سنابل الحكمة أو كشكول النائيني
مواصفات الكتاب
الكتاب : سنابل الحكمة او كشكول النائيني
المؤلف : الشيخ حسن الخطاط النائيني
الناشر: موسسة الفكر الاسلامي
العدد: 2000 نسخة
المطبعة : امیر
التاريخ :1370 ش - 1411ه-
الطبعة : الاولى
ص: 1
مواصفات الكتاب
الكتاب : سنابل الحكمة او كشكول النائيني
المؤلف : الشيخ حسن الخطاط النائيني
الناشر: موسسة الفكر الاسلامي
العدد: 2000 نسخة
المطبعة : امیر
التاريخ :1370 ش - 1411ه-
الطبعة : الاولى
ص: 2
سَنابل الحكمة أو كشكول النائيني
تأليف الشيخ محمد محسن النائيني
ص: 3
حقوق الطبع محفوظة
حارة حريك - بئر العبد - خلف البنك الفرنسي - ص.ب 13/5953 شوران
للثقافة والاعلام
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خير خلقه أجمعين (محمد) المصطفى وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم
الدین. وبعد فهذه خزانة معمورة مشحونة بالدرّ والياقوت والمرجان ، وحديقة مستعطر الأطراف بالأوراد والأزهار والريحان من الحكمة والشعر والأدب ومن التفسير ، والحديث ، والفقه ، ومن مختلف العلوم والمعارف والقصص ، والآثار ، وغيرها من عصارة العقول والأفكار ، والتي من شأنها التفريح والترويح للأرواح ، وتعد فيه العدة للعمل أكثر وأكثر ، وللتوفيق أوفر وأوفر
فالقلب هو المقياس في كل صعود ونزول ، ونشاط وكسل ، وحركة وسكون، وخير وشر...
وبالتالي فهو المقياس للدنيا بما فيها من نعم ونقم....
ص: 5
وللآخرة بما فيها من جنّة ونار ، وثواب وعقاب ونعيم وعذاب ..
ولأجل ذلك ، كان هذا الكتاب ونظائره مما يعنى بالقلب في مجالات مختلفة ، وأبعاد شتى ، أثمن وأغلى ، وأفضل مما يعنى بغير القلب - على اختلاف أهميتها ، ودرجاتها على المصطلح المنطقي - من اقتصاد ، واجتماع ، وسياسة ، وطب ، وتكنولوجيا ، وهندسة وإدارة . وغير ذلك .بل الألوف ، وعشرات الألوف ، والملايين ، ومئات الملايين ، وألوفها ،وملياراتها . . من الأموال وجودها وعدمها زيادتها ونقصانها ، ربحها وخسارتها ، جمعها وطرحها ، وضربها وتقسيمها : إنما تهم وتنفع وتجدي لعشرات السنين من حياة الانسان في الدنيا .والحيل السياسية ، وتبادل الكراسي ، والرياسة ، والقيادة وما أشبهها إنما لها المجال سنوات .. وسنوات في هذه الحياة الدنيا ، ولا تتجاوزها ..وهكذا ، الطب ، والهندسة ، والإدارة ، وغيرها .. وغيرها لها مجالاتها المحدودة بهذه الحياة الدنيا .
أما القلب فله المجال الواسع والكبير في الدنيا والآخرة . وكل ما ينشط القلب ، ويدفعه إلى المثابرة والإستمرار ، يكون أثمن وأغلى من أي شيء آخر.
من هذا المنطلق كان عطاء هذا الكتاب زاخراً أكثر وأكثر من الكتب التي هي في الموضوعات التي ليست هكذا .
وإنني في هذا الكتاب لم أبدع شيئاً ، ولم أصنف هذا الكتاب - على حسب المصطلح المعروف بين أهل التصنيف والتأليف - وإنما كتبت
ص: 6
موضوعات هذا الكتاب ليكون المهم في هذا الأمر هو الدلالة والذي هو من الإبداع على كيفية تعمير القلب .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : العلم كثير فخذوا من كل شيء أحسنه .(1)
قالوا خذ العين من كل فقلت لهم*** في العين فضل ولكن ناظر العين
كلام في هذا المجال للراغب الأصفهاني :
قال : من كان قصده الوصول إلى جوار الله ، والتوجه نحوه كما قال الله تعالى : (ففروا إلى الله ) (2)وكما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله بقوله : (سافروا وتغنموا)(3)فحقه أن يجعل أنواع العلوم كزاد موضوع في منازل السفر ، فيتناول في كلّ منزل قدر البلغة ، ولا يعرج على تفصيه ، وإستغراق ما فيه ، فإنه لو قضى الإنسان جميع العمر في فن واحد لم يدرك قعره ، ولم يسير غوره ، وقد نبهنا الباري سبحانه على ذلك بقوله :(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (4) وقال الحسن بن علي عليهم السلام : علم الناس علمك ، وتعلم علم غيرك ، فتكون قد أنفقت علمك ، وعلمت ما لم تعلم(5)
ص: 7
وفي الواقع للانسان في حالة مقتنياته أربعة أحوال :
1 - حال إستفادة ، فيكون مكتسباً .
2 - حال إدخار لما اكتسبه ، فيكون به 3غنيا عن مسألة .
3- حال إنفاق ، فيصير به منتفعا .
4 - حال إفادته غيره ، فيصير به سخياً .
وكذا الانسان في العلم أربعة أحوال :
فمن أصاب علما فانتفع به، ونفع مستحقيه، كان كالشمس تضيء لغيرها فهي مضيئة ، والمسك الذي يتطيب به الناس وهو طيب ، وهذا أشرف المنازل . ثم بعده من إستفاد علما فاستبصر به .
وأما من أفاد عمله غيره ، ولم ينتفع هو به ، فكان كالدفتر يفيد غيره الحکمة وهو عادمها وكالمسن يجد ولا يقطع ، وكالمغزل يكسو ولا يكتسي ، وكذبانة المصباح تحرق نفسها وتضيء لغيرها . ومن إستفاد علماً ولم ينتفع به هو ، ولا غيره ، فإنه كالنخل يشرع شوكاً لا يذود به عن حمله جان وهو منتهب .
والإستفادة والإفادة ، وجهان لعملة واحدة .
إحداهما تكمل الأخرى ، وبدون إجتماعهما لا يكون الأثر المطلوب والإفادة بلا استفادة زيادة جهل على جهل ، وضلال على ضلال ، وشر على شر ، وفساد على فساد . .
والإستفادة بلا إفادة ، إحتكار ، وظلم ، والتصدي لحرمان المجتمع وتعمد الإعانة على الأثم .والمسؤول من الله العلي القدير الموفق أن يهبني جوامع وسائل التوفيق على جمع الفضيلتين : الاستفادة والإفادة إنه سميع مجيب .
محمد حسن النائيني
ص: 8
قيل لبعض العلماء : ما بلغ من سرورك بكتبك ؟ يا اصلا فقال : هي إن خلوت لذتي ، وإن اهتممت سلوتي ، وإن قلت إن زهر البستان ، ونور الجنان يجلوان الأبصار ، ويمتعان بحسنهما الإلحاظ ، فإن بستان الكتب يجلو العقل،ويشحذ الذهن ، ويحيي القلب ، ويقوي القريحة ، ويعين الطبيعة ، ويبعث نتائج العقول ، ويستثير دفائن القلوب ، ويمتع في الخلوة ، ويؤنس في الوحشة ، ويضحك بنوادره ، ويسر بغرائبه ، ويفيد ولا يستفيد ، ويعطي ولا يأخذ ، وتصل لذته الى القلب من غير سأمة تدرك ، ولا مشقة تعرض لك .
أفضل الناس في الدنيا سبيلا*** محب بات منها في وثاقِ
وأفضل ما اشتغلت به كتاب ***جلیل نفعه حلو المذاقِ
وعشرة حاذق فطن لبيب ***يفيدك من معانيه الدقاق
وأخسر ما يضيع العمر فيه*** فضولُ المال تجمع للرفاق
وعاء ملىء علماً ، وظرف حشى ظرفاً ، وإناء شحن مزاحاً ، إن شئت كان أعيا من (بأقل) ، وإن شئت كان أبلغ من (سحبان وائل) وإن شئت سرتك نوادره ، وشجتك مواعظه ، ومن لك بواعظ مثله ، وبناسك فاتك ،
ص: 9
وناطق أخرس ، ومن لك بشيء يجمع الأول والآخر ، والناقص والوافر ، والشاهد والغائب ، والرفيع والوضيع ، والغث والسمين ؟ وبعد ما رأيت بستاناً يحمل في زدن ، وروضة تنقل في حجر ، ينطق عن الموتى ، ويترجم كلام الأحياء ، ومن لك بمؤنس لا ينام إلا بنومك ، ولا ينطق إلا بما تهوى آمن من الأرض ، وأكتم للسر من صاحب السر ، وأحفظ للوديعة منأرباب الوديعة
جليس أنيس يأمن الناس شره*** ويذكر أنواع المكاره والنّهى
ويأمر بالإحسان والبر والتقى*** وينهي عن الطغيان والشر والأذى
قال أحد الأدباء ، إن وعظ أسمع ، وإن ألهي أمتع ، وإن أبكي أدمع وإن أضرب أوجع ، يفيدك ولا يستفيد منك ، ويزيدك ولا يستزيد منك إن جد فعبرة ، وإن فرح فنزهة ، قبر الأسرار ومخزن الودائع ، قيد العلوم وينبوع الحكم، ومعدن المكارم ، ومونس لا ينام ، يفيدك علم الأولين ويخبرك عن كثير من أخبار المتأخرين .
نعم المدخر و العدة، والمشتغل والحرفة ، جليس لا يطريك ، ورفيق لا يملك ، يطيعك في الليل طاعته في النهار ، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر ، إن أطلت النظر إليه أطال أمتاعك ، وشحذ طباعك ، وبسط لسانك ، وجود بيانك ، وفخم ألفاظك
خير المحادث والجليس كتاب ***تخلو به إن ملك الأصحاب
لا مفشياً سراً إذا أستودعته*** وتنال منه حكمة وصواب
(المتنبي)
ص: 10
قيل لابن مبارك وكان لا يجالس إلا كتبه : ألا تستوحش؟
فقال : كيف أستوحش وأنا أجالس الله ، والأنبياء ، والفلاسفة ، والعلماء ، أفترون أن أدع مجالسة هؤلاء وأجالسكم؟
ماتطعمت لذة العيش حتى***صرتُ في وحدتي لكتبي جليسا
إنما الذُّلُ في مداخلة النا ***س فدعها وكن كريماً رئيساً
ليس عندي شيء أجل من الع*** لم فلا أبتغي سواه أنيسا
الكتاب بستان ، مسائله أزهاره ، وفوائده أثماره، ورقومه أشجاره ، وسطوره أنهاره ، حديقة يتنزّه بها نواظر الأحداق ، وشجرة يتفرع عليها نواظر الأوراق .
روی حسن بن علي بن شعبة قال : قال الهادي (علیه السلام) : إن لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف ؟ الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله ، والخطوات أن تحدّه ، والأبصار عن الإحاطة به ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، كيف الكيف بغير أن يقال كيف ، وأين الأين بلا أن يقال أين هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد الأحد جل جلاله وتقدست أسمائه(1)
ص: 11
تشاغل قوم بدنیا هم ***و قوم تخلو بمولاهم
وألزمهم باب رضوانه*** وعن سائر الخلق أغناهم
ما رواه المدائني قال : أتى أعرابي أبا جعفر محمد بن علي (علیه السلام) ، فقال له : هل رأيت الله حتى عبدته ؟ قال : ماكنت لأعبد شيئاً لم أره ، قال : فكيف عرفته ؟ قال : لم تره الأبصار مشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف ، منعوت بالعلامات ، لا يجور في قضيته هو الله الذي لا إله إلا هو.فقال الأعرابي : الله أعلم حيث يجعل رسالته(1).
«قال جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) لهشام بن الحكم : إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ، ولا يشبهه شيء ، وكلما وقع في الوهم فهو خلافه؟ (2).
قال أحمد بن حمدون في تذكرته : قال موسى بن جعفر (علیه السلام) : وجدت علم الناس في أربعة
ص: 12
1 - أن تعرف ربك .
2 - أن تعرف ما صنع بك .
3- أن تعرف ما أراد منك .
4-أن تعرف ما يخرجك عن دينك .
الأولى - وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف.
الثانية - معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر والعبادة.
الثالثة - أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك ، وندبك إلا فعله لتفعله على الحد الذي أراد منك فتستحق بذلك الثواب.
الرابعة - أن تعرف الشيء الذي نخرجك عن طاعة الله فتجتنبه(1) .
تقول مع العصيان ربّي غافر*** صدقت ولكن غافر بالمشيّة
فربك رزاق كما هو غافر*** فلم لا تصدّق فيهما بالسويّة
فكيف ترجى العفو من غير توبة*** ولست ترجى الرزق إلا بحيلة
فها هو بالأرزاق كفّل نفسه ***ولم يتكلّف للأنام بجنّة
ومازلت تسعى في الذي قد كفيته ***وتهمل ما كلّفته من وظيفة
تسيء به ظنا وتحسن تارة*** على حسب ما تفضي الهوا بالقضية
ص: 13
روى محمد بن يعقوب بأسناده إلى جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها ، وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده وتضرّع ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على يسر أو عسر (1) .
إغتنم ركعتين زلفى إلى الله ***إذا كنت فارغاً مستريحاً
وإذا ماهممت بالقول في الباطل ***فاجعل مكانه تسبيحاً
هب لي من قلبك الخشوع ، ومن نفسك الخضوع ، ومن عينك الدموع ، وسلني ، فأني قريب مجيب .
قيل لأعرابي : كيف حالك ؟ فقال : بخير ، أمزّق ديني بالذنوب ، وأرقعه بالاستغفار.
وإليه ينظر قول الشاعر :
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ***فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربّه ***وجاد بدنياه لما يتوقع
ص: 14
لا ينال العبد الكرامة حتى يكون على أحد صفتين ؛ إمّا أن يسقط الناس عن عينه ، فلا يرى في الدنيا إلا خالقه ، وأنّ أحداً لا يقدر على أن يضره ولا ينفعه .
وأما أن يسقط عن قلبه فلا يبالي بأي حال يرونه الناس .
إلهي لك الحمد الذي أنت أهله*** علي نعم ما كنت قط لها أهل
إذا أزددت تقصيراً تزدني تفضلاً*** كأني بالتقصير استوجب الفضلا
إن الله تعالى أوحى إلى بعض الأنبياء : إذا اطلعت على قلب عبد فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته من حبّي .
عجبت لمن يقول ذكرت ربّي*** فهل أنسى فأذكر ما نسيت
شربت الحب كأساً بعد كأس*** فما نفد الشراب ولا رويت
وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : لا مال أعود من العقل ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا عقل كالتدريب ، ولا كرم كالتّقوى ، ولا قرين كحسن الخلق ،ولا ميراث كالأدب ، ولا فائدة كالتوفيق ولا فائدة كالتوفيق ، ولا تجارة كالعمل الصالح ،ولا ربح كثواب الله عز وجل ، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة ، ولا زهد كالزهد في الحرام ، ولا علم كالتفكر ، ولا عبادة كأداء الفرائض ، ولا إيمان كالحياء والصبر ، ولا حسب كالتواضع ، ولا شرف كالعلم ، ولا مظاهرة كالمشورة (1).
وفي سفينة البحار ج 1 ص 361 فاحفظ الرأس وماحوى ، والبطن وما وعى واذكر الموت وطول البلى .
قال الزمخشري في ربيع الأبرار ، مر رجل بأديب فقال : من أين طريق البغداد ؟ فقال : من هنا ، ثم مرّ به آخر ، فقال من أين طريق كوفة فقال : من هنا ، ثم قال له : إن ذلك المار قد سرق منك ألفاً ولاماً ، فاذهب إليه ، وخذهما منه ، فأنه لا يحتاج إليهما .(بيان) لأن بغداد بدون ألف ولام إسم تلك البلدة المشهورة بخلاف الكوفة ، فأنها مع الألف ولام صارة علما .
سقط رجل من فوق مرتفع إلى الأرض ، فقالت زوجته ماهذه الطقة قال : عباتي سقطت قالت : إنها ثقيلة ، قال : أنا فيها .
ص: 16
رمى المتوكل عصفوراً فأخطأه ، فقال له وزيره : أحسنت يا سيّدى فقال : أتهزء بي قال:أحسنت إلى العصفور .
دخل لص دار رجل يسرق طحيناً في الليل ، فبسط ردائه ، ومضى إلى الطحين ففطن به صاحب المنزل ، ومد يده وجرّ الرداء إليه ، فأتى اللص بالطحين ووضعه يظن أنه فوق الرداء وإذا هو في الأرض فصاح به صاحبالدار سارق سارق ، فانفلت اللص هارباً ، وهو يقول : قد عُلم أينا السارق أنا أو أنت ؟
لا يدرك الحكمة من عُمره*** يكدحُ في مصلحة الأهل
ولا يَنَالُ العلم إلا فتى*** خال من الأفكار والشغل
لو أنّ لقمان الحكيم الذي*** سارت به الركبان بالفضل
بلي بفقر وعيال لما*** فرق بين التبن والبقل
الحكمة إصابة الحق باللسان ، وإصابة الفكر بالجنان ، وإصابة الحركة بالأركان ، إن تكلّم تكلّم بحكمة ، وإن تحرّك تحرّك بحكمة .
إنّ الحكيم إذا ما فتنةً إذا ما فتنة نجمت*** هو الذي بحبال الصبر يمتسك
لا يرأسُ الناس في عصر نُعيشُ بهِ ***إلا الذي لقلوب الناس يمتلك
ص: 17
الحكمة إتفاق العلم بالعمل .
الحكمة شهود الجمع في الفرق.
الاحمق لا یجد لذة الحكمة ،كما لا ينتفع بالورد صاحب الزكمه.
الحكمة أعزّ موهبة عند الله فلا يخص بها إلا أحب الخلق إليه .الحكمة التميز بين الحق والباطل .
كم حكمة عند الغبي كأنها ***ريحانة في راحة المزكوم
بسمت محاسنها لوجه كالح ***ما أضيع المرآة عن البوم
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : المجالس ثلاثة ، عالم ، سالم ، شاخب ، فأما العالم ، فالذي يذكر الله تعالى. وأما السالم، فالذي يسكت . وأما الشاخب ، فالذي يخوض في الباطل(1).
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من أخرجه الله عز وجل من ِذلّ المعاصي إلى عز التقوى ، أغناه بلا مال ، وأعزّه بلا عشيرة ، و آنسه بلا شرف ... ومن زهد في الدنيا ثبتت الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه وبصره دائها ودوائها وعيوبها . (2)
ص: 18
به قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : اكفلوا الى ستة ، أكفل لكم بالجنة ، إذا تحدث أحدكم فلا يكذب ، وإذا وعد فلا يخلف ، وإذا أؤتمن فلا يخن ، غضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم .(1)
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" (2)، طوبى لمن حسنت خليقته، وصلحت سريرته ، وعزل الناس شره ، طوبى لمن تواضع في غير معصية ، وذل من غير مسكنة ، وخالط أهل الفقه والرحمة ، طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضلى في كلامه.(3)
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : الذنوب تغير النعم ، البغى يوجب الندم ، القتل ينزل النقم ، الظلم يهتك العصم ، شرب الخمر يحبس الرزق ، الزنايعجل الفناء ، قطيعة الرحم تحجب الدعاء ، عقوق الوالدين يبتر العمر وترك الصلوة يورث الذل. به نضيره ما روي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : الذنوب التي تغير النعم ،البغى، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم . والتي تهتك الستور شرب الخمور . والتي تحبس الرزق الزنا . والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم . والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين .(4)
ص: 19
من استعان بماله على حفظ كرامته فهو عاقل ، ومن استعان به على تكثير اصدقائه فهو حكيم ، ومن استعان به على طاعة الله فهو محسن .
إذا قلت خيراً ، أو دللت على خير فكن أنت أول عامل به ، والمخاطب بذلك الخير . وانصح نفسك فإنها أكد عليك ، فإن نظر الخلق الى فعل الشخص أكثر من نظرهم الى قوله ، والاهتداء بفعله أعظم من الاهتداء بقوله .
قال علي بن أبي طالب (علیه السلام) : خذ الحكمة أني أتتك ، وانّ الحكمة لتكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تخرج الى صويحباتها في صدر
المؤمن .(1)
قال علي بن أبي طالب (علیه السلام) : أعجب ما في الانسان قلبه ، وله مواد من الحكمة ، وأضدادها من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن ناله الخوف أثقله الحذر ، وإن اتسع له الأمر استلبته العزة ، وإن أصابته المصيبة فضحه الجزع ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن غطته فاقة أشغله البلاء ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرد بالشبع كظته البطنة ، فكل تقصیر به مضر ، وكل إفراط له مفسد (1).
أقول : لو أن هذه الألفاظ كتبت بماء الذهب على ألواح الياقوت كان قليلا ، لعظم قدرها ، وجلالة خطرها، وفيها لمعتبر عبرة.
قال علي (علیه السلام) : لكل جواد كبوة ، ولكل حكيم هفوة ، ولكل نفيس ملّة ، فاطلبوا طرائف الحكمة ، الكلمة أسيرة في وثاق صاحبها ، فإذا تكلم بها صار أسيراً في وثاقها ، أفضل المال ما قضى به الحق ، وأفضل العقل معرفة الانسان بنفسه(2) .
روي أن أمير المؤمنين (علیه السلام) رأى رجلاً يصلّي وقد رفع يديه بالدعاء حتى بان بياض إبطيه ، ورفع صوته ، وشخص بصر فقال (علیه السلام) : أغضض
ص: 21
طرفك فلن تراه ، واحطط يدك فلن تناله ، واخفض صوتك فهو أسمع السامعين.
قال الرضى - رضي الله عنه : سئل أبو جعفر الخواص الكوفي ، وكان هذا رجلا من الصالحين ، ويجمع ذلك التقديم، العلم بمتشابه القرآن، وغوامض ما فيه ، وسراير مما فيه ، عما جاء في الخبر : من أحسن عبادة الله في شبابه لقاه الله الحكمة عند شيبه . كذا قال الله عز وجل : (ولما بلغ أشدّه واستوی آتيناه حكماً وعلماً) . ثم قال : (وكذلك نجزي المحسنين) وعداً حقاً ، ألا ترى أمير المؤمنين علياً : اجتهد في عبادة الله صغيراً ، فلم يلبث إلا صار ناطقاً حكيماً ، فقال صلوات الله عليه : سمع حكماً
الله امرءا سمع حکما فوعي ، ودعى الى رشاد فدنا ، فأخذ بحجزتها فنجا ، قدم خالصاً ، وعمل صالحاً ، واكتسب مذخوراً ، رمى غرضاً ، وأحرز عوضاً ، كابر هواه وكذب مناه ، خاف ذنبه ، وراغب ربه ، وجعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عدة وفاته ، ركب الطريقة الغراء ، ولزم المحجة البيضاء ، إغتنم المهل ، وبادر الأجل وقطع الأمل ، وتزود العمل .
ثم قال أبو جعفر : فهل سمعتم أو رأيتم كلاماً أوجز ، أو وعظاً أبلغ من هذا ، وكيف لا يكون كذلك وكيف لا يكون كذلك ، وهو خطيب قريش ولقمانها(1) .
قال أحد العرفاء : علم الله تعالى سبعة نفر سبعة أشياء كانت سبباً فيسبعة أشياء :
ص: 22
1 - علم آدم (علیه السلام) الأسماء كلها
2 - الخضر (علیه السلام) علم الفراسة .
3 - يوسف (علیه السلام) علم التعبير .
4- داوود (علیه السلام) صنعة الدروع .
ه - سليمان (علیه السلام) منطق الطير .
6- عيسى (علیه السلام) التوراة والانجيل .
7 - محمد (صلّی الله علیه وآله وسلم) الشرع والتوحيد .
فَعِلمُ آدم (علیه السلام) كان سبباً في سجود الملائكة والرفعة عليهم .
وعلم الخضر (علیه السلام) كان سَبَبًا لوجود موسى تلم- تلميذاً له ، ويوشع (علیه السلام) ، وتذلل موسى له كما يستفاد من الآيات الواردة في القصة .
وعلم يوسف (علیه السلام) كان سبباً لوجدان الأهل والمملكة والاجتباء.
وعلم داوود (علیه السلام) كان سببا للرياسة والدرجة .
وعلم سليمان (علیه السلام) كان سببا لوجدان بلقيس والغلبة.
وعلم عيسى (علیه السلام) كان سِببا لزوال التهمة عن أمّه .
وعلم محمد (صلّی الله علیه وآله وسلم) كان سَبَباً في الشفاعة(1).
قال أحد الحكماء : المريض إذا منع عن الطعام ، والشراب ، والدواء يموت ، كذلك القلب : إذا منع منه العلم ، والفكر ، والحكمة ، يموت .
هذب النفس للعلوم لترقى*** وترى الكل فهي للكل بيت
ص: 23
إنّما النّفس كالزجاجة والعقل ***سراج وحكمة الله زيت
فإذا أشرقت فإنك حي ***فإذا أظلمت فإنك ميت
روي عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال : لكلّ شيء آلة وعدة ، وإنّ آلة المؤمن وعدته العقل . ولكل شيء مطيّة ، ومطيّة المرء العقل . ولكل شيء دعامة ، ودعامة الدٍّين العقل . ولكلّ قوم وقاية ، ووقاية العباد العقل . ولكلّ قوم راع ، وراعي العابدين العقل . ولكل تاجر بضاعة ، وبضاعة المجتهدين العقل . ولكلّ أهل بيت قيم ، وقيم بيوت الصدّيقين العقل . ولكلّ خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل . ولكلّ امرىء عقب ينسب اليه ويذكره به ، وعقب الصدّيقين الذين ينسبون اليه ، ويذكرون به العقل . ولكلّ سفر وفسطاط المؤمنين العقل(1).
وأفضل قسم الله للمرء عقله ***فليس من الخيرات شيء يقاربه
يزينُ الفتى في الناس صحة عقله ***وإن كان محظورا عليه مكاسبه
يعيش الفتى بالعقل في كل بلدة ***على العقل يجري علمه وتجاربه
ويزري به في الناس قلة عقله ***وإن كرمت أعراقه ومناسبه
إذا أكمل الرحمنُ للمرءِ عقله ***فقد كُمُلتُ أخلاقه وماربه
ومن كان غلاباً بعقل ونجدة ***فذو الجد في أمر المعيشة غالبه
ص: 24
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : ليس شيء أحسن من عقل زانه علم ، ومن زانه علم زانه صدق ، ومن زانه صدق زانه رفق ، ومن زانه رفق زانه تقوى.
إذا لم يكن عقل الفتى وازعاً له*** فكل يد من كلّ خود تقوده
إذا عدم المرء الكمال فإنّه ***سواء علينا فقده ووجوده
حكي أن عامر بن الضرب العدواني ، وحممة بن رافع الدوسي إجتمعا عند ملك من الملوك ، فقال : لا تسألا حتى أسمع ما تقولان أسمع ما تقولان ، فقال عامر الحممة ، أين تحب أن تكون أياديك ؟ قال : عند ذي الرتبة العديم ، وعند الخلة الكريم ، والمعسر العزيم، والمستضعف الحليم ، قال : من أحق الناس بالمقت ؟ قال : الفقير المحتال ، والضعيف الصوّال ، والغني القوّال.
قال : فمن أحق الناس بالمنع ؟ قال : الحريص الكائد الحريص الكائد، والمستميد الحاسد والمخلف الواجد .
قال : من أجدر الناس بالصنيعة ؟ قال : من إذا أُعطي شكر ، وإذا منع عذر ، وإذا مطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر .
قال : من أكرم الناس عشرة ؟ قال : من إذا أقرب منح ، وإذا أظلم صفح ، وإذا ضويق سمح .
قال : من ألأم الناس ؟ قال : من إذا سأل خضع ، وإذا سئل منع ،وإذا ملك كتع ، ظاهره جشع ، وباطنه طمع .
ص: 25
قال : فمن أجلّ الناس ؟ قال : من عفا إذا قدر ، وأجمل إذا انتصر ،ولم تطغه عزّة الظفر.
قال : فمن أحزم الناس ؟ قال : من أخذ رقاب الأسود بيديه ، وجعل العواقب نصب عينيه ، ونبذ التهيب دبر أذنيه .
قال : فمن أخرق الناس ؟ قال : من ركب الخطار ، واعتسف العثار ، وأسرع في البدار قبل الاقتدار. قال : من أجود الناس ؟ قال : من بذل المجهود ، ولم يأس على
المفقود .
قال : من أبلغ الناس ؟ قال : من حلى المعنى المزين باللفظ الوجيز ، وطبق المفصل قبل التحزيز .
قال : فمن أشقى الناس ؟ قال : من حسد على النعم ، وسخط على القسم ، واستشعر الندم على ما انحتم.
قال : من أنعم الناس عيشاً ؟ قال : من تحلّى بالعفاف ، ورضي بالكفاف، وتجاوز ما يخاف الى ما لا يخاف .
قال : من أغنى الناس ؟ قال : من استشعر اليأس ، وأظهر التجمل للناس ، واستكثر قليل النعم ، ولم يسخط على القسم .
قال : فمن أحكم الناس ؟ قال : من صمت فأذكر ، ونظر واعتبر و وعظ فأزدجر .
قال : من أجهل الناس ؟ قال : من رأى الخرق مغنماً ، والتجاوز مغرماً .
أيرضى من له عقل ورأى*** تعاطى ما علیه به وبال؟
ص: 26
خليلي إن أصبت دع التصابی***فمالين الكلام هو الجمال
وما قص الشعور يزيد حسناً*** ليف وما هذا وذا الا إختبال
في نهج البلاغة ، قال علي (علیه السلام) : إن للقلوب شهوة وإقبالاً فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها ، فإن القلب إذا كره عمي فإن القلب إذا كره عمي(1).
قال الإمام الرضا (علیه السلام) : إن للقلوب إقبالاً وإدباراً ، نشاطاً وفتوراً ، فإذا أقبلت بصرت وفهمت ، وإذا أدبرت كلّت وملّت فخذوها عند إقبالها ونشاطها ، واتركوها عن إدبارها وفتورها(2).
إذا حظيت بعقل فاقنعن به ***فذاك فضل لعمري غير مقدور
شيئان قد شذ في الدنيا اجتماعهما*** كمال عقل ورزق غير مقتور
قال أرسطاطاليس : السعادة ثلاثة : في النفس، والبدن ، وخارج النفس والبدن .
1 - في النفس - الکمفة العفة 2 والشجاعة.
2- في البدن -الصحة ، والجمال ، والقوة.
3- خارج النفس والبدن - المال ، والجاه ، والنسب.
ص: 27
قال رجل : دخلت على سفيان الثوري بمكة المكرمة ، فوجدته مريضاً ، وقد شرب دواء ، فقلت له : إني أريد أن أسألك عن أشياء ، فقال لي : قل ما بدالك ، فقلت له : أخبرني من الناس ؟ قال الفقهاء ، قلت له : فمن الملوك ؟ قال : الزّهاد ، قلت له : فمن الأشراف ؟ قال الأتقياء قلت : فمن الغوغاء ؟ قال : من يكتب الحديث ، ويأكل به أموال الناس ، قلت : فمن السفلة ؟ قال : الظلمة اولئك هم أصحاب النار .
سئل بعض الحكماء : أي الأمور أشدّ تأييداً للعقل ؟ وأيهما أشد إضراراً به ؟ فقال : أشدّها تأييداً له ثلاثة أشياء : مشاورة العلماء ، وتجربة الأمور ، وحسن التثبت ، وأشدها إضراراً به ثلاثة أشياء : الاستبداد ،والتهاون ، والعجلة .
هو الهوى بعض أرداني فأرداني***و مّر بي أعیاني فاعیاني
وفارق النوم أجفاني فأرقني*** وهيج الشوق أحزاني فأحزاني
وزارني طيف من أهوى فعارضني*** طلق المحيا فحياني فأحياني
فقال : قل كيف حال القلب ؟ قلت له ***دعني وسل عن جاري دمعي القاني
فقال : ما بك صفر الخد من ذرف الدّ ***موع قلت جفاني سهر أجفاني
قال جنيد البغدادي : دخلت دار المرضى بمصر ، فرأيت شيخاً فقال لي : ما اسمك ، قلت جنيد ، قال : عراقي ؟ قلت نعم ، قال : ومن أهل المحبّة ؟ قلت : نعم ، قال : فما الحب ؟ قلت : إيثار المحبوب على
ص: 28
ما سواه ، فقال : الحبّ حبّان ، حب لعلّة ، وحبّ لغير علة ، فأما الّذي لعلّة ، فرؤية الاحسان ، وأما الذي لغير علة ، فلأنه أهل لأن يحب ثم أنشد :
أحبّك حبين حبّ الهوى ***وحباً لأنك أهل لذاكا
وأما الذي هو حب الهوى***فحب شغلت به عن سواكا
فأما الذي أنت أهل لها ***فلست أرى العيش حتى أراكا
فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ***ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
قال علي بن أبي طالب (علیه السلام) : من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنه خسر ، ومن خاف أمن ، ومن اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم وصديق الجاهل في تعب (1).
قال الرضى رضي الله عنه : لو لم يكن في هذه الفقرة المذكورة إلا الكلمة الأخيرة لكفتني بها لمعة ثاقبة ، وحكمة بالغة ، ولا عجب أن تفيض الحكمة من ينبوعها ، وتزهو البلاغة في ربيعها .
لا تقعدن عن اكتساب فضيلة*** أبداً وإن عدت الى الاعدام
جهل الفتى عار عليه لذاته ***وخموله عار على الأيام
كان الحسن بن علي (علیه السلام) يقول في مواعظه لأوليائه ومواليه : يابن آدم عف عن محارم الله تعالى تكن عابداً ، وارض بما قسم الله سبحانه لك تكن
ص: 29
غنيّاً ، أحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك تكن عدلاً ، إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً ، ويبنون شديداً ، ويأملون بعيداً أصبح جمعهم بوراً ، وعملهم غروراً ، ومساكنهم قبوراً ، يابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذ مما في يديك فإن المؤمن يتزود ، والكافر يتمتع . وكان يتلو بعد هذه الموعظة : (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)(1).
حكي أن إمرأة لقيت المهلّب ، وقد قدم من الحرب . فقالت : أيها الأمير إني نذرت إن وافيت سالماً أن أقبل يدك ، وأصوم يوماً ، وتهب لي جارية سندية وثلثمائة درهم فضحك المهلب وقال : قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله ، فليس كل أحدٍ يفي لك .
كان رجل من الأكاسرة راكباً فمر بطريق ، فعثرت به الفرس ، وقام سالماً ، فرأى رجلاً في ذلك الطريق ، فقال : هذا رجل مشؤم لما رأيته عثرت الفرس إضربوا عنقه ، فتقدم اليه الرجل ، وقال : أيها الملك عليك بالإنصاف رأيتني وعثرت فرسك ، وقمت سالماً ، وأنا رأيتك وهذا القتل قد قرب مني ، فأينا أشأم ، وأسوأ وجهاً وفالاً ؟ فضحك وخلّاه
كان في العراق رجل فقير الى أبعد الحدود فسعى في تحصيل مهر فتزوج إمرأة ، ما مضت إلا أيام معدودة حتى ماتت المرأة ، وكان يضرب على رأسه
ص: 30
ويقول : يا من وضعت مالي كله فيها قاصداً الدراهم ، والناس يضحكون منه.
إذا لم تخش عاقبة الليالي ***ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير*** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ***ويبقى العود ما بقي اللحاء
في الكافي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : إذا أراد الله عزوجل هلاك عبد نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لا تلقه إلا خائناً مخوناً فإن كان خائنا مخونا نزعت منه الأمانة ، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا فظّاً غليظاً ، فإذا كان فطاً غليظاً نزعت منه رقبة إيمان ، فإذا نزعت منه رقبة الايمان لم تلقه إلا شيطاناً ملعونا (1):
إذا رزق الفتى وجها وقاحاً*** تقلب في الأمور كما يشاء
ولم يك في الدواء ولا لشيء ***يعالجه به فيه غناء
فما لك في معاتبة الذي لا ***حياء لوجهه إلا العناء
في الكافي عن ابن عبد الله علیه السلام : قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله ) الاسلام عريان ، فلباسه الحياء وزينته الوفاء ، ومروّته العمل الصالح وعماده الورع ، ولكل شيء أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت (علیه السلام) .
ص: 31
ومثله ورد عن النبي (صلّی الله علیه وآله ) في شأن الايمان ، قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله ) الايمان عريان ولباسه الحياء (الخبر)(1) .
وربّ قبيحة ما حال بيني ***وبين ركوبها إلاّ الحياء
فكان هو الدّواء لها ولكن*** إذا ذَهَبَ الحياء فلا دواء
عن الرضا عن آبائهم عليهم السلام ، إن رسول الله (صلّی الله علیه وآله) قال : لم يبق من أمثال الأنبياء إلا قول الناس( إذا لم تستح فاصنع ما شئت)(2).
إذا قلّ ماء الوجه قل حياؤه ***فلا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياؤك فاحفظه عليك فإنّما*** يدل على وجه الكريم حياؤه
قال رسول الله (صّی الله علیه وآله) : أول ما ينزع الله من العبد الحياء ، فيصير ماقتاً ممقتاً، ثم ينزع منه الأمانة ، ثم ينزع منه الرحمة ، ثم يخلع دين الاسلام عن عنقه فيصير شيطاناً لعينا (3).
إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقاً*** وتستحي مخلوقاً فما شئت فاصنع
ص: 32
عن عن الصادق (علیه السلام) عن أبيه (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله) : استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا وما نفعل يا رسول الله ، قال : فإن كنتم فاعلين ، فلا يبين أحدكم إلا وأجله بين عينيه ، وليحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وليذكر القبر وما بلى ، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحيوة الدنيا (1).
قوله عليه السلام ، وما وعى ، وليحفظ ما وعاه الرأس من البصر والسمع ، واللسان وغيرها من المشاعر عن ارتكاب ما يسخط الله ، وليحفظ البطن وما حواه من الطعام والشراب إن يكونا من حرام ، ويمكن أن يعم البطن بما يشمل الفرج أيضا.
لا خير في وجه بغير ماء*** كفاك غيّاً قلة قلّة الحياء
لا تكثرن الالتفات في الطرق*** فإنه من ضعف رأي وخرق
واجتنب السخف وكن رزيناً*** فالسخف لا ينتج إلا الهونا
اذا لقيت الناس بالبذاء ***فلا تلومنهم فلا تلومنهم على الجفاء
عن علي بن الحسين (علیه السلام) قال : أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات : 1 - الساعة التي يعاين فيها ملك الموت .
ص: 33
2 - الساعة التي يقام فيها عن قبره.
3 - الساعة التي يقف فيها بين يدي الله ، فإما الى الجنة ، وإما الى النار(1).
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : ألا إن للقلوب إقبالاً وإدباراً ، فإذا أقبلت فأقبلوا الى النوافل ، وإذا أدبرت فدعوها(2) .
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : روحوا أنفسکم ببديع الحكمة فإنها تكل كما تكل الأبدان(3) .
قال الصادق (علیه السلام) : إن الأرواح تكل كما تكل الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكمة(4).
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله) : تذاكروا ، وتلاقوا ، وتحدثوا ، فإنه جلاء للقلوب ، إن القلوب لترين كما يرين السيف وجلائه الحديث(5) .
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله) : ما أخلص عبد الله عز وجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه(6).
ص: 34
قال لقمان في وصاياه لابنه : يا بني تعلّم الحكمة تشرف بها ، فإن الحكمة تدلّ على الدين ، وتشرف العبد على الحر ، وترفع المسكين على الغني وتقدّم الصغير على الكبير ، وتجلس المسكين مجالس الملوك ، وتزيد الشريف شرفاً ، والسيد سؤدداً ، والغني مجداً ، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ، ولن يهيّأ الله أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة ، ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بغير نفس طاعة مثل الجسد بغير نفس، ولا للصعيد بغيرماء ولا للحكمة بغير طاعة (1).
في نزهة الناظر لأبي يعلى الجعفري ، خليفة الشيخ المفيد ، قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله) : كلمة حكمة يسمعها المؤمن فيعمل بها خير من عبادة
سنة (2).
وفي منية المريد : روي عن الصادق (علیه السلام) قال : قام عيسى بن مريم (علیه السلام) خطيباً في بني اسرائيل ، فقال : يا بني اسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم(3).
ولقد أجاد من قال : إن لكل تربة غرساً ، ولكل بناء أساً، وما كلّ رأس يستحق التيجان ، ولا كلّ طبيعة تستحق إقادة البيان .قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : لا تعلّقوا الجواهر في أعناق الخنازير(4).
ص: 35
قال علي بن محمد الهادي (علیه السلام) : صناعة الأيام السلب ، وشرط الزمان الإقامة ، والحكمة لا تنجح في الطبايع الفاسدة ) (1).
قيل لابن سبابة قد كرهتك إمرأتك ، ومالت عنك ، فقال : إنما مالت الى الأبدال لقلة المال ، والله لو كنت في سن نوح ، وشيبة إبليس، وخلقة منكر ونكير ومعي مال لكنت أحب إليها من مقتر في جمال يوسف ، وخلق داوود ، وسن عيسى ، وجود حاتم ، وحلم أحنف .
قدم رجل عجوز دلالة الى القاضي ، فقال : أصلح الله القاضي زوّجتني هذه العجوز إمرأة ، فلمّا دخلت بها ، وجدتها عرجاء ، فقالت : أعز الله القاضي زوّجته إمرأة يجامعها ، أم زوجته حمارة يحج عليها .
حكي أن أعرابياً سأل خالد بن الوليد ، وألح في سؤاله ، فقال خالد : أعطوه بدرة يضعها في فرج أمه ، فقال الأعرابي : واخرى لأستها حتى لا تبقى فارغة .فضحك ، وأمر له بها أيضاً .
ص: 36
كما أن لبّ الثمار معد للأنام ، فالتّبن متاح للأنعام ، فلبّ الحكمة معّد لذوي الألباب ، وقشورها مجعولة للأغنام .
سئل أمير المؤمنين (علیه السلام) ابنه الحسن (علیه السلام) فقال : يا بني ما العقل ؟ قال : حفظ قلبك ما استودعه ، قال : فما الحزم؟ قال : أن تنتظر فرصتك ، وتعاجل ما أمكنك ، قال : فما المجد ؟ قال : حمل المغارم وإبتناء المكارم ، قال : فما السماحة؟ قال : إجابة السائل ، وبذل النائل (الحديث) ( وفي آخره التفت4) الى الحرث الأعور ، فقال ، يا حارث علموا أولادكم هذه الحكم ، فإنها زيادة في العقل والحزم والرأي(1) .
إياك وأن تعرج مع الجاهل على بث الحكمة ، وأن تذكر له شيئاً من الحقائق ما لم يتحقق ان له قلباً طاهراً لا تعافه الحكمة .
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ما أخلص عبد الإيمان أربعين يوماً إلا زهده الله في الدنيا ، وبصره دائها ودوائها ، وأثبت الحكمة في قلبه وأنطق به لسانه (2).
إذا كان شعري نعمة الله نعمة ***على وفي أمثالها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشعر إلا بفضله*** وإن طالت الأيام واتصل العمر
ص: 37
بنى بعض أكابر ابصرة دارا ، وكان في جواره بيت لعجوز يساوي عشرين ديناراً ، وكان محتاجاً إليه في تربيع الدار ، فبذل لها فيه مائتي دينار فلم تبعه ، فقيل لها : إن القاضي يحجز عليك لسفاهتك ، حيث ضيّعت مائتي دينار ، لما يساوي عشرين ديناراً ، قالت : فلم لا يحجز على من يشتري بمائتي دينار ما يساوي عشرين ديناراً ؟ فأفحمت (لم يطق جواباً )القاضي ومن معه ، وترك البيت في يدها حتى ماتت .
كن عن همومك معرضاً ***وكل الأمور الى القضا
وابشر بخیر عاجل ***تنسی به ماقد مضى
فلربّ أمر مسخط*** لك في عواقبه رضا
ولربّ اتسع المضيق*** وربّما ضاق الفضا
الله يفعل ما يشاء*** فلاتك متعرضا
الله عودك الجميل ***فقس على ماقد مضى
ذكر عند مولانا جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) قول النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : النظر الى وجه العالم عبادة ، فقال (علیه السلام) : هو العالم الذي إذا نظرت اليه ذكرك الآخرة ، ومن كان خلاف ذلك فالنظر اليه فتنة (1).
ص: 38
عن عيسى بن مريم (علیه السلام) : مثل العالم السوء مثل صخرة ، وقعت في قم النهر لا هي تشرب الماء ، ولا هي تترك الماء ليخلص الى الزرع(1) . مما أوحى الله إلى موسى بن عمران (علیه السلام) : يا موسى كن خلق الثياب ، جديد القلب ، تخفى على أهل الأرض ، وتعرف في السماء (2).
قواك وهت عند وقت المشيب*** وما كان من دأبها أن تهي
وباينت نفسك لما كبرت*** فلا هي انت ولا انت هي
وما زلت مستغرقاً في الذنوب*** وما قلت قد حان أن أنتهي
متى يشتهي جائعون الطعام ***فما تشتهي غير أن أن تشتهي
اصطبح المأمون وعنده عبد الله بن طاهر ، ويحيى بن أكثم ، فغمز المأمون الساقي على إسكار يحيى ، فسقاه حتى تلف ، وبين أيديهم ردم في ورد ، فشقوا فيه شبه اللحد ، ودفنوه في الورد ، ونظم فيه المأمون هذين البيتين ، وأمر بعض جواريه فغنت بها عند رأس يحيى :
ناديته فهو ميت لا حراك به*** مكفّن في ثياب من رياحين
و قلت : قم قال : رجلى لا تطاوعني***فقلت:خذ قال :مفی لا تواثبني
وجعلت تردد الصوت ، فأفاق يحيى ، وهو تحت الورد فأنشأ يقول :
ص: 39
ياسيدي وأمير الناس كلّهم ***قد جار في حكمه من كان يسقيني
إني غفلت عن الساقي فصيرني***كما تراني سليب العقل والدّين
لا أستطيع نهوضاً قد وهى(1) بدني ***ولا أجيب المنادي حين يدعوني
فاختر لنفسك قاض إنني رجل ***الراح تقتلني والعود تحييني
من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ، ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك.
أيا من غاب من عيني منامي ***لفرقته وواصلني سقامي
رحلت بمهجة خيمت فيها*** وشأن الترك تنزل في الخيام
خطب حجاج يوماً ، فقال : إن الله أمرنا بطلب الآخرة ، وكفانا مؤونة الدنيا ، فليتنا كفانا مؤنة الآخرة ، وأمرنا بطلب الدنيا .
تمتعتم يامقلتي بنظرة ***وأوردتُما قلبي أشر الموارد
أعينيّ عن فؤادي فإنه ***عن البغي إثنين في قتل واحد
قال بعض الأكابر : ينبغي أن تستنبط لزلّة أخيك سبعين عذراً ، فإن لم يقبله قلبك ، فقل لقلبك : ما أقساك ، يعتذر اليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبل عذره ، فأنت المتعب لا هو .
ص: 40
قيل لرابعة العدوية : متى يكون العبد راضياً عن الله تعالى . فقالت : إذا كان سروره بالمصيبة كسروره بالنعمة .
وقع حريق في المدائن ، فأخذ سلمان سيفه ومصحفه ، وخرج من الدار ، وقال : هكذا ينجو المخفون .
كلما مرّ من سرورك يوم***مّر في الحبس من بلائي يوم
مالنعمى ولالبؤسي دوام*** لم يدم في النعيم والبؤس قوم
دخل أبو حازم علی عمر بن عبد العزيز ، فقال له عمر : عظني فقال : إضطجع ، ثم أجعل الموت عند رأسك ، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك في تلك الساعة ، فخذ به الآن ، وما تكره أن يكون فيك في تلك الساعة فدعه الآن ، فلعل الساعة قريبة .
دخل صالح بن بشر على المهدي ، فقال له : عظني ، فقال : أليس قد جلس هذا المجلس أبوك ، وعمك قبلك ، قال : نعم ، فكانت لهم أعمال ترجو لهم النّجاة بها ، قال : فانظر ما رجوت لهم فيه فاته ، وما خفت عليهم فيه فاجتنبه .
إني لأعجب من صدودك والجفا ***من بعد ذاك القرب والأيناس
حاشا شمائلك اللطيفة أن ترى*** عيوناً على مع الزمان القاسي
ص: 41
في الكشاف : صورة كتاب يعقوب الى يوسف بعد إمساكه أخاه الصغير باتهام أنه سرق.
من يعقوب اسرائيل الله بن بن اسحاق ذبیح الله بن ابراهيم خليل الله الى عزیز مصر :
أما بعد : فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء ، أما جدي فشدت رجلاه ويداه ، ورما به في النار ليحرق ، فنجاه الله وجعلت عليه النار برداً وسلاماً .
أما أبي فوضع السكين على قفاه ليقتل ، ففداه الله ، وأما أنا ، فكان لي ابن وكان أحب أولادي الي ، فذهب به إخوته الى البرية ثم أتوني بقميصه بالدم ، وقالوا : قد أكله الذئب ، فذهبت عيناي من بكائي عليه ، ثم كان لي ابن وكان أخاه من أمه ، وكنت أتسلى به ، فذهبوا به ، ثم رجعوا وقالوا : إنه سرق ، وإنك حبسته لذلك ، وإنا أهل بيت لا نسرق ، ولا نلد سارقاً ، فإن رددته عليّ ، وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام .
قال في الكشاف : فلما قرأ يوسف الكتاب لم يتملك وبكى ، وكتب في الجواب : اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا(1).
عن أيوب (علیه السلام) : قالت له إمرأته : لو دعوت الله أن يشفيك ، قال :
ص: 42
ويحك كنا في النعماء سبعين عاماً ، فهلمي نصبر على الضراء مثلها ، فلم يلبث إلا يسيراً حتى عافاه الله تعالى (1).
ما وهب الله لامرء هبة***أحسن من عقله عقله ومن أدبه
هما جمال الفتى فإن فقدا ***ففقده للحياة أجمل به
حكى عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخراساني ، قال : حججت مع أبي سنة حج فيه الرّشيد ، فإذا نحن بالرشيد ، واقف حاسر ، حاف على الحصباء ، وقد رفع يديه ، وهو يرتعد ، ويبكي ، ويقول : يارب أنت أنت ، وأنا أنا ، أنا العواد بالذنوب ، وأنت العواد بالمغفرة إغفر لي . فقال لي أبي : أنظر إلى جبار الأرض كيف يتضرع إلى جبار السماء .
قيل لعمر بن عبد العزيز : ما كان بدء توبتك ؟ قال : أردت ضرب غلام لي ، فقال : يا عمر اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة 15.
لما اجتمع يعقوب (علیه السلام) مع يوسف (علیه السلام) ، قال يعقوب : يا بني حدثني بخبرك ، فقال : يا أبت لا تسألني عما فعل بي إخوتي ، واسألني عما فعل الله سبحانه بي (2) .
ص: 43
إغن عن المخلوق بالخالق*** تغن عن الكاذب بالصادق
واسترزق الرحمن من فضله ***فليس غير الله من رازق
تحسر أحد الحكماء عند الموت ، فقيل له : ما بك ؟ فقال : ما ظنكم بمن يقطع سفراً طويلاً بلا زاد ، ويسكن قبراً موحشاً بلا مونس ، ويقدم على حكم عدل بلا حجة .
لما مات جالينوس ، وجد في جيبه رقعة فيها مكتوب : أحمق الحمقاءمن يملأ بطنه من كل ما يجد ، فما أكلته فلجسمك ، وما تصدّقت به فلروحك ، وما خلفته فلغيرك والمحسن حي وإن نقل إلى دار البلى والمسيء ميت وإن بقي في الدنيا ، والقناعة تستر الخلة (الفقر) ، بالصبر تدرك الأمور ، وبالتدبير يكثر القليل ، ولم أر لأبن آدم شيئاً أنفع من التوكل على الله .
قد ارحنا واسترحنا*** من غدّو ورواح
واتصال بلئيم *** أو كريم ذي سماح
بعفاف وكفاف *** وقنوع وصلاح
وجعلنا اليأس مفتاحاً ***لأبواب النّجاح
مرّ عبد الله بن مبارك برجل واقف بين مزبلة ، ومقبرة ، فقال له عبد الله : يا هذا إنّك واقف بين كنزين ، كنز الأموال ، وكنز الرّجال.
ص: 44
كان سقراط الحكيم قليل الأكل ، خشن الثياب ، فكتب إليه بعض فلاسفة عصره : أنت تزعم أنّ الرّحمة لكلّ ذي روح واجبة ، وأنت ذو روح ، فلم لا ترحمها بترك لبس الخشن وقلة الأكل ؟ فكتب في جوابه :عاتبتني على لبس الخشن ، قد يعشق الإنسان القبيحة ، ويترك الحسناء ، قلة الأكل ، وإنما أريد أن أكل لأعيش ، وأنت تريد أن تعيش لتأكل والسلام .
فكتب إليه فيلسوف آخر : قد عرفت السبب قلّة الأكل ، فما السبب في قلة كلامك ؟ فاذا تبخل على نفسك بالمأكل ، فلم تبخل على الناس بالكلام ؟ فكتب في جوابه : ما احتجت إلى مفارقته ، وتركه للناس فليس لك والشغل بما ليس لك عبث ، وقد خلق الحق سبحانه لك أذنين ولسانا لتسمع ضعف ما تقول : لا تقول أكثر مما تسمع والسلام.
إذا أعلم علماً يقيناً ***بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون صنيناً (1)بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة
من كتاب كشف اليقين في فضائل مولانا أمير المؤمنين (علیه السلام) ، عن بن عباس ، قال : إن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه من يده ، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) خذ خاتمك وانتفع به ، فقال : لا آخذ شيئاً طرحه رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم)(2) .
ص: 45
ولما رأيت الخال من فوق ثغره***مقيماً على العذب الذي عزّ جانبه
تيقنت أن الخال حوليه حارس***مخافة أن يسطو على الثغر شاربه
قال أحد ولاة البصرة لبعض النساك : أدع لي ، قال : إن بالباب من يدعو عليك .
من بعض أصحاب الحقيقة : أن البسطامي مر بكلب قد ترطب بالمطر فنحی عنه ثوبه ترفعاً ، فنطق الكلب بلسان فصيح ، وقال : إن نجاسة ثوبك يطهرها الماء ، ولكن تنحية ثوبك عني لا يطهرها الماء .
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم***والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم بعض*** اً ليدفع معور عن معور(1)
فطن لكل مصيبة في ماله***وإذا أصيب بدينه لم يشعر
كتب بعض الحكماء إلى صديق له : أما بعد ، فعظ الناس بفعلك ، ولا تعظهم بقولك (2)، واستح من الله بقدر قربه منك ، وخفه بقدر قدرته عليك والسلام .
ص: 46
قيل لفيثاغورث : من الذي يسلم من معاداة الناس ؟ قال من لم يظهر منه خير ولا شر ، قيل وكيف ذلك ؟ قال : لأنه إن ظهر منه خير عاداه الأشرار ، وإن ظهر منه شر عاداه الأخيار .
كان بعض العلماء يبخل ببذل العلم ، فقيل له : تموت وتدخل علمك معك القبر ، فقال : ذاك أحب إلي أن أجعله في إناء سوء .
أرسل عثمان بن عفان كيساً من الدراهم إلى أبي ذر رضوان الله عليه : وقال لغلامه : ان قبل هذا فأنت حرّ ، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذر وألح عليه في قبوله ، فلم يقبل منه ، فقال : إقبله فإن فيه عنقي ، قال : نعم، ولكن فيه رقي(1).
إن تحصيل الكمالات ميسر في كل وقت، سواء كان وقت الشباب أو وقت الكهولة ، أو وقت الشيخوخة ، فلا يبنغي التقاعد عن إكتساب الفضائل في وقت من الأوقات. وما أحسن ما قال : ومن قال :
هذا زمن الربيع عالج كبدي ***يا صاح فلا تخل من الراح(2)يدي
البلبل يتلوا ويقول إنتبهوا ***العمر مضى وما مضى لم يعد
ص: 47
قيل لربيع بن خيثم : ما نراك تغتاب أحداً ؟ فقال : لست عن نفسي راضياً فأتفرق لذم الناس : ثم أنشد:
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها*** لنفسي عن نفسي عن الناس شاغل
أبني إن من الرجال بهيمة ***في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكل رزية في مالها ***وإذا أصيب بدينه لم يشعر
إن الذين بنوا فطال بناؤهم ***واستمتعوا بالمال والأولاد
جرت الرياح على محل ديارهم*** فكأنهم كانوا على الميعاد
ما شممت الورد إلا زادني شوقاً إليك ***وإذا ما مال غصن خلته يحنو عليك
لست تدري ما الذي قد حلّ بي من مقلتيك ***إن يكن جسمي تنائى فالحشا باق لديك
ص: 48
كل حسن في البرايا فهو منسوب إليك ***رشق القلب بسهم قوسه من حاجبيك
إن دائي ودوائي يا منائي في يديك*** آه لو أسقى لاشقى خمرة من شفتيك
أنبت ورداً ناضراً ناضري ***في وجنة كالقمر الطالع(1)
فلم منعتم شفتي لثمه ***والحق أن الزرع للزارع
في التهذيب ج 3 ص 174 في باب المزارعة ، عن عقبة بن خالد قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أتی أرض رجل فیزرعها الی أن قال:للزارع زرعه ، ولصاحب الأرض كرى أرضه .
من كلام فيثاغورث ، إذا أردت أن يطيب عيشك ، فارض من الناس أن يقولوا أنت عديم العقل ، بدل قولهم أنك عاقل(2).
في مجموعة ورّام:قال عيسى (علیه السلام) : يا معشر الحواريين إرضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدین. كما رضى أهل الدنيا بدنيء الدين سلامة الدنيا وقد عقد هذا المعنى بعضهم فقال :
أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا*** ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما ***إستغنى الملوك بدنياهم عن الدين(3)
ص: 49
لا تظهر لصديقك المحبة دفعة واحدة ، فانه متى رأى منك تغيراً عاداك .
لقا حجاج أعرابياً ، فقال له : ما بيدك ؟ قال : عصاي أركزها لصلاتي وأعدّها لعداي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري وأعتمد عليه في مشيتي ليتسع خطوي ، وأثبت على النّهر ، وتؤمنني العثر، وألقي عليه كسائي فيقيني الحر ، وتجنبني القر (البرد) وتدنى إلى ما بعد مني وهي محمل سفري ، وعلاقة عدواني ، أقرع بها الأبواب ، وألقي بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعام ، وعن السيف عند منازلة الأقران ورثتها من أبي ، وسأورثها إبني بعدي ، وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى . فبهت الحجاج وانصرف(1).
قال هارون الرشيد لمسكين سأله حاجة : ما بال الملوك ، وعندهم الأطباء لا يطول أعمارهم ؟ فقال المسكين : لأن الملوك يعطون رزقهم جملة فيأكلون ، وأرزاقنا تأتينا من خرت الإبرة ، فنأكلها شيئاً فشيئاً فنبقى حتى نستوفيها ، فعجب من جوابه ، وأعطاه عشرة آلاف درهم ، فما أتت عليه أيام حتى مات ، فقال له الرشيد : جمعنا له رزقه فمات
كان في إصفهان أخوان ، فكتب السلطان بالقضاء لأحدهما ، فلم يقبل وقبله الآخر من غير تكليف ، فقال الوزير: يوماً للسلطان ، إن فلاناً له همة عظيمة حيث ترك القضاء ، وجلالة هذا المنصب العظيم ، فقال السلطان : أخوه أعظم منه همّة ، لأن هذا ترك الدنيا ، وذاك ترك الآخرة.
كان بين رجلين مخاصمة ، فأتيا إلى القاضي ، وقد كان أحدهما أرسل . إلى بيت القاضي ظرفاً من اللبن علم به القاضي ، والآخر أرسل كبشاً سميناً لا يعلم به فلما تداعيا جعل الحق مع صاحب اللبن ، فأتى إليه غلامه يخبره بالكبش ، فقال : إن أهل المنزل يريدون لبناً للغذاء لان الكبش كفى الاناء الذي فيه لبن ، ففهم القاضي ما قال : فقال : اعيدوا دعواكم ، فقد كان قلبي مشغولاً عنكم ، فلما أعادا دعواهما جعل الحق مع صاحب الكبش .
في كتب السير أن السلطان هلاكو لما دخل الحلة من أرض بابل إنهزم الناس ، وبقي رجل قاعداً في بقعة ، فدخلها هلاكو ، وقال له : من أنت ؟ فقال : أنا إله الأرض ، أما سمعت في السماء إله وفي الأرض إله فقال له
ص: 51
السلطان ، أتقدر على كل شيء ؟ قال نعم ، وكان مع السلطان صبي فقال : فم هذا الصبي ضيّق ، فإن قدرت فوسعه ، قال : أقدر ولكني تعاهدت مع إله السماء أن كل شيء يتعلق بأعلى البدن فتوسيعه إليه ، وكل شيء يكون في أسافل البدن فتوسيعه إلي فإن أردت هذا فأنا قادر في ساعتك هذه ، فضحك وانصرف عنه .
یا بدر دجی بوصله أحياني ***إذ زاركم بحجره أفناني
بالله عليك عجلن سفك دمي*** لا طاقة لي بليله الهجراني
ومن عجب أن يحرسوك بخادم*** وخدام هذا الحسن من ذاك أكثر
عذارك ريحان وثغرك جوهر*** وخدّك ياقوت وخالك عنبر
یع أهدى الشريف إلى الملك صلاح الدين إبن أيوب هدايا ، وكان الرسول يخرج منها واحدة ويعرضها على الملك ، فأخرج مروحة (آلة تحرك به الهواء من خوص النخل (الورقة) وقال : أيها الملك هذه مروحة ، ما رأى الملك ولا أحد من آبائه مثلها ، فاستشاط (اشتعل) الملك غضباً ، وتناولها منه ، وإذا عليها مكتوب :
أنا نخلة تجاور قبراً*** ساد من فيه سائر الناس طراً
شملتني سعادة القبر حتى*** صرت في راحة إبن أيوب أقرا
فعرف أنها من خوص النخل الذي في مسجد الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلم) فقبلها الملك ووضعها على رأسه . وقال للرسول ، صدقت. صدقت .
ص: 52
لم أشك من الوحدة بين الناس ***إذ أفردني الزمان من جلاسي
فالشوق لغربهم قريني أبداً ***والهم جليسي و به استيناسي
وله رضوان الله عليه :
أهوى قمراً أسلمني للبلوى*** ما عنه لقلبي المعنى (1) سلوى
كم جئت لأشتكي فمذ أبصرني*** من لذت قربه نسيت الشكوى
قال السري ، خرجت من الرّملة إلى بيت المقدس ، فمررت بأرض معشبة ، وفيها غدير ماء ، فجلست آكل من العشب ، وأشرب من الماء ، وقلت في نفسي ، إن كنت أكلت أو شربت في الدنيا حلالاً فهو هذا .
فسمعت هاتفاً يقول : ياسري فالنفقة التي أوصلتك إلى ها هنا أين هي(2) ؟
لما رأيت البياض لاح وقد ***دنا رحيلي ناديت واحزني
هذا وحق الإله أحسبه*** أول خيط سدى من الكفن
لم أقل للشباب في ذمة الله*** ولا حفظه غداة استقلا
زائر زارنا أقام قليلا *** سود الصحف بالذنوب وولا
ص: 53
قال قشم : رأيت زاهداً راهباً على باب بيت المقدس كالوا له ، فقلت : أوصني ، فقال : كن كرجل إحتوشته الضباع ، فهو خائف مذعور يخاف أن يسهو فتفترسه ، أو يلهو فتنهشه ، فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المعترون ، ونهاره نهار حزن إذ افرح فيه الباطلون ، ثم إنه ولى وتركني فقلت : زدني ، فقال : إن الظمآن يقنع بيسير
الماء .
إبن الرومي لما ودبّ السّم فيه واشتد ، شرب الماء ، أنشد :
أشرب الماء إذا ماء التهب ***نار إحشائي كأحشاء اللهب
فأراه زائداً في حرقتي ***وكأنّ الماء للنار حطب
يقال : أهجى بيت قالته العرب ، قول الأخطل :
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم بولي على النار
فضیقت فرجها بخلاً ببولتها *** فلا تبول لهم إلا بمقدار
قول الصفدي في هذا المجال :
اشتمل قوله (قوم إذا الى آخره )على معايب :
أولها - إنهم لا يعطون للضيف شيئاً حتى يرضى بنباح كلابهم فيستنح منها.
ثانيها - إن لهم نار قليلة لفقرهم تطفى ببول إمرأة .
ثالثها - إن أمهم تخدمهم فليس لهم خدم غيرها .
رابعها - إنهم كسالى عن مباشرة أمورهم حتى تقوم بها أمهم .
خامسها - إنهم عاقون لوالدتهم بحيث أنهم يمتهنونها في الخدمة .
ص: 54
سادسها - عدم أدبهم يخاطبون أمهم هذه المخاطبة التي تستحي الكرام الالتفات بها.
سابعها - أنهم يتركون أمهم عند مواقدهم لأنهم قالوا بولي ، ولم يقولوا لها قومي إلى النار .
ثامنها - أنهم جبناء لا يرقدون لأنهم مستيقظون ، يسمعون الحس الخفي من البعد .
تاسعها - قذارتهم لأنهم لا يتألمون بما يصعد من رائحة البول إذا وقع في النار.
عاشرها - إلزام والدتهم بان لا تبول إلا بمقدار ، وتدخر لوقت الحاجة إليه ، وإلا فما كل وقت يطلب الإنسان الأراقة يجد لذلك الماء ، ومشقة من إحتباس البول .
حادي عشرها - إفراطهم في البخل إلى غاية يشفقون معها على الماء أن تطفى به النار .
ثاني عشرها - انها تأكد بهذا القول عداوة المجوس للعرب لان الفرس كانوا يعبدونها ، وأولئك يبولون عليها ، فيؤكد الحقد .
ووعدت بأن تزور فلم تزر*** فغدوت مسلوب الفؤاد مشتتا
لي مهجة في النازعات وعسبرة***في المرسلات وفكرة في هل أتى
سألته التقبيل في خده عشراً*** وما زاد يكون احتساب
فمذ تعانقنا وقبلته ***غلطت في العد فضاع الحساب
ص: 55
لما ماتت ليلى أتى المجنون إلى الحي وسأل عن قبرها ، ولم يهدوه إليه فأخذ يشم تراب كل قبر يمر به حتى شم تراب قبرها ، فعرفه ، وأنشد :
أرادوا ليخفوا قبرها عن محبّها ***وطيب تراب القبر دلّ على القبر
أسماء الأنبياء الذين ذكروا في القرآن خمسة وعشرون نبياً :
محمد (صلّی الله علیه وآله وسلم) - آدم (علیه السلام) - إدريس (علیه السلام) - نوح (علیه السلام) - هود (علیه السلام) - صالح (علیه السلام) - إبراهيم (علیه السلام) - لوط (علیه السلام) - إسماعيل (علیه السلام) - إسحاق (علیه السلام) - يعقوب (علیه السلام) - يوسف (علیه السلام) - أيوب (علیه السلام) - شعیب (علیه السلام) - موسی (علیه السلام) - هرون (علیه السلام) - یونس (علیه السلام) داوود(علیه السلام) سليمان (علیه السلام) - إلياس (علیه السلام) -
أليسع (علیه السلام) - زكريا (علیه السلام) - يحيى (علیه السلام) - عيسى (علیه السلام) - وكذلك ذو الكفل عند كثير المفسرين(1) .
يا بدر الدجى فراقه الجسم أذاب*** قد ودعني ودعني فغاب صبري إذ غاب
بالله عليك أي شيءٍ قالت ***عيناك لقلبي المعنى(2)فأجاب
نقل في الأحياء : عن الصادق (علیه السلام) أنه قال : مودة يوم صلة ، مودة شهر قرابة مودة سنة ماسة من قطعها قطعه الله .
ص: 56
و اذاصاحبت فاصحب ماجدا*** ذا عفاف، وحياء ، وكرم
قوله للشيء : لا ، إن قلت لا*** وإذا قلت : نعم ، قال : نعم
قال أحد العرفاء : القرابة تحتاج الى المودة ، والمودة لا تحتاج الى القرابة . وقال الحسن بن علي (علیه السلام) : كم من أخ لم تلده أمك .
صديقك مهما جنى غطّه ***ولا تخف شيئاً إذا أحسنا
وكن كالظلام مع النار إذ ***يوار الدخان ويبدى السنا
عن عبد الله قال : خط لنا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) خطاً مربعاً ، وخط وسطه وخط خارجا منه وخط خطوطاً صغاراً الى جنب الخط ، وقال : أتدرون ماهذا؟
قلنا الله ورسوله أعلم ، قال : هذا انسان ، الخط الذي في الوسط وهذا الأجل محيط به ، وهذا الصغار الأعراض التي حوله تنهشه (يتناول بفهمه ليؤثر فيه )إن أخطاه هذا نهشه هذا ، وإن أخطاه نهشه هذا ، وذلك الخط الخارج الأمل (الرجاء) . (1)
لله أیام تقضت لنا ***ما کان أحلاها وأهناها
مرّت فلم يبق لنا بعدها ***شيء سوى أن نتمناها
ص: 57
قال الزمخشري عند قوله تعالى (إنّ كيدكن عظيم)(1) استعظم كيد النساء لأنه وإن كان في الرجال أيضاً، إلا أن النساء ألطف كيداً ، وأنفذ حيلة ، ولهن في ذلك رفق ثم قال : والقصيرات منهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوايق (البائقة) - الداهية)
كان يحيى بن معاذ كثيراً ما يقول : أيها العلماء إن قصوركم قيصرية ،وبيوتكم كسروية ، ومراكبكم قارونية ، وأوانيكم فرعونية ، وأخلاقكم نمرودية ، وموائدكم جاهلية ، ومذاهبكم سلطانية ، فأين المحمدية (صلّی الله علیه وآله وسلم) ؟
قال بعض العرفاء : أقل من معرفة الناس ، فإنك لا تدري حالك يوم القيامة ، فإن تكن فضيحة كان من يعرفك قليلا .
يامقلتي أنت التي*** أوقعتني في حبّه
غرتك رقة خده ***ونسيت قسوة قلبه
وقد عبث الشراب بوجنتيه*** فصيّر خده كسناً لهيب
فقلت له متى إستعملت هذا*** لقد أقبلت في زي عجیب
فقال الشمس أهدا لي قميصاً ***مليح اللون من نسج المغيب
فثوبي والمدام ولون خدّي ***قريب من قريب من قريب
ص: 58
قال رجل لسهل : أريد أن أصحبك ، فقال : إذا مات أحدنا فمن يصحبه الآخر ، فليصحبه الآن .
بلوت أخلاء هذا الزمان*** فأقللت بالحجر عنهم نصيبي
وكلّهم إن تصفحتهم ***صديق العيان عدوّ المغيب
وقد نسب الى المولى الموحدين علي بن أبي طالب (علیه السلام) : من عرف الناس تفرّد(1).
قال رجل للفضيل : إن ابنك يقول : قد وددت أني في مكان أرى الناس ولا يروني ، فبكى الفضيل ، وقال : يا ويح ابني ، أفلا أتمها ، لا أراهم ولا يروني.
ألم تر أن المرء طول حياته ***معنّى بأمر لا يزال يعالجه
کدود کدود القز ينسج دائما ***ويهلك غما وسط ما هو ناسجه
قيل لبعض المجانين : وقد أقبل من المقبرة ، من أين جئت ؟ فقال : من هذه الغافلة النازلة ، قيل : ماذا قلت لهم ، قال : قلت لهم متى ترحلون ؟ قالوا : حين تقدمون .
ص: 59
العزلة بدون عين العلم زلّة ، وبدون زاء الزهد علّة .
حدّث عمرو بن سعيد ، قال : كنت في نوبتي في الحرس في أربعة آلاف ، إذ رأيت مأمون خرج ومعه غلمان صغار ، وشموعه (1) فلم يعرفني فقال : من أنت ؟ فقلت عمرو ، عمرك الله ، ابن سعيد أسعدك الله ، ابن مسلم سلمك الله . فقال : أنت تكلؤنا منذ الليلة ، فقلت : الله يكلؤك يا أمير المؤمنين ، وهو خير ، وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين فتبسم من مقالي ثم أنشد :
إن أخا الهيجاء من يسعى معک ***ومن یضّر نفسه ليجمعك
ومن إذا ريب الزمان صدعتك ***بدّد (2) شمل نفسه لیجمعک
قيل لابن المبارك الى كم تكتب ؟ فقال : لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد
اختلط غنم الغارة ، بغنم أهل الكوفة ، فتورّع بعض عباد الكوفة، أكل اللحم ، وسئل كم تعيش الشاة ؟ قوال : سبع سنين ، فترك أكل اللحم سبع سنين
ص: 60
كان بعض العباد يقول : لو وجدت رغيفاً من حلال لأحرقته ، ثم سحقته ثم جعلته ذروراً (1)لأداوي به المرضى .
فإذا بليت بعسرة فاصبر لها ***صبر الکریم فان ذلک أحزم (2)
لا تشكون الى الخلائق إنما*** تشكو الرحيم الى الذي لا يرحم
مر المجنون على منزل ليلى بنجد ، فأخذ يقبل الأحجار ويضع جبهته على الآثار ، فلاموه على ذلك ، فحلف أنه لا يقبل ذلك إلا وجهها ،
ولا ينظر الى جمالها ، ثم رؤى بعد ذلك وهو في غير نجد يقبل الآثار ويستلم الأحجار ، فليم على ذلك ، وقيل له : إنها ليست من منازلها .
فأنشد :پ
لا تقل دارها بشرقي نجد*** كل نجد للعامرية(3) دار
فلها منزل على كلّ أرض*** وعلى كلّ دمنة(4)آثار
دخل الشعبي على عبد الملك ، وعنده ليلى الأخيلية ، وقال : إن هذه لم يخجلها أحد في كلام ، فقال الشعبي : إن قومها يسمون ، ولا يكتنون ،
ص: 61
فقال : ولم لا نكتني ؟ فقال : لو فعلت لزمني الغسل ، فأخجلها ، وكانت قبيلتها يكسرون نون المضارع .
قال لابن عمر : إن المختار كان يزعم أنه يوحى اليه ، فقال : صدق الله تعالى يقول : (وإن الشياطين ليوحون الى أوليائهم)(1) نسبة ادعاء الوحي الى المختار الثقفي (رض) ينفيها المحققون من علماء التاريخ ، و نقاده ، ويقولون ، وانه كان له خادم اسمه جبرئيل يأتيه بالأخبار ، فكان يقول : أخبر جبرئيل بكذا وكذا ،فتوهّم البعض أنه يقصد به الملك الذی ينزل بالوحي على الأنبياء .
قال أبو العيناء : أخجلني ابن صغير لعبد الرحمن بن خاقان ، قلت له : وددت أن لي إبنا مثلك ، فقال : هذا بيدك ، قلت كيف ذلك ؟ قال : إحمل أبي على إمرأتك تلد لك إبناً مثلى .
قالوا للشماخ بن ضرار : أوصي المساكين من مالك بشيء ، فقال : أوصيت لهم بطول المسألة ، فإنها تجارة لن تبور ، قالوا أوصنا قال : احملوني على الحمار ، فإنه لم يمت عليه كريم فعلي لا أموت . ثم أنشد :
لكل جديد لذة غير أنني*** وجدت جديد الموت غير لذيذ
فقيل له : من أشعر العرب ؟ فأشار الى نفسه ثم بكى ، فقيل له :جزعت من الموت ؟ فقال : لا . ولكن ويل للشاعر من رواية السوء !
ص: 62
قالت امرأة مالك بن دينار له في أثناء المجادلة : يا مرائي ، فقال لها : لبيك هذا إسم ما عرفني به أحد إلا أنت منذ أربعين سنة .
كان المعتصم (ثامن) خلفاء العباسية ، وكان ملکه (ثمان سنين)و (ثمانية أشهر) ، وكان له من أولاد (ثمانية ذكور) و(ثمانية إناث) وفتح (ثمانية حصون) وبنى (ثمانية قصور) وخلف (ثمانية آلاف دينار) و(ثمانية آلاف درهم) كما ذكر في ربيع الأبرار .
نظر الى رجل حسن الصورة سيء الخلق ، فقال : أما البيت فحسن ،وأما ساكنه فَرَدِي .
في المكاسب المحرمة من كتاب المتاجر في بحث أعوان الظلمة ، نقل الشيخ الأنصاري : قال خياط لابن مبارك : أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف على أن أكون من أعوان الظلمة ؟ قال : لا ، إنما أعوان الظلمة الذين يبيعون منك الخيوط والإبرة . وأما أنت فمن الظلمة أنفسهم .
كتب هشام بن عبد الملك الى ملك الروم : من هشام أمير المؤمنين الى ملك الطاغية ، فكتب في جوابه : ما كنت أظن أن الملوك يسب بعضه بعضاً ، وإلا لكنت أكتب اليك ، من ملك الروم الى الملك المذموم هشام الأحول المشؤوم .
ص: 63
با باع رجل أرضاً واشترى بثمنها فرساً ، فقال له بعض الحكماء : يا هذا ، أتعلم ما صنعت ؟ بعث ما تعلّفه سرجين فيعوضك الشعير ، واشتريت ما تعلّفه الشعير فيعوضك السرجين.
في المحاضرات : إدّعى رجل على الآخر بطنبور عند بعض القضاة فأنكر المدعى عليه ، وتوجه اليمين عليه ، فقال القاضي ؟ قل إن كانت الطنبور عندي ، فأيرك في حرّاختي الحربكسر - الفرج) فقال : أي يمين هذه ؟ فقال القاضي : هذه يمين الدعوى إذا كانت طنبوراً .
وقالوا في الهجاء عليك إثم*** وليس الإثم إلا في المديح
لأني إن مدحت مدحت زوراً *** وأهجو حين أهجو بالصحيح
سئل بعض أهل العرفان عن الطريق الى الله ؟ فقال : خطوتان ، وقد وصلت ، خطوة عن النفس وخطوة عن الدنيا ، فسمع بعض أهل العرفان هذا الكلام ، فقال : طوّل ما قصر الله بل خطوة عن النفس ، وقد وصلت ، لأن الدنيا تصير حجاباً للعبد بواسطة النفس .
حكي عن مالك بن دينار ، قال : نازعتني نفسي ، في ماء بارد في كوز جديد ، فقلت هذا حلال لا بأس فيه ، فاشتريت كوزاً ، وملئته ماءاً ووضعته في مهبّ الشمال حتى يبرد ، وحال وقف الافطار ، وصليت المغرب
ص: 64
ونوافله ، وجعلت نفسي تنازعني حوراء لم تر عيني مثلها حسناً وجمالاً ، فتحيرت فيها فقلت : لمن أنت ؟ فقالت : لمن لا يبيعني بشربة ماء بارد في كوز جديد ثم ركلت الكوزة برجلها ، وكسرته ، وصب الماء برجلها فانتبهت ، فإذا الكوز مكسور والماء مصبوب .
يرى الناس دهناً في قوارير صافياً*** ولم يدر ما يجري على رأس سمسم
إدر كاساً علينا أيها الساقي لنطرب ما ت-*** رى الليل تولّى وضياء الصبح ترقب
كان سقراط الحكيم قليل الأكل ، فقيل في ذلك ، فأجاب : إن الأكل للحيوة ، وليس الحيوة للأكل . يعني : ينبغي أن يأكل ما يحفظ الحيوة .
ما منعت نفسي يوماً من الطعام والشراب إلا فتح به باب من مائدة العلم والحكمة في قلبي .
قيل لعابد : ما وجه العبادة ؟ قال : قلة الأكل .
إذا حار وهمك في معنيين*** وأعياك في الهوى والصواب
فخالف هواك فإن الهوى ***يقود النفوس الى ما يعاب
وصف بعض الأدباء حال الهوى ، فقال : الهوى مطيّة الفتن ، والدنيا دار المحن ، فأنزل عن الهوى تسلم ، وأعرض عن الدينا تغنم ، ولا يغرنك هواك بطيب الملاهي ، ولا تفتنك دنياك بحسن العوادي ، فمدة اللهو تنقطع ، وعارية الدهر ترجع ، ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم ،
وتكتسبه من المآثم .
لا تسألن عن الهوى إلا امرءاً ***خبراً بطعمته طويل تجارب
ص: 66
نقاتل أبطال الوغى فنبيدهم ***ويقتلنا في السلم م الحظ الكواعب
وليست سيوف الهند تفنى نفوسنا*** ولكن سهام فوقت بالحواجب
في نهج البلاغة ، من عشق شيئاً أغشى بصره ، وأمرض قلبه ، في ينظر بقلب غير صحيح ، ويسمع بأذنة غير سميعة ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنيا قلبه ، فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها ، حيثما زالت زال اليها ، وحيثما أقبلت أقبل عليها ، لا ينزجر الى الله بزاجر ، ولا يتعظ بواعظ(1) .
إذا ما دعتك النفس يوماً بشهوة ***و کان علیها للخلاف طریق
فخالف هواها ما استطعت فإنما*** هواك عدوّ والخلاف صديق
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : إذا أراد الله بعبد خيراً حال بينه وبين شهوته ، وحجر بينه وبين قلبه ، وإذا أراد به شرا وكله الى نفسه .
يا طالباً للعز هاك نصيحتي ***لفظاً على المعنى البديع وجيزا
ما الذل إلا في مطاوعة الهوى ***فإذا عصيت هواك كنت عزيزا
قال أحد العظماء : إذا انقادت النفس للعقل بما قد أشعرت من عواقب الهوى لم يلبث الهوى أن يصير بالعقل مدحوراً وبالنفس مقهوراً .
ص: 67
سئل من أحد الحكماء : من أشجع الناس ، وأجرأهم بالمجاهدة ؟ قال : من جاهد الهوى طاعة لربّه ، واحترس في مجاهدته من ورود خواطر
الهوى على قلبه .
أشدّ الجهاد جهاد الهوى*** وماكرم المرء إلا التقى
وأخلاق ذو الفضل معروفة*** ببذل الجميل وكف الأذى
وكلّ الفكاهات محلولة*** وطول التعاشر فيه القلى
وكل طريق له لذة ***وكل تليد سريع البلي
ولا شيء إلا له آفة*** ولا شيء إلا له إلا له منتهى
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : من لزم قلبه الفكر ، ولسانه الذكر ، ملأ الله قلبه إيماناً ورحمة ، ونورا وحكمة ، إن الفكر والاعتبار يخرجان من قلب المؤمن عجايب المنطق في الحكمة ، فتسمع له أقوال يرضاها العلماء ويخشع لها العقلاء ، ويعجب منها الحكماء(1).
إذا رأيت الهوى في أمة حكما*** فاحكم هنالك أن العقل قد ذهبا
ذو العشق يعميه الهوى ويصمه*** فيسير فيه العبد وهو السيّد
ص: 68
النساء أحسن منّا حالاً ، إن المرأة تصير كل شهر طاهرة ، ونحن لا نكاد نصير طاهرين مرّة واحدة.
وقال الآخر : اجتمعت العلماء ، والحكماء ، والشعراء ، على أن النعيم لا يدرك إلا بترك النعيم .
إذا ما دعتك دواعي الهوى*** لما عنه سبحانه قد نهی
فأيقن بأن الردى فاجىء ***(وإن الى ربّك المنتهى)
لا تطمعن بفوز في الهوى أبداً ***فالنفس أمارة والدهر غدّار
ستة عقبات للوصول الى درجة الصالحين :
1 - تغلق باب الفرج والسعة ، وتفتح باب الشدة .
2 - تغلق باب العز ، وتفتح باب الذل.
3 - تغلق باب الرحمة ، وتفتح باب الجهد.
4- تغلق باب النوم ، وتفتح باب السهر.
5- تغلق باب الغنى، وتفتح باب الفقرة .
6- تغلق باب الأمل ، وتفتح باب الاستعداد للموت .
بالله كم قصر مررت به ***قد كان يعمر باللذات والطرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه*** فصاح من بعده بالويل والحرب
إعمل وكن طالباً للرزق في دعة ***فلا وربّك ما الأرزاق بالطلب
ص: 69
قال بهلول : البلوغ بلوغان ، بلوغ الأطفال بلوغ الأطفال ، وبلوغ الرجال ، أما بلوغ الأطفال فخروج المني ، وأما بلوغ الرجال ، فبالخروج عن المنى.
إن الناس يضعون بينهم وبين الله مخلاة من الطعام والشراب ويتمنون لذة مناجاته .
إن الحكمة كالعروس تريد البيت الخالي.
ما أكلت وأنت تشتهيه فقد أكلته ، وما أكلت وأنت لا تشتهيه فقد أكلك .
بنو الدنيا بجهل عظموها ***فجلّت عندهم وهي الحقيرة
یهارش بعضهم بعضاً عليها ***مهارشة الكلاب على العقيرة
اللقمة خمس : لقمة حلال ، ولقمة حرام ، ولقمة شبهة ، ولقمة شهوة ، ولقمة عادة .
فأما لقمة الحرام : فإنها تورث في القلب القساوة ، وتجري على اللسان الكذب ، والغيبة ونحوها .
وأما لقمة الشبهة : فتورث في القلب الشك ، والوسوسة ، وتجري على اللسان فضول الكلام، وتقسي القلب، وتبعث على أتباع الهوى .
ص: 70
وأما لقمة الشهوة : فتورث في القلب العمل ، وتجري على اللسان فضول الكلام.
وأما لقمةالعادة : فتورث القناعة في القلب وتجري على اللسان كلام الحكماء .
في الحديث القدسي : يا موسى إن أردت أن تلقاني في حظيرة القدس فكن في الدنيا كالطير الواحد ، أن يسكن الأرض القفار ، ويأكل من رؤوس الأشجار (1).
عفاء على هذا الزمان فإنه ***زمان عقوق لا زمان حقوق
فكل رفيق فيه غير مرافق ***وكل صديق فيه غير صديق
عليك بأخوان الصدق، فأكثر من إكتسابهم ، فإنهم عدّة عند الرخاء ، وجنة عند البلاء(2).
إذا ودَّك الانسان يوماً لخلة*** فغيّرها مرّ الزمان ، تنكرا
وما زال فقر المرء يأتي على الغنى ***ونسيانه مستدركا ماتذكرا
ص: 71
وفي الناس من أعطى الجميل بديهة ***وضنَّ بفعل الخير لما تفكرا
فخف قول من لاقاك من غير سالف ***حميد فأبدى بالنفاق تشكرا
وكم أضمر المصحوب مكراً بصاحب*** فألقى قضاء الله أدهى وأمكرا
قال الصادق (علیه السلام) لبعض أصحابه : لا تطلع صديقك من سرّك إلا على ما لو اطّلع عليه عدوّك لا يضرك ، فإن الصديق قد يكون عدوّك
يوما (1).
لا تسألن عن الصديق ***وسل فؤادك عن فؤاده
فلربما بحث السؤال ***على فسادك أو فساده
قال الصادق (علیه السلام) لبعض أصحابه : من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرّات ، فلم يقل فيك شرّاً ، فاتخذه لنفسك صديقا . (2)
الإمام الصادق (علیه السلام) كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين :
أخوك الذي لو جئت بالسيف عامداً ***لتضربه لم يشتغشك في الود
ولو جئته تدعوه للموت لم يكن*** يردّك ابقاء عليك من الرد
ص: 72
إن ابن الأشعث كان يصلي خلف مروان بن عثمان في الصف الأول فضرط مروان ، فقطع ابن الأشعث صلاته وانصرف حتى ظن الناس أن تلك الضرطة منه ، وبقي مروان يصلي ، فلما فرغ وانصرف الى منزله أتى اليه ابن الأشعث ، فقال له ، اعطني دية الضرطة التي جعلتها على نفسي ، وإلا أخبرت أهل المسجد ، وفضحتك بينهم وفضحتك بينهم ، فقال له : كم ديّة الضرطة ، فقال : إن ضرطة الخليفة ديتها ديّة النفس ألف دينار ، فأعطاه ألف دينار .
كان في مجلس بعض الأكاسرة بساط عالي القيمة ، فقال لمضحك له : إن خروت مثقالا بالوزن يكون البساط لك . فقام ، وخرى خروة كبيرة فقال له : كيف هذا ؟ فقال : أعز الله الملك أنت خذ مثقال ، والباقي للحاضرين ، كيلا يعتبون فضحك وأعطاه البساط .
لطيفة ، قال أحد الفضلاء : دخلت على عالم ظريف لأعوده في مرضه فقلت له يا فلان : أشكر الله واحمده ، فقال : كيف أشكره وقد قال الله : (لئن شكرتم لأزيدنكم(1))فأخاف إن أشكره فيزيد في مرضي .
قال لقمان : ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاث مواضع ، لا يعرف الحيكم إلا عند الغضب . ولا يعرف الشجاع إلا في الحرب . ولا تعرف أخاك إلاّ عند حاجتك إليه .
وإذا الصديق رأيته متملقاً ***فهو العدو وحقه يتجنّب
لا خير في ود امرىء متملق*** حلو اللّسانوقلبه یتلهّب
يلقاك يحلف إنه بكَ واثق*** وإذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة*** ويروغ منك كما يروغ يروغ الثعلب
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً*** إن القرين إلى المقارن ينسب
في نهج البلاغة : قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : 1 - نكبته 1 - نكبته . 2 - غيبته 3 - ووفاته (1) .
وقال (علیه السلام) : في تقلب الأحوال ، علم جواهر الرجال(2).
وقال (علیه السلام) : إبذل لصديقك كلّ المودة ، ولا تبذل كل الطمأنينة ، وأعطه كلّ المواساة ، ولاتفض إليه بكل الأسرار(3).
إذا ما كثرت على صاحب*** وقد كان يدنيك من نفسه
فلا بدّ من ملل واقع *** يغيرُ من كان من أنسه
ص: 74
روى من أكل الحلال أربعين يوماً نور الله قلبه ، وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (1)، ومن أكل طعاماً للشهوة حرّم الله على قلبه حكمة(2) .
قيل لإبراهيم بن أدهم : ألا تصحب الناس ؟ فقال ، إن صحبت من هو فوقي تكبّر علي ، وإن صحبت من هو مثلي حسدني ، فاشتغلت بمن ليس في صحبته ملال ، ولا في وصله إنقطاع ، ولا في الأنس به وحشه .
قال حكيم الحكيم آخر : لا تتعرف إلاّ على من لا تعرف . فقال له:يا أخي أنا أزيدك في ذلك ، وأنكر من تعرف لأنه لا يؤذي الشخص من لا يعرفه ، والمعرفة بين الرجلين خطر عظيم .
سمعنا بالصَّديق فما نراه *** على التّحقيق يوجد في الأنام
وأحسبه محالا نمقوه *** على وجه المجاز من الكلام
سئل من أحد العرفاء ، ما الصديق ؟ قال : إسم وضع على غير مسمّى ، وحيوان غير موجود .
ص: 75
عش واحداً أو فالتمس لك صاحباً ***في محتدي ورع وطيب نجار
واحذر مصاحبة السّفيه فشرّ ما*** جلب الندامة صحبة الأشرار
والناس كالأشجار هذي يجتنى ***منها الثّمار وذي وقودُ النار
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من يفرّ من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر كالثعلب بأشباله(1) .
من آنس بالدنيا ، شغل ، ومن آنس بالخلوة خذل ، ومن آنس بالمال عزل ، و من آنس بالناس عذل ، ومن آنس بالله وصل .
ما تطعمت لذة العيش حتى*** صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس شيء أعزّ عندي من ***العلم فما أبتغي سواه أنيسا
إنما الذل في مخالطة الناس*** فدعهم وعش عزيزاً رئيسا
عارف إنزوى ، فكلّفوه بصحبة الأخوان ، فقال : وما أفعل بصحبة الأخوان ، إن حضروا كلّفوني ، وإن غابو فضحوني ، وإن غنيت حسدوني ، وإن احتجت حرموني ، فجزى الله عني لا أعرفه ولا يعرفني فلا يراني ولا أراه .
ص: 76
تمسك إن ظفرت بذيل حرّ ***فإن الحر في الدّنيا قلیل
إذا كان الفتى ضخم المعالي ***فليس يضره الجسمُ النّحيل
فسد الزمان فكلّ من صاحبته *** راج ينافق أو مداج خاشي
وإذا اختبرتهم ظفرت بباطنٍ *** متجهم وبظاهر هشاش
قال علي (علیه السلام) : الإخوان صنفان ، إخوان الثقة ، وإخوان المكاشرة ، فأما إخوان الثقة ، فهم ، ألكف ، والجناح ، والأهل ، والمال ، فإذا فإذا كنت من أخيك على حدّ الثقة ، فابذل له مالك ، وبدنك ، وصاف صافاه وعاد من من عاداه ،واكتم سرّه وعيبه ، وأظهر منه الحسن ، واعلم أيها السائل ، إنهم أقل من كبريت أحمر .وأما إخوان المكاشرة ، فإنك تصيب منهم لذّتك ، فلا تقطّعن ذلك منهم ، ولا تطلبنّ وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه ، وحلاوة اللسان(1) .
أبلُ الرجال بكل أرض أوّلاً***ثم انتخب منهم على إستحقاق
عاشر أناساً بالذكاء تميزوا ***واختر صديقك من ذوي الأخلاق
ص: 77
مر رجل في المسجد ، وأبو جعفر (علیه السلام) وأبو عبد الله (علیه السلام) جالسان ، فقال رجل : لأبي جعفر (علیه السلام) والله إني لأحب هذا الرجل ، قال له أبو جعفر (علیه السلام) : ألا فاعلمه ، فإنه أبقى للمودة وخير للألفة(1) .
تحمل عظيم الذنب ممن تحبه ***وإن كنت مظلوماً فقل أنا ظالم
فإنك إن لم تحمل الذنب في الهوى ***يفارقك من تهوى وأنفك راغم
كتب بعض الأكابر لبعض يسئله عن صديق فكتب في جوابه لوجدان كبريت الأحمر أيسر من وجدان أخ أو صديق موافق ، وإني لفي طلبها منذ خمسين سنة ، فما ظفرت إلا بنصف أخ ، فتمرد على فتغلب ، وتقلب .
أرى الطريق قريباً حين أسلكه***إلى الحبيب بعيداً حين أنصرف
قال الصادق (علیه السلام) لبعض أصحابه : أقل من معرفة الناس ، وأنكر من عرفت منهم ، وإن لك مئة صديق ، فاطرح تسعة وتسعين ، وكن من الواحد على حذر (2).
ص: 78
عن الصادق (علیه السلام) قال : إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا ، وما عليك إن لم يثن عليك الناس ، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس ، إذا كنت محموداً عند الله (1).
وما زلت حتى بيضَ الشَّيب مفرقي*** أفتش عن هذا الورى واكشّف
فما أن عرفت الناس إلا ذممتهم ***جزى الله خيراً كلّ من لست أعرف
قال ربیع بن خثيم : إن استطعت أن تكون في موضع لا تَعرف ، ولا تُعرف فافعل ، وفي العزلة صيانة الجواهر ، وفراق القلب ، وسلامة العيش ، وكسر سلاح الشيطان والمجانبة بها من كل سوء ، وراحةالوقت ، وما من نبي ولا وصي إلا واختار العزلة في زمانه إما في إبتدائه وإما
في إنتهائه (2) .
قال الصادق (علیه السلام) : إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل ، فإن عليك في خروجك : أن لا تغتاب ، ولا تكذب ، ولا تحسد ، ولا ترائي ، ولا تتصنع ، ولا تداهن ، صومعة المسلم بيته ، يحبس فيه نفسه ، وبصره وفرجه (3).
ص: 79
قيل لأحد العرفاء ؛ ما حملك أن تعتزل عن الناس ؟ قال خشيت أن أسلب ديني ولا أشعر .
قال ذو النون المصري لم أر شيئاً أبعث على الإخلاص إلا الاختصاص من الخلوة ، لأنه إذا خلى لم ير غير الله .
سئل أبو يزيد : ما علامة العارف ؟ فقال : عدم الفتور عن ذكره جل جلاله ، ، وعدم الملال من حقه وعدم الأنس بغيره.
قال فتح الموصلي : كان لي إبن ، فوقعت في قلبي محبّة له ، فبقيت تلك الليلة عن وردي ، وذهب نشاطي في تلاوتي ، ولم أجد لذائذ المناجات ، كما كنت أجد قبل ذلك ، فجلست أستغفر الله، وما شعرت أن الفترة من أيّ شيء وقعت ، فغلبت عيناي فنمت ، فإذا بهاتف يقول : يافتح هكذا فعلة من أدعى محبتنا ، ثم مال إلى غيرنا ، فقلت : يا قرة عيني إنما أردتك به فيخلفني فيطيعك ، فإن كنت تعلم أني صادق ، فخذه إليك الساعة ، قال : فانتبهت من صياح والدته ، وقد قام ليبول ، فوقع في البئر .
روى إن إبراهيم بن أدهم كان في الطواف ، فرأى شاباً أمرداً حسن الصورة ، فجعل ينظر إليه ، ثم أعرض عنه ، وتوارى في الجمع ، فلما خلا . سئل عن ذلك ، وقيل له : ما عهدنا منك النظر إلى أمرد قبل هذا ؟
ص: 80
فقال : هو إبني ، وقد تركته في خراسان طفلا ، فلما شب خرج يطلبني ، فخشيت أن يشغلني عن ربي ، وحذرت أن أستأنس به إذا عرفني.
زر والديك وقف على قبريها ***فكأنني بك قد نقلت إليهما
لو كنت حيث حيث هما وكانا بالبقا*** زاراك حبواً لا على قدميها
ما كان ذنبهما إليك فطالما ***منحاك نفس الود من نفسيهما
كانا إذا ما أبصرا بك علة ***جزعاً لما تشكو وشقّ عليهما
كانا إذا سمعا أنينك أسبلا ***دمعيهما أسفاً على قدميهما
وتمنيا لو صادقاً بك راحة ***بجميع ما يحويه ملك يديها
فنسيت حقهما عشية أسكنا ***دار البقاء وسكنت في الداريهما
فتلحقهما غداً أو بعده ***حتما كما لحقا هما أبويها
ولتندمن على فعالك مثل ما ***ندما هما قدماً على فعليهما
بشراك لو قدمت فعلاً صالحاً ***وقضيت بعض الحق من حقيهما
فاحفظ حفظت وصيّتي واعمل به***ا فعسى تنال الفوز من ربّيهما
قال أبو عمرو : لما إحتضر ذو الأصبع دعا إبنه أسيداً ، فقال له :يا بني إنّ أباك قد فني وهو حيّ ، وعاش حتى سئم العيش ، وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته ، فاحفظ عني : ألن جانبك لقومك يحبّوك ، وتواضع لهم يرفعوك ، وأبسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك ، وأكرم صغارهم، كما تكرّم كبارهم ، يكرمك كبارهم ، ويكبر على مودتك صغارهم ، واسمع بمالك ، وأعزز جارك ، وأعن من
ص: 81
استعان بك ، وأكرم ضيفك ، وأسرع النهضة في الصريخ ، فان لك إجلالاً لا يعدوك ، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئاً فبذلك يتم سؤددك .
فاضرب وليدك وَاذْلُله على رشد ***ولا تقل هو طفل غير محتلم
وربّ شقّ برأس جرّ جرّ منفعة ***وقس على نفع شق الرأس في القلم
حكي في الكتب إن نوح بن مروان قاضي (مرو) لما أراد أن يزوج إبنته إستشار جاراً له مجوسيّاً ، فقال : سبحان الله الناس يستفتونك وأنت تستفتيني ! قال : لا بد أن تشير عليّ ، فقال : أن رئيس الفرس كسرى كان يختار المال ، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار النسب ، ورئيسكم محمد (صلّی الله علیه وآله وسلم) يختار الدين فانظر لنفسك بمن تقتدي .
كان لبعض الأولياء فص ، فوقع منه يوماً في دجلة ، وكان عنده دعاء مجرب للضالة ، إذا دعا به عادت ، فدعی به ، فوجد الفص وسط أوراقه ، وصورة الدعاء أن يقول (يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد إجمع بيني وبين كذا وكذا )فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو ذلك الإنسان .
حكي أنه زنى رجل بامرأة فأحبلها ، فقال له الناس : هلا عزلت عنها حتى لا تحبل ؟ قال : سمعت من الفقهاء أن العزل مكروه ، فقالوا : أما
سمعت ان الزنا حرام .
ص: 82
قيل لأبي الحارث هل سبقت ببرذونك على أحد ، وكان أبي حارث ضعيفاً ، قال مرة واحدة قد كنت مع القافلة ، فدخلنا زقاقاً ضيقاً لا منفذ له ، وكنت آخر القوم فلما رجعوا كنت أنا أولهم .
إن بعض الحكماء رأى رجلاً يكثر الكلام ، ويقل السكوت ، فقال متعال کا يا هذا إن الله تعالى خلق لك أذنين ، ولساناً واحداً؛ ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به .
إذا كنت ذا علم فلا تك صامتاً ***عن القول بالأمر الذي أنت خابره
فإنّ سكوت المرء عي يشينه *** كما نطقه عيّ إذا جاش خاطره
قال عيسى بن مريم (علیها السلام) : لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله ، فإن الله ، فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله ، قلوبهم قاسية ، ولكن لا تعلمون(1).
نقل بعض الثقات ، إنه قال : يا بن آدم إذا وجدت قساوة في قلبك ، وحرماناً في رزقك ، وسقماً في بدنك ، فاعلم : أنك تكلمت بما لا يعنيك
وقال : من قل كلامه قل عقله قلّ كلامه قل عقله ، وقسى قلبه .
ص: 83
قد أرى كثرة الكلام قبيحاً*** كلّ قول يشينه الإكثار
الرأي قبل شجاعة الشجعان ***هو أوّل وهي محل الثاني
فإذا هما إجتمعا لنفس مرّة ***بلغت من العلياء كل مكان
ولربّما طعن الفتى أقرانه*** بالرأي قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم*** أدنى إلى شرف من الإنسان
ولما تفاضلت النفوس ودبّرت*** أيدي الكماة عوامل المرآن
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : جُجمع الخير كله إلى ثلاث خصال ، النظر والسكوت ، والكلام ، فكلّ نظر ليس فيه إعتبار فهو سهو ، وكلّ كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة ، فطوبى لمن كان نظره عبرة ، وسكوته فكرة ، وكلامه ذكراً (1) .
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من مشى في نميمة بين إثنين سلط الله عليه في قبره ناراً تحرقه إلى يوم القيامة ، وإذا خرج من قبره سلّط الله عليه تنيناً أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار(2) .
إن موسى بن عمران (علیه السلام) : لما استسقى لبنى إسرائيل حين أصابهم القحط ، فأوحى الله إليه لا أستجيب لك ، ولا لمن معك ، وفيكم تمام ، قد
ص: 84
أصر على النميمة ، قال موسى : من هو يا رب حتى نخرجه من بيننا ؟ فقال يا موسى : أنهاكم عن النميمة ، وأكون نماماً ، فتابوا بأجمعهم(1).
جلس أعرابي على مائدة يزيد بن مزيد ، فقال : لأصحابه إفرجوا لأخيكم فقال الأعرابي : لا حاجة إلى أفراجكم إن أطنابي طوال ، يعني سواعدي ، فلما مديده ضرط ، فضحك يزيد وقال : يا أخا العرب إنّ طنباً من أطنابك قد إنقطع .
ان رجلا من العرب نزل بيتاً للضيافة وفيه إمرأة في غاية الجمال وكان زوجها قبيح الصورة . فقال لها : هذا زوجك ، قالت نعم ، قال : وكيف رضيت به مع قبح صورته وحسن جمالك ؟ فقالت : لو استدبرك في الذي استقبلني به لعظم في صدرك ، وحسن في عينك فخرج الضيف هارباً .
قال رجل : رأيت إبن الجصاص يقبل المصحف ويبكي ، فقلت له : فما يبكيك ، فقال : أكلت محيضاً ولبناً مع النساء ، ثم نظرت في المصحف فرأيت فيه (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض)(2) فتعجب من قدرة الله تعالى كيف يبين كل شيء في القرآن حتى المحيض وأكله مع النساء .
ص: 85
قال رجل لمزيد المدنى : إذا نبح عليك الكلب فاقرأ يا معشر الجن والأنس الخ ..فقال المزيد : الوجه عندي ، أن تكون معك عصاً فليس
كل الكلاب يحفظ القرآن.
وترى الناس كثيراً فإذا*** عدّ أهل العقل قلو في العدد
لا تعد شراً وعد خيراً ولا ***تخلف الوعد وعجّل ماتعد
المرء بفضيلته لا بفصيلته ، وبكماله لا بجماله ، وبآدابه لا بثيابه .
المرء من حيث يثبت ، لا من حيث ينبت ، ومن حيث يوجد ، لا من حيث يولد.
لكلّ شيء زينة في الورى ***وزينة المرء كمال الأدب
قد يشرف المرء بآدابه ***فينا وإن كان وضيع النسب
سئل النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ما أثقل من السماء ؟ وما أغنى من البحر ؟ وما أوسع من الأرض ؟ وما أحرّ من النار ؟ وما أبرد من الزمهرير ؟ وما أشدّ من الحجر ؟ وما أمر من السّم ؟
فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ألبهتان على البريء أثقل من السماء ، والحق أوسع من الأرض ، وقلب القانع أغنى من البحر ، وسلطان الجائر أحرّ من النار
ص: 86
والحاجة إلى اللئيم أبرد من الزمهرير ، وقلب المنافق أشدّ من الحجر ، والصبر على الشدّة أمر من السم(1).
كان شاعر مليح الشعر لقبه نجاة ، وشاعر لقبه تأثير ، وقد كان قد عرض لتأثير نفخ في بطنه ، فسأله نجاة كيف حالك ، فقال : ضرطت
ضرطة كان فيها نجاة ، فقال : لو خروت خروة لوجدت فيها تأثيراً .
دخل لص على بعض الفقراء ففتش البيت ، فلم يجد فيها شيئاً ، فلما أراد أن يخرج قال له صاحب البيت ، إذا خرجت فأغلق علينا الباب فقال
اللص من كثرة ما أخذت من بيتك تستخدمني .
شهد أعرابي عند معاوية بشيء يكرهه ، فقال : معاوية كذبت فقال : والله الكاذب متزمّل في ثيابك فضحك معاوية وقال هذا جزاء من عجل .
کلام جارية مليحة :
قال خالد بن ربيع : رأيت في النخاسين جارية مليحة ، فقلت ما اسمك ؟ قالت : الجنة فقلت : (الحمد لله الذي صدقنا وعده ، واورثنا الأرض نتبوأ من الجنّة حيث نشاء)قالت : (لن تنالوا البّر حتّى تنفقوا مما تحبون(2)).
ص: 87
قال خبّاط المتكلم : ما قطعني إلاّ غلام ، قال لي : ما تقول في معاوية قلت أنا أقف فيه قال : فما تقول في إبنه يزيد ، قلت : ألعنه ، قال : فما تقول فيمن يحبه ؟ قلت ألعنه ، قال : أفترى معاوية كان لا يحب إبنه .
إنّ حكيماً من الحكماء زاره بعض إخوانه ، فأخبره بخبر عن غيره ، فقال الحكيم : قد أبطأت في الزّيارة، وأتيتني بثلاث خيانات : تغضب إلى
أخى ، وشغلت قلبي الفارغ ، واتهمت نفسك الأمينة .
قل للذي لستُ أدري من تلوَّنَهُ*** أناصحُ أم على غش بداحيني ؟
تغتابني عند قوم وتمدحني ***في آخرين وكل عنك يأتيني
هذان أمران شت البون بينهما ***فاكفف لسانك عن ذمّي وتزييني
لو كنت أعرفُ منك الودَّ هانَ له ***على بعض الذي أصبحت تُؤليني
ليس الصديقُ بمن تُخسى غوائله***ولا العدو على حال بمأمون
أرضى عن المرء ما أصفى مودَّتهُ*** وليس شيء مع البغضاء يرضيني
إنّ عمر بن عبد العزيز دخل إليه رجل فذكر عنده عن رجل شيئاً ، فقال عمر : إن شئت نظرنا في أمرك ، فان كنت كاذباً ، فأنت من أهل هذه الآية (إن جائكم فاسق بنبأ )(1) وإن كنت صادقاً ، فأنت من أهل هذه الآية
ص: 88
(هماز مشاء بنميم) (1) وإن شئت عفونا عنك ، فقال : العفو، العفو ،لا أعود إلى مثل ذلك أبدأ .
ولا تثقن بالتمام فيما ***حباك من النصيحة في الخلاء
وأيقن أن ما أفضي إليه ***من الأسرار منكشف الغطاء
إنّ رجلا أراد أن يشتري عبداً ، فقال له صاحبه : إنّه لا ، عيب فيه سوى النّميمة ، فقال : لا علي من النميمة ، فاشتراه ، فبقي عنده ، فأتى يوماً إلى إمرأة مولاه ، فقال : مولاي لا يحبّك ، فان تقدري أن تأخذي شعرة من لحيته ، حتى أقرء عليها شيئاً من الأسماء ، والتعويذات ، فإنه يعود لمحبتك ، فرضيت ، وقال : إذا نام اقطع شعرة من لحيته بالموس ، فأتى إلى مولاه ، وقال : يا مولاي الواجب عليّ أن أنصحك ، إعلم إنّ إمرأتك قد أظهرت أنها تريد أن تذبحك إذا نمت بالموس ، فإن لم تصدق فتناوم اليوم حتى تنظر ما تفعل ، فلما تناوم ، أقبلت المرأة ومعها الموس تريد قطع شعرة ، فلمّا دنت إلى الرجل ، قام وأخذ لها السيف فضربها به حتّى قتلها ،قسمع أهلها ، فأتوا إلى الرجل وقتلوه ، وثارت الفتنة بين القبائل حتى قتلمنهم جمع كثير (2).
لا تقبلنَّ نميمة بُلغتها ***وتحفظنّ من الذي أنباكها
إن الذي أهدى إليك نميمة*** سينم عنكَ بمثلها قد حاكها
ص: 89
في زهر الربيع نقلاً عن حلية الأولياء : إن أسد مرض ، فعاده السباع ، والوحوش ما خلا الثعلب ، فنّمّ عليه الذئب ، فقال له الأسد :إذا حضر فاعلمني ، فلما حضر الثعلب أعلمه الذئب بذلك ، فقال الأسد : يا أبا الفرائس أين كنت ؟ قال : كنت أطلب لك الدواء ، قال : فأيّ شيءٍ أصبته ، فقال : قيل لي : إن خرزة توجد بعرقوب أبي جعده ، فضرب الأسد بيده في ساق الذئب فأدماه ، ولم يجد شيئاً ، فخرج ودمه يسيل على رجليه ، وأنسل الثعلب ، فمر به الذئب ، فناداه : يا صاحب الخف الأحمر ، إذا جالست الملوك فانظر ماذا يخرج منك ، فان المجالس
بالأمانات.
كن عالماً وارض بصف النّعال*** لا تطلب الصدر بغير الكمال
فلو تصدّرت بلا آلة ***جعلت ذاك الصدر صفّ النّعال
قال علي بن ابي طالب (علیه السلام) : أعزّ العز العلم ، لأن به معرفة المعاد والمعاش، وأذل الذل الجهل لان صاحبه ، أصم ، أبكم ، أعمى
حيران
وليس بمنسوب إلى العلم والنهى ***فتی لا ترى فيه الخلائق أربع
فواحدة : تقوى الإله التي بها ***ينال جسيم الخير والفضل أجمع
وثانية : صدق الحياء فانّه ***طباع عليه ذور المروءة يطبع
ص: 90
وثالثة : حلم اذا الجهل أطلعت ***إليه خباياً من فجور تسرّع
ورابعة : جود بملك يمينه ***إذا تابه الحق الذي ليس يدفع
الطلاب ثلاث : طالب الدنيا ، وطالب العقبى ، وطالب المولى ، أما طالب الدنيا فله البلوى ، وأما طالب العقبى فله الدرجات العلى.
وأما طالب المولى فله الدنيا ، والعقبى والمولى.
تعلم فليس المرء يولد عالماً ***وليس أخو علم كمن هو جاهل
وأن كبير القوم لا علمَ عنده ***صغير إذ التفت عليه المحافل
عند العليم من الأهم لبابه ***ولدى الجهول من المهم قشور
شتّان من بين الورى في أمره ***أعمى ومن هو بالأمور بصير
عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : المؤمن إذا كذب من غير عذر ، لنعال لعنه سبعون ألف ملك ، وخرج من قلبه : وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش ، فتلعنه حملة العرش ، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه(1).
فلا خير فيما يكذب المرء نفسه ***وتقوى له للشيء ، يا ليت ذالياً
فطأ معرضاً إن الحتوف كثيرة*** وإنك لا تبقى بما لك باقياً
ص: 91
وإن أعجبتك الدّهر حال من امرءٍ ***فدعه وواكل حاله واللّياليا
لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتقي*** إذا هو لم يجعل له الله واقياً
سئل رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يكون المؤمن جباناً ، قال : نعم ، قيل : ويكون بخيلا قال : نعم ، قيل : ويكون كذاباً قال : لا ، وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إن المؤمن قد يزني ، ويلوط ، ويسرق ، ويشرب الخمر ، لكنه لا يكذب(1).
لا يكذب المرءُ إلاّ من مهانَتِهِ*** أو عادة السوء أو من قلة الأدب
لعضّ جيفة كلب خير رائحة*** من كذبة المرء في جد وفي لعب
وروي أن الرجل إذا قال : الله يعلم ، وهو كاذب ، يقول الله لملائكته ، انظروا الى عبدي لم يجد أحداً أعجز منى ، يحيل هذه الكذبة عليه حتّى أحالها على علمي ، وأنا أفعل به كذا وكذا من الهوان والعذاب.
كم حسيب كريم كان ذا شرف*** قد شأنه الكذب وسط الحي إن عمدا
وآخرُ كان صعلوكاً فشرَّفه ***صدقُ الحديث وقول جانب الفندا
فصار هذا شريفاً فوق صاحبه*** وصار هذا وضيعاً تحته أبدا
ص: 92
روي أن رجلا أتى النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، وطلب منه أن يأمره بأنفع الأعمال فقال له رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أصدق ، ولا تكذّب ، واعمل من المعاصي ما شئت ، فتعجب من هذا القول ، وقبله ، فلما رجع ، قال ان النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لم ينهني إلا عن يل الكذب ، فأنا آتي فلانة ، وكانت إمرأة جميلة ، فلمّا مضى إلى بيتها ليزني بها تفكّر في نفسه ، وقال : إذا خرجت من عندها ولقینی أحد ، وسألني أين كنت ، وما كنت تعمل ، فإن صدقت القول صار أمراً عظيماً ، وإن كذبت فقد نهيت عنه ، فرجع إلى منزله ، ثم طلب أن يفعل ذنباً آخر ، وفكر مثل هذا وفكر مثل هذا ، فأقلع عن كل المعاصي(1).
قيل : وقفت إمرأة تنظر إلى رجل قبيح الصورة ، فقيل لها في ذلك ، فقالت : أذنبت عيني بنظرها إلى أمرد جميل الصورة ، فأحببت أن أعاقبها
بالنظر إلى هذه الصورة القبيحة .
كتب رجل إلى أبيه وكان غائباً أما بعد، فإن أحوالنا بخير ولم يحدث بعدك مكروه ، غير أن حايطا وقع ، فماتت أمي ، وأختي ، وجاريتان ، ونجوت انا ، والسِّنّور والحمار.
قال داود القصار : رأيت رؤيا نصفها حق ، ونصفها باطل ، رأيت
ص: 93
كأني حملت بدرة دراهم ، فمن ثقلها أحدثت في ثيابي ، فلما إنتبهت رأيت الحدث، ولم أنل الدراهم.
إن رجلا كان له قطعة أرض بجنب أرض رجل آخر ، وكان ذلك الرجل في كل أوان يأخذ قطعة من أرض ذلك الرجل ويجعلها في أرضه ، فقال له يوماً : فما هذا النقصان الذي في أرضي ؟ قال : أو ما سمعت قوله تعالى : (أو لم يروا أنا نأت الأرض ننقصها من أطرافها (1))، قال وما هذه الزيادة التي أراها في أرضك ، قال : (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء(2)) قال : ومن أين يأتي النقصان ، قال : (أو ما سمعت قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبدلكم تسوءكم(3)).
إذا عرف الكذّاب بالكذب لم ينزل ***لدى النّاس كذّابا وإن كان صادقاً
ومن آفة الكذاب نسيان كذبه *** وتلقاه ذا حفظ إذا كان صادقا
قال ابن أبي ليلى : دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ومعي نعمان ، فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : من الذي معك ؟ فقلت جعلت فداك ، هذا رجل من أهل الكوفة ، له نظر ، ونقاد رأي ، يقال له نعمان : قال : فلعل هذا الذي يقيس الأشياء برأيه ، فقلت : نعم ، قال (علیه السلام) : يا نعمان هل تحسن أن
ص: 94
تقيس رأيك ؟ فقال : لا ، فقال (علیه السلام) : ما أراك تحسن شيئاً ، ولا فرضك ، ولا من عند غيرك ، فهل عرفت كلمة أولها كفر ، وآخرها إيمان ، قال : لا ، قال قال : فهل عرفت ما الملوحة في العينين ، وما المرارة في الأذنين والبرودة في المنخرين ، والعذوبة في الشفتين ؟ قال : لا ، قال ابن ليلى : قلت جعلت فداك فسر لنا جميع ما وصفت.
قال (علیه السلام) : حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، إن الله خلق عيني ابن آدم من شحمتين ، فجعل فيهما الملوحة ، ولولا ذلك لذابتا .فللملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى . وجعل المرارة في الأذنين حجاباً من الدفاع ، فليس من دابة تقع فيه إلا التمست الخروج ، ولولا ذلك لوصلت الى الدماغ. وجعلت العذوبة في الشفتين منا من الله عز وجل على بن آدم ، يجد بذلك عذوبة الريق ، وطعم الطعام والشراب.
وجعل البرودة في المنخرين لئلا تدع في الرأس شيئاً إلا أخرجته . قلت : فما الكلمة التي أوّلها كفر ، وآخرها إيمان ، قال (علیه السلام) : قول الرجل لا إله إلا الله ، فأولها كفر، وآخرها إيمان ، ثم قال : يا نعمان إيّاك والقياس ، فقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) انه قال : من قاس شيئاً بشيء ، قرنه الله مع إبليس في النار ، فإنه أول من قاس على ربّه ، فدع الرأي والقياس ، فإن الدين لم يوضع بالقياس وبالرأي(1)
ص: 95
حتى متى يا نفس تغترين بالأمل الكذوب***يا نفس توبي قبل أن لا تستطيعى أن تتوبي
واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب ***إن الحوادث كالرياح عليك داهية الهبوب
والسعي في طلب التقى من خير مكسبة الكسوب
قال أبان بن تغلب : دخلت على إمرأة ، وقد نزل على إبنها الموت فقامت اليه فغمضته ، وسجته ، ثم قالت : يا بني ، ما جزع فيما لا يزول ، وما البكاء فيما يزول غداً ، يا بني ، تذوق ما ذاق أبوك ، وستذوقه من بعدك أمك ، وإنّ أعظم الراحة لهذا الجسد النوم ، والنوم أخ الموت ، فما عليك إن كنت نائماً على فراشك ، أو على غيره ، وإن غداً السؤال ، والجنة والنار ، فإن كنت من أهل الجنة فما ضرّك الموت ، وإن كنت من أهل النار فما تنفعك الحيوة ، ولو كنت أطول الناس عمراً ، والله يا بني ، لولا أن الموت أشرف الأشياء لأبن آدم، لما مات نبيّه ، وأبقى عدوه إبليس .
قال ذو النون المصري : كنت في الطواف ، فإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا ، وأنشأت إحداهما تقول شعرا :
صبرت وكان الصبر غير عطية*** وهل جزع مني بمجدي فأجزع
ص: 96
صبرت على ما لو تحمّل بعضه ***جبال برضوى أصبحت تتصدع
ملكت دموع العين ثم رددتها ***إلى ناظري والعين في القلب تدمع
فقلت : ممن هذا يا جارية ؟ فقالت : من مصيبة نالتني لم تصب أحداً قط . قلت : وما هي ؟ قالت : كان لي شبلان يلعبان أمامي ، وكان أبوهما ضحى بكبشين ، فقال : أحدهما لأخيه ، يا أخي أراك كيف ضحى أبوك بكبشه ، فقام وأخذ شفرة ونحره ، وهرب القاتل ، فدخل والده فقلت : إن إبنك قتل أخاه وهرب ، فخرج في طلبه ، فوجده قد إفترسه السبع ، فرجع الأب ، فمات في الطريق عطشاً وجوعاً .
فقد جائنا عن سيد الخلق أحمد (صلّی الله علیه وآله وسلم)*** ومن كان براً بالعياد وواصلاً
بأن الذي في الحبّ يكتم وجده ***يموت شهيداً في الفراديس نازلاً
وماذا كثيراً للذي مات مغرماً ***سقيماً عليلاً بالهوى متشاغلاً
قال أبو قدامة الشامي : كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات ، فدخلت بعض البلدان ، فدعوت النّاس ، ورغبتهم بالجهاد ، وذكرت فضل
الشهادة ، وما لها من الأجر ، ثم تفرق الناس ، وركبت فرسي إلى منزلي فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس ، تنادي يا أبا قدامة فمضيت ولم أجب فقالت : ما هكذا كان الصالحون ، فوقفت ، فجاءت فدفعت الي رقعة ،وخرقة مشدودة ، وانصرفت باكية ، فنظرت في الرقعة فإذا فيها مكتوب
أنت دعوتنا إلى الجهاد ، ورغبتنا في الثواب ، ولا قدرة لي على ذلك ، فقطعت أحسن ما في ، وهما ضفيرتاي ، وأنفذتها إليك لتجعلهما قيد فرسك ، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي ، فلما كان
ص: 97
صبيحة القتال ، فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسراً ، فتقدمت اليه ، فقلت یا فتی :غلام عزّ راجل ، ولا امن أن تحول الخیل فتطاک
بأرجلها ، فارجع عن موضعك هذا . فقال : أتأمرني بالرجوع ، وقد قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار) (1)وقرأ الآية إلى آخرها ، فحملته على هجين كان ، فقال : يا أبا قدامة ، أقرضني ثلاثة أسهم ، فقلت هذا وقت قرض ، فما زال يلح علي حتى قلت : بشرط إن منّ الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك ، قال : نعم ، فأعطيته ثلاثة ، فوضع سهماً في قوسه ورمى به ، ورمى به ، فقتل رومياً ثم رمى بالآخر فقتل روميّاً ، وقال : السلام عليك يا أبا القدامة سلام مودّع ، فجائه سهم فوضع بين عينيه ، فوضع رأسه على قربوس سرجه ، فقدمت اليه ، فقلت : لا تنسها ، فقال : نعم ، ولكن إليك حاجة ، إذا دخلت المدينة ، فأتِ والدتي ، وسلّم خرجي إليها ، وأخبرها ، فقلت : من الوالدة ؟ قال : هي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك ، وسلّم عليها ففي العام الأول أصيبت بوالدي ، وفي هذا العام بي ، ثم وفي هذا العام بي ، ثم مات ، فحفرت له ودفنته ، فلمّا هممت بالإنصراف عن قبره ، قذفته الأرض فألقته على ظهرها ، فقال أصحابه : غلام عز ولعله خرج بغير إذن أمّه ، فقلت : إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا ، فقمت وصليت ركعتين ، ودعوت الله فسمعت صوتاً يقول : يا أبا قدامة اترك ولي الله . فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته ، فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي . فلما رأتني عادت إلى أمها ، وقالت : يا أما هذا أبو قدامة ، وليس معه أخي ، وقد أصبنا في العام الأول بأبي ، وفي هذا العام
ص: 98
بأخي ، فخرجت أمه فخرجت أمه ، فقالت فقالت : أمُعَزِ أم مُهَنِّ ؟ فقلت ما معنى هذا ؟ قالت : إن كان مات فعزّني وإن كان قد استشهد فهنئني . فقلت : لا بل مات شهيداً . فقالت له علامة فهل رأيتها ؟ قلت : نعم ، لم تقبله الأرض ، ونزلت الطيور ، فأكلت لحمه ، وتركت عظامه عظامه ، فدفنتها فقالت : الحمد لله ، فسلمت إليها الخراج ، وأخرجت منه مسحاً وغلا من حديد ، وقالت : إنه كان إذا جنّه الليل لبس هذا المسح ، وغلّ نفسه بهذا الغل ،وناجي مولاه ، وقال في مناجاته : إلهي أحشرني في حواصل الطيور ، فاستجاب الله سبحانه دعائه، والحمد لله .
حسب المحبين في الدنيا بأن لهم ***من ربهم سببا يدنى الى سبب
قوم جسومهم في الأرض سائرة ***وإن أرواحهم تختال في الحجب
إن أسماء بنت عميس لما جاءها خبر ولدها محمد ولدها محمد بن أبي بكر أنه قتل وأحرقت بالنار في جيفة حمار ، قامت إلى مسجدها ، فجلست فيه فكظمت الغيظ حتى شخب ثدياها دماً .
محن الفتى تخبرن عن فضل الفتى*** كالنار مخبرة بفضل العنبر
أتصبر للبلوي عزاءً وحسبة***فتوجر أم تسلو سلو البهائم
خلقنا رجالاً للتّجلد والأسى ***وتلك الغواني للبكاء والمآتم
ص: 99
إن جابر الأنصاري لما أضاف النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، وأصحاب يوم الخندق ، كان له كبش ذبحه لهم ، وكان له إبنان ، كان أصغرهما حين ذبحه غائباً ، فلما جاء ولم ير الكبش ، سأل أخاه عنه ، قال : ذبحه أبوك لضيافة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، قال : جئني حتى أبين لك ، فأخذ بيده ، وأذهبه إلى السطح الذي ذبح أبوه الكبش فيه ، فشدّ يديه ورجليه ، وقال له : هكذا ذبحه وقطع رأسه ، فلمّا جرى الدم خاف خوفاً شديداً ، وأراد الفرار لئلا تراه أمه على ذلك ، فشرع فيه ، فسقط من السطح العالي في المعبر ، وكانت الأم - حينئذ - مشغولة بطبخ الخبز ، فسمعت صوتاً فخرجت لأن ترى ما هو وما وقع ، فرأت الدم يجري من الميزاب ، فتأوهت ، الى طرف السطح لأن تفحص عن إبنها الكبير ، فرأته قد سقط ومات ، فنزلت من السطح واستمدت من جاريتها ، وقالت : قد وقعت وقعة عظيمة يجب أن تسترها ، فسارعت إلى نعشين وأدخلتهما البيت وأخفتهما ، واشتغلت بأمرها ، فلمّا دخل رسول الله مع سبعمائة نفر من أهل المدينة ، وأرادوا طعاماً ، نزل جبرئيل ، وقال : يا رسول الله إن الله يقرئك السلام ويقول : لا تأكل حتى يحضر عليه إبنا جابر ، فقال لجابر : أمرني الله أن لا نأكل حتى يحضر إبناك على الطعام أحضرهما ، فسأل جابر زوجته عنهما ، فقالت : خرجا من البيت ، فخرج جابر وتفحص عنهما كثيراً فلم يجدهما ، فرجع وقال له (صلّی الله علیه وآله وسلم) : بالغت في طلبهما فلم أجدهما ، فنزل جبرئيل وأخبر النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) بالقصة ، وصبر أمهما . وقال له : إبشرها بالجنة ، وقل : أن يحضر وهما ، وأدع الله أن يحييهما حتى يشاركاكم في الأكل والطعام ، فأمر
ص: 100
النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) جابر فأحضرهما ، ودعا (صلّی الله علیه وآله وسلم) وآمن أمير المؤمنين (علیه السلام) فصارا حيين ، واشتغلا بأكل الطعام معهم (1).
الحكم لله ما للعبد منقلب ***إلا إليه ولا عن حكمه هرب
والمرء إن عاش في الدنيا أخو محن*** تصيبه الحادثات السود والنوب
فإن يساعده في أثنائها فرج*** تسارعت نحوه في إثره كرب
حتى إذا ملّ من دنياه فاجأه ***في أرضه كان أو في غيرها العطبُ
باع العدو
هم هذا «باع» أن تعمى البصائر*** أن يداس الحق . . أن تلغى الضمائر
أن يصير الدين من أحدى الستائر*** أن يرام الشعر في هجو الحرائر
ويموت الثار ... إلا في العشائر
لا يتوقف النجاح في التجارة على فرط الذكاء وكثرة المواهب ، بل على سلامة الذوق ، والأعتناء في العمل، والمواظبة عليه ، وحسن المعاملة
وصدق الأمانة والنصيحة ، وترك الخيانة .
اشاعة المعروف
بُت الصنائع لا تحفل بموقعها*** من آمل شكر الإحسان أو كفرا
فالغيث ليس يبالي أينما انسكبت *** منه الغائم ترباً كان أو حجرا
ص: 101
قال أحد الأطباء : إن الضيوف يشعروننا بالسعادة دائماً ، فبعضهم يجعلنا نشعر بها عند قدومهم ، وبعضهم يشعرنا بها عند ذهابهم.
يا نفس لا تجزعي من شدة عظمت ***وأيقني من إله الخلق بالفرج
كم شدة عرضت ثم انجلت ومضت ***من بعد تأثيرها في المال والمهج
قال معاوية بن قرة : كان أبو طلحة يجب إبنه حباً شديداً ، فمرض فخافت أم سليم على أبي طلحة الجزع، حين قرب موت الولد ، فبعثه إلى النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) فلما خرج أبو طلحة من داره ، توفي الولد فسبحته أم سليم ولفته بثوب وعزلته في ناحية من البيت ، ثم تقدمت إلى أهل بيتها ، وقالت لهم: لا تخبروا أبا طلحة بشيء ، ثم إنها صنعت طعاماً ، ثم مست شيئاً من الطيب ، فجاء أبو طلحة من عند رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، فقال : ما فعل إبني ؟ فقالت له : هدأت نفسه ، هو أسكن مما كان فيه ، وكنت بذلك عن الموت ، ثم قال : هل لنا ما نأكل ؟ فقامت وقربّت إليه الطعام تعرّضت له . فوقع عليها . فلما اطمئن قالت له : يا أبا طلحة إن آل فلان استعاروا عارية تمتعوا ، فلما طلبت منهم . عليهم ذلك ، فقال : سبحان الله ، لا ، فقالت : إبنك كان عندنا وديعة فقبضه الله تعالى ، قال أبو طلحة : فإني أحق منك بالصبر ، ثم قام من مكانه ، فاغتسل وصلى ركعتين ، ثم انطلق الى رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، فأخبره بصنيعتها ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : بارك الله لكما في وقعتكما.(1)
ص: 102
إن المصائب ما تعدت دينه *** من نعم وإن صعبت عليه قليلا
هل تملكون لدينه ويقينه ***وجنانه و بیانه تبدیلا
نقل عن سيد الأجل رضى الدين (رض) : إنه قال : طلب مني الخليفة أن أكون قاضياً ، أفصل دعاوى الحكومات بين الخلق ، فقلت لهم : يا عباد الله وقعت دعوى بين عقلي وهواي ، وأرادا مني المحاكمة ، فلما حضرا عندي ، قال عقلي : إني أريد أن أسلك بك طريق الجنةولذاتهاوقال هواي : الآخرة نسية ، وأنا أريد أن أمتعك باللذات الحاضرة فطلبا مني ، العدل بالحكومة فأحكم يوماً للعقل ، وأياماً للهوى ، فهما مقيمان على النزاع والتجارب منذ خمسين سنة ، وربما إشتد الأمر بينهما فمن لم يقدر على الحكم ، والفصل في قضية واحدة ، كيف يقدر على قطع الدعاوى المختلفة التي لا تبين الطريق إليها ، فقلت لهم : انظروا من إتفق عقله وهواه في طاعة الله ، وتفرّغ من مهماته فاجعلوه قاضياً بينكم.
لا تهاد القضاة كي تظلم الخَصم*** ولا تذكرن ما تهديه
إن من أقبح المعايب عاراً*** أن يمن الفتى بما يُسديه
العيش ثقل ، وقاضي الأرض ممتَحن ***يضحي ونصف خصوم المصر يشكونه
زکوه دهراً ، فلما صار قاضيهم ***واستعمل الحق عادوا لا يزكونه
ص: 103
قال الصادق (علیه السلام) : القضاة أربعة : ثلاثة في النار ، وواحد في الجنة : 1 - رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار . 2 - رجل قضى بجور ، وهو لا يعلم فهو في النار . 3 - ورجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار . 4 - ورجل قضى بحق وهو يعلم فهو في الجنة(1)
قاض يرى الحد في الزّناءِ ولا ***يرى على من يلوط من بأس
قاض يجور على الضعيف وربّما ***لقی القوي بمثل حلم الأحنف
لعبت بطلعته الرشا لعب الرّشا ***بفؤاد خفاق الجوانح مذنف
من كلام أمير المؤمنين (علیه السلام) ذم بعض القضاة الذي يقضي بغير علم . فقال (علیه السلام) : فهو خائض عشوات ، ركاب شبهات ، خبّاط جهالات ، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ، تبكي منه المواريث ، وتصرخ منه الدعاء ، ويستحل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرم به الحلال(2) .
ص: 104
إذا خان الأمير وكاتباه ***وقاضي الأرض داهن بالقضاء
فويل ثم ويل ثم ويل ***لقاضي الأرض من قاضي السماء
في ملحقات كتاب الفتن للسيد بن طاوس (رض) ما هذا الفظه .فصل ومن المجموع . قال الشريح القاضي : كنت أقضي لعمر بن الخطاب فأتاني يوماً رجل ، فقال : يا أبا أمية ، إن رجلاً أودعني إمرأتين ، إحداهما حرّة مهيرة ، والأخرى سرية ، فجعلتهما في دار ، وأصبح اليوم قد ولدتا غلاماً وجارية ، وكلتاهما تدَّعي الغلام ، وتنتفي من الجارية ، فاقض بينهما بقضائك ، فلم يحضرني شيء فيهما ، فأتيت عمر فقصصت عليه القصة ، فقال : فما قضيت بينهما ، قلت : لو كان عندي قضائهما ما آتيتك فجمع عمر جميع من حضره من أصحاب النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) وأمرني فقصصت عليهم ما جئت به . وشاورهم فيه ، وكلّهم ردّوا الرأي إلي وإليه ، فقال عمر :لکنی أعرف حيث مفزعها ، واين منتزعها ، قالوا : كأنك أردت ابن أبي طالب . قال : نعم ، وأين المذهب عنه ، قالوا : فابعث إليه يأتك ،فقال : لا ، له شمخه من هاشم ، وأثره من علم يؤتى لها ، ولا يأتي ، وفي بيته يؤتى الحكم ، فقوموا بنا اليه ، فأتينا أمير المؤمنين ، فوجدناه في حائط له ، يركل فيه على المسحاة ، ويقرأ (أتحسب الانسان أن يترك سدى)(القيامة (75) ويبكي ، فأمهلوه حتى سكن ، ثم إستأذنوا عليه ، فخرج إليهم، وعليه قميص قد نصف إردائه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما جاء بك ؟ فقال : أمر عرض . وأمرني فقصصت عليه القصة ، فقال : فيما حكمت فيها ؟ قلت : لم يحضرني فيها حكم ، فأخذ بيده من الأرض شيئاً ، ثم قال : الحكم فيها أهون من هذا ، ثم استحضر المرأتين وأحضر قدحاً ،
ص: 105
ثم رفع على أحديهما ، فقال : إحلبي فيه ، فحلبت فيه ، ثم وزن القدح ودفعه إلى الأخرى فقال : إحلبي فيه فحلبت فيه ، ثم وزنه ، فقال : لصاحبة اللبن الخفيف خذي ابنك ، وقال لصاحبة اللبن الثقيل : خذي ابنتك ، ثم التفت الى عمر ، فقال : أما علمت أن الله تعالى حطّ المرأة عن . الرجل ، فجعل عقلها ، وميراثها دون عقله وميراثه ، وكذلك لبنها دون لبنه . فقال له عمر : لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ، ولكن قومك أبوا فقال خفّض عليك يا أبا حفص (إن يوم الفصل كان ميقاتا)(1).
(النبا / 78).
إذا شئت أن تقتاس أمر قبيلة ***وأحلاقها فانظر إلى من يقودها
ومن کان في الأشياء يحكم بالحجى ***تساوى لديه من يحِبُّ ومن يقلى
لقد صدئت أفهام قوم فهل لها ***صقال ويحتاج الحسام الى صقل
يسوسون الأمور بغير عقل ***فينفذ أمرهم ويقال ساسة
فافّ من الحياة وإنّ مني*** ومن زمن رئاسته خساسة
كتب حكيم الى أخ له : يا أخي إياك والأخوان الذين يكرمونك بالزيارة لينقصوك يومك ، فإذا ذهب يومك ، فقد خسرت الدنيا والآخرة .
ص: 106
وفي خبر أن يعقوب لمّا قال : أسفاً على يوسف ، أوحى الله أن يا يعقوب إلى متى تذكر يوسف ، أيوسف خلقك ، ورزقك ؟ وأعطاك النبوة ؟ فبعزّتي لو كنت ذكرتني ، واشتغلت بي عن ذكر غيري ، لفرحتك في ساعتي ، فعلم يعقوب أنه مخطىء في ذكر يوسف ، فقال : إلهي لو ضربتني بسوطك هذا في أوّل اليوم لما أفنيت عمري في البطالة.
المرء نصب مصائب لا تنقضي ***حتى يواري جسمه في رمسه
فمؤجل يلقي الردى في أهله***ومعجل يلقي الردى في نفسه
قال بعض الأكابر : فوت الوقت أشدّمن فوت الروح ، لأن الروح انقطاع عن الخلق ، وفوت الوقت انقطاع عن الحق .
قال بعض الحكماء : أيام العمر أقصر من أن تصرفها فيما لا يعنيك في آخرتک.
قيل لشيخ يتأسف في حال نزعه ، كل نفس ذائقة الموت لم تتأسف ؟قال : تأسفي على أنفاس كنت فيها نائماً ، وعلى أيام كنت فيها آكلا ، وعلى ساعات كنت فيها غاقلا .
ولنعم ما قيل : من ضيع أيام حرثه ، ندم أيام حصاده ه.
ص: 107
وقيل لراهب يبكي ما الذي أبكاك ، قال : ذكرت يوماً مضى من أجلي لم يحسن فيه عملي.
ماذا قضيتم ليلكم بمنامكم*** وأفنيتم آیامکم بمدام
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمّة*** ومن ذا الذي يلقاكم بسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة*** بلثم غلام أو بشرب مدام
ألم تعلموا أن اللسان موكل*** بمدح كرام أو بذم لئام
سئل بعض الوعاظ ، وهو على منبر : كيف شعر علي (علیه السلام) بالسائل مع كونه في صلاته ، مستقراً في إقبال على الله بكليته فأنشد : يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته*** عن النديم ولا يلهو عن الكأس
أطاعه سكره حتى تحكّم من ***فعل الصحاة فهذا أفضل الناس
قال بعض الحكماء : إذا ولّيت ولاية ، فإياك أن تستعين في ولايتك بأقاربك ، فتبتلي بما ابتلی به عثمان بن عفان ، واقض حقوقهم بالمال لا بالولاية .
أكل رجل عند معاوية : فرأى على لقمته شعرة . فقال : خذ الشعرة من لقمتك ، فقال : وأنت كنت تلاحظني ملاحظة من يرى شعرة ؟! والله
لا أؤاكلك بعدها أبداً .
ص: 108
وأكل آخر مع معاوية : وجعل يمزق جديّاً على الخوان تمزيقاً عنيفاً ويأكله أكلاً ذريعاً (مفرطاً) فقال له معاوية : إنك لغضوب عليه ، كأن أمه نطحتك فقال : إنك مشفق عليه كأن أمه أرضعتك .
إن بعض الأعراب في البادية أصابته حمى في أيام القيظ ، فأتى الأبطح وقت الظهيرة فتعرى في يوم شديد الحر ، وطلا بدنه بزيت وجعل يتقلب في الشمس على الحصباء ، ويقول : سوف تعلمين يا حمى ما نزل بك . وبمن ابتليت ، عدلت عن الأمراء ، وأهل الثراء ، ونزلت بي . وما زال يتمرغ حتى عرق وذهبت حماه ، وقام ، فسمع في اليوم الثاني قائلا : قد حمّ الأمير بالأمس ، فقال الأعرابي : أنا والله بعثتها اليه ثم ولاّ هارباً
ورد في بعض الأدعية : نعوذ بالله من جار سوء ، عينه تراني ، وقلبه یرعاني ، إن رأى حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها .
رب من ترجو به رفع الأذى*** سوف يأتيك الاذی من قبله
قيل لرجل : فلان يضحك منك ، فقال : ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ).
وذي سفه يواجهني بجهل ***فأكره أن أكون له مجيبا ی
یزید سفاهة وأزيد حلماً ***کعود زاده الأحراق طيبا
ص: 109
قال المنصور : الناس يزعمون أني بخيل ، وما أنا ببخيل ، ولكن لما رأيت الناس عبيداً للمال ، جمعته ليكونوا عبيداً لي.
يا جامع المال كله قبل اکله*** فإنما المال في الدنيا لمن أكلا
أنت المجازي الى ما بت تجمعه*** فاسبق إليه صروف الدهر والأجلا
إن تُبقِ مالك حيناً لم تبق له ***إما بطلت فناءً عنه أو بطلا
أما الكريم فيمضي مالُه معه ***ويترك المال للأعداء من بخلا
قال بعض الأعراب لابن عباس : من يحاسب الناس يوم القيامة ؟ فقال : يحاسبهم الله تعالى ، فقال الأعرابي : نجونا إذا ورب الكعبة ، فقيل : وكيف ؟ قال : إن الكريم لا يدق في الحساب .
قال الراغب في المحاضرات : إن بعضهم رأى ببغداد مكفوفاً ، يقول : من أعطاني فلساً سقاه الله من يد معاوية ، قال : فتبعته متى خلوت به
فلطمته ، وقلت : عزلت أمير المؤمنين (علیه السلام) عن الحوض ؟ فقال : تريد أن أسقيهم على يد أمير المؤمنين (علیه السلام) بفلس ، لا يكون والله ذلك .
سأل بعض المغفلين بعض الفقهاء : قال : إذا دخلت النهر لأغتسل فوقوفي بأي جانبي النهر أفضل ؟ فقال الفقيه وكان ظريفاً : قف في جانب فيه ثيابك ، لئلا تسرق .
ص: 110
قال رجل لابن سيرين : رأيت بيدي خاتماً ، وأنا أختم أفواه الرجال ، وفروج النساء ، فقال : أمؤذن أنت ؟ قال : نعم ، قال : فلم تؤذن في رمضان قبل طلوع الفجر، فيمتنع الناس لأذانك.
مر بعض الصوفية ببغداد وإذا بسوقي ينادي ، الخيار عشرة بدرهم فلطم الصوفي وجه نفسه ، وقال : إذا كان الخيار عشرة بدرهم فكيف
بالأشرار .
ذهب الوفاء من الذين عهدتهم ***لم يبق إلا شامت أو حاسد
وإذا صفا لك من زمانك واحد*** فهو المراد ، وأين ذاك الواحد
غضب كسرى على بعض أمرائه ، فأشاروا عليه بقطع عطائه فقال : يعزل عن مرتبته ، ولا ينقص من صلته شيء ، فإن الملوك تؤدب بالهجران ، ولا تعاقب بالحرمان .
والله لو كانت الدنيا بأجمعها***تبقى علينا ويبقى رزقها رغداً
ما كان من حق حرّ أن يذلّ لها ***فكيف وهي متاع تضمحلّ غداً
سر تبدو وإن تبد إستعلن ***مکنون سرير سرّه واستكمن
والناس رضوا بظلمة موحشة ***كم قلت وكم أقول لكن مع من
ص: 111
روي أن عيسى (علیه السلام) مر برجل أعمى وأبرص ، مقعد مضروب الجنين بالفالج وقد تناثر لحمه من الجذام ، وهو يقول : الحمد لله الذي عافاني مما إبتلى كثيراً من خلقه ، فقال له عيسى (علیه السلام) : يا هذا ، وأي شيء من البلاء أراه مصرفاً عنك ؟ فقال : يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه . ما جعل في قلبي من معرفته ، فقال : صدقتهات يدك ، فناول يده ، فإذا هو من أحسن الناس وجهاً وأفضلهم هيئة ، قد أذهب الله عنه ما كان ،فصحب عيسى (علیه السلام) ولم يزل معه(1)
لا تمزحن الرجال إن مزحوا ***لم أر قوماً تمازحوا نجحوا
فالجرح جرح اللسان تعلمه***وربّ قول یسیل منه دم
(393)قولأحد الحكماء :
كان بعض الحكماء كثيراً ما يقول : لا تجعلوا قلوبكم التي هي معابر الملائكة قبوراً للحيوانات الهالكة .
(394) شعر لاحمد بن عبد العزيز :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة***وليلك نوم والردى لك لائم
وتكدح فيها سوف تنكر غيّه*** كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وكان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما ينشد هذين البيتين ويتمثل بهما .
ص: 112
وبتنا على رغم الزمان وبيننا ***حدیث کريح المسك شيب به الجمر
فلما أضاء الصبح فرق بيننا ***وأي نعيم لا يكدّره الدّهر
قال أحد العظماء : مثل أصحاب السلطان كمثل قوم رقوا جبلا ثم وقعوا منه ، فكان أبعد في المرقى أقربهم الى التلف .
قال بعض العارفين : إذا استوت سريرة الرّجل ، وعلانيته فلذلك نصف ، وإن كانت سريرته أحسن من علانيته ، فذلك الفضل ، وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الهلاك . (وقد قيل في ذلك) :
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى ***فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا
وإن فضل الإعلان سرا فما له ***علا سعيه فضلا سوى الكدّ والعنا
قال بعض الأدباء : كنت بمجلس لبعض أمراء بغداد ، وبين يديه طبق فيه لوز ، دخل عليه مجنون حلو الكلام ، فقال : أيها الأمير ما هذا ؟
(إن إلهكم لواحد )(الصافات الآية 4)فرمى إليه بواحدة ، فقال : (إذ أرسلنا إليهم اثنين) (يس / 14) فشفعها بأخرى ، فقال : (فعززناه بثالث) فأعطاه ثالثة ، فقال : فخذ أربعة من الطير) (البقرة/ (260) فألقى إليه رابعة ، فقال : (ويقولون خمسة وسادسهم كلبهم) (الكهف/ 22) فدفع إليه خامسة فقال : (في ستة أيام) (الأعراف / 54) فجعلها ستة ، فقال : (سبع سماوات طباقا) (الملك /2) فصيرها سبعة . فقال : (ثمانية أزواج)
ص: 113
(الزمر / (6) فأمر له بالثامنة ، فقال : (تسعة رهط (النمل/ 48) فأتم له ، فقال :( تلك عشرة كاملة) (البقرة/ 196) فأكملها بعاشرة فقال : (أحد عشر كوكباً) (يوسف / 4) فزاد على العشرة واحداً ، فقال : (إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً) (التوبة / 26) فكمل له إثني عشر ، فقال :(إن يكن منكم عشرون صابرون) (الأنفال/ (65 )فوصله الى العشرين ، فقال : (يغلبون مائين) (الأنفال (65) فأمر برفع الطبق إليه ، فقال : لو لم تفعل ذلك لقرأت لك (فأرسلنا الى مائة ألف أو يزيدون) .
(الصافات / 147)
قامت تودّعني والدمع يقلبها*** كما يميل نسيم الريح بالغصن
وأعرضت ثم قالت وهي باكية *** يا ليت معرفتي إياك لم تكن
قلت أهلا وسهلا بسرور ***حين وافى ونلت منه حبورا
وسباني بنظرة من رناة*** فتلقيت نضرة وسرورا پ
كان أحد الملوك يلعب الحمام ، فتسابق مع خادم له ، في بعض قرى مصر ، وأرسل ملك الى وزيره بمصر يستكشف منه السابق منها ، فكره الوزير أن يكتب أن طير الخادم هو السابق ، ولم يدر كيف يكتب ، فقال له كاتبه اكتب :
يا أيها المولى الذي جده*** لكل جد قاهر غالب
طايرك السابق لكنّه ***أتى وفي خدمته حاجب
ص: 114
قال رجل : رأيت أعرابياً كان يعشق إمرأة من العرب ، وكان مغرماً بها فخرجت الى الصحراء ، فبالت ، فاقتفى الأعرابي أثرها ، وأنا أنظر ، فوضع خشفته في بولها ، وقال : يا ميشوم إن فاتك اللحم فاشرب المرقة فضحكت من قوله .
يا موقد النّار بالزناد ***وطالب الجمر في الرماد
دع عنك شكاً وخذ يقيناً***واقتبس النار من فؤاد
قال ابن عامر لمعاوية إن لي إليك حاجة فقال : لحاجة ، قال : نعم ، قال : أن تهب لي دارك بعرفة ، قال : وهبت ، ثم قال معاوية ، وصلت الرحم ، قال : فما حاجتك ، قال : أن تردها ، قال رددتها .
فلایغرنکم علو لئيم*** فعلو لايستحق سفال
وارتفاع الغريق فيه فضوح***وعلوّ المصلوب فيه نكال
لعمرك ما الأنسان إلا ابن سعيه*** فمن كان يسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهمة العليا يرقى إلى العلا*** فمن كان أعلى همة كان أشهرا
ولم يتأخر من يريد تقدماً***ولم یقتدم من یرید تأخرا
ص: 115
سئل زين العابدين (علیه السلام) عن أفضل الأعمال : فقال : أن تقنع بالقوت ، وتلزم السكوت ، وتصبر على الأذيّة ، وتندم على الخطيئة.(1)ومن كلامه : من لزم الصمت هابته العيون.. وحسنت فيه الظنون
عن الكليني عن أبان بن تغلب ، قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : أخبر عن حق المؤمن : قال : يا أبان ، دعه لا ترده ، قلت بلى جعلت فداك ، فلم أزل أردّد عليه ، فقال : يا أبان ، أما أن تقاسمه شطر مالك ، ثم نظر إلي ، فرآى ما دخلني فقال : يا أبان أما تعلم أن الله عز وجل قل ذكر ا الموثرين على أنفسهم ، فقلت ، بلى جعلت فداك ، فقال : إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد ، إنما أنت وهو سواء ، إنما تؤثره ، إذا أعطيته من النصف الأخر (2).
في بعض التواريخ: إن بعض الولاة الحجاج قدم عليه ، فتقدم ليقبل يده فقال : لا تفعل فأنى دهنتها بدهن قسط ، فقال : لو كان مدهونة
بالغائط لقبلتها .
في كتاب روح النديم ، أن نصر بن مقبل كان عاملا للرشيد على الرقة ، فأتى بشاة مع رجل شهد بأنه أتاها ، فقال : أقيموا عليها الحد
ص: 116
فقالوا هي البهيمة ، فقال : أنا لا أعطل الحدود ، ولو كان أمي ، أو أختي ، لأقمت عليها الحد ، ولم تأخذني في الله لومة لائم .
في كتاب لسان المحاضرات : أتى بعض السوقة برجل إلى أبي حنيفة ، وقالوا : وجدنا معه طنبورا ، فأقم عليه الحد ، فقال لهم : لاحد عليه ، فقال : وكيف ذلك ، وقد وجدنا معه آلة الفسق ، فقال أبو حنيفة : كل واحد منكم معه آلة الزنا ، فهل يجب عليكم الحد ، فانقطعوا وانصرفوا .
دخل أحد المجانين إصفهان على الأمير ، قال الأمير : كيف حالك ؟ قال : أعز الله الأمير ، كيف حال من الغايط أكرم على الناس منه ، قال : كيف ذلك ، قال : هو كذا يحملون الغايط على حمير فرة ، وأنا أمشي راجلاً .
قال الشيخ العارف نجم الدين : الفقر على ثلاثة أصناف .
1-الفقر إلى الله دون غيره .
2 - الفقر إلى الله مع غيره .
3- الفقر الى الغير دون الله .
وقد أشار النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) إلى الأول بقوله (صلّی الله علیه وآله وسلم) الفقر فخري ، وإلى الثاني بقوله : كاد الفقر أن يكون كفرا ، وإلى الثالث : الفقر سواد الوجه في الدارين(1)
ص: 117
قال الحجاج ليحيى بن سعد : إنّك تشبه إبليس ، فقال : وما ينكر الأمير أن يكون سيد الأنس ، يشبه سيد الجن ، فأعجبه جوابه .
في كتاب روح النديم ، كان زياد بن عبد الله والياً للمدينة ، فأهدى إليه بعض الأعيان المدينة طعاماً كان قد تعوّق فيه ، فوافاه ، قد تغدّى قال : ما هو ؟ قال : طعام أنفذ فلان ، فغضب وقال : يبعث أحدهم في غير وقته ، يا خثيم قل لصاحب الشرطة ، يدع أصحاب الصفة يأكلون هذا الطعام ، فبعث إليهم حرساً ليحضرهم ، فقال رسول صاحب الطعام : أصلح الله الأمير لو أمرت بهذا الطعام ، فكشفت ونظرت إليه ، فأمر فكشف فأذا هو سمك ، ودجاج ، وفراخ ، وحلو ، فأعجبه ، وقال : إرفعوه ، فدخل أصحاب الصفة ، وقال : ما هؤلاء ؟ فقيل : أصحاب الصفة ، فقال : يا خثيم إضربهم عشراً عشراً ، فقد بلغني أنهم يفسون في ويبولون على بابه ، فأخرجهم خثيم ، وقال : إذهبوا فأنه مجنون .
ومالي وجه في اللئام ولايد***ولكنّ وجهي في الكرام عريض
أهش إذا لاقيتهم وكأنني ***إذا أنا لاقيت اللثام مريض
كتب بعض الفقهاء حديثا ولم يكتب أسناده ، فقيل له : هلا كتبت الأسناد ؟ قال : إنما كتبته للعمل لا للسوق .
ص: 118
قال جار الله الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : إن مزيداً قال لأخ له : أريد أن تخرج معي في حاجة في هذا اليوم ، فقال : إنه يوم الأربعاء ،
: فقال مزيد ، ولد فيه يونس ، قال : لاجرم لقد بانت له البركة في إفشاء موضعه في بطن الحوت ، وحسن كسوته من ورق يقطين ، قال : وفيه ولد يوسف (علیه السلام) : قال : فما أحسن ما فعل به إخوته ، حتى طال حبسه ، وغربته ، قال : ففيه أوحى الله إلى إبراهيم ، قال : فما كان الاتون الذي ألقوه فيه ، حتى خلصه الله تعالى منه ، قال : ففيه نصر النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) على الأحزاب ، قال : صدقت : ولكن بعد أن زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب لدى الحناجر .
وحقك ما خضبت مشيب رأسي*** رجاء أن يدوم لي الشباب
ثولكني خشيت يراد منی ***عقول ذوي المشيب فلا يصاب
وقائلة لَما رأت شيب لمتى ***أأستره عن وجهها بخضاب
أتستر عني وجه حق بباطل*** وتوهمني ماء بلمح سراب
شعر :
قالت أرى مسكة الليل البهيم غدت*** كافورة غيرتها صبغة الزمن
فقلت طيب بطيب والتبدل في ***روايح الطيب أمر غير ممتهن
قالت صدقت ولكن ليس ذاك كذا ***المسك للعرس والكافور للكفن
ص: 119
بال فرزدق في البادية عند شجرة . فخرج منه ريح ، وإلى جنبه صبيان من الحي يلعبون ، فأراد أن يعلم هل سمعوا ذلك ، فلما قام ، قال لأحد منهم ما کان حمل هذه الشجرة في عام الأول : فقال : كان نبقاً(1).
وحملت الآن حبقا فخجل الفرزدق .
كان المتوكل يهوي وصيف الخادم ، فخرج يوماً في أحسن زي، فأعجبه ، وقال للفتح بن خاقان ، أتحبه يافتح ؟ فقال : لا أحبه من جهة إنك تحبه ، ولكن أحبه من جهة أنه يحبك .
لم أنس ما عانيته في جماله***وقد زرت في بعض الليالي مصلاه
ويقرأ في المحراب والناس خلفه*** (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله)
فقلت تأمل ماتقول فأنه ***فعالك يا من تقتل الناس عيناه
قال الرشيد لرجل رمى بالزندقة : لأضر بنك حتى تقر ، قال : هذا خلاف ما أمر الله به ، أمر أن يضرب الناس حتى يقروا بالأيمان ، وأنت تضربني لأقر بالكفر فعفى عنه .
لا ترجعن على السّفية خطابه ***إلاجواب تحية حياكها
فمتی تحركه تحرك جيفة ***تزداد نتناً إذ تزيد حراكها
ص: 120
قيل لأبو العيناء : لم إتخذت خصيّاً أسوداً لخدمتك؟ قال : أما الأسود فلئلا أتهم به، وأما الخصى فلئلا يتهم بي .
قال حجازي لابن شبرمة : منا خرج العلم ، قال : نعم ، ولكن لم يعد إليكم.
قال الأصمعي : دخلت البادية ، فأذا أنا برجل قد خرج من خباء وهو يقول :
أيا سحاب طرفي بخير ***وطرفي بخصية واير*** ولا ترينا طرف البظير
فعرفت أن إمرأته أخذها الطلق ، ثم دخل وخرج ، يقول :
قد كنت أرجو أن يكون ذكراً ***فشقها الرّحمان شقّا منكراً
مثل الذي بأمها وأكثرا
إذا ما ستهدف السفهاء عرضى*** ولم يخشو من اللوام نوما
كسوت من السكوت فمى لجاماً ***وقلت نذرت للرحمن صوماً
خمس من كن فيه كن عليه : 1 - النكث ، 2 - البغى ، 3 - المكر - 4 - الخداع 5 - الظلم .
أما النكث : فقد قال الله تعالى (فمن نكث فأنما ينكث على نفسه )(الفتح الآية (10) .
ص: 121
أما البغى : فقد قال الله تعالى (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) (يونس الآية 23) .
أما المكر : فقد قال الله تعالى (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر الآية (10) .
أما الخداع : قال الله( يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون إلا أنفسهم) (البقرة الآية 9) .
أما الظلم : فقد قال الله تعالى (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (البقرة الآية 57 ).
ودعتني يوم الفراق وقالت***وهي تبكي من لوعة الافتراق
وفيه عن عبد الأعلى ، قال : استقبلت أبا عبد الله (علیه السلام) في بعض الطرق المدينة في يوم شديد الحر ، فقلت جعلت فداك : حالك عند الله عز وجل ، وقرابتك من رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم . فقال : يا عبد الأعلى ، خرجت في طلب الرزق لاستغني به عن سؤال مثلك(1) .
رغيف خبز يابس تأكله في زاوية*** وكفّ ماء بارد تشربه من ساقية
وغرفة ضيّقة نفسك فيها خالية*** أو مسجد بمعزل عن الورى في ناحية
تتلوبه صحيفة مستدثرا ببارية ***خير من التيجان في قصر ودار عالية
يا حسنها موعظة فأين أذن واعية
ص: 122
في الكافي عن الصادق (علیه السلام) : إن البطن ليطغى من أكلة . أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل إذا خف بطنه ، وأبغض مايكون العبد إلى الله عز وجل إذا إمتلأ بطنه(1).
قال حمار الحكيم يوماً ***لو أنصف الدهر كنت أركب
لأنني جاهل جاهل بسيط ***وراكبي جاهل مركب مرکب
قال أبو الدرداء : ثلاث أضحكتني ، وثلاث أحزنتني حتى أبكتني فأما الثلاث التي أضحكتني ، فمؤمل والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه .
أوقف صبي في بعض الغزوات ينادي عليه بمن يريد ، في يوم صيف شديد الحر ، فبصرت به إمرأة وهو ينادي عليه . فعدت مسرعة إليه
فأخذته وألصقته إلى بطنها ثم ألقت ظهرها على البطحاء وأجلسته على بطنها تقية الحر ، وتقول : إبني إبني ، فبكى الناس ، وتركوا ما هم فيه ، فأقبل رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) حتى وقف عليهم ، فأخبروه الخبر ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أعجبتم من رحمة هذه إبنها : إن الله أرحم بكم جميعا من هذه بإبنها ، فتفرق المسلمون ، وهم فرحون مستبشرون (2).
ص: 123
العيش ماض ، فأكرم والديك به ***والأم أولى بأكرام وإحسان
وحسبها الحمل والأرضاع تدمنه*** أمران بالفضل نالا كل إنسان
قيل لأحد الملوك ، إن فلاناً يعشق إبنك ، فاقتله ، فقال : إذا قتلنا من يحبنا ، ويبغضنا ، أوشك أن لا يبقى على وجه الأرض أحد باله .
نظر حسن البصري إلى رجل عليه ثياب فاخرة ، وهو على هيئة جميلة ، فقال : ما صنع هذا ؟ قيل يضرط عند الأمراء فيضحكون منه ، فقال ما طلب أحد الدنيا بما يستحقه إلا هذا .
مرّ شيخ على حمار ، يحرك نفسه على ظهره ، كأنه أعجل منه ، منه ، فمر ببعض الضرفاء ، فقال : يا هذا كم من هنا إلى قرية كذا ، قال : ثلاثة فراسخ ، قال : فمتى أبلغها ؟ قال : أما أنت فبعد ساعة ، وأما حمارك فبعد يومين .
فديتك ليس إمساكي لبخل***ولكن لا يفي بالخرج دخلي
وفي طبعي السماحة غير أني ***على قدر الكساء مددت رجلي
حبس بعض الخلفاء شخصا على غير ذنب ، فبقى سنين عديدة ، فلما حضرته الوفاة كتب رقعة ، وقال للسجان : إذا أنامت فأوصلها إلى الخليفة ،
ص: 124
فلما مات أوصلها إلى الخليفة ، فإذا فيه مكتوب ، أيّها الغافل ، إن الخصم قد تقدّم ، والمدعي عليه بالأثر ، والمنادى جبرئيل ، والقاضي لا يحتاج الى بيّنة .
وتجنب الظلم الذي هلكت به***أمم تودّ لو أنها لم تظلم
إياك والدنيا الدنية إنها*** دار إذا سالمتها لم تسلم
قال بعض العارفين لرجل من الأغنياء : كيف طلبك للدنيا ؟ فقال : شديد . قال : فهل أدركت منها ما تريد ؟ قال : لا ، قال : هذه التي صرفت عمرك في طلبها لم تحصل منها ما تريد ؟ فكيف التي لم تطلبها؟
إذا غلب المنام فنبهوني*** فأن العمر ينقصه المنام
فأن كثر الكلام فسكتوني*** فأن الوقت يظلمه الكلام
حكى أن بعض الأرقاء ، كان عند مالك ، يأكل الخاص ، ويطعمه الخشكار ، فاستنكف الرقيق من ذلك ، فطلب البيع ، فاشتراه من يأكل الخشكار ، ويطعمه النخالة ، فطلب البيع ، فاشتراه من يأكل النخالة ، ولا يطعمه شيئاً ، فطلب البيع ، فباعه ، فشراه من لا يأكل شيئاً وحلق رأسه ، وكان في الليل يجلسه ، ويضع السراج على رأسه بدلاً من المنارة ، فأقام عنده ، ولم يطلب البيع ، فقال له النحاس : لأي شيء رضيت بهذه الحالة عند هذه المالك؟ قال : أخاف أن يشتريني في هذه المرة من يضع الفتيلة في عيني عوضاً من السراج .
ص: 125
أيها الظالم مُهلاً أنتَ بالحاكم غرّ ***كل ما ستعذبت من جورِكَ تعذيب وجمرُ
ليس يلقي دعوة المظلوم دونَ الله ستر*** فَخِفِ الله فما يخفي عليه منه سرُ
يجمع الظالم والمظلوم بعد الموت جسرُ ***حيث لا يمنع سلطان ولا يسمعُ عذرُ
أو ما ينهاك عن ظلمات موت ثم قبر*** بعض ما فيه من الأهوانِ فيه لك زجر
وفي رواية أن موسى بن عمران (علیه السلام) قال يوماً : يا رب أريد أن أرى خالص خلقك الذي لا يشتغل بغيرك ، فقال تعالى له : أخرج إلى ساحل البحر الفلاني فخرج موسى إلى البحر فرآى طيراً إلى غصن شجر ، مائلاً إلى البحر ، مشغولا بذكر الرب ، فسأله موسى عن حاله ، فقال : منذ خلقني الله كنت هنا مشغولاً بذكره ، أذكره كل يوم كيت وكيت ، ذكر ينشعب من كل ذكر ألف ذكر ، وقوتي هنا من لذة ذكره تعالى ، فقال له موسی: أفتمنيت من الدنيا شيئاً قط ؟ فقال : لا يا موسى ، ولكن في قلبي منية واحدة ، قال موسى : ما هي ؟ قال : أن أشرب من ماء هذا البحر قطرة ، فتعجب موسى من قوله ، وقال : أيها الطير ليس بين منقارك وبين الماء مسافة ، لم لا تضربه على الماء ؟ قال : أخاف أن يمنعني لذته لذة ذكر ربّي ، وأن يشغلني عن ذكره تعالى ، هذه اللحظة، فضرب موسى يده على رأسه تعجباً (1)
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت*** ولم ينهها نافت إلى كل باطل
وساقت إليه الأثم والعار بالذي*** رعته اليه من حلاوة عاجل
ص: 126
الدهر ساومني عمري فقلت له*** ما بعت عمري بالدنيا وما فيها
ثم اشتراه بتدريج بلا ثمن ***تبت يدا صفقة قد خاب شاريها
استأجر رجل حمالا ليحمل قفصاً فيه قوارير على أن يعلّمه ثلاث خصال ينتفع بها ، فلما بلغ ثلث الطريق ، قال : هات الخصلة الأولى :فقال : من قال لك : إن الجوع خير من الشبع فلا تصدّقه ، فقال : نعم ، فلما بلغ نصف الطريق قال : هات الثانية ، فقال : من قال لك : إن المشي خير لك من الركوب فلا تصدقه ، قال : نعم ، فلما انتهي إلى باب الدار ،قال : هات الثالثة قال : من قال لك : أنه وجد حمالا أرخص منك منك ، فلا تصدقه . فقال : نعم ، فرمی الحمال القفص فكسر جميع القوارير ، وقال : من قال لك : أنه بقى في القفص قارورة واحدة فلا تصدقه .
لا يحسن الحلم إلا في مواطنه*** ولا يليق الوفا إلا لمن شكرا
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : العلم وديعة الله في أرضه ، والعلماء أمناؤه عليه ، فمن عمل بعمله أدى أمانته ، ومن لم يعمل بعلمه كتب في ديوان من الشاب ليها بعدالخائنين (1).
ص: 127
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) المسلم أخ المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله عز وجل في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن سرّ مسلما سرّه الله تعالى يوم القيامه(1) .
وما شرف الانسان إلا بنفسه ***وأن خصّه جد شريف ووالد
إذا كان كل الخلق أبناء آدم ***فأفضلهم من فضلته المحامد
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ويل للذين يجتلبون الدنيا بالدين ، يلبسون للناس جلود الظأن من لين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، يقول الله تعالى (أفي يغترون ، أم علي يتجبرون ؟) فوعزتي لأبعثن على أولئك فتنة تذر الحكيم منهم حيرانا
فإلى متى يمضى الزمان***وأنت في الآثام سادر
ما أنت في هذي الحياة*** سوى قليل الخلد عابر
فاعمل على كسب المثوبة*** إنها زاد المسافر
والمرء فان ليس يبقى ***خالداً إلا المآثر
لا تحقرن صغير الذنب تدمنه ***فالخطّ مجتمع التأليف من نقط
ص: 128
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : في حجة الوداع : المؤمن : من آمنه الناس على أموالهم ، وأنفسهم، والمسلم : الذي سلم الناس من لسانه ويده ، والمجاهد : من جاهد نفسه في طاعة الله تعالى ، والمهاجر : من هجر الخطايا والذنوب (1).
العلم من شرطه لمن خدمه*** أن يجعل الناس كلهم خدمه
وواجب حفظه عليه كما ***يحفظ ما عاش ماله ودمه
ومن حوى العلم ثم أودعه ***غير محب له فقد ظلمه
وكان كالمتنبي البناء إذا***تم له ماله أراده هدمه
قال علي بن الحسين (علیه السلام) ، تعلموا العلم فان تعلّمه حسنة ، وطلبته عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، والعلم ثماره الجنة ، وأنس في الوحشة ، وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السرّاء ، وعون على الضراء ، وزين عند الأخلاء، وسلاح على الأعداء ، يرفع الله به قوماً في الخير ليجعلهم أئمة يقتدي بفعالهم ، ويقتص آثارهم ، ويصلى عليه كل رطب ويابس وحيطان والبحر وهوامه ، وسباع البّر وأنعامه(2)
ص: 129
قال علي (علیه السلام) : طلاب العلم ثلاثة أصناف فاعرفوهم بصفاتهم (في العددية ونعوستهم) فطائفة طلبتها للمراء والجدال ، وطائفة طلبتها للاستطالة والخثل ، وطائفة طلبتها للتفقه والعمل ، فأما صاحب المراء والجدال :(في العددية والجهل) مؤذ ممار متصد للمقال في اندية الرجال فهو كأس من التجميع (في العددية فهو كاس السجع عار من الورع )عار من التورع ، فأعمى الله خبره ، فأعمى الله خبره ، وقطع من آثار العلماء أثره . وأما صاحب الاستطالة والخثل :( الحيل): فذو خب وملق (فذو حب) مائل إلى اشكاله ، مضاد لأمثاله (في العددية مضاه لأمثاله وهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاكم) وهو الجوابهم حاسم ولدينهم هاضم ، فهشم من هذا خيشومة وقطع منه خيزومة .
وأما صاحب التفقه والعمل : فذو حزن وكآبة ، كثير الخوف والبكاء طويل الابتهال والدعاء ، عارف بزمانه ، مقبل على شأنه ، متوحش من أوثق إخوانه ، قد خشع في برنسه ، وطال الليل في حندسه ، فشد الله من هذا أركانه ، وأعطاه مما خاف أمانه (1) .
العلم يحيى قلوب الميتين كما ***يحيا البلاد اذا مامسه المطر
والعلم يجل العمى عن قلب صاحبه ***كما يجلى سواد الظلمة القمر
ص: 130
جمع حجاج بن يوسف أهل العلم ، وسألهم عن القضاء والقدر ،فقال:
أحدهم ، سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يقول : يا بن آدم من وسع لك الطريق لك الطريق لم يأخذ عليك المضيق .
وقال الآخر : سمعته يقول : ما كان من خير فبأمر الله وبعمله ، وما كان من شر فبعلم الله لا بأمره .
وقال الآخر : سمعته يقول : إذا كانت الخطيئة على الخاطيء حتماً كان القصاص في القضية ظلما.
فقال الحجاج ، أكل هذا من قول أبي تراب ، لقد أغرفتموها من عين صافية .
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : الناس عالم ومتعلم ، وأنشد متمثلا بهذين البيتين :
فکم من بهیّ یروق رواحه***ويهجر في النادي إذا ما تكلما
فقيمة هذا المرء ماهو محسن*** فكن عالما إن شئت أو متعلماً
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : لا يعرف الفضل ، إلا ذوو الفضل.
قال علي بن ابي طالب (علیه السلام) : لو أن حملة العلم حملوه بحقه لأحبهم الله
ص: 131
والملائكة والمؤمنون من خلقه ، لكن حملوه للدنيا فمقتهم الله ، وهانوا على الناس(1) .
قال علي (علیه السلام) تعلموا العلم ، وتعلموا الحلم ، فأن العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والرفق أخوه، والبر والده والصبر أمير جنوده (2).
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله*** وأجسادهم دون القبور قبور
وأن امرءاً لم يحيى بالعلم قلبه *** فليس له حتى النشور نشور
قال الصادق (علیه السلام) : أطلبوا العلم ، ولو بخوض اللجج ، وشق الهج(3)
الانسان مسافر ، ومنازله سته ، وقد قطع منها ثلاثة ، وبقيت ثلاثة فالتي قطعها ، أولها من كتم العدم إلى صلب الأب ، وترائب الأم ، وثانيها
الأم ، وثالثها من الرّحم إلى فضاء الدنيا.
وأما الثلاثة التي لم يقطعها ، فأولها القبر، وثانيها فضاء المحشر، وثالثها الجنة أو النار ، ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الرابع ، ومدة قطعها
ص: 132
مدة عمرنا ، فأيامنا فراسخ ، وساعاتنا أميال ، وأنفاسنا خطوات ، فكم من شخص بقي له فراسخ ، وأخرى بقي له أميال ، وأخرى بقى له خطوات .
بادر شبابك قبل أن يحرما ***وصحة جسمك قبل أن يسقما
وأيام عمرك قبل الممات*** فما كلّ من عاش أن يسلما
وقدّم فكل امرء قادم ***على كلّ ماكان قد قدما
لا بد للمتبصر أن يقتصر في كل أمور دنياه على الضروريات منها ،ولا يجعل نفسه كدودة القز التي تلفّ حولها تسدّ على نفسها الخروج فتهلك .
روى عن بعض العباد إنه كان يصلى عامة ليله ، فإذا كان السحر أنشأ یقول:
ألا ياعين ويحك أسعديني ***بطول الدمع في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ***بحور العين في قصر الليالي
كان أويس القرنى يقول في بعض الليالي : هذه ليلة الركوع ، فيحيى . الليل كلها بركوع واحد ، وفي ليلة أخرى ، يقول : هذه ليلة السجود ، (87) فيحيى كلّها بسجدة واحدة ، وقيل له : كم طاقتك تحيى ليلتك دائماً بحالة واحدة قال : أين طول ليلتي ؟ يا ليت كان من الأزل إلى الأبد ليلة واحدة أصبحها بسجدة واحدة ، أبكي واتضرع وأنادي ربي بما لا يحصى .
قال ربيع بن خيثم ، أتيت أويساً فوجدته جالساً قد صلى الفجر ، فجلست موضعا ، وقلت : لا أشغله عن التّسبيح ، فمكث مكانه حتى صلى
ص: 133
الظهر ، ولم يقم حتى صلى العصر ، ثم جلس موضعه حتى صلى المغرب ، له ثم ثبت مكانه حتى صلى الصبح ، ثم جلس فنعست عيناه فقال : أللهم أعوذ بك من عين نوّامه ، ومن بطن لا يشبع .
قال أحد العباد : لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا .
وقال الآخر : ما غمنى إلا طلوع ما غمنى إلا طلوع الفجر .
قال بعض أصحاب الحال : لو أني خيّرت بين دخول الجنة ، وبين صلوة ركعتين لأخترت صلاة ركعتين ، فقيل له : وكيف يكون ذلك ؟ قال : لأني في الجنة مشغول بحظّى ، وفي الركعتين مشغول بحق ولتي، وأين ذاك عن هذا ؟
قال يحيى بن كثير ، دخلت مكة المكرمة ، فاستقبلني عطاء بن أبي رياح وسلم عليّ ، ثم أقبل إلى الناس ، وقال : تسألوني عن العلم ، وفيكم يحيى بن كثير ، فتضرعت إلى الله أربعين يوماً إلى أن ذهبت حلاوة هذه المقالة من قلبي ، فلم أجد الصفاء التي كانت من قبل .
عن إبن الراوندي ، أنه وقف عند رجل يبيع الباقلاء ، فنظر إلى رجل غني في المال ، إشترى منه الباقلاء ، وأكل لبّها ، ورمى قشرها ، ومضى من غير حمد الله ولاشكر ، فأتى بعده رجل فقير ، فكان يلتقط القشور ويأكلها ، حامداً لله وشاكراً له ، فقرب إليه ابن الراوندي وصفعه صفعة محرقة ، ما يجري علينا معاشر المساكين ، إلاّ منك إلا منك ومن أمثالك ، إذ قد علم منكم الشكر على أكل القشور .
ص: 134
وأشكر فأن الشكر من ***حقّ الأنسان قد واجب
حقن لا ترجُ من لا يشكر ***النّعمى ويصبر في العواقب
لما أمر الله العباد بشكره ***فقال : أشكر والي أيها الثقلان
شكر القلب ، وشكر اللسان، وشكر الجوارح .
وأما شكر القلب وهو تصور النعمة . وشكر باللسان : وهو الثناء على المنعم . وشكر الجوارح : وهو مكافات النعمة بقدر إستحقاقها .
فلو كان للشكر شخص يبين ***إذا ماتأمَّلهُ الناظر
لبيّنته لك حتى تراه ***فتعلم أنّی امرة شاكرُ
ولكنّه ساكن في الضّمير*** يحركهُ الكلم السائر
عن أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا (علیه السلام) قال : حدثني أبي عن جدي جعفر بن محمد (علیه السلام) عن أبيه عن جده علي بن حسين (علیه السلام) عن أبيه عن جده أمير المؤمنين (علیه السلام) صلوات الله عليهم اجمعين ، قال : قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، أسرع الذنوب عقوبة كفران النعمة(1)
ص: 135
وعن أبو الصلت إيضاً بهذه الأسناد ، قال : قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يؤتی بعبد یوم القيامة ، فيوقف بين يدي الله عز وجل فيؤمر به إلى النار ، فيقول . إي رب ، أمرت بي إلى النار ، وقد قرأت القرآن ، فيقول الله : إي عبدي ، إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي ، فيقول : إي ربّ أنعمت علي بكذا شكرتك بكذا ، وأنعمت علي بكذا فشكرتك بكذا ، فلا يزال يحصي . النعم ويعدّد الشكر ، فيقول الله تعالى : صدقت عبدي ، إلا إنك لم تشكر من أجريت لك نعمتي علي يديه ، وأني قد آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه ، حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه(1) .
الشّكر يفتحُ أبواباً معلّقةً ***الله فيها على من رامهُ نعمُ
فبادر الشكر واستغلق وثاقته*** واستدفع الله ما تجري به النَّقمُ
ألا فاشكر لربّك كل وقت ***على الآلاء والنَّعم الجسيمة
إذا كان الزمان زمان سوء*** فيومُ صالحُ منه غنيمة
قال لقمان الحكيم لابنه : لا يتم عقل امرىء حتى يكون فيه عشر خصال .
1 - يكون الكبر منه مأموناً .
2 - الرشد فيه مأمولا.
3 - فضل مالديه مبذولا .
ص: 136
4 - الايصيب من الدنيا إلاّ القوت .
5 - التواضع أحب إليه من الشرف .
6 - ألذل أحب إليه من العزة .
7- لا يسأم من طلب المعالي .
8 - لا يتبرم بطلب الحوائج إليه .
9 - يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثيره من نفسه .
10 - أن يرى جميع الدنيا خيراً منه ، وأنه شر منهم ، وهذه الخصلة تشيد مجده ، وتكبد ضده ، وتعطي قدره ، وتطيب في العالمين ذكره .
سبحان من أنزل الدنيا منازلها ***ميزّ الناس مشنوءاً وموموقا
فعاقل فطن أعيت مذاهُبه ***وجاهل خَرِقٌ تلقاه مرزوقا
كأنّهُ من خليج العرب مُعترف ***ولم يكن بارتزاق القوت محقوقاً
هذا الذي ترك الألباب حائرة ***وصير العاقل التحرير زنديقا
في الكافي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : مرّ عيسى بن مريم ، على قرية مات أهلها ، وطيرها ، ودوابها : فقال : أما أنهم لم يموتوا إلاّ بسخطه ، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا ، فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ، أدع الله أن يحييهم لنا ، فيخبرونا ، ما كانت أعمالهم فنجتنبها ، فدعى عيسى (علیه السلام) ربّه ، فنودى من الجوّ أن نادهم ، فقام عيسى (علیه السلام) بالليل على شرف من الأرض ، فقال : يا أهل هذه القرية ، فأجابه منهم مجيب ، لبيك يا روح الله وكلمته فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم ، فقال : عبادة الطاغوت ، وحبّ الدنيا مع خوف قليل ، وأمل بعيد في غفلة ، ولهو ولعب ، فقال : كيف كان حبكم
ص: 137
للدنيا ؟ قال كحّب الصّبي لأمه ، إذا أقبلت إلينا فرحنا ، وسررنا ، وإذا أدبرت عنا بكينا ، وحزنًا قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت ؟ قال : ألطاعة للمعاصي ، قال : كيف كانت عاقبة أمركم ؟ قال : بتنا ليلة في عافية ، وأصبحنا في الهاوية ، قال : وما الهاوية ؟ قال : سجّين ، قال وما سجين ، قال : جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة ، قال : فما قلتم ، وما قيل لكم ، قال : قلنا ردّنا إلى الدنيا فنزهد فيها ، قيل لنا كذبتم ، قال : ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم ، قال يا روح الله وكلمته ، إنّهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد ، وإني كنت فيهم ولم أكن منهم ، فلما نزل العذاب عمني معهم ، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم ، لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها ، فالتفت عيسى (علیه السلام) إلى الحواريين ، فقال : يا أولياء الله ، أكل الخبز اليابس بالملح الجريش ، والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة(1).
تتوب من الذنوب إذا مرضتا*** وترجع للذنوب إذا برئتا
فكم من كربة نجاك منها*** وكم كشف البلا إذا بُلينا
أما تخشى بأن تأتي المنايا*** وأنت على الخطايا قد دُهيتا
إن موسى (علیه السلام) أنطلق ينظر في أعمال العباد ، فأتى رجلاً من أعبد الناس فلما أمسى حرك الرجل شجرة الى جنبه ، فإذا فيها رمّانتان ، قال : فقال
ص: 138
يا أبا عبد الله من أنت ؟ إنك عبد صالح ، أنا هيهنا منذ ما شاء الله ما أجد في هذه الشجرة إلا رمانة واحدة ، ولولا أنك عبد صالح ما وجدت رمانتين ، قال : أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران ، قال : فلما أصبح ، قال : تعلم أحد أعبد منك ؟ قال : فلان الفلاني ، قال : فانطلق الله إليه ، فإذا هو أعبد منه كثيراً ، فلما أمسى أوتى برغيفين وماء ، فقال : يا أبا عبد الله من أنت ؛ إنك عبد صالح ، أنا هيهنا منذ ماشاء الله ، وما أوتى إلا برغيف واحد ، ولولا أنك عبد صالح ما أوتيت برغيفين ، فمن ظفين فمن أنت ؟ قال : أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران ، ثم قال موسى (علیه السلام) : هل تعلم أحد أعبد منك ؛ قال نعم ، فلان الحداد في مدينة كذا وكذا . قال : فأتاه ، فنظر إلى رجل ليس بصاحب العبادة ، بل إنّما هو يذكر الله تعالى ، يذكر الله تعالى ،وأذا دخل وقت الصلوة قام فصلّى ، فلما أمسى نظر إلى غلته ، فوجده قد أضعف ، قال ، ياعبد الله من أنت ؟ إنّك عبد صالح ، أنا هيهنا منذ ما شاءه الله غلّتي قريب بعضها من بعض ، والليل قد أضعف ، فمن أنت - قال :
- أنا رجل أسكن في أرض موسى بن عمران ، قال : فأخذ ثلث غلته فتصدق بها ، وثلثا أعطى مولى له ، وثلثا إشترى به طعاماً ، فأكل هو وموسى ، فتبسم موسى ، فقال : من أي شيء تبسمت ؟ قال : دلّني نبي بني إسرائيل على فلان ، فوجدته من أعبد الخلق ، فدلّني على فلان فوجدته أعبد منه ،ودلني عليك وزعم أنك أعبد منه ، ولست أراك شبه القوم ، قال : أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكر الله ؟ أو ليس تراني أصلي الصلاة لوقتها ؟ وأن أقبلت على الصلاة أضررت بغلة مولاي ، وأضررت بعمل الناس ، أتريد أن تأتي بلادك ؟ قال : نعم ، فمرت به سحابة ، فقال الحداد : يا سحابة تعالى قال : فجائت ، فقال : أين تريدين ، فقالت : أريد أرض كذا وكذا قال : إنصرفي ، ثم مرّت به أخرى ، قال : يا سحابة تعالي ، فجائته ،
ص: 139
فقال : أين تريدين ؟ قالت : أريد أرض موسى بن عمران وصفاً ، قال : فقال تعالي واحملي هذا حمل رقيق وضعيه في أرض موسى بن عمران ، وضعاً رقيقاً قال : فلما بلغ موسى بن عمران بلاده ، قال : يارب بما بلغت هذا ما أرى ، قال الله تبارك وتعالى ، إنّ عبدي هذا ، يصبر على بلائي ، ويرضى بقضائي ، ويشكر على نعمائي (1) .
في كتاب لثالي الأخبار عن كتاب المكارم قال : قال أمير المؤمنين(4) :
من خرج من بيته ، وقلب خاتمه إلى باطن كفه ، وقرأ إنا انزلناه إلى آخره ثم قال : آمنت بالله لا شريك له آمنت بسر آل محمد وعلانيتهم لم ير في يومه ذلك شيئاً يكرهه(2) .
إن شقيق البلخي دخل يوماً على الرشيد ، فقال له : أنت شقيق الزاهد ؟ فقال : أنا شقيق ، وأما الزاهد فهو أنت ، قال : كيف ؟ قال :
لأني زهدت في الدنيا وتركتها ، وما تكون الدنيا فأنها حقيرة ما تعادل جناح بعوضة ، وأما أنت ، فزهدت في الجنة ، وحورها ، وقصورها ، وتركتها فهمتك أعلى من همتي .
كم أناس أظهر الزهدَ لنا ***فتجافوا عن حلال وحرام
قللوا الأكل وأبدوا ورعاً ***واجتهاداً في صيام وقيام
ص: 140
ثم لما أمكتُهُم فرصةً ***أكلوا أكل الخزاني في الظلام
قال ذو النون المصري ، خرجت يوماً من وادي كنعان ، فلما علوت الوادي ، إذاً أنا بسواد مقبل علي وهو يقول (وبدالهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) (الزمر /47) ويبكي ، فلما قرب إلي ، إذا هي إمرأة عليها جبة صوف ، وبيدها ركوة . فقالت : من أنت ؟ غير فزعة مني ، فقلت : رجل غريب ، فقالت : ياهذا هل توجد مع الله غربة ؟ قال : فبكيت من قولها : فقالت : ما الذي أبكاك ؟ قلت : قد وقع الدواء على الداء قد قرح فأسرع في نجاحه ، قالت فأن كنت صادقا فلم بكيت ؟ قلت : يرحمك الله الصادق لا يبكي ؛ قالت : لا ، قلت : ولم ذلك ؛ قالت : لأن البكاء راحة القلب قال ذو النون : فبقيت والله متحيرا من قولها .
صبرت ولم أطلع هواي على صبري ***وأخفيت مابي منك عن موضع الصبري
مخافة أن يشكو ضميري صبابتي*** إلى دمعتي سراً فيجري ولا أدري
إنّ سلطان محمود يوماً ، ولما بني دار الشفاء وأتمها ، ومهد نظامها ، أتاها یوما ولما دخلها صلّى ركعتين ، وسجد لله شكراً ، وكان هناك مجنون ، وفي رجله قيد الحديد ، فقال : يا محمود ماهذه الصلوة والسجود ، قال : شكرا لله تعالى على هذا البناء ، فقال : سبحان الله ، المجنون أنت ، والقيد في رجلي أنا ، فقال السلطان محمود كيف ؟ قال : لأنك تأخذ أموال العقلاء وتعطيها المجانين ، والله تعالى مايرضى لك بهذا ، لأنه يقدر أن يشفي المجانين ، والمرضى ، ولا يحوجهم إلى دارك هذا .
ص: 141
تعلَّل بالدواء إذا مَرِضنا*** وهل يشفي من الموت الدواء
ونختار الطبيب ، وهل طبيب ***يؤخر ما يقدمه القضاء
وما أنفاسنا الإحساب*** وما حركاتنا إلاّ فناء
إن بعض الزهاد أتى إلى تاجر ليشتري منه قميصاً ، فقاله بعض الحاضرين ، إنه فلان الزاهد ، فأرخص عليه ، فغضب الزاهد ، فقال : جئنا لنشتري بالأثمان ، لا، بالأديان .
في تفسير النيشابوري ، كان بعض العارفين يرعى غنماً ، فحضر في غنمه ذئب ، ولا يضر أغنامه ، فمرّ عليه رجل ، وناداه متى إصطلح الغنم والذئب ؟ قال الراعي ، من حين إصطلح الراعي مع الله.
قحط في بني إسرائيل سبع سنين ، فخرج موسى يستسقي لهم في ألفاً ، فأوحى الله إليه كيف أستجيب لهم ؟ وقد أظلتهم ذنوبهم وسرائرهم خبيثه ، يدعوني على غير يقين ، ويأمنون مكري ، إرجعوا إلى عبد من عبادي ، يقال له كرخ : يخرج حتى أستجيب له ، فسأل عنه موسى فلم يعرف ، فبينى موسى ذات يوم يمشي في طريق ، فإذا هو بعبد أسود ، بين عينيه تراب من أثر السجود ، في شملة قد عقدها على عنقه ، فعرفه موسى بنور الله فسلّم عليه ، فقال : ما إسمك ؟ قال ، إسمى كرخ ، قال : أنت طلبتنا منذ حين ، أخرج إستسق لنا ، فخرج ، فقال في كلامه : ما هذا فعالك ؟ وما هذا من عملك ؟ وما الذي بدا لك ؟ إنقضيت عليك
ص: 142
عيونك ؟ أم عاندت الرّياح عن طاعتك ؟ أم نفد ما عندك ؟ أم إشتد غضبك على المذنبين ، ألست غفاراً قبل خلق الخاطئين ، خلقت الرحمة . وأمرت بالعطف ، أم تريناه إنك ممتنع ، أم تخشى الفوت ، فتعجل بالعقوبة ، فما برح كرخ حتى اخضب بني اسرائيل بالقطر ، فلما رجع كرخ
إستقبله موسى ، فقال : كيف رأيتني حين خاصمت ربّي ، كيف أنصفني(1)
وفي رواية أخرى : حتى يتحول عما أبغض إلى ما أحب(2).
مما وعظ به لقمان إبنه ، يابني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا له ، ولم يبق من جمعوا له ، وأنما أنت عبد مستأجر ، قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً ، فأوف عملك ، واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة في زرع أخضر ، فأكلت حتى سمنت ، فكان حتفها عند سمنها ، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها ولم ترجع إليها إلى آخر الدهر .
ص: 143
قرأت كتابه وعصيت أمره*** وقد عرضت نفسي للمضرة
أتوب إليه ثم أعود جهلا ***فمن لي بالنجاة من المعرة
وما أبقي سوى مال وجاه ***وأهل الله قد قنعوا بكسرة
وقد ولى الشباب بغير نفع ***وما استكملت أسباب المسرة
فلا الدنيا بلغتُ بها الأماني ***وآخرتي تركت لها مبرة
ولي عمل علي به شهود ***وما يسوي على التقديم ذرة
فحالي لايسر بها صديق*** ونفسي في هواها مستمرة
ولو فكرت في عقبى أموري*** قطعت العمر بين أسى وحسرة
قال الصادق (علیه السلام) : دعا سلمان أبا ذر رحمة الله عليهم إلى منزله ، فقدم إليه رغيفين ، فأخذ أبو ذر الرغيفين فقلبها . فقال سلمان : يا أبا ذر لأي شيء تقلب هذين الرغيفين ؛ فقال : خفت أن لا يكونا نضجين فغضب سلمان من ذلك غضباً شديداً ، ثم قال : ما أجرأك حيث تقلبت الرغيفين ، الله لقد عمل في هذا الخبز ، الماء الذي تحت العرش وعملت فيه الملائكة حتى القوه إلى الريح حتى القته إلى السحاب ، وعمل فيه السحاب حتى أمطره الأرض ، وعمل فيه الرعد ، والملائكة حتى وضعوه مواضعه ، وعملت فيه الأرض ، والخشب ، والحديد ، والبهائم ، والنار ، والحطب والملح ، وما لا أحصيه أكثر فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر ؟ فقال أبوذر : إلى الله أتوب ، وأستغفر الله مما أحدثت وإليك أعتذر مما كرهت(1)
ص: 144
ورد سلمان المدائن ، فقعد تحت ظلال الحايط بالمسجد ، ولم يقبل الدخول في بيت العمارة ، فقالوا له : نبني لك داراً ، فلم يقبل ، فقال رجل من الدهاقين ، أبني لك بيتاً لك بيتا يصلح لك،فقال ، وما الذي يصلح لي : قال : أبني لك بيتاً إن قمت ضرب سقفه رأسك ، وإن إضطجعت ضرب جداره رأسك ورجليك ، فقال ، نعم ، فبنى له .
في الكافي : سئل أبو عبد الله (علیه السلام) ؟ عن أول كتاب كتب في الأرض قال : إن الله عرض على آدم ذرّيته عرض العين في صورة الذّر ، نبيّاً فنبياً ، ملكاً فملكاً ، ومؤمناً فمؤمناً ، وكافراً فكافراً ، فلما انتهى إلى داود (علیه السلام) هذا الذي نبيته وكرمته ، وقصرت عمره ، فأوحى الله إليه : هذا إبنك داود (علیه السلام) ، وعمره أربعون سنة ، وإني كتبت الآجال ، وقسمت الأرزاق ، وأنا أمحو ما أشاء ، وأثبت ، وعندي أم الكتاب ، فأن جعلت له شيئاً من عمرك ألحقته ، قال : يارب قد جعلت له من عمري ستين سنة تمام الماءة قال : فقال الله الجبرئيل ، وميكائيل ، وملك الموت ، أكتبوا عليه كتاباً ، فأنه سينسي ، قال : فكتبوا عليه كتاباً ، وختموه بأجنحتهم من طينة عليين قال : فلما حضر آدم الوفاة أتاه ملك الموت . فقال آدم : يا ملك الموت ما جاء بك ، قال : جئت لأقبض روحك ، قال : قد بقي من عمري ستون سنة ، فقال : إنك جعلتها لأبنك داود ، قال : ونزل عليه جبرئيل ، وأخرج له الكتاب ، فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : فمن أجل ذلك إذا خرج الصّك على المديون ذلّ المديون ، فقبض روحه(1) .
ص: 145
موت يسير معه رحمة ***خير من اليسر وطول البقاء
وقد بلونا العيش أطواره ***فما وجدنا فيه غير الشقاء
كان في بني اسرائيل إمرأة بغيّة ، وكانت متفتنة بجمالها ، وكان باب دارها أبداً مفتوحاً ، وهي قاعدة في دارها على السرير بحذاء الباب ، وكلّ من ينظر إليها إفتتن بها ، فإن أراد الدخول عليها احتاج إلى عشرة دنانير ، حتى تأذن له بالدخول ، فمر ببابها عابد ، فوقع بصره عليها ، فأفتن بها ، ولم يملك نفسه حتى باع قماشاً له ، فأتى إليها بالدنانير ، فأخذتها ، وجلس معها على السرير ، فلما مدّ يده إليها ، وقع في قلبه إن الله تعالى يراني على هذه الحالة فوق عرشه ، وأنا في الحرام، وقد حبط عملي كله ، فتغير لونه ، فنظرت إليه ، فقالت له : أيّ شيء أصابك ، قال : إني أخاف الله ، فأذني لي بالخروج ، فقالت له : ويحك إن كثيراً من الناس يتمنون الذي وجدته فقال لها : إني أخاف الله ، والمال لك حلال ، فأذن لي بالخروج ، فخرج من عندها ، وهو يدعو بالويل والثبور ، ويبكي على نفسه ، فوقع الخوف في قلب المرأة ، فقالت : إن هذا الرجل أوّل ذنب أذنبه ، وقد دخل من الخوف ما دخل ، وأني أذنبت منذ كذا وكذا سنة ، وأنّ ربه الذي يخاف منه ربي ، وخوفي ينبغي أن يكون أشدّ ، فتابت إلى الله تعالى ، وأغلقت بابها ، ولبست ثياباً خلقه ، وأقبلت على العبادة ، فقالت في نفسها ، إني لو أنتهيت إلى ذلك الرجل فلعله يتزوجني فأكون عنده فأتعلم منه أمر ديني ، ويكون عوناً لي على عبادة الله تعالى فتجهزت ، وحملت أموالها ، وخدمها ، فانتهت إلى تلك القرية ، وسألت عنه ، فأخبر العابد بأنه قد قدمت إمرأة تسأل عنك ، فخرج العابد إليها فلما رأته المرأة كشفت عن وجهها ليعرفها ، فلما رآها
ص: 146
عرفها ، وتذكر الأمر الذي كان بينه وبينها ، فصاح صيحة ، وخرجت روحه ، وبقيت المرأة حزينة ، فقالت : إني خرجت لأجله ، وقد مات ، فهل له من أقرباء أحد يحتاج إلى إمرأة ؟ فقالوا لها : إن له أخاً صالحاً ولكنه معسر ليس له مال ، فتزوجته ، فولد له منها خمسة أولاد كلّهم صاروا انبياء في بني اسرائيل(1) .
كلُ الذّنوب فإن الله يغفرها ***إن شيع المرء إخلاص وإيمان
وكل كسر فإن الله يجبره ***وما لكسر قناة الدّين جبران
شعر لعبد الأعلى الشامي :
العمرُ يَنقصُ والذنوبُ تزيد***وتُقال عثراتُ الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد*** رجُل جوارحه علیه شهود
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي*** تقليلها وعن الممات يحيدُ
إن عبادي يطلبون مني شيئاً لم أخلقه وهو الراحة في الدنيا ، ويدعون طلب ما خلقته وهو النعيم المقيم .
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ، ولم يرزق ، قيل یا رسول الله : وما الذي لم يخلق ؛ قال : الراحة في الدنيا وفي الديوان(2) .
ص: 147
قال أبو حيان التوحيدي في البصائر والذخائر : رأيت رجلا سأل أبا عبد الله الطبري عن الحكمة في خلق الله تبارك وتعالى ، ألحيّة والعقرب ، والأسد ، وما شاكلهم من الحيوات الضارة ، فقال أبو عبد الله : حدّثني أيها الرجل منذ كم لسعتك عقرب ، أو لدغتك حيّة ، أو أفترسك أسد ؟ قال : ما أذكر شيئا من هذا مذ كنت ، قال : فمتى عهدك بمن عابك ، وأغتابك ، وشنعك ، وكتم محاسنك ، ونشر أسائتك ، وسعى في هلاكك ، وعزم في تلفك ، وبذل فنائك ، وشهر في عطيّتك ، قال : أقرب عهد ، قال : فإن كنت عرفت الحكمة هناك فسقها إلى مسألتك ، فإن كنت جهلتها هناك ،وسلّمتها لخالقك ، فاجهلها ، وسلم لخالقك ، ثم أقبل على السائل وقال : الدين نصيحة ، إنك اذ تقول : فيما بث الله في العالم ، وجربه في هذا الفلك ، وطواه بين هذا الخلق لم وكيف ؟ فأنك توكل فيه إلى نفسك وتعجز عن حقيقة ما أستأثر به العالم بك ! فسكت الرجل ، وحصل له اليقين بأن الله لم يخلق خلقاً قط إلا وفيه حكمة ومصلحة لا يعرفها أحد سواه سبحانه وتعالى شأنه .
إن رجلا رأى خنفساء ، فقال : ماذا يريد الله تعالى من هذه أحسن شكلها ؟ أو طيب ريحها ؟ فابتلاه الله تعالى بقرحة عجز منها الأطباء حتى ترك علاجها ، فسمع صوت طبيب من الطريقيين ، ينادي في الدرب ، فقال : هاتوه حتى ينظر في أمري ، فقالوا : وما تصنع بطرقي وقد عجز عنك حذاق الأطباء ؟ فقال : لابد لي منه ، فلما أحضروه ورأى القرحة إستدعى بخنفساء ، فضحك الحاضرون منه ، فتذكر العليل القول الذي سبق منه ، فقال : أحضروا له ما طلب ، فإن الرجل على بصيرة من أمره ، فاحضروها
ص: 148
له ، فأحرقها ، وذر رمادها على قرحته، فبرىء بإذن الله تعالى ، فقال للحاضرين : إن الله تبارك وتعالى أراد أن يعرفني إن أخس المخلوقات أعزّ
الأدوية .
إن مطرف بن عبد الله نظر يوما إلى يزيد بن المهلب ، وهو يمشي في حلة يسحبها الكبر والنخوة ، فقال له : ما هذه المشيّة التي يبغضها الله تعالى ورسوله ؟ فقال يزيد ، أما تعرفني ؟ فقال : بلى ، أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة ، وأنت بين ذلك حامل العذره ، فلما سمع يزيد إنتبه بهذه الكلمة المأخوذة من كلام أمير المؤمنين ، ولم يعد إلى تلك المشيه بعد ذلك أبداً .
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعاً*** فكم تحتها قوم همُ منك أرفع
فأن كنت في عزّ وخير ومنعة*** فكم مات من قوم هُمُ منك أمنع
في الكافي عن محمد بن مسلم ، قال ، سئل علي بن الحسين (علیه السلام) أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل ، فقال : ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ، ومعرفة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) أفضل من بغض الله عز وجل ، وأن لذلك شعبا كثيرة ، وللمعاصي شعباً ، فأول ما عصى الله به ألكبر ، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين ، والحرص ، وهي معصية آدم وحواء ، حين قال الله عز وجل لهما ، (كلا من حيث شئتمها ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)(1) فأخذا ما لا حاجة لهما إليه ، فدخل ذلك على
ص: 149
ذريتهما إلى يوم القيامة ، وذلك إن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه (1) .
من شاء عيشاً رغيداً يستفيد به*** في دينه ثم دنياه فأقبالا
فلينظرن الى من فوقه أدباً ***ولينظرن إلى من دونه مالا
قال محمد بن علي الباقر (علیه السلام) : ما دخل قلب امريء شيء من الكبر إلا نقص من عقله ، مثل ما دخل دخله من ذلك ، قلّ ذلك أو كثر(2) .
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : عجبت لابن آدم ، أوله نطفة ، وآخره ، وهو قائم بينهما وعاء للغائط ، ثم يتكبر(3).
يا معجباً الكبر إعجاباً بصورته ***أنظر خلاءك أن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم*** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمةً ***وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيلُ ، وَأذن ريحها سَهكَ ***والعين مرمصةً ، والثغر ملعوب
يا بن التراب ومأكول التراب غداً ***إقصر فأنك مأكول ومشروب
ص: 150
قال أحد الحكماء : كيف يستقر الكبر فيمن خلق من تراب ، وطوى على القذر، وجرى مجرى البول .
يا من تشرف في الدنيا ولذتها ***ليس التشرف رفع الطين بالطين
إذا أردت شريف القوم كلّهم ***فانظر إلى ملك في زي مسكين
إشترى رجل شيئاً فمر بسلمان الفارسي (رض)وهو أمير المدائن فلم يعرفه فقال : احمل معي هذا يا علج ، فحمله ، فكان من يتلقاه ، يقول : إدفعه إلي أيها الأمير ، فقال : لا يحمله إلا العلج ، فعلم الرجل إنه أمير المدائن ، فقام يعتذر إليه ، ويسأل أن يرد عليه ، فأبى حتى حمله إلى مقره .
دن بالتواضع والأخبات محتسباً ***تفق علاءاً على أهل السيادات
فالترب لما غدا للرجل متطئاً ***تمسّح الناسُ منه في العبادات
كان منصور الدوانيقي جالساً ، فألّح عليه الذباب حتى أضجره ، فقال : أنظروا من بالباب من العلماء ، فقالوا مقاتل بن سليمان ، فدعا به ، ثم قال له : هل تعلم لأي حكمة خلق الله الذباب ؟ قال ، ليذل به الجبابرة قال : صدقت ثم أجازه .
وربما يشهد الطعام معي*** من لا يساوي الخبر الذي أكل
ويظهر الجهل بي وأعرفه***والدرّ در برغم من جهد
ص: 151
روى البيهقي في الشعب عن الأصمعي ، قال : دخلت البادية ، فإذا بعجوز بين يديها شاة مقتولة : وجرو ذئب مقع ، فنظرت إليها . فقالت : أتدري ما هذا ؟ قلت : لا ، قالت : جرو ذئب أخذناه ، وأدخلناه في بيتنا فلما كبر قتل شاتنا ، وقد قلت في ذلك شعراً ، فأنشدته :
بقرت شويهتي وفجعت قلبي***وأنت لشاتنا ولد ربیب
غديت بدرها وربيت فينا ***فمن أنباك أن أباك ذئب
إذا كان الطباع طباع سوء***فليس بنافع فيها الأديب
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يأتي على الناس زمان يكون الناس فيه ذئاباً فمن لم يكن ذئباً أكلته الذئاب(1) .
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ليأتين على الناس زمان لا يبالي الرجل بم يأخذ مال أخيه ، بحلال أو حرام(2).
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : اطلبوا الحوائج إلى ذي رحمة من أمتي ، ترزقوا ، وتنجوا فإن الله عز وجل يقول : (رحمتي في ذي رحمة من عبادي)
ص: 152
ولا تطلبوا الحوائج عند قاسية قلوبهم ، فلا ترزقوا ، ولا تنجوا ، فإن الله عزّوجل يقول : (إن سخطي فيهم)(1) .
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إذا أبغض الناس فقرائهم وأظهروا عمارة أسواقهم ، وتباركوا جمع أموالهم (الدراهم) رماهم الله بأربع خصال : 1 - بالقحط من الزمان 2 - والجور من السلطان 3 - والخيانة من ولاة الحكام 4 - والشوكة من العدوان (2).
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من هداه للاسلام ، وعلمه القرآن ، ثم سأل الناس ، كتب بين عينيه فقير إلى يوم القيامة (3)
يا طالب الصفو في الدنيا بلا كدر*** طلبت مدومة فيأس من الظفر
(534) شعر من بعض الفضلاء :
طبعت على كدر وأنت تريدها ***صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلّف الأيام ضدّ طباعها*** متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فأنما***تبنى البناء على شفير هار
ص: 153
عن محمد بن قاسم بن قاسم ، قال : سألت موسى بن جعفر (علیه السلام) عن رجل إستودع رجلا مالا قيمة ، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب ، يقدر أن لا يعطيه شيئاً ، ولا يقدر له على شيء ، والرجل الذي إستودعه خبيث خارجي ، فلم أدع شيئاً ، فقال لي : قل له : رده عليه ، فأنه إئتمنه عليه بأمانة الله (1) .
يخونك من أدى إليك أمانة ***فلم ترعه يوماً بقول ولا فعل
فأحسن إلى من شئت في الأرض أو أسيء فأنك تجزي حذوك النعل بالنعل .
أرعى الأمانة لا أخون أمانتي ***إنّ الخؤون على طريق الأنكب
في الكافي : قال (علیه السلام) : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ، فأن ذلك شيء إعتاده ، فلو تركه إستوحش لذلك ، ولكن أنظروا إلى صدق حديثه ، وأداء أمانته(2) .
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : الأمانة تجلب الغناء ، والخيانة تجلب الفقر (3)
ص: 154
وفي الصادقي : من أؤتمن على أمانة فأدّاها ، فقد حلّ ألف عقدة من عقد النار ، فبادروا بأداء الأمانة ، فأنّ من أؤتمن على أمانة ، وكل
به إبليس مأة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه ، ويوسوسوا إليه ، حتى يهلكوه ، إلا من عصم عز وجل (1).
وما حمل الأنسان مثل أمانة*** أشقَ عليه حين يحملها حملاً
فأن أنت حملتَ الأمانة فاصطبره ***عليها فقد حملت من أمرها ثقلا
فلا تقبلن فيما رضيت نميمة ***وقل للذي يأتيك يحملها مهلا
قرأ بعض المغفلين : ( في بيوت) بالرفع فقال شخص : يا أخي : إنما القرائه ، في بيوت ، بالجر ، فقال : يا مغفل : إذا كان الله يقول : (في بيوت أذن الله ان ترفع) تجرها أنت لماذا ؟
قال الأحنف بن قيس : يضيق صدر الرجل بسره ، فإذا حدث به قال اكتمه علي ، وأنشد :
إذا المرء أفشى سره عند غيره ***فلام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ غيره ***فسر الذي يستودع السرّ أضيق
ص: 155
حكى أن بعضهم دخل بأمرد إلى بيته ، وكان بينهما ما كان ، فلما خرج الأمرد دعي أنه فاعل ، فقيل له ذلك : قال : فسدت الأمانت ، وحرمت
اللواطة إلا أن يكون بشهود ، قال بعض الشعراء :
إن المهذب في اللواطة ليس يعدله شريك
فإذا خلا بغلامه فالله يعلم من ينيك
قال معاوية يوماً لرجل من أهل اليمن: ما كان أجهل من قومك حين ملكوا عليهم إمرأة ، فقال : أجهل من قومي قومك الذين قالوا : لما دعاهم رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، (اللهم إن كان هذا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ) (1) ولم يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه .
سألت الله أن يجمعني بسلما***أليس الله يفعل ما يشاء
ويبسطها(2)ويطرحني عليها ***ويدخل ما يشاء فيما يشاء
ويأتي من يحركني بلطف ***شبيه الزق يحمله السقاء
ويأتي بعد ذاك سحاب غيث ***يطهرنا وليس بنا عناء
لا تنكرون لأهل مكة قسوة ***والبيت فيهم والحطيم وزمزم
آذوا رسول الله وهو نبيهم ***حتّى حماه أهل طيبة منهم
ص: 156
خاف الأله على الذي قد جائه ***سلباً فلا يأتيه إلا محرم
لما ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل إستغاثه الناس من ظلمه توجهوا إلى السيدة نفيسه ، فشكوه إليها ، فقالت لهم : متى يركب فقالوا : في غد ، فكتب رقعة ووقفت في طريقه ، وقالت : يا أحمد بن طولون ، فلما رآها عرفها ، وترجل عن فرسه ، وأخذ الرقعة منها ، وقرأها . فأذا فيها مكتوب ، وقدرتم فقهرتم ، وخولتم فعسفتم ودرت عليكم الأرزاق فقطعتم ، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة لا سيما في قلوب أو جعتموها ، واجساد أعريتموها ، إعملو ما شئتم ، فأنا صابرون ، وجيروا فأنا مستجيرون ، واظلموا فأنا متظلمون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (الشعراء الآية (227) قال : فعدل من وقته وساعته .
فلا تعجل على أحدٍ بظلم***فأن الظلم مرتعُهُ وخیم
ولا تقطع وإن ملیت غیظا***على أحد فأن الفحش لوم
ولا تقطع أخاً لك عند ذنب*** وإن الذنب يغفره الكريم
ولكن دار عوراه برفق *** كما قد يرفع الخَلَقُ القديم
ولا تجزع لريب الدهر وأصبر*** فأن الصبر في العقبى سليم
فما جزع بمغنٍ عنك شيئاً *** ولا ما فات ترجعه الهموم
قيل لبعض الأعراب قد أسنّ كيف أنت اليوم ؟ فقال : ذهب مني الأطياب الأكل ، والنكاح ، وبقى الأرطبان ، السعال ، والضّراط .
ص: 157
نقل عن أمير المؤمنين (علیه السلام) إنه قال : ألروح في الجسد ، كالمعنى في اللفظ ،قال الصفدي: وما رأيت مثالاً أحسن من هذا(1)سئل بعض المتكلمين عن الروّح والنّفس ، فقال : ألروح هو الرّيح والنّفس هو النفْسَ ، فقال السائل : فحينئذٍ إذا تنفّس الأنسان خرجت نفسه ، وإذا أظرط خرجت روحه ، فانقلب المجلس ضحكاً .
وقعت فيها ألفاظ مكرره :
ولم أر مثل جيراني ومثلى ***لمثلى عند مثلهم مقام
أسد فرايسه الأسود يقودها*** أسد تصير له الأسود له الأسود ثعالبا
كنا جميعاً والدار يجمعنا***مثل حروف الجمع مجتمعة
واليوم جاء الوداع يجعلنا ***مثل حروف الوداع مفترقة
حكى ثمامة بن أشرس ، قال : بعثني الرشيد إلى دار المجانين لا صلح، ما أفسد من أحوالهم ، فرأيت فيهم شاباً حسن الوجه ، كأنه صحيح العقل ، فكلّمته ، فقال : يا ثمامة إنّك تقول : إن العبد لا ينفك نعمة يجب الشكر عليها ، أو بليّة يجب الصبر لديها ؟ فقلت : نعم ، هكذا : فقال : لو سكرت ونمت ، وقام إليك غلامك ، وأولج فيك مثل
ص: 158
ذراع البكر ، فقل لي : هذه نعمة يجب الشكر عليها أو بليّة يجب الصبرلديها ، قال ثمامة : فتحيرت ولم أدر ما أقوال له :
فقال : فهنا مسألة أخرى أسئلك عنها ، فقلت : هات ، قال : متى يجد النائم لذة النوم ؟ إن قلت : إذا استيقظ فالمعدوم لا يوجد له لذة ، وأن قلت : قبل النوم فهو كذلك ، وأن قلت حال النّوم : فلا شعور له له، قال ثمامة فبهت ، ولم أستطع له جواباً .
فقال : مسألة أخرى ، قلت : وما هي ؟قال : أنك تزعم أن لكلّ أمة نذير ، فمن نذير الكلب ؟ قلت : لا أدري الجواب ، فقال : أما الجواب عن السؤال الأول - فيجب أن تقول : الأقسام ثلاثة : نعمت يجب يجب الشكر عليها وبليّة يجب الصبر لديها ، وبليّة يمكن التحرز منها كيلا ينضم
العار لديها وهي هذه ، وأما المسئلة الثانية : فالجواب عنها ، إنها محال ، لأن النوم داء ، ولا لذة مع وجوب الداء ، وأما المسئلة الثالثة : أخرج من حجرا وقال : إذا عوى عليك كلب، فهذا نذيره ، ورماني بالحجر ، فأخطاني ، فلما رآه قد أخطأني ، قال : فاتك النذير أيها الكلب الحقير ، فعلمت أنه مصاب في عقله فتركته ، وانصرفت ، ولم أر مجنوناً بعدها(1) .
لم يكن المجنون في حالة ***إلا وقد كنت كما كانا
لكن لي الفضل عليه بأن*** باح وأني مت كتمانا
باح مجنون عامر بهواه ***وكتمت الهوى فمت بوجدي
ص: 159
فأذا كان في القيامة نودي*** من قتيل الهوى تقدّمت وحدي
من كلام الامام الحسن بن علي (علیه السلام ) : يا بن آدم أنت أسير الدنيا ، رضيت من لذتها بما ينقضى ، ومن نعيمها بما مضى ، ومن ملكها بما ينفذ ولا تزال تجمع لنفسك الأوزار ، ولأهلك الأموال ، فأذا مت حملت الأوزار ولأهلك الأموال ، فأذا مت حملت أوزارك إلى قبرك ، وتركت أموالك لأهلك (1).
قيل لدعبل الشاعر ، ما لوحشة عندك ؟ فقال : ألنظر ألى الناس ثم أنشد :
ما أكثر الناس لا بل أقلّهم ***الله يعلم أني لم أقل فندا
إنى لأفتح عيني حين أفتحها ***على كثير ولكن لا أرى أحدا
قال أحد الحكماء : كما أن الذباب يتبع موضع الجروح فينكأها ويجتنب المواضع ،الصحيحة، كذلك شرار الناس يتبعون معائب الناس فيذكرونها ويدفنون المحاسن .
سُئل من إسكندر : أي شيء نلته بملكك وأنت أشد سروراً به ، قال : قوّتي على مكافأة من أحسن إلى بأكثر من إحسانه .
ص: 160
قيل لديوجانس الحكيم : هل لك بيت تستريح فيه ؟ فقال : إنما يحتاج إلى البيت ليستراح فيه ، وحيث ما استرحت فهو بيت لي .
كلّ رزق ترجوه من مخلوق ***يعتريه ضرب من التعويق
وأنا قائل واستغفر الله*** مقال مجاز لا على التحقيق
لست أرضى من فعل أبليس شيئاً ***غير ترك السجود للمخلوق
كان في زمان ديوجانس رجل مصور ، فترك التصوير ، وصار طبيبا ،فقال ديوجانس له ، أحسنت ، إنّك لما رأيت خطأ التصوير ظاهر للعين ،
وخطأ الطب يواريه التراب، تركت التصوير ودخلت في الطب . مرّ دیوجانس بشرطي يضرب لصّاً ، فقال : انظروا إلى لصّ العلانية يضرب لصّ السر .
قال ، أنوشروان لبوذرجمهر : أي الأشياء خير للمرء قال : عقل يعيش به ، قال : فأن لم يكن ؟ قال : فعى صامت ، قال : فأن لم يكن ، قال :
فموت جارف
جمعت فنون العلم أبغي بها المغنى ***فقصّر بي عمّا سموت به القل
***فقد بان لي أن المعاني بأسرها فروع وأنا المال فيها هو الأصل
ص: 161
كم من قوي في تقلبه ***مهذّب الرأي عنه الرزق منحرف
وكم ضعيف ضعيف في تقلّبه ***كأنه من خليج البحر يغترف
هذا دليل على أن الآله له ***في الخلق سر خفي ليس ينكشف
قيل لأشعب الطماع ، قد صرت شيخاً كبيراً ، وبلغت هذا المبلغ ولا تحفظ من الحديث شيئاً ، فقال ، بلى والله ما سمع أحد عن عكرمة ما سمعت ، قالوا فحدثنا : قال : سمعت عكرمة يحدث عن إبن عباس عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، قال : خلّتان لا يجتمعان إلاّ في مؤمن ، نسي عكرمة واحدة ، ونسيت أنا الأخرى .
ألنفس تبكي على الدنيا وقد علمت ***أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ***إلاّ الّتي كان قبل الموت بانيها
وفي الحديث ، إذا بلغ الرّجل أربعين سنة ولم يتب مسح إبليس على وجهه وقال : بأبي وجه لا يفلح (1).
سلبت عظامي لحمها فتركتها ***عواري في أجلادها تتكسّر
وأخليت منها مُخّها فتركتها ***أنابيب في أجوافها الريح تصفر
ص: 162
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري ***ضنى جسدي لكنّني أتستّر
وليس الذي يجري من العين مائها*** ولكنّها نفس تذبّ فتقطر
يا بدر بادر إلي بالكأس ***فربّ خير أتى على اليأس
ولا تقبّل يدي فأن فمي ***أولابها من يدي ومن رأسي
لا عاشق في الناس من يلوم علي***حبّي وعشقي لأحسن الناس
احتضر أحد الحكماء : فجعل أخوه يبكي بأفراط ، فقال المحتضر : دون هذا يا أخي ، فعن قليل ترى ضاحكاً في مجلس أذكر فيه .
قيل لحكيم : من أبعد الناس سفراً ؟ قال : من كان سفره في ابتغاء الأخ الصالح.
ولى حجاج أعرابياً ،ولاية، فتصرف في الخراج فعزله ، فلما حضر ،قال له : يا عدو الله أكلت مال الله ، فقال الأعرابي : وما من أكل أن لم أكل مال الله ؛ القد راودت إبليس على أن يعطيني فلساً واحداً فلم يقبل فضحك وعفى عنه .
خير أخوانك المشارك في المرّ***وأين الشريك في المرَّ أينا
ألذي إن شهدت سرك في الحي ***وأن غبت كان سمعاً وعينا
أنت في معشر أذا غبت عنهم ***بدلوا كل مايزينك شينا
ص: 163
وإذا ما رأوك قالوا جميعاً***أنت من أكرم البرايا علينا
ما أرى في المنام وداً صحيحاً*** صار كل الوداد زوراً ومينا
قال بعض العرب : إذا أنا متّ أين يذهب بي ؟ فقيل : إلى الله تعالی فقال : ما أكره أن أذهب إلى من لم أرى الخير إلاّ منه .
وقد قال حول هذا المعنى أبو الحسن التّهامي مرثية لابن أخيه ، یقول:
أبكيه ثم أقول معتذراً له***وفّقت حيث تركت آلام دار
جاورت أعدائي وجاور ربه ***شتان بين جواره وجوار
كان في بغداد رجل متعبد اسمه (رويم) فعُرض عليه القضاء فتولاه ، فلقيه جنيد يوماً فقال ؛ من أراد أن يستودع سرّه من لا يفشيه فعليه (برويم) فأنه كتم حبّ الدنيا أربعين سنة حتى قدر عليها .
قال بعض العرفاء : إن الشيطان قاسم أباك وأمك إنه لهما لمن الناصحين فلقد رأيت ما فعل بهما ، وأما أنت فقد أقسم على غوايتك كما قال الله تعالى في حكاية منه (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) (ص الآية 82) ، فماذا ترى يصنع بك ؛ فشمّر عن ساق الحذر منه ، ومن كيده ، ومكره
وخديعته .
وقالوا في هجاء عليك إثم*** وليس الأثم إلا في المديح
ص: 164
لأني إن مدحت مدحت زوراً ***وأهجو حين أهجو بالصحيح
أفنيت شطر العمر في مدحكم***ظنّاً بكم إنّكم أهله
وعُدت أفنيه هجاءاً لكم***فضاع عمري فيكم كلّه
قال المنتصر : لذة العفو أطيب من لذّة التشفي ، وذلك أنّ لذة العفو يلحقها حمد العافية ، ولذة التشفي يلحقها ذمّ الندم .
آلة العيش صحة وشباب***فإذا وليا عن المرء ولّى
كتب أحد البلغاء كتابة بليغة إلى المنصور ، يشكو فيها سوء حاله وكثرة عائلته ، وضيق ذات يده ، فكتب المنصور في جوابه ، البلاغة والعناء إذا اجتمعا لأمرىء أبطراه ، وأن أمير المؤمنين مشفق عليك من البطر فاكتف بأحدهما .
سألت زماني ؛ وهو بالجهل مولع***وبالسخف مستهزء وبالنقص مختص
فقلت له هل لي طريق إلى الغنى*** فقال طريقان الوقاحة والنقص
تعلق أعرابي بأستار الكعبة المكرمة ، وقال : اللهم إنّ قوماً آمنوا بك ليحقنوا دمائهم ، فأدركوا ما نالوا ، وقد آمنا بك بقلوبنا لتجيرنا من عذابك
فبلغنا ما أملنا .
ص: 165
قال الواعظ لخليفة عصره : لو منعت شربة من الماء مع شدة عطشك بم كنت تشتريها ؟ قال : بنصف ملكي قال : فأن احتبست عند البول بم كنت تشتريها ؟ قال : بالنصف الآخر ، قال : فلا يغرنّك ملك قيمته شربة ماء وبولة .
جارية أعجبها حسنها ***ومثلها في الناس لم يخلق
خبّرتها أني محبّ لها*** فأقبلت تضحك من منطقي
والتفت نحو فتاة لها *** كالرشاء الوسنان في القرطق
قالت لها قولي لهذا الفتى*** انظر إلى وجهك ثم اعشق
أيا ليت شعري ما مرادك *** فجسمي قد أضرّ به بعادك
وأي ثلاثة لك قد سباني *** جمالك ، أم كمالك ، أم ودادك
وأي ثلاثة أوفى سوادا *** أخالك ، أم عذارك ، أم فؤادك
رأت قمر السماء فذكّرتني***ليالي وصلنا بالرقمتين
کلانا ناضر قمراً ولكن ***رأيت بعينها ورأت بعيني
إن رجلا من أهل الثروة ، خرج في آخر ليلة إلى الحمام ، فلقى رجلا من رفقائه في الطريق ، فقال له جيء معي الحمام ، فقال : أجيء معك إلى با به فلما ذهبا قدراً من الطريق ذهب الرفيق في طريق آخر ، من غير أن يخبر
ص: 166
صاحبه ، وكان في عقب الرجل سارق طرار لم يعلم به ، فلما بلغ الرجل باب الحمام نظر إلى خلفه فرآى سواداً (وهو طرار) فظن أن صاحبه ، فأخرج كيساً كان فيه ألفا دينار ، وقال ألفا دينار ، وقال : خذ هذه الأمانة حتى أخرج أنا ، فدخل الحمام ، وأقام الطرار مكانه ، حتى طلع الفجر ، وارتفع الظلام ، فخرج الرجل ، ولم ير صاحبه ، فأراد أن يذهب ، فقال له الطرار خذ أمانتك فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا رجل سارق طرار ، منعتني أمانتك الليلة عن شغلي ، فقال له الرجل : فلم لم تذهب بالدنانير ، قال : أنت ولم تستحسن نفسي الخيانة بالأمانة ، وأن لم يكن عندي من المروة .
أرعى الأمانة لا أخُوُن أمانتي***إنّ الخَون على الطريق الأنكب
في رواية إن رجلا من الصحابة في يوم خیبر مات ، فعرضوا على النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) أن يصلي عليه ، قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أنتم تصلون عليه ، فقالوا : ما إثمه ؛ قال : خان ، ففتشوا راحلته ، فوجدوا فيها خرزة من غنايم خیبر ، قد سرقه ، ولم يساو الدرهمين
قال أبو جعفر (علیه السلام) : أوحى الله إلى شعيب النبي (علیه السلام) إني معذب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفاً من شرارهم ، وستين ألفاً من خيارهم ، فقال : يا رب هؤلاء أشرار فما بال الأخيار ، فأوحى الله إليه أنهم راهنوا أهل المعاصي ، ولم يغضبوا لغضبي(1) .
ص: 167
قال السجاد (علیه السلام) : كتب رجل الى الحسين (علیه السلام) : يا سيدي أخبرني بخير الدّنيا والأخرة ، فكتب إليه الله الرّحمن الرّحيم أما بعد : من طلب رضا الله بسخط الناس ، كفاه الله أمور الناس ، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكلّه الله إلى الناس ، والسلام(1) .
في كتاب فضل الكلاب على كثير لمن لبس الثياب لمحمد خلف المرزبان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : رأى النبي (ص) رجلا مقتولاً ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ما شأنه ؛ فقالوا : إنه وثب على غنم بني زهرة فأخذ منها شاة ، فوثب عليه كلب الماشية فقتله ، فقال : قتل نفسه ، وأضاع دينه ، وعصى ربّه ، وخان أخاه ، وكان الكلب خيراً منه(2).
قال علي بن أبي طالب (علیه السلام) : طوبى لمن كان عيشه كعيش الكلاب ففيه عشر خصال .
1 - ليس له مال .
2 - ليس له قدر .
3 - ألارض بيت له .
4 - أكثر أوقاته يكون جائعاً
5-أكثر أوقاته يكون ساكتاً .
ص: 168
6 - يحول حول البيت بالليل والنهار .
7 - يقنع بما يدفع إليه .
8- لو ضربه صاحبه مائة جلدة فلم يترك باب دار صاحبه .
9 - يأخذ عدوّ صاحبه ، ولا يأخذ صديقه .
10 - إذا مات لم يترك من الميراث شيئا(1) .
وكان الصديق يزور الصديق ***لطيب الحديث وطيب التداني
فصار الصديق يزور الصديق*** لبث الهموم وشكوى الزمان
إذا المرء لم يرض ما أمكنه***ولم يأت من أمره أحسنه
فدعه وقد ساء تدبیره*** سيضحك يوماً ويبكي سنة
إن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال يوماً لأصحابه : أيكم يصوم الدهر ؛ فقال . سلمان : أنا يا رسول الله ، قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : فأيكم يحيى الليل ، قال سلمان : أنا يا رسول الله ، قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : فأيكم يختم القرآن كله في كلّ يوم ، فقال سلمان : أنا يا رسول الله ، فغضب بعض أصحابه ، فقال : يا رسول الله إن سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا معاشر قريش ، قلت : أيكم يصوم الدّهر ، قال : أنا ، وهو أكثر أيامه يأكل ، وقلت : أيكم يحيى الليل ، فقال : أنا ، فقال : أنا ، وهو أكثر ليلته نائم ، وقلت : أيكم يختم القرآن كلّه في كل يوم ، فقال : أنا ، وهو أكثر أيامه صامت ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) :
ص: 169
يا فلان أني لك بمثل لقمان الحكيم ؛ سله ، فأنه ينّبتك ، فقال الرجل لسلمان ، يا عبد الله أليس زعمت أنّك تصوم الدهر ؟ فقال : نعم ، فقال : رأيتك في أكثر نهارك تأكل ، فقال ، ليس حيث تذهب ، أنّي أصوم ثلاثة أيام في الشهر ، وقال عز وجل (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (الأنعام / (160) ، وأوصل شعبان بشهر رمضان ، فذلك صوم الدهر ، فقال : ألست زعمت أنك تحيى الليل ؛ فقال : نعم ، قال : أكثر ليلتك نائم ، فقال : ليس حيث تذهب ، ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، يقول : من بات في طهر فكأنما أحيى الليلة كله ، وأنا أبيت على طهر فقال : أليست زعمت أنك تختم القرآن في كلّ يوم ؟ قال : نعم ، قال : فأنت أكثر أيامك صامت ، فقال : ليس حيث تذهب ، ولكني ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) يقول لعلي (علیه السلام) : يا أبا الحسن مثلك في أمتي مثل قل هو الله أحد ، فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين قرأ ثلثي القرآن ، من قرأها ثلاثاً فقد ختم القرآن(1)
لقد كنت محتاجاً إلى موت زوجتي ***ولكن قرين السوء باق معمر
فيا ليتها سارت إلى القبر عاجلا*** وعذبها فيه نكير ومنكر
في رواية ، قال داود (علیه السلام) : المرأة السوء على بعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير ، والمرأة الصالحة كالتاج المرصّع بالذّهب ، كلما رآها قرّت عينها . وفي تفسير (وقنا عذاب الناز) إنّه إمرأة السوء) (2).
ص: 170
سئل عن بعض الأكابر : من أعظم الصبر ؟ قال : صحبة من لا توافقك أخلاقه ، ولا يمكنك فراقه.
نكحتُ إبنة المنتصى نكحةً ***على الكرهِ ضَرَّت ولم تنفع
ولم تغُن من فاقةٍ معدماً ***إذا تُجدِ خيراً ولم تَجمَع
منجذةً مثل كلب الهراش***إذا هجع الناس لم تهجع
مفرقةً بين جيرانها ***وما تستطيع بينهم تقطع
بقول رأيت لما لاترى***وقيل سمعت ولم تسمَع
فإن تشرب الزَّقَ لا يروها ***وان تأكل الشاة لا تشبع
ولیست بتاركة محرماً ***ولو حفٌ بالأسل السُّرع
المال حلل كل غیر محلّل***حتى زواج الشيب بالأبكار
ما زُوجّت تلك الفتاة وإنما*** بَيعُ الصّبا والحسن بالدّينار
فتَشتُ لَم أر في الزواج كفاءة ***ككفاءة الأزواج في الأعمار
سحر القلوب فربَّ أم قلبها*** من سحرة حجر من الأحجار
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من أعطى أربع خصال فقد أعطى خير الدنيا والآخرة ، قلب شاكر ، ولسان ذاكر ، وبدن صابر ، وزوجة صالحة . (1)
ص: 171
بنات حواء أعشاب وأزهار ***فاستلهم العقل وانظر كيف تختار
ولا يغرنك الوجه الجميل فكم*** في الزهر سم ، وكم بالعشب عقّار
وقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : الشهوة داء وعصیانها دواء .
قال علي (علیه السلام) : أفضل رداء يرتدي به الحلم ، فإن لم تكن حليماً فتحلّم ، فإنّه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم(1).
من خطب الإمام الحسين (علیه السلام) : إنّ الحلم زينة ، والوقار مروّة ، والصلة نعمة ، والأستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، والمجالسة للدناة شين ، ومجالسة أهل الفسوق ريبة(2).
قال أبو هفان : سألت وراقاً عن حاله ، فقال : عيشي أضيق من محبرة ، وجسمي أدق من مسطرة ، وجاهي أرق من الزجاج ، ووجهي عند الناس أشدّ سواداً من الحبر ، وخطي أحقر من شق القلم ، وبدني أضعف من قصبة ، وطعامي أمر من العقص ، وسوء الحساب ألزم لي من الصيغ فقلت له : عبرت عن بلاء ببلاء .
ص: 172
سئل عن الحمل الثقيل يحمله الرجل على رأسه فلا يثقل عليه كثيراً ، وترى الرجل المكروه يجلس على بعد من الانسان ، ويكون ثقله ومشقته عليه أعظم من ذلك الحمل الثقيل .
فقال : إن الحمل الثقيل يحمله البدن ، والرجل المكروه تحمله الروح وهي ألطف من البدن وأرق ، فما تحمله الرّوح أشق عليها مما يحمله البدن .
خلوة الإنسان خير ***من جليس السوء عنده
وجليس الخیر خیر***من جلوس المرء وحده
إذا أردت أن تعذب عالماً ***فاقرن معه جاهلا
ربما يثقل الجليس وإن ***كان خفيفا في كفة الميزان
الصّاحب للصاحب كالرّقعة في الثّوب إن لم تكن مثله شانته في المثل الجليس الحسن كالعطار ، إن لم يصبك عطره أصبت من ريحه ، وجليس السوء كالحداد، إن لم يحرق ثوبك بشرره آذاك بدخانه.
لقاء الناس ليس يفيد شيئا ***سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا*** لأخذ العلم أو إصلاح حال
كان هود (علیه السلام) زرّاعاً يسقي الزرع ، فجاء قومه على بابه يريدونه ،
ص: 173
فخرجت عليهم إمرأة شمطاء ، عوراء ، فقالت : من أنتم ؟ فقالوا : نحن من بلاد كذا وكذا ، أجدبت بلادنا ، فجئنا الى هود نسأله أن يدعو الله حتی يمطر ، وتخضب بلادنا ، وذلك لما كفّ عنهم السما سبع سنين فقالت :لو استجيب لهود لدعا لنفسه ، فقد احترق زرعه لقلة الماء ، قالوا : فأين هو ؟ قالت : هو في موضع كذا وكذا ، فجاؤوا إليه ، فقالوا : يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم تمطر ، فاسأل الله أن يخضب بلادنا ويمطر ، فتهيأ للصلاة ، وصلى، فدعا له- لهم. ، فقال لهم : إرجعوا فقد أمطرتم ، وأخضب بلادكم ، فقالوا يا نبي الله إنا رأينا في منزلك ، إمرأة شمطاء عوراء ، قالت لنا من أنتم ، ومن تريدون ؟ فقلنا : جئنا إلى هود ليدعو الله لنا فتمطر فقالت : لو كان هود داعياً لدعا لنفسه ، فإن زرعه قد احترق ، فقال هود (علیه السلام) : ذاك أهلي ، وأنا أدعو الله لها بطول البقاء ، فقالوا كيف ذلك ؟ قال : لأنه ما خلق الله مؤمناً إلا وله عدوّ يؤذيه ، وهي عدوّ لي ، فيكون عدوّي ممن أملكه خير من أن يكون عدوي ممن يملكني(1) .
هذا الجليس الذي بليت به ***أقسم ألا يفارقَ الصَّلَفا
في كل علم يخوض مدّعيا ***وهو جهول بكلّ ماعُرفا
أوضع خلق الله كلّهم ***ويدعي أنه من الشرفا
الموت منه ومن ثقالته ***أماته الله عاجلا وكفى
تخيّر فإما وحدة مثل ميتَةٍ ***وإما جليس في الحياةِ منافِقُ
ص: 174
ورد في الروايات : ان سليمان بن داود (علیه السلام) لما أراد تعذيب الهدهدأمر بحبسه مع الحدأة ، في قفص واحد ، فلمّا رأى حاله معها ، طلب من سليمان أن يخرجه من القفص، وأن يعذبه بكلّ ما أراد ، من أنواع العذاب ، فقد كان أخف عليه(1) .
من لم تجانسه فاحذر أن تجالسه ***فالشمعُ لم يحترق إلا من الفتل
أقول : إن أشدّ مصيبة ، وأعظم أذىً للإنسان هي الزوجة إذا كانت سيئة الخلق ، سيّما إذا ضم إليها كونها غير مطيعة ، أو ذعيرة اللسان ، أو خشنة السؤال والجواب ، أو حمقاء ، أو غير عالمة بآداب المعاشرة ، وأفعال البيت ، ورسوم المزاوجة ، وخصوصاً إذا علمت بأن الزوج لا يمكنه فراقها ، ولا طلاقها ، لفقر ، أو ولد ، أو غيرها ، وسيّما إذا كان من أهل الآداب ، وملازماً للباب ، كانت أعظم المصائب ، والمؤلمات الواردة عليه ، ولا يتصوّر مصيبة بين المصائب بلغت عشراً من اعشارها ، فإنها سريعة الزوال ،وغالبها من أهلها ، بخلاف هذه ، فإن أكلها دائم ولم يكن من أهلها وهذه المصائب لو صبت واحدة منها على الأيام لصرن لياليا ، ولصارت أشد من ألم النار .
أدع الله أن يقيك ربّك من إمرأة جمعت فيها هذه الأوصاف .
ص: 175
لا تودع لسرّ النساء فما النِّساء ***أهلاً الى مستودع الأسرار
كيد النساء ومكرهنّ مروّع ***لا كان كلّ مكايد مکار
إن كنَّ خلات الشبيبة والغنى ***صرن المعدى والشيب والأعسار
النساء - فخ منصوب فليس يقع فيه إلاّ من اغتر به .
النساء ، سلم منصوب ليس للشيطان حيلة إلا بالصّعود عليه أسير النساء غير مكفوف .
من أراد أن يقوّى على طلب الحكمة فليكفف عن تمليك النساء على نفسه.
فإن تسألوني بالنّساء فإنني ***بصير بأدواءِ النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله***فليس له من وُدِّهنَّ نصيب
يردن ثراء المال حيث وجدنه ***وشرخ الشباب عندهنَّ عجب
كان لعالم تلميذ ، فدخل عليه ذات يوم معصوب الرأس ، برقعة الحمّى أو صداع ، فقال له : ما لك عصبت رأسك ؟ قال : حمت البارحة . فقال : سبحان الله إنّك طول عمرك في نعمة الله وعافية ، لم تشد على رأسك ، كتاب شكر ، وتحمى يوماً واحداً وتشدّ على رأسك كتاب شكاية .
روي أن إمرأة عثرت فانقطع ظفرها ، فضحكت ، فقيل لها : أما تجدين الوجع ؟ فقالت : إن لذّة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه .
ص: 176
صبراً جميلا على ما ناب من حدث***والصّبرُ ينفع أحياناً إذا صبروا
الصّبر أفضل شيء تستعين به ***على الزمان إذا ما مسَّكَ الضررُ
قال أحد العرفاء : قصدت عبادان في بدايتي ، فإذا أنا برجل أعمى مجذوم ، وقد صرع والنّمل تأكله لحمه ، فرفعت رأسه ، ووضعته في حجري ، وأنا أردد الكلام ، فلمّا أفاق ، قال : من هذا الفضولي الذي يدخل بيني وبين ربي ، فوحقّه لو قطعني إربا إرباً ما ازددت له إلا حبّاً .
أقلب عيني لا أرى من أحبّه ***وفي الدار ممن لا أحبّ كثير
في لآلى الأخبار : رُوي أن عمر بن حصين ، الذي كان من كبار أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، ابتلي بمرض الإستسقاء ، وكان ألقي على بطنه على الأرض في ثلاثين سنة ، ولم يكن قادراً على القيام ، ولا على جلوس في تلك المدة ، وحفروا لقضاء حاجته حفيرة تحته ، ودخل عليه أخوه علاء يوماً وبكى له قال عمران: ما يبكيك ؟ قال : لما أرى فيك العظيمة . قال : لا تبك، ما شاء الله لي أحبّ إليّ . فقال : أخبرك بشيء لعل الله ينفعك به ، لا أخبرت أحداً ما دمت حيّا إن الملائكة يزورونني وأنا أوانس بهم ، ويسلّمون علي وأسمع تسليمهم(1) .
ص: 177
استر بصبرك ما تُخفيه من كمدٍ ***وإن عذابَ حَشاكَ الهم والخرقُ
كالشمع يظهر أنوار التجمل، والدم- ***-وعُ منهلةُ، والجسمُ محترقُ
إن عيسى بن مريم (علیها السلام) مرّ برجل أعمى وأبرص مقعد ، الجنبين بالفالج قد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول : الحمد لله الذي عافاني ، مما ابتلي به كثيراً من خلقه ، فقال له عيسى (علیه السلام) : يا هذا وأي شيء من البلاء تراه مصروفاً عنك ؟ فقال : يا روح الله أنا خير ممّن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته ، فقال عيسى (علیه السلام) : صدقت هات يدك فناوله يده ، فإذا هو أحسن الناس وجهاً ، وأفضلهم هيئة قد أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسى وتعبّد معه (1).
والناس في هذه الدنيا على رُتَب*** هذا يحطّ وذا يعلو فيرتفع
فأخلص الشكر فيها قد حبيت به*** وآثر الصبر كل سوف ينقطع
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : لا تجلسوا إلا عند من يدعوكم من خمس الى خمس ، من الشك الى اليقين ، ومن الكبر الى التواضع ، ومن العداوة الى المحبة ، ومن الرّياء الى الاخلاص ، ومن الرغبة الى الزّهد(2).
ص: 178
عن بعض العرفاء : العجب كلّ العجب لمن عرف الله ولم يطعه ، ولمن رجا ثوابه ولم يعمل ، ولمن خاف عقابه ولم يحترز ، ولمن عرف شرف العلم ورضي لنفسه بالجهل ، ولمن صرف جميع همّته الى عمارة الدنيا مع علمه بفراقها ، ولمن لهي عن الآخرة ، وخرّب مستقرة منها مع علمه إليها ، ومن جرى في ميدان أمله ، ولا يدري متى يعثر بأجله .
مما أورده ابن الصباغ في فصول المهمة :
حلاوة دنياك مسمومة*** فلا تأكل الشهد إلاّ بسم
محامدك اليوم مذمومة ***فلا تكسب الحمد إلا بذم
إذا تمّ أمر بدا نقصه ***توقع زوالاً إذا قيل تم
إذا كنت في نعمة فارعها ***فإن المعاصي تزيل النعم
و داوم عليها بشكر الإله*** فإن الإله سريع النقم
فإن تعط نفسك آمالها ***فعند مناها يحلّ النَّدم
حكى وزير عون الدين ، قال : كان بيني وبين شيخ ظاهر الصلاح صداقة ، فلما حضرته الوفاة ، دفع إلى ثلاثمائة دينار ، وقال جهزني بها ، وادفنّي بمقبرة معروفة ، وتصدّق بما يبقى على من تعرف أنه مستحق ، فلما مات جهزته ، ودفنته ورجعت ، فلما صرت في أثناء الطريق وصعدت الجسر صدمني فرس فسقط المنديل من يدي الى دجلة ، وفيه دنانير ، فضربت إحدى يدي بالأخرى . وصحت (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فقال رجل : ما قصّتك ؟ فشرحت له حالي، فألقى ثيابه ورمى بنفسه حيث
ص: 179
وقع المنديل ، فخاض وما خرج إلاّ والمنديل في فمه ، فسلّمه فدفعت له خمسة دنانير ، فكاد يطير فرحاً ، فجعل يحلف أنه أصبح لا يملك قوتاً وجعل يشكو أباه ويلعنه ، فأنكرت ذلك عليه ، ونهيته عن لعن والده فقال : إنّه قد منعني عن ماله مع علمه بفقري ، وهجرني الى أن مات في يومي هذا ، ولم يعلمني بمرضه ، وكان له مال صالح ، فقلت له : من أبوك ، فقال : فلان بن فلان ، وسمى الشيخ الذي رجعت من فتعجبت ، فطلبت منه الشّهود على ذلك ، فشهد جماعة كثيرة بأنّه ولده فدفعت إليه الدنانير ، وقلت له : هي لك .
وأفضل قسم الله للمرء عقله ***فليس من الأشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الرّحمن للمرء عقله ***فقد كملت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى بالعقل في كلّ بلدة*** على العقل يجري علمه وتجاربه
يزين الفتى في النّاس صحة عقله ***وإن كان محظورا عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله ***وإن كرمت أعوانه ومناسبه
قال الأصمعي : رأيت بالبصرة شيخاً له منظر حسن ، وعليه ثياب حسنة ، وحوله حاشية وهرج ومرج ، وعنده دخل وخرج ، فأردت أن أختبر عقله فسلّمت عليه ، فرد عليّ السلام ، فقلت له : ما كنية سيدنا ، قال : أبو عبد الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، قال الأصمعي : فقلت له : مرحباً بك يا بن نصف القرآن ، وضحكت منه ، وعلمت قلة عقله ، وكثرة جهله ، ولم يدفع ذلك عنه غزارة خرجه ودخله .
ص: 180
لو كنت بالعقل تعطى ما تريد ***به لما ظفرت من الدنيا بمسروق
وله أيضاً :
رزقت مالاً على جهل فعشت به ***فلست أوّل مجنون بمرزوق
إن رجلاً دعا رجلاً آخر الى منزله ، وقال : لنأكل معك خبزاً وملحاً ، فظن الرجل : إنَّ ذلك كناية من طعام لذيد أعده صاحب المنزل ، فمضى معه، فلم يزد على الخبز والملح ، فبينما يأكلان ، إذ وقف سائل ، فزجره صاحب المنزل مراراً ، فلم ينزجر ، فقال له : إذهب وإلا خرجت وكسرت رأسك ، فقال المدعُو : يا هذا إنصرف ، فإنّك لو عرفت من صدق وعده ما تعرضت له .
من لم تضم الضيوف ساحتُهُ ***فسترُه أن تضمَّه الحُفره
ومن تمادى في شِحِهِ نفرت*** من قربه النّاس أيما نفره
واللؤم يزري من قد يصاحبه ***لقد كاد يقتضي كفره
في كتاب ربيع الأبرار زار رجل أحد أصدقائه ، وطول الجلوس عنده ، فلما أمسى وأظلم البيت لم يأته بالسّراج ، فقال الرجل : أين السّراج ، فقال صاحب البيت : إن الله تبارك وتعالى ، يقول : (وإذا أظلم عليهم قاموا) (البقرة الآية (20) ، فقام الرجل وخرج .
ص: 181
منزلنا رحب لمن زاره ***نحن سواء فيه والطارق
وكلّ مافيه حلال له ***إلاّ الذي حرمه الخالق
الله يعلم أنّه أنه ماسرني ***شيء كطارقة الضيوف النزل
ما زلت بالترحيب حتى خلتني***ضيفاً له ، والضّيف ربّ المنزل
أربعة تضعف البدن وتجلب العلل ، وربما قتلت صاحبها : 1 - معاشرة البخيل . 2 - مجالسة الثقيل . 3 - معالجة العليل . 4 - وعد فيه تطويل .
قيل للأعمش : لم عمشت عيناك ؟ قال : من النظر الى الثقلاء .
كان المولى الأردبيلي أنه إذا تكلّم معه العالم المولى عبد الله التستري ، في مسألة ، وتكلّما فيها سكت الأردبيلي ، في أثناء الكلام ، وقال : حتى أراجعها في الكتب ، ثم أخذ بيد التستري ، ويخرجان من النجف الأشرف الى خارج البلد ، فإذا انفردوا ، قال الأردبيلي : هات يا أخي تلك المسألة فيكلّم فيها ويحققها الأردبيلي ، ويقول التستري : يا أخي هذا التحقيق لم لا تكلمت به هناك لما سألتك ؟ فيقول له : إن كلامنا كان بين الناس ولعله كان فيه تنافس ، وطلب المحقر منك أو مني ، والآن لا أحد معنا إلا الله سبحانه .
ص: 182
علمي معي حيثما يممت ينفعني*** قلبي وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق
أرى برّ أستاذي على برّ والدي ***وإن كان من أهل المودّة والشرف
فهذا يربي الروح والروح جوهر*** وهذا يربي الجسم والجسم من صدف
سأل أبو بكر الواعظ عن مسألة ، فقال : لا أدري ، قيل له : ليس المنبر موضع الجهال ؟ فقال : إنما علوت بقدر علمي ، ولو علوت بقدر جهلي
لبلغت السّماء .
وجاهل يدعي في العلم فلسفة*** قد راح يكفر بالرّحمن تقليدا
وقال أعرفُ معقولا فقلت له ***عنيت نفسك معقولاً ومعقودا
من أين أنت وهذا الشيء تذكره ***أراك تقرع باباً عنك مسدودا
فقال : إنّ كلامي لست تفهمه ***فقلت : لست سلیمان بن داوودا
إنّ عالماً سأل عن مسألة ، فما تمكن عن الجواب ، فقال السائل : ليس هذا مكان الجّهال ، فقال العالم : المكان لا يعلم شيئاً فأما الذي يعلم كلّ شيء فلا مكان له .
أيطلب المجد ويبغي العلا ***قوم لسوق العلم فيهم كساد
ص: 183
ما أصعب الفعل لمن رامه *** وأسهل القول على من أراد
قال الله تعالى لعيسى بن مريم (علیها السلام) : يا بن مريم عظ نفسك أولاً فإن إتّعظت فعظ النفوس ، وإلا فاستحي عني (1).
إنّ الموعظة إذا خرجت من القلب ، وقعت في القلب ، وإذا أخرجت من اللسان ، لم تتجاوز الآذان .
قال سفيان بن عينيه : كيف ينتفع بعلمي غيري ، وأنا حرمت نفسي نفعها.
قال أحد الحكماء : العلم أس ، والعمل بناء ، والأس بلا بناء باطل .
قال أحد الحكماء : لرجل يستكثر من العلم ولا يعمل به ، يا هذا إذا أفنيت عمرك في جمع السلاح فمتى تقاتل ؟
وليس الغني إلاّ غنى العلم إنّه*** لنور الفتى يجلو ظلام افتقاره
ولا تحسبن العلم في الناس منجيا*** إذا نكبت أخلاقهم عن مناره
ص: 184
وما العلم إلاّ النّور يجلو دجى العمى***ولكن تزيغِ العين عند إنكساره
فما فاسد الأخلاق بالعلم مفلحاً***وإن كان بحراً زاخراً من بحاره
إن السلطان المقدتر السلطان محمود كان يشكّ كثيراً في ثلاث أمور .
الأول - في نسبه ، هل هو إبن سبكتكين أو غيره ؟ لما قيل فيه .
الثاني - في القيامة ، ومعاد الخلق بعد ما صاروا رميماً .
الثالث - في الحديث المشهور بين الفريقين (العلماء ورثة الأنبياء)(1).
لأستبعاد أن يكون للعلماء هذا القدر ، وهذه المنزلة عند الله وعند الناس ، وترسّخ في قلبه هذه الشبهات ، إلى أن كان يوماً يرجع من الصيد فدخل مصر بعد ما أظلم الليل ، فرأى شخصاً في باب حانوت ، قد يقرب ، وقد يبعد منه ، فلما قرب منه ونظر إليه ، رأى أنه طالب علم فقير ، بيده كتاب ، كان إذا خلى الباب من المشتري يدنوا إلى السّراج ، وينظر في الكتاب وإذا جاء المشتري للبقال يأخذ بطرف حتى قضى البقال حاجته ، فتأثر السلطان فقره ، ورق عليه ، فذهب في منزله ، وأرسل إليه دنانير وشمعاً ، فرأى في الليل رسول الله (صلّی الله علیه وآله .سلم) في منامه ، وقال له : يا بن سبكتكين عزّزك الله في الدارين كما عززت ورثتي ، فرفع عنه بعمله الشبهات الثلاث بهذا الخطاب المستطاب وعزّز في ملكه.
تلقط شذور العلم حيث وجدتها ***وسلها ولا يخجلكَ أنكَ تسألُ
إذا كنت في إعطائك المال فاضلا ***فإنّك في إعطائك العلم أفضل
ص: 185
وما أن فازَ أكثرنا عُلوماً ***ولكن فاز أسلمنا ضميراً
في الكافي قال أبو عبد الله (علیه السلام) : (إتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضا) إنّ عيسى بن مريم (علیها السلام) كان من شريعته السيّح في البلاد ، فخرج في بعض سيحه ، ومعه رجل من أصحابه قصير ، وكان كثير اللزوم لعيسى (علیه السلام) ، فلّما انتهى عيسى إلى البحر ، قال : الله بصحة يقين منه ، فمشى على ظهر الماء ، فقال القصير : حين نظر إلى عيسى جازه ، قال : الله بصحة يقين منه ، فمشى على الماء ، فلحق بعیسی ، فدخله العجب بنفسه ،فقال : هذا عيسى روح الله یمشی عليّ الماء ،وأنا أمشي على الماء ، فما فضله على قال :فّرس في الماء فاستغاث بعیسی ، فتناوله من الماء فأخرجه ثم قال له : ما قلت يا قصير ؟ قال : قلت : هذا روح الله يمشي على الماء وأنا أمشي على الماء ، فدخلني من ذلك عجب ،فقال له عیسی :لقد وضعت نفسك في غير الموضع الّذي وضعك الله فيه ، فمقّتك الله على ما قلت ، قال : فتاب الرجل ، وعاد إلى مرتبته التي وضعه الله فيها ، فاتقوا الله ولا يحسدن بعضكم بعضا(1)
أعطيت كلٍّ الناس من نفسي الرضا ***إلاّ الحسود فإنّه أعياني
ما إنّ لي ذنياً إليه علمته ***إلاّ تظاهر نعمةَ الرّحمن
وأبي وما يرضيه إلا ذلّتي ***وذهاب أموالي وقطع لساني
ص: 186
وعذر حسودك فيما خصصت به ***إنّ العلا حسن في مثلها الحسد
لما صنع نوح السّفينة ، وأركب فيها جميع أنواع الحيوانات ، بقي الحمار خارج السّفينة ، وخاف نوح من الغرق ، وكلّما أمره بالرّكوب إمتنع فغضب عليه نوح ، وقال : إركب يا شيطان ، مخاطباً للحمار ، فسمع الشيطان كلام نوح ، فتعلّق في ذنب الحمار ، فركب في السّفينة ، ونوح ونوح كان يظنّ أنه لم يركب ، ولم يرخص له ، فلما أخذت السفينة مأخذها ، وطافت على الماء ، فنظر نوح (علیه السلام) فرأى إبليس جالساً على صدر السّفينة ، فقال له من رخّصك ؟ فقال : أنت ، ألم تقل : إركب يا شيطان ، ثم إنّه قال : يا نوح : إنّ لك عندي بداً ، ونعمة أريد أن أكافيك عليها ، فقال نوح : وما هي ؟ فقال : إنك دعوت على قومك فأغرقتهم بساعة واحدة ، ولو بقوا لكنت متحيراً في إضلالهم ، وايرادهم موارد الهلاك ، فلمّا علم نوح (علیه السلام) إن الشيطان ، قد شمت به بکی ، وناح بعد الطوفان خمسمائة عام ، فسمّي نوحاً ، فأوحى الله تعالى إلى نوح ، أن أسمع ما يقول لك الشيطان ، واقبل كلامه ، فقال نوح : ما تقول يا إبليس : فقال يا نوح : أنهاك عن أوّلها الكبر ، والعجب ، فإنّ أول ما فإنّ أول ما عصى الله به التكبّر ، وذلك أنه أمرني بالسجود لأبيك آدم ، ولو سجدت له لما أخرجني من عالم الملكوت ، وثانيها : الحرص ، فإنّ الله أباح الجنة كلّها لأبيك ونهى عن شجرة واحدة ، حرصه إلى الأكل منها فأكلا فصار عليه ما صار . وثالثها: أن لا تخلوا بامرأة أجنبية إلا ويكون معكما ثالث ، فإنّك إن خلوت بها غير ثالث ، كنت
ص: 187
أنا الثالث ، فأسّول لك الأمور حتى أوقعك في الزنا ، فأوحى الله إليه بقبول قوله (1).
يا مظهر الكبر إعجاباً بصورته ***انظر خلائك إنّ النتن تثريب
لو فكر الناسُ فيها في بطونِهِمُ ***ما استشعر الفكر شبّانُ ولا شيبُ
هل في إبن آدم غير الرأس مكرمة ***وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنفُ يسيل وأذن ريحها سهك*** والعين مرمصة والثّغر ملعوب
يابن التراب ومأكول التراب غداً ***أقصر فإنك مأكول ومشروب
قال أحد العرفاء : الحمد لله الذي لم يجعل في قلوب الأمراء ، ولا الولاة ما في قلب الحاسد ، فكان يهلك الناس جميعاً .
التّيه مفسدة للدين منقصة ***للعقل ، مهتكة للعرض فانتبه
لا تشرهَنَّ فَإنّ الذُّل في الشّره ***والعزّ في الحلم لا في البطش والسفح
دخل رجل موسر نقي الثوب على رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) فجلس وجاء رجل معسر درن الثوب ، فجلس إلى الموسر ، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : خفت أن يمسك من فقره شيء ؟ فقال : لا ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) خفت أن يصيبه من غناك شيء ؟ قال : لا ، قال(صلّی الله علیه وآله وسلم): فخفت أن يوسخ
ص: 188
ثيابك ؟ قال : لا ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : فما حملك على ما صنعت ، فقال : يا رسول الله إن لي قريناً ، يزيّن كلّ قبيح ، ويقبِّح كل حسن ، فقد جعلت له نصف مالي ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : للمعسر تقبل ، قال : لا ، فقال له الرجل : ولماذا ؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخلك(1).
والكبر والحمد ضدان إتّفاقهما ***مثل إتفاق فناء السّن والكبر
يجني تزايد هذا من تناقص ذا ***والليل إن طال غال اليوم بالقصر
(سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) . (سورة الأعراف الآية (146) وقوله تعالى : (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبّر
جبّار) (سورة الغافر الآية (35) .
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر ، ولا يدخل النار رجل في قلبه مثقال حبّة من الإيمان(2) .
خير الدقيق من المناخل نازلُ ***وأخسه وهي النخالة تصعد
أوحى الله الى موسى بن عمران (علیه السلام) إن جئت للمناجاة ، فاصحب معك من تكون خيراً منه ، فجعل موسى لا يتعرض أحداً إلاّ وهو لا يجرء أن
ص: 189
يقول إنّي خير منه ، فنزل عن الناس ، وشرع في أصناف الحيوانات ، حتّى مرّ بكلب أجرب فقال : أصحب هذا فجعل في عنقه حبلا ثم مرّ به ، فلما كان في بعض الطريق شمّر الحبل وأرسله ، فلما جاء إلى مناجاة الرّب سبحانه ، قال يا موسى : أين ما أمرتك به ؟ قال يارب لم أجده ، فقال تعالى : وعزّتي وجلالي لو أتيتني بأحدٍ لمحوتك من ديوان النبوّة(1).
في جامع الأخبار ، روي أن نوحاً (علیه السلام) مرّ على كلب كريه المنظر ، فقال نوح : ما أقبح هذا الكلب ! فخشي الكلب ، وقال بلسان طلق ذلق : إن كنت لا ترضى بخلق الله فحوّلني يا نبي الله ، فتحير نوح . وأقبل يلوم نفسه بذلك ، وناح على نفسه أربعين سنة ، حتى ناد الله تعالى إلى متى تنوح يانوح فقد تبت عليك(2).
تكلم وسدّد ما استطعت فإنّما ***کلامک حی والسّكوت جماد
وان لم تجد قولاً سديداً تقوله ***فصمتك من غير السّداد سداد
إن رجلا سأل عيسى بن مريم (علیها السلام) أي النّاس أفضل فأخذ قبضتين من تراب فقال : أي من هاتين أفضل ؟ الناس خلقوا من تراب هاتين ، ثم قال (علیه السلام) : الناس خلقوا من تراب ، فأكرمهم أتقاهم(3).
ص: 190
(678) ما نقل عن لقمان الحكيم:
نقل عن لقمان الحكيم أنّه قال : ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصّبي يعني في المزاح، وحسن الخلق بالملاعبة ، والمطائبة وإذا كان في القوم كان رجلا .
في روضة الواعظين للمحقق السبزواري ، إنّ سليمان بن وهب وزير المتوكل ، قال يوماً لأصحابه ، بعد أن ورد عليه أحمد بن أبي خالد في دار الوزارة ، وقدمه على نفسه ، وعظمه غاية التعظيم ، وانصرف لأجله عن مشاغله ، وكبر ذلك عليهم ، قال : كان أحمد والياً في مصر سنين عديدة ، فعزله المتوكل ، وولينى فيه ، وفوض حسابه عليّ ، وقد بقي من حسابه سنتان : فلما وردت مصر طمعت على أحمد ، وطالبت منه أن ينقص من دخل الديوان ، ويزيد في خرجه مائة ألف دينار ، فامتنع منه ، وقال : ما فعلت هذا لنفسي ، فكيف أفعله لغيري ، فأمرت بحبسه وقيده ، حتى مضى عليه الشهور ، وهو في حبسى وقيدي ، وكنت أفكر في أمره ، فإذا أرسل إلى يوماً رقعة كتب لي فيها أمر مهم فأحضرني عندك ، فقطعت أنه رضا بما أمرته ، فأحضرته مقيداً ، فالتمس مني . ، فزاد يقيني على يقيني في قبوله المأمول ، فأمرت له بالخلوة ، فاذا رأيته يقول : ما بلغ أوان أن يرق قلبك علي ، وترحمني ، وتخلصني مما كنت فيه ، فلما ظهر منه خلاف ما تصورت ، وقطعت به من رقعته ، إستولى على الغضب ، فشتمته ، وشددت عليه القول ، وقلت : هذا كان مهمّك الذي كتبته إلي لتسخرني ، فقال : أليس بدّ من ذلك ، فقلت : لا مفرّ لك من ذلك إلا أن تفعل ما أمرتك به ، فلما آيس منى أظهر خطاً ودفعه إليّ ، فلما نظرت فيه رأيت أنّ المتوكل كتب فيه ، أنّ سليمان معزول ، وأحمد منصوب . وعليه حسابه
ص: 191
وأخذ ما يرد عليه ، فإذا عرض عليّ من هول هذه الرقعة ما كاد أغشي عليه ، فإذا دخل أمير البلد مع جمع غفير ، عاهدهم وأعلمهم بالخط ، فقفلوا بيوتي وخزائني ، وأخذوا غلماني ، وأرادو أن يقيّدون فمنعهم منه ، ثم قال لي : ليس في مصر بيت يسع خدمك ، كن أنت في مكانك هذا وأنا أحصل مكاناً آخر ، فقام ، وأمر برفع الأقفال من بيوتي وخزائني . وباطلاق غلماني وخدمي ، وكان يرسل إلي كل يوم الهدايا ، والتحف ، وكان يحضرني ويجيء عندي كل يوم صباحاً ومساءاً تلطفاً وإكراماً لي حتى مضى شهر فجاء يوماً ، وقال : مر كاتبك أن يكتب على حساب مصر في هذه المدة ، فأمرت به وسلمت إليه ، فأذن لي بالخروج إلى بغداد عند الخليفة ، فخرجت غداً من مصر مع ما معي ، فجاء هو وأمير مصر ، وقال لي : قف عند المنزل : الأول حتى أرسل معك جماعة ، فإن الطريق غير آمن ، فعرض عليّ من هذا الكلام دهشة عظيمة ، وأيقنت أنه غرني بأفعاله ، وأراد أن أخرج جميع ما معي ، من الأموال ، والخزائن ، ثم يرسل أن يأخذونها مني ، ويفعل بي من الحبس ، والقيد ما فعلته به ، ثم يطالبني بما أمرت به ، فسرت خائفاً إلى المنزل مترصداً للبلاء ، فلما كان من صبيحة الغد رأيت عسكراً متوجهين إلينا ، فما خلت في حقهم إلا أنهم جاءوا لنهب أموالي ، وحبس نفسي فدخلني من الخوف والدهشة ما دخلني ، فأمرت الغلمان بالتفتيش عنهم ، فرجعوا وأخبروني بأنه أحمد بن أبي خالد مع جيشه ، فخرجت من خيمتي ، واستقبلته وسلمت عليه ، فلما جاء وجلس طلب مني الخلوة فانتهيت بما خلت من الانتقام . فزال عقلي ، وتحيرت في أمري ، فأمرت بالخلوة ، فقال لي : إنما أخرت ذهابك لأن أراجع حساب السنين لأجل ما أمرتني به في إمارتك ، وكنت ممتنعاً منه ، وكنت هذه المدة مشغولاً به ، فأخرجت لك حساب السنتين ، ثلاثين ألف دينار، فحملتها على البغال ،
ص: 192
فأمر بقبضها ، فأمرت به ، وقبلت يده ، وقلت : فعلت ما لم يفعله البرامكة ، فمدّ يده ومنعني منه ، فهو قبل يدي ورجلي ، ثم التمس مني
، القبول من مال نفسه خمسة آلاف دينار ، فأنكرت عليه فحلف بالطلاق ، فقبلت منه : ثم قال لي : تهيأت لك من الهدايا والتحف ، ونفايس مصر لأرباب التوقع منك من حواشي الخليفة أشياء ، فدفع إلي ثبتا زاد قيمتها على عشرة آلاف دينار ، فأمرت بقبضها ، ثم أمر بحضار ثوب مذهب ، وقال : تم هذا عليّ بخمسة آلاف دينار لكن اليوم لم يمكن تحصيل مثله بعشرة آلاف . دينار فأمر بتسليمه إلي ، فلما أخذته ، ونظرت فيه ما كنت رأيت مثله قط فهل تلومونني فيما فعلت له ؟ فقالوا : لا والله هو يليق بجميع التعظيمات والتبجيلات
ومن كرمت طبائعه تحلى ***بآداب مفضّلة حسان
ومن قلت مطامعه تغطّى ***من الدنيا بأثواب الأمان
فإن غَدَرَت بك الأيام فاصبر***وكن بالله محمود المعاني
ولاتك ساكناً في دار ذُل ***فإن الذل يقرن بالهوان
وإن أولاك ذو كرم جميلا ***فكن بالشكر منطلق اللسان
إن الكريم إذا نالته مخمصة*** أبدى إلى الناس شبعا وهو طيان
يحني الضلوع على مثل اللظى حرقاً ***والوجه غمر بماء البشر ملآن
إنّ بهرام الملك خرج يوماً للصيد ، فرأى صيداً فتبعه ، وانفرد من عسكره فمر براع تحت شجرة ، فنزل ليبول ، وقال للراعي : إحفظ علي
ص: 193
فرسي ، فعمد الراعي إلى عنانه الذهب، وقطع أطرافه ، فوقع نظر بهرام عليه ، فاستحيى وأطرق رأسه ، وأطال الجلوس ، حتى أخذ الرجل حاجته ، فقام بهرام ، واضعاً يديه على عينيه ، فيقول للراعي قدّم إليّ فرسي فقد دخل في عيني من ساق الريح ، فما أستطيع فتحها ، فركب وسار حتى بلغ عسكره ، فقال لصاحب مراكبه : إنّ أطراف اللجام قد وهبتها ، فلا تتهمن به أحد .
ليس الكريم الذي يعطي عطيته ***على الثناء وإن أغلى به الثناء
بل الكريم الذي يعطي عطيته ***لغير شيء سوى استحسانه الحسنا
إذا هُزّ الكريم يزيد خيراً ***وإن هزّ اللئيم فلا يزيد
قال الصادق (علیه السلام) أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلاً من ظلم دونه ، ولم يصفح عمن اعتذر إليه(1).
والعقل أزكي من أراد به ***كسب حرام للمرء يطالبه
والظلم في الأرض من درجت ***من الزمان الحالي به حقبه
ولا يداوي السقيم بالخرق بل ***بالرفق يشفى بطبه جربه
وإنما المرء عقله فإذا ***أحرز عقلاً فعنده أديه
والحسب العقل لا النصاب فقل ***مصرحاً قيمة أمرىء حسبه
ص: 194
قيل إن أشعب مرّ يوماً فجعل الصبيان يعبثون به ، فقال لهم : ويلكم سالم بن عبد الله يفرق تمراً من صدقة عمر ، فمرّ الصبيان يعدون إلى دار سالم بن عبد الله ، وعدا أشعب معهم ، وقال : ما يدريني لعله يكون حقاً .
قلت وقد لج (لح) في معاتبتي ***وظن أن الملال من قبلي
خدك ذا أشعري حنفي ***وكان من أحمد المذاهب
حسنك مازال شافعي أبداً ***يا مالكي كيف صرت معتزلي
حكى أن بعض الفقراء أتى إلى خياط ليخيط له فتقاً كان في قميصه فوقف المسكين متوقعاً ينتظر فراغه ، فلما فرغ طواه ، وجعله تحته ، وأطال في ذلك ، فقال أجير عنده ، ماتدفعه إليه ، قال : اسكت لعله ينساه ويروح.
أخاك أخاك فهو أجل ذخر*** إذا نابتك نائبة الزمان
وإن رأيت إسائته فهيها ***لما فيه من شيم الحسان
ترید مهذباً لاعيب فيه*** فهل عود يفوح بلا دخان
دعوى الإخاء الى الرخاء كثيرة ***بل في الشدائد نعرف الإخوان
لما شكى أبو العيناء تأخر أرزاقه الى عبيد الله بن سليمان ، قال : ألم تكن كتبنا لك إلى ابن مدبر ؟ فما فعل في أمرك ؟ قال : جرني على شوك
ص: 195
المطل ، وحرمني ثمرة الوعد ، فقال عبيد الله : أنت اخترته ، فقال : وما علي ،( واختار موسى سبعين رجلا(1)(فما كان منهم رشيد)(2) (فأخذتهم الرجفة)(3) ، واختار النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ابن أبي السرّح كاتباً فلحق بالمشكرين مرتداً ، واختار علي بن أبي طالب (علیه السلام) أبا موسى الأشعري حاكماً (حكما) فحكم عليه .
يا طالب الدنيا يغرّك وجهها ***ولتندمن إذا رأيت قفاها
قيل قدم لقمان من سفر ، فلقي غلاماً له ، فقال : ما فعل أبي ؟ قال : مات قال : ملكت يا مولاي أمري . فما فعلت أمي ؟ قال : ماتت . قال : ذهب همي . فما فعلت أختي ؟ قال : ماتت ، قال : سترت عورتي . قال : فما فعلت إمرأتي ؟ قال : ماتت ، قال : جددت فراشي
قال : ما فعل أخي ؟ قال : مات ، قال : آه إنقطع ظهری(4)
وليس أخى من ودني بلسانه***ولكن أخي من ودني في النوائب
ومن ماله مالي اذا كنتُ معدماً ***و مالي له إن عض دهر بغارب
فلا تحمدن عند الرخاء مؤاخياً*** فقد تنكر الأخوان عند المصائب
ص: 196
مر الحجاج متنكراً ، فرأته إمرأة ، فقالت : الأمير وربّ الكعبة ، فقال : كيف عرفتني ؟ فقالت : لشمائلك ، فقال : هل عندك من قرى ؟قالت : نعم ، خبز قطير ، وماء نمير فأحضرته ، وأكل . وقال : هل لك أن تصاحبيني فتصلحي بيني وبين إمرأتي ؟ قالت : هل عندك من جماع يغني ؟ قال : نعم ، قالت : فلا حاجة الى أحد يصلح بينكما .
وقال رجل للشعبي : ما تقول في رجل أوطىء إمرأة ، تقول : قتلتني وأوجعتني ؟ فقال : أقتلها ، ودمها في عنقي .
أنكرت مقلته سفك دمی***وعلى وجنته فاعترفت
لا تخالوا خاله في خدّهِ ***قطرة من دم جفني نطفت
ذاك من نار فؤادي جذوة ***فيه ساخت وانطفت ثم طفت
قيل لبعض الصوفية : ما تبيع مرقعتك هذه ؟ فقال : إذا باع الصيّاد شبكته ، فبأي شيء يصطاد ؟
قال أحد الملوك : من والانا أخذنا ماله عادانا أخذنا رأسه ،وقيل في الملوك : هم جماعة يستكثرون في الكلام والسلام ، ويستقلون
من العقاب وضرب الرقاب .
الحمد لله لا صبر ولا جَلَد*** ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا
خليفة مات لم يخزن له أحد*** وآخر قام لم يفرح به أحد
ص: 197
فمرَّ هذا ومرَّ الشومُ يتبعه***وقام هذا فقام الشؤم والنكد
يوصي بعض الحكماء ابنه : يا بني خذ العلم من أفواه الرجال ، فإنّهم يكتبون أحسن ما يسمعون ، ويحفظون أحسن ما يكتبون ، ويقولون أحسن ما يحفظون .
قال أحد الحكماء : إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة ، وإذا أردت الغنا فاطلبه بالقناعة ، فمن أطاع الله عزّ نصره ، ومن لزم القناعة زال فقره .
ترى الفتى ينكر فضل الفتى ***ما دام حيّاً فإذا مات ذهب
جدَّ به الحرص على نكتة ***يكتبها عنه بماء الذهب
وجد في عضد قابوس لما مات رقعة بخطه فيها مكتوب : إن كان الغدر طباعاً ، فالثّقة الى كلّ أحد عجز ، وإن كان الموت لا بد آتياً فالركون
الى الدنيا حمق ، فإذا كان القضاء حقا فالحزم باطل باطل .
قفي يا أميم القلب نقضي لبانه ***ونشكر الهوى ثم افعلى ما بدا لك
أرى الناس يرجون الربيع وإنما ***ربيعي الذي أرجو زمان نوالك
تعاللت كي أشجى وما بك علة***تريدين قتلي قد ظفرت بذلك
لئن سائني إن نلتني بمساءة ***فقد سرني أني خطرت ببالك
أبيني أفي يمني يديك جعلتني ؟ ***فأفرح أم صيرتني في شمالك ؟
ص: 198
حكى سمنون المحب ، قال : كان في جوارنا رجل له جارية يحبّها غاية الحب ، فاعتلت ، فجلس الرجل يصنع لها حميساً ، فبينما هو يحرّك ما في القدر إذ قالت الجارية آه . فدهش الرجل وسقطت الملعقة من يده وجعل يحرك ما في القدر بيده حتى تساقط لحم أصابعه وهو لا يحس بذلك .أقول : فهذا وأمثاله قد يصدّق به في حبّ المخلوق ، والتصديق به في حب الخالق أولى ، لأنّ البصيرة الباطنة أصدق من البصر الظاهر ، وجمال حضرة الربوبية أوفى من كلّ جمال ، فإنّه جمال الخالص البحت ، وكلّ جمال في العالم فهو مختلط ناقص.
أسلمني الصبر فلا صبر لي***بعدك والوجد كما تعلم
تزعم أني في الهوى سالم ***ياليتني كنت كما تزعم
لا رحم الله خلیلا ترى ***مكتئباً مثلي ولا يرحم
قال ابن عباس : ما اتعظت بعد رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) بمثل كتاب كتبه إليّ علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، أما بعد : فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن لتفوته ، ويسؤءه فوت ما لم يكن ليدركه ، فلا تكن بما نلت من دنياك فرحاً ولا بما فاتك منها ترحاً(1) ، ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويرجو التوبة بطول الأمل ، فكان ،وقد ، والسلام (2)
ص: 199
أي خير يرجو بنوا الدّهر في الدّهر*** وما زال قاتلاً لبنيه
من يعمّر يفجع بفقد الأخلاء ***ومن مات فالمصيبة فيه
في مجموعة ورام مما أوصى النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لأبي ذر رضوان الله عليه : يا أبا ذر : صلاة في مسجدي هذا تعادل ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في مسجد الحرام تعادل مائة الف صلاة في غيره ، وأفضل منها كلها صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله عز وجل ، يرجو بها وجه الله عز وجل(1).
مر رجل ببعض العارفين : وهو يأكل بقلاً وملحاً ، فقال : يا عبد الله أرضيت من الدنيا بهذا ؟ فقال العارف : ألا أدلك على من رضي بشرّ من
هذا ، فقال : نعم ، قال : من رضي بالدنيا عوضاً عن الآخرة .
إن القلوب بحاراً في مودّتها ***فاسأل فؤادك عني فهو يكفيني
لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ***ما في ضميري لهم عن ذاك يغنيني
قال بعض العارفين : إن آكل الحرام والشبهة، مطرود عن الباب بغير الشبهة ، ألا ترى أن الجنب ممنوع عن دخول الى بيته ، والمحدث محرم عليه
ص: 200
مس كتابه ، مع أن الجنابة والحدث أثران مباحان ، فكيف بمن هو منغمس في قذ الحرام ، وخبث الشبهات ، لا جرم أنّه أيضاً مطرود عن ساحة القرب غير مأذون له في دخول الحرم .
قال أحد العارفين : إني أعلم أن ما أعمله من الطاعات غير مقبولة عند الله عز وجل ، قيل كيف ذلك ؟ فقال : إني أعلم ما أعمله يحتاج إليه الفعل حتى يكون مقبولاً ، وإني أعلم لست أقوم بذلك ، فعلمت أن أعمالي غير مقبولة .
قال بعض العارفين : إن خيرات الدنيا والآخرة جمعت تحت كلمة واحدة وهي التقوى ، انظروا ما في القرآن الكريم من ذكرها ، فكم علق عليها من خير ووعد لها من ثواب ، وأضاف إليها من سعادة دنيوية ، وكرامة آخروية لنذكر لها من خصالها ، وآثارها الواردة فيه إثني عشرة خصلة : الأولى - المدحة والثناء (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) (آل عمران183 ).
الثانية - الحذر والحراسة (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)(آل عمران116).
الثالثة - التأييد والنصر (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)(النحل (128).
الرابعة - النّجاة النّجاة من الشّدائد والرزق الحلال (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) (طلاق 2) .
الخامسة - صلاح العمل (يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وقولوا قولاً
ص: 201
سديداً يصلح لكم أعمالكم) (الأحزاب70).
السادسة - غفران الذنوب ( يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )(الأحزاب 71) .
السابعة - محبة الله تعالى ، قد ذكر هذه الآية في خاتمة بعض الآيات (إن الله يحب المتقين ) .
الثامنة - قبول الأعمال (إنما يتقبل الله من المتقين) (المائدة (30) .
التاسعة -الإكرام والإعزاز (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات (13) .
العاشرة - البشارة عند الموت (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) (يونس 65) .
الحادية عشر - النجاة من النار ثم ننجي الذين اتقوا) (مريم (73)
الثانية عشر - الخلود في الجنة قال الله تعالى (أُعدّت للمتقين) .
قد ظهر أن سعادة الدارين منطوية فيها ، ومندرجة تحتها ، وهي كنز عظيم ، وغنم جسيم ، وخير كثير ، وفوز كبير (1) .
هوّن الأمر تعش في راحة*** قلَّ ماهوّن إلاّ ويهون
ليس أمر المرء سهلاً كلّه*** إنما الأمر سهول وحزون
نطلب الراحة في دار العنا*** خاب من يطلب شيئاً لا يكون
قال أحد الحكماء : العدوّ عدوّان ، عدوّ ظلمته ، وعدوّ ظلمك ، أما العدوّ الذي ظلمته ، فجنيت بظلمك إيّاه عداوته ، وأما الذي ظلمك ،
ص: 202
فجنى بظلامتك إياه عداوتك ، فإن نابتك نائبة تضطرّك الى أحدهما ، فكن بمن ظلمك أوثق منك بمن ظلمته .
قال أحد العرفاء : من شرف الفقر إنّك لا تجد أحداً يعصي الله ليفتقر ، وأكثر ما يعصي المرء ليستغنى . أخذ هذا المعنى المحمود الوراق ،
فقال :
يا عايب الفقر ألا تنزجر ***عیب الغنى أكثر لو تعتبر
إنك تعصى لتنال الغنى*** ولست تعصي الله كي تفتقر
قال بطليموس : هذا يوم عظيم العبرة ، أقبل من شره ما كان مديراً وأدبر من خيره ما كان مقبلاً .
قال میلاطوس : خرجنا الى الدنيا جاهلين ، وأقمنا فيها غافلين وفارقناها كارهين .
قال أفلاطون الثاني : أيها الساعي المتعصب ، جمعت ما خذلك وتولّيت ما تولّى عنك ، فلزمتك أوزاره ، وعاد الى غيرك مهنّاه وثماره .
قال مسطور : قد كنا بالأمس نقدر على الإستماع ، ولا نقدر على الكلام ، واليوم نقدر على الكلام، فهل نقدر على الإستماع ؟
قال ثاون : انظروا الى حلم النّائم كيف انقضى ، والى ظلّ الغمام كيف انجلى .
وقال الآخر : ما سافر إسكندر سفرا بلا أعوان ، ولا عدة غير سفره هذا .
ص: 203
وقال الآخر : لم يأدبنا بكلامه ، كما أدبنا بسكوته .
وقال الآخر : قد كان بالأمس طلعته علينا حياة ، واليوم النظر إليه سقم.
يحب الفتى طول البقاء كأنه ***على ثقة أن البقاء بقاء
إذا ما طوى يوماً طوى اليوم بعضه*** ويطويه إن جن المساء مساء
زيادته في الجسم نقص حياته*** وأنى على نقص الحياة نماء
جديدان لا يبقى الجميع عليهما ***ولا لهما بعد الجميع بقاء
يا من يطلب الدينا ما لا يلحقه ، أترجو أن تلحق من الآخرة ما لا تطلبه .
قال أحد الحكماء : ينبغي للعاقل أن يجمع الى عقله عقل العقلاء والى رأيه رأي الحكماء ، فإن رأي الفذ (المنفرد والمستبد منه )ربما زل ، وان
عقل الفرد ربما ضل .
قال أحنف بن قيس : سهرت ليلة في طلب كلمة أرضي بها سلطاني ولا أسخط بها ربّي ، فما وجدتها .
قال أحد الزهاد : لو خيرت يوم القيامة بين الجنة والنار ، لاخترت النار استحياء من دخول الجنة ، فبلغ ذلك الجنيد فقال : وما للعبد والإختيار .
ص: 204
من بديع الاستتباع قول بعض العراقيين ، وقد شهد عند القاضي برؤية هلال العيد ، فرد شهادته :
إنّ قاضينا لأعمى ***أم تراه يتعامی
سرق العيد كأن ***العيد أموال اليتامى
روي ...أعرابي كان ماسكاً بحلقه باب الكعبة وهو يقول : عبدك ببابك ذهبت أيامه ، وبقيت آثامه ، وانقطعت شهواته ، وبقيت تبعاته ،
فارض عنه ، فإن لم ترض عنه ، فاعف عنه ، فقد يعفو المولى عن عبده ، وهو عنه غير راض.
ملاح هية لعية شليل الشات کا : () بالقع
قال يحيى بن معاذ : الدنيا خمرة الشياطين ، فمن شرب منها سكر ، فلم يفق إلا وهو في عسكر الموتى ، خائب ، خاسر ، نادم .
عش عزيزاً أو مت حميداً بخير ***لا تضع للسؤال والذلّ خدّا
كم كريم أضاعه الدهر حتى ***أكل الفقر منه لحماً وجلدا
كلّما زاده الزمان إتضاعاً ***زادني نفسه علواً ومجدا
يستحب الفتى بكلّ سبيل*** أن يرى الدهر على الفقر جلدا
ص: 205
قال علي بن أبي طالب (علیه السلام) : من أراد الغنى بغير مال ، والكشرة بغير العشيرة فليتحول من ذلّ المعصية الى عزّ الطاعة ، من أصلح ما بينه وبين الله تعالى أصلح الله بينه وبين الناس(1).
بَرهَن اقليدس في فنّه ***وقال النقطة لا تنقسم
ولي حبيب فمه نقطة ***موهومة تقسم إذ يبتسم
قال علي (علیه السلام) : ثلاث خصال مرجعها في كتاب الله تعالى على النفس 1 - البغى ، 2 - النكث 3 - المكر . والبغى قال الله عز وجل (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) (يونس(23) والنكث قال الله تعالى (فمن نكث فأنما ينكث على نفسه (الفتح (10) والمكر قال الله تعالى (ولا يحيق المكر السيء الا بأهله) (فاطر (43) (1).
قال علي (علیه السلام) : في صفة الدنيا ، ما أصف في دار أولها عناء ، وآخرها فناء ، في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، من استغنا فيها حزن ومن قعد عنها فاتنة، ومن أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها أعمته (2).
تنكر لي دهري ولم يدر أنني ***أعز وأحداث الزمان تهون
فبات يريني الخطب إعتدائه*** وبت أريه الصبر كيف يكون
في كتاب خلق الأنسان عن المهلبي الوزير ، قال ركبت في سفينة من البصرة قبل الوزارة مع جماعة إلى البغداد، وكان في السفينة رجل مزاح ظريف ، وأهل السفينة يمازحونه ، ومن جملة مزاحهم أنّهم وضعوا في رجله
ص: 207
حديداً ساعة ، فلما فرغوا من مزاحهم أرادوا فك ذلك الحديد من رجله ،فضاع المفتاح ، وكلما عالجوا فكّه لم يقدرو عليه ، فبقى في رجله إلى بغداد فأتوا بحداد يحل الحديد ، فلما رآه ظنه سارقاً ، وقال : يحضر العسس ، فمضوا إلى عسس وأخبروه ، فأتى إلى ذلك الرجل مع جماعة ، فنظر إليه بعضهم ، وقال : أنت فلان قتلت أخي بالبصرة ، وانهزمت ، وأنا في طلبك ، فأخرج كاغذة فيها مهور أعيان البصرة ، وأحضر عادلين على ما أدى ، فسلموه إليه فقتلوه قصاصا.
خير البضائع للانسان مكرمة***تنمو وتزكو إذا بارت بضائعه
فالخير خير وخير منه فاعله ***والشر شر وشرّ منه فاعله
قال أحد الشباب : دخلت دار المجانين ، وعلي شارة حسنة ، وثياب فاخرة ، فإذا بشيخ مقيد مغلول ، فجعلت أنظر إليه ، فقال : مه ، أتعجب
مني .
أتعجب مني في قيودي وأغلالي*** وأنت رخي البال في العز والمال
فلا أنت تبقى بعد مال كسبته ***ولا أنا أبقى في قيودي وأغلالي
اللي قال علي بن موسى الرضا (علیه السلام) : من علامات الفقيه : الحلم ، والعلم ، والصمت ، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة ، إنّ بالصمت يكسب المحبة ، وهو دليل على الخير (1)
ص: 208
بيان : إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة : إي سبب من أسباب حصول العلوم الربّانية ، فأنّ بالصّمت يُتمّ التفكر ، أو هو سبب لأفاضة الحلم عليه من الله سبحانه ، أو الصّمت عند العالم ، وعدم معارضته ، والأنصات إليه سبب لأقاضة الحكم عليه ، أو الصمت دليل من دلائل وجود الحكمة في صاحبه ، يكسب المحبة إي محبة الله ، أو محبّة الخلق ، لأنّ عمدة أسباب العداوة بين الخلق : الكلام من المنازعة ، والمجادلة ، والشتم والغيبة ، والنّميمة ، والمزاح وغير ذلك .
حفظ اللسان عن القبيح أمان ***یزکو به الإسلام والإيمان
وإذا جنايات الجوامع عدّدت *** فأشدُّها يجنى يجنى عليك لسان
من كفَّ كفَّ الناسُ عنه ومن أبى*** إلا الخنا فكما يَدينُ يدان
قال الصادق (علیه السلام) : الصمت شعار المحققين بحقايق ما سبق ، وجفّ القلم به ، وهو مفتاح كلّ راحة من الدنيا والآخرة ، وفيه رضى الرّب وتخفيف الحساب ، والصون من الحظايا والزّلل ، قد جعل الله سترا على الجاهل ، وزيناً للعالم ومعه عزل الهواء ، ورياضة النفس ، وحلاوة العبادة وزوال قسوة القلب ، والعفاف ، والمروة ، والظّرف ، فأغلق باب لسانك عما لك ولا بد منه ، لا سيّما إذا لم تجد أهلاً للكلام والمساعدة ، في المذاكرة الله في الله(1) .
ص: 209
يموت الفتى من عثرة بلسانه*** وليس يموتُ المرء من عثرة الرّجل
فعثرته من فيه ترمى برأسه*** وعثرته بالرجل تبرأ على مهل
كان ربيع بن خيثم يضع قرطاسا بين يديه ، ويكتب ما يتكلّم ثم يحاسب نفسه في عشيّته ماله ، وما عليه ، ويقول : أوه نجا الصّامتون ،
وبقينا .
وأنّ لسان المرء مفتاح قلبه*** إذا هو أبدى ما يجنُّ من الفمٍ
قال إبراهيم بن الأدهم : دخلت على عبد الله بن طاهر طاهر ، وذكرت آسية ، فدعى بها ، قال : فأدخلت عليه ، فلزمت الصّمت خمسة أيّام ،
فقال لها عبد الله : أخرساء أنتِ ما لك لا تنطقين ؟ قالت : ولكني أقول :
قالوا نراك طويل الصمت قلت لهم ***ما طول صمتي من عي ومن خرس
الصمت أحمد في الحالين عاقبة ***وأحسن بي من منطق سكس
قالوا وأنت مصيب لست ذا خطاءٍ ***فقلت هاتوا أروني وجه معتبس
أأنشر البر فيمن ليس يعرفه*** أم أنثر الدر بين العمى في الغلس
عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : كان أبو ذر رحمة الله عليه ، يقول : يا مبتغى العلم إن هذا اللسان ، مفتاح خير ، ومفتاح شر ، فأختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك (1).
ص: 210
رأيت لسان المري رائد علمه***وعنوانه فانظر بماذا تُعَنْوَنُ
ولا تعد إصلاح اللسان فأنه***يُخَيَّرُ عما عنده ويُبَيِّنُ
قال معاذ بن جبل لرسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول ؟
فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ثكلتك أمّك يا بن جبل ، وهي يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم(1).
إحفظ لسانك لا تبح بثلاثة سّ***- ر ، ومال ، ما استطعت ، ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة***بمعكّر، وبحاسد، ومكذّب
عن الصادق (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يعذّب الله اللسان بعذاب لا يعذّب به شيئاً من الجوارح ، فيقول : يا رب عذّبتني بعذاب لم تعذَّب به شيئاً ، فيقول له : خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك به الدم الحرام ، وانتهب بها المال الحرام ، وانتهك بها الفرج الحرام ، وعزّتي وجلالي لأعذبّنك بعذاب لا أعذّب به شيئاً من جوارحك(2) .
سجن اللسان هو السلامةُ للفتى*** من كلّ نازلة لها استئصالُ
إن اللسان إذا حللت عقاله ***ألقاك في شنعاء ليس تُقالُ
ص: 211
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم): من وقى شرّ قبقبه ، وذبذبه ، ولقلقه ، فقد وفى ، والقبقب البطن ، والذبذب الفرج ، واللقلق اللسان ، فهذه الشهوات الثلاثة بها هلك أكثر الخلق(1).
جاء أعرابي إلى رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : فقال : دلّني على عمل أدخل الجنّة ، قال : أطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فأن لم تطق فكف لسانك إلا من خير ، فأنّك بذلك تغلب الشيطان (2).
إحفظ لسانك أيّها الأنسان ***لا يقتلنّك إنّه ثعبانُ
كم في مقابر من قتيل لسانه*** كانت تخافُ لقائه الأقران
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : طوبى لمن أمسك الفضل في لسانه ، وأنفق الفضل من ماله ، فانظر كيف قلّب الناس ذلك ؛ فأمسكوا فضل المال ، وأطلقوا فضل اللسان(3) .
لسانك كالسيف في شكله ***وأعدى من السيف في سطوته
ص: 212
في الكافي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من لم يحسب كلامه من عمله كثرت خطاياه ، وحضر عذابه(1).
بيان الظاهر أن هذا ردّ ما يسبق إلى أوهام أكثر الخلق من الخواص والعوام أنّ الكلام ليس مما يترتب عليه عقاب ، فيجترون على أنواع الكلام بلا تأمّل ، وتفكر مع أن أكثر أنواع الكفر والمعاصي من جهة اللسان لأنّ اللسان له تصرف في كلّ موجود ، وموهوم ، ومعدوم ، وله يد في
العقليات والخياليات والمسموعات ، والمسؤمات ، والمبصرات ، والمذوقات والملموسات ، فصاحب هذا الحسبان الباطل لا يبالي في الكلام ، في أباطيل هذه الأمور ، وأكاذيبها فيجتمع عليه من كل وجه خطيئته فتكثر خطاياه وأما غير اللسان فخطاياه قليلة بالنسبة إليه ، كما هو الظاهر(2).
لسان الفتى عن عقله تُرجمانه ***متى زلَّ عقلُ المرءِ زلّ لسانه
وما الشعر الاّ شعبة دعابة***دعوناه كُرهاً إذ دعانا أوانه
وكنا نصون العرضٍ عن أن نهينه ***قرب أوان صونُ عرضٍ هوانه
روی أن لقمان دخل على داود (علیه السلام) ، وهو يسرد (نسج) درعاً ولم يكن رآها قبل ذلك ، فجعل يتعجب مما رأى، فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته الحكمة ، فأمسك نفسه ، ولم يسأله ، فلما فرق قام داود (علیه السلام) ولبسها ، ثم
ص: 213
قال : نعم الدرع للحرب ، فقال لقمان (علیه السلام) : الصمت حكم ، وقليل فاعله (1)، أي حصل العلم من غير سؤال ، واستغنى عن السؤال ، وقيل كان يتردد إليه سنة ، وهو يريد أن يعلم ذلك ، ولم يسأل فترك السؤال فيه عما ! لا يعني ، وترك الكلام فيما لا يعني هو راحة عظيمة ، وفائدة جليلة
حفظ لسانك في ذم الأنام ودع***أمر الجميع لمن أمضاه في القِدَم
معايب الناس لا يكبرن عن غلطي*** إذا نمت بها في محفل الهمم
عن سيد الساجدين (علیه السلام) : إن لسان ابن آدم يشرف كلّ يوم على جوارحه فيقول : كيف أصبحتم ؟ فيقولون : بخير إن تركتنا ، ويقولون : الله الله فينا ، ويناشدونه ، ويقولون ، إنما نثاب بك ، ونعاقب بك(2).
لسانك قول الخير تحظ به ***إنّ اللسان لما عودت معتاد
موكل يتقاضى ما سننت له ***في الخير والشر فانظر كيف تعتاد
قال لقمان في وصيته لأبنه ما حاصله ، لا تعلّق قلبك برضى الناس فاّن ذلك لا يحصل ، ثم مثّل له ذلك ، بأن خرج وأخرجه معه ، ومعهما بهيم ، فركبه لقمان وترك ولده يمشي ورائه ، فقال قوم ، هذا شيخ قاسي القلب
ص: 214
قليل الرحمة ثم عكس ، فاجتاز على جماعة أخرى ، فقالوا : هذا بئس الوالد ، أما أبوه فأنه ما أدّب ولده ، وأما الولد ، فأنه عق والده عق والده ، فركبا جميعاً ، فقالت أخرى : ما في قلب هذين رحمة يركبان معاً يقطعان ظهر الدابة ، ويحملانها ما لا تطيق ، فتركا الدابة تمشي خالية .هما یمیشیان ، فقالت جماعة ، هذا عجيب من هذين يتركان دابة فارغة ، ويمشيان ، فذمّوهما على ذلك ، فقال لولده. ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال ، فلا تلتفت إليهم ، واشتغل برضا الله جل جلاله(1) .
وما أحد من ألسن الناس سالماً*** ولو أنه ذاكَ النّبيّ المطهر
فأن كان مقداماً يقولون أهوج ***وإن كان مفضالاً يقولون منزر
وأن كان سكيتاً يقولون أبكم ***وإن كان منطيقاً يقولونَ مِهذَرُ
وأن كان صوّاماً وبالليل قائماً ***يقولون زرّاق يرائي ويمكر
فلا تكترث بالناس في المدح والثنا*** فلا تخشى غير الله فالله أكبر
روى أن موسى (علیه السلام) قال يا رب : احبس عني ألسنة بني آدم ، فأنّهم يذمّوني ، وقد أوذي ، كما قال الله تعالى : (لا تكونوا كالذين آذوا (موسى) (الأحزاب / 69)
قيل : فأوح الله جل جلاله إليه ، يا موسى هذا شيء ء ما فعلته نفسي ، أفتريد أن أعمله معك ، فقال : قد رضيت أن يكون لي أسوة بك(2).
ص: 215
تعّودت مسّ الضّر حتّى ألفته*** وأحوجني طول العزاء إلى القبر
ووسع صبري بالأذى الأنس بالأذي ***وقد كنت أحياناً يضيق بها صدري
وصيرني يأسى من الناس راجياً*** لسرعة لطف الله من حيث لا أدري
في الأنوار النعمانية : إن رجلا من الملوك ، قالوا له المنجمون ، إنّه يموت في ساعة الفلانية من عقرب تلدغه ، فلّما كان قبل الساعة المذكورة ، تجرّد عن جميع ملابسه سوى ما يستر عورته، وركب فرسه بعد أن غسله ،ونظفه ، ودخل به البحر ، حذراً مما قيل له : فبينما هو كذلك أذ عطست فرسه ، فخرجت من أنفها عقرب ، فلدغته ، فمات منها ، وما أغناه التدبير من القدر (1)
إذا كان أمر الله أمراً يقدَّر ***فكيف يفرُّ المرء منه ويحذر ؟
ومن ذا يردُّ الموتَ أو يدفعُ القَضا ***وضربته محتومة ليس تعثُرُ
إن جماعة من اللصوص دخلوا دار رجل بالليل ليسرقوه ، فلما دخلوا الدار رأوا أن الرّجل له ولد رضيع ، مشدود في المهد ، قالوا نخاف أن
يبكي : ويستيقظ أمه وأبوه من بكائه ، فأخذوا ذلك الولد في المهد وأخرجوه من الدار ووضعوه في ساحة البيت ، وشرعوا في نقل الأثاث ،
ووضعوه عند المهد ، فلما فرغوا من نقل الأثاث ، رجعوا إلى داخل البيت
ص: 216
لعله قد بقي شيء ، فلّما دخلوا استيقظت المرأة لولدها ، فلم تره ، فقالت لزوجها : أين المهد ، فخرجا إلى ساحة البيت يطلبان الولد ، فلما خرجوا من الغرفة قد وقع سقفه وجداره ، فرأوا الولد في المهد مع جميع أثاث البيت ، فلما أصبح الصباح حفروا التراب ، فإذا اللصوص تحت التراب أموات .
وجدت القناعة أصل الغنى ***وصرت بأذيالها متمسٍّك
فلا ذا يراني على بابها***ولا ذا يراني به منهمك
وعشت غنيّاً بلا درهم*** أمر على الناس شبه الملك
قيل لبعض الصوفية : لم وصف الله سبحانه (بخير الرّازقين) فقال لأنه إذا كفر أحد لا يقطع رزقه .
لكلّ امرى رزق وللرزق جانب ***وليس يفوت المرء ما خطّ كاتبه
مدح رجل هشام بن عبد الملك ، فقال : يا هذا أنه قد نهى عن مدح الرجل في وجهه ، فقال : ما مدحتك ، ولكن ذكرت نعم الله عليك لتجد ذلك شكراً ، فقال : هشام هذا أحسن من المدح ، فوصله وأكرمه .
يارب أحسنت عوداً وبدأة ***إلى فلم ينهض بأحسانك الشكر
فمن ذا عذر لديك وحجة ***فعذري إقراري بأن ليس لي عذر
ص: 217
كتب علي بن صلاح الدين يوسف ملك الشام ، إلى الإمام ناصر الدين الله يشكو أخويه أبا بكر وعثمان ، وقد خالفا وصية أبيهم ، له شعر :
مولاي إنّ أبا بكر وصاحبه ***عثمان قد غصبا بالسّيف حقّ على
وكان بالأمس قد والاه والده ***في عهده فأضاعا الأمر حين ولى
فانظر إلى حظّ هذا الأمر كيف لقى ***من الأواخر ما لاقى من الأول
إذ خالفاه وحلا عقد بيعته*** والأمر بينهما والنصر فيه جلى
فوقع الخليفة الناصر على ظهر كتابته بهذه الأبيات
وافى كتابك يا بن يوسف منطقا ***بالحق يخبر أن أصلك طاهر
منعوا عليا إرثه إذ لم يكن ***بعد النبي بيثرب ناصر
فاصبر فأن غداً على حسابهم*** فابشر فناصرك الإمام الناصر
في لثالي الأخبار ج 2 ص 173 روى عن الصادق (علیه السلام) قال : أتى رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، فقيل له : إن سعد بن معاذ قد مات ، فقام رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : وقام أصحابه معه ، فأمر بغسل سعد ، وهو قائم على عضادة الباب ، فلما أن سو و حنط وكُفّن ، وحمل على سريره ، تبعه رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) بلا حذاء ، ولا رداء ، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ، ويسرة السرير مرّة ، حتى إنتهى به إلى القبر ، فنزل رسول الله حتّى لحّده ، وسوى اللبن عليه ، وجعل يقول : ناولني حجراً ، ناولني تراباً رطباً ، يشدّ به ما بين اللبن فلما فرغ وحط التراب عليه ، وسوى قبره ، قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إني لأعلم إنّه سيبلى ، ويصل البلى إليه ، ولكن الله يحب العبد إذا عمل عملا أحكمه ، فلما أن سوىّ التربة عليه ، قالت أم سعد : من جانب ، يا سعد هنيئاً لك
ص: 218
الجنة فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يا أم سعدُ مَه ، ولا تجرئي على ربك ، فإن سعد قد أصابته ضمّة ، قال : فرجع رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، ورجع الناس ، فقالوا له : يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد ، انّک تبعت جنازته ، بلا رداء ، ولا حذاء ، قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إن الملائكة كانت بلا رداء ، ولا حذاء ، فتأسيت بهم ، قالوا : كنت تأخذ يمنة السرير مرة ، ويسرة السرير مرة ، قال : كانت يدي في يد جبرئيل ، آخذ حيث يأخذ ، قالوا : أمرت بغسله وصليت على جنازته ، ولحدته في قبره ، ثم قلت : إن سعداً قد أصابته ضمّة ، قال : قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : نعم ، إنّه كان في خلقه مع أهله سيئاً .
جمال الخلق أفضل من جمال ***يغطى قبح خلق في مليح
فكم من سوء خلق في جميل ***وكم من حسن نفس في قبيح
دع باسعيد هواك واستمسك بمن ***تسعد بهم وتزاح عن آثامه
بمحمد وبحيدر وبفاطم*** وبولدهم عقد الولا بتمامه
ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا ***سبل الهدى في غوره وشآمه
عبد الإله وغيره من جهله ***ما زال متعفكاً على أصنامه
ص: 219
تاب قوله دع باسعيد (با) بالباء الموحدة فخفف أبا وحذف منه حرف النداء إي أبا سعيد . قال : وقال يوسف الواسطى :
إذا اجتمع الناس في واحد*** وخالفهم في الرّضا واحد
فقد دلّ إجماعهم كلّهم*** على أنه عقله فاسد
ألا قل لمن قال في غيّه ***وربي على قوله شاهد
(اذا اجتمع الناس فی واحد ***وخالفهم في الرضا واحد)
(فقد دل إجماعهم كلّهم***على أنه عقله فاسد)
كذبت وقولك غير صحيح ***وزغلك ينقده الناقد
فقد أجمعت قوم موسى جميعاً ***على العجل یا رجس با بارد
وداموا عكوفاً على جهلهم*** وهارون منفرد فارد
فكان الكثير هم المخطؤون*** وكان المصيب هو الواحد
شفيعي إليك اليوم يا خالق الورى*** رسولك خير الخلق والمرتضى علي
وسبطاه والزهراء بنت محمد***ومن فاق أهل الأرض في زهده علي
وباقر علم الأنبياء وجعفر ***وموسى وخير الناس في رشده علي
ومولاي من بعد الكرام إلى الورى ***محمدن المحمود ثم إبنه علي
وبالحسن الميمون تمت شفاعتي ***وبالقائم المهدي ينمي إلى علي
أئمة رشد لا فضيلة بعدهم*** سلالة خير الخلق أفضلهم علي
شعر في المقارنة بين الشطرنج وجمع المال :
انظر إلى لاعب الشطرنج يجمعها*** مغالباً ثم بعد الجمع يرميها
ص: 220
كالمرء يكدح للدنيا ويجمعها ***حتى إذا مات خلاها ومافيها
تزلزلت الأرض زلزالها ***فقالوا: بأجمعهم مالها
مشى ذا الثقيل على ظهرها*** فأخرجت الأرض أثقالها
عز المؤمن إستغناؤه عن الناس ، وشرفه قيامه بالليل .
وقال : الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد ، ذاك يركب ويرجع و يراه الناس ، وهذا يعطي سراً لايراه إلا الله عز وجل .
وقال : ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر ، إنما العاقل الذي إذا رأى الخير إتبعه ، وإذا رأى الشر إجتنبه.
وذكر العلم وطلبه ، فقال : إذا لم يعمل به فتركه أفضل ، والعلم العمل ، وقد صار قوم يأكلون به .
وقال : الصبر هو الصمت ، والصمت من الصبر ، ولايكون المتكلم أورع من الصامت ، إلا رجل عالم يتكلم في موضعه ، ويسكت في موضعه . وقال : حكيما : فقال أحدهما لصاحبه ، لا يراك الله عندما نهاك ، ولا يفقدك عندما أمرك .
وقال : لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك ، وكيف تكون تكون خيراً ،وصديقك لا يأمنك .
وقال : لا يجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حایطا من حديد .
قال إبن خلكان : ومن دعائه (أللهم إن كنت شهرتني في الدنيا لتفضحني في الآخرة فاسلبه مني :
ص: 221
ومن كلامه : عقوبة العالم في الدنيا أن يعمى بصر قلبها .
عن أحمد بن مسكين قال : خرجت في طلب بشر بن حارث ، فإذا به جالس وحده ، فلما رآني مقبلاً ، خط بيده على الحائط وولى ، فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده شعراً .
الحمد الله لا شريك له ***في صبحه دائما وفي غلسه
لم يبق لي مؤنس فيؤنسني ***إلا أنيس أخاف من أنسه
فاعتزل الناس يا أخي ولا *** تركن إلى من تخاف من دنسه
قال ابن خلكان : كان لبشر ثلاث أخوات 1 - مضغة 2 - محتة - - 3 - زبدة . وكنّ زاهدات عابدات ، ورعات ، وأكبرهن مضغة ، ماتت في حياته ، فحزن عليها حزناً شديداً ، وبكى بكاءاً كثيراً ، فقيل له في ذلك : فقال : قرأت في بعض الكتب إن العبد إذا قصر في خدمة ربِّه سلبه أنيسه ، وهذه أختي كانت أنيستي في الدنيا .
دخلت إمرأة على أحمد بن حنبل ، فقالت له : يا أبا عبد الله إني إمرأة أغزل في الليل على ضوء السراج ، وربما طفيء السراج ، فأغزل على ضوء القمر ، فهل عليّ أن أبين غزل السراج عن غزل القمر ؟ فقال لها : إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيّني ذلك ، فقالت له : يا أبا عبد الله أنين المريض هل هو شكوى ، فقال لها إني أرجو ألا يكون شكوى ، ولكن هو
ص: 222
اشتكاء إلى الله ثم إنصرفت ، فقال لأبيه : ما سمعت إنساناً قط يسأل عن مثلی ماسألت هذه المرأة؟
إتبعها بما فتبعتها إلى أن دخلت دار بشر الحافي ، فعرفت إنّها أخته فأخبرت أبي فقال : محال أن تكون هذه المرأة إلا أخت بشر الحافي .
أقسم بالله لرضع النوى النوى*** وشرب ماء القلب ألمالحه
أعز للانسان من حرصه*** ومن سؤال الأوجه الكالحة
فاستغن باليأس تكن ذا غنى ***مغتبطا بالصفقة الرابحة
اليأس عز والتقى سؤدد*** ورغبة النفس لها فاضحة
من كانت الدنيا به برة*** فأنها يوماً له ذابحة
في تاريخ بغداد : سئل بشر عن القناعة ، فقال : لو لم يكن في القناعة شيء إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزي ثم أنشأ يقول :
أفادتني القناعة أي عزّ ***ولاعزّ أعز من القناعة
فخذ منها لنفسك رأس مال***وصير بعدها التقوى بضاعة
تحز حالين تغني عن بخيل*** وتسعد في الجنان بصبر الساعة
إذا حصل القوت فاقنع به*** فإنّ القناعة للمرء كنز
وصن ماء وجهك عن بذله ***فإنّ الصيانة للوجه عزُ
كان لأبي العتاهية خادم أسود طويل ، كأنه محركا أتون ، وكان يجري
ص: 223
عليه كل يوم رغيفين بغير إدام ، فشكى العبد ذلك إلى صديق له، ليسأله أن یزیده رغيفاً ، فقال له : يا أبا إسحاق كم تجري على هذا الخادم كل يوم ، قال : رغيفين ، قال : لا يكفيانه ، قال : من لم يكفه القليل ، لم يكفه الكثير ، وكل من أعطى نفسه شهوتها هلك ، وهذا خادم إن لم أعوده القناعة ، والإقتصاد أهلكني ، فمات الخادم فكفّنه في إزار ،وفراش خلق ، فقال له : سبحان الله خادم قديم الحرمة طويل الخدمة ، واجب الحق تكفنه في خلق ، وأنما يكفيك له كفن بدينار ، فقال : إنه يصير إلى البلاء ، والحي أولى بالجديد من الميت ، فقال : يرحمك الله أبا إسحق عودته الإقتصاد حياً وميتا.
كان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى فقير متجمل ، فكان يمرّ بابي العتاهية طرفي النهار ، فيقول أبو العتاهية : اللهم أغنه عما هو بسبيله ، شيخ ضعيف سيء الحال متجمل ، اللهم أعنه أصنع له بارك فيه ، فقيل له : أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ ، وتزعم أنّه فقير، فلم لا تتصدق عليه؟ قال : أخشى أن يعتاد الصدقة والصدقة آخر كسب العبد ، وأنّ في الدعاء لخيراً كثيراً .
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة ***خضعت لديه وحركت أذنابها
وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً ***نبحت عليه وكثرت أنيابها
وقف سائل مع العتاهية وكان رجلاً ظريفاً ، وحوله جماعة فسئله فقال : ما صنع الله لك ، فأعاد السؤال ، فأجابه كذ لك ، فأعاده ثالثاً فرد
ص: 224
عليه مثل ذلك فقال : ألست القائل :
كل حي بعد ميتته ***حظه من ماله الكفن
فبالله عليك أتريد أن تعد مالك كلّه لثمن كفنك ؟ قال : لا . قال فكم قدّرت له؟ قال : خمسة دنانير ، قال : فهي إذا حظك مالك كله قال : نعم ، فتصدق علي بدرهم من غير حظّك ، قال : لو تصدقت عليك لكان حظّي ، قال : فأفرض أن ديناراً من الخمسة نقص قيراطاً ، وادفع إلي قيراطا وإلا أمر آخر ، قال : وماهو ؟ قال : القبور تحفر بثلاث دراهم ، فأعطني درهماً ، وأعطيك كفيلاً ، بأني أحفر لك قبرك به متى متّ ، وتربح
در همين ، فأن لم أحتفر رددته على ورثتك ، أو رده كفيلي ، فقال أبو العتاهية أغرب لعنك الله ، وغضب عليك ، فضحك الحاضرون ، ومرّ السائل يضحك ، فقال أبو العتاهية : من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة ، فقالوا : من حرمها؟ ومتى حرمت؟ وقيل له : أتزكي مالك؟ قال : ما أنفق على عيالي إلا من زكوة مالي ، فقالوا : سبحان الله إنما ينبغي أن تخرج زكاة مالك إلى الفقراء والمساكين ، فقال : لو أنقطعت من غير عيالي زكاة مالي لم يكن في الأرض أفقر منهم.
فإني رأيت البخل يزري بأهله ***فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
عطائي عطاء المكثرين تجملا ***ومالي كما قد تعلمين قليل
كان أبو العتاهية عند قثم بن جعفر بن سليمان ينشد في الزهد ، فأرسل قثم إلى الجماز فحضر ، وأبو العتاهية ينشد ، فأنشأ الجماز يقول :
ما أقبح التزهيد من واعظ*** يزهّد الناس ولا يزهد
ص: 225
لو كان في التزهيد صادقاً ***أضحى وأمسى بيته المسجد
يخاف أن تنفذ أرزاقه ***والرزق عند الله لاينفد
والرزق مقسوم على من ترى ***يناله الأبيض والأسود
كأنّها من حسنها درة***أخرجها اليم إلى الساحل
كأن فيها وفي طرفها ***سواحراً أقبلن من بابل
لم يبق منى حبّها ما خلا*** حشاشة في بدن الناحل
یا من رای قبلی قتيلا بکی ***من شدة الوجد على القاتل
بالله يالحلوة العينين زوريني***قبل الممات وإلا فاستزيريني
هذان أمران فاختاري أحبهما*** إليك أولا فداعي الموت يدعوني
إن شئت مت فأنت الدهر مالكه*** روحي وإن شئت أن أحيا فتحييني
ياعتب ما أنت إلا بدعة خلقت*** من غير طين وخلق الناس من طين
إني لأعجب من حبّ يقرّبني*** ممن يباعدني منه ويعصيني
أما الكثير فلا أرجوه منك ولو ***أطعمتني في قليل كان يكفيني
يا عتب هجرك مورث الأدواء ***والهجر ليس لودنا بجزاء
ياصاحبي لقد لقيت من الهوى ***جهداً وكل مذلّة وعناء
علق الفؤاد بحبها من شقوتي ***والحبّ داعية لكل بلاء
إنِّي لأرجوها وأحذرها فقد ***أصبحت بين محافة ورجاء
بخلت علي بحبها وصفائها ***ومنحتها ودّي ومحض صفائي
فتخالف الأهواء فيما بيننا ***والموت عند تخالف الأهواء
ص: 226
من لم يذق لصبابة طعماً ***فلقد أحطت بطعمها علماً
إني منحت مودتي سكنا ***فرأيته قد عده جرما
يا عتب ما أنا من صنيعك ***بي أعمى ولكن الهوى أعمى
والله ما أبقيت من جسدي ***لحماً ولا أبقيت لي عظماً
إنّ الذي لم يدر ماكلفي ***ليرى على وجهي به وسما
آه غمّي وكربي ، آه من شدة حبّی
ما أشدّ الحب، سبحانك اللهم ربّی
لم أنل منه نوالا ، غير أن كدّر شربي
أنت ممن خلق الرحمن ، من ذا الخلق حسبي
ولقد قلت وجمر الحب قد أقرح قلبي
يابلائي من غزال، قد سبا قلبي ولبى
عن أبي بصير قال : دخل رجلان علي أبي عبد الله (علیه السلام) في مدرأة بينهما ، ومعاملة ، فلما أن سمع كلامهما ، قال : أما إنّه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم ، أما أنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم ، ثم ، قال : من يفعل الشرِّ بالناس ، فلا ينكر الشرّ إذا فعل به ، أما أنه إنما يحصد إبن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المرّ حُلواً ، ولا من الحلو مراً ، فأصطلح الرجلان قبل أن يقوما(1)
ص: 227
إيّاك من عسف الأنام وظلمهم***واحذر من الدعوات في الأسحار
وإن إبتليت بذِلَّة وخطيئةٍ ***فاندم وبادرها بالاستغفار
أطل افتكارك في العواقب واجتنب ***أشياء محوجة إلى الأعذار
عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : كنت أضرب غلاماً لي ، فسمعت من خلفي صوتاً ، إعلم أبا مسعود ، إن الله أقدر عليك منك عليه ، فالتقت . فإذا هو النبي (صلّی الله عله وآله وسلم) ، فقلت يا رسول الله ، هو حرّ لوجه الله تعالى ، فقال : إما لو لم تفعل للفحتك النار(1)
لا تظلمن إذا ماكنت مقتدراً ***فالظلم مرتعه يفضي إلى النّدم
تنام عينك والمظلوم منتبه ***يدعو عليك وعين الله لم تَنم
في الكافي قال الصادق (علیه السلام) : إنّ رجلاً إنطلق فأخذ ثعلباً ، فجعل يقرب النار إلى وجهه ، وجعل الثعلب يصيح ، ويحدث من أسته ، وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ، ثم أرسله بعد ذلك ، فبينا الرجل نائم إذ جائت حية فدخلت في فيه ، فلم تدعه حتى جعل يحدث كما حدث الثعلب ثم خلت منه (2)
ص: 228
وكم حافر حفرة الأمرء***سيصرعه البغي فيما احتفر
في زهر الربيع : حكى أن قافلة نزلت في خان ، وأن رجلا من التجار كان متكئاً على الجدار ، فرآى عنكبوتا دخل في فرجة صغيرة في الجدار فأخذ قطعة كاغذ ، ولزقها على تلك الفرجة بالكتيرة وسافروا ، وبعد سنة رجعوا ، فلما جلسوا في ذلك المكان ، رأى الكاغذ على حفر العنكبوت فرفعها فخرجت متغيرّة اللون ، فمشت على يده ، ولسعته فاسودت يده ومات من ساعته .
علام يعيش المرء في الدهرِ خاملاً***أيفرح في الدنيا بيوم یعدُّه
يرى الضَّيم يغشاه فيلتذ وقعُهُ ***كذى جَرَبٍ يلتذ بالحك جلده
إن رجلا في إصفهان كانت له زوجة ، فاتفق أنّه ضربها بعصى فماتت من غير أن يتعمد بقتلها يتعمد بقتلها ، فخاف من أهلها ، وما اهتدى إلى الحيلة في أمره ، فأتى إلى رجل فاستشاره في ذلك الأمر ، فقال : إعمد إلى رجل صبيح الوجه ، وأدخله في بيتك ، واقتله وضعه قريب المرأة المقتولة ، فإذا سألك أقارب المرأة ، فقل : رأيت هذا الرجل معها فقتلتهما ، فاستحسن الرجل كلامه ، فبينما هو جالس على باب داره نظر إلى شاب مار في الطريق ، فطلبه إليه وأحسن صحبته ، ثم كلّفه دخول إلى داره ، فأدخله ، وأطعمه ، ثم حملى عليه بالسيف وقتله ، فلمّا أظهر حال المرأة ، قال لأهلها : إن هذا الرجل كان معها ، فقتلتهما ، فقالوا : نعم مافعلت ، ثم أنّ ذلك الرجل
ص: 229
الذي أشار عليه كان له ولد حسن الوجه ، فافتقده ذلك اليوم ولم يجده ، فأتى إلى الرّجل زوج المرأة ، فقال : الذي أشرت عليك فعلته؟ قال : نعم ، قال : أرني الذي قتلته ، فأدخله داره ، فنظر إلى المقتول ، فإذا هو ولده فحثى التراب على رأسه . وظهر قول من حفر لأخيه المؤمن بئراً أوقعه الله فيها .
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهبا ***ولج عتوّاً في قبيح إكتسابه
فكله إلى صرف الليالي فأنها ***ستدعى له مالم يكن في حسابه
فکم قد رأينا ظالماً متمرّداً ***يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه
فعما قليل وهو في غفلانه ***أناخت صروف الحادثات بيابه
فأصبح لا مال ولا جاه يرتجي ***ولاحسنات تلتقي في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً ***وصبَّ عليه الله سوط عذابه
قال مغدور بن سويد : دخلنا على أبي ذر بالربذة (قرية قرب المدينة المنورة فإذا عليه برد ، وعلى غلامه مثله ، فقلنا : لو أخذت برد غلامك إلى بردك كانت حلة ، وكسوته ثوباً غيره قال : سمعت رسول الله (صلّی الله عله وآله وسلم) يقول : إخوانكم الذين جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه مما يأكل ، وليكسه مما يلبس ، ولا يكلّفه ما يغلبه ، وأن كلّفه ما يغلبه فليبيعه (1).
ص: 230
قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم : ما النّجاة من هذا الأمر ، قال : شيء هين ، قال : ماهو ؟ قال : لا تأخذ شيئاً إلاّ من حقّه ، ولا تضعه إلاّ فى حقّه .
قال : من يطيق هذا ؟ قال : من طلب الجنّة ، وهرب من النار .
حكى أن أبا نصر بن مروان أكل مع بعض مقدمي الأكراد ، فأتى على سماطه بحجلتين (كبك) مشويتين ، فلما رآهما ضحك ، فقال له : كيف تضحک قال : كنت أقطع الطريق في عنفوان شبابي ، فمرّ بي تاجر فأخذته ، فلما أردت قتله ، إلتفت فرأى حجلتين ، فقال : إشهدا لي أنه قاتلي ظلما ، فقتلته ، فلما رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه في استشهاده بهما ، فقال أبو نصر : والله لقد شهدا للرجل ، ثم أمر به فضرب عنقه .
أهلكت نفسك ياظلومُ*** بما أذخرت من المظالم
أضننتَ أن المال لا ي- ***-فنى وأن الملك دائم
هيهات أنت وماجمعت*** کلاهما أحلام نائم
تفني، ويفني، والذي ***يبقى الخطايا والمآثم
في الكشكول عن أحياء العلوم، قدم هشام بن عبد الملك حاجاً أيام خلافته ، فقال : إيتوني برجل من الصحابة ، فقيل : قد تفانوا قال : فمن التابعين ، فأتى بطاوس اليماني ، فلما دخل عليه ، خلع نعليه بحاشية بساطة ، ولم يسلّم عليه بأمرة المؤمنين ، بل قال : السلام عليك ، ولم
ص: 231
يكنه ، ولكن جلس بأزائه ، وقال : كيف أنت يا هشام ، فغضب غضباً شديداً وقال : يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال : وما صنعت؟ فازداد غضبه ، فقال : خلعت نعليك بحاشية بساطي ، ولم تسلّم علي بأمرة المؤمنين ولم تكني ، وجلست بأزائي ، وقلت كيف أنت ياهشام؟ فقال طاوس : أما خلع نعلي بحاشية بساطك ، فإنّي أخلعها ما بين يدي ربّ العزّة كل يوم خمسة مرّات ، ولا يغضب عليّ لذلك ، وأما قولك ، لم لاتسلّم علي بأمرة المؤمنين ، فليس كل الناس راضين بإمرتك ، فكرهت أن أكذب ، وأما قولك ، لم تكنى فأن الله عز وجل سمى أوليائه ، فقال : يا داود ، يا يحيى ، يا عيسى ، وكنى وكنى أعدائه ، فقال : تبت يدا أبي لهب ، وأما قولك : جلست بأزائي ، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) يقول : إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار ، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام فقال هشام : عظنى ، فقال طاوس :سمعت من امیرالمومنین علی بن ابی طالب (علیه السلام) : إن في جهنم حيات كالتلال ، وعقارب كالبغال ، تلدغ كلّ أمير لا يعدل في رعيته ثم قام وهرب(1).
تحكموا فاستطالوا في تحكّمهم ***عما قليل كأنّ الأمر لم يكن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى*** عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم ***هذا بذاك ولاعتبُ على الزّمن
ص: 232
حج سليمان بن عبد الملك ، فلقيه طاووس اليماني ، فقيل له : حدث أمير المؤمنين ، فقال : قال رسول الله (صلّی الله عله وآله وسلم) : إن من أعظم الناس عذاباً يوم القيامة ، من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه ب.
قال أنس المالك : خدمت النبي (صلّی الله عله وآله وسلم) عشر سنين بالمدينة ، وأنا غلام ليس كلّ أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه ، فما قال لي : أنّ فيها وما قال لي : لم فعلت هذا ، ولا فعلت هذا (1).
من عفّ عن ظلم العباد تورّعا*** جاءته ألطاف الأله تبرعاً
قال صفوان بن مهران الجمال دخلت على موسى بن جعفر (علیه السلام) بالقف يا صفوان : كلّ شيء منك حسن جميل ، ماخلا شيئاً واحداً ، قلت : جعلت فداك أي شيء ، قال (علیه السلام) : إكرائك جمالك هذا الرجل (يعني هرون الرشيد) فقلت : والله ما أكريته أشراً ، ولا بطراً ولا للصيد ، ولا للهو ،ولكن أكريته لهذا الطريق ، ( يعني طريق مكة ) ، ولا أتولاه بنفسي ، ولكن أبعث معه غلماني ، فقال لي ياصفوان : أيقع كرائك عليهم؟ قلت : نعم قال لي : أتحب بقائهم حتى يخرج كراك ؟ قلت : نعم ، قال : من أحب مانہ بقائهم فهو منهم ، ومن كان منهم ورد النار ، قال : صفوان فذهبت وبعت جمالي عن آخرها ، فبلغ ذلك إلى هرون ، فدعاني ، فقال لي ياصفوان :
ص: 233
بلغني أنّك بعت جمالك ، قلت : نعم ، فقال : ولم ؟ قلت أنا شيخ كبير ، وأنّ الغلمان يقومون بالأعمال ، فقال : هيهات هيهات ، إني لأعلم من أشار عليك بهذا ، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر ، قلت : مالي وموسى بن جعفر : فقال : دع عنك هذا ، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك(1)
ومهما يطل عمر المظالم في الورى ***فأطول أعمار المظالم أقصر
ستبقى البرايا بين غادٍ ورائح ***تئنّ من البلوى وأخرى تزمجر
في التهذيب : قال علي بن أبي حمزة : كان لي صديق من کتاب بنی أميّة فقال : إستأذن لي على جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) فاستأذنت له فأذن له ، فلما أن دخل سلّم وجلس ، ثم ، قال : جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم ، فأصبت من دنياهم مالا كثيراً ، وأغمضت في مطالبه فقال (علیه السلام) :
لولا أنّ بني أمية وجدوا من يكتب لهم ، ويجبي لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس ، وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم ، قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه ، فقال (علیه السلام) : إن قلت لك تفعل ؟ قال : أفعل ، قال له : فاخرج من جميع ماكسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت إليه لا تعرف تصدقت به ، وأنا أضمن لك على الله الجنة ، فأطرق الفتى طويلا ثم قال له : لقد فعلت جعلت فداك .
ص: 234
قال إبن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا إلى الكوفة ، فما ترك شيئاً على وجه الأرض الاخرج منه ، حتى ثيابه التي كانت على بدنه ، قال : فقسمت له قسمة فاشترينا له ثياباً ، وبعثنا إليه بنفقة ، قال : فما أتى عليه إلا شهور قلائل حتى مرض ، فكنا نعوده ، قال : فدخلت يوما وهو في السوق قال : ففتح عينيه ، ثم قال لي : يا علي وفي والله صاحبك ، قال : ثم مات فتولينا أمره ، فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ، فلما نظر إلي ، قال : يا علي، وفينا والله لصاحبك ، قال : جعلت فداك هكذا قال لي عند موته (1)
إن يرسل النفس في اللذات صاحبها ***فما يخلدنَّ صُعلوكاً ولا ملكاً
ومن يطهر بخوفِ الله مهجته ***فذاك إنسان قوم يشبه الملكا
في زهر الربيع حكى إن ملكاً خرج ليلة متنكراً ، فأتى إلى بقال وقال : عندي نصف فلس أريد منك شمعة تشتعل إلى الصباح حتى
حتى لا أنام ، فقال : نصف فلس لا يحصل فيه شمعة كما تقول : ولكني أعطيك رأساً كبيرا من الثوم تضعه في دبرك ، يحرقك حرقاً شديداً لاتنام منه إلى الصبح ، فلما صار النهار وجلس على سرير ملكه طلبه فعرفه البقال وخافه فأمن عليه ، وأجزل عطيتها .
إن إبراهيم بن أدهم كان يوماً في الصّحارى ، فلاقاه رجل جندي فسأله أنت مالك أم مملوك ؟ قال : مملوك ، فقال : أين المعمورة ، فأشاره
ص: 235
إبراهيم إلى مقبرة ، فغضب الجندي فضربه ، وكسر رأسه ، وأخذه وذهب به إلى المصر ، وكان إبراهيم يطلب له من الله الجنّة فقيل له :هو ظلمک وأنت تطلب له الجنة ؟ فقال : لأني أعلم إني مأجور بايذائه ، فلم أحب أن يكون نصيبي منه الخير، ونصيبه مني الشر .
خذ العفو وأمر بعرف كما ***أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكل الأنام ***فمستحسن من ذوي الجاهلين
إذا لم يكن في الصوم مني تصاون*** وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظمّا ***فأن أني صُمت فأن يومي فما صمت
قيل لمحمد الباقر (علیه السلام) : من أعظم الناس قدراً ؟ قال : من لا يبالي في يد من كانت الدنيا(1)
قال الأمام الجواد (علیه السلام) : لا تعادين أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى ، فإن كان محسناً لم يسلمه إليك فلا تعاده ، وإن كان مسيئاً فإن عملك به يكفيكه فلا تعاده ، الانسان مع أهله ، وماله ، وعمله (2)
ص: 236
ما رواه الصدوق بأسناده عن علي (علیه السلام) انه قال : إنّ للمرء المسلم ثلاث أخلاء فخليل يقول : أنا معك حياً وميتاً وهو عمله ، وخليل يقول : أنا معك إلى باب قبرك ثم أخليك ، وهو ولده ، وخليل يقول له: أنا معك إلى أن تموت ، وهو ماله ، فإذا مات صار للوارث(1)
وقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : الأخلاء ابن آدم ثلاثة : واحد يتبعه إلى قبض روحه وهو ماله ، وواحد يتبعه إلى قبره وهو أهله ، وواحد يتبعه إلى حشره وهو عمله(2)
رأى إسكندر يوماً الفيلسوف ديوجينس في مقبرة فقال له : ماتفعل ههنا ؟ قال : كنت افتش عن عظام والدك الملك العظيم بين عظام خادمي المسكين ، فوجدت كلّ العظام هنا مختلطة لا يميز بعضها من الآخر.
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إنما مثل أحدكم وأهله ، وماله ، وعمله ، كرجل له ثلاث إخوة ، فقال لأخيه الذي هو ماله ، مالك عندي غنى ، ولا نفع إلا مادمت حياً ، فخذ مني الآن ماشئت ، فإذا فارقتك فسيذهب بي إلى مذهب غير مذهبك ، وسيأخذني غيرك ، فالتفت النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) إلى أصحابه ، فقال : هذا الذي هو ماله ، فأي أخ ترون هذا ؟ فقالوا : لاتری به طائلا .
ص: 237
ثم قال لأخيه الذي هو أهله ، وقد نزل به الموت : ما عندك من نفعي ، والدفع عني فقد نزل بي ما ترى ؟
فقال : عندي أن أمرضك ، وأقوم عليك ، فإذا مت غسلتك وكفنتك ، ثم حنطتك ، ثم إتبعتك مشيعا إلى حضرتك ، فأثنى عليك عند من سألني عنك ، وأحملك في الحاملين ، فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : هذا أخوه الذي هو أهله فأي أخ ترون هذا؟ أخ غير طائل يارسول الله .
ثم قال لأخيه الذي هو عمله : ماذا عندك في نفعي ، والدفع عني فقد ترى مانزل بي ؟
فقال له : أونس وحشتك ، وأذهب غمك ، فأجادل عنك في القبر ،وأوسع عليك جهدي.
ثم قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : هذا أخوه الذي عمله، فأي أخ ترون هذا ، قالوا : هو خير أخ يارسول الله ، قال : فالأمر هكذا(1)
المرءُ يجمعُ والدنيا مفرّقةً***والعمر يذهب والأيام تختلس
ونحن نخبط في ظلماء ليس بها*** بدر يضيء ولا نجم ولا قبس
فكم نُريقُ خرقاً ليس مرتيقاً*** فيها وتحرس شيئاً ليس ينحرس
وكم نَذِل وفينا كلّ ذي أنفٍ ***ونستكين وفينا العز والسوس
وكيفَ يَرضى لبيب أن يكون له***ثوب نقى وعرض دونه دنس
أم كيف يُطبق يوماً جفن ذي دنس*** وخلفه فاغر للموتِ مفترس
ص: 238
إذ الدنيا تأملها حكيم *** لتبيّن أنّ معناه عبور
لو أنّ الدنيا من ذهب يفنى ، والآخرة من خزف يبقى ، لكان ينبغي لنا أن نختار ما يبقى على ما يفنى ، فكيف وقد اخترنا خزفاً يفنى على ذهب يبقى.
أخا الدنيا أرى دنياك أفعى ***تبدل كل آونة إهاباً
ومن عجب تشيب عاشقيها*** وتفنيهم وما برحت كعابا
فلم أرَ غير حكم اللهِ حُكماً*** ولم أر دون باب الله بابا
قال ابن مسعود : ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف وماله عارية والضيف مرتحل والعارية مردود.
قال علي (علیه السلام ) لسلمان الفارسي (رض) : إن مثل الدنيا مثل الحيّة ، لين مسّها ، قاتل سمّها ، فأعرض عما يعجبك منها ، فإن المرء العاقل كلما صار فيها إلى سرور اشخصته إلى مكروه ، ودع عنك همومها ، إن أيقنت بفراقها (1)
ص: 239
قال محمد بن سيرين : إن رجلين إختصما في أرض فأوحى الله تعالى إلى الأرض كلّميها ، فقال : يا مسکینان تختصمان في ، وقد ملكني ألف
أعور سوى الأصحاء .
ليس الزاهد من لا يملك شيئاً ، إنما الزاهد من لا يملكه شيء .
سمع حكيم رجلان يقولان : أين الزاهدون في الدنيا . الراغبون في الآخرة ، فقال : يا هذا إقلبا كلامكما وضعا يدكما على من شئتما.
قال علي (علیه السلام) في صفة الدنيا : وقد سأل عنها ، فقال (علیه السلام) : إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ودار موعظة لمن إتعظ بها ، ومسجد أحباء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحی الله ، ومتجر أولياء الله ، إكتسبوا فيها الرّحمة ، وربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها ، وقد آذنته ببينها ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت ببلائها البلاء ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور راحت بعافيه ، وابتكرت بفجعة ترغيباً ، وترهيباً ، وتخويفاً ، وتحذيراً ، فذمها رجال ، غداة الندامة ، وحمدوها آخرون ، وذكرتهم الدنيا فذكروا ، وحدثتهم فصدقوا . ووعظتهم فاتعظوا ، فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها ، ثم تذمها أنت المجرم عليها أم هي المجرم ، عليك ، متى إستهوتك ، أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك ، وكم مرضت بيدك ، تبقي لها شفاء ، وتستوصف لهم الأطباء ، لم
ص: 240
ينفع أحدهم أشفاقك ولم تسعف فيهم بطلبتك قد مثلت الدنيانفسك ، وبمصرعهم مصرعک(1)
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها***إلا الَّتي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنها ***وإن بناها بشر خاب بانيها
لكل نفس وإن كانت على وجل ***من المنية أمال تقويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضها*** والنفس تنشرها والموت يطويها
ما لابن آدم في الدنيا يعيش بها*** سوى رغيف ، وسربال به استترا
قال علي (علیه السلام) : ما سألني أحد قط حاجة إلا كان له الفضل عليّ ، قيل : لم ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال (علیه السلام) : لأنه يسألني بالوجه الذي يسأل ربه
قال الأمام الحسن بن علي (علیه السلام) : التبرع بالمعروف ، والأعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد(2).
ص: 241
اضرع إلى الله لا إلى الناس***واقنع بيأس فأن العزّ في اليأس
واستغن عن كلّ ذي قربى وذي رحم ***إن الغنى لمن استغنى عن الناس
(848) السؤال في الاسلام:(1)
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يا أبا ذر إيّاك والسؤال ، فإنه ذلُ حاضر ، وفقر تتعجله وفيه حساب طويل يوم القيامة
وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من سأل الناس ، وعنده قوت ثلاثة أيام لقى أيام لقى الله يوم القيامة وليس على وجهه لحم(2).
وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من فتح على نفسه باب مسألة ، فتح الله عليه باباً من الفقر ، لا يسدّ أدناها شيء(3) .
صنٍ النفسَ عن ذُلّ السؤال ونَحسِه*** فأحسنُ أحوال الفتى صونُ نَفسه
ولا تتعرض للثيم فأنّه ***أذلّ لديه الحر في شطر فلسه
لا تكن طالباً في يد الناس***فيزور عن لقاك الصديق
إنما الذل في سؤالك للناس***ولو في سؤالك أين الطريق
ص: 242
قال الصادق (علیه السلام) : من سأل من غير فقر ، فكأنّما يشرب الخمر(1) .
وقال عليه السلام : لو علم الناس ما في السؤال من الوزر والوبال لما سأل أحد أحداً (2).
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إنّ الأرزاق دونها حجب ، فمن فنی حیاته وأخذ رزقه ، ومن شاءهتك الحجاب وأخذ رزقه ، والذي نفسي بیده لان يأخذ أحدكم جبلا ثم يدخل عرض هذه الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ، ثم يدخل السوق فيبيعه بمدّ من التمر ، فيأخذ ثلثه ، ويتصدق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه(3).
وإنك لا تدري إذا جاء سائل ***أأنت بما تعطيه أم هو أسعد
عسى سائل ذو حاجة إن متعته ***من اليوم سؤلاً أن يكون له غد
وفي كثرة الأيدي لذي جهل زاجر*** وللحلم أبقى للرجال وأعود
في حديث أن الحسن (علیه السلام) قال لرجل سأله : إن المسألة لا تحل إلاّ في إحدى ثلاث 1 - دم مفجع 2 - أو دين مقرح 3 - أو فقر مدقع ، ففي أيها
ص: 243
تسأل ؟ فقال : في واحدةٍ من هذه الثلاثة ، فأمر له حسن بن علي (علیه السلام) بخمسين ديناراً ، وأمر له الحسين (علیه السلام) بتسعة وأربعين ديناراً ، وأمر له عبد الله بن جعفر بثمانية وأربعين دينارا (1)
لا تدخلتّك ضجرة من سائل ***فلخير دهرك أن ترى مسؤلا
لاتجبهن بالردّ وجه مؤمّل ***فبقاء عزّك أن ترى مأمولا
بينما كان سائل يأكل ما جمعه خلال يومه إذ مرّ عليه مكاري مع حميره فتقدم إحدى الحمير من السائل ، وأكل من طعامه ، وإذا بالمكاري خلّى سبيله ، وترك الحمار ، فناداه السائل : أيها المكاري ، حمارك حمارك فأجاب : لا يفيد هذا الحمار بعدما أكل من طعامك لأنه لا يعمل كما كان سابقا
عزيزي القارىء من كان يؤمن بأن الله عز وجل هو الرّزاق ذو القوة المتين ، ويعلم قوله سبحانه(وما من دابة في الأرض ألاّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) كيف يتمسك ويلجأ إلى غيره .
وقال الله تعالى لموسى بن عمران (علیه السلام) : ما دمت لاترى كنوزي نفدت فلا تغتم بسبب رزقك .
إذا كنت من بلدة جاهلاً ***وللعلم ملتمساً فاسأل
فإنّ السؤال شفاء العمى*** كما قيل في الزمن الأول
ص: 244
كان في بغداد رجل قد ركبته ديون كثيرة ، وهو مفلس ، فأمر القاضي بأن لا يقرضه أحد شيئاً ، ومن أقرضه فليصبر عليه ، ولا يطالبه بدينه وأمر بأن يركب على بغل ويطاف به المجامع ليعرفه الناس ، ويحترزوا من معاملته ، فطافوا به في البلد ، ثم جاؤا به إلى باب داره ، فلما نزل عن البغل ، قال له صاحب البغل : أعطني أجرة بغلي ، قال : وفي أي شيء كنا من الصباح إلى هذا الوقت يا أحمق .
نهاية أقدام العقول عقال*** وغاية سعى العالمين ضلال
ولم نستفد من سعينا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
وأرواحنا محبوسة في جسومنا *** وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولست يراء عيب ذي الود كله*** ولا بعض مافيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كل عيب كليله ***ولكن عيبالسخط تبدى المساويا
قال أحد الحكماء : ألظلم من طبع النفس ، وأنما يسدّها عن ذلك إحدى علّتين ، إما علّة دينه كخوف معاد ، وأما سياسة كخوف السّيف .
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ***يا ذا عفة فلعلة لايظلم
لقد شب جمر القلب من فيض عبرتي ***كما أنّ رأسي شاب من موقف البين
ص: 245
فإن كان ترضى لي مشيبي والبكا*** تلقيت ما ترضاه بالرأس والعين
وفتاك اللواحظ بعد هجر ***جنى كرماً وأنعم بالمزار
وظلّ نهاره يرمي بقلبي ***سهاماً من جفون كالشفار
وعند النّوم قلت لمقلتيه*** وحكم النوم في الأجفان سار
تبارك من توفاكم بليل ***ويعلم ما جرحتم بالنّهار
تمتعا يامقلتي بنظرة***وأوردتما قلبي أشر الموارد
أعيني كفا عن فؤادي فإنه*** من البغي إثنين في قتل واحد
كيف أنسى جميل شعر حبيبي ***وهو كان الشفيع في لديه
شعر الشعر أنّه رام قتلي ***فرمى نفسه على قدميه
مذ صدّ عن عهد وصالي حالا*** لا يبرح دمع مقلتي هطالا(1)
أدعو بلسان يفعل الله به*** قلبي وحشاشتي ينادي لا لا
في الكشكول البهائي ج 1 ص 281عن الصادق (علیه السلام) يقول : ثلاث مرات (الله الله ربّی حقّا ، لا أشرك به أحداً، أللهم أنت لها ، ولكلّ عظيمة ففرجها عني) وأن قرائتها للوجع ضع اليد حال القرائه على مكان الوجع .
ص: 246
أقرب ما يكون العبد من الله إذا سأله ، وأقرب ما يكون من الخلق إذا لم يسألهم
فديتك قد جبلت على هواكا ***فنفسي لا تطالبني سواكا
أحبّك لا يبعضي بل بكلّي ***وإن لم يبق حبّك لي حراكا
ويقبح من سواك الفعل عندي*** وتفعله فيحسن منك ذاكا
لا أشتكي زمني هذا فأظلمه*** وإنما أشتكى من أهل ذا الزمن
هم الذئاب التي تحت الثياب فلا ***تكن إلى أحدٍ منهم بمؤتمن
قد كان لي كنز صبر فافتقرت إلى*** إنفاقه في مداراتي لهم ففني
وإذا اعتراك في ودّ إمرء ***وأردت تعرف حلوه من مرّه
فاسأل فؤادك عن ضمير فؤاده*** ينبيك سرك كل ما في سرّه
في عيون الأخبار مما أنشده علي بن موسى الرضا (علیه السلام) للمأمون .
إذا كان دوني من بلوت بجهله *** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل
وإن كان مثلي في محلي من النّهي*** أخذت بحلمي كي أجل عن المثل
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى *** عرفت له حق التقدم والفضل
في الملل والنّحل عند ذكر زيتون الأكبر ، قال : قيل له : وقد هرم ، كيف حالك ؟ قال : هوذا ، أموت قليلا قليلا على مهل ، قيل : إذا مت
ص: 247
من يدفنك ، قال : من تؤذيه جيفتي ، وقال : محبة المال وتد الشّر. وقال : الدنيا إذا أدركت الهارب منها جرحته ، وإذا أدرك منها قتلته .
إذا كان عون الله للمرء شاملا ***تهييء له من كلّ شيءٍ مراده
وإن لم يكن عون من الله للفتى*** فأول ما يجني عليه إجتهاده
إنَّما الدنيا طعام ، وغلام ، ومدام ***فإذا فاتك هذا ، فعلى الدنيا سلام
قيل لأعرابي : كيف غلبت الناس ؛ فقال : كنت أبهت بالكذب ، وأستشهد بالموتى .
قوله تعالى : (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)(1).
وقوله تعالى : (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتيهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرُ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيمة)(2).
وقال الله تعالى : (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتيهم الله من فضله)(3) .
ص: 248
إنّي لأحرض أهل البخل كلّهم ***لو كان ينفع أهل البخل تحريضي
ماقل مالي إلا زادني كرماً ***حتى يكون برزق الله تعويضي
والمال يرفع من لولا دراهمه *** أمسى يقلب فينا طرف محفوض
لن تخرج البيضُ عفواً من أكفّهُمُ ***إلا على وجع منهم وتمريض
كأنهم من جلود الباخلين بها ***عند النوائب تحذى بالمقاريض
قال الباقر (علیه السلام) : ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى الله إلاّ أبتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله .(1)
في مجموعة ورام : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أقسم الله تعالى بعزّته . وعظمته وجلاله ، لا يدخل الجنة بخيل،ولا شحيح (2)
وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إيّاكم والشح ، فأنه أهلك من كان قبلكم ، حملهم أن يسفكوا دمائهم ، ويستحلّوا محارمهم (3).
قوم إذا أكلوا أخفو كلامهم*** واستوثقوا من رتاج الباب والدار
لا يقبس الجار منهم فضل نارِهم ***ولا تَكِفَهُ يدُ عن حُرمة الجار
ص: 249
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أقلّ الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما إفترض الله عليه (1).
قال الصادق (علیه السلام) : عجبت لمن يبخل بالدّنيا وهي مقبلة عليه ، أو يبخل بها وهي مدبّرة عنه ، فلا الأنفاق مع الأقبال يضره ، ولا الإمساك مع الإدبار ينفعه(2) .
أمن خوف فقر تعجّلته ***وأخرت إنفاق ما تجمع
فصٍرتَ الفقيرَ وأنت الغنيُّ ***فما كان ينفعُ ما تصنع
قيل للصادق (علیه السلام) : إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت الخلافة إليه إلاّ الخشنُ ، ولا يأكل إلا الجشب ، فقال : يا ويحه مع ما قد مكّن الله له من السلطان ، وجيء إليه من الأموال ، فقيل : إنّما يفعل ذلك بخلاً وجمعاً للأموال ، فقال : الحمد لله الذي حرمه من دنياه ماله ، كما ترك دينه (3).
أعاذل ليس البخل مني سجيّة*** ولكن رأيت الفقر شر سبيل
لموتُ الفتى خيرٌ من البخل للفتى ***ولَلبخلُ خير من سؤال بخيل
ص: 250
لعمرك ماشيء لوجهك قيمةُ ***فلا تلق مخلوقاً بوجه ذلیل
ولا تسألن من كان يسأل مرّةً ***فللموت خير من سؤال سؤول
قال : قال إبراهيم بن محمد البيهقي في كتاب المحاسن والمساوى كتاب كتبه في أيام المقتدر العباسي في مساوى البخل ، المدايني ، عن خالد كيلويه ، قال : كنت نجاراً حاذقاً ، فذهب بي إلى المنصور ، فقال : افتح لي باباً أنظر منه إلى المسجد ، وعجل الفراغ منه ، منه ، قال : ففتحت الباب، وعلقت عليه باباً ، وجصصته ، وفرغت منه وقت الصلوة ، فلمّا نودي بالصّلوة جاء ونظر إليه فأعجبه عملي ، وقال لي : أحسنت بارك الله عليك ، وأمر لي بدرهمين .
قال المنصور : للمسيّب بن بن زهيرإحضر لي بنّاء حاذقا الساعة فأحضره فأدخله إلى بعض مجالسه ، فقال لي : إبن لي بأزائه طاقاً يكون شبيهاً بالبيت فلم يزل يؤتى بالجص والآجر حتّى بناه وجودّه ، ونظر إليه فاستحسنه نه ، وقال للمسيّب : إعطه أجره ، فأعطاه خمس دراهم ، فاستكثرها ، وقال : لا أرضى بذلك فلم يزل حتّى نقصه درهماً ، ففرح بذلك وابتهج كأنّه أصاب مالاً(1).
إياك والبخل عند مكرمة ***وإن رأيت الرجال قد الرجال قد بخلوا
وارغب إلى الله لا إلى أحدٍ*** فأنه خير واصل تَصَلُ
ص: 251
سقام الحرص ليس له شفاء***وداء البخل ليس له طبيب
حكى عن المنصور إنه لدغ ، فدعى مولى له ، يقال له : أسلم رقّاء فأمره أن يرقيه ، فرقاه فبرء ، فأمر له برغيف ، فأخذ الرغيف فنقبه وصيره في عنقه ، وجعل يقول : رقيت مولاي فبرء ، فأمر لي برغيف فبلغ المنصور ذلك . فقال له : لم آمرك لتشنع علي ، قال : لم أشنع إنّما أخبرت بما أمرت ، فأمر أن يصفع ثلاثة أيام في كلّ ثلاث صفعات .بيان (صفعه أي ضرب قفاه بجميع كفه) (1)
لا ينبغي لسيّد أن يبخلا ***فأنه عن خوف فقر قد خلا
أو أن يكون لليمين مرسلا ***عند الحديثِ فهو عار في الملا
لا تصلح الأيمانُ للموقر
فلا تباشر أصغر الأمور ***تضع به مصالح الكبير
واصرف حقوق المال بالتقدير ***وقسم الساعات للتّدبير
وللعبادات ونيل الوطر التي
قال الصادق (علیه السلام) : ثلاث إذا كان في الرجل فلا تحرج أن تقول : إنه في جهنّم 1 - البذاء ، 2 - والخيلاء ، 3 - والفخر . وعنه (علیه السلام) : ما كان من
ص: 252
شيعتنا ، فلا يكون فيهم ثلاث أشياء ، لا يكون فيهم من يسأل بكفّه ، ولا يكون فيهم بخيل ، ولا يكون فيهم من يؤتى في دبره (1).
في حديث المناهي : قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : قال الله عز وجل : حرمت الجنّة على المنان والبخيل والقتات(2) .
وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : خصلتان لا تجمع في مسلم ، البخل ، وسوء الخلق(3).
يا من غدا ينفق العمر الثمين بلا ***جدوى سوى جمع مال خيفة العدم
ارجع لنفسك وانظر في تخلّصها***فقد قذفت بها في لجّة العَدَم
لا تخبأن لغد رزقاً وبعد غدٍ ***فكل يوم يوافى رزقه معه
واذخر جميلا لأدنى القوت تدركه ***وللقيامة تعرف ذاك أجمعه
قال علي (علیه السلام) : أعزّ العز العلم ، لأنّ به معرفة المعاد والمعاش ، وأذلّ الذل الجهل لأن صاحبه أصم ، أبكم ، أعمى ، حيران .
حيوتك أنفاس تعد فكلّما ***مضى نفس انتقصت به جزءاً
فتصبح في نقص وتمسى بمثله*** ومالك معقول تحس به رزءا
ويفنيك ما يبقيك في كلّ ليلة*** ويحدوك أمر ما تريد به الهزءا
قال الصادق (علیه السلام) : المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ، و إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله.(1)
قال الصادق (علیه السلام) : من حق أخيك أن تحمل له الظلم في الظلم في ثلاث مواقف : 1 - عند الغضب ، 2 - وعند الذلة 3 - وعند الشهوة .
إياكم أن تظلموا أو تناصروا ***على الظلم إنّ الظَّلم يردي ويهلك
لوي يبني عبس وأحياء وائل*** وكم من دم بالظلم أصبح يُسفك
ص: 254
قال الصادق (علیه السلام) : ألا تتبع أخاك بعد القطيعة وقيعة فيه ، فيسد الطريق الرجوع إليك ، فلعل التجارب تردّه إليك (1)
قال الصادق (علیه السلام) :هلك الله ستّة بستّة1 - الأمراء بالجور ، 2 - والعرب بالعصبية 3 - والدهاقين بالكبر . 4 - والتجار بالخيانة 5 - وأهل الرستاق بالجهل . 6 - والفقهاء بالحسد (2)
لا تحدث من تخاف أن يكذبك ، ولا تسأل من تخاف أن يمنعك ، ولا تأمن من تخاف أيغدر بك ، ومن لم يواخ إلاّ من لاعيب فيه قلّ صديقه ، ولا تثق إلى من لم يرض من صديقه إلا بايثاره إياه على نفسه دام سخطه ، ومن عاقب على كل ذنب كثر تعبه (3)
روى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) . إنّه قال : الناس في القدر على ثلاثة أوجه :
1 - رجل يزعم أن الله تعالى أجبر خلقه على المعاصي ، فهذا قد أظلم الله تعالى في حكمه فهو كافر .
ص: 255
2 - ورجل يزعم أن الأمر مفوّض إليهم فهذا أوهن في سلطان الله فهو المنافق .
3 - ورجل يزعم أن الله تعالى كلّف العباد ما يطيقون ، ولم يكلّفهم ما لا يطبقون ، فإذا أحسن حمد الله ، وإذا أساء أستغفر الله تعالى فهو مسلم بالغ (1)
قال عبد المؤمن : دخلت على الأمام موسى بن جعفر (علیه السلام) وعنده بن محمد الجعفري، فتبسمت إليه ، فقال لي : أتحبه ؛ قلت نعم ، وما أحببته إلا لكم ، فقال (علیه السلام) : هو أخوك ، والمؤمن أخ المؤمن لأمه وأبيه ، وأن لم يلده أبوه ، ملعون من إتهم أخاه ، ملعون من لم ينصح لأخيه ، ملعون من إستأسر على أخيه ، وملعون من إحتجب عن أخيه ،ملعون من إغتاب أخاه(2)
جامل أخاكَ إِذا اسْتَرَبْتَ بوده ***و انظر به عقب الزمانِ العائد
فإن استمر به الفسادُ فَخلّه*** فالعُضو يقطع للفساد الزائد
روى عن بعض أصحاب الرّضا (علیه السلام) أنه قال : دخلت إليه بمرو فقلت : يا بن رسول الله روى لنا عن الصادق (علیه السلام) إنّه قال : لا جبر ولا
ص: 256
تفويض بل أمر بين الأمرين ، فما معناه ؟ فقال (علیه السلام) : من زعم أن الله سبحانه يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر .
ومن زعم أن الله تعالى فوّض أمر الخلق والرّزق إلى حججه فقد قال بالتفویض مشرک.
فقلت يا بن رسول الله فما أمر بين الأمرين ؛ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به ، وترك ما نهوا عنه(1).
وسأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون ، فقال : يا أبا الحسن الخلق مجبورون ؛ فقال (علیه السلام) : الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب ، قال : فمطلق ؟ قال : : الله أحكم من أن يهمل عبده ، ويكله إلى نفسه (2)
إن بعض الناس سأل الرضا (علیه السلام) ، فقال : يا بن رسول الله ، أتقول:إن الله تعالى فوّض إلى عباده أفعالهم ؟ فقال (علیه السلام) و هو اعدل من ذلك وأجل قال : فكيف تقول ؟ قال (علیه السلام) : أقول أمرهم ونهاهم ، وأقدرهم على ما آمرهم به ونهاهم عنه وخيرهم ، فقال عز من قائل (وقل اعملوا ، فسيرى الله عملكم ورسوله) (3) .
وقال سبحانه (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (4)
وعداً ووعيداً .
(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (5).
ص: 257
قال الصادق (علیه السلام) : من أخلاق الجاهل الأجابة قبل أن يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بمالا يعلم(1)
جهلت فعاديت العلوم وأهلها*** كذاك يعادي العلم من هو جاهله
ومن كانَ يهوى أن يُرى متصدّرا*** ويكره لا أدري أصيبت مقاتله
قال الأمام الجواد (علیه السلام) : إياك ومصاحبة الشرير فإنّه كالسيف المسلول ، يحسن منظره ، ويقبح أثره (2)
إنّ الأفاعي وأن لانتْ ملامسها ***عند التقلب في أنيابها العطب
وقال الامام الجواد (علیه السلام) : لا تكن وليّاً الله في العلانية ، وعدواً له في السّر(3)؟ (916) زمان عدل وزمان سوء :
(3)
قال الإمام العاشر علي النقي (علیه السلام) : إذا كان زمان العدل فيه أغلب من السّوء فليس لأحد أن يظن بأحدٍ سوءا حتى يبدوا ذلك منه ، وإن كان زمان فيه السوء أغلب من العدل ، فليس لأحد أن يظن بأحدٍ خيراً حتى يبدوا ذلك منه (4)
ص: 258
عن العباس بن عامر العزرمي : عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلاّ بالقتل والتّجبر ، ولا الغنى إلا بالغضب والبخل ، ولا المحبّة إلا باستخراج الدّين ، وإتباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزّمان ، فصبر على الفقر وهو يقدر على الغناء ، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة ، وصبر على الذّل وهو يقدر العز ، آتاه الله ثواب خمسين صدّيقاً ممن صدق بي (1) .
في كتاب الخصال عن وليد بن صبيح عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : كنت عنده ، وعنده جفنة من رطب ، فجاء سائل فأعطاه ، ثم جاء سائل فأعطاه ، ثم جاء سائل آخر ، فقال : وسع الله عليك ، ثم قال (علیه السلام) : إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألفاً ، ثم شاء أن لا يبقى منه شيء إلاّ قسمة في حق ، فعل ، فيبقى لا مال له ، فيكون من الثلاثة الذين يردّ دعاؤهم عليهم ، قال : قلت : جعلت فداك من هم ؟ قال (علیه السلام) : من رزقه الله مالاً فأنفقه في وجوهه ثم قال : يارب أرزقني ، ورجل دعي على إمرأته وهو ظالم لها ، فيقال : ألم أجعل أمرها بيدك ؟ ورجل جلس في بيته وترك الطلب ، يقول ، يارب أرزقني ، فيقول عزّ وجل ، ألم أجعل لك السبيل إلى
طلب الرزق(2) .
ص: 259
الشيخ محمد التبريزي المتوفي سنة 1320 هجرية ، وقد فتّش العشار ثيابه وأمتعته في البصرة ثم أنشد :
ألا ربّ عشار خبيث أها جنى***على جرف العشار حيث أهاجا
وقد أخذ التعشير من كلّ سلعة ***وفتش جيبي مطمعاً ولجاجا
فقلت له ماذا تفتش بعد ذا ***أتأخذ إحدى خصيتين خراجا(1)
ربّ عجوز سرقت مخيطي ***ثم انثنت تسحب أزيالها
فقلت شعري ما أرادت به ***أظنها خاطت به ما...
أوصى حكيم إبنه ، فقال : يا بني الشرف كلّ الشرف ، والفضل كلّ الفضل أن تفتخر بعملك الطيّب ، فهو الذي يجعلك غرّة في جبين أسرتك ، ودرة في جيد بيئتك ، ويصيرك نادرة زمانك ، وجوهرة أيّامك .
أخص الناس بالأيمان عبد ***خفيف الحال مسكنة القفار
له في الليل حظّ من صلوة ***ومن صوم إذا طلع النّهار
وقوت النفس يأتي من كفاف ***وكان له على ذاك اصطبار
وفيه عفّة وبه خمول ***إليه بالأصابع لا يشار
فذلك قد نجي من كلّ شرّ ***ولم تمسسه يوم البعث نار
ص: 260
كشكول النائيني
قال الباقر (علیه السلام) : في وصيته لجابر الجعفي : يا جابر إغتنم من أهل زمانك خمساً 1 - إن حضرت لم تعرف . 2 - إن غبث لم تفقد . 3 - إن شهدت لم تشاور 4 - إن قلت لم يقبل قولك . ه - إن خطبت لم تتزوج لم تتزوج الخ(1).
في سفينة البحار من أعلام الدين من كتاب المؤمن تصنيف الحسين بن سعيد ، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : بينما موسى يمشي على ساحل البحر إذ جاء صياد فخر للشمس ساجداً ، وتكلم بالشرك ، ثم ألقى شبكته فخرجت مملوءة ، ثم ألقاها فخرجت مملوءة ، ثم أعادها فخرجت مملوءة فمضى ، ثم جاء آخر ، فتوضأ وصلى وحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ألقى شبكته فلم يخرج شيئاً ، ثم أعاد فخرجت سمكة صغيرة ، فحمد الله وأثنى عليه وانصرف فقال موسى (علیه السلام) : يارب عبدك الكافر تعطيه مع كفره ، وعبدك المؤمن لم تخرج غير سمكة صغيرة ؟ فأوحي الله تعالى إليه أنظر عن يمينك ، فكشف عما أعد الله لعبده المؤمن ، ثم قال : أنظر عن يسارك ، فكشف عما أعد الله للكافر ، فنظر ، ثم قال يا موسى، ما نفع هذا الكافر ما أعطيته ، ولا ضر هذا المؤمن ما منعته ، فقال موسى : يارب يحق لمن عرفك أن يرضى بما صنعت (2).
توكلت في رزقي على الله خالقي*** وأيقنت أن الله لا شكّ رازقي
ص: 261
ومايك من رزقي فليس يفوتني ***ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ***ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرةً ***وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
قال أبو الحسن الراوندي ، مررت بشيخ جالس ، وبيده مصحف، يقرأ {والله ميزاب السموات والأرض} (1)فقلت : وما يعني ميزاب السموات والأرض قال : هذا المطر الذي ترى ، فقلت : ما يكون التصحيف إلا إذا كان مثلك يقرأ ، يا هذا إنّما هو ميراث السموات والأرض ، قال : اللهم إغفر لي ، أنا من أربعين سنة أقرءها ، وهي في مصحفي هكذا .
كان ميثم التّمار معاصر لأبي الهذيل العلاف ، شيخ المعتزلة البصريّين ، سأل ميثم أبا الهذيل ؟ فقال : ألست تعلم أن إبليس ينهي عن الخير كلّه ، ويأمر بالشرّ كلّه ، قال : بلى قال : فيجوز أن يأمر بالشر كلّه ، وهو لا يعرفه ، وينهي عن الخير كله ، وهو لا يعرفه ، قال : لا ، فقال أبو
الحسن ، قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كلّه ، والخير كلّه ، قال أبو الهذيل أجل ! قال : أخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) هل يعلم الخير كلّه ، والشر كلّه ؟ قال : لا ، قال له : فأبليس أعلم من إمامك إذا ، فانقطع أبو الهذيل(2)
ص: 262
قال السيد المرتضى في كتاب الفصول ، أخبرني الشيخ [يعني الشيخ المفيد] أيده الله قال : قال أبو الحسن علي بن ميثم (علیه السلام) لرجل نصراني ، لم علّقت الصليب في عنقك ؟ قال : لأنه شبه الشيء الذي صلب عليه عیسی(علیه السلام) : قال أبو الحسن : أفكان عيسى يحب أن يمثل به ، قال ، لا ، قال : فأخبرني عن عيسى (علیه السلام) أو كان يركب الحمار : ويمضي في حوائجه ؟ قال : نعم ، قال : أفكان يحب بقاء الحمار حتى يبلغ عليه حاجته ، قال : نعم ، قال : فتركت ما كان يحب عيسى (علیه السلام) بقائه ، وما كان يركبه في حيوته بمحبة منه ، وعمدت إلى ما حمل عليه عيسى (علیه السلام) بالكره وأركبه بالبغض له ، فعلقته في عنقك فقد كان ينبغي على هذا القياس أن تعلق الحمار في عنقك ، وتطرح الصّليب، وإلا فقد تجاهلت(1)
إذا كنت لا تدري ولم تكُ بالذي*** يسائل من يدري فكيف إذا تدري
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل*** فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
إذا كنت في كل الأمور على عمى*** فكن هكذا أرضاً يطاك الذي يدري
ومن أعجب الأشياء أنّكَ لا تدري ***وأنك لا تدري بأنك لا تدري
قال السيد المرتضى أخبرني الشيخ (يعني الشيخ المفيد)ادام الله عزه قال : دخل أبو الحسن علي بن هيثم (ر) ، على الحسن بن سهل ، وإلى جانبه ملحد ، قد عظّمه ، والناس حوله ، فقال : رأيت ببابك عجباً
ص: 263
قال : وما هو ؟ قال : رأيت سفينة تعبر بالناس من جانب إلى جانب بلا ملاح ، ولا مدبر ، فقال له صاحبه الملحد ، وكان بحضرته ، إن هذا أصلحك الله لمجنون ! قال : قلت وكيف ذلك ؟ قال : خشب جماد لا حيلة له ، ولا قوة ، ولا حيوة فيه ، ولا عقل ، كيف تعبر الناس ، قال : فقال أبو الحسن ، وأيما أعجب ، هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة ويسرة ، بلا روح ، ولا حيلة ، ولا قوى ولا حيلة ، ولا قوى ، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض ، والمطر الذي ينزل من السماء ، تزعم أنت أنه لا مدبّر لهذا كلّه ، وتنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبّر وتعبر الناس ، قال : فبهت الملحد (1).
من كانت ما شطة آل فرعون ؟
روى الثعلبي : أنّ ماشطة آل فرعون كانت إمرأة خربيل ، وكانت مومنه، روى أنها كانت تمشط بنت فرعون ، فوقع المشط من يدها ، فقالت : بسم الله فقالت بنت فرعون : أبي ، فقالت : لا ، بل ربّي ، وربّك ، وربّ أبيك ، فأخبرت بذلك أباها ، فأمر بتنّور من النحاس فأحميء ، فدعا بها ، وبولدها ، فأمر بأولادها فالقوا واحداً واحداً في التنور ، حتى كان آخر ولدها ، وكان صبياً مرضعاً فنطق الطفل ، فقال : إصبري يا أماه إنّك على الحق ، فألقيت في التنور مع ولدها .
تباً لطالب دنياً لا بقاء لها*** كأنما هي في تصريفها حُلم
صفاؤها کدر سراؤها ضَررٌ*** أمانها غدر أنوارها ظلم
ص: 264
شبابها هرم راحاتُها سقم*** لذاتُها ندم وجدانها عدم
فخلّ عنها ولا تركن لزهرتها*** فإنّها نعم في طيها نقم
في الكافي عن أبي عبد الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده ، أو من عند غيره ، أقامه الله تعالى يوم القيمة مسوداً وجهه ، مزرّقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ، ثم يأمر به إلى النار (1).
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ***على الناس طُرّاً إنّها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ***ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
في مجموعة ورام : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته : فالأمير على الناس راع ، وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته ، وهی مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولدها ، وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيّده ، وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته (2).
ومن يلن لبنى الغبراء جانبه ***سقوه من جرعات الجور ألوانا
والحازم الرأي من يجزي مبادئه*** بالشر شراً وبالأحسان إحساناً
ص: 265
لا بّد للخمسة من الخمسة ، ولا بدّ لتلك الخمسة من النار .
لا بدّ للتاجر من الكذب ، ولا بدّ للكاذب من النار ، ولا بدّ لمن داس (الوطاء بالرّجل) بساط السلطان من الكلام بهواهم ، ولا بد لصاحب الهوى من النار ، ولا بد لمن مازح الجواري والغلمان من الزّنا ، ولا بدّ للزاني من النار ، ولا بدّ لمن لبس التّياب المرتفعة من الكبر ، ولا بدّ للمتكبر من النار ولا بدّ لمن شرب المثلث من السّكر ، ولا بد لمن شرب المسكر من النار .
لقد غرّتِ الدّنيا رجالاً فأصبحوا ***بمنزلة ما بعدها متحوٍّل
فساخطُ عيش ما يبدِّلُ غيره*** وراض بعيش غيره سيبدل
وبالغ أمرٍ كان يأملُ غيره*** ومُصطلَّمٌ من دونِ ما كان يأمل
العلمي قال الصادق (علیه السلام) : إن عيسى (علیه السلام) توجه في بعض حوائجه ، ومعه ثلاث نفر من أصحابه ، فمرّ بلبنات من ذهب على ظهر الطريق ، فقال لأصحابه : هذا يقتل الناس ، ثم مضى ، فقال أحدهم : إن لي حاجة ، قال : فانصرف ، ثم قال الآخر : لي حاجة فانصرف ، ثم قال الآخر : لي حاجة فانصرف ، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم ، فقال إثنان لواحد إشتر لنا طعاماً ، فذهب أحد منهم يشتري لهما طعاماً ، فاشتري فجعل فيه سماً ليقتلهما ، كيلا يشاركاه في الذهب، وقال الأثنان إذا جاء قتلناه كيلا يشاركنا ، فلمّا جاء قاما إليه فقتلاه ، ثم تغذيا ، فماتا في وقته ، فرجع
ص: 266
عيسى بن مريم (علیه السلام) فرآي وهم موتى حوله ، فأحياهم بإذن الله عز وجل ، فقال : ألم أقل لكم إن هذا يقتل الناس (1)
(940) من أقوال علي بن موسى الرضا (علیه السلام) : لا يجتمع المال إلاّ بخصال خمس ، ببخل شديد ، وأمل طويل ، وحرص غالب ، وقطيعة رحم ، وايثار الدنيا على الآخرة(2) .
قال علي بن ابي طالب (علیه السلام) : السكر أربع سكرات ، سكر الشراب ، وسكر المال ، وسكر النوم ، وسكر الملك(3).
بنوا الدنيا بجهل عظموها*** فجلت عندهم وهي الحقيرة
يهارش بعضهم بعضاً عليها*** مهارشة الكلاب على العقيرة
سئل أمير المؤمنين (علیه السلام) من أعظم الناس حسرة قال : من رأى ماله في میزان غيره، وأدخله الله به النار .
في عجائب المخلوقات للقزويني ، إنّ ريحان الفارسي كسرى ، وإنما وجد في زمانه ، إنّه كان ذات يوم جالساً للمظالم ، إذ أقبلت
حيّة عظيمة تنساب تحت سريره ، فهموا بقتلها ، فقال كسرى كفوا عنها . فأني أظنّها مظلومة ، فمرت تنساب فأتبعها كسرى بعض أساورته ، فلم تزل حتى نزلت على فوهة بئر فنزلت فيها ، ثم أقبلت تتطلع ، فنظر الرجل ، فإذا بقعر البئر حيّة مقتولة ، وعلى متنها عقرب أسود ، فأدلى رمحه إلى العقرب ، ونخسها به ، وأتى الملك فأخبره بحال الحية ، فلما كان من العام القابل أتت تلك الحيّة في اليوم الذي كان كسرى جالساً فيه للمظالم ، وجعلت تنساب حتى وقفت بين يديه، فأخرجت من فيها بزراً أسود ، فأمر الملك أن يزرع ، فنبت منه الريحان ، وكان الملك كثير الزكام، وأوجاع الدماغ ، فاستعمل منه ، فنفعه جدا .
في الكافي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : إن أمير المؤمنين إشتكى عينه ، فعاده النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : فإذا هو يصيح ، فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أجزعاً أم وجعاً ؟ فقال : يا رسول الله ما وجعت وجعاً قط أشدّ منه ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يا علي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر ، نزل معه سفور من نار ، فنزع روحه به فتصیح جهنم ، فاستوى علي (علیه السلام) جالساً ، فقال : يا رسول الله علي حديثك ، فقد أنساني وجعي ما قلت ، ثم قال : هل يصيب ذلك .
ص: 268
أحداً من أمتك ؟ قال : نعم ، حاكم جائر ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وشاهد زور(1).
في الكافي عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد عبد الله (علیه السلام) يقول : إن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) صلى بالناس ، فنظر إلى شاب في المسجد ، وهو يخفق ويهوى برأسه ، مصفراً لونه ، قد نحف جسمه ، وغارت عيناه في رأسه ، فقال له رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت يا رسول الله موقنا . فتعجب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) من قوله . وقال له : إن لكل يقين حقيقه ، فما حقيقة يقينك : قال : إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني ، وأسهر ليلي وأظمأ هو اجري ، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها كأني أنظر إلى عرش ربي ، وقد نصب للحساب ، وحشر الخلائق وأنا فيهم ، وكأني انظر إلى أهل الجنّة يتنعمون في الجنة ، ويتعارفون ، على الأرائك متكون ، وكأني أنظر إلى أهل النار ، وهم فيها معذبون مصطرخون ، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : هذا عبد نور الله قلبه بالأيمان .
ثم قال له : ألزم ما أنت عليه ، فقال الشاب : أدع الله لي يا رسول الله أرزق الشهادة معك ، فدعا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، فاستشهد بعد تسعة نفر ، وكان هو العاشر (2).
ص: 269
وإذا بحثت عن التقيٍّ وجدته ***رجلاً يصدقُ قوله بفعالي
وإذا اتقى الله امرؤ وأطاعَهُ ***فيداه بین مکارم وفعال وفعال
وعلى التقي إذا تراسخ في التقي*** تاجان : تاج سكينة وجمال
واذا تناسَبَتِ الرّجال فما أرى*** نسباً يكون كصالح الأعمال
المهلبي وزير معز الدولة الديلمي في بغداد ، كان وسببع الصدر عالي الهمة ، فاضلاً أديباً كاملاً ، وكان قبل أن يصل الوزاره فقيراً بحيث إشتهى لحماً فلم يتمكن منه ، فتمنى الموت ، وقال :
ألا موت يباع فأشتريه***فهذا العيش ما لا خير فيه
ألاموت لذيذ الطعم يأتي*** يخلّصني من الموت الكريه
إذا أبصرت قبراً من بعيد***وددت لو أنّني مما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرّ ***تصدق بالوفاة إلى أخيه
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لبنيه : با بني إياكم ومعاداة الرجال ، فإنّهم لا يخلون من ضربين ، من عاقل يمكر بكم ، أو جاهل يعجل عليكم . والكلام ذكر ، والجواب أنثى ، فاذا إجتمع الزوجان ، فلا بد من النتاج ثم أنشأ يقول :
سليم العرض من حَذَرَ الجوابا ***ومن دارى الرجال فقد أصابا
ومن هاب الرجال تهيبوه***ومن حقر الرجال فلن يهابا (1).
ص: 270
قال حكيم لأبنه : يا بني عزّ السلطان يوم لك ، ويوم عليك ، وعزّ المال وشيك ذهابه ، جدير أنقلابه وأنقطاعه ، وعزّ الحسب إلى خمول ودثور
وذبول ، وعزّ الأدب رأيت وأصب ، لا يزول بزوال المال ، ولا يتحول بتحول السلطان
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله*** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم ينن النفس في طلب العلى***يسيرا يعش دهراً طويلاً أخا ذُلّ
قال أحد الحكماء : العلم والأدب كنزان لا ينفدان ، وسراجان لا يُطفئان وحلّتان لا يبليان ، من نالها أصاب الرشاد ، وعرف طريق المعاد ، عاش سعيداً بين العباد ، ولا يكون العالم عالماً حتى تكون فيه ثلاث خصال ، 1 - لا يحتقر من دونه 2 - لا يحسد من فوقه 3 - لا يأخذ على العلم
ثمنا.
ليس الجمال بأثواب تزيّنها ***إن الجمال جمال العلم والأدب
ليس اليتيم الذي قد مات والده*** إن اليتيم يتيم العلم والأدب
إن رجلا من أهل الشام دخل على بعض الملوك ، فاستحسن لفظه وأدبه فقال له : سل حاجتك ، فقالت : يبقيك الله ، ويزيد في سلطانك فقال : سل حاجتك فليس في كل وقت يمكن أن يؤمر لك بذلك ، فقال :
ص: 271
ولم ؟ فوالله ما أخاف بخلك ، ولا أستقصر أجلك ، ولا أغتنم مالك ، وأن عطائك لزين ، وما بإمرىء بذل وجهه إليك نقص ولا شيء ، فأعجب الملك كلامه ، وأثنى عليه في أدبه ووصله .
عليك بأقلاء الزيارة أنها***إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
فأني رأيت الغيث يسأم دائماً***ويسأل بالأيدي إذا هو هم أمسكا
كان ابن صقر طعن في السن ، وضعف عن المشي ، فصار يتوكأ على عصا ، فقال في ذلك :
كل امرء إذا تفكرت فيه بل لة
عالية وتأملته رأیت ظریفا
كنت أمشى على اثنتين قويّاً*** صرت أمشى على ثلاث ضعيفا
عن حفص بن غياث القاضي قال : كنت عند سيد الجعافرة جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) لما أقدمه منصور ، فأتاه إبن أبي العوجاء ، وكان ملحداً وقال : ما تقول : في هذه الآية (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها هل هذه الجلود عصت فعذبت ، فما بال الغير به ؟ فقال أبو عبد الصادق (علیه السلام) : ويحك هي هي، وهي غيرها ، فقال : إعقلني هذا القول فقال (علیه السلام) له : أرأيت لو أن رجلاً عمد إلى لبنة فكسرها ، ثم صب عليها الماء ، وجبلها (جبلة خلقه)ثم ردها إلى هيئتها الأولى ، ألم تكن هي هي هي وهي غيرها ، قال : بلى أمتع الله بك (1)
ص: 272
ترك النفوس بلا علم ولا أدب ***ترك المريض بلا طب ولا آس
واعلم بأن العلم أرفع رتبة***وأجل مكتسب وأسنى مفخر
وبضَمَّرِ الأقلام يبلغ أهلها ***ماليس يُبلغ بالجيادِ الضُمُر
والعلم ليس بنافع أربابه*** مالم يفد عملاً وحسن تبصّرٍ
قال أحد الأعاظم ، كنت معتقلاً بالكوفة ، فخرجت يوماً من السجن مع بعض الرجال ، وقد زاد همي ، وكادت نفسي أن تزهق ، وضاقت علي الأرض بما رحبت ، وإذا برجل عليه آثار العبادة ، قد أقبل علي ، ورأى ما أنا فيه من الكآبة ، قال : ما حالك ؟ فأخبرته القصة ، فقال : الصبر الصبر ، روى عن النبي (صلی الله لیه وآله وسلم) من ابن عمه أمير المؤمنين (علیه السلام) أنه قال : الصبر مطية لا تدبر ، وسيف لا يكل(1) وأنا أقول :
ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله ***عند الإله وأنجاه من الجزع
من شدّ بالصبر عند مؤلمة*** ألوت يداه بحبل غير منقطع
فقلت له : بالله عليك زدني ، فقد وجدت راحة ، فقال : ما يحضرني شيء عن النبي (صلی الله لیه وآله وسلم) . ولكني أقول:
ص: 273
أما والذي لا يعلم الغيب غيره ***ومن ليس في كل الأمور له كفو
لئن كان بدء الصبر مراً مذاقه ***لقد يجتنى من بعده الثّمر الحلو
ثم ذهب فسألت عنه ، فما وجدت أحد يعرفه ، ولا رآه أحد قبل ذلك في الكوفة ثم أخرجت في ذلك اليوم من السجن ، وحصل لي سرور عظيم بما سمعت منه وانتفعت به ، ووقع في نفسي أنه من أبدال الصالحين ، فيضه الله تعالى لي يؤدبني ، ويسلّيني .
توقّ إذا استطعت إدخال مطعم ***على مطعم من قبل فعل الهواضم
وكلّ طعام يعجز السنّ مضغه ***فلا تبتلعه فهو شر المطاعم
وإياك إياك العجوز ووطيها ***فما هي إلا شلّ سمّ الأراقم
ولاتك في وطى الكواعب مسرفاً ***فأسرافة للعمر أقوى الهوادم
ولا تحبس الفضلات عند اقتضائها ***ولو كان بين المرهفات الصوارم
ووفّر على الجسم الدماء لأنها ***لقوة أبدان أشدّ الدعائم
وكن مستحماً كل يومين مرّةً ***وداوم على هذا العلاج ولازم
خصال بها أوصى الحكيم بيادق*** إلى العدل نوشروان تاج الأعاظم
كان لهارون الرشيد طبيب نصراني حاذق ، فقال لعلي بن حسين الواقدي : ليس في كتابكم من علم الطبّ شيء ، والعلم علمان ، علم الأبدان وعلم الأديان فقال له علي بن الحسين الواقدي ، اعلم أنّ الله تعالى الطب كلّه في نصف آية من كتابه العزيز ، وهو قوله تعالى {وكلوا
ص: 274
واشربوا ولا تسرفوا}(1) فقال الطبيب النصراني ، ولم يرد عن رسولكم شيء في الطب ؟ فقال : قد جمع رسولنا أيضا الطب في الفاظ يسيرة ، وهو قوله (صلی الله لیه وآله وسلم) (المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء ، واعط كل بدن ما عودته )فقال الطبيب النصراني : ما ترك كتابكم ، ولا نبيكم لجالينوس طبّاً .
ياطالب الطبّ من داءٍ أصبتَ به *** إنّ الطّبيب إن الطبيب الذي أبلاك بالدّاء
هو الطبيب الذي يُرجى لعافية***لا من يُذيب لك الترياق في الماء
إذا ما الجرح رم على فسادٍ ***تبين فيه تفريط الطبيب
إذا ما كنت ذا بول صحيح ***ألا فاضرب به وجه الطبيب
ما للطبيب يموت بالداء الذي ***قد كان قد كان يبرى مثله فيما مضى
ذهب المداوي والمداوى والذي*** جلب الدّواءَ وباعه ومن إشترى
عن أبي جعفر الجواد (علیه السلام) ، قال : قيل لأمير المؤمنين (علیه السلام) صف لنا الموت ، قال : على الخبير سقطتم ، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه ، أما بشارة بنعیم الأبد ، وأما بشارة بعذاب الأبد ، وأما تحزين وتهويل ، وأمره لا يدري من أي الفرق هو ، فأما وليّنا المطيع فهو المبشر بنعيم الأبد ، وأما عدونا المخالف علينا فهو المبشر بعذاب الأبد ، وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله ، وهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري مايؤل إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً ، ثم لن يسويه الله عز وجل بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا ، واطيعوا ولا تتكلموا ، ولاتستصغروا عقوبة الله عز وجل ، فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاث مائة ألف سنة (1)
قال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء عظني : فقال : إنّك ميت ، فقال : زدني ، قال ليس لأحدٍ من آبائك إلى آدم إلا ذاق الموت ، وقد جائت
نوبتك فبكى لذلك .
ص: 276
يحِبُّ الفتى طول البقاءِ كأنه ***على ثقة أن البقاء بقاء
إذا ما طوى يوماً طوى اليوم بعضه ***ويطويه إن حَنّ حن المساء
زيادته في الجسم نقص حیاته***وإني على نقص الحياة نماء
جديدان لا يبقى الجميع عليهما***ولا لهما بعد الجميع بقاء
لين عن معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : أي شيء يلحق الرجل بعد موته ، قال (علیه السلام) : يلحق الرجل بعد موته ، ألحج ألحج عنه ، والصدقة عنه ، والصوم عنه(1).
الى حربية لتقدم ولما لنا تقبلهال
قال الصادق (علیه السلام) : ستة تلحق المؤمن بعد وفاته ، ولد يستغفر له ، ومصحف يخلفه ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجريه ، وقليب يحفره ، وسنة يأخذ بها من بعهده (2).
حكى عن أمير خراسان إنه رأى في المنام بعد موته ، وهو يقول : إبعثوا إلى ما ترمونه إلى الكلاب ، فإني محتاج إليه.
من كان يعلم أن الموت يدركه ***والقبر مسكنه والبعث يخرجه
وأنه بين جنّات مزخرفة ***يوم القيامة أو نار ستنضجه
ص: 277
فكل شيء سوى التقوى به سمح ***ومن أقام عليه منه أسمجه
ترى الذي أخذ الدنيا وطنا***لم يدر أن المنايا سوف تزعجه
عن لب اللباب للراوندي : وفي الخبر كان الموتى يأتون في كلّ جمعة من شهر رمضان ، فيقفون ، وينادي كل واحد منهم بصوت حزين باكياً يا أهلاه ، و يا ولداه ، ويا قرابتاه ، إعطفوا علينا بشيء يرحمكم الله ، واذكرونا ، ولا تنسونا بالدعاء ، وارحموا علينا ، وعلى غربتنا ، فإنا قد بقينا في سجن ضيق، وغم طويل ، وشدّة فارحمونا ، ولا تبخلوا بالدعاء ، والصدقة لنا، لعل الله يرحمنا قبل أن تكونوا مثلنا ، فواحسرتاه ، قد كنا
قادرين مثل ما أنتم قادرون ، فيا عباد الله اسمعوا كلامنا ، ولا تنسونا فإنكم ستعلمون غداً ، فإن الفضول التي في أيديكم كانت في أيدينا ، فكنا لا ننفق في طاعة الله ، ومنعنا عن الحق فصار وبالا علينا ، ومنفعة لغيرنا ، اعطفو علينا بدرهم ، أو رغيف ، أو بكسرة ، ثم ينادون ما أسرع ما تبكون على أنفسكم ولا ينفعكم كما نحن نبكي ولا ينفعنا ، فاجتهدوا قبل أن تكونوا مثلنا.
وقبلك داوى الطّبيبُ المريض ***فعاشَ المريض ومات الطبيب
فكن مستعداً لدار الفناء ***فإنّ الذي هو آت قريب
نظر رجل إلى داره ذات يوم فأعجبه حسنها ثم بكى ، فقال : والله لولا الموت لكنت بك مسروراً ، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرّت أعيننا ثم بكى بكاءاً شديداً حتى إرتفع صوته .
ص: 278
نزاع لذكر الموت ساعة ذكره ***وتعترض الدنيا فنلهوا وتلعب
قال بعض المشايخ : طفت الدّيار ، وجربت الأمور ، وركبت العظام ، وصحبت الرّجال ، وباشرت الأشغال ، وصرفت العمر في طلب الدنيا ، وذقت مرارة الأشياء وحلاوتها ، وفتشت الكتب، وخدمت العلماء ، ورأيت العجائب ، فما رأيت أسرع وأعجل زوالاً من العمر في الدنيا ، وما رأيت شيئاً أقرب من الموت والآخرة ، وما رأيت شيئاً من التأني ، ورأيت خير الدنيا والآخرة في القناعة ، ورأيت شرّ الدنيا والآخرة في الطماعة ، ورأيت أقصر الناس عمراً من يضيع عمره بسوف ولعلّ ، ورأيت أقبح الأشياء البخل ، ورأيت أحسن حيلة التواضع ، وما رأيت شيئاً جامعاً للخير خيراً من حسن الخلق ، وما رأيت شيئاً جامعاً للشر شراً من الحسد ، ورأيت موت الأحمر في السؤال ورأيت حياة الأبد في التعفف وكتمان الحال ، ورأيت التوفيق مع الجهد والسعي ، ورأيت الخذلان والتهاون في الكسل ، ورأيت البلاء موكلا بالكلام ، ورأيت السكينة نازلا بالسكوت ، وما رأيت حريضاً إلا محروماً ، وما رأيت طالب الدنيا إلا مهموماً ، وما رأيت صاحب العيال إلا غريباً ، وما رأيت صاحب المال إلا مسكينا ، ورأيت الذل والهوان في خدمة المخلوق ، ورأيت العزّ والشرف في خدمة الخالق ، وما رأيت شيئاً من قلوب الملوك ، وما رأيت عاقلاً إلا مقبلاً على الآخرة ،
أشدّ واقصى وما رأيت جاهلاً إلا مقبلاً على الدنيا ، وما رأيت الراغب إلا مشغولاً ، وما رأيت الزّاهد إلا فارغاً ، وما رأيت المريد إلا طالباً ، وما رأيت المدعي إلا كذاباً ورأيت بركة العمر ، والرّزق في طاعة الله ، ورأيت خير الدنيا
ص: 279
والآخرة في متابعة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، ورأيت دخول الجنة في اكل الحلال وترك الحرام .
ألا يا خائضاً بحر المعاني ***هداك الله ما هذا التوانی
أضعت العمر عصياناً وجهلا ***فمهلاً أيها المغرور مهلا
مضى عنك الشباب وأنت غافل*** وفي ثوب العمى والغى رافل
إلى كم كالبهائم أنت هائم ***وفي وقت الغنائم أنت نائم
وطرفك لايرى إلا طموحاً***ونفسك لم تزل أبداً جموحاً
وقلبك لا يفيق عن المعاصي*** فويلك يوم يؤخذ بالنواصي
بلال الشيب نادي في المفارق*** بحى على الذهاب وأنت غارق
بيجر الأثم لا تصغي لواعظ ***ولو أطري وأطنب في المواعظ
وقلبك هائم في كلّ واد ***وجهلك كل يوم في ازدياد
على تحصيل دنياك الدنية ***مجداً في الصباح وفي العشية
وجهد المرء في الدنيا شديد ***وليس ينال منها مايريد
وكيف ينال في الأخرى مرامه ***ولم يجهد لمطلها قلامه
أي بني ملك في بني اسرائيل مدينة فتنّوق (تجوّد فيها) في بنائها ، ثم صنع للناس طعاماً ، ونصب على باب المدينة من يسأل عيبها ، فلم يعيبها إلا ثلاثة ، عليهم الأكيسة فأنهم قالوا : رأينا عيبين فسألهم ، فقالوا : تخرب ، ويموت صاحبها ، فقال : هل تعلمون إن دارا تسلم من هذين العيين ، قالوا : نعم الآخرة ، فخلّى ملكه ، وتعبد معهم زماناً ، ثم ودعهم فقالوا :
ص: 280
هل رأيت منا ما تكرهه ، فقال : لا ، ولكن عرفتموني ، وأنتم تكرموني ، فأصحب من لا يعرفني .
شعر لعلي بن أبي طالب (علیه السلام) :
لا تأمن الموت في طرف ولانفس ***ولو تمتعت بالحجاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت نافذة ***في كل مدرع من والمترس
مابال دنياك ترضي أن تدنسه*** وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ***إن السفينة لا تجري على اليبس
باليمان مال الغشا قريبة من (788)
عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) قال : دخل علينا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، وفاطمة سلام الله عليها جالسة عند القدر ، وأنا أنقي العدس قال : يا أبا الحسن ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال وأسمع مني وما أقول إلا من أمر ربي، ما من رجل يعين إمرأته في بيتها إلا كان بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها ، وقيام ليلها ، وأعطاه الله من الثواب مثل ما أعطاه الصابرين (1).
مان لیسهال
عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال : من دخل السوق فاشترى تحفة وحملها إلى عياله كان كحامل الصدقة إلى قوم محاويج ، وليبدء بالأناث قبل الذكور ، فأن فرح إبنته (أنثى) فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل(2).
ص: 281
ربوّ البنات على الفضيلة إنّها ***في الموقفين لهنَّ خير وثاقِ
وعليكم أن تستبين بناتكم ***نور الهدى وعلى الحياء الباقي
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم): من له أربع بنات ، فيا عباد الله أعينوه ، يا عباد الله أقرضوه ، يا عباد الله أرحموه(1).
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لبعض أصحابه ، لا تجعلنّ أكثر شغلك بأهلك ، وولدك ، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله ، فإن الله لا يضيع أوليائه ، وإن يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك بأعداء الله(2).
عن موسى بن جعفر (علیه السلام) قال : إذا وعدتم الصّغار فأوفو لهم ، فإنهم يرون أنكم أنتم الذين ترزقونهم ، وأنّ الله لا يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان(3) .
ص: 282
ألا إنما الإنسان عمد لقلبه ***فلا خير في غمد إذا لم يكن نصل
ولا خير في وعد إذا كان كاذباً ***ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
فإن تجمع الآفات فالبخل شرها ***وشر من البخل المواعيد والمطل
قال بعض الحكماء : من خصائص الزبد البحري إنه إذا علّق على ذات طلق سهل الله عليها الولادة ، وكذلك قشر البيض إذا سحق ناعماً وشرب بماء ، فأنه يسهل الولادة ، وقد جرب مراراً عديدة.
حكى الجاحظ قال : أتت إمرأة إلى معلم بأبنها ، قالت : إنّ ابني لا يطيعني فأحب أن تفزّعه ، وكان المعلم طويل اللحية فأخذ لحيته وحطها في فمه ، وحرّك رأسه ، وصاح صيحة ، فضرطت المرأة من الفزع ، فقالت : إنما قلت لك فزّع الصبي ، ما قلت لك فزّعني ، فقال لها : أما عملت أنّ العذاب إذا نزل بقوم هلك الصالح والطالح .
قالت دلالة لرجل : خطبت لك إمرأة كأنّها طاقة نرجس ، فتزوجها فإذا هي عجوز قبيحة المنظر ، فقال للدلالة : كذبت وغششتني فيها قالت :
والله ما كذبت ، وإنما شبهتها بطاقة نرجس لأن شعرها أبيض ، ووجهها أصفر ، وساقها أخضر .
حكى أنّ بعض السّلاطين الأكاسرة ، قال يوماً لوزيره إجمع لي أسماء السائلين في دفتر لأعلم عددهم ، فأتاه من الغد بدفتر وفي أوّله إسم
ص: 283
السلطان ، فقال : كيف هذا ؟ قال : نعم ، الفرق بينك وبينهم إنّك تأخذ أموال الناس جبراً وهم يأخذونهم إختياراً فضحك السلطان وصدق على
قوله .
رأى أبو حنيفة رجلا يصلّي ولا يركع ، فقال له : يا هذا لا صلاة إلا بركوع ، فقال : نعم ، ولكني رجل بطين ، فإذا ركعت ضرطت في صلاتي ، فصلاتي قائماً أحسن من صلاتي بضراط .
عن أبي عوف عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : دخلت عليه فألطفني وقال : إن رجلا مكفوف البصر أتى النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) فقال : أدع الله أن يردّ علي بصري ، قال : فدعى الله فردّ عليه بصره ، ثم أتاه آخر ، فقال : يا رسول الله أدع الله أن يردّ عليّ بصري قال : فقال : الجنّة أحبّ إليك ، أو أن يردّ عليك بصرك ، قال : يا رسول الله ثوابها الجنّة ، فقال : الله أكرم أن يبتلي عبده المؤمن بذهاب بصره ثم لا يصيبه الجنّة(1).
وقالوا : عميت فقلتُ كلا***وإنيّ اليومَ أبصرُ من بصير
سوادُ العين زاد سوادَقلبي ***ليجتمعا على فهم الأمور
ص: 284
فة إن أبا جعفر (علیه السلام) ردّ على أبي بصير بصره ، ثم خيره بين هذه الحالة ، وبين أن يعود إلى حاله الأولى ، وله الجنّة خالصاً ، فاختار العمى ، فمسح علي عينيه فعاد كما كان (1).
إن الرّجال إذا ما ألجؤ لجأوا ***إلى التّعاون فيما جلّ أو حزنا
لا تعدمُ الهمة الكبرى جوائزها*** سيّانِ من غلب الأيام أو غلبا
وكلّ سعى سيجزي الله ساعیه ***هيهات يذهب سعي المؤمنين هبا
تصدّق على الأعمى بأخذ يمينه*** لتهديه وامنن بأفهامك الصّمّا
إذا مّر أعمى فارحموه وأيقنوا ***وإن لم تكفوا أنّ كلّكم أعمى
إنّ إبراهيم بن سيابه قال لبشار الأعمى : ما سلب الله من مؤمن كريمتيه إلا عوضه عنها : أمّا الحفظ ، أو الذكاء ، وأما حسن الصوت ، فما الذي عوضك الله من عينيك ؟ قال : فقد النظر لبغيض ثقيل مثلك .
إن يأخذ الله من عيني نورهما ***ففي لساني وقلبي منها نور
قلبي زكيّ وعقلي غير ذي دخل ***وفي فمي صارم كالسيف مشهور
ص: 285
قال أحد الظرفاء : خرجت ليلة من قرية لبعض شأني ، فأذا أنا بأعمى على : جرّة ماء ، وبيده سراج ، فلم يزل يمشي حتى إنتهي إلى النهر وملأ جرّته ماءاً وعاد ، قال : قلت له : يا هذا أنت أعمى ، والليل والنهار عندك سواء ، فما تصنع بالسراج ، قال : يا كثير الفضول ، حملته لأعمى القلب مثلك يستضيء به لئلا يعثر في الظلمة فيقع علي ويكسر جرّتي .
أنا أعمى فكيف أهدي إلى المنهج ، والناس كلّهم عميان
والعصا للضرير خير من القائد فيه الفجور والعصيان
قيل لقتادة : ما بال العميان نجدهم أذكى من البصراء ، فقال : لأنّ القوة الباصرة منهم إنقلب إلى باطنهم .
ذكر ابن الجوزي في كتاب (ذم الهوى) قال : كانت إمرأة جميلة بمكة ، وكان لها زوج ، فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة ، فقالت لزوجها : أترى احدا ری هذا الوجه ، ولا يفتن به ، قال : نعم ، قالت : من؟ قال : عبيد بن عمير ، قالت : فإذن لي فيه فلأفتنته ، قال : قد أذنت لك ، فأتته كالمستفتيه ، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام ، قال : فأسفرت عن مثل فلقة القمر ، فقال لها : يا أمة الله ، قالت : إني فتنت بك فانظر في أمري قال : إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك قالت : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك ، قال : أخبريني لو أن ملك الموت
ص: 286
أتاك ليقبض روحك أكان يسرك إني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت : اللهم لا ، قال : صدقت ، قال : إذا أدخلت في قبرك وأجلست للمسألة أكان يسرك إني قضيت لك هذه الحاجة ، قالت اللهم لا : قال : صدقت ، قال : فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ، أكان يسرّك إني قضيت لك هذه الحاجة ، قالت : ، قالت : اللهم لا قال : صدقت ، قال ، فلو وقفت بين يدي الله للمسالة أكان يسرّك إني قضيت لك هذه الحاجة ، قالت أللهم لا ، قال : صدقت ، قال : إتقى الله يا أمة الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك.
قال : فرجعت إلى زوجها ، فقال : ما صنعت ؟ قالت : أنت بطال ونحن بطّالون ، فأقبلت على الصلاة ، والصّوم ، والعبادة ، قال : فكان زوجها يقول : ما لي ولعبيد بن عمير ، أفسد على إمرأتي كانت في كل ليل عروساً ، فصيرها راهبة .
ليس الظريف بكامل في ظرفه ***حتى يكون عن الحرام عفيفا
فإذا تعفّفَ عن محارم ربّه ***فهناك يدعى في الأنام ظريفا
شلالا في الكافي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : إنّ رجلاً من الأنصار خرج في بعض حوائج فعهد إلى إمرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم ، قال : وأنّ أباها مرض ، فبعثت المرأة إلى النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، فقالت : إن زوجي خرج وعمد إلى أن لا أخرج من بيتي حتّى يقدُم ، وإنّ أبي مرض فتأمرني أن أعوده فقال : رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) أجلسي في بيتك ، وأطيعي زوجك قال : فثقل مرضه فأرسلت إليه ثانياً بذلك ، فقالت: فتأمرني أن أعوده ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) :
ص: 287
إجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فمات أبوها ، فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه ، فقال . إجلسي في بيتك ، وأطيعي زوجك ، قال : فدفن الرجل ، فبعث إليه رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) إن الله عز وجل قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك (1) .
إن هود (علیه السلام) كان له زوجة سوء ، وكان هود يدعو لها البقاء فقالوا له : كيف ذلك ؟ قال : لأنه ما خلق الله مؤمناً إلاّ وله عدوّ يؤذيه ، وهي عدوتي ، فلأن يكون عدوّى ممّن أملكه خير من أن يكون عدوّي ممّن يملكني(2).
أياس بن قتاده رأى شيبة في لحيته ، فقال : أرى الموت يطلبني وأراني لا أفوته ، يا ربّ أعوذ بك من فجأة الموت ، يا بني قد وهبت لكم شبابي ، فهو إلى شيبتي ، ولزم بيته ، فقال له أهله : تموت هزالاً (الهزال بالضم نقيص السمن) فقال : لأن أموت مؤمناً مهزولاً ، أحبّ إلي أن أموت منافقا سمينا .
كتمت شيبي لتخفى بعض روعته ***فلاح منه وميض ليس ينكتم
راع الغواني فما يقربن ناحيةً ***رأين فيها بروق الشيب يبتسم
ص: 288
صاح صبّي بشيخ منحني الظهر ، يا أحدب بكم إبتعت هذا القوس يا عماه ؟ فقال : يا بني إن عشت إعطيتها بغير ثمن ما أطيب الشيب لولا أن صفوه مشوب وثمره مشيب .
خضيب الشيب لما كان عيباً ***وخضب الشيب أولى أن يعابا
ولم أخضب مخافة هجر حل ***ولا عيب خشيت ولا عتابا
ولكن المشيب بدا ذميما ***فصيرت الخضاب له عقابا
في سفينة البحار ج 2 ص 171 عن ثواب الأعمال تأليف رئيس المحدثين الشيخ الأجل الثقة الشيخ الصدوق محمد بن على بن بابويه القمى المتوفى سنة 664 رضي الله عنه .
عن ابن عباس عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال : من بنى بناءاً رياءاً وسمعة حمل القيامة إلى سبع أرضين ، ثم يطوّقوه نارا توقد في عنقه ، ثم يرمى به في النار .
ومن خان جاره شبراً من الأرض . طوقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين ناراً حتى يدخله جهنّم.
ومن نكح إمرأة حراماً في دبرها ، أو رجلاً ، أو غلاماً ، حشره الله يوم القيامة أنتن من الجیفه تتأذى به الناس حتّى يدخل جهنّم ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، وأحبط الله عمله ، ويدعه في تابوت مشدود بمسامير من
ص: 289
حديد ويضرب عليه في التابوت بصفائح حتى يشتبك في تلك المسامير ، فلو وضع عرق من عروقه على أربعمائة أُمّة لماتوا جميعاً ، وهو أشد الناس عذاباً .ومن أظلم إمرأة مهرها فهو عند الله زان ، يقول الله عزّ وجل يوم القيامة عبدي زوجتك أمتي على عهدي فلم تف لي بالعهد فيتولى الله بطلب حقها ، فيستوعب حسناته كلّها فلا يفي بحقها فيؤمر به إلى النار . ومن رجع عن شهادة ، وكتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق ، ويدخل النار ، وهو يلوك لسانه .
ومن كانت له إمرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه ، وماله جاء یوم القيمة مغلولا مائلا شقه حتى يدخل النار.
ومن صافح إمرأة حراماً، جاء يوم القيامة مغلولاً ، ثم يؤمر به إلى النار.
ومن فاكه إمرأتاً لا يملكها حبس بكلّ كلمة كلّمها في الدنيا ألف عام .
والمرأة إذا طاوعت الرجل فالتزمها حراماً ، أو قبّلها ، أو باشرها حراماً ، أو فاكهها ، فأصاحب بها فاحشة فعليها من الوزر ما على الرجل ، وإنّ غلبها على نفسها كان على الرجل وزره ووزرها .
ومن لطم خدّ مسلم يلطمه بدّد الله عظامه القيمة ، ثم سلّط عليه النار ، وحشر مغلولاً حتى يدخل النار .
ومن مشى في نميمة بين إثنين ، سلّط الله عليه في قبره ناراً تحرقه إلى يوم القيمة ، فإذا خرج من قبره سلّط الله تعالى عليه أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار .
ومن بغى على فقير ، وتطاول عليه، واستحقره حشره الله تعالى يوم القيمة ، مثل الذرّة مثل الذرّة في صورة رجل حتى يدخل النار.
ومن رمى محصناً أو محصنة أحبط الله تعالى عمله ، وجلّده يوم القيامة
ص: 290
سبعون ألف ملك من بين يديه ومن خلفه ثم يؤمر به إلى النار .
ومن شرب الخمر في الدنيا سقاه الله عز وجل من سم الأساود (جمع أسود) ومن سم العقارب شربة يتساقط لحم وجهه في الأناء قبل أن يشربها ، فإذا شربها تفسّخ لحمه ، وجلدُه كالجيفة يتأذى به أهل الجمع حتى يأمر به إلى النار ، وشاربها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وبايعها ، ومبتاعها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وأكل ثمنها سواء في عارها وإثمها ، ألا ومن سقاها يهودياً أو نصرانياً أو من كان من الناس فعليه كوزر شربها .
ومن شهد شهادة زور على رجل مسلم ، أو ذمّى أو من كان من الناس علّق بلسانه يوم القيامة ، وهو مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النار .
ومن ملأ عينيه من إمرأة حراماً حشره الله يوم القيامة مستمراً بمسامير من نار حتى يقضی الله تعالى بين الناس ، ثم يؤمر به إلى النار .
ومن أطعم طعاماً رياء وسمعة أطعمه الله مثله من صديد جهنّم وجعل ذلك الطعام ناراً في بطنه ، حتى يقض له الله بين الناس .
ومن تعلم القرآن ثم نسيه متعمداً لقى الله تعالى يوم القيامة مجذوماً مغلولاً ويسلّط عليه بكل آية حيّة موكّلة به .
ومن تعلّم فلم يعمل به، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها إستوجب سخط الله عز وجل وكان في الدّرك مع اليهود والنصارى .
لا تقبلن نميمة بلغتها ***وتحفظنّ من الذي أنباكها
إن الذي أهدا إليك نميمة*** سينم عنك بمثلها قد حاكها
ص: 291
قل لمن حل هوانا ***وتولّى وجفانا
ولمن أعرض عنّا ***بعد ما كنّا وكانا
من تبدّلت علينا*** ومن أخترت سوانا
نحن ندري إنّك اختر ***ت فلاناً وفلانا
نحن لا نعجل بالأخذ ***علی عبد عصانا
قل لنا أي قبیح ***قد جری منّا وبانا
کم تتبّعنا مراضیک***ولم تتبع رضانا
کم دعوناک الینا***و علینا تتوانا
کم توقعناک للصلح***وطوّلت الزّمانا
کم رأيناك على ذنب ***وما کنت ترانا
کم أمرناک وخافلت***هوانا في هَوانا
هكذا الحّر الموافى*** هكذا كان جزانا
قال أحد العارفين : دخلت بالبصرة يوماً دار المجانين ، فرأيت شاباً مقيّداً مقلقلاً مسلسلاً . ينظر إلى السّماء يبكي ، ويقول : كان لي عقل فأوديته وكان لي قلب فأدميته ، وكان لي نفس فأتعبتها ، وكان لي جسم فأضنيته وكان لي دمع فأفنيته ، وكان لي عين فعذبتها ، وكان لي كف فأجرجتها ، وكان لي صدر فأبليته ، وكان لي رجل فقيدتها ، وكان لي جلد فأعريته ، وعبدك هذا عادم صبره ، ليتك قبل هذا أفنيته ، ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ، ليتني كنت تراباً ، ولم أك إنسيّا ، آه آه من حيّ يحسد الأموات ، آه آه من حياة شرّ من ممات ، فويل ثم ويل لي فطوبى ثم طوبى لأخواني الذين لم يخلقوا ، وهنيئا لأقراني الذين لا يوجدوا إستراحوا في
ص: 292
منحة العدم ، ومن تعب الحياة ، وسلّمو في سعة الفناء عن قيد الآفات ، فقربت منه ، فقلت : يا مجنون ؛ ألم تعلم أنّ الوجود أشرف من العدم فقال : ثكلتك الثواكل ، هل خلوت منذ خلقت عن مكاره الدنيا ؟ قلت : لا : قال : هل أنت على يقين بالنّجاة عن عقبات العقبى ؟ قلت : لا ، قال : ويحك يا مطرود ، فأي شرف في هذا الوجود ؟ أنت بهذا الفهم عاقل ، وأنا مع هذه اليقظة غافل ، يا سبحان الله من حلّوا ؟ ومن قيّدوا ؟ فأثر كلامه في قلبي ، وانتبهت من غفلتي ، فقلت : أعذرني يا أخي وعظني ، فقال : عقلك عقالك ، ومالك وبالك ، فألق أثقالك ، وأرح بالك ، قلت : زدني ، قال : لا تطلب الزيادة على ما يكفيك ، قلت : ألا أكافيك بالسعي في خلاصك ، قال : لا ، دعني ، ومن قيدني إنشاء أطلقني ، وأنشاء أقلقني ، قلت : أطلب مني شيئاً ، قال : زد عقلي ، وزد عمري ، واغفر ذنبي ، قلت : ليست هذه الأشياء بيدي ، قال : فاذهب ، ذهب الله بنورك فخجلت فانصرفت، واعتبرت بمحادثته .
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة ***وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
يحطّمنا ريب الزّمان كأنّنا***زجاج ولكن لا يعاد له سبك
فقال الشاعر الماهر الأديب الشيخ عبد الله بن الشيخ أحمد البصري البحراني البلادي (رض) .
تقول بأنّ الضحك منّا سفاهة ***وتندب سكّان البسيطة أن يبكوا
وتزعم أن الدهر فينا محطّم ***لحطم زجاج لا يعاد له سبك
فلو لم يكن عود لنا بعد موتنا***لما قبح الضلال واستحسن النسك
ص: 293
ولولا ترجيّنا الثواب ، وخشية العق ***-اب بحشر ، حق أن يحسن الضحك
وما الموت إلا راحة واستراحة*** عن البؤس يا من قاده الشك والشّرك
فبشراك يا أعمى البصيرة دائما***عقاب طويل ليس يرجى له فكّ
رأيت في النّوم أبي آدماً ***فقلت يا آدم ذا الفضل
أهكذا تفعل يا والدي ***تترك أولاداً بلا عقل
قال قل لي من هم يافتى*** قلت الحاكة للغزل
فقال حوّا زوجتي طالق ***إن كانت الحاكة من نسلي
قالت : أغَدراً بنا في الحبّ قلت لها ***لا نال غاية ما يرجوه من غدرا
قالت : فلم لا تزرنا قلت زاركمُ*** قلبي ولم يدر بي جسمي ولا شعرا
قالت : كذا يكتم العشاق حبّهم ***فينعمون ويجنون الهوى نضرا
قلت : إسمحي لي بتقبيل أعيش به*** قالت : وأي محبّ قبّل القمرا
بنفسي من فازت بيمناه سبحة***يعدّ بها قتلى نواظره النّحل
فقلت له: لا تتعين بعدهم*** فلست بمحصيهم وهم عدد الرّمل
قال هرم بن حيّان : أتيت أويس القرنى ، فقال لي : ما جاء بك ؟ فقلت جئت لانس بك ، فقال أويس : ما كنت أرى أحداً يعرف ربّه ، فيأنس بغيره .
ص: 294
قال أحد أصحاب القلوب : إنّما بعث يوسف على نبينا وآله وعليه السلام قميصه من مصر إلى أبيه ، لأنه كان إبتداء حزنه لما جاؤا به ملطّخاً بالدّم ، فأحب يوسف أن يكون فرحه من حيث كان حزنه .
ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب ***وأَنَّ غَداً للناظرين قريب
وإنّ المنايا تحت كل ثنيّة*** لهنّ سهام ماتزال تصيب
ذَهَبن بإخوان الصفا فأصبحت***لُهنَّ علينا نوبة ستنوب
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : كيف بكم إذا فسد نساكم ، وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ؛ قيل له : ويكون ذلك يا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، قال : نعم ، وشرّ من ذلك ، وكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ، قيل يا رسول الله : ويكون ذلك ؟ قال : نعم ، وشرّ من ذلك ، وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً(1).
قال سبط بن الجوزي ، في تذكرة الخواص رأيت في كتاب سر العالمين للغزالي رحمة الله عليه نسبتها لعلي بن أبي طالب (علیه السلام) :
ص: 295
المرء في زمن الأقبال كالشجرة ***وحولها النّاس ما دامت به الثمرة
حتى إذا ما عرت من حملها انصرفوا*** عنها عقوقاً وقد كانوا بها برره
وحاولوا قطعها من بعد ما شفقوا ***دهراً عليها من الأرياح والغبره
قلت : مروّات أهل الأرض كلّهم ***إلاّ الأقل فليس العشره من عشره
لا تحمدن إمرأ حتى تجربه*** فربما لم يوافق خبره خبره
هذا زمان ليس إخوانه ***يا أيها المرء بإخوان
إخوانه كلّهم ظالم*** له لسانان ووجهان
يلقاك بالبشر وفي قلبه*** داء یواریه بکتمان
حتّى إذا ماغبت من عينه *** رماك بالزورا وبهتان
هذا زمان هكذا أهله *** تعزّ عن رؤية إنسان
في البحار عن الصادق (علیه السلام) قال : إن داود (علیه السلام) خرج ذات الزبور وكان إذا قرء الزبور لا يبقى جبل ، ولا حجر ، ولا طائر ولا سبع ، إلاّ جاؤبه ، فما زال يمرّ حتى انتهى إلى جبل ، فإذا على الجبل نبيُّ عابد ، يقال له : حزقيل ، فلما سمع دويّ الجبال ، وأصوات السباع ، والطير ، علم أنه داود (علیه السلام) داود یا حزقيل أتأذن لي فاصعد إليك ؟ قال : لا ، فبكى دواد (علیه السلام) ، فأوحى الله جل جلاله يا حزقیل لا تعير داود ، وسلني العافية ، فقام حزقيل فأخذ بيد داود فرفعه إليه ، فقال داود : يا حزقیل : هل هممت بخطيئة قط ؛ قال : لا ، فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزّ وجل ؟ قال : لا ، قال : فهل ركنت إلى الدنيا ، فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذّتها ؟ قال : بلى ، ربما عرض
ص: 296
بقلبي ، قال : فماذا تصنع إذا كان ذلك ؟ قال : أدخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه ، قال : فدخل داود النبي (علیه السلام) الشعب ، فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية ، وعظام فانية ، وإذا لوح من حديد فيه كتابة ، فقرأها داود (علیه السلام) ، فإذا هي ، أنا أرواى بن سلم (شلم) ملكت ألف سنة ، فبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر ، فكان آخر عمري أن صار التراب فراشي والحجارة وسادتي ، والديدان، والحيات جيراني ، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا (1).
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ***ونال من الدنیا سرورا وأنها
كبانٍ بني بنيانه فأّتّمه ***فلّما استوى ما قد بناه تهدّما
يا ماشياً فوق وجه الأرض في فرح ***أما قليل ببطن الأرض تختزن
فانظر لنفسك واعمل للمعاد فلا*** بقاء في هذه الدنيا ولا سكن
لكلّ ذي عمل يوم يدان به ***وكلّ حيّ بما يجنيه مرتهن
علي بن حكم عمن رفعه إلى أبي عبد الله (علیه السلام) : قال : إن داود النبي (علیه السلام) قال : يا رب أخبرني بقريني في الجنّة ، ونظيري في منازلي ،
ص: 297
فأوحى الله تبارك وتعالى إن ذلك متى أبا يونس (علیه السلام) ، قال : فاستأذن الله في زيارته ، فأذن له ، فخرج هو وسليمان ابنه (علیه السلام) ، حتّى أتيا موضعه ، فإذا هما ببيت من سعف ، فقيل لهما هو في السوق ، فسألا عنه ؟ فقيل لهما : أطلباه في الحطّابين ، فسألا عنه ، فقال لهما : جماعة من الناس ننتظره الآن حتى يجيء ء ، فجلسا ينتظرانه إذ أقبل وعلى رأسه وقر (الحمل) من حطب ، فقام إليه الناس ، فألقى عنه الحطب ، فحمد الله ، وقال : من يشتري طيبا بطيب ؟ فساومه واحد ، وزاده آخر ، حتّى باعه من بعضهم ، قال : فسلما عليه ، فقال : إنطلقا بنا إلى المنزل ، واشترى طعاماً بما كان معه ، ثم طحنه وعجنّه في نقير له ، ثم أجّج ناراً ، وأوقدها ثم جعل العجين في تلك النار، وجلس معهما يتحدث ، ثم قام ، وقد نضجت خبيزته ، فوضعها في النقير ، فلفّها وذر عليها ملحاً ، ووضع إلى جنبه مطهرة مليء ماء ، وجلس على ركبتيه ، فأخذ لقمة ، فلما رفعها إلى فيه قال : الله ، فلما إذدردها قال : الحمد لله ، ثم فعل ذلك ، بأخرى وأخرى ، ثم أخذ الماء فشرب منه ، فذكر إسم الله ، فلما وضعه ، قال : الحمد الله يا رب ، من ذا الذي أنعمت عليه، وأوليته مثل ما أوليتني ، قد صحت بصري وسمعي ، وبدني ، وقويتني حتّى ذهبت إلى شجر لم أغرسه ، ولم أهتم لحفظه وجعلته لي رزقاً ، وسقت لي من أشتراه منّي ، فاشتريت بثمنه طعاماً لم أزرعه ، وسخرت لي النار فأنضجته ، وجعلتني آكله بشهوة ، أقوى بها على طاعتك ، فلك الحمد ، قال : ثم بكى ، فقال : داود لسليمان : يا بني قم فانصرف بنا ، فأنّي لم أر عبداً قط أشكر الله من هذا ؛صلى الله عليه وعليهما (1).
ص: 298
من كان حين تصيب الشمس جبهته ***أو الغبار يخاف الشين والشّعثا
ويألف الظّل كي تبقى بشاشته ***فسوف يسكن يوماً راغماً حدثا
في قعر مقفرة غبراء مظلمة ***يطيل تحت الثرى في غمها اللبثا
تجهّزي بجهاز تبلغين به ***يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثا
عبد الملك بن مروان إنقطع من أصحابه ، فانتهى إلى أعرابي ، فقال : أتعرف عبد الملك بن مروان ، قال : نعم ، حائر بائر (لا يتوجه إلى خير ، ولا يقبل الرشد)قال : ويحك أنا عبد الملك ، قال : لا حيّاك الله ولا بياك ولا قرّبك ، أكلت مال الله ، وضيّعت حرمته ، قال : ويحك أنا أضر وأنفع ، قال : لا رزقني الله نفعك ، ودفع عنّي ضرّك ، قال : فلما وصلت خيله ، قال يا أمير المؤمنين أكتم ما جرى فأن المجالس بالأمانة.
قيل لحكيم : كم ينبغي للأنسان أن يجامع ؛ قال : في كلّ سنة قيل : فأن لم يقدر ، قال : ففي كلّ شهر مرة ، قيل : فأن لم يقدر ؟ قال : ففي كل أسبوع مرة ، قيل : فأن لم يقدر قال : هي روحه أي وقت شاء أخرجها .
قال رجل لأرسطاطاليس: أي وقت أجامع قال : إذا اشتهيت أن تضعف تضعف.
قيل : تزوج رجل بأمرأة فولدت في يوم الخامس ، فمضى الى السوق واشترى لوحاً ودواة ، فقيل له : ما هذا ؟ قال : من يولد في خمسة أيام يمشي إلى المكتب في ثلاثة أيام .
ص: 299
جاء رجل يعود جاراً له مريضاً فلما قام من عنده ، قال لأهله: لا تفعلوا كما فعلتم سابقاً ، كان فلان عندكم مريضاً ، ومات ، وما أخبرتمونا بموته حتى نشيع جنازته .
عزاء فما يأسى على العيش راحل ***يرى في لقاء الله أنساً ومغنها ومغنما
ففيم الأسى والموت للمرء غاية ***سيدركها مهما عن الموت أحجما
فطوبى لمن لم ينسه العيش ذكره*** فأوعى له التقوى وأوعى التندّما
أحمد عبيد
لا تتكلم إلا إذا وجب الكلام . لا تقدر المال بأكثر ولا أقل مما يساوي . لا تتعهد بشيء قبل أن تدرك مبلغ العهد الذي ترتبط به . لا تحتقر الناس ولا تبغضهم ولا تهزأ بهم .
دخل سليمان بن عبد الملك جامع دمشق ، فرآى شيخاً يرجف ، فقال : يا شيخ أيسرك أن تموت ، قال : لا . قال : ولم ؟ قال : ذهب الشباب وشرّه وبقى الكبر وخيره ، إذا أنا قعدت ذكرت الله ، وأذا قمت حمدت الله ، فأحبّ أن تدوم لي هاتان الخصلتان .
ولو أنا إذا متنا تركنا*** لكان الموت راحة كلّ حيّ
ولكنا إذا متنا بعثنا ***ونسأل بعد ذا عن كلّ شيء
ص: 300
جرّبنا وجرّب المجرّبون ، فلم نر شيئاً أنفع وجداناً ، ولا أضرّ فقداناً من الصبر ، به يداوي الأمور ، ولا يداوى هو بغيره .
(قیل لوهب : فلان بلغ من العبادة ما علمت ، ثم رجع ، قال : لا تعجب ممّن يرجع ، ولكن ممن يستقيم .
أتى رجل إلى الخياط بقماش أرق، وألح عليه بخياطه ، بصلب الخيوط ودق الدروز ، وقارب الغرز ، فقبل وخاط ثوباً ، قد تنّوق فيه ، فردّ عليه بعيب ، فبكى الخياط ، فقال له المشتري : لا تبك فقد رضيت به ، فقال : لا أبكاني إلا أني قد تنوقت فيه ، فردّ علي بالعيب ، فأخاف أن يرد علىّ عملي الذي قد عملته من أربعين سنة .
المرء إن كان عاقلاً ورعاً*** أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله ***من وجع الناس كلّهم وجعه
عن الأحنف قال : شكوت إلى عمي صعصعة وجعا في بطني فنهرني ثم قال : يا بن أخي إذا نزل بك شيء ، فلا تشكه إلى أحد مثلك ، فإنما الناس رجلان صديق تسوئه ، وعدوّ تسرّه ، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه ، ولكن إلى من أبتلاك به ، فهو قادر أن يفرّج عنك ، يا بن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلاً ولا جبلاً منذ أربعين سنة ، وما أطلع على ذلك إمرتي ولا أحد من أهلي .
ص: 301
لست أشكوا إلا لمرجُوّ نفع ***فعلى ذاك لست أشكو لخلق
ما رأيت الشكوى تفكّ خناقاً*** بل أراه تزيدني في الخنق
أني أقول لنفسي وهي ضيّقة ***وقد أناح عليها الدّهر بالعجب
صبراً على شدة الأيام إن لها***عقبى وما الصبر إلا عند ذي حسب
سيفتح الله عن عن قرب بنافعه ***فيها لمثلك راحات من التعب
كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز : أما بعد فأنّ قبلنا قوماً لا يؤدّون الخراج إلا أن يمسهم العذاب ، فاكتب برأيك ، فكتب إليه ، أما بعد ، فالعجب لك كل العجب تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر ، هل إذني جنّة لك ، من عذاب الله ؟ وهل رضايينجيك من سخط الله ؟ فمن ما عليه عفواً فخذه منه ومن أبى فاستخلفه (فاستخلصه) . وكله فوالله لئن يلقوا الله بخراجهم أحبّ إلىّ من ألقاه بعذابهم والسلام .
إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطت ***عليه فلا يأسف إذا ضاع مجده
وأقتل داء رؤية المرء ظالماً ***يسيء ويبلي في المحافل حمده
عجبت للأنسان في فخره ***وهو غداً في قبره يقبر
أصبح لا يملك تقديم ما ***يرجو ولا تأخير ما يحذر
ص: 302
إن مسجداً بمرو إحترق ، فظنّ المسلمون أنّ النّصارى أحرقوه ، فأحرقوا خاناتهم ، فقبض السّلطان على جماعة من الذين أخرقوا الخانات ، وكتب رفاعاً ، فيها قطع اليد ، والجلد ، والقتل ، ونثرها عليهم ، فمن وقع عليه رقعه فعل به ما فيها ، فوقعت رقعة فيها القتل بيد رجل ، فقال : والله ما كنت أبالي لولا أمّ لي، وكان بجنبه بعض الفتيان ، فقال له : في رقعتي الجلد ، وليس لي أم ، فخذ أنت رقعتي وأعطني رقعتك ، ففعل ، فقتل ذلك الفتى ، وتخلص الرجل .
محن الفتى يخبرن عن فضل الفتى*** كالنّار مخبرة بفضل العنبر
اجتمع عند رابعة العدوية عدّة من الفقهاء ، والزهاد ، فذمّوا الدنيا وهي ساكته ، فلما فرغوا قالت لهم : من أحب شيئاً أكثر من ذكره ، إما بحمد ، وأما بذم ، فأن كانت الدنيا في قلوبكم لا شيء ، فلم تذكرون لا شيء .
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه وفما فاته منها فليس بضائر
ان الله عباداً فُطناً ***تركوا الدنيا وخافوا ألفتنا
نظروا فيها ولما علموا ***إنها ليست لحی وطنا
جعلوها تجةً واتّخذوا ***صالح الأعمال فيها سفنا
ص: 303
في مصباح الشريعة قال الصادق (علیه السلام) : من رعى قلبه عن الغفلة و نفسه عن الشّهوة ، وعقله عن الجهل ، فقد دخل في ديوان المنتهين ، ثم عن الهوى ، ودينه عن البدعة ، وماله عن الحرام ، فهو من جملة الصالحين (1).
شعر:
ومن يتبع ما يعجب النفس لم يزل ***مطيعاً لها في فعل شيء يضيرها
فنفسك أكرم من من أمور كثيرة ***فما لك نفس بعدها تستعيرها
روى عن الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) إنّه قال : فساد العامة من فساد الخاصة والخاص تقسم على أربعة : 1 - ألعلماء وهم الأدلاء على الله 2 - الزّهاد ، وهم الطرق إلى الله 3 - التجّار ، وهم أمناء الله 4 - الملوك وهم رعاة عباد الله . فإن كان العالم طامعاً ، وللمال جامعاً ، فبمن نقتدي ؟ فإذا كان الزاهد راغباً فبمن نهتدي ، وإذا كان التاجر خائناً فبمن نقتضي وإذا كان الملك ظالماً فيمن نلتجي ، فوالله ما أهلك الرعيّة إلا العلماء الطامعون والزهاد الراغبون ، والتجار الخائنون ، والملوك الجائرون وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا نص آخر يختلف جزئياً مع نص المذكور .
روی أنه سأل أمير المؤمنين (علیه السلام) من أحوال العامة ، فقال : إنما هي من فساد الخاصة ، : وإنما الخاصة ليقسمون على خمس :
ص: 304
1 - العلماء وهم الادلاء على الله.
2 - والزهاد وهم الطريق الى الله .
3 - والتجار وهم أمناء الله .
4 - والغزاة وهم أنصار دين الله .
5 - والحكام وهم رعاة الخلق إلى الله.
فإذا كان الزاهد راغباً ، ولما في أيدي الناس طالباً ، فبمن نقتدي ؟ واذا كان الزاهد راغباً ، ولما في ايدي الناس طالباً ، فبمن يقتدي ؟ واذا كان التاجر خائناً ، وللزكوة مانعاً فيمن يستوثق ؟
واذا كان غازي مرایا ، وللكسب ناظراً ، فبمن يذب عن المسلمين ؟ واذا كان الحاكم ظالماً ، وفي الأحكام جائراً فيمن ينصر المظلوم على الظالم ؟
فوالله ما أتلف الناس إلا العلماء الطماعون ، والزهاد الراغبون ، والتجار الخائنون ، والغزاة المراؤن ، والحكام الجائرون . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(1).
أصاح هي الدنيا تشابهُ ميتة*** ونحنُ حواليها الكلابُ النوائح
فمن ظلّ منها اكلا فهو خاسرُ *** ومن عاد عنها ساغبا فهو رابحُ
دخل عمر بن الخطاب على رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوثر منه ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ما لي
ص: 305
وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهاره ، ثم راح وتركها (1).
ألا يا طالب الدنيا***دع الدنيا لشانيكا
إلى كم تطلب الدنيا ***وظل الميل يكفيكا
في مجموعة ورام قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : واعملوا رحمكم الله ، إنّكم في زمان القائل الله فيه بالحق قليل ، واللسان بالصدق كليل ، فاللّازم للحق ذليل ، أهله معتكفون على العصيان ، يصطلحون (مصطلحون) على الأدهان ، فتاهم عارم (خبيث شرير) وشابهم آثم ، وعالمهم منافق ، وقاربهم مماذق ، لا يعظم كبيرهم صغيرهم ، ولا يعول غنيّهم فقيرهم .
قال لقمان لابنه : يا بني لا تدخل في الدنيا دخولاً يضرّ بعافيتك ، ولا تتركها تركا تكون كلا على الناس ، في قوله تعالى (كلا على مولاه) (2).
دخل الدنيا أناس قبلنا ***رحلوا عنها وَخَلّوها لنا
ونزلناها كما قد نزلوا*** ونخليها لقوم بعدنا
ص: 306
مثل قراء هذا الزمان كرجل نصب فخّاً ، فوقع عصفور قريباً منه ، فقال للفخ : ما غّيبك في التّراب ؟ قال : التّواضع ، قال : فلم تحنّيت ؟ قال : لطول العبادة فقال : ما هذا الحبّ المنصوب ؟ قال : أعددته للصائمين ، قال : نعم الجار أنت فلما غابت الشمس أخذ العصفور حبّة ، فخنقه الفخ ، فقال : إن كان كل العبادة يخنقون خنقك فلا خير في العبادة .
كتب رجل إلى أخ له : إنّك قد أوتيت علماً ، فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذّنوب ، يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم .
بوسة بالوا بسة رة تلعسب مقع
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه ما لم يداهن قرّائها أمرائها ، ولم يزر علمائها فجارها . ولم يهن خيارها أشرارها ، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده ، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب ، ثم ضربهم بالفاقة والفقر ، إذا رأيت القاري يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص ، وأياك أن تخدع ، ويقول ، يرد مظلمة ، ويدفع عن مظلوم ، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها فخاً والقرائة سُلّما (1).
يا من تقاعد عن مكارم خلقه*** ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة
من لم يهذب علمه أخلاقه ***لم ينتفع بعلومه في الآخرة
ص: 307
مرّ رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) برجل يبيع طعاماً ، فسأله كيف تبيع ؟ فأخبره فأوحى الله إليه ، أن أدخل يدك فيه ، فأدخل يده فيه ، فإذا هو مبلول ، فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ليس منّا من غش(1).
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من غشّ مسلماً في شراء أو بيع فليس منّا ، ويحشر يوم القيامة اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين .
إيّاك تنسى حقير الذّنب تعظمه***من القراريط يأتى كلّ قنطار
وقم بوسعك في كسب الحلال وكن***في صرفه بين تبذير وإقتار
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : من بات وفي قلبه غش لأخية المسلم بات في سخط الله ، وأصبح كذلك حتى يتوب(2).
قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : المؤمن لا يغش أخاه ، ولا يخونه ، ولا يخذله ، ولا يتهمه ، ولا يتهمه ، ولا يقوله : أنا منك أنا منك بريء (3).
أخوك الذي إن جهضتك ملّمة ***من الدّهر لم يبرح لها الدّهر واجما
وليس أخوك الذي إن تشعبت*** عليك أمور ظل يلحاك لائماً
ص: 308
إعلم أن النّميمة نقل قول الغير إلى مقول فيه ، كما تقول : فلان تكلّم فيك بكذا وكذا ، سواء نقل ذلك بالقول : أم بالكناية ، أم بالإشارة ، أو الرمز ، فإن تضمن ذلك نقصاً أو عيباً في المحكى عنه ، كان ذلك راجعاً إلى الغيبة أيضاً ، فجمع بين معصية الغيبة والنميمة في المحكى عنه ، كان ذلك راجعاً إلى الغيبة أيضاً، والنميمة من إحدى المعاصي الكبائر قال الله تعالى (همان مشاء بنميم)(1) ثم قال (عتلّ بعد ذلك زنيم) (2)
قال بعض العلماء : دلّت هذه الآية على أنّ من لم يكتم الحديث مشى بالنّميمة ولد الزنا لأن الزّنيم هو الدعى، وقال الله تعالى (ويل لكلّ هُمزة لمزة) (3)قيل : الهمزة النّمام .
من نمّ في الناس لم تؤمن عقاربه ***على الصّديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسَّيل بالليل لا يدري به أحد ***من أين جاء؟ ولا من أين يأتيه
فالويل للعهد منه كيف ينقضه ***والويل للودّ منه كيف يفنيه
إنّ النّموم أغطّى دونه خبرى***وليس لي حيلةُ في مفتر الكذب
ينبغي لكل من حملت إليه النميمة ستة أمور :
ص: 309
1 - أن لا يصدقه لأنه فاسق مردود الشهادة قال الله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ )(1)
2 - أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله قال الله تعالى (وَاَمَروا بالمعروف وَنَهَوَا عَنِ المُنكَرِ ولله عاقبة الأمور) (2).
3- أن يبغضه في الله، فإنه بغيض عند الله .
4-أن لا تضن بأخيك السّوء بمجرد قوله : لقوله تعالى (إجتنبوا كثيراً من الظَّن إِنْ بَعْضَ الظَّنِ إثم)(3).
5-لا يحملك ما حكى على التجسّس والبحث للتّحقق لقوله تعالى (ولا تجسسوا) (4).
6- أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النّمام عنه، فلا تحكي نميمته، فتقول : فلان قد حكى (كذا كذا )فتكون به تماماً، ومغتاباً.
إذا قرن الظَّنُ المصيب من الفتى ***بتجربة جاءا بعلم غيوب
وأنك إن أهديت لي عيبَ واحد*** جديرٌ إلى غيري بنقل عيوب
قال الحسن بن علي (علیه السلام) : من نمّ إليك نمّ عليك، فينبغي أن تبغض التّمام ولا يوثق بصداقته، وكيف لا يبغض، وهو لا ينفك من الکذب والغيبة والغدر والخيانة والغلّ والحسد والنفاق والأفساد بين الناس والخديعة، وهو ممن سعى في قطع ما أمر الله أن يوصل (5).
ص: 310
ولا تَثقَنَّ بالتمام فيما ***حباك من النصيحة في الخلاء
وأيقن أنّ ما أقضى إليه*** من الأسرار منكشف الغطاء
1- مجاهدة النفس على أربعة أوجه -1 القلّة من الطعام . 2- والغمض عن المنام - والحاجة إلى الكلام. 4- وحمل الأذى من جميع الأنام .
فيتولد من قلّة الطعام موت الشّهوات، ومن قلّة المنام صفو الإرادات الكلام ومن قلّة الكلام السلامة من الآفات، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات .
إذا ما قضيتم ليلكم بمنامكم ***وأفنيتم أيامكم بمدام والملها بالمعيلة باللقب
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمّةِ ***ومن ذا الذي يلقاكم بسلام
رضيتم من الدنيا . بأيسر بلغة***بلثم غلام أو بشرب مدام
ألم تعلموا أن اللسان موكّل ***بمدح كرام أو بذم لئام
حكى أنه كان لملك إيران عشرة وزراء، وكان من جملتهم صاحب بن عباد فاجتمع الوزراء على السلطان على تنكيسه، واتّفقوا على التضريب عليه وقالوا : إن صاحب لا يقدر أن يبرى ،قلمه فلما علم بذلك الملك جمعهم فقال لهم الصاحب : أيّ أدب فيكم، وليس لي مثله، حتّى تتجاسروا،وتحدّثوا عنّي بحضرة الملك ، وأن أبي علمني الوزارة، ولم يعلّمني التّجارة، أقل أدبي براية القلم، وهل فيكم من يقدر أن يكتب كتاباً تاماً بقلم مكسور الرأس فعجز الجماعة عن ذلك، فقال له الملك : أكتب أنت، فأخذ الصاحب
ص: 311
قلماً وكسر رأسه وكتب به درجا ،تاماً فأقرّ الجماعة بفضله واعترفوا بسداده ونيله .
روی أنَّ رئيس المحدٍّثين والمفسٍّرين عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، كان إذا فرغ من التّدريس، ورواية الأحاديث، يقول لتلاميذه، حمّضونا حمّضونا، فيخوضون عنذ ذلك في الأخبار، والأشعار والطّرائف والحكم . . .
أفد طبعك المكدود بالجد راحة ***بجم وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن*** بمقدار ما يعطي الطعام من الملح
أمّا المزاح فدعه ما استطعت ولا ت***كن عبوساً ودار الناس عن كمّل
واصمت فللصمت أسرار تضمنها*** مانالها قط إلا سيد الرّسل
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا ***تبدر ببادرة إلاّ إلى رجل
وأن بليت بشخص لا خلاق له ***فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
ولا تمار سفيهاً في محاورة*** ولا حليماً لكي تنجو من الزّلل
ولا يغرك من تبدو بشاشته ***إليك مكراً فإن السم في العسل
أيّها النّاس اعلموا على مهل، وكونوا من الله عز وجل على وجل، ولا تغتروا بالأمل، ونسيان الأجل، ولا تركنوا إلى الدّنيا فإنّها غدّارة خداعة ، قد تزخرفت لكم بغرورها وفتنكم بأمانيها وتزينت لخطابها كالعروس
ص: 312
المتحلّية، العيون إليها ،ناظرة، والقلوب عليها عاكفة، والنّفوس لها عاشقة ،فكم من عاشق لها قتلته ،ومطمئن إليها خذلته، فانظروا إليها بعين الحقيقة، فأنّها دار كثرت بواقها وذمَّها ،خالقها، جديدها يبلى، وملكها يفنى، العاا وعزيزها يذل وكثيرها يقل، وجيهها يموت وخيرها يفوت، فاستيقظوا من غفلتكم، وانتبهوا من رقدتكم، قبل أن يقال : فلان عليل، أو مدنف ثقيل، فهل على الدواء من دليل؟ أم إلى طبيب من سبيل؟ فيدعى لك الأطبّاء، لك الشفاء، ثم يقال : فلان أوصى، ثم يقال : قد ثقل لسانه، فما يكلّم إخوانه، ولا يعرف جيرانه، وعرق عند ذلك جبينك، وتتابع أنينك، وثبت يقينك، وطبقت جفونك، وصدقت ظنونك، وتلجج لسانك وبكى إخوانك، وقيل لك هذا إبنك فلان، وهذا أخوك فلان منعت الكلام فلا تنطق وختم على لسانك فلا تنطلق، ثم حلّ بك القضاء، وانتزعت نفسك من الأعضاء، ثم عرج بها إلى الشماء، فاجتمع عند ذلك إخوانك ، واحضرت أكفانك ، فغسلوك، وكفنوك، فانقطع عوادك واستراح حسّادك وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهنا بأعمالك .
لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى ***لكا الطول المرخي وثنياه في اليد
أرى الموت أعداد النفوس ولا أرى ***بعيداً غداً ما أقرب اليوم من غد
أرى الدّهر كنزاً ناقصاً كل ليلة ***وما تنقص الأيام والدهر ينفد
أرى الموت يعتامُ الكريم ويصطفى ***عقيلة مال الفاحش المتشدّد
أرى قبر نحّام بخيل بماله ***كقبر غوي في البطالة مفسد
ص: 313
وجدت أطول النّاس غماً الحسود، وأهنأهم عيشاً القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشاً أرفضهم للدنيا وأعظمهم
ندامة العالم المفرط .
عاتب أعرابي أخاه على الحرص، فقال: يا أخي أنت طالب ومطلوب يطلبك ما لا تفوته، وتطلب أنت ما قد كفيته، وكل ما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت إليه كأنّك يا أخي لم تر حريصاً محروماً وزاهداً مرزوقاً.
أراك يزيدك الأثراء حرصاً ***على الدّنيا كأنّك لا تموت
فهل لك غاية إن صرت يوماً ***قلت إليها قلت حسبي قد كفيت
إنّ رجلاً كانت لحيته تضرب إلى البياض ، وكان له إمرأتان شابة ومسنّة فكان إذا حضر عند الشابة نتفت من لحيته الشعر الأبيض، وإذا حضر عند المسنّة نتفت من لحيته الشعر الأسود، فما مضى له شهر حتى نتفتا لحيته .
إنّ منجماً قال الرجل : ما طالعك في البروج، قال التيس، قال: هذا ليس من البروج قال: نعم، لما كنت شاباً سألت منجما عن طالعي ، فقال الجدي وأنا الآن شيخ، ويقين أنّ الجدي كبر وصار تيساً .
ص: 314
إن سلطاناً قيل له : إنّ في بلادك رجلاً ظريفاً يشابهك في الصورة، فأمر بإحضاره، فلمّا رآه يشابهه قال : يا هذا أنا أعرف أمّك كانت جميلة تأتي إلى بيتنا لبيع القماش فقال : أعزّ الله السلطان إن أمي لم تخرج من بيتها، ولكن أبي كان يعمل في بستان حرم السّلطان ،فأعجبه السلطان، واتخذه نديماً .
إنّ رجلاً طلب إلى شهادة، فلما شهد، قال المشهود عليه : إنّه تارك للحج مع الاستطاعة فكيف تقبل شهادته، فقال له القاضي، كيف تركت الحجّ قال : نعم حججت ،فأراد القاضي إمتحانه، فقال: أين بئر زمزم من البيت، فقال: لما حججت ذلك العام كان البئر لم يحفر بعد .
إنّ رجلاً صاد قبرة فقالت القبرة : ما تريد أن تصنع بي:قال أذبحك وآكلك قالت : والله ما أشفى من قرم (القرم شدّة شهوة اللحم حتى يصبر عنه) ولا تشبع من جوع ، ولكن أعلمك ثلاث خصال هنّ خير لك من الدنيا، أما واحدة فأعلمك وأنا في يدك، وأما الثانية : فإذا صرت على الشجرة، وأما الثالثة، فإذا صرت على الجبل، قال: هات الأولى، قالت : لا تلهفن على ما فات فخلاها ولما صارت على الشجرة، قال: هات الثانية، قالت لا تصدق بما لا يكون إنه يكون، ثم طارت فصار على الجبل فقالت يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين وزن كل
درّة عشرون مثقالا ، قال فعض على شفتيه وتلهف وقال : هات الثالثة قالت : أنت قد نسيت الاثنتين، فكيف أخبرك الثالثة، ألم أقل لك لا تلهفن
ص: 315
على ما فاتك ولا تصدّقن بما لا يكون أنا ولحمي وريشي لا يكون عشرين مثقالاً فكيف يكون في حوصلتي درّتان وزن كل واحدٍ عشرون مثقالا ؟ ثم طارت وذهبت فرط طمع الآدمي يعميه عن درك الحق حتى يقدّر ما لا يكون .
لا تُخذ عن بأطماع تزخرفها ***لك المنى بحديث المين والخدع
فلو كشفت عن الموتى بأجمعهم***وجدت هلكهم في الحرص والطمع
خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له (الضيعة العقار) فنزل على نخيل قوم، وفيها غلام أسود يعمل فيها، إذ أتى الغلام بقوته، ودخل الحائط كلب فدنا من الغلام فرمى إليه الغلام بقرص فأكله، ثم رمي إليه بالثاني والثالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه فقال : يا غلام كم قوتك كل يوم، قال: ما رأيت قال فلم آثرت هذا الكلب؟ قال: ما هي بأرض الكلاب، ويوشك أنه جاء جاء من مسافة مسافة بعيدة جائعاً فكرهت ردّه ، فقال : فما أنت صانع اليوم ، قال : أطوى يومي هذا، فقال عبد الله بن جعفر : أُلام على على السّخاء،إن هذا أسخى منّى فاشترى الحائط، والغلام، وما فيه من الأثاث، فاعتق الغلام ووهبه له .
ليس الكريم الذي يعطي عطيّته ***على الثناء وإن أغلى الثّمنا
بل الكريم الذي يعطي عطيته ***لغير شيء سوى إستحسانه الحَسَنا
ص: 316
نزل برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ضيف فلم يجد عند أهله شيئاً، فدخل عليه رجل من الأنصار فذهب به إلى أهله فوضع بين يديه الطعام، وأمر إمرأته باطفاء السراج وجعل يمدّ يده إلى الطعام كأنه يأكل، حتّى أكل الضّيف الطعام ، فلما أصبح ، قال له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : قد عجب الله من صنيعتكم بضيفكم، ونزلت(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)(1)
ما يرحل الضيف عندي بعد تكرمة***إلا برفد وتشييع ومعذرة
يا ضيفنا لو زُرتنا لوجدتنا ***نحن الضيوف وأنت ربُّ المنزل
إن ذا القرنين أبي على أمّة من الأمم ليس في أيديهم شيء، مما یستمتع به الناس من دنياهم، قد احتفروا قبوراً، فإذا أصبحوا تعهدوا (التحفظ يلفال وتجديد العهد) لتلك القبور وكنسوها وصلّوا عندها، ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض الله (اي سبب وقدّر) لهم معاشاً من نبات الأرض، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم، فقال له : أجب الملك ذا القرنين. فقال : ما لي إليه حاجة، فأقبل إليه ذو القرنين ،وقال : أرسلت لتأتيني فها أنا ذا قد أتيتك، فقال له : لو كانت لي إليك حاجة أتيتك، فقال له : ما لي أراكم على حالة التي لم أر أحداً من الأمم عليها، قالوا : وما ذلك؟ قال : ليس لكم دينار، ولا شيء، أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بهما، قالوا : إنّما
ص: 317
كرهناها، لأنّ أحداً لم يعط منها شيئاً إلا تاقت (اشتاق) نفسه ودعته إلى ما هو أفضل منه فقال : ما لكم قد احتفرتم قبوراً فإذا أصبحتم تعهدتموها فكنستموها وصليتم عندها قالوا أردنا إذا نظر إليها وأملنا (الرجاء) الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل، قال وأراكم لا طعام لكم إلاّ البقل من الأرض، أفلا اتخذتم البهائم فاحتلبتموها وركبتموها واستمتعتم بها؟ فقالوا : كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً لها، ورأينا في نبات الأرض بلاغا وأنما يكفي بني آدم أدنى العيش من الطعام، وإن ما جاوز الحنك من الطعام لم نجد له طعماً كائنا ما كان من الطعام، ثم بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين فتناول جمجمة إنسان فقال يا ذا القرنين أتدري من هذا قال : لا ومن هو ؟ قال : ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطاناً على أهل الأرض، فغشم، وظلم وعنى ( تكبر وتجبّر) فلما رأى الله عزّ وجل ذلك منه، حسمه (قطعه) بالموت، فصار كالحجر الملقي، قد أحصى الله عليه عمله يجزيه به في آخرته ،ثم تناول جمجمة أخرى بالية ،فقال : يا ذا القرنين، هل تدري من هذا؟ وقد كان يرى ماصنع الذي قبله بالناس من الغشم، والظلم، وتجبر، وخشع الله عز وجل وأمر بالعدل في أهل مملكته فصار كما ترى قد أحصى عليه عمله ليجزي به في آخرته، ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين ثم قال : وهذه الجمجمة كان قد صار هكذا. فانظر يا ذا القرنين، ما أنت صانع، فقاله ذو القرنين، هل لك في صحبتي فاتخذك أخاً ووزيراً وشريكاً فيهما آتاني الله من هذا المال، قال : ما أصلح أنا وأنت في مكان ولا أن نكون جميعاً فقال : ذو القرنين ولم؟ قال : لأجل أن الناس كلهم لك أعداء ولي أصدقاء، قال : ولم؟ قال: يعادونك على ما في يديك الملك والمال والدنيا ولا أجد أحداً يعاديني لرفض لذلك، ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء قال : فانصرف والقرنين متعجباً منه متعضاً به.
ص: 318
إن كنت تغدوا في الذّنوب جليدا ***وتخاف في یوم المعاد وعیدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه*** وأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسنّ من لطف ربِّك في الحشا ***في بطن أمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالداً ***ما كان ألهم قلبك التّوحيدا
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتّي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمون كيف شاؤوا فتقول لهم الملائكة : هل رأيتم حساباً ؟ فيقولون : ما رأينا حساباً ، فيقولون هل جزتم إلى الصراط ؟ فيقولون : ما رأينا صراطاً ، فتقول الملائكة : من أمة من أنتم ؟ فيقولون من أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلم) فيقولون ننشدكم الله حدّثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا ؟ فيقولون : خصلتان كانتا فينا فبلغنا الله هذه المنزلة بفضل رحمته ، فيقولون : فما هما ؟ فيقولون : كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ، ونرضى باليسير مما قسم لنا ، فتقول : الملائكة : يحق لكم هذا(1)
ص: 319
وأنَّ مريم أحصنت فرجها*** وجائت بعیسی کبدر الدجى
وقد أحصنت فاطمة بعدها ***وجائت بسبطي نبيّ الهدى
لقد كتموا آثار آل محمّد ***محبّوهم خوفاً وأعدائهم بغضا
فأبرز ما بين الفريقين نبذة ***بها ملأ الله السّموات والأرضا
كثر الشك ، والخلاف وكلُّ ***يدّعى الفوز بالصّراط السوي
فاعتصامي بلا إله سواه ***ثم حبّى لأحمد وعليّ
فاز كلبُ بحبّ أصحاب كهف*** كيف أشقى بحب آل عليّ
قال رجل : في إحدى أسفاري مررت بصومعة راهب من رهبان الصين فناديته يا راهب ، فلم يجبني ، فناديته ثانية فلم يجبني ، فناديته ثالثة فأشرف عليّ وقال : ما أنا براهب ، إنما الراهب من رهب الله في سمائه وعظمه في كبريائه ، وصبر على بلائه ، وحمده على نعمائه ، وتواضع لنعمته وذلّ لعزّته ، واستسلم لقدرته ، وخضع لمهابته ، وفكّر في حسابه وعقابه ، فنهاره ،صائم وليله قائم ، قد أسحره ذكر النار ، ومسألة الجبّار فذلك هو الراهب ، وأما أنا فكلب عقور ، حبست نفسي في هذه الصومعة عن الناس لئلا أعقرهم ، فقلت : يا راهب فما الذي قطع الخلق عن الله عز وجل ، بعد أن عرفوه ، فقال : يا أخي لم يقطع الخلق عن الله إلا حبّ الدنيا وزينتها لأنّها محلّ المعاصي والذنوب ، فالعاقل من رمى بها عن قلبه ، وتاب إلى الله من ذنبه وأقبل ما يقربّه من ربّه .
ص: 320
فأجهشت للجبار حين رأيته ***وكبر للرحمن حين رآني
فقلت له أين الذين رأيتهم ***بجنبك في خفض وطيب زماني
فقال مضوا واستودعوني ديارهم ***ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
إنّ شاباً وعظ عمر بن عبد العزيز ، فقال : يا أمير المؤمنين : إنّ من الناس أناساً غرّهم الأمل ، وأفسدهم المهل ، وشوشهم كثرة رياء الناس ، فأيّاك يا أمير المؤمنين بأمرءٍ غرّ بالله فيك ، فيمدحك بمدحة فتزهو بك نفسك ، وأنت تجد خلافها من نفسك ، فإنّ النّاس ما مدحوا رجلاً بمدحه ، إلا في حال رضاهم عنه ، وفي حال سخطهم وفي حال سخطهم عنه ، يذمونه أكثر مما مدحوه فبكى عمر حتّى استعبر .
فما كل ذى نصح بمؤتيك نصحه ***ولا كل موت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد***فحق له من طاعة بنصيب
قال ابن عباس (رض) : دخلت على أمير المؤمنين (علیه السلام) بذي قار ، وهو يخصف نعله ، فقال (علیه السلام) : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها ، فقال (علیه السلام) : والله لهي أحبّ إليِّ من إمرتكم ، إلاّ أن أقيم حقاً ، أو أدفع باطلاً (1).
ص: 321
بل قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ألا ومن تولى عرافة (الرّياسة) قوم أتى يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه ، فأن قام فيهم بأمر الله عزّ وجل أطلقه الله عزّ وجل بأطلاقه ، وإن كان ظالمّاً هوى به في نار جهنّم وبئس المصير (1).
حب الرّئاسة أطغى من على الأرض ***حتّى بغى بعضُهم فيها على بعض
إنّ القُنوعَ لزاد إن رضيتَ به ***كنتَ الغنىَّ وكنتَ الوافرَ العِرضِ
عن الصادق (علیه السلام) قال : إن رجلا جاء إلى عيسى بن مريم (علیها السلام) فقال : يا روح الله إني زنيت فطهرني ، فأمر عيسى (علیه السلام) أن ينادي في الناس ألا يبقى أحد إلا خرج لتطهير فلان ، فلما اجتمع واجتعموا وصار الرجل في الحفرة ، نادى الرّجل لا يحدّني من الله في جنبه حد ، فانصرف الناس كلّهم ، إلا يحيى وعيسى ، فدنى منه يحيى ، فقال له : عظني يا مذنب، قال له : لا تخلين بين نفسك وبين هواها فترديك ، فقال : زدني ، قال : لا تعيرن خاطئاً بخطيئته قال : زدني ، قال : لا تغصب ، قال حسبي (2).
جاء رجل إلى ابن عباس (رض) فقال : يا بن عباس أني أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر ، قال : وبلغت ذلك؟ قال : أرجو ، قال : إن
ص: 322
لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات في كتاب الله فافعل ، قال : وما هنّ؟ قال :قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر ، وتنسون أنفسكم) (1)أحكمت هذه الآية ؟ قال : لا ، قال : فالحرف الثاني ، قال : وقوله : (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )(2)أحكمت هذه الآية ؟ قال : لا ، قال : فالحرف الثالث ، قال : فالحرف الثالث : قال : قول العبد الصالح شعيب (علیه السلام) (ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) (3)أحكمت هذه الآية ، قال : لا ، قال : فابدأ بنفسك .
عن أبي درداء أنّه قال : قيامي بالحق ما ترك لي صديقاً ، وأن خوفي من یوم الحساب ما ترك على ظهري لحماً. وأن يقيني بثواب الله ما ترك في بيتي شيئاً
ذنوبي كثير لا أطيق إحتمالها ***وعفوك عن ذنبي أجل وأكبر
وقد وسعتني رحمة منك هيمنا***وأنّي إليها في القيامة أفقر
كن كيف شئت فإنّ الله ذو كرم***وما عليك إذ أذنبت من بأس
إلا اثنتين فلا تقربهما أبداً***الشرك بالله والأضرار بالناس
ص: 323
قال أحد الحكماء : لا تصحب الشرير ، فإن طبعك يسرق من طبعه وأنت لا تدري .
قيل لبعض قيل لبعض الصالحين : فلان ليشتمك ، وكان صديقاً له ، فقال : هو في حلّ ، فقيل له : ولم ذلك ؟ قال : ما أحب أن يثقل الله ميزاني بأوزار إخواني .
قال الرشيد لابن سماك : عظني ، قال : احذر أن تقدّم على الجنة التي عرضها السموات والأرض ، وليس لك فيها موضع قدم .
قيل لبعض الحكماء : هل تعرف شيئاً أفضل من الذّهب ، قال نعم ، المستغني عنه .
إن ذا النون المصري قال : مررت ببعض الأطباء ، وحوله جماعة من الرجال والنساء بأيديهم قوارير الماء ، وهو يصف لكلّ واحدٍ منهم ما يوافقه
فدنوت منه ، فسلمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فقلت له : صف دواء الذنوب يرحمك الله ، فأطرق إلى الأرض ساعة ، وكان الطبيب ذا عقل ، ثم رفع رأسه وقال : يافتى إن أنا وصفت لك تفهم؟ فقلت : نعم ، إنشاء الله تعالى قال : خذ عروق الفقر ، وورق الصبر ، وإهليج (ثمر معروف) الخشوع وبليلج (شجرة في الهند) التواضع ، ثم ألق الجمع في هاون التوبة ، ثم أسحقه بدسج التقوی ،ثم ألقه في طبخير التوفيق ، وصب عليه من ماء
ص: 324
الخوف، وأوقد تحته نار المحبة ، وحركة بأسطام العصمة حتّى يرغى ، ثم أفرغه في جام الرضا ، وروّحه بمروحة الحمد حتّى يبرد ، ثم أفرغه في قدح المناجاة ، ثم أمزجه بماء التوكل، وحركه بملعقة الاستغفار ثم أشربه ، وتمضمض بماء الورع ، فإن أنت فعلت هذا ، فإنّك لا تعود إلى معصية أبداً .
مستصغر الذنب إن عُدّت إساءَته***وكلّمها في الحشا يدمى وينقرف
مثل القذاة بعين المرء يحقرُها ***ودمعُها أبداً من وُخزٍها يكف
قيل للحسن البصري : ما عقوبة العالم ؟ قال : موت القلب ، قيل وما موت القلب؟ قال : طلب الدنيا بعمل الآخرة .
إذا قسا قلب لم تنفعه موعظة*** كالأرض إن سبخت لم ينفع المطر
لا يكون الرجل عالماً حتى لا يحسد من فوقه ، ولا يحقر من دونه ، ولا يأخذ على عمله أجراً.
عن بلال بن سعد رفعه قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أربع خصال جاريات عليكم من الرّحمن مع ظلمكم أنفسكم وخطاياكم ، أما رزقه فدار عليكم ويجدد شيئاً .
ص: 325
وأما رحمته فغير محجوبه عنكم ، وأما ستره فشائع عليكم ، وأما عقابه فلم يعجل عليكم ، وأنتم مع ذلك تجترون على إلهكم ، أنتم اليوم تتكلّمون والله ساكت عنكم ، فيوشك أن يتكلم وتسكتون ، ثم يثور من أعمالكم دخان تسودّ منه الوجوه ، ثم تلا (واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) (1)
أهملت نفسك في هواك ولمتني***لو كنت تنصف لمت نفسك دوني
مابال عينك لاترى أقذارها *** وترى الخَفّى من القذى بجفوني
قال هشام : قال لي أبو الحسن(علیه السلام) : ياهشام ، من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله، من أظلم نور تفكره بطول أمله ، ومحي طرائف (لطائف وغرائبها المعجبة) حكمته بفضول كلامه ، وأطفى نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنّما أعان هواه على هدم ، ومن هدم عقله فسد دينه ودنياه .
يا هشام : الصّبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله اعتز أهل الدنيا ، والراغبين فيها ، ورغب فيما عند الله وكان أنيسه الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيله ، ومعزّه من غير عشيرة .
يا هشام ، إنّ العاقل من رضى من الدنيا الحكمة بالدون ، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم .
ص: 326
يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الكلام فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من العقل ، وترك الذنوب من الفرض .
يا هشام، إنّ العاقل نظر الى الدنيا ، وإلا أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة ، وطلب بالمشقة أبقاهما .
يا هشام من أراد الغنا بلا مال ، وراحة القلب مع الجسد ، والسلامة في الدين ، فليتضرع إلى الله في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه إستغنى ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى .
يا هشام ، كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول : ما عبد الله بشيء أفضل من العقل وماتم عقل إمرء حتى يكون فيه خصال شتّى، الكفر والشر منه مأمونان ، والرّشد والخير منه مأمولان ، وفضل ما له مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدنيا القوت ، لا يشبع من العلم دهره ، الذّل أحب إليه مع الله من العزّة مع غيره ، والتّواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنه شرهم في نفسه ، وهو تمام الأمر .
يا هشام ، إنّ العاقل لا يكذب ، وإن كان فيه هواه ، وكان علي بن الحسين (علیه السلام) يقول : مجالس الصالحين داعية إلى الصّلاح.
يا هشام ، إن الله على الناس حجتين، حجة ظاهرة ، وحجة باطنة فأما الظاهرة ، فالرسل والأئمة (علیه السلام) وأما الباطنة فالعقول(1).
ص: 327
عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني ، اسرائيل فبينما هو يصلي ، وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديكاً وهما ينتفان ريشه ، فأقبل على ما هو فيه من العبادة ، ولم ينههما عن ذلك فأوحى الله إلى الأرض، أن سيخي بعبدي ، فساخت به الأرض ، فهو يهوي في الدردور أبد الآبدين ودهر الداهرين (1).
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً ***ولجّ عتوّا في قبيح إكتسابه
فكله إلى صرف الليالي فأنّها ***ستدعى له ما لم يكن في حسابه
فکم قد رأينا ظالماً متمرّداً ***يرى النّجمَ تيها تحتَ ظلّ ركابه
فعما قليل وهو في غفلاته*** أناخت صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مال ولا جاه يرتجي ***ولا حسنات تلتقي في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً ***وصبّ عليه الله سوط عذابه
عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : أيما مؤمن سأل أخاه المؤمن حاجة وهو يقدر على قضائها فردّه عنها سلط الله عليه شجاعاً (الحية العظيمة) في قبره ينهش من أصابعه (2)
تلق ذوي الحاجات بالبشر إنّه*** إلى كرماء الناس أشهى من الجَدا
عسى من يرجّى سيبك اليوم يغتني*** فتصبح ممن يرتجي سيبه غدا
ص: 328
عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : من بذل لأخيه المؤمن إلاّ حرّم الله على النار ، ولم يمسه قتر (قوله تعالى ترهقها قترة) (1) ولا ذلة القيامة وأيما يوم مؤمن يبخل بحاجة على أخيه المؤمن ، وهو أوجه جاهاً منه ، إلاّ منه قتر وذلّة في الدنيا والآخرة ، وأصاب وجهه يوم القيامة لفحات النيران معذّباً کان أو مغفوراً(2)
والجاه ليس بألقاب مفخمة *** يهدي لمنغمس في الأثم منتهب
بل إنّما الجاه في مجد تطول به ***وإنما المجد كل المجد في الأدب
وإنما العزّ مشروح خلاصته*** في متن أبيض ماضي الغرب ذي شُط-
عن إسحاق بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن علي(علیه السلام) عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال : يقول الله عزّ وجل ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السموات وأسباب الأرض من دونه ، فإن سألني لم أعطه ، وإن دعاني لم أجبه ، وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السموات والأرض رزقه ، فإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن استغفرني غفرت له .
ص: 329
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : غريبتان ، كلمة حكمة من سفيه فأقبلوها وكلمة سفه من حكيم فأغفروها ، فأنه لا حكيم إلا ذو عثرة ، ولا سفيه إلا ذو تجربة (1) .
عن معلي بن خليفة أنه دخل مع عدي بن حاتم على علي بن أبي طالب (علیه السلام) عشيّة في بعض مقامه بصفين ، ومعه عشاء ، قال : فلقيناه ، وإذا بين يديه شنة (الشن ، وبهاء ، القربة الخلق الصغيرة) فيها ماء قراح ، وكسرات من خبز شعير وملح لم يخلط به غيره ، قال : فقال له عدي : إني لأرثي (رقّ له ورحمه )لک يا أمير المؤمنين ، إنّك لتصل نهارك طاوياً مجاهداً ، وبالليل ساهراً مكابداً ثم كان هذا فطورك (ما يفطر عليه) فرفع رأسه وقال :
يا عدي :
الغنى في النفوس والفقر فيها***أن تجزت فقل مایجیزها
علل النفس بالقنوع وإلا ***طلبت منك فوق ما يكفيها
ليس فيما مضى ولا في الذى ***لم یات من لذّة لمستحليها
إنما أنت طول عمرك ماعمرت***بالساعة التي أنت فيها(2)
ص: 330
عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ألا أنبئكم بالمؤمن حقا ؟ المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم ، وأنفسهم . ألا أنبئكم بالمسلم ؟ المسلم من سلم المؤمنون من لسانه ، ومن يده . والمهاجر من هجر السيئات وترك ما حرم الله عليه . المؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله ، أو يدفعه دفعاً بغتة (1).
حكى أن خواجا منعم بني له مقبرة ، وقبة عالية منقشة عمل فيها البناؤون سنة كاملة ، فقال الخواجا يوما للبناء : أي شيء تحتاج القبة بعد
قال إلى وجودك الشريف .
حكى إن إمرأة ناولت عالماً تفاحة نصفها حمراء ، ونصفها بيضاء ، فأخذها العالم وشقها نصفين ودفعها إليها ، فلما مضت المرأة سأله التلاميذ عن حقيقة الحال ، فقال : هذه المرأة سألت عن خرقة الحيض أنها قد تكون نصفها أحمر بالدم ، والآخر أبيض فهل تجوز الصلوة إذن ، فكسرت التفاحة وأشرت إليها أن الخرقة إذا صارت كلها بيضاء مثل بطن التفاحة فالصّلاة جائزة وإلاّ فلا .
كان عند هرون الرشيد حبشية جميلة تقرأ القرآن ، فخلا بها يوماً وأراد أن يأتى بها من خلف ، فقالت : قال الله تعالى : (فأتوهن من حيث أمركم
ص: 331
الله ، فقال هرون الرشيد : قال الله تعالى : (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شءتم) فقالت : هذه الآية منسوخة يقول الله تعالى : (وأتو
البيوت من أبوابها) . فعجب هرون من فصاحتها . حكى أن رجلاً فقيراً مات فقيل لزوجته ما خلّف لك زوجك من الميراث فقالت : عدة أربعة أشهر وعشراً .
في مجموعة ورام ص 30 لما ولىّ عمر بن عبد العزيز ، استعمل ميمون بن مهران على الجزيرة، واستعمل ميمون بن مهران على قرقيساء (بلدةعلى الفرات) رجلاً يقال له العلاّمة ، قال : فتنازع الرجلان ، فقال أحدهما ، معاوية أفضل على عليّ وأحق ، وقال الآخر : علي أولا بالأمر من معاوية فكتب عامل قرقيساء إلى ميمون بن مهران بذلك ، فكتب ميمون المهران إلى عمر بن عبد العزيز ، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران أن أكتب إلى عامل قرقيساء ، أن أقم الرجل الذي قدّم معاوية على عليّ بباب المسجد الجامع فاضرب به مئة سوط ، وأخرج ملبيا (لببه تلبيباً جمع ثيابه عند سخرة في الخصومة ثم جزء )حتّى أخرج من باب يقال له باب الدين .
من ما ذا له شمس النهار تراجعت ***بعد الأفول وقد تقضي المطلع
حتى إذا صلى الصلاة لوقتها***أفلت ونجم عشاء الأخيرة يطلع
في دون ذلك للأنام كفاية***من فضله ولذى البصيرة مقنع
هو قبلة الله التي ظهرت لنا ***وشهاب نور للهداية يلمع
لولاه لم يك للنّبي دلالة*** لملّة الأسلام باب يشرع
ص: 332
قال الأمام على بن موسى الرضا (علیه السلام) : سبعة أشياء بغير أشياء من الاستهزاء :
1 - من استغفر بلسانه، ولم يندم بقلبه فقد استهزء بنفسه .
2- من سأل الله التوفيق ، ولم يجتهد فقد استهزء بنفسه .
3 - من سأل الله الجنة ، ولم يصبر على الشدائد فقد استهزء بنفسه.
4 - من تعوذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزء بنفسه .
5- من ذكر الموت ولم يستعد له فقد استهزء بنفسه .
6- من ذكر الله تعالى ولم يشتق إلى لقائه فقد استهزء بنفسه (1) .
سأل إبراهيم بن أدهم من أين تأكل ؟ قال : ليس لهذا جواب ولكن سل ربيّ من أين يطعمني .
لعمرك ما الأرزاق من حيلة الفتى ***ولا سبب في ساحة الحيّ ثاقب
ولكنّها الأرزاق تقسم بينهم ***فما لك منها غير ما أنت شاربُ
الرزقُ عن قدر لا الضّعفُ ینقصه***ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقرُ في النفس لا في المال نعرفه ***ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
ص: 333
عن الأصمعي قال : حدثني من أثق به ، قال : غزونا البحر سنة ، فمالت بنا السّفينة إلى جزيرة ، فإذا قصر شاهق ، وللقصر بابان ، وإلى جنبه قبر ، وبين القبر وبين القصر فسيل لم أر فسيلاً أحسن منه .
يؤمل دنياً لتبقى له ***فات المؤمل قبل الأمل
وباب يروى أصول الفسيل ***فعاش الفسيل ومات الرّجل
وقتى كان جبينه بدر الدّجى ***قامت عليه نوائح وروامس
غرس الفسيل مؤملا لبقائه*** فبقى الفسيل ومات عنه الغارس
قال : فبكيت ساعة على الغارس حيث لم يبلغ أمله .
أقول : ولو كان للراوي بصيرة لكان بكاؤه على نفسه أولى ، وأحرى .
قلبي يحبّك يحبّك يامنى ***قلبي ويبقض من يحبّك
لأكون فرداً في هواك ***فليت شعري كيف قلبك
عذار كالطراز على الطراز***وشمس في الحقيقة لا المجاز
تبدّأ عارضاه فعارضاني***وقالا لا تمرّ بلا جواز
فقلت القلب عندكم مقيم ***وما حسن الثياب بلا طراز
ص: 334
قال داود بن رزين : مرضت بالمدينة مرضاً شديداً ، فبلغ ذلك أبو (علیه السلام) ، فكتب إليّ قد بلغني علّتك ، فاشتر صاعاً من بر ، ثم إستلق على قفاك وانثره على صدرك كيف ما انتثر ، وقل : (اللهم إني أسألك باسمك الذي إذا سأل به المضطر کشفت ما به من ضر ، ومكّنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك أن تصلي على محمد وآله وعلى أهل بيته أن تعافيني من علّتي) ثم استو جالسا ، واجمع البّر من حولك ، وقل مثل ذلك ، واقسمه مداً مداً لكلّ مسكين ، وقل مثل ذلك ، قال داود : فعلت مثل ذلك ، فكأنما نشطت من عقال ، وقد فعله غير واحد فانتفع به(1) .
يحبّ الفتى طول السلامة والغنى*** فكيف يُرى طولُ السلامة يفعل
قال السكوني : فقد النّبي رجلاً من الأنصار ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ما غيّبك عنّا ؟ فقال يا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : الفقر ، وطول السقم ، فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ألا أعلمك كلاماً إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم ؛ قال بلى يا رسول الله : قال : إذا أصبحت ، وأمسيت فقل : (لا حول ولا قوة إلا بالله ، توكلت على الحيّ الذي لا يموت ، والحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له وليّ من الذّل ، وكبره تكبيراً) فقال الرجل : فوالله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عني ذهب عني الفقر والسقم(2).
ص: 335
إخواننا قصدوا الصّبوح بسحرة ***فأتو رسولهم إلى خصيصاً
قالوا : إنتّخب شيئاً نجد لك طبخه ***قلت اطبخو لي جُبَّةً وقميصاً
قيل لأعرابي يطيل الصمت : ما لك لا تخوض مع القوم في حديثهم ، فقال الحظ للمرء في أذنه ، والحظ في لسانه لغيره .
رأيت سكوتي متجراً فلزمته*** إذا لم يفد ربحاً فلست بخاسر
قيل : تكلّم الناس في مجلس معاوية ، والأحنف بن قيس ساكت ، فقيل له : مالك لا تتكلم يا أبا الحر ، فقال : أخاف الله إن كذبت ،وأخافكم إن صدقت .
ألم تر أنّ الصمت حلمٌ وحكمة ***قليل على ريب الحوادث ، فاعله
الأمام الباقر (علیه السلام) قال : ما من عبد يعمل : الله إلا ستره الله عز وجل عليه أولا ، فإذا ثنى ستر الله عليه ثانياً ، فأذا ثلث أهبط الله عز وجل ملكاً في صورة آدمي يقول للنّاس إنّ فلانا يعمل كذا وكذا (1).
ص: 336
قال اسماعيل بن ذكوان : كان سليمان بن عبد الملك جميلاً بهيّاً وكانت له هيئة حسنة ، فلبس يوماً ثياباً حمراً رقيقة ، وقال : الجارية كانت له حظية عنده قائمة على رأسه : وكان أعجب بنفسه كيف تزين هذه الهيئة ؟ فقالت شعر :
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ***غير أن لابقاء للأنسان
أنت خلو من العيوب ومما*** تكره النفس غير أنّك فان
عن الحسن البصري ، قال : يا بن آدم أنت وديعة في أهلك ويوشك أن تلحق بصاحبك وأنشد :
وما المال والأهلون إلاّ وديعه*** ولا بدّ يوماً أن تردّ الوادئع
قال أحد العرفاء : أنما يراد العلم للعمل ، إلاّ أن يريد ان يحترف به فيجعله صناعة ، وبضاعة فسمى عالماً حينئذٍ صنعته ، فضّره أكثر من نفعه
وما تصنع بالسّيف إذا لم تك قتالاً فكس ***-ر حلية السيف وصغ من ذاك خلخالا
ميزت بين جمالها وفعالها*** فإذ الحلاوة بالمرارة لا تفى
حلفت لنا لنا أن لا تخون عهودنا ***فكأنّما حلفت لنا أن لا تفى
ص: 337
سأل أحد العرفاء عن الخوف ؟ فقال : ليس الخائف من يبكي ويتضرع ويعصر عينيه ، ولكن الخائف الذي ترك الأمر الذي يخاف أن يحاسب عليه والخوف سوط الحق يرد به الشاردين إلى بابه ، والرجاء زمام يجذب به الغافلين ، وقال : لا يغير الجل (الجلل) أخلاق الحمير .
جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ***وبنوا مساكنهم فما سكنوا
وكأنّهم كانوا بها ظعنا***لما استراحوا ساعة ظعنوا
قال عبد الله مبارك : لعبد البعض جيرانه ، وكان عليه أطمار رثّه ، لم لا تقول لمولاك يغيّر زيّك ؟ فقال الغلام : أليس يعلم ما أنا عليه ، فقال ابن المبارك ، آه ، ووقع في بعض الأبواب فانكسرت رجله ، وكان ذلك سبب العرج الذي كان به .
إن واعظاً قال في أثناء كلامه : أللهم اغفر لأقسانا قلباً ، وأكثرنا ذنباً ، وأقربنا بالمعصية عهداً ، فقام إليه رجل ، فقال له : أعد أعد ، فأعاد فقال : أنا ذلك الرجل المتصف بما قلت : وتاب ، فرآى الواعظ في منامه تلك الليلة ، إن قيل له : سرّني أن أوقعت الصلح بيني وبين عبدي
حتى متى لا تزالُ معتذرا ***من زلّة منك لا تجانبها
لا تتقي عيبها عليك ولا ***ينهاك عن مثلها عواقبها
لتركُك الذنب لا تفارقُه ***أيسر من توبة تقاربُها
ص: 338
قال عمر بن نعمان الجعفي : كان لأبي عبد الله (علیه السلام) صديق لا يكاد يفارقه أين يذهب فبينما هو يمشي معه في الحذائين ، ومعه غلام سندي يمشي خلفه إذا التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره ، فلما نظر في الرابعة ، قال : يا بن الفاعلة أين كنت ؟ فرفع أبو عبد الله (علیه السلام) يده ، فصك بها جبهة نفسه ثم ، قال : سبحان الله تقذف أمه ؟ فقد كنت أرى لك ورعاً ، فإذا ليس لك ورع ، فقال : جعلت فداك ، إن أمه سنديّة مشركة ، فقال : أما علمت إنّ لكلّ أمة نكاحاً ، تنّح عنّي ، فما رأيته يمشي معه حتّى فرق الموت بينهما )(1)
قال أبو عبد الله (علیه السلام) : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إنّ من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه .(2)
لسان الفتى عبد له في سكوته*** ومولى عليه جائر إن تكلّما
فلا تطلقنه واجعل الصمت قيده ***وصير إذا قيدته سجنه الفما
روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يا معشر من أسلم بلسانه ، ولم يخلص ايمان قلبه ، لا تذموا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم، فمن تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته(1).
حكي أن المولى قطب الدين رأي صبياً عليه مسحة من الجمال ، واقفاً عند قوم يعملون الطين ، فوقعت قطرة من الطين على خده كصورة الخال فقال المولى : ليتيني كنت تراباً ؟ فقال رجل للصبي : ما يقول المولى فقال : يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ، فخجل المولى قطب الدين .
كان أحد شيوخ العظام شدة رغبة في الجماع ، فقال : أصلي صلاة الصبح بغسل ، والظهرين بغسل ، والعشائين بغسل ، فقال له رجل : أعز الله شيخنا هذه صفة المستحاضة الكثيرة ، فضحك الشيخ
ص: 340
سأل رجل من أحد أصدقائه : كم عندك من الأولاد ، فقال : ذكر وانثيين ، فقال : يا أخي هذا عند كل رجل من بني آدم.
إنّ رجلاً فاسقاً أخذ امرأة وابنها إلى خرابة ، ولاط ، وزنى فيهما ، فلما مضى قالت المرأة لولدها : هل عرفته بوجهه حتى نشكوه إلى الحاكم ؟ فقال الولد : سبحان الله أنا كنت نائماً على وجهي لا أراه ، وأنت كنت نائمة على قفاك ترين وجهه ، فكيف أعرفه أنا ، وأنت لا تعرفينه !
قيل لشيخ من العباد ، ما بقى منك ، مما تحب له الحياة ؟ فقال : البكاء على الذنوب .
تؤمل في الدنيا طويلا فلا تدري*** إذ جنّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة ***وكم من عليل عاش دهرا إلى دهر
وكم من فتى يمسي ويصبح آمناً ***وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
ومن يسحب الدنيا يكن مثل قابض*** على الماء خانته فروج الأصابع
تزوّد من الدّنيا فأنك راحل***وبادر فأن الموت لا شكّ نازل
وإن إمرء عاش خمسين حجّة*** ولم يتزوّد للمعاد لجاهل
قال شداد بن أوس : دخلت على رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : فرأيت في وجه-
ص: 341
ما ساءني ، فقلت : ما الذى أرى بك ؟ فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أخاف على امتي الشرك ، فقلت : أيشركون بعدك ، فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أما أنّهم لا يعبدون شمساً ، ولا قمراً ، ولا وثناً ، ولا حجراً ، ولكنّهم يراؤن بأعمالهم والرّياء ، الشرك (فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)(1)
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب ، فيقول الله للملائكة : ألقوا هذا ، ألقوا هذا ، وأقبلوا هذا فيقولون : وعزتك وجلالك ما علمنا إلاّ خيراً ، فيقول : نعم ، ولكن هذا عمل لغيري ولا أقبل إلا ما أبتغى وجهي.(2)
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يقول الله تعالى : أنا خير شريك ، ومن أشرك معي شريكاً في عمله ، فهو لشريكي دوني ، إني لا أقبل إلا ما أخلص لي(3).
قيل لأحد الفضلاء : تركت أسواق الناس ، ومجالس الأخوان وتخلّيت ؟ فقال : رأيت أسواقهم لاغية ، ومجالسهم لاهية ، فوجدت الأعتزال فيما
هناك عافية .
ص: 342
وقال آخر : خالطت الناس خمسين سنة ، فما وجدت رجلاً غفر لي زلّة ، ولا ستر لي عورة ، ولا أمنته إذا غضب وما وجدت فيهم إلاّ من يركب
هويه.
كان عيسى (علیه السلام) يقول : يا معشر الحواريين ، تحببو إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إلى الله بالتّباعد عنهم ، والتمسوا رضاه بسخطهم ؟ (1)
مرض ربيع بن خيثم ، فقيل له : ألا تتداوى ؟ قال : إن عاداً وثمود ، وأصحاب الرّس وقروناً بين ذلك كثيراً ، كانت فيهم دواء ، وأوجاع ، وأطباء ، فلا الناعت بقى ، ولا المنعوت له .
تمتع أنّما الدنيا متاع*** وأنّ دوامها لا يستطاع
وقدم ما ملكت وأنت حيّ*** أمير فيه متبع مطاع
ولا يغررك من توصي إليه ***فقصر وصيّة المرء الضّياع
ومالي لم أملك ذاك غيري*** وأوصيه به لولا الخداع
قال أحد العرفاء : كن وصي نفسك ؟ ولا تجعل الرجال أوصيائك كيف تلومهم إن ضيّعوا وصيتك ، وقد ضيعتها في حياتك .
ص: 343
حمل بعض الجبارين إلى رجل صالح مالاً فلم يقبله منه ، فسأل عن ذلك ؟ فقال : أكره أن يقع في قلبي مودّة ، إني لألقى الرجل فأبغضه فيقول لي : مرحباً ، فيلين له قلب ، فكيف وآكل ثريدهم ، وأطأ بساطهم .
متى تجمع القلب الذكيّ وصارماً*** وأنفاً حياً تجتنبك المظالم
امتی تطلب المال الممنع بالقنا ***تعش ماجداً أو تحترمك المخارم
قال بعض الحكماء : ألعبادة عشرة أجزاء ، تسعة في الصّمت وواحدة في العزلة ، فأردت الصمت فلم أقدّر عليه ، فصرت إلى العزلة .
تنزّه عن مجالسة اللثام ***وألمم بالكرام بني الكرام
ولا تك واثقاً بالدهر يوماً ***فأن الدّهر منحل النّظام
وقال الحكيم ، لا شيء ، أوعظ من القبر ، ولا آنس من الكتاب ، ولا أسلم من الوحدة . وقال : أنما نطلب العلم لنهرب من الدّنيا ، لا نطلب .
به الدّنيا .
أنا تابع لأولى العلى والسؤدد*** فهم ملاذي في الحياة ومسندي
يا من أتى مستفسراً عن مذهبي ***أهوى لمذهب آل بيت محمّدي (علیه السلام)
كان أحد العباد يصير الليل نهاراً بالقيام ، والنهار ليلا بالصّيام ، وقيل
ص: 344
له : لم لا تتزوج ؟ فقال : والله ما عندي مال ، ولا نشاط ، ففيم أغرّ إمرأة مسلمة ، فقيل : إنك ترضى بالقليل ، فقال والله أنتم أرضى بالقليل
أعوذُ بالله من ليل يقرّبُني ***إلی مضاجعه کالدّیک بالُمسدَ
لقد لَستُ معراها فما وقعت*** مما لمستُ يدي إلا على وتد
نصحتك لا تنكح فإن خفت مأثماً ***فأعرس ، ولا تنسل فذلك أحزم
وله :
خصاؤك خير من زواجك حرة ***فكيف إذا أصبحت زوجاً لمومس
قال المنصور : لعمرو بن عبيد وهو في مجلسه ، ناولني الدّواة ، فلم يفعل ، فقال : وما في أن يناول المسلم أخاه شيئاً ، قال : كرهت أن يجري قلمك بشيء تؤثم ، فأكون معيناً فيه .
قال خالد بن صفوان لعمرو بن عبيد : لم لا تأخذ شيئا فتقضي دينا إن كان عليك ، فقال : لم يأخذ أحد من أحد شيئاً إلا ذل له ، وأنا أكره أذلّ لغير الله .
وقالوا : توصَّل بالخضوع إلى الغنى ***وما علموا أن الخضوع هو الفقر
وبيني وبين المال بابان حرَّما ***علىَّ الغنى نفس الأبيَّة والدهر
ص: 345
قيل لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير ، قال له : ما تقول في ؟ قال : ظهر فيك الجور في حكم الله ، وجرأة على معاصي الله ، وقتل لأولياء الله ، قال : والله لأقطّعنك عضواً عضواً ، قال : إذا تفسد عليّ دنياي ، وأفسد عليك آخرتك ، قال : وما تقول في هذه الأموال التي نجمعها لأمير المؤمنين ؟ قال : إن كنت جمعتها لتشتري بها نفسه يوم القيامة فقد أحسنت إليه ، وإلا فقد أوقرت ظهره ، وثقلت حسابه ، فقال : الويل لك ، فقال : الويل لمن أخرج من الجنّة ، وأدخل النار .
إذا نصحت لذي عجب لتر شدهُ***فلم يُطعكَ ، فلا تنصيح له أبدا
فأنّ ذا العُجب لا يعطيك طاعته ***ولا يُحِيبُ إلى إرشاده أَحَدا
وما عليك وإن غاو غوى حقباً***إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا
لك نصحي وما عليك جدالي ***آفة النّصح أن يكون جدالا
وجدت في بيت المقدس ، صخرة عليها مكتوب ، كل عاص مستوحش ، وكل طائع مستأنس ، وكل خائف هارب ، وكلّ راج طالب ، وكل قانع عزيز ، وكل حريص ذليل ، فإذا هو أصل لجميع ما تعبد الله به عباده .
قيل لبعض الحكماء العرب : أيّ الكنوز أجل؟ قال : العلم الذي خف محمله ، فهو في الملاء جمال ، وفي الوحدة أنس يرأس به صاحبه ،
ص: 346
وینیل به طالبه ، والمال محمله ثقيل ، والهم به طويل ، إن كان صاحبه في الملاء شغله الفكر فيه، وأن كان وحيداً أزقته حراسته .
الناس ثلاثة ، عاقل ، وأحمق ، وفاجر .
فأما العاقل : الدين شريعته ، والحلم طبيعته ، والعلم سجيته ، إن سأل أجاب ، وإن نطق أصاب ، وإن حُدِّث استمع ، وإن حَدَّث أمتع .
وأما الأحمق : فإن تكلم عجل ، وإن حُدَّث ذهل ، وإن حَدَّث جهل .
ية وأما الفاجر : فإن إئتمنته خانك ، وإن جالسته شانك، وإن إئتمنك إتهمک وإن وثقت به خذلك .
تلقة اء الله ليلة لبن الريعة
سل الله عقلاً نافعاً واستعذ به*** من الجهل تسالخير معطي لسائل
فبالعقل تستوفي الفضائل كلها ***كما الجهل مستوف جميع الرذائل
الأخوان على ثلاث طبقات ، طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه ، وهم إخوان الدين ، وطبقة كالدّواء الذي يحتاج إليه في وقت ، ويستغنى عنه في أوقات كثيرة ، وهم إخوان المعاشرة على أحوال الدنيا ، وطبقة كالداء الذي لا يراد ولا يحتاج إليه ، وهم أخوان الطمع .
عبد المطامع في لباس مذلّة ***إنّ الذليل لمن تعبّدهُ الطمع
ولربّما محق الكثير وربّما ***كثر القليل إلى القليل إذا جمع
والمرء أسلم ما يكون بدينه *** عند التحفظ والسكينة والورع
ص: 347
دخل بعض الأدباء على ملك ، فاستأذنه في الكلام ، فقال له : على شرط . فقال : وما هو ؟ فقال : على أن ما تمدحني في وجهي ، فإنّي أعرف منك بنفسي فإن قلت فيّ مدحاً ، فقد تقدّمت فيه معرفتي ، فإن قلت فيّ كذباً كنت ساخراً منّي ، وعلى أن لا تكذبني على ضميرك ، فإنّه لا رأي لكذوب وعلى أن لا تغتاب عندي أحداً ، فإن الاغتياب لا يرضى به لنفسه إلا ذو النقص ، والأمتهان ، فقال الرجل للملك : أفأنصرف ؟ قال : إذا شئت .
إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه ***وكلّ رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ***فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا إنا قليل عدادنا ***فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا إنا قليل وجارنا ***عزيزوجار الأكثرين ذلیل
في هذه الأبيات الأربعة معاني حسنة لمن يتأملها
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أيّما إمرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً ، ولا حسنة من عملها حتى ترضيه ، وإن صامت نهارها ، وقامت ليلها، وأعتقت الرقاب ، وحملت على جياد الخيل في سبيل الله ، وكانت في أول من يرد النار ، وكذلك الرجل أذا كان ظالماً لها (1).
ص: 348
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أيما إمرأة لم ترفق بزوجها ، وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق ، لم يقبل الله منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان (1)
قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ألا ومن صبر على إمرأة سيئة الخلق ، واحتسب في ذلك الأجر، أعطاه الله ثواب الشاكرين (2)
وأن أساء مسيءُ فليكن لك في*** عروض زلته صفح وغفران
وكن على الدهر معواناً لذي أمل*** يرجو نداك فإن الحر معوان
واشدد يديك بحبل الدين معتصماً ***فإنه الركن إن خانتك أركان
دخلت إمرأة على خالد بن عبد الله القسري ، فقال لها الخالد : ما حاجتك ؟ فقالت : أصلح الله الأمير ، أناخ علينا الدهر بخرابه ، وعضنا بنابه ، فما ترك لنا صافياً ، ولا ماهنا، فكنت المنتجع ، وإليك المفزع ، فقال لها الخالد هذه حاجة لك دوننا ، فقالت : والله إن كان لي نفعها ، لك أجرها مع أن أهل الجود إن لم يجدوا من يقبل العطاء ، لم يوصفوا بالسخاء ، فقالها : أحسنت ، وأمر لها بعشرة آلاف در هم .
ص: 349
إذ المرء لم تغن العفاة صلاته*** ولم يرغم القوم العدى سطواته
ولم يرض في الدنيا صديقاً فلم يكن*** شفيعاً له في الحشر منه نجاته
فأن شاء فليهلك وأن شاء فليعش*** فسيان عندي موتُهُ وحياته
لما نعي الفرزدق إلى جرير ، بكى بكاء شديداً ، فقيل له : أتبكي رجلاً تهجوه ويهجوك من أربعين سنة ، قال : إليكم عني فوالله ما تساب رجلان ، ولا تناطح (أصابه بقرنه) كبشان ، فمات أحدهما إلا تبعه آخر عن قريب ثم عاش أربعين يوماً ثم مات .
قيل أن رجلاً من الظلمة المترفين جلس يوماً من الأيام ، موضعاً من داره وعنده جماعة ، فظهر منه ظلم أسرف فيه ، ثم لم تطل أيّامه حتّى هلك فجلس الرجل الذي ضربه مكانه ، وشرع في مثل ظلمه ، فقال له من حضره ممن حضر مجلس الذي كان قبله شعر :
في مثل ذاك اليوم من هذا المكان على*** هذا المكان تدلى (1)الشرّ فاصطلما(2) ثم تلا (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف وضربنا لكم الأمثال(3) )( فانكسر الظالم ، وقصر عن ظلمه .
ص: 350
وما البغي إلاّ على أهله*** وما النّاس إلاّ كهذي الشجر
ترى الغصن في عنفوان الشبا ***ب يهتز في بهجات خضر
زماناً من الدّهرِ ثم التوى ***فعاد الی صفرة فانکسر
الكلبي عن أبيه ، قال : خرج كسرى في بعض أيّامه للصيد ، فعن له صيد (اعتراض الصيد) فتبعه، فانقطع عن أصحابه ، فرفع له كوخ فقصده ، فإذا عجوز بباب الكوخ جالسة ، فقال لها أنزل ؟ قالت : إنزل ، قال : فنزل ودخل الكوخ ، فإذا ابنة العجوز قد جاءت ، ومعها بقرة ، فأدخلتها الكوخ ، فقامت العجوز إلى البقرة ، فحلبتها لبناً خالصاً وكسرى ينظر ، فقال في قلبه : ينبغي أن تجعل على كل بقرة أتاوة (الخراج) فهذا حلاب كثير ، فلما مضى من الليل شطرة ، قالت العجوز : يا فلانة قومي إلى البقرة فأحلبيها ، فقامت إلى البقرة ، فوجدتها حائلا فنادت أمها ، يا أما ، قد والله أضمرملك شرا ، وما زاك ، قالت : لأنّ هذه البقرة حلائل وما تدر بقطرة ، فقالت لها أمها : أمكثي فإن عليك ليلا ، فقال كسرى في نفسه : من أين لها أني أضمرت في نفسي الشر؟ أما أنيّ لا أفعل ذلك ، قال : فمكث قليلا ثم نادتها ، يا بنية قومي إحلبي البقرة ، فقامت إليها ، فوجدتها حافلا ، فنادت يا أماه قد والله ذهب ما في قلب الملك الشر ، فهذه البقرة حافلا ، فاحتلبتها ، فأقبل الصبح ، وتتبع الرجال کسرى وأثره حتى أتوه ، فركب وأمر بحمل العجوز ، وابنتها إليه فحملتا ، فأحسن إليهما ، وقال : كيف علمت أنّ الملك قد أضمر شراً ، وأن الشرّ الذي أضمره قد عدل عنه ، قالت : العجوز أنا بهذا المكان من كذا وكذا ،
ص: 351
ما عمل فينا بعدل ، إلا أخضبت بلادنا ، واتسع عيشنا ، وما عمل فينا بجور ، إلا ضاق عيشنا ، وانقطعت مواد النفع عنّا .
والشرّ كالنّار تبدو حين تقدمُه ***شرارة فإذا بادرته حمدا
فإن توانيت عن إطفائه كسلاً ***أرى القبائل تشوي القلب والكبدا
فلو تجمع أهل الأرض كلّهم*** لما أفادوك في إخمادها أبدا
قال الأصمعي : كنت عند الرشيد يوماً فرفع (اي قدم) إليه قاض كان قد استقضاه ، يقال له عافية : فأمر بأحضاره ، فأحضر وكان في المجلس كثير فجعل الرشيد يخاطبه ويوقفه على مارفع به ، وطال المجلس ، ثم إنّ أمير المؤمنين عطس ، فسمته من كان حاضراً سواه ، فإنه لم يسمته ، فقال له : لم لا تسمتني؟ كما فعل القوم ، فقال له عافيه : لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله عز وجل ، فلذلك لم اسمتك ، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) عطس عنده رجلان ، ، فسمت أحدهما ولم تسمت الآخر ، فقال : يا رسول الله ما بالك سمت ذاك ولم تسمتني ؟ فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : إن هذا حمد الله تعالى فسمتناه ، وأنت لم تحمد الله تعالى فلم أسمتك ، فقال له الرشيد إرجع إلى عملك أنت لا تسامح في عطسة تسامح في غيرها ، وصرفه مصرفاً جميلا. (1)
لخلطة
قيل كان الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح موصوفاً بالدين ، والعلم والفضل ، والعفاف ، والعقل ، حكى أنّه في بعض أيام وزارته أراد
ص: 352
النزول في صيارة له (حظيرة للدواب)فاجتمع قوم يسألونه توقيعا (الأمضاء) ، فقال : إلى أن أرجع ، فقالوا : ومن لنا بأن ترجع ، فبكى ، وقال : نبّهتموني ، واستدعى دواة ووقع لهم قائماً ، ثم حكى لأصحابه ، إنّ رجلا متظلماً أمسك عمر بن عبد العزيز في طريقه ، فقال له : ويحك ما رثيت (رحمة) لي من طول وقوفي ولم تمهلني إلى وقت آخر ، فقال : يا أميرا المؤمنين إنّ الخير سريع الذهاب وخشيت أن تفوتني بنفسك ، فبكى حتى أخضبت لحيته بالدموع وقضى حاجته .
نروح ونغدوا لحاجاتنا ***وحاجة من عاش لا تنقضي
ويسلبه الموت أثوابه ***ويمنعه الموتُ مايشتهي
تموت مع المرء حاجاته ***وتبقى له حاجة مابقي
إقض الحوائج ما استطعت ***وكن لهّم أخيك فارج
فالخير أيام الفتى ***يوم قضى فيه الحوائج
قال علي أمير المؤمنين (علیه السلام) : أعجب ما في الانسان قلبه ، وله مواد من الحكمة واضداد من خلافها ، فإن سخ له الرجاء ، أذلّه الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه البأس، قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب إشتدّ به الغيظ ، وإن سعده بالرّضا، نسى التّحفظ ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع الأمن استلبته العزّة ، وأن جدّد له النعمة أخذته العزّة وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن استفاد مالاً ، أطغاه وإن عضته الفاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجزع ، قعد به
ص: 353
الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظته بطنه ، فكل تقصیر به مضر ، وكل أفراط به مفسد(1).
تصف الدواء لذي السقام وذى الطني(2)***كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تلقح بالرشاد قلوبنا ***وصفاً وأنت من الرّشاد عديم
فأبدأ بنفسك فإنهما من غيّها ***فإن انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك ينفع ما تقول وتهتدي ***بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ***عار عليك إذا فعلت عظيم
من كتاب ربيع الأبرار ، قال : مرّ موسى (علیه السلام) على قرية من قرى بني إسرائيل ، فنظر إلى أغنيائهم قد لبسوا المسوح ، وجعلوا التراب على رؤوسهم ، وهم قيام على أرجلهم تجري دموعهم على خدودهم ، فيكى رحمة لهم ، فقال : إلهي هؤلاء بنو إسرائيل حنوا إليك الحمام ، وعووا عوى الذئاب، ونبحوا نباح الكلاب ، فأوحى الله إليه ، ولم ذلك ، لأن خزانتي قد نفدت ، أم لأن يدي قد قلت ، أم لست أرحم الراحمين ، ولكن أعلمهم إنيّ عليم بذات الصدور ، يدعونني وقلوبهم غايبة عني مايلة إلى الدنيا
ص: 354
أيّها الرافع البناء رويداً ***لن تذود المنون عنك المباني
إنّ هذا البناء يبقى وتفنى ***كل شيء أبقى من الانسان
إعلم إنّ بدن الانسان ، بمنزلة مدينة كبيرة ، لها حصن منيع هو القلب ، بل هو العالم الصغير من جهة ، والعالم كبير من جهة أخرى ، والله سبحانه هو سلطان القلب ومدبره ، بل القلب عرشه ، وحصنه بالعقل والملائكة ، ونوره بأنوار الملكوتيه، واستقدمه القوي الظاهرة والباطنة والجوارح والأعضاء الكثيرة ، ولهذا الحصن أعداء كثيرة ، من النفس الأمارة ، والشياطين الغدّارة وأصناف الشهوات النفسانية ، والشبهات الشيطانية ، فإذا مال العبد بتأييده سبحان إلى عالم الملكوت ، وصفى قلبه بالطاعات والرياضات عن شوك الشكوك والشبهات ، وقذارة الميل الى الشهوات، إستولى عليه حبّه تعالى ومنعه عن حب غيره ، فصارت القوى والمشاعر ، وجميع آلات البدنية مطيعة للحق منقادة له ، ولا تأتي شيئاً منها بما ينافي رضاه ، وإذا غلبت عليه الشقوة ، وسقط في مهاوي الطبيعة استولى الشيطان على قلبه وجعل مستقر ملكه ، ونفرت عنه الملائكة وأطت به الشيطان ، وصارت أعماله كلّها في الدنيا ، وإرادته كلها للهوى ، فيدّعي أنه يحبّ الله ، وقد نسى الرّحمن ، وهو يعبد النفس والشيطان ، فظهر أنه لا يجتمع حب الله وحب الدنيا ، ومتابعة الله ومتابعة الهوى في قلب واحد ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .اقال الأمام أبو محمد العسكري (علیه السلام) : إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا إنفرت فودّعوها (1).
ص: 355
من غلبت شهوتُهُ عقلَهَ ***بعد إنتشار الشيب في لته
نظر أقصر من أقصر من أنفه ***ورأسه أخَفُ من مقلتيه
شعر للأبيوردي :
إذا قل عقل المرء قلت همومه ***ومن لم يكن ذا مقلة كيف يرمد
جاء رجل إلى علي بن الحسين (علیه السلام) يشكو إليه حاله ، فقال : مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحده منهن ، ولو أعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا (فأما المصيبة الأولى )، فاليوم الذي ينقص من عمره ، قال : وإن ناله نقصان في ماله إغتم به ، والدرهم يخلف عنه ، والعمر لا يرده شيء ، (والثانية) إنه يستوفي رزقه ، فإن كان حلالاً حوسب عليه وإن كان حراماً عوقب ، (والثالثة) أعظم من ذلك ، قيل وما هي قال : ما من يوم يمسى إلا وقد دنى من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنّة أم على النار ، وقال : أكبر مايكون ابن آدم اليوم الذي تَلُدٍ أمه قالت الحكماء ، ما سبقه إلى هذا أحد(1) .
لا تغفرن بما أوليت من نعم ***على سواك وخف من كسر جبار
فأنت في الأصل بالفخار مشتبه ***ما أسرع الكسر في الدنيا لفخّار
ص: 356
عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً وإن صام وصلّى ، وزعم أنه مسلم 1 - من إذا إئتمن خان . 2 - إذا حدث كذب ، 3 - إذا وعد أخلف .
بيان إعلم أنه كما يطلق المؤمن ، والمسلم على معان ، فكذلك يطلق المنافق على معان منها أن يظهر الاسلام، ويبطن الكفر ، وهو المعني المشهور ، ومنها الرياء ومنها أن يظهر الحب ، ويكون في الباطن عدواً ، أو يظهر الصلاح ، ويكون في الباطن فاسقاً ، وقد يطلق على من يدعى الايمان ، لم يعمل بمقتضاه ، ولم يتعصف بالصّفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها ، فكان باطنه مخالفاً لظاهره .
طباعُ الورى فيها النّفاقُ فأقْصِهم ***وحيداً ولا تصحب خليلاً تنافقه
وما تحسن الأيام أن ترزق الفتى ***وإن كان ذا حظ صديقاً يوافقه
يضاحِكَ خِل خله وضميره ***عبوس، وضاع الوُذُ لولا مرافقه
من خطبة الأمير المؤمنين (علیه السلام) في نهج البلاغة يصف فيها المنافقون ، وفيها ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحذركم أهل النّفاق ، فإنّهم الظالمون المضلّون ، والزّالون المزلون يتلوّنون ألواناً ، ويفتنون أفتاناً ، ويعمدونكم بلا عماد ويرصدونكم بكل مرصاد ، قلوبهم دوية (مريضة) وصفاحهم (وجوههم) نقيّة ، إلى قوله (علیه السلام) : قد أعدوا لكلّ حقٌّ باطلا ولكلّ قائم مائلا ، ولكلّ حيّ قاتلاً ، ولكلّ باب مفتاحاً ، ولكلّ ليل
ص: 357
مصباحاً ، إلى قوله (علیه السلام) : فهم لمة (الجماعة) الشيطان وحمة ( لهيب) النيران ، (أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون ) (1)
خلّ النفاق لأهله ***وعليك فالتمس الطريقا
وارغب بنفسك أن ترى إلا عدوّاً أو صديقا
إذ كنت في أمر فكن فيه محسناً ***فعما قليل أنت ماض تارکه
فكم دحَّتِ الأيام أرباب دولةٍ ***وقد ملكت أضعاف ما أنت مالكه
في مجموعة الورام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : السخاء شجرة في الجنّة فمن كان سخيّاً أخذ بغصن من أغصانها ، فلم يتركه ذلك الغصن حتى يدخله الجنّة ، والشح شجرة في النار من كان شحيحاً أخذ بغصن من أغصانها حتى يدخله النار (2)
باني العلا والمجد والأحسان ***والفضل والمعروفِ أكرم بان
ليس البناء مشيداً لك شيّده *** مثل البناء يشاد بالأحسان
ص: 358
ألبرّ أكرم ماحوته حقيبة ***والشّكر أكرم ماحوته يدان
وإذا الكريمُ مضى وَوَلّى عمره*** كفل الثناء له بعمر ثان
قال(علیه السلام):أتجافوا عن ذنب السخي ، فإنّ الله أخذ بيده كلما عثر وفاتح له كلما إفتقر(1)
في مجموعة الورام ، قال ابن مسعود : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : الرزق إلى مطعم الطعام أسرع من السكين إلى ذروة البعير ، وإن الله تعالى يباهي بمطعم الطعام الملائكة ، وقال : إن السّخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنّة ، بعيد من النار ، وإن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ؟ (2)
زيادة المرء في دنياه نقصان ***وربحه غير محض الخير خسران
أحسن إلى الناس تستعيد قلوبهم ***فطالما استعبَدَ الانسان إحسان
من جاد بالمال مالَ الناسُ قاطبة ***إليه والمال للأنسان فتّان
أحسن إذا كان إمكان ومقدرةفتان فلن يَدُومَ على الانسان إمكان
حيّاك من لم تكن ترجو تحيّتهفتان لولا لولا الدراهم ما حيّاك إنسان
ص: 359
في اثنى عشرية : حكى ، إن رجلاً جلس يوماً يأكل هو وزوجته ، وبين يديهما دجاجة مشويّه ، فوقف السائل ببابه فخرج إليه فانتهره ، فاتفق بعد ذلك إن الرجل إفتقر ، وزالت نعمته ، وطلق زوجته ، فتزوّجت بعد برجل ، فجلس في بعض الأيام يأكل معها ، وبين يديهما دجاجة مشوية، واذا بسائل يطرق الباب ، فقال الرجل لزوجته : إدفعي له هذه الدجاجة ، فخرجت بها إليه ، فإذا هو زوجها الأول فدفعت إليه الدجاجة ورجعت وهي باكية ، فسألها عن بكائها فأخبرته إن السائل كان زوجها ، وذكرت له قصتها ذلك السائل الذي إنتهره زوجها ، فقال : والله إني ذلك السائل الذي إنتهره .
وأحسن وجه في الورى وجهُ محسن ***وأيمن كفّ فيهمُ كفُّ منعم
وأشرفهم من كان أشرفَ همَّة ***و اکثراقداما علی کلٍّ معظم
في اثني عشرية ، إن الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران (علیه السلام) إنّ رجلا صفته كذا وكذا فاقتله، فطلبه موسی (علیه السلام) ثلاثين سنة فلم يجده ، فأوحى الله تعالى أنه في مكان كذا وكذا فاقتله ، فسار إليه فوجده نائما ، فلما أحسّ بموسى قام فزعاً ، فسقط في حجره رغيف ، فقال له : إني طلبتك منذ ثلاثين سنة فلم أظفر بك؟ فقال الرجل : كيف تظفرني؟ وأنا أتصدق كل يوم برغيف ، واليوم غلبتني النوّم ، فلم أتصدق بالرغيف فلذلك سلطك الله عليّ.
ص: 360
یا محسنون جزاكم المولى بما ***يرجو على مسعاكم المحمودِ
کم ردّ فضلكم الحياة لمائت ***جوعاً وكم أبقى على مولودِ
كم يسر النوم الهنيء لساهر*** شاك ولطف من أسى مكمودِ
كم صان عرضاً طاهراً من ريبة ***ونفى أذى من عاثر منكودِ
روى عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أنّه سأل إبليس عن الصّدقة؟ فقال له : يا ملعون لم تمنع الصدقة ؟ قال يا محمد (صلّی الله علیه وآله وسلم) : كأنّ المنشار يوضع على رأسي ، وينشر كما ينشر الخشب ، فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : لماذا ؟ قال : لأن في الصدقة خمس خصال 1 - يزيد في الأموال . 2 - شفاء للمريض. 3 - تدفع البلاء 4 - يمرون على الصراط كالبرق الخاطف 5 - يدخلون الجنة بغير . حساب ، ولا عذاب .
فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) : زادك الله عذاباً فوق العذاب.
حلقت لحية موسى باسمه ***ويهرون إذا ما قلبا
حلقت لحیة موی باسمه*** ویهرون اذاا ما قلبا
أخذت من كل شيء أحسن مافيه ، وحتى الكلب ،والهرة والخنزير ، والغراب ، قيل له : ما أخذت من الكلب؟ قال : ألفة لأهله وذَبّه عن صاحبه ، قيل : فما أخذت من الغراب؟ قال : شدّة حذره ، قيل : فمن الجنزير؟ قال : بكوره في حوائجه ، فمن الهرة ؟ حسن نغمتها وتملقها لأهلها عند المسألة .
ص: 361
سدّ الحبيب ولجّ في هجراني*** وجنى عليّ فقال أنت الجاني
من ذا يكذبني وشهودي خمسة ***وشهود كل قضية إثناني
خفقان قلبي وارتعاش مفاصلي*** ونحول جسمي وانعقاد لساني
والدمع خامس شاهد أشهدته*** يوم الرحيل بساحة النعماني
مالذة أكمل في طيبها ***من قبلة في أثرها عضّة
وقال تبقى قبلة على عجل*** قلت أجل ثم أجل ثم أجل
في كتاب سلافة العصر ، ص 360 ذكر هذا الحديث ، رواه أبو الحسن المسعودي في كتاب أخبار الزمان ، وقال : إن الله تعالى أوحى إلى ابراهيم (علیه السلام) : إنّك لما سلّمت مالك للضيفان ، وولدك للقربان ، ونفسك للنيران ، وقلبك للرحمن ، إتخذناك خليلا.
لا تكرهوا البرغوث إن إسمه ***برُّ، وغوث ، إذبه تدرى ؟
فبّره مصّ دم فاسدٍ ***وغوثه الأيقاظ للمفجر
ليل البراغيث ليل لا رقاد له*** لا بارك الله في ليل البراغيث
ص: 362
كأنّهنّ وجلدى إذ خلون به ***قضاة سوء على مال المواريث
قد تبرأت من الجبتين تيم وعدي*** ومن الشُّح العتلّ المستحل الأموي
أنا لا أرضي إماماً غير رهن بالغرى ***وثمان بعد شبليه ومكتوم خفى
جاؤا برجل متّهم بجرم عادي عند ظالم من الظّلام ، وكان الظالم مشغول بزيارة (عاشوراء) سألوه ماذا نفعل ؟ فأشار بيده أقتلوه .
فقد بلينا بأمير ذكر الله وسبّخ ***فهو كالجزار فيهم يذكر الله ويذبح
في كتاب للفلسفي (كودك) قال علي (علیه السلام) إن للجسم ستة أحوال الصحة ، والمرض ، والموت ، والحيوة ، والنوم ، واليقظة .يتعالي وكذلك الروح ، فحيوتها علمها ، والموت جهلها ، ومرضها شكّها وصحّتها يقينها، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها .
هلك من ليس له حكيم يرشده ***وذلّ من ليس له سفيه يعاضده
(1265) أول يوم من شهر رمضان :
في كتاب نزهة المجالس لعبد الرحّمن الشافعي في أعمال شهر رمضان ، يذكر عن كتاب عجائب المخلوقات ، فالجعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : يوم الخامس من رمضان . الماضي أول رمضان الآتي .
ص: 363
في كتاب المنتخب للطريحي ، قال : في خطب سيّد العرب ، رابع الرجب من الأسبوع يوم نحركم ويوم صومكم.
يا من يرى مدَّ البعوض جناحها ***في ظلمة الليل البهيم الأليل
ویری عروق نباطها في نحرها ***والمُخّ في تلك العظام النّحل
أقبّل أرضاً سار فيها جمالها ***فكيف بدار حلّ فيها جمالها
وكنت لا أرضى بوصل مقطع ***فها أنا راض لو أتاني خيالها
أتدري؟ لماذا يصبح الديك صائحاً ***يردَّد لحن النوح في غرّة الفجر
ينادي لقد مرّت من العمر ليلة ***وها أنت لم تشعرُ بذاك ولاتدري
قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : يا علي تريد ستمائة ألف شاة ، أو ستمائة ألف كلمة ، قال علي (علیه السلام) : ستمائة ألف كلمة ، قال (صلّی الله علیه وآله وسلم) : أجمع لك في ست كلمات .
1 - إذا رأيت الناس يشتغلون بالفضائل ، فاشتغل أنت بأتمام الفرائض
2 - إذا رأيت الناس يشتغلون بعمل الدنيا ، فاشتغل أنت بعمل الآخرة
3 - إذا رأيت الناس يشتغلون بتزيين الدنيا ، فاشتغل أنت بتزيين الآخرة
4 - إذا رأيت الناس يشتغلون بعيوب الناس، فاشتغل أنت بعيوب نفسك
ص: 364
5- إذا رأيت الناس يشتغلون بكثرة العمل ، فاستغل أنت بصفوة العمل .
6 - إذا رأيت الناس يتوسلون بالخلق ، فتوسل أنت بالخالق (1)
خذوا بدمي هذا الغزال فإنه ***رماني بسهمي مقلتيه على عمدٍ
ولا تقتلوه إننی أنا عبده ***وفي مذهبي لا يقتل الحرُّ بالعبد
مسألة الدور جرت*** بيني وبين من أحب
لولا مشيبي ماجفى ***لولا جفاه لم أُشب
سأل هارون الرشيد من البهلول كيف ترى آخر أمري ؟ فقال له :
ينكشف حالك من هذه الآية (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم)(2)فقال : فكيف قرابتي من رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ؟ فقال : يبينه هذه الآية (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون(3) قال : أين الشفاعة حين ذاك ؟ قال اسمع ما قاله الله تعالى : (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)(4) فبكى هارون وقال : هل يخلصني عملي ذلك اليوم ؟ فقال بهلول : يقول الله تعالى( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال
ص: 365
ذرة شراً يره) (1)قال هارون : قررت لك المؤنة في كل يوم ، فقال بهلول من خلقني لا ينساني .
إذا ما رمت طيب العيش فانظر ***إلى من بات أسوأ منك حالاً
وأخفض رتبة وأقلّ قدراً ***وأنكد عيشةً وأقل مالاً
بينا الفتى رائع في الأمن إذ برزت*** أهلةً بالمنايا ذات أظفار
كأنّ كل هلال في مطالعه ***قوس يطالب أرواحاً بأوتار
الفصول المهمة عن الحسن بن علي (علیه السلام) قال : هلاك المرء في ثلاث : الكبر ، والحرص ، والحسد ، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس والحرص عدوّ النفس ، وبه خرج آدم من الجنة ، والحسد رائد السوء ، ومنه قتل قابيل هابیل (2)
من أسرار الحكماء لياقوت المستعصمي ، قال الحسين (علیه السلام) : لا تتكلف ما لا تطيق ولا تتعرض لما لا تدرك ، ولا تعتد بما لا تقدر عليه ولا تنفق إلاّ بقدر ما تستفيد ، ولا تطلب من الجزاء إلاّ بقدر ما صنعت ، ولا تفرح إلاّ بما نلت من طاعة الله ، ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك له أهلاً .
ص: 366
روى ابن كثير في البداية والنهاية عن إسحاق بن إبراهيم ، قال : بلغني أن الحسين (علیه السلام) زار مقابر الشهداء بالبقيع ، فقال : ملك ناديت سكّان القبور فأسكتوا ***فأجابني من صمتهم ترب الجثا
قالت : أتدري ما صنعت بساكني ***مزقت لحمهم وخرّقت الكسا
وحشيت أعينهم تراباً بعدما ***كانت تأذى بالقليل من الغذا
أما العظام فإنني مزقتها ***حتى تباينت المفاصل والشوى
قطعت ذا من ومن هذا كذا *** فتركتها مما يطول بها البلى
روي أن أمير المؤمنين (علیه السلام) خرج ذات ليلة من المسجد ، وكانت ليلة قمراء ، فأتى الجبانة ، ولحقه جماعة يقفون أثره ، فوقف عليهم ثم قال : من أنتم ؟ قالوا : شيعتك يا أمير المؤمنين ، فتفرس في وجوههم ثم قال : فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة . قالوا : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ فقال : صفر الوجوه من السحر ، عمش العيون من البكاء ، حدب الظهور من القيام ، خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، عليهم غيرة الخاشعين (1).
عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : لا تسم الرجل صديقاً سمه معرفة حتى تختبره بثلاث ، تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحق الى الباطل ، وعندالدينار والدرهم ، وحتى تسافر معه (2)
ص: 367
في جوهر المطالب عن الأعمش :
كلما زيد صاحب المال مالاً *** زيد في همه وفي الاشتغال
قد عرفناك يا منغصة العيش *** ویا دار كل فان وبالي
ليس يصفو لزاهد طلب الزهد*** إذا كان مثقلاً بالعيال
إصبر على ما تكره فيما يلزمك الحق ، واصبر عما تحب فيما يدعوك اليه الهوى(1)
قال الإمام الحسين (علیه السلام) : شكر لنعمة سالفه يقتضى نعمة مستأنفة وقال (علیه السلام) : لولا ثلاثة ، ما وضع ابن آدم رأسه لشيء : الفقر والمرض ، والموت .
وقال (علیه السلام): الأمين آمن، والبريء جريء ، والخائن خائف ، والمسيء مستوحش ، إذا وردت على العاقل لمة قمع الحزن بالحزم ، وقرع العقل للاحتيال .
وقال (علیه السلام) : لا تصفن لملك دواء ، فإنه إن نفعه لم يحمدك ، وإن ضره اتهمك(2).
وقال (علیه السلام) : مالك إن لم يكن لك كنت له ، فلا تبق عليه فإنه لا يبقي عليك ، وكُله قبل أن يأكلك .
ص: 368
وقال (علیه السلام) : ذر الله العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارب زيادة في العقل والشرف ، التقوى والقنوع راحة الأبدان ، من أحبّك نهاك ، ومن أبغضك أغراك(1)
قال وفي قلبه حريق ***مازلت أعدو وراء شطري
فقلت بعد الرباط جرُّ***فخذ له صاح كلّ حذر
سرور شهر ، وغمّ دهر ***وعزم مهر ودق ظهر
قال علي بن الحسين (علیه السلام) : خف الله جل ذكره لقدرته عليك واستحى منه لقربه منك (2).
وقال (علیه السلام) : شهادة أن لا إله إلا الله الفطرة ، وصلاة الفريضة هي الملة ، وطاعة الله العصمة (3) .
وقال (علیه السلام) : ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه (4).
قال علي بن الحسين (علیه السلام) : اشحنوا قلوبكم بالخوف من الله تعالى فإن تسخطوا شيئاً من صنع الله تعالى بكم ، فاسألوا ما شئتم
ص: 369
قال الإمام الباقر (علیه السلام) قال الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) : يا بني إن الله خبأ ثلاثة في ثلاثة خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعل رضاه فيه . وخبأ سخطه في معصيته ، فلا تحقرن من المصيبة شيئاً فلعل سخطه فيه . وخباً أوليائه في خلقه، فلا تحقرن أحداً فلعل ذلك الولي (1) وقال (علیه السلام) لبعض شيعته : إنا لا نفني عنكم والله شيئا إلا بالورع وإن ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل ، وإن أشد الناس يوم القيامة ، من وصف عدلاً وأتى جوراً .
وقال (علیه السلام) : إعرف الخير لتعمل به ، واعرف الشر لئلا تقع فيه .
كيف ترجو أن تكون سعيداً ***وأرى فعلك فعل شقي
فاسأل الرحمة ربّاً عظيماً ***وسعت رحمته كل شيء
قال علي بن الحسين (علیه السلام) : إن طبايع الناس كلّها مركبة على الشهوة والرغبة ، والحرص ، والرهبة ، والغضب ، واللذة ، إلا أن في الناس من قد ضم هذه الخلال بالتقوى ، والحياء والأنف ، فإذا دعتك نفسك إلى كبيرة من الأمر ، فارم ببصرك السماء ، فإن لم تخف ممن فيها فانظر إلى من في الأرض ، لعلك أن تستحي ممن فيها ، فإن كنت لا ممن في السماء تخاف ولا ممن في الأرض تستحي ، فعد نفسك في البهائم .
ص: 370
من كان مفقود الحياء فوجهه*** من غير بواب له بواب
إذا حرم المرء الحياء فإنّه ***بكل قبيح كان منه جدير
فرَّج الفتى ما دام يحيا فإنّه*** إلى خير حالات المنيب يصير
أيها المؤمن إن الله تبارك وتعالى فرض عليك في كلّ سنة صيام شهر رمضان المبارك ، فقم بهذا الفرض بإيمان ثابت ، وعزيمة قويّة ، وإخلاص
لا يشوبه رياء ، ففي ذلك مرضاة لربّك ، وغفران لذنبك، وراحة لنفسك وحفظ لصحتك ، وذخراً لك في آخرتك .
في مناقب إبن شهر آشوب ، وإحتجاج الطبرسي : لقي عباد البصري علي بن الحسين (علیه السلام) في طريق المكّه ، وقال : يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته ، وأقبلت على الحج ولينه ، إن الله عزّ وجل يقول : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فيقتلون ويقتلون) الى قوله (وبشر المؤمنين) فقال علي بن الحسين (علیه السلام) : إذا رأينا هؤلاء الذين وصفتهم ، فالجهاد أفضل :
قال علي بن الحسين (علیه السلام) لبعض بنيه : يا بني انظر خمساً فلا تصاحبهم ، ولا تحادثهم ، ولا ترافقهم في طريق ، فقال : يا أبت من هم ؟ قال (علیه السلام) :
ص: 371
1 - إيّاك ومصاحبة الكذاب فإنّه بمنزلة السراب يقرب إليك البعيد ،ويبّعد لك القريب .
2 - إيّاك ومصاحبة الفاسق ، فإنّه بائعك بأكلة أو أقل من ذلک.
3 - إياك ومصاحبة البخيل ، فإنّه يخذلك في ماله حين أحوج ما تكون اليه .
4 - إيّاك ومصاحبة الأحمق ، فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك
5 - إيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّه وجدته ملعوناً في كتاب الله ) . (1)
وفي كتاب حلية الأولياء وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع) وفي كتاب الكافي ج 2 ص 277 ط بيروت يقول : (فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاث مواضع . قال الله عز وجل :
1 - فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم .
2 - الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار .
3 - الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدن في الأرض أولئك هم الخاسرون .
روى الشيخ في الأمالي بسندة قيل لعلي بن الحسين (علیه السلام) كيف أصبحت يا بن رسول الله ؟ قال : أصبحت مطلوباً بثمان : 1 - الله تعالى يطلبني 2 - والنبي بالسنة . 3- والعيال بالقوت : 4 - والنفس
ص: 372
بالشهوة . 5 - والشيطان باتّباعه . 6 - والحافظان بصدق العمل 7 - و ملك الموت بالروح . 8 - والقبر بالجسد ، فأنا بين هذه الخصال مطلوب
في كشف الغمة عن الآبي في كتاب نثر الدرر : إنّه قال : روي أنّ عبد الله بن معمر الليثي ، أنك تفتي في المتعة ، قال لأبي جعفر (علیه السلام) : بلغني فقال : أحلّها الله في كتابه ، وسنّها رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، وعمل بها أصحابه ، فقال عبد الله فقد نهى عنها عمر ، قال : فأنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) ، قال عبد الله : فَيَسرِّك أن نسائك فعلن ذلك ؟ قال أبو جعفر (علیه السلام) : وما ذكر النساء ، يا أنوك (الأحمق) إنّ الذي أحلّها في كتابه ، وأباحها لعباده أغير منك وتمن نهى عنها تكلّفاً ، بل ويسرّك أن بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحاً ، قال : لا . قال: فلم تحرم ما أحل الله ؟ قال : لا أحرّم ، ولكن الحائك ما هو لي بكفو ، قال : فإن الله إرتضى عمله ورغب فيه ، وزوّجه حوراً ، أفترغب عمن رغب الله فيه ، وتستنكف ممن هو كفو لحور الجنان كبراً وعتواً فضحك عبد الله وقال : أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم فصار لكم ثمرة ، وللناس ورقة(2)
في أنوار الربيع:
عجبت من معجب بصورته ***وكان من قبل نطفة مذرة
وفي غدٍ بعد خسف صورته*** يصير في القبر جيفة قذرة
هو على عجبه ونخوته*** ما بين جنبيه يحمل القذرة
ص: 373
قال أبو جعفر الباقر (علیه السلام) : إيّاك والكسل والضجر ، فإنّهما مفتاح كلّ شر، من كسل لم يؤد حقاً ، ومن ضجر لم يصبر على حق(1)
قال محمد الباقر (علیه السلام) : لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ، ولو يعمل المسؤول ما في المنع ما منع أحد أحداً (2)
تعصى الإله وأنت تظهر حبّه ***هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ***إنّ المحب لمن أحب مطيع
قال الصادق (علیه السلام) لسفيان الثوري : من أراد عزاً بلا عشيرة ، وغنى بلا ،مال، وهيبة بلا سلطان ، فلينتقل من ذل معصية الله إلى عزّ طاعته ، ثم أمسك فقلت يا بن بنت رسول الله زدني ، فقال : يا سفيان ، يا سفيان ، أدبني أبي بثلاث ونهاني عن ثلاث ، فأما اللواتي أدّبني بهنّ ، فإنه قال لي : يا بني ، من يصحب صاحب السوء لا يسلم ، ومن لا يقيد ألفاظه (ومن لا يملك لسانه )یندم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم ، قلت : يا بن رسول الله فما الثلاث اللواتي نهاك عنهن ؟ قال : نهاني أن أصاحب حاسد نعمة ، وشامتاً بمصيبة ، أو حامل نميمة (3)ثم أنشد:
ص: 374
عود لسانك قول الخير تحظ به ***إن اللسان لما عودت معتاد
موگل بتقاضي ماسننت له ***في الخير والشر فانظر كيف تعتاد (1)
فلا تجزع وإن أعسرت يوماً ***فقد أيسرت في زمن طويل
فلاتيأس فإن اليأس كفر***لعل الله يغني من قلیل
ولا تظنن بربك ظن سوءِ***فإن الله أولى بالجميل
روي عن الكاظم (علیه السلام) في تحف العقول : إنّ الله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن إقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة ، وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق(2)
في مناقب ابن شهر آشوب عن موسى بن جعفر (علیه السلام) : قال : دخلت المكتب ، ومعي لوحي ، فأجلسني أبي بين يديه ، وقال : يا بني اكتب :
تنح عن القبيح ولا ترده*** ثم قال : أجز فقلت :ومن أوليته حسناً فزده ثم قال :
ستلقى من عدوّك كل كيد فقلت :
العدو فلا تکده تمت
ص: 375
مولاي يا باب الحوائج إنّني*** بك لائذ وإلى جنابك التجي
لا أرتجي أحداً سواك لحاجتي ***أحداً سواك لحاجتي لا أرتجي
قال علي بن موسى الرضا (علیه السلام) : إنّ الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة : 1 - أمر بالصلاة ، والزكاة ، فمن صلّى ، ولم يزك لم تقبل صلاته .
2- أمر بالشكر له ، وللوالدين ، فمن لم يشكر الوالدين لم يشكر الله.
3 - وأمر باتقاء الله ، وصلة الرحم ، فمن لم يصل رحمه ، لم يتق الله (1) عز وجل
قال الرضا (علیه السلام)) : لا يجمع المال إلاّ بخصال خمس : 1 - بخل شدید .2 - وأمل طويل . 3 - وحرص غالب . 4 - وقطيعة الرحم . 5 - وإيثار الدنيا على الآخرة (2) .
في الاختصاص ص 98 كتب المأمون إلى الرضا (علیه السلام) عظني فكتب إليه وفي العيون بسنده عن المغيرة سمعت أبا الحسن الرضا يقول :
ص: 376
إنّك في دنيا لها مدة ***يقبل فيها عمل العامل
أما ترى الموت محيطا بها*** يصلب فيها أمل الآمل
تعجّل الذنب بما تشتهي ***وتأمل التوبة من قابل
والموت يأتي أهله بغته ***- ما ذاك فعل الحازم العاقل (1)
نعى نفسي إلى نفسي المشيب*** وعند الشيب يتعظ اللبيب
فقد ولى الشباب إلى مداه ***فلست أرى مواضعه تؤوب
سأبكيه وأندبه طويلاً ***وأدعوه إلي عسی يجيب
وهيهات الذي قد فات منه ***تمنيني به النفس الكذوب
وراع الغانيات بياض رأسي ***ومن مد البقاءله یشیب
أرى بيض الحسان يحدن عنی***وفي هجرانهن لنا نصیب
فإن يكن الشباب مضى حبيبا ***فإن الشيب لي أيضاً حبيب
سأصحبه بتقوى الله حتى ***يفرق بيننا بيننا الأجل القريب
في تحف العقول ص 339 : قال رجل لمحمد بن علي الجواد (علیه السلام) :
یا بن رسول الله أوصني . قال : أو تقبل ؟ قال : نعم ، قال : توسد للصبر ، واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم أنّك لم تخلو من عين الله ، فانظر كيف تكون(2)
وقال (علیه السلام) : من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن فقد عبد الله ، وإن كان الناطق ينطق على لسان إبليس ، فقد عبد إبليس (3)
ص: 377
وقال (علیه السلام) : المؤمن يحتاج الى ثلاث خصال، توفيق من الله ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممن ينصحه (1)
أنشده عبد الله بن أيوب الخريبي ، ذكرنا منها موضع الشاهد :
يا بن الذبيح ويا بن أعراق الثرى*** طابت أرومته وطاب عروقا
یا بن الوصي وصي أفضل مرسل***النبي الصادق المصدوقا
مالف في خرق القوابل مثله ***أسد يلف مع الحريق حريقا
يا أيها الحبل المتين متى أعذ ***يوماً بعقوته أجده وثيقا
أنا عائذ بك في القيامة لائذ ***أبغى لديك من النجاة طريقا
لا يسبقني في شفاعتكم غدا*** أحدُ فلست بحبكم مسبوقا
يا بن الثمانية الأئمة غربوا ***وأبا الثلاثة شرقوا تشريقا
إنّ المشارق والمغارب أنتم ***جاء الكتاب بذلكم تصديقا
قال المسعودي في مروج الذهب : سُعي الى المتوكل بعلي بن محمد الجواد(علیه السلام) أنّ في منزله كتاباً وصلاحاً من شيعته من أهل قم ، وإنه عازم - الوثوب بالدولة ، فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهجموا داره ليلا ، فلم يجدوا فيها ، ووجدوه في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وفي رواية من شعر ، وهو جالس على الرّمل والحصا ، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن ، وفي رواية يصلي ، وهو يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فحمل على حاله تلك إلى المتوكل ، وقالوا له : إنه لم نجد
ص: 378
في بيته شيئاً ، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة ، وكان المتوكل في مجلس الشرب ، فدخل عليه ، والكأس في يد المتوكل ، فلما رآه هابه ، وعظمه وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده ، فقال (علیه السلام) : والله ما يخامر لحمي ودمي قط فاعفني فأعفاه ، فقال : أنشدني شعراً ، فقال : إني قليل الرواية للشعر ، فقال : لابد ، فأنشد عليه السلام وهو جالس عنده :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ***غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
فاستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم *** وأسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا ***أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة ***من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفح القبر عنهم حين ساءلهم*** تلك الوجوه عليه الدود ينتقل
قد طال ما أكلوا دهراً وقد شربوا*** فأصبح اليوم بعد الأكل قد أكلوا
وطالما عمروا دوراً لتسكنهم*** ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا ***ففرّقوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قهراً معطّلة ***وساكنوها إلى الأجداث قد نزلوا
قال : فبكى المتوكل حتى بلت دموع بلت دموع عينيه لحيته وبكى الحاضرون ، ودفع الى علي (علیه السلام)أربعة آلاف دينار ثم ردّه الى منزله مكرّماً (1)
في تحف العقول ص 66 : حب الأبرار ثواب للأبرار ، وحب الفجار
ص: 379
للأبرار فضيلة للأبرار ، وبغض الفجار للأبرار زين للأبرار ، وبغض الأبرار للفجار خزي على الفجار(1).
قال الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) : بئس العبد يكون ذا وجهين ، وذا لسانين يطري أخاه شاهداً ، ويأكله غائباً ، إن أُعطي حسده ، وإن إبتلي خذله (2)
وقال (علیه السلام) : من الفواقر التي تقصم الظهر ، جار ، إن رأى حسنة أطفاها وإن رأى سيئة أفشاها .
العام وقال (علیه السلام) : جرأة الولد على والده في صغره ، تدعو إلى العقوق في کبره.(3)
وردية الخدين ياقوتية الشف ***تين نلت بوصلها أقصى الرجا
فلثمتها حتى غدا ياقوتها*** فيروزجاً والورد عاد بنفسجا
قيل إن العقيق يبطل السحر ***بتختيمه لسر حقيقي
وأرى مقلتيك تنفث سحراً ***وعلى فيك خاتم من عقيق
ما رواه الصدوق بأسناده إلى زراره ، قال : سأل أبو عبد الله النسل من آدم كيف كان ؟ وعن بدء النسل من ذرية آدم ؟ فإنّ أناساً
ص: 380
عندنا يقولون : إنّ الله أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه ، وإنّ هذا الخلق كله أصله من الأخوة والأخوات ، فمنع أبو عبد الله من ذلک وقال : نبّئت أنّ بعض البهائم تنكرت له أخته ، فلما نزى عليها ونزل ، ثم علم أنها أخته قبض على عرموله (يعني ذكره) بأسنانه حتى قطعه ، فخرّ ميتا ، وآخر تنكرت له أمه ، ففعل هذا بعينه. فكيف الانسان في فضله وعلمه غير أن جيلاً من هذه الأمة الذين يرون أنهم رغبوا عن أهل بيوتات
أبنائهم ، فأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما ترون من الضّلال (1).
وحقاً أقول : ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقوية لحجج المجوس ، أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل ؟ فقال : إنّ آدم ولد له سبعون بطناً ، فلما قتل قابيل هابيل جزع جزعاً قطعه عن إتيان النساء ، فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة سنة ، ثم وهب الله له الله له شتا وهو هبة الله ، وهو أول وصي أوصى إليه من بني آدم في الأرض ، ثم وراه بعد يافث،فلما أدركا يوم الخميس
وأراد الله أن يبلغ من نسل ما ترون أنزل الله بعد العصر في يوم حوراء من الجنة إسمها نزلة ، فأمر الله أن يزوجها من شيث ، ثم أنزل الله
بعد العصر من قد حوراء من الجنة اسمها منزلة ، فأمر الله آدم حين أدركا أن يزوج ابنه يافث من ابن شیث ، ففعل، فولد الصفوة من النبيين ، والمرسلين من نسلهما ، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوه من الأخوة والأخوات ومناكحتها والحديث طويل (2)
كشكول النائيني
ص: 381
تنافس في الدنيا غرورا وإنّما*** قصاراً غناها أن يعود إلى الفقر
وأنا لفي دنيا كركب سفينة***نظنّ وقوفاً والزمان بنا يجري
إذا حان من شمس النهار غروب***تذكّر مشتاق وحنّ حبیب
ترى عندهم علم وأشطت النوى ***بأنّ لهم قلبي عليّ رقيب
لهم كبدي دوني وقلبي ومهجتي ***ونفس التي أدعي بها فأجيب
فآية حزني لوعة وصبابة ***وعنوان شيبي زفرة ونحيب
وما بلد الانسان إلا الذي له*** به سكن يشتاقه وحبيب
إلى الله أشكو وشك بين ورفقه ***لها بين أحشاء المحب دبيب
في مناقب ابن شهر آشوب ج 4 ص 251 : دخل عمرو بن عبيد على الصادق (علیه السلام) وقرأ (إن تجتنبوا الكبائر ما تنهون عنه )وقال : أحبّ أن أعرف فقال : نعم يا عمرو ، ثم فصّلها بأن الكبائر : الشرك بالله : (إن الله لا يغفر أن يشرك به )(1)
واليأس من روح الله : (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)(2) .
عقوق الوالدين : لأنّ العاق جبار شقي ، (وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا) (3)
ص: 382
وقتل النفس : (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالد فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما )(1)
قذف المحصنات :( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )(2)
أكل مال اليتيم : (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا) (3)
الفرار من الزحف : (ومن يولّهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيّزاً الى فئة فقد باء بغضب من الله ، ومأواه جهنم وبئس المصير) (4)
أكل الربا :(الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشيطان من المس(5)
الزنا : (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) (6)
الزنا : ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما) (7)
اليمين الغموس : (إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) (8)
ص: 383
الغلول : (ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة)(1)
منع الزكاة : (والذين يكنزون الذهّب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم . يوم يحمل علیها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (2)
شهادة الزور : ( والذين لا يشهدون الزور)(3)
كتمان الشهادة : (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه)(4)
شرب الخمر : لقوله (علیه السلام) شارب خمر كعابد وثن .
ترك الصلاة : لقوله (علیه السلام) من ترك الصلاة متعمداً كعابد وثن ، فقد برىء من ذمة الله وذمة رسوله .
نقض العهد وقطيعة الرّحم : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه (5)ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) .
قول الزور : (واجتنبوا قول الزور)(6)
الجرأة على الله : (أفأمنوا مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ؟ 7.(7)
كفران النعمة : (ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)(8)
بخس الكيل والوزن : (ويل للمطففين) (9)
ص: 384
ية اللواط : (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) (1)
البدعة : لقوله علية السلام من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه (2)
ما ورد من قوله (علیه السلام) الذم ، والتهديد عليه في الكتاب والسنّة المظهرة لعدم فرق بينهما .
تمرست بالأيام حتى خبرتها ***فلم أرها ترعى لذي شرف عهدا
وقلّبت أبناء الزمان فلم أجد*** خليلا أصافيه فيصفي لي الودّا
ناولتها شبه خدّيها مشعشعة*** صرفاً كأن سناها ضوء مقباس
فقبلتها وقالت وهي ضاحكة ***وكيف تسقي خدود الناس الناس
أليس خداي ذاباً . إذ لمستها ***فاستنبطا قهوة حمراء في الكأس
قلت اشربي إنها دمعي وحمرتها ***دمي وطابخها في الكأس أنفاسي
قالت إذا كنت من حبّي بكيت دما ***فسقينها على العينين والرأس
يا ليلة بات فيها البدر معتنقي ***وباتت الشمس فيها بعض جلاسي
وبتّ مستغنياً بالثغر عن قدحي*** وبالخدود عن التّفاح والآس
أما والذي لا يملك الأمر غيره***ومن هو بالسر المكتّم أعلم
مالة لأنّ كتمان المصائب مؤلماً ***لإعلانها عندي أشدّ وأألم
ص: 385
وبي كلّما تشكو العيون أقله ***وإن كنت منه دائماً أتبسّم
وله أيضاً :
شبهتها بالبدر فاستضحكت*** وقابلت قولي بالنّكر
وسفّهت قولي وقالت متى***سمجت حتى صرت كالبدر
والبدر لا يرنو بعين كما ***أرنو ولا يبسم عن ثغر
ولا يميط المرط عن ناهد*** ولا يشدّ العقد في نحر
من قاس بالبدر صفاتي فلا ***زال أسيراً في يدي هجري
أعانقه والنّفس بعد مشوقة ***إليه وهل بعد العناق تداني ؟
وألثم فاه كي تزول حرارتي ***فيشتدّ ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ***ليرويه ما ترشِفُ الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله*** سوی أن يرى الروحان يمتزجان
لولا الدّموع وفيضهن لأحرقت ***أرض الوداع حرارة الأكباد
(1325) حكم للامام علي بن الحسين (علیه السلام) :
قال علي بن الحسين عليه السلام : من عتب على الزّمان طال معتبه (1).
وقال (علیه السلام) : ترك طلب الحوائج الى الناس هو الغنى الحاضر(2)
وقال (علیه السلام) : عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته ولا يحتمي من الذّنب لمضرته (3)
ص: 386
وقال (علیه السلام) : لكل شيء فاكهة ، وفاكهة السّمع الكلام الحسن (1).
وقال (علیه السلام) : من رمى الناس بما فيهم ، رموه بما ليس فيه (2).
وقال (علیه السلام) : الحاجة مقرونة بالجهالة والحمية موصلة بالبلية ، وسبب الرّفعة التواضع (3)
وقال (علیه السلام) : الحسود لا ينال شرفاً ، والحقود يموت كمداً ، واللئيم يأكل ماله الأعداء والذي خبث لا يخرج إلاّ نكدا(4)
وقال (علیه السلام) : خير مفاتيح الأمور الصدق ، وخير خواتيمها الوفاء .
وقال (علیه السلام): كل عين ساهرة يوم القيامة إلا ثلاث عيون ، عين سهرت في سبيل الله ، وعين غضّت عن محارم الله ، وعين فاضت من خشية الله .
قالوا فلان عالم فاضل ***فأكرموه مثل مایرتضی
فقلت لما لم يكن ذا تقى ***تعارض المانع والمقتضى
يروي العرب أن (الوباء) لقي قافلة في طريقها إلى بغداد ، فسأله شيخ القافلة : وفيم أنت مسرع إلى بغداد ؟ فقال الوباء : لأحصد خمسة
آلاف نسمة .
فلما قفل الوباء راجعاً من المدينة ، لقي القافلة مرة ثانية ، فقال الشيخ ساخطاً : إنّك خدعتني فقد حصدت خمسين ألفاً بدلا من خمسة آلاف .
ص: 387
فقال الوباء : كلا لم أحصد سوى خمسة آلاف ، أما الجزع فهو الذي قتل البقية .
المرأة المبتسمة كالغرفة الدّفئة التي تستميل الانسان حين يدخلها فيشعر برفاهيتها حتى ينسى كونه غريباً .
الرجل يطلب ثلاثة أشياء من المرأة : الفضيلة في قلبها ، والوداعة على وجهها ، والإبتسامة على ثغرها .
المرأة التي تحبّ الجلوس الى النافذة، تشبه العنقود المدلى فوق الطريق .
يا روح طيري لك الفضاء مدى ***ولي من الرمّل خير مضجع
خذي من الليل كل أنجمه*** أما دجا الليل فاتركيه معي
الخمسون شيخوخة الشباب ، ولكنّها شباب الشيخوخة .
الحب حادث في حياة الرجل ، لكنه تاريخ المرأة برمّته .
قال أعرابي ، وقد خلا بامرأة كان يتعشقها : ما زال يرنيها فلمّا غاب أرتنيه . قيل : فما كان بينكما ؟ قال : أقصى ما أحل ، وأدنى ما حرم وجل ، إشارة في غير بأس، ودنوّ في غير مساس وأنشأ يقول :
ولربّ لذة ليلة قذ نلتها ***وحرامها بحلالها مدفوع
كلمة الحب على كثرة ترديدها لا يبلى الزمان جدّتها ، ولا تنقص الأيام جمالها ، فهي تتردد في زقزقة العصفور ، وخفيف الأجنحة وأنين الأوتار ،
ص: 388
وخفقان القلوب ، بل هي همس الروح إلى الروح ومناجاة النفس الى النفس ، ولو جرد العالم منها لأصبح الكون فراغاً ، والحياة مملة ، أليس الحب نعمة من نعم الله تنشرها على قلوب المحبين .
قيل : مات ولد بعض القضاة ، فدخل عليه عارف من الثقات ، فرآه شديد الجزع مما دعاه ، فقال : أيها القاضي هداك الله ، إنّ النّاس رضوا بقضائك ، فارض أنت أيضاً بقضاء الله :
قال التنوخي : مررت في البادية بقبيلة ، فإذا بفتاة جميلة ، فقلت : ممن الفتاة الشبيهة بالغزال الناظر ؟ فقالت : الأعمام فسليم ، وأما الأخوال فعامر ، فقلت : رأيت غزالاً من سليم وعامر ، فهل لي الى هذا الغزال سبيل ، فضحكت ، وقالت:
ماذا ترجّى من غزال رأيته ***وحظك من ذاك الغزال قليل
فخجلت من جوابها وانصرفت .
قيل للمسيح : كيف أنت مع الدّنيا ؟ فقال : أنا الذي كبيت الدنيا على وجهها ، وجلست على ظهرها ، فليس لي فيها ولد يموت ،ولا بيت
يخرب .
(1335)وَفَد بعض الأدباء على الصّاحب بن عبادفوجده كاملاً في فنون العلوم ، والإنشاء والإنشاد ، فأوصله بمال جزيل ، ولما أراد الرحيل
ص: 389
قال له : زرتنا وآنستنا ، وفارقتنا فأوحشتنا ، فقال الأديب : أدام الله أنسك ، وأعزّ الله نفسك ، زرتك راجياً ، وفارقتك راضياً .
قال الصاحب يوماً لكاتبه : هل كتبت الخط الفلاني ؟ قال : لا رحمك الله . فقال الصاحب : أفضل بين لا ورحمك الله بالواو لا رحمك الله ، وفرق
بينهما فرق الله بين روحك وجسدك بالموت .
قال الزمخشري : لا تلمني إذا وقيت الأواقي ، فالأواقي الماء وجهي أواقي وكان حريص يبخل على ولده ، إذ أخذ الدرهم بيده خاطبه وناجاه ، وحيّاه ، وفداه ، وقال : بأبي أنت وأمي ، كم من أرض قطعت وكيس خرقت ، وعرض مزّقت ، وماء وجه أرقت ، وعين ساهر أرقت ، وكم من خامل رفعت ، ورفيع بمفارقتك إياه أخملت ، لك عندي أن لا تعري ، ولا تضحى ، ثم يلقيه في كيسه ، ويقول : اسكن على بركة اسم الله في مكان لا تزول عنه ، ولا تزعج فيه ، نومة العروس الى يوم البؤس .
قيل لأعرابي : ما السقم الذي لا يبرء ، والجرح الذي لا يندمل ؟ قال : احتياج الكريم إلى البخيل اللئيم .
قيل لبعض العرفاء الأخيار : إنّ ابن آدم يدري أن الدنيا ليست بدار قرار فيم يطمئن اليها وبم يعتمد عليها ؟ قال : لأنه منها خلق فهي أمه ، وفيها نشأ فهي عيشه ، ومنها رزق فهي عيشه ، وإليها يعود فهي كهفه ، وبها يأمن من عذاب الآخرة فهي مفرّه .
ص: 390
قيل أتى الكسائي بالمأمون ليعلمه النّحو ، وكان المأمون حينئذ مشغولاًمع ندمائه ، بلهوه ، وشربه ، وغنائه ، فاستأذنه الكسائي في الدّخول عليه ، فكتب في ورقة ، وأرسلها إليه :
للنحو وقت وهذا الوقت للكأس***وللندامى وشمّ وللندامى وشم الورد والآس
فارجع عن الباب يا نحوي منصرفاً ***ولا توحش بترك الراح أيناسي
فثقل ذلك على الكسائي ، وكتب في ظهر الورقة إليه :
لو كنت تعلم ما في النحو من شرف ***ألهتك لذّته عن لذّة الكأس
لو كنت تعلم من في الباب قمت له ***سحباً على الوجه بل مشياً على الرأس
فكتب اليه :
أنا مشغول بأيري اطلوا اللعد من غيري***ودعوني ودعوني عاملاً شري وخيري
كتب المنصور العباسي الى الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) لا تصحبنا ؟ ويصيبك شيء من دنيانا ، ويصيبنا شيء من آخرتك . فكتب عليه السلام في الجواب : من يصحبك لا ينصحك لا يصحبك ، ولا حاجة لنا في دنياك ، كما لا حالجة لك في أخرانا .
أصابت الشّبلي وأصحابه فاقة وعناء ، فكتب في ورقة وأرسلها الى بعض الوزراء : أرسل إلينا شيء من دنياك يكن لك ذخراً لآخرتك . فكتب الوزير على ظهر الرقعة ، سل دنياك من مولاك ، فكتب الشبلي تحته ، إنّ
ص: 391
الدنيا دنيّة لا تطلب إلاّ من الدّني ، وحطامها حقير لا يسأله إلاّ من الحقير . فبعث إليه عشرة آلاف درهم فدعى له بازدياد النعم.
الرجل هو الحيوان الوحيد الذي يمكن سلخه أكثر من مرة . عندما تبكي المرأة تتحطم مقاومة الرجل .
زواج الشاب بالشابة عقد ربّاني . وزواج الكهل بالشابة عقد بشري. وأما زواج الشاب بالكهلة فعقد شيطاني.
الزواج في نظر الرجل نهاية ، وأما في نظر المرأة فإنه بداية .
سمع الحجاج قول القبعثري في حقه ، سود الله وجهه ، وشقّ بطنه ، وقطع رأسه ، وسقاني دمه ، فاستحضره ، وقال له : ما السبب ؟ فقال : إنما أردت بذلك العنب ، فقال الحجاج : لأحطمنك على الأدهم ، قال : مثل الأمير ، يحمل على الأدهم والأشهب ، قال : هو الحديد ، قال : لئن يكن حديداً خير من أن يكون بليداً ، قال : جرَّوه ، قال : (بسم الله ويجريها ومرسيها (1))، قال: اضربوا به الأرض قال : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى)(2)، قال: احملوه على الأكتاف، فلما حملوه، قال : (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (3)) فضحك الحجاج ، وقال : لقد غلبني هذا الخبيث خلّوا سبيله.
ص: 392
سأل الخليل بن أحمد : أيّهما أفضل : العلم أم المال ؟ فقال : العلم . فقيل له : فما بال العلماء يزدحمون على أبواب الأغنياء والأغنياء لا يزدحمون على أبواب العلماء ؟ فقال : ذلك لمعرفة العلماء بحقّ الأغنياء ، وجهل الأغنياء بحقّ العلماء.
دخل السارق داراً فأطلق النار عليه ، فأصابته الطلقة في عنقه، فلما أجريت له العملية الجراحية تبين أن الإصابة شفته من داء في الغدد كان يعانيه منذ خمسين سنة .
قال حكيم : ستة خصال لا يطيقها إلا من كانت نفسه شريفة الثبات عند حدوث النّعمة الجسيمة ، والصّبر عند حدوث المصيبة العظيمة ، وجذب النفس الى الفعل عند دواعي الشهوة ، وكتمان الصدق عن الأصدقاء والأعداء ، والصبر على الجوع ، وإحتمال الجار السوء .
تزوج أعرابي أعرابيّة عجوزاً ذات مال طمعاً في مالها ، فبخلت عليه بمالها ، فملها وهجرها ، فكتبت إليه بالصلح ، فكتب إليها :
ليس بيني وبين قيس عتاب***غير طعن الكلى وضرب الرقاب
فكتبت إليه : والله ما تريد قيس غير طعن الكلى ، ولكن أين للمخنثين تلك القوة والقدرة .
ص: 393
روى بعض الثقاة أن رجلا مريضاً أجمع الأطباء على أن علاجه منحصر في الشراب ، فشربه على كره منه ، واتّفق أنه بريء من مرضه ، وبعد أعوام كثيرة عاد إليه ذلك المرض ، فقيل له : إن دواءك مجرّب فامتنع عن شربه ، وقال : استخرت الله تعالى فجاءت الآية هكذا (عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه)(1) فلم يشربه وشفاه الله تعالى .
جلس بعض الأعراب مع إمرأة ، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من المرأة ، ذكر معاده ، فاستعصم وقام عنها ، وقال : إنّ من باع جنّة عرضها السموات والأرض بمقدار فتر بين رجليك لقليل معرفة بالمساحة .
حكي أنه حضر منّجم في مجلس بعض الملوك ، وأخذ يخبر عن أحوال السموات فبلغه في المجلس أن إمرأته وجدت مع شخص يزني بها فأنشد بعض الظرفاء :
حديث المنجم عن حكمه***يحلّ لدينا محل الحدث
يخبر عن حادثات السماء ***ويجهل في بيته ما حدث
عرض محمد بن أدهم داره للبيع ، فحضر المشتري ، وتوافقوا على درهم فقال : بكم تشترون جوار سعيد بن العاص ، فقال له : الجار يباع ؟ فقال : لا يباع جار من إذا سألته أعطاك ، وإن لم تسأله
ص: 394
إبتدأك ، وإن أسأت إليه أحسن إليك ، فبلغ ذلك سعيد بن العاص ، فوجّه إليه بمائة ألف درهم ، وقال : امسك عليك دارك ، ولا ترحل عن جوارنا .
عشاقك في هواك كلا تركوا*** من أجل رضاك أنفقوا ما ملكوا
لما نظروا اليك قالوا عجباً ***لماذا بشر فإنّ هذا ملك
في زهر الربيع عن شيخنا البهائي روي عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) للحفظ ، اكتب سبع آيات على سبع قطع من السكر تأكلها سبعة أيام أولها يوم السبت إلى يوم الجمعة كل يوم قطعة واحدة ، فإنّه يتيسر له الحفظ ، ويفصح لسانه ويكون حافظاً (الأول) تعالى الله الملك الحق (الثاني) وقل رب زدني علماً (الثالث) لا تحرك به لسانك (الرابع) إن علينا جمعه وقرآنه (الخامس) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (السادس) سنقرئك فلا تنسى (السابع) إنه يعلم الجهر و ما يخفى(1)
روى شيخنا بهاء الملة والدين إن إعرابياً سأل عليّاً (علیه السلام)فقال:انی رأيت كلباً وطىء شاة فأولدها ولداً فما حكم ذلك في الحل ، فقال ، (علیه السلام) : اعتبره في الأكل ، فإن أكل لحماً فهو كلب . وإن رأيته يأكل علفاً فهو شاة فقال الأعرابي : رأيته يأكل هذا تارة ويأكل هذا تارة . فقال (علیه السلام) : اعتبره في الشرب ، فإن كرع فهو شاة ، وإن ولغ فهو كلب ، فقال الأعرابي : وجدته يلغ تارة ويكرع اخرى ، فقال : اعتبره في المشي مع الماشية ، فإن تأخر عنها مالية والعدل
ص: 395
فهو كلب ، وإن تقدّم أو توسّط فهو شاة ، فقال : وجدته مرّة هكذا ، ومرّة هكذا ، قال (علیه السلام) : اعتبره في الجلوس فإن برك فهو شاة ، وإن أقعى فهو كلب ، قال (علیه السلام) : إنه يفعل هذا مرة ، وهذا مرة ، قال (علیه السلام) : إذبحه فإن وجدت له كرشاً فهو شاة ، وإن وجدت له أمعاء فهو كلب ، فبهت الأعرابي عند ذلك من علم أمير المؤمنين (علیه السلام) (1)
إن رجلا من الجند خرج مع الأمير الى حرب الكفار ، فنظر الأمير اليه ، فإذا عنده قوس من غير سهام ، فقال : أين نشابك الذي ترمي به ؟ قال : ليس عندي نشاب ، ولكني أرمي بنشاب الذي يرمي نحوي ، فقال : لعله لا يرمي أحد نشاباً ، قال : إذن لا حاجة إلى الحرب.
إن رجلا من جنود السلطان كان كل حمام يدخل إليه يدّعي على أهله الأباطيل من سرقة ثوب، أو دراهم أو نحو ذلك ، حتى يغرموا له ، فاتّفق أهل الحمامات على منعه على الدخول ، فأتى إلى الحمام ، فأظهر التّوبة والندم ، على أن لا يعود إلى التّهمة والكذب على صاحب الحمام ، وأشهد على ذلك شهوداً ، فخلع ثيابه ودخل الحمام ، فأمر صاحب الحمام خادمه يسرق ثيابه سوى سيفه وخنجره ، فلما خرج من الحمام لم ير ثيابه ، ولم يقدر حينئذ على الكلام ، فتحزم على خنجره وشد سيفه في وسطه ، وهو عريان ، وجعل يمشي في الحمام ، ويقول : يا صاحب الحمام أنا لست أتكلّم ، ولكن أين الأنصاف أجئت إلى حمامك على هذه الهيئة ، فضحك صاحب الحمام وأعطاه ثيابه
ص: 396
يا صاحب الحمام أنا لست أتكلّم ، ولكن أين الأنصاف أجئت إلى حمامك على هذه الهيئة ، فضحك صاحب الحمام ، وأعطاه ثيابه.
دخل أبو دلامة على المهدي ، فأنشده قصيدة ، قال : سل حاجتك ،قال : هب لي كلب صيد ، فغضب الخليفة ، فقال أبو دلامة : الحاجة لي أو لك ؟ فأمر بكلب ، فقال : إذا غدوت إلى الصيد أعدو على رجلي ، فأمر له بدابة قال : فمن يقوم عليها ؟ فأمر له بغلام ، قال ، فمن يطبخ الصيد ؛ فأمر له بجارية فقال : هؤلاء أين يبيتون ؟ فأمر له بدار ، فقال : صيرت في عيالاً فمن أين لي ما يقوت هؤلاء ؟ فقال : أعطوه جريب نخل فقبل
يده وانصرف
في الحديث إنّ آدم قال لأولاده : كل عمل تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة فأني لو وقفت ساعة لم يكن أصابني ما أصابني .
لا تعجلنّ بأمرٍ أنت طالبه ***فقلّما يدرك المطلوب ذو العجل
فذو التأني مصيب في مقاصدها ***وذو التعجل لا يخلو من الزّلل
روى إن رجلا قال : رأيت رجلا يطوف بالبيت يحمل شيخاً كبيراً ، فقلت له : أحسن إليه ، فقال : من تراه لي ؟ فقلت : أبوك أوجدك فقال : هو ولدي صيره إلى ما تراه سوء خلق إمرأته .
ص: 397
قال بعض الحكماء : الإمرأة تكتم الحب أربعين سنة ، ولا تكتم البغض والكراهة يوماً واحدا .
قيل إنّ الرشيد حبس رجلا رجلاً ، فقال الرجل للموكل عليه : قل لأمير المؤمنين : كلّ ما مضى من نعمتك ينقص من محنتي ، والأمر قريب ، والموعد الصراط ، والحاكم هو الله ، فخر الرشيد مغشياً عليه ، فلما افاق أمر بإطلاقه .
أبو شجاع عضد الدولة أول من خوطب بالملك في الاسلام ، كان ملكا جميلاً شجاعاً كريماً ، دانت له البلاد، وأول من خطب له على المنابر
بعد الخليفة ببغداد ، وكتب على بعض الملوك عرك عرك ، فصار فصار دلك دلك ، ما حس ما حس ، معلك معلك بهذا بهدا ، فهو الذي بني على قبر أمير المؤمنين (علیه السلام ) ، ودفن هناك ، وهو ابن ركن الدّولة ، واسمه الحسن بن بويه ، بضم الباء الموحدة ، وفتح الواو ، وسكون الهاء ، وكان من أبنا يزدجر ، وله ملك بغداد ، والعراق ، وكرمان ، وفارس ، وعمان والموصل وديار بكر ، مدة ملكه ببغداد أربع سنين ، وبفارس ثلاثون سنة و دفن بالنجف سنة اثنين وسبعين وثلثمائة .
أقول الرسالة إلى بعض الملوك ، وإن ذكرها المؤرخون بأسمه إلاّ أنّها لمونا أمير المؤمنين (علیه السلام ) كتبها إلى معاوية .
غَرَّكَ عِزُّكَ ، فَصارَ قِصارُ . ذلِكَ ذلك ، فَاخْشِ فَاحِش ، فِعَلَكَ فعلكَ بهذا تهدا
ص: 398
ملأت فؤادي من محبة شادن***أمیل الیه وهي کالظبي زایغ
وقلت لقلبي قم لنعشق شاذناً*** سواه فقال القلب : ما أنا فارغ
يا ضعيف الجفون أضعفت قلباً ***كان قبل الهوى قويا مليّاً
لا تحارب بناظريك فؤادي*** فضعيفان يغلبان قويّاً
لا أسأل الله تغييراً لما صنعت ***نامت وقد أسهرت عينيّ عيناها
فالليل أطول شيء حين أفقدها ***والليل أقصر شيء حين ألقاها
إن كنت لست معي منک معی*** يراك قلبي وإن غيّبت عن بصري
العين تنظر من تهوى وتفقده*** وناظر القلب لا يخلو عن النّظر
قمر تكامل في نهاية حدّه***حدّ القضيب على رشاقة قده
فالبدر يطلع في فريد جبينه ***والشمس تغرب في شقايق خده
ملك الجمال بأسره فكأنما ***حسن البريّة كلّها من عنده
من فاق أهل الأرض في أوصافه*** وتفاخرت بوجوده الآداب
وسما على أهل الزمان بفضله ***فأجل ما يهدي إليه كتاب
ص: 399
جائت سليمان يوم العيد نملته*** أهدت إليه جراداً كان في فيها
واستفتحت بفصيح القول ناطقة ***إن الهدايا على مقدار مهديها
وتفاحةٍ صفراء من دون نصفها ***ومن جُلّ نار نصفها وشقايق
كأنّ الهوا قد ضم من بعد فرقة ***بها خدّ معشوق إلى خدّ عاشق
لا يعرف الحب إلا كلّ من عشقا ***وليس من قال إني عاشق صدقا
العاشقين تحول يعرفون به من ***طول ما ولّوا الأحزان والأرقا
وتفاحة لمّا همت باکلها ***وأخرجت سكيناً لأقسمها شطرا
تأملت خديک فيها علامة***فعانقتها سراً وقبلتها جهراً
سقاني شربة أحيا فؤادي*** بكأس الحبّ من بحر الفؤاد
وقرّبني وأدناني إليه*** وما أحلى اللقا بعد البعاد
قام يسعى إلى الصلاة إلى الصلاة بوجه ***يخجل البدر في ليالي سعود
فتمنيت أن أومى بوجهه أرض *** حین أومی بوجهه للسّجود
يا من إذا قلت يا من لا نظير له ***في حسنه قيل لي يا أصدق البشر
نادمت ذكرك والظلماء عاكفة ***فكان يا سيدي أحلى من السمر
ص: 400
ما أن أرى وجهلت المكنون جوهره ***يا أملح الناس إلا نسخة القمر
لا تحسبن سواد الخال عن قصر*** من الطبيعة أو جاءت به غلطا
وإنّما قلم التّصوير حين جرى *** بنون حاجبه في خده نقطا
عد الكؤوس عن المحب فإنّ في*** وجه الحبيب مدامة تكفيه
أفعالها في مقلتيه ولونها ***في وجنتيه وطعمها في فيه
أغلقت باب الوصل بعد تعطّف*** فترکت باب الهجر لي مفتوحاً
إن لم أكن ممن قتلت فإنّني*** تمن ترکت فؤاده مجروحا
يا حسن مجموع بدت أوصافه ***تجلی کخود في أجلّ ملابس
روض خصيب قد زكت أثماره*** ورياضه يشرحن وجه العابس
رصعته بعجائب وغرائب ***ولطائف وظرايف ونفايس
وجمعت فيه كل قول مبدع ***ونوادر تجلی کشبه عرایس
ومن التواريخ التي ما مثلها ***تزهو كعقد في نحور كوانس
يا قارئاً مجموعنا بالله قل: ***يا رب عفوك للفقير البائس
بركاب عبدك يرتجي منك الرضا ***في يوم بأس لم يكن بالأيس
فانظر له يا سيدي ماقد جنى ***من قبح ذئب قد بني كحنادس
وامح ذنوباً في الكتاب تسطرت ***من خطه بقبائح ودنائس
ثم الصلاة على النبي وآله*** ما زار طيف نحو جفن ناعس
ص: 401
ص: 402
مصادر الكتاب
اكمال الدين*** الشيخ الصدوق أقوال الأئمه
الامالي*** الشيخ الصدوق
الاختصاص *** المفيد
ارشاد القلوب*** الديلمي
الارشاد لمن طلب الرشاد***النائيني
الانوار النعمانيه***الجزائري
الأمثال النبويه ***محمد الغروي
احیاء علوم الدین***الغزالي
الاحتجاج ***الطبرسي
الامالي ***المفيد
أعيان الشيعه***الأميني
أخبار الزمان***المسعودي
الانوار البهیه***الشیخ عباس القمی
أنوار الربيع
أقوال الائمة***محب الاسلام
الامالی *** الطوسي
الامام الجواد من المهدالى*** القزويني
اللحد
(ب)
بحار الانوار ***المجلسي
البداية والنهاية*** ابن كثير
(ت)
تحف العقول***ابن شعبه الحراني
التهذيب ***الطوسي
تاریخ بغداد ***خطيب بغدادي
تحف الأولياء
تنيبه الخواطر ***ابن أبي فراس
ص: 403
(ث)
ثواب الأعمال*** الصدوق
(ج)
جامع الاخبار*** الشعيري
جامع السعادات*** النراقي
(ح)
حياة الامام زين العابدين (علیه السلام)
القرشي
حياة الصحابة*** الكاندهلوي
حلية الأولياء ***أبو نعيم اصفهاني
الحكم الزاهره*** عن النبي والعتره
الطاهرة ***التميمي
الامام الحسين ***ملتقى المكرمات
(خ)
الخصال ***الصدوق
خصائص أمیر
المؤمنين (علیه السلام)***الشريف الرضي
خطبة الوسيلة
(ذ)
ذم الهوی***لابن الجوزي
(ر)
روضة الکافي***اکلیني
روضة الواعظين ***المحقق السبزواري
الربيع الابرار
الامام زین العابدین(علیه السلام)*** المقرم
روضة الواضعین***الفتال
النسابوري
(ز)
زهر الربیع***الجزایري
(س)
سفينة البحار*** الشيخ عباس القمي
سلافة العصر
(ع)
عجائب المخلوقات ***القزويني
علل الشرايع***الصدوق
عيون اخبار الرضا (علیه السلام)***الصدوق
عوالي اللثاليء ***ابن ابي الجمهور
الطفل بين الوراثة
والتربية ***الفلسفي
(غ)
غرر الحكم***الآمدي
ص: 404
(ف)
فردوس الأخبار***الديلمي
فضائل الامام علی(علیه السلام)***الصدوق
فصول المهمه
فضل الكلاب على كثير لمن لبس الثياب محمد بن خلف المرزبان
(ق)
قرب الاسناد***الحميري
تفسير القمي*** القمي
(ك)
كنز الفؤاد ***الكراجكي
كلمة الأمام ***السيد حسن
الحسن (علیه السلام)***الشيرازي
كلمة الرسول*** السيد حسن
الاعظم***الشيرازي
كفاية الموحدين
الكافي***الكليني
الكشكول ***البهائي
كشف الغمة ***محقق اردبيلي
(ل)
لآلى الأخبار ***محمد نبي توسركاني
(م)
من لا يحضره
الفقيه ***الشيخ الصدوق
مسند الامام الرضا(علیه السلام) عزيز الله العطاردي
منتخب الاثر ***الصافي
المحاسن والمساوى***المدايني
المناقب***لابن شهر اشوب
مسند الرسول***فلسفي شيرازي
الاعظم (صلّی الله علیه وآله وسلم)
المخلاة ***العاملي
مروج الذهب ***مسعودي
مصباح الشريعة ***المنسوب لامام الصادق (علیه السلام)
ميزان الحكمة ***محمد ري شهري
مدينة البلاغة*** لبيب بيغوم
مجموعة ورام ***ورام بن أبي غراس
مع الرسول الاعظم (صلّی الله علیه وآله وسلم)محمد باقر الناصري
مجمع الزوائد***ابن حجر الهيثمي
المواعظ العدديه*** علي المشكيني
مستدرك الوسائل ***الشيخ النوري
المكاسب ***الشيخ الأنصاري
ص: 405
المحجة البیضاء***فيض الكاشاني
مسكن الفؤاد ***الشهيد الثاني
الملاحم والفتن ***رضی بن طاوس
مكارم الأخلاق ***الطبرسي
الملل والنحل ***الشهرستاني
معاني الأخبار*** الصدوق
منية المريد***العاملي
تفسير الميزان ***الطباطبائي
مقتل الامام الحسين (علیه السلام)*** بحر العلوم
مرقات الكمال
(ن)
نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح نهج الفصاحة ، ابو القاسم باینده تفسير نور الثقلين نزهة النواظر لأبي يعلي الجعفري خليفة الشيخ المفيد
(و)
وسائل الشیعة***للحر العاملي
ص: 406
اسماء الشعراء حسب ترتيب الابجدي
(أ)
ابن عبد العزيز
أحمد الكوفي
أحمدبن دريد الأزدي
ابو النصر الفارابي
ابن خاتمة اندلسي
أبو تسام الطائي
ابرش
ابو الأسود الدولي
ابن زولاق
أمير المؤمنين (علیه السلام)
ابن الرومي
أبي تمام
ابن العدوي
أبو الفتح البستي
ابن الخیمي
ابو العتاهيه
أحمد شوقي
ابن ساره
أحمد الخراط
اسامة بن منقذ
ابو الأسحاق الشيرازي
ابيوردي
ابن الأحنف
أبي المسهر
أفنون التغلبي
أبي نواس الحمداني
ابن الصائغ
ابن الزقاق البلنسي
ابو هلال العسكري
اسعد زوزني
ص: 407
ابن نباته السعدي
ابن بسام البغدادي
احنف بن قلیس
أحمد المغاري
ابو الحسن التهامي
ابن التعاويذي
ابو الطيب
أحمد بن ابراهيم الضيني
أبو تمام
ابن الشهيد الاندلسي
الاعرابي
أحمد بن منير
ابن دمینه
أحمد بن نوح بن عبد الله
ابن ابي الحديد
ابن الدهان الموصلي
اسيه
ابي بكر بن سعدون
ابو عامر النسوي
ابن دريد الأزدي
أبو سعيد النيلي
ابو واثق العنبري
اسحاق بن أحمد الموصلي
ابن حيوس
اولاد عبد الله بن جعفر
ابن الوردي
أبو نواس
أبو الأنوار
أبو القاسم الآمدي
ابن و ساده
ابن هشام صاحب المفتي
ابن صقر
ابن سينا ابن الصيفي
ابن عباس (رض)
ابو العلاء المعري
ابو الفضل الاسكافي
ابن يوسف الكاتب
اسماعیل صاحب بن عباد
أبو حامد الأنطاكي
اسامة بن سفيان
احمد بن حمد یس
ابن عربشاه
ابو أحمد الخزاعي
الياس حبيب فرحان
ابراهيم الصولي
ابن نباته المصري
ص: 408
(أ)
ابن جعفر محمد الباقر (علیه السلام)
أحمد الحسيني كلنتر
أحمد السلمي
ابن مروان
ابن منير
اسکندر شفیق معلوف
(ب)
الشيخ البهائي
بديع الزمان
البحتري الصنوبري
بهاء الدين زهير
البشار
بشر بن حارث
البارودي
(ت)
تميم الفاطمي
التنوخي
(ث)
ثعالبي
(ج)
جنيد البغدادي
جعفر بن محمد (علیه السلام)
الجرجاني
جعفر بن ابي طالب
جماز
الجرمي
الجاحظ
جميل صدقي الزهاوي
جارية سليمان بن عبد الملك
(ح)
الحسين بن علي (علیه السلام)
حسين القرطبي
الحلاج
الحريفيش
الحاجزي
حسين البغدادي
الاحنف
حسان بن ثابت
حافظ ابراهیم
حسن البصري
حمدي عبيد
ص: 409
(خ)
خليل بن أحمد مطران
الخوري
الخوارزمي
(د)
دعبل الخزاعي
الأديب
الدميري
ديوان أبي تمام
(ذ)
ذو النون المصري
ذو كفايتين
(ر)
ربيع بن خيثم
الرصافي
الرازي
رفیق فاخوری
(ز)
الامام زين العابدين (علیه السلام)
الزمخشري
الزهاوي
زاهر احمد عبید
(س)
سلیمان الباجی
السلامي
السحيمي
سيف الدولة
سراج عبد الملك القرطبي
(ش)
الشافعي
الشريف الرضى
شهاب الدین السهرودي
شمس الدين النواحي
الشاغوري
شوقي
شهاب الدين أحمد الامشاطي
شهاب الدين الحاجبي
(ص)
صلاح الدين
صالح عبد القدوس
الصنوبري
صفي الدين الحلي
ص: 410
صلاح الدین الصفدي
صلتان العبدي
صاحب بن عباد
(ط)
الطغرائي
طرفة بن العبد
(ع)
علي بن محمد البسامي
عبد الله السابوري
عبد الله بن حنيف
صلاح الدين الصفدي امت
علمة
عمرو بن الوردي
علقمة بن عبد الفحل الشام ناليتة
عبد الله بن
الاحوص عليها فال
عائشة التمورية
عباس بن الاحنف
عبد الله بن مخارق
عبد العزيز الابرش
علي الفنجكردي
علي بن الجهم
عمرو الطائي
عمر بن عبد العزيز
العتابي
عبد الأعلى الشامي
العرجي
عبد الله الاوفي الخزاعي
عمرو بن الوردی
علقمه بن عبد الفحل
عبدالله بن الاحوص
عبیدالله بن طاهر
علی بن بسام
عنترة العبسي
علي بن صلاح الدين
علي بن زيد الكاظمي
علي بن موسى الرضا(علیه السلام)
عبد الكريم بن جهيمان
علي بن محمد البسامي
عبد الملك بن ادريس
علي بن عبد
الشيخ عبد الله بن احمد البصري
عمر بن عبد العزيز
عبد الغني النابلسي
عمرو بن براقه
علي الجرجاني
علي بن ارسلان الكاتب
علي بن محمد الجواد(علیه السلام)
(غ)
الغلابي
ص: 411
(ف)
فتيان الشاغوري
الفراهيدي
(ق)
القاضي الارجاني
قمين الدولة
قلانسي
القروي
القاضي التنوخي
القاضي قاضي
(ك)
الكريزي
كعب المزني
كمال الدين ابن حيثم البحراني
الكاظمي
کعب بن مالك الأنصاري
الكسائي
(ل)
لسان الخطيب
(م)
محمود الموصلي
محمد مؤمن الجزائري
محمد بن عبد الله البغدادي
المأمون
المعتز بالله
مجنون العامري
مسلم بن وليد
المعري
مقيد مغلول
محمد بن مناذر
محمد بن طلحة
محمد بن فرج الغساني
مظفر بن محمد
محمد بن اسحاق الواسطي
محمود الوراق
محمود سماحة
مقنع الكندي
محمد الوحيدي
شیخ محمد التبريزي
محمد بن المستنير
المهلبي
محمد الحميري
مالك بن اسماء
محسن الأمين
ص: 412
(ن)
ناصیف الیازجي
النوري
ناصرالدین الله نفطویة
نصیح بن منظور
نمربن تولب
نابغة الجهدي
(ه)
هبیره بن طارق
هبة الله البغدادي
هاشم ارفاعي
(ي)
یحیي بن اکثم
یحیي بن خالد
یحیي بن سلامه
یوسف الواسطي
ص: 413