اسم الکتاب:...إقرارات عمر
تأليف:... السيد حسن الصدر الموسوي الكاظمي(قدس سرّه)
تحقيق:...حيدر الوكيل
الطبعة:...الثانية
سنة الطبع :...1443 ه - 2022م
عدد الصفحات :...112 صفحة
القطع:...رقعي
العد:...1000نسخة
ص: 1
اسم الکتاب:...إقرارات عمر
تأليف:... السيد حسن الصدر الموسوي الكاظمي(قدس سرّه)
تحقيق:...حيدر الوكيل
الطبعة:...الثانية
سنة الطبع :...1443 ه - 2022م
عدد الصفحات :...112 صفحة
القطع:...رقعي
العد:...1000نسخة
ص: 2
اقرارات عمر
تأليف
آية الله المحقق
السيد حسن الصدر الموسوي الكاظمي
( ت 1354 ه )
تحقيق
حيدر الوکيل
ص: 3
ص: 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 5
ص: 6
إلى سيدي ومولاي
صاحب الولاية الكبرى
والشفاعة العظمى
أمير المؤمنين علي (علیه السلام)
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيد رسله نبينا وسيدنا وشفيعنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين...
تكاملت المنظومة الفكرية للإسلام على يد صاحب الرسالة الرسول الاكرم محمد ( صلی الله علیه و آله)، وكان كمالها بتمام النعمة بنصب الوصي(علیه السلام)، بعد أن كثرت الحوادث التي أدت إلى التعريف به، فكان يوم الغدير الأغر يوم البيعة الكبرى التي ألزمت الأمة بطاعة إمامها الخليفة الشرعي الإمام علي ابن أبي طالب (علیه السلام)العالم بالقضية، القاسم بالسويّة، عيبة العلم، وغاية كل كرم(علیه السلام).
ولئن انقلبت الأمة على الأعقاب ضاربة بعرض الدنيا نص الكتاب، وتبيان الرسول لمقام زوج البتول فقد بقي مما أورثه لنا
ص: 9
التأريخ دلالات مهمة على رسوخ ذلك في وجدان الأمة، حتّى من تولّى غصب المنصب السياسي في قيادة الأمة الإسلامية،فكانت كلمات الخليفة الثاني المعترفة بمنزلته وخلافته حجّة كبرى في هذا المقام .
وقد تصدّى العلّامة العلم آية الله السيد حسن إلى جمع مواضع اعتراف الرجل بما عليه أهل الحق الصادر( صلی الله علیه و آله)من منبع الرسالة الإلهية في خلافة الوصي الأعظم (علیه السلام)، فكانت ستة موارد ، وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في حياة سيدنا الراحل العظيم فقيه أهل البيت السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره) الشريف فعقب أنه ( صلی الله علیه و آله) رأى أكثر من تلك المواضع الستة وإننا حيث نجد العذر لسيدنا الصدر (قدس سره) واضحاً حيث قصد تتّبع موارد اعتراف الرجل بخلافة سيّد الوصيين(علیه السلام) في شرح ابن أبي الحديد فإنّنا تتبعنا فوجدنا موارد أخرى، وضعنا بعض تلك الموارد كملحق للكتاب في طبعته الثانية، فكان من جهد سيدنا الصدر ، وملاحظة سيّدنا الأستاذ الأعظم (قدس سرهما) ما ما تكامل به البيان، والحمد لله الملك المنان.
ص: 10
ولا يفوتني أن أشكر العلّامة الفاضل الأخ الشيخ قاسم عبد الهادي الشمري على ما بذله من جهد في مراجعة الكتاب وإخراجه بهذه الصورة البهية أسال الله تعالى له المزيد من التوفيق.
أسال الله تعالى أن يوفقنا لخدمة الحق وأهله، وأن يرينا الحق حقاً ويوفقنا لاتباعه، والباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه.
النجف الأشرف
حيدر الوكيل
15 شعبان المعظم 1443ه-
ص: 11
ص: 12
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
شكلّت الإمامة المحور الأهم من محاور الفكر الإسلامي عند الشيعة الإمامية، كما شكّل «النص» المحور الأهم في إثباتها لأهلها، ومن ثم اهتم العلماء من الإمامية - أعز الله دعوتهم وأفلج حجّتهم - بالنص ، فجمعوا النصوص، وتكلّموا في تبيان دلالتها ، وردّ الاشكالات حولها، كما اهتم الخصم بردّ النص، قادحين في سنده مرّة، وفي الدلالة مرة أخرى.
وقد تكوّنت - من منطلق أهمية النص، وكثرة الأبحاث العلمية حوله - مكتبة مهمة في مفصل حسّاس ومتشعب في علوم مختلفة، ،قرآنية ، روائية تاريخية، عقائدية، فقهية، وما
ص: 13
زال علماء الشيعة يأتون بكل مبحث تحقيقي رفيع دعماً لحق آل البيت (علیه السلام) في الإمامة.
ومن العلماء الذين أبدعوا بما لم يسبقه إليه سابق سيّدنا المحقق المتتبع آية الله السيد حسن الموسوي الصدر (قدس سره) ذكر في رسالته ( إقرارات عمر) موارداً أقرّ فيها عمر بن الخطاب بوجود نص من الرسول الأعظم محمد ( صلی الله علیه و آله) على خلافة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) ، وأنه دفع النصّ، وقد ذكر تعليلات نفسه الأمارة بالسوء لدفع الحق عن أهله ولو بالإسائة إلى الرسول الأكرم ( صلی الله علیه و آله) ، وقد ناقشه سيّدنا المؤلّف (قدس سره) الحساب في ما تفوّه به لسانه، ونقله عنه أتباعه، فأحسن سيّدنا وأجاد، وجاء بالمراد وفوق المراد ، فألزمه الحجّة، وضيّق على أتباعه الخناق فيما يحاولونه من إثبات الحق للمنقلبين على الأعناق، بوضع نظريات تبريرية نشأت من الانسياق وراء الواقع المفروض، سعياً وراء السلطة، أو طلباً لرضاها، دون البحث عن الحقيقة والتزامها، والتضحية من أجلها.
ص: 14
هو السيد حسن ابن السيد العلّامة هادي ابن سيد العلماء محمد علي ابن السيد الكبير صالح ابن السيد العلّامة محمد بن إبراهيم شرف الدين ... ينتهي نسبه الشريف إلى السيد إبراهيم الأصغر الملقب بالمرتضى ابن الإمام موسى الكاظم (علیه السلام).
العاملي أصلاً، الكاظمي مولداً ومسكناً، ولد في يوم الجمعة عند الزوال تاسع وعشرين شهر الله رمضان المبارك من شهور سنة اثنتين وسبعين ومائتين بعد الألف من الهجرة النبوية، على مهاجرها آلاف الصلاة والسلام والتحية.
ص: 15
قرأ علوم العربية، والمنطق، والشرائع، وبعض الروضة الدمشقية، والمعالم والقوانين، إلى أن هاجر إلى النجف الأشرف، واشتغل على علمائها، فقرأ علمي الحكمة والكلام على الآخوند المولى باقر الشكي، والشيخ محمد تقي الكلبايكاني، والفقه والأصول على الميرزيين حجّتي الإسلام الميرزا محمد حسن الشيرازي، والمحقق الميرزا حبيب الله الرشتي، وعلى الشيخ الفقيه محمد حسين الكاظمي، والفاضل المولى محمد الأيرواني، والفقيه ملا علي بن الخليل الرازي، والسيد المتبحر المهدي الشهير بالقزويني، والشيخ محمد اللآهيجي، والآخوند ملّا أحمد التبريزي، وغيرهم من علماء الفقه والأصول.
والتحق السيّد بأستاذه الميرزا الشيرازي إلى سامراء سنة (1297ه)، ورجع بعد سنة ونصف إلى النجف بسبب ضيق المعيشة في سامراء.
يقول(قدس سره) : (وصنفت بعض الكتب، حتى إذا فُجعنا بالسيّد
ص: 16
الأستاذ في شعبان سنة 1312ه- تمخضت للتصنيف) (1).
وقد ذكر لنفسه من المؤلفات خمسين كتاباً ورسالة إلى عام تأليف كتابه الجليل (تكملة أمل الآمل) وهي سنة 1334ه.
وهي حسب ما ذكره السيد المصنف (قدس سره):
1-سبيل الرشاد في شرح نجاة العباد.
2-شرحها المسمّى ب- (تبيين مدارك السداد من المتن والحواشي
لنجاة العباد).
3-سبيل النجاة، في فقه المعاملات.
4-تحصيل الفروع الدينية في فقه الإمامية.
5-اللوامع الحسنية في الأصول الفقهية.
6-سبيل الصالحين في طريق العبودية وتهذيب الأخلاق.
7-الدرر الموسوية، وهو شرح على رسالة العقائد الجعفرية للشيخ صاحب کشف الغطاء.
8-كتاب اللباب في شرح رسالة الاستصحاب، للشيخ الأنصاري.
ص: 17
9-حواشي الرسائل.
10-حدائق الوصول في بعض مسائل علم الأصول.
11-قاطعة اللجاج في إبطال طريقة أهل الاعوجاج المنكرين للاجتهاد والتقليد والفروع.
12-نهاية الدراية في علم الدراية، وهو شرح لوجيزة الشيخ البهائي.
13-مختلف الرجال.
14-إحياء النفوس على مسلك السيد ابن طاووس.
15-البراهين الجلية في زيغ احمد بن تيمية الحنبلي
16-فصل القضاء في الكتاب المشتهر بفقه الرضا.
17-نزهة أهل الحرمين في تأريخ تعميرات المشهدين.
18-مصابيح الإيمان في حقوق الإخوان.
19-مجالس المؤمنين في وفيات المعصومين.
20-الدر النظيم في مسألة التتميم.
21-تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام.
ص: 18
22-الشيعة وفنون الإسلام.
23-عيون الرجال.
24-مفتاح الفلاح وملاذ العبادة.
25-وفيات الأعلام من الشيعة الكرام.
26-كشف الظنون عن خيانة المأمون.
27-نهج السداد في حكم أراضي السواد.
28-مطاعن علماء الجمهور بعضهم على بعض.
29-تبيين الإباحة في مشكوك ما لا يؤكل لحمه للمصلين.
30-إبانة الصدور في موقوفة ابن أذينة المأثور.
31-الغرر في نفي الضرار والضرر.
32-كشف الالتباس عن قاعدة الناس.
33-تبيين الرشاد في لبس لباس السواد على الأئمة الأمجاد.
34-الغالية لأهل الأنظار العالية في تحريم حلق اللحية.
35-تعارض الاستصحابين.
36-ذكرى المحسنين.
ص: 19
37-حجية الظنّ في أفعال الصلاة.
38-حكم الشكوك غير المنصوصة.
39-النصوص المأثورة عن الحجة صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام.
40-الإبانة عن كتب الخزانة.
41-انتخاب القريب من رجال التقريب.
42-نكت الرجال.
43-إباحة الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر .
44-مناقب آل الرسول من طرق الجمهور.
45-بغية الوعاة في طبقات مشايخ الإجازات.
46-طبقات المشايخ والرواة.
47-حواشي على تلخيص الرجال.
48-الإجازة الكبيرة.
49-هداية النجدين وتفصيل الجندين.
50-تكملة أمل الآمل .
ص: 20
ذکر سيّدنا المترجم هذه الكتب في كتابه أمل الآمل ، وهي مصنفاته إلى سنة (1312ه).
وقد ألّف بعدها كتباً أخرى جليلة القدر منها:
1-الدرر الموسوية في شرح العقائد الجعفرية.
2-رسالة مختصرة في أصول الدين.
3-منى الناسك في المناسك.
4-أحاديث الرجعة.
5-شرح وسائل الشيعة.
6-إقرارات عمر، وهو كتابنا هذا.
7-بهجة النادي في أحوال أبي الحسن الهادي.
8-البيان البديع في أنّ محمّد بن إسماعيل المبدؤ به في أسانيد الكافي هو ابن بزيع.
9-الفرقة الناجية.
ص: 21
ص: 22
وهو رسالة مختصرة في مواضع أقرّ فيها عمر بن الخطاب بوجود نص على إمامة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) ، وأنه هو الذي خالفه، ومنع رسول الله ( صلی الله علیه و آله) من كتابة نصه على علي (علیه السلام).
وقد ذكر المصنف (قدس سره) قول عمر أنّ الرسول الأعظم الأكرم ( صلی الله علیه و آله) : هجر، وأجاب عنها بما ألزم عمر ما يلزمه من كلمته تلك.
وكتابنا هذا توجد له نسخة مصوّرة منه في مكتبة كاشف
ص: 23
الغطاء العامة في النجف الأشرف برقم:8/3035، تقع في 31 صفحة، وهي نسخة فريدة لم أجدبحسب التتبع القاصر- نسخة أخرى منها.
وهي بخط مؤلفها، وقد فرغ منها في غرة ربيع الأول من عام 1338ه.
ذكر محقق نهاية الدراية للمصنّف، الشيخ ماجد الغرباوي كتاباً للسيد الحسن بعنوان (عمر وقوله هجر)، ولم يذكر كتابنا هذا (إقرارات عمر) ولعلّهما كتاباً واحد.
أسأل الله تعالى التوفيق لما دعا إليه من سبيله.
1-تنضيد الرسالة وضبط نصها.
2-مقابلة المنصد.
3-تقطيع النص، ووضع علامات الترقيم وفق ما تقتضيه القواعد المتبعة في هذا الفن.
ص: 24
4-تخريج الآيات الكريمة والروايات الشريفة.
5-تخريج أقوال العلماء له الواردة في الرسالة من المصادر المعتمدة، ومن لم نعثر على كتابه، أو لم نتوفّر عليه لم نشر إليه في الهامش.
6-ما بين معقوفتين إضافة منا.
النجف الأشرف
حيدر الوكيل
28-رجب الأصب - 1435ه-
ص: 25

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة
ص: 26

ص: 27

الصفحتان الأخيرتان من المخطوطة
ص: 28
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد فإنّ ابن أبي الحديد أنكر النص على خلافة أمير المؤمنين بعد رسول الله، فأحببت أن أكتب رسالة تجمع إقرار عمر بن الخطاب بأنّ عليا (علیه السلام) كان منصوصاً عليه بالخلافة، وأنّ عمر هو الذي خالف النصّ، وخطّطاً رسول الله في نصه عليه، وخالفه قولاً وعملاً، وجاهر في خلافه، وبأنّ ما أراده رسول الله من خلافة علي كان( صلی الله علیه و آله) من خلاف ما أراده الله تعالى، فلم يوفّق له رسول الله( صلی الله علیه و آله) ، وأنه وفق عمر لخلافه ( صلی الله علیه و آله).
ص: 29
وتلك عدة إقرارات من عمر، رواها أئمة علم الأخبار:
ما رواه أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب (تاريخ بغداد) في کتابه مسنداً عن ابن عبّاس، وأخرجه ابن أبي الحديد في الجزء الثاني عشر في صفحة (97) من المجلد الثالث المطبوع بمصر، عنه قال: ((وروى ابن عبّاس قال: دخلت على عمر في أوّل خلافته وقد أُلقي له صاع من تمر على خصفة، فدعاني إلى الأكل، فأكلت تمرة واحدة، وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جَرٌ(1) كان عنده، واستلقى على مرفقة له، وطفق يحمد الله، يكرّر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟
قلت: من المسجد.
قال: كيف خلّفت ابن عمك ؟
فظنته يعني عبد الله بن جعفر، قلت: خلفته يلعب مع أترابه،
قال: لم اعن ذلك، إنّما عنيت عظيمكم أهل البيت.
ص: 30
قلت: خلفته يمتح (1) بالغرب على نخيلات بني فلان، ويقرء القرآن.
قال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه من الخلافة شيء؟
قلت: نعم.
قال: يزعم أن رسول الله ( صلی الله علیه و آله) نص عليه ؟
قلت: نعم، وأزيدك، سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق.
فقال عمر : لقد كان من رسول الله ( صلی الله علیه و آله)في أمره ذرو (2)من
ص: 31
قول لا يُثبت حجّة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يرفع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، لا وربّ هذه البنية لا يجتمع عليه قريش أبداً، ولو وليها لانتفضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله ( صلی الله علیه و آله)أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلّا إمضاء ما حتم(1).
ص: 32
ذكر هذا الخبر أحمد ابن أبي طاهر صاحب کتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً))(1)، انتهى.
ذكر البخاري ومسلم في عدة مواضع من صحيحيهما، وفيها شرح كيفية منع عمر :
فمنها: ما ذكره البخاري في (باب النهي عن التحريم إلّا ما تعرف إباحته) (2)في آخر أبواب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، قال: ((ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر النبي( صلی الله علیه و آله) ، قال : وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً.
قال عمر : إنّ النبي غلبه الوجع، وعندكم القرآن، فحسبنا كتاب الله، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي( صلی الله علیه و آله)
ص: 33
قال: قوموا عنّي.
قال عبيد فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله ( صلی الله علیه و آله) وبين أن يكتب ذلك الكتاب))(1).
وأخرجه في (باب هل يستشفع لأهل الذمة) في أو آخر أبواب كتاب فضل الجهاد، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس وفيه: ((هجر)) (2) موضع ((غلبه الوجع)) ، وهما بمعنى واحد.
وأخرجه أيضاً في (باب مرض النبي ووفاته) في آخر كتاب المغازي، وفي (باب كتابة العلم من أبواب (كتاب العلم)، ولفظه: «لما اشتدّ بالنبي ( صلی الله علیه و آله) مرضه الذي مات فيه، قال: ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي.
فقال عمر: إنّ رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله. وكثر اللغط، فقال ( صلی الله علیه و آله): قوموا عنّي، لا ينبغي عندي التنازع .
قال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله» (3)، انتهى.
ص: 34
وأخرجه أيضاً في (باب إخراج اليهود من جزيرة العرب) في كتاب الجزية والموادعة (1).
وأخرجه مسلم في صحيحه في عدة مواضع اسندها عن ابن عباس قال: «قال: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله : أنتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقال عمر: إنّ رسول الله يهجر» (2).
وأخرجه في كتاب الوصية في باب وصية النبي) (3).
أخرجه أحمد بن حنبل في مسند جابر: (أنّ رسول الله دعى عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلّوا بعده فخالف عمر بن الخطاب ، قال : إنّ النبي ليهجر ) (4).
ص: 35
ورواه الأكثر : (إنّ الرجل ليهجر)(1).
وقال أبو حامد الغزالي في ( سر العالمين): (قال عمر : دعوا الرجل، فإنّه ليهجر )(2)، وقال المولى يوسف الأعور الواسطي في كتابه: (وأما قول عمر : إنّ الرجل ليهجر)(3)، ولا فرق بين قد غلبه الوجع وبين الهجر؛ إذ غلبه الوجع لا تتحقق إلا بسلبه الاختيار، وهو معنى الهجر ، قال القاضي عياض: (معنی هجر: فحش)(4).
وبالجملة، رواية منعه عن الكتابة، ونسبته الى الهجر موجودة في الصحاح (5)، لا ينكرها مسلم.
وكذلك إغضابه لرسول الله حيث حال بينه وبين ما طلب حتى قال: ((قوموا عني)).
مسند أحمد: 222/1، وأيضاً فيه : فقال عمر: إنّ رسول الله ( صلی الله علیه و آله) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب) 325/1 ، و326، وفيه: (فقالوا:رسول الله( صلی الله علیه و آله) يهجر)،355/1.
ص: 36
قال ابن أبي الحديد عند نقله الحديث ابن عبّاس: «فقال عمر كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب على رسول الله.
[...] فلما كثر اللغط والاختلاف غضب رسول الله فقال : قوموا عنّي لا ينبغي لنبي أن يُختلف عنده هكذا، فقاموا، فمات رسول الله في ذلك اليوم.
ثم قال : هذا الحديث قد أخرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما، واتفق المحدّثون كافة على روايته»(1)، انتهى.
فإذا عرفت كيفية منع عمر لرسول الله من التصريح بخلافة علي باسمه فهي التي ذكرها بقوله: ((ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك)) (2) فاعلم أن الذي يدخل على عمر من ذلك المنع، ومن ذلك القول أمور:
الأول: أنه إيذاء لرسول الله ( صلی الله علیه و آله) حتى قال: «قوموا عنّي»، أي مُبعدين عنّي، ولا يعقل ذلك ممن قال الله تعالى له: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى
ص: 37
خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (1) إلا بعد شدّة الأذيّة، والغضب من ذلك المنع، ومن ذلك القول؟!
وقد روى ابن أبي الحديد:« فغضب عليهم رسول الله، وقال: قوموا عني» (2)، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ هُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (3)، وصح قوله﴾ : « ومن آذاني فقد آذى الله» كما في الصحيحين»(4)، وقد قال الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾(5).
وقال العلّامة الأجهوري عن التلمساني في حاشيته على الشفا للقاضي عياض في الفصل السادس والعشرين من أبواب المعجزات ما لفظه: ((إنّ أبا طالب حمى النبي ( صلی الله علیه و آله) بقوله وفعله، وفي ذكره بالمكروه أذية للنبي ( صلی الله علیه و آله)، ومؤذيه كافر، والكافر يقتل))، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، أعني قوله : ((ومؤذيه كافر))
ص: 38
فعمر آذى رسول الله ، و من آذاه كافر، فعمر كافر بالنص والإجماع .
الثاني: أنّ ذلك ردّ لقول رسول الله، والراد عليه - فيما ينبغي ضلال الأمة بعده - راد على الله ، والراد على الله كافر بالإجماع ، كما أن مؤذيه ( صلی الله علیه و آله)كافر بالنص والإجماع.
الثالث: إنّ في قول عمر: ((حسبنا كتاب الله)) إسناداً للجهل، أو الخطأ العظيم إلى رسول الله( صلی الله علیه و آله) ، لأن النبي ( صلی الله علیه و آله) إما جهل ولم يعرف أنّ في الكتاب كفاية، وأراد أن يكتب كتاباً لن يضلّوا بعده، فهو جهل بكفاية الكتاب، وعمر قد علمه، أو أنّ رسول الله مع علمه بكفاية الكتاب يريد يكتب كتاباً لن يضلوا بعده، فهو خطأ عظيم بعد وجود ما به الكفاية، وإسناد الجهل، والخطأ إلى رسول الله كفر بالله ورسوله.
الرابع: أنه مشاقة، ومعارضة لرسول الله، ومنع له عما يريد بيانه في دين الله بالضرورة، وقد قال الله(عزوجل) : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِي مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (1)، وقد اعترف عمر بأنه
ص: 39
منع رسول الله من ذلك أشد المنع(1).
الخامس : أنّ فيه حكم من عمر بغير ما أنزل الله تعالى من وجهين:
أحدهما : قوله: ((حسبنا کتاب الله)).
والثاني : الحكم بعدم اعتبار قول رسول الله في هذا الحال.
وكلاهما زور وضلال، بل كفر لقوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْكَفِرُونَ﴾ (2)، أَمَّا أَنه مما أنزل الله فلقوله: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (3) ، فأمر رسول الله ( صلی الله علیه و آله)أمر الله، وحكم عمر بالمنع حكم بغير ما أمر به الله على لسان رسوله.
السادس: أنه نسب إلى رسول الله ( صلی الله علیه و آله)البريء من كل عيب ومنقصة (الهجر) كما في بعض الصحاح التي تقدمت، أو ما هو بمعناه كما في الصحاح الأخر ، والنبي منزّه عنه باتفاق الفريقين كما اعترف به صاحب التحفة، وقد قام الإجماع على أن من
ص: 40
استنقص رسول الله كفر.
السابع : أنه كشف عن عدم إيمانه برسول الله؛ لأنه لم يمكنه من حكمه من وجهين
أوّلهما: حكم بإحضار الكتف والدواة.
والثاني : حكمه بكتابة ما يرفع الضلالة، وقد قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (1)، وقد تشاجروا واختلفوا ولم يرضوا بحكم رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، ورأى الخلاف عمر في حديث مسلم والبخاري وغيرهما(2)، بل بإقراره هو على نفسه في حديث أحمد بن أبي طاهر المتقدم ذكره أوّلاً(3)، وقد قضى رسول الله ( صلی الله علیه و آله) بإحضار الكتف والدواة ليكتب ما يرفع الضلال، فلم يؤمن عمر بقضاء رسول الله، فانتفى عنه الإيمان.
الثامن : أنّ في قوله : (غلب عليه الوجع))، أو ما في معناه
ص: 41
استخفاف واستهانة برسول الله، وهما كفر بالاتفاق، وقد توصل بها في منع الحاضرين من إحضار ما أراد رسول الله إحضاره من الكتف والدواة، فلا يمكن أن لا تكون مقصوداً له كما هو ظاهر من مجموع القصّة، فهو مستخفّ، ومستهين برسول الله بالضرورة، و لا اجتهاد في مقابل النصّ إجماعاً.
التاسع : أن قوله: ((حسبنا كتاب الله)) صريح في معارضة ما كان سمعه من رسول الله ، واتفق عليه كلّ أهل العلم بالحديث. من قوله( صلی الله علیه و آله) : «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا على الحوض»(1)، إذ لو كان الكتاب كافياً فَلِمَ قرنه رسول الله بأهل بيته، وجعلهم شركاء القرآن
ص: 42
في وجوب التمسك، وحكم بعدم إمكان افتراقها؟! فقول عمر صريح في الاعترض، والإعراض عن العترة في وجوب التمسك، وإعراض وتنكيب عما عُلم بالضرورة من قول النبي، وهو كفر بالاتفاق كما في شرح المقاصد(1).
العاشر : أنه سبب وقوع الأمة في الضلال والاختلاف إلى يوم القيامة، لأنه لو لم يمنع من كتابة الكتاب كانوا ممنوعين بكتابة رسول الله عن الوقوع بالضلال بنص النبي في كلّ طرق هذا الحديث، فعمر هو الموقع والمسبب للوقوع في الضلال بالضرورة من هذا الحديث المتواتر، فيلحقه إثم ذلك الضلال و وزر تلك الآثام الى يوم القيام.
الحادي عشر : أنه حيث علم أنه يريد نصب علي ومع ذلك فعل ما فعل، ومنعه من ذلك، فهو عناد ومعاندة للنبي، وهذا بحكم المحاربة الله ولرسوله ، والسعي بالفساد في الدين، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ
ص: 43
خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِن الْأَرْضِ ﴾(1)، قال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ما لفظه: (فأوّل تنازع في مرضه (صلّى الله عليه فيما رواه محمّد بن اسماعيل البخاري) (2)، وذكر الحديث.
فعمر أوّل من سبب الاختلاف، والافتراق، والفساد في أمّة محمد، وأراد ذلك.
ما حكاه ابن أبي الحديد في المجلد الثالث، في جزء (12)، في صفحة (105)، قال: ((روى الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات، عن عبد الله بن عبّاس قال: إنّي لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال: يا ابن عبّاس، ما أرى صاحبك إلّا مظلوماً.
فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته فانتزع يده من يدي، ومضى يُهمهم ساعة، فلحقته.
ص: 44
فقال : يابن عبّاس، ما أظنّهم منعهم منه إلّا أنه استصغره قومه.
فقلت في نفسي : هذه شر من الأولى، فقلت: والله، ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ برائة من صاحبك، فأعرض عنّي، وأسرع، فرجعت عنه))(1).
أقول : قد عرفت من ظلمه ؟ إنّها ظلمه الذي حال بين رسول ( صلی الله علیه و آله) وبين التصريح بأسم أمير المؤمنين، وكتابة الكتاب الذي لن يظلّوا بعده أبداً، والذي قال يوم نصبه رسول الله بغدير خم: (( والله، لئن مات رسول الله كل هذا تحت قدمي))، سمعه حذيفة يقول لصاحبه الأوّل، وهما في الخيمة، وحذيفة خلف الخيمة.
ما ذكره ابن أبي الحديد في الجزء (12) من المجلد الثالث، صفحة (10) قال: ((وروی عبد الله بن عمر قال: كنت عند أبي
ص: 45
يوماً وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر العرب؟
فقالوا: فلان وفلان، فطلع عبد الله بن عبّاس، فسلّم وجلس.
فقال عمر : قد جائك الخبير من أشعر الناس يا عبد الله ؟
قال: زهير بن أبي سلمى.
قال: فأنشدني ما تستجيده له.
فقال : يا أمير المؤمنين، إنّه مدح قوماً من غطفان يُقال لهم بنوسنان فقال (1):
أو كانَ يَقْعُدُ فَوقَ الشَّمسِ مِن كَرَمِ
قومٌ بِأَوْلِهِم أَو تَجدِهِم فَعَدوا
قومٌ أَبوهُم سِنانٌ حِينَ تَنسُبُهُم
طابوا وَطابَ مِنَ الأَولادِ ما وَلَدوا
إنسَ إِذا أَمِنوا جِن إِذا غَضِبوا
مُرَزؤونَ بهاليل إذا جُهدوا
ص: 46
مُحَسَّدُونَ عَلَى مَا كَانَ مِن نِعَمِ
لا يَنزِعُ اللَّهُ مِنْهُم مَا لَهُ حُسِدوا
فقال عمر: والله، لقد أحسن، وما أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من هاشم، لقرابتهم من رسول الله ( صلی الله علیه و آله).
فقال ابن عبّاس: وفقك الله يا امير المؤمنين، فلم تزل موفّقاً. قال: يابن عبّاس، أتدري ما منع الناس منكم؟
قال: لا يا أمير المؤمنين.
قال: لكنّي أدري.
قال: ماهو يا أمير المؤمنين؟
قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة، فتجحفوا الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، ووفقت فأصابت.
فقال ابن عبّاس : أيميط أمير المؤمنين عنّي غضبه، فيسمع؟
قال: قل ما تشاء.
قال: أما قول أمير المؤمنين: إنّ قريشاً كرهت، فإنّ الله تعالى
ص: 47
قال لقوم : ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَلَهُمْ ﴾(1).
وأما قولك: كنّا نجحف، فلو جحفن--ا بالخلافة جحفنا بالقرابة، لكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله ( صلی الله علیه و آله) الذي قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (2)، وقال له : ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(3) .
وأما قولك: فإنّ قريشاً اختارت، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾(4).
وقد علمت يا أمير المؤمنين، أنّ الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفّقت وأصابت.
فقال عمر : على رسلك يابن عبّاس، أبت قلوبكم يا بني هاشم، إلّا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لا يحول.
فقال ابن عبّاس: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فإنّ قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله
ص: 48
وزگاه، وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت ويطهركم تطهيرا ﴾ (1).
وأما قولك: حقداً، فكيف لا يحقد مَن غُصب شيئه، ويراه في يد غيره.
فقال عمر : أما أنت يابن عبّاس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به، فتزول منزلتك عندي.
قال: وماهو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به، فإن يك باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقاً فإنّ منزلتي عندك
لا تزول به.
قال: بلغني أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً.
قال: أما قول أمير المؤمنين : حسداً، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنّة، فنحن بنو آدم المحسود.
وأما قولك: ظلماً، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو . ثم قال: يا أمير المؤمنين، ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله ؟ واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله ؟
ص: 49
فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
فقال عمر: قم الآن، فارجع إلى منزلك.
فقام، فلما ولى هتف به عمر : أيها المنصرف، إنّي على ما كان منك لراع حقك.
فالتفت ابن عبّاس، فقال: إنّ لي عليك يا أمير المؤمنين، وعلى كل المسلمين حقاً برسول الله ( صلی الله علیه و آله)، فمن حفظه فحظ نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع، ثم مضى.
فقال عمر الجلسائه: واهاً لابن عبّاس، ما رأيته لاحى أحداً قط إلا خصمه))(1)، انتهى.
قال ابن أبي الحديد: ((ووقعت له (علیه السلام) - يعني عليّاً (علیه السلام) - في بعض الكتب على خطبة من جملتها : إن قريشاً طلبت السعادة فشقيت، وطلبت النجاة فهلكت، وطلبت الهدى فضلت، ألم يسمعوا - ويحهم - قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَنْهُمْ ذُرِّيَّهُم بِإِيمَنِ الْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ (2)، فأين المعدل، والنزع عن ذرية
ص: 50
الرسول الذين شيّد الله ،بنائهم، وأعلى رؤسهم فوق رؤسهم، واختارهم عليهم، إلّا أنّ الذريّة أفنان وأنا شجرتها، ودوحة وأنا ساقها، وإنّي من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء، كنا ظلالاً تحت العرش قبل خلق البشر ، وقبل خلق الطينة التي كان منها البشر، أشباحا عالية، لا أجسام نامية، إن أمرنا صعب مستصعب، لا يعرف كنهه إلّا ثلاثة، ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فأذا انكشف لكم سر، أو وضح لكم أمر فاقبلوه، وإلّا فاسكتوا تسلموا، وردّوا علمه إلى الله، فإنّكم في أوسع مما بين السماء والأرض))(1).
فانظر إلى قولهعلیه السلام) : ((شقيت))، و((هلكت))، و((ضلت)).
ما ذكره ابن أبي الحديد في الجزء (12) من المجلد الثالث، في صفحة (114) قال: ((روى ابن عبّاس قال: خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته، فانفرد يوماً يسير على بعيره، فابتعد.
ص: 51
فقال لي: يا ابن عبّاس، أشكو إليك ابن عمّك، سألته ان يخرج معي فلم يفعل، ولم أزل أراه واجداً، ففيم تظنّ موجدته؟
قلت: يا أمير المؤمنين، إنّك لتعلم.
قال : أظنه لا يزال كئيباً لفوات الخلافة.
قلت: هو ذاك، إنّه يزعم أنّ رسول الله أراد الأمر له.
فقال: يا ابن عبّاس، وأراد رسول الله ( صلی الله علیه و آله)الأمر له ، فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك ! إنّ رسول الله له أراد أمراً وأراد الله غيره، فنفذ مراد الله، ولم ينفذ مراد رسوله، أو كل ما أراد رسول الله كان ؟! إنّه أراد إسلام عمّه ولم يرده الله فلم يُسلم))(1).
أقول: لا يريد رسول الله أمراً من أمور الدين إلا أن يريده الله، فلا يأمر إلا بأمر الله، ولا ينطق إلّا عن الله، فإذا أقرّ عمر بأن رسول الله أراد خلافة علي من بعده فهو عين إرادة الله، لكن الإرادة تكليفية لا تكوينية، فإذا أمر بشيء فهو أمر الله، وإذا نهى عن شيء فهو نهي الله، فمن أطاع فله أجر المطيع، ومن عصى فله عقاب العاصي، ولو كان الأمر كما قال عمر لكان لكلّ عاص
ص: 52
أن يقول : أراد رسول الله منا ترك الزنا – مثلاً – لكنّ الله لم يُرد، وهكذا ..
((ما هكذا تورد يا سعد الابل).
إنّ عمر يمرّ على وجهه في الكلام، ولا يدري ما يدخل عليه، فإنّه نسب في هذا الكلام إلى رسول الله ( صلی الله علیه و آله)أنه يريد أن يعمل في الدين ما لا يريده الله، وأنّ عمر أراد ما أراده الله ورسول الله لا يريد ما أراد الله ، فإرادة رسول الله مخالفة لإرادة الله، وإرادة عمر موافقة لإرادة الله تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
وبالضرورة إن إرادات رسول الله هي إرادة الله، وكل ما أراده رسول الله أراده الله من كره إرادة رسول الله فقد كره إرادة الله، وعصاه، وشقي، وهلك، وضلّ، كما نص عليه أمير المؤمنين في خطبته المتقدمة.
وتصريحه بأنّ المهاجرين الأولين – يعني نفسه وأصحابه – هم الذين صرفوها عنه بادئ بدء.
ص: 53
أخرج أبو جعفر محمّد بن حبيب في أماليه (1) الحديث بذلك، و حكاه ابن أبي الحديد عنه في الجزء (12) من المجلد الثالث صفحة (115)، قال: ((وقد روي عن ابن عباس أيضاً قال: دخلت على عمر يوماً فقال: يا ابن عباس، لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء.
قلت: من هو؟
فقال:هذا ابن عمك - يعني عليا -.
قلت : وما يقصد بالرياء يا أمير المؤمنين؟
قال: يُرشّح نفسه بين الناس بالخلافة.
قلت: وما يصنع بالترشح ؟! وقد رشحه رسول الله ص لها فصُرفت عنه.
قال : إنّه كان شاباً حدثاً فاستصغرت العرب سنه، وقد كمل الآن، ألم تعلم أنّ الله تعالى لم يبعث نبياً إلا بعد الأربعين.
قلت: يا أمير المؤمنين، أمّا أهل الحجى والنهى فإنهم مازالوا يعدونه كاملاً منذ رفع الله منار الإسلام، ولكنهم يعدونه محروماً مجدوداً.
ص: 54
فقال : أما إنّه سيليها بعد هياط ومياط (1)، ثم تزل فيها قدمه، ولا تقضى منه إربه ، ولتكونّن شاهد ذلك يا عبد الله، ثم تبيّن الصبح لذي عينين ، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الأولين الذين صرفوها عنه بادئ بدء، فليتني أراكم بعدي.
يا عبد الله، إنّ الحصر محرّمة، وإنّ دنياك كظلك كلّما هممت به ازداد عنك بعداً.
نقلت هذا الخبر من أمالي أبي جعفر محمّد بن حبيب))(2)،انتهى كلام ابن أبي الحديد.
أما نسبة الرياء والحرص إلى علي(علیه السلام) فهو من أقبح الافتراءات التي يكذبها الله عزّ وجل بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ (3) ، فهو طاهر مطهر من كلّ دنية، وهو من رسول الله بمنزلة الضوء
ص: 55
من الضوء، وهو ولي الله الذي قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾(1) ، وهو ربّاني هذه الأمة، لكن ابن الخطاب يقيس غيره على نفسه!
وأما قوله : ((إنّ الله لم يبعث نبياً إلا بعد الأربعين)) فجهل صرف، وقد بعث عيسى (علیه السلام) وهو في المهد كما نص به القرآن(2)، لكنّ ابن الخطاب يمرّ على وجهه في الكلام، ولا يدري ما يدخل عليه منه.
وأما قوله : ((ولا يقضي منها اربه))، فكلام صحيح، فإنّه أسس سبب ذلك، ورشّح معاوية بن أبي سفيان لمعارضة علي إذا ولي الخلافة، وجعلها شورى أيضاً لذلك، حتى يطمع بها كلّ أولئك، ولذا لم يبايع بعض أهل الشورى علياً، ومن بايع نكث، كلّ ذلك من تأسيسات ،عمر، ورتّب الأمر على وجه لا يتمّ لأحد بعده، وقد عرف ذلك أهل الحجي، وأهل العلم بأحوال المهاجرين الأولين.
ص: 56
ما رواه أبو بكر الأنباري في أماليه، حكاه عنه ابن أبي الحديد في الصفحة المذكورة - أعني صفحة (115) من المجلد الثالث -، قال: ((إنّ علياً(علیه السلام) جلس إلى عمر في المسجد، وعنده ناس، فلما قام عرّض واحد بذكره ونسبه إلى التيه والعجب، فقال عمر: حق لمثله أن يتيه، والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها، وذو شرفها.
فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه ؟
قال: كرهناه على حداثة السنّ، وحبّه بني عبد المطلب))(1).
ثم قال ابن أبي الحديد بلا فصل: ((قلت: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد، وقد قرأت عليه هذه الأخبار، فقلت له : ما أراها إلّا تكاد تكون دالّة على النص، ولكنّي أستبعد أن تجتمع الصحابة على دفع نص رس--ول الله على شخص بعينه، كما استبعد ناس من الصحابة على ردّ نصه على الكعبة، وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين.
ص: 57
فقال(رحمه الله) : أبيت إلّا ميلا إلى المعتزلة، ثمّ قال: إنّ القوم لم يكونوا يذهبون إلى أنها من معالم الدين، وأنها جارية مجرى العبادات الشرعية كالصلاة والصوم، ولكنهم كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية، ويذهبون ويرون أن هذا مثل تأمير الأمراء، وتدبير الحروب، وسياسة الرعيّة، وما كانوا بهذا الأمر وأمثال هذا من (1)مخالفي نصوصه (علیه السلام) إذا رأوا المصلحة في غيرها، ألا تراه كيف نص على إخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة(2) ولم يخرجا، لما رأيا أنّ في مقامها مصلحة(3) للدولة والملة، وحفظاً للبيضة،
ص: 58
ودفعاً للفتنة، وقد كان رسول الله ( صلی الله علیه و آله) يخالف وهو حي في أمثال ذلك، فلا يُنكره، ولا يرى به بأساً.
ألست تعلم أنه نزل في غزاة بدر منزلاً على أن يُحارب قريشاً فخالفته الأنصار، وقالت ليس الرأي في نزولك هذا المنزل فاتركه وانزل في منزل كذا ، فرجع الى آرائهم، وهو الذي قال (1) للأنصار عام قدم إلى المدينة : لا تؤبروا النخل (2) فعملوا على قوله، فحالت نخلهم في تلك السنة ولم تثمر ، حتى قال لهم : أنتم أعرف بأمر دنياكم، وأنا أعرف بأمر دينكم.
وهو الذي أخذ الفداء من أساری بدر، فخالفه عمر، فرجع إلى تصويب رأيه ، بعد أن فات الأمر، وخلص الأسرى، ورجعوا الى مكة.
وهو الذي أراد أن يصالح الأحزاب على ثلث تمر المدينة فيرجعوا عنه، فأبى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة ذلك، وخالفاه، فرجع إلى قولها.
ص: 59
وقد كان قال لأبي هريرة: اخرج فناد في الناس: من قال لا اله إلّا الله مخلصاً قلبه دخل الجنة .
فخرج أبو هريرة، فأخبر عمر بذلك فدفعه في صدره حتى وقع إلى الأرض، وقال: لا تقلها، فإنّك إن قلتها يتكلوا عليها ويدعوا العمل، فأخبر أبو هريرة رسول الله ( صلی الله علیه و آله) بذلك، فقال : لا تقلها، وخلّهم يعملون، فرجع إلى قول عمر.
وقد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ؛ لما رأوا المصلحة في ذلك، كإسقاطهم سهم ذوي القربى(1)، وإسقاطهم سهم المؤلّفة قلوبهم، وهذان الأمران أدخل في باب الدين منهما في باب الدنيا.
وقد عملوا بآرائهم أموراً لم يكن لها ذكر في الكتاب والسنة كحدّ الخمر ، فإنهم عملوه اجتهاداً، ولم يحد رسول الله ( صلی الله علیه و آله) من شارب الخمر، قد شربها الجمع الغفير في زمانه بعد نزول آية التحريم (2).
ص: 60
ولقد كان أوصاهم في مرضه أن أخرجوا نصارى نجران من جزيرة العرب، فلم يُخرجوهم حتى مضى صدر من خلافة عمر، وعملوا في أيام أبي بكر برأيهم في ذلك باستصلاحهم.
وهم الذين هدموا المسجد بالمدينة، وحوّلوا المقام بمكة، وعملوا بمقتضى ما يغلب في ظنونهم (1) من المصلحة، ولم يقفوا مع موارد النصوص، حتى اقتدى بهم الفقهاء ومن بعدهم، فرجّح كثير منهم القياس على النصّ، حتى استحالت الشريعة، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة.
إلى أن قال: والقوم الذين كانوا قد غلب على ظنهم أن العرب لا تطيع علياً(علیه السلام) فبعضها للحسد، وبعضها للوتر والثار، وبعضها لاستحداثهم سنه ، وبعضها لاستطاعته عليهم ورفعه عنهم، وبعضها كراهية اجتماع النبوّة والخلافة في بيت واحد، وبعضها للخوف من شدّة وطأته وشدته في دين الله، وبعضها لرجاء تداول قبائل العرب الخلافة إذا لم يقتصر بها على بيت مخصوص عليه، فيكون رجاء كل حي لوصولهم إليها ثابتاًمستمرا.
ص: 61
وبعضها يبغضه لبغضهم من قرابة رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، وهم المنافقون من الناس، ومن في قلبه زيغ من أمر النبوة، فاصفقها الكلّ إصفاقاً واحداً على حرف الأمر لغيره، فقالوا (1)رؤساؤهم: بأنا خفنا الفتنة، وعلمنا أن العرب لا تطيعه وتتركه، وتأوّلوا عند أنفسهم النص، ولا ينكرون النص، وقالوا: أنه لنص، ولكنّ الحاضر يرى ما لا يری
الغائب.
والنص قد يُترك لأجل المصلحة الكلية، وأعانهم على ذلك مسارعة الأنصار ، وادّعائهم الأمر، وإخراجهم سعد بن عباده من بيته وهو مريض لينصبوه خليفة زعموا واختلفوا، واختلط الناس، وكثر الخبط، وكادت الفتنة أن يضطرم نارها، فوثب رؤساء المهاجرين فبايعوا أبا بكر، وكانت فلتة كما قال قائلهم، وزعموا أنهم أطفاؤا بها نائرة الأنصار، فمن سكت من المسلمين، واغضى، ولم يعترض فقد كفاهم أمر نفسه، ومن قال سراً، أو جهراً : إن فلا قد كان رسول الله ( صلی الله علیه و آله)ذكره، أو نص عليه، أو أشار إليه أسكتوه في الجواب بأنا بادرنا إلى عقد البيعة مخافة
ص: 62
الفتنة، واعتذروا عنده ببعض ما تقدّم، أما أنه حدث السن، أو تبغضه العرب لأنه وترها، وسفك دمائها، أو لأنه صاحب زهو وتيه، أو كيف تجتمع النبوّة والخلافة في مفرش واحد.
بل قد قالوا في العذر ما هو أقوى من هذا وآكد، قالوا: أبو بكر أقوى على هذا الأمر منه ، لا سيّما وعمر يعضده ويساعده، والعرب تحبّ أبا بكر، ويعجبها لينه، ورفقه، وهو شيخ مُجرّب للأمور، لا يحسده أحد، ولا يحقد عليه أحد، ولا يبغضه أحد، وليس بذي شرف في النسب فيشمخ على الناس بشرفه، ولا ذي قربي من رسول الله فيُدلّ بقربه.
ودع ذا كلّه، فإنّه فضل مستغنى عنه، قالوا: ولو نصبنا علياً ارتد الناس عن الإسلام، وعادت الجاهلية كما كانت، فأيما صح في الدين، الوقوف مع النصّ المفضي إلى ارتداد الخلق، ورجوعهم إلى الأصنام والجاهلية أم العمل بمقتضى الأصلح، واستبقاء الدين، واستدامة العمل بالدين وإن كان فيه مخالفة النص؟
قال(رحمه الله) : وسكت الناس عن الانكار لأنهم متفرقين، ومنهم من هو مبغض شانيء لعلي (علیه السلام)، فالذي تمّ من صرف الأمر عنه
ص: 63
قرة عينه، وبرد فؤاده، ومنهم ذو الدين، وصحة اليقين، إلا أنه لما رأى بعضاً من الصحابة قد اتفقوا على صرف الأمر عنه ظنّ أنّهم إنّما فعلوا ذلك خلاف النصّ من رسول الله ( صلی الله علیه و آله) بنسخ ما قد كان سمعه من النصّ على أمير المؤمنين(علیه السلام) ، سيما ما رواه أبو بكر من قول النبي ( صلی الله علیه و آله): الأئمة من قريش (1)، فإنّ كثيراً من الناس توهموا أنه ناسخ للنص الخاص، وأن معنى الخبر: أنكم مباحون في نصب إمام من قريش من أي بطون قريش كان، فإنّه يكون إماماً.
وأكد أيضاً في نفوسهم رفض النصّ الخاص ما سمعوه من قول رسول الله ( صلی الله علیه و آله): ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن (2)، وقوله : سألت الله أن لا تجتمع أمتي على ضلال فاعطانيها (3)، فأحسنوا الظن بعاقدي البيعة، وقالوا: هؤلاء أعرف بأغراض رسول الله من كلّ أحد فامسكوا، وكفوا عن الإنكار.
ص: 64
ومنهم فرق أخرى، وهم الأكثرون أعراب، وجفاة، و طغام، وأتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، فهؤلاء مقلّدة لا يَسألون، ولا ينكرون، ولا يبحثون، وهم مع أمرائهم، وولاتهم، لو أسقطوا عنهم الصلاة الواجبة لتركوها، فلذلك أمحق النص، وخفي، ودرس، وقويت كلمة العاقدين لبيعة أبي بكر، وقوّاها زيادة على ذلك اشتغال علي (علیه السلام) وبني هاشم برسول الله، وإغلاق بابهم عليهم، وتخليتهم الناس يعملون ما شاؤا، وأحبوا من غير مشاورة، وغير مشاركة لهم فيما هم فيه، لكنهم أرادوا استدراك ذلك بعدما فات وهيهات الفايت رجعة له.
وأراد علي (علیه السلام) بعد ذلك نقض البيعة فلم يتم له ذلك، وكانت العرب لا ترى الغدر ولا تنقض البيعة، صواباً كانت أو خطأ، وقد قالت له الانصار وغيرها: أيها الرجل لو دعوتنا إلى نفسك قبل البيعة لما عدلنا بك أحداً، ولكنا قد بايعنا فكيف السبيل إلى نقض البيعة بعد وقوعها ؟!
قال النقيب (رحمه الله) : ومما جرَّء عمر على بيعة أبي بكر، والعدول عن
علي (علیه السلام)مع ما كان يسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره، أنه أنكر على
ص: 65
الرسول أموراً اعتمدها، فلم ينكر عليه رسول الله ( صلی الله علیه و آله) إنكاره، بل رجع في كثير منها إليه، وأشار عليه بأمور كثيرة نزل القرآن فيها بموافقته، فأطمعه ذلك في الإقدام على اعتماد كثير من الأمور التي كان يرى فيها المصلحة، مما هي على خلاف النص، وذلك نحو إنكاره في الصلاة على عبد الله بن أُبي المنافق، وإنكاره فداء أسارى
بدر، وإنكاره عليه تبرّج نسائه للناس، وإنكاره قضية الحديبية، وإنكاره أمان العباس لأبي سفيان بن حرب، وإنكاره واقعة أبي حذيفة بن عتبة ، وإنكاره أمره ( صلی الله علیه و آله)بالنداء: من قال لا إله إلا الله دخل الجنّة، وإنكاره أمره أصحابه بذبح النواضح، وإنكاره على النساء بحضرة رسول الله هيبتهن له دون رسول الله ( صلی الله علیه و آله) ، إلى غير ذلك من أمور كثيرة، يشمل عليها كتب الحديث، ولو لم يكن إلّا إنكاره قول رسول الله في مرضه : أيتوني بدواة وكتف، أكتب لكم ما لا تضلّون ،بعده، وقوله ما قال، وسكوت رسول الله ( صلی الله علیه و آله) عنه وأعجب الأشياء أنه قال ذلك اليوم: حسبنا کتاب الله ! فافترق الحاضرون من المسلمين في الدار فبعضهم يقول : القول ما قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، وبعضهم يقول : القول ما قال عمر، فقال رسول
ص: 66
الله( صلی الله علیه و آله) وقد أكثر اللغط ، وعلت الأصوات: قوموا عنّي، فما ينبغي
لنبي ان يكون عنده هذا التنازع.
فهل بقي للنبوّة مزيّة، أو فضل ؟ ! إذا كان الاختلاف قد وقع بين القولين، وميل المسلمين بينهما، فرجّح قوم هذا وقوم هذا، أفليس ذلك دال على أن القوم سووا بينه وبين عمر، وجعلوا القولين مسألة خلاف ذهب كل فريق منهم إلى نصرة واحد منهما، كما يختلف اثنان من عرض المسلمين في بعض الأحكام، فينصر قوم هذا وينصر ذاك آخرون، فمن بلغت قوته، وهمته إلى هذا كيف يُنكر منه أن يبايع أبا بكر لمصلحة رآها، ويعدل عن النص ؟ ومن الذي كان يُنكر عليه ذلك وهو في القول الذي قاله للرسول في وجهه غير خائف من الإنكار، ولا أنكر عليه أحد لا رسول الله ولا غيره، وهو أشدّ من مخالفة النص في الخلافة، واقطع، واشفع.
قال النقيب: على أنّ الرجل ما أهمل أمر نفسه، بل أعدّ أعذاراً وأجوبة، وذلك لأنّه قال لقوم عرّضوا له بحديث النص: إنّ رسول الله رجع عن ذلك بإقامة أبا بكر في الصلاة مقامه،
ص: 67
وأوهمهم أنّ ذلك جار مجرى النصّ عليه بالخلافة، وقال يوم السقيفة: أيكم تطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول الله في الصلاة، ثمّ أكّد ذلك بأن قال لأبي بكر وقد عرض عليه البيعة: أنت صاحب رسول الله ( صلی الله علیه و آله) في المواطن كلّها، شدّتها ورخائها، رضيك لديننا أفلا نرضاك لدنيانا، ثمّ عاب علياً(علیه السلام) بخطبته بنت أبي جهل، وأوهم أنّ رسول الله كرهه لذلك، ووجد عليه، وأرضاه عمر بن العاص، فروى حديثاً افتعله، واختلقه على رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، قال سمعته يقول: إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنّما وليي الله وصالح المؤمنين، فجعلوا ذلك كالناسخ صلى الله لقوله ( صلی الله علیه و آله): من كنت مولاه فهذا مولاه (1).
قلت للنقيب : أ يصح النسخ في مثل هذا؟ ليس هذا نسخاً للشيء قبل تقضي وقت فعله؟
فقال: سبحان الله ! من أين تعرف العرب هذا؟ وأنّى لها أن تتصوّره فضلاً عن أن يُحكم بعدم جوازه، وهل يفهم حداق الأصوليين هذه المسألة، فضلاً عن حمقى العرب، هؤلاء قوم
ص: 68
ينخدعون بأدنى شبهة، ويُستمالون بأضعف سبب، وتبنى الأمور معهم على ظواهر النصوص، وأوائل الأدلّة، وهم أصحاب جُمل وتقليد، لا أصحاب تفصيل ونظر.
قال (رحمه الله): ثم أكد حسن ظنّ الناس بهم أنهم أطلقوا أنفسهم عن الأموال، وزهدوا في متاع الدنيا وزخرفها، وسلكوا مسلك الرفض لزينتها، والرغبة عنها، والقناعة بالطفيف النزر منها، واكلوا الخشن، ولبسوا الكرابيس، ولما ألقت إليهم الدنيا أفلاذ كبدها وفّروا الأموال على الناس، وقسموها بينهم، ولم يتدنّسوا منها بقليل ولا كثير، فمالت إليهم القلوب، وأحبتهم النفوس، وحسنت فيهم الظنون ، وقال من كان في نفسه شبهة منهم، أو وقفة في أمرهم : لو كان هؤلاء قد خالفوا النص لهوى أنفسهم لهادنوا أهل الدنيا، ولظهر عليهم الميل إليها، والرغبة فيها، والاستيثار بها، وكيف يجمعون على أنفسهم بين مخالفة النص وترك لذات الدنيا ومآربها، فيخسروا الدنيا والآخرة، وهذا لا يفعله عاقل، والقوم عقلاء ذووا ألباب وآراء صحيحة.
فلم يبق عند أحد شكّ في أمرهم، و لا ارتياب بفعلهم،
ص: 69
وبنيت العقائد على ولايتهم، وتصويب أفعالهم، ونسوا لذة الرئاسة، وأن أصحاب الهمم العالية لا يلتفتون إلى المآكل والمشارب والمناكح، وإنما يريدون الحكم، والرئاسة، ونفوذ الأمر كما قال الشاعر :
وقد رغبت عن لدّةِ المالِ أنفس
وما رغبت عَن لذةِ النهي والأمر
قال (رحمه الله) : والفرق بين الرجلين وبين الثالث، ما أُصيب الثالث وقتل تلك القتلة، وخلعه الناس، وحصروه، وضيقوا عليه، بعد أن توالى إنكارهم أفعاله، وجبهوه في وجهه، وفسقوه، وذلك لأنه استأثر هو وأهله بالأموال، وانغمسوا فيها، واستبدوا بها، فكانت طريقته وطريقتهم مخالفة لطريقي الأولين، فلم تصبر العرب على ذلك، ولو كان عثمان سلك طريق عمر في الزهد، وجمع النفس، وردع الأمراء والولاة عن الأموال، وتجنّب استعمال أهل بيته، ووفّر أعراض الدنيا، وملاذها، وشهواتها على الناس، زاهداً فيها، تاركاً لها، معرضاً عنها، لما ضره شيء قط، و لا أنكر عليه أحد قط ، ولو حوّل الصلاة من الكعبة إلى بيت
ص: 70
المقدس، بل لو أسقط عن الناس أحد الصلوات الخمس، واقتنع منها بأربع، وذلك لأنّ همم الناس مصروفة إلى الدنيا والأموال، فإذا وجدوها سكتوا، وإذا فقدوها هاجوا واضطربوا، ألست تری رسول الله ( صلی الله علیه و آله) كيف قسم غنائم هوازن على المنافقين، وعلى أعدائه الذين يتمنون ،قتله، وموته، وزوال دولته، فلما أعطاهم أحبّوه أما كلّهم أو أكثرهم، ومن لم يحبّه منهم بقلبه جامله وداراه، وكف عن إظهار عداوته، والإجلاب عليه، ولو أن علياً (علیه السلام)صانع أصحابه بالمال، وأعطاه الوجوه والرؤساء لكان أمره إلى الانتظام والاطراد ،اقرب لكنه رفض جانب التدبير الدنيوي، وآثر لزوم الدين، وتمسّك بأحكام الشريعة، والملك أمر آخر غير الدين، فاضطرب عليه أصحابه، وهرب كثير منهم إلى عدوّه.
وقد ذكرت في هذا الفصل خلاصة ما حفظته عن النقيب أبي جعفر(رحمه الله) ، و لم يكن إمامي المذهب ، و لا كان يبرىء من السلف الصالح، ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة، ولكنّه كلام أجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه، على أن العلوي لو كان كرامياً لا بد أن يكون عنده نوع من تعصب، وميل على الصحابة
ص: 71
وإن قل» (1)، انتهى كلام ابن أبي الحديد عامله الله بعدله.
والذي هو أقرح لقلبه، وأصرح في هدم عقيدته الفاسدة ما قاله أبو حامد الغزالي في باب المقالة الرابعة، وهي في ترتيب الخلافة، وهل هي بالنصّ، والحجّة على خلافة الوصي وبطلان خلافة غيره، بما لفظه بحروفه: «لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته( صلی الله علیه و آله) يوم غدير خم باتفاق الجميع ، وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وآل من والاه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ ،مولى، فهذا تسليم رضى وتحكيم.
ثم بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى وقعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار، وسقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأوّل، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون.
ص: 72
ولما مات رسول الله ( صلی الله علیه و آله) قال قبل وفاته: ايتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي، فقال عمر : دعوا الرجل، فإنّه ليهجر» (1) ، إلى آخر كلامه.
فالذي حمله على هذه الجرائة التي تكاد السماوات تنفطر منها، وتنشق الأرض، وتُهدّ الجبال هدّا، شدّة حبّه للرئاسة، وبغضه لأمير المؤمنين، فضاق به الخناق، وعرف أنه إن لم يسلك هذا المسلك الوعر الذي يُغضب رسول الله ويسكته، يتم الأمر لعلي على وجه لا يمكن لأحد معارضته فيه، وكذلك رسول الله ( صلی الله علیه و آله) ضاق به الخناق حتى طلب الدواة والكتف ليكتب ما لا يمكن المناقشة فيه، حيث أنه رآهم يتأوّلون ما قاله في خطبته في يوم الغدير، وعرف تعاقدهم على خلافه في ذلك، فجهز جيش أسامة، وأمرهم أن يخرجوا مع الجيش، حتى لا يبقى معارض لأمير المؤمنين عند وفاته ( صلی الله علیه و آله)، ويصفوا الأمر لأمير المؤمنين، فرآهم أنهم خطوا لذلك لما عرفوا اشتداد مرضه، فتخلّفوا عن جيش أسامة، وطرق المدينة بعضهم ليلاً، فقال ( صلی الله علیه و آله): «طرق المدينة
ص: 73
شر عظيم» (1) ، فلما أصبحوا جاؤا إلى عيادته فقال: ألم أقل جهزوا جيش أسامة، لعن الله مَن تخلّف عن جيش أسامة، فقالوا: ما كنّا نسأل الركبان عنك يا رسول الله، فقال: ايتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا، لما عرف أنهم لا ينصرفون مع أسامة، ويبقون في المدينة ينتظرون موته، واغتصاب مقام أمير المؤمنين إذ لم يبق لرسول الله حيلة إلّا أن يكتب ذلك في كتاب لا يأتيه الباطل.
فلما سمعوا ذلك من رسول الله ضاقت بهم الدنيا، فتقدّم عمر إلى منعه بأقبح الوجوه، وأشنعها كما عرفت، وما زال رسول الله ( صلی الله علیه و آله) يتجرع من هذا الفظ الغصص، ويشرب منه الرنق(2)، كما عرفت من إنكاراته على رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، ورسول الله يسكت عنه تكرّماً كما عادته مع أمثاله من جهال قومه.
وكلّ الصحابة تعرف عمر بالفضاضة والغلظة، حتى قال طلحة لأبي بكر : ((ما تقول لربّك إذ وليت علينا فظا غليظاً)) (3)،
ص: 74
وما رُؤي إلّا طائشاً، ، و مستطيراً في جميع أحواله.
وقد اعترف صاحبه طوعاً: أنّ له شيطاناً يعتريه عند غضبه(1)، فما قولك في عمر؟! فإنّ له شياطين، وهو المعروف بالجد، والعجلة، والمشهور بالفظاظة والغلظة، فهو على التحقيق مجاهر في الرد على رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، ومحارب له حرباً اقتصادياً، ومن جملة قوله يوماً والناس عنده: ((والله، ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فقد ورّطت في أمر عظيم))(2).
ومن غباوته ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر : (أنّ عمر تعلّم سورة البقرة في اثني عشر سنة، فلما ختمها نحر جزوراً)(3).
وروى ابن سيرين :(أنّ عمر في آخر أيامه اعتراه نسيان كان ینسی عدد ركعات الصلاة، فجعل أمامه رجلاً يلقنه، فإذا أومأ إليه أن يقوم أو يركع فعل)(4).
ص: 75
قال أحمد بن تيمية : ( ولعُمر غلطات، وأي غلطات) (1).
أقول:
ومنها: تأخيره المقام إلى موضعه اليوم، وكان ملصقاً بالبيت.
ومنها : إسقاط سهم ذوي القربي، حتى لا يبقى في أيديهم شيء من المال ترغب الناس إليهم من جهته، وهو الوجه في غصب فدك فاطمة (علیه السلام).
ومنها : أنه خطب فقال: (لا ينبغي ان امرأة تجاوز صداقها صداق نساء رسول الله ( صلی الله علیه و آله) إلا ارتجعت ذلك منها، فقامت إليه امرأة فقالت: والله ما جعل الله ذلك لك، إنّه تعالى يقول: وان ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَثَهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ (2)، فقال عمر: ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت، ناضلت إمامكم فنضلته)(3).
أقول : إنما العجب من دعواك الإمامة وانت لا تعرف من الدين موضع قدمك.
ص: 76
و ((كان يعس ليلة فمر بدار، فسمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوّر، فوجد رجلاً عنده امرأة وزق خمر، فقال: يا عبد الله، أظننت أنّ الله يسترك وانت على معصيته؟ فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين، إن كنت أخطأتُ في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ (1) وقد تجسّست، وقال: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ (2) وقد تسوّرت، وقال: ﴿فَإِذَا َخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا ﴾ (3) على أهلها وما سلمت، فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، والله لا أعود، فقال: اذهب فقد عفوت عنك))(4).
وقرأ يوماً في المسجد حتى انتهى إلى قوله تعالى: ﴿ وَفَكِهَةً وَأَبَا﴾ (5)، ((فقال : ما الأب؟ ثمّ قال: إنّ هذا لهو التكلّف ! وما
ص: 77
عليك يا ابن الخطاب أن لا تدري ما الأب !)(1).
ومنها قوله على رؤوس الملأ: ((متعتان كانتا على عهد رسول الله (علیه السلام)أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليها (2).
وهذا لفظ قبيح لو صح ، فكيف إذا فسد؟ لأنه ليس ممن يُشرع فيقول هذا القول، ولأنه يوهم مساواته الرسول في الأمر والنهي، وأنّ اتباعه أولى من اتباع الرسول))(3).
ومنها : أنّه أمر برجم ،حامل، فنهاه معاذ بن جبل، وقال: إن يكن لك عليها سبيل ، فلا سبيل لك على ما في بطنها، فرجع عن حكمه، وقال: (( لولا معاذ لهلك عمر )) (4)، ومن يجهل هذا المقدار كيف يصح أن يكون إماما ؟
ومنها : أنه أمر برجم المجنونة فنهاه أمير المؤمنين، وقال: ((إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق، فقال عند ذلك: لولا
ص: 78
علي لهلك عمر )) (1).
ومنها : أنه كان يتلوّن في الأحكام، حتى روي أنه قضى في الحدّ سبعين قضيّة، وروي مائة قضية.
ولو أردنا استقصاء غلطاته، وفضاضاته، وجهله حتى بظواهر الشرعية(2) التي لا تخفى على البسطاء لطال بنا المقام.
والغرض من هذه الرسالة بيان وضوح النص على أمير المؤمنين، حتى لم يمكن لعمر انكاره ، وأقر به مرات عديدة حتى تكون الحجّة على من أنكر النص أبلغ وأبلج، ويكون الإنكار لخلافة أمير المؤمنين من أوضح أقسام الكفر بها، والجحود لها، والله ولي المؤمنين، وعدو الكافرين.
حرّرها مؤلّفها الراجي فضل ربه ذي المنن أبو محمد الحسن المعروف بالسيّد حسن صدر الدين الموسوي الكاظمي عفى الله عنه، في غرة ربيع الأول س--------1338هنة.
ص: 79
أنّ رجلاً من علماء أهل السنة قال: كيف تقولون فيما لا يمكن إنكاره من فتوحات الشيخين، وبالخصوص عمر بن الخطاب، فإنّه الذي فتح أكثر البلاد؟
فقلت له: إن الفتوحات لا تدلّ على شيء؛ لأنّ البخاري أسند في صحيحه عن رسول الله ( صلی الله علیه و آله) أنه قال: ((إن الله لينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم))، أي لا إيمان لهم، فلا يدلّ الفتح على إيمان الفاتح من حيث إنّه فاتح، فلعله ممن لا خلاق له، فمن أراد أن يُثبت لعمر فضلاً وجلالة عند الله من باب أنّه فاتح خصم بقول رسول الله: «إنّ الله لينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم»، وانسدّ عليه الاستدلال بكثرة الفتوحات، فكأنّه أُلقم حجراً.
ربّما يسبق إلى الذهن إنكار قصة حبل الرجل، ودالّته الطويلة.
فاعلم : أن ابن عبد البر ذكرها بطولها في العقد الفريد، غير
ص: 80
أنه نسبها إلى أنها وقعت مع رجل من اليهود، من أهل المدينة، في عصر رسول الله، فعلم أن لا استبعاد في أصل القصة، وهي من القصص الدالّة على صحة نبوّة رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، وصحة معجزاته، وإنّ منكرها يمكن أن يُبتلى بهذه البلية فافهم.
ولا تنكر وقوعها مطلقاً، وحقق أنها مع من وقعت، و مَن كان المنكر في قلبه لمعجزات رسول الله؟، على أنه إذا جاز أن تقع مع اليهودي المنكر، يجوز أن تقع مع منكر آخ ، والله على كلّ شيء قدير.
وبالجملة، الغرض أنّ القصّة ليست مختلقة، إنما الخلاف مع من اتفقت مع رجل من اليهود؟ وقال غيره: إنها اتفقت مع شيخ من المهاجرين المنافقين في الدين.
ص: 81
ص: 82
1-((المدائني عن أبي الوليد المكي قال : قال ابن عباس : خرجت مع عمر في بعض أسفاره فإنّا لنسري ليلة، وقد دنوت منه إذ ضرب مقدّم رحله بسوطه وقال:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ
وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلُ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرعَ حَوْلَهُ
وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
ثم قال: استغفر الله، وسار فلم يتكلّم إلا قليلاً ثمّ قال:
وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةٌ مِنْ مُحَمَّدِ
ص: 83
أَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ
وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ المتجرّد
ثم قال : استغفر الله ، يا بن عبّاس، أبوك عم رسول الله، وأنت ابن عمه، فما منع قومكم منكم؟
قال: قلت: لا أدري.
قال: لكنّي أدري، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة)))(1) .
وبطرق أخرى، وبزيادة على ما تقدّم، منها:
2-((حدثنا أبو الوليد المكي عن رجل من ولد طلحة عن ابن عبّاس قال: خرجت مع
عمر في بعض أسفاره فإنا لنسير ليلة وقد دنوت منه إذ ضرب مقدم رحله بسوطه وقال:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ
وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلُ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ
وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
ص: 84
ثمّ قال: أستغفر الله، ثم سار فلم يتكلّم قليلاً، ثمّ قال:
وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةٌ مِنْ مُحَمَّدِ
وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ
وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ المتجرّد
ثمّ قال : أستغفر الله ، يا ابن عبّاس، ما منع علياً من الخروج معنا؟
قلت: لا أدري.
قال: یا ابن عبّاس أبوك عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت ابن عمه، فما منع
قومكم منكم؟
قلت: لا أدري.
قال لكني أدري، يكرهون ولايتكم لهم.
قلت: لم؟! ونحن لهم كالخير.
قال: اللهم غفراً، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة، فيكون بجحاً بجحاً (1)، لعلكم تقولون: إن أبا بكر قفل ذلك،
ص: 85
لا والله، ولكنّ أبا بكر أتى أحزم ما حضره، ولو جعلها لكم ما نفعكم مع قربكم، أنشدني لشاعر الشعراء زهير قوله(1):
إِذَا ابْتَدَرَتْ قَيْسُ بْنُ عَيْلَانَ غَايَةً
مِنَ الْمَجْدِ مَنْ يَسْبِقُ إِلَيْهَا يُسَوَّدِ
فأنشدته وطلع الفجر.
فقال : اقرأ (الواقعة) فقرأتها، ثم نزل فصلّى وقرأ بالواقعة)(2).
((حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن رجل عن عكرمة
عن ابن عبّاس قال: بينما عمر بن الخطاب وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم : فلان أشعر، وقال بعضهم: بل فلان أشعر ، قال : فأقبلت فقال عمر : قد جاءكم أعلم الناس بها، فقال عمر : مَن شاعر الشعراء يا ابن عبّاس؟
قال: فقلت: زهير ابن أبي سلمى.
ص: 86
فقال عمر : هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت.
فقلت امتدح قوماً من بني عبد الله بن غطفان فقال(1):
لو كانَ يَقعُدُ فَوقَ الشَّمسِ مِن كَرَم
قوم بأولهم أو مَحدِهِم فَعَدوا
قَومٌ أَبوهُم سِنانٌ حِينَ تَنسُبُهُم
طابوا وَطابَ مِنَ الأَولادِ ما وَلَدوا
إنس إذا أَمِنوا جِن إِذا غَضِبوا
مرزؤونَ يَهاليلُ إِذا جُهدوا
مُحَسَّدونَ عَلَى مَا كَانَ مِن نِعَمِ
لا يَنزِعُ اللَهُ مِنْهُم مَا لَهُ حُسِدوا
فقال عمر أحسن والله ، وما أعلم أحداً أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم لفضل رسول الله ، وقرابتهم منه.
فقلت: وفقت يا أمير المؤمنين، ولم تزل موفّقاً.
فقال : يا ابن عبّاس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد؟
فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يُدريني.
ص: 87
فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لانفسها، فأصابت، ووفقت.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في كلام، وتمط عني الغضب تكلّمت.
فقال: تكلّم يا ابن عبّاس.
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ((اختارت قريش لانفسها فأصابت، ووفقت)) فلو أنّ قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود، ولا محسود.
وأما قولك : ((إنّهم كرهوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة)) فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالكراهية فقال: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَلَهُمْ ﴾ (1).
فقال عمر هيهات والله يا ابن عبّاس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك منّي.
فقلت : وما هي يا أمير المؤمنين، فإن كانت حقاً فما ينبغي
ص: 88
أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر : بلغني أنك تقول : إنّما صرفوها عنا حسداً وظلماً.
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ((ظلما)) فقد تبيّن للجاهل والحليم، وأما قولك: ((حسداً)) فإنّ إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون.
فقال عمر : هيهات، أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسداً ما يحول، وضغناً وغشّاً ما يزول.
فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين ، لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بالحسد والغش، فإنّ قلب رسول الله ( صلی الله علیه و آله)من قلوب بني هاشم !
فقال عمر: إليك عني يا ابن عبّاس.
فقلت: أفعل.
فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال: يا ابن عباس مكانك، فوالله إنّي لراع لحقك، محبّ لما سترك.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ لي عليك حقاً، وعلى كل مسلم فمَن
ص: 89
حفظه فحظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ، ثمّ قام فمضى)) (1).
((وعن ابن عباس(رضی الله عنهما) قال: كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة، وعمر على بغل وأنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب، فقال: أما والله يا بني عبد المطلب، لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر.
فقلت في نفسي : لا أقالني الله إن أقلته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين وأنت وصاحبك وثبتها وافترعتها الأمر منا دون الناس؟!
فقال : إليكم يا بني عبد المطلب، أما أنكم أصحاب عمر بن الخطاب.
فتأخرت وتقدّم هنيهة، فقال: سر لا سرت.
وقال: أعد على كلامك.
فقلت: إنّما ذكرت شيئاً فرددت عليك جوابه، ولو سكت سكتنا. ر
ص: 90
فقال :إنّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها.
قال: فأردت أن أقول: كان رسول الله له يبعثه فينطح کبشها فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك؟!
فقال: لا جرم، فكيف ترى والله ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتى نستأذنه))(1).
((قال أبو بكر وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم، عن رجاله، عن ابن عبّاس، قال: مر عمر بعلي، وأنا معه بفناء داره، فسلّم عليه، فقال له علي: أين تريد؟
قال: البقيع.
قال : أفلا تصل صاحبك، ويقوم معك؟
قال: بلى.
ص: 91
فقال لي علي : قم معه، فقمت فمشيت إلى جانبه، فشبك أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلاً، حتى إذا خلفنا البقيع قال لي: يا بن عبّاس، أما والله إنّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ( صلی الله علیه و آله)، إلّا أنا خفناه على اثنين.
قال ابن عبّاس: فجاء بكلام لم أجد بداً من مسألته عنه،
فقلت: ماهما يا أمير المؤمنين؟
قال: خفناه على حداثة سنه، وحبّه بني عبد المطلب))(1).
((قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في كتاب الأمالي:
كان عبد الله بن عبّاس عند عمر ، فتنفّس عمر نفساً عالياً، قال ابن عباس : حتى ظننت أن أضلاعه قد انفرجت، فقلت له: ما أخرج هذا النفس منك يا أمير المؤمنين إلّا هم شديد.
قال: أي والله يا بن عبّاس، إني فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي.
ص: 92
ثم قال: لعلك ترى صاحبك لها أهلا؟
قلت: وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه!
قال: صدقت، ولكنه امرؤ فيه دعابة.
قلت: فأين أنت من طلحة؟
قال : هو ذو لبأو (1)بإصبعه المقطوعة.
قلت: فعبد الرحمن؟
قال : رجل ضعيف، لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته.
قلت: فالزبير؟
قال : شكس لقس (2)، ويلاطم في البقيع في صاع من بر.
قلت: فسعد بن أبي وقاص؟
قال: صاحب مقنب (3) وسلاح.
قلت: فعثمان.
ص: 93
قال : أوه أوه، مراراً، ثمّ قال : والله، لئن وليها ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، ثمّ لتنهضن إليه العرب فتقتله.
ثم قال : يا بن عبّاس، إنّه لا يصلح لهذا الأمر إلا حصيف العقدة، قليل الغرّة، لا تأخذه في الله لومة لائم، يكون شديداً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، جواداً من غير سرف، ممسكاً من غير وكف (1).
ثم أقبل عَليَّ فقال : إن أحراهم أن يحملهم على كتاب ربّهم وسنّة نبيهم لصاحبك، والله لئن وليها ليحملتهم على المحجة البيضاء، والصراط المستقيم)) (2).
الملحق الثاني عشر من إقرارات عمر
((وحدثني الحسين بن محمد السيني قال: قرأت على ظهر کت--اب، أن عمر نزلت به نازلة، فقام لها وقعد، وترنّح لها وتقطر وقال لمن عنده معشر ،الحاضرين ما تقولون في هذا الامر ؟
ص: 94
فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع والمنزع، فغضب وقال: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا﴾ (1).
ثمّ قال: أما والله، إني وإياكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بها. قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب!
قال: وأنى يُعدل بي عنه، وهل طفحت حرّة مثله.
قالوا فلو دعوت به يا أمير المؤمنين !
قال : هيهات إنّ هناك شمخاً من هاشم، وأثرة من علم، ولحمة من رسول الله ( صلی الله علیه و آله)يؤتى ولا يأتي، فامضوا بنا إليه.
فانقصفوا نحوه، وأفضوا إليه فألفوه في حائط له، عليه تبان وهو يتركل (2) على مسحاته، ويقرأ : ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَنُ أَن يُتْرَكَ سدی ﴾ (3) إلى آخر السورة ، ودموعه تهمي على خديه ، فأجهش الناس لبكائه فبكوا، ثم سكت وسكتوا، فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها.
ص: 95
فقال عمر: أما والله لقد أرادك الحق ولكن أبي قومك.
فقال: يا أبا حفص خفّض عليك من هنا ومن هنا ﴿إنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَنَا﴾ (1)، فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض، وخرج كأنما ينظر في رماد))(2).
الملحق الثالث عشر من إقرارات عمر
نقل ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب قائلا: «ونقلت منه أيضاً ما رواه عن ابن عبّاس، قال: تبرم عمر بالخلافة في آخر أيامه، وخاف العجز ، وضجر من سياسة الرعية، فكان لا يزال يدعو الله بأن يتوفاه ، فقال لكعب الأحبار يوماً وأنا عنده: إني قد أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر، وأظن وفاتي قد دنت، فما تقول في علي ؟ أشر على في رأيك، واذكرني ما تجدونه عندكم، فإنّكم تزعمون أنّ أمرنا هذا مسطور في كتبكم.
ص: 96
فقال : أما من طريق الرأي فإنّه لا يصلح، إنه رجل متين الدين، لا يغضي على عورة ، ولا يحلم عن زلّة، ولا يعمل باجتهاد رأيه، وليس هذا من سياسة الرعية في شئ.
وأما ما نجده في كتبنا، فنجده لا يلي الأمر ولا ولده، وإن وليه كان هرج شديد.
قال : كيف ذاك؟
قال : لأنّه أراق الدماء، فحرمه الله الملك.
إنّ داود لما أراد أن يبني حيطان بيت المقدس أوحى الله إليه إنك لا تبنيه؛ لأنك أرقت الدماء، وإنّما يبنيه سليمان.
فقال عمر : أليس بحق أراقها؟
قال كعب: وداود بحق أراقها يا أمير المؤمنين.
قال : فإلى من يفضي الأمر تجدونه عندكم؟
قال : نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والاثنين من أصحابه إلى أعدائه الذين حاربهم وحاربوه، وحاربهم على الدين.
فاسترجع عمر مراراً، وقال: أتستمع يا بن عباس! أما والله، لقد سمعت من رسول الله ما يشابه هذا، سمعته يقول: ليصعدن
ص: 97
بنو أمية على منبري، ولقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة وفيهم أُنزل: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّه يَا الَّتِي أَرَيْنَكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَطْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ﴾ (1)» (2) .
((أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو محمد بن الأكفاني إجازة إن لم يكن سماعاً، قالا : أنبأنا أبو نصر بن طلاب أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر حدثنا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري حدّثنا أبو القاسم عيسى بن أزهر المعروف ببلبل في طرف زقاق الرمان بدمشق سنة سبع وثمانين ومائتين حدثنا عبد الرزاق بن همام بصنعاء اليمن أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: مشيت وعمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة فقال لي: يا ابن عبّاس أظنّ القوم استصغر وا صاحبكم إذ لم يولوه أموركم.
فقلت: والله ما استصغره الله إذ اختاره السورة براءة يقرؤها
ص: 98
على أهل المدينة.
فقال لي: الصواب ،تقول والله لسمعت رسول الله ( صلی الله علیه و آله) يقول لعلي بن أبي طالب من أحبك أحبني، ومن أحبني أحبّ الله، ومن أحبّ الله أدخله الجنّة مدلا))(1) .
((وعن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان، فقال لعلي: اقض بينهما يا أبا الحسن، فقضى علي بينهما.
فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا؟! فوثب إليه عمر، وأخذ بتلابيبه وقال : ويحك ما تدري من هذا؟! هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
خرجه ابن السمان في كتاب الموافقة)) (2) .
لا يقال : أنّ المولى هنا بمعنى المحبّ ونحو ذلك من المعاني، بل هنا أراد عمر من لفظ ((مولى)) من يكون إليه القضاء والفصل، بل سائر ما للنبي ( صلی الله علیه و آله).
ص: 99
عندما نقل ابن أبي الحديد خبر مزاملة ابن عباس لعمر للشام المتقدّم في الإقرار الرابع، قال في ذيله: ((وقد روي معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ ، وهو قوله : إن رسول الله ( صلی الله علیه و آله) أراد أن يذكره للأمر في مرضه، فصددته عنه خوفاً من الفتنة، وانتشار أمر الإسلام، فعلم رسول الله ما في نفسي وأمسك، وأبى الله إلّا إمضاء ما حتم))(1).
ص: 100
القرآن الكريم
1. إرشاد القلوب، للشيخ أبي محمد الحسن بن محمد الديلمي (ق8)، منشورات الرضي، قم المشرفة، 1374ش.
2. الأمالي، لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي الصدوق (ت: 381ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، قم، نشر مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ط1، 1417ه.
3. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر ( البلاذري ) (ت 279 ه)، تحقيق الدكتور محمد حميد الله المطبعة: مطابع دار المعارف بمصر ، نشر معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالاشتراك مع دار المعارف بمصر، 1959م.
ص: 101
4. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (علیه السلام) ، للثقة الجليل والمحدّث النبيل شيخ القميين أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290ه)، تقديم وتعليق وتصحيح : العلامة الحجة الحاج ميرزا محسن کوچه باغي نشر : مؤسّسة الأعلمي – طهران، المطبعة: مطبعة الأحمدي - طهران، 1404 - 1362 ش.
5. تأريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها، للحافظ أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر (ت 571 ه)، تحقيق : علي شيري، طبع ونشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت - لبنان، 1415ه.
6. تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد، للشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي (ت 1350ه)، مكتبة أشيق – إستانبول - تركيا، 1396 - 1976م.
7. تكملة أمل الآمل، للسيّد حسن الصدر (ت: 1354ه)
ص: 102
تحقيق السيد أحمد الحسيني، مكتبة آية الله المرعشي، قم المشرفة، 1406ه.
8. تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني ( ت 403 ه)، تحقيق: الشيخ عماد الدين أحمد حيدر ، طبع ونشر: مؤسسة الكتب الثقافية -
بيروت، ط 3، 1414 - 1993م.
9. الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه (صحيح البخاري)، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي (ت 256ه)، نشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ه- - 1981 م.
10. الجمل، للشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان ابن المعلم العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت: 413ه)، نشر: مكتبة الداوري - قم - إيران.
11. الخصال، الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القميّ (ت: 381ه)، تحقيق وتعليق: علي أكبر
ص: 103
الغفاري، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية، 18 ذي القعدة الحرام 1403 ه- - 1362 ش.
12. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911ه)، نشر: دار الفکر بيروت - لبنان.
13. ديوان زهير بن أبي سلمى، زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزَنِي، من مُضَر (ت609 م)، شرح وتقديم: الأستاذ علي حسن فاخور، نشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1 ، 1408 ه- - 1988م.
14. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربي، للحافظ محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت 694ه)، نشر : مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي – القاهرة، 1356ه.
15. الرياض النضرة في مناقب العشرة، للحافظ محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت 694ه)، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
ص: 104
16. سر العالمين وكشف ما في الدارين، للشيخ أبي حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي (ت:505ه)، طبع: مطبعة النعمان - النجف الأشرف، نشر: منشورات مكتبة الثقافة الدينية في النجف الأشرف، ط2، 1385 ه- – 1965م.
17. سنن أبي داود، للشيخ أبي داود سليمان بن الأشعث بن بشير السجستاني (ت: 275ه)، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، إخراج ومراجعة وفهرسة: مكتب الدراسات والبحوث في دار الفكر، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1410ه.
18. سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، للشيخ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت: 279ه)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف نشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط 2، 1403ه.
19. سنن الدارمي، للشيخ أبي محمد عبد الله بن الرحمن بن الفضل بن بهرام (ت: 255ه)، دار إحياء السنة الشريفة، دمشق، 1349 ق.
ص: 105
20. السنن الكبرى، للشيخ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت: 458ه)، دار الفكر.
21. شرح نهج البلاغة، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد (656ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، طبع ونشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط 1 ، 1378 - 1959م.
22. الصحيح الجامع (صحيح مسلم)، أبي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري (ت 261ه)، نشر: دار الفكر - بيروت - لبنان.
23. العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (رحمه الله)(ت 175ه)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي - الدكتور ابراهيم السامرائي نشر: مؤسسة دار الهجرة، ط2 ، 1410 .
24. عيون أخبار الرضا (علیه السلام)، للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ت 381ه)، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت –
ص: 106
لبنان، طبع : مطابع مؤسسة الأعلمي – بيروت – لبنان،1404 ه- - 1984م. الغدير
25. قرب الإسناد، للشيخ أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري (ق3)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیه السلام)لإحياء التراث، قمّ المشرفة، ط 1، 1413ق.
26. الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي رحمه الله)(ت: 329ه،)، تحقيق وتصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، نشر : دار الكتب الإسلامية - طهران، مطبعة: حيدري، ط3، 1367ش.
27. الكامل في التأريخ، الشيخ عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت: 630ه)، طبع ونشر: دار صادر للطباعة والنشر - دار بيروت للطباعة والنشر، 1385ه.
28. كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر، لأبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزّاز القمي الرازي (من علماء
ص: 107
القرن الرابع)، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري الخوئي، نشر انتشارات بيدار، طبع: مطبعة الخيام - قم، 1401 ه.
29. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت 975)، ضبط وتفسير : الشيخ بكري حياني / تصحيح وفهرسة:
الشيخ صفوة السقا، نشر : مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان، 1409 ه- - 1989 م .
30. المبسوط، للشيخ أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي (ت: 483ه)، تحقيق: جمع من الأفاضل وأهل العلم، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1406ق.
31. المستدرك على الصحيحين، عبد الله الحاكم النيسابوري (ت: 405 ه)، إشراف : د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
32. مسند أحمد، أحمد بن محمّد بن حنبل، أبو عبد الله، الشيباني الوائلي (ت 241ه)، نشر: دار صادر - بيروت - لبنان.
33. مشارق الأنوار على صحاح الآثار، عیاض موسى عياض
ص: 108
اليحصبي السبتي المالكي أبو الفضل (ت 544ه)، طبع ونشر دار التراث - القاهرة / المكتبة العتيقة – تونس، 1978م.
34. المصنف، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن أبي بسكر بن أبي شيبة الكوفي العبسي (ت: 235 ه)، تحقيق وتعليق سعيد اللحام، نشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1409.
ص: 109
ص: 110
مقدّمة الطبعة الأولى...13
الفصل الأوّل: المؤلّف...15
أوّلاً: ترجمته...15
ثانياً: مؤلفاته...16
الفصل الثاني: المؤلّف...23
أوّلاً مضمون الرسالة...23
ثانياً: نسخة الرسالة...23
تنبيه ...24
عملنا في التحقيق...24
مقدمة المؤلف...29
الأول من إقرارات عمر...30
الثاني من إقرارات عمر...44
الثالث من إقرارات عمر...45
ص: 111
الرابع من إقرارات عمر...51
الخامس من إقرارات عمر...53
السادس من إقرارات عمر...57
ومن اللطائف...80
تنبیه...80
الملحق...83
السابع من إقرارات عمر...83
الثامن من إقرارات عمر...86
التاسع من إقرارات عمر...90
العاشر من إقرارات عمر...91
الحادي عشر من إقرارات عمر...92
الثاني عشر من إقرارات عمر...94
الثالث عشر من إقرارات عمر...96
الرابع عشر من إقرارات عمر...98
الخامس عشر من إقرارات عمر...99
السادس عشر من إقرارات عمر...100
المصادر...101
المحتويات...111
ص: 112
قد تصدّى العلامة العلم آية الله السيد حسن الصدر( صلی الله علیه و آله) إلى جمع مواضع اعتراف الرجل بما عليه أهل الحق الصادر من منبع الرسالة الإلهية في خلافة الوصي الأعظم (علیه السلام)، فكانت ستّة موارد ، وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في حياة سيّدنا الراحل العظيم فقيه أهل البيت السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره) الشريف فعقب أنه ( صلی الله علیه و آله) رأى أكثر من تلك المواضع الستة، وإننا حيث نجد العذر لسيدنا الصدر قدس سره) واضحاً حيث قصد تتبع موارد اعتراف الرجل بخلافة سيّد الوصيين (علیه السلام) في شرح ابن أبي الحديد فإنّنا تتبعنا فوجدنا موارد أخرى ، وضعنا بعض تلك الموارد كملحق للكتاب في طبعته الثانية ، فكان من جهد سيدنا الصدر، وملاحظة سيّدنا الأستاذ الأعظم (قدس سرهما) ما تكامل به البيان، والحمد لله الملك المنان
ص: 113