مذكرات
مستر همفر
الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية
نقله الی العربیة
الدکتور ج.خ
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
أنوار الهُدی
تاريخ الطبع...الثالثة : 1425ه- / 2005م
ص: 1
أنوار الهُدی
تلفن : 7742346فاکس : 7737870
ایران، قم، خیابان ارم، پاساژ قدس طبقه همکف پلاک 57
مذاکرات مستر همفر
المؤلف...مستر همفر
ترجمه...دکتر ج.خ
الصف والتنضيد...انوار الهدى
نشر...انوار الهدى
المطبعة...مهر
تاريخ الطبع...الثالثة : 1425ه- / 2005م
عدد الطبع...1200 نسخه
عدد الصفحات ...88
مذكرات مستر همفر
شابك: 7 - 42 - 6223 - 964
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 2
كانت دولة بريطانيا العظمى تفکر منذ وقت طويل حول إبقاء الامبراطورية وسيعة كبيرة كما هي عليها الآن من اشراق الشمس على بحارها حين تشرق وغروب الشمس في بحارها حين تغرب فإن دولتنا كانت صغيرة بالنسبة إلى المستعمرات الكثيرة التي كنا نسيطر عليها في الهند وفي الصين وفي الشرق الأوسط وغيرها. صحيح إنّا لم نكن نسيطر سيطرة فعليه على أجزاء كبيرة من هذه البلاد لأنها كانت بيد أهاليها إلا أن سياستنا فيها كانت سياسة ناجحة وفعالة وكانت في طريق سقوطها بأيدينا كلية فكان اللازم علينا أن نفكر مرتين:
1 - مرة لأجل إبقاء السيطرة على ما تم السيطرة عليه فعلاً.
2 - ومرة لأجل ضم ما لم تتم السيطرة عليه فعلاً إلى ممتلكاتنا ومستعمراتنا.
وقد خصصت وزارة المستعمرات لكل قسم من أقسام هذه البلاد لجاناً لأجل دراسة هذه المهمة وكنت أنا من حسن الحظ مورد ثقة الوزير منذ
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 3
دخلنا هذه الوزارة وعهد إلي بمهمة شركة الهند الشرقية» الي كانت مهمتها في الظاهر تجارية بحتة وفي الباطن تعزيز سبل السيطرة على الهند وعلى طرقها الموصلة إلى هذه الأراضي الشاسعة شبه القارة.
وكانت الحكومة واثقة من الهند حيث القوميات المختلفة والأديان المتشتتة، واللغات المتباينة والمصالح المتضاربة، كما كانت الحكومة واثقة من الصين حيث أن البوذية والكنفوشيوسية الغالبة على هذه البلاد لم تكونا بحيث يخشى من قيامهما لأنهما دينان ميتان يهتمان بجانب الروح فلا صلة لهما بجانب الحياة فكان من المستبعد أن يسري الشعور بالوطنية في أهالي هاتين المنطقتين. ولذلك لم يكن يقلق بال حكومة بريطانيا العظمى هاتان المنطقتان (نعم) لم نكن غافلين عن إمكان تطور المستقبل ولذا كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل والفقر. وأحياناً المرض-أيضاً - على هذه البلاد وكنا لانجد صعوبة في تغطية نوايانا بغطاء من المشتبهات النفسية لأهالي هذه البلاد براق في ظاهرة متين في واقعة كنا بذلك نطبق المثل البوذي القديم: «دعن المريض يشعر بحبه للدواء وان كان مر المذاق».
لكن الذي كان يقلق بالنا هي البلاد الإسلاميّة. فإنا وإن كنا قد عقدنا الرجل المريض(1) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا، وكان تقديرات
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 4
خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل يلفظ نفسه الأخير في أقل من قرن، وكذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس - سراً - عدة معاهدات، وكنا قد زرعنا الجواسيس والعملاء في هذين البلدين، وكانت الرشوة، وفساد الادارة وانشغال ملوكها بالنساء الحسناوات قد نخرت في جسم هذين البلدين إلا أنا لم نكن نثق بالنتائج وذلك لعدة أسباب أهمها:
1 - قوة الإسلام في نفوس أبنائه فإن الرجل المسلم يلقي قياده الى الإسلام بكل صلابة حتى أنك ترى الإسلام في نفس المسلم بمنزلة المسيحية في نفوس القساوسة والرهبان وتزهق نفوسهم ولا تخرج المسيحية منها وكان المسلمون «الشيعة» في البلاد الفارسية أخطر حيث إنهم يرون المسيحية كفّاراً نجسين فإن المسيحي عند الشيعي بمنزلة القذارة المتعفنة في يد أحدنا حيث يصرف همته في إزالته، وذات مرة سألت عن أحدهم لماذا تنظرون إلى المسيحي بهذا المنظار؟
فقال: ان نبي الإسلام كان رجلاً حكيماً وأراد أن يطوّق كل كافر بدائرة الضغط الأدبي لكي يحس بالضيق والوحشة ليكون من أسباب هدايته إلى الله وإلى الدين الصحيح كما أن الحكومة إذا أحست من إنسان الخطر طوقته بدائرة من المقاطعة حتى يرجع إلى الطاعة والإنقياد، والنجاسة التي ذكرتها هي نجاسة معنوية لا مادية ظاهرية وهى ليست خاصة بالمسيحية بل تشمل كل كافر حتى المجوس الذين هم پارسیون من القديم هم نجس في منطق الإسلام.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 5
قلت له: حسناً ولكن لماذا المسيحيون نجس وهم يعتقدون بالله والرسالة يوم المعاد؟
قال لأمرين:
الأوّل: انهم ينكرون نبيّنا «محمداً» وهذا يعني أنهم يقولون أن محمداً كاذب ونحن في قبال هذا الاتهام نقول أنتم أيها المسيحيون نجس طبقاً للقانون العقل الحاكم بأن من آذاك فلك أن تؤذيه.
الثاني: أنهم ينسبون إلى أنبياء الله نسباً غير لائقة مثل انهم يقولون: ان المسيح كان يشرب الخمر، وكان ملعوناً لأنّه علّق على الخشبة.
(قلت له): في دهشة لا يقول المسيحيون هكذا.
قال: أنت لا تعلم أنهم في «الكتاب المقدس» عندهم يقولون كذلك.
فسكت وأنا واثق بأن الرجل كان كاذباً في الأمر الثاني وان كان صادقاً في الأمر الأول، ولم أرد أن أطاول معه النقاش لأني خشيت أن تثار حولي شبهة (حيث كنت أنا في الزي الإسلامي، وكنت أتجنب الزاوية الحادة دائماً).
2-ان الإسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد، فإن نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلى التعالي مهما كان في ضعف وانحطاط ولم يكن بامكاننا أن نزيف تاريخ الإسلام حتى نشعر المسلمين بأن السيادة التي حازوها كانت بفعل ظروف خاصة قد ولّت إلى غير رجعة.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 6
3- لم نكن نأمن من تحرك الوعي في نفوس (آل عثمان) و(حكام فارس) بما يوجب فشل خططنا الرامية إلى السيطرة، صحيح أن الحكومتين قد بلغتنا من الضعف مبلغاً كبيراً كما ألمحنا إليه إلا أن وجود حكومة مركزية
يواليها الناس وبيدها السيادة والمال والسلاح يجعل الإنسان غير آمن.
4- كنا شديدي القلق من علماء المسلمين، فعلماء الأزهر، وعلماء العراق، وعلماء فارس كانوا أمنع سداً أمام آمالنا فإنهم كانوا في غاية الجهل بمبادىء الحياة العصرية وقد جعلوا نصب أعينهم «الجنة التي وعدهم بها القرآن»، فكانوا لا يتنازلون قدر شعرة عن مبادئهم، وكان الشعب يتبعهم و السلطان يخشاهم خوف الفئران من الهرة، صحيح أن أهل السنة كانوا أقل اتباعاً لعلمائهم، فإنهم يقيمون الولاء بين السلطان وبين شيخ الإسلام، وأهل الشيعة كانوا اشد ولاءاً للعلماء لأنهم يخلصون الولاء للعالم فقط، ولا يعيرون السلطان أهمية كافية، إلا أن هذا الفرق لم يكن ليخفف شيئاً من القلق الذي كان يساور وزارة المستعمرات بل كل حكام بريطانيا العظمى.
وقد عقدنا المؤتمرات الكثيرة لنلتمس الحلول الكافية لهذه المشاكل المقلقة لكنا في كل مرة لم نجد أمامنا إلا الطريق المسدود، وكانت التقارير التي تأتينا بانتظام عن العملاء والجواسيس مخيبة للآمال، كما كانت نتائج المؤتمرات كلها صفراً أو تحت الصفر، لكنا لم نكن ندع المجال لليأس فينا حيث عوّدنا أنفسنا النفس الطويل، والصبر اللامتناهي.
وأذكر ذات مرة عقدنا مؤتمراً حضره الوزير بشخصه وأكبر القساوسة،
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 7
وعدد من الخبراء، كان عددنا جميعاً عشرين شخصاً، وطال النقاش أكثر من ثلاث ساعات، وانتهينا بدون أية نتيجة، إلا أن القس قال:
«لا تنزعجوا فإن المسيح لم يصل إلى الحكم إلا بعد ثلاثمائة سنة من الاضطهاد والتشريد والقتل له ولأتباعه، وعسى أن ينظر إلينا المسيح نظرة من ملكوته فيمنحنا إزالة الكفار عن مراكزهم ولو بعد ثلاثمائة سنة، فعلينا أن نتسلّح بالإيمان الراسخ والصبر الطويل واتخاذ كافة الوسائل والسبل للسيطرة ونشر المسيحية في ربوع المحمّدييّن ولو وصلنا إلى النتيجة بعد قرون، فإن الآباء يزرعون للأبناء».
وحتى انه - ذات مرة - عقد في الوزارة مؤتمر حضره ممثلون من كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا وكان مؤتمراً في أعلى المستويات وكان الحاضرون لفيفاً من الهيئات الدبلوماسية ورجال الدين وكان من حسن حظي أن حضرت ذلك المؤتمر لعلاقتي الوطيدة بالوزير وعرض المؤتمرون مشاكل المحمديين عرضاً وافياً، ذكروا فيه سبل تمزيقهم وسلخهم عن عقيدتهم وإرجاعهم إلى حضيرة الإيمان كما رجعت اسپانيا إليها بعد قرون من غزو المحمديين البرابرة لها لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب وقد كتبت أنا كلما دار من نقاش في ذلك المؤتمر في كتابي «إلى ملوكت المسيح».
إنه من الصعب ان تقلع جذور شجرة امتدت إلى شرق الأرض وغربها، لكن الإنسان يجب عليه أن يذلل الصعاب مهما كان الثمن، ان المسيحية لم
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 8
نأت إلا لتنتشر، وقد وعدنا بذلك السيد المسيح نفسه، أما محمد فقد ساعده ظرف انحطاط العالمين الشرقي والغربي وظرف الانحطاط إذا ولّى فقد يذهب معه أيضاً ما رافقه من ويلات ومن حسن الظن أن الأمر قد انعكس فقد انحط المحمديون وارتفعت بلاد المسيح فأن الوقت لأن نطلب الثأر دولة قوية عصرية هي بريطانيا ونسترجع ما فقدناه طيلة قرون، وها هي - العظمى تأخذ بزمام هذه المبادرة المباركة.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 9
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 10
أوفدتني وزارة المستعمرات عام 1710م إلى كل من مصر والعراق، وطهران، والحجاز، والآستانه، لأجمع المعلومات الكافية التي تعزّز سبل تمزيقنا للمسلمين، ونشر السيطرة على بلاد الإسلام، وبعث في نفس الوقت تسعة آخرين من خيرة الموظفين لدى الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة الى سائر الأجزاء للامبراطورية، وسائر بلاد المسلمين، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي، والمعلومات اللازمة والخرائط الممكنة، وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل، ولم أنس كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيد المسيح وقال:
«ان على نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا فابدوا ما عندكم من للنجاح».
فأنجزت أنا مهمتاً وجهة الآستانة مركز الخلافة الإسلامية وكانت مهمتي مزدوجة، وحيث كان من المفروض أن أكمل تعلّمي للغة التركية، لغة المسلمين هناك فقد كنت تعلمت شيئاً كثيراً من ثلاث لغات في لندن، اللغة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 11
التركية، ولغة العرب لغة «القرآن»، واللغة الفلهوية لغة اهل فارس، لكن تعلم اللغة شيء والسيطرة على اللغة حتى يتمكن الإنسان أن يتكلّم مثل لغة أهل البلاد شيء آخر، فبينما لا يستغرق الأول إلا سنوات قلائل، يستغرق الأمر الثاني أضعاف ذلك الوقت، فإن المفروض أن أتعلم اللغة بكافة دقائقها حتى لايثار. حولي شبهة.
ولكنّي لم أكن أقلق لهذه الجهة لأن المسلمين عندهم تسامح ورحابة صدر وحسن ظن كما علّمهم نبيهم. فالشبهة عندهم لاتكون كالشبهة عندنا، ومن طرف آخر فإن حكومة الأتراك لم تكن في المستوى اللائق لكشف الجواسيس والعملاء فقد كانت حكومة آخذه في الضعف والهزال مما يؤمّن جانبنا.
وبعد سفرة مضنية وصلت إلى آستانة وسميت نفسي «محمداً» وأخذت أحضر المسجد (مكان اجتماع المسلمين لعبادتهم) وراقني النظام والنظافة والطاعة التي وجدتها عندهم، وقلت في نفسي: لماذا نحارب نحن هؤلاء البشر؟ لوماذا نعمل من أجل تمزيقهم وسلب نعمتهم؟ هل أوصانا المسيح بذلك؟
لكني رجعت فوراً واستنفرت من هذا التفكير الشيطاني، وجدّدت العزم على أن أشرب إلى آخر الكأس.
وقد التقيت هناك بعالم طاعن في السن اسمه «أحمد أفندم» وكان من
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 12
طيب النفس ورحابة الصدر وصفاء الضمير وحب الخير، ما لم أجده ف-ي أحسن رجال ديننا، وكان الشيخ يحاول ليله ونهاره في أن يتشبه بالنبيّ محمد، فكان يجعله المثل الأعلى، وكلما ذكره فاضت عيناه بالدموع، ومن الحظ أنه لم يسئلني - حتى مرة واحدة - عن أصلي ونسبي وإنما كان يخاطبيني «محمد أفندي» ويعلمني ما كنت أسئله ويحنو عليَّ حنّواً كبيراً حيث عرف اني ضيف في بلادهم جئت لأن أعمل ولأجل أن أكون في ظل السلطان الذي يمثل النبي محمداً (فقد كانت هذه حجتي في البقاء في حسن الآستانة).
وكنت قد قلت للشيخ: إني شاب قد مات أبي وأمي وليس لي أخوة، وتركوا لي شيئاً من المال ففكرت أن أكتسب وأن أتعلم القرآن والسنة فجئت إلى مركز الإسلام لأحصل على الدين والدنيا فرحّب بي الشيخ كثيراً وقال لی ما نصه - وقد كتبته بلفظه - ان الواجب أن نحترمك لعدة أسباب:
1 - لأنك مسلم والمسلمون إخوة.
2 - ولأنك ضيف وقد قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم «أكرموا الضيف».
3-ولأنك طالب علم والإسلام يؤكد على إكرام طالب العلم.
4 ولأنك تريد الكسب وقد ورد نص بأنه «الكاسب حبيب الله».
وقد اعجبت أنا بهذه الأمور أيما إعجاب وقلت في نفسي يا ليت كانت المسيحية تعي مثل هذه الحقائق النيّرة، لكني تعجبت كيف أن الإسلام في
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 13
هذه الرفعة شمله الضعف والانحطاط على أيدي هؤلاء الحكام المغرورين وهؤلاء العلماء الجهلة بالحياة.
قلت للشيخ: إني أريد أن أتعلم القرآن المبين، فرحّب الشيخ بالطلب وأخذ يعلمني من سورة «الحمد» ويفسّر لي المعاني وقد كنت أجد مشقة في النطق ببعض ألفاظها، وأحياناً كانت المشقة منتهاها. وأذكر أني لم أتعلم النطق بجملة «وعلى أمم ممن معك» إلا بعد تكرارها عشرات المرات في ظرف اسبوع، حيث قال لي الشيخ اللازم عليك الإدغام حتى تتولد ثمان ميمات. وكيفما كان فقد قرأت القرآن عنده في مدة سنتين كاملتين من أوله الى آخره، وكان إذا أراد تعليمي توضأ وضوء الصلاة وأمرني بالتوضيء كما كان هو وأنا نجلس إلى جهة القبلة.
والجدير بالذكر أن أذكر أن «الوضوء» عند المسلمين جملة م-ن الاغسال فأولاً يغسلون الوجه وثانياً اليد اليمنى من الأصابع إلى المرفق وثالثاً اليد اليسرى من الأصابع إلى المرفق ورابعاً يمسحون الرأس وخلف الأذنين والرقبة، وخامساً يغسلون الرجلين.
ويقولون: الأفضل أن يدير الشخص الماء في فمه، وان يسحب الماء الى الأعلى في أنفه، قبل البدء في الوضوء.
وقد كنت انزعج انزعاجاً كبيراً من «المسواك» وهي عودة يدخلونها في أفواههم لأجل تنظيف الأسنان قبل الوضوء، فقد كنت أعتقد أن هذه العودة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 14
تضر الأسنان والفم، وكانت أحياناً تجرح الفم ويخرج الدم منه، لكني كنت مجبوراً أن أفعل ذلك لأنها عندهم سنة مؤكدة أمر بها نبيّهم «محمد» وهم يذكرون لها فضائل كثيرة.
لقد كنت أيام إقامتي في «الآستانة» أنام عند خادم المسجد لقاء ما أعطيه من المال وكان انساناً عصبي المزاج واسمه «مروان افندي» وهو اسم أحد أصحاب الرسول «محمد»، وكان الخادم يعتز بهذا الاسم المبارك، وكان يقول لي: ان رزقت ولداً سمّه «مروان» لأنه من كبار الشخصيات المجاهدين في الإسلام.
وكنت اتعشى هناك عند هناك عند الخادم حيث كان يهييء لي الطعام، وايام الجمعة «وهي عيد المسلمين» لم أكن أذهب الى العمل، أما سائر الأيام فقد كنت أذهب إلى نجار هناك اشتغل عنده لقاء أجر زهيد كان يدفعه لي اسبوعياً، وحيث كان عملي في فترة الصباح فقط.
فقد كان يجري لي نصف أجور سائر عماله، وكان اسم النجار «خالد» وكان يثرثر في أوقات فراغه عن فضائل خالد بن الوليد الفاتح الإسلامي الذي صحب «محمداً» النبي وأبلى في الاسلام بلاءاً حسناً لكنه كان يحز في نفسه أن عمر بن الخطاب لما تولى الخلافة عزل خالد بن الوليد.
وكان خالد صاحب المحل سيء الأخلاق، عصبي المزاج إلى أبعد حد وكان يطمئن منّي اطميناناً لم أدر سببه، ولعله وثق بي حيث كنت سامعاً
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 15
مطيعاً له، لا أناقشه في شؤنه الدينية، ولا في شؤن دكانه، وكان إذا خلى بي طلب مني أن يلوط بي وكان هذا العمل عندهم من أشد الممنوعات - كما قال لي الشيخ أحمد - إلا أن خالداً كان لا يهتم بالشريعة في باطن أمره وان كان في ظاهر أمره ملتزماً بالتظاهر عند رفقائه بها، وكان يحضر صلاة الجمعة أما سائر الأيام لا أعلم هل كان يصلي أم لا؟
لكني كنت امتنع عن اعطائه رغبته، وأظن أنه كان يعمل ذلك مع بعض آخر من عماله، حيث كان أحد العاملين شاباً جميلاً من «سلانيك» وكان يهودياً قد أسلم، فكان صحبه معه أحياناً الى خلف المحل الذي كان مخزناً لأخشابه، ويتظاهران انهما يذهبان هناك لإصلاح المخزن، لكني كنت أعلم انهما يذهبان لقضاء الحاجة.
كنت اتغدى في الدكان، ثم أذهب للصلاة في المسجد ثم ابقى في المسجد الى وقت العصر ، فإذا فرغت من صلاة العصر ذهبت الى دار «الشيخ أحمد» وأبقي معه مدة ساعتين أتعلّم عنده القرآن واللغة التركية، واللغة العربية وفي كل جمعة كنت أدفع له زكاة ما حصلت عليه في الاسبوع من المال، وفي الحقيقة الزكاة كانت رشوة مني له لاستمرار علاقتي به به، ولأجل أن يعلمني أفضل تعليم وكان هو لا يقصر في تعليمي القرآن ومبادىء الإسلام ودقائق اللغتين العربية والتركية.
ولمّا علم الشيخ أحمد اني أعزب طلب إليَّ أن يزوجني إحدى بناته لكني أبيت ذلك بحجة اني «عنيّن» لا أملك ما يملكه الرجال، ولم ابد له هذا
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 16
العذر إلا بعد أن أصرَّ وكاد أن تنفصم معه علاقتي من أجل أنه كان يقول: الزواج سنة الرسول، وقد قال الرسول «من رغب عن سنتي فليس مني» وحينذاك لم أجد بداً من إظهار هذا المرض (المكذوب له) فاقتنع الشيخ وعادت العلاقة كما كانت من الود والصفاء.
بعد اتمام سنتين من مكثي في «الآستانة» استأذنت للعودة الى وطني ولكن الشيخ لم يأذن قائلاً: لماذا الرجوع ؟ ان الآستانة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقد جمع الله فيها بين الدنيا والدين، وأردف: انك قلت سابقاً انه مات أبوك وأمك وليس لك أخوة فاجعل الأستانة وطنك.
وكان الشيخ يصر عليَّ في البقاء لأنسه وكنت أنا ايضاً أنست به بي أنساً كبيراً، لكن الواجب الوطني كان يجبرني بالرجوع الى لندن لتقديم تقرير مفصل عن الأوضاع في عاصمة الخلافة، ولأتزوّد بأوامر جديدة حول مهمتي.
وقد جرت العادة - طيلة مكثي في الآستانة - أن اقدم كل شهر تقريراً عن حالي وعن التطورات وعما شاهدته الى وزارة المستعمرات، وأذكر ذات مرة قدمت تقريراً ضمنته ما أراد صاحب المحل من عمل اللواط، فجاء الرد أن لا مانع من ذلك إذا كان في هذا الفعل تسهيل الوصول الى الهدف، ولما قرأت الجواب دارت بي الأرض الفضاء وفكرت كيف لا يستحيّ رؤسائي من الأمر بمثل هذا العمل الشنيع. لكنه لم يكن لي بد من شرب الكأس الى الثمالة فبقيت في وضيفتي دون أن أنبس ببنت شفة.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 17
وفي يوم الوداع مع الشيخ انهمرت عيناه بالدموع، وودعني قائلاً: الله معك يا ولدي، وإذا عدت الى هذا البلد وأنا ميت فاذكرني، وسوف نلتقي عند رسول الله صلِّ الله علیه وآله وسلّم في المحشر، وفي الواقع انني تأثرت تأثراً بالغاً وجرت دموعي حارة، لكن الواجب كان فوق العواطف.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 18
كان الرفاق التسعة الآخرون تلقوا أوامر من الوزارة حضورهم إلى لندن كما تلقيت أنا أيضاً، لكن من سوء الحظ لم يرجع منا إلا ستة فقط.
أما الأربعة الآخرون فقد صار أحدهم مسلماً وبقي في مصر - كما أخبرنا بذلك السكرتير - لكن السكرتير اظهر ارتياحه بأنه لم يفش السّر كما التحق أحدهم بروسيا وقد كان هذا من أصل روسي وكان السكرتير يبدي قلقاً شديداً حوله، لا لأنه التحق بالوطن الأم، ولكن من أجل أن السكرتير كان يظن ان الرجل كان جاسوساً من قبل الروس في وزارة المستعمرات فلما انتهت مهمته رجع الى بلاده، وكان الثالث منهم مات في «عمارة» بلد طرف (بغداد) على أثر وباء اجتاح البلاد هناك على ما أخبرنا السكرتير بذلك، أما الرابع فلم يعلم عن مصيره إذ راقبته الوزارة حتى وصلوه الى «صنعاء» في اليمن من بلاد العرب وكانت تقاريره ترسل بانظام الى الوزارة فترة سنة، لكنها انقطعت بعد ذلك، وكلما حاولت الوزارة الاطلاع على أحواله لم تحصل على شيء، وقد كانت الوزارة تعتبر خسارة أربعة، فإنا أمة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 19
قليلة العدد كبيرة المهام ، تفقد كل انسان من هذا الطراز كان كارثة عندنا.
وبعد أن سمع السكرتير أوليات تقاريري ارسلني الى مؤتمر عقد لأجل الاستماع الى تقاريرنا - نحن الستة - وقد اجتمع حشد كبير من وزارة المستعمرات برئاسة الوزير نفسه لاستماع تقاريرنا، وقدم زملائي تقارير أولية عن المهمة التي أوكلت إليهم كما قدمت أنا تقريراً التقطت فيه رؤس الأقلام، واستحسن أعمالي الوزير والسكرتير وبعض الحاضرين، لكني لاحظت اني كنت الثالث من حيث جودة العمل، حيث كان الزميلان «جورج بلكود» و«هنري فانس» في الدرجتين الأولى والثانية من حيث جودة العمل.
لقد كنت نجحت نجاحاً باهراً في تعلم التركية والعربية وتعلم القرآن والشريعة، لكني لم أحرز نجاحاً في تقديم تقرير يدل الوزارة على مواقع الضعف في الدولة العثمانية.
وبعد ما انفض المجلس الذي دام ست ساعات الفت نظري السكرتير الى هذه النقطة من الضعف.
قلت له: ان مهمتي كانت تعلم اللغة والشريعة والقرآن، ولذا فإني لم ابذل وقتاً كافياً لغير ذلك وسوف أكون عند حسن ظنكم في السفرة القادمة إن أوليتم تقتكم بي.
قال: السكرتير لاشك أنك ناجح لكني آمل منك أن تحرز قصب السبق
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 20
في هذه الحلبة.
ان مهمتك (يا همفر) في السفرة القادمة أمران:
1- ان تجد نقطة الضعف عند المسلمين، والتي نتمكن بها من أن ندخل في جسمهم ونبدد أوصالهم، فإن أساس النجاح على العدو لهو هذا.
2- ان تكون أنت المباشر لهذا الأمر إذا ما وجدت نقطة الضعف. فإن قدرت على المهمة فسوف اطمئن بأنك أنجح العملاء، وستستحق وسام الوزارة.
بقيت في لندن مدة ستة أشهر وتزوجت بابنة عمي «ماري شواي» التي كانت تكبرني سنة، فكان عمري إذ ذاك اثنين وعشرين سنة بينما كان عمرها ثلاثاً وعشرين سنة وكانت فتاة متوسطة الذكاء، بارعة الجمال، وثقافتها عادية وقضيت أجمل ايام حياتي معها تلك المدة وحملت مني وقد كنت انتظر الضيف الجديد بفارغ الصبر وإذا بالأوامر الصارمة تصدر من الوزارة في أن أتوجه الى اقليم «العراق»، البلد العربي الذي استعمرته الخلافة منذ زمن طويل.
وقد أسفت لهذه الأوامر في وقت انتظر فيه ولدي، لكن اهتمامي ببلدي وحبي للشهرة بين زملائي كانا يفوقان عواطف الزوجية والولد ولذا لم أتردد في القبول رغم إلحاح زوجتي أن ارجيء الأمر إلى بعد ولادتها، ويوم فارقتها بكيت أنا وبكت هي بكاءاً مرّاً، وقالت لي: لا تنقطع عني بإرسال
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 21
الرسائل كما سأخبرك أنا أيضاً عبر الرسائل بعّشنا الذهبي الجديد وهذه الكلمة كانت عاصفة على قلبي حتى اني صممت أن ألغي السفرة لكني تملّكت عواطفي وودعتها وخرجت إلى الوزارة لأحصل على الارشادات الأخيرة.
وبعد ستة أشهر وجدت نفسي في «البصرة» من العراق وهو بلد عشائري وأهله مختلطون من السنة والشيعة الجناحين الإسلاميين كما انهم مختلطون من العرب والفرس وفيهم قلة من المسيحيين.
ولأول مرة في طول حياتي التقي بالشيعة وبالفرس ولا بأس أن أذكر شيئاً عن الشيعة والسنة، فالشيعة هم ينتسبون إلى عليّ ابن أبي طالب وهو صهر رسولهم على بنته «فاطمة» وكان في نفس الوقت ابن عم الرسول ايضاً وتقول الشيعة أن رسولهم محمداً عيّن عليّاً خليفة من بعده وقال بأن علياً وأولاده الأحد عشر خليفة بعد خليفة.
واني أظن ان الحق مع الشيعة في خلافة علي والحسن والحسين لأن الثابت من التاريخ الإسلامي - حسب مطالعاتي - أن عليّاً كان يمتاز بصفتان نفسية عالية تؤهله للقيادة ولا استبعد ان يكون الرسول «محمد» قال بأن الحسن والحسين أيضاً إمامان، وهذا، لا ينكره أهل السنة ايضاً. لكني أشك
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 22
في نفس الوقت بأن أولاد الحسين التسعة ايضاً عيّنهم الرسول «محمد» خلفاء له، إذ كيف يعلم «محمد» المستقبل، لأنه قد مات والحسين طفل، فكيف يعلم بأنه سيكون للحسين أولاد ويكونون مسلسلين إلى تسعة.
نعم لو كان «محمد» رسولاً حقاً لكان من الممكن أن يعلم كل ذلك بإرشاد من الله كما كان المسيح يخبر بالمستقبل، لكن نبوة محمد مشكوكة عندنا نحن المسيحيين.
ان المسلمين يقولون بأن القرآن دليل نبوة «محمد» لكني قرأت القرآن فلم أجد فيه دليلاً، انه لا شك كتاب رفيع. بل هو أرفع مستوى من التوراة والإنجيل ففيه دساتير وأنظمة وأخلاقيات وغير هذه، لكن هل هذا وحده كفيل بالدلالة على صدق «محمد».
إنني متحيّر في أمر «محمد» اشد التحيّر، ان رجلاً بدوياً لا يقرأ ولا يكتب كيف يمكنه أن يأتي بهذا الكتاب الرفيع، وهو شخصياً يكون ذا خلق وذكاء لم يعهد مثلهما في أي عربي دارس فكيف بالعربي البدوي الذي لم يقرأ ولم يكتب. هذا من جانب، ومن جانب آخر فهل يكفي مثل ذلك للتدليل على نبوته؟
لقد كنت دائم التطلع لكي أتعرف على هذه الحقيقة، وطرحت - ذات مرة - هذا الموضوع مع أحد القساوسة في لندن، لكنه لم يأت بجواب مقنع وإنما تكلم عن تعصب وعناد، كما أني مرات فتحت هذا البحث مع الشيخ
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 23
أحمد في تركيا فلم يأت بجواب مقنع لي.
لكن من الحق أن أقول اني لم اقدر أن أتكلم مع الشيخ بصراحة خوفاً من أن ينكشف أمري. أو يشك فيَّ.
وعلى أي حال: فإنني اقدّر «محمداً» تقديراً كبيراً، انه لا شك كان من طراز أنبياء الله الذي نقرأ عنهم في الكتب، لكنني غير مقتنع بنبوته إلى الآن، ولو فرضنا أنه لم يكن نبيّاً، لكن من المستحيل ان يعتقد الانسان الذي يحترم ضميره انه مثل سائر العباقرة، انه لاشك ك-ان ف-وق العباقرة، وأرفع من الأذكياء.
أما أهل السنة فانهم يقولون بأن المسلمين رأوا - بعد الرسول - بأن أبابكر ثم عمر ثم عثمان اصلح للخلافة من عليّ، ولذلك تركوا أمر الرسول «محمد» واتخذوا هؤلاء خلفاء للرسول.
ان مثل هذا النزاع موجود في كل دين وفي المسيحية بصورة خاصة لكني لا أعلم ما هو المبرر لبقاء هذا النزاع، فقد مات «علي وعمر» وعلى المسلمين - ان كانوا عقلاء - ان يفكروا في هذا اليوم لا في الماضي السحيق.
ذات مرة ذكرت لبعض رؤسائي في الوزارة اختلاف السنة والشيعة وقلت له: انهم لو كانوا يفهمون الحياة لتركوا النزاع ووحدوا كلمتهم، فنهرني الرئيس قائلاً:
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 24
«الواجب عليك ان تزيد الشقة لا ان تحاول جمع كلمة المسلمين».
وبهذه المناسبة ان السكرتير قال لي في إحدى الجلسات التي اجتمعت معه قبل سفرتي إلى العراق: إعلم يا همفر أن هناك نزاعات طبيعية بين البشر منذ أن خلق الله هابيل و قابيل وستبقى هذه النزاعات الى أن يعود المسيح.
1- فمن نزاعات لونيّة.
2-ومن نزاعات قبلية.
3-و من نزاعات إقليميّة.
4-ومن نزاعات قوميّة.
5-ومن نزاعات دينيّة.
ومهمتك في هذه السفرة ان تتعرف على هذه النزاعات بين المسلمين وتعرف البركان المستعد للانفجار منها، وتزود الوزارة بالمعلومات الدقيقة حول ذلك وان تمكنت من تفجير النزاع كنت في قمة الخدمة لبريطانيا العظمى.
فإننا نحن البريطانيين لا يمكننا العيش في الرفاه إلا بإلقاء الفتن والنزاع في كافة المستعمرات، كما اننا لا يمكننا تحطيم السلطان العثماني إلا بإلقاء الفتن بين رعاياها، وإلا فكيف تتمكن أمة قليلة العدد من ان تسيطر على أمة كبيرة العدد فاجتهد بكل قواك ان تجد الثغرة وان تدخل من الثغرة.
وليكن على علمك أن سلطة الترك» و «سلطة الفرس» قد ضعفتا فليس
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 25
عليك إلا ان تثير الشعوب ضد حكامها كما ثارت الثوار في كل التاريخ ضد الحكام، فإذا انشقت كلمتهم وتفرّقت قواهم ضمّنا استعمارهم من أسهل طريق.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 26
لما وصلت إلى البصرة ذهبت لتوّي إلى أحد المساجد وكان المسجد لعالم من أهل السنة عربي الأصل واسمه «الشيخ الأصل واسمه «الشيخ عمر الطائي» فتعرفت عليه و تلاطفت معه، لكن الرجل شك بي من أول لحظة وأخذ يحقق من أصلي ونسبي وسائر خصوصياتي، واظن أن لوني ولهجتي هما قادا الشيخ إلى الشك لكني تمكنت من الخروج عن المأزق بأني من أهالي «اغدير» في تركيا واني تلميذ الشيخ احمد في الآستانة، وكنت نجاراً في محل «خالد»... وإلى آخر ما هنالك من المعلومات الي حصلتها مدة اقامتي في «تركيا».
وتكلمت جملاً باللغة التركية وانتبهت أن الشيخ أشار بعينه إلى أحد الحاضرين مستفسراً منه هل اني أتكلم التركية صحيحاً أم لا؟ وأشار المسؤول عنه بعينه بالإيجاب وفرحت إذ تمكنت من جلب قلب الشيخ.
لكن ظني كان سراباً خادعاً، فقد علمت بعد أيام أن الشيخ ينظر إليَّ بنظر الريبة، ويظنني جاسوساً لتركيا، حيث تبيّن لي فيما بعد أن الشيخ على
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 27
خلاف مع «الوالي» المعيَّن من قبل السلطان وان بينهما تبادل الاتهام وسوء الظن.
وعلى كل فلم أجد بداً من أن انسحب عن مسجد «الشيخ عمر» إلى «خان» كان محل الغرباء والمسافرين، وقد استأجرت غرفة في الخان، وكان صاحب الخان رجلاً أحمق يسلب راحتي كل صباح، فقد كان يأتي أول الفجر الى باب الغرفة ويطرقه بعنف لأقوم لصلاة الصبح، وكنت أنا مجبوراً لمسايرته فكنت اقوم وأصلي صلاة الصبح، ثم يأمرني بقراءة القرآن الى طلوع الشمس ولما قلت له أن قراءة القرآن ليست واجبة فلماذا هذا الإصرار.
قال: بأن من ينام في هذا الوقت يجلب الفقر والنكبة للخان ولأه-ل الخان وحيث لم يكن لي بد من اجابته إذ هددني بالطرد ان لم أعمل بما يقول صرت مجبوراً على أن أصلّي اول الآذان ثم أتلو القرآن أكثر من ساعة كل يوم.
ولم تكن المشكلة لتنتهي إلى هذا الحد، فلقد جاءني صاحب الخان واسمه «مرشد افندم» ذات يوم وقال انك منذ أن استأجرت مني الغرفة ابتليت أنا بالمشاكل ولا اراها إلا من طالعك وقد فكرت في أن ذلك أن سبب أنك أعزب والعزب شوم فإما أن تتزوج واما أن تخرج من الخان قلت أني لا أملك المال لكي أتزوج وخشيت أن أقول له انني «عنّين» حيث لم أكن استبعد أن يريد تجربة عورتي هل أصدق أم لا؟ إذا اعتذرت بهذا العذر فإن
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 28
مرشد أفندم كان من هذا الطراز.
قال لي «الأفندم» يا ضعيف الإيمان ألم تقرأ قول الله تعالى «ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله» ووقعت في حيرة شديدة من أمري ماذا افعل؟ وبماذا أجيبه؟ وأخيراً قلت له: حسناً كيف أتزوج بلا مال؟ وهل أنت مستعد أن تقرضني المال الكافي أو أن تجد لي زوجة بلا مهر؟
فكر الأفندم قليلاً ثم رفع رأسه ليقول: أنني لا أفهم كلامك وأخيّرك بين أن تتزوج إلى أول شهر رجب المرجب أو أن تخرج من الخان.
وكان لم يبق إلى أول شهر رجب إلا خمسة وعشرون يوماً حيث كنا في الخامس من شهر جمادي الثانية.
وبالمناسبة فإن أسماء الأشهر الإسلامية بهذا التسلسل (محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الثاني جماي الأولى، جمادي الثانية، رجب، شعبان، رمضان شوال ذوالقعده، ذوالحجة) وأشهرهم حسب رؤية الهلال ولاتزيد أيامها عن 30 يوماً، ولا تنقص عن 29 يوماً.
وأخيراً رضخت لأمر الرجل (الأفندم) ووجدت مكاناً عند نجار تعاقدت معه أن أعمل كعامل عنده بأجرة زهيدة ويكون أكلي ونومي أيضاً عنده، وقبل أن ينتهي الشهر خرجت من الخان لألقي رحلي في دكان النجار وكان رجلاً شهماً شريفاً عاملني كأحد أولاده وكان اسمه «عبدالرضا» وكان شيعيّ المذهب.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 29
وقد انتهزت فرصة وجودي عنده أن أتعلم منه اللغة الفارسية. وكان الشيعة يجتمعون عنده كل عصر ويتكلمون بكل اقسام الكلام من سياسة الى اقتصاد وكانوا يتهجمون على حكومتهم كثيراً كما يتهجمون على الخليفة في «الآستانة» أما إذا جاء زبون لا يعرفونه انقطعوا عن الكلام فوراً وأخذوا يتكلمون في قضاياهم الشخصية.
واني لا أعلم كيف وثقوا بي هذه الثقة، لكني علمت أخيراً أنهم ظنوا أني من أهالي «آذربايجان» حيث علموا أني أعرف اللغة التركية وساعدهم على هذا الظن لوني المائل الى البياض اللون الغالب على أهالي «آذربيجان».
وهنا على هذا الحال كان تعرفت على شاب كان يتردد على هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث التركية والفارسية والعربية كان في زي طلبة العلوم الدينية وكان يسمى ب «محمد بن عبدالوهاب».
وكان شاباً سموحاً للغاية عصبي المزاج، ناقماً على الحكومة العثمانية، أما حكومة فارس فلم يكن له شأن بها، وكان صداقته سبب مع صاحب المحل «عبدالرضا» ان الاثنين كانا ناقمين على الخليفة واني لا أعلم من اين كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية مع أنه كان من أهل السنة وكيف صادق مع «عبدالرضا الشيعي»؟ إلا أن كلا الأمرين لم يكن غريباً ففي البصرة يلتقي السني بالشيعي وكأنهما أخوة كما يعرف كثير من القاطنين في البصرة اللغتين الفارسية والعربية، وأن كثيراً منهم يعرف أيضاً اللغة التركية.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 30
كان «محمد عبدالوهاب» شاباً متحرراً بكل معنى الكلمة لا يتعصب ضد الشيعة كما كان هو الحال عند غالب أهل السنة حيث يتعصبون ضد الشيعة حتى أن جماعة من مشايخ أهل السنة يكفّرون الشيعة ويقولون أنهم ليسوا مسلمين.
كما أنه لم يكن يرى أي وزن لأتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنة ويقول: أنها ما أنزل الله بها من سلطان.
وقصة المذاهب الأربعة هي: أن السنة من المسلمين بعد أكثر من قرن من موت نبيهم نبغ فيهم اربعة اشخاص هم «أبو حنيفة» و«أحمد بن حنبل» و«مالك» و «محمد بن ادريس» فألزمهم بعض الخلفاء بأن يقلدوا أحد هؤلاء الأربعة وأنه ليس لعالم من العلماء أن يجتهد في القرآن وسنة الرسول وهذا في الحقيقة كان غلقاً لباب فهمهم وإلى هذا التحريم للاجتهاد يعزي جمود المسلمين.
وقد انتهزت الشيعة هذه الفرصة لنشر مذهبهم على أوسع نطاق، حتى أنه بعد أن كان عدد الشيعة لا يبلغ عُشر عدد السنة أخذ عددهم في ازدياد فأصبح عددهم بعدد أهل السنة، ومن الطبيعي أن يكون كذلك فإن الاجتهاد تطوير في فقه الاسلام وتجديد لفهم القرآن والسنة على ما يتطلبه حاجات الزمان كالسلاح المتطوّر، بخلاف حصر المذهب في طريقة خاصة وغلق
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 31
باب الفهم وسدّ السمع عن نداء حاجات الزمان فإنه كالسلاح البالي، وإذا كان لك سلاح بال ولعدوك سلاح متطور لابد وان يغلب عدوك عليك إن عاجلاً أو آجلاً (واني أظن أنه سيأتي يوم قريب يفتح عقلاء أهل السنة باب الاجتهاد وإلا فإني أبشر أهل السنة بأنه لا تمضي قرون إلا وتكون السنة أقلية وتكون الشيعة أكثرية.
وكان الشاب الطموح «محمد» يقلّد فهم نفسه في فهم القرآن والسنة، ويضرب بآراء المشايخ، لامشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب بل بآراء ابي بكر وعمر ايضاً عرض الحائط إذ فهم هو من الكتاب على خلاف ما فهموه، وكان يقول: «ان الرسول قال اني مختلف فيكم الكتاب والسنة ولم يقل اني مخلّف فيكم الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب»، ولذا فالواجب اتباع الكتاب والسنة مهما كانت آراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك وقد جرى بينه وبين أحد علماء فارس الذي كان ضيفاً عند «عبدالرضا» على مائدة الطعام التي ضيفنا عليها «عبدالرضا» في داره، وكان محمد، والشيخ جواد القمي - وهذا هو اسم ذلك العالم الشيعي - وأنا وبعض اصدقاء صاحب البيت، أقول جرى بين «محمد» و«الشيخ» حوار عنيف لم أحفظ كله وإنما حفظت مقتطفات عنه.
قال له (القمي): إذا كنت أنت متحرراً ومجتهداً كما علياً كالشيعة؟
قال محمد: لأن علياً مثل عمر وغيره ليس قوله حجة وإنما الحجة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 32
الكتاب والسنة فقط.
قال القمي: ألم يقل الرسول «أنا مدينة العلم وعلي بابها» إذا ففرق بين علي وبين باقي الصحابة.
قال محمد: إذا كان قول عليّ حجة فلماذا لم يقل الرسول: «كتاب الله وعلي بن أبي طالب»؟.
قال القمي: بل قال حيث قال «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وعلي سيد العترة فانكر محمد أن يكون الرسول قال ذلك، لكن الشيخ القمي جاء إليه بأدلة مُقنعة حتى سکت محمد ولم يحر جواباً، لكن محمداً اعترض عليه وقال: إذا قال الرسول كتاب الله وعترتي» فأين سنة الرسول؟
قال القمي: سنة الرسول هي شرح لكتاب الله، فلما قال الرسول «كتاب الله وعترتي» أراد كتاب الله بشرحه الذي هو السنة.
قال محمد أليس كلام العترة أيضاً شرحاً لكتاب الله؟ فما الحاجة إليهم؟
قال القمي: لما مات الرسول احتاج الأمة إلى شرح القرآن شرحاً يطابق حاجيات الزمن، ولذا فالرسول ارجع الأمة إلى الكتاب كأصل، وإلى العترة كشُرّاح له فيما يتجدد من حاجات الزمن.
لقد أُعجبت أنا بهذا البحث ايما إعجاب، ورأيت أن محمداً الشاب أمام القمي الشيخ الطاعن في السن كالعصفور في يد الصياد لا يتمكن تحركاً.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 33
لقد وجدت في «محمد عبدالوهاب» ضالتي المنشودة، فإن تحرره وطموحه وتبرمه من مشايخ عصره ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن والسنة كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلى نفسه، وأين هذا الشاب المغرور من ذلك الشيخ التركي الذي درست عنده في تركيا فإنه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شيء. انه كان إذا أراد أن يأتي باسم أبي حنيفة (وكان الشيخ حنفي المذهب) قام وتوضوء ثم ذكر اسم أبي حنيفة، وإذا أراد أن يأخذ كتاب البخاري - وهو كتاب عظيم عند أهل السنة يقدسونه أيما تقديس - قام وتوضأ ثم أخذ الكتاب.
أما الشيخ «محمد عبدالوهاب» فكان يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء، وكان يقول عن نفسه انني أكثر فهماً من أبي حنيفة وكان يقول ان نصف كتاب البخاري باطل.
لقد عقدت بيني وبين محمد أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار وأُبيّن له أنه أكثر موهبة من «عليّ بن ابي طالب» و«عمر» وأن الرسول لو كان حاضراً لاختارك خليفة له دونهما وكنت أقول له دائماً آمل من تجديد الإسلام على يدك فإنك المنقذ الوحيد الذي يرجى به انتشال الاسلام من هذه السقطة.
وقد قررت مع محمد أن نناقش في تفسير القرآن على ضوء أفكارنا الخاصة لا على ضوء فهم الصحابة والمذاهب والمشايخ، وكنا نقرء القرآن
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 34
ونتكلم عن نقاط منها - كنت أقصد من ورائها إيقاع محمد في الفخ - وكان هو يسترسل في قبول آرائي ليظهر نفسه بمظهر المتحرر وليجلب ثقتي أكثر فأكثر.
قلت له ذات مرة: الجهاد ليس واجباً.
قال : وكيف وقد قال الله «جاهد الكفار».
قلت: الله يقول «جاهد الكفار والمنافقين»، فإذا كان الجهاد واجباً فلماذا لم يجاهد الرسول المنافقين.
قال: جاهدهم الرسول بلسانه.
قلت: إذاً فجهاد الكفار أيضاً واجب باللسان.
قال: لكن الرسول حارب الكفار.
قلت: حرب الرسول كان دفاعاً عن النفس حيث ان الكفار أرادوا قتل الرسول فدفعهم، فهز محمد رأسه علامة للرضا.
وقلت له ذات مرة «متعة النساء جائزة».
قال: كلا.
قلت: فالله يقول «فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن».
قال: عمر حرم المتعة قائلاً: «متعتان كانتا على عهد رسول الله وانا أحرمهما وأعاقب عليهما».
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 35
قلت: أنت تقول أنا أعلم من عمر فلماذا تتبع عمر، ثم إذا قال عمر: إنّه حرمها وان الرسول حلّلها فلماذا تترك رأي القرآن ورأي الرسول وتأخذ برأي عمر؟
فسكت، ولما وجدت سكوته دليل الاقتناع، وقد أثرت فيه الغريزة الجنسية ولم تكن له إذ ذاك زوجة.
قلت له: الا تتحرر أنا وأنت ونتخذ متعة نستمتع بها؟
فهز رأسه علامة الرضا، وقد اغتنمت أنا هذا الرضا أكبر اغتنام، وقررت موعداً لأتي إليه بامرأة ليتمتع بها. وكان همي أن اكسر خوفه من مخالفة الناس، لكنه اشترط عليَّ أن يكون الأمر سراً بيني وبينه وأن لا أخبر المرأة بإسمه.
فذهب فوراً إلى بعض النساء المسيحيات اللاتي كن مجندات من قبل وزارة المستعمرات لافساد الشباب المسلم ونقلت لها كامل القصة، وجعلت لها اسم «صفية» وفي يوم الموعد ذهبت بالشيخ محمد الى دارها، وكانت الدار خالية إلا منها فقرأنا أنا والشيخ صيغه العقد لمدة أسبوع، وأمهرها الشيخ نقداً ذهبياً، فأخذت أنا من الخارج وصفية من الداخل نترواح ع--ل-ى توجيه الشيخ محمد عبدالوهاب.
وبعد ما أخذت ما أخذت صفيّة من محمد كل مأخذ، وتذوّق محمد حلاوة مخالفة أوامر الشريعة تحت غطاء الاجتهاد والاستقلال في الرأي والحرية.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 36
وفي اليوم الثالث من المتعة أجريت مع محمد محمد حواراً طويلاً عن عدم تحريم الخمر وكلما استدل بالآيات القرآنية والأحاديث زيفتها وقلت له أخيراً: لقد صح أن معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس كانوا يتعاطون الخمر فهل من الممكن أن يكون كل أولئك على ضلال وأنت على صواب.
إنهم لاشك كانوا أفهم لكتاب الله وسنة الرسول مما يدل على أنهم لم يفهموا التحريم وانما فهموا الكراهة والاعافة، وفي الأسفار المقدسة لليهود والنصارى إباحة الخمر، فهل يعقل أن يكون الخمر حراماً في دين وحلالاً في دين، والأديان كلها من عند إله واحد؟ ثم أن الرواة رووا ان عمر شرب الخمر حتى نزلت الآية: «فهل أنتم منتهون» ولو كانت الخمرة حراماً لعاقبه الرسول، فعدم عقاب الرسول دليل الحلّية.
اخذ يسمعني محمد بكل قلبه، ثم تنهد وقال: بل تثبت في بعض الأخبار ان . عمر كان يكسر الخمر بالماء ويشربها، ويقول ان سكرها حرام، لا، اذا لم تكن تسكر، ثم أردف الشيخ قائلاً «وكان عمر صحيح الفهم في ذلك» لأن القرآن يقول «إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة» فاذا لم تسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التي ذكرت في الاية وعليه فلا نهي عن الخمر اذا لم تكن مسكرة.
اخبرت صفية بماجرى، وأكدت عليها ان يسقى و الشیخ في هذه المرة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابیة)
ص: 37
خمرة مغلظة ففعلت وأخبرتني بعد ذلك أن الشيخ شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدة مرات في تلك الليلة وقد رأيت أنا آثار الضعف والنحول عليه غداة تلك الليله، وهكذا استوليت انا وصفية على الشيخ استيلاءاً كاملاً.
ويا لها من روعة تلك الكلمة الذهبية التي قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته «انا استرجعنا اسبانيا من الكفار - يعقصد المسلمين - بالخمر والبغاء، فلنحاول ان نسترجع سائر بلادنا بهاتين القوتين العظيمتين».
ذات مرة تكلمت مع الشيخ عن «الصوم» وقلت له: إن القرآن يقول «وان تصوموا خير لكم» ولم يقل انه واجب عليكم، فالصوم بنظر الاسلام مندوب وليس بواجب، لكنه قاوم الفكرة وقال «يا محمد تريد ان تخرجني من ديني» قلت له: يا وهاب ان الدين هو صفاء القلب وسلامة الروح وعدم الاعتداء على الآخرين، الم يقل النبيّ «الدين الحب»؟
والم يقل الله في القرآن الحكيم «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين»؟
فإذا حصل للإنسان اليقين بالله وباليوم الآخر، وكان طيب القلب، نظيف العمل، كان من افضل الناس لكنه هز رأسه علامة للنفي وعدم الارتياح.
ومرة اخرى قلت له: «الصلاة ليست واجبة».
قال: وكيف؟
قلت: لأن في القرآن يقول الله «وأقم الصلاة لذكري» فالمقصود من الصلاة ذكر الله تعالى، فلك ان تذكر الله تعالى عوضاً عن الصلاة.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 38
قال وهاب: نعم سمعت ان بعض العلماء كانوا يذكرون الله تعالى في اوقات الصلاة عوضاً عن الصلاة، ففرحت لكلامه أيما فرح، وأخذت انفخ في هذا الرأي حتى ظننت أني استوليت على لبّه، وبعد ذلك وجدته لا يهتم بأمر الصلاة احياناً يصلي وأحياناً لايصلي، خصوصاً في الصباح فإنه كان يترك الصلاة غالباً، حيث كنت اسهر معه الى بعد منتصف الليل غالباً فكان منهوك القوى عند الصباح فلا يقوم للصلاة.
وهكذا اخذت اسحب رداء الايمان عن عاتق الشيخ شيئاً فشيئاً وأردت ذات مرة ان اناقش حول الرسول لكنه صمد في وجهي صموداً كبيراً، وقال لي: ان تكلمت بعد ذلك حول هذا الموضوع قطعت علاقتي بك وخشيت ان ينهار كل ما بنيته، من أجل ذلك أحجمت عن الكلام حول الرسول.
لكن اخذت في إذكاء روحه في ان يكوّن لنفسه طريقاً ثالثاً غير السنة وغير الشيعة وكان يستجيب لهذا الإيحاء كل استجابة لأنه كان يملأ غروره وتحرره.
وبفضل صفية التي دامت علاقتها معه بعد الاسبوع ايضاً في متعات جديدة تمكنا في الاخذ بقيادة الشيخ كاملاً.
وذات مرة قلت للشيخ: هل صحيح ان النبي آخى بين الصحابة؟
قال: نعم.
قالت: هل أحكام الاسلام وقتية ام دائمة؟
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 39
قال: بل دائمة لأن الرسول يقول «حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة».
قلت: اذن فلنواخي انا وأنت فتواخينا، ومنذ ذلك الحين كنت أتبعه في كل سفر وحضر، وكنت اهتم لأن تأتي الشجرة التي غرستها ثمارها التي صرفت لأجلها أثمن اوقات شبابي.
وكنت أكتب بالنتائج الى الوزارة كل شهر مرة، كما كانت عادتي منذ ان خرجت من لندن - وكان الجواب يأتيني بالتشجيع الكفاي، فكنت انا ومحمد نسير في الطريق الذي رسمناه بخطة سريعة ولم أكن افارقه لا في السفر ولا في الحضر، وكانت مهمتي ان اربّي فيه روح الاستقلال والحرية وحالة التشكيك وكنت ابشره دائماً بمستقبل زاهر وأمدح فيه روحه الوقّادة: ونفسه النقّادة ولفّقت له ذات مرة حلماً وقلت له: إني رأيت البارحة في المنام رسول الله - ووصفته بما كنت سمعته من خطباء المنابر - جالساً على كرسي وحوله جماعة من العلماء لم أعرف أحداً منهم وإذا بي اراك قد دخلت ووجهك يشرق نوراً فلما وصلت الى الرسول قام الرسول إجلالاً لك وقبّل بين عينيك وقال لك يا محمد انت سميّي ووارث علمي والقائم مقامي في ادارة شؤون الدين والدنيا.
فقلت أنت: يا رسول الله اني اخاف ان أظهر علمي على الناس؟
قال رسول الله لك: «لا تخف انك انت الأعلى».
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 40
فلما سمع محمد بالمنام كاد ان يطير فرحاً، وسئلني مكرراً هل انت صادق في رؤياك ؟ وكلما سئل أجبته بالإيجاب حتى اطمئن، وأظن انه صمم من ذلك اليوم على اظهار امره.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 41
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 42
في هذه الأيام جائتني الأوامر من لندن على أن أتوجه إلى «كربلاء» و«النجف» مهوى قلوب المسلمين الشيعة ومركز علمهم وروحانيتهم ولهذين البلدين قصة طويلة.
أما قصة «النجف» فإنها تبدء من يوم دُفن فيها «عليّ» رابع الخلفاء عند أهل السنة وأول الخلفاء عند أهل الشيعة، فإن مدينة تبعد عن النجف قدر فرسخ - اي مسيرة ساعة بالرجل - تسمى ب «الكوفة» كانت مقر خلافة عليّ، فلما قُتل عليّ دفنه ولداه «الحسن والحسين» خارج الكوفة في هذا المكان الذي يسمى الآن ب«النجف» ثم اخذت نجف تزدهر بينما اخذت الكوفة في الخراب، واجتمع في النجف عدد من علماء الشيعة وصارت فيها بيوت وأسواق ومدارس وهي الآن مركز علماء الشيعة والخليفة في الآستانة يهبهم ويحترم جانبهم لعدة أمور:
1 - ان حكومة الشيعة في فارس تساندهم واذا مس الخليفة كرامتهم توترت العلاقات بين الحكومتين واحياناً تصل الى حدّ الحرب.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 43
2- ان عشائر كثيرة حول «النجف» تساند العلماء، وهي مسلحة، وسلاحهم وان كان ليس على المستوى الرفيع ولا تنظيم لهم إلا التنظيم العشائري، لكن يعني منازلة الخلافة للعلماء ان تدخل مع تلك العشائر في معارك دامية، وحيث لا ضرورة قصوى تلجيء الحكومة الى كبح جماح العلماء تذرهم وشأنهم.
3- ان اولئك العلماء مراجع لكل المسلمين الشيعة في العالم من «هند» و «افريقيا» وغيرهما فإذا مست الحكومة كرامتهم هاجت الشيعة في كل مكان.
وأما قصة «كربلاء» فانها تبتدء منذ قُتل فيها سبط رسول الله «الحسين بن عليّ، وابن فاطمة بنت الرسول» فقد دعا أهل العراق الحسين ليأتيهم من «المدينة - الحجاز» ليتخذوه خليفة، لكنه لمّا وصل هو وأهل بيته الى ارض «كربلاء» التي تبتعد عن الكوفة قرابة اثني عشر فرسخاً، قلّبَ هل العراق عليه الأمر، وخرجوا لقتاله بأمر من يزيد بن معاوية - الخليفة الأموي القاطن في الشام - فقاتل الحسين ابن عليّ مع أهل بيته الجيش الأموي الكثيف العدد قتال الأبطال حتى قُتل هو وأهل بيته، وقد أبدى الجيش الأموي في هذه المعركه كل نذالة وسفاله، ومنذ ذلك الحين اتخذ أهل الشيعة هذا المكان مركزاً روحياً يأتونه من كل مكان، ويزدحمون فيه ازدحاماً ليس عندنا في الروحانية المسيحية له مثيل.
هذه المدينة - كربلاء - ايضاً مدينة شيعية وفيها علماء الشيعة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 44
ومدارسهم، وهي والنجف تسند احداهما الأخرى.
ولما وصلتني الأوامر للذهاب إلى هاتين المدينتين قطعت الطريق من «البصرة» إلى «بغداد» مركز الوالي المغصوب من قبل الخليفة في الآستانة ومنهناك ذهبت الى «الحلة» وهي مدينة تقع على «شط الفرات».
و «الفرات ودجلة» نهران كبيران يخترقان العراق من تركيا ويصبان في البحر، ويعود الفضل في زراعة العراق ورفاهها الى هذين النهرين.
وقد اقترحت على وزارة المستعمرات بعد عودتي الى لندن ان تخطط لوضع اليد على مصب هذين النهرين لتتمكن من إخضاع العراق في حالة الطوارىء، فانه ان انقطع الماء عن العراق لابد وان يخضع اهلها لمطاليب الوزارة.
ومن «الحلة» ذهبت الى «النجف» في زي تاجر من تجار «آذربایجان» وائتلفت برجال الدين واخذت اراودهم و حضرت مجالس دروسهم واعجبت بهم ايما اعجاب لصفاء روحهم، وغزارة علمهم، وشدة تقواهم لكن وجدتهم قد مرَّ عليهم الزمن ولا يفكرون في تجديد امرهم.
1- فقد كانوا على شدة عدائهم للسلطة في تركيا لا لأنهم شيعة وانها سنيّة بل لضغط السلطة على حرياتهم ضغطاً كبيراً لا يفكرون في منازلتها وفي التخلص منها.
2 - كما انهم كانوا قد حصروا أنفسهم في علوم الدين امثال قساوستنا
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 45
عصر الجمود، وقد تركوا علوم الدنيا إلا بمقدار قليل لا ينفع.
3-وكذلك وجدتهم لا يفكرون في ما يجري حولهم في العالم.
وقد قلت في نفسي مساكين هؤلاء فإنهم في سبات حيث الدنيا في يقظة، وسيأتي يوم يجرفهم السيل، وقد حاولت مكرراً استنهاضهم لمحاربة الخلافة فلم اجد فيهم اذنا صاغيه، وكان بعضهم يسخر مني وكأني أقول له اهدم الكون، فقد كانوا ينظرون الى الخلافة كأنها مارد لا يمكن ان يقصر إلا إذا ظهر «ولى الأمر» عجل الله فرجه.
و «ولي الأمر» عندهم هو امامهم الثاني عشر من ذرية الرسول غاب عن الأبصار عام 255 هجري اي بعد ظهور رسولهم ب(255) سنة وهو حيّ الى اليوم ثم يظهر للعالم ليملأه عدلاً بعد أن مليء جوراً.
وإني أتعجب كيف يعتقد أناس افاضل بهذه العقيدة الخرافية انها مثل عقيدة الخرافيين من المسحيين بأنه سيعود المسيح من عليائه ليملأ الدنيا عدلاً.
قلت لأحدهم: أليس الواجب ان تغيروا الظلم كما غير رسول الاسلام؟
قال: الرسول كان يسنده الله ولذا تمكن.
قلت: في القرآن الحكيم «ان تنصروا الله ينصركم» فانتم ايضاً يسندكم الله ان قمتم بالسيف في وجه طغيان الخليفة.
قال: انت تاجر وهذه مواضيع علمية يقصر فهمك عن ملاحقتها.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 46
أما مرقد الامام أمير المؤمنين - كما يسمّونه - فهو مرقد جميل مزخرف بأنواع الزخرفة الجميلة، وله حرم جميل وعليه قبة ذهبية كبيرة، ومنارتان ضخمتان ذهبیتان.
وأهل الشيعة يدخلونه كل يوم زرافات زرافات ويقيمون فيه الصلوات بهيئة اجتماعية، ويقبلون ضريحه الذي الحد فيه وينحني كل واحد الى عتبته يقبلها ثم يسلّم على الامام، ويستأذن في الدخول فيدخل. ويحيط بالحرم صحن كبير فيه غرف كثيرة هي مأوى رجال الدين والزوار.
وفي كربلاء حرمان على طراز حرم «عليّ».
الأول: حرم الحسين والثاني: حرم العباس وهو أخ للحسين قتل في كربلاء، وتفعل الشيعة في كربلاء مثل ما تفعل في النجف، وكربلاء احسن مناخاً من النجف حيث يحيط بالبلد طوق كبير وكثيف من البساتين وفيها أنهار جارية.
في سفرتي إلى العراق وجدت ما يثلج الصدر، فقد كانت الأوضاع العامة والخاصة تنذر بنهاية الحكم، فالوالي من قبل الآستانة رجل مستبد جاهل يحكم بما يشاء وكأنّ الناس عبيد وإماء له، والشعب بصورة عامة غير راض عنه، أما اهل الشيعة فلأن الحكومة تضغط على حرياتهم ولا تعير لهم أهميّة وأما اهل السنة فلأنهم يأنفون ان يحكمهم رجل تركي وفيهم الأشراف والسادة من آل الرسول الذين يرون انهم أحق بالحكم من الوالي التركي.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 47
والبلاد خراب يعيش الناس فيها في قذارة ووساخة وخرائب.
والطرق غير مأمونة فعصابات اللصوص يترصدون القوافل فينقضّوا عليهم اذا لم تكن معهم مفرزة من الشرطة، ولذا فإن القوافل لا تتحرك إلا بعد ان تصحبهم الحكومة بالشرطة المدججين بالسلاح.
والمخاصمات بين العشائر قائمة على قدم وساق، فلا يمر يوم إلا وعشيرة تنقض على عشيرة أخرى ويكون بينهما القتل والسلب.
والجهل والأمية متفشية بصورة مدهشة تُذكّرني بأيام استيلاء الكنيسة على بلادنا، فباستثناء طبقة رجال الدين في «النجف» و«كربلاء» وقلة مرتبطة بهم لا تجد قارئاً ولا كاتباً واحداً في كل ألف انسان.
والاقتصاد منهار فعيش الناس في فاقة شديدة وفقر مدقع، والنظام غير مستتب فالفوضى هي التي تسود كل شيء.
وتنظر الحكومة والناس كل إلى الآخر بنظر الريبة والشك ولذا لا تعاون بينهما.
ورجال الدين غارقون في الامور الدينية عازفين عن الحياة الدنيا.
والصحاري أغلبها يباب لازراعة فيها، ويمر النهران «دجله والفرات» عبر أراضيهم وكأنهما ضيف عليهم حتى يصبان في البحر، والى غير ذلك من الأوضاع المتردية الفاسدة التي تنتظر الانقاذ.
بقيت في كربلاء والنجف مدة اربعة اشهر وقد تمرضت في النجف مرضاً
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 48
حاداً حتى يئست من نفسي، ودام معي المرض مدة ثلاثة أسابيع، وراجعت طبيباً كان هناك، ووصف لي بعض الأدوية فلما شربتها أحسست بتحسن صحتي، وكان الفصل صيفاً شديد الحر فكنت اعتكفت ايام مرضي في مكان تحت الأرض يمسى ب«السرداب».
وكان صاحب البيت الذي استأجرت منه غرفة يباشر في هذه المدة مهمة صنع الطعام والدواء لي لقاء اجر بسيط، وكان يعتبر خدمتي افضل قربة إلى الله حيث انه يخدم زائراً لأمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب.
وكان أكلي فقط في الأيام الأولى ماء الطير يسمّونه الدجاجة، ثم منح لي الطبيب السماح بأكل لحمة ايضاً وفي الأسبوع الثالث اباح لي ان أكل الأرز بالدجاج، وبعد ان ابللت من المرض ذهبت الى «بغداد» وهناك كتبت تقريراً مفصلاً عن مشاهداتي في «النجف وكربلاء والحلة وبغداد» والطريق في تقرير مسهب استوعب مائة صفحة، وسلمت التقرير الى ممثل الوزارة في بغداد، وبقيت بانتظار أوامر الوزارة هل أبقى في العراق او اعود الى لندن.
وقد كنت شديد الشوق للعودة الى لندن لأن الغربة طالت والحنين الى البلد والأهل قد اشتد، خصوصاً وقد كنت شائقاً كثيراً الى لقاء ولدي «رسبوتين» الذي فتح العين الى الفور في غيابي ولذا فاني قد طلبت من الوزارة مع التقرير الذي بعثته اليها ان يسمحوا لي بالعودة ولو لاجل محدود، لأروي لهم انطابعاتي شفوياً ولكي آخذ قسماً من الراحة والاستجمام فقد طال سفري الى العراق مدة ثلاث سنوات.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 49
قال لي ممثل الوزارة في بغداد ان لا اتردد عليه وان استأجر غرفة في أحد الخانات المطلة على نهر «دجلة» لكيلا تثار حولي شبهة وقال انه - أي الممثل - سوف يخبرني بالجواب حينما يأتي البريد من لندن، وكنت في ايام إقامتي في بغداد رأيت البون الشاسع بين عاصمة الخلافة وبين بغداد، وكيف أن الأتراك يتعمدون اذلال أهالي العراق لأنهم عرب لا يؤمن مكرهم.
وقد كنت ايام مغادرتي البصرة الى كربلاء والنجف قلقاً اشد القلق على مصير «الشيخ محمد عبدالوهاب» حيث كنت لا آمن الانحراف عن الطريقة التي رسمتها له، فإنه كان شديد التلون، عصبي المزاج، فكنت أخشى ان تنهار كل آمالي التي بنيتها عليه.
انه حين اردت ان افارقه كان يروم الذهاب الى الآستانة للتطلع عليها لكني منعته عن ذلك أشد المنع وقلت له اخاف ان تقول هناك شيئاً ما يوجب ان يكفروك ومصيرك حينذاك القتل. قلت له هكذا.
ولكن كان في نفسي شيء آخر وهو ان يلتقي ببعض العلماء هناك فيقوّم معوّجه ويرجعه الى طريق أهل السنة فينهار كل آمالي.
ولما كان الشيخ محمد لا يريد الإقامة في البصرة أشرت عليه بأن يذهب الى «أصفهان وشيراز» فان هاتين المدينتين جميلتين، وأهاليها من أهل الشيعة ومن المستبعد ان تؤثر الشيعة في الشيخ، وقد كنت بذلك أمنت انحرافه.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 50
وعند مفارقتي للشيخ قلت له: هل انك تؤمن بالتقية؟
قال: نعم، فقد اتقى أحد أصحاب الرسول وأظنه قال انه «مقداد» حين اضطهده المشركون، وقتلوا أباه وامه فأظهر الشرك، وأقرّه على ذلك رسول الله.
قلت له: اذن اتق من الشيعة ولا تظهر لهم انك من أهل السنة لئلا تقع عليك كارثة، وتمتّع ببلادهم وعلمائهم، وتعرّف على عاداتهم وتقاليدهم فإنه ينفعك أشد النفع في مستقبل حياتك.
وقد زودت الشيخ حين اردت مفارقته بكمية من المال بعنوان «الزكاة» وهي ضريبة إسلامية تؤخذ لصرفها في مصالح المسلمين، كما وقد اشتريت له «دابة» للركوب بعنوان الهدية وفارقته.
ومنذ مفارقتي له لم اعلم مصيره، وكنت قلقاً لذلك أشد القلق وقد تبانينا ان نرجع كلانا إلى البصرة، وإذا رجع احدنا ولم يجد صاحبه يدع مكتوباً عند «عبدالرضا» يخبر فيه صديقه عن حاله.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 51
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 52
بعد مدة من مكوثي في «بغداد» أتتني الأوامر بضرورة التوجه الى لندن فوراً، فتوجهت جهت اليها، وهناك اجتمع بي السكرتير وبعض اعضاء الوزارة وأخبرتهم بمشاهداتي وما عملته في سفرتي الطويلة، ففرحوا بمعلوماتي عن العراق أشد الفرح، وأبدوا ارتياحهم لها، وكان قد سبق اليهم تقريري ع-ن تفاصيل الرحلة، وظهر لي فيما بعد أن «صفيّة» قرينة الشيخ «محمد عبدالوهاب» في البصرة ايضاً كانت قد كتبت اليهم بما يطابق تقاريري، كما تبيّن ايضاً أن الوزارة كانت تراقبني في كل السفرة وان المراقبين كتبوا عنّي تقارير مرضية، ومصدقة لما كتبت في تقريري ولما قلت عند مقابلة السكرتير، ضرب السكرتير، لي موعداً للاجتماع بنفس الوزير ولما زرته في مكتبه رحب بي ترحيباً حاراً يختلف عن ترحيبه السابق عندما عدت من الآستانة الى لندن وظهر لي انني اشغلت من قلبه مكاناً لائقاً.
وقد أبدى الوزير إرتياحه الكبير من السيطرة على محمد وقال: انه ضالة الوزارة، أكّد علىَّ مكرراً بأن اعاهده بكل انواع المعاهدة، وقال انك لو لم
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 53
تحصل في كل اتعابك إلا على الشيخ كان جديراً بكل تلكم الأتعاب. وحيث أبديت قلقي على مصيره بعدي.
قال الوزير: اطمئن بأن الشيخ لا يزال على ما فارقته انت من الآراء والأفكار وقال الوزير: ان عملاء الوزارة اتصلوا به في اصفهان وانهم أخبروا الوزارة بأن الشيخ على ما كان، لكن اسررت في نفسي: كيف اباح الشيخ بدخيلة سره إليهم؟ وتهيبت ان اسئل الوزير عن ذلك، ثم تبين لي فيما بعد حين التقيت بالشيخ ان انساناً يدعى عبدالكريم اتصل به في اصفهان وانه أخ (للشيخ محمد: يقصد انا) قال له عن تفاصيل اسراره عن الشيخ محمد، وبذلك استطاع من النفوذ الى دخائل قلبه، وقال «محمد عبدالوهاب» ان «صفية» لحقته في اصفهان وتنعّم بمتعة اخرى لمدة شهرين، وان «عبدالکريم» صاحبه الى شيراز حيث هيّىء لمحمد الوهاب متعة اخرى اسمها آسية أجمل وأكثر انوثة وعاطفة من صفية وانه قضى معها أسعد ساعات العمر.
وتبين لي فيما بعد ايضاً: ان عبدالكريم اسم مستعار لأحد المسيحين في «جلفاء» من نواحي اصفهان كان من عملاء الوزاره، وان «آسية» من يهود شيراز وكانت ايضاً هي الأخرى من عملاء الوزارة، وكان نتيجة سيطرتنا نحن الأربعة على «محمد عبدالوهاب» انه طُبخ كافضل ما يمكن لما يرجى منه في المستقبل.
بعد شرح الأحوال للوزير بحضور السكرتير، ونفرين آخرين من اعضاء
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 54
الوزارة لم اعرفهما من ذي قبل، قال لي الوزيرذ لقد استحققت أعلى أوسمة الوزارة حيث بلغت الدرجة الأولى في سلّم العملاء المخلصين، ثم أردف: ان السكرتير سوف يطلعك على بعض أسرار الدولة ينفعك في مهمتك.
ثم منحوا لي اجازة عشرة أيام لكي أنصرف الى اهلي، وخرجت من الوزارة متجهاً نحو أهلي، وعشت مع ابني الصغير الذي كان يشبهني، وينطق ببعض الكلمات ويمشي وكأنّه قطعة روحي تمشي على الأرض في أسعد اللحظات، وقد غمرني الفرح فوق حد الوصف، وكاد ان يطير روحي حباً، وتمتعت بالأهل والوطن ايما ستمتاع.
كما زرت عمتي العجوز الطاعنة العجوز الطاعنة في السن التي كانت دائماً تغمرني بعطف ولطف، ومن حسن الحظ اجتماعي بها هنا، حيث إنها فارقت الحياة عندما كنت انا في السفرة الثالثة، وقد ترك وفاتها في نفسي الماً ولوعة وحسرة.
إنقضت الأيام العشرة وكأنها ساعة - وهكذا تنقضي الأيام السعيدة كالساعات بينما الأيام البائسة تنقضي وكأنها قرون - وتذكرت حينذاك الأيام التي كنت فيها مريضاً في العراق والنجف، وكان اليوم الواحد منها يمر عليَّ وكأنها سنة، ولاتزال مرارة تلك الأيام تحت أسناني، حتى ان مجموع أيام سعادتي لم يترك عندي من السعادة ما تركته عندي أيام الشقاء من المرارة.
راجعت الوزارة لأتخذ الأوامر بشأن المستقبل، وكان في استقبالي
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 55
السكرتير بطلعته الوسيمة، وثغره الباسم، وطوله الفارع، وصافحني مصافحة حارة لمست منها كل معاني الاخوة.
قال لي: لقد أمرني الوزير شخصياً، كما خولتني اللجنة الخاصة بشؤن المستعمرات ان اطلعك على سرّين هامين جداً وذلك لكي تستفيد منهما في المستقبل، ولا يطّلع على هذيه السرّين إلا قلائل من الذين يُعتمد عليهم.
ثم أخذ بيدي وأدخلنى احدى غرف الوزارة، ورأيت فيها عجباً، فهناك مائدة مستديرة حولها عشرة رجال احدهم في زي السلطان العثماني وهو يتكلم التركية والانكليزية، والثاني في زي شيخ الاسلام في الآستانة والثالث في زي الملك الفارسي، والرابع في زي عالم البلاط الشيعي والخامس في زي مرجع التقليد لأهل الشيعة في النجف، وهؤلاء الثلاثة يتكلمون باللغتين الفارسية والانكليزية. وعند كل واحد من هؤلاء الخمسة كاتب من الكتاب ليكتب ما يقول.
كما انه هو بنفسه الطريق الى احد الخمسة ليزوده بالمعلومات التي تجمعها العملاء حول هؤلاء الخمسة من الآستانة وفارس والنجف.
قال السكرتير: ان هؤلاء الخمسة يمثلون اولئك الأصليين صنعناهم على أمثلتهم لنرى كيف يفكر أولئك الخمسة، فإنا نزود هؤلاء بالمعلومات التي تصلنا من الآستانة وطهران والنجف، وهؤلاء يجعلون من انفسهم بمنزلة اولئك الخمسة الأصلاء، ثم يجيبوننا عن كل ما نسألهم، وقد لاحظنا ان نتائج
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 56
تفكير هؤلاء الخمسة تطابق سبعين في المائة تفكير اولئك الأصليين.
قال السكرتير: وان شئت جرب الأمر فانك قابلت عالم النجف، قلت حسناً، حيث كنت قد سئلت بعض المسائل عن مرجع التقليد في النجف.
تقدمت الى البدل وقلت له: مولانا هل يجوز لنا نحن الشيعة ان نحارب الحكومة لأنها حكومة سنية شديدة التعصب؟
تروّى البدل قليلاً وقال لا يجوز لنا محاربتهم لأنهم سنة، فإن المسلمين اخوة، وانما يجوز لنا محاربتهم لأنهم يضطهدون الامة، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يرفعوا أيديهم عن اظطهادنا وحينذاك تتركهم وشأنهم.
قلت: مولانا ما رأيكم في نجاسة اليهودي والنصراني فهل هم انجاس ام لا؟
قال البدل: نعم انهم انجاس يجب الاجتناب عنهم.
قلت: ولم؟
قال: هذا من باب المقابلة بالمثل فانهم يروننا كفاراً، وانهم يكذبون نبينا محمداً، وكذلك نحن تقابلهم بالمثل.
قلت له: مولانا اليست النظافة من الايمان فلماذا رأيت انا قذارة الصحن الشريف، والشوارع والأزقة حتى اني رأيت القذارة في المدارس العلمية ايضاً.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 57
قال: النظافة لاشك انها من الايمان ولكن ماذا نصنع بقلة المياه وعدم اهتمام الحكومة بالنظافة.
كانت المفاجآت في اجوبة البدل انها كلها كانت مطابقة لأجوبة العالم المرجع في النجف بدون زيادة أو نقيصة.
لكن كانت إضافة جملة «وعدم اهتمام الحكومة بالنظافة» في الجواب الثالث زيادة من البدل حيث لم يذكرها الأصيل وقد دهشت ایما دهشة لهذه البدلية المطابقة للأصل، فقد اجابني المرجع في النجف حيث سألته عن هذه الأسئلة بنفس هذه الأجوبة، وكان البدل يتكلم باللغة الفارسية كما كان المرجع في النجف يتكلم باللغة الفارسية ايضاً.
قال لي السكرتير: ولو كنت واجهت الأربعة الأصلاء الآخرين وتكلمت معهم لكان لك أن تتكلم مع هؤلاء الأبدال لترى كيف ان هؤلاء الأبدال مثل اولئك الأصلاء.
قلت: اني اعرف كيفية تفكير شيخ الاسلام لأن أستاذي الشيخ احمد افندم نقل لي جملة وافية عنه.
قال لي السكرتير : تفضل وتكلم مع البدل عنه. فتقدمت الى البدل وقلت له: افندم هل تجب طاعة الخليفة.
قال: نعم يا ولدي مثل وجوب طاعة الله ورسوله.
قلت له: افندم بأي دليل؟
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 58
قال: الم تسمع قول الله تعالى «اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»؟
قلت: افندم اذا كان الخليفة اولى الأمر فكيف يأمرنا الله بطاعة يزيد الذي أباح المدينة المنوّرة لجيشه وقتل الحسين سبط رسول الله، وكيف يأمرنا الله بطاعة الوليد الذي كان يشرب الخمر.
قال البدل: يا ولدي ان يزيد كان أمير المؤمنين من قبل الله تعالى وقد أخطأ في قتله الحسين وتاب.
وأما اباحته المدينة المنورة فقد كانت صحيحة لأنهم طغوا وبغوا وخلعوا الطاعة، وأما الوليد فكان يشرب الممزوجة بالماء والتي لا توجب له السكر وذلك جائز في شريعة الإسلام.
لقد كنت سئلت هذه الأسئلة من «شيخي أحمد افندم» وكان جوابه نفس الأجوبة باختلاف يسير.
قلت للسكرتير بعد هذه المقابلة: وما فائدة هذه التمثيلية.
قال: إنّا نعرف كيف تفكير سلاطين وعلماء المسلمين، سنة وشيعة، ونضع الحلول المناسبة لمعاكستهم في القضايا السياسية والدينية، مثلاً: اذا عرفت ان عدوك يأتي من طرف الشمرق كنت وضعت جنودك في ذلك الطرف لصده، أما اذا لم تكن تعرف من أين يأتي العدو فقد تبعثر جنودك في كل اتجاه...
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 59
لذلك إذا عرفت وجه إستدلال المسلم على مذهبه ودينه تمكنت ان تضع أجوبة الجاهزة لردّه فتكون تلك الأجوبة كافية لخلخلة عقيدة المسلمين.
ثم ناولني السكرتير كتاباً ضخماً من ألف صفحة فيه نتائج المناقشات والخطط التي جرت بين هؤلاء الخمسة الأصليين والخمسة الأبدال في الشؤون العسكرية والمالية والثقافية والدينية وحملت الكتاب معي الى الدار وقرأته من أوله إلى آخره في ثلاثة أسابيع مدة اجازتي وأمرني بإرجاع الكتاب بعد المطالعة، وعند قرائتي للكتاب دهشت لما حواه من الرد ودقة المناقشات وكأنها واقعية فكانت مطابقة الأجوبة - حسب معلوماتي - أكثر من سبعين بالمائة وان كان السكرتير سبق وان قال لي أن الأجوبة الصائبة من التمثيلية زهاء سبعين بالمائة.
وقد ازددت وثوقاً بمقدرة حكومتي وعلمت يقيناً أن الامبراطورية العثمانية مشرفة على الزوال في أقل من قرن حسب ما قدرة الكتاب.
قال السكرتير لي وهناك غرف أخرى فيها نظير هذه التمثيلية بالنسبة لسائر البلاد التي هي مستعمرة بأيدينا، أو ما تقصد الحكومة استعمارها فيما بعد.
قلت للسكرتير: من أين تحصلون على هؤلاء الأبدال بهذه الدقة والمقدرة؟
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 60
قال: ان عملائنا في كافة البلاد يزودونا بالمعلومات الكافية بصورة مستمرة وهؤلاء الأبدال اخصائيون في هذه الناحية. ومن الطبيعي أنك اذا حصلت على معلومات كافية خاصة كما يعلمها «فلان» يكون نوع تفكيرك واستنتاجاتك مثل تفكيره واستنتاجاته اذ تكون حينذاك نسخة طبق الأصل منه.
قال السكرتير: وهذا هو السر الأوّل الذي أمرني الوزير ايقافك عليه.
وأما السر الثاني فسوف أطلعك عليه بعد شهر حيث أتممت هذا الكتاب «ويقصد الكتاب ذا الألف صفحة الذي تقدمت الاشارة اليه».
لقد طالعت الكتاب بدقة وامعان من الجلد والى الجلد، وظهرت لي آفاق جديدة من المعرفة بأوضاع المحمديين كما ظهرت لي كيفية تفكيرهم، وانهم كيف متأخرون؟ وأن نقاط الضعف فيهم ما هي؟ كما ظهرت لي نقاط القوة في المسلمين وانه كيف يلزم العمل لهدمها وتبديلها بنقاط الضعف، ومنها:
1- الاختلاف بین السنة والشيعة والاختلاف بين الحكام والشعوب، والاختلاف بين حكومتي الأتراك والفرس والاختلاف بين العشائر، والاختلاف بين العلماء والحكومة.
2 - الجهل والأمية التي تكاد تستوعب كل المسلمين إلا نادراً.
3-خمول الروح وذبول المعرفة وفقدان الوعي.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 61
4 ترك الدنيا كليه والتعلق بالآخرة والعمل لها وحدها.
5-دكتاتورية الحكام والاستبداد الشامل.
6- عدم أمن الطرق وانقطاع المواصلات الا يقدر قليل.
7-تدهور الصحة العامة حتى ان الطاعون والوباء يجتاحان البلاد بصروة مستمرة تقريباً يجرفان عشرات الألوف في كل وجبة.
8-خراب البلاد ويباب الصحاري وانسداد الأنهر وقلة المزارع.
9 - الفوضى في كل شؤون الإدارة فلا نظام ولامقاييس ولاموازين ولا قوانين، فإنهم وان كانوا كثيري الاعتزاز بالقرآن إلا أن العمل بقوانينه يكاد يكون معدوماً.
10- تدهور الاقتصاد تدهوراً مشيناً فالفقر ضارب بأجرانه في كل مكان.
11- عدم وجود جيوش نظامية بمعنى الكلمة وعدم السلاح الكافي وردائة الموجود منه.
12 - احتقار المرأة وهضم حقها.
13- الوساخة والقذارة في الأسواق والشوارع والأجسام وكل مكان.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 62
وقد كان الكتاب يذكر بعد كل نقطة ضعف ان قانون الإسلام بالعكس فاللازم ابقاء المسلمين في جهلهم حتى لا ينتبهوا الى حقيقة دينهم، فقد ذكر الكتاب أن الاسلام:
1 - يأمرهم بالاتحاد والألفة ونبذ الفوارق ففي القرآن «واعتصموا بحبل الله جميعاً».
2 - ويأمرهم بطلب العلم ففي الحديث «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
3 - ويأمرهم بالوعى ففى القرآن «فسيروا في الارض».
4-ويأمرهم بطلب الدنيا ففي القرآن «ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة».
5- ويأمرهم بالمشورة ففي القرآن «وأمرهم شورى بينهم».
6 - ويأمرهم بتأمين السبل ففي القرآن «فامشوا في مناكبها».
7-ويأمرهم بمعاهدة ابدانهم وصحتهم ففي الحديث «انما العلوم أربعة: علم الفقه لحفظ الأديان، وعلم الطب لحفظ الأبدان، وعلم النحو لحفظ اللسان، وعلم النجموم لحفظ الأزمان».
8-ويأمرهم بالعمران ففي القرآن «وخلق لكم ما في الأرض جميعاً».
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 63
9 - ويأمرهم بالنظام ففي القرآن «من كل شيء موزون» وفي الحديث «ونظم أمركم».
10 - ويأمرهم بقوة الاقتصاد ففي الحديث «من لا معاش له لا معاد له».
11 - ويأمرهم بقوة الجيش والسلاح ففي القرآن «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة».
12- ويأمرهم باحترام المرأة ففي القرآن «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف».
13 - ويأمرهم بالنظافة ففي الحديث «النظافة من الإيمان».
أما نقاط القوة التي ذكرها الكتاب وأمر بهدمها فهي انهم:
1- لا يعيرون الاهتمام بالقوميات والإقليميات، واللغات والألوان، وسوابق البلاد.
2-تحرم عندهم الربا والاحتكار، والبغاء، والخمر، والخنزير.
3-يتعلقون بعلمائهم أشد التعلق.
4- يحترم طائفة كبيرة من السنة «الخليفة» ويتعبرونه مثالاً للرسول تجب طاعته كما تجب طاعة الله والرسول.
5- يوجبون الجهاد.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 64
6- يرى أهل الشيعة نجاسة غير المسلم مهما كانت عقديته.
7- يعتقدون بأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
8-يرى أهل الشيعة حرمة بناء الكنائس في بلاد الإسلام.
9- يرى أكثر المسلمين وجوب اخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
10 - يمارسون العبادات الصلاة ، الصوم، الحج ونحوها ممارسة شديدة.
11 - يرى أهل الشيعة وجوب اعطاء الخمس، بدفعة الى علمائهم.
12 - يتمسكون بالعقيدة الإسلامية تمسكاً شديداً.
13 - يُربّون أولادهم تربية دقيقة على طريقة الآباء والأجداد حتی ليستحيل الفصل للأبناء عن الآباء.
14 - المرأة عندهم في حجاب شديد حتى لا يمكن تسريب الفساد إليها.
15- عندهم صلوة الجماعة التي تجمعهم في كل يوم مرات.
16- عندهم المقابر للنبي وآله والصالحين فتكون مركز تجمعهم وانطلاقهم.
17-في أوساطهم كثرة من المنتسبين الى الرسول «أولاده» فتذكر بالرسول، ويجعل الرسول حياً في أعينهم.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 65
18 - عند أهل الشيعة «الحسينيات» التي تجمعهم في مواسم خاصة فيقوّي الواعظ الايمان في نفوسهم ويحرضهم على العمل الصالح.
19- عندهم يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
20 - عندهم استحباب الزواج وكثرة النسل وتعدد الأزواج.
21 - عندهم استحباب الزواج وكثرة النسل وتعدد الأزواج.
21 - عندهم ان من هدى انساناً الى الاسلام كان له خير من ان يملك كل الدنيا.
22 - عندهم ان «من سنَّ سنة حسنة كان له اجرها وأجر من عمل بها».
23- عندهم تقييم كبير للقرآن والحديث واتباعهما يوجب الجنة والثواب ثم أوصى الكتاب بتوسيع نقاط الضعف وطمس نقاط القوة، وذكر الأدلة الكافية لكيفية ذلك.
***
يقول الكتاب في ما يمكن ان يعمل من اجل توسيع نقاط الضعف:
1- إن الاختلافات يمكن تركيزها بتكثیر سوء الظن بين الفئات المتنازعة ونشر الكتب التي تطعن في هذه الفئة. وتلك الفئة، واللازم بذل المال الكافي في سبيل التخريب والتفرقة.
2 - والجهل يمكن ابقائهم عليه بالمنع عن فتح المدارس ونشر الكتب
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 66
وإحراق ما يمكن احراقه من الكتب، وصرف الناس عن ادخال أولادهم في المدارس الدينية بتلفيق الاتهامات ضد رجال الدين.
3، 4- ويمكن ابقائهم في حالة اللاوعي بتزيين الجنة امامهم وانهم غير مكلفين بالحياة الدنيا، وتوسيع حلقات التصوف، وترويج الكتب الآمرة بالزهد مثل كتاب «احياء العلوم» للغزالي، ومنظومات «المثنوي» وكتب «ابن العربي».
5-يمكن تقوية دكتاتورية الحكام ببيان «انهم ظل الله في الارض» وأن ابابكر وعمر وعثمان وعلياً وبني اميه وبني العباس كلهم جاءوا الى الحكيم بطريق القوة والسيف وحكموا فردياً «فأبوبكر» جاء أي الحكم بسيف عمر، وارعابه، واحراقه للبيوت التي لم ترضخ للطاعة كبيت فاطمة بنت محمد.
عمر جاء الى الحكم بوصية ابي بكر، وعثمان جاء الى الحكم بأمر عمر، وعلي جاء الى الحكم بانتخاب الثوار له، ومعاوية جاء الى الحكم بالسيف، ثم توارث بنوا امية الحكم.
والسفاح جاء الى الحكم بالسيف، ثم توارث بنوا العباس الحكم... كل ذلك دليل على أن الحكم في الاسلام دكتاتوري.
6 - يمكن الابقاء على عدم أمن السبل بالهاء الحكام عن معاقبة اللصوص وتقوية جانب اللصوص واعطائهم السلاح واغرائهم بالعمل
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 67
المستمر في طريق اللصوصية والاغتشاش.
7-يمكن الابقاء على حالتهم اللاصحية بنشر مذهب «القدر» فيهم وان كل ذلك من الله، فلا فائدة في العلاج، الم يقل الله في القرآن «الذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني» والم يقل «والذي يميتني ثم يحييني« فالشفاء بيد الله، والموت بيد الله فلا سبيل للشفاء بدون ارادته ولا مهرب من الموت الذي هو قضاء الله وقدره».
8-الابقاء على الخراب واليباب يمكن بما ذكرناه في الحلقة الثالثة والرابعة.
9 - يمكن الابقاء على الفوضى ببيان أن الاسلام دين العبادة ولانظام فيه ولذا لم يكن لمحمد ولا لخلفائه وزراء ولا أنظمة ولا إدارات ولا قوانين.
10 أما تدهور الاقتصاد فهو نتيجة طبيعية لما تقدم من التدهورات ويمكن زيادته باحراق المحاصيل، واغراق البواخر التجارية واحراق الأسواق وكسر السدود باستيلاء الماء على المزارع وعلى البلاد والقاء السم في المشارب العامة.
11 - ويمكن الهاء الحكام في الفساد والخمر والقمار، وبتبذير الأموال في الأمور الشخصية لكي لا يبقى المال الكافي للسلاح ولأرزاق الجيش.
12 - ويمكن إشاعة أن الإسلام احتقر المرأة أليس في القرآن «الرجال، قوّامون على النساء» وأليس فى السنة «المرئة شرُّ كلها».
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 68
13- أما الوساخة والقذارة فهي نتيجة طبيعية لشح الماء فالللازم الحيلولة دون زيادة الماء في البلاد بأي اسم كان.
***
أما ما أوصاه الكتاب عن طمس نقاط القوة، فقد أوصى الكتاب:
1 - بلزوم احياة النعرات القومية، والاقليمية واللغوية واللونية وغير ذلك في المسلمين، كما أوصى بلزوم جلب اهتمام المسلمين الى سوابق حضارات بلادهم، وابطال شخصياتهم قبل الاسلام. كاحياء الفرعونية في مصر، واحياء الوثنية في فارس، واحياة البابلية في العراق الى آخر القائمة الطويلة التي وضعها الكتاب بهذ الشأن.
2- كما يلزم اشاعة الأمور الأربعة التالية: الخمر والقمار والبغاء ولحم الخنزير ان جهراً وان سراً.
ثم أوصى الكتاب بلزوم التعاون الوثيق مع اليهود والنصارى والمجوس والصابئة الذين يقطنون في بلاد الإسلام في سبيل احياء هذه الأمور وجعل مرتب من خزينة وزارة المستعمرات الأجل الموظفين الذين ينشرون هذه الأمور بين المسلمين، وجعل جوائز واغراءات بكل من تمكن من ان يوسع دوائر هذه الأمور الأربعة أكثر فأكثر.. وأوصى الكتاب بلزوم حماية ممثلي حكومة بريطانيا العظمى لهذه الأمور علناً وسراً، وضرورة بذل ما تمكن في سبيل انقاذ كل من يقع تحت وطأة عقاب المسلمين من الذين ينشرون هذه
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 69
الأمور الأربعة.. كما أوصى الكتاب بنشر «الربا» بكل صورة، فانه بالاضافة الى انه هدم للاقتصاد الوطني للاقتصاد الوطني يوجب تجرّيء المسلمين على خرق قوانين القرآن، ومن خرق قانوناً سهل عليه خرق سائر القوانين.. وقد أوصى الكتاب من انه اللازم ان يبيّن للمسلمين أن الحرام هو الربا المضاعف» حيث يقول القرآن «لا تأكلوا الربا اضعافاً مضاعفة» وليس الربا بكل صورة حراماً.
3، 4- يجب تضعيف صلة المسلمين بعلمائهم بإلصاق التُهم بالعلماء وادخال بعض العملاء في زي العلماء، ثم يرتكبون الجرائم ليشتبه كل رجل دین عندهم هل انه عالم او عميل.
ومن المؤكد ادخال امثال هؤلاء العملاء في «الأزهر والآستانة» و «النجف وكربلاء» ومن طرق تضعيف صلة المسلمين بعلمائهم.
فتح المدارس لدراسة أطفال المسلمين بواسطة عملاء الوزارة ليربّوا الأطفال على كره العلماء وعلى كره الخليفة وذكر مساوئه وانه منشغل بالملذات، وبصرف اموال الشعب في الفساد والترف فهو ليس مثل الرسول في أي شأن من الشؤن.
5-يلزم التشكيك في أمر الجهاد، وانه كان أمراً وقتياً انقضى بانقضاء زمانه.
6- يلزم اخراج فكرة نجاسة «الكفار» عن نفوس أهل الشيعة، وبيان أن الله قال في القرآن «طعامكم حلٌّ لهم وطعامهم حل لكم» وأن الرسول كان
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 70
له زوجة يهودية وهي «صفية» وزوجة نصرانية وهي «مارية»، ولا يمكن ان تكون زوجة الرسول نجسة.
7-ويلزم ان يعتقد المسلمون أن مقصود الرسول الإسلام الدين سواء كانت يهودية أو نصرانية لا المحمدية بدليل أن القرآن يسمى كل أهل دين مسلماً، ففي القرآن ان يوسف النبي قال: «توفني مسلماً» وقال ابراهيم واسماعيل «ربنا واجعلنا مسلمين لك» ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وقال يعقوب النبي لبنيه «فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون».
8-كيف تحرم الكنائس والرسول وخلفائه لم يهدموها، بل إحترموها، وفي القرآن «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات» والصوامع للنصارى، والبيع لليهود والصلوات للمجوس، والإسلام يحترم محلات العبادة لا انه يهدمها ويمنع عنها.
9- يجب التشكيك في حديث «أخرجوا اليهود من جزيرة العرب» وحديث «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» فانه لو كان الحديث صحيحاً، لم تكن زوجة الرسول يهودية ونصرانية، وزوجة الصحابي طلحة يهودية، ولم يفاوض الرسول نصارى نجران
10 - يلزم صرف المسلمين عن العبادات والتشكيك في جدواها فان الله غني عن طاعة الناس، ويلزم المنع اشد المنع عن الحج، وعن كل اجتماع بين المسلمين مثل «صلوة الجماعة» وحضور مجالس الحسين، والمسيرات
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 71
الحزينة له، كما يلزم المنع اشد المنع عن بناء المساجد والمشاهد، والكعبة والحسينيات والمدارس.
11 - يجب التشكيك في الخمس وانه خاص بالغنائم المستحصلة من دار الحرب لا في أرباح المكاسب، ثم الواجب اعطاء الخمس للنبي أو الامام لا الى العالم، بالاضافة الى أن العلماء يشترون بأموال لاناس الدور والقصور والدواب والبساتين، فلا يجوز شرعاً دفع الخمس إليهم.
12 - اللازم توهين صلة المسلمين بالإسلام بالتشكيك في العقيدة واتهام الإسلام بأنه دين التخلّف والفوضى، ولذا تخلفت بلاد الاسلام وكثر فيهم الاضطراب والسرقة.
13- الواجب الفصل بين الآباء والأبناء حتى يخرج الأبناء من تحت تربية الآباء وعند ذلك تكون التربية بأيدينا نحن وإذا خرجوا عن تربية الآباء لابد وان ينفصلوا عن العقيدة وعن التوجيه الديني، وعن الصلة بالعلماء.
14 - يلزم اغراء «المرئة» باخراجها عن العبائة بحجة أن الحجاب عادة خلفاء بني العباس وليست عادة إسلامية أصلية، ولذا كان الناس يشاهدون نساء الرسول وكانت المرأة تشترك في كل الشؤن وبعد اخراج المرأة عن العبائة لابد من اغراء الشباب بهنَّ ليقع الفساد بينهما واللازم ان نخرج النساء غير المسلمات من العباءة اولاً حتى تقتدي بهنَّ المرأة المسلمة.
15 - يجب تحطيم صلاة الجماعة بحجة فسق الامام واظهار مساوئه
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 72
وباثارة البغضاء بين الامام وبين الذين يصلون معه بكل الوسائل والسبل.
16 - أما المقابر فاللازم هدمها بحجة أنها لم تكن في عصر النبي وانها بدعة كما أن اللازم صرف الناس عن الزيارات بالتشكيك في كون هذه المقابر الموجودة للنبي والأئمة والصالحين، فالنبي دفن عند قبر امه، وابوبكر دفنا في البقيع وعثمان مجهول قبره، وعلى دفن في البصره، أما في النجف فهو قبر المغيرة بن شعبة والحسين دفن رأسه في «حنّانة» وجسده مجهول القبر، وفي الكاظمية قبر الخليفتين لاقبر الكاظم والجواد من آل الرسول، وفي طوس قبر هارون لاقبر الرضا من أهل البيت، وفي سامراء قبور بني العباس لاقبور الهادي والعسكري من أهل البيت، والبقيع يجب تسويتها مع الأرض كما يجب هدم كل القباب والأضرحة الموجودة للمسلمين في كل بلادهم.
17 - أما آل الرسول، فاللازم الطعن في نسبهم والتشكيك في انتسابهم الى الرسول واللازم تلبيس غير آل الرسول بالعمة السوداء والخضراء ليختلط الأمر على الناس ويسيئوا الظن بآل الرسول، ويشكوا في نسبهم، كما أن اللازم نزع العمائم عن رؤوس رجال الدين والسادة ليضيع نسب آل الرسول ولكي لا يتلقّى رجال الدين الاحترام عن الناس.
18 - الحسينيات يجب هدمها واتهامها بأنها بدعة وضلالة وانها لم تكن في عهد الرسول وخلفائه، كما يجب منع الناس عن ارتيادها بكل الوسائل ويجب تقليل الخطباء وجعل ضرائب خاصة على الخطابة يدفعها الخطيب
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 73
38
وصاحب الحسينية.
19 - اللازم اشراب الحرية الى نفوس المسلمين فلكل إنسان ما يرد من الأعمال فلا يجب الأمر بالمعروف، ولا النهي عن المنكر، ولا تعليم الأحكام ويلزم الالقاء اليهم بأن «عيسى على دينه وموسى على دينه»، ووأن احداً لا ينام في قبر احد، وأن الأمر والنهي خاص بالسلطان لا يعم الناس.
20-ويجب تحديد النسل وان لا يتزوج الرجل اكثر من زوجة واحدة ووضع القيود على الزواج مثل انه لا يحق لعربي ان يتزوج فارسية، وبالعكس، ولا لتركي ان يتزوج عربية وبالعكس.
21 - ويجب ان يمنع منعاً باتاً التبشير بالاسلام والهداية إليه وإشاعة أن الاسلام دين قومي ولذا قال القرآن «وإنه لذكر لك ولقومك».
22 - والسنن الحسنة يجب تضييق نطاقها وجعل امرها بيد الدولة حتى انه لا يحقّ لأحد ان يبني مسجداً او مدرسة او ميتماً او غير ذلك من السنن الحسنة والصدقات الجارية.
23 - كما أن اللازم التشكيك في القرآن ونشر قرائين مزيّفة فيها زيادات ونقائص بحجة أن القرآن زيد فيه ونقص منه، ويلزم اسقاط الآيات التي تسب اليهود والنصاري والكفار واسقاط آيات الجهاد والأمر بالمعروف وترجمة القرآن الى اللغات المحلية كالتركية والفارسية والهندية والمنع عن تلاوة القرآن العربي في غير بلاد العرب، كما يجب منع الأذان والصلوة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 74
والدعاء باللغة العربية في غير بلاد العرب وكذلك من الضروري التشكيك في الأحاديث المروية وان يُعمل بها كما يُعمل بالقرآن من التحريف والترجمة والطعن.
لقد كان رائعاً جداً ما وجدته في هذا الكتاب واسمه كيف نحطم الإسلام وكان افضل برنامج لعملي في المستقبل، وقد قال لي السكرتير حين ارجعت الكتاب اليه وأبديت إعجابي الشديد به: اعلم انك لست في الميدان وحدك بل هناك جنود مخلصون يعملون نفس عملك والذين جنّدتهم الوزارة الى الآن لهذه المهمة أكثر من خمسة آلاف شخص، وتفكر الوزارة في ان تزيد عددهم إلى مأة ألف.
ويوم وصلنا الى تجنيد هذا العدد، فإنه هو اليوم الذي نستولي فيه على المسلمين كافة ونكون قد نسفنا الإسلام وبلاده نسفاً كاملاً.
ثم أردف السكرتير قائلاً: وإني أبشرك ان اقصى مدة تحتاجها الوزارة لتكميل هذه الخطة هي قرن من الزمان ولو لم نصل نحن الى ذلك الزمان فان أبنائنا سوف يرون ذلك بأم أعينهم وما أروع المثل القائل: «غيري زرع فأكلت وانا ازرع حتى يأكل غيري».
وإذا تمكنت «سيدة البحار» من نسف الإسلام والاستيلاء على بلاده فقد أرضا العالم المسيحي من أتعاب اثني عشر قرناً كان المسلمون يطاردون ويهاجمون المسيحين.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 75
وقال السكرتير: ان الحروب الصليبية لم تكن ذات جدوى كما ان المغول لم ينفعوا في قلع جذور الاسلام لأن عملهم كان ارتجالاً بدون حكمة وتخطيط وكانوا يعملون أعمالاً عسكرية ظارة العدوان ولذا فانهم انحسروا بسرعة.
أما الآن فقد اتجه تفكير القادة من حكومتنا العظمى الى هدم الاسلام من داخله تحت خطة مدروسة دقيقة وبصبر طويل ونهائي. صحيح انا نحتاج الى الحسم العسكري أخيراً لكن الحسم العسكري سيأتي في المرحلة الأخيرة حيث نكون أنهكنا بلاد الإسلام وضربنا الاسلام بالمعاول في كل جوانبه حتى صار لا يقوى على تجميع قواه ورد الحرب بالمثل.
ثم أردف السكرتير ايضاً: ان عظماء الآستانة كانوا على أكبر قدر من الفطنة والذكاء حيث عملوا بنفس الخطة التي فررناها نحن فقد تغلغلوا في أوساط المحمديين ففتحوا المدارس لتربية أولادهم واسسوا الكنائس في اوساطهم ونشروا بينهم الخمر والقمار والدعارة وشككوا شبابهم في دينهم وأثاروا بين حكوماتهم النزاعات وأشعلوا هنا وهناك بينهم الفتن وملؤا بيوت کبار هم بالحسناوات المسيحيات حتى ضعفت شوكتهم وقل تمسكهم بدينهم ووهت وحدتهم والفتهم واذا بالعظماء يشنون عليهم حروباً عسكرية خاطفة فينقلع الإسلام عن جذوره في تلك البلاد.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 76
أطلعني السكرتير على السر الثاني الذي وعدني به وكنت متلهفاً له خصوصاً بعد ان ذقت طعم السر الأول ولم يكن السر الثاني إلا وثيقة في خمسين صفحة تتعرض للخطط الرامية الى تحطيم الاسلام والمسلمين خلال قرن واحد، حتى يكون الاسلام خبراً بعد حقيقة، والوثيقة كانت موجهة الى الرؤساء العامين العاملين في حقل الوزارة، لأجل هذا الشأن، وهي كانت مركبة من بنود اربعة عشر، وقد حذّرت الوثيقة من افشائها وأمرت بكتمانها أشد الكتمان لكي لا يطلع عليها المسلمون فيأخذون الخطط المضادة، وحاصل الوثيقة هو:
1- التعاون الأكيد مع قياصرة روسيا للاستيلاء على المنطقة الإسلامية من ،بخاری ،و تاجکستان و ارمينيا وخراسان وما والاها، وهكذا التعاون الأكيد معهم في الاستيلاء على أطراف بلاد الترك المحاددة لروسيا.
2 - التعاون الأكيد مع فرنسا وروسيا في وضع خطة شاملة لتحطيم العالم الإسلامي من الداخل والخارج.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 77
3-اثارة النزاعات والخلافات الشديدة بين الدولتين التركية والفارسية واذكاء نار الطائفية والعرقية بين الجانبين وإشعال النزاعات بين كل متجاورين من القبائل والشعوب الإسلامية، وكذلك بين البلاد الإسلامية وإحياء المذاهب الدينية حتى البائدة منها، وإثارة النزاعات بينها.
4- اعطاء قطع من البلاد الإسلامية بيد غير المسلمين فاولاً يثرب لليهود، وثانياً الاسكندرية للمسيحيين وثالثاً يزد للزرادشت البارسيين ورابعاً عمارة للصائبة وخامساً كرمانشاه للذين يؤلهون علي بن ابي طالب وسادساً الموصل اليزيدية وسابعاً خليج فارس للهندوك بعد ان يستوردوا كميات كبيرة من الهند وثامناً طرابلس للدروز وتاسعاً قارض للعلويين وعاشراً مسقط للخوارج.
ثم اللازم تقوية هؤلاء بالمال والسلاح والخطط والخبرة لتكون هذه الفئات اشواكاً في جسم الإسلام ثم توسيع بلادها حتى تحطم كل البلاد الإسلامية.
5-التخطيط لتبضيع حكومتي الإسلام التركية والفارسية الى اكبر عدد ممكن من الحكومات المحلية الصغيرة المتنازعة كما هو الحال الآن في الهند، انطلاقاً من قاعدة «فرّق تسد» و «فرّق تحطم».
6- زرع الأديان والمذاهب المزيفة في جسم بلاد الاسلام واللازم لذلك تخطيط دقيق بحيث يلائم كل دين من تلك الأديان مع هوى جمع من أهل
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 78
البلاد مثلاً: اللازم زرع اربعة اديان في جسم بلاد الشيعة، دين يؤلّه الحسين بن عليّ، ودين يعبد جعفر الصادق ودين يعبد المهدي الموعود، ودين يعبد علي الرضا، والمكان المناسب للأوّل «كربلاء» والثاني «اصفهان» والثالث «سامراء» وللرابع «خراسان» كما أن اللازم جعل المذاهب الأربعة السنية ادياناً مستقلة لا ارتباط بعضها ببعض وإعادة الخلافات الدمويه بينها، والدس في كتبها حتى يرى كل فئة منهم أنهم المسلمون فقط، وان ما عداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم.
7-نشر الفساد بين المسلمين بالزنا، واللواط والخمر والقمار، وأفضل وسيلة لذلك هم أصحاب الأديان السابقة الباقية في هذه البلاد، فاللازم ان يكون منهم جيش كثيف لهذه الغاية.
8-الاهتمام لزرع الحكام الفاسدين في البلاد بحيث يكونون آلة بيد الوزارة يأتمرون بأوامرها وينتهون عن زواجرها، والضروري تسريب مآربنا الى البلاد والى المسلمين، وان امكن ان يكون الحاكم غير مسلم واقعاً عبرهم فهو المفضّل، وعليه فمن الضروري ادخال أفراد في الإسلام صورة ثم ايصالهم الى مراكز الحكم لتطبيق المآرب بواسطتهم.
9 - منع اللغة العربية حسب الامكان، وتوسيع اللغات غير العربية مثل «السنسكريتية» و«الپارسية» و «الكردية» و«البشتو» واحياء اللغات الأصلية الدائرة في البلاد العربية والتي توجب قطع العرب عن اللغة الفصحى التي هي لغة القرآن والسنة.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 79
10- زرع العملاء حول الحكام وايصالهم الى رتبة المستشارين لهم حتى يتسنى للوزارة النفوذ فيهم عبر المستشارين، ومن أفضل السبل لذلك العبيد والجواري ذووا الكفاءات العالية فاللازم تربية أولئك في الوزارة ثم بيعهم في أسواق النخاسة إلى المقرّبين من الحكام، كأولاد الحكام وزوجاتهم، وذوي الرأي لديهم حتى يتقربوا الى الحكام تدريجاً، ويكونوا بعد ذلك أمهات الحكام ومستشاريهم فيحيطوا بهم كالسوار بالمعصم.
11- توسيع نطاق التبشير بادخال المبشرين في كل صنف خصوصاً المحاسبين والأطباء والمهندسين ومن اليهم وزرع الكنائس والمدارس، والمصحات ودور الكتب والجمعيات الخيرية في عرض بلاد الإسلام وطولها ونشر ملايين الكتب المسيحية في اوساط المسلمين مجاناً وبلا عوض والاهتمام لوضع التاريخ المسيحي الى جنب التاريخ الاسلامي، وزرع الجواسيس والعملاء في الأديرة والصوامع باسم الرهبان والراهبات مهمتهم تسهيل الاتصالات والتحركات المسيحية واستطلاع حركات المسلمين وأوضاعهم وشؤنهم كما أن اللازم تكوين جيش كثيف من العملاء من اجل تشويه تاريخ المسلمين والدسّ في كتبهم بعد الاطلاع الكامل على أحوالهم وأوضاعهم.
12- تمییع شباب المسلمين بنات واولاداً وتشكيكهم في دينهم وتفسيد اخلاقهم عن طريق المدارس والكتب والنوادي والنشرات والأصدقاء من غير المسلمين الذين يُهيئون لهذا الشأن.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 80
فمن الضروري تكوين جميعات سرّية من شباب اليهود والنصارى وغيرهما من أجل أن يكونوا مصائد لصيد شباب المسلمين بكل الطرق.
13-اشعال الحروب والثورات الداخلية، والحدودية بين المسلمين وغير المسلمين وبين المسلمين انفسهم على طول الزمان لتستنفذ ق-وى المسلمين وتشغلهم عن التفكير في التقدم، وتوحيد الصف، ولتستنزف طاقاتهم الفكرية ومواردهم المالية وتفني شبابهم وذوي النشاط منهم وتنشر الفوضى والارباك والشغب فيهم.
14 - تحطيم كل أنواع اقتصادياتهم من مزارع ومعاش وتهديم السدود وطمس الأنهر والسعي لتفشّي البطالة فيهم بتنفيرهم عن العمل، وفتح محلات للبطالة وتكثير مستعملي الافيون وسائر المواد المخدرة.
وقد كانت هذه البنود مشروحة شرحاً وافياً، ومزوّدة بالخرائط والصور والأشكال.
شكرت السكرتير على تزويده لي صورة من هذه الوثيقة وبقيت في لندن مدة شهر آخر حتى أتتنا أوامر الوزارة بالتوجة الى العراق مرة اخرى لتكميل الشوط مع «محمد الوهاب» وقد أمرني السكرتير بأن لا أفرّط في حقه مقدار ذرة حيث قال انه حصل من مختلف التقارير الواردة اليه من العملاء ان الشيخ افضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطية لمآرب
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 81
الوزارة».
ثم قال السكرتير: تكلّم مع الشيخ بصراحة وقال ان عميلنا في اصفهان تكلم معه بصراحة وقبل الشيخ العرض على شرط ان نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لابد وان يهاجموه بكافة السبل حينما يُبدي آرائه وأفكاره وان يزوده بالمال الكافي والسلاح اذا اقتضى الأمر ذلك، وان نجعل له امارة ولو صغيرة في أطراف بلاده «نجد» وقد قبلت الوزارة كل ذلك.
لقد كدت أخرج عن جلدي من شدة الفرح بهذا النبأ، ثم قلت للسكرتير: إذن فما هو العمل الآن؟ وبماذا أكلف الشيخ، ومن اين ابدء.
قال السكرتير لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لأن ينفّذها الشيخ وهي:
1- تكفير كل المسلمين واباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك اعراضهم وبيعهم في اسواق النخاسة، وحلية جعلهم عبيداً ونسائهم جواري.
2- هدم الكعبة باسم أنها آثار وثنيه ان امكن ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم. لذلك،
3- السعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش ومن اللازم ايضاً محاربة «أشراف الحجاز» بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم.
4-هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 82
بشخصية النبيّ «محمد» وخلفائه ورجال الاسلام مما يتيسّر.
5-نشر الفوضى والارهاب في البلاد حسب ما يمكنه ذلك.
6 -نشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الحاديث من زيادة وتقيصة.
قال السكرتير لي بعدما بيّن البرنامج المذكور: لا يهولنك هذا البرنامج الضخم فان الواجب علينا ان نبذر البذرة وستأتي الأجيال الآتية ليكملوا المسيرة، وقد اعتادت حكومة بريطانيا العظمى على النفس الطويل، والسير خطوة خطوة، وهل «محمد» النبي إلا رجل واحد تمكن من ذلك الانقلاب المذهل ؟ فليكن محمد عبدالوهاب مثل نبيّه «محمد» ليتمكن من هذا الانقلاب المنشود.
بعد ايام استأذنت الوزير والسكرتير، وودعت الأهل والأصدقاء، وحين اردت الخروج قال ولدي الصغير: بابا ارجع بسرعة فانهرت عيناي، ولم اتمكن اخفاء ذلك عن زوجتي، وقبلتها وقبلتني قبلات حارة، وخرجت قاصداً نحو البصرة، وبعد سفرة مضنية وصلت اليها ليلاً وذهبت الى دار «عبدالرضا» وكان نائماً، ولما رآني رحب بي واستقبلني استقبالاً حاراً ونمت هناك حتى الصباح وقال لي ان الشيخ محمد رجع الى البصرة ثم سافر واودع عنده كتاباً موجهاً اليك، وفي الصباح قرأت الكتاب واذا به يخبرني فيه انه سافر الى نجد، وقد ذكر عنوان محله في «نجد» فسافرت في الصباح متجها الى نجد ووصلتها بعد مشقة بالغة.
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 83
وجدت الشيخ محمد في داره، وقد ظهرت عليه آثار الضعف فلم ابح له بشيء ثم تبين لي فيما بعد انه تزوج وانه ينهك قواه مع زوجته، فنصحته بالاقلاع فسمع كلامي ، وقد صار القرار ان اجعل نفسي عبداً له قد اشتراه من السوق وأن العبد الآن جاء من السفر وهكذا كان، فشهر عند اصدقائه عبده اشتراه من البصرة وانه كان في سفر امره بذلك السفر وانه جاء الآن، وتلقّاني الناس بهذا الاسم وبقيت عنده سنتين وهيأنا الترتيب اللازم لاظهار الدعوة.
وفي سنة 1143 هجرية قويت عزيمته وقد جمع أنصاراً لا بأس بهم فأظهر الدعوة بكلمات مبهمة والفاظ مجملة لأخصّ خواصة، ثم جعل يوسع رقعة الدعوة، والففت انا حوله عصابة شديدة المراس زوّدناهم بالمال وكنت عزيمتهم كل ما أصابهم خور من اجل مهاجمة اعدائه له، وكلّما اظهر الدعوة اكثر صار اعدائه اكثر، وأحياناً كان يريد التراجع من ضغط بعض الاشاعات ضده، لكني كنت اشد من عزيمته، واقول له: ان «محمد النبيّ» رأى أكثر من ذلك وأن هذا هو طريق المجد وان كل مصلح لابد وان يتلقى العنت والارهاق.
وهكذا كنا مع الأعداء بين الكر والفر وقد وضعت على اعداء الشيخ جواسيس شريتهم بالمال، فكلما أرادوا اثارة فتنة اخبرنا الجواسيس بقصدهم فنتمكن من قلب الخطة، وذات مرة اخبرت ان بعض اعدائه أرادوا اغتياله فوضعت الترتيبات اللازمة لافشال الخطة، ولما ظهر قصد اعدائه
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 84
بارادتهم اغتيال الشيخ انقلبت الخطة عليهم وأخذ الناس ينفرون منهم.
لقد وعدني الشيخ بتنفيذ كل الخطة السداسية إلا انه قال انه لا يتمكن في الحال الحاضر إلا على الاجهار ببعضها وهكذا كان، وقد استبعد الشيخ ان يقدر على «هدم الكعبة» عند الاستيلاء عليها، كما لم يبح عند الناس بأنها وثنية وكذلك استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد وكان اشد خوفه من السلطة في «مكة» و «الآستانة» وكان يقول: إذا أظهرنا هذين الأمرين لابد وان يجهز الينا جيوش لا قبل لنا بها، وقبلت منه العذر لأن الأجواء لم تكن مهيئة كما قال الشيخ.
بعد سنوات من العمل تمكنت الوزارة من جلب «محمد بن سعود» الى جانبنا فأرسلوا إليَّ رسولاً يبيّن لي ذلك ويظهر وجوب التعاون بين المحمدين فمن محمد الوهاب الدين»، ومن «محمد السعود» السلطة ليستولوا على قلوب الناس واجسادهم فان التاريخ قد اثبت أن الحكومات الدينية اكثر دواماً وأشد نفوذاً وارهب جانباً.
وهكذا كان وبذلك قوى جانبنا قوة كبيرة وقد اتخذنا «الدرعية» عاصمة للحكم «والدين الجديد» وكانت الوزارة تزود الحكومة الجديدة سراً بالمال الكافي كما اشترت الحكومة الجديدة في الظاهر عدة من العبيد كانوا من خيرة ضباط الوزارة الذين دُربوا على اللغة العربية والحروب الصحراوية فكنت انا وإياهم - وعددهم احد عشر - نتعاون بوضع الخطط اللازمة، وكان «المحمدان» يسيران على ما نضع لهما من الخطط، وكثيراً ما نتناقش الامر
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 85
مناقشة موضوعية اذا لم يكن أمر خاص من الوزارة.
وقد تزوجنا جميعاً من بنات العشائر، وقد اعجبنا باخلاص المرأة المسلمة لزوجها وبذلك اشتبكت أواصر الصلة بيننا وبين العشائر اكثر فأكثر والأمر الآن يسير من حسن الى أحسن والمركزية تتقوى يوماً بعد يوم واذا لم تقع كارثة مفاجئة فقد بُذرت البذرة الصالحة لأن تنمو وتنمو حتى تؤتي الثمار المطلوبة.
1973/1/2
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 86
الفصل الأول: اهداف بريطانيا من الاستعمار...3
الفصل الثاني: السفرة الأولى الى الآستانة...11
الفصل الثالث : الاستدعاء الاولى الى لندن...19
الفصل الرابع: السفرة الثانية الى العراق...27
الفصل الخامس: القسم الثاني من السفرة الثانية الى النجف وكربلاء ...43
الفصل السادس: الاستدعاء الثاني الى لندن...53
الفصل السابع: الأوامر السرية لتحطيم الاسلام...77
(المكتبة التخصصية للرد على الوهابية)
ص: 87