تأليف
الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدّس اللّه سِرَّهُ
تحقيق وتعليق
أبو مجتبى
محرر الرقمي: محمد رادمرد
ص: 1
الإِجتهاد في مقابل النص
تأليف
الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي
قدَّسَ اللّه سِرَّه
تحقيق وتعليق
أبو مجتبى
ص: 2
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه رب العالمين باري الخلائق أجمعين الذي سن لهم أحكاماً وتشريعات تعود عليهم بالنفع في عاجل الدنيا وآجل الاخرة وجعلها طبقاً لمصالح وعلل لا يعلمها الا هو ومن ارتضاه من رسله وعباده المخلصين.
والصلاة والسلام على منقذ البشرية من الظلمات الى النور، الذي حلاله حلال أبدأ إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً الى يوم القيامة، الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، وعلى آله الغر الميامين أمناء اللّه على دينه ومهبط وحيه ومعدن رحمته وخزان علمه... والذين هم منتهى الحلم واصول الكرم وقادة الامم وأولياء النعم وعناصر الابرار ودعائم الاخيار وساسة العباد وأركان البلاد وأبواب الايمان... حجج اللّه على أهل الدنيا والآخرة والاولى المظهرين لأمر اللّه ونهيه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمرهيعملون.
ص: 3
الحرية هو شعار، كثيراً ما ادعته أديان و مذاهب وأحزاب وقوميات وشخصيات في العصر الحديث وفي العصر القديم وجعل هذا الشعار هدفاً مقصداً للانسان يسعى لتحقيقه ويتغنى به، واذا أراد الانسان أن يبحث عن المبدأ أو الفئة التي أعطت الانسان حريته وسعادته المنشودة لم يجد لها عين ولا أثر على وجه البسيطة حتى المذاهب التي اتخذت الحرية شعاراً اساساً لها كالرأسمالية الغربية أو الاشتراكية الشرقية والذي يوجد عندها انما هو لفظ الحرية ومصداق العبودية بمعنى الكلمة وبما يحمل اللفظ من معنى لهذا رجع الانسان من هذين المذهبين بل والمذاهب الأخرى الوضعية بخفي حنين الا العبودية الذليلة.
الانسان لا يجد حريته وسعادته الا في الاسلام وهو الدين والمبدأ الوحيد المجالات: المبدأية الذي ضمن للانسان سعادته وحريته الحقيقية في جميع والاقتصادية والاخلاقية الفردية والاجتماعية، وهذه هي الحرية التي تعلو به انسانیته و کرامته بل وتعلو به الى أعلى عليين حتى تقربه الى ما يتناسب معمن مولاه.
من جملة الحريات التي منحها الاسلام للانسان هي حرية الفكر ودعاه وحثه على التفكر في جميع المجالات بمافيها الكون والحياة والاخرة وما سوف يؤول اليه وأشار الى حقيقة قد تخفى على الانسان وهي ان الذي يستفيد من الكون والحياة ويكون على سبيل نجاة هو الذي يفكر فيما حوله «إِنَّ
ص: 4
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...» (1)
وان الذي يأخذ عبرة من ذلك هو الانسان المفكر قال تعالى : «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (2)
وفيالحث على الفكر وحريته فضله على كثير من العبادات فقد روي عن نبي الاسلام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قوله : «فكرة ساعة أفضل من عبادة سنة»(3).
وأرجحية التفكر على العبادة ليس الا لان في التفكر ميزة خاصة لا توجد كثير من العبادات الجوفاء عن المعرفة والهداية.. تلك الميزة هي الوصول الى الحقيقة فكم انسان قد اهتدى الى الاسلام أو من الفسق والعصيان الى الايمان وخرج من الظلمات الى النور ومن الشقاء الى السعادة.. لانه استعمل فكره وعقله لفترة من الزمن وقد لا تتجاوز الساعات أو الدقائق فيرتبط مصيره بهذه اللحظات القيمة.
والشواهد على ذلك كثيرة جداً فالنقتبس من باب مدينة علم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعضها قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فكرك يهديك الى الرشاد، ويحدوك على اصلاح المعاد»(4). وقال أيضاً: «لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر» (5).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): مشيراً الى انه كل ما كان تفكير الانسان أكثر وأعمق كان صوابه
ص: 5
وقربه الى الحق أكثر وكل ماقل تفكيره كثر خطائه وقرب نحو الباطل «طول لفكر يحمد العواقب، ويستدرك فساد الامور» (1).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «تفكرك يفيدك الاستبصار ويكسبك الاعتبار» (2).
وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من فكر قبل العمل كثر صوابه» (3).
والاسلام حينما دعى الى حرية الفكر وحث عليه لم يكن ذلك من باب التسلية والشعار الفارغ وانمارتب على ذلك الاثر كبقية الحقائق التي يدعو اليها.
فأهم شيء في وجهة نظر الاسلام بل في الوجود ككل هو معرفة المبدأ الأول المنشيء لهذا الكون بمافيه وهذه الحياة التي يعيشها الانسان على هذاالكوكب.
فالاسلام ابتدأ مع الانسان من هذه المهمة التي هي أول ما يحتاجه الانسان ولا يمكن أن يستقل عنها أو ينفصل عن فيضها ولو لحظة واحدة، فنبه الاسلام الانسان على أنه لابد له من الاعتراف بوجود اللّه سبحانه وعدالته من طريق العقل الحر والتفكير العميق ولا يكفي التقليد فيه وكذلك بقية اصول الدين كالنبوة والامامة والمعاد يلزم أن يعترف بها من طريق فكره وأدلتها متوفرة لجميع الناس مهما اختلفت مستوياتهم ويكتفي من كل بحسب حاله والايات والرواياتالتي تتحدث كأدلة ليست الا محض ارشاد والا لحصلت المصادرة.
وهذا لا يمنع من ان الاسلام اتخذ موقفاً آخر بالنسبة الى فروع الدين فقد فسح المجال للتقليد فيها لمن ليس أهلا للنظر والفحص وذلك لكثرتها وتشعب
ص: 6
أدلتها خصوصاً مع البعد الزمني عن عصر الرسالة وتوقف النظام الاجتماعي لواشتغل الكل بتحصيل كل ما يحتاجه من مسائل الفقه.
بعد أن عرفنا ان معرفة المبدأ الاول لابد أن يكون من طريق العقل وحريته التامة.. نعرف ان كل شيء مهما سما فهو دون المولى سبحانه حتى الاسلام فاختیاره يكون بتفكر الانسان و بحثه وتدقيقاته «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» وعندما يستعمل عقله فالنتيجة هي الاعتراف بالاسلام ومباديه لهذا نرى ان الاسلام يعطي الانسان حرية التفكير في بحثه وهو مطمأن ان النتيجة هو الوصول الى الحقيقة والواقع وتراه يضع للانسان الداعية الطرق الحكيمة والخلقية عندما يدعو الانسان غيره ولايحتاج لان يستعمل الاساليب الملتوية من الكذب والغش والبهتان والشتم والتعصب الاعمى «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (1) «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ». (2).
واننا على علم ويقين تامين ان الانسان مهما كان اذا استعمل فكره ولم يتعصب الى فكرة معينة أو تقليد أعمى لابويه أو لبيئته التي يعيش فيها أو لحزب ينتمي اليه أو لمذهب ينتسب اليه وصار موضوعياً في فكره وبحثه وأخلص النية للّه تعالى الحق في هدفه فانه سوف يصل الى الحقيقه وتنكشف له كما سوف يتعرف على الباطل وموارد الاشتباه والالتباس عليه وذلك بعون اللّه وحسن لطفه وعنايته.
ص: 7
فاذا عرفنا هذه الاهمية الكبرى للفكر في الاسلام نعرف أهمية العقل في حياة الانسان وسعادته ووصوله الى الواقع... فان العقل أداة الفكر الذي يفكربها الانسان وقد وردت النصوص الكثيرة في مدح العقل وجعله حجة على الناس كما ان الرسل حجة عليهم.
قال الامام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ)
«یاهشام ان للّه على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة. فأماالظاهرة فالرسل والانبياء و الائمة، وأما الباطنة فالعقول» (1).
بل جعل التمييز بين الخير والشر والنزوع عن الشر انما هو بالعقل. فقد روي عن الرسول الاعظم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):
«انما يدرك الخير كله بالعقل ولادين لمن لا عقل له» (2).
وهكذا يتتابع المدح والثناء على العقل وما يلازمه من العلم والتفقه «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (3).
وقال الامام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ):
«تفقهوا في دين اللّه فان الفقه مفتاح البصيرة» (4).
وقال الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ):
«ايها الناس لاخير في دين لا تفقه فيه» (5).
ص: 8
لا نعجب لمانرى أئمة الهدى من آل الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ان هدفهم هو الوصولالى الحق مهما كان طريقه مراً وشائكاً وكأوداً واننا بملاحظة تعاليمهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) وتربيتهم لامة جدهم نرى أروع الامثلة في الموضوعية والتجرد عن التقليد الاعمى والتعصب الجاهلي فمثلا نقرأ قول الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مناجاته لربه وتضرعه اليه :
«اللّهم اني لو وجدت شفعاء أقرب اليك من محمد وأهل بيته الاخيار الائمة الابرار لجعلتهم شفعائي اليك...».
فالميزان ليس الحسب أو النسب أو العشيرة أو تقليد الاباء مهما بلغوا في عظمتهم وشهرتهم بل المقصد هو الوصول الى الحق سبحانه والقرب اليه من أي طريق وبأي ثمن وانما يجب التمسك بالمبدأ المعين اذا كان موصلا الى اللّه تعالى ومقرباً نحوه والا لاقيمة له، فالامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يفترض - وفرض المحال ليس بمحال انه لو وجد شخص أقرب إلى اللّه من الرسول الاعظم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لوجب التمسك به، وهذا غاية الموضوعية والاخلاص الى اللّه سبحانه.
***
وان الموضوعية في الابحاث مهما كانت قد تبدو حساسة وشائكة وصعبة الا انها سوف تكون عاملا مساعداً للوحدة ولم شعث الامة الاسلامية ورص صفوفها في قبال الكفر العالمي، وأما السكوت عن القضايا المذهبية والخلافية أو اثارتها بالشتم والكذب والبهتان والتعصب فانه لن يجدي نفعاً للامة الاسلامية ووحدتها وعزها وكرامتها، بل يجب أن تتوحد الصفوف وتنصهر وتحابب القلوب مهما كان بينها من خلاف أو تعدد في المذاهب والافكار وتكون كالجسد
ص: 9
الواحد يتألم بعضه لبعض لتعود خير أمة أخرجت للناس.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا من جملة الكتب التي تعرض القضايا العلمية والتاريخية والفقهية والكلامية ويبحثها بحثاً موضوعياً بعيداً عن التعصب المذهبيأو الطائفي بل أعطى للفكر مجاله في مناقشات الابحاث التي تعرض لها.
وأول ما يلفت انتباهنا هو عنوان الكتاب (النص والاجتهاد) فماذا يراد بهذين اللفظين وماهو مقدار الصلة والتقابل بينهما.
أصل النص في اللغة : أقصى الشيء وغايته ثم سمي به ضرب من السير السريع.. ونصصت الحديث الى فلان : رفعته اليه (1).
1 - ان يكون في مقابل المجمل أو الغير الظاهر فيكون النص : «ما دلعلى معنى غير محتمل للنقيض بحسب الفهم» (2).
وقال صاحب المعارج : «هو الكلام الذي يظهر افادته لمعناه ولا يتناول أكثر مما هو مقول فيه» (3).
وهذا المعنى لم يكن محط لنظر المصنف.
2 - النص : المراد به الكتاب الكريم والسنة الشريفة بأقسامها الثلاثة :
أ - قول المعصوم. ب- وفعله. ج - وتقريره.
ص: 10
فقد أطلق على كل ذلك النص فاذا قيل عنده نص أي أحد هذه الأمور واذاقيل لم يكن عنده نص أي هذه الامور منتفية فيرجع معنى النص الى انه:
«الدليل الدال على الحكم الشرعي والثابت عن الشارع من طريق القطعأو الظن المعتبر سواء كان كتاباً أو سنة».
وهذا هو مراد المصنف كما هو واضح من ثنايا أبحاث الكتاب.
والاجتهاد في اللغة مأخوذ من «الجهد» بالضم بمعنى الطاقة وبالفتحبمعنى المشقة فهو بذل الوسع والطاقة والقيام بعمل مامع المشقة. (1)
وبهذا المعنى استعمل في القرن الأول الاسلامي فالنصوص التي قدوردب وتحدثت عن الاجتهاد بناءاً على صحة تلك النصوص فالمراد هو الاجتهاد اللغوي ولم يكن لهم اصطلاح خاص غير المعنى اللغوي.
في الاصطلاح :
والاجتهاد في اصطلاح علماء الاصول قد تعدد تعريفه عندهم :
فقد عرفوه : «انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الاصل فعلا أو قوة قريبة» كما عرفه البهائي بذلك.
وعرفه الغزالي بأنه : بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة».
وعرفه ثالث : من انه «الملكة التي يقتدر بها على ضم الصغريات لكبرياتها لانتاج حكم شرعي أو وظيفة عملية شرعية أو عقلية» (2).
ص: 11
وغيرها من عشرات التعاريف التي لا تتعدى انها شرح للاسم وليست تعاريف لحقيقة الاجتهاد خصوصاً بعد تطوره واختلافه من زمن إلى آخر.
التاويل :
عرفنا فيما سبق أنه في القرن الأول الاسلامي لم يستعمل الاجتهاد كمصطلح خاص يغاير المعنى اللغوي بل يستعملونه في المعنى اللغوي فقط.
وهم يستعملون مكانه كمصطلح خاص لفظ «التأويل» فالشخص الذي يرتكب مخالفة للكتاب أو السنة ويراد أن يعتذر عنه أو يصحح عمله يقال له تأول.
وأمثلة ذلك كثيرة في الصدر الاول :
منها : ان خالد بن الوليد لماقتل مالك بن نويرة عامل رسول اللّه علىصدقات قومه اعتذر خالد عن فعله وقال للخليفة أبي بكر :
«ياخليفة رسول اللّه اني تأولت وأصبت وأخطأت» (1).
ومنها : قول أبي بكر جواباً لعمر حين قال : «ان خالداً زنی فارجمه» : «ما كنت أرجمه فانه تأول فأخطأ» أو «هبه يا عمر، تأول فأخطأ... (2).
وهكذا كانوا يعتذرون لجملة من الصحابة في أعمالهم كاتمام الصلاة فيحال السفر لعائشة وعثمان والحروب التي دارت بين الصحابة (3).
وتطور الاعتذار الى حد صار الى كل جريمة ترتكب والمرتكب في نظرهممسكوت عنه.
ص: 12
فقد اعتذر ابن حزم :
عن أبي الغادية قاتل عمار (رضیَ اللّهُ عنهُ) من انه متأول مجتهد فاخطأ فله أجرواحد (1).
مع ماتواتر من قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في عمار انه «تقتله الفئة الباغية» (2).
بل تمادوا في الاعتذار عن أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم في الجريمة التي هزت السموات والارض وهى قتله لسيد الوصيين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
اعتذروا لابن ملجم كما اعتذروا ليزيد بن معاوية في قتله لسيد شباب أهل الجنة ريحانة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقرة عين الزهراء البتول الامام الحسين سبط الرسول (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3).
اعتذروا لهم انهم تأولوا فأخطأوا فلهم أجر واحد.
واذا رجعنا الى كتب اللغة في معنى التأويل لرأيناهم يذكرون ان التأويل هو بمعنى التفسير.. وتفسير ما يأول اليه الشيء(4).
ولكن المعتذرين استعملوه في غير معناه اللغوي بل في الافعال التي ارتكبت مخالفة للنصوص الصريحة(5).
وفي القرن الثاني تطورت أسباب الاعتذار والتبرير من «التأويل» الى
ص: 13
الرأي وكانت مدارس الرأي كثيرة ادعى بعضهم وجودها في زمن الصحابة في الصدر الاول من الاسلام ولكن مدرسة الامام أبي حنيفة المتوفى 150ه- والمتواجدة في العراق فاقت بقية مدارس الرأي فقد بالغ بالاخذ به كمصدر أساسي للاحكام الشرعية ودليل قاطع فقد روى الخطيب البغدادي في ترجمة أبي حنيفة من تاريخ بغداد عن يوسف بن أسباط قال قال أبو حنيفة :
«لو أدركني رسول اللّه وأدركته لاخذ بكثير من قولي وهل الدين الا الرأي الحسن» (1).
ولهذا تشدد في أخذ النصوص من السنة النبوية الى حد كان يرفض جملةكبيرة منها، فقد روی الخطيب أيضاً عن علي بن عاصم انه قال :
حدثنا أبا حنيفة عن النبي فقال : لا آخذ به فقال : فقلت : عن النبي فقال: لا آخذ به وروي أيضاً عن أبي اسحاق الفزاري قال :
كنت آتي أبا حنيفة أسأله عن الشيء من أمر الغزو فسألته عن مسألة فأجاب فيها فقلت له : انه يروى فيه عن النبي كذا وكذا قال : دعنا عن هذا. وقال أيضاً
كان أبو حنيفة يجيئه الشيء عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيخالفه الى غيره (2).
وعلى هذا المبنى فقد أفتى بجملة من الاحكام الشرعية التي توجد كثير من الروايات على خلافها (3).
والحاصل : ان الرأي في مدرسة أبي حنيفة بل وفي غيرها يساوي الاجتهاد
ص: 14
وهما بمعنى واحد يقول مصطفى عبدالرزاق :
«فالرأي الذي نتحدث عنه هو الاعتماد على الفكر في استنباط الاحكامالشرعية وهو مرادنا بالاجتهاد» (1).
وهذا الاجتهاد عندهم على الأقل عدل للكتاب والسنة فكما انهما مدركانللاحكام الشرعية كذلك الرأي يقول الدواليبي في تقسيم الاجتهاد الى ثلاثة :
أولا : البيان والتفسير لنصوص الكتاب والسنة.
ثانياً : القياس على الاشباه في الكتاب والسنة.
ثالثاً: الرأي الذي لا يعتمد على نص خاص وانما على روح الشريعة...»(2). ولعل الفقر العلمي الذي حصل لديهم وذلك من ان التلقي للاحاديث ومن مصدرها قد انقطع بوفاة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهذا مست الحاجة الى مثل هذه الأمور بعكسه لمدرسة أهل البيت مثلا التي ترى ان الائمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) هم استمرار لحركة الرسول الاعظم و هم قد حفظوا جميع آثاره وهم لسانه الناطق فبوجودهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) لاتحتاج شيعتهم الى الرأي والقياس وماشا كلهما.
ولما انتشرت مدرسة الرأي خرجت في قبالها مدرسة الحديث وقد أخذت هذه موقفاً عكسياً لمدارس الرأي فقد اعتمدت هذه على ظواهر الحديث وشجبت جميع القضايا العقلية كالقياس والاستحسان والرأي وتعبدت بظواهرالنصوص وكان من المؤيدين الى هذه المدرسة الامام مالك بن أنس ثم تمتشييدها على يد داود بن علي الظاهري المتوفى سنة 270ه وسميبالظاهري
ص: 15
لانه كان يعتمد على ظواهر الكتاب والسنة ولم يعتمد على الاجماع الا اذا اتفق جميع العلماء على الحكم. وهذه المدرسة لم تتمكن من مصارعة مدرسة الرأي بالرغم من وجود علماء وأنصار لها كابن حزم الاندلسي فقد انقرضت هذه المدرسة في القرن الثامن الهجري.
ان مدرسة أهل البيت في تلقي الاحكام الالهية ونشرها لها مميزاتها ومباديها الخاصة ولها الاستقلالية التامة عن جميع المدارس الاخرى التي حدثت وتعتقد ان الاحكام الشرعية يجب أن تكون من مصدر الهي ومن منبع الرسالة المحمدية لا غيروان علومهم علوم جدهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولهذا كثيراً ما يكررون ويؤكدون ان حديثهم هو حديث جدهم سواء أسندوها اليه أم لا، وانهم لا يقولون بآرائهم بل علمهم موروث من جدهم الى الامام أمير المؤمنين الا ثم الى الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من بعده واحداً بعد واحد فمثلا علوم سيد العترة الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مأخوذة من علم الرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقد ورد عن الامام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله:
«ان اللّه علم رسول اللّه الحلال والحرام والتأويل وعلم رسول اللّه علمه كله علياً» (1).
و (سأل رجل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) - الامام الصادق - عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت ان كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال له : مه ما أجبتك من شيء فهو عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لسنا من أرأيت في شيء (2).
ص: 16
وفي حديث آخر للامام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ):
«مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول اللّه لسنا نقول برأينا من شيء» (1).
و غيرهما من عشرات الاحاديث في هذا الموضوع التي تؤكد انمصدرهم هو جدهم الاعظم.
ان مدرسة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقفت من القياس والرأي والاستحسان موقفاً سلبياً بل ومن الاجتهاد الذي يساوي الرأي وانكرته أشد الانكار.
فقد ورد عنهم «ان دين اللّه لا يصاب بالمقائیس» و «ان دين اللّه لا يصاب بالقياس» وقالوا «ان السنة لاتقاس الاترى ان امرأة تقضى صومها ولا تقضى صلاتها يا أبان ان السنة اذا قيست محق الدين»(2).
وكان موقف الامام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) من مدرسة الرأي واضحاً فقد انكر على رائديها وخصوصاً أبي حنيفة وقد حصلت عدة مناقشات بين الامام الصادق وابي حنيفة حصلت الغلبة فيها للصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3).
وكذلك علماء مدرسة أهل البيت انكروا العمل بالرأي والاجتهاد الذييساويه.
وقد ألفوا الكتب في الرد على من عمل بالرأي أو القياس قبل الغيبة الصغرى
ص: 17
وبعدها، فقد صنف عبد اللّه بن عبد الرحمن الزبيري كتاباً أسماه :
«الاستفادة في الطعون على الاوائل والرد على اصحاب الاجتهاد والقياس» وصنف هلال بن ابي الفتح المدني كتابا في الموضوع باسم : «الرد على من رد آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول» (1).
وكان الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى ينكرون الاجتهاد والرأي والقياس والاستحسان وان هذه الامور ليست من مذهب الامامية (2).
ولهذا انكروا على ابن ابي الجنيد عمله بالقياس الى حد رفضوا فتاويه مع ان الشيخ المفيد والسيد المرتضى من كبار المجتهدين.
فيعرف من هذا ان الاجتهاد له مفهومان : مفهوم خاص ومفهوم عام اما المفهوم الخاص :
للاجتهاد فهو المفهوم الذي يساوي الرأي أو القياس أو الاستحسان يقول الشافعي.
«في القياس ؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان قلت : هما اسمان بمعنى واحد»(3).
وهذا الاجتهاد هو الذي كانت تأخذ به مدارس الرأي والتي تجعله مصدراً ودليلا للاحكام الشرعية كالكتاب والسنة، وهذا بعينه الاجتهاد المرفوض لدى مدرسة أهل البيت وعلمائها رفضاً باتاً سواء كان في قباله نص صريح ام لا ولعل بعض الابحاث التي دار الحديث عنها في داخل الكتاب يكون من مصاديقه.
ص: 18
وهو قريب من المعنى اللغوي ان لم يكن هو فان هذا الاجتهاد هو ان يقوم الفقيه بعملية استنباط الاحكام الشرعية من أدلتها كالكتاب والسنة فبينما اصبح الاجتهاد بالمعنى الخاص دليلا يعتمد عليه الشخص حينما يسأل ويقول اجتهادي كان الاجتهاد بالمعنى العام هو بذل الجهد والطاقة في فهم الحكم الشرعي من الكتاب أو السنة الشريفة وان كان قد اختلف العناء والمشقة في استخراج الحكم من ظاهر الآية أو الرواية فبينما كان في السابق لا يوجد فيها اي عناء فلا يقال له اجتهاد بينما الان اصبح العناء فيها شديداً جداً لما يبذله الفقيه من جهد علمي لتحديد الحكم الشرعي فيصدق عليه انه مجتهد.
ومع البعد الزمني اصبحت عملية الاستنباط ليست جائزة فحسب بل واجبة وذلك لتوقف فهم الحكم الشرعي عليها وتحديد الوظيفة العملية للمكلف بها.
وبهذا يفسر موقف جملة من علمائنا الأخيار حيث شجبوا الاجتهاد.
واستدلوا على حرمته بالروايات السابقة وغيرها، فانه قد حصل اللبس والخلط بين المعنى الاول التي ترفضه مدرسة أهل البيت والمعنى الثاني التيتوجبه على نحو الكفاية.
نعم مدرسة أهل البيت لاتجيز الاجتهاد مطلقا فيما اذا وجد نص على خلافه بل تلزم بالبحث عن النص قبل الحكم خصوصا مع احتمال وجوده وعلى هذا بنى المصنف كتابه هذا فانما هذه الموارد المذكورة يوجد على خلافها
ص: 19
النصوص الصريحة الواضحة والتي كانت منتشرة في البلاد وبين أيديهم الكثير منهم يعرفونها.
وعلى فرض عدم معرفتها لابد من الفحص ليتأكد عدم وجود الدليل، ومن الواضح جداً ان الرسول الاعظم حينما يحدث بحديث قد يكون عنده شخص أو شخصان أو اكثر لان اكثرية الصحابة مشغولون بامورهم وترتيب نظام اجتماعهم فيلزم بقية الصحابة الذين لم يحضر واوقت الحديث ان يفحصوا عنه والافلا يحق لهم الحكم بدون ذلك.
**
وهذا الكتاب لاهميته في الأوساط العلمية وفائدته الجليلة ولانه يعالج بعض القضايا بالرغم من كونها صعبة الا انها سوف تعود على الامة الاسلامية بالنفع الكثيرة وخدمتها وتوحيد كلمتها ولم شعثها خصوصا وان مؤلفه الامام شرف الدين لم يألوا جهداً في جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم وكتاباته في مراجعاته وفي فصوله المهمة تدل على ذلك لاجل ذلك وغيره طلب مني بعض الفضلاء والسادة الاجلة منذ زمن بعيد وتكرر الطلب على ان احققه واعلق عليه وبعد مد وجزر قمت بذلك وتم والحمد للّه فارجو من اللّه العلي القدير ان يجعله خالصاً لوجهه الكريم وان ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى اللّه بقلب سليم وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين.
قم ابو مجتبی
ص: 20
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الحمد للّه الذي اختص عبده ورسوله محمداً بما اختصه به من الكرامة والمنزلة والزلفى لديه، فعلمه علم ماكان وعلم ما بقي، وآتاه من الفضل مالم يؤت أحداً من العالمين، و « اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» فختم به النبوة والوحي ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة المتعلقة بأفعال المكلفين (2) فحلال محمد هو الحلال الى يوم القيامة، وكذلك حرامه وسائر أحكامه (3)، سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وهذا مما أجمع عليه المسلمون
ص: 1
كافة، كاجماعهم على نبوته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم ينبس (1) منهم واحد بكلمة من خلاف فيه، ولا رتم بها أبداً.
وقد علموا - وللّه الحمد - ان الشرائع الاسلامية قد وسعت الدنيا والآخرة ينظمها وقوانينها وحكمتها في جميع أحكامها وقسطها في موازينها، وانها المدنية الحكيمة الرحيمة الصالحة لاهل الارض في كل مكان وزمان، على اختلافهم فى أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم. لم يبق شارع الاسلام وهو علام الغيوب جل وعلا غاية الا اوضح سبيلها وأقام لاولي الالباب دلیلها، و حاشاه تعالت آلاؤه أن يوكل الناس الى آرائهم، أو يذرهم يسرحون في دينه على غلوائهم، بل ربطهم على لسان عبده وخاتم رسالته بحبليه، و عصمهم بثقليه، وبشرهم بالهدى ما ان أخذوا بهديهما، وأنذرهم الضلال ان لم يتمسكوا بهما، و اخبرهم انهما لن يفترقا و لن تخلو الارض منهما حتى يردا عليه الحوض (2)، فهما معاً مفزع الامة ومرجعها بعد نبيها، فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلف عنهما أو عن أحدهما مفارق له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (3)
ص: 2
مثلهم فى هذه الامة كباب حطة فى بني اسرائيل، وكسفينة نوح فى قومه (1)، فليس لاحد - وان عظم شأنه - أن يتبع غير سبيلهم، «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ» (2) وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن اللّه تعالى آية أو عن رسوله سنة الاعلى ظاهرهما المتبادر منهما الى الاذهان، و ليس له أن يحيد عن الظاهر المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة، الا بسلطان مبين، فان كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره عمل بمقتضاه، والا فقد ضل وابتدع.
هذا ما عليه الأمة المسلمة - امة محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - بجميع مذاهبها، فان من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة، فضلا عن نصوصها الصريحة.
جروا في الأخذ بهما، والعمل على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل اللغات كلها، فان أهل اللغات بأسرهم انما يحملون الفاظهم المطلقة على ما يسبق منها الى أذهانهم من المعاني، لايتأولون منها - عند انطلاقها - شيئاً، ولا يحملونها على ما تقتضيه أغراضهم ومصالحهم، شخصية كانت أم عامة.
نعم رأيت - بكل أسف - بعض ساسة السلف و كبرائهم يؤثرون اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب و السنة و نصوصهما
ص: 3
الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على معارضتهما طوعاً وكرهاً بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة ولادبرة (1) فانا للّه وانا اليه راجعون.
وقد قال اللّه تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (2) وقال عز سلطانه : «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا» (3) «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (4) «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» (5) «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(6) «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ» (7). منطقه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كالقرآن الحكيم «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (8) فليس لمن يؤمن بهذه الايات أو يصدق بنبوته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها، وما كان القوم كحائدين، وانما كانوا كمجتهدين متأولين «وَهُم يُحْسِبُونَ انَّهُم يُحْسِنُونَ» فانا للّه وانا اليه
ص: 4
راجعون.
واليك في كتابنا هذا (النص والاجتهاد) من موارد تأولهم للنصوص و اجتهادهم في ايثار المصلحة عليها ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة، وبلابل المحن والاحن ونوائب الزمن، وما توفيقي الا باللّه عليه توكلت واليه انيب.
فخذها اليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها ولك بعد ذلك رأيك، واللّه الهادي الى الحق والصواب، واليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
ص: 5
المورد (1) يوم السقيفة
اذ بسط أبو بكر يده ليبايع بالخلافة عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فبايعه من بايعه طوعاً، وبايعه بعد ذلك - آخرون كرها (1) مع علمهم جميعاً بعهد رسول
ص: 6
اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بها الى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، وقد رأوه وسمعوه ينص عليه مستمراً في تكرار هذا النص من مبدأ أمره في نبوته - الى منتهى عمره الشريف. ويورده بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.
ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) (1) اذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص، وعن كل ماهو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الاسلام ومربي العلماء الاعلام الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الازهر يومئذ رحمه اللّه تعالى، أيام كنا في خدمته (2) وكان اذ ذاك شيخ الازهر، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونصوصها مناظرات
ص: 7
و مراجعات خطية بذلنا الوسع فيها ايغالا في البحث والتمحيص، وامعاناً فيما يوجبه الانصاف والاعتراف بالحق، فكانت تلك المراجعات بيمن نقيبة الشيخ سفراً من انفع أسفار الحق، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره والحمد للّه على التوفيق (1).
وها هي تلك، منتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو الى المناظرة بصدر شرحه اللّه للبحث، وقلب واع لما يقوله الفريقان، ورأي جميع ولب رصين، فلا تفوتنكم أيها الباحثون.
نعم لي رجاء انيطه بكم فلا تخيبوه. امعنوا في أهداف النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومراميه من أقواله وأفعاله. التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور، ولا تغلبنكم العاطفة على افهامكم وعقولكم كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول، لا يأبهون بشيء من صحتها ولا من صراحتها، واللّه تعالى يقول: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» (2) فأين تذهبون أيها المسلمون «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ» (3).
ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة، والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر.
على ان حياة النبي بعد النبوة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص منذ يوم الانذار في دار أبي طالب (4) فما بعده من الايام حتى سجي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على فراش الموت
ص: 8
ص: 9
والحجرة غاصة بأصحابه فقال : «أيها الناس يوشك أن اقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي. و و قد قدمت اليكم الا أني مخلف فيكم كتاب اللّه عز و جل و عترتي أهل بيتي». ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال :«هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض» (1). وكفى بنصوص
ص: 10
الثقلين حكماً بين الفريقين (1)، وخصائص علي كل نص جلي : «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» (2).
استأثروا بالامر يوم السقيفة، متأولين نصوص لايلوون على شيء، وقد قضوا امرهم بينهم بدون أن يؤذنوا به أحداً من بني هاشم وأوليائهم (3) وهم اهل بيت النبوة، وموضع الرسالة و مختلف الملائكة، و مهبط الوحي و التنزيل، حتى كأنهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) لم يكونوا ثقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأعدال كتاب اللّه عز وجل (4).
ص: 11
ص: 12
وأمان الأمة من الاختلاف (1).
ص: 13
وكأنهم لم يكونوا من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، و بمنزلة العينين من الرأس (1).
بل كأنهم انما كانوا ممن عناهم الشاعر في المثل السائر.
ص: 15
ويقضي الأمر حين تغيب تيم***ولا يستأذنون وهم شهود (1)
أجل قضي الأمر في السقيفة و رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لقى بين عترته الظاهرة وأوليائهم ثلاثة أيام، و هم حوله يتقطعون حسرات، ويتصعدون زفرات قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهم والغم ما يذيب لفائف القلوب، ومن الرعب و الوجل ما تميد به الجبال و من الهول والفرق ما أطار عيونهم، وضيق الأرض برحبها عليهم.
و اولئك في معزل عن المسجى ثلاثاً - بأبي و أمي - يرهفون لسلطانه عزائمهم و يشحذون لملكه آراءهم، لم يهتموا في شيء من أمره، حتى قضوا أمرهم مستأثرين به.
وما إن فاءوا الى مواراته حتى فاجأوا اولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم، أو التحريق عليهم (2) كما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم في قصيدته السائرة :
ص: 16
وقولة لعلي قالها عمر***أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقى عليك بها***ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص بقائلها***أمام فارس عدنان وحاميها (1)
فلو فرض ان لانص بالخلافة على أحد من آل محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وفرض كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب، أو اخلاق، أو جهاد، أو علم، أو عمل، أو ايمان، أو اخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل، بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان من مانع شرعى أو عقلي أو عرفي يمنع من تأجيل عقد البيعة الى فراغهم من تجهيز رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟؟؟ و لو بأن يوكل حفظ الامن الى القيادة العسكرية موقتاً حتى يستتب أمر الخلافة ؟
أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين؟ وهم وديعة النبي لديهم، و بقيته فيهم، و قد قال اللّه تعالى : «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» (2) أليس على حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الأمة، و يحرص على
ص: 17
سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - ان لاتعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر - ؟!!
و حسبها يومئذ فقد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قارعة تفترش بها القلق، و تتوسد الارق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء، فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى الى حفظ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيها، وأجمع لكلمة الامة، واقرب الى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن عن آل محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مهما كلفهم الأمر، فخافوا من التريث أن يفضي بهم الى خلاف ما صمموا عليه، فان آل محمد اذا حضروا المشورة ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، و اغتنموا اشتغال الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم الى واجباتهم بتجهيز جنازتهم المفداة.
وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل اقدامهم و اجتماع اكثر الانصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي و أسيد بن الحضير سيد الأوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح و خافا أن يتم له الأمر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الاوسي، و معن بن عدي حليف الانصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما، فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، و كانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم الى أبي بكر و عمر مسرعاً فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، و أسرع بهما الى السقيفة و معهما أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين
ص: 18
فاحتدم الجدال بين المهاجرين والانصار، واشتدت الخصومة حتى ارتفعت أصواتهم بها وكادت الفتنة أن تقع، فقام أبو بكر بكلام اثنى فيه على الانصار، واعترف لهم بالجميل خاطباً ودهم بلين ورقة، واحتج عليهم : بأن المهاجرين شجرة رسول اللّه وبيضته التي تفقأت عنه، و رشحهم الوزارة اذا تمت للمهاجرين الامارة، ثم أخذ بضبعي عمر و أبي عبيدة فأمر المجتمعين بمبايعة أيهما شاؤا، وما ان فعل ذلك حتى تسابق الى بيعته عمر وبشير، وما ان بايعاه حتى تبارى الى بيعته أسيد بن الحضير، و عويم بن، و عویم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وأبو عبيدة بن الجراح، و سالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد (1) و اشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة بكل طريق، و كان أشدهم في ذلك عمر، ثم اسيد و خالد و قنفذ (2) بن عمير بن جدعان التميمي (3) وما بويع أبو بكر حتى اقبلت به الفئة التي بايعته تزفه الى مسجد
ص: 19
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) زفاف العروس (1) و النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثمة لقي بين أولئك المولهين و المولهات من الطيبين و الطيبات، فما وسع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيثذ الا التمثيل بقول القائل ؟
وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا***و يطغون لما غال زيداً غوائل (2)
وكان (عَلَيهِ السَّلَامُ) على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وانه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وان ذلك يوجب التغرير في الدين والخطر بالامة، فاختار الكف احتياطاً على الاسلام، وايثاراً للصالح العام، وتقديماً للاهم على المهم، عهد معهود من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). صبر امیر المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى (3). نعم قعد في بيته ساخطاً مما فعلوه، حتى أخرجوه كرهاً (4) احتفاظاً بحقه المعهود به اليه
ص: 20
واحتجاجه على من استبد به (1) وما أبلغ حجته اذ قال مخاطباً لابي بكر :
فأن كنت بالقربی حججت خصيمهم***فغيرك أولى بالنبي وأقرب
ص: 21
وان كنت بالشوری ملکت امورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب (1)
ص: 22
ص: 23
وقد كانت بيعتهم فلتة، وقى اللّه المسلمين شرها كما زعموا (1)، لكن تلك الوقاية انما كانت على يد أمير المؤمنين بصبره على الأذى، وغمضه على القذى، وتضحيته حقه في سبيل حياة الاسلام، فجزاه اللّه عن الاسلام وأهله خير جزاء المحسنين.
ص: 24
المورد – (2) - :
يوم حضرت أبا بكر الوفاة، اذ عهد بالخلافة الى عمر، وي. وي. (فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته، اذ عقدها لاخر بعد وفاته، لشد ماتشطرا ضرعيها) (1) وي. وي. كأن الرجل يملك الاخر عن مالكه !! فعهد به الى من أراد لا يخشى عقاباً، ولاحساباً، ولاعتاباً، وي. وي كأنه نسي أو تناسى عهد النبي بالخلافة عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى علي (2) ؟!! ثم من بعده الى الائمة من ولده أحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي الى الحق من لم ينتهج في الدين نهجهما عدل القرآن في الميزان لن يفترقا حتى يردا عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الحوض (3).
وهم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وكباب حطة
ص: 25
من دخله غفر له (1).
وأمان أهل الأرض من العذاب، وأمن الامة من الاختلاف [ في الدين ] فاذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب ابلیس (2) الى آخر ما اقتضته النصوص الصريحة، التي اوجبت لهم الحق بالخلافة عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على جميع الخلق، وقد أوردنا طائفة منها في كتاب - المراجعات – فلتراجع (3).
المورد – (3) -
غزوة مؤتة، وكانت في جمادي الاولى سنة ثمان استعمل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الجيش فيها زيد بن حارثة وقال : ان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فان اصيب جعفر فعبد اللّه بن رواحة، هذا ما يقو له جمهور المسلمين كافة، ولعل الصواب ما يقوله أصحابنا الامامية، ان الاول من هؤلاء الأمراء انما هو جعفر والثاني انما هو زيد وثالثهم عبد اللّه بن رواحة واخبارنا في هذا متظافرة من طريق العترة الطاهرة (4).
ص: 26
ويشهد لهذا مارواه محمد بن اسحاق في مغازيه عن كل من حسان بن ثابت و كعب بن مالك الانصاريين من شعرهما في رثاء جعفر ومدحه از استشهد (1).
وكيف كان الواقع من ترتيب رسول اللّه لهؤلاء الامراء الثلاثة فقد نص (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علی تأمیر زید (2)، سواء أكان الاول منهم، أم كان الثاني، وسمعه الجيش وسائر الصحابة يؤمره فلا وجه لطعن الطاعنين منهم بعد ذلك في تأميره (3) الا اذا جاز الاجتهاد من غير المعصوم، في مقابل النص من المعصوم.
وكان السبب فى هذه الغزوة ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعث من أصحابه الحرث بن عمير الأزدي الى ملك بصرى بكتاب يدعوه فيه الى اللّه تعالى ورسوله وطاعتهما ليكون من المسلمين له مالهم، وعليه ما عليهم، فعرض له شرحبيل
ص: 27
بن عمرو، فقال له : أين تريد ؟ فقال الشام. قال : لعلك من رسل محمد ؟ قال نعم. فأمر به فأوثق رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه. ولم يقتل الرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رسول غيره. وبلغ رسول اللّه ذلك فبعث هذا البعث (1)، وأمر عليه الامراء الثلاثة، ورتبهم حسب ما اسلفناه.
أرسل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذا البعث، والبعث الآخر مع اسامة بن زيد لفتح الشام فوقرت بهما مهابة الاسلام والمسلمين في الصدور، وامتلأت صدور الروم هيبة واجلالا بما رأنه من رباطة الجأش وصدق اللقاء، والتفاني في الفتح، والمسابقة الى الموت في سبيله من كلا الجيشين.
وللّه ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب اذ اشند بمن معه وهم ثلاثة آلاف على عدوه هرقل وهو في مئتي الف (2) وهو يقول :
ياحبذا الجنة واقترابها***طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها***كافرة بعيدة أنسابها
علي اذ لاقيتها ضرابها
فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم فقطعت يداه وقتل. وكان جعفر أول من عقر فرسه في الاسلام، فوجدوا به بضعاً
ص: 28
وثمانين جرحاً بين رمية وضربة وطعنة (1).
ويؤثر عن رسول اللّه (2) أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مخضب القوادم بالدم (3).
واللّه موقف زيد بن حارثة وقد شاط في رماح القوم اعلى اللّه مقامه كما شرف في الدنيا ختامه وما أشرف موقف عبد اللّه بن رواحة اذ يشجع نفسه في مقابلة مئتي الف من عدوه فيقول :
يانفس ان لم تقتلى تموتي***هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت***ان تفعلي فعلهما هديت
وقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه***طائعة أو لا لتكرهنه
ان أجلب الناس وشدوا الرنة***مالي أراك تكرهين الجنة
قد طالما قد كنت مطمئنة***هل أنت الا نطفة في شنة
ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق من لحم، فقال له : شد بهذا صلبك فقد لقيت مالقيت فأخذه فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر فقال لنفسه وأنت في الدنيا.؟. ثم القاه وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل (4).
ص: 29
وكان بعض المسلمين من هذا الجيش - اذ علم أن عدوهم الناهد اليهم مئنا الف - رأى ان يخبر رسول اللّه بذلك، فشجعهم عبد اللّه بن رواحة (على المضي) بقوله :
«و اللّه ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم الا بهذا الدين، الذي أكرمنا اللّه تعالى به، فانطلقوا فما هي الا احدى الحسنيين. اما ظهور و اما شهادة» فقال الناس : صدق واللّه (1) وساروا فما ضعفوا وما استكانوا، ان هذا واللّه لهو الشرف، يعلو جناح النسر، ويزحم منكب الجوزاء اجل، انما هو الايمان باللّه ورسوله، فياليتنا كنا فنفوز فوزاً عظيماً.
المورد – (4) - سرية اسامة ابن زيد :
ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد اهتم بهذه السرية اهتماماً عظيماً فأمر أصحابه بالتهيؤ لها و حضهم على ذلك، ثم عبأهم بنفسه الزكية، ارهاقاً لعزائمهم، واستنهاضاً لهممهم، فلم يبق أحداً من وجوه المهاجرين والانصار، كأبي بكر
ص: 30
ذلك لاربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشر للهجرة، فلما كان من الغد دعا اسامة فقال له :
«سر الى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغز صباحاً على أهل أبنى (1) وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الاخبار، فأن أظفرك اللّه عليهم، فأقل اللبث فيهم، و خذ معك الادلاء، و قدم العيون والطلائع معك» (2).
الثامن والعشرين من صفر بدأ به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مرض الموت، فلما كان يوم فحم - بأبي وأمي - وصدع، فلما أصبح يوم التاسع و العشرين و وجدهم مناقلين، خرج اليهم فحضهم على السير، و عقد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اللواء لاسامة بيده الشريفة تحريكاً لحميتهم، و ارهافاً لعزيمتهم، ثم قال : «اغز باسم اللّه و في سبيل اللّه، وقاتل من كفر باللّه» (3) فخرج بلوائه معقوداً، فدفعه الى بريدة وعسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب اسراعهم كقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اغز صباحاً على أهل ابني، وقوله : واسرع السير لتسبق الاخبار الى كثير من أمثال هذه الأوامر التي لم
ص: 32
يعملوا بها في تلك السرية.
وطعن قوم منهم في تأمير اسامة، كما طعنوا من قبل في تأمير ابيه، وقالوا في ذلك، فأكثروا مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالامارة، وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) له يومئذ : فقد وليتك هذا الجيش، ورأوه يعقد له لواء الامارة: - وهو محموم - بیده الشريفة، فلم يمنعهم ذلك من الطعن في تأميره، حتى غضب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من طعنهم غضباً شديداً، فخرج - بأبي وأمي - معصب الرأس (1) مدثراً بقطيفته محموماً ألماً، و كان ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الاول، قبل وفاته - بأبي وأمي - بيومين (فيما يرويه الجمور) فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال - فيما اجمع أهل الاخبار على نقله، و اتفق الخاصة والعامة من أولى العلم على صدوره منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
«أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، واثن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم اللّه ان كان لخليقاً بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها (2)» وحضهم على المبادرة الى السير فجعلوا يودعونه ويخرجون الى العسكر بالجرف وهو يحضهم على التعجيل، ثم ثقل - بأبي وأمي - في مرضه، فجعل يقول : «جهزوا جيش أسامة،
ص: 33
انفذوا جيش أسامة، ارسلوا بعث أسامة، يكرر ذلك» (1) وهم مثاقلون.
فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأمره بالسير قائلا له : «أغد على بركة اللّه تعالى» (2) فودعه وخرج الى المعسكر، ثم رجع ومعه عمر وأبو عبيدة فانتهوا اليه - بأبي وأمي - وهو يجود بنفسه، فتوفي - روحي وأرواح العالمين له الفداء - في ذلك اليوم، فرجع الجيش باللواء الى المدينة الطيبة، ثم عزموا على الغاء البعث بالمرة، وكلموا أبا بكر في ذلك وأصروا عليه غاية الاصرار (3).
مع ما رأوه من اهتمام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في انفاذه، وعنايته التامة في تعجيل ارساله، ونصوصه المتوالية في الاسراع به، على وجه يسبق الاخبار، وبذله الوسع في ذلك منذ عبأه بنفسه، وعهد الى أسامة في أمره، وعقد لواءه بيده الى أن احتضر -بأبي وأمتي - فقال: «أغد على بركة اللّه تعالى» كما سمعت ولولا الخليفة لاجمعوا يومئذ على ردّ البعث وحلّ اللواء، لكنه أبى عليهم ذلك فلما رأوا منه العزم على ارسال البعث، جاءه عمر بن الخطاب حينئذ
ص: 34
يلتمس منه بلسان الانصار ان يعزل أسامة ويولي غيره.
هذا ولم يطل العهد منهم بغضب النبي وانزعاجه من طعنهم في تأمي-ر أسامة، ولا بخروجه من بيته بسبب ذلك محموماً ألماً، معصباً مدثراً، يرسف في مشيته، ورجله لا تكاد تقله مما كان به من لغوب، فصعد المنبر وهو يتنفس الصعداء، ويعالج البرحاء، فقال : «أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم اللّه ان كان لخليقاً بالامارة، وان ابنه من بعده الخليق بها» (1).
فأكد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الحكم بالقسم وان، واسمية الجملة، ولام التأكيد ليقلعوا عما كانوا عليه فلم يقلعوا، لكن الخليفة أبي ان يجيبهم الى عزل أسامة، كما أبى أن يجيبهم الى الغاء البعث، ووثب فأخذ بلحية عمر (2) فقال : ثكلتك امك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وتأمرني أن أنزعه !» (3).
ولما سيروا الجيش - وما كادوا يفعلون - خرج أسامة في ثلاثة آلاف مقاتل فيهم الف فرس (4) وتخلف عنه جماعة ممن عباهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في
ص: 35
جيشه، وقد قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فيما اورده الشهرستاني في المقدمة الرابعة من كتاب الملل والنحل - «جهزوا جيش أسامة لعن اللّه من تخلف عنه» (1).
وقد تعلم انهم انما تثاقلوا عن السير أولا، وتخلفوا عن الجيش اخيراً، ليحكموا قواعد ساستهم، ويقيموا عمدها ترجيحاً منهم لذلك على التعبد بالنص حيث رأوه أولى بالمحافظة، وأحق بالرعاية، اذ لا يفوت البعث بثاقلهم عن السير، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش، اما الخلافة فانها تنصرف عنهم لا محالة اذا انصرفوا الى الغزوة قبل وفاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
وكان - بأبي وأمي - أراد أن تخلو منهم العاصمة فيصفو الامر من بعده لامير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة، فاذا رجعوا وقد ابرم عهد الخلافة وأحكم لعلي عقدها، كانوا عن المنازعة والخلاف ابعد.
وانما امر عليهم اسامة وهو ابن سبع عشرة سنة (2) ليأ لاعنة البعض ورداً لجماح اهل الجماح منهم، واحتياطاً من الامن في المستقبل من نزاع اهل التنافس لو أمر أحدهم كما لا يخفى لكنهم فطنوا الى ما دبر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فطعنوا
ص: 36
في تأمير اسامة، وتثاقلوا عن السير معه فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي، بربه فهموا حينئذ بالغاء البعث وحل اللواء تارة، وبعزل إسامة اخرى ثم تخلف منهم عن الجيش وفي اولهم ابو بكر وعمر (1).
فهذه خمسة امور في هذه السرية، لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية، ايثاراً لرأيهم في الامور السياسية، وترجيحاً لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
اعتذر عنهم شيخ الاسلام البشري في بعض مراجعاتنا معه فقال : «نعم كان رسول اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد حضهم على تعجيل السير في غزوة اسامة، وأمرهم بالاسرع كما ذكرت، وضيق عليهم في ذلك حتى قال لاسامة حين عهد اليه : اغز صباحاً على اهل أبنى، فلم يمهله الى المساء، وقال له: اسرع السير فلم يرض منه الا بالاسراع لكنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تمرض بعد ذلك بلا فصل فثقل حتى خيف عليه، فلم تسمح نفوسهم بفراقه وهو في تلك الحال، فتربصوا ينتضرون في الجرف ما تنتهى اليه حاله.
وهذا من وفور اشفاقهم عليه، وولوع قلوبهم به، ولم يكن لهم مقصد في تثاقلهم الا انتظار احدى الغايتين، اما قرة عيونهم بصحته، واما الفوز بالتشرف بتجهيزه، وتوطيد الأمر لمن يتولى عليهم من بعده، فهم معذورن
ص: 37
في هذا التربص، ولا جناح عليهم فيه.
واما طعنهم قبل وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في تأمير اسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره، فلم يكن منهم الا لحداثته، مع كونهم بين كهول وشيوخ، ونفوس الكهول والشيوخ تأبى - بجبلتها - ان تنقاد الى الاحداث، وتنفر - بطبعها - من النزول على حكم الشبان فكراهتهم لتأميره ليست بدعاً منهم، وانما كانت على مقتضى الطبع البشري، والجبلة الادمية.
وأما طلبهم عزل اسامة بعد وفاة الرسول، فقد اعتذر عنه بعض العلماء بأنهم ربما جوزوا ان يوافقهم الصديق على رجحان عزله، لاقتضاء المصلحة - بحسب نظرهم - لذلك.
(قال) : والانصاف اني لا اعرف وجهاً يقبله العقل في طلبهم عزله، بعد غضب النبى من طعنهم فى تأميره، وخروجه بسبب ذلك محموماً معصباً مدثراً مندداً بهم في خطبته تلك على المنبر التي كانت من الوقائع التاريخية الشائعة بينهم، وقد سارت كل مسير، فوجه معذرتهم بعدها لا يعلمه الا اللّه تعالى. وأما عزمهم على الغاء البعث، واصرارهم على الصديق في ذلك مع ما رأوه من اهتمام النبى في انفاذه، وعنايته التامة في تعجیل ارساله، ونصوصه المتوالية في ذلك، فانما كان منهم احتياطاً على عاصمة الاسلام ان يتخطفها المشركون من حولهم اذا خلت من القوة، وبعد عنها الجيش، وقد ظهر النفاق يموت النبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقويت نفوس اليهود والنصارى، وارتدت طوائف من العرب، ومنع الزكاة طوائف اخرى، فكلم الصحابة سيدنا الصديق في منع اسامة من السفر فأبى وقال: واللّه لان تخطفني الطير احب الي من أن ابدأ بشيء قبل انفاذ امر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، هذا ما نقله اصحابنا عن الصديق، وأما غيره فمعذور فيما اراد من ردّ البعث، اذا لم يكن له مقصد
ص: 38
سوى الاحتياط على الاسلام.
وأما تخلف ابي بكر وعمر وغيرهما عن الجيش حين سار به اسامة، فانما كان لتوطيد الملك الاسلامي، وتأييد الدولة المحمدية، وحفظ الخلافة التي لا يحفظ الدين وأهله يومئذ الا بها.
وأما ما نقلتموه عن الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، فقد وجدناه مرسلا غير مسند، والحلبي والسيد الدحلاني في سيرتيهما قالا : لم يرد فيه حديث اصلا فان كنت سلمك اللّه تروي من طريق اهل السنة حديثاً في ذلك فدلني عليه اشكرك» (1).
قلنا في جواب الشيخ : «سلمتم - سلمكم اللّه تعالى - بتأخرهم في سرية اسامة عن السير، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة ما قد امروا به من الاسراع والتعجيل.
وسلمتم بطعنهم في تأمير اسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره.
وسلمتم بطلبهم من ابي بكر عزله، بعد غضب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من طعنهم في امارته، وخروجه بسبب ذلك محموماً معصباً مدثراً، مندداً بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم انها كانت من الوقائع التاريخية، وقد اعلن فيها كون اسامة وأبيه اهلا للامارة.
وسلمتم بطلبهم من الخليفة الغاء البعث الذي بعثه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحل اللواء الذى عقده بيده الشريفة، مع ما رأوه من اهتمامه في انفاذه، وعنايته التامة في تعجيل ارساله، ونصوصه المتوالية فى وجوب ذلك.
ص: 39
وسلمتم بتخلف بعض من عباهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فى ذلك الجيش، وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة اسامة.
سلمتم بكل هذا كما نص عليه اهل الاخبار : واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار، وقلتم انهم معذورون في ذلك، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم انهم انما آثروا في هذه الامور مصلحة الاسلام بما اقتضته انظارهم، لا بما اوجبته النصوص النبوية، ونحن ما ادعينا - في هذا المقام - اكثر من هذا.
وبعبارة اخرى موضوع كلامنا انما هو في انهم اهل كانوا يتعبدون في جميع النصوص أم لا ؟ اخترتم الاول، ونحن اخترنا الثاني. فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم فى هذه الأوامر يثبت ما اخترناه، وكونهم معذورين او غير معذورين، خارج عن موضوع البحث كما لا يخفى.
وحيث ثبت لديكم ايثارهم في سرية اسامة مصلحة الاسلام بما اقتضته انظارهم على التعبد بما اوجبته تلك النصوص، فلم لا تقولون انهم آثروا في امر الخلافة بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مصلحة الاسلام بما اقتضته انظارهم على التعبد بنصوص الغدير وأمثالها ؟ !.
اعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير اسامة بأنهم انما طعنوا بتأميره لحداثه مع كونهم بين كهول وشيوخ، وقلتم : ان نفوس الكهول والشيوخ تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد الى الاحداث فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لهم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم، لانهم - بحكم الضرورة من اخبارهم - قد استحدثوا سنه يسوم مات رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما استحدثوا سن اسامة يوم ولاه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليهم في تلك السرية، وشتان بين الخلافة وامارة السرية. فاذا ابت نفوسهم بجبلتها ان تنقاد للحدث في سرية واحدة، فهي أولى بأن تأبى ان تنقاد للحدث مدة حياته في
ص: 40
جميع الشؤون الدنيوية والاخروية.
على ما ذكرتموه «من ان نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبيعتها من الانقياد للاحداث» فممنوع ان كان مرادكم الاطلاق في هذا الحكم، لانّ نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين فى ايمانهم لاتنفر من طاعة اللّه ورسوله في الانقياد للاحداث ولا في غيره من سائر الاشياء «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (1) «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (2) «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا» (3).
اما الكلمة المتعلقة فيمن تخلف عن جيش اسامة التي ارسلها الشهرستاني ارسال المسلمات، فقد جاءت في حديث مسند اخرجه ابوبکر احمد بن عبد العزيز الجوهري فى كتاب السقيفة، انقله لك بعين لفظه، قال :
«حدثنا احمد بن اسحاق بن صالح عن احمد بن يسار عن سعيد بن كثير الانصاري عن رجاله عن عبد اللّه بن عبدالرحمن ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مرض موته امر اسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والانصار منهم ابوبكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير وأمره ان يغير على مؤتة حيث قتل ابوه زيد وان يغزو وادي فلسطين فتثاقل اسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مرضه يثقل ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتى قال له اسامة
ص: 41
بابي انت وأمّي : أتأذن لي ان امكث أياما حتى يشفيك اللّه تعالى.
فقال : اخرج وسر على بركة اللّه.
فقال : يارسول اللّه ان أنا خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة.
فقال : سر على النصر والعافية.
فقال : يارسول اللّه اني أكره أن اسائل عنك الركبان.
فقال : انفذ لما امرتك به.
ثم أغمي على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقام اسامة فتجهز المخروج، فلما افاق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سأل عن اسامة والبعث، فأخبر انهم يتجهزون، فجعل يقول: أنفذوا بعث اسامة لعن اللّه من تخلف عنه، وكرر ذلك، فخرج اسامة واللواء على رأسه، والصحابة بين يديه. حتى اذا كان بالجرف نزل ومعه ابوبكر وعمر وأكثر المهاجرين، ومن الانصار اسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهم من الوجوه، فجاءه رسول أم أيمن يقول له : ادخل فان رسول اللّه يموت، فقام من فوره فدخل المدينة واللواء معه فجاء به حتى ركزه بباب رسول اللّه ورسول اللّه قد مات في تلك الساعة» انتهى بعين لفظه (1).
وقد نقله جماعة من المؤرخين، منهم العلامة المعتزلي في آخر ص 20 والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة، طبع مصر (2).
المورد – (5) - سهم المؤلفة قلوبهم :
وذلك أن اللّه تعالى فرض في محكم كتابه العظيم للمؤلفة قلوبهم سهماً
ص: 42
فى الزكاة اذ يقول عز وجل (1) : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».
وقد كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعطي المؤلفة قلوبهم هذا السهم من الزكاة وهم اصناف، فمنهم اشراف من العرب كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يتألفهم ليسلموا فيرضخ لهم، ومنهم قوم اسلموا ونياتهم ضعيفة فيؤلف قلوبهم باجزال العطاء، كأبي سفيان، و ابنه معاوية، وعيينة بن حصن، والاقرع ابن حابس، وعباس بن مرداس ومنهم من يترقب - باعطاهم - اسلام نظرائهم من رجالات العرب، ولعل الصنف الأول كان يعطيهم الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من سدس الخمس الذي هو خالص ماله، وقد عد منهم من كان يؤلف قلبه بشيء من الزكاة على قتال الكفار (2).
هذه سيرته المستمرة مع المؤلفة قلوبهم منذ نزلت الآية الحكيمة عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتى لحق بالرفيق الأعلى، ولم يعهد الى احد من بعده باسقاط هذا السهم اجماعاً من الامة المسلمة كافة وقولا واحداً.
لكن لما ولي ابوبكر جاء المؤلفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم هذا جرياً على عادتهم مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فكتب ابوبكر لهم بذلك، فذهبوا بكتابه الى عمر ليأخذوا اخطه عليه فمزقه وقال : لا حاجة لنا بكم فقد اعز اللّه الاسلام وأغنى عنكم، فان اسلمتم والا السيف بيننا وبينكم، فرجعوا الى ابي بكر، فقالوا له : انت الخليفة أم هو ؟. فقال : بل هو ان شاء اللّه تعالى وأمضى ما
ص: 43
فعله عمر (1).
فاستقر الامر لدى الخليفتين، ومن يرى رأيهما من منع المؤلفة قلوبهم من سهمهم هذا، وصرفه الى من عداهم من الأصناف المذكورين في الاية.
ولبعض فضلاء الاصوليين هنا كلام يجدر بنا نقله وتمحيصه لما في ذلك من الفوائد.
ص: 44
قال الاستاذ المعاصر الدواليبي (1) في كتابه - اصول الفقه (2) - : «و لعل اجتهاد عمر رضي اللّه عنه في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلفة قلوبهم كان في مقدمة الاحكام التي قال بها عمر تبعاً لتغير المصلحة بتغير الازمان رغم أن النص القرآني في ذلك الذي لايزال ثابتاً غير منسوخ ايثاراً لرأيه الذي أدى الى اجتهاده» فتأمل فيما قال، ثم أمعن فيما يلي من كلامه.
قال : «والخبر في هذا ان اللّه سبحانه وتعالى فرض في أول الاسلام، وعندما كان المسلمون ضعافاً، عطاءاً يعطي لبعض من يخشى شرهم ويرجى خيرهم تألفاً لقلوبهم، وذلك في جملة من عددهم القرآن لينفق عليهم من أموال بيت المال الخاص بالصدقات. فقال : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ». قال : وهكذا قد جعل القرآن الكريم المؤلفة قلوبهم في جملة مصارف الصدقات، و جعل لهم بعض المخصصات على نحو ما تفعله الدول اليوم في تخصيص بعض النفقات من ميزانياتها للدعاية السياسية (3) قال: «غير ان الاسلام لما اشتد ساعده، وتوطد سلطانه رأى عمر (رضي اللّه عنه) حرمان المؤلفة قلوبهم من هذا العطاء المفروض لهم بنصوص القرآن».
قلت : أعاد الاستاذ تصريحه بأن عمر (رضي اللّه عنه) قطع العطاء الذي
ص: 45
جعله القرآن الكريم بنصه الصريح حقاً مفروضاً للمؤلفة قلوبهم، ايثاراً لرأى راه في ذلك، ثم اعتذر عن الخليفة.
فقال : «وليس معنى ذلك ان عمر قد ابطل او عطل نصاً قرآنياً، ولكنه نظر الى علة النص لا الى ظاهره واعتبر اعطاء المؤلفة قلوبهم معللا بظروف زمنية اي موقتة وتلك هي تألفهم واتقاء شرهم عندما كان الاسلام ضعيفاً، فلما قويت شوكة الاسلام، تغيرت الظروف الداعية للعطاء، كان من موجبات النص ومن العمل بعلته (1) أن يمنعوا من هذا العطاء».
قلت : لا يخفى ان النص على اعطائهم مطلق، واطلاقه جلي في الذكر الحكيم وهذا مما لا خلاف ولا شبهة فيه، وليس لنا ان نعتبره مقيداً - والحال هذه - او معللا بشيء ما الا بسلطان من اللّه تعالى أو من رسوله، وليس ثمة من سلطان (2).
فمن اين لنا ان نعتبر اعطاءهم معللا بظروف زمنية موقتة، هي تألفهم حينما كان الاسلام ضعيفاً دون غيره من الازمنة ؟؟.
على أنا لو أمنا من شر المؤلفة قلوبهم في عهد ما فان دخولهم في الاسلام
ص: 46
بسبب اعطائهم لا ينقطع بذلك، بل ربما اشتد بقوة سلطان الاسلام، وكفى بهذا الامل موجباً لتألفهم بالعطاء. وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يؤلف بعطائه هذا اصنافاً متعددة، صنفاً ليسلموا ويسلم قومهم باسلامهم، وصنفاً كانوا قد أسلموا ولكن على ضعف الايمان فيريد تثبيتهم باعطائه، وصنفاً يعطيهم لدفع شرهم فلو فرضنا أنا أمنا شر اهل الشر منهم، فليعط هذا الحق لمن يرجى اسلامه، او اسلام قومه، ولمن يقوي ايمانه ويثبته اللّه عليه بسبب هذا العطاء، تأسياً برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). وأحب العباد الى اللّه تعالى المتأسي بنبيه والمقتص اثره.
على ان قوة الاسلام تلك التي قهرت عدّو المسلمين وأمنتهم من شره قد تغيرت الى الضد مما كانت عليه. فاستحوذت عليهم الاجانب فاضطرتهم الى تألفها ومصانعتها بالعطاء وغيره، كما هو المشاهد العيان في هذا الزمان وما قبله، وبهذا تبين ان اسقاط سهم المؤلفة قلوبهم يوم كان الاسلام قوياً، انما كان عن اغترار بحالتهم الحاضرة في ذلك الوقت، لكن القرآن العظيم انما هو من لدن عليم حكيم (1).
والان نستأنف البحث عن النص المطلق وتقييده بالمصلحة التي باختلاف الازمان، فيختلف الحكم الشرعي باختلافها. نبحث عن تختلف هذا الاصل من حيث شروطه.
فنقول : نحن الامامية اجماعا وقولا واحدا لانعتبر المصلحة في تخصيص عام ولا في تقييد مطلق الا اذا كان لها في الشريعه نص خاص يشهد لها بالاعتبار فاذا لم يكن لها فى الشريعة اصل شاهد باعتبارها ايجابا او سلبا كانت عندنا مما لا اثر له، فوجود المصالح المرسلة وعدمها عندنا على حد سواء (2).
ص: 47
وهذا هو رأي الطائفتين الشافعية والحنفية (1).
اما الحنابلة فانهم وان اخذوا بالمصالح المرسلة التي لا يكون لها في الشريعة اصل يشهدلها، لكنهم مع ذلك لا يقفون بالمصالح موقف المعارضة من النصوص بل يؤخرون المصلحة المرسلة عن النصوص (2) فهم اذن لا يقيدون بها نص المؤلفة قلوبهم، فليعطفوا فيه وفي امثاله على الامامية والشافعية والحنفية.
وكذلك المالكية في نص المؤلفة قلوبهم و أمثاله، لانهم وان اخذوا بالمصالح المرسلة، ووقفوابها موقف المعارضة المنصوص، لكنهم انتما يعارضون بها اخبار الاحاد وأمثالها مما لا يكون قطعي الثبوت، ويعارضون بها ايضاً بعض العمومات القرآنية التي لا تكون قطعية الدلالة على العموم، اما ما كان قطعي الثبوت وقطعي الدلالة كنص المؤلفة قلوبهم فلا يمكن عندهم ان تقف المصالح المرسلة معارضة لها ابداً (3) لانها قطعية الثبوت والدلالة معاً.
وبالجملة فان اصول الفقه على هذه المذاهب كلها لاتبيح حمل حرمان المؤلفة قلوبهم على ما قد افاده الاستاذ وقد فصلنا ذلك
ولولا اجماع الجمهور (4) على ان الخليفتين رضي اللّه عنهما قد الغيا
ص: 48
- بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - سهم المؤلفة قلوبهم وأبطلا هذا الحق الواجب لهم بنص القرآن (1) لكان من الوجاهة بمكان ان نقول انهما رضي اللّه عنهما لم يخالفا الاية وان لم يعطيا المؤلفة يومئذ لان اللّه عز وجل انما جعل الأصناف الثمانية في الآية مصارف الصدقات على سبيل حصر الصرف فيها خاصة دون غيرهما لا على سبيل توزيعها على الثمانية بأجمعها، وعلى هذا فمن وضع صدقاته كلها فى صنف واحد من الثمانية تبرأ ذمته، كما تبرأ ذمة من وزعها على الثمانية وهذا مما اجمع عليه المسلمون وعليه عملهم في كل خلف منهم بعد رسول اللّه فأي بأس بما فعله عمر وأمضاه ابوبكر، لولا القول بأنهما قد ابطلا هذا الحق وألغياه رغم النص القرآني الذي لا يزال ثابتاً غير منسوخ ؟ !.
وقبل ان نختم هذا البحث نرى لزاما علينا ان ننبه الاستاذ الدواليبي الى تدارك ما نقله عن الامامية (2) من الاخذ بالمصالح المرسلة وتقديمهم اياه على النصوص القطعية فان هذا مما لا صحة له ولم يقل به منهم احد، وسليمان الطوفي من الغلاة الذين ما زالت خصومنا تحملنا اوزارهم.
ورأي الامامية في هذه المسئلة ماقد ذكرناه آنفاً وعليه اجماعهم، وتلك كتبهم في اصول الفقه (3) منتشرة فليراجعها الاستاذ وليعتمد عليها فيما ينقله
ص: 49
عن الامامية بدلا من اعتماده في ذلك على كتاب ابن حنبل سامحه اللّه تعالى.
المورد - (6) - سهم ذى القربى :
المنصوص عليه بقوله عز من قائل : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (1) فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (2) وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ (3) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (4)
وقد اجمع اهل القبلة كافة على ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يختص بسهم من الخمس ويخص اقاربه بسهم آخر منه، وانه لم يعهد بتغيير ذلك الى احد حتى دعاه اللّه اليه، واختاره اللّه الى الرفيق الأعلى (5).
ص: 50
فلما ولي ابو بكر رضي اللّه عنه تأول الاية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربي بموته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومنع - كما في الكشاف (1) وغيره - بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم (2).
وقد ارسلت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) تسأله ميراثها من رسول اللّه مما أفاء اللّه عليه بالمدينة و «فدك» وما بقي من خمس «خيبر» فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر فى ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا
ص: 51
و لم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها.. (الحديث) (1).
وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز. قال: كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجي الى ابن عباس قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه وقال ابن عباس واللّه لولا ان أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت اليه ولا نعمة عين قال فكتب اليه انك سألتني عن سهم ذي القربى الذين ذكرهم اللّه من هم؟ وانا كنا نرى ان قرابة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هم نحن فأبى ذلك هلينا قومنا.. الحديث (2).
ص: 52
وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في أواخر ص294 من الجزء الأول من مسنده، ورواه كثير من أصحاب المسانيد بطرق كلها صحيحة، وهذا هو مذهب أهل البيت المتواتر عن أئمتهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ).
لكن الكثير من أئمة الجمهور أخذوا برأي الخليفتين (رضي اللّه عنهما) فلم يجعلوا لذي القربي نصيباً من الخمس خاصاً بهم
فأما مالك بن أنس فقد جعله بأجمعه مفوضاً الى رأي الامام يجعله حيث يشاء من مصالح المسلمين، لا حق فيه لذي قربي ولا ليتيم ولا لمسكين ولا لا بن سبيل مطلقاً (1).
وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سهمه وسهم ذي قرباه وقسموه بين مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل على السواء، لافرق عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين (2).
والشافعي جعله خمسة أسهم : سهماً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يصرف الى ماكان يصرفه اليه من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع
رأى مالك وأبي حنيفة في مهم ذى القربي :
ص: 53
ونحو ذلك، وسهما لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل يقسم بينهم للذكر مثل حظ الانثيين، والباقي للفرق الثلاث اليتامى والمساكين وابن السبيل مطلقاً (1).
أما نحن - الامامية - فنقسم (2) الخمس ستة أسهم: اللّه تعالى ولرسوله مهمان وهذان مع السهم الثالث - سهم ذي القربى - للامام القائم مقام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل من آل محمد خاصة لايشاركهم فيها غيرهم لان اللّه سبحانه حرم عليهم الصدقات، فعوضهم عنها الخمس (3) وهذا مارواه الطبري في تفسيره عن الامامين علي بن الحسين زين العابدين وابنه محمد بن علي الباقر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) (4).
فائدة :
أجمع علماؤنا رضي اللّه عنهم على ان الخمس واجب في كل فائدة
ص: 54
تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات والحرف ومن الزرع والضرع والنخيل والأعناب ونحوها، وتجب فى الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مماهو مذكور في فقهنا وحديثنا (1).
ويمكن أن يستدل عليه بهذه الاية واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن كلاً من الغنيمة والغنم والمغنم حقيقة في كل ما يستفيده الانسان ومعاجم اللغة صريحة فى ذلك وتفصيل القول فى هذا كله موكول الى محله، وموضوع اسقاط البحث هنا انما هو الاجتهاد في سهم ذي القربى مع نص الاية بكل صراحة.
المورد - 7 - توريث الانبياء :
المنصوص عليه بعموم قوله عز من قائل «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا» (2).
وقوله تعالى «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (3) الى آخر آيات المواريث، وكلها عامة تشمل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فمن دونه من سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
ص: 55
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (الاية) (1). وقوله سبحانه وتعالى: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (الاية) (2). وقوله تبارك وتعالى : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ» (الاية) (3) ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكل مكلف من البشر، لافرق بينه وبينهم غير ان الخطاب فيها متوجه اليه ليعمل به وليبلغه الى من سواه، فهو من هذه الحيثية أولى فى الالتزام بالحكم من غيره.
ومنها قوله عز و علاء «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» (4)جعل اللّه عزوجل في هذه الآية الكريمة، الحق في الارث لاولي قرابات الموروث، وكان التوارث قبل نزولها من حقوق الولاية في الدين، ثم لما أعز اللّه الاسلام وأهله نسخ بهذه الآية ما كان من ذي حق في الارث قبلها، وجعل حق الارث منحصراً بأولي الارحام الأقرب منهم للموروث فالاقرب مطلقاً، سواء أكان الموروث هو النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أم كان غيره، وسواء أكان الوارث من عصبة الموروث أم من أصحاب الفرائض، أم كان من غيرهما عملا بظاهر الآية الكريمة (5).
ومنها: قوله تعالى فيما اقتص من خبر زكريا «إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا
ص: 56
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» (1).
احتجت الزهراء والأئمة من بنيها بهذه الآية، على أن الانبياء يورثون المال، وان الارث المذكور فيها انما هو المال لا العلم ولا النبوة، وتبعهم فى ذلك أوليائهم من اعلام الامامية كافة. فقالوا: ان لفظ الميراث في اللغة (2) والشريعة لا يطلق الا على ما ينتقل من الموروث الى الوارث كالاموال، ولا يستعمل في غير المال الا على طريق المجاز والتوسع، ولا يعدل عن الحقيقة الى المجاز بغير دلالة (3).
وأيضاً فان زكريا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال في دعائه : «وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً» أي اجعل يارب ذلك الولي الذي يرثني مرضياً عندك. ممتثلا لامرك، ومتى حملنا الأرث على النبوة لم يكن لذلك معنى وكان لغواً عبثاً ألا ترى انه لا يحسن أن يقول أحد : اللّهم ابعث لنا نبياً واجعله عاقلا مرضياً في أخلاقه لانه اذا كان نبياً فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا في النبوة.
ويقوي ما قلناه أن زكريا (عَلَيهِ السَّلَامُ) صرح بأنه يخاف بني عمه بعده بقوله :
ص: 57
«وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي» وانما يطلب وارثاً لاجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم الا بالمال دون النبوة والعلم لانه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان أعلم باللّه تعالى من أن يخاف ان يبعث نبياً من هو ليس بأهل للنبوة، وان يورث علمه وحكمته من ليس لهما بأهل ولانه انما بعث لاذاعة العلم ونشره في الناس، فكيف يخاف الأمر الذي هو الغرض في بعثته.
فان قيل : هذا يرجع عليكم فى وراثة المال لان في ذلك اضافة البخل اليه.
فالجواب : معاذ اللّه أن يستوي الأمران، فان المال قد يرزقه المؤمن والكافر والصالح والطالح، ولا يمتنع أن يأسى على بني عمه اذ كانوا من أهل الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا ينبغي، بل في ذلك غاية الحكمة، فان تقوية أهل الفساد واعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين والعقل فمن عد ذلك بخلا فهو غير منصف.
وقوله: «خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي» يفهم منه أن خوفه انما كان من أخلاقهم وأفعالهم، والمراد خفت الموالي ان يرثوا بعدي أموالي فينفقوها في معاصيك فهب لي يارب ولداً رضياً يرثها لينفقها فيما يرضيك
وبالجملة لابد من حمل الارث في هذه الآية على ارث المال دون النبوة و شبهها حملا للفظ يرثني من معناه الحقيقي المتبادر منه الى الأذهان، اذ لاقرينة هنا على النبوة ونحوها، بل القرائن في نفس الاية متوفرة على ارادة المعنى الحقيقي دون المجاز.
وهذا رأي العترة الطاهرة في الآية (1). و هم أعدال الكتاب لا يفترقان أبداً.
ص: 58
وقد علم الناس ما كان بين الزهراء سيدة نساء العالمين، وبين أبي بكر، اذ أرسلت اليه تسأله ميراثها من رسول اللّه [(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )] فقال أبو بكر : ان رسول اللّه قال : «لانورث ما تركناه صدقة» (1) «قالت عائشة» : فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منه شيئاً، واستأثر لبيت المال بكل ما تركه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من بلغة العيش لا يبقي ولا يذر شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا - بوصية منها (2) ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.. الحديث (3).
ص: 59
نعم غضبت على اثارة (1) واستقلت غضباً (2) فلاتت خمارها واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها (3) ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخسرم مشيتها مشية رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتى دخلت على أبي بكر، و هو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء(4). وارتج المجلس، فأمهلتهم حتى اذا سكن نشيجهم، وهدأت فورتهم افتتحت الكلام «بحمد اللّه عز وجل»، ثم انحدرت في خطبتها (5).
تعظ القوم في أتم خطاب***حكت المصطفى به وحكاها (6)
فخشعت الابصار، وبخعت النفوس، ولولا السياسة ضاربة يومئذ بجرانها لردت شوارد الاهواء، وقادت حرون الشهوات، ولكنها السياسة توغل في غاياتها لا تلوي على شيء، ومن وقف على خطبتها في ذلك اليوم (7) عرف
ص: 60
ما كان بينها وبين القوم (1).
ص: 61
حيث أقامت على ارثها آيات محكمات حججاً لاترد ولا تكابر، فكان مما أدلت به يومئذ ان قالت : «أعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم؟ اذ يقول: «وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ». وقال فيما أقتص من خبر زكريا: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا».
ص: 62
وقال: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
وقال : «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ».
وقال : «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ».
ثم قالت : اخصكم اللّه بآية أخرج بها أبي ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي ؟ ! أم تقولون : أهل ملتين لايتوارثان ؟ ! (الخطبة) (1).
فانظر كيف احتجت اولا : على توريث الانبياء بآيتي داود و زكريا الصريحتين بتوريثهما. ولعمري انها (عَلَيهَا السَّلَامُ) أعلم بمفاد القرآن ممن جاءوا متأخرين عن تنزيله، فصرفوا الارث هنا الى وراثة الحكمة والنبوة دون الاموال، تقديماً للمجاز على الحقيقة بلاقرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر منه بمجرد الاطلاق، وهذا مما لايجوز، ولو صح هذا التكلف لعارضها ب-ه أبو بكر يومئذ أو غيره ممن كان في ذلك الحشد من المهاجرين و الانصار وغيرهم (2).
على أن هناك قرائن تعين وراثة الاموال كما بيناه سابقاً.
ص: 63
واحتجت ثانياً : على استحقاقها الارث من أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعموم آيات المواريث وعموم آية الوصية، منكرة عليهم تخصيص العمومات بلا مخصص شرعی من كتاب أو سنة.
وما أشد انكارها اذ قالت أخصكم اللّه بآية أخرج بها أبي ؟
فنفت بهذا الاستفهام الانكاري وجود المخصص في الكتاب.
ثم قالت : أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فنفت بهذا الاستفهام التوبيخي وجود المخصص في السنة.
بل نفت وجوده مطلقاً، اذ لو كان ثمة مخصص لبينه لها النبي والوصي ويستحيل عليهما الجهل به لو كان في الواقع موجوداً، ولا يجوز عليهما أن يهملا تبيينه لها لما في ذلك من التفريط في البلاغ، والتسويف في الانذار، والكتمان للحق، والاغراء بالجهل، والتعريض لطلب الباطل، والتغرير بكرامتها، والتهاون في صونها عن المجادلة والمجابهة والبغضاء والعداوة بغير حق، وكل ذلك محال ممتنع عن الانبياء و أوصيائم.
وبالجملة كان كلف النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ببضعته الزهراء واشفاقه عليها فوق كلف الاباء الرحيمة، وشفاقهم على أبنائهم البررة، يؤويها الى الوارف من ظلال رحمته، ويفديها بنفسه (1) مستر سلا اليها بأنسه.
ص: 64
وكان يحرص بكل مالديه على تأديبها وتهذيبها وتعليمها وتكريمها حتى بلغ في ذلك كل غاية، يزقها المعرفة باللّه والعلم بشرائعه زقاً، لا يألو في ذلك جهداً، ولا يدخر وسعاً حتى عرج الى أوج كل فضل، ومستوى كل كرامة فهل يمكن أن يكتم عليها أمراً يرجع الى تكليفها الشرعي؟ حاشا للّه، وكيف يمكن ان يعرضها - بسبب الكتمان - لكل ما أصابها من بعده في سبيل الميراث، من الامتهان بل يعرض الامة المفتنة التي ترتبت على منع ارثها.
وما بال بعلها خليل النبوة، والمخصوص بالاخوة، يجهل حديث «لانورث» مع ما آتاه اللّه من العلم والحكمة، والسبق، والصهر، والقرابة، والكرامة والمنزلة والخصيصة، والولاية والوصاية والنجوى ومابال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يكنم ذلك عنه، وهو حافظ سره، و کاشف ضره و باب مدينة علمه، وباب دار حكمته، وأقضى أمته، وباب حطتها، وسفينة نجاتها وأمانها من الاختلاف.
وما بال أبي الفضل العباس وهو صنو أبيه، وبقية السلف من أهليه، لم يسمع بذلك الحديث.
وما بال الهاشميين كافة و هم عيبته وبيضته التي تفقأت عنه، لم يبلغهم الحديث حتى فوحثوا به بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
وما بال أمهات المؤمنين يجهلنه فيرسلن عثمان يسأل لهن ميراثهن من رسول اللّه (1)
ص: 65
و كيف يجوز على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يبين هذا الحكم لغير الوارث ويدع بيانه للوارث ؟.
ما هكذا كانت سيرته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ يصدع بالاحكام فيبلغها عن اللّه عز وجل، ولا هذا هو المعروف عنه في انذار عشيرته الاقربين، ولا مشبه لما كان يعاملهم به من جميل الرعاية وجليل العناية.
بقي للطاهرة البتول كلمة استفزت بها حمية القوم، واستثارت حفائظهم بلغت بها أبعد الغايات ألا وهي قولها : «أم تقولون : أهل ملتين لايتوارثان» تريد بهذا أن عمومات المواريث لا نتخصص بمثل ما زعمتم وانما تتخصص بمثل قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لا توارث بين أهل ملتين» واذن فهل تقولون، اذ تمنعونني الارث من أبي: اني لست على ملته فتكونون - لو أثبتم خروجي عن الملة - على حجة شرعية فيما تفعلون. فانا للّه وانا اليه راجعون.
المورد (8) نحلمة الزهراء :
وذلك أن اللّه عز سلطانه لما فتح لعبده وخاتم رسله حصون خيبر، قذف اللّه الرعب في قلوب أهل فدك فنزلوا على حكم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صاغرين، فصالحوه عن نصف أرضهم (1) فقبل ذلك منهم أفكان نصف فدك ملكاً خالصاً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وهذا مما
ص: 66
أجمعت الامة عليه بلا كلام لاحد منها في شيء منه (1).
ثم لما أنزل اللّه عز وجل عليه «وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ» أنحل فاطمة فدكاً، فكانت في يدها (2) حتى انتزعت منها لبيت المال.
هذا ما ادعته الزهراء بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأوقفت في سبيله موقف المحاكمة بإجماع الامة، واليك ما جاء في محاكمتها :
قال الامام فخر الدين الرازي: فلما مات رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ادعت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) أنه كان ينحلها فدكاً، فقال لها أبو بكر : أنت أعز الناس علي
ص: 67
فقراً، وأحبهم الي غنى، لكني لا أعرف صحة قولك (1) فلايجوز أن أحكم لك، [ قال ] : فشهدت لها ام أيمن ومولى لرسول اللّه (2) فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن (انتهى بلفظه) (3).
ص: 68
وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ما هذا لفظه الهيثمي ما هذا لفظه : ودعوى فاطمة أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نحلها فدكاً لم تأت عليها الا بعلي وام أيمن فلم يكمل نصاب البينة... الى آخر كلامه (1).
وهذا بعينه ما هو المنقول في هذا الموضوع عن ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أعلام الجماعة (2).
قلت: عفا اللّه عنا وعنهم ورضي عن أبي بكر الصديق وأرضى عنه فاطمة وأباها وبعلها وبنيها، ليته آثر ما هو الاليق به فلم يوقف وديعة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهي ثكلى مواقفها تلك منه، تارة في سبيل ارثها، وأخرى في سبيل نحلتها، وثالثة ورابعة في شؤون وشجون، وليته لم يدعها تنقلب عنه راغمة يائسة، ثم تموت مدلهمة هاجرة له فتوصي بما أوصت.
سبحان اللّه وبحمده أين حلمه وأناته ؟. و أين نظره البعيد في عواقب الامور ؟. وأين احتياطه على ربح المسلمين ؟.
فليته أتقى فشل الزهراء في مواقفها بكل ما لديه من سبل الحكمة، ولو فعل لكان ذلك أحمد في العقبى، وأبعد عن مظان الندم، وأنأى عن مواقف
ص: 69
اللوم، وأجمع لشمل الامة، وأصلح له بالخصوص.
وقد كان في وسعه أن يربأ بوديعة رسول اللّه ووحيدته عن الخيبة، ويحفظها عن ان تنقلب عنه وهي تتعثر بأذيالها، وماذا عليه، اذ احتل محل أبيها، لو سلمها فدكاً من غير محاكمة ؟ ! فان الامام أن يفعل ذلك بولايته العامة، وما قيمة فدك في سبيل هذه المصلحة ؟ ودفع هذه المفسدة.
وهذا ما قد تمناه لأبي بكر كثير من متقدمي أوليائه ومتأخريهم.
و اليك كلمة في هذا الموضوع لعيلم المنصورة الاستاذ محمود أبورية المصري المعاصر، قال : بقي أمر لابد أن نقول فيه كلمة صريحة : ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة رضي اللّه عنها بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وما فعل معها في ميراث أبيها، لانا اذا سلمنا بأن خبر الاحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد قال: «انه لايورث» وانه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فان أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي اللّه عنها بعض تركة أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كأن يخصها بفدك، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد، اذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما شاء.
قال: وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام(1)، ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي (2).
على ان فدكاً هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان
ص: 70
لمروان (1) هذا كلامه بنصه (2).
ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاماً مضمونه العتب على الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قالوا في آخره : «وقد كان الاجلّ أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول اللّه فضلا عن الدين». فذيله ابن أبي الحديد بقوله (3) : «وهذا الكلام لاجواب عنه».
قلت: دعنا من مقتضيات التكرم، ولننظر في المسألة من حيث مقتضيات المحاكمة فنقول : قد تمت الموازين الشرعية التي توجب الحكم للزهراء بنحلتها وكانت مع تمامها متعددة كما لا يخفى على المنصفين من أولي الالباب.
و حسبهم منها علم الحاكم يومئذ ان هذه المدعية انما هي بمثابة من
ص: 71
و خديجة و آسية أفضل نساء الجنة (1) و انها و الثلاث خير نساء العالمين (2)، وهي التي قال لها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
ص: 73
«يا فاطمة الا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، او سيدة نساء هذه الامة» (1).
ص: 74
وقد علم المسلمون كافة ان اللّه عز وجل اختارها من نساء الامة. كما اختار ولديها من الابناء، و اختار بعلها من الانفس، فهم الخيرة مع رسول اللّه للمباهلة يوم اوحى اللّه سبحانه «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» (1).
ص: 75
ص: 76
فخرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما نص عليه الامام الرازي في تفسير الآية من تفسيره الكبير وعليه مرط من شعر اسود وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول لهم: اذا انا دعوت فامنوا. فقال اسقف نجران : يا معشر النصارى اني لارى وجوهاً لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا لازاله بها، فلاتباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الارض نصراني الى يوم القيامة (1).
وأيضاً أجمع المسلمون كافة على ان الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) ممن أنزل اللّه عز وجل فيهم «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
ص: 77
تَطْهِيرًا» (1).
ص: 78
ص: 79
وأنها ممن افترض اللّه مودتهم على الامة وجعلها أجر رسالته «صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ » (1).
ص: 80
وأنها ممن تعبد اللّه الخلق بالصلاة عليهم (1) كما تعبدهم بالشهادتين في كل فريضة.
وللّه ما قاله - الامام الشافعي - كما في الصواعق المحرقة وغيرها :
يا أهل بيت رسول اللّه حبكم***فرض من اللّه في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر***انكم من ام يصل عليكم لا صلاة له (2)
وقال الشيخ ابن العربي - كما في الصواعق المحرقة وغيرها :
رأيت ولائي آل طه فريضة***على رغم أهل البعد يورثني الغربي
ص: 81
فما طلب الرحمن أجر أعلى الهدى***بتبليغه الا المودة في القربى (1)
وقال العلامة النبهاني في كتابه الشرف المؤبد.
آل طه يا آل خير نبي***جدكم خيرة وأنتم خيار
أذهب اللّه عنكم الرجس أهل ال***بيت قدماً فأنتم الاطهار
لم يسل جدكم على الدين أجراً***غيرود القربى ونعم الاجار (2)
وأيضاً فان الزهراء أبرة الابرار الذين قال اللّه عز وجل عنهم «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا» الايات (3) الى آخرها (4).
ص: 82
و بالجملة فان للزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) من منازل القدس عند اللّه عز وجل ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي، والطمأنينة الكاملة بكل ما تقول لانحتاج في اثبات دعواها الى شاهد، فان لسانها ليتجافي عن الباطل، و حاشا اللّه أن ينطق بغير الحق، فدعواها بمجردها تكشف عن
ص: 83
صحة المدعى به كشفاً تاماً ليس فوقه كشف وهذا مما لايرتاب فيه أحد ممن عرفها (عَلَيهَا السَّلَامُ) وأبو بكر من أعرف الناس بها وبصدق دعواها ولكن الامر كما حكاه علي بن الفارقي وكان من اعلام بغداد. مدرساً في مدرستها الغربية، وهو أحد شيوخ ابن ابي الحديد المعتزلي، اذ سأله.
فقال له : أكانت فاطمة صادقة - في دعواها النحلة - ؟. قال : نعم.
قال له - ابن أبي الحديد - : فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال : لو أعطاها اليوم فدكاً بمجرد دعواها لجأت اليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشيء، لانه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعى كائناً ما كان من غير حاجة الى بينة ولا شهرد» (1).
قلت : وبهذا استباح أبو بكر رد شهادة علي بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة والا فان يهود خيبر على اؤمهم وأن علياً دمرهم لينزهونه عن شهادة الزور وبهذا أيضاً لا بسواه استنوق الجمل فاعتبر ذات اليد المتصرفة مدعيه فطالبها بالبينة انما هي عليه، الأمر الذي علمنا أنه دبر بليل.
وما ينس فلاينس قوله في مجابهة فاطمة لست أعلم صحة قولك مع أن قولها بمجرده من أوضح موازين الحكم لها بما ادعت.
ولو تنازلنا عن هذا كله وسلمنا أنها كسائر المؤمنات الصالحات تحتاج في اثبات دعواها الى بينة، فقد شهد لها علي وحسبها اخو النبي ومن كان منه
ص: 84
بمنزلة هارون من موسی (1) شاهد حق تشرق بشهادته انوار اليقين وليس بعد اليقين غاية يطلبها الحاكم في المرافعات ولهذا جعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شهادة خزيمة بن ثابت كشهادة عدلين (2)، ولعمر اللّه أن علياً أولى بهذا من خزيمة وغيره وأحق بكل فضيلة من سائر ابدال المسلمين.
ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فهلا استحلف ابوبكر فاطمة الزهراء بدلا عن الشاهد الثاني، فان حلفت والا رد دعواها، ما رأيناه فعل ذلك ! وانما رد الدعوى ملغياً شهادة علي وأم أيمن (3) وهكذا كما ترى مما لم يكن بالحسبان ! ! بينا كان علي عدل
ص: 85
القرآن في الميزان (1) وكان مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان (2) وهو في آية التباهل نفس المصطفى ليس غيره اياها (3) اذا هو في هذه
ص: 86
المحاكمة ممن لا أثر لشهادتهم. يالها مصيبة في الاسلام تلقيناها بقولنا انا للّه وانا اليه راجعون.
المورد - (9) - ايذاء الزهراء :
وذلك أنه بمجرده مخالف للنصوص الصريحة، بقطع النظر عما كان من أسبابه ومقتضياته(1)، وحسبك منها ما اخرجه ابن ابي عاصم - كما في ترجمة الزهراء من الاصابة - بسنده الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه قال لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ): «ان اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (2).
قلت : وأخرجه الطبراني وغيره باسناد حسن، - كما في احوال الزهراء من الشرف المؤبد للعالم النبهاني البيروتي -.
ص: 87
وأخرج الشيخان البخاري ومسلم - كما في ترجمة الزهراء من الاصابة وغيرها - عن المسور قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول على المنبر: «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها» (1).
و نقل الشيخ يوسف النبهاني في احوال الزهراء - من كتابه الشرف المؤبد - عن البخاري بسنده الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها - قال النبهاني : وفي رواية فمن أغضبها أغضبني» (2) (قال) وفي الجامع الصغير: فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها» (3).
قلت : وقد قالت - بأبي وأمي - لابي بكر وعمر(4). نشد تكما اللّه تعالى ألم تسمعا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: «رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من
ص: 88
سخطي فمن احب ابنتي فاطمة فقد احبني ومن ارضى فاطمة فقد ارضاني ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني. قالا : نعم سمعناه من رسول اللّه» (1).
قلت : ان من امعن في هذه الأحاديث فتدبرها ممن يقدر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حق قدره رآها ترمى الى عصمتها لدلالتها بالالتزام على امتناع وقوع كل من اذيتها وريبتها وسخطها ورضاها وانقباضها وانبساطها في غير محله، كما هو الشأن في اذية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وريبته ورضاه وسخطه و انقباضه وانبساطه وهذا هو كنه العصمة وحقيقتها كما لا يخفى.
وأخرج جماعة من المتهم كالامام احمد من حديث أبي هريرة قال (2) : نظر النبي الى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» (3).
ص: 89
قلت وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالاسناد الى ابي هريرة ايضاً. وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم - كما في ترجمة الزهراء من الاصابة أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذكر علياً وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) فقال : «أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم» (1).
وعن أبي بكر قال : رأيت رسول اللّه خيم خيمة (2) وهو متكيء على
ص: 90
قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم لا يحبه الا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم الا شقي الجد رديء المولد» (1).
رواه الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد المصري المعاصر بعين لفظه فليراجع في كتابه عبقرية محمد تحت عنوان النبي والامام والصحابة.
وأخرج الامام أحمد (2) عن عبد الرحمن الازرق عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : دخل علي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال : فقام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى شاة لنا بكيء (3) فحلبها قدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقالت فاطمة : يارسول اللّه كأنه أحبهما اليك قال : لا ولكنه استسقى قبله، ثم قال : اني واياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة أه_ (4).
ص: 91
قلت : كان من حقهم على الامة ولاسيما على أهل الحول والطول منها أن لا ينا جأوا (ابان رزيتهم الكارثة) بما فوجئوا به من الاستئثار بمكانتهم في الامة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والاستغناء عنهم حتى في المشورة مع شدة الوطأة عليهم في أمر البيعة والتنمر لهم في فيثهم وخمسهم وارثهم ونحلتهم وسوقهم مع سائر الرعايا بعضاً واحدة والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر.
وكان المستولون على الامة يومئذ ومقوية سلطانهم ابرموا أمرهم على وجه لم يبقوا لاحد من الامة أن يخالف الا أن تشق عصا المسلمين وبهذا آمنوا من مقاومة علي وأوليائه وتفصيل ذلك كله في كتاب المراجعات فلا يفوتنّ أهل البحث والتدقيق (1).
وكان من مبادىء القائمين بالامر اذ ذاك شدة الوطأة في تنفيذ الاحكام من غیر فرق بين القريب والبعيد و الشريف والدنيء و ايثار بيت المال بالوفر والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الاحكام.
وقد أعانهم على تنفيذ مبادئهم هذه بعدهم عن الطمع والاستكثار من حطام الدنيا وتقشفهم في الحياة و استغناؤهم بالبلغة لهم ولمن اليهم وبهذا أرضوا العامة فاستتب لهم الأمر. وحين جد الجد في محاكمة الزهراء كانت بضعة النبي لديهم كسائر النساء لا ينزهن عن الافتراء (2).
ص: 92
المورد - (10) - :
يوم أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الشيخين أبا بكر وعمر كليهما يقتل ذي الثدية لاول مرة صدر منه الأمر بذلك فلم يقتلاه.
وذو الثدية هذا هو الخويصرة التميمي الخويصرة التميمي (1) حرقوص بن زهير ذو الثدية رأس المارقة، أراد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) استئصال شأفة عيثه وفساده في الارض فأمر بقتله، لكن رياء هذا المارق بتخشعه في صلاته غرّ الشيخين فكرها قتله و آثرا استحياءه !.
وحسبك في ذلك ما أخرجه جماعة من أهل السنن والمسانيد من الائمة وحفظة الآثار، واللفظ لابي يعلى في مسنده - كما في ترجمة ذي في ترجمة ذي الندية من اصابة ابن حجر - عن أنس، قال : كان في عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرناه لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره اذ طلع الرجل علينا فقلنا : هو هذا. قال:
ص: 93
انكم لتخبروني عن رجل ان في وجهه لسفعة من الشيطان. فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنشدك اللّه، هل قلت حين وقفت على المجلس : ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني ؟ قال : اللّهم نعم.
ثم دخل يصلي فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من يقتل الرجل ؟ قال ابوبكر : أنا. فدخل عليه فوجده يصلي، فقال : سبحان اللّه : أقتل رجلا يصلي ؟ وقد نهى رسول اللّه عن قتل المصلين ؟ فخرج فقال رسول اللّه : ما فعلت ؟ قال كرهت أن أقتله وهو يصلي وقد نهيت عن قتل المصلين. قال رسول اللّه:من يقتل الرجل ؟ قال عمر : أنا فدخل فوجده واضعاً جبهته، قال عمر : أبو بكر أفضل مني. فخرج فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : مهيم ؟ قال : وجدته واضعاً جبهته اللّه فکرهت أن أقتله. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من يقتل الرجل ؟ فقال علي: أنا. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنت ان أدركته. فدخل عليه فوجده قد خرج، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان. (الحديث). (1).
وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من تفاسير يعقوب ابن سليمان، ويوسف القطان، والقاسم بن سلام، ومقاتل بن حياد، وعلي بن حرب، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ووكيع، وابن جريح وغيرهم.
وأرسله ارسال المسلمات جماعة من الاثبات كابن عبد ربه الاندلسي عند
ص: 94
انتهائه الى القول في أصحاب الاهواء من أواخر الجزء الاول من عقده الفريد، وقد جاء في آخر ما أورده. من هذا الحديث أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : هذا أول قرن يطلع في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان، ان بني اسرائيل افترقت اثنتين وسبعين فرقة، وان هذه الامة ستفترق ثلاثاً وسبعين فرقة، كلها في النار الا فرقة واحدة. (الحديث) (1).
المورد - (11) - :
يوم أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كلا من الشيخين في المرة الثانية بقتل هذا المارق فكان حالهما في هذه المرة كما كانت في المرة الأولى.
وذلك أن فيما حدثني من أثق به في فضله وورعه وتتبعه أن أبا بكر مرّ بهذا المارق - بعد أن أمر بقتله فكره قتله - فوجده يصلي في بعض الأودية حيث لا يطلع عليه سوى اللّه تعالى، فراقه خشوعه وتضرعه، فحمد اللّه تعالى على عدم قتله، وأتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شافعاً به و ذكر له ما رآه من صلاته ضارعاً مبتهلا حيث لا يطلع عليه الّا اللّه عز وجل، فلم يسمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شفاعته، بل أمره على الفور بقتله، فلما لم يقتله أمر عمر ثم علياً بذلك وشدد عليهم القول بوجوب قتله وقتل أصحابه، هذا ما حدثني به من أعرفه بالتقصي في البحث و التنقيب (2) يرسله لي ارسال المسلمات، وقد فاتني سؤاله عن
ص: 95
مصدر حديثه هذا.
لكني - واللّه الحمد - لم يفتني البحث عنه بنفسي حتى وجدته - والحمد للّه - في مسند أحمد ابن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري ص 15 من جزئه الثالث
قال : ان أبا بكر جاء الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : يارسول اللّه اني مررت بوادي كذا وكذا فاذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): اذهب فاقتله قال : فذهب اليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال : فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعمر : اذهب فاقتله فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال : فكره أن يقتله. قال : فرجع فقال : يارسول اللّه اني رأيته يصلي متخشعاً، فكرهت أن أقتله. قال : ياعلي اذهب فاقتله. قال : فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال: يارسول اللّه انه لم يره. قال : فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ان هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البريّة.
تنبيه
ان من أمعن في حديثي هذا المارق حديث أبي يعلي عن أنس الذي أوردناه في المورد (10) وحديث الامام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الذي أوردناه الان في هذا المورد، علم ان لهذا المارق من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يومين أمر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كل منهما بقتله فلم يقتل، وذلك ان الحديث الأول - حديث أنس - صريح بأن النبي لم يكن مسبوقاً بمعرفة هذا المارق و قد ذكروه و وصفوه له فلم يعرفه، و لذا لم يأمر ميه بشيء حتى رآه وعرفه بصفعة من
ص: 96
الشيطان بين عينيه وبما هو عليه من العجب بنفسه. وحينئذ أمر بقتله، وكانت صلاة هذا المارق التي اعجبت الشيخين يومئذ في المسجد بعد صدور الامر لهما بقتله.
أما حديث الامام أحمد في مسنده عن أبي سعيد فصريح بأن أبا بكر رأى هذا المارق يصلي في بعض الأودية لا في المسجد فأعجبه خشوعه اللّه تعالى حيث لايراه سواه عز وجل فأخبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بذلك، فأمره فوراً بقتله بدون أن يراه وهذا ليس الا لانه كان محكوما عليه من قبل ذلك بالقتل كما لا يخفى فالحديثان في واقعتين متعددتين - بلاريب - قوبل النص فيهما بالاجتهاد.
فصل (1)
الخوارج : هم الذين خرجوا عن الدين، بخروجهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد أنكروا عليه التحكيم الذي اضطروه اليه، وكانوا ثمانية آلاف أو أكثر، فاستدعاهم اليه ليذكرهم اللّه تعالى والدار الآخرة، وليبين لهم خطأهم فيما رأوه، ويزيل شبهتهم التي تشبشوا بها «وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» فأبوا ان يأتوه، وكلفوه بأن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب الى اللّه منه. ولما لم يأتوه أرسل اليهم عبد اللّه بن العباس فلم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً في الاحتجاج عليهم وتسفيه رأيهم بكل حجة بالغة، وبيان ناصع، والقوم مصرون على بغيهم وضلالهم كأن في آذانهم وقرا وعلى قلوبهم أكنة (2).
ص: 97
وقد اجمعوا على تكفير كل من لا يرى رأيهم من المسلمين، وأباحوا دمه وماله وأهله وثاروا على المسلمين يقتلون من مر بهم كائنا من كان، فكان ممن قتلوه عبداللّه بن الخباب بن الأرت التميمي، وبقروا بطن زوجته وهي حامل متم (1). واستفحل شرهم، فأناهم أمير المؤمنين ناصحاً اللّه تعالى ولكتابه ولرسوله والمسلمين عامة ولهم خاصة، فاعذر الى اللّه تعالى فيما أوضحه لهم من الخطأ في خروجهم عليه وفيما احتج به عليهم مما يوجب رجوعهم اليه، وفيما انذرهم به اذا اصروا على البغي من سوء العاقبة في الدنيا بقتلهم، وفي الآخرة بمصيرهم الى النار وبئس القرار.
ولكنهم أصروا على بغيهم لا يفيئون الى شيء من أمر اللّه عز وجل على شاكلة من قوم نوح «اذ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا» وبذلك قتلهم أمير المؤمنين (2) ولم ينج منهم عشرة، ولم يقتل ممن كان معه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عشرة وكان قد أخبرهم بذلك أثناء احتجاجه عليهم فلم يرعووا.
ثم انضم الى هذا النفر اليسير - الذي لم يقتل من الخوارج - جماعة آخرون من أهل الضلال يرون رأيهم في التحكيم، والخروج على الولاة، فلما ولي عبد اللّه بن الزبير ظهر منهم جماعة في العراق مع نافع بن الازرق،
ص: 98
وظهر باليمامة جماعة منهم آخرون مع نجدة بن عامر الحروري، وزاد نجدة على مذهبهم ان من لم يخرج معهم لمحاربة المسلمين فهو كافر، وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن، وأوجبوا قطع يد السارق من الابط. وفرضوا الصلاة على الحائض حال حيضها. الى كثير من مبتدعاتهم التي ليس هذا محل ذكرها.
وان منهم الى الان لبقية من شراذم الفساد، في أنحاء من البلاد، مر بهم في عمان (1) ابن بطوطة الرحالة في سياحته التي كانت في القرن الثامن للّهجرة وذكرهم في الجزء الأول من رحلته (2).
فقال : «هم أباضية المذهب، ويصلون الجمعة ظهراً أربعاً، فاذا فرغوا قرأ الامام آيات من القرآن، ونثر كلاماً شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعلي، واذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه : بالرجل، ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد الصالح مع الفتنة قال: ونساؤهم يكثرون الفساد، ولاغيرة عندهم ولا انكار لذلك.
(قال) : وكنت يوماً عند سلطانهم أبي محمد بن نبهان وهو من قبيلة الأزد فأنته امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه وقالت له: يا أبا محمد طغى الشيطان في رأسي. فقال لها : اذهبي واطردي الشيطان فقالت له : لا أستطيع وأنا في جوارك. فقال اذهبي فافعلي ماشئت فذكر لي لما انصرفت عنه : أن هذه ومن فعل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد، ولا يقدر أبوها ولاذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وان قتلوها قتلوا بها لانها في جوار
ص: 99
السلطان» انتهى كلامه بعين كلامه لفظه.
قلت : صدق اللّه عز وجل وبلغ رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ قال :
«لا يبغضك يا علي الا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق» (1).
جاء في قتل الخوارج نصوص متضافرة، ولاسيما من طريق العترة الطاهرة (2). وحسبك من طريق غيرهم، قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حديث (3) وصفهم فيه فقال : «يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الاسلام، كما يمرق السهم من الرمية، لتن أدركنهم لا قتلنهم قتل عاد» (4).
وفي حديث آخر (5) قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود» (6).
ص: 100
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في وصفهم من حديث ثالث (1) : «انهم أحداث الاسنان، سفهاء الاحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيمة، وهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجراً لمن قيلهم عند اللّه يوم القيامة» (2) الى كثير من أمثال هذه الصحاح الواردة في التحريض على قتلهم، وحسبك في دلالتها على كفرهم، ان قتلهم كقتل عاد و ثمود.
الاخبار في ان الخوارج شر الخلق والخليقة متواترة من طريق العترة الطاهرة، وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه مسلم (3) عن أبي ذر ورافع بن عمر الغفاريين عن رسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ قال : «أن بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي من امتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم (4) يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة أه_ (5).
ص: 101
وفي صحيح مسلم أيضاً بالاسناد الى أبي سعيد الخدري ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذكر قوماً يكونون في امته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق قال : «هم شر الخلق، أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين الى الحق قال : فضرب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثلا : الرجل يرمي الرمية. أو قال : الغرض فينظر النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلايرى بصيرة، وينظر في الفوق فلايرى بصيرة» (1) الحديث (2).
وفي مسند الامام أحمد من حديث عن أبي برزة من طريقين (3) اليه، ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصف الخوارج فقال: «يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه، سيماهم التحليق، لايزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال، فاذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإذا لقيتموه، فاذا لقيتموهم فاقتلوهم، فاذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة، هم شر الخلق والخليقة» (4).
قلت : اذا كانوا شر الخلق والخليقة، أو من أشرهم، لاتكون عبدة الأوثان ولا منكروا الاديان شراً منهم، وكفى بهذا حجة على كفرهم.
ص: 102
تواتر عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نصوص صريحة بمروق الخوارج من الدين وحسبنا منها - مضافاً الى ما سمعته آنفاً - ما أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم الصحيحة، وطرقهم الكثيرة، وحيث لا يسعنا استقصاؤها في هذا الاملاء، فلنكتف بما أخرجه الشيخان في صحيحيهما بالاسناد الى أبي سعيد الخدري (1) واللفظ للبخاري.
قال : «بينا نحن عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يقسم قسماً اذ أناه ذو الخويصرة (2) وهو رجل من بني تميم. قال : «يا رسول اللّه اعدل». فقال رسول اللّه : «ويلك ومن يعدل اذا لم أعدل وقد خبت وخسرت ان لم أكن أعدل» فقال عمر: «ائذن لي فأضرب عنقه (3)» فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «دعه فان له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون
ص: 103
القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين (1) كما يمرق السهم من الرمية (2) ينظر الى نصله فلا يوجد فيه شيء (3) ثم، ينظر الى رصافه فلايوجد فيه شيء، ثم ينظر الى نضيه وهو قدحه فلايوجد فيه شيء، ثم ينظر الى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود احدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدر در.(4). ويخرجون على حين (5) فرقة من الناس.
قال أبو سعيد : فأشهد اني سمعت هذا الحديث من رسول اللّه، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت
ص: 104
اليه على نعت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الذي نعته» (1).
والاخبار عن الخوارج بهذا ونحوه - من أفعالهم وصفاتهم الخلقية والخلقية - متواترة من طريقنا عن العترة الطاهرة، متضافرة من طريق الجمهور عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فلتراجع في مضانها من حديث الفريقين (2) وانها لمن أعلام النبوة وآيات الاسلام لما فيها من أنباء الغيب التي ظهرت بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للناس كفلق الصبح، اذ رأي الناس مروق هؤلاء من الاسلام بخروجهم على الامام (3) وكان خروجهم على افتراق من الناس (4) وقد قتلوا
ص: 105
وكان قاتلهم امام الحق (1) وكانوا في بقية شؤونهم كما أخبر عنهم، يقتلون أهل الايمان، ويدعون عبدة الأوثان، ويتشددون في الدين في غير موضع التشدد، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم. لان قلوبهم غلف قد ران عليها مروقهم من الدين فلاينفذ اليها شيء من نور القرآن يبالغون في الصلاة والصيام لكنهم لا يقيمون حقوق الاسلام، لمروقهم منه غير متأثرين بشيء من هداه، مروق السهم من الرمية، يسبق الفرث والدم.
وقد ظهرت للناظرين آيتهم الخاصة بهم، رجل أسود احدى عضديه مثل ثدى المرأة، أو مثل البضعة تدر در كما أخبر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقد تضمنت أخباره عن هذه المارقة بقاء الامة بعده وبقاء الشوكة والطول لها، على خلاف ما أرجف المرجفون، وكل ذلك علم بالغيب، واللّه تعالى «لَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ»(2).
ولنختم ماعنينا به من شؤون هذه المارقة بحديث أخرجه الطبراني في الاوسط (3) عن جندب (4).
ص: 106
قال: لما فارقت الخوارج علي خرج في طلبهم وخرجنا معه، فانتهينا الى عسکر القوم. فاذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن واذا فيهم من أصحاب النقبات، وأصحاب البرانس، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة، فتنحيت فركزت رمحي، ونزلت عن فرسي، ونزعت برنسي، فنشرت عليه درعي، وأخذت بمقود فرسي، فقمت أصلي الى رمحي وأنا أقول : اللّهم ان كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه، وان كان معصية فأرني براءك. فبينا أنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب فلما دنا مني قال : تعوذ باللّه يا جندب من شر السخط، فجئت أسعى اليه، ونزل فقام يصلي، واذا برجل أقبل.
فقال : يا أمير المؤمنين ألك حاجة في القوم ؟
قال : وماذاك ؟
قال : قطعوا النهر فذهبوا.
قال : ماقطعوه.
قال : سبحان اللّه !
ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا.
النص والاجتهاد
ص: 107
قال : ماقطعوه.
قال : سبحان اللّه.
ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا.
قال علي : ماقطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من اللّه ورسوله.
ثم ركب فقال لي : يا جندب اني باعث اليهم رجلا يدعوهم الى كتاب ربهم وسنة نبيهم، فلا يقبل عليهم بوجهه حتى يرشقوه بالنبل، ياجندب : انه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة.
ثم قال : من يأخذ هذا المصحف فيمشي به الى هؤلاء القوم فيدعوهم الى کتاب اللّه وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة، فأجابه شاب من بني عامر بن صعصعة فخرج الشاب بالمصحف الى القوم. فلما دنا منهم نشبوه.
فقال علي : دونكم القوم.
قال جندب : فقتلت بكفي هذه ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل منا عشرة، ومانجا منهم عشرة كما قال علي (1) والحمد للّه.
المورد - (12) - :
قتال المتريثين في النزول على أمر أبي بكر في أمر الزكاة لارتيابهم في ولايته عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لافي افتراضها عليهم.
وكان أبو بكر (2) قد جمع الصحابة يستشيرهم في قتال هؤلاء فكان
ص: 108
رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه أن لا يقاتلوا قوماً يؤمنون باللّه ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأن يستعينوا بهم على عدوهم. ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن ان المجادلة بين القوم في هذا الامر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة، ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام.
يدل على ذلك قوله : «واللّه لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لقاتلهم على منعه» (1) ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شيء من الحدة : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، فمن قالها عصم منى ماله ودمه الابحقها وحسابهم على اللّه» ! (2).
لكن أبا بكر لم يتريث ولم يتردد في اجابة عمر فقال : «واللّه لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال وقد قال: «الابحقها (3).
قلت : عفى اللّه عن أبي بكر ما أراد أن يكون كالضارب بهذا النص عرض الجدار فحمله بلباقة على ما تقتضيه سياسته مما كان عازماً عليه من القتال. والا فان المؤمنين باللّه ورسوله ممن قوتلوا يومئذ وقتلوا، فلم يكن منهم من يفرق
ص: 109
بين الصلاة والزكاة في شيء، وانما كانوا متريثين في النزول على حكمه في الزكاة وغيرها، اذ لم تكن نيابته عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الحكم حينئذ ثابتة لديهم لشبهة دخلت عليهم (1) اضطرتهم الى الارتياب فيها، فكانوا معذورين في تريثهم بل مأجورين به (2).
وقد أدوا بتريثهم هذا أموالهم وحق زكاتها، فان من حقهما أن لا ينزلوا في كل منهما الا على حكم اللّه ورسوله أو حكم من تثبت له الولاية عليهم من قبل اللّه ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ولو بلغ أبا بكر عذرهم هذا، لعده حجة عليه في امهالهم يتريثون، لكن أنى لهؤلاء المظلومين حينئذ بأبي بكر لينصفهم.
وأنت ترى صحاح السنن المتوالية (3) صريحة بعصمة دماء هؤلاء المؤمنين وأمثالهم وانها على كثرتها بين عام ومطلق وليس ثمة من مخصص لعامها ومقيد لمطلقها ليتشبث به المبيح لقتالهم وقتلهم.
ص: 110
أما ما ذكره أبو بكر من كون الزكاة حق المال فليس من التخصيص والتقييد في شيء اذ لا يستفاد منه أكثر من وجوبها على المكلفين بها، وان اولي الامر القائم مقام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يطالبهم بها ويأحذها منهم فان امتنعوا عن دفعها اليه طائعين أخذها منهم مرغمين بقوته القاهرة لهم مجردة عن القتال.
أما قتالهم عليها فمعارض لحقن دمائهم المنصوص على عصمتها في صحاح عامة تأبى التخصيص بمجرد ماظنه أبو بكر مخصصاً كما بيناه.
واليك منها ما تجده في باب فضائل علي من صحيح مسلم (1) من حديث جاء فيه أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين أعطاه الراية يوم خيبر قال له : «امش ولا تلتفت وأنه مشى شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يارسول اللّه، على ماذا أقاتل الناس ؟ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا اله الا اللّه وأن محمداً رسول اللّه. فان فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على اللّه» (2).
وفي صحيحي البخاري ومسلم بالاسناد الى اسامة بن زيد قال : بعثنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت
ص: 111
أنها ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال : لا اله الا اللّه، فكف بر محي فلما قدمنا بلغ النبي ذلك فقال : يا أسامة أقتلته
الانصاري عنه فطعنته، بعدما قال لا اله الا اللّه. قلت : كان متعوذاً. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» (1)
قلت : ماتمنى ذلك حتى ظن ان جميع ما عمله قبل هذه الواقعة من ايمان وصلاة وزكاة وصوم وصحبة وجهاد وغيرها لا يمحو عنه هذه السيئة وأن أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها، ولا يخفي مافي كلامه من الدلالة على انه كان يخشى أن لا يغفر له بعدها، ولذا تمنى تأخر اسلامه عنه، ليكون داخلا في حكم قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «الاسلام يجب ما قبله. وناهيك بها حجة على احترام أهل لا اله الا اللّه وعصمة دمائهم. وأخرج البخاري في باب بعث علي وخالد الى اليمن من صحيحه ان رجلا قام فقال : يارسول اللّه اتق اللّه. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ويلك ألست أحق أهل الأرض أن
؟! يتقي اللّه ؟ !. فقال خالد : يارسول اللّه ألا اضرب عنقه ؟ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): لا، لعله أن يكون يصلي» (2).
ص: 112
وفي الصحيحين بالاسناد الى ابن عمر قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو بمنى
وقد أشار الى الكعبة : «أتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ان هذا بلد حرام، أندرون أي يوم هذا ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم. قال انه يوم حرام. أتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: شهر حرام، و ان اللّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهر كم هذا في بلدكم هذا (1).
والصحاح وغيرها من كتب المسانيد مشحونة بهذه السنن ومضمونها مما
ص: 113
لا ريب فيه للمسلمين (1). وبها لا يحل قتال المسلم بمجرد تريثه في دفع الزكاة الى الامام، ولاسيما اذا كان تريثه عن شبهة اضطرته الى الريب في امامته كما كان هو الشأن في بعض القبائل يوم لحق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالرفيق الاعلى فاحتدمت الفتنة يومئذ واستطار شرها في آفاق العرب، وارتد عن الاسلام كثير منهم (2).
واختلف المهاجرون والانصار في أمر الخلافة، فكان كل منهما على رأيين وربما كان الانصار على ثلاثة آراء (3)، وبويع أبو بكر أثناء هذه الشرور فكانت بيعته - كما قيل - فلتة وقى اللّه المسلمين شرها (4).
ص: 114
فكان من الطبيعي يومئذ أن يقع الريب في صحة البيعة وانعقاد الاجماع عليها والحال هذه (1).
ص: 115
بل كان الحال ابانئذ أفظع مما ذكرناه وأدعى الى الارتياب والاضطراب.
واذا لا جناح على اوائك المرتابين في خلافة الصديق من المؤمنين اذا لم ينزلوا على حكمه في أمر الزكاة وغيرها حتى يحصل لهم العلم بقيامه شرعاً مقام رسول اللّه في أوامره ونواهيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
المورد - (13) - :
يوم البطاح، أو يوم مالك بن نويرة وقومه من خالد، وذلك انّ القيادة العامة كانت يومئذ لخالد بن الوليد، فكان يأمر بما يشاء ويحكم فيها بما يريد، لم يقتصر يومئذ على قتل المؤمنين صبراً بل تجاوز ذلك الى المثلة و سبي المسلمات و استباحة ما حرم اللّه تعالى من الاموال والفروج وتعطيل الحدود الشرعية في احداث ما أظن ان لها نظيراً في الجاهلية (1).
من هو مالك ؟
هو مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي
ص: 116
اليربوعي هامة الشرف في بني تميم وعرنين المجد في بني يربوع من علية العرب وممن تضرب الامثال بفتوته نجدة وكرماً وحفيظة وشجاعة وبطولة بكل معانيها، و هو من أرداف الملوك، أسلم و أسلم بنو يربوع باسلامه و ولاه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على صدقات قومه ثقة به واعتماداً عليه (1).
جرم مالك وموقفه
انما كان جرمه تريثه في النزول على حكم أبي بكر في أمر الزكاة وغيرها باحثاً عن تكليفه الشرعي في ذلك ليقوم به على ما شرع اللّه عز وجل ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
أما موقفه فلم يكن عن ارتياب ولا عن شق عصا ولا ابتغاء فتنة ولا ارادة قتال، وانما فوجيء بهذه الغارة عليه من خالد في مستهل خلافة أبي بكر حيث كان الخلاف محتدماً بين السابقين الأولين في أمر الخلافة (2).
فأهل البيت وأولياؤهم كانوا فيها على رأي (3).
وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم وأتباعهم على رأي آخر (4).
وكذلك الانصار «الَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا» حتى غلب نقيبهم سعد بن
ص: 117
عبادة على أمره فاعتزلهم واعتزل أمرهم يحلف باللّه انه لو وجد أعواناً عليهم لقاتلهم ثم لم تجمعه جمعتهم ولم يفض بافاضتهم حتى مات في حوران (1). الى كوارث أخر حول البيوت التي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه أعني البيوت التي قال اللّه عز وجل في حقها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» (2) وحول وديعة رسول اللّه وزهرائه وحول ارثها ونحلتها وخمسها و مجابهتها اياهم بكل حجة بالغة الى غير ذلك من الامور التي أنذر بها القرآن الحكيم.
فكان من الطبيعي لمثل مالك في عقله ونبله ومكانته في قومه ان يتربص - والحال هذه - في النزول على حكم من يظهر في المدينة و يقهر خصومه على الخلافة حتى يتبين له انه انما قهرهم بالحق وظهر عليهم باجتماعهم عليه بعد ذلك التنازع، وبهذا لا يسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثاً عمن تبراً ذمته يدفعها اليه. فكان عليهم أن يمهلوه مدة تسع البحث عن هذه الحقيقة الغامضة في تلك الاوقات ولا يعا جلوه مفاجئيه بتلك النكبات فانه لم يكن ممن أنكر الزكاة ولا ممن فرق بينها وبين الصلاة ولا ممن استحل قتال أبي بكر أو غيره من المسلمين.
هذه هي الحقيقة في موقف مالك وأصحابه، يدل على ذلك نصحه لقومه في تثبيته اياهم على الاسلام وعدم المناوأة لخالد و أمره اياهم بالتفرق لشلا يصطدموا بجيشه الناهد الى بطاحهم ونهيه اياهم عن الاجتماع في مكان ما
ص: 118
لثلا يظن أحد بأنهم معسكرون (1).
زحف خالد الى البطاح
لما فرغ خالد من أسد وغطفان ازمع على المسير الى البطاح يلقي فيها مالك بن نويرة وقومه، وكان مالك أخلى له البطاح، وفرق قومه لما بيناه من عزمه على السلام احتياطاً منه على الاسلام في تلك الايام. فلما عرف الانصار عزم خالد على المسير الى مالك، توقفوا عن المسير معه و قالوا : «ما هذا بعهد الخليفة الينا انما عهده ان نحن فرغا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب الينا».
فأجابهم خالد : «انه ان لم يكن عهد اليكم بهذا فقد عهد اليّ أن أمضي وأنا الامير والي تنتهي الاخبار، ولو انه لم يأنني كتاب ولا أمر، ثم رأيت فرصة ان أعلمته بها فاتتني لم أعلمه حتى انتهزها، وكذلك اذا ابتلينا بأمر لم يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، و هذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي (2)» ثم سار ومن معه يقصد البطاح.
ص: 119
فلما بلغوها لم يجدوا فيها أحداً (1).
مجيؤهم بمالك فى نفر من قومه وقتلهم صبرا
فلما لم يجدوا فيها أحداً أرسل خالد سر اياه في أثرهم فجاءته بمالك بن
ص: 120
نويرة في نفر من بني يربوع فحبسهم، ثم كان ما كان من أمرهم ممتا سنأتي على طرف منه بكل حسرة وأسف فانا للّه وانا اليه راجعون.
وقد روى الطبري بسنده الى أبي قتادة الانصاري وكان من رؤساء تلك السرايا أنه كان يحدث، أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح (قال أبو قتادة) فقلنا : انا المسلمون. (قال) : فقالوا ونحن المسلمون. قلنا : ما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟ فقلنا: فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح، ثم صلينا وصلوا اه_ (1).
قلت : و بعد الصلاة خفوا الى الاستيلاء على أسلحتهم و شد وثاقهم وسوقهم أسرى الى خالد وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم، وكانت كما نص عليه أهل الاخبار (واللفظ للاستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية خالد) من أشهر نساء العرب بالجمال، ولاسيما جمال العينين والساقين قال : يقال أنه لم ير أجمل من عينيها ولاساقيها
ففتنت خالداً وقد تجاول في الكلام مع مالك وهي الى جنبه، فكان ممّا قاله خالد : اني قاتلك.
قال له مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ؟ (يعني أبا بكر).
قال : واللّه لأقتلك. وكان عبد اللّه بن عمر وأبو قتادة الانصاري اذ ذاك حاضرين، فكلما خالداً في أمره، فكره كلامهما.
فقال مالك : ياخالد ابعثنا الى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت اليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا، وألح عبد اللّه بن عمر وأبو قتادة
ص: 121
على خالد بأن يبعثهم الى الخليفة فأبى عليهما ذلك.
وقال خالد: لا أقالني اللّه ان لم أقتله. وتقدم الى ضرار بن الازور الاسدي بضرب عنقه. فالتفت مالك الى زوجته وقال لخالد : هذه التي قتلتني. فقال له خالد : بل اللّه قتلك برجوعك عن الاسلام.
فقال له مالك : اني على الاسلام.
فقال خالد : ياضرار اضرب عنقه. فضرب عنقه (1) وقبض خالد على زوجته فبنى بها في تلك الليلة (2).
وفي ذلك يقول أبوزهير السعدي :
ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك***تطاول هذا الليل من بعد مالك
قضی خالد بغياً عليه لعرسه***وكان له فيها هوى قبل ذلك
فأمضى هواه خالد غير عاطف***عنان الهوى عنها ولا متمالك
وأصبح ذا أهل وأصبح مالك***على غير شيء هالكاً في الهوالك
فمن اليتامى والارامل بعده ؟***ومن للرجال المعدمين الصعالك ؟
أصيبت تميم عنها وسمينها***بفارسها المرجو سحب الحوالك (3)
ص: 122
و كان خالد قد أمر بحبس تلك السراة الأسرى من قوم مالك، فحبسوا والبرد شديد فنادى مناديه في ليلة مظلمة أن أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة كناية عن القتل فقتلوهم بأجمعهم.
وكان قد عهد الى الجلادين من جنده، أن يقتلوهم عند سماعهم هذا النداء، وتلك حيلة منه توصل بها الى أن لايكون مسئوولا عن هذه الجناية، لكنها لم تخف على أبي قنادة وأمثاله من أهل البصائر وانتما خفيت على رعاع الناس وسوادهم بقوة الساسة والسياسة.
هذه هي الحقيقة الواقعة الحقيقة الواقعة بين خالد و مالك و قومه يلمسها من ممحص-ي الحقائق كل من أمعن فيما سجلته كتب السير والاخبار عن يوم البطاح وسائر ما اليه.
فلا يصدتك عنها ما تجده هناك من أقوال أخر متناقضة كل التناقض نسجتها الاغراض الشخصية و التزلف الى ولي الامر يومئذ و القائد العام لجيوشه تصحيحاً لاعمالهم (1).
وقد أعطينا الامعان فيها حقه، فلم نر منها الا الدلالة على تضييع الحقيقة اخلاصاً في الحب لخالد والدفاع عنه واللّه على ما يقول وكيل.
ثورة ابي قتادة وعمر بن الخطاب
قال الاستاذ هيكل في كتابه «الصديق أبوبكر (2)» : ان أباقتادة الانصاري
ص: 123
غضب لفعلة خالد اذ قتل مالكاً وتزوج امرأته فتركه منصرفاً الى المدينة مقسماً أن لا يكون أبداً في لواء عليه خالد، وان متمم بن نويرة أحا مالك ذهب معه، فلما بلغا المدينة ذهب أبو قتادة ولايزال الغضب آخذاً منه مأخذه فلقي أبا بكر فقص عليه أمر خالد، وقتله مالكا وزواجه من ليلى، وأضاف أنه أقسم أن لا يكون أبداً في لواء عليه خالد قال: لكن أبا بكر كان معجباً بخالد وانتصاراته، ولم يعجبه أبو قتادة، بل أنكر منه أن يقول في سيف الاسلام ما يقوله !
قال :هيكل: أترى الانصاري - يعني أبا قتادة - هاله غضب الخليفة فأسكته. ثم قال: كلا فقد كانت ثورته على خالد عنيفة كل العنف لذلك ذهب الى عمر ابن الخطاب فقص عليه القصة، وصور له خالداً في صورة الرجل الذي يغلب هواه على واجبه، ويستهين بأمر اللّه ارضاء لنفسه. قال : وأقره عمر على رأيه وشاركه في الطعن على خالد والنيل منه، وذهب عمر الى أبي بكر وقد أثارته فعلة خالد أيما ثورة، وطلب اليه أن يعزله، و قال ان سيف خالد رهقا (1) وحق عليه أن يقيده ولم يكن أبو بكر يقيد من عماله (2)، لذلك قال حين ألح عمر عليه غير مرة : هبه ياعمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد.
ولم يكتف عمر بهذا الجواب، ولم يكف عن المطالبة بتنفيذ رأيه فلما ضاق أبو بكر ذرعاً بالحاح عمر قال : لا ياعمر ما كنت لاشيم (3) سيفاً سله اللّه على الكافرين. قال هيكل : لكن عمر كان يرى صنيع خالداً نكراً فلم تطب نفسه و لم
ص: 124
يسترح ضميره.
«كيف اذن يسكت وكيف يذر خالداً في طمأنينته يشعر كأنه لم يأثم ولم يجن ذنباً»، قال : لابد أن يعيد القول على أبي بكر، وأن يذكر له في صراحة ان عدوّ اللّه عدا على امريء مسلم فقتله ونزا على امرأته فليس من الانصاف في شيء أن لا يؤاخذ بصنيعه. قال : ولم يسع أبا بكر ازاء ثورة عمر الا أن يستقدم خالداً ليسأله ما صنع. قال : وأقبل خالد من الميدان الى المدينة، ودخل المسجد في عدة الحرب مرتدياً قباءاً له، صدأ الحديد، وقد غرز في عمامته أسهماً، وقام اليه عمر از رآه يخطو في المسجد، فنزع الاسهم من رأسه وحطمها وهو يقول : قتلت امرؤاً مسلماً ثم نزوت على امرأته، واللّه لارجمنك بالاحجار (1).
قال : و أمسك خالد فلم يعتذر و دخل على أبي بكر فقص عليه قصة مالك وتردده، وجعل يلتمس المعاذير فعذره أبو بكر وتجاوز عما كان منه منه في الحرب، لكنه عنفه على الزواج من امرأة لم يجف دم زوجها، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وترى الاتصال بهنّ عاراً أي عار قلت : و الاسلام يحرم نكاح المتوفي عنها زوجها حتى تعتد فان نكحت
ص: 125
و بنى بها الناكح و هي في العدة حرمت عليه مؤبداً، و لو فرضنا ان خالداً اعتبرها سبية، فالسبية لا يحل وطؤها الا بعد الاستبراء الشرعي، ولا استبراء هنا وانما قتل زوجها ووطئها في تلك الحال.
قال هيكل: على ان عمر لم يتزحزح عن رأيه فيما صنع خالد، فلما توفي أبوبكر و بويع عمر خليفة له، كان أول ما صنع أن أرسل الى الشام ينعي أبا بكر، وبعث مع البريد الذي حمل النعي رسالة يعزل بها خالداً عن امارة الجيش.
قال الاستاذ هيكل: اجماع المؤرخين منعقد على أن عمر بقي متأثراً برأيه في موقف خالد من مقتل مالك بن نويرة وزواجه امرأته وان هذا الرأي له أثره من بعد في عزل خالد.
عجب وای عجب
ان من أعجب الامور وأغربها، أن تذهب في عهد أبي بكر، تلك الدماء. و هاتيك الاعراض و الأموال هدراً، و أن تستباح تلك الحرمات، وتعطل حدودها الشرعية، حتى يعزل خالد عن تلك الامارة، ولم ينقص شيء من صلاحياتها الواسعة، واستمر ماضياً فيها غلوائه حتى توفي الخليفة، فعزله الخليفة الثاني بمجرد تبوله الخلافة.
و ان رأي أبي بكر في الجناة يوم البطاح، لمن أوائل الاراء المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، قدم رأيه في المصلحة على التعبّد بها (1).
ص: 126
بیان الرای
مثل الاستاذ هيكل «في كتابه الصديق» رأي أبي بكر وحجته فيه قال: أما أبو بكر، فكان يرى الموقف، أخطر من أن يقام فيه لمثل هذه الأمور وزن (1) قال : وما قتل رجل، أو طائفة من الرجال، لخطأ في التأويل أو لغير خطأ، والخطر محيط بالدولة كلها، والثورة ناشبة في بلاد العرب من أقصاها الى أقصاها (2).
قال : وهذا القائد الذي يتهم بأنه أخطأ (3) من أعظم القوى التي يدفع
ص: 127
بها البلاء ويتّقي بها الخطر (1)
قال : و ما التزوج من امرأة على خلاف تقاليد العرب، بل ما الدخول بها قبل أن يتم اذا وقع ذلك من فاتح غزا فحق له بحكم الغزو أن تكون له سبايا يصحبن ملك يمينه (2).
قال: فان التزمنا في تطبيق التشريع، لا يجب أن يتناول النوابغ والعظماء من أمثال خالد (3) قال : وبخاصة اذا كان ذلك يضر بالدواسة أو يعرضها للخطر (4).
ص: 128
قال : ولقد كان المسلمون في حاجة الى سيف خالد، وكانوا في حاجة اليه يوم استدعاه أبو بكر وعنفه، أكثر من حاجتهم اليه من قبل، فقد كان مسيلمة باليمامة على مقربة من البطاح في أربعين الفأ من بني حنيفة، وكانت ثورته في الاسلام والمسلمين أعنف ثورة (1) فمن أجل مقتل مالك بن نويرة أم من أجل ليلى الجميلة التي فتنت خالداً، و تتعرض جيوش المسلمين لتغلب مسيلمة عليها (2) ؟؟ ويتعرض دين اللّه لما يمكن أن يتعرض له، ان خالداً آية اللّه، سيفه سيف اللّه، فلتكن سياسة أبي بكر حين استدعاه اليه أن يكتفي بتعنيفه (3) وأن يأمره في الوقت نفسه بالمسير الى اليمامة ولقاء مسيلمة (4).
قال هيكل : ولعل أبو بكر انما أصدر أمره الى خالد يومئذ بالمسير للقاء مسيلمة، ليرى اهل المدينة «ومن كان على رأي عمر منهم خاصة». ان خالداً
ص: 129
رجل الملمات، وانه قذف به «حين أصدر اليه هذا الأمر» الى جحيم امّا يبتلعه و يقضي عليه، فيكون ذلك خير عقاب له على ما صنع بأم تميم ليلى وزوجها مالك (1) وأما يصهره النصر فيه ويطهره (2) فيخرج مظفراً غانماً قد سكن من المسلمين روعاً لا تعد فعلته بالبطاح شيئاً مذكوراً الى جانيه.
قال : وقد صهرت اليمامة خالداً وطهرته (3) وان تزوج في أعقابها بنتاً كما فعل مع ليلى ولما تجف دماء المسلمين ولادماء أتباع مسيلمة، ولقد عنفه أبو بكر على فعلته هذه، بأشد مما عنفه على فعلته مع ليلى (4)... الى آخر... کلامه (5).
ص: 130
وتراه قد اوضح بكل جلاء ما قد كان عليه الخليفة من ايثاره العمل بما تقتضيه المصالح على العمل بما يقتضيه التعبد بالنصوص، وهذا رأي كثير من الفضلاء الازهريين في أبي بكر و عمر، شافهوني به اذا اجتمعت بهم في الازهر سنة 1329 والتي بعدها.
لكن عمر وان اغرق نزعاً في تأويل النصوص لم يوافق أبا بكر في عفوه عن خالد كما سمعته مفصلا. وقد اعلن الاستاذ هيكل رأي عمر بتفصيل فقال أما عمر، وكان مثال العدل الصارم فكان يرى ان خالداً عدا على امريء مسلم ونزا على امرأته قبل انقضاء عدتها فلا يصح بقاؤه في قيادة الجيش حتى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين ويسيء الى مكانتهم بين العرب قال : ولا يصح ان يترك بغير عقاب على ما اثم مع ليلى، ولو صح انه تأول فأخطأ في امر مالك، وهذا ما لايجيزه عمر، وحسبه ما صنع مع زوجته ليقام عليه الحد، وليس ينهض عذراً له أنه سيف اللّه، وانه القائد الذي يسير النصر في ركابه، فلو ان مثل هذا العذر يقبل، لا بيحت لخالد وأمثاله المحارم، ولكان ذلك اسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب اللّه، لذلك لم يفتأ عمر يعيد على ابي بكر، ويلح عليه، حتى استدعى خالداً وعنفه.. هذا كلام الاستاذ هيكل بعين لفظه في ص 151 من كتابه «الصديق ابو بكر» تحت عنوان رأي عمر وحجّته في الامر.
بعض الانصاف
ان الاستاذ العقاد، بعد أن ذكر الاقوال المتضاربة حول مقتل مالك دفاعاً
ص: 131
عن خالد، قال (1) : وحسبنا من هذه الاقوال جميعاً، أن نقف منها على الثابت الذي لانزاع فيه، ان وجوب القتل لم يكن صريحاً قاطعاً في أمر مالك بن نويرة (2) وان مالكاً كان احق بارساله الى الخليفة من زعماء فزارة وغيرهم، الذين أرسلهم خالد بعد وقعة البزاخة، وان خالداً تزوج امرأة مالك وتعلق بها وأخذها معه الى اليمامة بعد لقاء الخليفة (3).
قال : وأوجب ما يوجبه الحق علينا، بعد ثبوت هذا كله، أن نقول: ان وقعة البطاح صفحة في تاريخ خالد، كان خيراً له (4) وأجمل لو أنها حذفت ولم تكتب على قول من جميع تلك الاقوال... الى آخر كلامه
ص: 132
ختام الكلام فى هذا المقام
نختم كلامنا في في هذا الموضوع بالاشارة الى من كتب في مالك، من حيث مكانته في العروبة والاسلام، ومن حيث ما مني به وقومه يوم البطاح. وحسبنا من ذلك تاريخ الامم والملوك لمحمد بن جرير الطبري، وجمهرة النسب لابن الكلبي، والكامل لابن الأثير (1)، وكتاب الردة والفتوح لسيف بن عمر (2)، وكتاب الموفقيات للزبير بن بكار، وكتاب الاغاني
ص: 133
لابي فرج الأصبهاني وكتاب الدلائل لثابت بن قاسم، ونزهة المناظر لابن الشحنة، والمختصر لأبي الفداء، وما هو في احوال عمر، من المجلد الأول من شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي، وغيرها من كتب السير والمعاجم في التراجم (1).
وهاك الان ما ذكره القاضي ابن خلكان «في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات الوشاء الفارسي من وفيات الاعيان نقلا عن كتابي وثيمة والواقدي» اذ قال : كان مالك بن نويرة رجلا سرياً نبيلا يردف الملوك. قال : وللردافة موضعان، أحدهما أن يردفه الملك على دابته في صيد او غيره من مواضع الانس والموضع الثاني انبل وهو أن يردف الملك اذا قام عن مجلس الحكم فينظر ما بين الناس بعده. قال : و هو الذي يضرب به المثل، فيقال مرعی ولا كسعدان، وماء ولاكصداء وفتى ولا كمالك. قال : وكان فارساً شاعراً
ص: 134
مطاعاً في قومه، وكان فيه خيلاء وتقدم، وكان ذا لمة كبيرة، وكان يقال له الجفول (1). قال : وقدم على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيمن قدم من العرب فأسلم فولاه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صدقات قومه.. الى آخر ما روي عنه وعن موقفه مع خالد بن الوليد يوم البطاح وانهما تجاولا في الكلام طويلا فقال له خالد: اني قاتلك. قال مالك : أو بذلك امرك صاحبك ؟. - يعني ابابكر - قال واللّه لاقتلنك وكان عبداللّه ابن عمر وأبو قتادة اذ ذاك حاضرين، فكلما خالداً في امره فكره كلامهما فقال مالك : يا خالد ابعثنا الى ابي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت اليه غيرنا ممن جرمه اكبر من جرمنا فقال خالد : لا أقالني اللّه ان لم اقتلك. و تقدم الى ضرار بن الازور بضرب عنقه. فالتفت مالك الى زوجته أم تميم و قال لخالد. هذه التي قتلتني. قال ابن خلكان : وكانت في غاية الجمال. فقال له خالد : بل اللّه قتلك برجوعك عن الاسلام فقال مالك : اني على الاسلام. فقال خالد ياضرار اضرب عنقه. قال فضرب عنقه وجعلى رأسه اثفية لقدر. قال : قال ابن الكلبي في جمهرة النسب : قتل مالك يوم البطاح وقبض خالد امرأته فتزوجها، وفي ذلك يقول ابوزهير السعدي : ألا قل لحى اوطئوا بالسنابك (2).
قلت وذكر الابيات الستّة الانفة الذكر.
ثم ذكر ابن خلكان بعد هذا ثورة عمر على خالد وقوله لابي بكر : انّ خالداً قد زنى فأرجمه. قال : ما كنت لارجمه فأنّه تأول فأخطأ. قال : انه
ص: 135
قتل رجلا مسلماً فاقتله به. فقال : ما كنت لاقتله به فانه تأول فأخطأ. قال : فاعزله. قال : ما كنت لاشيم سيفاً سله اللّه عليهم. واسترسل ابن خلكان فيما هو حول هذه القضية فذكر وقوف متمم بن نويرة بحذاء ابي بكر، متكئاً على سية قوسه ينشد قوله :
نعم القتيل اذا الرياح تناوحت***خلت البيوت قتلت يا ابن الازور
أدعوته باللّه ثم غدرته***لو هو دعاك بذمة لم يغدر
قال : وأوماً الى ابي بكر، فقال ابوبكر : فواللّه ما دعوته ولا غدرته. ثم أنشد :
ولنعم حشو الدرع كان وحاسراً***ولنعم مأوى الطارق المتنور
لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه***حلو شمائله عفيف المئزر
ثم بكى وانحط عن سية قوسه (1).
الى آخر ما في وفيات الاعيان من هذا الموضوع. وقد ذكر من شجاعة مالك وحفيظته وسخائه ومكانته ما يجدر بالباحثين أن يقفوا عليه.
وممن ذكر مالكاً من اهل المعاجم واثبات السير والاخبار، ابوالفضل احمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني في القسم الأول من الاصابة في تمييز الصحابة (2).
فقال: (مالك) ابن نويرة بن حمزة بن شداد بن عبد بن ثعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي يكنى أبا حنظلة ويلقب بالجفول
ص: 136
(قال) قال المرزباني كان شاعراً شريفاً فارساً معدوداً في فرسان بني يربوع في الجاهلية واشرافهم وكان من - ارداف الملوك وكان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - الصدقة (1) استعمله على صدقات قومه فلما بلغته وفاة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) امسك عن وقال في ذلك :
فقلت خذوا اموالكم غير خائف***ولا ناظر فيما يجيء من الغد (2)
فان قام بالدين المخوف قائم***اطعنا (3) وقلنا الدين دين محمد
ص: 137
فقتل صبراً هو وأصحابه، ومثل به وبرأسه بعد القتل، ووطئت زوجته، وعطلت في ذلك كله حدود اللّه، وانتهكت حرماته، و العذر في ذلك كله انهم تأولوا فأخطأوا، فانا للّه وانا اليه راجعون.
المورد - (14) - :
في منع كتابة العلم عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وذلك ان الحاكم اخرج في
ص: 138
تاريخه بالاسناد الى أبي بكر عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «من كتب عليّ علماً أو حديثاً لم يزل يكتب له الاجر ما بقي ذلك العلم أو الحديث» (1) ومع ذلك لم يدون ايام ابي بكر وعمر شيء من السنن.
وقد كان أبو بكر اجمع ايام خلافته على تدوين الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فجمع خمسمائة حديث فيات ليلته يتقلب كثيراً، قالت عائشة : فغمني تقلبه، فلما اصبح قال لي أي بنية هلمي الاحاديث التي عندك فجئته بها فأحرقها... (الحديث) (2).
ص: 139
وعن الزهري عن عروةان عمر بن الخطاب اراد ان يكتب السنن فاستفتى اصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأشاروا عليه ان يكتبها فطفق عمر يستخير اللّه فيها شهراً، ثم اصبح يوماً [ وقد عزم اللّه له ] فقال : اني كنت اريد ان اكتب السنن، واني ذكرت قوماً قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب اللّه، واني واللّه ولا اشوب كتاب اللّه بشيء ابدأ (1).
وعن ابي وهب قال سمعت مالكاً يحدث ان عمر بن الخطاب اراد أن يكتب هذه الاحاديث أو كتبها، ثم قال : لاكتاب مع كتاب اللّه (2).
وعن يحيى بن جعدة قال اراد عمر ان يكتب السنة، ثم بدا له ان لا يكتبها،
ص: 140
ثم كتب في الامصار : من كان عنده شيء فليمحه (1).
وعن القاسم بن محمد بن ابي بكر قال : ان الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس ان يأتوه بها فلما اتوه بها امر بتحريقها...(الحديث) (2).
وعن ابن عمر ان عمر اراد أن يكتب السير (السنن خ ل) فاستخار اللّه شهراً فأصبح وقد عزم له، ثم قال: اني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتاباً فأقبلوا عليه وتركوا كتاب اللّه (3).
وفي ايام عمر جاء رجل من اصحابه فقال : يا امير المؤمنين انا لما فتحنا المدائن اصبنا كتباً فيها من علوم الفرس وكلام معجب. قال : فدعا بالدرة فجعل يضربها بها حتى تمزقت، ثم قرأ : نحن نقص عليك احسن، ويقول : ويلك اقصص احسن من كتاب اللّه ؟.. (الحديث) (4).
ص: 141
والاخبار متواترة في منعه الناس عن تدوين العلم، وردعه اياهم عن جمع السنن والآثار، وربما حظر عليهم الحديث عن رسول اللّه مطلقاً، وحبس اعلامهم في المدينة الطيبة لكيلا يذيعوا الاحاديث في الافاق (1).
ولا يخفى ماقد ترتب على هذا من المفاسد التي لا تتلافى أبداً، فليت الخليفتين
ص: 142
143
صبرا نفسيهما مع علي بن أبي طالب (1) وسائر الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه من آل محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والخيرة من أصحابه فيحبساهم على جمع السنن والآثار النبوية وتدوينها في كتاب خاص يرثه عنهم من جاء بعدهم من التابعين فتابعيهم في كل خلف من هذة الامة، شأن الذكر الحكيم والفرقان العظيم، فان في السنة ما يوضح متشابه القرآن ويبين مجمله، ويخصص عامه ويقيد مطلقه، ويوقف اولي الالباب على كنهه، فيحفظها حفظه، وبضياعها ضياع لكثير من أحكامه، فما كان أولاها بعناية الخليفتين واستفراغ وسعهما في ضبطها وتدوينها، واوفعلا ذلك لعصما الامة والسنة من معرة الكاذبين بما افتأتوه على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، اذ لو كانت السنن مدونة من ذلك العصر في كتاب تقدسه الامة لارتج على الكذابين باب الوضع، وحيث فاتهما ذلك كثرت الكذابة على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولعبت في الحديث أيدي السياسة، وعاثت به السنة الدعاية الكاذبة، ولاسيما على عهد معاوية وفئته الباغية، حيث سادت فوضى الدجاجيل، وراج سوق الاباطيل (2).
ص: 143
وقد كان في وسع الخليفتين وأوليائهما أن يكفوا الامة شر هؤلاء بتدوين السنن على نحو ماذكرناه، وما كان ليخفى عليهم رجحان ذلك، ولعلك تعلم أنهم كانوا أعرف منا بلزومه، لكن مطامعهم التي تأهبوا وأعدوا وتعبأوالها، لا تتفق مع كثير من النصوص الصريحة المتوافرة التي لابد من تدوينها لو أبيح التدوين لكونها مما لا يجحد صدوره ولا يكابر في معناه (1) ومن هاهنا أتينا فانا اللّه وانا اليه راجعون.
أما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقد استودع كلا من الكتاب والسنة ومواريث الأنبياء وصيه ووليه علي بن أبي طالب، وبذلك أحصاها في امام مبين «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ»، وعهد اليه أن يحصيها فيمن بعده من الائمة (2). وهكذا يكون احصاؤها في أئمة العترة اماماً بعد امام ثقل رسول اللّه واعدال كتاب اللّه لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول اللّه.
وقد صحح عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قوله: «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (3).
ص: 144
المورد - (15) - :
مجيء أناس من المشركين الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مهمة لهم فأحالهم
فيها على صاحبيه ليعتذرا اليهم فكانا شافعين لا معتذرين، وذلك أن أناساً من
ص: 145
المشركين جاؤا اليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقولون «يا محمد انا جيرانك وحلفاؤك، وان ناساً من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين، ولا رغبة في الفقه، وانما فروامن ضياعنا وأموالنا فارددهم الينا. فلم يجبهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى ما أرادوا مخافة أن يفتنوهم عن دينهم، لكنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كره أن يكاشفهم فقال لابي بكر ما تقول يا أبا بكر. أملا بأن يرد، طلبهم. فقال أبو بكر : صدقوا يارسول اللّه فتغير وجه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ لم يكن جوابه موافقاً لما يريده اللّه ورسوله فسأل عمر أملا بأن يكاشفهم فقال : ما تقول يا عمر فقال : صدقوا یا رسول اللّه انهم لجيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
الحديث أخرجه أحمد من حديث علي (ع) في ص 155 من الجزء الاول من مسنده وأخرجه النسائي في ص 11 من الخصائص العلوية، واليك تمام هذا الحديث بلفظ النسائي، قال: فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): يا معشر قريش واللّه ليبعثن اللّه عليكم رجلا منكم امتحن اللّه قلبه للايمان فيضر بكم على الدين قال أبو بكر - أنا هو يا رسول اللّه. قال : لا. ولكن ذلك الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها. انتهى بلفظ النسائي في خصائصه العلوية (1).
ص: 146
ص: 147
المورد - (16) - رزية يوم الخميس.
وقد كانت سنة 11 للّهجرة في مرض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبيل وفاته (1) (بأبي هو وأمي) بيسير.
الحقيقة الثابتة في هذه الرزية
والحقيقة هنا على سبيل التفصيل: ماقد أخرجه أصحاب الصحاح وسائر أهل المسانيد، وأرسله أهل السير والاخبار ارسال المسلمات.
واليك الان بعض ما أخرجه البخاري (2) بسنده الى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن مسعود عن ابن عباس. قال : لما حضر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفي البيت رجال فيهم عمر
ص: 148
ابن الخطاب. قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «هلم اكتب لكم كتاباً لاتضلوا (1) بعده. فقال عمر: ان النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه. فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: ماقال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قوموا (عني خل) - قال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن مسعود - : فكان ابن عباس يقول: ان الرزية كل الرزية ماحال بين رسول اللّه وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. أه- بنصه (2).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر الوصايا أوائل الجزء الثاني من صحيحه. ورواه أحمد بن حنبل في مسنده من حديث ابن عباس (3) وسائر
ص: 149
أصحاب السنن والاخبار، وقد تصرفوا فيه فنقلوه بالمعنى، لأن لفظه الثابت: «ان النبي يهجر» لكنهم ذكروا أنه قال: «ان النبي قد غلب عليه الوجع»، تهذيباً للعبارة واتقاء فظاعتها.
ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب السقيفة (1) بالاسناد الى ابن عباس، قال : لما حضرت رسول اللّه الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول اللّه : «ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده قال: فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قدغلب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثم قال : عندنا القرآن حسبنا كتاب اللّه. فاختلف من في البيت واختصموا فمن قائل يقول : القول ما قال رسول اللّه، ومن قائل يقول : القول ماقال عمر فلما، أكثروا اللغط واللغوا والاختلاف غضب صلى اللّه عليه و آله فقال: قوموا...» (الحديث) (2). وتراه صريحاً بأنهم انما نقلوا معارضة عمر بالمعنى لابعين لفظه.
ويدلك على هذا أيضاً أن المحدثين حيث لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ نقلوا المعارضة بعين لفظها. قال البخاري - في باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير من صحيحه (3) - : حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن سلمان الاحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: «يوم الخميس وما يوم الخميس» ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال : اشتد برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعه يوم
ص: 150
الخميس، فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا : «هجر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )» قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني مما تدعوني (1) اليه. وأوصى عند موته بثلاث : «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم (قال) : و نسيت الثالثة» أم (2).
و هذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً في آخر كتاب الوصية من صحيحه، وأحمد من حديث ابن عباس في مسنده (3) ورواه سائر المحدثين.
وأخرج مسلم في كتاب الوصية من الصحيح عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس، قال : «يوم الخميس وما يوم الخميس» ثم جعل تسيل
ص: 151
دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام الاؤلؤ قال : «قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقالوا : ان رسول اللّه يهجر» أم (1).
ومن ألمّ بما حول هذه الرزية من الصحاح (2) يعلم ان أول من قال
ص: 152
يومئذ : «هجر رسول اللّه» انما هو عمر (1). ثم نسج على منواله من الحاضرين من كانوا على رأيه. وقد سمعت قول ابن عباس - في الحديث الاول (2) - : فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ماقال عمر (3) - أي يقول: هجر رسول اللّه - وفي رواية أخرجها الطبراني في الاوسط عن عمر (4) قال: لما مرض النبي قال : ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً. فقال النسوة من وراء الستر : ألا تسمعون ما يقول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قال عمر فقلت : انكن صواحبات يوسف اذا مرض عصر تن أعينكن واذاصح ركبتن عنقه ؟ قال: فقال رسول اللّه : «دعوهن فانهن خير منكم». اه_ (5).
وأنت ترى انهم لم يتعبدوا هنا بنصه الذي لو تعبدوا به لامنوا من الضلال وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال ولم يردوا قوله اذ قالوا : «حسبنا كتاب اللّه» حتى كأنه لا يعلم بمكان كتاب اللّه منهم، أو أنهم أعلم منه بخواص الكتاب وفوائده.
وليتهم اكتفوا بهذا كله ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك «هجر رسول اللّه» وهو محتضر بينهم وأي كلمة كانت وداعاً منهم له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكأنهم - حيث لم
ص: 153
يأخذوا بهذا النص اكتفاء منهم بكتاب اللّه على ما زعموا لم يسمعوا هتاف الكتاب آناء الليل وأطراف النهار في أنديتهم «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (1) وكأنهم «حيث قالوا : هجر» لم يقرأوا قوله تعالى : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» (2) وقوله عز من قائل: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (3) وقوله جل وعلا : «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ» (4).
على أن العقل بمجرده مستقل بعصمته، لكنهم علموا أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصة، وعلى الائمة من عترته عامة فصدوه عن ذلك، كما اعترف به الخليفة الثاني في كلام دار بينه وبين ابن عباس (5).
وأنت اذا تأملت في قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده وقوله في حديث الثقلين : «اني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، کتاب اللّه وعترتي» (6) تعلم ان المرمى في الحديثين واحد، وانه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما أراد
ص: 154
في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
وانما عدل عن ذلك، لان كلمتهم تلك التي فاجؤه بها اضطرته الى العدول اذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في انه هل هجر فيما كتبه «والعياذ باللّه» أو لم يهجر. كما اختلفوا في ذلك فاختصموا وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيه فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم : قوموا كما سمعت، ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر، ولاوغل أشياعهم في اثبات هجره (والعياذ باللّه) فسطروا به أساطيرهم، وملاوا طو اميرهم رداً على ذلك الكتاب، وعلى من يحتج به.
لهذا اقتضت الحكمة البالغة أن يضرب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن ذلك الكتاب صفحاً، لئلا يفتح هؤلاء وأولياؤهم باباً الى الطعن في النبوة «نعوذ باللّه وبه نستجير» وقد رأى أن علياً وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به، ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة - والحال هذه - توجب تركه، اذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى.
اعدار المعارضين و تزييفها
وقد اعتذر شيخنا الشيخ سليم البشري المالكي (1) شيخ الجامع
ص: 155
الأزهر في بعض «مراجعات» كانت بيني وبينه في مصر سنة 1329 والتي بعدها.
فقال رحمه اللّه: لعل النبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين أمرهم باحضار الدواة والبياض لم يكن قاصداً لكتابة شيء من الاشياء، وانما أراد بكلامه مجرد اختبارهم لا غیر، فهدى اللّه عمر الفاروق لذلك دون غيره من الصحابة فمنعهم من احظارهما، فيجب - على هذا - عد تلك الممانعة في جملة موافقاته لربه تعالى وتكون من كراماته (رضي اللّه عنه).
قال (رحمه اللّه) : هكذا أجاب بعض الاعلام (ثم قال : لكن الانصاف ان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لاتضلوا بعده يأبى ذلك، لانه جواب ثان الامر، فمعناه انكم ان أتيتم بالدواة والبياض وكتبت لكم ذلك الكتاب لاتضلوا بعده، ولا يخفى ان الاخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الاختبار انما هو من نوع الكذب الواضح الذي يجب تنزيه كلام الانبياء عنه، ولاسيما في موضع يكون ترك احضار الدواة والبياض أولى من احضارهما.
(قال) : على أن في هذا الجواب نظراً من جهات أخر، فلابد هنا من اعتذار آخر.
قال : وحاصل ما يمكن أن يقال : ان الأمر لم يكن أمر عزيمة وايجاب حتى لا تجوز مراجعته ويصير المراجع عاصياً، بل كان أمر مشورة، وكانوا يراجعونه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بعض تلك الأوامر ولاسيما عمر فانه كان يعلم من
ص: 156
نفسه أنه موفق للصواب في ادراك المصالح، وكان صاحب الهام من اللّه تعالى و قد أراد التخفيف عن النبي اشفاقاً عليه من التعب الذي يلحقه بسبب املاء الكتاب في حال المرض والوجع وقد رأى رضي اللّه عنه أن ترك احضار الدواة والبياض أولى.
وربما خشي أن يكتب النبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أموراً يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بسبب ذلك، لانها تكون منصوصة لاسبيل الى الاجتهاد فيها.
ولعله خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب. لكونه في حال المرض فيصير سبياً للفتنة، فقال : حسبنا كتاب اللّه لقوله تعالى : «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ» (1) وقوله : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (2) وكأنه رضي اللّه عنه أمن من ضلال الامة، حيث أكمل اللّه لها الدين وأتم عليها النعمة.
قال (رحمه اللّه) : هذا جوابهم وهو كما ترى، لان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تضلوا يفيد ان الامر أمر عزيمة وايجاب، لان السعي فيما يوجب الامن من الضلال واجب مع القدرة بلا ارتياب، واستياؤه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منهم، وقوله لهم قوموا حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على أن الأمر انما كان للايجاب لا للمشورة.
قال : [ فان قلت:] لو كان واجب ماتركه النبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمجرد مخالفتهم، كما انه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين. فالجواب: أن هذا الكلام لوتم فانما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي بعد معارضتهم له (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهذا لاينافي وجوب الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به، وبين لهم ان فائدته الامن من الضلال اذ الأصل في الأمر انما هو الوجوب
ص: 157
على المأمور لا على الأمر، ولاسيما اذا كانت فائدته عائدة الى المأمور خاصة والوجوب عليهم هو محل الكلام، لا الوجوب عليه.
قال : على انه يمكن أن يكون واجباً عليه أيضاً، ثم سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم وبقولهم هجر، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة كما قلت حرسك اللّه.
قال (رحمه اللّه) : وربما اعتذر بعضهم بأن عمر رضي اللّه عنه ومن قالوا يومئذ بقوله لم يفهموا من الحديث ان ذلك الكتاب سيكون سبباً لحفظ كل فرد من أفراد الامة من الضلال على سبيل الاستقصاء، بحيث لايضل بعده منهم أحد أصلا، وانما فهموا من قوله لاتضلوا أنكم لا تجتمعون على الضلال بقضكم وقضيضكم، ولا تتسرى الضلالة بعد كتابة الكتاب الى كل فرد من أفرادكم، وكانوا (رضي اللّه عنهم) يعلمون ان اجتماعهم بأسرهم على الضلال ممالا يكون أبداً وبسبب ذلك لم يجدوا أثراً لكتابته، وظنوا ان مراد النبي ليس الا زيادة الاحتياط في الأمر لما جبل عليه من وفور الرحمة، فعارضوه تلك المعارضة، بناء منهم أن الأمر ليس للايجاب وأنه انما هو أمر عطف و مرحمة ليس الا، فأرادوا التخفيف عن النبي بتركه. اشفاقاً منهم عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال : هذا كل ماقيل في الاعتذار عن هذه البادرة، لكن من أمعن النظر فيه جزم ببعده عن الصواب لان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لاتضلوا يفيد أن الامر للايجاب كما ذكرنا واستياؤه منهم دليل على أنهم تركوا أمراً من الواجبات عليهم، وأمره اياهم بالقيام مع سعة ذرعه وعظيم تحمله، دليل على أنهم انما تركوا من الواجبات ما هو أوجبها وأشدها نفعاً، كما هو معلوم من خلقه العظيم.
قال : فالأولى ان يقال في الجواب : هذه قضية في واقعة كانت منهم على
ص: 158
خلاف سيرتهم كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، لانعرف وجه الصحة فيها على سبيل التفصيل، واللّه الهادي الى سواء السبيل (1).
قلت : قد استفرغ شيخنا وسعه في الاعتذار عن هذه المعارضة، وفي حمل المعارضين فيها على الصحة، فلم يجد الى ذلك سبيلا، لكن علمه واعتداله و انصافه وكل ذلك أبى عليه الا أن يصدع برد تلك الترهات، ولم يقتصر في تزييفها على وجه واحد حتى استقصى مالديه من الوجوه، شكر اللّه حسن بلائه في ذلك.
تزييف الاعذار من نواحى اخر
وحيث كان لدينا في رد تلك الاعذار وجوه أخر، أحببت يومئذ عرضها عليه، وجعلت الحكم فيها موكولا اليه.
فقلت : قالوا في الجواب الأول : لعله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين أمرهم باحضار الدواة لم يكن قاصداً لكتابة شيء من الاشياء، وانما أراد مجرد اختبارهم لاغير.
فنقول - مضافاً الى ما أفدتم - : ان هذه الواقعة انما كانت حال احتضاره - بأبي وامي - كما هو صريح الحديث، فالوقت لم يكن وقت اختبار، وانما كان وقت اعذار وانذار ونصح تام للامة والمحتضر بعيد عن الهزل والمفاكهة مشغول بنفسه ومهماته ومهمات ذويه ولاسيما اذا كان نبياً.
واذا كانت صحته مدة حياته كلها لم تسع اختبارهم، فكيف يسعها وقت احتضاره.
على أن قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - حين أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عنده - :
ص: 159
«قوموا» ظاهر في استيائه منهم، ولو كان الممانعون مصيبين لاستحسن ممانعتهم وأظهر الارتياح اليها.
ومن ألمّ بأطراف هذا الحديث، ولاسيما قولهم : «هجر رسول اللّه» يقطع بأنهم كانوا عالمين أنه انما يريد أمراً يكرهونه، ولذا فاجؤوه بتلك الكلمة وأكثروا عنده اللغو واللغط والاختلاف كما لا يخفى.
و بكاه ابن عباس بعد ذلك لهذه الحادثة وعدها رزية دليل على بطلان هذا الجواب.
قال المعتذرون : ان عمر كان موفقاً للصواب في أدراك المصالح، وكان صاحب الهام من اللّه تعالى. وهذا مما لا يصغي اليه في مقامنا هذا لانه يرمي الى ان الصواب في هذه الواقعة انما كان في جانبه، لافي جانب النبي، وأما الهامه يومئذ كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الامين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
وقالوا : بأنه أراد التخفيف عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اشفاقاً عليه من التعب الذي يلحقه بسبب املاء الكتاب في حال المرض، وأنت تعلم ان في كتابة ذلك الكتاب راحة قلب النبي، وبرد فؤاده وقرة عينه، وأمنه على امته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الضلال.
على ان الامر المطاع، والارادة المقدسة مع وجوده الشريف انما هما له، وقد أراد - بأبي وأمي - احضار الدواة والبياض، وأمر به فليس لاحد أن يرد أمره أو يخالف ارادته «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا» (1).
على ان مخالفتهم لامره في تلك المهمة العظيمة، و لغوهم واغطهم واختلافهم هنده كان أثقل عليه وأشق من املاء ذلك الكتاب الذي يحفظ أمنه من الضلال
ص: 160
واذا كان خائفاً من المنافقين ان يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، فلماذا بذر لهم بذرة القدح، حيث عارض ومانع وقال: «هجر»؟!
وأما قولهم في تفسير قوله: «حسبنا کتاب اللّه»: انه تعالى قال: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ» وقال عز من قائل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» فغير، لان الايتين لاتفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس، صحيح، فكيف يجوز ترك السعي فى ذلك الكتاب اعتماداً عليهما ؟ ولو كان وجود القرآن العزيز موجباً للامن من الضلال لما وقع في هذه الامة من الضلال والتفرق مالايرجى زواله (1).
وقالوا في الجواب الأخير : ان عمر لم يفهم من الحديث ان ذلك الكتاب سيكون سبباً لحفظ كل فرد من امته من الضلال وانما فهم انه سيكون سبباً لعدم اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال (قالوا) : وقد علم رضي اللّه عنه ان اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبداً، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة.
وفيه مضافاً الى ما أشرتم اليه : ان عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد
ص: 161
عن الفهم، وما كان ليخفى عليه من هذا الحديث ماظهر لجميع الناس لان القروي و البدوي انما فهما منه ان ذلك الكتاب لو كتب لكان علة تامة في حفظ كل فرد من الضلال، وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث الى افهام الناس.
وعمر كان يعلم ان الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يكن خائفاً على امته ان تجتمع على الضلال، اذ كان يسمع قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): لا تجتمع أمتي على الضلال، ولا تجتمع على الخطأ، وقوله: لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق.. (الحديث) (1).
وقوله تعالى : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا» (2) الى كثير من نصوص الكتاب والسنة الصريحة بأن الامة لا تجتمع بأسرها على الضلال، فلا يعقل مع هذا ان يسنح في خاطر عمر أو غيره ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين طلب الدواة والبياض كان خائفاً من اجتماع أمته على الضلال.
والذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر منه الاذهان، لا ما تنفيه صحاح السنه ومحكمات القرآن، على ان استياء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منهم المستفاد من قوله «قوموا» دليل على ان الذي تركوه كان من الواجب عليهم، ولو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه فى فهم الحديث كما زعموا، لازال النبي
ص: 162
(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شبهته، وأبان لهم مراده منه بلاو كان فى وسع النبي أن يقنعهم بما أمرهم به لما آثر اخراجهم عنه.
وبکاه ابن عباس وجزعه من أكبر الأدلة على مانقول.
والانصاف ان هذه الرزية لمما يضيق عنها نطاق العذر، ولو كانت - كما ذكرتم - قضية في واقعة كفلتة سبقت، وفرطة ندرت لهان الأمر، وان كانت بمجردها بائقة الدهر، وفاقرة الظهر (1)، والحق ان المعارضين انما كانوا ممن يرون جواز الاجتهاد في مقابل النص، فهم فى هذه المعارضة وأمثالها اذاً مجتهدون، فلهم رأيهم واللّه تعالى رأيه ؟.
اعجاب الشيخ بما قلنا
وما ان وقف شيخنا على ما قلناه في رد تلك الاعذار، حتى كتب الينا مایلی :
«قطعت على المعنذرين وجهتهم، وملكت عليهم مذاهبهم، وحلت بينهم وبين مايرومون، فلا موضع للشبهة فيما ذكرت، ولا مساغ للريب في شيء مما به صدعت» الى آخر ماقال (2).
المورد - (17) - صلح الحديبية (3)
آثر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الصلح يوم الحديبية على الحرب وأمر به عملا بما
ص: 163
أوحى اليه ربه عز وعلا. وكانت المصلحة في الواقع ونفس الامر توجبه، لكنها خفيت على أصحابه فأنكره بعضهم عليه وعارضه فيه علانية بكل مالديه من قول، فلم يعبأ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بمعارضتهم ومضى قدماً في تنفيذ ما كان مأموراً به، فكانت عاقبته من أحسن عواقب الفاتحين والحمد للّه رب العالمين.
بيان هذه الحقيقة بشيء من التفصيل
خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة 6 للّهجرة يريد العمرة، وكان يخشى من قريش أن يتعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت - كما فعلوا - فاستنفر الناس الى العمرة معه، فلبّاه من المهاجرين والانصار وغيرهم من الاعراب الف وأربعمائة رجل (1) فيهم مئتا فارس، و ساق معه الهدي سبعين بدنة، ولم يخرج بسلاح الا سلاح المسافر - السيوف في القرب - (2) فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم هو و أصحابه منها، ليأمن الناس حربه، وليعلموا أنه انما خرج زائراً، ومعظماً له.
ثم سار حتى اذا كان في بعض الطريق علم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ان خالد بن الوليد في
ص: 164
الغميم - موضع قرب مكة في خيل لقريش فيها مئتا فارس، طليعتهم عكرمة ابن ابي جهل فأخبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أصحابه بذلك، وأمرهم أن يأخذوا ذات اليمين ليسلك بهم غير طريق خالد، فسلكوا بين ظهري الحمض(1) فما شعر بهم خالد: حتى رأى فترة جيشهم - غباره الاسود ودنا خالد في خيله نحو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأصحابه، فأمر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عباد بن بشر فتقدم في خيله ازاء خالد وخيله.
وحانت صلاة الظهر فصلاها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأصحابه، فقال المشركون لقد امكنكم محمد وأصحابه من انفسهم وهم في الصلاة، فقال خالد نعم قد كانوا في غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم، وستأتي الساعة صلاة أخرى، هي أحب اليهم من أنفسهم وأبنائهم، فأوحى اللّه عزوجل الى نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا * وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (2)».
ص: 165
فصلى رسول اللّه فريضة العصر بأصحابه صلاة الخوف المشروعة بهذه الايات «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا» (1).
شراسة قريش وحكمة النبى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
لقي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الحديبية حين أتاها أذى كثيراً من المشركين، وغلظة وجفاء ومكاشفة له ولاصحابه في العداوة والبغضاء، ولقي المشركون من أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل ذلك وأشد عملا منهم رضي اللّه عنهم بقوله تعالى : «وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً»، لكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وسع المشركين بحلمه الموحى يومئذ اليه من ربه عز وعلا بحكمته التي فطر عليها، وبخلقه العظيم الذي فضله اللّه به على سائر النبيين والمرسلين عليه و آله و علیه السلام.
صدّه المشركون عن مكة صداً شكساً شرساً لثيماً، فما استخفه بذلك غضب، ولاروّع حلمه رائع، كان يأخذ الامور - مع اولئك الجفاة - بالملاينة والاغماض، وله في شأنهم كلمات متواضعة، على ان فيها من الرفعة والعلاء ما يريهم اياه فوق الثري، ويريهم انفسهم تحت الثرى، وفيها من النضج لهم و الاشفاق عليهم ما لم يكن فيه ريب لاحد منهم، ومن الحكمة الالهية ما يأخذ بمجامع قلوبهم - على قسوتها وغلظتها - باجتياحهم اليه، ومن الوعيد والتهديد باستصال جذرتهم وبذرتهم ما يقطع نياط قلوبهم (2).
ص: 166
واليك بعض المأثور عنه من ذلك. فأمعن به لتقف على أهدافه، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «ياويح قريش نهكتهم الحرب فماذا عليهم لو خلوابيني وبين العرب، فان هم أصابوني كان الذي أرادوه، وان أظهرني اللّه عليهم دخلوا في الاسلام وافرين وان أبواقانلوني وبهم قوة ؟ فما تظن قريش فواللّه الذي لا اله الا هو لا أزال اجاهد على الذي بعثني به ربي حتى يظهره اللّه او تنفرد هذه السالفة !» (1) - وهي صفحة العنق كناية عن قتله -.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يطمعهم في خلقه الكريم وفضله العميم : «والذي نفس محمد بيده لاتدعوني اليوم قريش الى خطة يسألوني فيها صلة الرحم الا أعطيتهم اياها» (2).
أعلن رحمته هذه بكلماته هذه الحكيمة الرحيمة، ثم جمع أصحابه يستشيرهم في حرب قريش اذا اصرّوا على صدّه عن البيت، فكان جلهم - ان لم يكونوا كلهم - متأهبين للقتال، متعبئين لجهاد قريش وغيرها، مندفعين الى ذلك، و نهض المقداد أثنا اندفاعهم يتكلم بلسان الجميع، فقال : «يا رسول اللّه نحن لا نقول لك ما قال بنو اسرائيل لموسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اذهب أنت وربك فقاتلا انا هيهنا قاعدون، وانما نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون، واللّه
ص: 167
يارسول اللّه او سرت بنا الى برد الغماد (1) لسرنا معك ما بقي منا رجل» (2) فتهلل وجه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ثم اخذ منهم البيعة فبايعوه بأجمعهم على الموت في نصرته، وكانوا الفاً وأربعمائة رجل فيهم كهف المنافقين ابن سلول (3) لم يتخلف منهم عن هذه البيعة الا
ص: 168
رجل يدعى الجد بن قيس الانصاري (1) دون غيره من أمثاله (2).
رعب المشركين و طلبهم للصلح
ما بلغ قريشاً هذه البيعة - وهي بيعة الرضوان (3) - حتى انخلعت قلوبهم، وملئت صدورهم رعباً، ولا سيما بعد خروج عكرمة بن أبي جهل على المسلمين يومئذ في خمسمائة فارس، فبعث النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - كما في الكشاف - من هزمه
ص: 169
و أصحابه و أدخلهم حيطان مكة، وعن ابن عباس أظهر اللّه المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوه البيوت، و علموا أنهم لا قبل لهم بمحمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و أصحابه. (1)
فاضطر حينئذ أهل الرأي والمشورة منهم الى طلب الصلح من رسول اللّه وكان قد بلغهم قوله : «والذي نفس محمد بيده لاتدعوني اليوم قريش الى خطة يسألوني فيها صلة الرحم الاأعطيتهم اياها، فأرسلوا اليه عدة من كبارهم كان على رأسهم سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري يمثلهم جميعاً لدى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في طلب المهادنة على شروط اشترطوها كانت ثقيلة على المسلمين الى الغاية، فأبوها كل الاباء، وأسرف بعضهم في انكارها. لكن المشركين تشبئوا في اشتراطها باطلاق الخطة التي وعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) باعطائهم اياها متى دعوه الى ذلك، وكان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مأموراً بهذا الوعد، وبالعمل على مقتضاه وانما قبل شروطهم على مافيها من الشدة عملا بالوحي، وبما توجبه المصلحة التي كان اللّه عز وجل بها عليماً، وقد علمها الجميع بعد ذلك واعترفوا بها (2)، ستسمعه ان شاء اللّه تعالى.
انفة عمر من شروط الصلح
وما أن تقرر رر الصلح بين الفريقين على تلك الشروط حتى وثب عمر بن الخطاب وقد أدركته الحمية، ونزت في رأسه سورة الانفة فأتى أبا بكر وقد استشاط غيظاً وغضباً. فقال (3) : «يا أبا بكر أليس هو برسول اللّه ؟. قال: بلى
ص: 170
قال أو لسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى. قال : أليسوا بالمشركين ؟ قال : بلی قال : فعلى من نعطي الدنية في ديننا. فقال له :أبو بكر: أيها الرجل انه رسول اللّه وليس يعصي ربه، وهو ناصره استمسك بغرزه (1) حتى تموت، فأني أشهد أنه رسول اللّه (2)... (الحدیث) (3).
وأخرج مسلم - في باب صلح الحديبية من الجزء الثاني من صحيحه - انه قال لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ألسنا على حقوهم على الباطل ؟. قال رسول اللّه بلى. قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟. قال : بلى. قال : ففيم تعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم اللّه بيننا وبينهم ؟!. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا ابن الخطاب اني رسول اللّه ولن يضيعني اللّه أبداً. (قال) : فانطلق عمر فلم يصبر متغيظاً فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل ؟! قال: بلی قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ ! قال : بلى. قال: فعلی من نعطي الدنية في ديننا وترجع ولما يحكم اللّه بيننا وبينهم ؟ فقال يابن الخطاب انه
ص: 171
رسول اللّه ولن يضيعه أبداً» (1) (الحديث). وأخرجه غير واحد من أصحاب المسانيد بلهجة أشد من هذا.
وأخرج البخاري - في آخر كتاب الشروط من صحيحه (2) - حديثاً جاء فيه أنه قال : فقلت ألست نبي اللّه حقاً.
قال : بلى.
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟
قال : بلى.
قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا ؟
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اني رسول اللّه ولست أعصيه (3) وهو ناصرى.
(قال) قلت : أو ليس كنت تحدثنا أناسنأتي البيت فنطوف به.
قال : بلى. أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟
قلت : لا.
قال : فانك آتيه ومطوف به (4).
ص: 172
قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي اللّه حقاً ؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا ؟ قال : أيها الرجل انه لرسول اللّه وليس يعصي ربه (1) وهو ناصره فاستمسك بغرزه، فواللّه انه لعلى الحق. (قال) فقلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرتك انك تأتيه العام. (قال) قلت: لا. قال : فانك آتيه ومطوف به قال عمر : فعملت لذلك أعمالا (2).
قال : فلما فرغ - رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - من الكتاب - الذي كتب يومئذ في الصلح - قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا (قال) : فواللّه ماقام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات (3) فلما لم يقم منهم أحد دخل خباءه ثم خرج فلم يكلم أحداً منهم بشيء حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً».. (4) الحديث.. وأخرجه الامام أحمد - من حديث المسوّر بن مخرمة، ومروان بن الحكم - في مسنده.
ص: 173
ونص الحلبي في غزوة الحديبية من سيرته وغير واحد من أهل الاخبار: ان عمر جعل يرد على رسول اللّه الكلام. فقال له أبو عبيدة ابن الجراح : ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول ما يقول نعوذ باللّه من الشيطان الرجيم (1) (قال الحلبي وغيره) وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يومئذ: ياعمر اني رضيت وتأبى (2) ! ونقل الحلبي وغيره : ان عمر كان بعد ذلك يقول ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به (3).. الى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية.
تنفيذ خطة الصلح
لكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يأبه يومئذ لمعارضة من عارضه في انقاذ الخطة التي كان مأموراً بها - خطة الصلح بتلك الشروط الثقيلة - فاستدعى علياً لتسجيل كتابها. فقال له : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو : لانعرف هذا فليكتب باسمك اللّهمّ. فضح المسلمون وقالوا : واللّه لا يكتب الا ما أمر به رسول اللّه لكن رسول اللّه قطع النزاع بقوله لعلي: اكتب باسمك اللّهم. فكتبها علي ممتثلا أمره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثم قال له النبي : اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه سهيل بن عمرو.
فقال سهيل : أو كنا نعلم انك رسول اللّه ما قاتلناك ولا صددناك عن البيت ولكن ليكتب هذا ماصالح عليه محمد بن عبد اللّه، سهيل بن عمرو، فقامت قيامة المسلمين في الانكار على سهيل بذلك وأبوا الا أن يكتب رسول اللّه كل
ص: 174
الاباء، وكادت الفتنة أن تقع لولا ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: أنا محمد رسول اللّه، وان كذبتموني، وأنا محمد بن عبد اللّه، فاكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد بن عبداللّه سهيل بن عمرو فكتبها علي متغيضاً متزفراً. فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ان لك يا أبا الحسن مثلها أو أنه قال: ستسام يا أبا الحسن مثلها فتجيب وأنت مضطهد (1).
و كان الصلح على أن يرجع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأصحابه من الحديبية، فاذا كان العام القابل تخرج قريش من مكة فيدخلها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأصحابه فيقيم بها ثلاثاً، وليس معه من السلاح سوى السيوف في القرب، وأن توضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين (2) يأمن فيها الناس، ويكف فيها بعضهم عن بعض، وأنه من أحب من العرب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه (3) وأن يكون بين الفريقين عيبة
ص: 175
مكفوفة : «أي صدور منطوية على ما فيها لاتبدي عداوة» وأنه لا اسلال ولا اغلال (أي لاسرقة ولاخيانة) وأنه من أتى محمداً من قريش ممن هو على دین محمد بغیر اذن ولیه رد اليه، ومن أتى قريشاً ممن كان مع محمد فارتد عن الاسلام لاترده قريش اليه فقال المسلمون: سبحان اللّه كيف نرد المشركين من جاءنا منهم مسلماً ؟! وعظم عليهم هذا الشرط، فقالوا: يارسول اللّه أتكتب هذا على نفسك ؟! قال: نعم انه من ذهب منا مرتداً أبعده اللّه، ومن جاءنا مسلماً فرددناه اليهم سيجعل اللّه له فرجاً ومخرجاً.
فبينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو و سهيل بن عمرو يكتبان الكتاب بالشروط المذكورة اذ جاء أبو جندل - واسمه العاص - بن سهيل بن عمرو الى المسلمين يرسف في قيوده، وكان أسلم بمكة قبل ذلك، فمنعه أبوه من الهجرة وحبسه موثوقاً، وحين سمع أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأصحابه في الحديبية احتال حتى خرج من السجن، وتنكب الطريق في الجبال حتى هبط على المسلمين ففرحوا به وتلقوه، لكن أخذه أبوه بتلابيبه يضرب وجهه ضرباً شديداً (1) وهو يقول : يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده اليّ.
فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : انا حتى الآن لم نفرغ من كتابة الكتاب.
قال سهيل : اذن لا أصالحك على شيء.
فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : فأجره لي.
قال: ما أنا بمجيره لك. قال: بلى فافعل قال: ما أنا بفاعل. فقال مكرز بن حفص وحويطب بن عبدالعزى وهما من وجوه قريش. قد أجرناه لك يا محمد
ص: 176
فأخذاه وأدخلاه فسطاطاً وكفا أباه عنه. ثم قال سهيل: يا محمد قد تمت القضية ووجبت بيني وبينك قبل أن يأتي ابني اليك. قال: صدقت. وحينئذ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لابي جندل. اصبر واحتسب فقد تم الصلح قبل أن تأتي، ونحن لانغدر وقد تلطفنا بأبيك فأبى، وان اللّه جاعل لك وأمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
وهنا وثب عمر بن الخطاب الى أبي جندل يغريه بقتل أبيه، ويدني اليه السيف. قال عمر - كما في السيرة الدحلانية وغيرها -. رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه وجعل يقول له : أن الرجل يقتل أباه واللّه لو أدركنا آباءنا لقتلناهم، لكن أبا جندل لم يجبه الى قتل أبيه خشية الفتنة (1) وعملا بما أمره به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الصبر والاحتساب (2) وقال لعمر. مالك لاتقتله أنت ؟قال عمر. نهانا رسول اللّه عن قتله وقتل غيره (3) فقال أبو جندل. ما أنت أحق بطاعة رسول اللّه مني (4).
ورجع مع أبيه الى مكة في جوار مكرز وحويطب فأدخلاه مكاناً وكفا
ص: 177
عنه أباه وغيره، وفاء بالجوار، وجعل اللّه بعد ذلك له ولسائر المستضعفين من المؤمنين فرجاً ومخرجاً، (1) كما ستسمعه ان شاء اللّه تعالى قريباً، والحمد للّه الذي نصر عبده وأنجز وعده.
عائدة الصلح
كفى بالصلح عائدة انه كان سبباً في اختلاط المسلمين بالمشركين، فكان المشركون يأتون بعده الى المدينة، كما ان المسلمين كانوا يأتون مكة.
فاذا جاء المشركون الى المدينة، ورأوا رسول اللّه بهرهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأخلاقه وقدسي سيرته، وعظم في أنفسهم أمره، هدياً ورأياً وسمتاً ونعتاً، وقولا وفعلا وراقهم الاسلام بشرائعه وأحكامه، من حلاله وحرامه، وعباداته ومعاملاته، وسائر نظمه، وبالغ حكمه، وملكهم القرآن بآياته وبيناته، فأخذ بسمعهم و أبصارهم وأفئدتهم، وأدهشهم أصحاب رسول اللّه بتعبدهم بأوامره وزواجره فاذا هؤلاء على مقربة من الايمان بعد ان كانوا قبل صلح الحديبة في منتهى العمه والطغيان، واذا هم يرجعون الى اهليهم كمبشرين بمحمد ومنذرين بفتحه.
واذا أتى المسلمون مكة وخلوا بأرحامهم وأصدقائهم لا يألونهم نصحاً ودعاية الى اللّه ورسوله بما يوقفونهم عليه من اعلام النبوة وآيات الاسلام، ومافي
ص: 178
القرآن الحكيم من علم وحكمة، ونظم اجتماعية، وسنن وفرائض و آداب وأخلاق، ومواعظ و عبر، وأخبار الامم الماضية، والقرون الخالية، فاذا هؤلاء أيضاً مبشرون - ببطن مكة - ومنذرون، وقد كان لعملهم هذا أثره العظيم في تسهيل أمر الفتح بلاقتال ولاممانعة، والحمد للّه.
وهناك من فوائد الصلح ماحصل بمجرد اجتماع المشركين مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الحديبية، ووقوفهم على هديه وخلقه بامعان، وكان أكثر قريش - اذ ذاك - لا يعرفون منهما شيئاً، ولاسيما شبابهم، اذ كان أبو جهل والوليد وأبو سفيان وشيبة وعتبة وأمثالهم من مشيخة الاوثان والجاهلية أرجفوا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وتسنى لهم تسميم الرأى العام الجاهلي فيه، وقد أجلبوا عليه بكل مالديهم من حول وطول، وبكل ما يستطيعونه من فعل وقول، ليطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه الا أن يتم نوره.
قصدوه وهو في دار هجرته محاربين ليقتلوه وأصحابه، وليستأصلوا شأفة الذين آووه ونصروه بغياً وعدواناً، فنصره اللّه عليهم في بدر وأحد والاحزاب «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (1).
لكن ظل أهل مكة - بعد هذه الحروب - على ضلال رأيهم المسموم في رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ لم تره أعينهم بعد الهجرة، ولم يبلغهم عنه الا ما سمعوه من اولئك المرجفين، فلما كان يوم الحديبية، واختلطوا به وبأصحابه، رأوا منه خلقاً عظيماً.
كانوا كلما تبغضوا اليه بجفاء وسوء صنع، تحبب اليهم بحنو وعاطفة وحسن صنع، فاذا قسوا وأغلظوا له لان وخفض لهم جناح الرحمة، مستمراً
ص: 179
معهم على هذه الحال، يقابل اساءتهم باللقيا عليهم، والاحسان اليهم ؟ عملا بقوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (1).
كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يومئذ قادراً على دخول مكة وزيارة البيت عنوة، بدليل قوله تعالى في هذه الواقعة : «وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا» (2) وقوله فيها أيضاً عز من قائل «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ» (3).
وكان المشركون على يقين من ظفره عليهم لو قاتلهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد علموا باصرار أصحابه عليه في القتال، وأنه أبى عليهم ذلك كل الاباء، ايثاراً للسلم وحسن عواقبه، وحقناً للدماء، واحتراماً للحرم، واحتياطاً على حرماته، وأدركت قريش اشفاقه عليها، ورعايته لحقوقها الرحيمة منه، وانّه لذلك «قبل المهادنة على مافيها من الشروط القاسية» لم تأخذه الانفة من صدّهم اياه عن المسجد الحرام وارجاعه - على حافزته بأصحابه رغماً لكثير منهم - الى المدينة.
وهذا ما كان في نظر قريش كفارة له عما كان في بدر وأحد والاحزاب، اذ تجلى يومئذ لهم - بكفه عن قتالهم - انه غير مسؤول عن شيء من ذلك، وانما المسؤول عن تلك الدماء المسفوكة انما هم مشائخ قريش كأبي سفيان وأبي جهل وأضرابهما الذين غزوه وهو في مهجره الذي فر منه اليه - فاضطروه الى دفع عدوانهم عنه وعن أصحابه، ولو كفوا عنه وعن الذين آووه ونصروه
ص: 180
لكف عنهم مقتصراً في دعوته الى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة.
أطفأ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - في الحديبية - وقدة قلوب هؤلاء المشركين، واستل سخائمهم، وأزال أضغانهم، وأغراهم بسادتهم وكبرائهم، حتى أيقنوا بعدوانهم عليه، وجنايتهم على انفسهم، وبهذا لانت قلوبهم مطمئنة بحسن عواقبهم معه اذا انضموا الى لوائه، معتصمين بولائه، حكمة بالغة، أعقبت الفتح المبين، والنصر العزيز، ودخول الناس في دين اللّه أفواجاً (1).
رجوعه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى المدينة
كانت اقامته في الحديبية تسعة عشر يوماً، قفل بعدها الى المدينة، فلما كان بكراع الغميم - موضع بين الحرمين - نزلت عليه سورة الفتح، وعمر لا يزال حينئذ آسفاً من صد المشركين اياهم عن مكة ورجوعهم و هم على خلاف ما كانوا يأملون من الفتح، فأراد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين نزلت عليه السورة أن يزيل بث عمر، ويذهب برحاء صدره.
فقال له - كما في صحيح البخاري بالاسناد اليه (2) - «لقد أنزلت عليّ سورة هي أحب اليّ مما طلعت عليه الشمس» ثم قرأ : «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا». فقال رجل من اصحابه «ماهذا بفتح (3) لقد صدّ هدينا عن البيت، وصد. هدينا، ورد رجلان من المؤمنين كانا خرجا الينا» فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «بئس
ص: 181
الكلام هذا بل هو أعظم الفتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم، ويسألوكم الفضية، ويرغبوا اليكم في الامان، وقد رأوا منكم ماكرهوا، وأظفركم اللّه عليهم، وردكم سالمين مأجورين، فهو أعظم الفتوح أنسيتم يوم أحد اذ تصعدون ولاتلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ؟؟ أنسيتم يوم الاحزاب «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا».
فقال المسلمون : صدق اللّه ورسوله، واللّه يا نبي اللّه ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولانت أعلم باللّه وبأوامره منا (1).
لكن قال عمر حينئذ : يارسول اللّه ألم تقل انك تدخل مكة آمنا؟
قال : بلى، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قال : لا... الحديث (2).
وعن سعيد بن منصور باسناد صحيح الى الشعبي في قوله تعالى : «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا» قال : لم يكن في الاسلام فتح قبله أعظم منه، فانه لما كانت الهدنة ووضع الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا ؟ والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، لم يكلم أحد من المسلمين ذا عقل في تلك المدة
ص: 182
بالاسلام الا دخل فيه، وقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر (قال) : ويدلك عليه أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خرج الى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين الى فتح مكة في عشرة آلاف (قال) : ومما ظهر من مصلحة الصلح أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الاعظم الذي دخل الناس عقبه في دين اللّه أفواجا فكان صلح الحديبية مقدمة الفتح، فسميت فتحاً اذ مقدمة الظهور ظهور» ا ه_ (1).
الفرج الذي وعد به المستضعفون
مرّ عليك حديث أبي جندل اذ احتال حتى خرج من السجن وتنكب الطريق يرسف في قيوده، حتى هبط على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو في الحديبية مستغيثاً به وحيث لم يتمكن يومئذ من اغائنه اعتذر اليه وعزاه، وأمره بالصبر والاحتساب فكان مما قاله له : «ان اللّه جاعل لك و لمن معك من المستضعفين فرجاً و مخرجاً» (2).
وكان في المستضعفين المعذبين في مكة رجل من أبطال المسلمين يدعى أبا بصير (3) احتال حتى خرج من السجن ففر هارباً الى رسول اللّه و
ص: 183
هو في المدينة بعد رجوعه من الحديبية، فكتبت قريش في رده كتاباً بعثت به رجلا من بني عامر يقال له خنيس ومعه مولى يهديه الطريق، فقد ما على رسول اللّه بالكتاب غاذا فيه قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أبنائنا فابعث الينا أبا بصير».
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، و لا يصح الغدر منا فان اللّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً فانطلق راشداً».
قال : «يا رسول اللّه انهم يفتنوني عن ديني».
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «يا أبا بصير انطلق فأن اللّه سيجعل لك و لمن حولك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً» فودّع الرجل رسول اللّه وانطلق معهما، حتى اذا كانوا بذي الحليفة جلس الى جدار و معه صاحباه. فقال لاحدهما : «أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟» قال : «نعم» قال أبو بصير : «أرنيه» فناوله اياه فاسنله أبو بصير، ثم علاه فاذا هو يتشحط بدمه. ثم هم بالثاني فهرب منه حتى أتى رسول اللّه، فلما رآه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه، وأبو بصير في أثره.
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «قد رأى هذا ذعراً» فلما انتهى الى النبي قال له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «ويحك ؟ مالك ؟» قال «ان صاحبك قتل صاحبي وأفلت منه ولم أكد، واني لمقتول فأغثني يا محمد» فأمنه رسول اللّه، واذا بأبي بصير يدخل متوشحاً سيفه يقول:
ص: 184
«بأبي أنت وأمي يارسول اللّه وفيست ذمتك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت منهم بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي». فقال له : «اذهب حيث شئت»، فقال : «یارسول اللّه هذا سلب العامري الذي قتلته، رحله وسيفه فخمسه».
فقال له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «اذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك» وعند ذلك هب أبو بصير الى محل من طريق تمر به عيرات قريش واجتمع اليه جمع من المسلمين المستضعفين الذين كانوا قد احتبسوا بمكة اذ بلغهم خبره وان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال في حقه : «انه مسعر حرب لوكان معه رجال» فتسللوا حينئذ اليه وانفلت أبو جندل بن سهيل ابن عمرو، وخرج من مكة في سبعين فارساً أسلموا فلحقوا بأبي بصير، و كرهوا ان يقدموا على رسول اللّه في تلك المدة - مدة المهادنة - وانضم اليهم ناس من غفار، وجهينة، وأسلم، وطوائف أخر من العرب حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش، لا يظفرون بأحد منها الا قتلوه، ولا مرّ بهم عير الا أخذوها، ومنعوا الدخول الى مكة والخروج منها، فاضطرت قريش أن تكتب لرسول اللّه تسأله بالارحام التي بينه وبينها، الا آواهم، وأرسلت أبا سفيان بن حرب في ذلك، فأبلغه أبو سفيان: «انا أسقطنا هذا الشرط من شروط الهدنة، فمن جاءك منهم فأمسكه من غير حرج» وحينئذ كتب رسول اللّه الى أبي جندل وأبي بصير ان يقدما عليه، وان يلحق من معهما من المسلمين بأهليهم، ولا يتعرضوا لاحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم، فقدم كتاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليهما وأبو بصير (رضي اللّه عنه) يموت، فمات والكتاب في بده، فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجداً، وقدم أبو جندل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع ناس من أصحابه، ورجع باقيهم الى أهليهم، وأمنت قريش على عيراتهم.
ص: 185
وحينئذ عرف الصحابة الذين عظم عليهم رد أبي جندل الى قريش مع أبيه - ان طاعة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خير مما أحبوه، وعلموا أن الحكمة كانت فى الحديبية توجب الصلح فرضاً على التعيين، وأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا ينطق عن الهوى وندموا كل الندم على ما بدر منهم من هناة معترفين بالخطأ، وقدرت قريش موقفه يومئذ معها في حقن دمائها، وحسن عواقبها، وعرفوه صادق الضمير، مخلص السريرة ودوداً مشفقاً، والحمد للّه رب العالمين (1).
المورد - (18) - صلاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علی ابن ابی المنافق
وقد عارضه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بغلظة وعنف، وحسبك من عنفه يومئذ ما أثبته أهل الصحاح والمسانيد، وأرسله أهل الاخبار والسير ارسال المسلمات (2).
واليك منه ما أخرجه البخاري في كتاب اللباس من صحيحه (3) بسنده الى عبداللّه بن عمر قال لماتوفي عبد اللّه بن أبي جاء ابنه فقال : يارسول اللّه
ص: 186
أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه (1) وقال له اذا فرغت منه فآذنا، فلما فرغ منه آدنه به، فجاء (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال له : أليس قد نهاك اللّه أن تصلي على المنافقين ؟! فقال لك «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ». (قال ابن عمر) فنزلت (بعد ذلك) «وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ على قبره» (قال): فترك الصلاة عليهم بعد نزولها (2).
كان عمر فهم النهي عن الصلاة على المنافقين من قوله تعالى «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ..» (الاية) - وهذا خطأ في فهمها كما سنوضحه - وكأن هذه الآية نزلت قبل الصلاة على هذا المنافق، فلما رأى عمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واقفاً ليصلي عليه، توهم انه خالف النهي، فلم يتمالك من غضبه وانكاره، فجذبه من موقفه منكراً عليه ما توهمه من المخالفة.
حاشاه، وحاشا للّه، ومعاذ اللّه ونعوذ باللّه. فان قوله تعالى «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ» ليس من النهي في شيء ما اصلا، وانما هو مجرد اخبار بعدم انتفاعهم باستغفاره لهم، وان استغفاره لهم وان كثر، وعدم استغفاره لهم بالمرة على حد سواء في عدم المغفرة لهم.
ص: 187
والامة مجمعة على ان النهي عن الصلاة على المنافقين انما كان بقوله تعالى: «وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ»، وان ذلك انما نزل بعد هذه الواقعة بالاجماع على ان هذا الحديث - حديث ابن عمر الذي تلوناه عليك الان - بمجرده صريح في ذلك، فتدبر آخره تجده نصاً في تأخره عن هذه الواقعة.
لذلك لم يأبه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهذه المعارضة، لكنه وسعها بحلمسه العظيم، وحكمته البالغة جرياً على عادته المستمرة، فلما أكثر عمر عليه واقفاً ازاء صدره يمنعه من الصلاة بكلام كنا نربا بمثله ان يواجه به رسول اللّه قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - من حديث صحيح - : أخر عني يا عمر اني خبرت، قيل لي : «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ» فلو أعلم أني ان زدت على السبعين غفر اللّه له لزدت، ثم صلى عليه، ومشى خلفه وقام على قبره... (الحديث) (1).
قلت: جرى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في صلاته على ابن أبي»، حسبما اقتضاه يومئذ تكليفه من المعاملة على مقتضى الظاهر، ولم يكن ابن أبي) في عداد الكافرين الذين أبوا الدعوة الى الاسلام فردوها وانما كان ممن أجاب الدعوة في ظاهر حاله، ونطق بالشهادتين ولم يتظاهر بالردة وانما نافق، ولم يكن حينئذ نهى عن الصلاة على المنافقين كما سمعت فصلى عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جرياً على ظاهر حكم
ص: 188
الاسلام، واستئلافاً لقومه الخزرج، وقد أسلم بذلك منهم الف رجل، فكان قميص النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصلاته هذه مما فتح اللّه به على المسلمين فتحاً مبيناً و الحمد اللّه ربّ العالمين (1).
وحينئذ ندم عمر على تسرعه، وكان بعد ذلك يقول - من حديث له - : أصبت في الاسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يصلي على عبد اللّه بن أبي فأخذت بثوبه فقلت له : واللّه ما أمرك اللّه بهذا لقد قال اللّه لك : «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ» (قال) فقال رسول اللّه : خيرني ربي فقال : «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ» فاخترت... (الحديث) (2).
المورد - (19) صلاته على بعض المؤمنين.
وذلك فيما أورد ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي عطية من الجزء الرابع من اصابته، اذ قال : أخرج البغوي، وأبو أحمد الحاكم من طريق اسماعيل بن عياش، وروى الطبراني من طريق بقية، كلاهما عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبي عطية :
«ان رجلا توفى على عهد رسول اللّه فقال بعضهم - يعني عمر : يارسول اللّه لاتصلّ عليه، فقال رسول اللّه : هل رآه أحد منهم على شيء من أعمال الخير ؟. فقال رجل حرس معنا ليلة كذا وكذا. فصلى عليه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 189
ثم مشى معه الى قبره، ثم حثا عليه وهو يقول : ان أصحابك يظنون انك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة، ثم قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعمر : انك لاتسأل عن أعمال الناس، وانما تسأل عن الغيبة... (الحديث) (1).
وأورده أيضاً في ترجمة أبي المنذر من الاصابة، اذ قال : أخرج مطين عن محمد بن حرب الواسطي عن عن حماد بن خالد عن هشام بن سعد، عن يزيد بن ثعلب عن أبي المنذر : أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حثا في قبره ثلاث حثيات.
(قال) : وأخرجه الطبراني مطولا عن عمرو بن أبي الطاهر بن السرح عن أبيه عن عبد اللّه بن نافع عن هشام بن سعد ان رجلا جاء الى النبي فقال: يارسول اللّه ان فلاناً هلك فصل عليه. فقال عمر: انه فاجر فلاتصل عليه فقال الرجل: يارسول اللّه أرأيت الليلة التي أصبحت فيها في الحرس فانه كان فيهم فقام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثم اتبعه حتى اذا فرغ منه، حثا عليه ثلاث حثيات، وقال : يثني الناس عليه شراً، وأثني عليه خيراً، فقال عمر : وما ذاك يارسول اللّه ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): دعنا منك ياعمر من جاهد في سبيل اللّه وجبت له الجنة (قال) : أبو موسى في الذيل تقدم هذا المتن من حديث أبي عطية: «قال ابن حجر في أبي المنذر» قلت : وحديث أبي المنذر أخرجه أبو داود كتاب المراسيل عن أحمد بن منيع عن حماد بن خالد كرواية ابن نافع ولم يذكره أبو أحمد في الكنى) قال (وأما حديث أبي عطية فقد تقدم كما قال أبو موسى في ترجمته (قال) وذكره الحاكم أبو أحمد وقال : أخلق بهذا أن يكون صحابياً، لكن مخرج الحديثين مختلف وان تقاربا في سياق المتن. انتهى بلفظ الاصابة في ترجمة أبي المنذر (2).
ص: 190
المورد - (20) -
تبشيره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالجنة لكل من لقي اللّه عز وجل بالتوحيد، مطمئناً به قلبه. وذلك حيث اقتضت حكمة اللّه تعالى ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يؤذن في الناس بهذه البشرى، تبياناً للحقيقة من عاقبة الموحدين، وكشفاً عن الواقع من أمرهم، وتنشيطاً لاهل الايمان، وترغيباً فيه، وقد أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أبا هريرة بذلك فقال له : اذهب فمن لقيته يشهد أن لا اله الا اللّه مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة. فكان أول من لقيه عمر فسأله عن شأنه، فأخبره بما أمره به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال أبو هريرة - فيما أخرجه بالاسناد اليه مسلم في صحيحه (1) -. فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي، فقال : فقال : ارجع يا أبا هريرة، فرجعت الى رسول اللّه فأجهشت بكاء، وركبني عمر واذاهو على أثري. فقال لي رسول اللّه : مالك يا أبا هريرة ؟ فقلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لاستي فقال ارجع. فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ياعمر ما حملك على ما فعلت؟ قال يارسول اللّه أبعثت أبا هريرة بان من لقى اللّه يشهد أن لا اله الا اللّه مستيقناً بها قلبه يبشره بالجنة؟ قال رسول اللّه : نعم. قال: لا نفعل فاني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول اللّه : فخلهم اه_ (2).
ص: 191
وللنووي هنا عذر عن هذه المعارضة، نقله عن القاضي عياض وغيره، حاصله ان عمر لم يكن في هذه الواقعة معترضاً على رسول اللّه، أو راداً عليه فيما بعث به أبا هريرة من تبشير المؤمنين بالجنة، ولكنه خشي أن يتكل المؤمنون على البشرى اذا بلغتهم، ويتركوا العمل، فرأى ان كتمها عنهم أصلح لهم، وأعود عليهم بالخير من ابلاغهم اياها، وهذا ما دعاه الى ضرب أبي هريرة و ارجاعه على حافرته، وهو الذي حمله على القول لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا تفعل نهياً له عما كان قد أصدر أمره به من تبشير المؤمنين بالجنة (1).
وأنت تعلم أن عذرهم هذا لا يعدو ما قلناه من اجتهاده في مقابل النص، وتقديمه الرأى الاجتهادي في مقام العمل على التعبد بالنصوص.
على أنه فى هذه الواقعة لم يقتصر على نفسه في مقابلة النص، حتى حمل عليها أبا هريرة بالعنف مهانة وضرباً خر به لاسته، ولم يقف على هذا الحد حتى كلف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالعدول عما كان قد أصدر به أمره اذ قال بكل جرأة وصراحة: لا تفعل.
لكنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وسعه بعلمه وطول أناته، وكان كما قال اللّه تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (2).
لم يكن لهذه المعارضة عنده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أي أثر، وقد بلغ تلك البشرى للامة بنفسه متوكلا على اللّه، فسمعها منه عمر نفسه، وعثمان بن عفان ومعاذ بن جبل
ص: 192
وعبادة بن الصامت وعتبان بن مالك (1) وغيرهم حتى تجاوزت حد التواتر، فكانت من الضروريات بين المسلمين على اختلافهم في المذاهب و المشارب (2).
وان مما يدهش العقلاء، قول هؤلاء العلماء الاجلاء - العلامة النووي و القاضي عياض وأمثالهما - : ان الصواب في هذه الواقعة انما كان في جانب عمر وادّعوا ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صوبه حين عرض عليه رأيه، فحق لنا بهذا، ان نعوذ باللّه من كل محال ونبرأ اليه من كل باطل.
واليك كلام النووي قال (3) : وفي هذا الحديث - أي حديث أبي هريرة في هذه الواقعة - دليل على أن الامام والكبير مطلقاً اذا رأى شيئاً ورأى بعض أتباعه خلافه، ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع لينظر فيه، فان ظهر له ما قاله التابع هو الصواب، رجع المتبوع اليه، والا بين للتابع جواب الشبهة التي عرضت له..
قلت : انما يصفى بهذا الكلام اذا لم يكن المتبوع نبياً بحق، أما اذا كان نبياً فليس لاحد من الامة كافة الا السمع والطاعة والايمان الخالص من كل شبهة «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ
ص: 193
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(1) «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» (2) «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (3) «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ» (4) «فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ* لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (5).
المورد - (21) - متعة الحج اذ نهى عنها عمر :
وقد عملها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأمر بها عن اللّه عز وجل، وهي ممانص الذكر الحكيم [عليها ظ] بقوله عز من قائل في سورة البقرة: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (6) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ (7)
ص: 194
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ (1) تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (2).
صفة هذا التمتع
أما صفة التمتع بالعمرة الى الحج، فهي أن ينشىء المتمتع بها أحرامه في أشهر الحج (3) من الميقات فيأتي مكة ويطوف بالبيت ثم يسعى بين الصفا والمروة ثم يقصر ويحل من أحرامه فيقيم بعد ذلك حلالا، حتى ينشيء في تلك السنة نفسها احراماً آخر للحج من مكة والافضل من المسجد، ويخرج الى عرفات، ثم يفيض الى المشعر الحرام، ثم يأتي بأفعال الحج على ماهو مفصل في محله هذا هو التمتع بالعمرة الى الحج (4).
قال الامام ابن عبدالبر القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج (5) قلت : وهو فرض من نأى عن
ص: 195
مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب على الاصح (1).
وانما أضيف الحج بهذه الكيفية الى التمتع، أوقيل عنه: التمتع بالحج لما فيه من المتعة: أي اللذة باباحة محظورات الاحرام في المدة المتخللة بين الاحرامين وهذا ما كرهه عمر وبعض أتباعه فقال قائلهم - كما أخرجه أبو داود في سننه (2). - : أننطلق الى منى وذكورنا تقطر ؟ (3).
ص: 196
وفي مجمع البيان. ان رجلا قال انخرج حجاجاً ورؤوسنا تقطر؟ وان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال له انك لن تؤمن بها أبداً (1).
وعن أبي موسى الاشعري. أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل. رويدك ببعض فتياك فانك لاتدري ما أحدث أمير المؤمنين - عمر - في النسك بعدك، حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك، فقال عمر: قد علمت ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد فعله هو وأصحابه، ولكن كرهت ان يظلوا بهن معرسين في الاراك ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم (2).
وعن أبي موسى من طريق آخر أن عمر قال: هي سنة رسول اللّه - يعني المتعة - لكني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الاراك ثم يروحون بهن حجاجاً (3).
ص: 197
وعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلما قام عمر أي بأمر الخلافة - قال : ان اللّه كان يحل لرسوله ماشاء بماشاء، وان القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم اللّه (1) وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة الى أجل الا رجمته بالحجارة (2).
ص: 198
وقد خطب الناس ذات يوم فقال وهو على المنبر بكل حرية وكل صراحة «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء» (1).
وفي رواية أخرى (2) أنه قال : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن : متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل» (3).
ص: 199
فصل
وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة، وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعاً (1).
ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وأخبارهم في ذلك متواترة (2).
وحسبك منها ما أخرجه مسلم في باب جواز التمتع من كتاب الحج من
ص: 200
صحيحه (1) فان فيه عن شقيق، قال : كان عثمان ينهي عن المتعة، وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة.
ثم قال علي : لقد علمت - باعثمان - انا تمتعنا على عهد رسول اللّه.
فقال عثمان : أجل ولكنا كنا خائفين ! (2).
وفيه عن سعيد بن المسيب، قال : اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهي عن المتعة والعمرة.
فقال له علي : ماتريد الى أمر فعله رسول اللّه تنهى عنه ؟
فقال عثمان : دعنا منك.
فقال علي : اني لا أستطيع أن أدعك... (الحديث) (3).
وفيه عن غنيم بن قيس، قال : سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة،
ص: 201
فقال : فعلناها وهذا (1) كافر بالعرش (2).
وفيه عن أبي العلاء عن مطرف، قال : قال لي عمران بن حصين اني لاحدثك بالحديث اليوم، ينفعك اللّه به بعد اليوم. واعلم ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه حتى مضي لوجهه، ارتأى كل امريء بعد ماشاء أن يرتئي (3).
وفيه عن حميد بن هلال عن مطرف، قال : قال لي عمران بن حصين أحدثك حديثاً عسى اللّه أن ينفعك به، ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جمع بين حجة
ص: 202
وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه.. الحديث (1).
وفيه عن قتادة عن مطرف، قال : بعث اليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال : اني كنت محدثك بأحاديث لعل اللّه أن ينفعك بها بعدي فان عشت فأكتم عني، وان مت فحدث بها ان شئت..... واعلم ان نبي اللّه قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها نبي اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال رجل فيها برأيه ماشاء (2).
وفيه من طريق آخر عن قتادة عن مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين قال : اعلم ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنها. قال فيها رجل برأيه ماشاه (3).
وفيه من طريق عمران بن مسلم عن أبي رجاء. قال : قال عمران بن حصين. نزلت آية المتعة في كتاب اللّه يعني متعة الحج فأمرنا بها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول اللّه حتى مات قال رجل برأيه بعد ماشاء (4).
ص: 203
قلت : ولهذا الحديث طرق اخر في صحيح مسلم عن عمران بن حصين اكتفينا عنها بما أوردناه، وقد أخرجه البخاري أيضاً عن عمران بن حصين في باب التمتع من كتاب الحج من صحيحه فراجعه في ص 187 من جزئه الأول.
وفيما جاء في التمتع من موطأ مالك (1) عن محمد بن عبداللّه بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكر ان التمتع بالعمرة الى الحج، فقال الضحاك بن قيس : لا يفعل ذلك الا من جهل أمر اللّه عز وجل، فقال سعد : بئس ماقلت یا ابن أخي، فقال الضحاك : فان عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد : قد صنعها رسول اللّه وصنعناها معه (2).
وفي مسند الامام أحمد من حديث ابن عباس (3) قال : تمتع النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس : ما يقول
ص: 204
عريّة (1). قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس أراهم سيهلكون. أقول : قال النبي، ويقولون نهى أبو بكر وعمر (2).
وعن أيوب قال : عروة لابن عباس : ألا تتقي اللّه؟ ترخص في المتعة ؟! قال ابن عباس سل أمك ياعرية. قال عروة اما أبو بكر وعمر فلم يفعلاها فقال ابن عباس : واللّه ما أراكم منتهين حتى يعذبكم اللّه تعالى، نحدثكم عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر.. الحديث (3).
وفي باب متعة الحج من كتاب الحج من صحيح مسلم (4) عمن سأل ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال - ابن عباس هذه أم ابن الزبير تحدثك ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رخص فيها فادخلوا عليها، قال : فدخلنا عليها فاذا هي لمرأة ضخمة عمياء، فقالت :
ص: 205
قد رخص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيها (1).
وفي صحيح الترمذي (2) ان عبد اللّه بن عمر سئل عن متعة الحج، قال: هي حلال، فقال له السائل : ان أباك قد نهى عنها، فقال : أرأيت ان كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللّه أأمر أبي نتبع أم أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ فقال الرجل بل أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قال لقد صنعها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (3). الى كثير من أمثال هذه الصحاح الصراح في انكار النهي عنها (4).
على ان في حجة الوداع بلاغاً لقوم يؤمنون، فراجع حديثها في باب حجة النبي من صحيح مسلم (5) تجده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد اعلنها على رؤس الاشهاد، وكانوا
ص: 206
أكثر من مائه ألف رجالا ونساء من امته قد اجتمعوا ليحجوا معه من سائر الأقطار وحين أعلن ذلك قام سراقة بن مالك بن خثعم فقال : يارسول اللّه ألعامنا هذا التمتع أم للابد ؟ فشبك أصابعه واحدة بعد الاخرى وقال : دخلت العمرة في الحج دخلت العمرة في الحج لابد أبد (1).
وقدم علي من اليمن ببدن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت ان أبي أمرني بهذا، قال: فذهبت الى رسول اللّه مستفتياً فأخبرته. فقال : صدقت صدقت... (2).
المورد - (22) - : متعة النساء
وقد شرعها اللّه ورسوله، وعمل بها المسلمون على عهده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتى لحق بالرفيق الأعلى ثم عملوا بها بعده على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله، فقام
ص: 207
بعده عمر وهم مستمرون على العمل بها حتى نهى عنها بقوله وهو على المنبر «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا انهى عنهما واعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء» (1).
وحسبك من الذكر الحكيم والفرقان العظيم نصاً في اباحتها قوله عز من قائل : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة» (2). والأنكحة
ص: 208
في الاسلام أربعة، شرعها اللّه في أربع آيات من سورة النساء كما فصلناه فيما كتبناه في المتعة فلتراجع (1).
أما نصوص السنن فقد اخرجها اصحاب الصحاح بكل ارتياح وحسبنا منها حديث أبي نضرة فيما اخرجه مسلم في باب التمتع بالحج ص 467 من
ص: 209
الجزء الأول من صحيحه اذ قال: «كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلما قام عمر (1) قال: «ان اللّه كان يحل لرسوله ماشاء بماشاء (2) فأتموا الحج والعمرة وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتي برجل نكح امرأة الى أجل الا رجمته بالحجارة» (3).
وحسب الباحثين بدقة المتتبعين بامعان ماقد فصلناه من هذا الموضوع في كل من فصولنا المهمة، ومسائلنا الفقهية الخلافية، وأجوبة موسى جار اللّه، وما نشرته مجلة العرفان في الجزء العاشر من مجلدها السادس والثلاثين (4).
ص: 210
حيث استوفينا القول فيها من كل النواحي، وكان ذلك في فصول ثمانية.
1 - حقيقة هذا النكاح بكنهه ولوازمه الشرعيّة.
2 - اجماع الأمة على اشتراعه في الدين الاسلامي.
3 - دلالة الكتاب على اشتراعه
4 - اشتراعه بنصوص السنن.
5 - القول بنسخه وحجة القائلين بذلك والنظر فيها.
6- صحاح تنم على الخليفة بأنه هو الذي نسخها.
7 - المنكرون عليه في ذلك من الصحابة والتابعين (1).
ص: 211
8 - رأي الامامية فيها وحجتهم عليه.
كان - كما يشهد اللّه - رائدنا الحق في هذه الفصول وما حولها مجرداً عن كل ما عدا الدليل الشرعي من كتاب أو سنة، وأصل من الاصول التي أجمعت الأمة على العمل بمقتضاه، فلا يفوتن باحثاً ومدققاً من أمة محمد أن يمعن فيما كتبناه عن هذا الموضوع، وله الحكم بعد ذلك بما يطمئن به من حل أو حرمة.
ص: 212
ص: 213
ص: 214
ص: 215
ص: 216
ص: 217
المورد - (23) - : التصرف في الاذان باشتراع فصل فيه :
وذلك انا تتبعنا السنن المختصة بفصول الاذان والاقامة على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلم يكن فيها (الصلاة خير من النوم) بل لم يكن هذا الفصل على عهد أبي بكر، كما يعلمه جهابذة السنن ونقدة الحديث، وانما أمر به عمر بعد مضي شطر من خلافته، حيث استحبه واستحسنه في أذان الفجر فاشترعه حينئذ وأمر به، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة (1).
ص: 218
وحسبك من غيرها ما تراه في سنن غيرهم من حفظة الاثار كالامام مالك في موطئه «اذ بلغه ان المؤذن جاء الى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائماً. فقال : الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح» (1). انتهى بلفظه.
قال الزرقاني في تعليقه على هذه الكلمة من شرحه للموطىء ماهذا لفظه (2) هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال وأخرج عن سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه : اذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم.
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة، ورواه غير واحد من اثبات أهل السنة والجماعة (3).
ولا وزن لما جاء عن محمد بن خالد بن عبداللّه الواسطي عن أبيه عن عبد الرحمن بن اسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه: ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) استشار الناس لما يهمهم الى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من اجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من اجل النصارى، فأري النداء في تلك الليلة رجل من الانصار يقال له عبد اللّه بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الانصاري رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليلا، فأمر رسول اللّه بلالا فأذن به.
(قال) : قال الزهري وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : الصلاة خير من
ص: 219
النوم، فأفرها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )... (الحديث). أخرجه ابن ماجة في باب الاذان من سننه (1).
وحسبك في بطلانه أنه من حديث محمد بن خالد بن عبداللّه الواسطي الذي قال فيه يحيى كان رجل سوء، وقال مرة : هو لاشيء، وقال ابن عدي أشد ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه ثم له مناكير غير ذلك، وقال أبو زرعة ضعيف، وقال يحيى بن معين محمد ابن خالد بن عبداللّه كذاب ان لقيتموه فاصفعوه.
قلت : وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عن أئمة الجرح والتعديل ما قد ذكرناه فراجع (2).
ونحو هذا الحديث في البطلان ما قد جاء عن أبي محذورة، اذ قال : قلت يارسول اللّه علمني سنة الاذان قال فمسح مقدم رأسي وقال: تقول اللّه أكبر اللّه أكبر ترفع بها صوتك، ثم تقول أشهد أن لا اله الا اللّه أشهد أن لا اله الا اللّه أشهد أن محمداً رسول اللّه أشهد أن محمداً رسول اللّه تخلص بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا اله الا اللّه أشهد أن لا اله الا اللّه، اشهد ان محمداً رسول اللّه اشهد ان محمداً رسول اللّه حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فان كانت لصلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا اله الا اللّه (3) أخرجه أبو
ص: 220
داود عن أبي محذورة من طريقين : (أحدهما) عن محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده. ومحمد بن عبد الملك هذا ممن لا يحتج بهم بنص الذهبي اذ أورده في ميزان الاعتدال (1).
(ثانيهما) عن عثمان بن السائب عن ابيه. وأبوه من النكرات المجهولة بنص الذهبي حيث أورده في الميزان (2).
على أن مسلماً أخرج هذا الحديث (3) بلفظه عن أبي محذورة نفسه، ولا أثر فيه لقولهم : الصلاة خير من النوم (4).
وستسمع قريباً ما أخرجه أبو داود وغيره عن محمد بن عبداللّه بن زيد من فصول الاذان الذي قام به بلال يمليه عليه عبد اللّه بن زيد، وليس فيه الصلاة خير من النوم، مع أنه انما كان لصلاة الصبح.
على أن أبا محذورة انما كان من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم في الاسلام بعد فتح مكة، وبعد أن قفل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من حنين منتصراً على هوازن ولم يكن شيء أكره الى أبي محذورة يومئذ من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا مما يأمر به. وكان يسخر بمؤذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيحكيه رافعاً صوته استهزاءاً، لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وغنائم حنين التي أسبغها على الطلقاء من أعدائه ومحاربيه وأخلاقه العظيمة التي وسعت كل من اعتصم بالشهادتين من اولئك المنافقين مع شدة وطأته على من لم يعتصم بها، ودخول العرب في دين اللّه أفواجاً كل ذلك ألجأ أبا محذورة وأمثاله الى الدخول فيما دخل
ص: 221
فيه الناس: ولم يهاجر حتى مات في مكة (1) واللّه يعلم بواطنه (2).
على أن لرسول اللّه كلمة قالها لثلاثة أبي محذورة، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، حيث أنذرهم بقوله آخر كم موتاً فى النار (3).
وهذا اسلوب حكيم من أساليبه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في اقصاء المنافقين عن التصرف فى شؤون الاسلام والمسلمين، فانه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما كان عالماً بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب فى قلوب امته الريب فيهم، والنفرة منهم اشفاقاً عليها ان تركن الى واحد منهم في شيء مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتاً، لكنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أجمل القول فيه على وجه جعله دائراً بين الثلاثة على السواء، ثم لم يتبع هذا الاجمال بشيء من البيان وتمضي الايام والليالي على ذلك، ويلحق (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالرفيق الأعلى ولا بیان، فيضطر أولى الالباب من امته الى اقصائهم جميعاً عن كل أمر يناط بالعدول و الثقات من الحقوق المدنية في دين الاسلام، لاقتضاء العلم الاجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية فى الشبهات المحصورة، فلولا أنهم في وجوب الاقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام.
فان قلت : لعله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بهنّ هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.
ص: 222
قلنا : لو كان ثمة قرينة ما كان كلا من هؤلاء الثلاثة في الوجل من هذا الانذار على السواء (1).
على انه لا فرق فى هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة الينا، اذ لا مندوحة لنا عن العمل بما يوجبه العلم الاجمالي من تنجيز التكليف فى الشبهة المحصورة على كلا الفرضين.
فان قلت : انما كان المنصوص عليه بالنار منهم مجملا قبل موت الاول والثاني ولسبقهما الى الموت تبين وتعين أنه انما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه وحينئذ لا اجمال ولا اشكال.
قلنا. أولا : أن الانبياء (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة اليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الانذار لو كان لواحد من الثلاثة شيء من الاعتبار، لأنهم منذ أسلموا كانوا محل ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية شرعاً كالامامة في الصلاة جماعة، وقبول الشهادة في المرافعات الشرعية ونحوها، وكالافتاء و القضاء، مع استجماعهم لشروطهما، ونحو ذلك مما يشترط فيه العدالة والورع فلولا وجوب اقصائهم عنها ما أخر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) البيان اتكالا على صروف الزمان، و حاشا لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يقصي أحداً عن حقه طرفة عين، ومعاذ اللّه أن يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى يموت مخزياً اذ لانعرف براءته - بناء على هذا الفرض الفاسد - الا بتقدم موته.
وثانياً : أنا (شهد اللّه) بذلنا الطاقة بحثاً وتنقيباً فلم يكن بالوسع ان نعلم أيهم المتأخر موتاً، لان الاقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط (2) وبين
ص: 223
مجمل متشابه لايركن اليه كما يعلمه المتتبعون (1).
وثالثاً: لم يكن من خلق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - وهو العزيز عليه عنت المؤميين الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم - أن يجابه بهذا القول من يحترمه وما كان (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (2) لیفاجيء به غير مستحقه، ولو أن في واحد من هؤلاء الثلاثة خيراً ما أشركه فى هذه المفاجئة القاسية، والمجابهة الغليظة، لكن اضطره الوحي الى ذلك نصحاً اللّه تعالى وللامة «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ» (3).
تنبيه
ان من عرف رأي اخواننا - من أهل المذاهب الاربعة - في بدء الاذان والاقامة واشتراعها لا يعجب من استسلامهم للزيادة فيهما أو للنقيصة منهما، فانهم هدانا اللّه واياهم - لا يرون أن الاذان والاقامة مما شرعه اللّه تعالى بوحيه الى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا مما ابتدأ به النبي صادعاً به عن اللّه عز وجل كسائر النظم والاحكام، وانما كان طيف رآه بعض الصحابة في المنام كما صرحوا به
ص: 224
ونقلوا الاجماع عليه ورووا فيه أحاديث صححوها وادعوا تواترها (1).
واليك منها ماهو من أصحها عندهم، فعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الانصار قال اهتم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له : أنصب راية فاذا رأوها أذن بعضهم فلم يعجبه ذلك فذكروا له القبع - يعني الشبور شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، فذكروا له الناقوس، فقال هو من أمر النصارى - وكأنه كرهه أولا ثم أمر به فعمل من خشب - فانصرف عبد اللّه بن زيد وهو مهتم لهمّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأري الاذان في منامه. قال: فغدا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأخبره فقال له : يارسول اللّه اني لبين نائم ويقظان اذ أتاني آت فأراني الاذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، ثم خبر به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال له: ما منعك ان تخبرني ؟ فقال سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحييت ! فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زید فافعله قال فأذن بلال.. (الحديث) (2).
ص: 225
وعن محمد بن عبداللّه بن زيد الانصاري عن أبيه عبداللّه بن زيد قال: لما أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمعهم للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت له : أتبيع هذا الناقوس؟ قال : وماتصنع به؟ فقلت: ندعوا به الى الصلاة قال: أفلا أدلك على ماهو خير من ذلك؟ فقلت بلى. فقال: تقول اللّه اكبر اللّه اكبر، اللّه أكبر، اللّه اكبر، أشهد أن لا اله الا اللّه، أشهد أن لا اله الا اللّه، أشهد أن محمداً رسول اللّه أشهد أن محمداً رسول اللّه، حي على الصلاة، على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، اللّه اكبر، اللّه اكبر لا اله اللّه (1). قال : ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول اذا أقمت الصلاة: اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا اله الا اللّه أشهد أن لا اله الا اللّه، أشهد أن محمداً رسول اللّه، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قدقامت الصلاة، قد قامت الصلاة، اللّه أكبر، لا اله الا اللّه.
فلما أصبحت أتيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأخبرته بمارأيت، فقال: انها لرؤيا حق ان شاء اللّه تعالى، فقم مع بلال فألق عليه مارأيت فليؤذن به أندى صوتاً منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يارسول
ص: 226
اللّه لقد رأيت مثل ما رأي... (الحديث) (1).
واختصره الامام مالك في ماجاء في النداء للصلاة من موطأه، فحدث عن يحيى بن سعيد أنه قال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أراد أن يتخذ خشبتين (2).
يضرب بهما ليجمع الناس للصلاة فأري عبد اللّه بن زيد الانصاري من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم، فقال: ان هاتين الخشبتين لنحو مما يريد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يجمع به الناس للصلاة، فقيل له : ألا تؤذنون للصلاة؟ وأسمعه الاذان، فأتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول اللّه بالاذان انتهى مافي الموطأ مختصراً مرسلا (3).
وقال الامام ابن عبد البر : روى قصة عبد اللّه بن زيد هذه في بدء الاذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة، والاسانيد في ذلك متواترة
ص: 227
وهي من وجوه حسان (1). هذا كلامه بلفظه (2).
قلت. في ثبوت هذه الاحاديث نظر من وجوه :
(أحدها) ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يكن ليؤ آمر الناس في اشتراع الشرائع الالهية وانما كان يتبع فيها الوحي «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (3)». والانبياء كلهم صلوات اللّه وسلامه عليهم لايؤ آمرون أممهم فيما يشترعون «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» (4) وحسبنا قوله عز وجل لعبده وخاتم رسله : «قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ۚ هَٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (5) «قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (6). «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» (7). وقد حظر، عز سلطانه عليه العجل و لو بحركة اللسان فقال جل وعلا : «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» (8). و أثنى جل ثناؤه على قول رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال وهو أصدق القائلين : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ»
ص: 228
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (1) «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» (2).
(ثانيهما) ان الشورى المذكورة في هذه الاحاديث لمما يحكم العقل مستقلا بعدم اعتبارها في تشريع الشرائع الالهية فالعقل بمجرده يحيل وقوعها من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهل رأي الناس فيها الا تقول محض على اللّه تعالى؟ «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ» (3).
نعم كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يتألف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا، كلقاء العدو ومكائد الحرب ونحوها عملا بقوله تعالى «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» (4). وفي مثل ذلك يجوز عليه أن يتألفهم بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم، لكن شرائع الدين لايجوز فيها عليه الا اتباع الوحي المبين.
(ثالثها) ان هذه الاحاديث تضمنت من حيرة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مالا يجوز على مثله من المتصلين باللّه عزوجل، حتى مثلنه وقد ضاق في أمره ذرعاً فاحتاج الى مشورة الناس، وأنه كره الناقوس أولا، ثم أمر به بعد تلك الكراهة، وأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد أن أمر به عدل عنه الى ما اقتضته رؤيا عبد اللّه بن زيد، وان عدوله عن الناقوس كان قبل حضور وقت العمل به. وهذا من البداء المستحيل على اللّه تعالى وعلى موضع رسالته ومختلف ملائكته ومهبط وحيه وتنزيله، وسيد
ص: 229
أنبيائه وخاتم رسله.
على أن رؤيا غير الانبياء لا يبتني عليها شيء من الاشياء باجماع الامة (1).
(رابعها) ان في احاديثهم هذه من التعارض ما يوجب سقوطها، وحسبك منها الحديثان اللذان أوردناهما آنفاً - حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الانصار، وحديث محمد ابن عبد اللّه بن زيد عن أبيه - (2) فأمعن فيما يتعلق منهما برؤيا عمر تجد التعارض بيناً بأجلى مظاهره.
وأيضاً فان هذين الحديثين المشار اليهما يقصران الرؤيا على ابن زيد وابن الخطاب، لكن حديث الرؤيا للطبراني في الأوسط (3) صريح في صدورها من أبي بكر أيضاً، وهناك من أحاديثهم ماهو صريح بأن تلك الرؤيا كانت من أربعة عشر رجلا من الصحابة، كما في شرح التنبيه للجبيلي، وروي ان الرائين تلك الليلة كانوا سبعة عشر من الانصار، وعمر وحده من المهاجرين وفي رواية أن بلالا ممن رأى الاذان أيضاً وثمة متناقضات في هذا الموضوع أورد الحلبي منها ما يورث العجب العجاب، و حاول الجمع بينها فحبط عمله (4).
ص: 230
اذ قال يجمع شملا غير مجتمع***منها ويجبر كسراً غير منجبر
(خامسها) أن الشيخين - البخاري ومسلماً - قد أهملا هذه الرؤية بالمرة فلم يخرجاها في صحيحيهما أصلا، لا عن ابن زيد، ولاعن ابن الخطاب. ولا عن غيرهما، وما ذاك الا لعدم ثبوتها عندهما. نعم أخرجا في باب بدء الاذان من صحيحيهما عن ابن عمر قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل بوق اليهود. فقال عمر : ألا تبعثون رجلا ينادي للصلاة ؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يابلال قم فناد الصلاة. فنادى بالصلاة. اه_ (1).
هذا كل مافي صحيحي البخاري ومسلم مما يتعلق ببدء لاذان ومشروعيته وقد اتفق الشيخان على إخراجه كما اتفقا على اهمال ما عداه مما يتعلق بهذا الموضوع و کفی به معارضاً لما رووه من أحاديث الرؤيا كلها، لان مقتضى هذا الحديث ان بدء الاذان انما كان برأي عمر لا برؤياه، ولا برؤيا عبد اللّه بن زيد ولاغيرهما، ومقتضى تلك ان بدأه وبدء الاقامة انما كان بالرؤيا التي سبق فيها عبد اللّه بن زيد، عمر بن الخطاب : ولذلك يدعى عندهم برائي الاذان وربما قالوا صاحب الاذان.
وأيضاً فان حديث الشيخين هذا صريح في أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انما أمر بلالا - بالنداء للصلاة - في مجلس التشاور، وعمر حاضر عند صدور الامر منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وتلك الاحاديث أحاديث الرؤيا كلها - صريحة بأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انما امر بلالا بالنداء عند الفجر اذ قص ابن زيد عليه رؤياه، وذلك
ص: 231
بعد الشورى بليلة في اقل ما يتصور ولم يكن عمر حينئذ حاضراً وانما سمع الاذان وهو في بيته فخرج آنذاك يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق يارسول اللّه لقد رأيت مثل ما رأى.
بجدك قل لي هل يمكن الجمع بين هذا وتلك ؟ كلا. وشرف الانصاف، وعلو الحق. وعزة ربنا عز سلطانه.
على أن الحاكم قد اهمل احادیث رؤبا الاذان والاقامة، فلم يرو في مستدر كه منها شيئاً اصلا، كما اهملها الشيخان فلم يرويا في الصحيحين شيئاً منها بالمرة، هذا مما يلمسك سقوطها عن درجة الصحة عندهما، وذلك لان الحاكم قد اخذ على نفسه ان يستدرك عليهما كل ما لم يخرجاه في صحيحيهما من السنن الصحاح من شرطهما، وقد قام في مستدركه بما اخذه على نفسه اتم قيام، وحيث - أنه مع ذلك كله - لم يخرج من احاديث الرؤيا في المستدرك شيئاً، علمنا انه لم يثبت منها على شرط الشيخين شيء لا في صحيحيهما ولافي غير الصحيحين كما لا يخفى.
وللحاكم هنا كلمة تفيد جزمه ببطلان احاديث الرؤيا وأنها كأضاليل ألا وهي قوله: وانما ترك الشيخان حديث عبداللّه بن زيد في الاذان والرؤيا لتقدم موت عبد اللّه. قلت : هذا لفظه بعينه (1).
ويؤيد ذلك أن ابتداء الاذان عند الجمهور انما كان بعد وقعة احد. وقد اخرج ابو نعيم في ترجمة عمر بن عبد العزيز من كتاب حلية الأولياء بسند صحيح (2) عن عبد اللّه العميري، قال : دخلت ابنة عبد اللّه بن زيد بن ثعلبة
ص: 232
على عمر بن عبدالعزيز فقالت له : أنا ابنة عبد اللّه ابن زيد شهد ابي بدراً وقتل بأحد، فقال سلي ماشئت فأعطاها (1).. قلت : لو كان عبد اللّه بن زيد كما يقولون أنه رأى الاذان لذكرت ابنته ذلك عنه كما نقلت حضوره بدراً وشهادته في احد كما لا يخفى.
(سادسها) ان اللّه عز وجل حظر على الذين آمنوا ان يتقدموا بين يدي اللّه ورسوله وأن يرفعوا اصواتهم فوق صوته وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم البعض، وأنذرهم بحبوط اعمالهم الصالحة اذا ارتكبوا شيئاً من ذلك فقال عز من قائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ» (2) (الايات).
و كان سبب نزولها أن قدم على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ركب من بني تميم يسألونه أن يؤمر عليهم رجلا منهم، فقال ابوبكر - فيما اخرجه البخاري في تفسير الحجرات من الجزء الثالث من صحيحه ص 127 يارسول اللّه أمر عليهم القعقاع بن معبد متقدماً يقوله هذا ومبادراً برأيه، فقال عمر على الفور من قول صاحبه بل امتر الافرع بن حابس اخابني مجاشع يارسول اللّه فقال ابوبكر : ما أردت الاخلافي، وتماريا جدالا وخصومة، وارتفعت اصواتها في ذلك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرعهما في الرأي، وتقدمهما فيه بين يدي رسول اللّه ورفع اصواتهما فوق صوته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (3).
ص: 233
خاطب المؤمنين كافة بهذه الايات لتكون قانونهم المتبع وجوباً في آدابهم وأخلاقهم مع رسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). وهذه الايات كلها كما تراها قد منعت كل مؤمن ومؤمنة عن كل افتئات على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكل اقدام على أمر بين يديه، فان معنى قوله تعالى : «لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ان لا تفتئتوا عندهما برأي ما حتى يقضي اللّه على لسان نبيه ماشاء، وكأن المقترحين المتقدمين بين يديه كانا قد جعلا لانفسهما وزناً ومقداراً ومدخلا في الشؤون العامة، فنبه اللّه المؤمنين على خطأهما فيما رأياه، وأوقفهما على حدهما الذي يجب أن يقفا عليه.
وقوله تعالى : «لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» نهى عن القول المشعر بأن لهم مدخلا في الامور، أو وزناً عند اللّه ورسوله، لان من رفع صوته فوق صوت غيره فقد جعل لنفسه اعتباراً خاصاً، وصلاحية خاصة، وهذا مما لايجوز ولا يحسن من أحد عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ومن أمعن في قوله تعالى : «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، وقوله عز من قائل : «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ» علم الحقيقة بكنهها. ومن علم ان اللّه ما أقر أبا بكر الصديق وعمر الفاروق على تقدمهما بين يدي اللّه ورسوله لايقران الناس على تشاورهم في اشتراع شرائعه، ونظمه وأحكامه، بطريق أحق لو كان قومنا يعلمون.
(سابعها) أن الاذان والاقامة من معدن الفرائض اليومية نفسه، فمنشئها هو الفرائض نفسه، بحكم كل نسابة للالفاظ والمعاني، خبير بأساليب العظماء وأهدافهم، وانهما لمن أعظم شعائر اللّه عز وجل، امتازت بهما الملة الاسلامية على سائر الملل والاديان، اذ جاءت آخراً ففاقت مفاخراً فليمعن معي الممعنون من أولي الألباب بما في فصولهما من بلاغة القول وفصاحته،
ص: 234
وفخامة المعاني وسموها وشرف الاهداف واعلان الحق بكل صراحة - اللّه أكبر، أشهد أن لا اله الا اللّه، أشهد أن محمداً رسول اللّه - مع الدعوة اليه بكل ترغيب فيه، وكل ثناء عليه. حي على الصلاة حي على الفلاح، حي على خير العمل، لا تأخذ الداعي لومة لائم ولا سطوة مخالف غاشم.
تلك دعوة حية - كما قال عنها بعض الاعلام - كأنما تجد الاصغاء والتلبية من عالم الحياة باسرها، وكأنما يبدأ الانسان في الصلاة من ساعة مسراها الى سمعه، ويتصل بعالم الغيب من ساعة اصغائه اليها.
دعوة تلتقي فيها الأرض والسماء، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة الخالق، وتعيد الحقيقة الابدية الى الخواطر البشريه في كل موعد من مواعيد الصلاة، كأنها نباً جديد
اللّه أكبر اللّه أكبر - لا اله الا اللّه لا اله الا اللّه -.
تلك هي دعوة الاذان التي يدعوبها المسلمون الى الصلاة، وتلك هي الدعوة الحية التي تنطق بالحقيقة الخالدة ولا تومي اليها، وتلك هي الحقيقة البسيطة غاية البساطة، العجيبة غاية العجب، لانها أغنى الحقائق عن التكرار في الايد الابيد، وأحوج الحقائق الى التكرار بين شواغل الدنيا وعوارض الفناء.
المسلم في صلاة منذ يسمعها تدعوه للصلاة، لانه يذكر بها عظمة اللّه، رهي لب لباب الصلوات.
وتنفرج عنها هدأة الليل فكأنها ظاهرة من ظواهر الطبعية الحية تلبيها الاسماع والارواح وينصت لها الطير والشجر، ويخف لها الماء والهواء، وتبرز الدنيا كلها بروز التأمين والاستجابة منذ تسمع هتفة الداعي الذي يهتف
ص: 235
بها... الى آخر كلامه (1).
وبالجملة فان الاذان والاقامة لمما لايأتي به البشر ولو اجتمعوا له، فنعوذ باللّه من مخ الحقائق الناصعة ولاسيما اذا كانت من شرائع اللّه السائغة، وآياته البالغة.
(ثامنها) ان سنهم في بدء الاذان والاقامة كلها يناقض المأثور الثابت عن أئمة أهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلَامُ)، ولا وزن عندنا لما خالف الثابت عنهم من رأي أو رواية مطلقاً.
ففي باب الاذان والاقامة من كتاب وسائل الشيعة الى أحكام الشريعة بالسند الصحيح عن الامام أبي عبد اللّه جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : لما هبط جبرائيل على رسول اللّه بالاذان أذن جبرائيل وأقام، وعندها أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علياً ان يدعوله بلالا فدعاه فعلمه رسول اللّه الاذان وأمره به، وهذا مارواه كل من ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني، والصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، وشيخ الامامية محمد بن الحسن الطوسى، وناهيك بهؤلاء صدقاً وورعاً (2) و روی شيخنا الشهيد السعيد محمد بن مكي في كتابه (الذكرى) ان الصادق - الامام جعفر بن محمد الباقر - ذم قوماً زعموا ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أخذ الاذان عن عبد اللّه بن زيد الانصاري، فقال: ينزل الوحي به على نبيكم فتزعمون
ص: 236
انه أخذه عن عبد اللّه بن زيد ! (1).
وعن أبي العلاء - كما في السيرة الحلبية - قال: قلت لمحمد بن الحنفية انا لنتحدث أن بدء الاذان كان من رؤيار آها رجل من الانصار في منامه، قال: ففزع ذلك محمد بن الحنفية فزعاً شديداً. وقال عمدتم الى ماهو الأصل في شرائع الاسلام ومعالم دينكم فزعتم انه كان من رؤيا رآها رجل من الانصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام، قال : فقلت له هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال : هذا واللّه هو الباطل.. الى آخر کلامه (2).
وعن سفيان بن الليل قال: لما كان من الحسن بن علي ماكان قدمت عليه المدينة قال : فتذاكر وا عنده الاذان، فقال بعضنا انما كان بدء الاذان، برؤيا عبد اللّه بن زيد فقال له الحسن بن علي : ان شأن الاذان أعظم من ذلك، أذن جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول اللّه، وأقام مرة مرة فعلمه رسول اللّه... (الحديث) (3).
وعن هارون بن سعد عن الشهيد زيد بن الامام علي بن الحسين عن آبائه
ص: 237
عن علي : أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علم الاذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة (1).
المورد - (24) - : اسقاط حى على خير العمل من الاذان والاقامة
وذلك ان هذا الفصل كان على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جزءاً من الاذان ومن الاقامة (2) لكن أولي الأمر على عهد الخليفة الثاني كانوا يحرصون على
ص: 238
أن تفهم العامة ان خير العمل انما هو الجهاد في سبيل اللّه ليندفعوا اليه، وتعكف هممهم عليه، ورأوا أن النداء على الصلاة بخير العمل مقدمة لفرائضها الخمس ينافي ذلك (1).
بل أو جسوا خيفة من بقاء هذا الفصل في الاذان والاقامة ان يكون سبباً في تنشيط العامة عن الجهاد، اذ لو عرف الناس ان الصلاة خير من العمل مع مافيها من الدعة والسلامة لاقتصروا في ابتغاء الثواب عليها وأعرضوا عن خطر الجهاد المفضول بالنسبة اليها.
وكانت همم أولي الأمر يومئذ منصرفة الى نشر الدعوة الاسلامية، وفتح المشارق والمغارب.
وفتح الممالك لا يكون الا بتشويق الجند الى التورط في سبيله بالمهالك بحيث يشربون في قلوبهم الجهاد، حتى يعتقدون انه خير عمل يرجونه يوم المعاد.
ص: 239
ولذا ترجح في نظر هم اسقاط هذا الفصل تقديماً لتلك المصلحة على التعبد بما جاء به الشرع الاقدس فقال الخليفة الثاني وهو على المنبر - فيما نص عليه القوشجي (1) في اواخر مبحث الامامة من شرح التجريد، وهو من أئمة المتكلمين على مذهب الاشاعرة - : «ثلاث كن على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنا أنهى عنهن وأحر مهن وأعاقب عليهن : متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل» (2).
وتبعه في اسقاطها عامة من تأخر عنه من المسلمين، حاشا أهل البيت ومن
ص: 240
يرى رأيهم «حي على خير العمل» من شعارهم، كماهو بديهي من مذهبهم، حتى ان شهيد فخ - الحسين بن علي بن الحسن بن أمير المؤمنين (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) - لماظهر بالمدينة أيام الهادي من ملوك العباسيين، أمر المؤذن أن ينادي بها ففعل نص على ذلك أبو الفرج الأصبهاني حيث ذكر صاحب فخ ومقتله في کتابه مقاتل الطالبين (1).
وذكر العلامة الحلبي في باب بدء الاذان ومشروعيته ص 110 على الجزء الثاني من سيرته ان ابن عمر (رضیَ اللّهُ عنهُ) والامام زين العابدين علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، كان يقولان في الاذان - بعد حي على الفلاح - حي على خير العمل. أم (2).
ص: 241
ص: 242
قلت: وهذا متواتر عن أئمة أهل البيت، فراجع حديثهم وفقههم لتكون على بصيرة من رأيهم وروايتهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) (1).
فصل
فصول الاذان عندنا ثمانية عشر، اللّه أكبر أربعاً، أشهد أن لا اله الا اللّه، أشهد أن محمداً رسول اللّه، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل، اللّه أكبر. لا اله الا اللّه كل منها مرتان.
وفصول الاقامة سبعة عشر، هي فصول الاذان غير أنها مثنى مثنى الا «لا اله الا اللّه» فمرة واحدة ويزاد فيها «بعد الحيعلات الثلاث قبل التكبير» قد قامت الصلاة مرتين (2).
ويستحب الصلاة على محمد و آل محمد بعد ذكره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما يستحب اكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية اللّه تعالى وامرة المؤمنين في الاذان والاقامة.
وقد أخطأ وشذّ من حرّم ذلك، وقال بأنه بدعة فان كل مؤذن في الاسلام
ص: 243
يقدم كلمة للاذان يوصلها به كقوله «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا» (الاية)، (1) أو نحوها ويلحق به كلمة يوصله بها كقوله : الصلاة والسلام عليك يا رسول اللّه أو نحوها. وهذا ليس من المأثور عن الشارع في الاذان، وليس ببدعة ولا هو محرم قطعاً لان المؤذنين كلهم لا يرونه من فصول الاذان، وانما يأتون به عملا بأدلة عامة تشمله وكذلك الشهادة لعلى بعد الشهادتين في الاذان فانما هي عمل بأدلة عامة تشملها.
على ان الكلام القليل من سائر كلام الادميين لا يبطل به الاذان ولا الاقامة ولا هو حرام في اثنائها، فمن أين جاءت البدعة والحرام؟ وما الغاية بشق عصا المسلمين في هذه الأيام ؟.
المورد - (25) - الطلاق وما أحدثوا فيه بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):
وذلك أن الطلاق الثلاث الذي لاتحل المطلقة بعده لمطلقها الا بالمحلل الشرعي المعروف، انما هو الطلاق الثالث، المسبوق برجعتين مسبوقتين بطلاقين، وذلك بأن يطلقها أولا ثم يرجعها، ثم يطلقها ثانياً ثم يرجعها، ثم يطلقها ثالثاً وحينئذ لا تحل له حتى تأتي بالمحلل المعلوم. هذا هو الطلاق الثالث الذي لاتحل المطلقة بعد لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره، وبسه جاء التنزيل: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» الى أن قال عز من قائل: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» (الآية) (2)
ص: 244
واليك ماقاله أئمة العربية في تفسيرها، واللفظ للزمخشري في كشافه جعله كشرح مزجي، قال: «الطَّلَاقُ» بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم «مَرّتَان» أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والارسال دفعة واحدة. ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن أراد التكرير كقوله: «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ» أي كرة بعد كرة الى أن قال : وقوله تعالى فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» تخيير لهم - بعد ان علمهم كيف يطلقون - بين أن يمسكوا النساء بحسن المعاشرة والقيام بواجبهن وبين أن يسرحوهن السراح الجميل الذي لهن عليهم. قال : وقيل معناه الطلاق الرجعي مرتان - مرة بعد مرة - لانه لا رجعة بعد الثلاث.. الى أن قال : (فان طلقها) الطلاق المذكور الموصوف بالتكرار في قوله تعالى «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ» واستوفى نصابه أوفان طلقها مرة ثالثة بعد المرتين «فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ» أي بعد ذلك التطليق «حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ»... الخ (1).
قلت : هذا هو معنى الاية وهو المتبادر منها الى الاذهان و به فسرها المفسرون كافة، ولا يمكن أن يكون قوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ» متناولا لقول القائل لزوجته أنت طالق ثلاثاً الا أن يكون قبل ذلك قد تكرر منه طلاقها مرتين بعد كل مرة منهما رجعة كما لا يخفى.
لكن عمر رأى أيام خلافته تهافت الرجال على طلاق أزواجهم ثلاثاً بانشاء واحد فألزمهم بما ألزموا به أنفسهم عقوبة أو تأديباً، والسنن صريحة في نسبة ذلك اليه (2).
ص: 245
وحسبك منها ما عن طاووس من ان أبا الصهباء قال لابن عباس : هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبي بكر واحدة؟ فقال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم انتهى بلفظ مسلم في صحيحه (1).
وعن ابن عباس من عدة طرق كلها صحيحة قال: كان الطلاق على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم انتهى بلفظ مسلم في صحيحه (2).
وأخرجه الحاكم في مستدركه مصرحاً بصحته على شرط الشيخين، وأورده الذهبي، في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرطهما أيضاً (3).
ص: 246
وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في مسنده (1). ورواه غير واحد من أصحاب السنن واثبات السنن (2).
ونقله العلامة الشيخ رشيد رضا في ص 210 من المجلد الرابع من مجلته «المنار» عن كل من أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي ثم قال - ما هذا - لفظه: ومن قضاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بخلافه ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس (3) قال: طلق ركانة زوجته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): كيف طلقتها ؟ قال ثلاثاً. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): في مجلس واحد ؟. قال نعم قال :(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): فانما تلك واحدة فارجعها ان شئت اه_ (4).
وأخرج النسائي من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه عن محمود بن لبيد ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) غضبان ثم قال : أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهر كم!. حتى قام رجل، فقال یا رسول اللّه ألا نقتله ؟ (5) الى آخر ما جاء من السنن الصحيحة صريحاً
ص: 247
فى ذلك ولذا ترى علماء الاسلام واثباتهم يرسلونه ارسال المسلمات.
الاستاذ الكبير خالد محمد خالد المصري المعاصر وقد
وحسبك منهم قال في كتابه «الديمقراطية» : ترك عمر بن الخطاب النصوص الدينية المقدسة من القرآن والسنة عندما دعته المصلحة لذلك، فبينا يقسم القرآن للمؤلفة قلوبهم حظاً من الزكاة ويؤديه الرسول وأبو بكر، يأتي عمر فيقول : لا نعطي على الاسلام شيئا، وبينا يجيز الرسول وأبو بكر بيع أمهات الاولاد يأتي عمر فيحرم بيعهن، وبينا الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع واحداً بحكم السنة والاجماع جاء عمر فترك السنة وحطم الاجماع.
هذا كلامه بعين لفظه فراجعه في ص 150 من «ديمقراطيته». وقال الاستاذ الدكتور الدواليبي - حيث ذكر عمر وايقاعه الطلاق الثلاث بكلمة واحدة في كتابه أصول الفقه (1) ما هذا لفظه - : «ومما أحدثه عمر (رضي اللّه عنه) تأييداً لقاعدة تغير الاحكام بتغير الزمان، هو ايقاعه الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، مع أن المطلق في زمن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزمن خليفته أبي بكر وصدراً من خلافة عمر كان اذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة كما ثبت ذلك في الخبر الصحيح عن ابن عباس، وقد قال عمر بن الخطاب : ان الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
قال : وقال ابن القيم الجوزية في ذلك ولكن أمير المؤمنين عمر (رضي اللّه عنه) رأى أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم ايقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بامضائه عليهم فاذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه. ورأى ان ما كان عليه في عهد النبي وعهد الصديق وصدراً من خلافته كان الاليق بهم لانهم لم يتتابعوا فيه، وكانوا
ص: 248
يتقون اللّه في الطلاق.
الى أن قال : فهذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان (1) (قال) : وعلم الصحابة حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك فوافقوه على ما ألزم به (2) وصرحوا لمن استفتاهم بذلك (3) (قال) : غير ان ابن القيم نفسه جاء فأبدى ملاحظته بالنسبة لزمنه، رغبة في الرجوع بالحكم الى ما كان عليه في عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لان الزمن قد تغير أيضاً، وأصبح ايقاع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة مدعاة لفتح باب التحليل الذي كان مسدوداً على عهد الصحابة (4) وقال : بأن العقوبة اذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه كان تركها أحب الى اللّه ورسوله (5).
(قال) : وقال ابن تيمية : ولو رأى عمر (رضي اللّه عنه) عبث المسلمين في تحليل المبانة لمطلقها ثلاثاً لعاد الى ماكان عليه الأمر في عهد الرسول.
(قال) : وان ما أبداه ابن تيمية من الملاحظات القيمة قد كان مدعاة لعودة المحاكم الشرعية في مصر الان الى ماكان عليه الحكم في عهد الرسول عملا بقاعدة تغير الازمان (6).
ص: 249
المورد - (26) - صلاة التراويح :
وذلك ان صلاة التراويح ماجاء بها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا كانت على عهده بل لم تكن على عهد أبي بكر ولا شرع اللّه الاجتماع لأداء نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء.
وانما شرعه في الصلوات الواجبة كالفرائض الخمس اليومية، وصلاة الطواف، والعيدين والايات وعلى الجنائز.
وكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقيم ليالي رمضان بأداء سننها في غير جماعة، وكان يحض على قيامها، فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقيمها.
وهكذا كان الأمر على عهد أبي بكر حتى مضى لسبيله سنة ثلاثة عشر للهجرة (1) وقام بالأمر بعده عمر بن الخطاب، فصام شهر رمضان من تلك السنة لا يغير من قيام الشهر شيئاً، فلما كان شهر رمضان سنة أربع عشرة أتى المسجد ومعه بعض أصحابه، فرأى الناس يقيمون النوافل وهم ما بين قائم وقاعدو راكع و ساجد وقاريء ومسبح ومحرم بالتكبير ومحل بالتسليم في مظهر لم يرقه، ورأى من واجبه اصلاحه فسن لهم التراويح (2) أوائل الليل من الشهر وجمع الناس عليها حكماً مبرماً، وكتب بذلك الى البلدان ونصب للناس في المدينة
ص: 250
امامين يصليان بهم التراويح اماماً للرجال واماماً للنساء، وهذا كله أخبار متواترة (1).
وحسبك منها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما (2) من أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : من قام رمضان - أي بأداء سننه - ايماناً واحتساباً غفر اللّه ما تقدم من ذنبه وانه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) توفي والامر كذلك - أي أمر القيام في شهر رمضان لم يتغير عما كان عليه قبل وفاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر اه_ (3).
وأخرج البخاري في كتاب التراويح أيضاً من الصحيح عن عبدالرحمن ابن عبدالقاري (4) قال : خرجت مع عمر ليلة في رمضان الى المسجد فاذا
ص: 251
الناس أوزاع متفرقون، الى أن قال : فقال عمر : اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب (قال) : ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: نعمت البدعة هذه... (1).
قال العلامة القسطلاني في أول الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري عند بلوغه الى قول عمر في هذا الحديث : نعمت البدعة هذه، ماهذا لفظه : سماها بدعة لأن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يسن لهم، ولا كانت في زمن الصديق (رضي اللّه عنه). ولا أول الليل، ولا هذا العدد... الخ. وفي تحفة الباري وغيره من شرح البخاري مثله فراجع.
وقال العلامة أبو الوليد محمد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 23 من تاريخه - روضة المناظر - : هو أول من نهى عن بيع امهات الاولاد، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأول من جميع الناس من امام يصلي بهم التراويح... الخ (2).
ولما ذكر السيوطي في كتابه - تاريخ الخلفاء - أوليات عمر نقلا عن العسكري (3) قال : هو أول من سمي أمير المؤمنين، وأول من من قيام شهر
ص: 252
رمضان - بالتراويح - وأول من حرم المتعة، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات... الخ (1).
وقال محمد بن سعد - حيث ترجم عمر في الجزء الثالث من الطبقات - : وهو أول من سن قيام شهر رمضان - بالتراويح - وجمع الناس على ذلك، وكتب به الى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين قارئاً يصلي التراويح بالرجال، وقارثاً يصلي بالنساء الخ (2).
وقال ابن عبدالبر في ترجمة عمر من الاستيعاب : وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة الاشفاع فيه (3).
كان هؤلاء عفا اللّه عنهم وعنا، رأوه رضي اللّه عنه قد استدرك (بتراويحه) على اللّه ورسوله حكمة كانا عنها غافلين.
بل هم بالغفلة - عن حكمة اللّه في شرائعه حكمة اللّه في شرائعه ونظمه - أخرى، وحسبنا في عدم تشريع الجماعة في سنن شهر رمضان وغيرها انفراد مؤدّيها - جوف الليل في بيته - بربه عز وعلا يشكو اليه بثه وحزنه، ويناجيه بمهماته مهمة مهمة حتى يأني على آخرها ملحاً عليه، متوسلا بسعة رحمته اليه راجياً لاجئاً، راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لايجد ملجاً من اللّه تعالى الا اليه، ولا منجي منه الا به.
ص: 253
لهذا ترك اللّه السنن حرة من قيد الجماعة ليتزودوا فيها من الانفراد باللّه ما أقبلت قلوبهم عليه، ونشطت أعضاؤهم له، يستقل منهم ما يستقل، ويستكثر من يستكثر، فانها خير موضوع كما جاء في الأثر عن سيد البشر.
أما ربطها بالجماعة فيحدّ من هذا النفع ويقلل من جدواه.
أضف الى هذا ان اعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويمسك عليها حظها من تربية الناشئة على حبها والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الاباء والامهات والاجداد والجدات وتأثيره في شد الابناء اليها شداً يرسخها في عقولهم وقلوبهم، وقد سأل عبداللّه ابن مسعود رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيما أفضل : الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ألا ترى الى بيتي ما أقربه من المسجد فلان اصلي في بيتي أحب الي من أن أصلى في المسجد الا ان تكون صلاة مكتوبة» رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب والترهيب للامام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (1). وعن زيد بن ثابت ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «صلوا أيها الناس في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة» رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه (2).
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اكرموا بيوتكم ببعض
ص: 254
صلاتكم» (1). وعنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «مثل البيت الذي يذكر اللّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللّه فيه مثل الحي والميت أخرجه البخاري ومسلم (2). وعن جابر قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «اذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته وان اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً» رواه مسلم وغيره ورواه ابن خزيمة في صحيحه بالاسناد الى أبي سعيد. (3) والسنن في هذا المعنى لا يسعها هذا الاملاء (4).
لكن الخليفة رضي اللّه عنه رجل تنظيم وحزم، وقد راقه من صلاة الجماعة ما يتجلى فيها من الشعائر بأجلى المظاهر الى مالا يحصى من فوائدها الاجتماعية التي أشبع القول علماؤنا الاعلام ممن عالجوا هذه الأمور بوعي المسلم الحكيم وأنت تعلم أن الشرع الاسلامي لم يهمل هذه الناحية، بل اختص الواجبات من الصلوات بها، وترك النوافل للنواحي الآخر من مصالح البشر «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» (5).
ص: 255
المورد - (27) - صلاة الجنائز :
وذلك أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يكبر على الجنائز خمساً، لكن الخليفة الثاني راقه أن يكون التكبير فى الصلاة عليها أربعاً فجمع الناس على الاربع، نص على ذلك جماعة من أعلام الامة كالسيوطي (نقلا عن العسكري) حيث ذكر أوليات عمر من كتابه تاريخ الخلفاء وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة 23 من كتابه «روضة المناظر» المطبوع في هامش تاريخ ابن الاثير وغيرهما من أثبات المتتبعين (1).
وحسبك ما في كتاب الديمقراطية لمؤلفه الاستاذ خالد محمد خالد مما أوردناه آنفاً في مبحث الطلاق الثلاث فراجع.
وقد أخرج الامام أحمد من حديث زيد بن أرقم عن عبد الاعلى، قال صليت خلف زيد ابن أرقم على جنازة فكبر خمساً، فقام اليه أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال: أنسيت ؟ قال : لا، ولكني صليت خلف أبي القاسم خليلي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فكبر خمساً فلا أتركه أبداً (انتهى) (2).
قلت: وصلى زيد بن أرقم على سعد بن جبير المعروف بسعد بن حبتة وهي أمه، وهو من الصحابة فكبر على جنازته خمساً، فيما رواه ابن حجر في ترجمة سعد من اصابته، ورواه ابن قتيبة فى أحوال أبي يوسف من معارفه، (3)
ص: 256
وكان سعد هذا جد أبي يوسف القاضي.
وأخرج الامام أحمد من حديث حذيفة من طريق يحيى بن عبد اللّه الجابر قال صليت خلف عیسی مولى لحذيفة بالمدائن على جنازة فكبر خمساً، ثم التفت الينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولكن كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي حذيفة بن اليمان صلى على جنازة وكبر خمساً ثم التفت الينا فقال : مانسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (الحديث) (1).
المورد - (28) اشتراط التوارث بين الاخوة والاخوات ان لايكون للموروث منهم ولد
قال اللّه تعالى: «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (2) الاية صريحة فى اشتراط التوارث بين الاخوة والاخوات أن لا يكون للموروث منهم ولد والبنت ولد لغة وعرفاً (3).
ص: 257
لكن عمر بن عمر بن الخطاب حمل الولد في الآية على الذكر خاصة فواسى في الميراث بين بنت الميت وأخته لابيه وأمه، فجعل لكل منهما النصف مما ترك، وتبعه في ذلك أهل المذاهب الأربعة (1).
أما أئمة العترة الطاهرة وأولياؤهم الامامية فقد أجمعوا بأن لاحقّ للاخوة وسائر العصبة مطلقاً مع وجود الولد ذكراً كان أم أنثى متعدداً كان أم منفرداً محتجين بهذه الاية، وبقوله تعالى «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» ولهم في سقوط العصبة مع وجود الولد ولو كان بنتاً واحدة لهجة شديدة يعرفها من راجع نصوصهم في المواريث، ودونه كتاب وسائل الشيعة الى أحكام الشريعة وسائر مسانيدهم (2).
وقد مثل ابن عباس عن رجل توفي وترك بنته وأخته لابيه وأمّه فقال : ليس لاخته شيء والبنت تأخذ النصف فرضاً و الباقي تأخذه رداً قال السائل :
ص: 258
فان عمر قضى بغير ذلك. قال ابن عباس : أأنتم أعلم أم اللّه ؟. قال السائل : ما أدري وجه هذا ؟ حتى سألت ابن طاووس فذكرت له قول ابن عباس، فقال: أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول : قال اللّه عز وجل : «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ»، فقلتم أنتم : لها نصف ماترك وان كان لها ولد (1).
المورد - (29) - عول الفرائض
اختلف المسلمون في جواز العول،وعدمه، وحقيقة العول ان تنقص التركة عن ذوي السهام كأختين وزوج فان للاختين الثلثين وللزوج النصف، وقد التبس الأمر فيها على الخليفة الثاني فلم يدر أيهم قدم اللّه فيها ليقدمه، وأيهم أخر ليؤخّره، فقضى بتوزيع النقص على الجميع بنسبة سهامهم، و هذا غاية مايتحراه من العدل مع التباس الأمر عليه (2).
لكن أئمّة أهل البيت وعلماؤهم عرفوا المقدم عند اللّه فقدموه، وعرفوا المؤخر فأخروه - وأهل البيت أدرى بالذي فيه -.
ص: 259
قال : الامام أبو جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان أمير المؤمنين - علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - يقول: «ان الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لانعول على ستة (1) لو يبصرون وجهها» (2).
وكان ابن عباس يقول: من شاء باهلته عند الحجر الاسود ان اللّه لم يذكر في كتابه نصفين وثلثاً، وقال أيضاً: سبحان اللّه العظيم أترون ان الذي أحصى رمل عالج عدداً جعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً، هذان النصفان قد ذهبا بالمال فاین مو موضع الثلث.؟ فقيل له يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض ؟ فقال: لما التفت الفرائض عند عمر ودفع بعضها بعضاً، قال : واللّه ما أدري أيكم قدم اللّه وأيكم أخر، وما أجد شيئاً هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص قال ابن عباس : وأيم اللّه لو قدمتم من قدم اللّه، وأخرتم من أخر اللّه ماعالت الفريضة، فقيل له : أيها قدم اللّه وأيها أخر، فقال : كل فريضة لم يهبطها اللّه الا الى فريضة، فهذا ما قدم اللّه وأما ما أخر فكل فريضة اذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا مابقي، فتلك التي أخر قال : فأما التي قدم فالزوج له النصف، فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع الى الربع لايزيله عنه شيء ومثله
ص: 260
الزوجة والام قال: وأما التي أخر ففريضة البنات والاخوات لها النصف والثلثان، فاذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك لم يكن لهنّ الّا مابقي (قال) : فاذا اجتمع ما قدم اللّه وما أخر بدىء بما قدم فأعطي حقه كاملا فان بقي شيء كان لما أخر الحديث أورده شيخنا الشهيد الثاني في الروضة قال وانما ذكرناه على طوله لاشتماله على أمور مهمة (1).
قلت : وأخرج الحاكم في كتاب الفرائض ص 340 من الجزء الرابع من المستدرك عن ابن عباس أنه قال : أول من أعال الفرائض عمر وأيم اللّه لو قدم من قدم اللّه وأخر من أخر اللّه ما عالت فريضة، فقيل له : وأيها قدم اللّه، وأيها أخر، فقال : كل فريضة لم يهبطها اللّه عزوجل عن فريضة الا الى فريضة، فهذا ما قدم اللّه عز وجل كالزوج والزوجة والام وكل فريضة اذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقي فتلك التي أخر اللّه عزوجل كالاخوات والبنات فاذا اجتمع من قدم اللّه عز وجل ومن أخر بدىء بمن قدم فاعطى حقه كاملا، فان بقي شيء كان لمن أخر.. (الحديث) (2).
وعلى هذا فاذا اجتمع الزوج والام والبنات بدىء بالزوج والام فأعطيا
ص: 261
فريضتهما الثانية الربع للزوج والسدس للام كاملين، وأعطي الباقي للبنتين بالسواء، ولو اجتمع الاختان مع هؤلاء لم يكن لهما شيء أصلا، لان مراتب الارث بالنسب عند أئمة أهل البيت وأوليائهم ثلاث «المرتبة الاولى»: الاباء والامهات دون آبائهم وأمهاتهم، والابناء والبنات على ما هو مفصل في محله «المرتبة الثانية»: الاخوة والاخوات والاجداد والجدات على ما هو مبين في مظانه من كتب الفقه والحديث المرتبة الثالثة الاعمام والعمات والاخوال والخالات على ما هو مفصل في فقهنا وحديثنا فلايرث أحد من المرتبة التالية مع وجود أحد من سابقتها «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» (1).
هذا مذهب الائمة من العترة التي جعلها اللّه ورسوله بمنزلة الكتب الى يوم الحساب، وعليه اجماع الامامية. فالاختان من أهل المرتبة الثانية كما بيناه فلا ترثان مع وجود الام. واللّه تعالى أعلم (2).
المورد - (30) - ميراث الجد مع الاخوة
أخرج البيهقي في سننه وفي شعب الايمان كليهما (3) ان عمر سأل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن ميراث الجد مع الاخوة فقال له : ماسؤالك عن هذا يا عمر ؟ اني أظنك تموت قبل أن تعلمه، قبال راوي هذا الحديث - سعيد بن المسيب - فمات عمر قبل أن يعلمه (4).
ص: 262
قلت : وقد اضطرب فى هذه السألة أيام خلافته حتى قضى فيها - فيما قيل عنه - بسبعين حكماً. قال عبيدة السلماني (1):لقد حفظت لعمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة (2).
وعن عمر قال قال (3) : اني قضيت في الجد قضيات لم آل فيها عن الحق. ورجع أخيراً في هذه المعضلة الى زيد بن ثابت (4).
قال طارق بن شهاب الزهري (5) : كان عمر بن الخطاب قضى في ميراث الجد مع الاخوة قضايا مختلفة، ثم أنه جمع الصحابة وأخذ كتفاً ليكتب فيه وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت حية فتفرقوا فقال : لو أراد اللّه تعالى ان يمضيه لامضاه ثم أنه أتى الى منزل زيد بن ثابت فقال له : جئتك في أمر الجد وأريد أن أجعله أباً، فقال زيد: لا أوافقك على ان تجعله أباً فخرج عمر مغضباً ثم أرسل اليه في وقت آخر فكتب زيد مذهبه فيه في قطعة قتب، فلما أتى عمر كتاب زيد خطب الناس ثم قرأ قطعة القتب عليهم (ثم قال) : ان زيداً قد قال: في الجد قولا قد امضيته (6)
ص: 263
المورد - (31) - الفريضة المشتركة وتعرف بالحمارية
مجمل هذه الفريضة ان امرأة ماتت عن زوج وأم، وأخوين لامها دون أبيها وأخوين آخرين لامها وأبيها معاً، وذلك على عهد الخليفة الثاني فرفعت اليه هذه القضية مرتين، فقضى في المرة الأولى باعطاء زوجها فرضه وهو النصف و اعطاء امها فرضها وهو السدس، واعطاء أخويها لامها خاصة الثلث لكل منهما السدس فتم المال، واسقط أخويها الشقيقين.
وفي المرة الثانية أراد أن يحكم بذلك أيضاً فقال له أحد الشقيقين : هب ان أبانا كان حماراً فأشر كنا في قرابة امنا، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على الاخوة الأربعة بالسواء، فقال له رجل : انك لم تشر كهما عام كذا، فقال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا الان (1).
و تعرف هذه المسألة بالفريضة الحمارية؟ لقوله : هب أن أبانا كان حماراً
ص: 264
وربما سميت بالحجرية واليمية، اذ روى ان بعضهم قال : هب أن أبانا كان حجراً ملقى في اليم، وقد تسمى العمرية لاختلاف قولي عمر فيها، ويقال لها المشتركه (1) وهي من المسائل المعروفة عند فقهاء المذاهب الأربعة، وهم مختلفون فيها فأبو حنيفة وصاحباه، وأحمد بن حنبل وزفر، وابن أبي ليلى، يرون حرمان الاخوين الشقيقين على ماقضى به عمر أولا، بخلاف مالك والشافعي فانهما يشر كان الشقيقين مع الاخوين لام في الثلث (2) علی ماقضی به خیر (3).
أما أئمة أهل البيت وشيعتهم الأمامية فانهم كما بيناه آنفاً يجعلون الورثة بالنسب ثلاث طبقات مرتبة لايرث واحد من الطبقة اللاحقة مع وجود وارث واحد من الطبقة السابقة مطلقاً، والام عندهم من الطبقة الاولى بخلاف الاخوة والاخوات مطلقاً فانهم من الطبقة الثانية كما هو مفصل في فقههم، وعليه فالحكم في هذه المسألة عندهم أن يأخذ الزوج فرضه وهو النصف، والباقي للام فرضاً ورداً، وليس لواحد من الاخوة مطلقاً مع وجودها شيء (4).
ص: 265
المورد - (32) - ان نصيب الورثة (مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) مطلق من حيث العروبة وغيرها
قال اللّه عز من قائل : «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا» (1) وقال سبحانه وتعالى : * «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (2) وآيات الفرائض والمواريث كلها على هذا النسق في اطلاقها وهي في سورة النساء فلتراجع ومثلها السنن المأثورة في هذا الموضوع، وعلى ذلك اجماع الامة بأسرها نصاً وفتوى.
قال الامام أبو عبد اللّه جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «الاسلام شهادة ان لا اله الا اللّه والتصديق برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و به حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث» (3).
وقال الامام ابو جعفر محمد الباقر في صحيح حمران من كلام له والاسلام ماظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق الاسلامية كلها، و به حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة وصوم الشهر وحج البيت، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا الى الايمان» (4).
ص: 266
لكن حدث مالك في الموطأ عن الثقة عنده انه سمع سعيد بن المسيب يقول : أبي عمر ابن الخطاب ان يورث احداً من الاعاجم (1) الا احداً ولد في العرب، قال مالك : وان جاءت امرأة حامل من ارض العدو فوضعته في ارض العرب فهو ولدها يرثها ان ماتت وترثه ان مات ميراثها في كتاب اللّه انتهى بعين لفظه (2).
المورد - (33) - ارث الخال لابن اخته :
أخرج سعيد بن منصور في سننه : أن رجلا عرف اخنا له سبيت له في الجاهلية فوجدها بعد ذلك ومعها ابن لها لا يدري من أبوه، فاشتراهما ثم اعتقهما، فأصاب الغلام مالا ثم مات فأنوا ابن مسعود فذكروا له ذلك. فقال : أئت عمر فسله ثم ارجع الي فأخبرني بما يقول لك، فأتى عمر فذكر ذلك له فقال: ما أراك عصبته ولا بذي فريضة ولم يورثه، فرجع الى ابن مسعود فأخبره فانطلق ابن مسعود معه حتى دخل على عمر فقال له كيف أفنيت هذا الرجل ؟ قال: لم أره عصبة ولا بذي فريضة ولم أر وجهاً لتوريثه، فما نرى أنت ياعبداللّه قال: أراه ذا رحم لكونه خاله وولي نعمة - لكونه معتقاً - وأرى أن يورث به، فأبطل عمر حكمه الأول وورثه به (3).
ص: 267
نقل هذه الواقعة صاحب كنز العمال في كتاب الفرائض ص 8 من الجزء السادس من كنزه، وانما تصح فتوى ابن مسعود اذا كانت أم الغلام متوفاة قبل ولدها.
المورد - (32) - عدة الحامل يتوفى عنها زوجها :
ذكر البيهقي في شعب الايمان ان امرأة استفتت عمر فقالت له: وضعت حملي بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة، فأفناها بوجوب التربص الى أبعد الاجلين، فعارضه أبي بن كعب بمحضر من المرأة، وروى له ان عدتها ان تضع حملها، وأباح لها ان تتزوج قبل الأربعة أشهر والعشر فلم يقل عمر لها سوى اني أسمع ما تسمعين (1) وعدل عن فتواه متوقفاً، لكنه بعد ذلك وافق أبي بن كعب فقال، بأنها لو وضعت ذا بطنها وزوجها على السرير لم يدفن حلت للازواج (2) وعلى هذا المنهاج سلك أهل المذاهب الاربعة الى هذه الايام (3).
لكنا نحن الامامية وجدنا في القرآن الحكيم آيتين تتعارضان في عدة المتوفي عنها زوجها وهي حبلى، وهما قوله عز من قائل، «وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ
ص: 268
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (1) وقوله تبارك وتعالى : «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» (2) فالحبلى المتوفي عنها زوجها اذا أخذت بالاية الأولى حلت للازواج بوضع حملها وان لم تمض المدة المضروبة في الآية الثانية وان أخذت بالاية الثانية حلت للازواج بمضي المدة المضروبة فيها وان لم تضع حملها، وعلى كلا الفرضين تكون مخالفة لاحدى الايتين، ولا يمكنها الأخذ بكلتيهما معاً الا اذا تربصت الى أبعد الاجلين فاذا لا مندوحة لها عن ذلك، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وابن عباس (3) وعليه الامامية عملا بنصوص أثمتهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) (4).
فصل
اختلف المسلمون في ابتداء عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشر، فالذي عليه الجمهور ان ابتداءها انما هو موت زوجها سواء أعلمت بموته اذ مات أم لم تعلم لغيبته عنها أو لسبب آخر (5).
ص: 269
اما ما نحن عليه من الرأي والعمل في هذه العدة، فانما ابتداؤها علم الزوجة بوفاة زوجها فلو تأخر علمها بذلك مهما تأخر فلا تتزوج حتى تمضي عليها - بعد علمها بالوفاة - أربعة أشهر وعشر، وحينئذ تحل للازواج عملا بالتربص الذي هو صريح الآية، واخذا بالحداد الواجب على المرأة بموت زوجها (1).
المورد - (35) - تزويج زوجة المفقود.
قال الفاضل الدواليبي (2) : وكذلك اجتهد عمر في زوجة المفقود حيث حكم بأن لزوجة المفقود بعد ان يمضي اربع سنوات على فقدانه ان تتزوج بعد ان تقضي عدتها، وان لم يثبت موت زوجها، وذلك دفعاً لضرر بقاء الزوجة معلقة مدى العمر.
(قال) : وبذلك اخذ الامام مالك خلافاً لمذهب الحنفية والشافعية الذين قالوا ببقاء الزوجة في عصمة زوجها المفقود حتى تثبت وفاته أو تموت اقرانه لان الاصل النظري في ذلك اعتبار الاستمرار في حياته حتى يقوم دليل على انقطاعها.
(قال) : غير ان رأى عمر رضي اللّه عنه أجدر بالاعتبار لما فيه من دفع ضرر ظاهر عن زوجة المفقود، وفيه كماترى اطلاق النكاح لها خلافاً لظواهر نصوص الشريعة التي أخذ بها بقية الائمة.
ص: 270
(قال) : وما هذا الا تغيير للاحكام تبعاً للاحوال، وذلك تقدير لظروف، خاصة لابد من تقديرها دفعاً للضرر والحرج، فقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا ضرر ولا ضرار» (1) وقال اللّه سبحانه وتعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (2) (قال): وليس ذلك في الحقيقة تعطيل للنصوص بل اعمال لها على ضوء المصلحة والظروف. انتهى بلفظه.
قلت: أما نحن الامامية فان لدينا عن أئمة العترة الطاهرة نصوصاً تحكم على الاصل النظري في ذلك، لتصريحها بأن المفقود اذا جهل خبره، وكان لزوجته من ينفق عليها، وجب عليها التربص الى أن يحضر أو تثبت وفاته، أو ما يقوم مقامهما وان لم يكن ثمة من ينفق عليها فلها أن ترفع أمرها الى الحاكم الشرعي، فان فعلت بحث الحاكم عن أمره أربع سنين من حين رفع أمرها اليه في الجهة التي فقد فيها ان كانت معينة والا ففي الجهات الاربع، ثم يطلقها الحاكم نفسه، أو يأمر الولي. والاحوط تقديم أمر الولي به فان امتنع طلق الحاكم لانه مدلول الاخبار الصحيحة، وانما يصح هذا الطلاق بعد المدة، ورجوع الرسل أومافي حكمه، وتعتد بعده عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وتحل بعد العدة للزواج، فان جاء المفقود في العدة فهو أملك بها، والا فلا سبيل له عليها، سواء أوجدها قد تزوجت أم لا. هذا مذهب الامامية في المسألة تبعاً لائمتهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) (3).
ص: 271
المورد - (36) - بيع امهات الاولاد:
تصافق الجمهور أعني أهل المذاهب الاربعة من المسلمين على أن الذي حرم بيع أمهات الاولاد ونهى عنه انما هو عمر، وان بيعهن كان مباحاً، على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعهد أبي بكر وفي شطر من خلافة عمر وعدوا ذلك في مناقبه (1) كما عدوا التراويح وأمثالها (2).
لكن الباحثين عن حقيقة هذا الأمر وجدوا في السنن الثابتة عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ماهو ظاهر في تحريم بيعهن، فعلموا ان عمر انما أخذ بتلك السنن وعمل على مقتضاها، وحسبك من علمه بها ماحدث به ابنه عبداللّه انه سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: أم الولد لا تباع ولاتوهب ولاتورث ولاتوقف، يستمتع بها «أي مالكها» مدة حياته، فاذا مات عتقت بموته (3).
وحدث ابن عباس فقال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبره (4).
وهذان الحديثان أوردهما بعين لفظهما عن ابن عمر وابن عباس، شیخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب أمهات الاولاد وهو في
ص: 272
آخر المجلد الثاني من كتاب الخلاف وعلى مقتضى الظاهر منهما، ان منع عمر لم يكن عن رأي رآه، وانما كان منه عملا بحديث ابنه عبداللّه وحديث ابن عباس ولعل هذا لا يخفى.
لكن الشيخ قد اضطرته نصوص الائمة من أهل البيت في هذا الموضوع الى تأويل الحديثين بحملهما على ما يقتضيه مذهبهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) كما سنتلوه عليك من كلامه. واليك نصه :
قال : اذا استولد الرجل أمة في ملكه ثبت لها حرمة الاستيلاد، ولايجوز بيعها مادامت حاملا فاذا ولدت لم يزل الملك عنها ولم يجز بيعها مادام ولدها باقياً الا في ثمن رقبتها، فان مات ولدها جاز بيعها على كل حال، فان مات سیدها جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، فان لم يخلف غيرها عتق منها نصيب ولدها واستسعت لباقي الورثة.
(قال) وبه قال علي عليه الصلاة والسلام وابن الزبير، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وابن مسعود، والوليد ابن عقبة وسويد غفلة، وعمر بن بن عبد العزيز وابن سيرين، وعبد الملك بن يعلى من أهل الظاهر.
(قال) : وقال داود : يجوز التصرف فيها على كل حال ولم يفصل.
(قال) وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: لا يجوز بيعها ولا التصرف في رقبتها بوجه وتعتق عليه بوفاته.
(قال): دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضأفلاخلاف انه يجوز وطؤها بالملك فلو كان الملك قد زال لما جاز ذلك، وأيضاً فلاخلاف انه يجوز عتقها، فلو كان زال الملك عنها لما جاز ذلك، وأيضاً فالاصل كونها رقاً فمن ادعى زوال ذلك وثبوت عتقها بعد وفاته فعليه الدلالة.
(قال) : ومارواه ابن عباس عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انه قال: «أيما أمة ولدت من
ص: 273
سیدها فهي حرة عن دبره» فمحمول على انه اذا مات سيدها فحصلت لولدها فانها تنعتق عليه.
(قال) : ومارواه عبداللّه بن عمر ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف. يستمتع بها مدة حياته فاذا مات عتقت بموته».
فالمعنى فيه أن لا يجوز بيعها مادام ولدها حياً فاذا مات سيدها انعتقت على ما قلناه في الخبر الاول. هذا كلام الشيخ بنصه أعلى اللّه مقامه (1).
المورد - (37) - وجوب التيمم للصلاة ونحوها مع فقد الماء.
حسبك من النصوص على ذلك قوله عز من قائل في سورة المائدة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ» (2).
وقوله سبحانه وتعالى في سورة النساء: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ
ص: 274
كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا» (1).
والسنن المأثورة فى ذلك صحاح متضافرة، والمسألة مما اجمعت الامة عليه لم ينقل فيها مخالفة (2) الا عن عمر بن الخطاب، فان المشهور عنه (3) سقوط الفريضة عمن فقد الماء حتى يجده (4).
وقد أخرج البخاري ومسلم في التيمم من صحيحيهما عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه : ان رجلا أتى عمر فقال: اني اجنبت فلم أجد ماء فقال: لا تصل - وكان عمار بن ياسر اذ ذاك حاضراً - فقال : عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين اذأنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فى التراب وصليت فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : انما كان يكفيك ان تضرب بيديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك. فقال عمر : اتق اللّه ياعمار. قال: ان شئت لم احدّث به (5) !!. فقال عمر نوليك ماتوليت»
ص: 275
انتهى واللفظ لمسلم (1).
وقيل: مال الى رأي عمر في هذه المسألة ابن مسعود، اذ أخرج البخاري و غيره من أصحاب الصحاح والسنن واللفظ للبخاري من طريق شقيق بن سلمة (2) قال: كنت عند عبد اللّه بن مسعود وأبي موسى الاشعري، فقال له أبو موسى يا أبا عبدالرحمن اذا أجنب المكلف فلم يجد ماء كيف يصنع؟ قال عبد اللّه : لا يصلي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : كان يكفيك ؟ قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى : دعنا من قول عمار فما تصنع بهذه الآية - وتلا عليه آية المائدة - قال: فمادری عبد اللّه ما يقول... (الحديث) (3).
قلت: انما كان ابن مسعود في كلامه هذا مع أبي موسى متقباً من عمر ومن صاحبه أبي موسى، لا ريب في ذلك واللّه تعالى أعلم.
المورد - (38) - : التطوع بركعتين بعد العصر.
أخرج مسلم في صحيحه (4) عن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت:
ص: 276
ماترك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ركعتين بعد العصر عندي قط (1).
وأخرج أيضاً عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه عن عائشة قالت: صلانان
ما تركهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فى بيتي قط سراً ولا علانية، ركعتان قبل الفجر و ركعتان بعد العصر (2).
وأخرج أيضاً عن الأسود ومسروق. قالا نشهد على عائشة انها قالت : ما كان يومه الذي يكون عندى الاصلاهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فى بيتي تعني الركعتين بعد العصر. انتهى بلفظه (3).
لكن عمر بن الخطاب كان ينهى عنهما ويضرب من يقيمهما من المسلمين أخرج الامام مالك في الموطا (4) عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد : انه رأى عمر بن الخطاب يضرب المكندر (5) فى الصلاة بعد العصر.
وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد (6) ان عمر رآه وهو خليفة ركع
ص: 277
بعد العصر فضربه فذكر الحديث. وفيه فقال عمر: يازيد لولا اني أخشى ان يتخذها الناس سلماً الى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما (1).
وروى عن تميم الدارى نحو ذلك وفيه : ولكني أخاف ان يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر الى الغروب حتى يمروا بالساعة (2) التي نهى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يصلي فيها انتهى بلفظه (3).
المورد - (39) - تأخير مقام ابراهيم عن موضعه :
مقام ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف عملا بقوله تعالى: «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى» وكان ابراهيم و اسماعيل (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) - لما بنيا البيت وارتفع بناؤه - يقفان عليه لمناولة الحجر و الطين، وكان ملصقاً بالكعبة أعزها اللّه تعالى لكن العرب بعد ابراهيم واسماعيل أخرجوه الى مكانه اليوم، فلما بعث اللّه محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفتح له ألصقه بالبيت، كما كان على عهد أبويه ابراهيم واسماعيل فلما ولي عمر أخّره الى موضعه
ص: 278
اليوم وكان على عهد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبي بكر ملصقاً بالبيت (1).
وفي السنة السابعة عشرة للّهجرة وسع عمر المسجد الحرام باضافة دور جماعة من حوله اليه، وكانوا أبوا بيعها فهدمها عليهم (2) ووضع أثمانها في بيت المال حتى أخذوها (3).
المورد - (40) - البكاء على الموتى :
حزن الانسان عند موت احبته، وبكاؤه عليهم من لوازم العاطفة البشرية، وهما من مقتضيات الرحمة، مالم يصحبهما شيء من منكرات الاقوال أو الافعال.
وقد قال رسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حديث عنه صحيح أخرجه الامام أحمد عن ابن
ص: 279
عباس (1) مهما يكن من القلب والعين فمن اللّه والرحمة ومهما يكن من اليد و اللسان فمن الشيطان (2).
والسيرة القطعية بين المسلمين وغيرهم مستمرة على ذلك من غير نكير و اصالة الاباحة تقتضيه.
على ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نفسه يكي في مقامات عديدة، وأقرّ غيره على البكاء فی موارد، واستحسنه في موارد أخر، وربما دعا اليه (3).
ص: 280
ص: 281
ص: 282
ص: 283
ص: 284
ص: 285
ص: 286
ص: 287
ص: 288
ص: 289
ص: 290
ص: 291
ص: 292
بكي على عمه الحمزة أسد اللّه وأسد رسوله، قال ابن عبدالبر (1) وغيره لما رأى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حمزة قتيلا بكي، فلما رأى ما مثل به شهق (2).
وذكر الواقدي (3) : ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يومئذ اذا بكت صفية يبكي واذا نشجت ينشج (قال): وجعلت فاطمة تبكي، فلما بكت بكى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (4).
ص: 293
وعن أنس قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - اذ كان جيش المسلمين في مؤتة : أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللّه بن رواحة فأصيب. وان عيني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لتذرفان... (الحديث) (1).
وذكر ابن عبد البر في ترجمة زيد من استيعابه : ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بكى على جعفر وزيد، وقال : أخواي ومؤنساي ومحدثاي (2).
وعن أنس من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (3) قال فيه. ثم دخلنا عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و ابراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تذر فان فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يارسول اللّه فقال : يابن عوف انها رحمة، ثم أتبعها باخرى فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا
ص: 294
ما یرضی ربنا، وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون (1).
وعن أسامة بن زيد قال أرسلت ابنة النبي اليه ان ابناً ليقبض فأتنا فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذة بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت فرفع الصبي الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونفسه تتقعقع ففاضت عينا رسول اللّه، فقال سعد : یارسول اللّه ما هذا ؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده، وانما يرحم اللّه من عباده الرحماء... (الحديث) (2).
وعن عبداللّه بن عمر قال : اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي يعوده ومعه عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وعبداللّه بن مسعود فوجده في غاشية أهله فقال قد قضى؟ قالوا: لا يارسول اللّه، فبكى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلما رأى القوم بكاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بكوا فقال: ألا تسمعون، ان اللّه لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار الى لسانه - أو يرحم
ص: 295
... (الحديث) (1).
وفي ترجمة جعفر من الاستيعاب قال: لما جاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نعي جعفر، أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها، قال : ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول : واعماه، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «على مثل جعفر فلتبكي البواكي» (2).
وذكر أهل السير والاخبار كأبن جرير وابن الاثير وابن كثير وصاحب العقد الفريد وغيرهم ماقد أخرجه الامام أحمد بن حنبل من حديث ابن عمر في ص 40 من الجزء الثاني من مسنده : من أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لما رجع من أحد جعلت نساء الانصار يبكين على من قتل من أزواجهن، قال: فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ولكن حمزة لا بواكي له. قال : ثم نام فانتبه وهن يبكن، قال فهن اليوم اذا يبكين يندبن حمزة (3).
ص: 296
وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب نقلا عن الواقدي، قال: لم تبك امرأة من الانصار على ميت - بعد قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لكن حمزة لا بواكي له - الى اليوم، الا بد أن بالبكاء على حمزة (1).
قلت : حسبك تلك السيرة المستمرة على بكاء حمزة من عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعهد أصحابه والتابعين لهم باحسان، وكفى بها في رجحان البكاء على من هو كحمزة وان بعد العهد بموته.
ولا تنسى مافي قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لكن حمزة لا بواكي له من العتب عليهن لعدم نياحتهن عليه والبعث لهن على ندبه وبكائه. وحسبك به وبقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «على مثل جعفر فلتبك البواكى» دليلا على الاستحباب
ومع ذلك كله فقد كان من رأي الخليفة عمر بن الخطاب النهي عن البكاء على الميت مهما كان عظيماً حتى أنه كان يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة، ويحثي بالتراب (2) يفعل هذا على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واستمرّ عليه طيلة حياته (3).
ص: 297
وقد أخرج الامام أحمد من حديث ابن عباس (1) من جملة حديث ذكر فيه موت رقية بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ربكاء النساء عليها، قال: فجعل عمر يضربهن بسوطه، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : دعهن يبكين، وقعد على شفير القبر وفاطمة الى جنبه تبكي، قال فجعل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها. اه_ (2).
وأخرج أيضاً في مسند أبي هريرة أبي هريرة (3) حديثاً جاء فيه: انه مر على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جنازة معها بواكي فنهر من عمر فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : دعهن فان النفس مصابة، والعين دامعة» (4).
وكانت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض، فكان عمر وابنه
ص: 298
عبد اللّه يرويان عن النبي انه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه (1).
وفي رواية : ببعض بكاء أهله عليه (2)
وفي ثالثة : ببكاء الحي عليه (3).
وفي رابعة : يعذب في قبره بما ينح عليه (4).
وفي رواية خامسة : من يبك عليه يعذب (5). وهذه الروايات كلها خطأ من راويها بحكم العقل والنقل.
قال الفاضل النووي (حيث أورد هذه الروايات في باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه من شرح صحيح مسلم) :هذه الروايات كلها من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد اللّه (قال) : وأنكرت عائشة عليهما ونسبتهما الى النسيان والاشتباه واحتجت بقوله تعالى : «وَلَاتَزِرُ وَازِرَةً وِزرَ أُخرَى» (6).
قلت : وأنكر هذه الروايات ايضاً ابن عباس (7). وأئمة أهل البيت
ص: 299
كافة واحتجوا على خطأ راويها (1)، وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض (2) حتى ناحت على أبيها يوم وفاته، فكان بينها وبينه ما قد أخرجه الطبري عند ذكر وفاة أبي بكر في حوادث سنة 13 من الجزء الرابع من تاريخه بالاسناد الى سعيد بن المسيب
ص: 300
قال : لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهنّ عن البكاء عليه، فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد : ادخل فأخرج الي ابنة أبي قحافة، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : اني أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام : ادخل فقد أذنت لك، فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبي بكر الى عمر فعلاها بالدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك.ا ه_ (1).
وهنا نلفت أولي الالباب الى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخروجها بولديها في لمة من نسائها الى البقيع يندبن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في ظل أراكة كانت هناك فلما قطعت بنى لها علي بيتاً
ص: 301
في البقيع كانت تأوى اليه للنياحة يدعى بيت الاحزان (1) وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة كما نزار المشاهد المقدسة حتى هدم في هذه الايام بأمر....................... الجندي لما استولى على الحجاز وهدم المقدسات في البقيع عملا بما يقتضيه مذهبه الوهابي وذلك سنة 1344 للّهجرة وكنا سنة 1339 تشرفنا بزيارة هذا البيت (بيت الاحزان) اذ من اللّه علينا في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين في البقيع (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) (2).
ص: 302
ص: 303
ص: 304
ص: 305
ص: 306
المورد - (41) - : نصه على صدق حاطب ونهيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اياهم عن ان يقولوا له الا خيراً
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي عوانة عن حصين، قال : تنازع أبو عبدالرحمن وحبان بن عطية، فقال أبو عبدالرحمن لحبان : لقد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء - يعني علياً - قال: ماهو ؟ لا أباً لك. قال : شيء سمعته يقوله. قال : ماهو ؟ قال : بعثني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والزبير وأبا مرثد، وكلنا فارس، قال : حتى تأتوا روضة حاج (1) (قال أبو سلمة هكذا قال أبو عوانة حاج) فان فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة الى المشركين فأتوني بها، فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تسير على بعير لها، وكان حاطب كتب الى أهل مكة بمسير رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اليهم، فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب. فأنخنا بها بعيرها فابتغاه في رحلها فما وجدنا شيئاً، فقال صاحباي: مانري معها كتاباً. قال: فقلت لقد علمنا ما كذب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثم حلف علي : والذي يحلف به لنخرجن الكتاب أو لا جردنك (2) فأهوت الى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة فأتوا بها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال عمر : يارسول اللّه قد خان اللّه و رسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟. قال يارسول اللّه مالي أن لا أكون مؤمناً باللّه ورسوله،
ص: 307
ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد الا له هناك من قومه من يدفع اللّه به عن أهله وماله قال : صدق لاتقولوا له الا خيراً، قال فعاد عمر فقال : يارسول اللّه قد خان اللّه و رسوله والمؤمنين دعني فلاضرب عنقه.. (الحديث) (1).
قلت: كان الواجب أن لا يقولها عمر بعد أن اخبرهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بصدق الرجل ونهيه اياهم عن أن يقولوا له الا خيراً.
المورد - (42) - كتابه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى امرائه فيمن يبردونه اليه :
أخرج الامام مالك والبزاز - كما في مادة لقحة (2) بوزن بركة من حياة الحيوان - للدميري - عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انه كتب الى امرائه اذا ابردتم الي بريدا فابردوه حسن الاسم حسن الوجه، فقام عمر حين علم بذلك قائلا: لا أدري أقول أم أسكت؟ فقال له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : بل قل ياعمر فقال : كيف نهيتنا عن الطيرة وتطيرت؟ فقال ماتطيرت ولكن اخترت. اه_.
المورد - (43) - لمزه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الصدقات :
أخرج الامام أحمد من حديث عمر في مسنده (3) عن سلمان بن ربيعة
ص: 308
قال: سمعت عمر يقول: قسم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قسمة، فقلت: يارسول اللّه لغير هؤلاء أحق منهم اهل الصفة. قال : فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): انكم تسألوني بالفحش وتبخلوني ولست بباخل .ا ه_ (1).
قلت : وأتم القسمة على ما أراد اللّه ورسوله، وعن أبي موسى ان عمر سأل النبي عن أشياء يكرهها رسول اللّه فغضب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتى رأى عمر ما في وجهه من الغضب. (الحديث) أخرجه البخاري فى باب، الغضب في الموعظة والتعليم اذا رأى ما يكره، من أبواب كتاب العلم ص 19 من الجزء الأول من صحيحه.
المورد - (44) - قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعمر حين اسلم استر اسلامك :
روى شيخ العرفاء محي الدين ابن العربي (2) ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لعمر بن الخطاب حين أسلم: أستر اسلامك وان عمر أبي الا اعلانه (3).
ص: 309
قلت: كانت الحكمة يومئذ تضطر الى الكتمان وكانت الدعوة الى اللّه ورسوله لا سبيل اليها الا بالتستر، لكن بطولة عمر تأبى عليه الا الصراحة برأيه وان خالف النص.
المورد - (45) - ماكان فى بدء الاسلام مما يتعلق بالصيام :
وذلك ان الصائم كان اذا امسى حلّ له فى شهر رمضان الأكل والشرب والنساء وسائر المفطرات الى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد فاذا صلاها أو رقد حرم عليه ماحرم على الصائم الى الليلة القابلة (1).
لكن عمر أتى أهله بعد العشاء واغتسل فندم على ما فعل، فأتى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قائلا: يارسول اللّه اني اعتذر الى اللّه واليك من نفسي هذه الخاطئة، وأخبره بما فعل، وحينئذ قام رجال فاعترفوا بأنهم كانوا يصنعون كما صنع عمر بعد العشاء، فأنزل اللّه عز وجل «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (2)
ص: 310
الاية (1) وان كانت صريحة بأنهم كانوا يختانون أنفسهم غير مرة، لكنها نص بالتوبة عليهم والعفو عنهم وقد وسع اللّه عليهم، وخفف مما كان قد كلفهم به. فالحمد للّه على عفوه ومغفرته، وله الآلاء على سعة رحمته.
المورد - (46) - حول الخمر وتحريمها..
وذلك أن اللّه عز وجل أنزل في الخمر ثلاث آيات، الاولى قوله تعالى : «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ» (2)... (الآية)، فكان من المسلمين شارب وتارك الى ان شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر، فنزل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ»(3)... (الآية)، فشربها بعد من شربها من المسلمين وتركها من تركها، قال أهل الاخبار حتى شربها عمر بن الخطاب فأخذ بلحي بعير وشج به رأس عبدالرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الاسود بن يعفر اذ يقول :
وكائن بالقليب قليب بدر***من الفتيان والعرب الكرام
أبو عدنا ابن كبشة أن سنحيا***وكيف حياة أصداء وهام
ص: 311
312
أيعجز أن يرد الموت عني***وينشرني اذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني***بأني تارك شهر الصيام
فقل اللّه يمنعني شرابي***وقل اللّه يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فخرج مغضباً يجر ردائه فرفع شيئاً كان في يده فضربه به فقال : أعوذ باللّه من غضبه وغضب رسوله فأنزل اللّه تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» (1) قال: فقال عمر انتهينا انتهينا (2).
ص: 312
ص: 313
المورد - (47) - النهى عن قتل العباس وغيره (1).
وذلك ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لاصحابه وقد حمي الوطيس يوم بدر : عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم لقتالنا، فمن
ص: 314
لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله (1) ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله (2) ومن لقي العباس بن عبدالمطلب عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلا يقتله، فانه خرج مستكرهاً. (3)
تراه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نهى عن قتل بني هاشم عامة، ثم نهى عن قتل عمه العباس بالخصوص، تأكيداً للمنع من قتله، وتشديداً ومبالغة في ذلك، ولما أسر
ص: 315
العباس بات رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ساهراً أرقاً فقال له أصحابه - كما نص عليه كل من أرخ وقعة بدر من أهل السير والاخبار - يارسول اللّه ما لك لا تنام قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سمعت تضور عمي العباس في وثاقه فمنعني النوم فقاموا اليه فأطلقوه فنام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (1).
وعن يحيى بن أبي كثير : أنه لما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا، فكان ممن أسر العباس عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فولي وثاقه عمر بن الخطاب، فقال العباس: أما واللّه ياعمر ما يحملك على شدوثاقي الا لطمي اياك في رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : فكان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم. فقالوا : يارسول اللّه ما يمنعك من النوم ؟ فقال رسول اللّه : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي. فأطلقه الانصار... (الحديث) (2).
وكان أصحاب رسول اللّه كافة من مهاجرين وأنصار وغيرهم يعلمون مالابي الفضل العباس من المنزلة عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحب السلامة له والكرامة، ولما بلغه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كلمة أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس - وكان معه في بدر اذ قال أنقتل آبائنا واخواننا ونترك العباس، واللّه لئن لقيته لا لجمنه بالسيف ساءه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذلك من أبي حذيفة فاستنجد بعمر يقول له مثيراً حفيظته : يا أبا حفص أيضرب وجه عم الرسول بالسيف ؟. قال عمر : واللّه انه لاول يوم كناني فيه
ص: 316
رسول اللّه بأبي حفص (1).
وما ان وضعت الحرب أوزارها - ونصره اللّه عبده، وأعز جنده وقتل الطواغيت سبعين وأسر سبعين آخرين. وجيء بهم موثوقين - حتى قام أبو حفص يحرض على قتلهم بأشد لهجة قائلا : يارسول اللّه انهم كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فمكني من فلان - لقريب أو نسيب له - فأضرب عنقه، ومكن علياً من أخيه عقيل فيضرب عنقه، ومكن حمزة من أخيه العباس فيضرب عنقه (2).
قلت : ياسبحان اللّه لم يكن عباس ولا عقيل ممن كذبوا رسول اللّه، ولا ممن أخرجوه، ولا ممن آذوه، وقد كانوا معه في الشعب أيام حصرهم فيه يكا بدون معه تلك المحن، وقد أخرجا الى بدر كرهاً بشهادة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لهما بذلك. ونهى رسول اللّه عن قتلهم والحرب قائمة على ساقها، فكيف يقتلان وهما أسيران ؟. واذا كان تضور العباس أقلق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومنعه النوم، فما ظنك بقتله صبراً بلا مقتض لذلك، فان العباس كان من قبل ذلك مسلماً، وانما كتم إسلامه الحكمة كان اللّه ورسوله فيها رضاً، وله وللامة فيها صلاح (3)
ص: 317
ص: 318
المورد - (48) - اخذ الفداء من الاسرى يوم بدر :
لما نصر اللّه عز وجل عبده ورسوله يون الفرقان يوم التقى الجمعان في في بدر، وجيء بالأسرى اليه علم من عزمه انه سيبقي عليهم، أملابأن يهديهم اللّه - فيما بعد - لدينه، ويوفقهم لما دعا اليه من سبيله - كما وقع ذلك والحمد للّه - وهذا هو النصح اللّه تعالى ولعباده.
لكن قرر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - مع العفو عنهم - أخذ الفداء منهم ليضعفهم عن مقاومته ويقوى به عليهم، وهذا هو الاصح - في الواقع للفريقين، وفيه النصح اللّه تعالى ولعباده أيضاً كما لا يخفى «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ» (1) على أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان مطبوعاً على الرحمة ما وجد اليها سبيلا.
وكان من رأي عمر بن الخطاب أن يقتلوا، بأجمعهم، جزاء بما كذبوا و آذوا وهموا بما لم ينالوا، وأخرجوا وقاتلوا، وكان قوي العزيمة شديد الشكيمة في استئصالهم قتلا بأيدي أرحامهم من المسلمين، حتى لا يبقى منهم أحد (2).
لكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مثل فيهم كلمته التي حكامها اللّه تعالى عنه في محكم فرقانه العظيم (3) ألا وهي قوله : «إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ
ص: 319
عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ».
فخلى سبيلهم عفواً عنهم وكرماً - بعد أن أخذ منهم الفداء، فكان الجاهلون بعصمته وحكمته بعد ذلك «يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا» إِنَّمَا كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في بقياه عليهم، وأخذه الفداء منهم مجتهداً (1) و كان الصواب قتلهم، واستئصال شأفتهم، محتجين بأحاديث مفتأتة لا يجيزها عقل ولا نقل.
فمنها: أن عمر غدا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد أخذه الفداء فاذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: ما يبكيكما فان وجدت بكاء بكيت والا تباكيت لبائكما فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ان كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل عذاب ما أفلت منه الا ابن الخطاب (2).
(قالوا) وأنزل اللّه تعالى «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ
ص: 320
فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» الآيات (1).
«وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (2) اذ أمعنوا في التيه. فجوزوا الاجتهاد على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واللّه تعالى يقول: «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ» وقد أوغلوا في الجهل اذ نسبوا اليه الخطأ، وتسكعوا في الضلال، از آثروا قول غيره، واشتبهت عليهم في هذه الآية - معالم القصد، وعميت لديهم - فيها - وجوه الرشد، فقالوا بنزولها في التنديد برسول اللّه وأصحابه، حيث آثروا - بزعم هؤلاء الحمقى - عرض الدنيا على الآخرة فاتخذوا الاسرى، وأخذوا منهم الفداء قبل ان يثخنوا في الأرض، وزعموا أنه لم يسلم يومئذ من هذه الخطيئة الا عمر، وأنه لو نزل العذاب لم يفلت منه الا ابن الخطاب.
وكذب من زعم أنه اتخذ الاسرى وأخذ منهم الفداء قبل أن يثخن في الارض فانه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انما فعل ذلك بعد أن أثخن في الارض، وقتل صناديد قريش وطواغيتها كأبي جهل بن هشام، وعتبة، وشيبة بن أبي ربيعة، والوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد والاسود بن عبد الاسد المخزومي وامية بن خلف، وزمعة بن الاسد، وعقيل بن الاسود ونبيه، ومنبه، وأبي البختري وحنظلة بن أبي سفيان، وطعيمة بن عدي بن نوفل ونوفل بن خویلد والحارث ابن زمعة والنظر بن الحارث بن عبد الدار، وعمير بن عثمان التميمي، وعثمان ومالك اخوي طلحة، ومسعود بن امية بن المغيرة وقيس بن الفاكه بن المغيرة، وحذيفة بن أبي حذيفة ابن المغيرة، وأبي قيس بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن مخزوم، وأبي المنذرين
ص: 321
أبي رفاعة وحاجب بن السائب بن عويمر، وأوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص، وعاصم بن أبي عوف، وسعيد بن وهب حليف بني عامر ومعاوية بن عبد القيس، وعبد اللّه بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد والسائب بن مالك، وأبي الحكم بن الاخنس، وهشام بن ابي أمية بن المغيرة. (1) الى سبعين من رؤس الكفر، وزعماء الشرك كما هو معلوم بالضرورة، فكيف يمكن بعد هذا ان يكون (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أخذ الفداء قبل أن يثخن في الارض لو كانوا يعقلون؟ وكيف يتناوله هذا اللوم بعد اثخانه يا مسلمون ؟ ! وقد تنزه رسول اللّه وتعال اللّه عن ذلك علوا كبيراً.
والصواب ان الاية انما نزلت في التنديد بالذين كانوا يودون العير و أصحابه على ما حكاه اللّه تعالى عنهم في قوله - عن هذه الواقعة - عز من قائل: «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ» (2) وكان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد استشار أصحابه فقال لهم (3) : ان القوم قد خرجوا على كل صعب وذلول فما تقولون؟ العير أحب اليكم أم النفير ؟ قالوا : بل العير أحب الينا من لقاء العدو، وقال بعضهم حين رآه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مصراً على القتال : هلا ذكرت لنا القتال لتتأهب له ؟ انا خرجنا للعير لا للقتال، فتغير وجه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأنزل اللّه تعالى: «كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي
ص: 322
الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» (1).
وحيث اراد اللّه عز وجل أن يقنعهم بمعذرة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في اصراره على القتال، وعدم مبالاته بالعير وأصحابه قال عز من قائل «مَا كَانَ لِنَّبِيّ» من الانبياء المرسلين قبل نبيكم محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» فنبيكم لا يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض على سنن غيره من الانبياء الذين اتخذوا أسرى أبي سفيان وأصحابه حين هربوا بعيرهم الى مكة، لكنكم أنتم «تُرِيدُونَ» اذ تودون أخذ العبر وأسر أصحابه «عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» باستئصال ذات الشوكة من أعدائه «وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» والعزة والحكمة تقتضيان يومئذ اجتثاث عن العدو، واطفاء جمرته، ثم قال تنديداً بهم «لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ» في علمه الازلي بأن يمنعكم من أخذ العير، وأسر أصحابه لاسرتم القوم وأخذتم هيرهم، ولو فعلتم ذلك «لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ» قبل أن تثخنوا في الأرض «عَذَابٌ عَظِيمٌ».
هذا معنى الآية الكريمة، ولا يصح حملها على غيره، على اني لا أعلم أحداً سبقني اليه، اذ أوردت الآية وفسرتها في الفصول المهمة (2).
المورد - (49) - اسرى حنين :
لما نصر اللّه عبده ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على هوازن يوم حنين، وفتح اللّه له يومئذ فتحه المبين نادى مناديه: ان لا يقتل اسير من القوم، فمر عمر بن الخطاب برجل من الاسرى يعرف بابن الأكوع وهو مغلول، وكانت هذيل بعثته يوم الفتح إلى مكة عيناً لها على رسول اللّه يتجسس أخباره وأخبار أصحابه، فيخبرها
ص: 323
بما يكون منهم قولا وفعلا، فلما رآه عمر قال - كما نص عليه شيخنا المفيد في غزوة حنين من ارشاده - : هذا عدو اللّه كان عيناً علينا هاهو أسير فاقتلوه فضرب بعض الانصار عنقه، فلما بلغ ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لامهم على قتله، وقال: ألم آمركم ان لا نقتلوا اسيراً. اه_ (1).
وقتلوا بعده من أسرى حنين - كما في ارشاد شيخنا المفيد أيضاً - جميل بن معمر بن زهير (قال) فبعث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى الانصار وهو مغضب يقول لهم : ما حملكم على قتله، وقد جاءكم رسولي أن لا تقتلوا أسيراً ؟ فاعتذروا بأنا انما قتلناه بقول عمر، فأعرض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتى كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك (2).
قلت : وممن قتل في حنين امرأة من هو ازن قتلها خالد بن الوليد فساء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قتلها اذ مر بها والناس مجتمعون عليها، فقال لبعض أصحابه أدرك خالداً فقل له : ان رسول اللّه ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً - أي أجيراً - هكذا رواه ابن اسحاق منقطعاً (3).
وقد قال الامام أحمد (4) : حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو وحدثنا المغيرة بن عبدالرحمن عن أبي الزناد قال حدثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن ربيع أخي بني حنظلة الكاتب انه أخبره انه رجع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 324
في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون اليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على راحلته، فانفرجوا عنها فوقف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : ما كانت هذه لتقاتل، فقال لاحدهم : الحق خالدا فقل له : لانفتلن ذرية ولا عسيفا، وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث المرقع بن صيفي (1).
المورد - (50) - فرار من فر منهم من الزحف :
حسب المسلم نصاً على تحريم الفرار من الزحف مطلقاً قوله عز من قائل وقد نادى المؤمنين كافة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (2).
نص صريح مطلق (3) في آية محكمة من آيات الذكر الحكيم والفرقان العظيم، وتأوله من الصحابة من يؤثر رأيه - في مقام العمل - على التعبّد بالنصوص، ثم لم يكن ذلك منهم في مقام واحد، بل كان في مواقف عديدة.
ص: 325
فمنها يوم أحد لذ حمل ابن قمئة على مصعب بن عمير (رَحمهُ اللّه) فقتله، و هو يظنه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فرجع الى قريش يبشرهم بقتل محمد فجعل المشركون يبشر بعضهم بعضاً يقولون : قتل محمد قتل محمد، قتله ابن قمئة، فانخلعت قلوب المسلمين، وأوغلوا في الهرب مولهين مدلهين لا يلوون على أحد، كما حكاه اللّه عز وجل عنهم حيث قال «إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ» الآية (1).
والاصعاد هو الذهاب في الأرض والابعاد فيها، يقال : صعد في الجبل وأصعد في الارض اذ أبعد، وكان الرسول يدعوهم فيقول : الي عباد اللّه الي عباد اللّه أنا رسول اللّه من كر وله الجنة، كان يدعوهم بهذا ونحوه، وهو في اخراهم، أي في ساقتهم وجماعتهم المتأخرة، يقال : جئت في آخر الناس وأخراهم، كما تقول في أخراهم وأولاهم، وهم لايلوون على أحد، أي لا يلتفتون الى أحد مطلقاً.
قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما وانتهت الهزيمة بجماعة المسلمين وفيهم عثمان بن عفان وغيره الى الاعوص فأقاموا بها ثلاثاً، ثم أتوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال لهم حين رآهم : لقد ذهبتم فيها عريضة (2).
ص: 326
وذكر ابن جرير الطبري وابن الأثير الجزري في تاريخيهما: ان أنس بن النضر وهو عم أنس بن مالك انتهى الى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم، فقال : ما يحبسكم. قالوا : قتل النبي. قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ موتوا على ما مات عليه النبي. ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل، فوجد به سبعون ضربة وطعنة وما عرفته الا اخته. عرفته بحسن بنانه.
(قالوا) وسمع أنس بن النضر نفراً من المسلمين - الذين فيهم عمر وطلحة يقولون لما سمعوا أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قتل: ليت لنا من يأني عبد اللّه بن أبي سلول ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا، فقال لهم أنس : ياقوم ان كان محمد قد قتل فان رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد اللّهم اني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء وأبرء اليك مما جاء به هؤلاء، ثم قاتل حتى استشهد (1) رضوان اللّه وبركاته عليه (2).
ص: 327
ومنها: يوم حنين إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا (1) وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (2) الذين ثبتوا معه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حين فرّ عنه أصحابه وولوا الدبر، و كان فيهم عمر بن الخطاب. كما نص عليه البخاري (3) في حديث أخرجه عن أبي قتادة الانصاري اذ قال : وانهزم المسلمون - يوم حنين - و انهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب في الناس، فقلت له : ماشأن الناس : قال : أمر اللّه.. (الحديث) (4).
ص: 328
ومنها يوم سار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى خيبر، فبعث أبا بكر اليها فسار بالناس فانه زم حتى رجع (1).
ص: 329
وعن علي سار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى خيبر، فلما أتاها بعث عمر وبعث معه الناس الى مدينتهم، أو قصرهم، فلم يلبثوا ان هزموا عمر وأصحابه، فجاؤا يجبنونه.... ويجبنهم.. (الحديث) (1).
وعن جابر بن عبد اللّه من حديث طويل أخرجه الحاكم وصححه في المستدرك (2) قال فيه : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لا بعثنّ غداً رجلا يحبّ اللّه ورسوله، ويحبانه، لايولي الدبر يفتح اللّه على يديه، فتشرف لها الناس، وعلي يومئذ أرمد. فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سر. فقال يارسول اللّه ما أبصر موضعاً. فتفل في عينيه، وعقد له، ودفع اليه الراية. فقال علي : يارسول اللّه على من أقاتلهم ؟! فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : على أن يشهدوا أن لا اله الا اللّه واني رسول اللّه، فاذا فعلوا ذلك فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم الا بحقهما وحسابهم على اللّه عز و جل، قال : فلقيهم ففتح اللّه عليه. اه_ (3).
ص: 330
ص: 331
ص: 332
ص: 333
ص: 334
قال الحاكم بعد ایراده قد اتفق الشيخان على اخراج حديث الراية ولم يخرجاه بهذه السياقة وكذلك قال الذهبي بعد ايراده في تلخيصه.
وعن أياس بن سلمة قال: حدثني أبي قال: شهدنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خيبر حين بصق في عيني علي فبرأنا فأعطاه الراية، فبرز اليه مرحب وهر
يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب***شاكي السلاح بطل مجرب
اذا الحروب أقبلت تلهب
قال: فبرز اليه علي رضي اللّه عنه وهو يقول :
ص: 335
أنا الذي سمتني امي حيدرة***کلیت غابات كريه المنظرة
أو فيكم بالصاع كيل السندرة (1)
قال فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله، وكان الفتح (2)
ومنها: غزوة السلسلة بوادي الرمل. وهي كغزوة خيبر اذ بعث رسول اللّه اولا فيها أبا بكر فرجع بالجيش منهزماً، ثم بعث عمر فرجع بمن معه كذلك، قبعث بعدهما علياً ففتح اللّه عليه، ورجع بالغنائم والأسرى والحمد للّه وقد ذكر هذه الغزوة على سبيل التفصيل شيخنا المفيد أعلى اللّه مقامه في كتابه - الارشاد - فليراجعها من أراد الوقوف على كنبهها بتفصيل (3).
وغزوة السلسلة هذه غير غزوة ذات السلاسل التي كانت سنة سبع للّهجرة
وكانت امرة الجيش فيها لعمرو بن العاص، وفي الجيش يومئذ أبوبكر وعمر وأبو عبيدة كمانص عليه أهل السير والاخبار كافة (4).
ص: 336
وكان بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص هنات ذكرها الحاكم في كتاب المغازي من الجزء الثالث من مستدر که ص 43 بالاسناد الى عبداللّه بن بريدة عن أبيه. قال: بعث رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر، فلما انتهوا الى مكان الحرب أمرهم عمرو ان لاينوّروا ناراً فغضب عمر بن الخطاب وهم ان ينال منه فنهاه أبو بكر وأخبره انه لم يستعمله رسول اللّه عليك الا لعلمه بالحرب فهدأ عنه عمر. اه_.
قال الحاكم بعد اخراجه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وقد أورده الذهبي في التلخيص مصرحاً بصحته أيضاً.
تنبيه
كان لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في التنويه بعلي، وتفضيله على من سواه من أهل السوابق الاساليب حكيمة عرفها متدبروا سيرته المقدسة (1).
ص: 337
فمنها : أنه لم يؤمر عليه أحداً أبداً لا في حرب ولا في سلم، وقد أمرت الامراء على من سواه (1) فأمر ابن العاص على أبي بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل كما سمعت (2)، ولحق النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالرفيق الأعلى وأسامة بن زيد - على حداثته - امير على مشيخة المهاجرين والانصار كأني بكر وعمر عمر وأبي عبيدة وأمثالهم، وهذا معلوم بحكم الضرورة من أخبار السلف (3).
ص: 338
وكان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذا أمر علياً في غزوة أو سرية ضم الى لوائه من سواه من أهل السوابق، فاذا أمر غيره استثناه مستأثراً به لنفسه (1).
واذا بعث سريتين احداهما معه والاخرى مع غيره عهد اليهما أنكما اذا اجتمعتما فالامارة لعلي وحده على السريتين كلتيهما، وان افترقتما فكل منكما على سريته (2).
ص: 339
وربما بعث غيره في الغزوة فيرجع بجيشه غير فاتح ولا مفلح، فيبعث علياً بعده فيظفر بالنصر العزيز والفتح المبين (1) وبذلك يظهر من فضله مالم يكن ليظهر منه لو بعثه من أول الأمر كما لا يخفى.
وربما بعث غيره في المهمة، تطاول اليها الاعناق، فيوحي اللّه عز وجل اليه: لايؤدي عنك الا أنت أو رجل منك يعني علياً، كما كانت الحال في براءة اللّه ورسوله من المشركين ونبذ عهودهم يوم الحج الأكبر (2).
ص: 340
المورد - (51) - نهيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاصحابه عن جواب ابی سفیان فی احد.
كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نزل يوم احد بأصحابه - وهم سبعمائة - في عدوة الوادي، وجعل ظهره الى الجبل، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائنا فارس، ومعهم خمسة عشر امرأة وفي المسلمين مائتا دارع و فارسان.
وتعبأ الجيشان للقتال، فاستقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المدينة، وترك أحداً
ص: 341
خلف ظهره، وجعل وراءه الرماة وهم خمسون رامياً، أمّر عليهم عبد اللّه بن جبير وقال له: انضح عنا الخيل بالنبل لا يأنونا من خلفنا واثبتوا مكانكم ان كانت لنا او كانت علينا، فانا انما نؤتى من هذا الشعب شعب أحد (1).
وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين ينادي: يا معشر اصحاب محمد انكم تزعمون ان يعجلنا بسيوفكم الى النار، ويعجلكم بسيوفنا الى الجنة فهل أحد منكم يعجله سيفي الى الجنة، ويعجلني سيفه الى النار ؟
قال ابن الاثير في كامله فبرز اليه علي بن أبي طالب فضر به فقطع رجله فسقط وانكشفت عورته، فناشده اللّه فتركه - لمابه يخور بدمه حتى هلك -فکبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقال: كبش الكتيبة، وكبر المسلمون بتكبيره، وقال لعلي: ما منعك ان تجهز عليه ؟ فقال ناشدني اللّه والرحم فاستحييت منه.
وصمد علي بعده لأصحاب اللواء يحمل عليهم فيقتلهم واحداً بعد واحد. قال ابن الاثير وغيره: وقد كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء وبقي مطروحاً لا يدنو منه أحد، فأخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش حوله، وأخذه صواب عبد لبني عبد الدار - كان من أشد الناس قوة - فقتل عليه (قال) وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي بن أبي طالب، قاله أبو رافع.
واقتتل الناس قتالا شديداً. وأمعن حمزة وعلي وأبودجانة في رجال من المسلمين وأبلو ابلاء حسناً، وأنزل اللّه نصره عليهم وكانت الهزيمة على المشركين، وهرب النساء مصعدات في الجبل، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون، فلما نظر بعض الرماة الى اخوانهم ينهبون، آثروا النهب على البقاء في الشعب، ونسوا ما أمرهم به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وحضهم عليه.
وحين رأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة حمل عليهم فقتلهم، وشد
ص: 342
بمن معه على أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من خلفهم، وتبادر المنهزمون من المشركين حينئذ بنشاط مستأنف لقتال المسلمين حتى هزموهم بعد أن قتلوا سبعين من أبطالهم، فيهم أسد اللّه وأسد رسوله حمزة بن عبدالمطلب وقاتل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يومئذ قتالا شديداً، فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره، وأصيب بجرح في وجنته، و آخر في جبهته وكسرت رباعيته السفلي، وشقت - بأبي هو وأمي - شفته، وعلاه ابن قمئة بالسيف.
وقاتل دونه علي ومعه خمسة من الانصار استشهدوا في الدفاع عنه رضي اللّه عنهم وأرضاهم، وترس أبو دجانة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بنفسه، فكان يقع النبل بظهره وهو منحن عليه، وقاتل مصعب بن عمير فاستشهد، قتله ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فرجع الى قريش يقول لهم : قتلت محمداً، فجعل الناس يقولون: قتل محمد، قتل محمد فأوغل المسلمون في الهرب على غير رشد، وكان أول من عرف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كعب بن مالك، فنادى بأعلى صوته يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول اللّه حي لم يقتل فأشار اليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن أنصت (1).
وحينئذ نهض علي بمن كان معه حتى خلصوا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى الشعب، فتحصن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) به، وهم يحوطونه مدافعين عنه.
قال ابن جرير وابن الاثير في تاريخيهما وسائر أهل الاخبار : فأبصر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - أي وهو في الشعب - جماعة من المشركين، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي : احمل عليهم، فحمل عليهم ففرقهم وقتل منهم، ثم أبصر جماعة أخرى، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اكفنيهم ياعلي فحمل عليهم وفرقهم وقتل منهم. فقال جبرائيل : يارسول اللّه هذه المواساة، فقال رسول اللّه [ص]: انه مني و أنا منه. فقال
ص: 343
جبرائيل : وأنا منكما. (قالوا) وسمع صوت :
لا سيف الا ذوالفقا***ر ولا فتى الا علي (1)
وجعل علي ينقل الماء لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في درقته من المهراس يغسل به جرح النبي فلم ينقطع الدم (2).
ووقعت هند وصواحباتها على الشهداء يمثلن بهم، فاتخذت واتخذت من آذان الرجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم ومذاكيرهم قلائد ومعاضد، وكانت أعطت وحشياً معاضدها وقلائدها جزاء قتلة حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها (3).
ثم أشرف أبوسفيان على المسلمين، فقال : أفي القوم محمد ؟ ثلاثاً، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (4) : لا تجيبوه (5) فقال أبو سفيان: أنشدك اللّه ياعمر أقتلنا
ص: 344
محمداً ؟ قال عمر : اللّهم لا وانه ليسمع كلامك (1).
قلت : هذا محل الشاهد من هذه الحكاية اذ آثر رأيه في جواب أبي سفيان على نهي النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اياهم عن جوابه كما ترى.
المورد - (52) - التجسس مع النهى عنه :.
قال اللّه عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» (2).
وفي الصحيح عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : اياكم والظن، فان الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسد، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد اللّه اخواناً... الحديث (3).
لكن عمر رأى في أيام خلافته ان بالتجسس نفعاً للامة وصلاحاً للدولة، فكان يعس ليلا، ويتجسس نهاراً، حتى سمع وهو يعس في المدينة صوت
ص: 345
رجل يتغنى في بيته فسور عليه فوجد عنده امرأة وزقاً من خمر، فقال: أي عدو اللّه ظننت ان اللّه يسترك وأنت على معصية، فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين ان كنت اخطأت في واحدة، فقد اخطأت انت في ثلاث قال اللّه تعالى: «وَلَا تَجَسَّسُوا» فقد تجسست وقال : «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا» وقد تسورت وقال: «اذَا دَخَلتُم فَسَلِّمُوا» وما سلمت فقال: هل عندك من خير ان عفوت عنك؟. قال نعم فعفا عنه وخرج (1).
وعن السدي قال: خرج عمر بن الخطاب فاذا هو بضوء نار ومعه عبداللّه بن مسعود واتبع الضوء حتى دخل الدار، فاذا سراج في بيت، فدخل وحده وترك ابن مسعود في الدار، فاذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه، فلم يشعر حتى هجم عليه عمر، فقال : مارأيت منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله فرفع الشيخ رأسه فقال : بلى صنيعك أنت أقبح ممارأيت مني، اذ تجسست وقد نهى اللّه عن التجسس، ودخلت بغير اذن، فقال عمر : صدقت ثم خرج عاضاً على ثوبه يبكي. وقال : ثكلت عمر أمه، الى أن قال : وهجر الشيخ مجلس عمر حيناً، فبينا عمر بعد ذلك جالس از به قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في أخريات الناس فرآه عمر فقال: علي بهذا، فقيل له: أجب فقام وهو یری ان عمر سيسوئه بما رأى منه. فقال عمر : ادن مني فلا زال يدنيه حتى
ص: 346
أجلسه بجنبه، فقال : ادن مني اذنك فالتقم أذنه فقال له. والذي بعث محمداً بالحق ما اخبرت أحداً من الناس بمارأيت منك ولا ابن مسعود فانه كان معي... (الحديث) (1).
وعن الشعبي : ان عمر فقد رجلا من أصحابه، فقال لابن عوف : انطلق بنا الى منزل فلان فننظر فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحاً وهو جالس وامرأته نصب له في الاناء فتناوله أياه، فقال عمر لابن عوف : هذا الذي شغله عنا، فقال ابن عوف لعمر ومايدريك ما في الاناء؟ فقال عمر: أتخاف ان يكون هذا تجسساً؟ :قال بل هو التجسس. قال : وما التوبة من هذا؟ قال : لا تعلمه بما اطلعت عليه من أمره !!.. (الحديث) (2).
وعن المسور بن مخرمة، عن عبد الرحمن بن عوف انه حرس المدينة مع عمر بن الخطاب ليلة فبيناهم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوامنه فاذا باب مجاف – مغلق - على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فأخذ عمر بید عبدالرحمن بن عوف فقال له: هذا بيت ربيعة بن امية، وهم الان يشربون الخمر فما ترى ؟ قال أرى انا قد أتينا مانهى اللّه عنه از تجسسنا، فانصرف عنهم عمر وتركهم ! (3).
ص: 347
وعن طاووس : ان عمر خرج ليلة فمر ببيت فين ناس يشربون فناداهم أفسقاً؟ أفسقاً؟ فقال بعضهم: قد نهاك اللّه عن هذا، فرجع عمر وتركهم. وعن أبي قلابة : ان عمر حدث ان أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في
بيته هو وأصحابه فانطلق عمر حتى دخل عليه، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين ان هذا لا يحل لك قد نهاك اللّه عن التجسس، أفسأل عمر زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الارقم فقالا : صدق يا أمير المؤمنين فخرج عمر وتركه!! (1).
قلت: من تتبع ماجاء من الاخبار حول تجسسه رأى من نشاطه في سياسته وعزائمه المبذولة في سبيلها ماهو مائل بأجلى المظاهر (2).
و كأنه التجسس مع النهى عنه كان يرى أن الحدود الشرعية تدراً بخطأ الحاكم في طريق اثباتها، ولذلك لم يقم على واحد من هؤلاء المجرمين حداً، بل لم يؤذ منهم أحداً، وماندري كيف رضي أن لايكون لتجسسه أثر، الا تمرد المجرمين في اجرامهم، بعد أن رأو هذا التسامح من أمامهم ؟!!.
المورد - (53) - تشريع حد لمهور النساء
يجب في المهر أن يكون مما يملكه المسلم، عيناً كان أم ديناً، أم منفعة،
ص: 348
وتقديره راجع الى الزوجين فيما يتراضيان عليه، كثيراً كان أم قليلا، مالم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من طعام مثلا، نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم (1).
وكان عمر (رضیَ اللّهُ عنهُ) عزم على النهي عن الغلو في مهور النساء، تسهيلا لامر التناكح الذي به التناسل، و به صون الاحداث عن الحرام وأن من تزوج أحرز ثلثي دينه (2) فقام في بعض أيامه خطيباً في هذا المعنى، فكان مما قاله في خطابه لايبلغني ان امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الا أرجعت ذلك منها. فقامت اليه امرأة فقالت : واللّه ما جعل اللّه ذلك لك، انه يقول: «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» (3) فعدل عن حكمه قائلا : الا تعجبون من امام أخطأ وامرأة أصابت ؟! ناضلت امامكم فنضلته (4).
وفي رواية (5) انه قال : كل أحد أعلم من عمر، تسمعونني اقول مثل
ص: 349
هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد عليّ امرأة ليست أعلم من نسائكم ؟! (1).
وفي رواية اخرى (2) فقامت امرأة فقالت: يابن الخطاب اللّه يعطينا وأنت تمنع و تلت هذه الآية، فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر و رجع عن حكمه (3).
قلت: استدلوا بهذه الواقعة وأمثالها على انصافه واعترافه، وكم له من قضايا مع الخاصة والعامة من رجال ونساء تمثل له الانصاف والاعتراف و كان اذا أعجبه القول أو الفعل يستفزه العجب، وربما ظهر عليه الطرب.
كما اتفق له مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد سئل عن أشياء كرهها، فيما أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري اذ قال: سئل النبي عن أشياء كرهها لكونها
ص: 350
مما لا يعنى العقلاء بها، ولا هي مما بعث الانبياء لبيانها، فلما أكثروا عليه غضب لتعنتهم في السؤال، وتكلمهم فيما لا حاجة لهم به، ثم قال للناس. سلوني، كأنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رآهم فشلوا أو خجلوا حيث أغضبوه فتبسط لهم بقوله: سلوني، رأفة بهم ورحمة فقال رجل هو عبد اللّه بن حذافة : من أبي يارسول اللّه؟ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): أبوك حذافة، فقام آخر وهو سعد بن سالم فقال: من أبي يارسول اللّه؟. فقال : أبوك سالم مولى أبي شيبة. وكان سبب هذا السؤال منهما طعن الناس في نسبيهما، فلما رأى عمر ما في وجه رسول اللّه من الغضب قال: يارسول اللّه انا نتوب الى اللّه عز وجل مما يوجب غضبك اه_.
وسره من رسول اللّه الحاق عبداللّه بحذافة، والحاق سعد بسالم تصديقاً لاميهما في نسبيهما.
وفي صحيح البخاري أيضاً عن أنس بن مالك ان عبد اللّه بن حذافة سأل رسول اللّه فقال له : من أبي ؟. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): أبوك حذافة.
وفي صحيح مسلم : انه كان يدعى لغير أبيه، فلما سمعت أمه سؤاله هذا، قالت : ما سمعت بابن أعق منك أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس فبرك عندها عمر على ركبتيه أمام رسول اللّه فقال عجباً بتصديق النبي لام عبد اللّه ابن حذافة فى نسبه: رضينا باللّه رباً، وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً (1) قالها طرباً بستره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على كثير من الامهات المفارقات في الجاهلية وقد جب الاسلام ماقبله.
ص: 351
المورد - (54) - استبدال الحد الشرعى بامر آخر يختاره الحاكم
وذلك ان غلمة الحاطب بن بلتعة اشتركوا في سرقة ناقة لرجل من مرينة فجي بهم الى عمر فأقروا، فأمر عمر كثير بن الصلت ان يقطع أيديهم، فلما ولي بهم ردهم عمر اليه ثم استدعى ابن مولاهم وهو عبدالرحمن بن حاطب فقال له: أما واللّه لولا انكم تستعملونهم وتجيعونهم لقطعت أيديهم. وأيم اللّه اذ لم أفعل، لاغرمتك غرامة توجعك الى آخر ماكان من هذه الواقعة فلتراجع فى ص 32 والتي بعدها من الجزء الثالث من أعلام الموقعين. ونقلها عنه العلامة المعاصر أحمد أمين فى ص 287 من (فجر الاسلام). وأشار اليها ابن حجر العسقلاني في ترجمة عبد الرحمن بن حاطب، حيث أورده في القسم الثاني من الاصابة فقال: وله قضية مع عمر (1).
قلت: لعل ما فعله عمر من درء الحد عن هؤلاء الغلمة وجهاً، وذلك حيث لاتكون السرقة الا عن مخمصة اضطرتهم اليها بقياً على رمقهم ليكونوا ممن عناهم اللّه عز وجل بقوله : «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» (2).
لكنهم أقروا بالسرقة فثبتت عليهم ولم يدعوا الضرورة الملجئة اليها، ولو فرض انهم ادعوها، لكان على الحاكم ان يطالبهم بما يثبتها، لكنا لم تر منه سوى أنه وسعهم باشفاقه مشتداً على ابن حاطب، وماندري من أين علم
ص: 352
انهم كانوا يجيعونهم هذا الجوع ؟.
المورد - (55) - اخذ الدية حيث لم تشرع :
وذلك ان أبا خراش الهذلي الصحابي الشاعر، أتاه نفر من أهل اليمن قدموا عليه حجاجاً، فأخذ قربته وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى لهم ثم أقبل صادراً فنهشته حية قبل ان يصل اليهم، فأقبل مسرعاً حتى أعطاهم الماء وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم ما أصابه، فباتوا على شأنهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش وهو في الموتى، فلم يبرحوا حتى دفنوه وقال وهو يموت في شعر له :
لقد أهلكت حية بطن واد***على الاخوان ساقاً ذات فضل
فما تركت عدواً بين بصری***الى صنعاء يطلبه بذحل
فبلغ خبره عمر بن الخطاب فغضب غضباً شديداً وقال : لولا ان تكون سنة لامرت ان لا يضاف يماني ابداً، ولكتبت بذلك الى الافاق. ثم كتب الى عامله باليمن ان يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته ويؤذيهم بعد ذلك بعقوبة يمسهم بها جزاء لفعلهم !!؟ (1).
المورد - (56) - اقامة حد الزنى حيث لم يثبت مقتضيه
وذلك فيما اخرجه ابن سعد في أحوال عمر ص 205 من الجزء الثالث
ص: 353
من طبقاته (1) بسند معتبر، أن بريداً قدم على عمر فنثر كنانته، فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فاذا فيها :
ألا أبلغ أبا حفص رسولا***فدا لك من أخي ثقة ازاري
قلائصنا هداك اللّه انا***شغلنا عنكم زمن الحصار
فما قلص وجدن معقلات***قفا سلع بمختلف البحار
قلائص من بني سعد بن بكر***وأسلم أو جهينة أو غفار
يعقلهن جعدة من سليم***معيداً يبتغي سقط العذار
فقال: ادعوا لي جعدة من سلیم [قال] فدعوا به فجلده مائة معقولا ونهاه ان يدخل على امرأة مغيبة. انتهى بلفظ ابن سعد (2).
قلت: لا وجه لاقامة الحد هنا بمجرد هذه الابيات، اذ لم يعرف قائلها ولا مرسلها، على انها لا تتضمن سوى استعداء الخليفة على جعدة بدعوى انه تجاوز الحد فتيات من بني سعد ابن بكر، وسلم، وجهينة، وغفار، فكان يعبث بهن فيعقلهن كما تعقل القلص، يبتغي بذلك سقط عذار من، أي سقط الحياء والحشمة، هذا كل مافي الابيات مما نسب الى جعدة. وهو لوثبت شرعاً لا يوجب بمجرده اقامة الحد، نعم يوجب تربيته وتعزيره ولعل ما فعله الخليفة انما كان من هذا الباب وشتان ما كان منه هنا، وما كان منه مع المغيرة بن شعبة مما ستسمعه قريباً ان شاء اللّه.
المورد - (17) - درؤه الحد عن المغيرة بن شعبة :
وذلك حيث فعل المغيرة (مع الاحصان) مافعل مع ام جميل بنت عمرو
ص: 354
امرأة من قيس في قضية هي من أشهر الوقائع التاريخية في العرب، كانت سنة 17 للّهجرة لا يخلو منها كتاب يشتمل على حوادث تلك السنة، وقد شهد هليه بذلك كل من أبي بكرة - وهو معدود فى فضلاء الصحابة وحملة الاثار النبوية - ونافع بن الحارث - وهو صحابي أيضاً - وشبل بن معبد، وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة فصيحة بأنهم رأوه يولجه فيها ايلاج الميل في المكحلة لا يكنون ولا يحتشمون، ولما جاء الرابع - وهو زياد بن سمية. ليشهد، أفهمه الخليفة رغبته في ان لايخزي المغيرة، ثم سأله عما رآه فقال : رأيت مجلساً وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورأيته مستبطنها فقال عمر: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل فى المكحلة ؟ فقال لا لكن رأيته رافعاً رجليها فرأيت خصيتيه تتردد الى ما بين فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً، وسمعت نفساً عالياً فقال عمر: رأيته يدخله ويخرجه كالميل فى المكحلة ؟. فقال : لا. فقال عمر: اللّه أكبر قم يامغيرة اليهم فاضر بهم. فقام يقيم الحدود على الثلاثة.
واليكم تفصيل هذه الواقعة بلفظ القاضي أحمد الشهير بابن خلكان في كتابه - وفيات الاعيان - اذ قال ما هذا لفظه : وأما حديث المغيرة بن شعبة والشهادة عليه، فان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان قد رتب المغيرة أميراً على البصرة، وكان يخرج من دار الامارة نصف النهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول : أين يذهب الامير ؟. فيقول : في حاجة. فيقول : ان الامير يزار ولا يزور.
[قال] : وكان يذهب الى امرأة يقال لها أم جميل بنت عمرو وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي، ثم ذكر نسبها، ثم روى عن أبا بكرة بينما هو في غرفته مع اخوته، وهم نافع وزياد، وشبل بن معبد أولاد سمية فهم اخوة لام، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة اخرى قبالة هذه الغرفة فضرب الريح
ص: 355
باب غرفة أم جميل ففتحه ونظر القوم فاذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع، فقال أبو بكرة : بلية قد ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة فقال له ان كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا.
(قال) وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر ومضى أبو بكرة. فقال أبو بكرة لا و اللّه لاتصل بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس : دعوه فليصل فانه الامير واكتبوا بذلك الى عمر رضي اللّه عنه، فكتبوا اليه فأمرهم ان يقدموا عليه جميعاً، المغيرة والشهود، فلما قدموا عليه جلس عمر رضي اللّه عنه، فدعا بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها ؟ قال : نعم واللّه لكأني انظر الى تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة ألطف النظر ؟ فقال أبو بكرة: لم آل ان اثبت ما يخزيك اللّه به. فقال عمر رضي اللّه عنه : لا واللّه حتى تشهد لقدر أيته يلج فيه ايلاج المرود في المكحلة. فقال : نعم أشهد على ذلك.فقال: اذهب مغيرة ذهب ربعك.
ثم دعا دعا نافعاً فقال له : على تشهد ؟ قال على مثل ما شهد أبو بكرة. قال: لاحتى تشهد انه واج فيها ولوج الميل في المكحلة. قال : نعم حتى بلغ قذذة فقال له عمر رضي اللّه عنه : اذهب مغيرة قد ذهب نصفك.
ثم دعا الثالث فقال له : على من تشهد ؟ فقال : على مثل شهادة صاحبي فقال له عمر اذهب مغيرة فقد ذهب ثلاثة أرباعك. ثم كتب الى زياد وكان غائباً وقدم فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤس المهاجرين والانصار فلما راه مقبلا قال : الي أرى رجلا لا يخزي اللّه على لسانه رجلا من المهاجرين، ثم ان عمر رضي اللّه عنه رفع رأسه اليه فقال ما عندك يا سلح الحبارى ؟ فقيل ان المغيرة قام الى زياد. فقال : لامخبأ لعطر بعد عروس.
ص: 356
فقال له المغيرة : يازياد اذكر اللّه تعالى واذكر موقف يوم القيامة فان اللّه تعالى وكتابه ورسوله وامير المؤمنين قد حقنوا دمي الا ان تتجاوز الى ما لم تر مما رأيت فلا يحملنك سوء منظر رأيته على أن تتجاوز الى ما لم تر فواللّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها. قال: فدمعت عينا زياد واحمر وجهه وقال : يا أمير المؤمنين أما ان أحق ما حقق القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلسا وسمعت نفساً حيثياً وانتهازاً ورأيته مستبطنها.
فقال له عمر (رضي اللّه عنه): رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة فقال: لا. وقيل قال :زياد: رأيته رافعاً رجليها فرأيت خصیتیه تردد ما بين فخذيها ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً. فقال عمر (رضي اللّه عنه). رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة : فقال لا، فقال عمر: اللّه اكبر قم يا مغيرة اليهم فاضر بهم فقال الى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وأعجبه قول زياد ودراً الحد عن المغيرة.
فقال ابو بكرة بعد أن ضرب أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا. فهم عمر ان يضر به حداً ثانياً، فقال له على بن ابى طالب : ان ضربته فارجم صاحبك فتر كه واستناب عمر أبا بكرة فقال: انما تستنبني لتقبل شهادتي. فقال : أجل. فقال : لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، فلما ضربوا الحد قال المغيرة : اللّه أكبر الحمد للّه الذي أخزاكم. فقال عمر رضي اللّه عنه : اخزى اللّه مكاناً رأوك فيه.
(قال) وذكر عمر بن شيبة في كتاب أخبار البصرة ان أبا بكرة لما جلد أمرت أمه بشاة فذبحت وجعل جلدها على ظهره فكان يقال ما كان ذاك الا من ضرب شدید
(قال) وحكى عبد الرحمن بن ابى بكرة : ان أباه حلف لا يكلم زياداً ما
ص: 357
عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى ان لايصلى عليه الا أبو برزة الاسلمي وكان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آخى بينهما، وبلغ ذلك زياداً فخرج الى الكوفة، وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره. ثم ان ام جميل وافت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر : أتعرف هذه المرأة يا مغيرة ؟ فقال : نعم هذه أم كلثوم بنت على. فقال عمر : أتتجاهل علي واللّه ما أظن أبا بكرة كذب فيما شهد عليك، وما رأيتك الا خفت أن أرمي بحجارة من السماء.
(قال) ذكر الشيخ أبو اسحاق الشيرازي في أول باب عدد الشهود في كتابه المهذب : وشهد على المغيرة ثلاثة أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد.
(قال) وقال :زیاد رأيت استاً تنبو ونفساً يعلو ورجلين كأنهما اذنا حمار ولا أدري ما وراء ذلك فجلد عمر الثلاثة ولم يحد المغيرة.
(قال) قلت : وقد تكلم الفقهاء على قول علي رضي اللّه عنه لعمر : ان ضربته فارجم صاحبك. فقال أبو نصر بن الصباغ : يريد ان هذا القول ان كان شهادة اخرى فقد تم العدد، وان كان هو الاولى فقد جلدته عليه واللّه أعلم. انتهت هذه المأساة ومما اليها بلفظ القاضي ابن خلكان عيناً فراجعه في ترجمة يزيد بن زياد الحميري من الجزء الثاني من وفيات الاعيان المنتشرة (1).
وأخرج الحاكم هذه القضية في ترجمة المغيرة ص 449 والتي بعدها من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك، وأوردها الذهبي في تلخيص المستدرك أيضاً، وأشار اليها مترجمو كل من المغيرة، وأبي بكرة، ونافع، وشبل بن
ص: 358
معبد، ومن أرخ حوادث سنة 17 للّهجرة من أهل الاخبار (1).
المورد - (58) - تشدده على جبلة بن الايهم
وذلك انه وفد عليه في خمسمائة من فرسان عك وجفنة، تخب بهم مطهماتهم العربية، وعليهم الوشي المنسوج بالذهب والفضة، وفي - مقدمتهم جبلة وعلى رأسه تاجه وفيه قرط جدته مارية فاسلموا جميعاً، وفرح المسلمون بهم وبمن وراءهم من أتباعهم فرحاً شديداً، وحضر جبلة بأصحابه الموسم من عامهم ذاك مع الخليفة، فبينا جبلة يطوف بالبيت اذ وطأ ازاره رجل من فزارة فحله فلطمه جبلة، فاستعدى الفزاري عمر فأمر عمر جبلة أن يقيده من نفسه أو يرضيه، وضيق عليه في ذلك حتى بلغ اليأس، فلما جنه الليل خرج بأصحابه فأتوا القسططينية فتنصروا جميعاً مرغمين، وقد نالهم ثمة من الخطوة بهرقل ومن العز والابهة فوق ما يتمنون (2) وكان جبلة مع هذا كله يبكي أسفاً
على مافاته من دين الاسلام. وهو القائل :
ص: 359
تنصرت الاشراف من أجل لطمة***وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة***وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدني وليتني***رجعت الى القوم الذي قال لي عمر
ويا ليتني ارعى المخاض بقفرة***وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر
قلت : ليت الخليفة لم يحرج هذا الامير العربي وقومه ولو ببذل كل ما لديه من الوسائل الى رضا الفزاري من حيث لا يدري ذلك الأمير أو من حيث يدري، وهيهات أن يفعل عمر ذلك.
انه أراد أن يقود جبلة في أول بادرة تبدر منه ببرة (1) الصغار، فيجدع أنف عزه، وهذه سيرته مع كل عزيزي الجانب منيعي الحوزة كما يعلمه متتبعو سيرته من أولي الالباب.
وقد مر عليك تشدده على خالد وهو من أخواله.
وشتان بین يوميه، يومه مع صاحبه المغيرة اذ درأ عنه حد الزنى محصناً
كما سمعته آنفاً، ويومه مع خالد اذ أصر على رجمه ولولا أبو بكر الرج- كما سمعته أيضاً، فان قوة شكيمة خالد واعتداده بنفسه أوجبا شدة وطأة عمر عليه، كما ان شمم جبلة وعزة نفسه أوجبا ذلك عليه أيضاً، بخلاف المغيرة فانه كان - مع دهائه ومكره وحيله - أطوع لعمر من ظله، وأذل من نعله، ولذلك استبقاه مع فجوره.
وكانت سياسته تقتضي ارهاب الرعية بالتشدد على من كان عزيزاً كجبلة وخالد، و ربما أرهبهم بالوقيعة بذوي رحمه كما فعله بابنه أبي شحمة وبأم فروة أخت أبي بكر وبمن لافائدة له به ممن لافائدة له به ممن لا يكون في عير السياسة ولا في نفیرها، كما فعله بجعدة السلمي، وضبيع التميمي، ونصر بن حجاج، وابن
ص: 360
عمه أبي ذؤيب، وأبي هريرة المسكين وأمثالهم (1).
وقد اعتصم بتقشفه في مأكله ومشربه ومسكنه ومركبه، وأخذه بالصبر عن الشهوات، والكف عن الملذات، والاكتفاء بالبلغة وأسباغه عطاياه على الامة من الغنائم، لايؤثر نفسه وأهله بشيء منها، ووفره على بيست المال. وأخذه بالحزم في محاسبة العمال. ومقاسمتهم الى كثير من أمثال هذه الامور التي ساقت الامة بعصاه. وأخرست الالسن وألجمت الافواه. لم يسلم منه أحد من عماله سوى معاوية على ما بينهما من تباين المشرب والسيرة. فانه لم يحاسبه في شيء ولا عاقبه في أمر. بل تركه يسرح ويمرح على غلوائه اذ قال له : لا آمرك ولا أنهاك. ومن عرف عمر علم انه لامر ما آثر معاوية هذا الايثار (2).
المورد - (59) - تشدده على ابى هريرة
وذلك إن عمر بعثه والياً على البحرين سنة احدى وعشرين، فلما كانت سنة ثلاث وعشرين عزله وولى عثمان بن أبي العاص الثقفي، ولم يكتف بعزله استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال اللّه في قضية
حتى مستفيضة، وحسبك منها ما ذكره ابن عبد ربه المالكي (فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الاول من عقده الفريد) اذ قال - وقد ذكر عمر - ثم دعا أبا هريرة فقال له : علمت اني استعملتك على البحرين و أنت بلا نعلين ؟.
ثم بلغني انك ابتعت افراساً بألف دينار وستمائة دينار !!. قال : كانت لنا
ص: 361
أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فاده قال : ليس لك ذلك. قال : بلى واللّه وأوجع ظهرك، ثم قام اليه بالدرة فضر به حتى أدماه، ثم قال : انت بها. قال : احتسبها عند اللّه. قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبى الناس لك لا اللّه ولا للمسلمين ؟ مارجّعت (1) بك أميمة الا لرعية الحمر.
قال ابن عبد ربه : وفي حديث أبي هريرة : لما عزلني عمر عن البحرين قال لي : ياعدو اللّه وعدو كتابه !! سرقت مال اللّه ؟. قال فقلت : ما أنا عدو اللّه وعدو كتابه، ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال اللّه، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف.؟ قال فقلت خيل تناتجت وعطايا تلاحقت وسهام تتابعت. قال : فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لامير المؤمنين !! (الحديث).
وقد أورده ابن أبي الحديد اذ ألم بشيء من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج (2) وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته الكبرى (3) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: ياعدو اللّه وعدو كتابه أسرقت مال اللّه ؟ الى آخر الحديث.
و أورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من اصابته فحوره عطفاً على أبي هريرة تحويراً خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم، وذهل
ص: 362
عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فأدماه وأخذ ماله وعزله (1).
المورد - (60) - تشدده علی سعد بن ابی وقاص بتحريق قصره عليه.
وذلك انه استعمله على الكوفة فبلغه انه يحتجب في قصره عن الرعية، فدعا محمد بن مسلمة فقال له : اذهب الى سعد بالكوفة فحرق عليه قصره، ولا تحدثن حدثاً حتى تأتيني. فذهب محمد الى الكوفة فأضرم النار في القصر يفاجيء بذلك سعداً، فخرج سعد وهو يقول : ما هذا ؟ فقال له محمد : هذا حزم أمير المؤمنين، فتركه حتى أحرق ثم انصرف الى المدينة (الحديث) (2).
المورد - (61) - تشدده على خالد بن الوليد.
وذلك اذ انتجعه (وهو على قنسرين من قبل عمر) الاشعث بن قيس فأجازه بعشرة آلاف، فسمع بذلك عمر بن الخطاب، وكان لا يخفى عليه شيء مسن عمله، فدعا عمر البريد، فكتب معه الى أبي عبيدة - عامله على حمص-: أن أقم خالداً على رجل واحدة معقول الاخرى بعمامته وانزع قلنسوته على رؤس الاشهاد، من موظفي الدولة، ووجوه الشعب، حتى يعلمك من أين
ص: 363
أجاز الاشعث أمن ماله، فهو الاسراف، واللّه لا يحب المسرفين، أم من مال الامة ؟ فهي الخيانة، واللّه لا يحب الخائنين، واعزله على كل حال، واضمم اليك عمله، فكتب أبو عبيدة الى خالد فقدم عليه ثم جمع الناس، وجلس لهم على المنبر في المسجد الجامع، فقام البريد فسأل خالداً من أين أجاز الاشعث ؟ فلم يجبه، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئاً، فقام بلال الحبشي فقال ان أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ونزع عمامته، ووضع قلنسوته، ثم أقامه فعقله بعمامته، وقال : من أين أجزت الاشعث ؟ أمن مالك ؟ أم من مال الامة؟ فقال من مالي. فأطلقه وأعاد قلنسوته، ثم عممه بيده وهو يقول: نسمع لولاتنا. ونفخم ونخدم موالينا، و أقام خالد متحيراً لايدري أمعزول أم غير معزول، اذ لم يعلمه أبو عبيدة بعزله تكرمة وتفخمة له، فلما تأخر قدومه على عمر ظن الذي كان فكتب الى خالد انك معزول فتنح، ثم لم يوله بعد ذلك عملا حتى مضى لسبيله (1).
وقد ذكر العقاد هذه القضية كما في ص 245 من أصل الكتاب الى آخر المورد.
المورد - (62) - : نفيه لضبيع التمیمی و ضربه اياه :
وذلك ان رجلا جاء اليه فقال : ان ضبيعاً التميمي لقينا فجعل يسألنا يا أمير المؤمنين عن تفسير آيات من القرآن. فقال لي اللّهم أمكني منه فبينا هو يوماً جالس يغدي الناس اذ جاءه ضبيع وعليه ثياب وعمامة، فتقدم فأكل مع
ص: 364
الناس حتى اذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا». فقال له ويحك : أنت هو ؟. فقام اليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل بجلده حتى سقطت عمامته فاذا له ضفيرتان، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً ضربت رأسك.
ثم أمر به فحبس في بيت ثم كان يخرجه كل يوم فيضر به مائة !!فاذا برى أخرجه فضربه مائة أخرى !!! ثم حمله على قتب وسيره الى البصرة، فكتب الى عامله أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته وأن يقوم في الناس خطيباً يقول لهم: ان ضبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه. فلم يزل بعدها ضبيع عند الناس وفي قومه حتى هلك، وقد كان من قبل سيد قومه (1).
المورد - (63) - نفيه نصر بن حجاج
وذلك فيما رواه عبداللّه بن بريد اذ قال (2) بينا عمر يعس ذات ليلة انتهى الى باب مجاف وامرأة تغني نسوة :
هل من سبيل الى خمر فأشربها***أم هل سبيل الى نصر بن حجاج
فقال عمر : أما، ماعاشت فلا. فلما أصبح دعا نصر بن حجاج - و هو نصر بن حجاج بن علابط البهزي السلمي - فأبصره وهو من أحسن الناس وجهاً وأصبحهم وأملحهم حسناً فأمر أن يطم شعره فخرجت جبهته فازدادت حسناً فقال له عمر اذهب فاعتم. فاعتم فبدت وفرته فأمره بحلقها فازداد حسناً.
ص: 365
فقال له : فتنت نساء المدينة يا ابن حجاج لاتجاورني في بلدة أنا مقيم بها. ثم سيره الى البصرة فأقام بها أياماً، ثم كتب لعمر كتاباً فيه هذه الابيات :
لعمري لئن سيترتني أو حرمتني***لما نلت من عرضي عليك حرام
أئن غنّت الدنفاء يوماً بمنية***و بعض أماني النساء غرام
ظننت بي الظن الذي ليس بعده***بقاء فمالي في الندي كلام
وأصبحت منفياً على غير ريبة***و قد كان لي بالمكتين مقام
فيمنعني مما تظن تكرّمي***و آباء صدق سالفون کرام
ويمنعها مما تغنت صلاتها***وحال لها في دينها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجع***فقد جب مني كاهل وسنام
فقال عمر : أما ولي ولاية فلا. فلما قتل عمر ركب نصر راحلته ولحق بأهله في المدينة (1).
المورد - (64) - تجاوزه الحد الشرعى فى الغلظة على ولده :
وذلك أن ولده عبد الرحمن المكنى أبا شحمة شرب الخمر في مصر أيام ولاية عمرو بن العاص عليها فأمر به الوالي ابن العاص فحلق رأسه وجلد الحد الشرعي بمحضر من أخيه عبد اللّه بن عمر، فلما بلغ عمر ذلك كتب الى ابن العاص أن يبعث به اليه في عباءة على قتب بغير وطاء و شدد عليه في ذلك، وأغلظ له القول، فارسله اليه على الحال التي أمر بها أبوه.
وكتب الى عمر أني أقمت الحد عليه بحلق رأسه وجلده في صحن الدار، وحلف باللّه الذي لا يحلف بأعظم منه أنه الموضع الذي تقام فيه الحدود على
ص: 366
المسلمين والذميين، وبعث بالكتاب مع عبد اللّه بن عمر، فقدم عبد اللّه بن عمر بالكتاب وبأخيه عبد الرحمن على أبيهما وهو في عباءة لا يستطيع المشي المرضه واعبائه ومما فيه من عقر القتب، فشدد أبوه عليه وقال: ياعبد الرحمن فعلت وفعلت !!. ثم صاح : السياط السياط. فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال : ياأمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد، وشهد بذلك أخوه عبد اللّه. فلم يلتفت اليه وزبره فأخذته السياط، وجعل يصيح: أنا مريض وأنت واللّه قاتلي. فلم يرق له وتصام عن صياحه حتى استوفى الحد وحبسه بعده شهراً فمات (1).
ومحل الشاهد هنا ان ابن العاص ان كان مأموناً على حدود اللّه وثقة في نفس عمر فقد أخبره باقامة الحد على ولده أبي شحمة بحضور أخيه عبد اللّه، وكان عبد اللّه من أوثق آل الخطاب في نفس أبيه، واذا فلاوجه لاقامة الحد
ص: 367
عليه مرة أخرى، وان كان ابن العاص غير مأمون على حدود ولا صادق فيما يخبر به حتى لو حلف الايمان المغلظة كما فعل فكيف يوليه مصر فيسلطه على أحكام اللّه وحدوده ؟ ودماء عباده ؟ وأعراضهم وأموالهم ؟!!.
على أن المريض لا يحد قبل شفائه والمحدود لا يحبس بعد اقامة الحد عليه ولاسيما اذا كان مريضاً أو أضره الحبس، لكن عمر مولع بايثار رأيه في المصلحة على النصوص.
المورد - (65) - قطعه شجر الحديبية :
شجرة الحديبية هذه بويع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بيعة الرضوان تحتها، فكان من عواقب تلك البيعة ان فتح اللّه لعبده ورسوله فتحاً مبيناً، ونصره نصراً عزيزاً، وكان بعض المسلمين يصلون تحتها تبركاً بها، وشكراً اللّه تعالى على ما بلغهم من أمانيهم في تلك البيعة المباركة.
فبلغ عمر ما كان من صلاتهم تحتها فأمر بقطعها وقال (1): ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد الى الصلاة عندها الا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد. اه_ (2).
سبحان اللّه وبحمدة واللّه أكبر !!! يأمره بالامس رسول اللّه بقتل ذي الخويصره وهو رأس المارقة فيمتنع عن قتله احتراماً لصلاته (3) ثم يستل
ص: 368
اليوم سيفه لقتل من يصلي من أهل الايمان تحت الشجرة شجرة الرضوان؟؟!!
وي، وي ما الذي أرخص له دماء المصلين من المخلصين اللّه تعالى في ؟؟ ان هذه البذرة أجذرت وآتت أكلها في نجد (حيث يطلع قرن صلواتهم الشيطان) (1).
وكم لفاروق الامة من أمثال هذه البذرة كقوله للحجر الاسود : «انك الحجر لا تنفع ولا تضر، ولولا اني رأيت رسول اللّه يقبلك ما قبلتك.....» (2).
ولقد كانت هذه الكلمة منه كأصل من الأصول العملية بني عليها بعض الجاهلين تحريم التقبيل للقرآن الحكيم، والتعظيم لضريح النبي الكريم ولسائر الضرائح المقدسة، ففاتهم العمل بكثير من مصاديق قوله تعالى : «ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ذَٰلِكَ * وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» (3). ولم يكونوا في شغفهم بحب اللّه عز وجل على حد قول القائل :
وما حب الديار شغفن قلبي***ولكن حب من سكن الديارا
ص: 369
المورد - (66) - يوم شكته أم هانى الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
أخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن أم هاني بنت أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) انها قالت: يارسول اللّه ان عمر بن الخطاب لقيني فقال لي : ان محمداً لا يغني عنك شيئاً. فغضب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقام خطيباً فقال : ما بال أقوام يزعمون ان شفاعتي لاتنال أهل بيتي، وان شفاعتي لتنال حاء وحكم (1).
وغضب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مقام آخر اذ توفي لعمته صفية ولد فعزاها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلما خرجت لقيها رجل (2) فقال لها : ان قرابة محمد لن تغني عنك شيئاً. فيكت حتى سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صوتها ففزع من ذلك، فخرج اليها فسألها فأخبرته فغضب فقال : يابلال هجر بالصلاة، ثم قام فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: مابال أقوام يزعمون ان قرابتي لا تنفع، ان كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي، وان رحمي موصولة في الدنيا والآخرة (3).
ص: 370
المورد - (67) - يوم النجوى :
وقد فات الخير يومئذ جميع الناس حاشا علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانه الفائز بخيرها لايشاركه فيه فاروق ولا صديق ولاغيرهما من سائر البشر. واليك آيتها فتدبرها ولاتكن ممن عناهم اللّه بقوله تعالى: أم على قلوب أقفالها. والاية في سورة المجادلة وهي قوله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ» قلم يعمل بها سوى علي باجماع هذه الأمة، كما تراه في تفسير الآية من كل من كشاف الزمخشري، والتفسير الكبير للطبري، والتفسير العظيم للثعلبي، ومفاتيح الغيب للرازي، وسائر التفاسير.
ودونك من الصحاح ما أخرجه الحاكم في تفسير الآية ص 842 من الجزء الثاني من صحيحة المستدرك عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ان في كتاب اللّه لاية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدى، آية النجوى، كان عندي
ص: 371
دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قدمت بين يدي نجواي در هماً ثم نسخت بقوله تعالى : «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ (1) فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (2).
فشمل هذا التقريع عمر وغيره من سائر الصحابة حاشا عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانه ما اشفق من تقديم الصدقات ولاخاف الامر ليحتاج الى التوبة.
وقد قام الرازي هنا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنه
آية النجوى لم يعمل به الا الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 372
قال : ان الاية تضيق قلب الفقير وتوجب حزنه لعدم تمكنه من الصدقة، وتوحش الغني بما تشتمل عليه من التكليف، وتوجب طعن بعض المسلمين ببعض، فالعمل بها يسبب فرقة ووحشة، وترك العمل بها يسبب الفة، والذي يكون سبباً للالفة أولى مما يكون سبباً للوحشة، الى آخر هذيانه المعارض لقوله تعالى: «ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ». والمناقض لقوله عن اسمه: «فِاِن لَم تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَيكُم فَأَقِيمُوا الصَلَاةَ» فراجع هذا الهذيان منه في ص168 من الجزء 8 من تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.
ولم يبق عليه الا أن يقول : ان الزكاة والحج مثلا يضيقان قلب الفقير ويوجبان حزنه لعدم تمكنه من فعلهما، ويوحشان الغنى بما يشتملان عليه من التكليف، فالعمل بها يسبب فرقة ووحشة وترك العمل بهما يسبب الفة ومحبة والذي يكون سبباً للالفة أولى من الذي يكون سبباً للوحشة، فترك الزكاة والحج أولى على قياس هذا الامام، بل قياسه يوجب ترك الاديان كلها ترجيحاً للاتفاق على الاختلاف. نعوذ باللّه من سبات العقل وخطل القول وبه نستجير ولا حول ولاقوة الا باللّه العلي العظيم.
المورد - (68) - تسامحه مع معاوية اذ ولاه امر الشام
حيث أملى له في غيه، وخلا بينه وبين ما أراد، مطلقاً ل-ه العنان، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، مسوماً مترفاً راكباً سجيحة رأسه، لايبالي في غير ما يختاره لنفسه على نقيض ما يعجب عمر من سيرة امرائه، وقد رآه في الشام أبهة كسروية، وأزياء تنفر منها جبلة عمر ويبرأ منها فما قال له عندها سوى لا آمرك ولا أنهاك، يقلده حبله، ويقرّطه عنانه، فعاث ما شاء أن يعيث ولا راد لجماح غلوائه، ولا مقوم من صعره، فكانت عاقبة هذا الاملاء له ما
ص: 373
كان منه في صفين من بغيه على أمير المؤمنين، وبعدها ماكان منه في ساباطمع سيد الاسباط.
وبهذا اتخذ بنوامية مال اللّه دولا، وعباد اللّه خولا، ودين اللّه دغلا (1) فانا اللّه وانا اليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
المورد - (69) -
أمره بما يخالف الشرع ورجوعه عن ذلك بعد تنبيه وموارد ذلك كثيرة : أولا : ما أخرجه محمد بن مخلد العطار في فوائد (2) : ان عمر (رضیَ اللّهُ عنهُ) قد أمر برجم حبلى زنت. فقال له معاذ بن جبل منكراً عليه ذلك : ان يكن لك عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها، فأبطل عمر حكمه. وقال : عجزت النساء ان يلدن معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر (3).
ثانياً : : ما أخرجه الحاكم - فى رفع عنه القلم من كتاب الحدود ص 389 الجزء الرابع من مستدرکه - بالاسناد الى ابن العباس. قال : اتي عمر بامرأة مجنونة حبلى، فأراد أن يرجمها. فقال له علي : أو ما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة ؟. عن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى
ص: 374
يستيقظ. فخلى عمر عنها (1).
قلت : هذه غير تلك التي نبهه فيها معاذ لم تكن مجنونة، فكان له عليها سبيل، ولكن بعد وضع حملها، والا من عليه في حضانته بعد رجمها. اما هذه فلا سبيل له عليها مطلقاً لجنونها كما لا يخفى.
ولقاضي القضاة عبد الجبار في كتابه المغني كلام حول الأمر برجم الحبلى كان محل البحث بينه وبين الشريف المرتضى في كتابه - الشافي - وقد أورد كلاميهما ابن أبي الحديد في هذه المواضيع ص 150 الى ص 152 من المجلد الثالث من شرح النهج طبع مصر.
ثالثاً : ما أخرجه الإمام أحمد من حديث علي ص154 والتي بعدها من الجزء الاول من مسنده - عن أبي ظبيان الجنبي (2) قال : ان عمر أتى بامرأة
ص: 375
قد زنت فأمر برجمها، فانتزعها علي من أيديهم وردهم بها، فرجعوا الى عمر فقالوا : ردنا علي بن أبي طالب. قال : ما فعل هذا الا لشيء قد علمه، فارسل الى علي فجاءه وهو شبه المغضب. فقال له عمر مالك رددت هؤلاء ؟. قال: أما سمعت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل. قال : بلى. قال علی : فان هذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها فقال عمر: لا أدرى فلم يرجمها (1).
رابعاً : ما ذكره ابن القيم في كتابه الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية: ان امرأة جيء بها الى عمر بها الى عمر فأقرت بالزنى فأمر برجمها فاستمهله علي اذ لعل لها عذراً يدرأ عنها الحد ثم قال لها : ما حملك على الزنى ؟. قالت : كان لي خليط، وفي ابله ماء ولبن، ولم يكن في ابلي ماء و لبن فظمئت فاستسقيته فابی أن يسقيني حتى أعطيه نفسي، فأبيت عليه ثلاثاً، فلما ظمئت وظننت ان نفسى ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني. فقال علي : اللّه أكبر، «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (2).
وروى البيهقي في سننه (3) عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : أني عمر بامرأة جهدها العطش فمرت على راع فاستسقته فأبى أن يسقيها الا أن تمكنه من نفسها ففعلت. فشاور عمر الناس في رجمها فقال علي: هذه مضطرة أرى
ص: 376
أن يخلى سبيلها، ففعل عمر ذلك (1).
خامساً : ماذكره ابن القيم في أول ص 55 من طرقه الحكيمة، اذ قال : رفعت الى عمر امرأة أخرى وقد زنت فأقرت لديه بذلك، وكررت الاقرار به و أيدت ما فعلت من فجورها، وكان علي اذ ذاك حاضراً فقال : انها لتستهل به استهلال من لا يعلم انه حرام، قدراً الحد عنها.
قال ابن القيم : وهذا من دقيق الفراسة.
سادساً : ما نقله العلامة المعاصر أحمد أمين بك في ص 285 من كتابه (فجر الاسلام) نقلا على كتاب (أعلام الموقعين) قال : رفعت الى عمر قضية رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها، فتردد عمر في قتل اثنين بواحد. فقال له علي : أرأيت لو أن نفراً اشتركوا في سرقة توجب القطع أكنت قاطعهم ؟. قال : نعم قال : فكذلك. فعمل برأي علي. وكتب الى عامله أن اقتلهما فلو اشترك فيه أهل صنعاء أقتلتهم.
سابعاً : ماقد رواه أهل السير والاخبار، و اللفظ للمتتبع علامة المعتزلة ابن أبي الحديد (2) اذ قال : استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا فلشدة هيبته ألقت مافي بطنها، فأجهضت به جنيناً ميتاً، فاستفتى أكابر الصحابة في ذلك. فقالوا : لاشيء عليك، انما أنت مؤدب. فقال له علي : ان كانوا
ص: 377
راقبوك فقد غشوك، وان كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا، عليك غرة، يعني عتق رقبة، فرجع عمر والصحابة الى قوله (1).
ثامناً: تحيره في أمر رجل من المهاجرين الأولين من أهل بدر، - وهو قدامة بن مظعون : جيء به وقد شرب الخمر فأمر به عمر أن يجلد. فقال : لم تجلدني ؟ بيني و بينك كتاب اللّه عز وجل. فقال عمر : في أي كتاب اللّه اني لا أجلدك ؟. فقال : ان اللّه تعالى يقول في كتابه : «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا» الآية. فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا. شهدت مع رسول اللّه بدراً والحديبية و الخندق والمشاهد - فلم يدر عمر ما يقول في رده - فقال : ألا تردون عليه. فقال ابن عباس : ان هذه الايات أنزلت عذراً للماضين، و حجة على الباقين، لان اللّه عز وجل يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّیطَان» ثم قرأ حتى أتم الاية الاخرى.
[ ومنها ] لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا» (2) فان اللّه عز وجل قد نهى عن أن يشرب الخمر فأين شاربها عن التقوى بعد أن نهى عنها ؟ فقال عمر: صدقت فماذا ترون فأفتى علي بجلده ثمانين وجرى الامر على هذا من ذلك اليوم (3).
ص: 378
تاسعاً : ما نقله ابن القيم في ص 27 من كتابه (الطرق الحكمية) في قضية امرأة تعلقت بشاب من الانصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت عمر صارخة تستعديه عليه فقالت : هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر ما فعله بي. فسأل عمر : النساء ؟، فقلن له : ان يبدنها و ثوبها أثر المني. فهم بعقوبة الشاب، والشاب يستغيث ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري، فواللّه ما أتيت بفاحشة، وماهممت بها ولقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. وكان علي حاضراً، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي الى الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبه على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه فشمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت (1).
عاشراً : ماذكر ابن القيم في ص 30 والتي بعدها من طرقه الحكمية من ان رجلين من قريش دفعا الى امرأة مائة دينار وديعة وقالا لاتدفعيها الى واحد منا دون صاحبه، فلبنا حولا فجاء أحدهما فقال : ان صاحبي قد مات، فادفعي الي الدنانير. فأبت وقالت انكما قلتما لاتدفعيها الى واحد منا دون صاحبه فلست بدافعتها اليك. فتوسل اليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها اليه. وبعد حول تسام جاء الآخر فقال: ادفعي الي الدنانير. فقالت : ان صاحبك قد جاءني فزعم انك قدمت فطالبني بها، فدفعتها اليه. فترافعا الى عمر: فأراد أن يقضي عليها.
فقالت : ارفعنا الى علي بن أبي طالب، فرفعهما اليه، فعرف علي انهما
ص: 379
قد مكرا بها فقال للرجل أليس قلتما لها لاتدفيعها الى واحد منا دون صاحبه؟. قال : بلى. قال : فاذهب اذا فجيء بصاحبك تدفعه اليكما، والا فلا سبيل لك عليها (1).
الحادي عشر: ما أخرجه الامام أحمد من حديث ابن عباس ص190 من الجزء الاول من مسنده : أن عمر تحير في حكم الشك في الصلاة فقال له : يا غلام هل سمعت من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو من أحد أصحابه اذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع ؟. قال : فبينا هو كذلك أقبل عبدالرحمن بن عوف. فقال: فيم أنتما ؟ فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول اللّه أو أحد أصحابه اذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع. فقال عبد الرحمن: سمعت رسول اللّه يقول : اذا شك أحدكم في صلاته... (الحديث) (2) وفيه فتوى عبد الرحمن وهي على خلاف المأثور عن رسول اللّه عندنا فلتراجع (3).
وما أكثر أمثال هذه القضايا من نوادره الدالة على انقياده للحق في مثل هذه المسائل اذا عرفه واستسلامه الى من ينبهه اليه اذا جهله (4) لكنه كان
ص: 380
مع ذلك يشهد فيما يبرمه من سياسته لا يلوي فيه على أحد وكانت له وطأة على ولاته في أنفسهم و أموالهم، اذ كان يقاسمهم فيها لبيت المال عنوة، و يسوقهم بعصاه بكل قسوة، وربما حرق عليهم كما فعله مع عامله في الكوفة سعد بن أبي وقاص اذ فاجأه بتحريق قصره عليه. وخفقه بالدرة مرة اذ زاحم الناس في الوصول اليه ورأى مرة أناساً يتبعون أبي بن كعب في الطريق، فرفع عليه الدرة ليعلوه بها. فقال له أبي : اتق اللّه يا أمير المؤمنين. قال. عمر : فما هذا الجموع خلفك؟ يا بن كعب، أما علمت انها فتنة للمتبوع ومذلة للتابع (1).
وكانت درته كسوط عذاب يخشاها أكابر الصحابة، حتى قيل (2) انها كانت أهيب من سيف الحجاج (3).
وقد أوجع عمر بها أم فروة بنت أبي قحافة، يوم مات أخوها أبو بكر، اذ ناحت عليه في نسوة صحابيات ترأسهن عائشة، لم تأخذه في ذلك حرمتها، ولا احترام عائشة ولا حفظها فى عمتها، ولا حفظ أبي بكر في اخته اذ جرها هشام بن الوليد سحباً الى الطريق بكل امتهان أخاف النسوة المجتمعات فاذا
ص: 381
هن منهزمات (1) وكم له من قبل ومن بعد سطوة في سبيل مبدئه، لا تأخذه فيه عاطفة، ولا يخاف في سبيله عاقبة.
وحسبك قوله لعلي ومن كان معه من أوليائه اذ قعدوا عن البيعة في بيت الزهراء والذي نفسي بيده لتخرجنّ الى البيعة، أو لاحرقن عليكم. فخرجت وديعة رسول اللّه وبقيته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيهم تبكي وتصيح (2) وفي رواية : انها لما رأت ما يصنع بعلي والزبير، وقفت على باب الحجرة وقالت ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللّه (3).
الى كثير من أمثال هذه المواقف السياسية التي تمثل فيها قول علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وقد ذكر عهد أبي بكر اليه بالخلافة - : فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها (4) و بخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب
ص: 382
الصعبة (1) ان اشنق لها خرم، وان أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر اللّه بخيط وشماس (2) وتلون واعتراض.. الى آخر الخطبة الشقشقية (3).
المورد - (70) - عهده بالشورى
يوم دنى أجل عمر فجعلها في سنة، زعم ان أخا النبي ووصيه أحدهم
وهو بعد النبي خير البرايا***والسما خير ما بها قمراها
وهو في آية التباهل نفس***المصطفى ليس غيره اياها
وهما مقلتا العوالم يسرا***ها علي وأحمد يمناها
انما المصطفى مدينة علم***وهو الباب من أتاه أتاها (4)
فيا للّه والشورى، متى اعترض الريب فيه مع الاول منهم، حتى صار يقرن الى هذه النظائر، لكنه - بأبي وامي - أسف اذ أسفوا، فصغى رجل منهم لضغنه - هو سعد - ومال الآخر - عبد الرحمن - لصهره - عثمان - مع من وهن (5).
الى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الابل نبتة الربيع، الى أن انتكث عليه فتله، وأجهز
ص: 383
عليه عمله و کبت به بطنته وكانت الفتنة (1).
ولهذه الشورى لوازم سيئة، وعواقب شر، كانت من أضر العواقب في الاسلام، وكان لعمر فيها متناقضات يربا - بالفاروق - عن مثلها
وذلك انه لما طعن (2) ويئس من الحياة، وقيل له: لو استخلف قال لو كان أبو عبيدة حيا استخلفته، لانه أمين هذه الامة (3) ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته لانه شديد الحب اللّه تعالى (4) فذكر له ابنه عبداللّه فأبى أن يستخلفه فخرج القوم ثم رجعوا اليه فقالوا له : يا أمير المؤمنين لو عهدت عهداً فقال : قد كنت أجمعت بعد مقالتي الأولى ان اولي أمركم رجلا هو أحراكم أن يحملكم على الحق - يشير الى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فقالوا له: ما يمنعك منه ؟. قال: لا أتحملها حياً وميتاً ! !. ثم قال: عليكم بهؤلاء الرهط، علي. وعثمان وعبد الرحمن. وسعد. والزبير. وطلحة. فلتشوروا بينهم، وليختاروا واحد أمنهم، فاذا ولوه فاحسنوا مؤازرته وأعينوه، ثم استدعى اولائك الرهط فقال لهم : اذا أنا مت فليصل بالناس صهيب، وتشاوروا أنتم ثلاثة أيام
ص: 384
ولايات اليوم الرابع الا وعليكم أمير منكم.
ثم أمر أبا طلحة الانصاري ان يختار خمسين رجلا من الانصار يقومون معه مسلحين على رؤوس الستة حتى يختاروا رجلا منهم في ثلاثة أيام من موته وأمر صهيباً ان يصلي في الناس تلك المدة، وان يدخل اولائك الستة بيتاً فيقوم عليهم بسيفه مع أبي طلحة وأصحابه، وقال له : ان اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وان اتفق أربع وأبى اثنان فاضرب رأسيهما، وان افترقوا ثلاثة وثلاثة فالخليفة في الذين فيهم عبد الرحمن، واقتلوا اولائك ان خالفوا، فان مضت الثلاثة أيام ولم يتفقوا على واحد منهم فاضربوا أعناق الستة (1)، ودعوا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لانفسهم من شاؤوا. هذا ملخص عهد الشورى (2).
واذا كان كارهاً لتحملها كما يقول، فلم زج نفسه بما فر منه، وألقى بيده اليه على أسوأ الوجوه، وأشدها ضرراً وخطراً ؟؟؟ !!. حيث اختص من الامة
ص: 385
كلها ستة، ووصفهم بما يمنع استخلافهم مما لم نذكره (1) ثم رتب الامر ترتيباً يوجب استخلاف عثمان على كل حال (2) وأي صور التحمل يكون هذا ؟. وما الفرق بين ان يعهد بها الى عثمان توأً أو يفعل ما فعل أكثر من من الحصر والترتيب المؤدي الى خلافة عثمان، وقتل من يخالف ؟؟
وليته عهد بها اليه، أو الى من يشاء ولم يوقف ذلك العبد صهيباً على رؤوسهم مع أبي طلحة وشرطته مصلتي سيوفهم لقتلهم اذا خرجوا من تلك الخطة الضيقة الحرجة التي خطها لهم.
ولو عهد بها توأ الى من شاء، مارأته الامة مستخفاً بدمائهم، لا يتأثم ولا يتحرج، ولا يأبه لسفكها (3) ولا رأنه الامة يمتهنهم بتقديم العبد صهيب في الصلاة على جنازته، وفي الصلوات الخمس.
وكأنه ما اكتفى بما ألحق بهم من الهوان والامتهان، بقوله : لو كان أبو عبيده حياً لاستخلفته، ولو كان سالماً حياً لاستخلفته، تفضيلا لهم على الستة.
ص: 386
على أن سالماً لم يكن من قريش، ولامن العرب، وانما هو أعجمي من اصطخر أو من كرمد، وكان عبداً مملوكاً لزوجة أبو حذيفة بن عتبة، واسمها ثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبید ابن زيد الانصاري الاوسي (1) وقد انعقد
ص: 390
الاجماع نصاً وفتوى على عدم جواز عقد الامامة لمثله (1) فكيف مع هذا يقول : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته (2)؟.
على ان هذه الشورى قد انشأت بين رجالها السنة من التنافس والفتن ماقد فرق جماعة المسلمين، وشق عصاهم، اذ رأى كل من رجالها نفسه كفواً للخلافة، ورأى أنه نظير الاخرين منها، ولم يكونوا قبل الشورى على هذا الرأي، بل كان عبد الرحمن تبعاً لعثمان وسعد كان تبعاً لعبد الرحمن، والزبير انما كان من شيعة علي، والقائمين بنصرته يوم السقيفة على ساق، وهو الذي استل سيفه (3) ذوداً عن حياض أمير المؤمنين وكان فيمن شيع جنازة
ص: 391
الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وحضر الصلاة عليها اذ دفنت سراً في ظلام الليل(1) بوصية منها (2) وهو القائل على عهد عمر واللّه لو مات عمر بايعت علياً (3) لكن الشورى سولت له الطمع بالخلافة، ففارق علياً مع المفارقين، وخرج
ص: 392
عليه يوم الجمل الاصغر (1) ويوم الجمل الاكبر مع الخارجين (2).
كما أن عبد الرحمن بن عوف ندم على ما فعله من ايثار عثمان على نفسه بالخلافة، ففارقه وعمل على خلعه فلم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً في ذلك. لكنه لم يفلح (3).
وقد علم الناس ماكان من طلحة والزبير من التأليب على عثمان (4) وانضمام عائشة في ذلك اليهما نصرة لطلحة، وأملا منها برجوع الخلافة الى تيم وكانت تقول : «اقتلوا نعثلا فقد كفر» (5).
ص: 393
وقد عمل هؤلاء وأولياؤهم من الانكار على عثمان، ما أهاب بأهل المدينة وأهل الامصار الى خلعه وقتله (1) فلما قتل وبايع الناس عليا كان طلحة والزبير أول من بايع (2) لكن مكانتها في الشورى أطمعتهما بالخلافة، وحملتهما على نكث البيعة، والخروج على الامام، فخرجا عليه، وخرجت معهما عائشة طمعاً باستخلاف طلحة، وكان ما كان في البصرة وصعين والنهروان من الفتن الطاغية، والحروب الطاحنة وكلها من آثار الشورى، حيث صورت انداداً لعلي ينافسونه في حقه، ويحاربونه عليه بل نهبت معاوية الى هذا، وأطمعته بالخلافة (3) فكان معاوية وكل واحد من اصحاب الشورى عقبة كؤوداً في
ص: 394
سبيل ما يبتغيه الامام من اصلاح الخلائق، واظهار الحقائق (1).
على أن الشورى أغرت الامة بعثمان (2) وبذرت بذوراً أجذرت بعد قتله فاستغلها الناكثون والقاسطون والمارقون (3).
والعجب العجاب أمره بقتل السنة - الذين رشحهم يوم الشورى لانتخاب أحدهم خليفة عنه - اذا لم ينفذوا عهده هذا قبل انتهاء اليوم الثالث من وفاته.
وي، وي. ما كنا لنؤمن أو لنجوز عليه الأمر بقتل هؤلاء الستة، أو واحدمنهم بمجرد تأخر انفاذ عهده عن اليوم الثالث من وفاته!!!.
ص: 395
لكن الحقيقة في الواقع أنه أمر بقتلهم مرتاحاً الى ذلك، مطمئناً اليه كل الاطمئنان، وأوعز الى أبي طلحة الانصاري وجنوده بهذا الامر، وشدد عليهم وعلى صهيب في انفاذه.
والمسلمون بمنظر وبمسمع***لا منكر منهم ولا متفجع
وهذا غاية ماتمادى به الفاروق. ومضى فيه على غلوائه، وقد كان من أعرف الناس بمكانة السنة من الصحبة، وشهد يومئذ بأن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مات راضياً عنهم (1).
على أن في الستة من هو من رسول اللّه كالصنو من الصنو، و الذراع من العضد وكان منه بمنزلة هارون من موسى الا أنه ليس بنبي(2) ولكنه
ص: 396
الوزير (1) والوصي (2) وأبو السبطين (3) و صاحب بدر وأحد وحنين (4) ومن عنده علم الكتاب (5).
فما كان أغنى فاروق الأمة عن تعريضه و تعريض بقية الستة لهذا الخطر، وهذه المهانة، و قد كان في وسعه أن لا يعهد الى أحد ما فيذر الامر شورى بين أفراد الامة كافة، يختارون لانفسهم من شاؤوا، وحينئذ يكون قد صدق في قوله لا أتحملها حياً وميتاً.
أو يعهد الى عثمان بكل صراحة، كما عهد أبو بكر اليه فيكون حينئذ صريحاً فيما يريد - غير مما كر ولامداور - حيث رتب أمر الشورى ترتيباً
ص: 397
يفضي الى استخلاف عثمان لا محالة، فان ترجيح عبدالرحمن على الخمسة ليس الا لعلمه بأنه سيؤثر بالامر، وان سعداً لا يخالف عبدالرحمن أبداً.
وقد علم الناس هذا من فاروقهم، وان ظن انه موه الامر على الناس وقال لا أتحملها حياً وميتاً.
ومارأى المسلمين لو سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عمر يأمر أبا طلحة فيقول : ان اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وان اتفق أربعة وأبي اثنان فأضرب رأسيهما، وان افترقوا ثلاثة وثلاثة فالخليفة في الذين فيهم عبد الرحمن، واقتلوا أولئك ان خالفوا، فان مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على واحد منهم فاضربوا أعناق السنة» (1) أفتونا أيها المسلمون، وكونوا أحراراً فيما تفتون. وانا للّه وانا اليه راجعون.
ص: 398
قال ابن أبي الحديد (1) : وصحت فيه فراسة عمر، اذ قد أوطا بني أمية رقاب الناس، وأولادهم الولايات، وأقطعهم القطائع، و افتتحت أرمينيا في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان فقال عبد الرحمن بن الحنبل الجمحي:
أحلف باللّه رب الانام****ما تر اللّه شيئاً سدى
ولكن خلقت لنا فتنة***لكي نبتلي بك أو نبتلى
فان الامينين قد بيّنا***منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهماً غيلة***ولا جعلا درهماً في هوى
وأعطيت مروان خمس البلاد***فهيهات سعيك من سعى (2)
ص: 400
قال ابن أبي الحديد : وطلب منه عبد اللّه بن خالد بن أسيدصلة، فأعطاه اربعمائة الف درهم (1)[فال]: وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن سيره رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة الف درهم (2) وتصدق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بموضع سوقه بالمدينة يعرف بنهروز على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم (3). واقطع مروان فدكا وقد كانت فاطمة طلبتها بعد وفاة أبيها رسول اللّه تارة بالميراث، وتارة
ص: 401
بالنحلة فدفعت عنها (1).
(قال) : وحمى المراعي حول المدينة كلها عن مواشي المسلمين كلهم الا عن بني أمية (2) (قال) : وأعطى عبداللّه ابن أبي سرح جميع ما أفاء اللّه عليه من فتح افريقية، وهي من طرابلس الغرب الى طنجة، من غير أن يشرك فيه أحداً من المسلمين (3).
(قال) : وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي الف من بيت المال (4) في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة الف من بيت المال، وقد كان زوجه ابنته أم أبان، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ووضعها
ص: 402
بين يدي عثمان وبكى. فقال عثمان : أتبكي ان وصلت رحمی ! قال : لا اولكن أبكي لاني اظنك انك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت انفقته في سبيل اللّه في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واللّه لو أعطيت مروان مائه درهم لكان كثيراً. فقال عثمان ألق المفاتيع يا ابن أرقم فانا سنجد غيرك (1).
قال ابن أبي الحديد : وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية (2) و أنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة الف من بيت المال أيضاً بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه (3)(قال) : وانضم الى هذه الامور امور اخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذر الى الربذة (4) وضرب عبد اللّه بن مسعود حتى كسر اضلاعه (5)، وما أظهر من الحجاب
ص: 403
والعدول عن طريقة عمر في اقامة الحدود، ورد المظالم، وكف الابدي العادية.
والانتصاب لسياسة الرعية، وختم ذلك بما وجدوه من كتابه الى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين (1) فاجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر لتعديد احداثه عليه فقتلوه وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة ولا يعجلوا بقتله (قال) : وأمير المؤمنين أبرأ الناس من دمه.
وقد صرح بذلك في كثير من كلامه، فمن ذلك قوله : واللّه ما قتلت عثمان ولا مالات على قتله. وقد صدق صلوات اللّه عليه... الى آخر ما قاله ابن أبي الحديد فليراجع.
قلت : وبالجملة فان احداث [ذي النورين] كلها أو جلها متواترة عنه. رواها المحدثون وأهل السير والاخبار بأسانيدهم متعددة الطرق المعتبرة، وأرسلها الكثير منهم ارسال المسلمات فلتراجع (2).
ص: 404
وحسبك ما في الخطبة الشقشقية لامير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد ذكره فيها فقال : الى ان قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بيه نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الا بل نبتة الربيع الى أن انتكسث عليه فتله وأجهز عليه عمله و كبت به بطنته (1)... الى آخر كلامه وانه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمن لا يأثم فيمن يحب ولا يحيف على من يكره، يشهد له بذلك عدوه ووليه.
المورد - (72) - صلاته في السفر :
وذلك ان الصلاة الرباعية تقصر في السفر الى ركعتين، سواء أكان ذلك في حال الخوف أم كان في حال الامن، وقد ثبتت مشروعية التقصير بالكتاب والسنة والاجماع. قال اللّه تعالى : «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (2).
وعن يعلى بن أمية. قال قلت لعمر: مالنا نقصر وقد أمنا فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن ذلك. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صدقة تصدق اللّه بها عليكم مأقبلوا صدقته. أخرجه مسلم (3).
ص: 405
وعن ابن عمر فيما أخرجه مسلم في صحيحه (1) قال: اني صحبت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في السفر فلم يزد على الركعتين حتى قبضه اللّه تعالى اليه، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللّه تعالى، وصحبت عمر فلم يزد علی ركعتين حتى قبضه اللّه تعالى ثم صحبت عثمان فلم يزد علی رکعتین (2).
وقد قال اللّه تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (3) وروى ابن أبي شيبة ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: «ان خيار أمتي من شهد أن لااله الا اللّه، وان محمداً رسول اللّه، والذين اذا أحسنوا استبشروا، واذا أسأوا استغفروا، واذا سافروا قصروا» (4).
وعن أنس بن مالك - فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما - قال: خرجنا مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من المدينة الى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا الى المدينة (5).
ص: 406
وعن ابن عباس - فيما أخرجه البخاري في صحيحه - قال: قام النبي في مكة تسعة عشر يقصر (الحدیث) (1) قلت وانما قصر مع اقامته تسعة عشر يوماً لعدم نية الاقامة.
وثبت عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انه كان يصلي بأهل مكة اماماً بعد الهجرة فيسلم في الرباعيات على رأس الركعتين الأوليين وكان قد تقدم الى القوم بأن يتموا صلاتهم أربع ركعات معتذراً عن نفسه وعمن جاء معه بأنهم قوم سفر (2).
وعن أنس قال: صليت مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الظهر في المدينة أربعاً، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين (3).
قلت: دلت الآية المحكمة على مشروعية القصر للمسافر في حال خوفه، ودل ما بعدها من النصوص الصحاح المتظافرة على مشروعيته للمسافر مطلقاً وعلى ذلك اجماع الامة، بلاخلاف ينقل عن أحد منها غير عائشة وعثمان، وقد تواتر عنهما الاتمام في السفر. (4) وكان ذلك أول ما نكلم الناس فيه على
ص: 407
عثمان وعده المؤرخون من حوادث سنة تسع وعشرين للّهجرة - (1) و دلت عليه صحاح كثيرة.
فمنها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن نافع عن ابن عمر واللفظ لمسلم قال : صلى رسول اللّه بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته، ثم ان عثمان صلى بعد أربعاً... (الحديث) (2).
ومنها ما أخرجاه أيضاً عن عبد الرحمن بن يزيد انه قال : صلى بنا عثمان ابن عفان بمنى أربع ركعات فقيل لعبد اللّه بن مسعود فاسترجع، ثم قال: صليت مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر ركعتين، وصليت مع عمر بمنی رکعتین، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (3).
وأخرجا أيضاً عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : صلى بنا النبي والناس أكثر ما كانوا فكانت صلاته ركعتين (4).
ص: 408
وأخرج مسلم من عدة طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة: ان الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، قال الزهري فقلت لعروة مابال عائشة تتم في السفر. قال: انها تأولت كما تأول عثمان. انتهى بلفظ مسلم في أول كتاب صلاة المسافرين ص258 من جزئه الاول (1).
قلت : قال الفاضل النووي عند انتهائه الى هذا الحديث من شرح مسلم: اختلف العلماء في تأولهما فقيل: لان عثمان أمير المؤمنين وعائشة امهم فكأنهما في منازلهما، قال : وأبطله المحققون بأن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان أولى بذلك منهما وكذلك أبو بكر وعمر قال: وقيل بأن عثمان تأهل بمكة. وأبطلوه بأن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سافر بأزواجه وقصر.
وقيل : فعلا ذلك من أجل الاعراب الذين حضروا معه اثلا يظنوا ان الصلاة ركعتان ابداً حضراً وسفراً. وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجوداً فرض في زمن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان وعائشة أكثر مما كان(قال): وقيل لان عثمان وعائشة نويا الاقامة بمكة بعد الحج. وأبطلوه بأن الاقامة بمكة حرام على المهاجرين فوق ثلاث (فال): وقيل كان لعثمان أرض
ص: 409
بمنى. وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي الاتمام والاقامة، قال: والصواب انهما رأيا القصر جائزاً، والاتمام جائزاً فأخذا بأحد الجائزين (1).
قلت والحق ان مخالفتهما للنصوص لم تكن مقصورة على هذا المورد على أنه مما لم تهتك به حرمات، ولم تسفك به دماء، ولم تبح به أموال وأعراض كغيره من موارد تأولاتهما، فأمره سهل بالنسبة الى ما سواه مما تأولا فيه الادلة (2).
ص: 410
ص: 411
المورد - (73) - صلاة عائشة في السفر :
شرع اللّه تقصير الفرائض الرباعية في السفر في محكم كتابه وعلى لسان نبيه في الصحاح من سننه المقدسة، وعلى ذلك اجماع الامة كمابيناه آنفاً بلاخلاف ينقل عن أحد منهما، غير عثمان وعائشة، وقد تواتر عنهما الاتمام في السفر (1).
هذا مع ما أخرجه مسلم من عدة طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة نفسها: ان الصلاة أول ما فرضت ركعتين قالت عائشة فأذرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر. هذا حديثها بعين لفظه (2).
ص: 412
المورد - (74) - يوم زفت اسماء بنت النعمان الجونية عروساً الى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
وذلك فيما أخرجه حفظة الآثار بالاسناد الى حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه وكان بدرياً قال: تزوج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أسماء بنت النعمان الجونية فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة اخضبيها أنت !! وأنا أمشطها !! ففعلتا ثم قالت لها احداهما : ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعجبه من المرأة اذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللّه منك !!. فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مدّ يده اليها فقالت: أعوذ باللّه منك.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لكمه على وجهه فاستتر به وقال: عذت بمعاذ ثلاث مرات ثم خرج الى أبي اسيد فقال يا أبا اسيد الحقها بأهلها ومتعها برازقيتين يعني كرباسين. (وطلقها) فكانت تقول : ادعوني الشقية. قال ابن عمر قال هشام ابن محمد فحدثني زهير بن معاوية الجعفي انها ماتت كمداً (1).
المورد - (75) - :
يوم قال اهل الافك والزور ما قالوا في ابراهيم بن رسول اللّه وامه ام
ص: 413
المؤمنين مارية.
وذلك أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دخل بعدها على عائشة بولده ابراهيم - وكان فيه شبه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فسألها عن ذلك؟. قالت : فحملني ما يحمل النساء من الغيرة ان قلت مارأيت شبها !!. أرادت بهذا تأييد افك الافكين (نعوذ باللّه كما يدل عليه قولها فحملني ما يحمل النساء من الغيرة، لكن براً اللّه ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأمه على يد أمير المؤمنين براءة محسوسة بالباصرة ملموسة باليد، يثبت ذلك كله ما أخرجه الحاكم في صحيحه المستدرك و الذهبي في تلخيصه بالاسناد الى عائشة نفسها فراجع (1).
المورد - (76) - يوم المغافير :
وحسبك منه ما أخرجه البخاري (2) عن عائشة نفسها، قالت: كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة
ص: 414
على ايّتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير؟ قال: لا. ولكن أشرب عسلاعند زينب بنت جحش فلن اعود له، لا تخبري بذلك أحداً (1).
المورد - (77) - تكليفهما بالتوبة
وذلك لان التوبة لاتطلب الا من المذنب بمخالفته لاوامر اللّه عزوجل ونواهيه فقوله تعالى «اِنْ تَتُوبَا اِلَى اللّهِ» بمجرده دال على معصيتهما، على انه عز سلطانه صرح بمخالفتهما في قوله: «فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا» أي عدلت ومالت عن الحق الواجب عليهما (2).
المورد - (78) - تظاهرهما على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
وحسبك في ذلك قوله عز من قائل: «وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ» الآية (3).
ص: 415
أخرج البخاري في تفسيرها من صحيحه (1) عن عبيد بن حنين انه سمع ابن عباس يحدث انه قال: مكنت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله عنها هيبة لها حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجعت وكنا ببعض الطريق عدل الى الاراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من أزواجه فقال: تلك حفصة وعائشة الحديث وهو طويل (2) فراجعه وامعن في الاية وماتعطيك من ابتلائه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وابتلاء وصيته من بعده في أمتي المؤمنين اللتين أعد اللّه لدفاعهما عن رسوله مالا يعده لدفاع أهل الارض في الطول والعرض بل لا يعده لدفاع الثقلين من الانس والجن ولحربهما جميعاً
المورد - (79) - المثل العظيم في آخر سورة التحريم :
ألا وهو قوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» الآية (3) هذا ماضر به اللّه لهما مثلا لينذرهما به ولتعلما ان الزوجية بمجردها لاي كان لاتنفع ولا تضر
ص: 416
والنافع والضار للمرء انما هو علمه (1).
المورد - (80) - :
يوم أراد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يخطب لنفسه شراف أخت دحية الكلبي وذلك أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعث عائشة تنظر اليها فذهبت ثم رجعت، فقال لها رسولا. (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مارأيت؟. فقالت: ما رأيت طائلا !!. فقال لها رسول اللّه لقدر أيت طائلا! لقد رأيت خالا تجدها اقشعرت منه ذوائبك. فقالت يارسول اللّه مادونك سر ومن يستطيع أن يكتمك (2).
المورد - (81) - يوم خاصمت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى أبيها :
أخرج أهل السير والاخبار بالاسناد الى عائشة قالت: خاصمت النبي الى أبي بكر فقلت : يارسول اللّه أقصد (3) !!. فلطم أبوبكر خدي وقال : تقولين لرسول اللّه اقصد ؟!! وجعل الدم يسيل من أنفي. (الحديث) (4).
ص: 417
المورد - (82) - يوم اغضبها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
وذلك انها خرجت عن الحشمة معه يومئذ فكان مماقالت له: أنت الذي تزعم أنك نبي اللّه !!! (1).
أورده الغزالي في آداب النكاح ص 35 من الجزء الثاني من أحياء القلوب وذكره في الباب 94 من كتابه مكاشفة القلوب ص 237 فراجع.
المورد - (83) - ذمها لعثمان وامرها بقتله.
ان ممالاريب فيه لاحد من المؤرخين وأرباب السير والاخبار وأصحاب المسانيد ذم عائشة لعثمان، ونبزها اياه، وأمرها بقتله، وقد تظافرت الروايات عنها بكل ذلك، مرسلة به ارسال المسلمات ومسندة اليها السنن التي لاريب فيها (2).
ص: 418
قال ابن أبي الحديد - في المجلد الثاني من شرح النهج (1) - : كل من صنف في السير و الاخبار ذكر ان عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى أنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين اليها : هذا ثوب رسول اللّه لم يبل وعثمان قد أبلى سنته (قال) وقالوا: أول من سمى عثمان نعثلا (2) عائشة. وكانت تقول : «اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا» (3) (قال) : وروى المدائي في كتاب الجمل قال : لماقتل عثمان كانت عائشة بمكة، وبلغ قتله اليها فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الامر فقالت : بعداً لنعثل وسحقاً. قال : وقد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال : وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثم فسد أمره فدفعها الى علي.
(قال): قال أبو مخنف في كتابه ان عائشة لما بلغها قتل عثمان بمكة وهي أقبلت مسرعة وهي تقول : «ايه ذا الاصبع اللّه أبوك، أما انهم وجدوا طلحة لها
ص: 419
كفواً. قال: وقد روى قيس بن ابي حازم انه حج في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة، قال فسمعها تقول في بعض الطريق. ايه ذا الاصبع، واذا ذكرت عثمان قالت أبعده اللّه.
قال وروي من طريق آخر انها قالت لما بلغها قتله أبعده اللّه قتله ذنبه، وأفاده اللّه بعمله، يا معشر قريش لا يسوء نكم قتل عثمان كما ساء أو حيمر ثمود قومه. أحق الناس بهذا الامر لذو الاصبع - يعني طلحة - قال : فلما جاءت الاخبار ببيعة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت تعسوا تعسوا لايردون الأمر في تيم أبداً (1).
وستسمع قريباً ان شاء اللّه تعالى من أقوالها وأفعالها حول مقتل عثمان وبيعة علي ماتستك منه المسامع، وتأباه الشرائع، بنصوصها الصريحة كتاباً وسنة، وأدلتها القطعية. عقلية ونقلية.
المورد - (84) - بعض حديثها عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
وذلك انها كانت كثيراً ما ترسل عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الحديث مالا يمكن ان يصح بوجه من الوجوه.
فمن ذلك ما أخرجه البخاري وغيره في الصحاح اذ قالت : أول ما بدىء به رسول اللّه من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فجاءه الملك. فقال : اقرأ. قال ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال : اقرأ، فقلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من
ص: 420
علق. اقرأ وربك الاكرم. قالت عائشة : فرجع بها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يرجف بها فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني. زملوني. فزملوه فقال لخديجة وقد أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة : كلا واللّه لا يخزيك أبداً، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. قالت عائشة فانطلقت به خديجة حتى أتت به ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الانجيل بالعبرانية ماشاء اللّه أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمى. فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فأخبره رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بما رأى. فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل اللّه على موسى ياليتني فيها جذعاً شاباً ليتني أكون حياً اذ يخرجك قومك. فقال: أومخرجي هم؟. (الحديث) (1).
تراه نصاً في ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان - والعياذ باللّه - مرتاباً في نبوته بعد تمامها، وفي الملك بعد مجيئه اليه، وفي القرآن بعد نزوله عليه، وانه كان من الخوف على نفسه في حاجة الى زوجته تشجعه، والى ورقة الهم الاعمى الجاهلي المتنصر يثبت قدمه، ويربط على قلبه، ويخبره عن مستقبله اذ يخرجه قومه وكل ذلك ممتنع محال.
وقد أمعنا في أخذ الملك لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وغطّه اياه مرتين يبلغ منه الجهد فيأخذ نفسه ويرجف فؤاده، ويخيفه على مشاعره، فلم نجد له وجهاً يليق باللّه تعالى ولا بملائكته ولا برسله، ولاسيما مع اختصاص خاتم النبيين
ص: 421
بهذا، اذ لم ينقل عن أحد منهم (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) انه جرى له مثل ذلك عند ابتداء الوحي اليه كما صرح به بعض شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري (1).
وقد وقفنا على المحاورة التي جرت - بمقتضى هذا الحديث السخيف - بین الملك والنبي فرأينا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعيدا كل البعد عن فهم مراد الملك من تکلیفه اياه بالقراءة، اذ قال له : اقرأ. فقال : ما أنا بقارىء، فان مراد الملك ان يتابعه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما يتلوه عليه، لكن النبي انما فهم منه أن ينشىء القراءة في حال انه لم يكن قارئاً، وكأنه ظن - والعياذ باللّه - أن يكلفه بغير المقدور وكل ذلك ممتنع ومحال، ومامن شك في انه قرية ضلال، وهل يليق بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن لا يفهم خطاب الملك ؟ أو يليق بالملك ان يكون قاصراً عن الاداء فيما يوحيه عن اللّه، تعالى اللّه * ورسله عن ذلك.
فالحديث باطل من حيث متنه وباطل من حيث سنده، وحسبك في بطلانه من هذه الحيثية كونه من المراسيل، بدليل انه حديث عما قبل ولادة عائشة بسنين عديدة فانها انما ولدت بعد المبعث بأربع سنين في أقل ما يفرض، فأين هي عن مبدء الوحي ؟؟ وأين كانت حين نزول الملك في غار حراء على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟
فان قلت: أي مانع لها أن تسند هذا الحديث الى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذا سمعته ممن حضر مبدأ الوحي.
قلنا: لامانع لها من ذلك، غير ان هذا الحديث في هذه الصورة لايكون حجة، ولا يوصف بالصحة، وانما يكون مرسلا، حتى نعرف الذي سمعته
ص: 422
منه، ونحرز عدالته، فان المنافقين على عهد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كانوا كثيرين، وكان فيهم من يخفي نفاقه على عائشة، بل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ» (1).
والقرآن الكريم يثبت كثرة المنافقين على عهد النبي، واخواننا يوافقوننا على ذلك، لكنهم يقولون ان الصحابة بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأجمعهم عدول، حتى كأن وجود النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بين ظهرانيهم كان موجباً لنفاق المنافقين منهم، فلما لحق بالرفيق الأعلى، وانقطع الوحي، حسن اسلام المنافقين وتم ايمانهم، فاذا هم أجمعون اكتعون أبصعون ثقات عدول مجتهدون، لا يسألون عما يفعلون وان خالفوا النصوص ونقضوا محكماتها.
وهذا الحديث يمثل سائر مراسيلها «يَالَيتَ قَومِي يَعلَمُونَ» (2).
المورد - (85) - خروجها على الامام :
وحسبك خروجها على الامام طلباً بدم عثمان بعد تحاملها عليه، واغرائها الناس به وقولها فيه ماقالت (3).
ص: 423
وقد قال اللّه تعالى فيما أمر به نساء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في محكمات الكتاب من سورة الاحزاب «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (1)، لكن السيدة خرجت على الامام بعد انعقاد البيعة له، و اجماع أهل الحل والعقد عليه، وكان أول من بايعه طلحة والزبير من السابقين الأولين الى ذلك (2).
خرجت هذا الخروج من بيتها الذي أمرها اللّه أن تقر فيه، وكان خروجها على قعود من الابل، تقود ثلاثة آلاف من طغام الناس، وأوباش العرب، وفيهم - بكل أسف - طلحة والزبير، وقد نكنا البيعة، فكانت تعلو بجيشها الجبال، وتهبط الاودية، وتجوب الفيافي وتقطع المفاوز والقفار، حتى أتت البصرة وعليها من قبل أمير المؤمنين عثمان بن حنيف الانصاري، ففتحها بعد تلك الدماء المسفوكة، والحرمات المهتوكة، وكان ما كان مما لم يكن في الحسبان من فظائع وفجائع فصلها أهل السير والاخبار، وتعرف هذه الواقعة عندهم بوقعة الجمل الاصغر، وكان لخمس بقين من ربيع الثاني سنة ست وثلاثين للّهجرة، وذلك قبل مجيء علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى البصرة (3).
ثم لما أتى الى البصرة بمن معه نهدت اليه عائشة بمن معها تذوده عنها،
ص: 424
فكف يده ودعاها الى السلام بكلام يأخذ بالاعناق الى ذلك، لكنها أصرت على الحرب وبدأته بالقتال، فلم يسعه حينئذ الا العمل بقوله تعالى: «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» (1) وبذلك فتح اللّه عليه، لكن بعد جهاد عظيم أبلى فيه المؤمنون بلاء حسناً، وتسمى هذه الواقعة وقعة الجمل الاكبر وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين للّهجرة. وهاتان الوقعتان متواترتان تواتر وقعات صفين والنهروان وبدر وأحد والاحزاب، وقد فصلهما من فصل حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة (2) وذكرهما أو أشار اليهما كل من أرخ حياة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعائشة وسائر من كان مع كل منهما من الصحابة والتابعين من أهل المعاجم والتراجم (3).
ص: 425
حول هذه المأساة
وقال كل من صنف في السير والاخبار «فيما نص عليه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1)» : ان عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى انها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين اليها : هذا ثوب رسول اللّه لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته (2).
(قالوا) : أن أول من سمى عثمان نعثلا لعائشة، وكانت تقول: «اقتلو انعثلا قتل اللّه نعثلا اقتلوا نعثلا فقد كفر» (3) وكان طلحة والزبير من أشد المؤلبين عليه وأشدهما كان طلحة (4) وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من اثبات السير (قالوا) : لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة، وحين بلغها قتله لم تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الامر، فقالت : بعداً لنعثل وسحقاً ايه ذا الاصبع ايه أباشبل ايه يا ابن عم، لكأني أنظر الى اصبعه وهو يبايع (5)
ص: 426
(قالوا) : وكان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال، وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثم لما فسد أمره دفعها الى علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1).
وروى الطبرى (2) وغيره بالاسناد الى أسد بن عبد اللّه عمن أدركهم من أهل العلم : ان عائشة لما انتهت الى سرف راجعة في طريقها الى مكة، لقيها عبد ابن أم كلاب، وهو عبد ابن أم سلمة ينسب الى أمه، فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان فمكثوا ثمانياً. قالت: ثم صنعوا ماذا. قال : أخذها أهل المدينة بالاجماع، فجازت بهم الامور الى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: واللّه ليت أن هذه انطبقت على هذه ان تم الامر لصاحبك، ردوني ردوني فارتدت الى مكة وهي تقول: قتل واللّه عثمان مظلوماً، واللّه لاطلين بدمه. فقال لها ابن أم كلاب ولم؟ فواللّه ان أول من أمال حرفه لانت، ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت انهم استنادوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الاخير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب :
فمنك البداء ومنك الغير***ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الامام***وقلت لنا انه قد کفر
فهبنا اطعانك في قتله***وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا***ولم تنكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرؤ***يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها***وما من وفى مثل من قد غدر (3)
ص: 427
قال : فانصرفت الى مكة فنزلت على باب المسجد، فقصدت الحجر واجتمع الناس اليها فقالت : يا أيها الناس ان عثمان قتل مظلوماً، واللّه لاطلبن بدمه (1) وأثارتها فتنة عمياء بكماء انتقاماً من علي خليل النبوة، والمخصوص بالاخوة، وما كان بالقاتل لعثمان أو المحرض عليه، أو الراضي بقتله (2) وكان مما قالته - كما في الكامل (3) لابن الاثير وغيره : ان الغوغاء من أهل الامصار، وأهل المياه، وعبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل فقتلوه ظلماً، ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه.
وقد استعمل أمثالهم من كان قبله، ومواضع من الحمى حماها، فتاب ونزع لهم عنها. فلما لم يجدوا حجة ولا غدراً بادره بالعدوان، فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، وأخذوا المال الحرام، واللّه لاصبع من عثمان خير من طباق الارض أمثالهم، وواللّه لو أن الذي اعتدوا به علیه كان ذنباً لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه، أو الثوب من درنه اذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء. فقال عبد اللّه بن عامر الحضرمي، وكان عامل عثمان على مكة : ها أنا أول طالب. وتبعه بنو أمية على ذلك، وكانوا
ص: 428
هربوا من المدينة بعد قتل عثمان الى مكة (1).
موقف أم سلمة في هذه الفتنة
ذكر أهل السير والاخبار - كما في ص 77 والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي - : ان عائشة جاءت الى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها : يا ابنة أبي أمية أنت أول مهاجرة من ازواج النبي، وأنت أكبر أمهات المؤمنين، وكان رسول اللّه يقسم لنا في بيتك، وكان تبرائيل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت لها أم سلمة : لامر ما قلت هذه المقالة فقالت عائشة: ان القوم استابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في الشهر الحرام وقد عزمت على الخروج الى البصرة، ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا لعل اللّه يصلح هذا الامر على أيدينا. فقالت أم سلمة : انك كنت بالامس تحرضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وماكان اسمه عندك الا نعثلا، وانك لتعرفين منزلة علي عند رسول اللّه؟.
قالت: نعم. قالت: أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى اذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال فأردت ان تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟. فقلت: أتيتهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي : ليس لي من رسول اللّه الا يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟. فأقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علي وهو محمر الوجه غضباً فقال: ارجعي وراءك واللّه لا يبغضه احد من الناس الا وهو خارج من الايمان فرجعت نادمة ساخطة.
ص: 429
فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك (1) قالت وأذكرك أيضاً: كنت أنا وأنت مع رسول اللّه، فقال لنا أيتكن صاحبة الجمل الادب (2) تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟ فقلنا نعوذ باللّه وبرسوله من ذلك فضرب على ظهرك فقال: اياك أن تكونيها ياحميراء. قالت أم سلمة: أما أنا فقد أنذرتك قالت عائشة: أذكر ذلك (3) فقالت أم سلمة واذكري أيضاً يوم كنت أنا وأنت مع رسول اللّه في سفر له، وكان علي يتعاهد نعل رسول اللّه فيخصفها. و ثيابه فيغسلها، فنقب نعله فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر، وقمنا الى الحجاب ودخلا يحدثانه فيما أراد الى أن :قالا يارسول اللّه انا لاندري أمد ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً. فقال لهما : أما اني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم هنه كما تفرق بنواسرائيل عن هارون فسكتا ثم خرجا، فلما خرجا خرجنا الى رسول اللّه فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا: يارسول اللّه من كنت مستخلفاً عليهم؟ فقال: خاصف النعل فنزلنا فرأيناه علياً فقلت: يارسول اللّه ما أرى الا علياً.
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): هو ذاك. قالت عائشة: نعم اذكر ذلك. فقالت لها أم سلمة فأي خروج تخرجين بعد هذا ياعائشة. فقالت: انما أخرج للاصلاح بين الناس (4).
ص: 430
وجاءتها أم سلمة بعد هذا - فيمارواه أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث - فنهتها عن الخروج بكلام شديد جاء فيه ان عمود الاسلام لا يثاب بالنساء ان مال ولا يرأب بهن ان صدع حماديات النساء غض الأطراف، وخفر الاعراض ماكنت قائلة لو أن رسول اللّه عارضك في بعض هذه الفلوات، ناصة قلوصا من منهل الى آخر ؟ واللّه لوسرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمداً هاتكة حجابا ضربه عليّ، الى آخر كلامها (1) الذي لم تصغ اليه عائشة.
وحينئذ كتبت أم سلمة الى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من مكة.
أما بعد: فان طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة ومعهم عبداللّه بن عامر، يذكرون أن عثمان قتل مظلوماً واللّه كافيهم بحوله وقوته، ولولا مانهانا اللّه عن الخروج، وأنت لم ترض به لم أدع الخروج اليك والنصرة،لك، ولكني باعثة اليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن أبي سلمة يشهد مشاهدك فاستوص به يا أمير المؤمنين خيراً، فلما قدم عمر على علي أكرمه، ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها (2).
ص: 431
موقف حفصة
أرسلت عائشة الى حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين (كمانص عليه غير واحد من اثبات أهل الاخبار) تسألهن الخروج معها الى البصرة (1) فما أجابها الى ذلك منهن الا حفصة، لكن أخاها عبد اللّه أتاها فعزم علیها بترك الخروج فحطت رحلها بعد أن همست (2).
موقف الاشتر
وكتب الاشتر من المدينة الى عائشة وهي بمكة : أما بعد فانك ظعينة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقد أمرك أن تقري في بيتك، فان فعلت فهو خير لك، وان أبيت الا أن تأخذي منسأتك، وتلقي جلبابك، وتبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك الى بيتك، والموضع الذي يرضاه لك ربك.
القيادة العامة في هذه الفتنة
كانت القيادة العامة فيها لعائشة، تصدر الأوامر وتنظم العساكر، وتعين الامراء، وتعزل منهم من تشاء (3)، وتوجه الرسل بكتبها التي أشاعتها في
ص: 432
المسلمين تؤلبهم على أمير المؤمنين، وتدعوهم الى نصرتها عليه، قلباها من لباها، ورد عليها جماعة من ذوي البصائر وأولي الألباب، لكن بني أمية بذلوا لهذا الخروج أموالهم، وأقبلوا من كل حدب الى حيث وقفت، وكان مروان فى جيشها، لكنه كان يرمي بنبله تارة جيشها وأخرى جيش علي ويقول أيهما أصيب كان الفتح، حتى قيل هو الذي رمى طلحة فقتله (1).
خروج عائشة من مكة الى البصرة
ولما أرادت عائشة الخروج من الى مكة البصرة، جمعت اليها بني أمية وأولياءهم فأداروا الرأي، فقال بعضهم: نسير الى علي فنقاتله، فقالت عائشة وجماعة آخرون ليس لكم طاقة بأهل المدينة، وقال بعضهم: نسير الى الشام. فقالت عائشة وغيرها : يكفيكم الشام معاوية، ولكن نسير حتى ندخل البصرة
ص: 433
والكوفة، ولطلحة في الكوفة هوى، وللزبير بالبصرة أولياء، فاتفقوا على ذلك.
وحينئذ تبرع عبد اللّه بن عامر لهم في مال كثير، و ابل كثيرة، وأعانهم يعلى بن أمية بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا منهم، وحمل عائشة على جمل يقال له عسكراً (1) وكان عظيم الخلق شديداً، فلما رأته أعجبها، وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته، ويسميه في أثناء كلامه عسكراً، فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت ان رسول اللّه ذكره لها بهذا الاسم ونهاها عن ركوبه فطلب لها الناس غيره فلم يجدوا لها ما يشبهه فغيروا لها جلاله وقالوا لها : أصبنا لك أعظم منه وأشد قوة. فهدأ روعها ورضيت به (2) وما خرجت من مكة حتى استنفذت مافي وسع الامويين من نصرة لها ثم مضت على غلوائها.
ماء الحواب
روى الاثبات من أهل الاخبار، عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول اللّه انه قال يوماً لنسائه وهن جميعاً عنده: أيتكن صاحبة الجمل الادب، تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار، وتنجو بعد ما كادت؟ (3).
ص: 434
وقد روى جميع أهل السير والاخبار : ان عائشة لما انتهت في مسيرها الى الحوأب، وهو ماء لبني عامر بن صعصعة نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب ابلها، فقال قائل من أصحابها ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وأشد نباحها. فأمسكت أم المؤمنين بزمام بعيرها وقالت وانها لكلاب الحوأب ؟ !! ردوني ردوني فاني سمعت رسول اللّه يقول. وذكرت الحديث.
فقال لها قائل: مهلا يرحمك اللّه فقد جزنا ماء الحوأب فقالت : هل من شاهد؟ فلفقوا لها خمسين أعرابياً جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها ان هذا ليس بماء الحوأب (1) فسارت لوجهها حتى انتهت الى حفر أبي موسى قريباً من البصرة (2).
ص: 435
موقف ابی الاسود الدؤلى من عائشة وطلحة والزبير
لما انتهت عائشة بجيشها الى حفر أبي موسى، أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل أمير المؤمنين على البصرة أبا الاسود الدولي الى القوم ليعلم له علمهم، فدخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت: أطلب بدم عثمان. :قال انه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد قالت: صدقت، ولكنهم مع علي ابن أبي طالب في المدينة، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟! فقال لها : ما أنت من السوط والسيف، انما أنت حبيس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمرك أن تقري في بيتك وتتلي کتاب ربك، وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء، وان أمير المؤمنين لاولى بعثمان منك وأمس رحماً، فانهما أبناء عبد مناف، فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت اليه أفتظن يا أبا الاسود ان أحداً يقدم على قتالي ؟! قال أما واللّه لنقاتلنك قتالا أهونه الشديد !.
ثم قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبد اللّه عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لاأحد أولى بهذا الامر من علي بن أبي طالب، فأين هذا المقام من ذاك؟ فذكر له دم عثمان فقال: انما أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق الى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب الى طلحة فوجده
ص: 436
سادراً في غيه مصراً على الحرب والفتنة، فرجع حينئذ الى عثمان بن حنيف فقال: انها الحرب فتأهب لها (1).
عائشة وابن صوحان
كتبت عائشة - وهي في البصرة - الى زيد بن صوحان العبدي: من عائشة ام المؤمنين بنت أبي بكر الصديق زوجة رسول اللّه، الى ابنها الخالص زيد ابن صوحان (اما بعد) فأقم فى بيتك وخذل الناس عن ابن ابي طالب وليبلغني عنك ما أحب فانك أوثق أهلي عندي والسلام.
فأجابها - كمافي شرح النهج الحديدي الحميدي - : من زيد بن صوحان الى عائشة بنت أبي بكر.
(أما بعد) فان اللّه أمرك بأمر، وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا ان نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني ان أصنع خلاف ما أمرني اللّه به، فأكون قد صنعت ما أمرك به اللّه وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك لا جواب له (2).
جارية بن قدامة السعدي وعائشة
روى الطبري، بالاسناد إلى القاسم بن محمد بن أبي بكر قال (3): أقبل
ص: 437
جارية بن قدامة السعدي على عائشة فقال: يا أم المؤمنين واللّه لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، انه قد كان لك من اللّه ستر و حرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، انه من رأى قتالك فانه يرى قتلك ان كنت أتيتنا طائعة فأرجعي الى منزلك، وان كنت أتيتينا مستكرهة فاستعيني بالناس (1).
شاب من بنی سعد يؤنب طلحة والزبير فيقول لهما
صنتم حلائلكم وقدتم امكم***هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها***فهوت تشق البيد بالايجاف
غرضاً يقاتل دونها ابناؤها***بالنبل والخطي والاسياف (2)
غلام من جهينة ومحمد بن طلحة
أقبل الجهيني على محمد بن طلحة فقال: أخبرني عن قتلة عثمان. فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الاحمر يعني أباه طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب فضحك الغلام الجهيني ولحق بعلي وهو يقول :
سألت ابن طلحة عن هالك***بجوف المدينة لم يقبر
فقال ثلاثة رهط هم***أماتوا ابن عفان فاستعبر
فثلث على تلك في خدرها***وثلث على راكب الاحمر
ص: 438
وثلث على ابن أبي طالب***ونحن بدوية قرقر
فقلت صدقت على الاولين***وأخطأت في الثالث الازهر (1)
الاحنف بن قيس وعائشة
روى البيهقي في المحاسن والمساوي (ج 1 ص 35) عن الحسن البصري ان الاحنف ابن قيس قال لعائشة يوم الجمل : يا أم المؤمنين هل عهد اليك رسول اللّه هذا المسير؟ قالت: اللّهم لا. قال: فهل وجدته في شيء من كتاب اللّه جل ذكره قالت ما نقرأ الا ما تقرأون. قال: فهل رأيت رسول اللّه عليه الصلاة والسلام استعان بشيء من نسائه اذا كان في قلة والمشركون فى كثرة قالت : اللّهم لا. قال الأحنف: فاذا ماهو ذنبنا ؟ (2).
وفي رواية اخرى انه قال لها : يا أم المؤمنين اني سائلك ومغلظ لك في المسألة فلا تجدي علي. فقالت له : قل نسمع. قال : أعندك عهد من رسول اللّه في خروجك هذا ؟. فلم يكن في وسعها الا أن تقول : لا. فقال : أعندك عهد منه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انك معصومة من الخطأ ؟ قالت: لا. قال: صدقت ان اللّه رضي لك المدينة فأبيت الا البصرة، وأمرك بلزوم بيت نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فنزلت بيت أحد بني ضبة، ألا تخبريني يا أم المؤمنين أللحرب قدمت أم للصلح ؟ أجابت وهي متألمة : بل للصلح. فقال لها : واللّه لو قدمت وليس بينهم الا الخفق بالنعال والرمي بالحصى ما اصطلحوا على يديك فكيف والسيوف على عواتقهم ؟
ص: 439
فأحرجها قائلة : الى اللّه أشكو عقوت أبنائي.
عبداللّه بن حكيم التميمي وطلحة
جاء عبد اللّه بن حكيم يناشد طلحة فيقول له (1) : يا أبا محمد أما هذا كتبك الينا ؟ قال طلحة: بلى قال : كتبت أمس تدعونا الى خلع عثمان وقتله، حتى اذا قتلته أتيتنا ثائراً بدمه ! فلعمري ماهذا رأيك ان تريد الا هذه الدنيا، فمهلا مهلا. ولم قبلت من علي ماعرض عليك من البيعة، فبايعته طائعاً راضياً، ثم نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك ؟ فقال: ان علياً دعاني الى بيعته بعدما بايعه الناس (2)، فعلمت اني لولم أقبل ما عرضه عليّ لم يتم لي الامر، ثمّ يغري بي من معه (3).
حكيم من بنى جشم ينصح أهل البصرة
لما انتهت عائشة بمن معها الى المربد - مكان من البصرة - قام الجشمي يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول (4) : أنا فلان بن فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فان أتوكم خائفين، فانما أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وان كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي
ص: 440
قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فانكم ان لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس والفتنة الصماء، فحصبه من أهل البصرة أشياع الجمل (1).
خطاب عائشة فى أهل البصرة
ثم أقبلت عائشة على جملها عسكر، فنادت بصوت مرتفع (2) : أيها الناس أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت : أيها الناس ان أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوماً تائباً، وانما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة فقتلوه محرماً في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحاً كما يذبح الجمل، ألا وان قريشاً رمت غرضها بنبالها وأدمت أفواهها بأيديها، ومانالت بقتلها اياه شيئاً، ولا سلكت به سبيلا قاصداً، أما واللّه ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم الجالس، وليسلطن اللّه عليهم قوماً لا يرحمونهم، يسومونهم سوء العذاب.
أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه ماصوه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته وخروجه من ذنبه، وبايعوا ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازاً وغصباً، أترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ! ألا ان عثمان قتل مظلوماً فاطلبوا قتلته، فاذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك
ص: 441
في دم عثمان.
قال أهل السير والاخبار : فماج الناس واختلفوا. فمن قائل : القول ما قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول : ماهي وهذا الامر انما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها وارتفعت الاصوات وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى، ثم تمايزوا فريقين فريقاً مع عثمان بن حنيف، وفريقاً مع عائشة وأصحابها (1).
وقوف الفريقين للقتال
ثم أصبح الفريقان من غد، فصفا للحرب، وخرج عثمان بن حنيف (2) فناشد عائشة اللّه والاسلام، وأذكر طلحة والزبير بيعتهما علياً. فقالا : نطلب بدم عثمان فقال لهما : وما أنتما وذاك، أين بنوه؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم ؟ كلا ولكنكما حسدتما علياً حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الامر، وتعملان له وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما؟! فشتماه شتماً قبيحاً وذكرا أمه فقال للزبير : لولا صفية ومكانها من رسول اللّه، فانها أدنتك الى الظل، وان الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة.
ثم قال : اللّهم اني قد أعذرت. ثم حمل فاقتتل الناس قتالا شديداً، ثم تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة، فصلها المؤرخون، أرجأوا فيها الامر الى ما بعد وصول أمير المؤمنين الى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه
ص: 442
من الصلح عهد اللّه وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين (1).
لكن عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف وأصحابه، فلما استوثق لاصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا الى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف اليه واقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم أصحاب الزبير وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل المسجد : الانتقون باللّه يا أصحاب محمد؟ وقد طلعت الشمس، فغلب الزبير وصلي بالناس.
فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين أن خذوا عثمان بن حنيف فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه، وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون رجلا من المؤمنين من شيعة علي فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف الى عائشة فقالت لابان بن عثمان : اخرج اليه فاضرب عنقه فان الانصار قتلوا أباك.
فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة وباطلحة وياز بيران أخي سهلا خليفة علي على المدينة، وأقسم باللّه ان لو قتلت ليضعن السيف في نبي أبيكم ورهطكم فلايبقي ولايذر. فكفوا عنه، وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس بيت المال وقالت له : قد بلغني الذى صنعوا بك، فذبحهم واللّه الزبير كما
ص: 443
يذبح الغنم، ولي ذلك منهم ابنه عبد اللّه وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة مستمسكين بيت المال قالوا : لاندفعه اليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار اليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيراً فقتلهم صبراً. فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف أول غدركان في الاسلام، وكان قتل الشرطة وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبراً، وكانوا مائة و عشرين رجلا، وقيل كانوا (كما في 501 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي) أربعمأة رجل (1).
ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: فارقتك شيخاً وجئتك أمرد. فقال علي : انا للّه وانا اليه راجعون. يقولها ثلاثاً (2) وقد مني (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذه المأساة بغصة لاتساغ، كان يشكوبثه فيها وحزنه الى اللّه فيقول على المنبر : «اللّهم اني استعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هولي ثم قالوا : ألا ان في الحق ان تأخذه، وفي الحق أن تتركه» (3) (ثم ذكر أصحاب الجمل فقال): «فخرجوا يجرون حرمة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها الى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول اللّه لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل الا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعأ غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبراً وطائفة غدراً...» الخطبة وهي في نهج
ص: 444
البلاغة (1).
موقف حكيم بن جبلة (2)
لما بلغ حكيم بن جبلة ماصنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم خرج في ثلثمائة من عبد القيس وكان سيدهم. فخرج القوم اليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الاصغر، ويومها مع علي يوم الجمل الاكبر. وتجالد الفريقان بالسيوف وأبلى حكيم واصحابه بلاء حسناً، لكن شد رجل من الازد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجل فقطعها، ووقع الازدى عن فرسه فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الازدي فصرعه ثم دب اليه فقتله خنقاً متكئاً عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحکیم انسان وهو يجود بنفسه فقال له : من فعل بك هذا ؟ قال : وسادي فنظر فاذا الازدي تحته.
و كان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل البيت، وقد قتل معه ابنه الاشرف واخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم وهم ثلثمائة من عبد القيس وكلهم من الاخيار وربما كان بعض المقتوليسن يومئذ من بكر بن وائل.
فلما صفت البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا ابن حنيف عنها. اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليماً له، ورضي بتقدمه،
ص: 445
فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الامامة يوماً لعبد اللّه بن الزبير، ويوماً لمحمد ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا مافيه من الأموال قرأ الزبير - وقد استفزه الفرح - : «وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ» فنحن أحق بها من أهل البصرة (1).
هذا مجمل ما كان في البصرة من الاحداث قبل وصول أمير المؤمنين اليها.
وصول على الى البصرة والتقاء الجمعين
ثم جاء علي بعدها الى البصرة بمن معه فنهدت اليه عائشة بمن معها تذوده عنها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه في اصلاح ذات البين على ما يرضي اللّه تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل مبلغ من قول أو فعل.
حتى روى ابن جرير الطبري (2) وغيره من اثبات اهل السير والاخبار ان علياً دعا اليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبيله بمسمع منه وهي قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم» (3) فانصرف عنه الزبير
ص: 446
وقال : فاني لا أقاتلك ورجع الى ابنه عبد اللّه فقال : مالي في هذا الحرب بصيرة، فقال له ابنه انك قد خرجت على بحيرة ولكنك رأيت رايات ابن ابي طالب وعرفت ان تحتها الموت فجبنت فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال ويحك اني قد حلفت له أن لا أقاتله، فقال ابنه : كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم (1).
وقال الطبري : وكان علي قال للزبير : أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط اللّه على أشدنا عليه اليوم مايكره (2)، ودعا علي طلحة فقال: باطلحة جئت بعرس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني؟. قال : بايعتك وعلى عنقى اللج، وأصرّ طلحة على الحرب.
وحينئذ رجع علي الى أصحابه فقال لهم (فيما حكاه الطبري وغيره): أيكم يعرض عليهم هذا المصحف (3) وما فيه، فان قطعت يده أخذه بيده الأخرى فان قطعت أيضاً أخذه بأسنانه. قال فتى شاب : أنا، فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله الا ذلك الشاب. فقال له علي : أعرض عليهم هذا
ص: 447
وقل هو بيننا وبينكم من أوله ألى آخره، واللّه اللّه في دمائنا ودمائكم. فلما جاءهم الفتى حملوا عليه وفي يده المصحف فقطعوا يديه، فأخذه بأسنانه حتى قتل، وعندئذ قال علي لاصحابه : قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم
ورثت أم الغلام المرسل بالمصحف بقولها فيما رواه الطبري (1):
لاهم ان مسلما دعاهم***يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم
وامهم قائمة تراهم***يأتمرون الغي لا تناهم
قد خضبت من علق لحاهم (2)
وبرزت ربه الجمل والهودج الى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة ونزت فيه سورة الانفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة، قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به الى الموت دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت : من القوم عن يساري ؟. فأجابها صبرة بن شيمان (كما في الكامل لابن الأثير وغيره) : نحن بنوك الازد. فقالت : يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول القائل :
وجالد من غسان أهل حفاظها***و كعب وأوس جالدت وشبيب
فكان الازد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن يمينها : من القوم عن يميني ؟. قالوا : بكر بن وائل. قالت : لكم يقول القائل :
وجاءوا الينا في الحديد كأنهم***من العزة القعساء بكر بن وائل
ص: 448
انما بازائكم عبد القيس.
و أقبلت على كتيبة بين يديها فقالت من القوم ؟ قالوا : بنو ناجية قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلاداً يتفادى منه، فكأنما أشعلت فيهم من الحماسة ناراً تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين يقولون :
يا أمنا يا زوجة النبي***يا زوجة المبارك المهدي
نحن بنوضية لانفر***حتى نرى جما جما تخر
يخر منها العلق المحمر
وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد ان قتل على خطامه أربعون رجلا وكانت الهزيمة بأذن اللّه. ولو عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها، ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعادها اللّه منه في هذه الفتنة العمياء التي شفت عصا المسلمين الى يوم الدين وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلا وما بعدها. حتى نكبة فلسطين، في عصرنا هذا.
لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة بعقره، وما ان هوى بالهودج حتى آواه - وفيه عائشة - الى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمداً ليقوم بمهامها في نسوة من الصالحات، ومن على محاربيه و تفضل عليهم، وأطلق الاسرى من أعدائه الالداء، واختص عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم. وفضله العميم، وحكمته البالغة وهذا كله معلوم بحكم الضرورة من كتب السير والاخبار.
وتسمى هذه الوقعة وقعة الجمل الاكبر. وكانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، وتفصيل الوقعتين في كتب السير والتواريخ فلتراجع.
ص: 449
وقد كانت القتلى يوم الجمل الاكبر ثلاثة عشر الفاً من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير بكل أسف، واستشهد يومئذ من أولياء علي - اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه (1).
هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول اللّه ووليه ووارثه ووصيه (2) وانه يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله (3) وانه
ص: 450
منه بمنزلة هارون من موسى الا في النبوة (1) وقد سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اللّه يقول : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره و اخذل من خذله» (2)، «رحم اللّه علياً اللّهم أدر الحق معه حيث دار» (3).
ص: 451
وقد شهدت حجة الوداع مع رسول اللّه فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمراً أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى، منذراً بضلال من لم يأخذ بهما معاً (1).
و يوم الغدير رأته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد رقى منبر الحدائج يعهد الى علي عهده، ويوليه على الامة بعده، بمسمع ومنظر من تلك الالوف المؤلفة قافلة من حجة الوداع، حيث تفترق بهم الطرق الى بلادهم (2).
ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم : «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» أخرجه كل من الامامين أحمد في مسنده (3) والحاكم في صحيحه المستدرك، والطبراني في الكبير، ورواه الترمذي بسنده الصحيح الى زيد بن أرقم، كما في ترجمة الزهراء من الاصابة (4).
ص: 452
و رأته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ جللّهم بكسائه يقول حينئذ : «أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم» (1) الى كثير من أمثال هذه النصوص الصحيحة التي لم يخف شيء منها على أم المؤمنين فانها عيبة الحديث حتى قيل عنها :
حفظت أربعين ألف حديث***ومن الذكر آية تنساها (2)
و حسبها ماقد رواه أبوها أبو بكر اذ قال : رأيت رسول اللّه اللّه خيم
ص: 453
خيمة (1) وهو متكيء على قوس عربية، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم، لا يحبهم الا سعيد الجد طيب المولد. ولا يبغضهم الاشقي الجد رديء المولد» (2).
فهل ياترى كانت ام المؤمنين في هذا الخروج وما اليه تريد اللّه و رسوله والدار الآخرة، وأنها من المحسنات ؟ تبتغي بذلك الاجر والثواب الذي وعد اللّه به نساء نبيه اذ يقول : «وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا» (3).
أم كانت ترى أن بينها و بين اللّه هوادة، تبيح لها ماقد حرمه اللّه على العالمين ؟ فارتكبت بخروجها - على الامام - ما أرتكبت آمنة من وعيده اذ يقول : «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ
ص: 454
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرَاً» (1).
أم أنها ياترى رأت خروجها ذلك الخروج، عبادة اللّه وقنوتاً منها له ولرسوله وعملا صالحاً ؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى: «وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا» (2) !
أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ» (3).
وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها اللّه أن تقرء فيه ؟ ورأت قيادتها لتلك الجيوش سرداقاً ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية الأولى : ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة اللّه ورسوله ؟ (4).
ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر اللّه ونهيه اذ يقول عز وجل: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (5).
وماذا تقول ؟ أو يقول أولياؤها ؟ في خطاب اللّه لها ولصاحبتها بقوله : «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (6) وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ
ص: 455
وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (1)، عَسَىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ» (2).
وحسبهما من اللّه تعالى حجة عليهما، مثله العظيم، الذي ضربه لهما في سورة التحريم، أعني قوله عز من قائل : «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (3).
وللّه قول من يقول من أبطال أهل البيت علماً وعملا :
عائش ما نقول في قتالك***سلكت في مسالك المهالك و
حسبك ما أخرج البخاري***من الصحيح مومنا للدار (4)
ص: 456
قد قيل تبت وعلي غمضا***«فلم سجدت الشكر لما قبضا» (1)
ولم ركبت البغل في يوم الحسن***تؤججين نار هاتيك الفتن (2).
ص: 457
ص: 458
المورد - (86) - :
ذلك ما فعله خالد بن الوليد يسوم فتح مكة، وقد نهاه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يومئذ عن القتل والقتال، كما نص عليه أهل السير والاخبار، ورواه أثبات المحدثين بأسانيدهم الصحيحة، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) له يومئذ وللزبير : «لاتقاتلا الا من قاتلكما». ولكن خالداً قاتل مع ذلك وقتل نيفاً وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مكة، فرأى امرأة مقتولة، فسأل حنظلة الكاتب : من قتلها ؟ قال : خالد بن الوليد. فأمره أن يدرك خالد أفينهاه أن يقتل امرأة أو وليداً، أو عسيفاً - أي أجيراً - (1) الى آخر ما تجده من هذه القضية في عبقرية عمر للاستاذ العقاد ص 266.
ص: 459
المورد - (87) - بطشته الجاهلية في بني جذيمة :
وقد أرسله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اليهم، داعياً لهم الى الاسلام (1)، ولم يبعثه مقاتلا، وكان بنو جذيمة قتلوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة. فلما جاءهم بمن معه قال لهم : ضعوا أسلحتكم فان الناس قد أسلموا. فوضعوا أسلحتهم، وأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة (2) فلما انتهى الخبر الى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) رفع يديه الى السماء فقال كما في باب بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة من كتاب المغازي من صحيح البخاري (3): «اللّهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد. مرتين» (4).
ثم أرسل علياً - كما في تاريخي ابن جرير وابن الاثير وغيرهما - ومعه مال وأمره أن ينظر في أمرهم، فودى لهم الدماء والاموال حتى انه ليدي
ص: 460
ميلغة الكلب وبقى معه من المال فضلة فقال لهم : هل بقي لكم مال أو دم لم يؤد ؟ قالوا لا. قال : فاني أعطيكم هذه البقية احتياطاً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ففعل ثم رجع فأخبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : أصبت وأحسنت - هذا ما نقله المؤرخون ومترجموا خالد - حتى قال ابن عبدالبر بعد ان ذكر هذا الخبر عنه في ترجمته من الاستيعاب ماهذا لفظه : وخبره في ذلك من صحيح الأثر. أه_. (1).
وأورد هذه القضية من أساتذة أهل الفضل وحفظة الاثار عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية «عمر» فقال : بعث رسول اللّه خالداً الى بني جذيمة داعياً الى الاسلام، ولم يبعثه للقتال، وأمره ألا يقاتل أحداً ان رأى مسجداً أو سمع أذاناً. ثم وضع بنو جذيمة السلاح بعد جدال بينهم واستسلموا. فأمر بهم خالد فكتفوا، ثم عرضهم السيف فقتل منهم، وأفلت من القوم غلام يقال له السميدع حتى اقتحم على رسول اللّه وأخبره وشكاه اليه، فسأله رسول اللّه هل أنكر عليه أحد ماصنع. قال نعم رجل أصفر ربعة، ورجل أحمر طويل... وكان عمر حاضراً فقال: أنا واللّه يارسول اللّه أعرفهما أما الاول : فهو ابني وأما الثاني : فهو سالم مولى أبي حذيفة. وظهر بعد ذلك ان خالداً أمر كل من أسر أسيراً أن يضرب عنقه. فاطلق عبد اللّه بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة أسيرين كانا معهما... فرفع رسول اللّه يديه حين علم ذلك وقال : «اللّهم اني أبرأ اليك مماصنع خالد»... ثم دعا علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمره أن يقصد الى القوم ومعه ابل وورق، فودى لهم الدماء وعوضهم من الاموال (2).
ص: 461
قلب ولم يقتل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بقتلاهم أحداً، اذ كان القاتلون لهم من المسلمين، والمقتولون لم يقولوا : أسلمنا. وانما قالوا : صبأنا. وهي ليست صريحة في اسلام، ولا يقتل مسلم بكافر.
وقد ارتكب خالد يوم البطاح من مالك بن بن نويرة وقومه ماقد أتينا على كثير منه في الفصل الأول من هذا الكتاب ص 61، فليراجع بامعان وتحرر (1) ليعلم من المسؤول عن تلك الفظائع والفجائع، وكيف ذهبت أموال المسلمين ودماؤهم وأعراضهم سدى، وفيم تعطلت حدود اللّه وانتهكت حرماته. وبم هدأت ثورة الثائرين على خالد، وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب وبم كان خالد في السقوط عن درجة الاعتبار لدى الخليفة الثاني بمثابة أوجبت عليه المبادرة الى عزله فعزله فوراً وبعث بعزله وبنعي أبي بكر الى الشام مع بريد واحد، كما صرح به ابن الاثير وغيره (2).
ص: 462
المورد - (88) - الحاق معاوية لزياد بأبي سفيان :
وذلك أنه انما ألحقه بأبيه أبي سفيان بدعوى أنه عاهر في الجاهلية سمية وهي على فراش عبيد فحملت بزياد، مستنداً في ذلك الى شهادة أبي مريم، المتجر بالخمر والقيادة - كما في المختصر لابن الشحنة - (1) وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (2) وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مسن
ص: 463
حدیث (1): «... ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
وحسبنا قوله عز من قائل : «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» (2).
وكان فعل معاوية هذا أول عمل جاهلي عمل به في الاسلام علانية، فأنكر عليه كافة الناس فلم يرعو ولم يبال بذلك، وكان يغضب اذا لم يدع زياد الى أبيه، فأنكر عليه بعض معاصر به فقال :
أتغضب أن يقال أبوك عف***وترضى أن يقال أبوك زان (3)
المورد - (89) - عهده بالخلافة الى ابنه يزيد:
عهد بها اليه وانه للصبي الجاهل، يشرب الشراب، و يلعب بالكلاب، والقردة، ولا يعرف من الدين موطيء قدمه مسرف في لهوه كل الاسراف، وأبوه يعرف ليله ونهاره، واعلانه و اسراره (4) ويعرف منزلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من اللّه
ص: 464
ومكانته من رسول اللّه [ص] ومحله في نفوس المؤمنين (1).
على أنه كان يومئذ في المهاجرين والانصار - وبقية البدريين وأهل بيعة الرضوان - (2) جم غفير، وعدة وافرة كلهم قاريء للقرآن، عالم بمواقع الاحكام، خبير بالسياسة، حقيق (على رأي الجمهور) بالخلافة والرآسة، فلم يراع سابقتهم في الاسلام ولا عناءهم في تأييد الدين، وأمر عليهم شريره المتهتك وسكيره المفضوح، فكان منه في طف كربلاء مع خامس أصحاب الكساء، وسيد شباب أهل الجنة ما أشكل النبيين وأبكي الصخر الاصم دماً، ورمى المدينة الطيبة بمجرم بن عقبة، - بعهد اليه في ذلك من أبيه (3)
ص: 465
فكانت امور تكاد السماوات يتفطرن منها، وحسبك أنهم أباحوا المدينة الطيبة ثلاثة أيام، حتى افتض فيها ألف عذراء (1) من بنات المهاجرين والأنصار، وقتل يؤمئذ من المهاجرين والانصار وأبنائهم وسائر المسلمين عشرة آلاف وسبعمائة وثمانون رجلا، ولم يبق بعدها بدري (2) وقتل من النساء والصبيان عدد كثير، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أمه ويضرب به الحائط حتى ينثر دماغه على الأرض وأمه تنظر اليه (3) ثم أمروا بالبيعة ليزيد على أنهم حول وعبيد، ان شاء استرق وان شاء أعتق، فبايعوه على ذلك
ص: 466
وأموالهم مسلوبه، ورحالهم منهوبة، ودماؤهم مسفوكة، ونساؤهم مهتوكة، وبعث مجرم بن عقبة برؤس أهل المدينة الى يزيد. فلما ألقيت بين يديه تمثل بقول القائل : ليت أشياخي ببدر شهدوا الابيات (1).
ثم توجه مجرم لقتال ابن الزبير (وهو اذ ذاك في مكة) وقد بويع بالخلافة فهلك المجرم في الطريق، وتأمر بعده الحصين بن نمير بعهد من يزيد، فأقبا بجيشه حتى نزل على مكة المكرمة ونصب عليها العرادات والمجانيق، وفرض
ص: 467
على أصحابه عشرة آلاف صخرة في يوم يرمونها بها، فحاصروهم بقية المحرم وصفر وشهري ربيع يغدون على القتال ويروحون حتى جاءهم موت طاغيتهم يزيد، وكانت المجانيق أصابت البيت الحرام فهدمته مع الحريق الذي أصابه (1).
وفظائع يزيد من أول عمره الى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر أو تحصيها الاقلام والمحابر، وقد شوهت وجه التاريخ، وسودت صحائف السير، وكان أبوه معاوية يرى كلابه وقروده، وصقوره وفهوده، ويطلع على خموره وفجوره، ويشاهد الفظائع من أموره، ويعاين لعبه مع الغواني ويعرف لؤمه وخبثه بكل المعاني. ويعلم أنه ممن لايؤتمن على نقير، ولا يولى أمر قطمير، فكيف رفعه والحال هذه الى أوج الخلافة عن رسول اللّه ؟!! وأحله عرش الملك وامامة المسلمين ؟! وملكه رقاب الامة ؟ ! فغشها بذلك (2) وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (فيما أخرجه البخاري من الورقة الأولى من كتاب الاحكام ص 155 من الجزء من صحيحه) : «ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الا حرم اللّه عليه الجنة» أه_. (3) وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (فيما أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي بكر في الصفحة السادسة من الجزء
ص: 468
الاول من مسنده) : «من ولي من أمور المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة اللّه، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلا حتى يدخله جهنم».
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (فيما أخرجه البخاري في الورقة الانفة الذكر من صحيحه) : «ما من عبد استرعاه اللّه رعيته فلم يحطها بنصيحة الا لم يجدرائحة الجنة».
المورد - (90) - عيثه في اليمن :
وذلك ان معاوية بعث بسر بن ارطاة الى اليمن سنة أربعين ليعيث فيها، وكان الوالي عليها يومئذ من قبل أمير المؤمنين ابن عمه عبيد اللّه بن العباس وأهلها كانوا من أولياء أمير المؤمنين والمخلصين اللّه تعالى في ولايته. فسامهم بسر سوء العذاب !! يذبح أبناءهم !! ويستحيي نساءهم !!! على سنة من فرعون، وعهد اليه بذلك من معاوية.
وحسبك ما أجمع أهل الاخبار على نقله، فراجع ماشئت من كتبهم مما يشتمل على احداث تلك السنة، لتعلم فظاعة هذه الواقعة، من قبل الشيوخ الركع، وذبح الاطفال الرضع، ونهب الاموال، وسبي العيال (1).
و ماینسی فلن ینسی مافعله بنساء همدان (با خلاصهن اللّه في ولاية آل محمد) اذ سياهن فأقامهن (كما في ترجمة بسر من الاستيعاب) في السوق و كشف عن سوقهن !!! فأيتهن كانت اعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها !!! قال ابن
ص: 469
عبد البر في الاستيعاب : كن اول مسلمات سبين في الاسلام (1).
وما أدري اهذه افظع وأفجع وأوجع، أم فعله بطفلي عبيد اللّه بن العباس؟!! الوالي يومئذ على اليمن، فهرب من بسر واستخلف عبیداللّه بن عبد المدان الحارثي وهو عند الطفلين لامهما، فقتله بسر فيمن قتلهم يومئذ من الالوف المؤلفة من خيار المسلمين وقتل ابنه وبحث عن الطفلين حتى وجدهما عند رجل من كنانة في البادية، فلما أراد بسر قتلهما قال له الكناني (كما في تاريخ ابن الأثير) : لم تقتلهما وهما طفلان لا ذنب لهما ؟!! فان كنت قاتلهما فاقتلني قبلهما. فقتله !! ثم ذبحهما بين يدي أمهما !!! (كما نص عليه ابن عبدالبر في ترجمة بسر من الاستيعاب) فهامت أمهما على وجهها جنوناً مما نالها، وكانت تأتي الموسم تنشدهما فتقول :
يامن أحس بابني الذين هما***كالدرتين تشظي عنهما الصدف
يامن أحس بابني الذين هما ***خ العظام فمخي اليوم مزدهف
يامن أحس بابني الذين هما***قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف
من دل والهة حيرى مدلهة***على صبيين ذلا اذ غدا السلف
نبئت بسراً وماصدقت مازعموا***من افكهم ومن الاثم الذي اقترفوا
احني (2) على ودجي ابني مرهفة***مشحودة و كذاك الاثم يقترف (3)
ص: 470
وقالت له امرأة من كنانة لما ذبحهما (كما في تاريخ ابن الاثير) : ياهذا قتلت الرجال !! فعلام قتلت هذين ؟؟!! واللّه ما كانوا يقتلون في الجاهلية، واللّه يابن أبي ارطاة ان سلطاناً لايقوم الا بقتل الصبي الصغير، والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الارحام لسلطان سوء. (الى آخر ما أوردناه من هذه الفظائع التي تربأ عنها البرابرة فلتر اجع في الفصول المهمة) (1).
المورد - (91) - قتله للصالحين من عباد اللّه :
وحسبه ظلماً وعدواناً أن قتل الحسن الزكي سيد اهل البيت في عصره، وامامهم بعد أبيه صلوات اللّه وسلامه عليهما بسم دسته اليه فسقته اياه جعدة بنت الاشعث، والنصوص في ذلك متواترة عن ائمة العترة الطاهرة. وقد اعترفت به جماعة من اهل الاخبار، قال ابو الحسن المدائني (كما في اوائل الجزء 16 من شرح النهج الحديدي الحميدي في ص 4 من المجلد 4 طبع مصر) : كانت وفاة الحسن سنة 49، وكان مريضاً 40 يوماً وكان سنه 47 سنة، دس اليه معاوية سماً على يد جعدة بنت الاشعث (قال) وقال لها : ان قتلتيه بالسم فلك مائة الف وأزوجك يزيد. فلما مات الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفي لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال : اخاف أن تصنعي بابني كما صنعت بابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). اه_.
ونقل المدائني عن الحصين بن المنذر الرقاشي (كما في ص 70 من المجلد 4 من شرح النهج الحميدي طبع مصر أيضاً) أنه كان يقول : واللّه ما وفي معاوية للحسن بشيء مما اعطاه، قتل حجراً وأصحابه وبايع لابنه يزيد
ص: 471
وسم الحسن. اه_.
وقال ابو الفرج الأصفهانى المرواني في كتابه مقاتل الطالبين ما هذا لفظه: وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن علي، وسعد بن ابي وقاص، فدس اليهما سماً فماتا منه.
وروى ابن عبدالبر في ترجمة الحسن من استيعابه عن قتادة وأبي بكر بن حفص : ان بنت الاشعث سقت الحسن بن علي السم، (قال) : وقالت طائفة كان ذلك منها بتسديس معاوية اليها (1).
وقد علم الناس ما ارتكبه في مرج عذراء من الفظاعة بقتل أولئك الاخيار الابرار صبراً وهم حجر بن عدي الكندي الصحابي وأصحابه، قتلهم اذ لم يلعنوا له علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكانوا من «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (2). وكان قتلهم سنة احدى وخمسين للّهجرة المباركة وأنكرها على معاوية جميع من كان في ذلك العهد من الصحابة والتابعين ومن كان بعدهم من أولي الألباب. وقد فصلها كل من ارخ حوادث تلك السنة
ص: 472
من المتقدمين والمتأخرين، فراجع منها ماشئت (1).
وما اخالك تنسى قتله عمرو بن الحمق الخزاعي (2) وكان بحيث ابلته
ص: 473
العبادة، ورأسه اول رأس حمل في الاسلام، قتله وهو من خيار اصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولا ذنب له غير حبه علي بن ابي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، اذ ان علياً يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله.
ولم يقتصر معاوية على قتل اولياء اللّه، حتى قتل في ذلك اخص اوليائه به، وأشدهم ملازمة له، عبدالرحمن بن خالد بن الوليد حارب معه في صفين، وحالفه على عداوة أمير المؤمنين، ثم بعدها باعه بالتافه الزهيد، وقتله مخافة أن ترغب الناس به عن يزيد، وقصته مشهورة عند اهل الاخبار، مستفيضة بين اهل السير والاثار فراجع ترجمة عبد الرحمن من الاستيعاب تجد التفصيل (1).
المورد - (92) - بوائق اعماله وعماله :
ولو أردنا أن نتصدى الاحكام التي بدلها، والحدود التي عطلها، والبواثق التي ارتكبها، والفواقر التسي احتقبها، والاحداث التي أحدثها في زمانه، والغاشمين الذين أشركهم في سلطانه، كابن شعبه، وابن العاص، وابن ارطاة، وابن جندب، ومروان، وابن السمط، وزياد، وابن مرجانة، والوليد وأمثالهم ممن فعلوا الافاعيل، وقهررا الامة بالاباطيل و ساموا عباد اللّه سوء العذاب، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، لافنينا المحابر، واستغرقنا الصحف والدفاتر، وهيهات أن نبلغ غايتنا المقصودة أو نظهر (فيما بذلناه من وسع) بضالتنا المنشودة (2) و الحمد للّه رب العالمين من المستبصرين آل محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وضلال أعدائهم.
ص: 474
المورد - (93) - بغضه علياً وعدوانه اياه :
ان بغضه لعلي، وعدواته اياه، لمن المسلمات البديهيات لكل من يعرفهما أو يسمع بهما من جميع أهل الأرض في الطول والعرض، على اختلافهم في الاديان، والالسنة والالوان، فحكمهما في ذلك حكم آدم والشيطان بلاريب (1)، واليك في هذه العجالة طرفاً من النصوص الصريحة في حكمي حبه وبغضه المتناقضين في دين الاسلام. فعن سلمان الفارسي (وقد قيل له : ما أشد حبك لعلي) قال: سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: «من أحب علياً فقد أحبني (2) ومن أبغض علياً فقد أبغضني» (3).
ص: 475
و عن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لعلي: «يا علي طوبى لمن أحبك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب فيك» أخرجه الحاكم في ص 135 من الجزء 3 من المستدرك ثم قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (1).
ص: 476
وعن أبي سعيد الخدري (1) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد الا أدخله اللّه النار» (2).
و عن أبي ذر قال : «ما كنا نعرف المنافقين الا بتكذيبهم رسول اللّه والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب» (3).
وعن ابن عباس قال (رضي اللّه عنه) : «نظر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى علي فقال : يا علي أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب اللّه وعدوك عدوي وعدوي عدو اللّه عز وجل، والويل لمن أبغضك بعدي» (4).
ص: 477
وعن عمرو بن شاس الاسلمي - وكان من أهل الحديبية - «قال : خرجت مع علي الى اليمن فجفاني في سفره ذلك، حتى وجدت في نفسي، فلما أقدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ رسول اللّه ذلك، فلما رآني أبد في عينيه (أي حدد الي النظر) حتى اذا جلست قال : يا عمرو اما و اللّه لقد آذيتني. فقلت أعوذ باللّه أن أؤذيك يارسول اللّه، قال : بلی، من آذى علياً فقد آذاني» (1).
ص: 478
وعن أبي ذر قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «يا علي من فارقني فقد فارق اللّه تعالى، ومن فارقك ياعلي فقد فارقني» (1).
ص: 479
وقال الامام الحافظ ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب ماهذا لفظه وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن آذى علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه» (1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما أخرجه الطبراني وغيره من حفظة الاثار النبوية : «ما بال أقوام يبغضون (2) علياً ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن فارق عليأفقد فارقني ان علياً مني وأنا منه خلق من طينتي وخلقت من طينة ابراهيم (3) ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم، يا بريدة أما علمت ان لعلي أفضل من الجارية التي أخذ وانه وليكم بعدي» (4).
وشكا علياً اليه بعض أصحابه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكانوا قد تعاقدوا على شكايته لتنمره في ذات اللّه فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ماتريدون من علي، ماتريدون من علي ماتريدون من علي، ان علياً مني وأنا منه وهو وليكم بعدي» (5).
ص: 480
اذا أراد اللّه نشر فضيلة***طويت، أتاح لهالسان حسود
وفي ترجمة علي من الاستيعاب ماهذا نصه: وروى طائفة من الصحابة : ان رسول اللّه [ص] قال لعلي (رضي اللّه عنه) : «لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق» (1) (قال) : وكان علي (رضي اللّه عنه) يقول «واللّه انه لعهد النبي
ص: 481
الامي، انه لايحبني الا مؤمن، ولا يبغضني الا منافق. أه_. (1).
ص: 482
قلت : وأخرجه مسلم في كتاب الايمان من صحيحه : وتواتر قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» (1) وان
ص: 483
ص: 484
مقامنا ليضيق عما جاء في وجوب موالاته، ولا يني باستيفاء ما دل على نفاق معاداته، فنلفت الباحثين الى ما أوردناه من الصحاح، في كتابنا سبيل المؤمنين (1)، فان فيه للحق المبين، والحمد للّه رب العالمين.
ص: 485
ص: 486
المورد - (94) - :
لعنه في قنوط الصلاة (1)، سادة تعبد اللّه المسلمين بالصلاة عليهم في كل الصلوات فرائضها ونواقلها (2).
أولئك الذين أذهب اللّه عنهم الرجس في محكم التنزيل، وهبط بتطهيرهم جبرائيل (3)، و باهل بهم النبي أعداءه بأمر ربه الجليل (4)، وقد
ص: 487
فرض اللّه مودتهم (1)، وأوجب الرسول عن اللّه تعالى ولايتهم (2) وهم أحد الثقلين لا يضل من تمسك بهما، ولا يهتدي الى الحق من ضل عنهما (3)، ألا وهم علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين (4).
ص: 488
أخو الرسول (1).
ص: 489
ووليه (1)، وصاحب العناء وحسن البلاء بتأسيس دينه ووصيه، و من شهد الرسول بأنه يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله (2)، وانه منه
ص: 490
بمنزلة هارون من موسى الا أنه ليس بنبي ولكنه وزير النبوة (1) وامام الامة
ص: 491
سيدي شباب أهل الجنة (1)، شبر الامة وشبيرها (2)، ولعن معهم عبداللّه بن عباس حبر الامة وابن عم نبيها
ص: 493
لعنهم مع ماعلم من وجوب تعظيمهم بحكم الضرورة من دين الاسلام، ومع ماثبت بالعيان والوجدان من شرف مقامهم لدى سيد الانام، وكيف لا يكونون كذلك وهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، و مختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، ومعدن العلم والتأويل (1).
ص: 494
لم يكتف معاوية بذلك مقتصراً فيه على نفسه، حتى أمر الناس بلعن أخي الرسول، وكفؤ البتول، وأبي الائمة، وسيد الامة لا يدافع، وحمل الناس كافة على هذا المنكر طوعاً وكرهاً بالترهيب والترغيب وجعله سنة يجهر بها الأنحاء على منابر المسلمين في كل عيد وجمعة، ومازال الخطباء في جميع تعد تلك المنكرة الفظيعة جزءاً من خطبة الجمعة والعيدين الى سنة 99 فأزالها خير بني مروان عمر بن عبدالعزيز جزاه اللّه خيراً، وهذا كله معلوم بالتواتر (1)
ص: 495
فراجع ماشئت من كتب الاخبار (1) تعرف الحقيقة فيما قلناه.
وكان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد شرط على معاوية حيث اصطلحا شروطاً منها أن لا
ص: 496
يشتم أباه، فلم يجبه الى هذه وأجابه الى ماسواها، فطلب الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عندها أن لا يسمعه شتم أبيه، قال ابن الاثير في كامله، وابن جرير في تاريخ الامم والملوك، وأبو الفداء وابن الشحنة، وكل من ذكر صلح الحسن ومعاوية : فأجابه الى ذلك ثم لم يف له به. اه_. (1) - بل شتم علياً والحسن على منبر الكوفة الكوفة، فقام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليرد عليه فأجلسه الحسن سلام اللّه عليه ثم قام - بأبي وأمي - ففضح معاوية وألقمه حجراً، ذكر هذه القضية أبو الفرج الاصفهاني المرواني في مقاتل الطالبيين، وغير واحد من أهل السير والاخبار (2).
ولم يزل معاوية يلعن أمير المؤمنين ويبرأ منه أمام البر والفاجر، ويحمل عليهما الاكابر والاصاغر، حتى أمر بذلك الاحنف بن قيس (3) فلم يجيبه وطمع في عقيل بن أبي طالب فكلفه به فلم يفعل (4).
ص: 497
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص، (فيما أخرجه مسلم في باب فضائل علي من صحيحه) قال : أمر معاوية سعد بن أبي وقاص فقال له : ما منعك أن تسب أبا تراب.؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللّه فلن أسبه لان تكون لي واحدة منهن أحب الي من حمر النعم، سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه. فقال له : يارسول اللّه خلفتنى مع النساء والصبيان؟. فقال له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لانبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر : لاعطين الراية رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله. (قال) فتطاولنا لها فقال : ادعو لي علياً. فأني به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية اليه ففتح اللّه عليه. (قال) و لما نزلت هذه الآية : «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» دعا رسول اللّه علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً. فقال : اللّهم هؤلاء أهلي أه_ (1).
ص: 498
وقد علم أهل الاخبار كافة ان معاوية لم يقتل حجراً وأصحابه الابدال الا لامتناعهم عن لعن أمير المؤمنين، ولو أجابوه لحقنت دماؤهم فراجع مقتل حجر من اوائل الجزء 16 من كتاب الاغاني لابى الفرج الاصفهاني، وأحداث سنة 51 من تاريخي ابن جرير وابن الأثير (1) وغيرهما لتعلم الحقيقة وتعرف ان عبد الرحمن بن حسان العنزي لما أبى أن يلعن علياً في مجلس معاوية أرسله الى زياد وأمره أن يقتله قتلة ماقتلها أحد في الاسلام، فدفنه زیاد حياً (2)، ومازال معاوية يحمل الناس على لعن أمير المؤمنين بكل طريق (3)، وقد قال له قوم من بني أمية - كما في أواخر ص 463 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي طبع بيروت: يا أمير المؤمنين انك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرجل. فقال : لا و اللّه حتى يربو عليها فالصغير، ويهرم عليها الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا.
هذا مع ما صح من نص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اذ قال : «من سب علياً فقد سبني» (4) أخرجه الحاكم وصححه. وأخرج الامام أحمد (في ص 323
ص: 499
من الجزء6 من مسنده) من حديث أم سلمة عن عبد اللّه أو أبي عبداللّه (1) قال: «دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيسب رسول اللّه فيكم؟! !. قال قلت : معاذ اللّه، أو سبحان اللّه، أو كلمة نحوها قالت : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : «من سب عليا فقد سبني» (2).
ص: 500
وقال ابن عبدالبر في ترجمة علي من استيعابه ماهذا لفظه : قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه» (1) والصحاح في ذلك متواترة ولاسيما من طرقنا عن العترة الطاهرة (2).
على ان من البديهيات ان «سباب المسلم فسق» (3) باجماع أهل القبله وفي صحيح مسلم : «سباب المسلم فسق وقتاله كفر» (4) (ألا لعنة اللّه على الكافرين).
ص: 501
المورد - (90) - حربه علياً :
زحف مغيراً بطعام أهل الشام على أمير المؤمنين [(عَلَيهِ السَّلَامُ)] بعد انعقاد البيعة له. فأججها ناراً حامية، أثار بها كمين ضعنه، وبعث دفين حقده، ماضياً فيها على غلوائه، مطلقاً لنفسه عنان هواه. وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدعوه الى اللّه تعالى، ومعه البقية الباقية من أهل بدر وأحد والاحزاب، وبيعة الرضوان وجم غفير من صالحي المؤمنين (1)، وكلهم دعاة الى اللّه عز وجل، والى طاعة أمير
ص: 502
المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). لكن في اذني معاوية وقرأ عن دعوتهم فهو اصم عنهم اصلح (1) مصر على بغيه، لا يألو في ذلك، ولا يدخر وسعاً، حتى قتل يومئذ من المسلمين عدة ماقتل مثلها من قبل في فتنة أصلا (2).
وقد قاله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما (3) : «سباب المسلم فسق، وقتاله کفر» (4).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - فيما أخرجه مسلم في باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو
ص: 503
مجتمع من كتاب الامارة من صحيحه - : «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. أه_ (1).
وقال ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب - ماهذا لفظه : وروي من حديث علي، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيوب الانصاري - يعني علياً - أمر بقتال الناكثين - يوم الجمل - والقاسطين - بوم صفين - والمارقين - يوم النهروان - (2) وروي عنه أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «ماوجدت
ص: 504
الا القتال أو الكفر بما أنزل اللّه تعالى» أه_ (1).
وحسبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قتاله لمعاوية وغيره قوله عز سلطانه «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ» (2).
ص: 505
ولاريب ببغي معاوية وأصحابه، فان بغيهم مما أجمعت الامة عليه. وقد أنذر به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما صح عنه من حديث أبي سعيد الخدري قال : كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومسح عن رأسه الغبار وقال : «ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم الى اللّه تعالى ويدعونه الى النار (1).
ص: 506
وناهيك في معاوية أن يكون بحكم هذا الحديث من مصاديق قوله تعالى «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ» (1).
يالها نصوصاً صريحة من كتاب اللّه عز وجل وسنن نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الصحيحة، لاريب فيها هدى للمتقين. فأمعن معي أيها المؤمن ولسك الخيار في رأيك فيها. ولا ننس قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «حرب علي حربي وسلمه سلمي» (2) وقوله
ص: 507
(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوم جلل الخمسة بالكساء : «أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم» (1)وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في علي : «اللّهم وال من والاه، وعاد عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله» (2) الى مالا يحصى من من أمثال هذه النصوص المتواترة في كل خلف من هذه الامة.
المورد - 96 - وضع الحديث في ذم امیرالمؤمنین (عَلَيهِ السَّلَامُ):
ذكر شيخ المعتزلة الامام أبو جعفر الاسكافي رحمه اللّه تعالى - فيما نقله عنه ابن أبي الحديد (3)- : ان معاوية حمل قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقتضي الطعن فيه والبراءة
ص: 508
عروة بن الزبير (1) (قال) وروى الزهري : ان عروة بن الزبير حدثه فقال: حدثتني عائشة قالت : كنت عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، إذ أقبل العباس وعلي، فقال لي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ياعائشة ان هذين يموتان على غير ملتي. أو
ص: 511
قال : على غير ديني». (1). [ قال وروى عبد الرزاق عن معمر قال: كان عند
ص: 512
الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألته عنهما يوماً فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما ؟ اللّه أعلم بهما وبحديثهما أني لاتهمهما في بني هاشم. قال : فأما الحديث الأول فقد ذكرناه. وأما الحديث الثاني فهو : ان عروة زعم ان عائشة حدثته قالت : كنت عند النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأقبل العباس وعلي. فقال : ياعائشة ان سرك ان تنظري الى رجلين من أهل النار فانظري الى هذين قد طلعا فنظرت فاذا العباس وعلي بن أبي طالب (1) (قال) وأما عمرو بن العاص فروى فيه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلا بعمرو بن العاص قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : «ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما ولبي اللّه وصالح المؤمنين» (2). (قال) وأما أبو هريرة فروى عنه الحديث الذي معناه ان علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأسخطه، فخطب [(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )] على المنبر وقال: لاها اللّه لا تجتمع ابنة ولي اللّه وابنة عدو اللّه أبي جهل، ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي بريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، وليفعل ما يريد (3) (قال) والحديث مشهور في رواية الكرابيسي. (قال) قلت: وهذا
ص: 513
الحديث مخرج أيضاً في صحيح مسلم والبخاري عن المسور بن مخرمة الزهري فقد ذكره المرتضى في كتابه المسمى - تنزيه الانبياء والائمة - (1) وذكر انه من رواية حسين الكرابيسي (2)، وانه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وعداوتهم والمناصبة لهم فلا تقبل روايته، - الى ان قال أبو جعفر - وروى الاعمش قال : لماقدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء الى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جنا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق أتزعمون اني أكذب على اللّه ورسوله وأحرق نفسي بالنار ؟ واللّه لقد سمعت رسول اللّه يقول : ان لكل نبي حرماً وان المدينة خرمي، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين [قال] : وأشهد باللّه أن علياً أحدث فيها ؟؟؟ فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه امارة المدينة. أه_. ؟؟ (3).
وروى سفيان الثوري - كما في ص 360 من المجلد الأول من شرح النهج عن عبدالرحمن بن قاسم عن عمر بن عبد الغفار : أن أبا هريرة لماقدم الكوفة
ص: 514
مع معاوية كان يجلس بالعشيات بياب كندة ويجلس الناس اليه فجاءه شاب من الكوفة لعله الأصبغ بن نباتة فجلس اليه فقال : يا أبا هريرة أنشدك اللّه أسمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لعلي بن أبي طالب : اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه ؟ فقال : اللّهم نعم. قال فأشهد باللّه لقد واليت عدوه، وعاديت وليه. ثم قام عنه وانصرف (1).
وبالجملة فان معاوية لم يدع طريقاً من ظلم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الا سلكه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
المورد - (97) - :
نقض العهود والمواثيق التي أعطاها لسيد شباب أهل الجنة يوم الصلح : وذلك أنه دعا الحسن الى الصلح، فلم يجد الحسن بدأ من اجابته، وكان التسليم أقل الشرين، وأهون المحذورين المحظورين (2) ولا سيما بعد
ص: 515
أن أعطاه معاوية في صلحه ماشاء من شرط يعاهد اللّه عليه، وقد ابتدأه في ذلك في كلا المصرين، الشام والعراق.
وقد روى كثير من المؤرخين - فيهم ابن جرير (1) وابن الاثير (2) - : أن معاوية أرسل الى الحسن صحيفة بيضاء مختوماً على أسفلها بخاتمه، وكتب اليه : أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ماشئت فهولك.
وأرسل كتابه هذا والصحيفة الى الحسن عليه مع عبد اللّه بن عامر فلم يشأ الحسن عليه أن تكون الشروط التي يشترطها على معاوية مكتوبة بخطه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأملاها على عبداللّه بن عامر وعبد اللّه بن عامر كتبها كما أملاها عليه. فكتب معاوية جميع ذلك بخطه، وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة والايمان المغلظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام، ووجه به الى عبداللّه بن عامر، فأوصله الى الحسن (3).
وختم هذه المعاهدة بقوله : وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى اللّه من نفسه (4).
لكن معاوية كان بالاستخفاف بما عاهد اللّه عليه أولى منه بالوفاء به، لذلك جعل العهود والمواثيق تحت قدميه، وسب علياً والحسن بمحضر من سيدي
ص: 516
شباب أهل الجنة في مسجد الكوفة، وهو اذ ذاك غاص بالمجتمعين احتفالا بالصلح (1).
ثم تتابعت سياسته تتفجر بكل مايخالف الكتاب والسنة، كل منكر في الاسلام قتلا الابرار، وهتكاً للاعراض، وسلباً للاموال، وسجنا للاحرار وتشريداً للمصلحين، وتأميراً للمفسدين، الذين جعلهم وزراء دولته : كابن العاص، وابن شعبة، وابن سعيد، وابن أرطاة، وابن جندب وابن السمط، وابن الحكم الوزغ ابن الوزغ، وابن مرجانة، وابن عقبة، وابن سمية الذي نفاه عن أبيه الشرعي عبيد، وألحقه بالمسافح أبيه أبي سفيان ليجعله صنوه يسلطه على الشيعة في العراق يسومهم سوء العذاب، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويشردهم عباديد تحت كل كوكب، ويحرق بيوتهم، ويصطفي أموالهم، لا يألو جهداً في ظلمهم. يعين معاوية على الوفاء للحسن بشروطه؟؟!. (2).
ص: 517
وختم معاوية منكراته هذه بسم الحسن الزكي. تمهيداً لسلطان سكيره المتهتك فكانت منه تلك الفظائع والفجائع في المدينة الطيبة، و في مكة المعظمة، وفي طف كربلاء، وفي كل يوم من أيام حياته الموبوءة المملوءة بمحاربة اللّه عز وجل ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (1) نعوذ باللّه، ونبراً الى اللّه تعالى منك وممن ملكك - على علم - رقاب المسلمين «لَقَد جِئتُم شَیئَاً اذَا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا» (2).
ص: 518
المورد - (98)-
احتجاج الجمهور بمطلق من صحب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مسلماً :
نعم هذا دأبهم، وعليه سيرتهم، كأن الصحبة - بما هي من حيث هي تعصم الصحابي عما ينافي العدالة (1)وتوجد له اياها، لذلك اطمأنوا بكل
ص: 519
ما يحدثهم الصحابي به عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من شرائع اللّه وأحكامه، يحتجون به ويعملون على مقتضاه من غير بحث منهم عن عدالته ولا عن استقامته ولاعن صدقه وأمانته، وهذا ما لا يمكن أن يقوم على جوازه دليل من عقل أو نقل أبداً فان الصحبة بمجردها وان كانت فضيلة لكنها مما لا دليل على عصمتها بلا ريب فالصحابة من حيث العصمة انما هم كسائر الناس فيهم الثقة العدل النزيه عن معصية اللّه تعالى وهم كثيرون، وفيهم العصاة العتاة، وفيهم مجهول الحال.
وقد قامت الادلة الشرعية على اشتراط عدالة الراوي للخبر الواحد مطلقاً (1) و ان كان صحابياً، أما من لم يكن عدلا فلاوزن لحديثه بحكم الادلة القطعية مطلقاً أيضاً، ومجهول الحال - على الاطلاق - تتبينه حتى تثبت عدالته، فنحتج حينئذ به في الفروع خاصة، دون أصول الدين، وان لم تثبت عدالته، فلا سبيل الى العمل بما حدث.
وهذا ما نعلمه من رأي الجمهور في خبر الاحاد، لاخلاف بيننا وبينهم فيه وانما تجشموا في الاحتجاج بحديث الصحابة من غير بحث ولاتريث بناءاً على عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين، وكأنهم أرادوا تقديس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بتعديل أصحابه عامة، وحفظه فيهم كافة، وهذا خطأ واضح، وجهل نرياً بهم عنه، فان تنزيهه وحفظه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انما يكون بتنزيه سنته وحفظهما من تشويه الكذابة عليه، وقد أنذر أمته وحذرها بقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «ستكثر الكذابة علي
ص: 520
فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (1).
ولوتدبر اخواننا - هداهم اللّه وايانا - محكمات القرآن لوجداها مشحونة بذكر المنافقين، وأذى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منهم، وحسبك من سورة التوبة الفاضحة واذا جاءك المنافقون، والاحزاب. «وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا» الى آخر السورة (2).
وحسبك من آياته المحكمة قوله تعالى : «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ» (3) «لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ» (4) «وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» (5).
ص: 521
فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ وكانوا قد جرعوه الغصص مدة حياته، حتى دحرجوا الدباب (1) و صدوه عن الكتاب (2). وقد أجمع أهل الاخبار أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خرج أحد بألف من أصحابه، فرجع منهم قبل الوصول ثلاثمائة من المنافقين (3) وربما بقي من المنافقين من لم يرجعوا خوف الشهرة. على أنه لو لم يكن في الالف الا ثلاثمائة منافق لكفى دليلا على أن النفاق كان زمن الوحي فاشياً بينهم، فكيف انقطع بمجرد انقطاع الوحي، ولحوق النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالرفيق الأعلى.؟ فهل كانت حياته سبباً في نفاق المنافقين ؟؟ أوموته سبباً في ايمانهم وعدالتهم، وصيرورتهم أفضل الخلائق بعد الانبياء ؟؟ وكيف انقلبت حقائقهم بوفاته.؟ فأصبحوا - بعد ذلك النفاق - بمثابة من القدس لا يقدح لها فيها شيء مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم ؟؟؟. وما المقتضي للالتزام بهذه المكابرات التي تنفر منها الاسماع والابصار والافئدة ؟؟؟.
على أن في الكتاب والسنة ما يثبت بقاء المنافقين على نفاقهم، لايؤوبون الى اللّه تعالى ولا يرعوون. وحسبك من محكمات الكتاب قوله عز من قائل:
ص: 522
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» (1).
ويكفيك من صحاح السنن ما أخرجه البخاري - في باب الحوض وهو في آخر كتاب الرقاق ص 94 من الجزء الرابع من صحيحه - بالاسناد الى أبي هريرة عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «بينا أنا قائم فاذا زمرة حتى اذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، قال : هلم (2) قلت: أين قال : الى النار و اللّه. قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال : هلم. قلت : أين ؟ قال: الى النار واللّه. قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أرى يخلص منهم الا مثل همل النعم» (3).
وأخرج في آخر الباب المذكور عن أسماء بنت أبي بكر. قالت : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني. فأقول : يارب مني ومن أمتي فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك؟
ص: 523
واللّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن مليكة يقول : اللّهم انا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا» (1).
وأخرج في الباب المذكور أيضاً عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلاون عنه، فأقول : يارب أصحابي. فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا علی ادبارهم القهقرى» (2).
وأخرج في الباب المذكور عن سهل بن سعد قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اني فرطكم على الحوض من مر علي شرب من شرب لم يظمأ أبداً. ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم : فسمعني النعمان ابن أبي عياش. فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم. فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول انهم مني. فيقال : انك لاتدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول سحقاً سحقاً لمن غير بعدي» (3).
وأخرج في الباب المذكور أيضاً عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلاون على الحوض فأقول : يارب أصحابي. فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك،
ص: 524
انهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى» (1).
وأخرج في أول الباب المذكور عن عبد اللّه عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول : يارب أصحابي، فيقال انك لاتدري ما أحدثوا بعدك» (2) قال البخاري : تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين : عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
وأخرج أيضاً - في باب غزوة الحديبية ص 30 من صحيحه - عن العلاء ابن المسيب عن أبيه. قال : لقيت البراء بن عازب. فقلت له : طوبى لك صحبت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبايعته تحت الشجرة. فقال : يا ابن أخي انك لاتدري ما أحدثنا بعده (3).
وأخرج أيضاً - في أول باب قوله تعالى «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» من كتاب بدء الخلق ص 154 من جزئه الثاني - عن ابن عباس عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال من حديث : «وان أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول : صحابي أصحابي. فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. (الحدیث)»(4).
المورد - (99) -
اعراضهم عن أئمة العترة الطاهرة في أصول الدين وفروعه وفيما هو اليهما.
ص: 525
و ذلك أنهم أخذوا أصول الدين عن أبي الحسن الاشعري والماتريدي وأضرابهما. وأخذوا الفروع عن الفقهاء الاربعة مع ما يؤثرونه من النصوص الصريحة التي أنزلت أئمة العترة الطاهرة منزلة الكتاب «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ» (1) وجعلهم في هذه الامة بمنزلة سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق، و كباب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له وكانوا في الامة مكان الرأس من الجسد، بل مكان العينين من الرأس الى كثير من أمثال هذه النصوص (2).
وقد فصلنا القول في هذا المورد وما اليه في المقصد الأول من الفصل 13 من فصولنا المهمة، اذ ذكرنا اعراض الجمهور عن اهل البيت. والان نتلو عليك ماقد قلناه هناك اتماماً للفائدة بنصه وعين لفظه.
فقلنا أعرض اخواننا أهل السنة عن مذهب الائمة من أهل البيت، فلم يعنوا بأقوالهم في أصول الدين و فروعه بالمرة، ولم يرجعوا اليهم في تفسير القرآن العزيز - وهو شقيقهم - الادون ما يرجعون الى مقاتل بن سليمان المجسم المرجىء الدجال (3)، ولم يحتجوا بحديثهم الا دون
ص: 526
ما يحتجون بالخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية، ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لكان الادون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب (1) وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، اذ لم يرو شيئاً عن الصادق (2).
ص: 527
ولا عن يحيى بن زيد (1)
ص: 531
ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد اللّه الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط (1) ولا عن أخيه ابراهيم بن عبد اللّه (2) ولا عن الحسين الفخي بن علي بن الحسن
ص: 532
بن ابراهیم بن اسماعیل ابن ابراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا (1) ولا عن أخيه القاسم الرسي (2) ولاعن محمد بن محمد بن زیدبن علي (3) ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الاشرف بن زين العابدين
ص: 535
صاحب الطالقان (1) المعاصر للبخاري (2). ولا عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة، وأغصان الشجرة الزاهرة. كعبد اللّه بن الحسن (3) وعلي
ص: 536
بن جعفر العريضي (1) وغيرهما من ثقل رسول اللّه وبقيته في امته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )،
ص: 537
حتى أنه لم يروشيئاً من حديث سبطه الاكبر وريحانته من الدنيا أبي محمد الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة (1) مع احتجاجه بداعية الخوارج وأشدهم عداوة لاهل البيت - عمران بن حطان - القائل في ابن ملجم، وضربته لامير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
يا ضربة من تقي ما أراد بها***الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
ص: 538
اني لا ذكره يوماً فأحسبه***اوفى البرية عند اللّه ميزانا (1)
أما ورب الكعبة، وباعث النبيين، لقد وقفت هنا وقفة المدهوش، وقمت مقام المذعور، وما كنت أحسب أن الأمر يبلغ هذه الغاية.
وقد باح العلامة ابن خلدون، بسرها المكنون، حيث قال - في الفصل الذي عقده لعلم الفقه وما يتبعه من مقدمته الشهيرة بعد ذكر مذاهب أهل السنة ما هذا لفظه : وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به، بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة (2) بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الائمة ورفع الخلاف عن أقوالهم عن أقوالهم، (قال) وهي كلها اصول واهية (3) (قال) : وشذ
ص: 539
بمثل ذلك الخوارج (1) ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل اوسعوها جانب الانكار والقدح، فلا تعرف شيئاً من مذاهبهم (2)، ولانروي كتبهم، ولا أثر لشيء منها في مواطنهم (3) فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن والخوارج كذلك، ولكل كتب منهم و تأليف وآراء في الفقه غريبة هذا كلامه فتأمله واعجب.
ثم رجع الى مذاهب أهل السنة فذكر : انتشار مذهب أبي حنيفة في العراق ومذهب مالك في الحجاز، ومذهب أحمد في الشام وفي بغداد. ومذهب الشافعي في مصر. وهنا قال ما هذا لفظه ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت (4) وتلاشى من سواهم، الى أن ذهبت دولة
ص: 540
العبيديين من الرافضة من يد صلاح الدين يوسف بن أيوب، ورجع اليهم فقه الشافعي... الخ.
اذا وصف الطائي بالبخل مادر***وعيّر قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة***وقال الدجى للصبح لونك حائل
وطاولت الارض السماء سفاهة***وكاثرت الشهب الحصى والجنادل
وقال ابن خلدون وأمثاله: أنهم على الهدى والسنة، وان أهل البيت شذاذ ومبتدعة، وضلال رافضة :
فيا موت زر ان الحياة ذميمة***و یا نفس جدي ان سبقك هازل
ولا غرو أن قام المسلم عند سماع هذه الكلمة وقعد، بل لاعجب ان مات أسفاً على الاسلام وأهله، اذ بلغ الأمر هذه الغاية، فلا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم.
أيقول ابن خلدون : أن أهل البيت شذاذ ضلال مبتدعون، وهم الذين أذهب اللّه عنهم الرجس بنص التنزيل (1) وهبط بطهيرهم جبرائيل، وباهل بهم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (2) بأمر ربه الجليل (3) وقد فرض القرآن
ص: 541
طغت الحج النفاق (1) وأمان الامة (2) اذا عصفت عواصف الشقاق (3) وباب حطة (4) يأمن من دخلها (5) والعروة الوثقى لا انفصام لها (6) وأحد
ص: 543
الثقلين (1) لايضل من تمسك بهما (2) ولا يهتدي الى اللّه من ضل عن احدهما وقد أمرنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأن نجعلهم منا مكان الرأس (3) من الجسد. بل مكان العينين
ص: 544
من الرأس (1) ونهانا عن التقدم عليهم (2) والتقصير عنهم (3) ونص على أنهم القوامون على الدين، النافون عنه في كل خلف من هذه الأمة (4) تحريف الضالين (5) وقد أعلن (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : بأن معرفتهم براءة من النار (6) وحبهم جواز على الصراط، والولاية لهم أمان من العذاب (7) وان الاعمال الصالحة
ص: 545
لا تنفع عامليها الا بمعرفة حقهم (1) ولا تزول يوم القيامة قدما أحد من هذه الامة(2) حتى يسأل عن حبهم (3) ولو أن رجلا أفنى عمره قائماً وقاعداً
ص: 546
و راكعاً وساجداً بين الركن والمقام ثم مات غير موال لهم دخل النار (1).
ص: 547
فهل يحسن من الامة المسلمة بعد هذا ان تجري الاعلى اسلوبهم وهل يتسنى المسلم يؤمن باللّه ورسوله ان يستن بغير سنتهم فكيف يعدهم ابن خلدون من أهل البدع بكل صراحة ووقاحة من غير خجل ولا وجل.
أبهذا أمرته آية القربى (1) وآية التطهير (2)و آيتا أولي الامر(3)والاعتصام بحبل اللّه تعالى؟ (4) أم بهذا أمره اللّه سبحانه حيث يقول: وَكُونُوا
ص: 548
مَعَ الصَّادِقِينَ» ؟؟ (1) أم به صدع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في نصوصه المجمع على صحتها ؟ وقد استقصيناها بطرقها وأسانيدها في كتابنا سبيل المؤمنين واستقصتها علماؤنا الاعلام في مؤلفاتهم، فراجعها لتعلم حقيقة أهل البيت، ومنزلتهم في دين الاسلام (2).
ص: 549
على انهم لا ذنب لهم يستوجب الجفاء، ولا قصور بهم يقتضي هذا الاعراض فليت أهل المذاهب الاربعة نقلوا في مقام الاختلاف مذهب أهل البيت كما ينقلون سائر المذاهب التي لا يعملون بها، ما رأيناهم يعاملون أهل البيت هذه المعاملة في عصر من الاعصار، وانما يعاملونهم معاملة من لم يخلقه اللّه عز وجل أو من لم يؤثر عنه شيء من العلم والحكمة.
نعم ربما تعرضوا لشيعتهم فنبز وهم بالرفض، وسلة وهم بألسنة الافتراء (1)وقد ولى زمن الاعتداء، وأقبل عصر الاخاء، و آن لجميع المسلمين أن يدخلوا
ص: 550
مدينة العلم النبوي من بابها، ويلجوا من باب حطة، ويلجأوا الى أمان أهل الارض بركوب سفينتهم، ومقاربة شيعتهم، فقد زال سوء التفاهم من البين وأسفر الصبح عن توثق الروابط بين الطائفتين. والحمد للّه رب العالمين
المورد - (100) - الدعوة الى الصفاء :
حتى من يا اخوتاه هذه الشحناء؟. وفي من هذه العداوة والبغضاء، نعوذ باللّه أليس اللّه عزوجل وحده لاشريك له ربنا جميعاً ؟ والاسلام ديننا ؟. والقرآن الحذر كتابنا ؟! والكعبة مطافنا وقبلتنا.؟ وسيد النبيين وخاتم المرسلين محمد بن عبداللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نبينا؟. وقوله وفعله وتقريره سنتنا؟. والفرائض الخمسة اليومية وصوم شهر رمضان المبارك، والزكاة المفروضة وحج البيت فرائضنا؟. والحلال ما أحله اللّه ورسوله. والحرام ماحرماه، والحق ما حققاه، والباطل ما أبطلاه، وأولياء اللّه ورسوله أولياءنا، وأعداء اللّه ورسوله أعداءنا و أن الساعة آتية لاريب فيها، وان اللّه يبعث من في القبور «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» (1)أليس الشيعيون والسنيون في ذلك كله سواء ؟ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (2).
والنزاع بينهما في جميع المسائل الخلافية صغروي في الحقيقة، ولا نزاع بينهما في الكبرى عند أهل النظر أبداً. ألا تراهما اذا تنازعا في وجوب شيء، أو حرمته، أو في استحبابه، أو في كراهته، أو في اباحته، أو تنازعا في
ص: 551
صحته أو بطلانه، أو في جزئيته أو في شرطيته أو في مانعيته، أو في غير ذلك، كما لو تنازعا في عدالة شخص، أو فسقه، أو في ايمانه، أو في نفاقه أو في وجوب موالاته لانه ولي اللّه، أو وجوب معاداته لانه عدو اللّه، فانما يتنازعان في ثبوت ذلك بالادلة المثبتة شرعاً - من كتاب أو سنة أو اجماع أو عقل – وعدم ثبوته، فيذهب كل منهما الى ما اقتضته الادلة الشرعية، ولو علم الفريقان ثبوت الشيء في دين الاسلام، أو علما جميعاً عدم ثبوته في الدين الاسلامي أو شكا كلاهما في ذلك لم يتنازعا ولم يختلفا أبداً.
وقد أخرج البخاري في صحيحه (1) عن أبي سلمة وغيره عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) انه قال : «اذا حكم الحاكم واجتهد ثم أصاب فله أجران، واذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد» (2).
وقال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر أو لا يكفر - ص 247 من الجزء الثالث من كتابه - الفصل في الملل والنحل - ماهذا لفظه: وذهبت طائفة الى انه لا يكفر، ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أوفتيا، وان كل من اجتهد في شيء من ذلك، فدان بمارأى انه الحق فانه مأجور على كل حال. ان أصاب فأجران، وان أخطأ فأجر واحد. (قال) وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، والشافعي، وسفيان الثوري، وداود بن علي، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة، لانعلم منهم خلافاً في ذلك أصلا الى آخر
ص: 552
کلامه (1).
والذين صرحوا بهذا ونحوه من أعلام الامة كثيرون، فأي وجه اذن لهذه المشاغبات أيها المسلمون ؟ واللّه عزوجل يقول : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (2) «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (3) «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (4).
وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم يد على من سواهم فمن اخفر مسلماً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل (5).
والصحاح في هذا ونحوه متواترة، ولاسيما من طريق العترة الطاهرة. وفي فصولنا المهمة ما يشرح صدور الامة (6).
ص: 553
ص: 554
ص: 555
ص: 556
نختتم كتابنا فيما افتتحناه به من البحث عن الامامة بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمكانها من عناية اللّه تعالى ورسوله ومسيس حاجة الأمة اليها في دينها ودنياها ولما بذله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فى سبيلها من النصح لربه عز وعلا، ولامته لا يألو في ذلك جهداً ولا يدخر وسعاً.
أحاط علماً بسيرته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في تأسيس دولة الاسلام منذ قام باعبائها ومن وجد عليا وزيره (1) من أهله وشريكه فى أمره، وظهيره على عدوه (2) وعيبة علمه ووارث حكمه (3) وولي عهده، وصاحب الامر من بعده (4)
ص: 557
ومن ألمّ ممعناً في أقواله وأفعاله، فى حله وترحاله، يجد الكثير منها متوالياً في الدلالة على ذلك، من أول أمره الى منتهى عمره. وقد استمر في بثها بأساليبه الحكيمة العظيمة ثلاثاً وعشرين سنة، منذ بعث بالحق الى أن لحق بالرفيق الأعلى، يشيد بخصائصه فيرفع بذلك ذكره، ويوليه من الثناء عليه في كل مناسبة ما يعظم به قدره.
وقد صدع بالنص عليه فى أوائل بعثته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبل ظهور دعوته في مكة، حين أنذر عشيرته الاقربين على عهد شيخ البطحاء وبيضة البلد عمه أبي طالب فى داره، فقال لهم وقد أخذ برقبة علي وهو أصغر القومسنا: «ان هذا أخي ووصبي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا...» الحديث (1).
ص: 558
ولم يزل بعدها يدلل على خلافته، تارة بدلالة المطابقة نصاً كقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك -: «انه لا ينبغي أن أذهب الاوأنت خليفتي» (1).
ص: 559
واخرى بالالتزام البين بالمعنى الاخص كقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - وقد شكي بريدة اليه علياً - : لا نقع في علي فانه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي» هذا لفظه عند الامام أحمد (1).
أما عند النسائي فلفظه: «لا تبغضن لي يا بريدة علياً، فان علياً مني وأنا منه وهو وليكم بعدي» (2).
وقد أخرجه الطبراني على سبيل التفصيل فقال: قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مغضباً: «مابال أقوام ينتقصون علياً، من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني.
ص: 560
ان علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وأنا خلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم، بابريدة، أما علمت ان لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وانه وليكم بعدي؟ !!» (1).
ومثله ماصح عن عمران بن حصين اذ روى ان أربعة من أصحاب رسول اللّه تعاقدوا على شكاية علي، فقام أحدهم فقال يارسول : ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا فأعرض عنه، فقام الثاني فقال مثل ذلك فأعرض عنه، وقام الثالث فقال مثل ماقال صاحباه فأعرض عنه، وقام الرابع فقال مثل ماقالوا، فأقبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والغضب يبصر في وجهه فقال: «ما تريدن من علي ؟ ان علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي» (2).
ونحوه حديث وهب بن حمزة قال - كمافي ترجمة وهب من الاصابة -
ص: 561
سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فلما رجعت ذكرت علياً لرسول اللّه فنلت منه، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لا تقولن هذا لعلي فانه وليكم بعدي» (1).
وأخرجه الطبراني فى الكبير عن وهب غير انه قال: «لا تقل هذا لعلي فهو أولى الناس بكم بعدي» (2).
وقد يختص (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالنص على علي بعض أوليائه من المخلصين كسلمان فيما رواه الطبراني عنه في الكبير اذ قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «ان وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب (3).
وقد يختص بعض من في قلوبهم مرض كبريدة فيما أخرجه عنه محمد بن حميد الرازي قال: سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول: «لكل نبي وصي ووارث، وان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب» (4)
ص: 562
وكأنس فيما رواه عنه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء اذ قال قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «یا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب امام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين وخاتم الوصيين وقائد الغر المحجلين، قال أنس: فجاء علي فقام اليه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مستبشراً فاعتنقه وقال له: أنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي» (1).
وعن أنس أيضاً، فيما أخرجه عنه الخطيب قال: سمعت رسول اللّه يقول أنا وهذا يعني عليا حجة على امتي يوم القيامة تجده في ص 157 من الجزء6
ص: 563
من الكنز وهو الحديث 2632 (1).
وكم اختص بذلك أولات الفضل من النساء كزوجته أم المؤمنين أم سلمة وأم الفضل زوجة عمه، وأسماء بنت عميس، وأم سليم الانصارية، وأمثالهن. وربما نوه بذلك على منبره الشريف. وربما أفضى به الى بعض أصحابه في البقيع (2) ونوّه به يومي المؤاخاة وكانت الأولى (3) منهما في مكة قبل الهجرة والثانية كانت بعدها في المدينة بين المهاجرين والانصار (4) وفي كلتا المرتين يصطفي لنفسه منهم علياً فيتخذه من دونهم أخاه، تفضيلا له على من سواه، ويقول له «أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي
ص: 564
ولم تنس الامة ولن تنسى مارواه أبوبكر - وهو الخليفة الأول - عن رسول اللّه من قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «علي مني بمنزلتي من ربي» (1).
وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «كفي وكف علي في العدل (2) سواء» (3).
وفسر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آية المنذر والهاد (من سورة الرعد) فقال : «أنا المنذر وعلي الهاد، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي» (4).
ص: 566
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما أخرجه الخطيب من حديث البراء والديلمي من حديث ابن عباس، «علي مني بمنزلة رأسي من بدني» (1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا
ص: 567
علي الحوض» (1).
قلت : حسبك من علي انه عدل القرآن في الميزان، وانهما لا يفترقان، فأية حجة أبلغ من هذه في عصمته وافتراض طاعته بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يا مسلمون.
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» (2) أخرجه الطبراني عن ابن عباس كما في ص 107 من الجامع الصغير للسيوطي
ص: 568
ص: 569
وأخرجه الحاكم في مناقب علي ص 126 وص127 من الجزء الثالث من صحيحة المستدرك بسندين صحيحين، أحدهما عن ابن عباس من طريق الحيحين والثاني عن جابر بن عبد اللّه الانصاري، أقام الحاكم على صحة طرفه أدلة قاطعة. وفراد الامام أحمد بن محمد بن الصديق المغربي المعاصر نزيل القاهرة لتصحيح هذا الحديث كتاباً حافلا سماه - فتح الملك العلمي بصحة حديث باب مدينة العلم علي - وقد طبع سنة 1354 ه_ بالمطبعة الاسلامية بمصر. فحقيق بالباحثين أن يقفوا عليه فان فيه علماً جماً، ولاوزن للنواصب وجرأتهم على هذا الحديث الدائر - كالمثل السائر - على ألسنة الخاصة والعامة من أهل الامصارو البوادي، وقد نظرنا في طعنهم فوجدناه تحكماً محضاً لم يدلوا فيه بحجة ماغير الوقاحة في التعصب كما صرح به الحافظ صلاح الدين العلائي حيث نقل القول ببطلانه عن الذهبي وغيره فقال: ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر (1).
ص: 570
ص: 571
ص: 572
وقال : (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «أنا دار الحكمة وعلي بابها» (1). وقال : (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (ياعلي أنت تبين لامتي ما اختلفوا فيه من بعدي» (2).
ص: 573
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) «من أطاعني فقد اطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصى اللّه ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني» (1).
الى مالا تحصيه هذه العجالة من أمثال هذه السنن، وكلها تتساير في طريق واحد، وتتوارد في سبيل فاصد، تواترت في معناه وان اختلف لفظها، تعطي علياً من منازل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مالا يجوز اعطاؤه من نبي الا لولي عهده، وخليفته من بعده، هذا هو المتبادر منها الى الاذهان، بحكم العرف واللغة من أهل اللسان (2).
على ان في صحاح السنن لنصوصاً أخر، بوأت علياً والائمة من أوصيائه مبوأ الخلافة عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وفرضت على الامة في كل خلف منها طاعتهم اذ ربط (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمته فيها بحبليه وعصمها الى يوم القيامة بثقليه، علماؤها وجهلاؤها أحرارها ومماليكها، ملوكها وسوقتها، لم يستثن من الامة صديقاً، ولا فاروقاً، ولا ذا نور، أونورين، أو أكثر، ولا، ولا، (كتاب اللّه تعالى والائمة من عترته)، سواء في ذلك رجال الامة ونساؤها وانذر الجميع من امته بالضلال عن الحق ان لم يأخذوا بهديها وأخبرهم انهما لن يفترقا، ولن تخلو الارض منهما،
ص: 574
حتى يردا علي الحوض، وبهذا قد انحسر لثام الشك، وأسفر وجه اليقين والحمد للّه رب العالمين.
على انه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يكتف بمجرد سنن الثقلين حتى مثلهم في هذه الامة تارة بسفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وأخرى بباب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له، وجعلهم أمان أهل الأرض من الاختلاف فاذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب ابلیس (1).
وهذا غاية ما في وسعه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من الزام أمته باتباعهم واقتفاء أثرهم. لم يبق لاحد من جميع الناس مندوحة عن ذلك، لامالكاً ولا مملوكاً ولا، ولا، ولا.
وانى تكون لاحد مندوحة بعد أن كانوا كسفينة نوح لا يسلم الا راكبها و كباب حطة لا يغفر الا لمن دخله، وكانوا عدل القرآن في الميزان، لا يجد المسلم عنهم حولا ولا يرتضي بهم بدلا.
ولعل قائلا يقول : كيف يجوز على أصحاب رسول اللّه لو (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أمر ان يخالفوا نصه؟.
ولم ترك علي حقه المعهود به اليه، فلم يدافعهم عنه ولم ينازعهم فيه، وقعد في بيته مدة خلافة الخل، الثلاثة وبذل لهم من النصح جهده ؟ وماتقول الشيعة في قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : لا تجتمع امتي على ضلال، ولاعلى خطاً.؟
وهلا احتج علي وأولياؤه من الهاشميين وغيرهم يوم السقيفة على بيعتها؟
وهلا كان النص بالخلافة على علي من اللّه تعالى بآية من القرآن صريحة جليلة في ذلك صراحة آيات التوحيد والعدل والنبوة، والبعث، في مضامينها؟
فالجواب : أما عن مخالفتهم للنصوص، فتعرفه من موضوع كتابنا هذا؟
ص: 575
وفيه من موارد مخالفاتهم ما يتجلى به الحق بأجلى مظاهره.
وقد أفادتنا سيرة الحول القلب من الساسة وأهل الطموح وأوليائهم من أصحاب رسول اللّه، أنهم انما كانوا يتعبدون بالنصوص النبوية اذا كانت متمحضة للدين كالصلاة وكونها الى القبلة، والصوم وكونه في شهر رمضان وأمثال ذلك دون ما كان متعلقاً بالسياسات، كالولايات، والتأميرات، وتدبير شؤون الدولة والمملكة ونحو ذلك، فانهم لم يكونوا يرون التعبد به واجباً، بل جعلوا لارائهم فيه مسرحاً للبحث، كما بيناه على سبيل التفصيل في كتابينا - المراجعات والفصول المهمة (1):
وأما ترك علي حقه، وعدم نزاعه، وقعوده في بيته، ونصحه للخلفاء قبله ورأي الشيعة في الاجماع. فقد استوفينا الكلام في كل منها بما لامزيد عليه. في كتاب «المراجعات» (2).
وأما الاحتجاج على البيعة يوم السقيفة وعدمه فقد استوفينا الكلام فيه في المراجعة 102 من كتاب «المراجعات» فليراجع ثمة فان فيه الشفاء من كل داء.
وأما عدم النص على الامامة بآية من الكتاب الحكيم صريحة فيه، صراحة آيات كل من التوحيد والعدل، والنبوة، والبعث بعد الموت. فنحيل السائل
ص: 576
في الجواب على ما فصلناه في كلمتنا «فلسفة الميثاق والولاية» (1) اذ صرح الحق ثمة عن محضه وبين الصبح واللّه الحمد لذي عينين. ولترجع الى ما كنا فيه فنقول : لم يزل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بعد نصه في الدار يوم الانذار (2) ويؤهل علياً لمقامه في الامة بعده يدلل على ذلك بطرق له مختلفة في وضوح الدلالة قوة وضعفاً، حتى مرض مرض الموت، وسجي على فراشه في حجرته الشريفة والحجرة غاصة بأصحابه فقال: «أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدمت اليكم القول معذرة اليكم، ألا اني مخلف، فيكم كتاب اللّه عز و جل وعترتي أهل بيتي» ثم أخذ بيدعلي فرفعها فقال : «هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يتفرقان حتى يردا علي الحوض...» (الحديث) (3).
وحسبك في أمر الولاية «وحرصه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على تبليغها» انه لما نعيت اليه نفسه ودنا منه أجله، أذن في الناس بالحج «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ» فكانت حجة الوداع أو اخر حياته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقد خرج فيها من المدينة بتسعين الفاً وقيل أكثر كما السيرة الحلبية والدحلانية وغيرهما - (4) غير الذين وافوه في الطريق في وفي عرفة، فلما كان يوم الموقف أهاب بالحجاج يوصيهم بوصاياه ووصايا
ص: 577
الانبياء من قبله مبشراً ونذيراً، فكان مما قاله لهم يومئذ: «أيها الناس اني يوشك ان أدعي فأجيب، واني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (1).
وكم له من موقف قبل هذا وبعده كما سمعت - كما سمعت - ربط فيه الامة بحبليه وعصمها في كل خلف منها بثقليه (كتاب اللّه والأئمة من عترته) يبشرها بالبقاء على الهدى ان أخذت بهديهما وينذرها الضلال أن لم تتمسك بهما ويخبرها انهما لن يفترقا ولن تخلو الارض منهما.
لكن مواقفه تلك في هذا المعنى لم تكن عامة، أما موقفه هذا يوم عرفات والذي بعده يوم الغدير فقد كانا على رؤس الاشهاد (2) من الامة عامة (3).
ص: 578
ولم يفض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يومئذ من عرفة، حتى انبر راحلته يهيب بأهل الموقف رافعاً صوته و هم به محدقون يشخصون اليه أبصارهم وأسماعهم وأفئدتهم، فاذا هو يقول لهم : (علي مني وأنا من علي ولايؤدي عني الا أنا أو علي» (1).
ص: 579
ياله من عهد خفيف على اللسان ثقيل في الميزان جعل لعلي من صلاحية الاداء عن الاداء عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عين الصلاحية الثابتة للنبي في نفسه، وهذه رخصة له بتشريع ما استودعه أياه من أحكام شرعية لا تكون محل ابتلاء الناس الا بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (1) أشركه بها في أمره، والتمنه على ما أوحى اليه من ربه، كما كان هارون من موسى الا أن علياً ليس بنبي وانما هو وزير ووصي، يطبع على غراره، و يتعبد بآثاره، ويؤدي عنه ما لا يؤديه عنه سواه مما استودعه اياه.
بهذا الشكل الحكيم بلغ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمر الولاية، وبهذه الطرق السائغة بثها في أمته. تدرج فيها بأحاديثه المختلفة، وأساليبه المتنوعة على حسب مقتضيات الاحوال في مقامات مختلفة ودواعي شتى.
لم يسد على المعارضين طرق التمويه تمويه النصوص تضليلا عنها باسم التأويل، حذراً من أن يحرجهم بذلك فيخرجهم على اللّه تعالى ورسوله، لذلك جرى معهم على سنن الحكماء في استدراج المناوىء لهم، وتبليغه الامر الذي يأباه بلباقة في حكمة كانت من معجزاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ص: 580
بهذا خفض من غلوائهم، وخدر من أعصابهم، فتدرجوا معه بالقبول في الظاهر من أحوالهم شيئاً فشيئاً والقلوب منهم منطوية على الخلاف والمناوأة وهذا ما أوجب شدة الاشفاق من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الدين والامة، حتى قفل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من حجة الوداع بمن معه من الحجاج، وهو يوجس في نفسه خيفة عظيمة ضارعاً الى اللّه تعالى في أن يرحمه وامته بالعصمة مسن الناس، فما بلغ غدير خم حتى أوحى اللّه تعالى اليه : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (1).
ص: 581
ص: 582
ص: 583
حسب الامة أمة الذكر الحكيم والفرقان العظيم أن يتدبروا هذه الاية ومافيها من الوعيد الشديد بقوله تعالى : «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» ولو تدبروها لعلموا ان منزلة الولاية في دينهم الاسلامي الحنيف دون منزلة النبوة بمرقاة، وانها من فصيلتها ولاسيما بعد قوله عز وجل في ختامها : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ».
ألا ترون أن التهديد على تركها جرى في الذكر الحكيم مجرى التهديد على ترك التوحيد «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (1).
ولو أمعنت الامة «أمة القرآن ومحمد» وتدبرت آية التبليغ، لعلمت أن لوازم الوعيد فيها انما هو متوجه الى أولئك المعارضين لتبليغ الولاية، لا الى رسول اللّه، وحاشا للّه أن يتوجه التهديد اليه نفسه، انما هو على حد المثل العامي «اياك أعني واسمعي ياجارة» وكذلك قوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» وانما هو تهديد لمن يشرك باللّه عزوجل، لالسيد أنبيائه، وهذا أمر
ص: 584
مفروغ عنه.
وبنزول الآية نزل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واستنزل من معه عن رواحلهم، فأرسل من استرجع المتقدمين من الحجاج، وانتظر المتأخرين، حتى اجتمع الناس كلهم في صعيد واحد، فصلى بهم فريضة الوقت، وعمل له منبر عال من حدائج الابل بين دوحتين من سمر ظللوا عليه من الشمس بينهما، فرقي ذروة المنبر وأجلس علياً دونه بمرقاة، ووقف للخطابة عن اللّه عزوجل في تلك الجماهير فابتدأ ببسم اللّه والحمد للّه، والثناء على اللّه، والشكر لالائه، فقال في ذلك ماشاء أن يقول، ثم أهاب بالناس يسمعهم صوته، فقصروا عليه أسماعهم وأفئدتهم صاغين، واليكم نص بعض المأثور من خطابه يومئذ بعين لفظه :
«أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب (1) واني مسؤول وانكم مسؤولون (2) فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك اللّه خيراً فقال : أليس تشهدون أن لا اله الا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته
ص: 585
حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لاريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلی نشهد بذلك.(1). قال : اللّهم اشهد ثم قال : يا أيها الناس ان اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم (2) فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس اني فرطكم وانكم واردون على الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى الى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة، واني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين كيف تخلفوني فيهما، الثقل الاكبر كتاب اللّه عز وجل سبب طرفه بيد اللّه تعالى وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لاتضلوا ولاتبدلوا و عترتي اهل بيتي، فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض اه_... (الحديث) (3).
ص: 586
لا كلام في صحة هذا الحديث بلفظه، ولاريب في تواتره من حيث المعنى بألفاظ متقاربة (1) غير ان شيخ الاسلام شيخنا البشري رحمه اللّه تعالى
ص: 587
قال فيما راجعنا به مما يتعلق بهذا الحديث ان حمل الصحابة على الصحة يستوجب تأويل هذا الحديث - حديث الغدير - متواتراً كان أو غير متواتر ولذا قال أهل السنة لفظ المولى يستعمل في معاني متعددة، ورد بها في القرآن العظيم، فتارة يكون بمعنى الاولى كقوله تعالى مخاطباً للكفار «مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ» أي أولى بكم، وتارة بمعنى الناصر كقوله عز اسمه : «ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ» وبمعنى الوارث كقوله سبحانه «وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ» أي ورثة، وبمعنى العصبة نحو قوله عز وجل : «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي» وبمعنى الصديق : «يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا» وكذلك لفظ الولي يجيء بمعنى الأولى بالتصرف، كقولنا : فلان ولي القاصر، وبمعنى الناصر والمحبوب قالوا: فلعل معنى الحديث من كنت ناصره، أو صديقه أو حبيبه، فان علياً كذلك وهذا المعنى يوافق كرامة السلف الصالح، وامامة الخلفاء الثلاثة رضي اللّه عنهم أجمعين.
فقلت له في الجواب: أنا أعلم بأن قلوبكم لا تطمئن بما نقلتموه ونفوسكم لاتركن اليه، وانكم تقدرون رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حكمته البالغة، وعصمته الواجبة، ونبوته الخاتمة، وانه سيد الحكماء، وخاتم الانبياء «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ» فلو سألكم فلاسفة الاغيار عما كان منه يوم غدیر خم فقال: لماذا منع تلك الالوف المؤلفة يومئذعن المسير؟ وعلى من حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بارجاع من تقدم منهم والحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم جميعاً في ذلك العراء على غير كلاء ولا
ص: 588
ماء ؟ ثم خطبهم عن اللّه عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون، ليبلغ الشاهد منهم الغائب، وما المقتضي لنعي نفسه اليهم في مستهل خطابه؟ اذ قال: يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب، واني مسؤول، وانكم مسؤولون، وأي أمر يسأل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن تبليغه؟ وتسأل الامة عن طاعتها فيه ؟ ولماذا سألهم فقال؟ ألستم تشهدون ان لا اله الا اللّه وان محمداً عبده ورسوله، وان جنته حق وأن ناره حق، وان الموت حق وان البحث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لاريب فيها، وأن اللّه يبعث من فى القبور ؟ قالوا بلى نشهد بذلك. ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد علي فرفعها اليه حتى بان بياض ابطيهما؟ فقال يا أيها الناس ان اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين، ولماذا فسر كلمته - وأنا مولى المؤمنين - بقوله وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير «فمن كنت مولاه فهذا مولاه»، أو من كنت وليه فهذا وليه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ؟ولم خصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها الا أئمة الحق، وخلفاء الصدق؟ ولماذا أشهدهم من قبل فقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى. فقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، أو من كنت وليه فعلي وليه ولماذا قرن العترة بالكتاب، وجعلها قدوة لاولي الالباب الى يوم الحساب؟ وبم كانت لديه عدل القرآن؟ ولم أخبر أنهما لا يفترقان ؟ وفيم بشر بهدى من تمسك بهما، وأنذر بضلال تخلف من عنهما؟ وعلى من هذا الاهتمام العظيم من النبي الحكيم (1)؟ وما المهمة التي
ص: 589
احتاجت إلى هذه المقدمات كلها ؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهود؟ وما الشيء الذي امره اللّه تعالى بتبليغه اذ قال عز من قائل: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» وأي مهمة استوجبت من اللّه هذا التأكيد، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج الى عصمة اللّه من أذى المنافقين ببيانه ؟
أكنتم - بجدك لو سألكم عن هذا كله - تجيبونه بأن اللّه عز وجل ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين، وصداقته لهم ليس الا ؟؟ ما أراكم ترتضون هذا الجواب ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزاً على رب الارباب ولا على سيد الحكماء، وخاتم الرسل والانبياء، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها، وعزائمه بأسرها، الى تبيين شيء بين لا يحتاج الى بيان وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولاشك انكم تنزهون أفعاله وأقواله عن ان تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء، بل لاريب في انكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة، وقد قال اللّه تعالى «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» فيهتم بتوضيح الواضحات وتبيين ماهو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية لا ربط له بها، ولا دخل لها فيه تعالى اللّه عن ذلك ورسوله علوا كبيراً، وأنت - نصر اللّه بك الحق تعلم ان الذي يناسب مقامه واهتمامه
ص: 590
في ذلك الهجير، ويليق بأقواله وأفعاله يوم الغدير، انما هو تبليغ عهده وتعيين القائم مقامه من بعده، والقرائن القطعية والادلة العقلية، توجبان القطع الثابت الجازم بأنه صلى اللّه عليه و آله وسلم ما أراد يومئذ الا تعيين علي واليا لعهده وقائما مقامه من بعده. فالحديث مع ماقد حف به من القرائن، نص جلي، في خلافة علي لا يقبل التأويل، وليس الى صرفه عن هذا المعنى من سبيل، وهذا واضح والحمد للّه «لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ».
على ان هذا الحديث لم يسلم من الاختصار بحذف شيء من نصوصه قطعاً لان القوة الفعالة والاكثرية الساحقة يومئذ انما كانتا في جانب المعارضين الحول القلب، ولهم كانت الغلبة وعاقبة السلطة، ومع ذلك فان الشذرة الباقية من شذور الحديث كافية وافية والحمد للّه، والعجب كل العجب من بقائها، وانما بقيت «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» «ولِلّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ عَلَى النَّاسِ».
اما نحن الامامية فقد تواتر لدينا من طريق الامام ابي عبداللّه الصادق عن آبائه الميامين (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن جدهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) انه نص على علي يوم الغدير بالخلافة عنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نصاً صريحاً بكل جلاء، و انه امر اصحابه يومئذ بأن يسلموا عيله بامرة المؤمنين، وان البعض منهم سلم ولم يقل شيئاً. والبعض انما سلم بعد ان قال للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أعن اللّه ورسوله ذلك يارسول اللّه ؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نعم انما هو عن اللّه ورسوله (1). فصرح الحق يومئذ عن محضه. واسفر
ص: 591
الصبح والحمد للّه لذي عينين. كما قال ابو تمام الطائي رحمه اللّه من قصيده له عصماء هي في ديوانه :
ويوم الغدير استوضح الحق أهله***بفيحاء ما فيها حجاب و لا ستر
يمد بضيعيه و يعلم أنه***ولي ومولاكم فهل فهل لكم خبر
يروح ويغدو بالبيان لمعشر***يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر (1)
فكان له جهر باثبات حقه***و كان لهم في بزهم حقه جهر (2)
أثم جعلتم حظه حد مرهف***من البيض يوماً حظ صاحبه القبر (3)
ص: 592
وقال الكميت بن زيد رحمه اللّه تعالى :
ويوم المدوح دوح غدير خم***أبان له الخلافة لو أطيعا
و لكن الرجال تبايعوها***فلم أر مثلها خطراً مبيعا
ولم أر مثل ذاك اليوم يوماً***ولم أر مثله حقاً أضيعا
فلم أبلغ بها لعنا ولكن***أقول أساء أولهم صنيعا (1)
ص: 593
وقال اللّه تعالى : «لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ» (1).
ما كان المعارضون ليحسبوا ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سيقف موقفه الذي وقفه يوم الغدير أبداً، فلما فاجأهم به وأدى فيه عن اللّه ما أدى، رأوا أن معارضته في آخر أمره وقد بخعت الغرب لطاعته، ودخل الناس في دين اللّه أفواجاً لا تجديهم نفعاً، بل تسبب لهم الويلات، لانها تستلزم اما سقوطهم بالخصوص، أو سقوط الاسلام والعرب عامة، وحينئذ يفوتهم الغرض الذي كانوا يأملون، والمنصب الذي كانوا له يعملون.
لهذا رأوا ان الصبر عن الوثبة أحجى، فأجمعوا على تأجيلها الى بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، لئلا يكون الخروج عليه نفسه، وهكذا كان الأمر منهم بكل لباقة ممكنة، وكل عناية بالشعائر الاسلامية واحتياط عليها، وجهاد في سبيلها أبلوا فيه بلاءاً حسناً، وقد أوحى اللّه عز وجل الى نبيه بما كانوا يضمرون، وأطلعه على ما سيكون، لكن الدين لابد من اكماله، والنعمة لأمحيص من اتمامها، والرسالة لامندوحة من تبليغها، ِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى
ص: 594
مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (1) «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (2).
نعم عهد لوصيه وخليفته من بعده، أن يتغمدهم حين يعارضونه بسعة ذرعه، ويتلقاهم بطول أناته، وأمره ان يصبر على استثثارهم بحقه، وان يتلقى تلك المحنة بكظم الغيظ والاحتساب، احتياطاً على الاسلام، وايثار التصالح العام، وأمر الامة بالصبر على تلك الملمة - كما فصلناه في كتاب المراجعات -.
وحسبك مما صح من أوامره بذلك قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حديث حذيفة (3) ابن اليمان : «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال حذيفة : كيف أصنع يارسول اللّه ان أدركت ذلك. قال : تسمع وتطيع للامير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع له وأطع» (4).
ومثله قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حديث عبد اللّه بن مسعود (5): «ستكون بعدي اثرة وأمور تنكرونها قالوا يارسول اللّه كيف تأمر من أدرك
ص: 595
منا ذلك؟. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): تؤدون الحق الذي عليكم وتسألمون اللّه الذي لكم» (1) وكان أبو ذر يقول (2) : ان خليلي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أوصاني ان اسمع وأطيع وان كان عبداً مجدع الاطراف (3). وقال سلمة الجعفي فيما أخرجه عنه مسلم ص 119 من الجزء2 من صحيحه يا نبي اللّه أرأيت ان قامت علينا امراء يسألوننا حقهم، ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «اسمعوا وأطيعوا، فانما عليهم ماحملوا وعليكم ما حملتم» (4).
وعن أم سلمة : ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : ستكون امراء عليكم فتعرفون وتنكرون، فمن عرف بريء، ومن أنكر سلم (5) قالوا أفلا نقاتلهم ؟. قال لا
ص: 596
ص: 598
ص: 599
ولذا صبروا (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) وفي العين ترمذى، وفي الحلق شجي، عملا بهذه الأوامر المقدسية، وغيرها مما عهد النبي اليهم بالخصوص، احتياطاً على الامة، واحتفاظاً بالشوكة، وايثار للدين، وضنا بريح المسلمين، فكانوا (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) كما قلناه (في المراجعات وغيرها من كتبنا) يتحرون للقائمين بأمور الامة وجوه النصح، وهم من استئثارهم - على أمر من العلقم ويتوخون لهم مناهج الرشد وهم - من تبوئهم عرشهم - على آلم للقلب من حز الشفار تنفيذا للعهد، وعملا بمقتضى العقد، وقياماً بالواجب عقلا وشرعاً من تقديم الاهم (فى مقام التعارض) على المهم، وبهذا محض أمير المؤمنين كلا من الخلفاء الثلاثة نصحه، واجتهد لهم في المشورة، فانه بعد ان يئس من حقه في الخلافة شق بنفسه طريق الموادعة، وآثر مسالمة القائمين بالامر، فكان يرى عرشه - المعهود به اليه - في قبضتهم فلم يحاربهم عليه، ولم يدافعهم عنه، احتفاظاً بالامة، واحتياطاً على الملة، وضناً بالدين وايثار اللاجلة على العاجلة، وقد مني بما لم يمن به أحد، حيث وقف بين خطبين فادحين :
الخلافة بنصوصها وعهودها الى جانب تستصرخه وتستفزه اليها بصوت يدمي الفؤاد، وشكوى تفتت الأكباد، والفتن الطاغية، الى جانب آخر تنذره بانتقاض الجزيرة وانقلاب العرب، واجتياج الاسلام، وتهدده بالمنافقين «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ»، وبمن حولهم من الاعراب وهم منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفراً ونفاقاً، وأجدر ألا يعلموا حدود
ص: 600
ما انزل اللّه على رسوله، وبأهل مكة الطلقاء مضمري العداوة والبغضاء ومن كان على شاكلتهم من ضواري الفتنة، وطواغي الغي وسباع الغارة وأعداء الحق، وقد قويت بفقد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) شوكتهم، اذ صار المسلمون بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية بين ذئاب عادية ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الدجال، وسجاح بنت الحارث الافاكة، وأصحابهم قائمون (في محق الاسلام وسحق المسلمين) على ساق.
والرومان والاكاسرة وغيرهما من ملوك الارض كانوا للمسلمين بالمرصاد الى كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد و آله وأصحابه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبكل حقد وحسيكة لكلمة الاسلام تريد أن تنقض أساسها، وتستأصل شأفتها وانها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة، ترى ان الامر قد استتب، لها وان الفرصة بفقد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد حانت، فأرادت أن تسخر تلك الفرصة وتنتهز تلك الفوضى، قبل أن يعود الاسلام الى قوة وانتظام، فوقف أمير المؤمنين بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يضحي حقه قرباناً لدين الاسلام وايثاراً للصالح العام، لذلك قعد في بيته - فلم يبايع حتى اخرجوه كرهاً - (1) احتفاظاً بحقه واحتجاجاً على المستأثرين به وعلى اوليائهم يوم القيامة ولو اسرع الى البيعة ما قامت له بعد حجة، ولا سطع لاوليائه برهان، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والمسلمين والاحتفاظ بحقه في امرة المؤمنين فدل هذا على اصالة رأيه، ورجاحة حلمه، وسعة صدره، وايثار المصلحة
ص: 601
العامة بحكمة بالغة، ومتى سخت نفس امريء عن هذا الخطيب الجليل والامر العظيم ينزل من اللّه تعالى بغاية منازل الدين، وانما كانت غايته مما فعل اربح الحالين له واعود المقصودين عليه بالاجر والثواب، والقرب من رب الارباب «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وصلى اللّه على سيد النبيين وخاتم المرسلين وآله الهداة الميامين.
تم هذا الاملاء بعون اللّه تعالى وتوفيقه وله الحمد والالاء في مدينة (صور) يوم الاربعاء عاشر رجب المرجب سنة 1375 بقلم الفقير الى اللّه عز وجل الراجي عفو اللّه وغفرانه، عبدالحسین، بن یوسف بن الجواد، بن اسماعيل بن محمد، بن محمد بن ابراهيم وهو شرف الدين بن زين العابدين بن علي نورالدين بن نور الدين علي، بن الحسين بن محمد بن الحسين ابن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن بن محمد ولقبه شمس الدين بن عبداللّه ويلقب جلال الدین بن احمد بن حمزة، بن سعد اللّه، بن حمزة، بن ابي السعادات محمد، ابن ابي محمد عبد اللّه نقيب نقباء الطالبين في بغداد، بن ابي الحرث محمد بن ابي الحسن علي المعروف بابن الديلمية، بن ابي طاهر عبد اللّه، بن ابي الحسن محمد المحدث، بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي، بن موسى ابى سبحة، بن ابراهيم المرتضى بن الامام الكاظم ابن الامام الصادق بن الامام الباقر بن الامام زين العابدين بن الامام ابی عبداللّه الحسين سيد الشهداء وخامس اصحاب الكساء سبط خاتم النبيين والمرسلين وابوه امير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن ابي طالب صلوات اللّه وسلامه عليهم. وآخر دعواهم ان الحمد للّه رب العالمين.
ص: 602
1 - الايات
2 - الاحاديث
3 - الموارد
4 - المواضيع
5 - المصادر
ص: 603
ص: 604
(أ)
رقم / ص
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ / 525 / 372
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ... / 443 / 310
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ / 707 / 464
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ / 180
إِذَا دَخَلْتُمْ فَسَلِّمُوا / 346
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ / 328
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ / 326
اذ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا / 98
إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ... / 85 / 56
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ... / 187، 188، 189
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ / 554
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ / 157
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا... / 554
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ / 554
ص: 605
رقم / ص
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ / 319
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا... / 113 / 82
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا / 696 / 415، 455
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ / 11
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ / 43 و 45
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ / 446 / 312
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ / 107 / 77
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ / 404
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ / 98
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ... / 749 / 488
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ.. / 4 و 154 و 194 و 228
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا.. / 553
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا / 181
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ / 472
(ب ح ذ ض ط)
بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ / 228
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ / 56
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ.. / 558
ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ / 373
ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ / 369
وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ / 369
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ / 416 و 456
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ / 337 / 244
ص: 606
(ف ق)
رقم / ص
فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ / 373
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ... / 194
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ... / 193
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ / 637 / 98 و 425
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ... / 179
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا / 4 و 41
فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً / 293 / 208
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ / 263 / 194
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا... / 105 / 75
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ / 55 / 352
فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ / 56
فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي / 62
قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ... / 228
قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ / 498
قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ / 559 / 389
قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ / 108 / 80
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي... / 228
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي / 228
(ك ل م)
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ.. / 63
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ / 55
كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ... / 551
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ / 222
ص: 607
رقم / ص
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ... / 228
لَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ / 106
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ/ 824 / 4 و 526
يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ / 320
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ / 601 / 406
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ / 930 / 594
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ / 23 / 17
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ / 79 / 55 و 266
لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ / 591
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ... / 378
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ / 591 و 594
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا / 875 / 551
مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ / 157
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ... / 154
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ / 320
مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ
(و)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ / 67
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ.. / 165
وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ / 97
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ... / 50
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا / 525
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى / 278
وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ.. / 809 / 521
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا / 554
ص: 608
رقم / ص
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ / 224
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ / 10 / 9
وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ / 56 و 63 و 258 و 262
وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ / 385 / 268
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ / 386 / 269
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا / 346
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ... / 449 / 349
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا / 365
وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ / 415
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.. / 690 / 454
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا... / 783 / 505
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ... / 599 / 405
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي / 588
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ / 322
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ / 507
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا / 166
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ / 229
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ / 623 / 416
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا / 446
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... / 162
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ / 634 و 695 / 424
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ / 855 / 542
وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ / 187
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا / 553
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ... / 353
ص: 609
ص / رقم
وَلَا تَجَسَّسُوا / 346
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ / 588
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى النَّاسِ / 591
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ... / 229
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ.. / 180
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً / 166
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ / 584
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا / 4 و 154 و 193
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ... / 4 و 41 و 160 و 255
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.. / 815 / 523
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ / 4 و 194 و 224 و 228 و 319 و 588
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ /321
وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ / 932 / 959
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ / 810 / 521
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ / 5 / 3
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا.. / 692 / 455
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ / 631 / 423
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ / 62
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ / 180
وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ / 812 / 521
(ى)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ / 397 / 274
ص: 610
رقم / ص
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ.. / 398 / 274 و 311
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ / 446 / 325
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ / 488 / 345
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً / 371
يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ / 423
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ.. / 691 / 454
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ / 693 / 455
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ... 923 / 581 و 590
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا / 588
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ... / 870 / 548
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ / 872 / 549
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ / 168 / 118
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... / 233
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ... / 362 / 257
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ / 444 / 311
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ.../ 55 و 63 و 66
ص: 611
(أ)
رقم / ص
ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً... 200 / 150
ائتونى بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده... 201 / 151
ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً... 206 / 153
ائتونى بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً... 202 / 152
أبوك حذافة (في جواب عبداللّه بن حذافة) 351
أتدرون أي بلد هذه ؟... 156 / 113
أتطلب منى دم عثمان وأنت قتلته على (عَلَيهِ السَّلَامُ) 447
اجعلوا أهل بيتى منكم مكان الرأس من الجسد.. 19 / 15
أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر... 414 / 294
أخر عنى يا عمر اني خبرت قيل لى استغفر لهم... 249 / 188
أخواى ومؤنسای و محدثای 415 / 294
أخرج على بركة اللّه.. 62 / 41
أدرك خالداً فقل له : ان رسول اللّه ينهاك أن تقتل 646 / 324
اذا أنا دعوت فأمنوا فقال : أسقف.. 106 / 77
اذا شك أحدكم في صلاته... 538 / 380
ص: 612
رقم / ص
اذهب فاقتله 96
إذا فرغت منه فآذنا 248 / 187
اذهب فمن لفيته يشهد أن لا اله الا اللّه... 254 / 191
اذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً 356 / 255
اذا أبردتم الى بريداً فابردوه حسن الوجه 438 / 308
اذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللّه دولا.. 583 / 399
اذا حكم الحاكم واجتهد ثم أصاب... 877 / 552
ارجعى وراءك واللّه لا يبغضه أحد من الناس الا وهو خارج من الايمان 429
استر اسلامك 441 / 309
اسمعوا وأطيعوا فانما عليهم ماحملوا... 936 / 596
أعلم أمتى من بعدى على بن أبي طالب 556 / 388
اغد على بركة اللّه 51 / 34
اغز باسم اللّه وفي سبيل اللّه 48 / 32
أقضى أمتى على 388
أقضا كم على 388
أكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم قال سهيل... 234 / 174
اكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم 354 / 254
الاسلام شهادة أن لا اله الا اللّه والتصديق... 380 / 266
ألا ترى الى بيتى ما أقر به الى المسجد... 352 / 254
ألم آمركم أن لا تقتلوا أسيراً 462 / 324
اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه 787 و 682 / 508 و 451
اللّهم انى استعديك على قريش على (عَلَيهِ السَّلَامُ) 672 / 444
اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟ فقال نعم... 799 / 515
اللّهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد 700 / 460
ص: 613
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة 758 / 493
الدين النصيحة 554
الولد للفراش وللعاهر الحجر 706 / 463
المسلم أخو المسلم هو عينه... (الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 554
الزموا مودتنا أهل البيت فمن لقى 865 / 546
أما واللّه لاعطين الراية غداً رجلا يفتح اللّه... 384
أما أني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه 430
أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى 498
أما أنك ستلقى بعدى جهداً... 512
أم الولد لاتباع ولا توهب... 394 / 272
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولو الا اله الا اللّه... 149 / 109
امش ولا تلتفت وانه مشى شيئاً ثم وقف... 153 / 111
أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم 126 و 686 / 89 و 452
أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم 127 و 687 و 686 / 90 و 453
أنا وهذا - يعنى علياً - حجة على أمتي 899 / 512 و 563
أنا مدينة العلم وعلى بابها.. 910 / 568
أنا دار الحكمه وعلى بابها 912 / 573
أنا المنذر وعلى الهاد وبك ياعلى.. 907 / 566
أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم... 821 / 525
ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم... 10 و 888 / 9 و 558
ان مثل أهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح.. 17 / 14
ان اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك 121 /87
ان بعدى أو سيكون بعدى من أمتى أقوام يقرأون 140 / 101
ان في كتاب اللّه آية ما عمل بها أحد قبلی... (علی (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 371
ص: 614
رقم / ص
ان خيار أمتى من شهد ان لا اله الا اللّه 602 / 406
ان اللّه جعل ذرية كل نبي من صلبه وان اللّه... 756 / 492
ان الحسن والحسين هما ريحانتاى من الدنيا 757 / 492
ان الامة ستغدر بك بعدى 512
ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء... 794 / 513
ان لكل نبي حرماً وان المدينة حرمى.. 798 / 515
ان زيداً كان عالماً وكان صدوقاً (الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 513
ان وصيي وموضع سرى وخير من أترك 896 / 562
ان اللّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً.. 244 / 183
ان الميت يعذب ببكاء أهله 425 / 299
ان الذى أحصى رمل عالج ليعلم ان السهام لاتعول.. 368 / 260
أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه..903 / 564
انكم لتخبروني عن رجل في وجهه لسفعة من الشيطان... 131 / 94
انكم تسألونى بالفحش و تبخلوني ولست بباخل 439 / 309
انما مثل أهل بيتى كسفينة نوح من ركبها نجا 18 / 14
انما كان يكفيك أن تضرب يبديك الارض ثم تنفخ
انا للّه وانا اليه راجعون عند اللّه أحتسب عمى... (الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 530
انا حتى الان لم تفرغ من كتابة الكتاب.. 235 / 176
انه منى وأنا منه 343
انه لا ينبغى أن أذهب الا وأنت خليفتي 889 / 559
انها لرؤيا حق انشاء اللّه... 314 / 226
اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه عز وجل وعترتى 15 / 13
انى تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر... 15 / 13
اني تارك فيكم خليفتين كتاب اللّه 15 / 13
ص: 615
رقم / ص
اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا.. 15 و 112 / 12 و 154
انى على الحوض حتى أنظر من يرد على منكم... 817 / 523
انى فرطكم على الحوض من مرعلى شرب 819 / 524
أهل بيتى أمان لامتى من الاختلاف 16 / 13
اياك وبغضنا أهل البيت فان رسول اللّه.... (الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 547
اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث 489 / 345 و 554
أيتكن صاحبة الجمل الادب تنبحها كلاب الحوأب 657 / 434
أيكم يعرض عليهم هذا المصحف على (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 447
أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهر كم 343 / 247
أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبره / 395 / 272
أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره اللّه... 547
أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب وانى مسؤل... 585
أيها الناس انى يوشك أن أدعى فأجيب واني تارك... 920 / 578
أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً 11 و 925 / 10 و 577
أيها الناس ما مقالة بلغتنى عن بعضكم في... 49 / 33
(ب)
بلى. قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم في النار. قال بلی.. 229 / 171
بلی قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل.. 172
بينا أنا قائم فاذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل.. 816 / 523
(ت)
تعوذ باللّه يا جندب من شر السخط 147 / 107
تقتل بأحجار الزيت من ولدى نفس زكية 532
ص: 616
رقم / ص
تقول اللّه أكبر اللّه أكبر ترفع بها صوتك 303 / 220
(ج)
جهزوا جيش اسامة ارسلوا بعث اسامة 50 / 33
جهزوا جيش اسامة لعن اللّه من تخلف عنه 55 / 36
(ح)
حرب على حربی وسلمه سلمی 785 / 507
حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة 1 / 1
حيث يطلع قرن الشيطان 369
(خ)
خیرنی ربى فقال : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ فاخترت... 251 / 189
(د)
دخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن... (على (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 129 / 91
دعهن يبكين وقعد على شفير القبر وفاطمة الى جنبه تبكى 423 / 298
دعهن فان النفس مصابة والعين دامعة 424 / 298
(ذ)
ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم... 882 / 553
ص: 617
(ر)
رقم / ص
رحم اللّه علياً اللّهم أدر الحق معه حيث دار 683 / 451
رضا فاطمة من رضاى وسخط فاطمة من سخطى.. 125 / 88 و 89
رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن... 376
(س)
سباب المسلم فسق 775 / 501
سباب المسلم فسق وقتاله كفر 776 / 501
ستكثر الكذابة على فمن كذب علي متعمداً... 808 / 521
ستكون بعدى اثرة وامور تنكرونها.. 934 / 595
ستكون امراء عليكم فتعرفون وتنكرون.. 937 / 596
الى موضع قتل أبيك فأومائهم الخيل... 47 / 32
سلونى... 351
سمعت تضور عمى العباس في وثاقه 451 / 316
سمى هارون ابنيه شبراً وشيراً واني سميت... 759 / 493
(ص)
صدقت صدقت...291 / 207
صدقة تصدق اللّه بها عليكم فأقبلوا صدقته 600 / 405
صلوا أيها الناس في بيوتكم 353 / 254
(ع)
عدت بمعاذ 617 / 413
عرفت رجالا من بنی هاشم وغيرهم أخرجواكرهاً 314
على مثل جعفر فلتبكي البواكي 419 / 296
على مع القرآن والقرآن مع على لن يفترقا حتى يردا
ص: 618
رقم / ص
على الحوض 11 و 197 و 99 / 10 و 144 و 567
على منى وأنا من على ولا يؤدى عنى الا أنا أو على 922 / 579
على منى بمنزلتي من ربى 905 / 566
على منى بمنزلة رأسى من بدنى 908 / 567
(ف)
فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و یریبنی ما را بها 122 / 88
فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها 123 / 88
فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها 124 / 88
فخرجوا يجرون حرمة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما تجر الامة... على (عَلَيهِ السَّلَامُ) 673 / 444
فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم 3 / 2 و 454
فلو أن رجلا صفن - أى صف - قدميه بين الركن... 867 / 547
في كل خلف من امتى عدول من أهل بيتي... 545
(ق)
قومو فانحروا ثم حلقوا (قال) فو اللّه ما قام منهم رجل... 230 / 173
قد قضى ؟ قالوا لا يارسول اللّه فبكى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )... 418 / 295
(ك)
كفى و كف على في العدل سواء 906 / 566
كان يكفيك 402 / 276
كيف طلقتها ؟ قال : ثلاثاً. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في مجلس واحد؟.. 342 / 247
كيف أنام وأنا أسمع أنين عمى 452 / 316
كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي 371
ص: 619
(ل)
رقم / ص
لا تقاتلا الا من قاتلكما 459
لاها اللّه لا تجتمع ابنة ولى اللّه.. (مختلق) 795 / 513
لاتزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع : 546
لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا 554
لا تقع في على فانه منى وأنا منه وهو وليكم بعدى 890 / 560
لا تبغضن لى يا بريدة علياً فان علياً... 891 / 560
لا تقولن هذا لعلى فانه وليكم بعدى 894 / 562
لا تقل هذا لعلى فهو أولى الناس بكم بعدى 895 / 562
لا تجيبوه (يعنى أبا سفيان) 487 / 344
لا تجتمع امتي على الضلال ولا...
لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق 218 / 162
لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق 740 / 481
لا بعثن غداً رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبانه 474 / 330
لاعطين الراية رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله 680 / 331 و 450 و 490 و 498
لا يبغضك يا على الا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق 135 / 100
لاضرر ولا ضرار 390 / 271
لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود 138 / 100
لقد انزلت على سورة هي أحب الى مما... 141 / 181
لقد علمت - ياعثمان - أنا تمتعنا على عهد رسول اللّه (على (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 276 / 201
لكل نبي وصى ووارث وان وصيى ووارثي على بن أبي طالب 897 / 562
ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم 675 / 446
ص: 620
(م)
رقم / ص
ما تريدون من على ؟ ان علياً منى وأنا منه 893 / 561
ما بال أقوام ينتقصون علياً من أبغض علياً فقد.. 892 / 560
ما وجدت الا القتال أو الكفر بما أنزل اللّه تعالى 782 / 505
ما منعك أن تخبرني ؟ فقال سبقني عبد اللّه زید.. 313 / 225
ما سؤالك عن هذا يا عمر ؟ انى أظنك تموت قبل أن تعلمه 373 / 262
ما حملكم على قتله وقد جاءكم رسولی 463 / 324
ما كانت هذه لتقاتل فقال لاحدهم... 465 / 325
ما بال أقوام يزعمون ان شفاعتي لاتنال أهل بيتى 523 / 325
ما أسرع ما أغرتم على أهل بيتى رسول اللّه (فاطمة الزهراء(عَلَيهِ السَّلَامُ)) 545 / 382
مارأيت ؟ فقالت مارأيت طائلا.. 625 / 417
ما أنا بقارى، فأخذني فقطني.. 420
ما من وال يلى رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الا حرم اللّه عليه الجنة 468
ما من عبد استرعاه اللّه رعيته فلم يحطها بنصيحة الا لم يجد رائحة الجنة 469
ما بال أقوام يبغضون علياً ومن أبغض علياً فقد... 737 / 480
ما تريدون من على ما تريدون من على... 739 / 480
من خلع يداً من طاعة لقى اللّه يوم القيامة لاحجة له 599
مثل أهل بيتى مثل سفينة نوح من ركبها نجا 18 / 15
مثل البيت الذى يذكر اللّه فيه والبيت الذى... 355 / 255
مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة... 43 / 29
معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة 128 و 689 / 91 و 454
من كتب على علماً أو حديثاً لم يزل يكتب له الاجر 184 / 139
ص: 621
رقم / ص
من ولى من أمور المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة اللّه... 469
من أحب عليا فقد أحبنى ومن أبغض علياً. 728 و 735 و 733 / 475 و 480 و 501
من آذى علياً فقد آذاني 478
من سب عليا فقد سبني 770 و 772 / 449 و 500 و 599
من كنت مولاه فعلی مولاه اللّهم 742 / 483 و 582
من أطاعنى فقد أطاع اللّه ومن عصاني فقد... 914 / 574
من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد... 780 / 504
من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك... 859 / 543
معرفة آل محمد براءة من النار وحب آل محمد جواز... 545
مهما يكن من القلب والعين فمن اللّه والرحمة 410 / 280
(و)
وان أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال... 823 / 525
و الاسلام ماظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة من الناس... (الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 381 / 266
والذي نفس محمد بيده لا تدعونى اليوم قريش الى خطة يسألوني فيها صلة الرحم الا أعطيتهم اياها 224 / 167
والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد الا أدخله اللّه النار 730 / 477
واللّه انه لعهد النبى الأمى انه لا يحبنى الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق (على (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 741 / 482
والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت... 547
ولكن حمزة لابواكي له... 420 / 296
ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد 464
ويلك ومن يعدل اذا لم أعدل... 143 / 103
ص: 622
رقم / ص
ويلك ألست أحق أهل الارض أن ينقى اللّه ؟... 155 / 112
ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار بدعوهم... 784 / 506
(ه_)
هذا على مع القرآن والقرآن مع على لا يفترقان 119 / 86 و 577
هذا أول قرن يطلع فى أمتى او قتلتموه ما اختلف بعده اثنان... 132 / 95
هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده 417 / 295
هم شر الخلق أو من أشر الخلق يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق 141 / 102
هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده... 199 / 149
هل رآه أحد منهم على شيء من أعمال الخير ؟... 252 / 189
هل بقى لكم مال أودم لم يؤد ؟ قالوا لا... ((علی (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 701 / 461
هل أنكر عليه أحد ماصنع ؟... 461
(ى)
يا أيها الناس انى تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي 15 / 12
يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا اله الا اللّه ؟... 154 / 112
يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب امام المتقين.. 933 / 563
يا ويح قريش نهكتهم الحرب فماذا عليهم أو خلوا بيني وبين العرب 223 / 167
يا عمر انی رضیت و تابی 232 / 167
يا بلال قم فناد الصلاة. فنادى بالصلاة 321 / 231
یا ابن عوف انها رحمة... 416 / 295
با حاطب ما حملك على ما صنعت ؟ 437 / 307
يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول اللّه بالسيف ؟ 453 / 317
ص: 623
رقم / ص
يا بلال هجر بالصلاة... ما بال أقوام يزعمون ان قرابتي لا تنفع 524 / 370
يا طلحة جئت بعرس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تقاتل بها وخبات عرسك... (الامام على (عَلَيهِ السَّلَامُ) 447
يا عمرو أما واللّه لقد آذيتني... بلى من آذى عليا فقد آذانی 733 / 478
يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي... (من المختلقات) 792 / 511
ياعائشة ان سرك الى رجلين من أهل النار.. (من المختلقات) 793 / 513
يا على أنت تبين لامتى ما أختلفوا فيه من بعدى 913 / 573
يا على طوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن.. 729 / 476
يا على أنت سيد فى الدنيا سيد في الآخرة 732 / 477
يا على من فارقني فقد فارق اللّه ومن فارقك.. 734 / 479
يا فاطمة ألا ترضى أن تكونى سيدة نساء المؤمنين 104 / 74
يثنى عليه الناس شراً وأثنى عليه خيراً 253 / 190
يخرج من صلبك رجل يقال له زيد.. 530
يردعلى الحوض رجال من أصحابي فيحلاون... 818 / 524
يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي... 820 / 524
يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم 141 / 102
يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداى ولا... 933 / 959
ينزل الوحى به على نبيكم وتزعمون أنه أخذه... (الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)) 326 / 237
ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة 599
ص: 624
خطبة الكتاب
الفصل الاول : تاول أبي بكر واتباعه
المورد / ص
يوم السقيفة 1 / 6
عهد أبي بكر بالخلافة الى عمر 2 / 25
التأمير في غزوة مؤتة 3 / 26
سرية اسامة بن زيد 4 / 30
سهام المؤلفة قلوبهم 5 / 32
سهام ذى القربى 6 / 50
توريث الانبياء 7 / 55
نحلة الزهراء 8 / 66
ايذاء الزهراء 9 / 87
أمر النبى أبا بكر وعمر بقتل ذى الثدية 10 / 93
أمر النبي اياهما بقتله للمرة الثانية 11 / 95
فصل في الخوارج 97
قتل الخوارج 100
ص: 625
المورد / ص
الخوارج شر الخلق والخليقة 101
مروق الخوارج من الدين 103
قتال المتريثين في أمر الزكاة 12 / 108
وقعة يوم البطاح ومقتل مالك بن نويرة 13 / 116
منع كتابة العلم عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ما صنعه أبو بكر وعمر عندما أحال لهما النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جماعة من المشركين 15 / 145
الفصل الثانى : تأول عمر وأتباعه
رزية يوم الخميس 16 / 148
صلح الحديبية وانفة عمر من قبول شروط الصلح 17 / 163
صلاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على ابن أبي المنافق 18 / 186
صلاته على بعض المؤمنين 19 / 189
تبشير النبى بعض المؤمنين بالجنة ومنع عمر من ذلك 20 / 191
متعة الحج اذ نهى عنها عمر 21 / 194
متعة النساء 22 / 207
التصرف فى الاذان باشتراع فصل فيه 23 / 218
اسقاط (حي على خير العمل» من الاذان والاقامة 24 / 238
الطلاق الثلاث وما أحدثوا فيه بعد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 25 / 244
صلاة التراويح 26 / 250
صلاة الجنائز وعدد التكبيرات فيها 27 / 256
اشتراط التوارث بين الاخوة والاخوات أن لا يكون الموروث منهم ولد 28 / 257
عول الفرائض 29 / 259
ص: 626
المورد / ص
ميراث الجد الاخوة 30 / 262
الفريضة المشتركة وتعرف بالحمارية 31 / 264
ان نصيب الورثة (مما ترك الوالدان والاقربون) مطلق من حيث العروبة 32 / 266
ارث الخال لابن اخته 33 / 267
عدة الحامل يتوفى عنها زوجها 34 / 268
تزويج زوجة المفقود 35 /270
بيع امهات الاولاد 36 / 272
وجوب التيمم للصلاة ونحوها مع فقد الماء 37 / 274
التطوع بركعتين بعد العصر 38 / 276
تأخير مقام ابراهيم عن موضعه 39 / 278
البكاء على الموتى 40 / 279
نصه على صدق حاطب ونهيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اياهم عن ان يقولوا له الاخيرا 41 / 307
كتابه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى امرائه فيما يبردونه اليه 42 / 308
لمزه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الصدقات 43 / 308
قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) اعمر حين أسلم استر اسلامك 44 / 309
ما كان في بدء الاسلام مما يتعلق بالصيام 45 / 310
حول الخمر وتحريمها 46 / 311
النهي عن قتل العباس 47 / 314
أخذ الفداء من الأسرى يوم بدر 48 / 319
أسرى حنين 49 / 323
فرار من فرمنهم من الزحف 50 / 335
نهيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لاصحابه عن جواب أبي سفيان في أحد 51 / 341
التجسس مع النهى عنه 52 / 345
ص: 627
المورد / ص
تشریع حد لمهور النساء 53 / 348
استبدال الحد الشرعى بأمر آخر يختاره الحاكم 54 / 352
أخذ الدية حيث لم تشرع 55 / 353
اقامة حد الزنا حيث لم يثبت مقتضيه 56 / 353
درؤه الحد عن المغيرة بن شعبة 57/ 354
تشدده على جبلة بن الايهم 58 / 359
تشدده على أبي هريرة 59 / 361
تشدده على سعد بن أبي وقاص بتحريق قصره، وعلى خالد بن الوليد 60 و 61 / 363
نفيه لضبيع التميمي وضربه اياه 62 / 364
نفيه لنصر بن الحجاج 63 / 365
تجاوزه الحد الشرعى فى الغلظة على ولده 64 / 366
قطعه شجرة الحديبية 65 / 368
يوم شكتهام هانى الى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 66 / 370
يوم النجوى 67 / 371
تسامحه مع معاوية اذ ولاه أمر الشام 68 / 373
أمره بما يخالف الشرع ورجوعه عن ذلك بعد تنبيهه وموارد ذلك كثيرة 69 / 374
عهده بالشورى 70 / 383
الفصل الثالث : تأول عثمان وأتباعه
صلته لارحامه 71 / 399
صلاته في السفر 72 / 405
ص: 628
الفصل الرابع : تاول عائشة واتباعها
المورد / ص
صلاة عائشة في السفر 73 / 412
يوم زفت أسماء بنت النعمان الجونية عروساً الى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 74 / 413
يوم قال أهل الأفك والزور ماقالوا في ابراهيم بن رسول اللّه وامه مارية 75 / 413
يوم المنافير 76 / 413
تكليفهما بالتوبة 77 / 415
تظاهرهما على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 78 / 415
المثل العظيم في آخر سورة التحريم 79 / 416
يوم أراد رسول اللّه أن يخطب لنفسه شراف أخت دحية الكلبي 80 / 417
يوم خاصمت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الى أبيها 81 / 417
يوم أغضبها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 82 / 418
ذمها لعثمان وأمرها بقتله 83 / 418
بعض حديثها عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 84 / 420
خروجها على الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 85 / 423
الفصل الخامس : تأول خالد بن الوليد
ما فعله خالد يوم فتح مكة مع سبق نهى النبي عن القتل 86 / 459
بطشته الجاهلية في بني جذيمة 87 / 460
الفصل السادس : فى بعض ما كان من معاوية
الحاق معاوية لزياد بأبي سفيان 88 / 463
عهده بالخلافة الى ابنه يزيد 89 / 464
ص: 629
عينه في اليمن وما فعله بسر بن ارطاة 90 / 469
قتله الصالحين من عباد اللّه 91 / 471
بوائق أعماله وعماله 92 / 474
بغضه علياً وعداوته اياه 93 / 475
لعنه في قنوط الصلاة سادة تعبد اللّه المسلمين بالصلاة عليهم في كل الصلوات 94 / 487
حربه علياً 95 / 502
وضع الحديث في ذم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 96 / 508
نقض العهود والمواثيق التي أعطاها لسيد شباب أهل الجنة يوم الصلح 97 / 515
الفصل السابع : ما فعله جمهور الامة
احتجاج الجمهور بمطلق من صحب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مسلماً 98 / 519
اعراضهم عن أئمة العترة الطاهرة في أصول الدين وفروعه وفيما هو اليهما 99 / 525
الدعوة الى الصفاء 100 / 551
خاتمة الكتاب في البحث عن الامامة 557
ص: 630
(أ)
الموضوع / ص
استعمال القوة والاكراه في البيعة لابي بكر 7و 19
أسماء من المتخلفين عن بيعة أبي بكر 6 و 115
اخراج الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كرهاً لاجل البيعة 21
ان بيعتي (أبو بكر) كانت فلتة 24 و 114
ان بيمة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرها 24 و 114 و 115
الامير الأول فى مؤتة هو جعفر الطيار 26
أبو بكر وعمر في جيش اسامة 31
اسامة عمره (17) سنة وهو أمير على شيوخ الصحابة 36
الارث في الشريعة 57
ازواج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يرسلن عثمان حول ميراثهن 65
أفضل نساء الجنة 72
أبيات الشافعي في حب أهل البيت 81
أخبار النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالمارقين وصفاتهم 81
الامام أمير المؤمنين على بن أبى طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) طبق ما أخبر 105
ص: 631
الموضوع / ص
به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من أمر الخوارج 106
أبو قتادة الانصارى وعبد اللّه بن عمر يعترضان على خالد.. 122
أبو قتادة وعمر يغضبان من فعل خالد بمالك 125
أبو قتادة وعبد اللّه بن عمر يشهدان لمالك بالاسلام 125
اعتراف عمر أن الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فعل متعة الحج وهي في كتاب اللّه 198
الاذان بوحى من اللّه 236
أول من جعل اماماً للتراويح عمر 252
أهل البيت لا يقولون بالعصبة 258
أهل البيت لا يعترفون بالعول 261
الارث والعروبة 266
ابن مسعود والتيمم 276
الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأمر بالبكاء على مالك الاشتر 284
الامام على بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقيم المأتم على أبيه في كربلاء بعد رجوعه 286
ابن عباس ينكر روايات المنع عن البكاء 299
أهل البيت ينكرون روايات منع البكاء 300
......يمحون الاثار الاسلامية في مكة والمدينة 302
أبو بكر وعمر في جيش عمرو بن العاص 338
أبو بكر وعمر في جيش أسامة 338
أخذ الامام على (عَلَيهِ السَّلَامُ) سورة براءة من أبى بكر بأمر من الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 340
آية النجوى لم يعمل بها الا الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 372
الامام على أعلم بعلوم القرآن من غيره 390
ارجاف عائشة بعثمان 393
أول من بايع علياً طلحة والزبير 394
اعطاء عثمان خمس أرمينيا لمروان 400
ارجاع عثمان الحكم بن أبي العاص 401
ص: 632
الموضوع / ص
ابطال عثمان الحدود وصلاة الوليد وهو سكران 410
احدوثة الأذان الثالث يوم الجمعة 410
الاحنف بن قيس وعائشة 439
اختلاف طلحة والزبير في الامارة 446
ابن عمر يبايع ليزيد 598
أسماء الصحابة المستشهدين مع أمير المؤمنين 502
أمر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين 504
أبو هريرة 509
ابن النابغة 510
أبو على الحسين بن على الكرابيسي 514
الامام الصادق 527
الامام الكاظم 528
الامام الرضا 528
الامام الجواد 529
الامام العسكري 529
البشرى شيخ الجامع الازهر 155
ادريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى534
الامام الحسن 538
أسماء من صحح حديث أنا مدينة العلم وعلى بابها 571
أسماء من تخلف عن بيعة أبي بكر 6
(ب)
البكاء على الميت
1 - بكاء آدم على ابنه هابیل 280
ص: 633
الموضوع / ص
2 - بكاء ابراهيم على اسماعيل 280
3 - بكاء اسماعيل 280
4 - بكاء يعقوب على يوسف 280
5 - بكاء زكريا وزوجته على يحيى 280
6 - بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على جده عبد المطلب 280
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عمه أبي طالب 281
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على فاطمة بنت أسد : كما في أعيان الشيعة ج 8/1 عن المستدرك للحاكم
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على على (عَلَيهِ السَّلَامُ) 281
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أمه 282
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على أهل بيته 282
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على فاطمة 282
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الامام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) 282
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 282
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عثمان بن مضعون 283
بكاء الصحابة بمحضر الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 283
بكاء الرسول (ض) على رقية 283
بكاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على عمه حمزة 293
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع صفية على حمزة 293
بكاء الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على جعفر 294
بكاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على جعفر وزيد 294
بكاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) على ابنه ابراهيم 295
بكاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علی ابن بنته 295
بكاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجملة من الصحابة على سعد بن عبادة 296
7 - بكاء الامام أمير المؤمنين على (عَلَيهِ السَّلَامُ) على فاطمة 283
ص: 634
الموضوع / ص
بكاء الامام على (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الامام الحسين 283
بكاء الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ولده حين مر بكربلاء 284
بكاء الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على عمه حمزة 284
8 - بكاء فاطمة الزهراء على أبيها 284
بكاء فاطمة الزهراء على جعفر 296
9 - بكاه أم سلمة على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 285
بكاء أم سلمة على الوليد بن الوليد 285
10 - بكاء أم أيمن على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 285
11 - بكاء الجن على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 286
12 - بكاء الصحابة على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 286
13 - بكاء الناس على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 286
14 - بكاء نساء آل البيت على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند الوداع 286
15 - بكاء الامام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أبيه 286
16 - بكاء الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على طفله الرضيع 286
بكاء الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ابنه على الاكبر 286
17 - بكاء الامام على بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أبيه 286
18 - بكاء ابن عباس على الامام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) 287
بكاه ابن عباس على الامام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 287
19 - بكاء محمد بن الحنفية على أخيه الحسن 287
بكاء محمد بن الحنفية على أخيه الحسين 287
20 - بكاء زينب على أخيها الامام الحسين 287
21 - بكاء سكينة على أبيها 287
22 - بكاء أم كلثوم على أبيها 287
بكاء أم كلثوم على أخيها 287
23 - بكاء نساء آل البيت على على الاكبر 288
ص: 635
الموضوع / ص
24 - بكاء النساء والصبيان والرجال على الامام الحسن سبعة أيام 288
بكاء نساء الانصار على حمزة قبل بكائهن على موتاهن 297
بكاء النساء على رقية وعمر يضر بهن 298
25 - بكاء فاختة بنت قرضة على الامام الحسن 288
26 - بكاء سودة بنت عمارة على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 288
27 - بكاء سائر الناس على الامام الحسين عند شهادته 288
28 - بكاء المسلمين على حمزة 288
29 - بكاء الحارث بن الصمة على حمزة 288
30 - بكاء أبى هريرة على الامام الحسن 288
31 - بكاء بلال على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 288
32 - بكاء الامام الشافعى على الامام الحسين 288
33 - بكاء الزهرى على الامام السجاد 289
34 - بكاء الهبارية على الامام الحسين 289
35 - بكاء سليمان بن قنة على الامام الحسين 289
36 - بكاء حمنة بنت جحش على زوجها وتقرير الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذلك 289
37 - بكاء أنس ابن مالك على الامام الحسين 289
38 - بكاء زيد بن أرقم على الامام الحسين 289
39 - بكاء راهب على الامام الحسين ثم يسلم 289
40 - بكاء الحسن البصري على الامام الحسين 289
41 - بكاء أهل المدينة على الامام الحسين 289
42 - بكاء فاطمة بنت عقيل على اخوتها 290
43 - بكاء صفية بنت عبد المطلب على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 290
44 - بكاء هند بنت الحارث بن عبد المطلب على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 290
45 - بكاء أبي الطفيل على الامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 290
46 - بكاء الخضر على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 290
ص: 636
الموضوع / ص
47 - بكاء أروى بنت عبد المطلب على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 290
48 - بكاء عائكة بنت عبدالمطلب على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 291
49 - بكاء هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 291
50 - بكاه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 291
51 - بكاء زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على قتلا الطف 291
52 - بكاء أبي بكر على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 292
53 - بكاء عبد اللّه بن أنيس على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 292
54 - بكاء حسان بن ثابت على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 292
55 - بكاء كعب بن مالك على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 292
56 - بكاء عمر بن الخطاب على شيخ قد مات 292
بكاء عمر على النعمان بن مقرن 292
57 - بكاء ابن عمر على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 293
بطل فخ الحسين بن على 533
بين أبي بكر وعمر 35
بين الزهراء وأبى بكر 62
(ت ث)
تهديد عمر علياً وفاطمة بالاحراق 17
تأمیر زید 27
تقدم أمير المؤمنين على بن أبي طالب وشيعته في علوم الاسلام..143
التطاول على الساحة المقدسة بدعواهم ان الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يهجر 152
تفضيل الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) علياً على من سواه 337
تأليب طالحة والزبير على عثمان 393
توسعة المسجد الحرام 410
تواتر الاحاديث بالمؤاخات بين النبي وعلى 387
ثروة الخليفة عثمان 403
ص: 637
(ج ح خ)
جعفر في ثلاثة آلاف وعدوه في مائة ألف 28
جاريه بن قدامة السعدى وعائشة 437
حكيم من بنى جشم ينصح أهل البصرة 440
حول مأساة يوم الجمل 426
حديث المنزلة 451
حي على خير العمل كانت فى الاذان على عهد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 238
حبل اللّه هم أهل البيت 458
الحسن المثنى 530
حديث المولاة 451
حديث الحق مع على 451
حديث الثقلين من الاحاديث المتواترة 578
الحديث للسياسة 597
حديث الراية في خيبر 331
الخلافة والعدالة 597
خروج عائشة من مكة الى البصرة 433
خطاب عائشة في أهل البصرة 441
الخدعة بمالك بن نويرة 121
خير نساء العالمين 73
(دذ)
دفنت بضعة المصطفى سراً 392
دم عائشة اعثمان 418
الذين يلعنون على بن أبى طالب امتثالا لامر معاوية 495
ص: 638
(رز)
رثاء حسان لجعفر حين استشهد 27
الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يحث على مسير جيش اسامة 32
الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يأمر اسامة با الذهاب الى الحرب 34
الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) و سهم ذى القربى 50
رأى مالك وأبي حنيفة في سهم ذى القربي 53
رأى الشيعة في الخمس 54
رأى الامام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الخمس 54
الرجل الذى امتحن اللّه قلبه بالايمان 146
رزية يوم الخميس وتناسى الوصية 151
رزية يوم الخميس لها مصادر كثيرة 152
الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعد المستضعفين بالفرج 183
زجر وضرب عمر لمن يبكي على ميته 297
زيد الشهيد 530
(س ش)
سهم المؤلفة 49
سياسة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع قريش 166
السبب في المنع عمرة التمتع 200
سبب نهى عمر عن متعة النساء 210
السبب في حذف «حي على خير العمل» من الاذان 239
شاب من بنى سعد يؤنب طلحة والزبير 438
شهادة أم أيمن وغيرها 69
شهادة خزيمة بشهادتين 85
ص: 639
(ص ض)
صفات الخوارج من طريق الجمهور 105
صبر أبي جندل في سبيل اللّه 178
الصحابة والتابعون الذين قالوا بحلية متعة النساء 212
صلاة التراويح جماعة كانت سنة 14ه_ 253
صلة عثمان لعبد اللّه بن خالد بن أسيد 401
ضرب الكعبة بالمنجنيق وحرقها 465
(ع غ)
عبد اللّه بن عمر والبيعة 598
عمر يمنع سهم المؤلفة 44
عثمان يعطى فدكاً لمروان بن الحكم 71
عمر يمنع كتابة العلم والحديث 140
عمر يضع اماماً لصلاة التراويح 251
العصبة 258
العول 259
عمر زحزح مقام ابراهيم عن موضعه 279
عائشة تنكر روايات عمر وابنه في المنع عن البكاء 300
عمر لا يمنع عن البكاء في موت خالد بن الوليد 300
عمر يضرب النساء في البكاء على أبي بكر 301
عمر يسمح لعائشة فقط أن تبكي على أبيها 301
على هو الامير اذا كان في سرية 340
على ولى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 387
على وارث النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 387
على وصى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 387
ص: 640
الموضوع / ص
على هارون هذه الامة 388
على أعلم الامة وأقضاها 388
على وزير الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 397
عثمان يعطى فدكاً لمروان 402
عثمان يعطى بن أبي سرح خمس الغزو الأول لافريقيا 402
عثمان يعطى لمروان خمس الغزو الثاني لافريقيا 402
عائشة وابن صوحان 437
عروة بن الزبير 511
عدالة الصحابة 519
عكرمة البربرى 527
غلام من جهينة ومحمد بن طلحة 438
(ف ق)
فدك ملك لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 67
فدك في يد فاطمة 68
فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) أفضل من مريم بنت عمران 62
فاطمة الزهراء سيدة نساء المؤمنين 75
في عهد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلاة التراويح كانت فرادى 251
الفرار من الزحف 325
فراد عثمان وغيره في أحد ثلاثة أيام 326
فرار دنمان يوم حنين 327
فرار عمر يوم أحد 327
فرار عمر يوم حنين 328
فراد أبي بكر يوم أحد 329
فرار أبي بكر يوم حنين 329
ص: 641
الموضوع / ص
فراد أبي بكر وعمر يوم خيبر 329
فرارهما أيضاً بروايات اخرى 330
قاعدة لاضرر ولا ضرار 271
قول عمر ان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليهجر 253
القائلون بحى على خير العمل في الاذان من الصحابة والتابعين 241
قيمة أحاديث سيف ورأى العلماء فيه 133
قضاء عثمان في امرأة ولدت استة أشهر 410
القيادة العامة في فتنة البصرة 432
قتل معاوية خلقاً كثيراً من شيعة آل محمد 473
قتیل با خمری 532
(ك ل)
كيف تجدينك يا بنية ؟ قالت اني لوجعة..62
کتاب الفتوح والردة لسيف بن عمر التميمي 133
الكتب التي أنت في أهل البيت 549
لم يثبت في أحد غير على (عَلَيهِ السَّلَامُ) 328
لاسيف الا ذو الفقا***ر ولا فتى الاعلى 344
لعن الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آل أبي العاص في مواطن كثيرة 400
(م)
مطالبة الامام بحقه واحتجاجه عليهم 21
مقتل زيد بن حارثة 29
محاولة التراجع عن الغزو مع اسامة 34
المؤلفة قلوبهم من قبل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 43
ص: 642
الموضوع / ص
منع مهم ذى القربى 51
من خطبة فاطمة الزهراء 60
مصادر الاحاديث في حقن دماء المؤمنين 110
من مختلفات سيف بن عمر التميمي 120
موقف مقداد المشرف 168
مبايعة الصحابة للرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما عدى الجد بن قيس الانصارى 169
المتعة في القرآن 208
متعة النساء غير منسوخة 209
مصادر في المتعة 210
المؤاخات بين النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والامام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) 387 و 489
منع عثمان عن متعة الحج 410
مروان هو الذي قتل طلحة 433
موقف أم سلمة في فتنة البصرة 429
موقف حفصة 432
موقف الاشتر 432
ماء الحواب 435
موقف حكيم بن جبلة في فتنة البصرة 445
معاوية هو الذى قتل الامام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) 472
معاوية يسب أمير المؤمنين على بن أبى طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) 487
مقاتل بن سليمان البلخي 526
محمد بن الامام الصادق 534
(ن و ی)
نصوص الخلافة من النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلى 25
النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يعتب على الانصار لعدم البكاء على حمزة 296
ص: 643
الموضوع / ص
النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ينهى عمر عن التعرض للذين يبكون موتاهم 301
نادى الخمر في دار أبي طلحة 313
الناكثون والقاسطون والمارقون 395
النبي يحذر عائشة من أن تنبحها كلاب الحوأب 435
النفس الزكية 532
نيز الشيعة بالرفض وافتراء الاكاذيب عليهم 550
الوحدة الاسلامية 554
وقعة الحرة وابن عمر 599
وجد فاطمة على أبي بكر فلم تكلمه حتى ماتت 52 و 59
وجوب الصلاة على آل محمد في أثناء الصلاة الواجبة 81
وضع الاحاديث كذباً على الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 143
وقد نسب القول بجواز المتعة 209
وقوف الفريقين فى يوم الجمل للقتال 442
وصول على الى البصرة والنقاء الجمعين 446
وقعة الحرة 467
الوصية لعلى (عَلَيهِ السَّلَامُ) من قبل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) 488
يستحب صلاة النافلة في البيت 254
يوم الجمل الاكبر 425
يحيى بن زيد 531
يحيى بن عبد اللّه بن الحسن المثنى 533
ص: 644
(أ)
الكتاب / المؤلف / الطبعة
أعلام النساء / عمر رضا كحالة / طبع في دمشق
الاصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني / طبع مصطفى محمد
أسد الغابة في معرفة الصحابة / ابن الاثير الجزري / افست على طبع مصر
الاستيعاب / ابن عبدالبر / بهامش الاصابة طالسعادة
احقاق الحق ج 1 - 12 / الشهيد التسترى / ط طهران فی ایران
الاتحاف بحب الاشراف / الشبراوى / ط الحلبي
احياء الميت / جلال الدين السيوطي / بهامش الاتحاف الحلبي
أسباب النزول / الواحدی / ط الحلبي بمصر
الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ط الحلبي بمصر 1388ه_
أحاديث ام المؤمنين عائشة / مرتضى العسكرى / ط الحيدري في طهران
أنساب الاشراف ج 2 و 3 / البلاذری / ط بيروت بتحقيق المحمودي
أخبار اصفهان / أبو نعيم الاصفهاني / ط لیدن
أحكام القرآن / ابن عربی / ط 2 بتحقيق البجاوي
أسنى المطالب في مناقب / شمس الدين الجزري
ص: 645
الكتاب / المولف / الطبعة
سيدنا على بن أبي طالب / الشافي / ط طهران بتحقيق الامينى
أسنى المطالب في أحاديث / محمد درويش الحوت / ط دار الكتاب العربي بيروت
مختلف المراتب أخبار مكة / الازرقى / ط بيروت دار الاندلس
أضواء على السنة المحمدية / أبورية / ط 5 دار المعارف بمصر
الاستبصار / الشيخ الطوسي / ط النجف 1 - 4
الارشاد / الشيخ المفيد / ط الحيدرية
(ب)
بلاغات النساء / أحمد بن أبي طيفور المتوفى 280ه_ / ط الحيدرية في النجف
البداية والنهاية / ابن كثير / ط السعادة بمصر
بحار الانوار / العلامة المجلسي / ط جدید
(ت)
تاريخ الطبري / الطبرى / ط 2 دار المعارف بمصر
تاج العروس / الزبيدي / ط مطبعة الخيرية
تاريخ الخلفاء / السيوطي / ط السعادة بمصر
تاريخ الخميس / لحسين الديار / بكرى ط مؤسسة شعبان
تفسير المنار / محمد رشید رضار / ط أفست دار المعرفة في بيروت
ترجمة الامام علی بن ابی طالب من تاريخ دمشق / ابن عساکر / ط 1 في بيروت بتحقيق المحمودي
تاريخ اليعقوبي / اليعقوبي / ط دار صادر
التاج الجامع للاصول / ط الحلبي بمصر
تفسير ابن كثير / ابن كثیر /ط دار احياء الكتب العربية
تفسير الخازن / ط مصطفى محمد بمصر
ص: 646
الكتاب / المؤلف / الطبعة
تفسير البيضاوي / البيضاوي / ط أفست بيروت على ط دار الكتب العربية
تذكرة الخواص / السبط بن الجوزي / ط الحيدرية في النجف
التفسير المنير لمعالم / التنزيل الجاوى / ط 3 مصطفى محمد بمصر
تفسير النسفى / النسفى الحنفى / ط دار احياء الكتب العربية
تاريخ الاسلام / الذهبي / ط دار المعارف بمصر
تاریخ بغداد / الخطيب / البغدادى ط السعادة بمصر
التسهيل لعلوم التنريل / الكلبي / ط مصطفى محمد بمصر
تلخيص المستدرك / الذهبي / بذيل المستدرك للحاكم أفست على
على الصحيحين / ط حیدر آباد
تفسير الفخر الرازي / الرازي / ط الدار العامرة بمصر
تفسير أبي السعود / أبو السعود / بهامش تفسير الفخر الرازي طالدار العامرة
تقوية الايمان في الرد على ابن أبي سفيان / لمحمد بن عقيل / ط الحيدرية
تاریخ آل سعود / ناصر السعيد / ط بيروت
التهذيب / الطوسی / ط النجف 1- 10
(ج)
الجامع لاحكام / القرطبي / ط مصور عن ط دار الكتب 1387ه_
القرآن (تفسير القرطبي جامع البيان في تفسير القرآن تفسير الطبرى) / ابن جریر الطبري / أفست بيروت على طبع بولاق
ص: 647
الكتاب / المؤلف / الطبعة
جامع الأصول / ابن الاثير الجزري / ط السنة المحمدية بمصر
جامع بيان العلم وفضله / ابن عبدالبر القرطبي / ط 2 مطبعة العاصمة بالقاهر تصحيح عبد الرحمان محمد عثمان
جواهر / البحار النبهاني / ط الحلبي بمصر
الجامع الصغير / السيوطي / ط الميمنية بمصر
جامع أحاديث الشيعة / السيد البروجردي / ط العلمية في قم
جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام / الشيخ محمد حسن النجفي / ط الجديد
(ح)
حلية الأولياء/ أبو نعيم الاصفهاني / أفست على ط السعادة
(د)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور / جلال الدين السيوطي / أفست بیروت على ط مصر
(ذ)
ذخائر العقبي في مناقب ذوى القربى / محب الدين الطبري / ط مكتبة القدسي
(ر)
الرياض النضرة / محب الدين الطبري / ط 2 مطبعة لجنة دار التأليف والنشر بمصر
روح المعاني / الالوسى / ط المنيرية بمصر
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / الشهيد الثاني / ط النجف
ص: 648
الكتاب / المؤلف / الطبعة
(ز)
زاد المسير / ابن الجوزي / ط المكتب الاسلامي
(س)
السقيفة والخلافة / عبد الفتاح عبدالمقصود / ط دار غريب للطباعة بالقاهرة
سنن ابن ماجة / ابن ماجة / ط دار احياء الكتب العربية
السيرة الحلبية / الحلبي / ط البهية بمصر
السيرة النبوية / لزین دحلان / بهامش السيرة الحلبية طالبهية
سمط النجوم العوالى / عبد الملك العاصمي المكي / ط المطبعة السلفية
السيرة النبوية / أبو الفداء اسماعيل بن كثير / ط الحلبي تحقيق مصطفى عبد الواحد
السيرة النبوية / ابن هشام / ط الحلبي بمصر 1375ه_
سنن النسائي / النسائي الشافعي / ط 1 الحلبي بمصر
سنن أبي داود / أبو داود / ط دار احياء السنة النبوية
(ش)
شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني الحنفى / ط 1 بيروت بتحقيق الشيخ المحمودي
شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد المعتزلى / مصر بتحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم
شهداء الفضيلة / عبدالحسين الاميني / ط دار الشهاب
الشرف المؤبد / النبهاني / ط مصر
شرح الهاشميات / محمد محمود الرافعی / ط 2 مطبعة شركة التمدن بمصر
شيخ المضيرة أبو هريرة / أبو دية / ط 3 دار المعارف بمصر
ص: 649
الكتاب / المؤلف / الطبعة
(ص )
صلح الحسن / الشيخ راضی آل ياسين / ط 3 بیروت
صحيح الترمذي / الترمذي / ط دار الفکر بيروت
(ط)
الطبقات الكبرى / ابن سعد / ط دار صادر في بيروت
(غ)
الغدير فى الكتاب والسنة والادب / عبد الحسين الاميني / ط ایران
(ف)
فتح البيان في مقاصد القرآن / صدیق حسن خان / ط العاصمة بالقاهرة
فتح القدير / الشوكاني / ط 1 الحلبي بمصر
الفقه على المذاهب الأربعة / عبد الرحمن الجزيرى / ط 3 الاستقامة بمصر
فضائل الخمسة من الصحاح السنة / الفيروز آبادی / ط بیروت على ط النجف
الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي / ط الحيدرية
الفصول المهمة / عبد الحسين شرف الدين / ط 5 في النجف
فرائد السمطين في فضائل المرتضى و البتول والسبطين / ابراهيم الجويني الحمويني / ط 1 فی بیروت تحقيق المحمودی
الفتح الكبير فى ضم الزيادة الى الجامع الصغير / الشيخ يوسف النبهاني / ط دار الكتب العربية
ص: 650
الكتاب / المؤلف / الطبعة
(ع)
العقد الفريد / ابن عبد ربه المالكي / ط لجنة التأليف والترجمة والنشر
عبد اللّه بن سبأ / السيد مرتضى العسكرى / ط3 في بيروت
على والوصية / الشيخ نجم الدين العسكري / ط الاداب في النجف
العروة الوثقى / السيد كاظم اليزدي / ط المكتبة العلمية الاسلامية وعليها تعاليق عشرة من أعلام العصر
عمدة الطالب / ابن المهنا / ط الحيدرية
عبقات الانوار / السيد حامد / ط ایران و بيروت (المترجم)
(م)
مجمع البحرين ومطلع النيرين / الشيخ الطريحي / ط النجف 1386ه تحقيق الحسيني
معجم مفردات القرآن / الراغب الأصفهاني / ط التقدم العربي تحقيق نديم مرعشی
المناقب / الخوارزمی / ط الحيدرية في النجف
مناقب على بن أبي طالب / ابن المغازلي الشافعي / ط 1 بطهران
منتخب كنز العمال / المنقى الهندى / بهامش مسند أحمد ط الميمنية
المغازي / محمد بن اسحاق الواقدى / ط جامعة اكسفورد تحقيق جونس
المعالم الجديدة للاصول / الشهيد الصدر / ط النعمان في النجف
مجمع الزوائد / الهيثمي / افست بیروت على ط القدسي
مقتل الحسين / الخوارزمی / ط النجف
مطالب السؤل / ابن طلحة الشافعي / ط النجف
ص: 651
الكتاب / المؤلف / الطبعة
المعارف / ابن قتيبة الدينوري / ط دار الكتب تحقيق ثروت عكاشة 1960م
معجم البلدان / الحموي / ط دار صادر في بيروت
المختصر في أخبار البشر / أبو الفداء / ط بیروت
آة الجنان / اليافعي / أفست بيروت
مشكاة المصابيح / العمري / ط دمشق
مستدرك الصحيحين / الحاكم النيسابورى / أفست على طحيدر آباد
معالم التنزيل / البغوى / بهامش تفسير الخازن ط مصطفى محمد
المعجم الصغير / الطبراني / ط دار النصر بمصر
مروج الذهب / المسعودى / ط دار الاندلس في بيروت
مصابيح السنة / البغوى / ط محمد على صبيح بمصر
مقتل الحسين / المقرم / ط الاداب النجف
الميزان في تفسير القرآن / العلامة الطباطبائي / ط الاعلمی بیروت
المراجعات / عبد الحسين شرف الدين / ط بیروت مع سبيل النجاة
الميزان / الذهبي / ط دار احياء الكتب العربية
المعارف / ابن قتيبة الدينوري / ط دار الكتب
مجمع البيان / الشيخ الطبرسي / ط دار احياء التراث العربي
المعيار والموازنة / أبو جعفر الاسكافي / ط 1 بیروت
من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق / ط النجف وط ايران تحقیق الغفاري
(ن)
نظم درر السمطين / الزرندي / ط القضاء في النجف
النهاية / ابن الاثير / ط بیروت تحقيق الطناحى
ص: 652
الكتاب / المؤلف / الطبعة
نور الابصار / الشبلنجي / ط اليوسفية
النصائح الكافيه لمن يتولى معاوية / لمحمد بن عقيل / ط الحيدرية
(ل)
اللالي المصنوعة / جلال الدين السيوطي / ط 1
لسان العرب / ابن منظور / ط بولاق بمصر
(ك)
الكامل في التاريخ / ابن الاثير / ط دار صادر 1385ه_
الكشاف في تفسير القرآن / الزمخشری / ط الحلبي بمصر 1385ه_
كنز العمال / المتقى الهندى / ط حلب 1 - 16
كشف الارتياب / السيد الأمين / ط 2 بیروت
(و)
وقعة صفين / نصر ابن مزاحم / ط 2 بمصر
وفاء الوفاء / السمهودى / ط مصر تحقیق محمد محی الدین
(ى)
ينابيع المودة / القندوزى الحنفى / ط اسلامبول
ص: 653
الكتاب : الاجتهاد في مقابل النص
المؤلف : الامام شرف الدين (قدّس سِرُّه)
المحقق : أبو مجتبى
الناشر : أبو مجتبى
الطبعة : الأولى 1404ه_
الطبع : 2000 نسخة
المطبعة: سيد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ) - قم
ص: 654