، ونقل عن بعض الأصحاب القول باعتبار أزيد من ذلك، من حُسن الظاهر وكونه ظاهر الصلاح»(1).
قال الشيخ محمّد باقر السبزواري (ت 1090 ﻫ): «الحكم بالعدالة هل يحتاج إلى التفتيش والخبرة والبحث عن البواطن أم يكفي الإسلام وحسن الظاهر ما لم يثبت خلافه؟ الأقوى الثاني»(2).
القول الثالث:
العدالة تعني عدم الإخلال بواجب وعدم ارتكاب القبيح.
قال ابن إدريس (ت 598 ﻫ) في الجزء الأوّل من كتابه السرائر: «حدّ العدل هو الذي لا يخلّ بواجب، ولا يرتكب قبيحاً»(3).
القول الرابع:
العدالة في الدين هي الاجتناب من الكبائر ومن الإصرار على الصغائر، وفي المروءة الاجتناب عمّا يسقط المروءة من ترك صيانة النفس وفقد المبالاة، وفي الحكم البلوغ وكمال العقل.
ص: 431
قال ابن حمزة الطوسي (ت ق 6 ﻫ) في كتابه الوسيلة إلى نيل الفضيلة: «العدالة في الدين الاجتناب من الكبائر ومن الإصرار على الصغائر، وفي المروءة الاجتناب عمّا يسقط المروءة من ترك صيانة النفس وفقد المبالاة، وفي الحكم البلوغ وكمال العقل»(1).
القول الخامس:
العدالة تكون في الدين والمروّة والأحكام، والعدالة في الدين هي عدم الإخلال بواجب وعدم ارتكاب قبيح، والعدالة في المروّة هو اجتناب الأمور التي تسقط المروّة، والعدالة في الأحكام هي البلوغ والعقل.
قال ابن إدريس (ت 598 ﻫ) في الجزء الثاني من كتابه السرائر: «العدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساوياً، وأمّا في الشريعة فهو كلّ من كان عدلاً في دينه، عدلاً في مروّته، عدلاً في أحكامه، فالعدل في الدين أن لا يخلّ بواجب ولا يرتكب قبيحاً، وقيل: لا يُعرف بشيء من أسباب الفسق، وهذا قريب أيضاً، وفي المروّة أن يكون مجتنباً للأمور التي تسقط المروّة، مثل الأكل في الطرقات، ولبس ثياب المصبّغات للنساء، وما أشبه ذلك، والعدل في الأحكام أن يكون بالغاً عاقلاً»(2).
القول السادس:
العدالة يثبت حكمها بالبلوغ وكمال العقل والإيمان واجتناب القبائح أجمع وانتفاء الظنّة بالعداوة أو الحسد وما شابه ذلك.
ص: 432
قال أبو الصلاح الحلبي (ت 447 ﻫ) في كتابه الكافي في الفقه: «العدالة شرط في صحّة الشهادة على المسلم، ويثبت حكمها بالبلوغ وكمال العقل والإيمان واجتناب القبائح أجمع وانتفاء الظنّة بالعداوة أو الحسد أو المناقشة(1) أو المملكة أو الشركة»(2).
القول السابع:
العدالة تثبت في الإنسان بشروط وهي البلوغ وكمال العقل والحصول على ظاهر الإيمان والستر والعفاف واجتناب القبائح ونفي الظنّة والحسد والتهمة والعداوة.
قال ابن البرّاج (ت 481 ﻫ) في المهذّب: «العدالة معتبرة في صحّة الشهادة على المسلم، وتثبت في الإنسان بشروط وهي البلوغ وكمال العقل والحصول على ظاهر الإيمان والستر والعفاف واجتناب القبائح ونفي الظنّة والحسد والتهمة والعداوة»(3).
القول الثامن:
العدل يعني عدم ارتكاب أيّ ذنب، والذنوب كلّها كبائر، وإنّما نسمّيها صغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها.
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في كتابه الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: «وأمّا الفسق فهو في اللغة عبارة عن خروج الشيء إلى غيره، ولذلك
ص: 433
يقولون: (فسقت الرطبة) إذا خرجت عن قشرها، وسمّيت الفأرة فويسقة من ذلك لخروجها من نقبها، إلّا أنّ بالعرف صار متخصّصاً بالخروج من حسن إلى قبح، وأمّا في عرف الشرع فهو عندنا عبارة عن كلّ معصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة؛ ولأنّ معاصي الله تعالى كلّها كبائر، وإنّما نسمّيها صغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، وهي كبيرة بالإضافة إلى ما هو أصغر منها»(1).
قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: «وإنّما الكلام في أنّ الذنوب هل هي كلّها كبائر أم تنقسم إلى كبائر وصغائر؟ وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في ذلك، فذهب جماعة منهم المفيد(2) وابن البرّاج(3) وأبو الصلاح(4) وابن إدريس(5) والطبرسي(6)، بل نسبه في التفسير إلى أصحابنا مطلقاً إلى الأوّل، نظراً إلى اشتراكها في مخالفة أمره تعالى ونهيه.
وجعلوا الوصف بالكبر والصغر إضافيّاً، فالقبلة المحرّمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر، وكذلك غصب الدرهم كبيرة بالنسبة إلى غصب اللقمة وصغيرة بالإضافة إلى غصب الدينار، وهكذا.
وذهب المصنّف رحمة الله وأكثر المتأخّرين إلى الثاني، عملاً بظاهر قوله تعالى:
ص: 434
﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَئَِّاتِكُمْ﴾ [النساء: 31]، دلّ بمفهومه على أنّ اجتناب بعض الذنوب - وهي الكبائر - يكفّر السيّئات، وهو يقتضي كونها غير كبائر، وقال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَٰئِرَ ٱلْإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ﴾ [النجم: 32]، مدحهم على اجتناب الكبائر من غير أن يضايقهم في الصغائر، وفي الحديث: إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر»(1).
قال الشيخ محمّد باقر السبزواري (ت 1090 ﻫ): «لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في اعتبار عدالة الشاهد، لكنّ الخلاف فيما يتعلّق بهذا المقام في أمور:
الأوّل: في أنّ الذنوب هل بعضها كبائر وبعضها صغائر أو كلّ ذنب يتّصف بكونه كبيرة، وإنّما تكون صغيرة بالنسبة؟ والأقوى الأوّل.
الثاني: في تحقيق الكبائر، والأشهر الأقوى أنّ الكبيرة كلّ ذنب توعّد عليه بالوعيد في الكتاب العزيز، وفي حصره خلاف ...»(2).
القول التاسع:
العدالة لا تعني ترك جميع المعاصي، بل تعني السلامة من أسباب الفسق التي هي فعل الكبائر أو الإصرار على الصغائر وخوارم المروّة، وهي الاتّصاف بما يحسن التحلّي به عادةً، بحسب زمانه ومكانه وشأنه، فعلاً وتركاً، على وجه يصير ذلك له ملكةً.
قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه الدراية في علم مصطلح
ص: 435
الحديث: «ليس المراد من العدالة كونه تاركاً لجميع المعاصي، بل بمعنى كونه سالماً من أسباب الفسق التي هي فعل الكبائر أو الإصرار على الصغائر وخوارم المروّة، وهي الاتّصاف بما يحسن التحلّي به عادةً، بحسب زمانه ومكانه وشأنه، فعلاً وتركاً، على وجه يصير ذلك له ملكةً، وإنّما لم يصرّح باعتبارها؛ لأنّ السلامة من الأسباب المذكورة لا تتحقّق إلّا بالملكة فأغنى عن اعتبارها»(1).
القول العاشر:
العدالة كيفيّة نفسانيّة راسخة تبعث على ملازمة المروءة والتقوى.
قال العلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ) في قواعد الأحكام حول صفات الشاهد: «العدالة وهي كيفيّة نفسانيّة راسخة تبعث على ملازمة المروءة والتقوى»(2).
القول الحادي عشر:
العدالة هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة بحيث لا يواقع الكبائر ولا يُصرّ على الصغائر.
قال الشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ) في كتابه ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: «العدالة وهي هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة بحيث لا يواقع الكبائر ولا يُصرّ على الصغائر، وعليه إجماع الأصحاب هنا»(3).
ص: 436
القول الثاني عشر:
العدالة تستلزم ثبوت التقوى والمروءة، وتتحقّق التقوى باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وقد اختلف الفقهاء حول الكبائر.
قال المحقّق الكركي (ت 940 ﻫ) في رسائله: «لمّا كانت العدالة تستلزم ثبوت التقوى والمروءة، والتقوى إنّما تتحقّق باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، لزم معرفة الكبائر على المكلّفين، وقد اختلف فقهاء الإسلام فيها، والأصحّ في المذهب الحقّ أنّ الكبيرة هي الذنب الذي توعّد الشرع بخصوصه، وبذلك وردت الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم»(1).
القول الثالث عشر:
العدالة كيفيّة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة، وتتحقّق التقوى بمجانبة الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، والمروءة لها التفسير الخاصّ.
قال المحقّق الكركي (ت 940 ﻫ) في كتابه جامع المقاصد في شرح القواعد: «وأمّا العدالة وهي لغة: الاستقامة، وشرعاً: كيفيّة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة، وتتحقّق التقوى بمجانبة الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، والمروءة بمجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والصغائر، كالأكل في الأسواق، والبول في الشوارع في وقت سلوك الناس ممّن يوجب انحطاط مرتبته عادة، وكسرقة لقمة، والتطفيف
ص: 437
بحبّة، ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وتفاوت مراتبهم»(1).
القول الرابع عشر:
العدالة ملكة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد من عدم الإصرار على الصغيرة فيها هو فعلاً أو حكماً، وهو فعلها مع قصد ذلك مرّة أخرى، ومع تفسير خاصّ للمروءة.
قال المقدّس الأردبيلي (ت 993 ﻫ) في كتابه مجمع الفائدة والبرهان: «وأمّا العدالة فتعريفها بين علماء العامّة والخاصّة في الأصول والفروع مشهور، بأنّها ملكة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة، وتتحقّق التقوى بمجانبة الكبائر، وهي ما توعّد عليه بالنار في الكتاب أو السنّة، وعدم الإصرار على الصغيرة فعلاً أو حكماً، وهو فعلها مع قصد ذلك مرّة أخرى، وقيل: هو عدم الندامة والتوبة، والظاهر الأوّل، فإنّه حينئذٍ تكون مساوية للكبيرة؛ لاحتياجها إلى الندامة والتوبة في زوال الفسق، وإنّه مع الغفلة والتردّد بين الفعل وعدمه يكون مصرّاً فاعلاً للكبيرة، والظاهر عدمه.
وقالوا: المراد بالمروءة ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغار المحرّمات مع عدم الإصرار، كسرقة لقمة، وتطفيف الميزان بحبّة، وكالأكل في الأسواق والمجامع، والبول في الشوارع وقت سلوك الناس، وكشف الرأس عند من ليس كذلك، وكذا مدّ الرجل والنوم عندهم»(2).
ص: 438
القول الخامس عشر:
المراد من الإصرار على الصغيرة في العدالة هو العزم على فعلها بعد الفراغ منها، وفي معناه المداومة على نوع واحد منها بلا توبة، والمراد من المروّة تنزيه النفس من الدناءة التي لا تليق بأمثاله.
قال السيّد العاملي الجبعي (ت 1009 ﻫ) في كتابه مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: «العدالة لغة: الاستواء والاستقامة، وعرّفها المتأخّرون شرعاً: بأنّها هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، وتتحقّق التقوى بمجانبة الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وللأصحاب في تعداد الكبائر اختلاف ... والمراد بالإصرار على الصغيرة العزم على فعلها بعد الفراغ منها، وفي معناه المداومة على نوع واحد منها بلا توبة.
وأمّا المروّة فالمراد بها تنزيه النفس من الدناءة التي لا تليق بأمثاله، ويحصل ذلك بالتزام محاسن العادات وترك الرذائل المباحة، كالبول في الشوارع وقت مرور الناس، والأكل في الأسواق في غير المواضع المعدّة له، وكثرة الضحك، والإفراط في المزاح، ولبس الفقيه ثياب الجندي، ونحو ذلك ممّا يدلّ على عدم الحياء وقلّة المبالاة»(1).
قال الشيخ محمّد باقر السبزواري (ت 1090 ﻫ): «لا ريب في زوال العدالة بمواقعة الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة، ثمّ يعود بإظهار التوبة مطلقاً كما هو عند بعضهم، أو مع الظنّ بحصولها كما هو عند البعض، وبعضهم يعتبر إصلاح العمل ولو بمجرّد ذكر أو تسبيح، وبعضهم يكتفي
ص: 439
بمجرّد استمرار ما على التوبة ولو ساعة»(1).
القول السادس عشر:
اعتبار المروّة في العدالة شطراً أو شرطاً، والمتقدّمون لم يذكروها.
قال الشيخ محمّد باقر السبزواري (ت 1090 ﻫ): «بعضهم اعتبر المروّة في العدالة شطراً أو شرطاً، والمتقدّمون لم يذكروها، ولا أعلم عليه حجّة ظاهرة، لخلوّ النصوص عنه، ثمّ لهم في تفسيرها عبارات مختلفة متقاربة»(2).
قال الشيخ محمّد باقر السبزواري أيضاً: «فسّر العلّامة وجماعة ممّن تأخّر عنه العدالة بملكة نفسانيّة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، ولم أجده في كلام من تقدّم على العلّامة، والظاهر أنّه اقتفى في ذلك بكلام الرازي ومن تبعه من العامّة، ولم أجد على هذا التفسير شاهداً من جهة النصّ ولا الاعتبار»(3).
القول السابع عشر:
عدم لزوم اعتبار المروّة في العدالة.
قال الشهيد الثاني (ت 965 ﻫ) في كتابه مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: «واعلم أنّ المصنّف رحمة الله لم يتعرّض للمروّة في قادح العدالة، وكأنّه لم يجعل تركها قادحاً أو يتوقّف في ذلك، وهو قول لبعض العلماء، من حيث إنّه يخالف العادة لا الشرع»(4).
ص: 440
قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) في بحار الأنوار: «والمشهور لا سيّما بين المتأخّرين اعتبار المروّة في الإمامة والشهادة، ولا شاهد له من جهة النصوص، وفي ضبط معناها عبارات لهم متقاربة المعنى، وحاصلها مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرّمات التي لا تبلغ حدّ الإصرار، كالأكل في الأسواق والمجامع في أكثر البلاد، والبول في الشوارع المسلوكة، وكشف الرأس في المجامع، وتقبيل أمته وزوجته في المحاضر، ولبس الفقيه لباس الجندي، والإكثار من المضحكات، والمضايقة في اليسير التي لا تناسب حاله، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعصار والأمصار والعادات المختلفة.
والحقّ أنّ ما لم يخالف ذلك الشرع ولم يرد فيه نهي لا يقدح في العدالة، ولا دليل عليه، وليس في الأخبار منه أثر، بل ورد خلافه في أخبار كثيرة، ومن كان أشرف من رسول الله صلی الله علیه واله وكان يركب الحمار العاري ويردف خلفه ويأكل ماشياً إلى الصلاة كما روي؟! وكأنّهم اقتفوا في ذلك أثر العامّة فإنّها مذكورة في كتبهم، ولذا لم يذكر المحقّق رحمة الله ذلك في معناها، وأعرض منه كثير من القدماء والمتأخّرين»(1).
القول الثامن عشر:
نفي اتّصاف العدالة بالملكة والصفة الراسخة في النفس.
قال العلّامة المجلسي (ت 1110 ﻫ) في بحار الأنوار: «ثمّ اعلم أنّ المتأخّرين من علمائنا اعتبروا في العدالة الملكة، وهي صفة راسخة في النفس
ص: 441
تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، ولم أجدها في النصوص، ولا في كلام من تقدّم على العلّامة من علمائنا، ولا وجه لاعتبارها»(1).
القول التاسع عشر:
المطلوب من العدالة عند ترجيح أحد الخبرين يختلف عن العدالة في المواقع الأخرى، فالعدالة المطلوبة عند الترجيح تعني اعتقاد الراوي للحقّ، والاستبصار، والثقة في الدين، والتحرّج عن الكذب، وعدم الاتّهام في الرواية.
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في العُدّة في أصول الفقه: «وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فهو أن يكون الراوي معتقداً للحقّ، مستبصراً، ثقة في دينه، متحرّجاً عن الكذب، غير متّهم فيما يرويه ...»(2).
القول العشرون:
إنّ العدالة غير مطلوبة في الراوي، بل يكفي الوثاقة، وهي التحرّز عن الكذب في الرواية وإن كان فاسقاً بجوارحه.
قال الشيخ الطوسي (ت 460 ﻫ) في علاج الأخبار المتعارضة: «فأمّا من كان مخطئاً في بعض الأفعال، أو فاسقاً في أفعال الجوارح، وكان ثقة في روايته، متحرّزاً فيها، فإنّ ذلك لا يوجب ردَّ خبره، ويجوز العمل به؛ لأنّ العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، وليس بمانع من قبول خبره، ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة
ص: 442
هذه صفتهم»(1).
النتيجة:
إنّ اختلاف العلماء في معنى العدل وموجبات الفسق يربك الوضع ويسلب الاعتماد على توثيقاتهم وتضعيفاتهم من دون معرفة المعيار الذي يعتمد عليه كلّ واحد منهم في تقييمه لأحوال الرجال، وهذا ما يسلب منّا إمكانيّة الاعتماد على توثيقاتهم وتضعيفاتهم.
وإذا عرف الشخص وجود الاختلاف بينه وبين أحد العلماء في معنى العدالة فلا يسعه بعد ذلك الانتفاع من توثيقاته وتضعيفاته، وعليه فإنّ الأغلبيّة التي تعرّف العدالة بالملكة لا يسعها الاعتماد على توثيقات وتضعيفات الشيخ الطوسي القائمة على تعريفه الخاصّ لمعنى العدالة.
قال الفاضل عبد الله بن محمّد التوني (ت 1071 ﻫ) في كتابه الوافیة في أصول الفقه حول الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ): «هذا الشكّ ممّا أورده الشيخ الفقيه بهاء الملّة والدين فقال: (من المشكلات أنّا نعلم مذهب الشيخ الطوسي رحمة الله في العدالة، وأنّه يخالف مذهب العلّامة رحمة الله ، وكذا لا نعلم مذهب بقيّة أصحاب الرجال، كالكشّي والنجاشي وغيرهم، ثمّ نقبل تعديل العلّامة رحمة الله في التعديل على تعديل أولئك ...) انتهى كلامه»(2).
وذهب البعض إلى أنّ المعنى العامّ والمتّفق عليه للعدالة هو الملكة وحسن الظاهر، وتفسير الشيخ لها بتفسيره الخاصّ لا يعني عمله بهذا التفسير في
ص: 443
رجاله؛ لأنّه يعي بأنّ وجه انتفاع الغير من رجاله هو التقييم وفق المعنى المتّفق عليه، فلا ينبغي له أن يبني توثيقاته وتضعيفاته على مبناه الخاصّ إلّا بعد التنبيه عليه حذراً من إيقاع الآخرين في التدليس.
وأبرز دليل على اتّباع الشيخ للمعنى المتّفق عليه هو اعتماد العلماء بعده على توثيقاته وتضعيفاته وتلقّيهم له بالقبول وعدم الإشكال عليه.
وهذا القول مجرّد تبرير، وأنّ الأقرب إلى الواقع هو أنّ كلّ عالم يعمل وفق قناعاته، ويصنّف كتابه وفق ما يظهر له وما يقع عليه رأيه، وهذا هو الثمرة التي يبتغيها من تأليف كتابه، ولا يلزم نفسه التمسّك في العمل بقناعات الآخرين، بل يدعو الآخرين إلى قناعاته عن طريق تبيين أدلّته وبراهينه.
وعليه فكلّ عالم رجالي يقوم بتوثيق الرواة وتضعيفهم وفق مبانيه الرجاليّة، ولا يعنيه اختلاف مباني الآخرين ليرضي جميع الأطراف، وإنّما غرضه بيان ما توصّل إليه حول الرواة من جهة قبول خبرهم أو عدمه، وإنّما التدليس يكون فيما لو عمل المصنّف خلاف منهجه وتعريفه وقواعده ومبانيه.
كما لا يجب على المصنّف بيان مذهبه في نفس كتابه الرجالي بعد تبيينه في مقام آخر كبحوثه الأصوليّة أو غيرها من بحوثه العلميّة، فلا يلزم التدليس، ويلزم على الباحث التثبّت عند احتمال الاختلاف في المبنى.
أضف إلى ذلك أنّه لا يوجد ما يدلّ على أنّ أصحاب الأصول الرجاليّة كان في بالهم أن تصير كتبهم مرجعاً ومحلّ انتفاع مَن يأتي بعدهم حتّى يأخذوا بعين الاعتبار أن لا يكون جرحهم وتعديلهم وفق مذهبهم خاصّة، وأن يصنّفوها بشكل تكون نافعة لجميع من يأتي بعدهم على اختلاف مذاهبهم،
ص: 444
والدليل على ذلك أنّ كتبهم الرجاليّة تشبه مذكرات لأنفسهم، ولم يراعوا فيها ما يوحي أنّهم دوّنوها لتعمّ فائدتها للجميع على مرّ العصور.
ولهذا قال السيّد الخوئي (ت 1413 ﻫ): «إنّ اعتماد ابن الوليد أو غيره من الأعلام المتقدّمين فضلاً عن المتأخّرين على رواية شخص والحكم بصحّتها لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لاحتمال أنّ الحاكم بالصحّة يعتمد على أصالة العدالة، ويرى حجّيّة كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجّيّة خبره»(1).
اختلاف علماء الرجال في معنى الضعف:
إنّ المتبادر في الذهن من الراوي الضعيف هو الراوي الكاذب أو الذي لا أمانة له في النقل أو المجروح بالفسق أو مجهول الحال، ولكن يرى بعض الرجاليّين بأنّ الضعف لا يقتصر على هذه الأمور، بل يشمل مبناه الذي قد لا نتفق معه، ولهذا لا يسعنا الاعتماد عليه في تضعيفاته لمختلف الرواة.
ولهذا قال الوحيد البهبهاني في فوائده الرجاليّة حول الرجاليّين: «وبالجملة كما أنّ تصحيحهم غير مقصور على العدالة فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق، وهذا غير خفي على من تتبّع وتأمّل، وقال جدّي رحمة الله : (تراهم يطلقون الضعيف على من يروي عن الضعفاء ويرسل الأخبار)(2)، انتهى.
و لعلّ من أسباب الضعف عندهم: قلّة الحافظة، وسوء الضبط، والرواية
ص: 445
من غير إجازة، والرواية عمّن لم يلقه، واضطراب ألفاظ الرواية، وإيراد الرواية التي ظاهرها الغلوّ أو التفويض أو الجبر أو التشبيه وغير ذلك، كما هو في كتبنا المعتبرة ... وكذا من أسبابه رواية فاسدي العقيدة عنه وعكسه، بل وربّما كان مثل الرواية بالمعنى ونظائره سبباً، وبالجملة أسباب قدح القدماء كثيرة»(1).
وقال الشيخ محمّد بن الحسن العاملي (ت 1030 ﻫ) في كتابه استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: «إنّ أهل قم كانوا يُخرجون الراوي لمجرّد توهّم الريب»(2).
وقال السيّد حسن الصدر (ت 1354 ﻫ): «المقام الثاني: فيما يقع به القدح والجرح: والمعروف من ألفاظ الجرح قولهم: (ضعيف)، ولا ريب في أنّه قدح مناف للعدالة إذا قيل على الإطلاق دون التخصيص بالحديث؛ لأنّ المراد في الأوّل أنّه ضعيف في نفسه، وفي الثاني أنّ الضعف في روايته، فلا تدلّ على القدح في الراوي مع الإضافة إلى الحديث، ثمّ اعلم أنّ أكثر القدماء ولا سيّما القمّيّين وابن الغضائري، يضعّفون بأمور لا توجب الفسق مثل الرواية عن الضعفاء والمجاهيل واعتماد المراسيل، ويعدّون ذلك ونحوه من موجبات الضعف ... وبالجملة فالتضعيف في اصطلاحهم أعمّ من الضعف في الحديث، وحينئذ فمطلق التضعيف من هؤلاء غير قادح»(3).
ص: 446
من الغريب أن يؤكّد البعض على لزوم معرفة سند الحديث، ولكنّه لا يطالب الرجاليّين بالسند الذي اعتمدوا عليه في التوثيقات والتضعيفات التي ذكروها في كتبهم، وهم لم يذكروا لنا المصادر التي اعتمدوا عليها، ولم يذكروا الرجال الذين نقلوا عنهم المعلومات في كتبهم.
وعليه فإنّ معظم توثيقات وتضعيفات النجاشي والشيخ الطوسي مرسلة غير مسندة، ولا وجه لقبول هذه التوثيقات والتضعيفات سوى حسن الظنّ بأنّهما لم ينقلا هذه المعلومات إلّا عن ثقة، وأنّ من نقلوا عنه أيضاً لم ينقلها إلّا عن ثقة حتّى تنتهي إلى مستندها الأصلي، وإلّا فهما لم يصرّحا ولم يلمّحا بذلك، وهو ممّا لم يعهد منهما، وإنّما قبول هذه التوثيقات والتضعيفات في الواقع هي من باب حسن الظنّ فقط.
وقال البعض بأنّ مرسلات هؤلاء الرجاليّين حجّة؛ ودليل ذلك: «إنّ إرسال مثل الشيخ والنجاشي إنّما يكون بعد سماعهم عن مشايخهم، جميعهم أو أكثرهم بحيث يحصل لهم العلم الوجداني أو التعبّدي بذلك، فيوجب العلم بأنّ الوسائط ثقات، ولو كان لديهم أدنى شكّ أو اختلاف لنسبوا ما ذكروه إلى الشخص الذي نقلوا عنه»(1).
والجدير بالالتفات في هذا المقام: إذا كانت مرسلات الرجالي الثقة حجّة وموجبة للعلم، فستكون مرسلات الرواة الثقات أيضاً حجّة وموجبة للعلم بنفس الأدلّة، فتكون أحاديثهم المرسلة معتبرة، وهذا ما يغنينا عن الحاجة إلى
ص: 447
أقوال مرسلة أخرى لتقوية هذه المرسلات.
فإذا كان «الرجالي» قريب العهد ب «الراوي» ف «المحدّث» أيضاً قريب العهد ب «الرواية»، وإذا قلنا بأنّ مرسلات الرجالي مستندة بسلسلة غير منقطعة من الثقات وبنقل عن نقل وسماع عن سماع، ولا يضرّ عدم اطّلاعنا على هذه السلسلة، فالكلام نفس الكلام في مرسلات الرواة، علماً بأنّ اعتبار نقل مصنّفي كتب الحديث كالشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ المفيد أشهر وأكثر من اعتبار نقل النجاشي.
فإذا نقل الشيخ الطوسي رواية عن الإمام الصادق علیه السلام ولم يذكر سندها لا نقبل روايته، وإذا قال: الراوي الفلاني ثقة ولم ينقل سنده نقبل الراوي، والحال فيهما واحد، فكيف لا نقبل الأوّل ونقبل الثاني؟!
بل لا يبعد من الشخص المتديّن أن يخبر عن وثاقة أحد الرواة اعتماداً على الأخبار المرسلة الواصلة إليه، ولكن يبعد منه أن ينسب حديثاً إلى الإمام الصادق علیه السلام وهو يعلم أنّه غير صحيح أو يشكّ أنّه صحيح.
بعبارة أخرى:
إنّ إخبار عالم الرجال بإثبات أو نفي وثاقة الرواة هو إخبار عمّا أخبره الآخرون الثقات به، وهو في الواقع يخبرنا عن أمر وصل إليه عن طريق سلسلة من الثقات، فيكون سندها عند عدم إخبارنا بهذه السلسلة سنداً مرسلاً، وهذا ما يقدح في اعتبار خبره حسب قول من لا يرى الاعتبار للأخبار المرسلة.
والغريب في الأمر رفض البعض أخبار هذا الرجالي عن الأئمّة علیهم السلام لو كانت مرسلة، وقبولهم منه أخباره المرسلة في علم الرجال، فهم يطالبون
ص: 448
الرجالي بالإفصاح عن سلسلة الثقات الذين نقل عنهم حديث الأئمّة علیهم السلام ولا يعتمدون على قوله بأنّه نقل هذه الأخبار عن الثقات، ولكنّهم يقبلون منه الأخبار المرسلة المرتبطة بتوثيق وتضعيف الرجال اعتماداً على قوله بأنّه نقلها من الثقات.
فمن لا يقبل الأخبار المرسلة عليه أن لا يقبل أقوال مصنّفي الأصول الرجاليّة المؤلّفة بعد قرون من حياة الرواة، لاحتمال كون بعض من يشهد المصنّف بوثاقتهم ولم يصرّح بأسمائهم كانوا في الواقع ضعفاء، ولا يصحّ الاعتماد على شهاداتهم بوثاقة بعض الرواة وضعف البعض الآخر، وهنا يفقد قول الرجالي حجّيّته من باب الإخبار، وتكون جميع إخباراته مرفوضة؛ لأنّها مرسلة فلا قيمة لها وفق المدرسة السنديّة.
وقال الشيخ الكركي (ت 1076 ﻫ) في كتابه هداية الأبرار: «من غريب أمور المتأخّرين أنّهم إذا وجدوا توثيق رجل في كتاب من كتب الرجال ولم يطّلعوا له على جرح قطعوا بعدالته وصحّة حديثه، مع أنّ الذي وثّقه لم يره، وإنّما وثّقه لقرائن اقتضت عند الحكم بتوثيقه أدّاه إليها تفحّصه واجتهاده، فالتوثيق في كتب الرجال الآن من جملة الأخبار المرسلة التي دلّت القرائن والشهرة على صدقها، وإذا رأوا حديثاً في هذه الكتب مرسلاً أو مسنداً يشتمل سنده على مجروح أو مجهول أعرضوا عنه إذا خالف قواعدهم، مع تصريح الكليني والصدوق رحمة الله بصحّة ما في كتابيهما، وتصريح الشيخ في التهذيب والاستبصار بأنّ كلّ حديث عمل به فهو إمّا متواتر أو مقترن بما يوجب صحّة مضمونه وممّا أجمع الأصحاب على قبوله»(1).
ص: 449
من الأمور الملفتة للنظر عند تصفّح الأصول الرجاليّة هي وجود الاختلاف في تعديل وتجريح الرواة، وهذا ما يكشف ضعف هذا العلم بذاته في تقييم رواة الحديث؛ لفقدانه المعيار المعيّن أو الضابطة الخاصّة والقاعدة المحدّدة التي يمكن الاستناد إليها في توثيق وتضعيف الرواة.
ومن موارد اضطراب كلمات أصحاب الأصول الرجاليّة:
1 - سالم بن مكرم: وثّقه الشيخ النجاشي، وضعّفه الشيخ الطوسي.
قال الشيخ النجاشي: «سالم بن مكرم بن عبد الله أبو خديجة، ويقال: أبو سلمة ...ثقة ثقة»(1).
قال الشيخ الطوسي: «سالم بن مكرم، يُكنّى أبا خديجة - ومكرم يُكنّى أبا سلمة - ضعيف»(2).
2 - سهل بن زياد: وثّقه الشيخ في رجاله، وضعّفه في الفهرست.
قال الشيخ الطوسي في الرجال: «سهل بن زياد الآدمي، يُكنّى أبا سعيد، ثقة»(3).
قال الشيخ الطوسي في الفهرست: «سهل بن زياد الآدمي الرازي، يُكنّى أبا سعيد، ضعيف»(4).
ص: 450
3 - عبد الله بن محمّد البلوي: قال الشيخ بأنّه كان واعظاً فقيهاً، وضعّفه النجاشي والغضائري.
قال الشيخ الطوسي في فهرسته: «عبد الله بن محمّد البلوي، من بليّ، قبيلة من أهل مصر، وكان واعظاً فقيهاً»(1).
قال النجاشي: «البلوي رجل ضعيف مطعون عليه»(2).
قال الغضائري: «عبد الله بن محمّد بن عمير بن محفوظ البلوي، أبو محمّد المصريّ، كذّاب، وضّاع للحديث، لا يلتفت إلى حديثه، ولا يعبأ به»(3).
وتُلقي هذه الاضطرابات على هذا العلم حالة من اللبس والغموض فتسلب إمكانيّة الاعتماد عليه والوثوق بمعلوماته.
قال الشيخ محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ) في كتابه قاموس الرجال حول صحّة الأصول الرجاليّة الواصلة إلينا: «لم يصل إلينا شيء من تلك الكتب مصحّحة حتّى رجال الشيخ وفهرسته والنجاشي، وإنّما وصلت هذه الثلاثة مصحّحة إلى ابن طاووس والعلّامة وابن داود، بل صرّح الأخير في مواضع بكون الفهرست ورجال الشيخ عنده بخطّ الشيخ، وأمّا بعدهم فلا حتّى زمن التفرشي والميرزا، بدليل اختلافهم في النقل عنها، ووجود عبارات محرّفة في جميع نسخهم منها»(4).
ص: 451
وأضاف التستري: «وأمّا رجال الكشّي فلم تصل نسخته صحيحة إلى أحد حتّى الشيخ والنجاشي، حتّى قال النجاشي فيه: (له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة)، وتصحيفاته أكثر من أن تحصى، وإنّما السالم منه معدود ... وقد تصدّينا فيما سوى ذلك في كلّ ترجمة على تحريفاته، بل قلّما تسلم رواية من رواياته عن التصحيف، بل وقع في كثير من عناوينه، بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى، وخلط طبقة بأخرى»(1)، ثمّ ذكر الشيخ التستري العديد من الشواهد على ذلك.
وأضف إلى ذلك وقوع الأغلاط في نفس أسانيد الأحاديث، وقد قال الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ): «إنّ في كثير من الأسانيد قد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال أو آبائهم أو كناهم أو ألقابهم»(2).
إنّ حصول العلم وثبوت اتّصاف الراوي بالعدالة في زمان من حياته لا تلازم استدامة هذه الصفة واستمرارها له في جميع الأزمنة التي عاش فيها إلى حين وفاته، بل الشواهد التاريخيّة على تأرجح عدالة الأشخاص خلال حياتهم كثيرة جدّاً.
وثبوت العدالة كملكة للراوي زمان حياته لا دليل عليها بالنسبة إلى معظم الرواة، كما لا نرى في علم الرجال العناية بتقارن زمان الرواية مع زمان
ص: 452
العدالة، وهذا ما يفقد علم الرجال الثمرة المطلوبة.
أضف إلى ذلك أنّ بعض الرواة مستبصرون، وكانوا على عقائد باطلة، ثمّ تحوّلوا إلى مذهب الحقّ، وهذا ما يوجب الشكّ في درجة اعتبار مروياتهم إذا لم نميّز بين السابقة منها واللاحقة.
ولهذا قال الفاضل عبد الله بن محمّد التوني (ت 1071 ﻫ) في كتابه الوافية في أصول الفقه نقلاً عن الشيخ البهائي (ت 1030 ﻫ): «وهذا الشكّ ممّا أورده الشيخ الفقيه بهاء الملّة والدين فقال: (من المشكلات ... كثير من الرجال، ينقل عنه أنّه كان على خلاف المذهب، ثمّ رجع وحسن إيمانه، والقوم يجعلون روايته من الصحاح، مع أنّهم غير عالمين بأنّ أداء الرواية متى وقع؟ أبعد التوبة أم قبلها؟ ...) انتهى كلامه»(1).
إنّ ما يجدر الالتفات إليه هو خطورة المنهج السندي في تقييم أحاديث أهل البيت علیهم السلام ، فإنّ هذا المنهج يتيح لعدد قليل من علماء الرجال الوصاية والهيمنة والقيمومة على تراث أهل البيت علیهم السلام حسب قناعاتهم الشخصيّة ومبانيهم الفكريّة وآرائهم الاجتهاديّة التي ستكون هي المتحكّمة بنا في الأخذ بحديث أهل البيت علیهم السلام أو رفضه.
ص: 453
والآفة كلّ الآفة أن يصبح المعيار في تصحيح حديث أهل البيت علیهم السلام هو آراء مجموعة قليلة من رجاليّين قاموا بتوثيق وتضعيف الرواة وفق منهج لم يأخذوا قواعده وضوابطه من أهل البيت علیهم السلام ، بل أخذوها من قواعد وضوابط أملتها عليهم ملاكاتهم الاستنباطيّة والشخصيّة والمزاجيّة والذوقيّة.
و«الآفة كلّ الآفة هو أن يكون ملاك تصحيح الرواية عقيدة الشخص وسليقته الخاصّة، فإنّ ذلك يوجب طرح كثير من الروايات الصحيحة، واتّهام كثير من المشايخ»(1).
وهذا بخلاف المنهج القرائني الذي تكون فيه الوصاية والقيمومة لنفس الحديث بنفسه، وتكون القيمة الذاتيّة فيه لنفس الحديث ومضمونه دون السند ودون الاعتماد والتوجّه في تصحيح الرواية على وثاقة الراوي فقط.
ووفق المنهج القرائني تكون قيمة حديث أهل البيت علیهم السلام ذاتيّة ومعتمدة على الضوابط التي بيّنها أهل البيت علیهم السلام في منظومتهم العلميّة المتماسكة بذاتها، وقد قال أمير المؤمنين علیه السلام : «إنّ دين الله لا يُعرف بالرجال، بل بآية الحقّ، فاعرف الحقّ تعرف أهله»(2)، والحقّ هو ما قاله الأئمّة علیهم السلام الذين بيّنوا لنا طريقة الأخذ به عن طريق لحاظ مضمونه وعرضه على الكتاب والسنّة وغير ذلك من القواعد التي بيّنوها لنا بوضوح، وعليه فالصحيح أن يكون حديث أهل البيت علیهم السلام هو الذي يقيّم نفسه بنفسه من دون أن يكون لأقوال الرجال الحاكميّة في تقييم قول أهل البيت علیهم السلام .
ص: 454
أثبت المنهج القرائني أصالة صحّة حديث أهل البيت علیهم السلام ، أي: إنّ الأصل في حديث أهل البيت علیهم السلام هو الصحّة حتّى يثبت العكس، بخلاف ما يدعو إليه المنهج السندي من أصالة عدم الصحّة؛ لأنّ الأصل في المنهج السندي هو نفي صحّة حديث أهل البيت علیهم السلام حتّى تثبت صحّته عن طريق علم الرجال، ولهذا يكون تعاملهم في الوهلة الأولى عند مواجهة كلّ حديث هو الرفض والتشكيك في صحّته.
قال الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ) حول المنهج السندي: «إنّه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث التي قد علم نقلها من الأصول المجمع عليها، لأجل ضعف بعض رواتها أو جهالتهم أو عدم توثيقهم، فيكون تدوينها عبثاً، بل محرّماً، وشهادتهم بصحّتها زوراً وكذباً ... بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق؛ لأنّ الصحيح عندهم: (ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات)، ولم ينصّوا على عدالة أحد من الرواة إلّا نادراً، وإنّما نصّوا على التوثيق، وهو لا يستلزم العدالة قطعاً، بل بينهما عموم من وجه، كما صرّح به الشهيد الثاني(1) وغيره ... وأصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا في الراوي العدالة فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا؛ لعدم العلم بعدالة أحد منهم إلّا نادراً»(2).
ص: 455
وقال الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ﻫ): «الواجب إمّا الأخذ بهذه الأخبار كما هو عليه متقدّمو علمائنا الأبرار أو تحصيل دين غير هذا الدين وشريعة أخرى غير هذه الشريعة لنقصانها وعدم تمامها؛ لعدم الدليل على جملة من أحكامها، ولا أراهم يلتزمون شيئاً من الأمرين، مع أنّه لا ثالث لهما في البين، وهذا بحمد الله ظاهر لكلّ ناظر غير متعسّف ولا مكابر»(1).
وقال الوحيد البهبهاني (ت 1206 ﻫ) حول مَن يدّعي لزوم الاقتصار في الفقه على الحديث الصحيح وفق طريقة المتأخّرين: «بعض المواضع يناقش بأنّ العدالة شرط في حجّيّة الخبر الواحد، والمشروط عدم عند عدم شرطه، ولا شك في فساد المناقشة؛ لاقتضائها سدّ باب إثبات الفقه بالمرّة، إذ لا شبهة في أنّ عشر معشار الفقه لم يرد فيه حديث صحيح، والقدر الذي ورد فيه الصحيح لا يخلو ذلك الصحيح من اختلالات كثيرة بحسب السند، وبحسب المتن، وبحسب الدلالة، ومن جهة التعارض بينه وبين الصحيح الآخر أو القرآن أو الإجماع أو غيرهما»(2).
وحقيقة الأمر أنّ المنهج السندي جيء به من ساحة المخالفين، وأُقحم به في ساحاتنا العلميّة والفكريّة والثقافيّة، فكان من آثاره وأضراره تحطيم كمّيّة هائلة جدّاً، بل معظم أحاديث أهل البيت علیهم السلام ، وتدميرها وإنكارها وإلغاؤها وتهميشها ووضعها جانباً وإهمالها غاية الإهمال؛ لأنّنا لو قمنا بتطبيق المنهج السندي على حديث أهل البيت علیهم السلام ، فإنّه لا يبقي من حديثهم إلّا الشيء القليل جدّاً، ومن هذا المنطلق رُفضت الأحاديث المرتبطة بالمواضيع التالية:
ص: 456
1 - القراءة الصحيحة للقرآن ومعرفة تفسيره وتأويله وعلومه وأسراره ومعارفه.
2 - زيارات أهل البيت علیهم السلام وأدعيتهم وأورادهم وأذكارهم ورقاعهم وأحرازهم(1).
3 - أسرار أهل البيت علیهم السلام ومناقبهم ومقاماتهم وكراماتهم ومعاجزهم وشؤوناتهم الغيبيّة.
4 - ما يرتبط بجهاد أمير المؤمنين علیه السلام وغزواته وفروسيّته وشجاعته ومواقفه البطوليّة.
5 - خطب أمير المؤمنين علیه السلام ورسائله وكلماته القصار المذكورة في كتاب نهج البلاغة.
6 - المقامات الغيبيّة للصدّيقة فاطمة الزهراء علیها السلام ومكانتها ومنزلتها عند الله عزّ وجلّ.
7 - ما ورد حول ظلامة فاطمة الزهراء علیها السلام وما جرى عليها بعد رسول الله صلی الله علیه واله .
8 - تفاصيل حياة أهل البيت علیهم السلام وما يرتبط بشؤونهم الفرديّة والاجتماعيّة.
9 - ما جرى في كربلاء من الأحداث التي تكشف عمق مصائب يوم عاشوراء.
10 - عظيم فضل زيارة الإمام الحسين علیه السلام وثواب البكاء والجزع عليه.
ص: 457
11 - الاضطهاد والظلم والإجحاف الذي لحق بالأئمّة علیهم السلام وكيفيّة استشهادهم.
12 - عظيم أجر زيارة أهل البيت علیهم السلام وقصد مراقدهم ومزاراتهم الشريفة.
13 - أحاديث ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف والأحداث والوقائع المرتبطة بها.
14 - التوقيعات التي صدرت من الناحية المقدّسة لتبيين آخر وصايا الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .
15 - ما جاء عن الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف من أدعية وزيارات كدعاء الندبة وزيارة الناحية المقدّسة.
16 - ما ورد حول غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف الصغرى والكبرى ومواقف سفرائه الأربعة.
17 - ما ورد حول الملاحم والفتن وعلامات الظهور والأحداث التي ستقع عند الظهور.
18 - ما ورد في باب الأطعمة والأشربة والألبسة والطبّ والأدوية.
19 - ما ورد حول مختلف شؤون الحياة اليوميّة المرتبطة بالفرد والمجتمع.
20 - ما ورد حول خصائص البلدان وأوصاف الشعوب.
21 - ما ورد حول قصص الأنبياء علیهم السلام والأمم السابقة.
22 - ما ورد حول موضوع بداية الخلقة وعالم الذرّ والميثاق.
23 - ما ورد حول الرجعة والأوبة والأحداث التي تجري فيها.
24 - ما ورد حول يوم القيامة والجنّة والنار والشفاعة.
قال السيّد جعفر مرتضى العاملي (ت 1441 ﻫ): «ليس من حقّ أحد أن
ص: 458
يطلب من الناس أن يقتصروا فيما يثيرونه من قضايا على ما ورد عن النبي صلی الله علیه واله والأئمّة علیهم السلام بأسانيد صحيحة وفق المعايير الرجاليّة في توثيق رجال السند؛ لأنّ ذلك معناه أن يسكت الناس كلّهم عن الحديث في جلّ القضايا والمسائل، دينيّة كانت أو تاريخيّة أو غيرها، بل إنّ هذا الذي يطلب ذلك من الناس لو أراد هو أن يقتصر في كلامه على خصوص القضايا التي وردت بأسانيد صحيحة عن المعصومين فسيجد نفسه مضطرّاً إلى السكوت والجلوس في بيته؛ لأنّه لن يجد إلّا النزر اليسير الذي سيستنفده خلال أيام أو أقلّ من ذلك، على أنّنا نقول، وهو أيضاً يقول: إنّ ثبوت القضايا لا يتوقّف على توفّر سند صحيح لها برواية عن المعصومين، فثمّة قرائن أخرى تقوي من درجة الاعتماد أحياناً»(1).
وخلاصة القول: إنّ المنهجيّة السنديّة مخالفة للمنهجيّة التي بيّنها أهل البيت علیهم السلام في الأخذ بأحاديثهم، ومن قاس حديث أهل البيت علیهم السلام بمقياس الرجال فقد قاسه بمقياس لم يوضع لأجله، وهذا ما سيدفعه إلى التقصير في حقّ حديث أهل البيت علیهم السلام عن طريق تضعيف كمّ هائل من الأحاديث التي لم تذكر الكتب الرجاليّة لأحد رواتها توثيقاً، فتكون هذه الأحاديث في عداد الأحاديث المجهولة والمهملة.
والمعروف أنّ الأمور بخواتيمها، وخواتيم المنهج السندي في تقييم حديث أهل البيت علیهم السلام لم تكن إلّا تشويه رسالة أهل البيت علیهم السلام وتدميرها عن طريق تهميش وإلغاء أحاديثهم الدالّة على رسالتهم، وتحطيم كلّ شيء يرتبط بتراثهم العلمي.
ص: 459
ص: 460
1 - القرآن الكريم
2 - الآداب الدينيّة، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ﻫ)، تحقيق: السيّد علي عاشور، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1425 ﻫ، لبنان - بيروت.
3 - الاجتهاد والتقليد في علم الرجال وأثره في التراث العقائدي، تقريراً لأبحاث الشيخ محمّد السند، بقلم: الشيخ محمّد آل مكباس، والشيخ حسن الكاشاني، والشيخ مجتبى الإسكندري، الناشر: مكتبة فدك، الطبعة الأولى، 1431 ﻫ، إيران - قم.
4 - أجود التقريرات، تقريراً لأبحاث الميرزا محمّد حسين النائيني (ت 1355 ﻫ)، السيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة صاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه الشریف الثقافيّة، الطبعة الثانية، 1430 ﻫ، إيران - قم.
5 - الاحتجاج على أهل اللجاج، أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (ت حدود 520 ﻫ)، تحقيق: محمّد باقر الخرسان، الناشر: نشر المرتضى، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، إيران - مشهد.
6 - الاختصاص (المطبوع ضمن موسوعة الشيخ المفيد، المجلّد 12)، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، والسيّد محمود الزرندي، الناشر: دار
ص: 461
المفيد، الطبعة الأولى، 1431 ﻫ، إيران - قم.
7 - اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي، أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي (ت 350 ﻫ)، تصحیح وتعلیق: السيّد محمّد باقر بن محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف بالميرداماد، تحقيق: مهدي الرجائي، الناشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1404 ﻫ، إيران - قم.
8 - الأربعون حديثاً (المطبوع ضمن رسائل الشهيد الأوّل)، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قسم إحياء التراث الإسلامي، الناشر: مؤسّسة بوستان كتاب قم، الطبعة الأولى، 1423ﻫ، إيران - قم.
9 - كتاب الأربعين، محمّد باقر المجلسي (ت 1110 ﻫ)، الناشر: المطبعة العلميّة، الطبعة الأولى، 1399 ﻫ، إيران - قم.
10 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1390 ﻫ، إيران - طهران.
11 - استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن زين الدين العاملي (ت 1031 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419 ﻫ، إيران - قم.
12 - الأصول الستّة عشر، جمع من علماء القرن الثالث للهجرة، تحقيق:
ص: 462
ضياء الدين المحمودي، بمساعدة: نعمة الله الجليلي، ومهدي غلام علي، الناشر: مؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1423 ﻫ، إيران - قم.
13 - أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق، مسلم الداوري، تحقيق: محمّد علي علي صالح المعلّم، مطبعة نمونه، الطبعة الأولى، 1416 ﻫ.
14 - أضبط المقال في ضبط أسماء الرجال، حسن حسن زاده الآملي، الناشر: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، الناشر: مکتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلميّة، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ، إيران - قم.
15 - الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين)، خير الدين الزركلي (ت 1396 ﻫ)، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، لبنان - بيروت.
16 - إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ﻫ)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثالثة 1390 ﻫ، طهران.
17 - أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين (ت 1371 ﻫ)، تحقيق: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، لبنان - بيروت.
18 - الإفصاح عن أحوال رواة الصحاح، محمّد حسن المظفر النجفي (ت 1376 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1426 ﻫ، إيران - قم.
19 - الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة، السيّد رضي الدين
ص: 463
أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاووس (ت 664 ﻫ)، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلميّة، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ، إيران - قم.
20 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، الناشر: مكتبة چهل ستون العامّة ومدرستها، الطبعة الأولى، 1400 ﻫ، إيران - طهران.
21 - الأمالي، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، الناشر: كتابچي، الطبعة السادسة، 1418 ﻫ، إيران - طهران.
22 - الأمالي (المطبوع ضمن موسوعة الشيخ المفيد، المجلّد 13)، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، تحقیق: حسین أستاد ولي، وعلي أكبر الغفاري، الناشر: مؤتمر ألفيّة الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، إيران - قم.
23 - الأمالي، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: بهراد الجعفري، وعلي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1380ش، إيران - طهران.
24 - الإمامة والتبصرة من الحيرة، أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت 329 ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الناشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1412 ﻫ، لبنان - بيروت.
ص: 464
25 - أمل الآمل في علماء جبل عامل، أبو جعفر محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ)، تحقيق: أحمد الحسيني الإشكوري، الناشر: مكتبة الأندلس، الطبعة الأولى، العراق - بغداد.
26 - الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة، السيّد عبد الله شبّر، الناشر: مؤسّسة الوفاء، الطعبة الأولى، 1403 ﻫ، لبنان - بيروت.
27 - أوائل المقالات (المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد، المجلّد 4)، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1431 ﻫ، إيران - قم.
28 - إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة، الحسن بن يوسف بن علي بن محمّد بن مُطهّر الحلّي المعروف بالعلامة الحلّي (ت 726 ﻫ)، تحقيق وتعليق: الشيخ محمّد باقر ملكيان، مراجعة وضبط: مركز تراث الحلّة، الناشر: العتبة العباسيّة المقدّسة، قسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة، الطبعة الأولى، 1440 ﻫ، العراق - الحلّة.
29 - الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ)، تحقیق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، مطبعة نويد، إيران - طهران.
30 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، محمّد باقر المجلسي (ت 1110 ﻫ)، تحقيق: جمع من المحقّقين، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403 ﻫ، لبنان - بيروت.
ص: 465
31 - بحوث في علم الرجال، محمّد آصف المحسني، الناشر: مركز المصطفى صلی الله علیه واله العالمي للترجمة والنشر، الطبعة الخامسة 1432 ﻫ، إيران - قم.
32 - بحوث في مباني علم الرجال، محاضرات الشیخ محمّد السند، بقلم: محمّد صالح التبريزي، الناشر: مدين، الطبعة الثانية، 1429 ﻫ، إيران - قم.
33 - البرهان في تفسير القرآن، السيّد هاشم البحراني (ت 1107 ﻫ)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيّين، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1427 ﻫ، لبنان - بيروت.
34 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري (ت القرن 6 ﻫ)، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثالثة، 1425 ﻫ، إيران - قم.
35 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد علیهم السلام ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار (ت 290 ﻫ)، تحقيق: محسن بن عباس علي كوچه باغي، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الثانية، 1404 ﻫ، إيران - قم.
36 - البلد الأمين والدرع الحصين، تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمّد العاملي الكفعمي (ت 905 ﻫ)، تعليق: علاء الدين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1425 ﻫ، لبنان - بيروت.
37 - بهجة الآمال في شرح زبدة المقال، علي بن عبد الله العلي ياري التبريزي (ت 1327 ﻫ)، تصحيح: هدايت الله المسترحمي، الناشر: مؤسّسة
ص: 466
الحاج محمّد حسين كوشانبور للثقافة الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1412 ﻫ، إيران - طهران.
38 - تاج العروس من جواهر القاموس، السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205 ﻫ)، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر والنشر والتوزيع، سنة الطبع 1414 ﻫ.
39 - تاريخ علم الرجال وأهمّيّة رجال النجاشي، حسين الراضي، الناشر: مؤسّسة البلاغ، الطبعة الأولى، 1421 ﻫ، لبنان - بيروت.
40 - تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، السيّد حسن الصدر (ت 1354 ﻫ)، شركة النشر والطباعة العراقيّة المحدودة، منشورات الأعلمي، إيران - طهران.
41 - التبيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، لبنان - بيروت.
42 - التحرير الطاووسي، الحسن بن زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بابن الشهيد الثاني وصاحب المعالم (ت 1011 ﻫ)، تحقيق: فاضل الجواهري، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1411 ﻫ، إيران - قم.
43 - تحرير المقال في كلّيّات علم الرجال، مهدي الهادوي الطهراني، الناشر: مؤسّسة خانه خرد الثقافيّة، الطبعة الثانية، 1426 ﻫ، إيران - قم.
44 - تحف العقول عن آل الرسول علیهم السلام ، أبو محمّد الحسن بن علي بن
ص: 467
الحسين بن شعبة الحرّاني (ت 332 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثانية، 1404 ﻫ، إيران - قم.
45 - ترتيب أسانيد كتاب الكافي للشيخ الكليني، السيّد حسين الطباطبائي البروجردي (ت 1380 ﻫ)، خط وتحرير: حسن النوري الهمداني، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الأولى، 1414 ﻫ، إيران - مشهد.
46 - تفسير الإمام الحسن العسكري علیه السلام (ت 260 ﻫ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، إيران - قم.
47 - تفسير الصافي، محمّد بن مرتضى الفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ)، تحقيق: حسين الأعلمي، الناشر: مكتبة الصدر، الطبعة الثانية، 1415 ﻫ، إيران - طهران.
48 - تفسير العيّاشي، أبو النصر محمّد بن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي (ت حدود سنة 320 ﻫ)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، الناشر: المطبعة العلميّة، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - طهران.
49 - تفسير القمّي، أبو الحسن علي بن إبراهيم القمّي (ت القرن 4 ﻫ)، تحقيق: السیّد طيّب الموسوي الجزائري، الناشر: دار الكتاب، الطبعة الثالثة 1404 ﻫ، إيران - قم.
50 - تفسير فرات الكوفي، أبو القاسم فرات بن إبراهيم الكوفي (ت
ص: 468
307 ﻫ)، تحقيق: محمّد الكاظم، الناشر: مؤسّسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى، 1410 ﻫ، إيران - طهران.
51 - تقريب التهذيب، الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي الكناني المعروف بابن حجر العسقلاني (ت 852 ﻫ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلميّة، الطبعة الثانية، 1415 ﻫ، لبنان - بيروت.
52 - تكملة الرجال، عبد النبي الكاظمي (ت 1256 ﻫ)، تحقيق: محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1425 ﻫ، إيران - قم.
53 - التمحيص، أبو علي محمّد الإسكافي (ت 336 ﻫ)، تحقيق وترجمة: عبد الله الصالحي، الناشر: منشورات نور السجّاد، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
54 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، أبو الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري (ت 605 ﻫ)، تحقيق وتعليق: باسم محمّد مال الله الأسدي، الإصدار: شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة، الطبعة الأولى، 1434 ﻫ، لبنان - بيروت.
55 - تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ)، تحقيق: محیي الدين المامقاني، ومحمّد رضا المامقاني، الناشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1431 ﻫ، إيران - قم. تنبيه: هذه الطبعة هي التي اعتمد عليها في هذا الكتاب إلّا في موردين اعتمدت على الطبعة القديمة الرحليّة المطبوعة في ثلاثة مجلدات، وقد أشرت في الهامش عند اعتمادي على
ص: 469
الطبعة القديمة.
56 - توضيح المقال في علم الرجال، علي الكني الطهراني (ت 1306 ﻫ)، تحقيق: محمّد حسين مولوي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1421 ﻫ، إيران - قم.
57 - تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الرابعة 1407 ﻫ، إيران - طهران.
58 - الثاقب في المناقب، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (ت القرن 6)، تحقيق: نبيل رضا علوان، الناشر: مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة، 1428 ﻫ، إيران - قم.
59 - الثقات الأخيار من رواة الأخبار، حسين المظاهري، الناشر: مؤسّسة الزهراء علیها السلام الثقافيّة الدراسيّة، الطبعة الأولى، 1428 ﻫ، إيران - قم.
60 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، الناشر: دار الشريف الرضي للنشر، الطبعة الثانية، 1406 ﻫ، إيران - قم.
61 - جامع الأحاديث، أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّي (ت ق 4 ﻫ)، تصحيح وتعليق: السيّد محمّد الحسيني النيشابوري، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الثانية، 1429 ﻫ، إيران - مشهد.
62 - جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول الدين، محمّد بن محمّد
ص: 470
السبزواري (ت القرن 7 ﻫ)، تحقيق: علاء آل جعفر، الناشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، لبنان - بيروت.
63 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد، محمّد بن علي الأردبيلي (ت 1101 ﻫ )، الناشر: دار الأضواء، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، لبنان - بيروت.
64 - جامع المقاصد في شرح القواعد، علي بن الحسين المحقّق الکرکي (ت 940 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1414 ﻫ، إيران - قم.
65 - الجَمَل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة (المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد، المجلّد 1)، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، تحقيق: علي مير شريفي، الناشر: مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، إيران قم.
66 - جواهر الكلمات فيما يتعلّق بأحوال الرواة (المطبوع ضمن ميراث حديث شيعه، المجلّد 15)، أحمد بن محمّد مفيد هزار جريبي (ق 13 ﻫ)، تحقيق: علي فرخ، مركز تحقيقات دار الحديث، الطبعة الأولى، 1427 ﻫ، إيران - قم.
67 - حاشية الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال للعلّامة الحلّي، تحقيق: الشيخ نزار الحسن، مؤسسة البلاغ، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، لبنان - بيروت.
68 - حاوي الأقوال في معرفة الرجال، عبد النبي الجزائري (ت 1021 ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة الهداية لإحياء التراث، الناشر: رياض الناصري، الطبعة
ص: 471
الأولى، 1318 ﻫ، إيران - قم.
69 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف بن أحمد البحراني (ت 1186 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، سنة الطبع 1363 ش، إيران - قم.
70 - الخرائج والجرائح، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، الناشر: مؤسّسة النور للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1411 ﻫ، لبنان - بيروت.
71 - الخصال، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، إيران - قم.
72 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، المطبوع باسم (ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال)، الحسن بن يوسف بن علي بن محمّد بن مُطهّر الحلّي المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ)، تحقيق: العتبة الرضويّة المباركة، مؤسّسة البحوث الإسلاميّة، قسم الحديث، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - مشهد.
73 - الخلاف، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: جماعة من المحقّقين، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1407 ﻫ، إيران - قم.
74 - دائرة المعارف المسمّاة بمقتبس الأثر ومجدّد ما دثر، محمّد حسين
ص: 472
سليمان الأعلمي المهرجاني الحائري (ت 1320 ﻫ)، المطبعة الحكمة، الطبعة الأولى، 1374 ﻫ، إيران - قم.
75 - الدراية في علم مصطلح الحديث، زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، مطبعة النعمان، العراق - النجف الأشرف.
76 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة، محمّد محسن بن علي الطهراني المعروف بآقا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ)، إعداد: أحمد بن محمّد الحسيني، الناشر: دار الأضواء، الطبعة الثالثة، 1403 ﻫ، لبنان - بيروت.
77 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة (المطبوع ضمن موسوعة الشهيد الأوّل)، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن جمال الدين مكي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت 786 ﻫ)، الناشر: مركز العلوم والثقافة الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
78 - الرافد في علم الأصول، تقريراً لأبحاث السيّد علي الحسيني السيستاني، بقلم: السيّد منير السيّد عدنان القطيفي، مطبعة مهر، الطبعة الأولى، 1414ﻫ، إيران - قم.
79 - رجال الخاقاني، علي الخاقاني (ت 1334 ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، إيران - قم.
80 - رجال السيّد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجاليّة، السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بحر العلوم (ت 1212 ﻫ)، تحقيق: حسين بحر العلوم،
ص: 473
ومحمّد صادق بحر العلوم، الناشر: مكتبة الصادق علیه السلام ، الطبعة الأولى، 1404 ﻫ، إيران - طهران.
81 - رجال الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثالثة 1414 ﻫ، إيران - قم.
82 - رجال المجلسي، محمّد باقر المجلسي (ت 1110 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ، لبنان - بيروت.
83 - رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي (ت 450 ﻫ)، تحقيق: موسى الشبيري الزنجاني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة السادسة، 1406 ﻫ، إيران - قم.
84 - الرجال لابن الغضائري، أبو الحسين أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي المعروف بابن الغضائري (ت 1412 ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - قم.
85 - الرجال للبرقي، أحمد بن محمّد البرقي (ت 274 ﻫ)، الناشر: جامعة طهران، الطبعة الأولى، 1382 ﻫ، إيران - طهران.
86 - رسائل فقهيّة، الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ﻫ)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: الموتمر العالمي بمناسبة الذكري المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، الطبعة الأولى، 1414 ﻫ، إيران - قم.
87 - رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين، أبوغالب
ص: 474
أحمد بن محمّد الزراري (ت 368 ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الناشر: مركز البحوث والتحقيقات الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1411 ﻫ، إيران - قم.
88 - رسالة في حجّيّة الظن، أبو المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت 1315 ﻫ)، الطبعة الأولى، 1317 ﻫ.
89 - الرسائل الرجاليّة، أبو المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت 1315 ﻫ)، تصحيح: محمّد حسين الدرايتي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - قم.
90 - رسائل الشريف المرتضى، علي بن الحسين علم الهدى (ت 436 ﻫ)، الناشر: دار القرآن الكريم، 1405 ﻫ، إيران - قم.
91 - رسائل المحقّق الكركي، علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي العاملي المعروف بالمحقّق الثاني والمحقّق الكركي (ت 940 ﻫ)، تحقيق: محمّد الحسّون، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، إيران - قم.
92 - الرعاية في علم الدراية، زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، تحقيق: عبد الحسين محمّد علي بقّال، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1408 ﻫ، إيران - قم.
93 - الرواشح السماويّة، السيّد محمّد باقر بن محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف بالميرداماد (ت 1041 ﻫ)، تحقيق: غلام حسين قيصريه ها، ونعمة
ص: 475
الله الجليلي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - قم.
94 - روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمّد تقي بن مقصود علي المجلسي المعروف بالعلّامة المجلسي الأوّل (ت 1070 ﻫ)، تحقيق: علي پناه الإشتهاردي، وحسين الموسوي الكرماني، الناشر: مؤسّسة كوشانبور للثقافة الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1406 ﻫ، إيران - قم.
95 - روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين، أبو علي محمّد بن الحسن بن علي بن أحمد بن الفتّال النيسابوري (ت 508 ﻫ)، الناشر: منشورات الرضي، الطبعة الأولى، 1417 ﻫ، إيران - قم.
96 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، سديد الدين شاذان بن جبرئيل القمّي (ت القرن 6 ﻫ)، تحقيق: علي الشكرچي، الناشر: مكتبة الأمين، الطبعة الأولى، 1423 ﻫ، إيران - قم.
97 - رياض العلماء وحياض الفضلاء، عبد الله بن عيسى بیگ الأفندي الأصبهاني (ت 1130 ﻫ)، تحقيق: أحمد الحسيني الإشكوري، الإعداد والتحقيق: محمود المرعشي، الناشر: مؤسّسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1431 ﻫ، لبنان - بيروت.
98 - زبدة الأصول، السيّد محمّد صادق الروحاني، الناشر: حديث دل، الطبعة الثانية، 1424 ﻫ، إيران - طهران.
99 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، أبو عبد الله محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي المعروف بابن إدريس (ت 598 ﻫ)، تحقيق:
ص: 476
حسن بن أحمد الموسوي، وأبو الحسن ابن مسيح، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثانية، 1410 ﻫ، إيران - قم.
100 - سماء المقال في علم الرجال، أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ﻫ)، تحقيق: محمّد الحسيني القزويني، الناشر: مؤسّسة ولي العصر علیه السلام للدراسات الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1419 ﻫ، إيران - قم.
101 - الشهاب في الحكم والآداب (المطبوع ضمن ميراث حديث شيعه، المجلّد 17)، شرف الدين يحيى بن عزّ الدين حسين بن عشيرة البحراني (ت القرن 10 ﻫ)، تحقيق: محسن حسين زادة، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1386 ش، إيران - قم.
102 - شرح أصول الكافي، محمّد صالح بن أحمد السروري المازندراني (ت 1086 ﻫ)، تعليق: أبو الحسن بن محمّد بن غلام حسين الشعراني (ت 1393 ﻫ)، ضبط وتصحيح: السيّد علي عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت.
103 - شرح البداية في علم الدراية، زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (965 ﻫ)، الناشر: منشورات ضياء الفيروز آبادي، الطبعة الأولى، 1390 ش، إيران - قم.
104 - صفات الشيعة، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ) الناشر: الأعلمي، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، إيران - طهران.
105 - الضعفاء من رجال الحديث، حسين الساعدي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة
ص: 477
الأولى، 1426 ﻫ، إيران - قم.
106 - طرائف المقال، السيّد علي البروجردي (ت 1313 ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1410 ﻫ، إيران - قم.
107 - عدّة الداعي ونجاح الساعي، جمال الدين أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (ت 841 ﻫ)، تحقيق: أحمد الموحّدي القمّي، الناشر: دار الكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1407 ﻫ.
108 - عدّة الرجال، السيّد محسن بن حسن بن مرتضى الحسيني الأعرجي الكاظمي (ت 1227 ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة الهداية لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ، إيران - قم.
109 - العُدّة في أصول الفقه، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، الناشر: محمّد تقي علاقبنديان، الطبعة الأولى، 1417 ﻫ، إيران - قم.
110 - علل الشرائع، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، الناشر: مكتبة الداوري، الطبعة الأولى، 1427 ﻫ، إيران - قم.
111 - علم الرجال الشيعي وأثره في تمزيق حديث أهل البيت علیهم السلام ،
ص: 478
أحمد كاظم الأكوش، الناشر: الانتشار العربي، الطبعة الأولى، 2014 م، لبنان - بيروت.
112 - عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 940 ﻫ)، تحقيق: مجتبى العراقي، الناشر: دار سيّد الشهداء للنشر، الطبعة الأولى، 1405 ﻫ، إيران - قم.
113 - عيون أخبار الرضا علیه السلام ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق: مهدي اللاجوردي، الناشر: نشر جهان، الطبعة الأولى، 1420 ﻫ، إيران - طهران.
114 - غرر الأخبار ودرر الآثار في مناقب أبي الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، الحسن بن أبي الحسن علي بن محمّد الديلمي (المتوفّى أواسط القرن الثامن الهجري)، تحقيق: إسماعيل الضيغم، الناشر: دليل ما، الطبعة الأولى، 1427 ﻫ، إيران - قم.
115 - غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم بن محمّد حسن الجيلاني القمّي المعروف بالميرزا القمّي (ت 1231 ﻫ)، تحقيق: عباس تبريزيان، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلميّة، فرع خراسان، الطبعة الأولى، 1417 ﻫ، إيران - قم.
116 - الغيبة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: عباد الله الطهراني، وعلي أحمد ناصح، الناشر: دار المعارف الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1411 ﻫ، إيران - قم.
ص: 479
117 - الغيبة، أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بابن أبي زينب النعماني (ت حدود سنة 360 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: نشر الصدوق، الطبعة الأولى، 1397 ﻫ، إيران - طهران.
118 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب في الاستخارات، السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاووس (ت 664 ﻫ)، تحقيق: حامد الخفاف، الناشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، إيران - قم.
119 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 ﻫ)، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1379 ﻫ، لبنان - بيروت.
120 - فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ﻫ)، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الثالث والعشرون، 1438 ﻫ، إيران - قم.
121 - فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم (تاريخ علماء النجوم)، السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاووس (ت 664 ﻫ)، الناشر: دار الذخائر، الطبعة الأولى، 1368 ش، إيران - قم.
122 - الفردوس الأعلى، محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373 ﻫ)، تعليقات: السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي، الناشر: دار أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1421 ﻫ، إيران - قم.
ص: 480
123 - فلاح السائل ونجاح المسائل، السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاووس (ت 664 ﻫ)، الناشر: بوستان كتاب، الطبعة الأولى، 1406 ﻫ، إيران - قم.
124 - الفوائد الحائريّة، محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (ت 1206 ﻫ)، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ، إيران - قم.
125 - الفوائد الرجاليّة، إسماعيل بن محمّد حسين الخواجوئي (ت 1173 ﻫ)، تحقيق: مهدي الرجائي، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للعتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، إيران - مشهد.
126 - الفوائد الرجاليّة، محمّد مهدي الكجوري الشيرازي (ت 1293 ﻫ)، تحقيق: محمّد كاظم رحمان ستايش، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر التابع لمؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، الطبعة الأولى، 1424 ﻫ، إيران - قم.
127 - الفوائد الرجاليّة، السيّد علي الحسيني الصدر، الناشر: دليل ما، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
128 - الفوائد الرجاليّة، محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (ت 1206 ﻫ).
129 - الفوائد المدنیّة، محمّد أمين بن محمّد شريف الأسترآبادي (ت 1033 ﻫ)، تحقيق: رحمة الله الرحمتي الأراكي، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، سنة الطبع 1426 ﻫ، إيران - قم.
ص: 481
130 - فهارس الشيعة، مهدي خداميان آراني، الناشر: مؤسّسة تراث الشيعة، الطبعة الأولى، 1431 ﻫ، إيران - قم.
131 - فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسماء المصنّفين وأصحاب الأصول، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: عبد العزيز الطباطبائي، (ت 1416 ﻫ)، الناشر: مكتبة المحقق الطباطبائي، الطبعة الأولى، 1420 ﻫ، إيران - قم.
132 - الفهرست، منتجب الدين علي بن عبيد الله بن بابويه الرازي (ت 585 ﻫ)، تحقيق: جلال الدين المحدّث، الناشر: كتابخانه عمومى حضرت آيت الله العظمى مرعشى نجفى، الطبعة الأولى، 1407 ﻫ، إيران - قم.
133 - قاموس الرجال، محمّد تقي التستري (ت 1415 ﻫ)، تحقيق: جمعيّة مدرّسي حوزة قم العلميّة، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثانية، 1410 ﻫ، إيران - قم.
134 - القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلميّة، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ، لبنان - بيروت.
135 - قرب الإسناد، أبو العبّاس عبد الله بن جعفر الحميري (ت القرن 3 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، إيران - قم.
136 - قصص الأنبياء علیهم السلام ، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ﻫ)، تحقيق: عبد الحليم عوض الحلّي، الناشر: مكتبة العلّامة المجلسي، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
ص: 482
137 - قواعد الأحكام، الحسن بن يوسف بن علي بن محمّد بن مُطهّر الحلّي المعروف بالعلّامة الحلّي (ت 726 ﻫ)، تصحيح: جمعيّة مدرّسي حوزة قم العلميّة، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، سنة الطبع 1413 ﻫ، إيران - قم.
138 - القوانين المحكمة في الأصول، أبو القاسم بن محمّد حسن الجيلاني القمّي المعروف بالميرزا القمّي (ت 1231 ﻫ)، الناشر: إحياء الكتب الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
139 - الكافي في الفقه، تقي الدين بن نجم الدين بن عبيد الله المعروف بأبي الصلاح الحلبي (ت 447 ﻫ)، تحقيق: رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام العامّة، إيران - إصفهان.
140 - الكافي، أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت 329 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ومحمّد آخوندي، الناشر: دار الكتاب الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، 1407 ﻫ، إيران - طهران.
141 - كامل الزيارات، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي (ت 367 ﻫ)، تحقيق: عبد الحسين الأميني، الناشر: دار المرتضويّة، الطبعة الأولى، 1397 ﻫ، العراق - النجف.
142 - الكامل في التاريخ، عزّ الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (ت 630 ﻫ)، الناشر: دار بيروت للطباعة، سنة الطبع 1386 ﻫ، لبنان - بيروت.
143 - كتاب الأربعين عن الأربعين في فضائل علي أمير المؤمنين علیه السلام ،
ص: 483
أبو محمّد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي (ت 445 ﻫ)، تحقيق: محمّد باقر المحمودي، الناشر: مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الثانية، 1416 ﻫ، إيران - طهران.
144 - كتاب الرجال، تقي الدين أبو محمّد الحسن بن علي بن داود الحلّي المعروف بابن داود الحلّي (ت 740 ﻫ)، الناشر: جامعة طهران، الطبعة الأولى، 1382 ش، إيران - طهران.
145 - كتاب الوافي، الملّا محمّد محسن بن مرتضى بن محمود الكاشاني المعروف بالفيض الكاشاني (ت 1091 ﻫ)، تحقيق: ضياء الدين الحسيني العلّامة الإصفهاني، تصحيح: كمال فقيه إيماني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام العامّة، الطبعة الأولى، 1406 ﻫ، إيران - إصفهان.
146 - كتاب من لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الثانية، 1413 ﻫ، إيران - قم.
147 - كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر علیهم السلام ، أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزّاز القمّي الرازي (المتوفّى في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري) تحقيق: محمّد كاظم الموسوي، وعقيل الربيعي، الناشر: مركز نور الأنوار في إحياء بحار الأنوار، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
148 - كفاية الأحكام، محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري المعروف بالمحقّق السبزواري (ت 1090)، تحقيق: مرتضى الواعظي الأراكي، الناشر:
ص: 484
مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1423 ﻫ، إيران - قم.
149 - كلّيّات في علم الرجال، جعفر السبحاني التبريزي، الناشر: دار الميزان، الطبعة الثانية، 1410 ﻫ، لبنان - بيروت.
150 - كمال الدين وتمام النعمة، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1395 ﻫ، إيران - طهران.
151 - كنز الفوائد، أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي (ت 449 ﻫ)، تحقيق: عبد الله نعمة، الناشر: منشورات دار الذخائر، الطبعة الأولى، 1410 ﻫ، إيران - قم.
152 - لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث، يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني (ت 1186 ﻫ)، تحقيق: محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: مكتبة فخراوي، الطبعة الأولى، 1429 ﻫ، البحرين - المنامة.
153 - لبّ اللباب في علم الرجال، محمّد جعفر بن سيف الدين الأسترآبادي (ت 1263 ﻫ)، تصحيح: محمّد باقر ملكيان، الناشر: أسوة، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - طهران.
154 - لسان العرب، محمّد بن مكرم ابن منظور (ت 711 ﻫ)، الناشر: دار صادر، الطبعة الثالثة، 1414 ﻫ، لبنان - بيروت.
155 - مأساة الزهراء علیها السلام ، شبهات وردود، السيّد جعفر مرتضى العاملي، الناشر: دار السيرة، الطبعة الثانية، 1418ﻫ، لبنان - بيروت.
ص: 485
156 - مجمع البيان في تفسير القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ﻫ)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيّين، الناشر: منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ، لبنان - بيروت.
157 - مجمع الرجال، عناية الله القهبائي (كان حيّاً سنة 1016 ﻫ)، تحقيق: ضياء الدين العلّامة، الناشر: إسماعيليان، الطبعة الثانية، 1405 ﻫ، إيران - قم.
158 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، أحمد بن محمّد الأردبيلي المعروف بالمقدّس الأردبيلي (ت 993 ﻫ)، تصحيح: علي پناه الإشتهاردي، ومجتبى العراقي، وحسين اليزدي، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم.
159 - مجموعة الرسائل، لطف الله الصافي الکلبايکاني، الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، الطبعة الأولى، 1414 ﻫ، إيران - قم.
160 - المحاسن، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274 ﻫ)، تحقيق: جلال الدين المحدّث، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1371 ﻫ، إيران - قم.
161 - مختصر البصائر، عزّ الدين أبو محمّد الحسن بن سليمان بن محمّد بن خالد العاملي الأصل الحلّي الموطن (ت القرن 8 ﻫ)، تحقيق: مشتاق المظفّر، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1421 ﻫ، إيران - قم.
ص: 486
162 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (ت 1009 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1411 ﻫ، إيران - مشهد.
163 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمّد باقر المجلسي (ت 1110 ﻫ)، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1404 ﻫ، إيران - طهران.
164 - معالم المدرستين، السيّد مرتضى العسكري، الناشر: مؤسّسة النعمان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1410 ﻫ، لبنان - بيروت.
165 - المزار الكبير، أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي (كان حيّاً سنة 594 ﻫ)، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1419 ﻫ، إيران - قم.
166 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، الطبعة الثالثة، 1413 ﻫ، إيران - قم.
167 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي المعروف بالمحدّث النوري (ت 1320 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1429 ﻫ، لبنان - بيروت.
168 - مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (ت 1405 ﻫ)، الطبعة الأولى، 1414 ﻫ، إيران - طهران.
ص: 487
169 - مستطرفات المعالي، علي النمازي الشاهرودي (ت 1405 ﻫ)، تصحيح: حسن النمازي الشاهرودي، الناشر: مؤسّسة النبأ، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - طهران.
170 - مشايخ الثقات، غلام رضا عرفانيان اليزدي (ت 1424 ﻫ)، الناشر: مکتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلميّة، الطبعة الثالثة، 1419 ﻫ، إيران - قم.
171 - مشرق الشمسين وإكسير السعادتين، بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي الحارثي المعروف بالشيخ البهائي أو بهاء الدين العاملي (ت 1031 ﻫ)، تحقيق: مهدي الرجائي، الناشر: العتبة الرضويّة المقدّسة، الطبعة الثانية، 1429 ﻫ، إيران - مشهد.
172 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، أبو الفضل علي بن الحسن الطبرسي (ق 7 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1423 ﻫ، إيران - قم.
173 - مشيخة النجاشي، محمود درياب النجفي، الناشر: محمود درياب نجفي، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، إيران - قم.
174 - مصباح الفقاهة، تقريراً لأبحاث السيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ﻫ)، لمؤلّفه: الميرزا محمّد علي التوحيدي، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، الناشر: منشورات مكتبة الداوري، الطبعة الأولى، إيران - قم.
175 - مصباح الفقيه، رضا بن محمّد هادي الهمداني (ت 1322 ﻫ)، تحقيق ونشر: المؤسّسة الجعفريّة لإحيا ء التراث، الطبعة الأولى، 1417 ﻫ،
ص: 488
إيران - قم.
176 - مصباح المتهجّد، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تصحيح: حسين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1425 ﻫ، لبنان - بيروت.
177 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمّد الفيّومي (ت 770 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1414 ﻫ، إيران - قم.
178 - المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات والأحراز والعوذات، تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمّد العاملي الكفعمي (ت 905 ﻫ)، تصحيح: حسين الأعلمي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1424 ﻫ، لبنان - بيروت.
179 - مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال، محمّد محسن بن علي الطهراني المعروف بآقا بزرك الطهراني (ت 1389 ﻫ)، الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1408 ﻫ، لبنان - بيروت.
180 - مع موسوعات رجال الشيعة، السيّد عبد الله شرف الدين (ت 1441 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة تراث الشيعة، الطبعة الأولى، 1434 ﻫ، إيران - قم.
181 - معارج الأصول، أبو القاسم جعفر بن الحسن بن یحیی بن سعید الحلّي المعروف بالمحقّق الأوّل والمحقّق الحلّي (ت 676 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة الإمام علي علیه السلام ، الطبعة الأولى، 1423 ﻫ، المملكة المتّحدة - لندن.
ص: 489
182 - معالم الدين وملاذ المجتهدين، الحسن بن زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بابن الشهيد الثاني وصاحب المعالم (ت 1011 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة التاسعة، إيران - قم.
183 - معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً وحديثاً، تتمّة كتاب الفهرست للشيخ أبي جعفر الطوسي (ت 460 ﻫ)، محمّد بن علي بن شهر آشوب (ت 588 ﻫ)، الناشر: المطبعة الحيدريّة، الطبعة الأولى، 1380 ﻫ، العراق - النجف الأشرف.
184 - معاني الأخبار، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، إيران - قم.
185 - المعتبر في شرح المختصر، أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي المعروف بالمحقّق الأوّل والمحقّق الحلّي (ت 676 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، سنة الطبع 1364 ش، إيران - قم.
186 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (ت 1413 ﻫ)، الطبعة الخامسة 1413 ﻫ.
187 - معدن الجواهر ورياض الخواطر، أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي (ت 449 ﻫ)، تحقيق: السيّد حسين الموسوي البروجردي، الناشر: مكتبة العلّامة المجلسي، الطبعة الأولى، 1430 ﻫ، إيران - قم.
ص: 490
188 - معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال، سليمان بن عبد الله البحراني (ت 1121 ﻫ)، تحقيق: مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، 1412 ﻫ.
189 - مقباس الهداية في علم الدراية، عبد الله المامقاني (ت 1351 ﻫ)، تحقيق محمّد رضا المامقاني، الناشر: دليلنا، الطبعة الأولى، 1428 ﻫ، إيران - قم.
190 - المقنع، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ، إيران - قم.
191 - المقنعة (المطبوع ضمن موسوعة الشيخ المفيد، المجلّد 14)، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ﻫ)، الناشر: مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ، إيران قم.
192 - مقياس الرواة، علي أكبر السيفي المازندراني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، إيران - قم.
193 - مناقب آل أبي طالب، رشيد الدين أبو عبد الله محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ﻫ)، تحقيق: السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني، الناشر: المكتبة الحيدريّة، الطبعة الأولى، 1432 ﻫ، إيران - قم.
194 - منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، الحسن بن زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بابن الشهيد الثاني وصاحب المعالم (ت
ص: 491
1011 ﻫ)، تصحيح: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1403 ﻫ، إيران - قم.
195 - منتهى المقال في أحوال الرجال، محمّد بن إسماعيل المازندراني الحائري (ت 1216 ﻫ)، تحقیق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1416 ﻫ، إيران - قم.
196 - منتهى المقال في الدراية والرجال، حسين عبد الله المرعي، الناشر: مؤسّسة العروة الوثقى، الطبعة الأولى، 1417 ﻫ، لبنان - بيروت.
197 - المنهج الرجالي والعمل الرائد في الموسوعة الرجاليّة للسيّد البروجردي (ت 1380 ﻫ)، السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، الناشر: بوستان كتاب قم، انتشارات مکتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلميّة، الطبعة الثانية، 1422 ﻫ، إيران - قم.
198 - منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، محمّد بن علي الأسترآبادي (ت 1028 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ، إيران - قم.
199 - مُنية المريد، زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)، تحقيق: رضا المختاري، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي لحوزة قم العلميّة، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، إيران - قم.
200 - المواعظ (المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ الصدوق)، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381
ص: 492
ﻫ)، تحقيق: اللجنة العلميّة في مكتبة بارسا، الناشر: دار المجتبى، الطبعة الأولى، 1387ش، إيران - قم.
201 - موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميّة في مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام بإشراف: الشيخ جعفر السبحاني، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ، إيران - قم.
202 - المهذّب، القاضي أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن براج (ت 481 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، سنة النشر 1406 ﻫ، إيران - قم.
203 - موسوعة الإمام الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر الخوئي (ت 1413 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة إحياء تراث آثار الإمام الخوئي، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ، إيران - قم.
204 - نتيجة المقال في علم الرجال، محمّد حسن الشيخ كبير (ت 1345 ﻫ)، تحقيق: باسم محمّد الأسدي، الناشر: دليل ما، الطبعة الأولى، 1432 ﻫ، إيران - قم.
205 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحسين بن محمّد بن الحسن بن نصر الحلواني (كان حيّاً سنة 481 ﻫ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، الطبعة الأولى، 1408 ﻫ، إيران - قم.
206 - نقد الرجال، السيّد مصطفى بن حسين التفرشي (ق 11 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ، إيران - قم.
ص: 493
207 - نهاية الدراية، السيّد حسن الصدر (ت 1354 ﻫ)، تحقيق: ماجد الغرباوي، الناشر: نشر المشعر، المطبعة اعتماد، إيران - قم.
208 - النوادر، أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعري القمّي (ت القرن 3 ﻫ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، الطبعة الأولى، 1408 ﻫ، إيران - قم.
209 - نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة علیهم السلام ، أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي الصغير (ت القرن 5 ﻫ)، تحقيق: باسم محمّد الأسدي، الناشر: دليل ما، الطبعة الأولى، 1427 ﻫ، إيران - قم.
210 - نهج البلاغة، أبو الحسن محمّد بن حسين بن موسى المعروف بالشريف الرضي (ت 406 ﻫ)، ضبط نصّه وابتكر فهارسه العلميّة: الدكتور صبحي الصالح، تحقيق: فيض الإسلام، الناشر: دار الهجرة، الطبعة الأولى، 1414 ﻫ، إيران - قم.
211 - هداية الأبرار إلى طريق الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي (ت 1076 ﻫ)، تصحيح: رؤوف جمال الدين، الناشر: مؤسّسة إحياء الأحياء، الطبعة الأولى، 1396 ﻫ، العراق - بغداد.
212 - الوافي بالوفيّات، خليل بن أيبك الصفدي أبو الصفا (ت 764 ﻫ)، تحقيق: هلموت ريتر، الناشر: دار فرانز شتاينر للنشر، الطبعة الثانية، 1401 ﻫ، لبنان - بيروت.
213 - الوافية في أصول الفقه، عبد الله بن محمّد التوني (ت 1071 ﻫ) المعروف بالفاضل التوني، تحقيق: السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري،
ص: 494
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1415 ﻫ، إيران - قم.
214 - الوجيزة في الرجال، محمّد باقر المجلسي (ت 1110 ﻫ)، تحقيق: محمّد كاظم رحمان ستايش، الناشر: مؤسّسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى، 1420 ﻫ، إيران - طهران.
215 - الوجيزة في الدراية، بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي الحارثي المعروف بالشيخ البهائي أو بهاء الدين العاملي (ت 1030 ﻫ)، الناشر: المكتبة الإسلاميّة الكبرى، الطبعة الجديدة 1396 ﻫ، إيران - قم.
216 - وجيزة في علم الرجال، أبو الحسن المشكيني الأردبيلي (ت 1358 ﻫ)، تصحيح: زهير الأعرجي، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1411 ﻫ، لبنان - بيروت.
217 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، إيران - قم.
218 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي المعروف بابن حمزة (ت 6 ﻫ)، تحقيق: محمّد الحسّون، ناشر: مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1408 ﻫ، إيران - قم.
219 - وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (ت 984 ﻫ)، والد الشيخ البهائي، تحقيق: جعفر المجاهدي، وعطاء الله الرسولي، الناشر: مجمع الإمام الحسين علیه السلام العلمي لتحقيق تراث أهل البيت علیهم السلام ، الطبعة الأولى، 1436 ﻫ، العراق - كربلاء.
ص: 495
ص: 496
مقدّمة المؤلّف5
الباب الأوّل
صحّة الحديث عند أهل البيت علیهم السلام
الفصل الأوّل: ضوابط أهل البيت علیهم السلام في قبول أو ترك الحديث13
أوّلاً: عرض الحديث على القرآن13
المقصود من عرض الحديث على القرآن15
لزوم الرجوع إلى أهل البيت علیهم السلام لمعرفة تفسير وتأويل القرآن16
ثانياً: عرض الحديث على السنّة22
حلّ إشكاليّة الدور في عرض الحديث على السنّة23
نهي أهل البيت علیهم السلام عن تكذيب الحديث المنسوب إليهم وإن رواه فاسد العقيدة23
حجّيّة خبر الواحد عند أهل البيت علیهم السلام 28
أقوال العلماء حول حجّيّة خبر الواحد31
معايير أهل البيت علیهم السلام في توثيق الرواة ومعرفة منزلتهم34
مدى أهمّيّة وثاقة الراوي عند أهل البيت علیهم السلام 36
منهجيّة أهل البيت علیهم السلام في أخذ الحديث عن المخالفين37
اعتبار خبر فاسد العقيدة الموثّق عند أهل البيت علیهم السلام 41
موقف علمائنا من رواية فاسد العقيدة الموثّق: (الفطحيّة نموذجاً)43
الفصل الثاني: ضوابط أهل البيت علیهم السلام عند التعارض بين الأخبار45
أسباب التعارض بين الأخبار عند أمير المؤمنين علیه السلام 45
ص: 497
أسباب التعارض بين الأخبار في مصنّفات الحديث المعتبرة48
السبب الأوّل: وقوع النسخ في الحديث48
السبب الثاني: التقيّة48
أقسام التقيّة49
نماذج من تقيّة الأئمّة علیهم السلام العامّة50
السبب الثالث: وقوع الأخطاء في نقل وكتابة الأخبار53
الطرق العلاجيّة عند التعارض بين الأخبار54
الطرق العلاجيّة (1): الأخذ بما نجد عليه شاهداً من القرآن أو قول النبي صلی الله علیه واله 55
الطرق العلاجيّة (2): الأخذ بالحديث الذي يشبه القرآن وأحاديثهم علیهم السلام 56
الطرق العلاجيّة (3): الأخذ بما خالف العامّة57
الطرق العلاجيّة (4): الأخذ بما اجتمعت عليه شيعة أهل البيت علیهم السلام 59
الطرق العلاجيّة (5): ردّ متشابه أخبار أهل البيت علیهم السلام إلى محكمها60
الطرق العلاجيّة (6): الأخذ بقول الإمام علیه السلام وإن كان تقيّة61
الطرق العلاجيّة (7): الأخذ بالحديث الأخير62
الطرق العلاجيّة (8): التخيير63
الطرق العلاجيّة (9): التسليم لقول أهل البيت علیهم السلام والتوقّف والردّ إليهم66
الباب الثاني
صحّة الحديث عند القدماء
الفصل الأوّل: دور القرائن في صحّة الحديث71
احتفاف أحاديث أهل البيت علیهم السلام بقرائن الصحّة73
المراد من قطعيّة صدور الحديث74
أقوال العلماء حول منهجيّة القدماء في تصحيح الحديث75
ص: 498
الفصل الثاني: قرائن صحّة الحديث81
قرائن صحّة الحديث (1): وجود الحديث في كتاب ألّفه فقيه متّقٍ لهداية الناس81
قرائن صحّة الحديث (2): علوّ مضمون الحديث82
قرائن صحّة الحديث (3): وجود البلاغة والفصاحة الخاصّة بأهل البيت علیهم السلام 83
قرائن صحّة الحديث (4): وجود آثار الصدق في الحديث87
قرائن صحّة الحديث (5): حديث الثقة الذي يؤمَن منه الكذب عادة88
قرائن صحّة الحديث (6): حديث من وثّقه الأئمّة علیهم السلام 88
قرائن صحّة الحديث (7): حديث أحد أصحاب الإجماع89
قرائن صحّة الحديث (8): حديث كلّ مسنّ في حبّ أهل البيت علیهم السلام 89
قرائن صحّة الحديث (9): القطع بوثاقة الراوي عن طريق القرائن90
قرائن صحّة الحديث (10): وجود الحديث في كتاب معروض على الأئمّة علیهم السلام 90
قرائن صحّة الحديث (11): وجود الحديث في كتاب معروف أو أصل مشهور95
قرائن صحّة الحديث (12): وجود الحديث في كتاب أحد أصحاب الإجماع96
قرائن صحّة الحديث (13): وجود الحديث في كتاب وثق به السلف97
قرائن صحّة الحديث (14): وجود الحديث في كتاب أحد الثقات97
قرائن صحّة الحديث (15): وجود الحديث في الكتب المشهود لها بالصحّة98
قرائن صحّة الحديث (16): وجود الحديث في أصل تمسّك العالم الثقة الورع به99
قرائن صحّة الحديث (17): وجود الحديث في كتاب شهد مؤلّفه الثقة بصحّة ما ذكر من أحاديث100
قرائن صحّة الحديث (18): تكرّر الحديث في أصل أو أصلين فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة100
قرائن صحّة الحديث (19): تكرّر الحديث في كتب متعدّدة معتمدة100
قرائن صحّة الحديث (20): تعاضد بعض الأحاديث ببعض101
ص: 499
قرائن صحّة الحديث (21): موافقة الحديث للقرآن101
قرائن صحّة الحديث (22): موافقة الحديث للسنّة المقطوع بها102
قرائن صحّة الحديث (23): موافقة الحديث لدليل عقلي قطعي103
قرائن صحّة الحديث (24): موافقة الحديث للضروريّات103
قرائن صحّة الحديث (25): موافقة الحديث ومطابقته لإجماع المسلمين104
قرائن صحّة الحديث (26): موافقة الحديث ومطابقته لإجماع الإماميّة104
قرائن صحّة الحديث (27): موافقة الحديث للمشهور بين الإماميّة106
قرائن صحّة الحديث (28): موافقة الحديث لفتوى جماعة من علماء الإماميّة106
قرائن صحّة الحديث (29): موافقة الحديث للاحتياط107
قرائن صحّة الحديث (30): إذا كان الخبر لا يعارضه خبر آخر107
قرائن صحّة الحديث (31): عدم احتمال الحديث للتقيّة108
قرائن صحّة الحديث (32): إجماع الفرقة المحقّة على العمل بالخبر108
قرائن صحّة الحديث (33): كون الراوي غير متّهم في تلك الرواية108
معنى ضعف الحديث عند القدماء109
الفصل الثالث: الاكتفاء بتصحيح الأوائل للأحاديث112
دليل الاكتفاء بتصحيح الأوائل للأحاديث112
الفصل الرابع: تنقيح التراث الروائي من الأحاديث المكذوبة120
الأدلّة النقليّة على وقوع الكذب في التراث الروائي120
موقف الأئمّة علیهم السلام من الأخبار المكذوبة124
تحقّق تنقيح التراث الروائي من الأخبار المكذوبة عند تدوين كتب الحديث125
الأصول الأربعمائة126
أقوال العلماء حول الأصول الأربعمائة127
اعتماد كتب الأخبار على الأصول الأربعمائة133
ص: 500
موقف مصنّفي الحديث من الأخبار المكذوبة134
اهتمام مصنّفي الحديث بالنقل عن الطرق المعتبرة (الشيخ الصدوق نموذجاً)134
تصريح مصنّفي كتب الحديث بصحّة أحاديث كتبهم136
1 - الكافي، للشيخ الكليني136
2 - تفسير القمّي، لعلي بن إبراهيم القمّي137
3 - الإمامة والتبصرة من الحيرة، لعلي بن الحسين بن بابويه137
4 - تحف العقول، للشيخ الحرّاني138
5 - التمحيص، للشيخ الإسكافي139
6 - الغيبة، لمحمّد بن إبراهيم النعماني139
7 - کامل الزيارات، لجعفر بن محمّد بن قولويه141
8 - المواعظ، للشيخ الصدوق141
9 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، للشيخ الصدوق141
10 - الخصال، للشيخ الصدوق142
11 - كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق142
12 - المقنع، للشيخ الصدوق143
13 - كتاب من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق143
14 - كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر علیهم السلام ، للخزّاز القمّي144
15 - جامع الأحاديث، لجعفر بن أحمد بن علي القمّي145
16 - نوادر المعجزات في مناقب الأئمّة الهداة علیهم السلام ، للطبري الإمامي الصغير145
17 - كتاب الأربعين عن الأربعين في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام ، للخزاعي146
18 - معدن الجواهر ورياضة الخواطر، للكراجكي146
19 - تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي146
20 - الغيبة، للشيخ الطوسي147
ص: 501
21 - مصباح المتهجّد، للشيخ الطوسي148
22 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، للحلواني148
23 - روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين، لمحمّد بن فتّال النيسابوري149
24 - الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن علي الطبرسي149
25 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، لمحمّد بن أبي القاسم الطبري150
26 - الثاقب في المناقب، لابن حمزة150
27 - الخرائج والجرائح، لقطب الدين الراوندي150
28 - قصص الأنبياء علیهم السلام ، لقطب الدين الراوندي151
29 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام ، لشاذان بن جبرئيل القمّي151
30 - مناقب آل أبي طالب علیهم السلام ، لابن شهر آشوب151
31 - المزار الكبير، لمحمّد بن جعفر المشهدي153
32 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، لعلي بن الحسن الطبرسي153
33 - فلاح السائل ونجاح المسائل، لعلي بن موسى بن طاووس154
34 - غرر الأخبار ودرر الآثار في مناقب أبي الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، للديلمي155
35 - جامع الأخبار، لمحمّد بن محمّد السبزواري155
36 - الأربعون حديثاً، للشهيد الأوّل155
37 - البلد الأمين والدرع الحصين، لإبراهيم بن علي الكفعمي156
38 - المصباح في الأدعية والصلوات والزيارات والأحراز، للكفعمي156
39 - عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، لابن جمهور الأحسائي156
40 - الشهاب في الحكم والآداب، ليحيى بن عشيرة البحراني157
41 - البرهان في تفسير القرآن، للسيّد هاشم البحراني157
42 - بحار الأنوار، للعلّامة المجلسي158
43 - وسائل الشيعة، للشيخ الحرّ العاملي159
ص: 502
الباب الثالث
صحّة الحديث عند المتأخّرين
الفصل الأوّل: منهجيّة المتأخّرين في تقييم اعتبار الحديث165
سير التحقيق في أسناد الروايات عند المتأخّرين165
أقسام الحديث عند المتأخّرين166
منشأ منهجيّة المتأخّرين169
الفصل الثاني: مناقشة دعوى تنقيح كتب الحديث من الروايات الضعيفة سنداً175
فوائد الأخبار الضعيفة سنداً176
الباب الرابع
علم الرجال
الفصل الأوّل: علوم الحديث183
علوم الحديث (1): علم الرجال183
تعريف علم الرجال183
موضوع علم الرجال187
مسائل علم الرجال189
غاية علم الرجال190
أقسام بحوث علم الرجال190
علميّة علم الرجال191
مبادئ علم الرجال191
علوم الحديث (2): علم الدراية192
تسميات أخرى لعلم الدراية192
تعريف علم الدراية192
ص: 503
موضوع علم الدراية193
غاية علم الدراية194
مسائل علم الدراية195
بداية اهتمام الشيعة بعلم الدراية196
سبب إهمال القدماء لعلم الدراية196
علوم الحديث (3): علم الطبقات199
تعريف الطبقة199
فوائد علم طبقات الرواة200
أقدم وأبرز كتب الطبقات200
تعيين طبقات الرواة201
تبيين المشيخة لطبقات الرواة201
أبرز المشيخات202
علوم الحديث (4): علم الفهارس204
معنى الفهرس في اللغة204
تعريف علم الفهارس205
أنواع الفهارس205
غاية علم الفهرس205
الفهارس الثمانية الأساسیّة (قبل النجاشي والشيخ)206
مصير الفهارس الثمانية الأساسيّة207
إشارة النجاشي والشيخ الطوسي إلى الفهرستات المدوّنة قبلهما207
أفضل الفهارس عندنا حاليّاً208
ما يُبحث في كتب الفهرست208
مباحث علم الفهرست209
ص: 504
الفروق بين علوم الحديث210
الفروق بين علوم الحديث (1): الفرق بين علم الرجال وعلم الدراية210
الفروق بين علوم الحديث (2): الفرق بين علم الرجال والفهرس211
الفروق بين علوم الحديث (3): الفرق بين علم الرجال والتراجم212
الفصل الثاني: أهمّيّة علم الرجال213
اهتمام المتأخّرين بعلم الرجال213
أدلّة الحاجة إلى علم الرجال214
1 - معرفة وثاقة الرجال214
2 - معرفة صفات الراوي في الأخبار العلاجيّة215
3 - معرفة الوضّاعين222
4 - وجود العامّي في أسانيد الروايات223
5 - اهتمام العلماء بأسانيد الروايات223
6 - معرفة المشتركين228
7 - معرفة ضبط الراوي228
8 - وجود بعض الفوائد في علم الرجال228
الفصل الثالث: وثاقة الراوي230
شرط الضبط في القول بوثاقة الراوي233
ما لا يُشترط في الراوي لقبول روايته234
دلالة حسن الظاهر على عدالة الراوي235
الفصل الرابع: حجّيّة قول الرجالي241
القول الأوّل: من باب الشهادة241
القول الثاني: من باب حجّيّة قول أهل الخبرة243
القول الثالث: من باب التواتر والشهرة والاستفاضة244
ص: 505
القول الرابع: من باب الفتوى والظنون الاجتهاديّة244
القول الخامس: من باب حجّيّة خبر الثقة في الموضوعات246
مستند توثيقات وتضعيفات الرجاليّين247
حصول الاطمئنان من قول الرجالي248
حسيّة قول الرجالي أو حدسيّته249
أقوال العلماء حول حدسيّة تضعيفات وتوثيقات الرجاليّين وتأثّرها بالأمور المزاجيّة والآراء الاجتهاديّة250
شواهد حدسيّة تقييم الرجاليّين لأحوال الرواة257
أصحاب الجرح والتعديل من القدماء262
نظرة إجماليّة لمعرفة أصحاب الجرح والتعديل من القدماء262
1 - ابن فضّال (أبو محمّد الحسن بن علي بن فضّال الكوفي)262
2 - ابن عقدة (أحمد بن محمّد بن سعيد السبيعي الهمداني)263
3 - ابن نمیر (أبو هشام عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي)263
4 - ابن النديم (أبو الفرج محمّد بن إسحاق الورّاق)264
5 - ابن نوح (أحمد بن علي بن العبّاس السيرافي)264
6 - محمّد بن عبد الله بن أبي حكيمة264
الفصل الخامس: تأليف الكتب الرجاليّة265
أبرز مصنّفي الكتب الرجاليّة قبل الأصول الرجاليّة265
مراحل تأليف الكتب الرجاليّة271
مضامين الكتب الرجاليّة المتأخّرة273
مصادر أخرى غير الكتب الرجاليّة لمعرفة أحوال الرواة274
أبرز مناهج التصنيف في علم الرجال275
المنهج الأوّل: حسب الطبقات275
ص: 506
المنهج الثاني: حسب التوثيق والتضعيف275
المنهج الثالث: حسب الأسماء276
مراحل تطوّر علم الرجال276
الباب الخامس
التعريف بأهمّ الكتب الرجاليّة
التعريف بأهمّ الكتب الرجاليّة287
1 - رجال الكشّي287
أقوال العلماء حول الكشّي287
ضياع كتاب معرفة الرجال للكشّي288
تواجد كتاب معرفة الرجال قبل ضياعه289
الموجود عندنا حاليّاً من كتاب معرفة الرجال289
عمل الشيخ الطوسي عند اختياره من كتاب معرفة الرجال للكشّي289
تسمية الكتاب بعد تهذيب الشيخ الطوسي له291
إملاء الشيخ الطوسي لما اختاره من رجال الكشّي291
من خصائص رجال الكشّي291
منهجيّة الكشّي في ذكر الرجال291
إحصائيّات رجال الكشّي293
غرض الكشّي من نقل روايات القدح والمدح294
تصنيف روايات ومنقولات رجال الكشّي295
رواية الكشّي عن الضعفاء295
أغلاط الكشّي296
اعتبار ورتبة الكتاب بين الكتب الرجاليّة297
ص: 507
منهجيّة تنظيم معلومات رجال الكشّي297
ترتيب العلماء لكتاب رجال الكشّي298
2 - رجال النجاشي299
كتاب النجاشي رجال أو فهرس؟300
اسم النجاشي وكنيته301
ولادة النجاشي ونشأته ووفاته302
أقوال العلماء حول النجاشي302
دواعي تأليف الكتاب303
فهرست النجاشي والفهرست للطوسي304
عدد مشايخ النجاشي304
وثاقة مشايخ النجاشي305
النجاشي وترتيب الرجال308
إحصائيّات رجال النجاشي308
النجاشي وتعديل وتجريح من ذكرهم309
مصادر النجاشي309
توسّع النجاشي في تراجمه310
وثاقة من أهملهم النجاشي310
أهمّيّة رجال النجاشي311
تعارض قول النجاشي وغيره311
خبرة النجاشي في علم الرجال313
إشكالات على رجال النجاشي315
أغلاط رجال النجاشي317
3 - فهرست الطوسي318
ص: 508
هدف تأليف الشيخ للفهرست318
اعتماد الشيخ على النقل في فهرسته319
محتوى فهرست الطوسي319
إحصائيّات فهرست الطوسي320
تأليف الكتاب لا يدلّ على وثاقة صاحبه321
معلومات أخرى حول فهرست الطوسي322
إشكالات على فهرست الطوسي323
وعود لم يفِ الشيخ بها في الفهرست325
تحقيق فهرست الطوسي328
4 - رجال الطوسي328
محتوى رجال الطوسي329
ترتيب معلومات رجال الطوسي329
إحصائيّات رجال الطوسي330
وجود الرجال المخالفين في رجال الطوسي331
التوثيق والتضعيف في رجال الطوسي332
تأليف فهرست الطوسي ورجال الطوسي333
الفرق بين رجال الطوسي وفهرست الطوسي334
معلومات أخرى حول رجال الطوسي334
إشكالات على رجال الطوسي335
الإشكال الأوّل: عدم استقراء الشيخ للأصحاب والرواة335
الإشكال الثاني: عدم تنظيم الشيخ ما جمعه من أقوال الأصحاب336
الإشكال الثالث: التناقض في نسبة رواية الأشخاص عن الأئمّة علیهم السلام 337
الإشكال الرابع: اضطراب كلام الشيخ في علم الرجال338
ص: 509
الإشكال الخامس: قلّة فائدة رجال الطوسي340
5 - رجال البرقي341
إحصائيّات رجال البرقي344
التوثيق والتضعيف في رجال البرقي344
معلومات أخرى حول رجال البرقي344
6 - رسالة أبي غالب الزراري345
هدف تأليف رسالة أبي غالب الزراري346
محتوى رسالة أبي غالب الزراري346
إحصائيّات رسالة أبي غالب الزراري347
أقوال حول رسالة أبي غالب الزراري347
7 - رجال ابن الغضائري347
كتب ابن الغضائري349
إهمال الأصول الرجاليّة لترجمة ابن الغضائري350
كيفيّة الوقوف على رجال ابن الغضائري351
8 - فهرست الشيخ منتجب الدين الرازي353
معلومات حول الفهرست للشيخ منتجب الدين354
9 - معالم العلماء356
محتوى معالم العلماء357
منهجيّة عرض المعلومات في معالم العلماء357
إحصائيّات معالم العلماء357
التشابه بين معالم العلماء وفهرست الشيخ منتجب الدين358
10 - رجال ابن داود358
ترتيب أسماء الرواة في رجال ابن داود358
ص: 510
مصادر رجال ابن داود359
أجزاء رجال ابن داود360
تصريح العلماء بوقوع الأغلاط والاشتباهات والهفوات في رجال ابن داود361
نماذج من الأغلاط والاشتباهات والهفوات في رجال ابن داود364
11 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال364
التعريف بالكتاب365
فائدة ما ينقله العلّامة عن الكتب الأخرى365
دواعي تأليف خلاصة الأقوال366
تنظيم المعلومات في خلاصة الأقوال366
أقسام كتاب خلاصة الأقوال367
كيفيّة الإشارة إلى المصادر في خلاصة الأقوال368
الاختلاف الشديد بين نسخ خلاصة الأقوال369
ضعف كتاب خلاصة الأقوال369
اشتباهات العلّامة في خلاصة الأقوال369
اعتبار توثيقات العلّامة الحلّي371
كتب رجاليّة أخرى للعلّامة الحلّي372
12 - جامع الرواة372
دواعي تأليف الكتاب373
محتوى جامع الرواة374
معرفة الطبقات في جامع الرواة374
تمييز المشتركات في جامع الرواة375
الاعتماد على القرائن في جامع الرواة375
بعض فوائد منهجيّة جامع الرواة376
ص: 511
13 - التحرير الطاووسي376
العلاقة بين كتاب التحرير الطاووسي وكتاب حلّ الإشكال377
نبذة عن كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال377
اهتمام ابن الشهيد الثاني برجال الكشّي عند انتزاع كتابه من حلّ الإشكال379
14 - منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال380
محتوى منهج المقال381
منهجيّة الأسترآبادي في منهج المقال381
خصائص منهج المقال382
15 - مجمع الرجال383
محتوى كتاب مجمع الرجال384
معلومات حول مجمع الرجال384
16 - نقد الرجال384
دواعي تأليف نقد الرجال385
محتوى نقد الرجال386
معلومات حول نقد الرجال386
17 - حاوي الأقوال في معرفة الرجال387
18 - منتهى المقال في أحوال الرجال388
19 - بهجة الآمال في شرح زبدة المقال392
20 - تنقيح المقال في علم الرجال393
محتوى تنقيح المقال393
إتمام تنقيح المقال394
إحصائيّات تنقيح المقال394
مميّزات تنقيح المقال396
ص: 512
الأغلاط الكثيرة في تنقيح المقال397
نقد الشيخ التستري لتنقيح المقال398
21 - قاموس الرجال398
هدف قاموس الرجال399
منطلق تأليف الكتاب399
ملاحظات على قاموس الرجال399
22 - مستدركات علم الرجال400
عدد من ترجم له في مستدركات علم رجال الحديث400
الهدف من تأليف مستدركات علم رجال الحديث400
23 - طرائف المقال401
منهجيّة العمل في طرائف المقال401
أسباب وجود الأغلاط والتشويهات في طرائف المقال402
24 - الموسوعة الرجاليّة (ترتيب الأسانيد)403
دواعي تأليف السيّد البروجردي لموسوعته الرجالية404
فوائد الموسوعة الرجاليّة للسيّد البروجردي408
25 - معجم رجال الحديث409
منهجيّة السيّد الخوئي في المعجم410
أهمّ امتيازات معجم رجال الحديث411
حدوث تعديلات أساسيّة في المعجم411
إحصائيّات معجم رجال الحديث412
الباب السادس
أسباب رفض المنهج السندي
أسباب رفض المنهج السندي417
أسباب رفض المنهج السندي (1): المنهج السندي يعارض المنهج القرآني417
ص: 513
أسباب رفض المنهج السندي (2): المنهج السندي لم يهتمّ به أهل البيت علیهم السلام 420
أسباب رفض المنهج السندي (3): المنهج السندي هو منهج المخالفين422
أسباب رفض المنهج السندي (4): المنهج السندي لا دليل عليه425
أسباب رفض المنهج السندي (5): نقص معلومات علم الرجال427
أسباب رفض المنهج السندي (6): اختلاف مباني الرجاليّين429
أسباب رفض المنهج السندي (7): وجود الإرسال في أقوال الرجاليّين447
أسباب رفض المنهج السندي (8): اضطراب كلمات الرجاليّين450
أسباب رفض المنهج السندي (9): وقوع التحريف في الأصول الرجاليّة451
أسباب رفض المنهج السندي (10): عدم عناية علم الرجال بزمان العدالة452
أسباب رفض المنهج السندي (11): إعطاء المنهج السندي للرجاليّين الوصاية والهيمنة والقيمومة على تراث أهل البيت علیهم السلام حسب آرائهم الاجتهاديّة453
أسباب رفض المنهج السندي (12): المنهج السندي يحطّم الحديث 455
مصادر الكتاب461
المحتويات497
ص: 514