خصَائِص اميْر المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام)
تأليف
الشريف النقيب السيد الرضي المتوفى سنة 406 ه-
منشورات
مؤسّسة الأعلمى للمطبوعات
بَيروت - لبنان
ص . ب 7120
محرر الرقمي: احمد رضا شفيعي
الطبعَة الأولى
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر
1406 ه- - 1986 م
مؤسَّسَة الأعلَمي للمَطبُوعات:
بيَروت - شَارع المطَار - قربْ كليّة الهَندسَة - ملك الاعلمي - ص.ب : 7120
ص: 1
خصَائِص اميْر المؤمنين
علي بن ابي طالب (علیه السلام)
تأليف
الشريف النقيب السيد الرضي المتوفى سنة 406 ه-
منشورات
مؤسّسة الأعلمى للمطبوعات
بَيروت - لبنان
ص . ب 7120
محرر الرقمي: احمد رضا شفيعي
ص: 2
ص: 3
الطبعَة الأولى
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر
1406 ه- - 1986 م
مؤسَّسَة الأعلَمي للمَطبُوعات:
بيَروت - شَارع المطَار - قربْ كليّة الهَندسَة - ملك الاعلمي - ص.ب : 7120
ص: 4
هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الطاهر ذي المنقبتين الحسين بن موسى الابرش بن محمد الاعرج بن موسى المعروف بأبي سبحة بن ابراهيم الاصغر بن الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ).
وأمه فاطمة بنت ابي محمد الحسين الناصر الصغير بن ابي الحسين أحمد(1) بن محمد الناصر الكبير الاطروش(2) بن علي بن الحسن بن علي الاصغر بن عمر الاشرف بن الامام زين العابدين ( عليه السلام ).
كانت أسرة الشريف من طرف الابوين بها ليل مساعير فيهم من دوخ الملوك ونابغ في العلم والادب وشاعر مجيد ولأبيه الطاهر
ص: 5
ذي المنقبتين المقام الرفيع في الدولة مع اباء وشهامة(1) وقد قلد النقابة خمس مرات(2) وتولى النظر في المظالم والحج بالناس مراراً(3) وان جلالة قدره أهلته للسفارة بين معز الدولة والاتراك وبين بهاء الدولة وصمصام الدولة ، كما توسط الصلح بين بهاءِ الدولة ومهذب الدولة(4) ، وكان رسولاً من معز الدولة الى عضد الدولة في رد غلام أسر عنده(5) ووسيطاً في الصلح بين معز الدولة وبين أبي تغلب ابن حمدان(6) الى امثال هذه الامور التي لم يعهد بها الا لذي كرامة سامية بين الجماهير واحترام ذاتي غير مستعار .
وأما عم الشريف الرضي وهو أبو عبد الله احمد بن موسى الابرش فلم يكن خامل الذكر وضيع الشأن يعرفنا خروجه الى واسط
ص: 6
لاستقبال بهاء الدولة انه من الطالبيين الذين اسهموا بالفخار والكرامة فانه لا يستقبل الملوك الا من يعرفه الملوك ويقدرون موقفه .
وكان من اسرة والده أبو علي الشاعر المجيد الذي اشخصه الرشيد من الحجاز وحبسه في بغداد وافلت من حبسه واختفى فيها ومنهم محمد بن القاسم الصوفي الزاهد الفقيه الذي ظهر ايام المعتصم في ( الطالقان ) وقبض عليه ابن طاهر وانفذه الى بغداد فسجن ثم فر فأخذ وقتل صبراً ومنهم الناصر الاطروش صاحب الديلم ومنهم الناصر الصغير النقيب ببغداد صاحب الناصريات في الفقه المطبوع مع عدة كتب في مجموع عرف ( بجامع الفقه ) .
وكانت والدة الشريف الرضي من النساء البرزة الرزان ارضعته مع درها اماني النقابة والخلافة وقصت عليه مآثر ابائها المصاليت البهاليل وانفحته بالمال الذي احتوت عليه من آبائها وفي رثائها يقول الشريف :
ءآباؤك الغر الذين تفجرت *** بهم ينابيع من النعماء
من ناصر للحق او داع الى *** سبل الهدى او كاشف الظلماء
نزلوا بعرعرة السنام من العلى *** وعلوا على الاثباج والامطاء
كانت فاطمة والدة الشريف الرضي ابنة أخت زوجة معز الدولة اميرة البلاط وابنة خالة بختيار بن عز الدولة وهذه المصاهرة عقدت على حساب وتدبير ومن اسبابها تجليل مقام الناصر الكبير الاطروش الجد الاعلى لوالدة الشريف الرضي وربما كان أبو احمد والد
ص: 7
الشريف زوجها بعمل السعاة الذي يسرون بأنباء العاصمة الى والي الاهواز معز الدولة ويعرفونه ضعف الخلافة ويستثيرون همته لامتلاكها(1) ولجلالة والدة سيدنا الشريف وكبر شأنها الف شيخنا المفيد كتاب احكام النساء لها فانه قال في اوله فاني عرفت من آثار السيدة الجليلة الفاضلة ادام الله عزها جميع الاحكام التي تعم المكلفين من النساء وتخص النساء منهن على التمييز لهن ليكون ملخصاً في كتاب يعتمد للدين ويرجع اليه فيما يثمر به العلم واليقين واخبرتني برغبتها ادام الله توفيقها في ذلك الخ(2) ، وعلى كل فالشريف الرضي كان بحاشيتي نسبه قابضاً على عضادتي الامامة فهو ابن الامامين زين العابدين علي بن الحسين وأبي ابراهيم موسى ابن جعفر الكاظم ( عليهم السلام ) ، ومن ناحية الاعمام والاخوال يكرع بكؤوس الفخار ويتزمل مطارف العلا وقد أثر هذا النسب الوضاح في شعره وتمشى في أدبه فيقول :
ما عذر من ضربت به اعراقه *** حتى بلغن الى النبي محمد
ان لا يمد الى المكارم باعه *** وينال منقطع العلا والسؤدد
وان من يقرأ شعر الشريف الرضي بتأمل يعرف نفسيته وطموحه الى الخلافة وتباهيهه بخيمة وتمجده بابائه الاكارم وان شعره ميادين حروب وغمرات آجال وشعور ملتهب ونفس جائشة تتلمض للوثبة كل ذلك للاغلال الذي ارهق بها رهطه الابخاد
ص: 8
والسجون التي أوصدت عليهم والدماء السواجم التي اراقتها سيوف الظلم وهذا هو الذي اودع فيه روحاً متحمسة وثابة ماثلة بين عيني المتصفح لديوانه .
ولا غرابة بعد ان انحدر الشريف من اصلاب الشرف العلوي ودرت عليه اخلاف المجد الهاشمي وبزغ في ظلال اسرة الزعامة ودرج من احضان الامامة فكان لهذا أثر بليغ في ترفعه وشممه ومحاولاته وعواطفه وميوله حتى اوجب لنفسه الكفاية في تسلم عرش الخلافة فيقول مخاطباً الخليفة العباسي القادر بالله :
عطفاً أمير المؤمنين فاننا *** عن دوحة العلياء لا نتفرق
ما بيننا يوم الفخار تفاوت *** ابداً كلانا في العلاء معرق
إلا الخلافة ميزتك فانني *** انا عاطل منها وانت مطوق
فلم ينكر عليه الخليفة ولا استظهر بطيب مغرسه ، نعم رد عليه بقوله :
( على رغم أنف الشريف )(1) .
ان نفس الشريف أبية صعبة المراس ذات اتجاهات واسعة في السياسة وكانت الامراء ورجال الدولة يقدمونه على أخيه « علم الهدى » لما يحسونه منه من الاباء والعزة والترفع وعدم قبول الصلات .
ولكنه بالرغم من ذلك كان خاضعاً لحكم عضد الدولة الشائن
ص: 9
مع عمه وأبيه المعتقل لهما في القلعة من فارس(1) .
وكان اعتقاله حين دخول عضد الدولة الى بغداد سنة 367ه- بقي معتقلاً فيها الى سنة 376 ه- أي بعد وفاة عضد الدولة باربع سنين فانه توفى سنة 372ه- عندما دخلها شرف الدولة وللشريف الرضي المولود سنة 359 ه- يوم اعتقال أبيه ثمان سنين واطلق أبوه وهو ابن ستة عشر سنة(2) .
ولما دخل شرف الدولة بغداد فاتحاً سنة 375ه- انعقدت صلاته مع الطاهر أبي احمد والد الشريف الرضي وأقره على النقابة وأدنا قربه وهنا نرى الشريف الرضي في هذا الدور قلق الفكر لعدم توثق صلاته بالقادر بالله العباسي ولم يحصل على محاولاته وربما عضته نكبة في حياته السياسية فيثور ملتهباً وينبه اولياء الامور باهتضامه ويوعدهم بالالتجاء الى من يرعى حقه ويحفظ حرمته فيقول من مقطوعة له :
البس الذل في ديار الاعادي *** وبمصر الخليفة العلوي
وعليها استشاط القادر وصرفه عن النقابة .
وظائفه في الدولة
في سنة 388 قلده بهاء الدولة خلافته في بغداد وخلع عليه خلعاً فاخرة وفيها ولاه نقابة العلويين واما رد المظالم فكان وظيفة
ص: 10
تخص الملوك والخلفاء فانهم يجلسون يوماً خاصاً في السنة يؤذن فيه لأرباب المظالم برفع ظلاماتهم مباشرة سواء نظر فيها القضاة أم لا وقد يقوم مقامهم نائب خاص ينظر في المظالم ويشترط فيه كونه من بيت شرف ومنعة وطهارة وعفاف وفقه واسع بجميع الاحكام الشرعية وفي سنة 388 ه- قام الشريف الرضي بهذه الوظيفة عن بهاء الدولة .
وفي سنة 397ه- بعث بهاء الملك من البصرة الى بغداد مرسوماً بتولية الشريف امارة الحج وكان الشريف ممارساً لها منذ صباه تولاها في أغلب اعوام عمره نائباً عن أبيه ومستقلاً(1) .
القابه
ان من العادات القديمة المنتشرة بين جميع الأمم والشعوب ایّاً كان شكل حكومتها منح الالقاب لزعماء الدولة وطالما تزلف بها رجال الحكم لرعاياهم ليصطنعوهم بها وقد استكان ذووا الالقاب لاولئك الذين منحوهم بها ما يخول لهم حق الرفعة على من كان عاطلاً منها .
وعلى هذا جرت الحكومات الاسلامية في تقدير عظمائها باسداء القاب اليهم وكان الشريف الرضي ممن يحمل اسمى الالقاب التي يرمز بها الى مقامه الفخم فقد لقبه بهاء الدولة في سنة 388ه- ( بالشريف الجليل ) في واسط وسيره الى بغداد في موكب
ص: 11
ملوكي وفي سنة 398 ه- صدر مرسوم من واسط بتلقيبه ( بذي المنقبتين ) وفيها لقبه بهاء الدولة ( بالرضي ذي الحسبين ) وفي سنة 401 ه- أمر الملك قوام الدين ان تكون المكاتبة مع الشريف بعنوان (الشريف الاجل) مضافاً الى مخاطبته بالكنية .
علمه
لقد كان الشريف مجيداً في العلم الى الغاية كإجادته في الشعر غير انه لم يكثر منه كإكثاره في الشعر فلذلك لم يشتهر به وان كتابه « حقائق التأويل » أكبر آية على اتقانه للفنون العلمية الدينية ومبادئها ووقوفه على اسرارها ولعل السبب الوحيد في قلة تأليف الشريف اشتغاله بشطر كبير من عمره بامارة الحج والنظر في المظالم ومقتضيات النقابة وهذه الاحوال لا تتفق مع التأليف اضف الى ذلك شغل الوقت بالنظم في الاعياد والمواسم السنوية وما يتفق في العام الواحد من مراث وتهان ومعاتبات .
ومع هذا فانا نعرف من شهادة ابن جني والسيرافي بأنه متوقد الذكاء جيد الحفظ سریع الانتقال ولما تتم له العشرون سنة حضر عند ابن السيرافي النحوي وله دون العشرة فقال له يوماً اذا قلنا رأيت عمر فما علامة النصب في عمر فقال الشريف على البديهة علامة النصب بغض علي فتعجب ابن السيرافي ومن حضر من سرعة انتقاله وهو بهذا السن(1) .
ص: 12
وان محاورته مع أخيه المرتضى تشهد بفقاهة الشريف ومعرفته بطرق الاستدلال والاجتهاد ، قال الشهيد الاول في الذكرى والشهيد الثاني في روض الجنان سأل الرضي أخاه المرتضى فقال ان الاجماع واقع على ان من صلى صلاة لا يعلم احكامها فهي غير مجزية فأجاب المرتضى بجواز تغيير الحكم الشرعي بسبب الجهل .
فهذه المناظرة تدل بأن له قوة في الاستدلال وملكة راسخة في الاستنتاج .
دار العلم
جاء في روضات الجنات ص 554 وعمدة الطالب ص 199 ط النجف ، ان الشريف اتخذ لتلامذته مدرسة سماها « دار العلم » وأرصد لها مخزناً فيه ما يحتاجه الطلاب وذكر شاهداً له ان الوزير المهلبي لما بلغه ولادة ولد للشريف ارسل اليه الف دينار فردها فبعث اليه الوزيران هذا للقابلة فارجعها ثانياً يعلمه انا اهل بيت لم تكن قوابلنا غريبة وانما هي من عجائزنا ولا يأخذن أجرة ولا يقبلن صلة فاعلمه الوزير برغبته في تفريقه على ملازميه من طلاب العلم فقال الشريف لمن رجع بالمال انهم حضور يسمعون كلامك فقام احدهم وأخذ ديناراً وقطع منه ورد الباقي واخبر الشريف بأنه احتاج ليلة الى دهن السراج ولم يكن الخازن حاضراً وقد اقترض هذا المقدار فأمر السيد اعلا الله مقامه ان يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد التلاميذ ولا ينتظر الخازن .
ص: 13
وفي هذه الدار كان الشريف يلقي على التلاميذ افاداته ودروسه يومياً متتابعة لا يشغله عن ذلك وظائف الدولة من النقابة وغيرها ولم يتعلل بزيارة زائر او مدح خليفة او قصيدة في حميم فان هذا كله نقض لهمم الطلاب وفت في عزيمتهم .
على ان دار العلم لم تكن مدرسة فقط بل هي مكتبة ايضاً فيها من امهات الكتب ما يحتاج اليه القاطن في المدرسة وغيرهم فهي كبيت الحكمة المؤسس للرشيد والمكتبة الحديثة التي انشأها وزير شرف الدولة البويهي ابو نصر سابور بن اردشیر سنة 381 ه- وكان أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري خازن ( دار العلم ) ولعبد السلام هذا مجمع علمي خاص ببغداد له يوم الجمعة كل اسبوع .
اساتذته
قرأ الشريف على جماعة كثيرة :
1 - أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قرأ عليه مختصر الطحاوي في الفقه .
2 - أبو الحسن علي بن عيسى النحوي قرأ عليه النحو .
3 - ابو الفتح عثمان بن جني قرأ عليه مختصر الجرمي وقطعة من ايضاح ابي علي الفارسي والعروض لأبي اسحاق الزجاج والقوافي للاخفش(1) .
ص: 14
4 - ابن السيرافي النحوي قرأ عليه النحو قبل ان تتم له العشرة(1) .
5 - ابن نباتة صاحب الخطب(2) .
6 - قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد قرأ عليه كتابه شرح الاصول الخمس(3) وكتابه العمدة في أصول الفقه(4) .
7 - أبو حفص عمر بن ابراهيم الكناني صاحب ابن مجاهد قرأ عليه القراآت بروايات كثيرة(5) .
8 - أبو اسحاق ابراهيم بن احمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي قرأ عليه القرآن المجيد وهو شاب(6) .
9 - شيخ الامة وفقيه الطائفة ومتكلمهم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان وكان السبب في ملازمته مع أخيه علم الهدى له ما يحدث به ابن ابي الحديد في شرح النهج ج 1 ص 13 مصر .
عن فخار بن معد الموسوي قال رأى الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان الفقيه الامامي في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها
ص: 15
الحسن والحسين ( عليهما السلام ) صغيرين وقالت له علمهما الفقه فانتبه متعجباً من ذلك ، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين فقام اليها وسلم عليها ، فقالت ايها الشيخ هذان ولداي قد احضرتهما اليك لتعلمهما الفقه ، فبكى أبو عبد الله وقص عليها المنام وتولى تعليمهما وانعم الله عليهما وفتح لهما من ابواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقى الدهر .
ولا غرابة في ذلك بعد ان كانت والدتهما من اشراف النساء وسلسلة آبائها علماء ادباء وملوك ولأجلها صنف الشيخ المفيد رسالة في احكام النساء وكان مجيئها الى المفيد بولديها ايام اعتقال ابيهما وعمهما بالقلعة من فارس وهما صغيران حينئذ وللرضي ثمان سنين وهذه الرؤيا لم تقع عند علمائنا موقع تشكيك فقد ذكرها السيد الجليل المحقق السيد علي خان في الدرجات الرفيعة والعلامة النوري في دار السلام ج 1 ص 417 .
10 - وكان ممن يروي عنهم أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري وذكر في خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عنه حديث امير المؤمنين مع كميل ابن زياد وهو طويل .
ولسنا في حاجة الى تعداد تلاميذه بعد ان عرفنا مدرسته ( دار العلم ) تحتوي على عدد كثير ممن يقطن هذه الدار للافادة منه والاستضائة بأنوار علومه وتحقيقاته .
ص: 16
نعم هنا شيء لا بد من التنبيه عليه وهو ان صاحب روضات الجنات ذكر رواية الشيخ الطوسي عن الشريف الرضي واذا عرفنا الميرزا النوري ان السيد الرضي توفي سنة 404 ه- وقدوم الشيخ الطوسي الى العراق سنة 408 ه- فيكون ورود الشيخ الطوسي الى العراق بعد وفاة السيد الرضي بأربع سنين فلم يدركه حتى يروي عنه واحتمال مسافرة الشريف الى طوس واجتماعه بالشيخ الطوسي، هنا بعيد اذ لم يذكره احد من ارباب التراجم ولا نبه عليه المؤرخون مع ان الشريف في أكثر ايام سنيه كان مشغولاً بأمر النقابة وولایة المظالم وامارة الحج(1) .
آثاره
كان للشريف الرضي مؤلفات كثيرة مفعمة بالتحقيق والبحث مع قصر المدة التي تمكن فيها من ذلك الانتاج فإن عمره كله 47 سنة قضى أكثره في مزاولة وظائف الدولة وفي القاء دروسه ومحاضراته في مدرسته ( دار العلم ) وفي قرضه الشعر ومحاولاته السياسية ومجاملاته مع الخلفاء والملوك فما بقى الا النزر من ايامه خصوصاً بعد اخراج سني الطفولة من تلك القائمة فهاهنا نعرف ان انتاج الشريف لتلك المؤلفات القيمة اعجاز وهذا ما وصل إلينا من مؤلفاته .
1 - نهج البلاغة جمع فيه ما اختاره من خطب امير المؤمنين ( عليه السلام ) وحكمه ورسائله وأشار اليه في المجازات النبوية
ص: 17
ص 40 طبعة مصر .
2 - مجاز القرآن ، قال ابن خلكان فيه انه نادر في بابه واشار الیه الشريف في المجازات النبوية ص 20 ط مصر .
3 - المجازات النبوية من أنفس المؤلفات في هذا الشأن طبع اولاً سنة 1328ه- ببغداد وثانياً سنة 1356ه- في مصر .
4 - حقائق التأويل توفقت لجنة منتدى النشر لطبع الجزء الخامس من هذا السفر الجليل فان باقي اجزائه لم يعثر عليها اصلاً وقد اطرأ العلماء هذا المؤلف كما اطراه الشريف نفسه في كتابه المجازاة النبوية ص 326 طبعة بغداد وص 175 .
5 - الزيادات في شعر ابي تمام
6 - اخبار قضاة بغداد
7 - تعليق خلاف الفقهاء
8 - تعليق على الايضاح لأبي علي .
9 - ما دار بينه وبين الصابي من الرسائل والشعر .
10 - المختار من شعر الصابي .
11 - المختار من شعر ابن الحجاج سماه الحسن من شعر الحسين .
12 - رسائله ثلاث مجلدات ذكر في الدرجات الرفيعة بعضها ونشرت مجلة العرفان بعضها .
ص: 18
13 - سيرة والده الطاهر ابي احمد .
14 - خصائص الائمة .
قال الشريف الرضي كان السبب في تأليفه ان بعض الرؤساء ممن غرضه الطعن في صفاتي والغمز لقناتي والتغطية على مناقبي والدلالة على مثلبتي لقيني وأنا متوجه عشية عرفة من سنة 386 ه- الى مشهد مولانا ابي الحسن موسى بن جعفر وأبي جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) للتعريف هناك فسألني عن متوجهي فذكرت له قصدي فقال لي متى كان ذلك ، يعني ان جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف والبرائة ممن قال بالقطع وهو عارف بأن الامامة مذهبي وعليها عقدي ومعتقدي وانما اراد التنكيب لي والطعن علي بديني فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه واستدعاه خطابه وعدت وقد قوى عزمي على عمل هذا الكتاب ( خصائص الائمة ) اعلاناً لمذهبي وكشفاً عن مغيبي ورداً على العدو الذي يتطلب عيبي ويروم ذمي .
وقال في أول النهج لما فرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين وعاقت عن اتمام بقية الكتاب محاجزات الايام ومماطلات الزمان الخ .
وهذا الكتاب لجلالة قدره وكبر فائدته جعله الميرزا النوري احد المصادر التي اعتمد عليها في كتابه المستدرك على الوسائل .
وها نحن نضع الكتاب بين يدي القراء الاعزاء بأسلوب
ص: 19
جديد وطباعة منتحة فخمة علنا نوفق بإرضاء الله وابناء العلم الكرام انه حميد مجيد .
وفاة الشريف
توفي الشريف الرضي بكرة يوم الاحد سادس المحرم سنة 406 ه- ببغداد وعمره 47 سنة لأن ولادته سنة 359ه- ببغداد ودفن في داره بالكرخ بخط مسجد الانباريين(1) وحضره الوزير فخر الملك وجميع الاشراف والقضاة والشهود والاعيان وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهَم أبو عبد الله بن المهلوس العلوي ثم دخل الناس افواجاً فصلوا عليه وركب فخر الملك في آخر النهار فعزى المرتضى والزمه الى داره ففعل لأنه من جزعه عليه لم يستطع النظر الى تابوته ومضى الى مشهد موسى بن جعفر ( علیه السلام )(2) .
واستغرب العلامة النوري عدم صلاة الشيخ المفيد عليه وهو شيخ الطائفة وعلم الأمة ، قال إلا ان يكون ذاهباً الى زيارة الحسين ( عليه السلام ) لأنها زيارة عاشوراء ، ثم نقل الشريف الى كربلاء ودفن عند أبيه الطاهر أبي أحمد ، نص عليه السيد الداودي في عمدة الطالب ص 29 طبع النجف والسيد علي خان في الدرجات الرفيعة بترجمة الرضي والشيخ الجليل الشيخ يوسف البحراني في
ص: 20
لؤلؤة البحرين ص 197 والسيد بحر العلوم في رجاله بترجمة السيد المرتضى قال الظاهران قبر السيد علم الهدى وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب الذي هو جد المرتضى وابن الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام )، وذكر العلامة الحجة المتتبع السيد حسن الصدر الكاظمي في رسالته نزهة أهل الحرمين حاكياً عن مشجرة النسابة العبيد جمال الدين أحمد بن المهنا ان قبر ابراهيم المجاب خلف قبر الحسين بستة اذرع .
نرجو من الله تعالى العلي القدير ان نكون قد وفقنا في عرض ترجمة لحياة سيدنا الشريف الرضي ولو موجزة ونسأل المولى ان يوفق الجميع كما فيه الخير والصلاح والله الموفق والمستعان .
الناشر .
ص: 21
ص: 22
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كنت حفظ الله عليك دينك وقوى في ولاء العترة الطاهرة يقينك سألتني ان اصنف لك كتاباً(1) يشتمل على خصائص اخبار الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم وبركاته وتحياته على ترتيب ايامهم وتدريج طبقاتهم ذاكراً اوقات مواليدهم ومدد اعمارهم
ص: 23
وتواريخ وفاياتهم ومواضع قبورهم واسامي امهاتهم ومختصراً من فضل زياراتهم ثم مورداً طرفاً من جوابات المسائل التي سئلوا عنها واستخرجت اقاويلهم فيها ولمعاً من اسرار احاديثهم وظواهر وبواطن اعلامهم ونبذاً من الاحتجاج في النص عليهم جلية البرهان في الاشارة اليهم موضحاً من ذلك ما يزيد به الولي المخلص اخلاصاً في موالاتهم وصفاء عقد في محبتهم ويصدع عن عين عدوهم العمى ويكشف عن قلبه الغمى حتى تشع انوارهم فيشعوا اليها ويستوضح اعلامهم فيتتبعها ويقفيها سالكا في جميع ذلك طريق الاختصار ومائلاً عن جانب الاكثار لأن مناقب موالينا الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين لا تحصى بالعدد ولا تقف عند حد ولا يجري بها الى امد فاني اعتقد ان جميع اعداء هؤلاء الغرر الذين هم قواعد الاسلام ومصابيح الظلام والذين حط الله الخلق عن منازلهم وقصر الالسن والايدي عن تناولهم وميز العالم بينهم وأماط العيب والعار عنهم بين مغموس القلب في الجهالة ومطروف العين بالضلالة لا يفيق من سكرة الهوى فيتبين الطريقة المثلى وبين عالم بفضلهم خابر بطيب فرعهم واصلهم يكتم معرفته معاندة ويغالط نفسه مكايدة ترحيباً لغرس قد غرسه وتوطيداً لبناء قد اسسه وتنفيقاً لسوق قد قامت له واستجداراً لجماعة قد التفت عليه وكل ذلك طلب لحطام هذه الدنيا الوبيل مرتعها الممر مشربها المنغص نعيمها وسرورها المظلم ضياؤها ونورها الطائرة بأهلها الى اخشن المصارع بعد الين المضاجع والنازل لهم الى افزع المنازل بعداً من المعاقل على قرب من المعاد وعدم من الزاد ثم تنقلب لهم
ص: 24
الى حيث تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه امداً بعيداً فعاقني عن اجابتك التي ملتمسك ما لا يزال يعوق من نوائب الزمان ومعارضات الايام الى ان انهضني الى ذلك اتفاق اتفق لي فاستثار حميتي وقوى نيتي واستخرج نشاطي وقدح زنادي وذلك ان بعض الرؤساء ممن غرضه القدح في صفاتي والغمز لقناتي والتغطية على مناقبي والدلالة على مثلبة ان كانت لي، لقيني وانا متوجه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين هجرية الى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر وأبي جعفر محمد بن علي بن موسى ( عليهم السلام ) للتعريف هناك فسألني عن متوجهي فذكرت له الى أين قصدي فقال لي : متى كان ذلك ، يعني ان جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف والبرائة ممن قال بالقطع وهو عارف بأن الامامة مذهبي وعليها عقدي ومعتقدي وانما اراد التنكيت لي والطعن على ديني فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه واستدعاء خطابه وعدت وقد قوى عزمي على عمل هذا الكتاب اعلاناً لمذهبي وكشفاً عن مغيبي ورداً على العدو الذي يتطلب عيبي ويروم ذمي وقصبي وانا بعون الله مبتدىء بما ذكرت على ترتيب الذي شرطت والله المنقذ من الضلال والهادي الى سبيل الرشاد وهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير
(خصائص مولانا امير المؤمنين ابي الحسن علي بن أبي طالب ( علیه السلام ))
ولد ( عليه السلام ) بمكة في البيت الحرام لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة وأمه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو اول هاشمي في الاسلام
ص: 25
ولده هاشم مرتين ولا نعلم مولوداً ولد في الكعبة غيره وقبض ( عليه السلام ) قتيلاً بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة وله يومئذ ثلاث وستون سنة على الرواية الصحيحة وكان بقاؤه مع رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) ثلاثاً وثلاثين سنة وكونه بعده حجة الله في ارضه ثلاثين سنة ونقش خاتمه وهو عقيق احمر ، الله الملك وعلي عبده ، ويقال الملك لله واختلف الناس في موقع قبره ، فقال قوم في رحبة القضاء وقال قوم في دار الامارة وقال قوم حمل الى المدينة والصحيح الذي لا شك فيه ولا لبس عليه انه ( عليه السلام ) بالغري من نجف الكوفة ومما يدل على ذلك ان الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) زاره في هذا الموضع لما اشخصه المنصور اليه .
( فضل زيارته ) روي عن الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه عن رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) انه قال من زار علياً ( عليه السلام ) بعد وفاته فله الجنة وقال الصادق ( عليه السلام ) ان ابواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال ( عليه السلام ) من ترك زيارة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم ينظر الله تعالى اليه ، الا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون ( عليهم السلام ) ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أفضل من كل الائمة ( عليهم السلام ) وله مثل ثواب اعمالهم وعلى قدر اعمالهم فضلوا ، طرف من الاحتجاج للنص عليه ( عليه السلام ) مما يدل على ذلك ان الشيعة جماعة كثيرة لا يحصرهم العدد ولا يشتمل عليهم بلد وقد طبقوا البلدان وملؤا الاقطار وساروا شرقاً وغرباً وانتشروا براً وبحراً على اختلاف
ص: 26
اوطانهم وتباعد ديارهم وتفاوت هممهم واهوائهم وتباين اقاويلهم وآرائهم وانتفاء الاسباب الموجبة للشك والوقوف في خبرهم وفيهم مع ذلك عدد كثير ومع غفير من اهل بيت النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) وذويه وأصحابه ومواليه ينقلون نقلاً متصلاً متواتراً ان النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) قد استخلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) على امته بعد وفاته ونص عليه وفرض طاعته في أمر الدين كله وان النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) فعل ذلك ظاهراً مكشوفاً فوجب قبول هذا الخبر علماً ويقيناً ، فان قال قائل انهم انما كثروا الآن وان اولهم كان قليلاً وسلفهم كان يسيراً مغموراً ، قيل له ما الفصل بينك وبين من احتج عليك بمثله من الملحدين وسائر المخالفين فقال ان آيات النبي لا تصح لأن عدد المسلمين الناقلين لها كان قليلاً في الاول وانما كثر الآن ، فلا تجد بينهما فصلاً .
فصل فيما روي من الاشعار في نص النبي ( صل الله علیه وآله وسلم )
علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوم الغدير قمن ذلك ما رواه نقلة الاثار ان حسان بن ثابت الانصاري استأذن النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) یوم الغدير بعد فراغه من المقام ان يقول شعراً في ذلك فاذن له فأنشأ يقول :
يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخم واسمع بالرسول مناديا
فقال فمن مولاكم ووليكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا *** ولم ترمنا في المقالة عاصيا
ص: 27
فقال له قم يا علي فإنني *** رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه *** فكونوا له انصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه *** وكن للذي عادى علياً معاديا
فقال النبي لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، واتفق حملة الاخبار على نقل شعر قيس بن عبادة وهو ينشده بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد رجوعهم من البصرة في قصيدته التي اولها :
قلت لما بغى العدو علينا *** حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح *** البصرة بالأمس والحديث طويل
الى ان بلغ فيها الى قوله :
وعلي امامنا وامام *** لسوانا اتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولاه *** فهذا مولاه خطب جليل
انما قاله النبي على الامة *** حتم ما فيه قال وقيل
وهذان الشاعران صحابيان شهدا بالامامة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) شهادة من حضر هذا المشهد وعرف المصدر والمورد ، ثم هذا الكميت بن زيد الاسدي وهو غير مشكوك في فصاحته ومعرفته بالعربية يقول :
ويوم الدوح دوح غدير خم *** ابان له الولاية لو اطيعا
ولكن الرجال تبايعوها *** فلم ار مثلها خطراً منيعا(1)
ص: 28
وهذا السيد محمد الحميري وليس بدون في الفصاحة ولا بمتأخر في البلاغة يقول من قصيدته الشهيرة :
قالوا له لو شئت اعلمتنا *** الى من الغاية والمفزع
فقام في الناس النبي الذي *** كان بما قيل له يصدع
وقال مأموراً وفي كفه *** كف علي لهم تلمع
من كنت مولاه فهذا له *** مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا
وعلى من ذكر هذه الابيات فان مورداً حديثاً طريفاً سمعته في معناه وهو متعلق بها حكي ان زيد بن موسى(1) بن جعفر بن
ص: 29
محمد ( عليه السلام ) رأى رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) في المنام كأنه جالس ومعه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في موضع عال يشبه بالمسناة وعليها مراق فاذا منشد ينشد قصيدة السيد اسماعيل بن محمد الحميري هذه وأولها :
لأم عمرو باللوى مربع *** طامسة اعلامه بلقع
حتى انتهى الى قوله :
قالوا له لو شئت اعلمتنا *** الى من الغاية والمفزع
قال فنظر رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) الى امير المؤمنين ( عليه السلام )
ص: 30
وتبسم وقال أولم اعلمهم او لم اعلمهم ثلاثاً ، ثم قال لزيد : انك تعيش بعدد كل مرقاة رقيتها سنة واحدة قال : فعددت المراقي فكان نيفاً وتسعين مرقاة فعاش زيد نيفاً وتسعين سنة وزيد هذا هو الملقب بزيد النار وانما لقب بذلك لأنه لما غلب على البصرة احرق نفراً من اهلها واسواقاً كثيرة منها وما اشد استحساني لجواب كان(1) بعض المتقدمين من الشيعة أجاب به من سأله عن قعود أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتركه طلب الامر ودعاء الناس الى نفسه وهو انه قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكان في الامر فريضة من فرائض الله تعالى اداها رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) الى قومه مثل الصلوات والصوم والزكاة والحج وليس على الفرائض ان تدعوهم الى نفسها وتحثهم على طلبها وانما عليهم ان يجيبوها ويسارعوا اليها ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذا الامر اعذر من هارون لأن موسى ( عليه السلام ) لما ذهب الى الميقات قال لهارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فجعله رقيباً عليهم وزعيماً لهم وان نبي الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) نصب علياً ( عليه السلام ) لهذه الامة علماً ودعاهم اليه وحضهم عليه فعلي في عذر من لزوم بيته وارخاء ستره والناس في حرج حتى يخرجوه من مكمنه ويستثيروه من مريضه ويضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ).
( ومن اعلامه ودلائله ( عليه السلام ))
على الاختصار منها والاقتصار على بعضها فلو اني
ص: 31
نشرت طرفاً منها لرماني الناس بيد واحدة عن قوس واحدة وكذلك في اخبار سائر الائمة ( عليهم السلام ) ، روي ان أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) كان جالساً في المسجد ودخل عليه رجلان واختصما اليه وكان احدهما من الخوارج فتوجه الحكم على الخارجي فحكم عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له الخارجي حكمت والله ما بالسوية ولا عدلت في القضية وما قضيتك عند الله بمرضية فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأومأ اليه بيده اخساً عدو الله فاستحال كلباً أسود فقال من حضره فوالله لقد رأينا ثيابه تطاير عنه في الهواء وجعل يبصبص لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ودمعت عيناه في وجهه فرأينا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد رق له فلحظ الى السماء وحرك شفتيه بكلام لم نسمعه فوالله لقد رأيناه وقد عاد الى حال الانسانية وتراجعت ثيابه من الهواء حتى سقطت على كتفيه فرأيناه وقد خرج من المسجد وان رجليه لتضطربان فبهتنا ننظر الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال ما لكم تنظرون وتعجبون فقلنا له يا أمير المؤمنين كيف لا نعجب وقد رأيناك صنعت ما صنعت فقال أما تعلمون ان آصف بن برخيا وصي سليمان ابن داود ( عليه السلام ) قد صنع ما هو قريب من هذا الامر فقص الله جل اسمه قصته حيث يقول ( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) الى آخر الآية فأيما أكرم على الله
ص: 32
نبيكم أم سليمان ( عليه السلام ) فقالوا : بلى نبينا ( صل الله علیه وآله وسلم ) أكرم يا أمير المؤمنين قال : فوصي نبيكم اكرم من وصي سليمان ( عليه السلام ) وانما كان عند وصي سليمان من اسم الله الاعظم حرف واحد فسأل الله جل اسمه فخسف له الارض ما بينه وبين سرير بلقيس فتناوله في أقل من طرفة عين وعندنا من اسم الله الاعظم اثنان وسبعون حرفاً وحرف عند الله تعالى استأثر به دون خلقه فقالوا له يا امير المؤمنين فاذا كان هذا عندك فما حاجتك الى الانصار في قتال معاوية وغيره واستنفارك للناس الى حربه ثانية فقال : « بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) انما ادعوا هؤلاء القوم لما يأمر لكن الله تعالى يمتحن خلقه بما شاء قالوا فنهضنا من حوله ونحن نعظم ما اتی به ( عليه السلام ) .
الحميري عن احمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن عبد الله بن میمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابائه ( عليهم السلام ) قال مر أمير المؤمنين في ناس من اصحابه بكربلاء فلما مر بها اغرورقت عيناه بالدموع من البكاء ثم قال : هذا مناخ ركابهم وهذا ملقى رحالهم وها هنا تهراق دماؤهم طوبى لك من تربة عليها تهراق دماء الأحبة .
وباسناده عن الاصبغ بن نباتة عن عبد الله بن عباس قال كان رجل على عهد عمر بن الخطاب وله مواش بناحية اذربيجان قد استصعبت عليه فمنعت جانبها فشكى اليه ما قد قاله وانه كان معاشه منها فقال له اذهب فاستعن بالله عز وجل فقال الرجل ما ازال ادعوا وابتهل اليه وكلما قربت منها حملت علي ، قال فكتب له رقعة فيها
ص: 33
من عمر امير المؤمنين الى مردة الجن والشياطين ان يذللوا هذه المواشي له قال فأخذ الرجل رقعته ومضى فاغتممت لذلك غماً شديداً فلقيت أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) فأخبرته بما كان ، فقال : والذي فلق الحبة وبرىء النسمة ليعودن بالخيبة فهدأ بالي وطالت علي سنتي وجعلت ارقب كل من جاء من اهل الجبال فاذا انا بالرجل قد وافى وفي جبهته شجة تكاد اليد تدخل فيها فلما رأيته بادرت اليه فقلت ما وراك فقال اني صرت في الموضع ورميت بالرقعة فحمل علي عدد منها فهالني امرها فلم يكن لي قوة بها فجلست فرمحتني احديها في وجهي فقلت اللهم اكفنيها فكلها يشتد علي ويريد قتلي وأنصرفت عني فسقطت فجاء اخ لي فحملني ولست اعقل فلم ازل اتعالج حتى صلحت وهذا الاثر في وجهي لأعلمه يعني عمر فقلت له اذهب اليه فاعلمه فلما صار اليه وعنده نفر خبره بما كان فزبره وقال له كذبت لم تذهب بكتابي قال: فحلف الرجل بالله الذي لا اله الا هو وحق صاحب هذا القبر لقد فعل ما أمره به من حمل الكتاب واعلمه انه قد ناله منها ما يرى قال فزبره واخرجه عنه فمضيت معه الى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتبسم ثم قال ألم أقل لك ثم اقبل على الرجل فقال له اذا انصرفت فصر الى الموضع الذي هي فيه وقل: «اللهم اني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة واهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين اللهم لين لي صعوبتها وحزنتها واكفني شرها فانك الكافي المعافي والغالب القاهر» فانصرف الرجل راجعاً فلما كان من قابل قدم الرجل ومعه حملة قد حملها من أثمانها الى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فصار
ص: 34
اليه وأنا معه فقال تخبرني او اخبرك فقال الرجل بل تخبرني يا أمير المؤمنين قال كأنك صرت اليها وجائتك او لاذت بك خاضعة ذليلة فأخذت بنواصيها واحداً بعد آخر فقال الرجل صدقت يا أمير المؤمنين كأنك كنت معي فهذا كان فتفضل بقبوله ما جئتك به فقال له امض راشداً بارك الله لك فيه وبلغ الخبر عمر فغمه ذلك حتى تبين الغم في وجهه وانصرف الرجل وكان يحج كل سنة وقد انمى الله ماله قال وقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) كل من استصعب عليه شيء من مال واهل او ولد وأمر فرعون من الفراعنة فليبتهل بهذا الدعاء فانه يكفي مما يخاف ان شاء الله تعالى وبه القوة .
وروي باسناده ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) كان جالساً في مجلسه والناس مجتمعون عليه بالمدينة بعد وفاة رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) حتى وافى رجل من العرب فسلم عليه وقال انا رجل لي على قال: رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) وعد وقد سألت عن قاضي دينه ومنجز وعده بعد وفاته فأرشدت اليك فهل الأمر كما قيل لي فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) نعم انا منجز وعده وقاضي دينه من بعده فما الذي وعدك به قال مائة ناقة حمراء وقال لي اذا انا قبضت فأت قاضي ديني وخليفتي من بعدي فانه يدفعها اليك وما كذب نبي الله فان يكن ما ادعيته حقاً فتفضل علي بها ولم يكن النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) خلفها ولا بعضها فأطرق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ملياً ثم قال لابنه : يا حسن فنهض اليه فقال له : اذهب فخذ قضيب رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) الفلاني وصر الى البقيع فاقرع به الصخرة الفلانية ثلاث قرعات وانظر ما يخرج منها فادفعه الى هذا الرجل وقل له يكتم ما رأى فصار الحسن ( عليه
ص: 35
السلام ) الى الموضع والقضيب معه ففعل ما أمره به فطلع من الصخرة رأس الناقة بزمامها فجذبه الحسن ( عليه السلام ) فظهرت ناقة ثم ما زال يتبعها ناقة ثم ناقة حتى انقطع القطار على مائة ثم انضمت الصخرة فدفع النوق الى الرجل وأمره بالكتمان لما رأى فقال الاعرابي صدق رسول الله ( صل الله علیه وآله وسلم ) وصدق أبوك ( عليه السلام ) هو قاضي دينه ومنجز وعده والامام من بعده رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد ، وباسناده ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) لما اقبل من صفين مر في زهاء سبعين رجلاً بأرض ليس فيها ماء فقالوا له يا امير المؤمنين : ليس ها هنا ماء ونحن نخاف العطش قالوا فمررنا براهب في ذلك الموضع فسألناه هل بقربك ماء فقال : ما من ماء دون الفرات فقلنا يا امير المؤمنين العطش وليس قربنا ماء فقال : ان الله تعالى سيسقيكم فقام يمشي حتى وقف بمكان ودعا بمساح بذلك المكان فكنس واجلى عن صخرة فلما انجلى عنها قال اقلبوها فرمناها کل مرام فلم نستطعها فلما اعيتنا دنا منها فأخذ بجانبها ودحا بها فكأنها لم تكن فرمى بها فانجلت عن ماء لم ير اشد بياضاً منه ولا اصفى ولا اعذب منه فتنادى الناس الماء فاعترفوا وسقوا وشربوا وحملوا ثم اخذ ( عليه السلام ) الصخرة فقال : مكانها ثم تحمل الناس فسار غير بعيد فقال : أيكم يعرف مكان هذه العين فقالوا كلنا يعرفها قال فانطلقوا انظروا فانطلق ما شاء الله منا فدرنا حتى اعيينا فلم نقدر على شيء فأتينا الراهب فقلنا له ويحك الست زعمت انه ليس قبلك ماء ولقد استثرنا ها هنا ماء فشربنا واحتملنا ، قال فوالله ما استثارها الا نبي أو وصي نبي قلنا فان فينا وصي نبينا
ص: 36
( صلى الله عليه وآله ) قال فانطلقوا اليه فقولوا له ماذا قال النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) حين حضره الموت قال فأتيناه فقلنا له ان هذا الراهب قال كذا وكذا ، قال فقولوا له ان خبرناك لتنزلن وتسلمن فقلنا له فقال : نعم والله قال : فأتينا امير المؤمنين ( عليه السلام ) فقلناله : قد حلف ليسلمن قال : فانطلقوا فأخبروه ان آخر ما قال النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) الصلوة الصلوة ان النبي ( صل الله علیه وآله وسلم ) كان واضعاً رأسه في حجري فلم يزل يقول الصلوة الصلوة حتى قبض فقلنا له ذلك فأسلم وفي ذلك يقول السيد ابن الحميري من قصيدته البائية المعروفة المذهبة :
ولقد سرى فيما يسير بليلة *** بعد العشاء بكربلا في موكب(1)
حتى اتى متبتلا في قائم *** القى قواعده بقاع مجدب(2)
فدنا فصاح به فأشرف قائلاً *** كالنسر فوق شظية من مرقب(3)
هل قرب قائمك الذي بوأته *** ماء يصاب فقال ما من مشرب
الا بغابة فرسخين ومن لنا *** بالماء بين نقي سبسب(4)
ص: 37
فثنى الاعنة نحو وعث فاجتلى *** بيضاء تبرق كاللجين المذهب(1)
قال أقلبوها انكم ان تفعلوا *** تردوا ولا تردون ان لم تقلب
فاعصو صبوا في قلعها فتمنعت *** منهم تمنع صعبة لم تركب(2)
حتى اذا اعيتهم اهوى لها *** كفوء متى يرد المغالب تغلب
فكأنها كرة بكف حزور *** عبل الذراع دحابها في ملعب(3)
فساقهم من تحتها متسلسلاً *** عذباً يزيد على الالذ الأعذب
حتى اذا شربوا جميعاً ردها *** ومضى فخلف مكانها لم يقرب
ذاك ابن فاطمة الوصي ولم يقل *** في فضله وفعاله لا يكذب
يعني فاطمة بنت أسد امه ( رضي الله عنها ) ، وفي هذه القصيدة يذكر رد الشمس على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وسيرد ذكره فيما بعد بمشية الله تعالى وذلك قوله :
ردت عليه الشمس لما فاته *** وقت الصلوة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورها في وقتها للعصر *** ثم هوت هوي الكوكب
وعليه قد حبست ببابل مرة *** اخرى وما حبست لخلق معرب
إلا لأحمد اوله من بعده(4) *** ولردها تأويل امر معجب
وحدث ابو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا محمد بن سليمان
ص: 38
الأصبهاني قال: حدثني يونس عن أم حكيم بنت عمر وقالت : خرجت وانا اشتهي ان اسمع كلام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فدنوت منه وفي الناس دقة وهو يخطب على المنبر حتى سمعت كلامه فقال له رجل: يا امير المؤمنين استغفر لخالد بن عرفطة فانه قد مات بأرض تيماء فلم يرد عليه فقال الثانية فلم يرد عليه ثم قال الثالثة فالتفت اليه وقال ايها الناعي خالد بن عرفطة كذبت والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من هذا الباب يحمل راية ضلالة ، قالت : فرأيت خالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حين نزلة النخيلة وادخلها من باب الفيل .
وباسناده عن الاصبغ بن نباتة قال كنت مع امير المؤمنين ( عليه السلام ) بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ثم قال ابن تمام المائة لقد عهد الي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انه يبايعني في هذا اليوم مائة رجل ، قال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين فقال هلم يدك ابايعك فقال علي ( عليه السلام ) على من تبايعني قال على بذل مهجة نفسي دونك قال ومن أنت قال أويس القرني فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل فوجد بالرجال مقتولاً .
خبر ميثم التمار ( رضي الله عنه )
روي بالاسناد مرفوعاً الى ابن ميثم التمار قال سمعت ابي يقول دعاني امير المؤمنين ( عليه السلام ) يوماً فقال يا ميثم كيف أنت اذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد الى البرائة مني ، فقلت اذاً والله اصبر وذاك في الله قليل ، قال يا ميثم اذاً تكون معي في درجتي وكان ميثم يمر بعريف قومه فيقول يا فلان كأني بك قد دعاك
ص: 39
دعي بني أمية وابن دعيها فيطلبني منك فتقول هو بمكة فيقول لا أدري ما تقول ولا بد لك ان تأتي به فتخرج الى القادسية فتقيم بها اياماً فاذا قدمت عليك ذهبت بي اليه حتى يقتلني على باب دار لعمر ابن حريث فاذ كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط ، قال : وكان ميثم يمر في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها ويقول : يا نخلة ما عذبتي الالي وكان يقول لعمرو بن حريث اذا جاورتك فأحسن جواري ، وكان عمرو يرى انه يشتري عنده داراً او ضيعة له بجنب ضيعته وكان عمر و يقول سأفعل فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد الى عريف ميثم يطلبه منه فأخبره انه بمكة فقال له ان لم تأتيني به لاقتلنك فأجله اجلا وخرج العريف الى القادسية ينتظر ميثماً فلما قدم میثم أخذ بيده فأتى به عبید الله بن زیاد فلما أدخله عليه قال له میثم قال نعم قال ابرء من ابي تراب قال لا اعرف ابا تراب قال من علي بن ابي طالب ، قال فان لم افعل ، قال اذاً والله اقتلك ، قال أما انه قد كان يقال لي انك ستقتلني وتصلبني على باب عمرو بن حريث فاذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط قال فأمر عليه على باب عمرو بن حريث فقال للناس سلوني سلوني وهو مصلوب قبل ان أموت فوالله لأحدثنكم ببعض ما يكون من الفتن فلما سأله الناس وحدثهم اتاه رسول من ابن زياد لعنه الله فالجمه بلجام من شريط فهو أول من الجم باللجام وهو مصلوب ثم انفذ اليه من وجأ جوفه حتى مات فكانت هذه من دلائل امير المؤمنين ( عليه السلام ).
وباسناد عن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب عن أبيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال اوصاني
ص: 40
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال يا علي اذا مت فغسلني من بئري مرتين بسبع قرب فاذا فرغت من جهازي فضع سمعك على فمي ثم اعقل ما أقول لك قال ففعلت ما أمرني به «ص» فحدثني بما هو كائن الى يوم القيامة .
وباسناد ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يقول ما من رجل من قريش جرت عليه المواشي الا وقد نزلت فيه آية او اثنتان تقوده الى جنة او تسوقه الى نار وما من آية نزلت في بر او بحر أو في سهل أو جبل الا وقد عرفت حين نزلت وفيم نزلت ولو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بإنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل القرآن بقرآنهم .
وان كان من الاخبار المشهورة روى محمد بن الحسين عن احمد بن عبد الله عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن عبد الواحد بن المختار الانصاري عن ابي المقدام الثقفي قال : قال : جويرة بن مسهر قطعنا مع امير المؤمنين ( عليه السلام ) جسر الصراة في وقت العصر فقال ان هذه ارض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي ان يصلي فيها فمن اراد منكم ان يصلي فليصل ، قال فتفرق الناس يمنة ويسرة وقلت انا لأقلدن هذا الرجل ديني ولا اصلي حتى يصلي ، قال فسرنا وجعلت الشمس تنتقل قال وجعل يدخلني من ذلك أمر عظيم حتى وجبت الشمس وقطعت الارض قال : فقال يا جويرة أذن فقلت تقول لي أذن وقد غابت الشمس قال فأذنت ثم قال
ص: 41
لي : اقم قأقمت فلما قلت قد قامت الصلاة رأيت شفتيه تتحركان وسمعت كلاماً كأنه كلام العبرانية قال : فرجعت الشمس حتى صارت في مثل وقتها في العصر فصلى فلما انصرف هوت الى مكانها واشتبكت النجوم .
وفي حديث آخر عن جويرة بن مسهر انه قال : فلما انقضت صلاتنا سمعت الشمس وهي تنحط ولها صرير كصرير رحى البزر حتى غابت وانارت النجوم ، قال فقلت انا اشهد انك وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال يا جويرة اما سمعت الله يقول فسبح باسم ربك العظيم فقلت بلى فقال اني سألت ربي باسمه العظيم فردها علي .
حدثني أبو محمد هارون بن موسى بن احمد المعروف بالتلعكبري قال حدثنا ابو الحسن محمد بن احمد بن عبید الله بن احمد ابن عيسى بن منصور قال حدثنا ابو موسى عيسى بن احمد بن عیسی ابن المنصور قال حدثني ابو محمد الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن ابيه علي بن موسى عن ابيه موسى ابن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن ابيه الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، قال حدثني قنبر مولى علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) قال : كنت مع امير المؤمنين ( عليه السلام ) على شاطىء الفرات فنزع قميصه ونزل الى الماء فجاءت موجة وأخذت القميص فخرج امير المؤمنين ( عليه السلام ) فلم يجد القميص فاغتم لذلك واذا بهاتف يهتف يا ابا الحسن انظر عن يمينك وخذ ما ترى فاذا منديل عن يمينه وفيه قميص مطوي فأخذه ولبسه فسقط من جيبه رقعة فيها مكتوب بِسْمِ
ص: 42
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هدية من الله العزيز الحكيم الى علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) هذا قميص هارون بن عمران كذلك وأورثناها قوماً آخرين .
وباسناد مرفوع الى عمرو بن المنهال قال بينما نحن ذات يوم جلوساً مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في رحبة القصر اذ زلزلت الارض فضربها امير المؤمنين ( عليه السلام ) بيده وقال لها مالك فوالله لو كنت هي لا نبأتني اخبارك وانا الذي تحدثه الارض بأخبارها او
رجل مني .
وباسناد مرفوع الى الاصبغ بن نباتة قال جاء رجل الى امير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال يا أمير المؤمنين قد زاد الفرات والساعة نغرق قال لن تغرقوا ثم جائه آخر فقال يا أمير المؤمنين قد فاض الفرات والساعة نغرق فقال لن تغرقوا ثم دعا ببغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فركبها وأخذ بيده قضيباً ثم سار حتى انتهى الى شاطىء الفرات فنزل وضرب الفرات ضربة فنقص خمسة اذرع وقال بعضهم عشرة اشبار ، فقال الاصبغ سمعت علياً ( عليه السلام ) يومئذ يقول لو ضربت الفرات ضربة ومشيت ما بقى منه قطرة .
وباسناد مرفوع قال : قال ابن الكوا لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) این کنت حين ذكر الله نبيه وأبا بكر فقال ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويلك يابن الكوا كنت على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد طرح علي ربطته فاقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيما شكوها فلم يبصروا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث خرج فاقبلوا علي يضربونني بما في
ص: 43
ايديهم حتى تنقط جسدي وصار مثل البيض ثم انطلقوا يريدون قتلي فقال بعضهم لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا محمداً ، قال : فاوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا مني ومن الباب بقفل فبينما انا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول يا علي فسكن الوجع الذي كنت اجده وذهب الورم الذي في جسدي ثم سمعت صوتا آخر يقول يا علي فاذا الحديد الذي فِي رجلي قد تقطع ثم سمعت صوتاً آخر يقول يا علي فاذا الباب قد تساقط ما عليه وفتح فقمت وخرجت وقد كانوا جاؤوا بعجوز كمهاء لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فاذا هي لا تعقل من النوم .
وباسناد عن ابان بن تغلب عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فقال : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصم امير المؤمنين ( عليه السلام ) بعض الصحابة في حق له ذهب به وجرى بينهما فيه كلام فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بمن ترضى ليكون بيني وبينك حكماً قال اختر قال اترضى برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال أين رسول الله وقد دفناه قال الست تعرفه ان رأيته قال نعم فانطلق به الى مسجد قبا فاذا هما برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاختصما اليه فقضى لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فرجع الرجل مصفراً لونه فلقي بعض اصحابه فقال مالك فأخبره الخبر فقال أما عرفت سحر بني هاشم .
ومن اعلامه ( عليه السلام ) عند قتال الخوارج بالنهروان
وباسناد مرفوع الى جندب بن عبد الله الجبلي ، قال دخلني يوم النهروان شك فاعتزلت وذلك اني رأيت القوم اصحاب البرانس
ص: 44
وراياتهم المصاحف حتى هممت ان اتحول اليهم فبينما أنا مقيم متحير اذ اقبل امير المؤمنين ( عليه السلام ) حتى جلس الي فبينا نحن كذلك اذ جاء فارس يركض فقال يا أمير المؤمنين ما يقعدك وقد عبر القوم قال أنت رأيتهم ، قال نعم قال والله ما عبروا ولا يعبرون ابداً فقلت في نفسي الله أكبر كفى بالمرء شاهد على نفسه والله لئن كانوا عبروا لأقاتله قتالاً لا الوي فيه جهداً ولئن لم يعبروا قاتلت اهل النهروان قتالاً يعلم الله به اني غضبت له ثم لم البث ان جاء فارس آخر يركض ويلمع بسوطه فلما انتهى اليه قال يا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما جئت حتى عبروا كلهم وهذه نواصي خيلهم قد اقبلت فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) صدق الله ورسوله وكذبت ما عبروا ولم يعبروا ثم نادى في الخيل فركبوا وركب اصحابه وسار نحوهم وسرت ويدي على قائم سيفي وأنا اقول اول ما أرى فارساً قد طلع منهم اعلو علياً ( عليه السلام ) بالسيف للذي دخلني من الغيظ عليه فلما انتهى الى النهر اذا القوم كلهم وراء النهر لم يعبر منهم احد فالتفت الي ثم وضع يده على صدري ، ثم قال : يا جندب اشككت كيف رأيت ، قلت يا امير المؤمنين اعوذ بالله من الشك واعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله وسخط امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال يا جندب ما أعلم الا بعلم الله وعلم رسوله فأصابت جندباً يومئذ اثنتا عشر ضربة مما ضربه الخوارج .
وفي حديث آخر ، قال لما قتل امير المؤمنين ( عليه السلام ) اهل النهروان قال لأصحابه اطلبوا لي رجلاً مخدج اليد وعلى جانب يده الصحيحة ثدي كثدي المرأة اذا مد امتد واذا ترك تقلص عليه
ص: 45
شعرات وهو صاحب رايتهم يوم القيامة يوردهم النار وبئس الورد المورود فطلبوه فلم يجدوه فقالوا لم نجده ، فقال والذي فلق الحبة وبرء النسمة ونصب الكعبة ما كذبت ولا كذبت واني لعلى بينة من ربي ، قال : فلما لم يجدوه قام والعرق ينحدر من جبهته حتى اتى وهدة من الارض فيها نحو من ثلاثين قتيلاً فقال ارفعوا لي هؤلاء فجعلنا نرفعهم حتى رأينا الرجل الذي وصفه تحتهم فاستخرجناه فوضع امير المؤمنين ( عليه السلام ) رجله على ثديه الذي هو كثدي المرأة ثم عركه بالارض ثم أخذه بيده وأخذ بيده الاخرى يد الرجل الصحيحة ومدها حتى استويا ثم التفت الى رجل جاء اليه وهو شاك فقال فهذه لك آية ثم قال ان الجانب الآخر الذي ليس فيه ثدي فشقوا عنه جانب قميصه فاذا له مكان اليد شيء مثل غلظ الابهام واذا ليس في ذلك الجانب ثدي فقال الرجل الشاك وهذه لك آية اخرى .
وباسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال لما قدم عبد الله بن عامر بن كرز المدينة لقى طلحة والزبير فقال لهما بايعتما علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، فقال أما والله لا يزال ينتظر بها الحبالى من بني هاشم ومتى تصير اليكما أما والله على ذلك ما جئت حتى ضربت على ايدي اربعة آلاف من اهل البصرة كلهم يطلبون بدم عثمان فدونكما فاستقبلا امر كما فاتيا علياً ( عليه السلام ) فقال له أئذن لنا في العمرة فقال انكما تريدان العمرة وما تريدان نكثاً ولا فراق لأمتكما وعليكما بذلك أشد ما أخذ الله على النبيين من ميثاق قالا نعم قال انطلقا فقد أذنت لكما قال فمشيا ساعة ثم قال
ص: 46
ردوهما فأخذ عليهما مثل ذلك ثم قال انطلقا فاني قد اذنت لكما فانطلقا حتى اتيا الباب فقال ردوهما الثالثة ، ثم قال والله انكما تريدان العمرة وما تريدان نكث بيعتكما ولا فراق امتكما وعليكما بذلك أشد ما أخذ الله على النبيين من ميثاق والله عليكما بذلك راع كفيل ، قالا اللهم نعم ، قال اللهم اشهد اذهبا وانطلقا والله لا اراكما إلا في فئة تقاتلني .
وعنه ( عليه السلام ) قال خطب امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : سلوني قبل ان تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة يضل فيها مائة ويهتدي فيها مائة الا اخبرتكم بسائقها وناعقها الى يوم القيامة حتى فرغ من خطبته قال فوثب اليه بعض الحاضرين فقال يا امير المؤمنين اخبرني كم شعرة في لحيتي ، فقال اما انه قد اعلمني خليلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انك تسألني عن هذا فوالله ما في رأسك شعرة إلا وتحتها ملك يلعنك ولا في جسدك شعرة الا وفيها شيطان يهزك وان في بيتك لسخلا يقتل الحسين ( عليه السلام ) ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال أبو جعفر ( عليه السلام ) وعمر بن سعد لعنه الله يومئذ يحبو .
ومن دلائله ( عليه السلام ) عند فوته
وباسناد مرفوع الى الحسن بن ابي الحسن البصري قال سهر علي ( عليه السلام ) في الليلة التي ضرب في صبيحتها فقال اني مقتول لو قد اصبحت فجاء مؤذنه بالصلوة فمشى قليلاً فقالت ابنته زینب ( سلام الله عليها ) يا امير المؤمنين مر جعدة يصلي بالناس فقال : لا مفر من الاجل ، ثم خرج .
ص: 47
وفي حديث آخر قال جعل علي ( عليه السلام ) يعاود مضجعه فلا ينام ثم يعاود النظر الى السماء ويقول والله ما كذبت ولا كذبت وانها الليلة التي وعدت فلما طلع الفجر شد ازاره وهو يقول :
اشدد حيازيمك للموت *** فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت *** اذا حل بنادیکا
وخرج ( عليه السلام ) فلما ضربه ابن ملجم لعنه الله ، قال فزت ورب الكعبة وكان من أمره ما كان صلوات الله عليه .
وروى عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) انه لما غسل امير المؤمنين ( عليه السلام ) نودوا من جانب البيت ان اخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره وان اخذتم مؤخره كفيتم مقدمه وأشار ( عليه السلام ) الى ان الملائكة قالت ذلك .
وانا الآن مورد بمشيئة الله بعد ذكر الدلائل والاعلام من خصائص اخباره ( عليه السلام ) فصولا من كلامه ومواعظه وحكمه ويسيراً من قضاياه العجيبة وأجوبته عن المسائل الغريبة على الاختصار والاقتصار غير ذاكر شيئاً من خطبه الطوال وكتبه الى ولاة الاعمال ولأشرح سيرته في خلافته وذكر الاحداث والحروب في ايامه وفضائله التي اشترك الناس في روايتها وهو اظهر من ان يشار اليها لأن جميع ذلك قائم بذاته ومشهور في مواضعه .
حدثني هارون بن موسى، قال حدثني محمد بن يعقوب(1)
ص: 48
عن الحسين بن محمد عن محمد بن يحيى الفارسي عن ابي حنيفة محمد بن يحيى عن الوليد بن ابان عن محمد بن عبد الله بن مسكان عن ابيه قال : قال ابو عبد الله ( عليه السلام ) ان فاطمة بنت أسد جاءت الى أبي طالب ( عليه السلام ) تبشره بمولد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال لها أبو طالب اصبري سبتاً ابشرك بمثله الا النبوة قال والسبت ثلاثون سنة وكان بين مولد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثلاثون سنة .
حدثني هارون بن موسى قال حدثني محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن عبد الله عن السياري عن محمد بن جمهور عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال ان فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كانت اول امرأة هاجرت الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من مكة الى المدينة على قدمها وكانت من أبر الناس عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يقول ان الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا ، فقالت واسوأتاه ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإني اسئل الله ان يبعثك كاسية ، وسمعته يذكر ضغطة القبر فقالت واضعفاه ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاني اسأل الله ان يكفيك ذلك ، وقالت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوماً اني أريد أن أعتق جاريتي هذه فقال لها ان فعلت اعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار فلما مرضت اوصت الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأعتقت الجارية المقدم ذكرها واعتقل لسانها فجعلت تومي الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ايماء فقبل رسول الله وصيتها فبينما هو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذات يوم قاعد اذ اتاه امير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يبكي فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يبكيك فقال ان أمي فاطمة قد قضت نحبها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
ص: 49
وأمي والله ، قام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسرعاً حتى دخل فنظر اليها وبكى ثم أمر النساء ان يغسلنها وقال ( عليه السلام ) اذا فرغتن فلا تحدثن شيئاً حتى تعلمنني فلما فرغن اعلمنه بذلك فأعطاهن احد قميصه وهو الذي يلي جسده وأمرهن ان يكفنها فيه وقال للمسلمين اذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم افعله قبل ذلك فاسألوني لم فعلته ، فلما فرغن من تغسيلها وتكفينها دخل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكب عليها طويلاً يناجيها ويقول لها ابنك ابنك ابنك ، ثم خرج وسوى عليها التراب ثم انكب على قبرها فسمعوه يقول لا إله الا الله اللهم اني استودعها اياك ثم انصرف فقال المسلمون يا رسول الله انا رأيناك فعلت اشياء لم تفعلها قبل اليوم ، فقال اليوم فقدت ابا طالب ان كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها واني ذكرت القيامة وان الناس يحشرون عراة ، فقالت واسوأتاه فضمنت لها ان يبعثها الله كاسية وذكرت ضغطة القبر فقالت واضعفاه فضمنت لها ان يكفيها الله ذلك فكفنتها بقميصي اضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقنتها ما تسئل عنه ، فانها سئلت عن ربها فقالت وسئلت عن رسولها فأجابت وسئلت عن وليها وامامها فارتج عليها فقلت لها ابنك ابنك(1)
ص: 50
وروى ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما اجمع على المضي الى تبوك ناجى امير المؤمنين ( عليه السلام ) فأطال فقال ابو بكر لعمر لقد أطال مناجاته لابن عمه فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما انا ناجيته ولكن الله ناجاه وفي ذلك يقول حسان :
ويوم الثنية عند الوداع *** واجمع نحو تبوك المضيا
تنحى يودعه خالياً *** وقد وقف المسلمون المطيا
ص: 51
فقالوا يناجيه دون الانام *** والله ادناه منه نجيا
على فم احمد يوحى اليه *** كلاماً بليغاً ووحياً خفياً
****
في تسميته ( عليه السلام ) بأمير المؤمنين في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
وبالاسناد مرفوع الى جندب عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعنده اناس قبل ان تحتجب النساء فأشار بيده ان أجلس بيني وبين عائشة فقالت تنح فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ماذا تريدين من امير المؤمنين ( عليه السلام ) .
وباسناد مرفوع الى بريدة الاسلمي ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر اصحابه ان يسلموا على علي بامرة المؤمنين ، فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أمن الله أم من رسوله فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بل من الله ومن رسوله .
في ذكر اسماء آبائه ( عليهم السلام ) أكثر الناس التي لا يكاد يعرفها
روى ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال ايها الناس من عرف نسبي والا فأنا اعرفه نسبي ، فقام اليه ابن الكوا فقال أنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم حتى بلغ الى قصي بن كلاب قال اوتعرف لي نسباً غير هذا فقال لا فقال ان ابي سماني زيداً باسم قصي فأنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن
ص: 52
كلاب واسم أبي طالب عبد مناف واسم عبد المطلب عامر قال الشاعر فيه :
قامت تبكيه على قبره *** من لي من بعدك يا عامر
تركتني في الدار ذا غربة *** قد ذل من ليس له ناصر
واسم هاشم عمرو وفيه يقول الشاعر :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مستون عجاف
واسم عبد مناف المغيرة ، قال الشاعر فيه وفي اخوانه :
ان المغيرات وابناءهم *** من غير احياء وأموات
يعني عبد مناف واخوته وسماهم كلهم بالمغيرات لأن فيهم المغيرة ، ومثل هذا كثير في كلام العرب واسم قصي زيد قال الشاعر :
قصي أبوكم كان يدعى مجمعاً *** به جمع الله القبائل من فهر
وانتم بنو زيد وزيد أبوكم *** به زيدت البطحاء فخراً على فخر
قطعة من الاخبار المروية في ايجاب ولاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشيء من اخبار زهده في الدنيا وما يجري هذا المجرى
من خواص اخباره ( عليه السلام ) ما يروي باسناد عن سهل بن كهيل عن أبيه في قول الله عز وجل ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
ص: 53
إِحْسَانًا ) قال احد الوالدين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لتعطفن عليهم الدنيا بعد شماسها عطف الضروس عن ولدها ثم قرء ( عليه السلام ) ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) الآية .
ذكروا ان ضرار بن ضمرة الضبابي دخل على معاوية بن ابي سفيان وهو بالموسم فقال له صف علياً قال اوتعفيني قال لا بد وان تصفه لي ، قال كان والله امير المؤمنين ( عليه السلام ) طويل المدى شديد القوى كثير الفكرة غزير العبرة ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته وكان فينا كأحدنا يجيبنا اذا دعوناه ويعطينا اذا سألناه ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته ولا ندنو منه تعظيماً له فان تبسم فعن غير اشر ولا اختيال فان نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب ، يعظم اهل الدين ويحب المساكين ولا يطمع الغني في باطله ولا يؤيس الضعيف من حقه فاشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول يا دنيا يا دنيا اليك عني ابي تعرضت أم لي تشوقت لا حان حينك هيهات غري غيري لاحاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيها فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير آه من قلة الزاد وطول المجاز وبعد السفر وعظيم المورد قال فوكفت دموع معاوية ما يملكها ويقول
ص: 54
هكذا كان علي ( عليه السلام ) فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقى دمعتها ولا تسكن حرارتها .
وباسناد مرفوع الى عبد الله بن العباس رحمه الله ، قال نزلت هذه الآية في امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) ، قال محبة في قلوب المؤمنين .
حدثني هارون بن موسى قال حدثني احمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي قال حدثني عيسى الضرير عن ابي الحسن عن ابيه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين دفع الوصية الى علي ( عليه السلام ) يا علي أعد لهذا جواباً غداً بين يدي ذي العرش فاني محاجك يوم القيامة بكتاب الله حلاله وحرامه ومتشابهه ما انزل الله وعلى تبليغه من إمرتك بتبليغه وعلى فرائض الله كما انزلت وعلى احكامه كلها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحاض عليه واحيائه مع اقامة حدود الله كلها وطاعته في الأمور بأسرها واقام الصلوة لأوقاتها وايتاء الزكاة اهلها والحج الى بيت الله والجهاد في سبيله فما أنت صانع يا علي ، قال فقلت بأبي أنت وأمي اني ارجو بكرامة الله تعالى ومنزلتك عنده ونعمته عليك ان يعينني ربي عز وجل ويثبني فلا القاك بين يدي الله مقصراً ولا متوانياً ولا مفرطاً ولا اصفر وجهك وقاه وجهي ووجوه ابائي وامهاتي بل تجدني بأبي أنت وأمي مشهراً لوصيتك ان شاء الله تعالى وعلى طريقك ما دمت حياً حتى اقدم عليك ثم الأول فالأول من ولدي غير مقصرين ولا
ص: 55
مفرطين ، ثم اغمي عليه «ص» فانكببت على صدره ووجهه وأنا اقول واوحشتاه بأبي أنت وأمي ووحشة ابنتك وابنيك واطول غماه بعدك يا حبيبي انقطعت اخبار السماء وفقدت بعدك جبرائيل فلا احس به ، ثم افاق «ص» .
حدثني هارون بن موسى قال حدثني احمد بن محمد بن عمار قال حدثني أبو موسى الضرير البجلي عن ابي الحسن ( عليه السلام ) قال سألت ابي فقلت له ما كان بعد افاقته «ص» ، قال دخل عليه النساء يبكين وارتفعت الاصوات وضج الناس بالباب المهاجرون والانصار قال علي ( عليه السلام ) فبينا انا كذلك اذ نودي أين علي فاقبلت حتى دخلت اليه فانكببت عليه فقال لي يا أخي فهمك الله وسددك ووفقك وارشدك وأعانك وغفر ذنبك ورفع ذكرك ، ثم قال يا اخي ان القوم سيشغلهم عني ما يريدون من عرض الدنيا وهم علي واردون فلا يشغلك عني ما شغلهم فانما مثلك في الامة مثل الكعبة نصبها الله تعالى علماً وانما تؤتى من كل فج عميق وناد سحيق وانما انت العلم علم الهدى ونور الدين وهو نور الله يا اخي والذي بعثني بالحق لقد قدمت اليهم بالوعيد ولقد اخبرت رجلاً رجلاً بما افترض الله عليهم من حقك والزمهم من طاعتك فكل اجاب اليك وسلم الامر لك واني لأعرف خلاف قولهم فاذا قبضت وفرغت من جميع ما وصيتك به وغيبتني في قبري فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه والفرائض والاحكام على تنزيله ثم امض ذلك على عزائمه وعلى ما امرتك به وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم علي .
قال عيسى فسألته وقلت جعلت فداك قد أكثر الناس قولهم في
ص: 56
ان النبي أمر ابا بكر بالصلاة ثم امر عمر فأطرق عني طويلاً ثم قال ليس كما ذكر الناس ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الامور لا ترضى الا بكشفها فقلت بأبي أنت وأمي من اسئل عما انتفع به في ديني ويهتدي به في نفسي مخافة ان اضل غيرك وهل أجد احداً يكشف لي المشكلات مثلك ، فقال ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما ثقل في مرضه دعا علياً ( عليه السلام ) فوضع رأسه في حجره وأغمي عليه وحضرت الصلاة فأوذن بها فخرجت عائشة فقالت يا عمر اخرج فصل بالناس فقال لها أبوك أولى بها مني فقالت صدقت ولكنه رجل لين وأكره ان يواثبه القوم فصل أنت فقال لها يصلي هو وأنا أكفيه ان وثب واثب او تحرك متحرك مع ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مغمى عليه ولا اراه يفيق منها والرجل مشغول به لا يقدر ان يفارقه يعني علياً ( عليه السلام ) فبادروا بالصلاة قبل ان يفيق فانه ان افاق خفت ان يأمر علياً ( عليه السلام ) بالصلاة وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة يقول لعلي ( عليه السلام ) الصلاة الصلاة قال فخرج ابو بكر يصلي بالناس فظنوا انه بأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلم يكبر حتى افاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ادعولي عمي العباس فدعي له فحمله وعلي ( عليه السلام ) حتى اخرجاه فصلى بالناس وانه لقاعد ثم حمل فوضع على المنبر ولم يجلس عليه بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع اهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدورها فبين باك وصائح ومسترجع وواجم والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخطب ساعة ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته ان قال يا معشر المهاجرين والانصار ومن حضر في يومي هذا وساعتي هذه من الانس والجن
ص: 57
ليبلغ شاهدكم غائبكم الا اني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى والبيان لما فرض الله تعالى من شيء حجة الله عليكم وحجتي وحجة وليي وخلفت فيكم العلم الاكبر علم الدين ونور الهدى ، وهو علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وهو حبل الله ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ، ايها الناس هذا علي ( عليه السلام ) من أحبه وتولاه اليوم وبعد اليوم فقد اوفى بما عاهد عليه الله ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة اصم وأعمى لا حجة له عند الله ، أيها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً ويأتي اهل بيتي شعثاً غبراً ، مقهورين مظلومین تسیل دمائهم ، اياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة الا وان هذا الامر له اصحاب قد سماهم الله عز وجل لي وعرفنيهم وابلغكم ما ارسلت به اليكم ولكني اراكم قوماً تجهلون لا ترجعوا بعدي كفاراً مرتدين تأولون على غير معرفة وتبتدعون السنة بالاهواء وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل ، القرآن امام هاد وله قائد يهدي به ويدعو اليه بالحكمة والموعظة الحسنة وهو علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وهو ولي الأمر من بعدي ووارث علمي وحكمي وسري وعلانيتي وما ورثه النبيون قبلي وانا وارث ومورث فلا تكذبنكم انفسكم ايها الناس الله الله في اهل بيتي فانهم اركان الدين ومصابيح الظلام ومعادن العلم ، علي ( عليه السلام ) اخي ووزيري وأميني والقائم من بعدي بأمر الله والموفي بذمتي ومحيي
ص: 58
سنتي وهو أول الناس ايماناً بي وآخرهم عهداً عند الموت وأولهم لقاء الي يوم القيامة فليبلغ شاهدكم غائبكم ، أيها الناس من كانت له تبعة فها انا ذا ومن كانت له عدة او دين فليأت علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) فانه ضامن له كله حتى لا يبقى لأحد قبلي تبعة .
وحكى ان معاوية بن ابي سفيان سأل عبد الله بن العباس عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقال ابن عباس هيهات عقم النساء ان يأتين بمثله والله ما رأيت رئيساً مجرباً يوزن به ولقد رأيته في بعض ايام صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء تبرق وقد ارخى طرفيها على صدره وظهره وعينه سراجاً وهاجاً كسليط وهو يقف على كتيبة حتى انتهى الي وانا في كنف من القوم وهو يقول(1) معاشر المسلمين استشعروا الخشية وتجلببوا بالسكينة وعضوا على النواجذ فانه انبا للسيوف عن الهام وأكمل للأمة وقلقلوا السيوف في اغمادها قبل سلها والحظوا الخزر وطعن الشزر ونافحوا بالضبا وصلوا السيوف بالخطى واعلموا انكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعاودوا الكر واستحيوا من الفر فانه على الاعقاب ونار يوم الحساب واطيبوا عن انفسكم نفساً وامشوا الى الموت مشياً سجحاً وعليكم بهذا السواد الاعظم والرواق المطنب فاضربوا بثجه فان الشيطان كامن في كسره قد قدم للوثبة يداً وآخر للنكوص رجلاً فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم اعمالكم وانشأ يقول :
ص: 59
اذا المشكلات تصدين لي *** كشفت غوامضها بالنظر
وان برقت في مخيل الظنون *** عمياء لا تجلها الفكر
مقنعة بغيوب الامور *** وضعت عليها حسام العبر
معي اصمع كظني المرهفات *** افري به عن نبات الستر
لسان كشقشقة الارحبي *** او كالحسام اليمان الذكر
ولست بامعة في الرجال *** اسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنني مدره الاصغرين *** اقيس بما قد مضى ما غير
الاصغران القلب واللسان ثم غاب ( عليه السلام ) عني ثم رأيته قد اقبل وسيفه ينطف دماً وهو يقرأ ( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) .
وباسناد مرفوع الى الاعمش عن ابن عطية قال لما خرج عمر ابن الخطاب الى الشام وكان العباس بن عبد المطلب معه يسايره وكان من يستقبله ينزل فيبدء بالعباس فيسلم عليه بقدر الناس انه الخليفة لجماله وبهائه وهيبته ، فقال عمر لعلك تقدر انك احق بهذا الأمر مني ، فقال له العباس بن عبد المطلب احق به مني ومنك من خلفناه بالمدينة ، فقال عمر من ذلك قال من ضربنا بسيفه حتى قادنا بالاسلام يعني امير المؤمنين ( عليه السلام ).
حدثني ابو محمد هارون بن موسى ، قال حدثني ابو الحسن محمد بن احمد بن عبد الله بن احمد بن عيسى بن المنصور ، قال حدثني ابو موسى عيسى بن احمد بن عيسى بن المنصور ، قال حدثني الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ( عليهم
ص: 60
السلام ) قال حدثني ابي علي قال حدثني ابي محمد قال حدثني ابي علي قال حدثني ابي موسى قال حدثني ابي جعفر قال حدثني ابي محمد قال حدثني ابي علي قال حدثني ابي الحسين بن علي عن أبيه امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يا علي مثلكم في الناس مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق فمن احبكم يا علي نجا ومن ابغضكم ورفض محبتكم هوى في النار ومثلكم يا علي مثل بيت الله الحرام من دخله كان آمناً منكم فمن احبكم ووالاكم ، كان آمناً من عذاب النار ومن ابغضكم القي في النار ، يا علي ( والله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) ومن كان له عذر فله عذره ومن كان فقيراً فله عذره ومن كان مريضاً فله عذره والله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا اعمى ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم .
وبهذا الاسناد عن أبي محمد مرفوعاً الى الحسين بن علي ( عليه السلام ) قال حدثني امير المؤمنين ( عليه السلام ) قال دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودعا الناس في مرضه فقال من يقضي عني ديني وعداتي ويخلفني في اهلي وأمتي من بعدي فكف الناس عنه وابتديت له وضمنت ذلك فدعا لي بناقته العضباء وبفرسه المرتجز وببغلته وحماره وسيفه ذي الفقار وبدرعه ذات الفضول وجميع ما كان يحتاج اليه في الحرب فقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب فأمرهم ان يطلبوها ودفع ذلك الي ، ثم قال يا علي اقبضه في حياتي لئلا ينازعك فيه احد بعدي ثم أمرني فحولته الى منزلي .
وذكر ان بعض عمال امير المؤمنين ( عليه السلام ) انفذ اليه في
ص: 61
عرض ما انفذ من جباية مال الفيء قطفاً غلاضاً وكان ( عليه السلام ) يفرق كل شيء يحمل اليه من مال الفيء لوقته ولا يؤخر وكانت هذه القطف قد جائته مساء فأمر بعدها ووضعها في الرحبة ليفرقها من الغد فلما اصبح عدها فنقصت واحدة فسأل عنها فقيل له ان الحسن بن علي ( عليه السلام ) استعارها في ليلة على ان يردها اليوم فهرول ( عليه السلام ) مغضباً الى منزل الحسن بن علي ( عليه السلام ) وهو يهمهم وكان من عاداته ان يستأذن على منزله اذا جائه فهجم بغير اذن فوجد القطيفة في منزله فأخذ بطرفها يجرها وهو يقول يا ابا محمد النار يا أبا محمد النار حتى خرج بها(1) .
ص: 62
وذكر ان بعض العمال ايضاً حمل اليه في جملة الجباية حبات من اللؤلؤ فسلمها الى بلال(1) وهو خازنه على بيت المال الى ان
ص: 63
ينضاف اليها غيرها ويفرقها فدخل يوماً الى منزله فوجد في اذن اصغر بناته حبة من تلك الحبات فلما رآها اتهمها بالسرقة فقبض على يدها وقال والله لئن وجب عليك حد لاقيمن فيك فقالت يا امير المؤمنين ان بلالاً اعاريها ليفرحني بها الى ان تفرق مع اخواتها فجذبها الى بلال جذباً عنيفاً وهو مغضب فسأله عن صدق قولها فقال هو كما ذكرت يا امير المؤمنين ، فقال والله لا وليت لي عملاً ابدا وخلى يد الجارية .
والصحيح ان صاحب هذه القصيدة ابن رافع وهو الذي كان على بيت ماله ، وقال ( عليه السلام ) يوماً على منبر الكوفة ، من يشتري مني سيفي هذا لو ان لي قوت ليلة ما بعته وغلته تشتمل حينئذ على اربعين الف دينار في كل سنة وأعطته ( عليه السلام ) الخادم في بعض الليالي قطيفة فأنكر دقاتها ، فقال ما هذه من فقال الخادم هذه قطف الصدقة فألقاها ، قال ( عليه السلام ) اصررتمونا بقية ليلتنا .
وقال ( عليه السلام ) في يوم وهو يخطب معاشر الناس اني
ص: 64
تقلدت امركم هذا فوالله ما حسبت منه بقليل ولا كثير إلا قارورة من دهن طيب اهداها لي دهقان ، بضم الدال .
وعنه لما قبض ( عليه السلام ) خطب الحسن بن علي ( عليه السلام ) فقال لقد فارقكم امس رجل ما سبقه الاولون ولا يدركه الآخرون في حلم ولا علم وما ترك من الصفراء والبيضاء لا ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا امة الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه اراد ان يبتاع بها خادماً لأهله ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعطيه الراية فلا يرجع حتى يفتح الله عليه .
وروي عن مولى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الاشتر النخعي ، قال رأيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأنا غلام وقد اتى السوق بالكوفة فقال لبعض باعة الثياب اتعرفني ، قال نعم أنت أمير المؤمنين فتجاوزه وسأل آخر فأجاب بمثل ذلك الى ان سأل واحداً فقال ما اعرفك فاشترى منه قميصاً فلبسه ثم قال الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب وانما ابتاع ( عليه السلام ) ممن لا يعرفه خوفاً من المحابات في ارخاص ما ابتاعه .
المنتخب من قضاياه ( عليه السلام )
وجوابات المسائل الذي سئل عنها
وباسناد مرفوع الى ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) ان ثوراً قتل حماراً على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرفع ذلك اليه وهو في اناس من اصحابه فيهم أبو بكر وعمر فقال يا ابا بكر اقض بينهم فقال يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شيء ،
ص: 65
فقال يا عمر اقض بينهم ، فقال مثل قول ابي بكر ، فقال يا علي اقض بينهم ، فقال نعم يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن اصحاب الثور ، وان كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم ، قال فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يده الى السماء وقال الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين ( عليهم السلام ) .
وعنه ( عليه السلام ) قال قضى امير المؤمنين ( عليه السلام ) بقضية ما قضى بها احد كان قبله ، وكان أول قضية قضى بها بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذلك انه لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وافضى الأمر الى ابي بكر اتی به رجل قد شرب الخمر فقال له أبو بكر اشربت الخمر قال نعم ، قال ولم شربتها وهي محرمة قال اني اسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ولم اعلم انها حرام فأجتنبها ، قال فالتفت أبو بكر الى عمر فقال ما تقول يا ابا حفص في أمر هذا الرجل ، فقال معضلة وأبو الحسن لها فقال ابو بكر يا غلام ادع لي علياً ( عليه السلام ) فقال عمر بل يؤتى الحكم في بيته فأتوه وعنده سلمان فأخبروه بقصة الرجل واقتص عليه قصته ، فقال علي ( عليه السلام ) لأبي بكر ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والانصار فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه وان لم يكن احد تلا عليه آية التحريم فلا شيء عليه قال ففعل أبو بكر بالرجل ما قاله ( عليه السلام ) فلم يشهد عليه احد فخلى سبيله فقال سلمان لعلي ( عليه السلام ) لقد ارشدتهم فقال ( عليه السلام ) انما اردت ان أجدد تأكيد هذه الآية فيه وفيهم ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
ص: 66
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .
أبو أيوب المدني عن محمد بن ابي عمير عن عمر بن يزيد عن ابي المعلى عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال أتي عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الانصار وكانت تهواه ولم تقدر له على حيلة فذهبت وأخذت بيضة وأخرجت منها الصفرة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها ثم جاءت الى عمر فقالت يا أمير المؤمنين ان هذا الرجل اخذني في موضع كذا ففضحني ، قال فهم عمر ان يعاقب الانصاري وعلي ( عليه السلام ) جالس فجعل الانصاري يحلف ويقول يا امير المؤمنين تثبت في أمري فلما أكثر من هذا القول قال عمر يا أبا الحسن ما ترى فنظر علي ( عليه السلام ) الى البياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها ان تكون احتالت لذلك ، فقال ائتوني بماء حار قد غلا غلياً شديداً ففعلوه فلما اتى بالماء أمرهم فصبوه في موضع البياض فاستوى ذلك البياض فأخذه ( عليه السلام ) فألقاه على فيه فلما عرف الطعم القاه من فيه ثم اقبل على المرأة فسألها حتى اقرت بذلك ودفع الله عن الانصاري عقوبة عمر بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
وباسناد مرفوع الى عاصم بن ضمرة السلولي قال سمعت غلاماً بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب وهو يقول ، يا أحكم الحاكمين احكم بيني وبين أمي ، فقال له عمر يا غلام لم تدعو على امك فقال يا امير المؤمنين انها حملتني في بطنها تسعاً وارضعتني حولين فلما ترعرعت وعرفت الخير من الشر ويميني من شمالي طردتني وانتفت مني وزعمت انها لا تعرفني ، فقال عمر أين تكون
ص: 67
القسامة
المرأة قال في سقيفة بني فلان فقال عمر علي بأم الغلام قال فأتوا بها مع اربعة اخوة لها في قسامة يشهدون لها انها لا تعرف الصبي وان هذا الغلام غلام مدع ظلوم غشوم يريد ان يفضحها في عشيرتها وان هذه الجارية من قريش لم تتزوج قط وانها بخاتم ربها فقال عمر يا غلام ما تقول فقال يا امير المؤمنين هذه والله حملتني تسعاً وارضعتني حولين فلما ترعرعت وعرفت الخير من الشر ويميني من شمالي طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني فقال عمر يا هذه ما يقول الغلام فقالت يا امير المؤمنين والذي احتجب بالنور فلا عين تراه وحق محمد وما ولدي وما اعرفه ولا ادري وهو انه غلام مدع يريد ان يفضحني في عشيرتي وانا جارية من قريش لم اتزوج قط واني بخاتم ربي ، فقال عمر الك شهود فقالت نعم هؤلاء فتقدم فشهدوا ان هذا الغلام مدع يريد ان يفضحها في عشيرتها وان هذه جارية من قريش لم تتزوج قط وانها بخاتم ربها فقال عمر خذوا بيد الغلام فانطلقوا به الى السجن حتى سأل عن الشهود فان عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري فأخذ بيد الغلام لينطلق به الى السجن فتلقاهم امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في بعض الطريق فنادى الغلام يا اخي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اني غلام مظلوم وعاد عليه الكلام الذي كلم به عمر ثم قال وهذا عمر قد أمر بي الى السجن ، فقال علي ( عليه السلام ) ردوه فلما ردوه قال لهم عمر أمرت به الى السجن فرددتموه الي فقالوا يا أمير المؤمنين أمرنا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) برده اليك وسمعناك تقول لا تعصي لعلي ( عليه السلام ) امراً فبينا هم كذلك اذ اقبل امير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال
ص: 68
علي بأم الغلام فأتوا بها فقال ( عليه السلام ) لعمر اتأذن لي في ان اقضي بينهما فقال عمر يا سبحان الله ، وكيف لا وقد سمعت رسول الله يقول اعلمكم علي بن أبي طالب ، فقال ( عليه السلام ) للمرأة يا هذه الك شهود قالت نعم فتقدم القسامة فشهدوا بالشهادة الأولى فقال امير المؤمنين والله لأقضين بينكم قضية هي مرضات الرب من فوق عرشه علمنيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال لها الك ولي فقالت نعم هؤلاء اخوتي فقال لأخوتها امري فيها وفيكم جائز قالوا نعم يابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمرك فينا وفي اختنا جائز فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) اشهد الله وأشهد أمير المؤمنين يعني عمر وأشهد من حضر من المسلمين اني قد زوجت هذه المرأة من هذا الغلام على اربع مائة درهم والمهر من مالي يا قنبر علي بالدراهم فأتاه قنبر بها فصبها في يد الغلام فقال خذها فصبها في حجر امرأتك ولا تأتنا الا وبك أثر العرس يعني الغسل فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة ثم تلببها فقال لها قومي فنادت المرأة النار النار يابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تريد ان تزوجني من ولدي هذا والله ولدي زوجني اخوتي هجيناً فولدت منه هذا الغلام فلما ترعرع وشب امروني ان انتفي منه وأطرده ، وهذا والله ابني وفؤادي يتحرق اسفاً على ولدي قال ثم اخذت بيد الغلام وانطلقت ونادى عمر واعمراه لولا علي لهلك عمر(1) .
ص: 69
وباسناد مرفوع ، قال بينا رجلان جالسان في دهر عمر بن الخطاب اذ مر بهما رجل مقيد وكان عبداً فقال احدهما ان لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثاً فقال الآخر ان كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثاً قال فذهبا الى مولى العبد فقالا انا حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى الغلام امرأته طالق ان حللت قيد غلامي قال فارتفعوا الى عمر فقصوا عليه القصة فقال مولاه احق به فاذهبوا فاعتزلوا نساءكم فقالوا اذهبوا بنا الى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لعله ان يكون عنده في هذا شيء فأتوه ( عليه السلام ) فقصوا عليه القصة ، فقال ما أهون هذا ثم دعا بجفنة وأمر بقيد الغلام فشد فيه الخيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة ثم صب الماء عليه حتى امتلأت ثم قال ( عليه السلام ) ارفعوا القيد فرفع القيد حتى خرج من الماء ثم دعا بزبر الحديد فأرسلها في الماء حتى تراجع الماء الى موضعه حين كان القيد فيه ثم قال زنوا هذا الحديد فانه وزنه .
وروى ان امير المؤمنين كان اذا قطع اليد قطع اربع اصابع وترك الكف والراحة والابهام واذا قطع الرجل قطعها من الكعب وترك العقب فقيل له لم هذا يا امير المؤمنين قال لأكره ان لو تدركه التوبة فيحتج علي عند الله اني لم ادع له من كرائم بدنه ما يركع به ويسجد .
وروى عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) انه قال ادعا على عهد
ص: 70
امير المؤمنين ( عليه السلام ) رجلان كل واحد على صاحبه انه مملوكه ولم يكن بينهما بينة فبنى لهما بيتاً وجعل لهما كوتين قريبة احداهما من الاخرى وأدخلهما البيت وأخرج رأسهما من الكوتين وقال لقنبر قم عليهما بالسيف فاذا قلت لك اضرب عنق المملوك فافزعهما ولا تضر بن احدا منهما ثم قال له اضرب عنق المملوك فهز قنبر السيف فادخل احدهما رأسه وبقي رأس الآخر خارجاً من الكوة فدفع الذي ادخل رأسه الى صاحبه وقال له اذهب فانه مملوكك .
وعنه ( عليه السلام ) قال كان صبيان في زمن علي ( عليه السلام ) يلعبون باحجار لهم فرمى احدهم بحجرة فأصاب رباعية صاحبه فرفع ذلك الى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأقام البينة انه قال حذار حذار فدرأ عنه القصاص ثم قال ( عليه السلام ) من حذر اعذر .
وفي خبر مرفوع قال لما رفع يده من غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اتته ابناء السقيفة فقال ما قالت الانصار قالوا قالت منا امير ومنكم أمير ، قال ( عليه السلام ) فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصى بأن يحسن الى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم قالوا وما في هذا من الحجة عليهم فقال ( عليه السلام ) لو كانت الامارة فيهم لم تكن الوصية بهم ، ثم قال ( عليه السلام ) فما ذا قالت قريش قالوا احتجت بأنها شجرة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ( عليه السلام ) احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة .
ومن جوابات المسائل التي سئل عنها ( عليه السلام )
وباسناد مرفوع الى الاصبغ بن نباتة قال ابن الكوا ان امير
ص: 71
المؤمنين ( عليه السلام ) كان معنا في المسائل فقال له يا امير المؤمنين خبرني عن الله عز وجل هل كلم احداً من ولد آدم قبل موسى ( عليه السلام ) فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) قد كلم الله جمیع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب قال فثقل ذلك على ابن الكوا ولم يعرفه فقال وكيف كان ذلك قال اوما تقرأ كتاب الله تعالى اذ يقول لنبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلي أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلي ) فقد اسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله يابن الكوا قالوا بلى وقال لهم ( اني انا الله الرحمن الرحيم ) فأقروا بالطاعة والربوبية وميز الرسل والانبياء والاوصياء وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بالميثاق وأشهدهم على انفسهم وأشهد الملائكة عليهم ان تقولوا يوم القيامة ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) .
قال السيد الرضي ابو الحسن ولهذه الآية تأويل ليس هذا الموضع كشف جلبته وبيان حقيقته .
وسأله ( عليه السلام ) رجل من اليهود ، فقال أين كان الله تعالى من قبل ان يخلق السموات والارض ، فقال ( عليه السلام ) أين سؤال عن مكان وكان ولا مكان فقطعه في أوجز كلمة .
ومن مسائل التي سئله عنها ابن الكوا
فقال كم بين المشرق والمغرب قال مسيرة يوم مطرد للشمس وهذا اخصر كلام يكون وأبلغه .
ص: 72
و باسناد مرفوع قال اجتمع نفر من الصحابة على باب عثمان ابن عفان فقال كعب الاحبار والله لوددت ان اعلم اصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندي الساعة فاسئله عن اشياء ما اعلم احداً على وجه الارض يعرفها ما خلا رجلاً او رجلين ان كانا قال فبينا نحن كذلك اذ طلع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال فتبسم القوم قال فكان علي ( عليه السلام ) دخله من ذلك بعض الغضاضة فقال لهم لشيء ما تبسمتم فقالوا لغير ريبة ولا بأس يا ابا الحسن الا ان كعباً تمنى امنية فعجبنا من سرعة اجابة الله له في امنيته فقال ( عليه السلام ) وما ذلك قالوا تمنى ان يكون عنده اعلم اصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليسأله عن اشياء زعم انه لا يعرف احداً على انه لا يعرف احداً على وجه الارض يعرفها قال فجلس ( عليه السلام ) ثم قال هات يا كعب مسائلك ، فقال يا ابا الحسن اخبرني عن أول شجرة اهتزت على وجه الارض فقال ( عليه السلام ) له في قولنا او في قولكم فقال بل اخبرني عن قولنا وقولكم فقال ( عليه السلام ) تزعم يا كعب انت وأصحابك انها الشجرة التي شق منها السفينة ، قال كعب كذلك نقول ، فقال ( عليه السلام ) كذبتم يا كعب ولكنها النخلة التي اهبطها الله تعالى مع آدم ( عليه السلام ) من الجنة فاستظل بظلها وأكل من ثمرها .
هات يا كعب ، فقال يا ابا الحسن اخبرني عن أول عين جرت على وجه الارض فقال ( عليه السلام ) في قولنا أو في قولكم ، فقال كعب اخبرني عن الأمرين جميعاً فقال ( عليه السلام ) تزعم انت وأصحابك انها العين التي عليها الصخرة ببيت المقدس ، قال كعب كذلك نقول قال كذبتم يا كعب ولكنها عين الحيوان وهي التي شرب
ص: 73
منها الخضر ( عليه السلام ) فبقى في الدنيا .
هات يا كعب ، قال اخبرني يا ابا الحسن عن شيء من الجنة في الارض فقال ( عليه السلام ) في قولنا او في قولكم فقال عن الأمرين جميعاً فقال ( عليه السلام ) تزعم انت وأصحابك انه حجر انزل من الجنة ابيض فأسود من ذنوب العباد ، قال كذلك نقول قال كذبتم يا كعب ولكن الله تعالى اهبط البيت من لؤلؤة بيضاء جوفاء من السماء الى الارض فلما كان الطوفان رفع الله البيت وبقي اساسه هات يا كعب ، قال اخبرني يا ابا الحسن عمن لا اب له وعمن لا عشيرة له وعمن لا قبلة له ، قال اما من لا اب له فعيسى ( عليه السلام ) ومن لا عشيرة له فآدم ( عليه السلام ) وأما من لا قبلة له فهو البيت الحرام هو قبلة ولا قبلة لها .
هات يا كعب فقال اخبرني يا ابا الحسن عن ثلاثة اشياء لم ترتكض في رحم ولم تخرج من بدن ، فقال ( عليه السلام ) هي عصا موسى ( عليه السلام ) وناقة ثمود وكبش ابراهيم ( عليه السلام ) ، ثم قال هات يا كعب ، فقال يا ابا الحسن بقيت خصلة فان انت اخبرتني بها فأنت انت ، قال هلمها يا كعب قال قبر سار بصاحبه قال ذلك يونس ابن متى اذ أسجنه الله في بطن الحوت .
وباسناد مرفوع الى ابي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال قدم اسقف نجران على عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين ان ارضنا ارض باردة شديدة المؤنة لا تحتمل الجيش وانا ضامن لخراج ارضي أحمله اليك في كل عام كملا ، فكان يقدم هو
ص: 74
بالمال بنفسه ومعه اعوان له حتى يوفيه ببيت المال ويكتب له عمر البرائة قال فقدم الاسقف ذات عام وكان شيخاً جميلاً فدعاه عمر الى الله والى دين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانشأ يذكر فضل الاسلام وما يصير اليه المسلمون من النعيم والكرامة ، فقال له الاسقف يا عمر انتم تقرأون في كتابكم ان الله جنة عرضها كعرض السماء والارض فأين تكون النار ، قال فسكت عمر ونكس رأسه ، فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) وكان حاضراً اجب هذا النصراني فقال له عمر بل اجبه انت فقال ( عليه السلام ) له يا اسقف نجران انا اجيبك ارأيت اذا جاء النهار أين يكون الليل واذا جاء الليل اين يكون النهار فقال الاسقف ما كنت ارى ان احدا يجيبني عن هذه المسئلة .
ثم قال من هذا الفتى قال عمر هذا علي بن ابي طالب ختن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابن عمه وأول مؤمن من معه هذا ابو الحسن والحسين ( عليه السلام ) .
قال الاسقف اخبرني يا عمر عن بقعة في الارض طلعت فيها الشمس ساعة ولم تطلع فيها قبلها ولا بعدها قال له عمر سل الفتى فقال امير المؤمنين انا اجيبك هو البحر حيث انفلق لبني اسرائيل فوقعت الشمس فيه ولم تقع فيه قبله ولا بعده قال الاسقف صدقت يا فتی .
ثم قال الاسقف اخبرني يا عمر عن شيء في ايدي اهل الدنيا شبيه بثمار اهل الجنة ، فقال سل الفتى فقال ( عليه السلام ) انا اجيبك هو القرآن يجتمع اهل الدنيا عليه فيأخذون منه حاجتهم ولا ينقص منه شيء وكذلك ثمار الجنة قال الاسقف صدقت يافتي .
ص: 75
ثم قال الاسقف يا عمر اخبرني هل للسموات من ابواب ، فقال له عمر سل الفتى فقال ( عليه السلام ) نعم يا اسقف لها ابواب ، فقال يا فتى هل تلك الابواب من اقفال فقال ( عليه السلام ) نعم يا اسقف اقفالها الشرك بالله قال الاسقف صدقت يا فتى فما مفتاح تلك الاقفال فقال ( عليه السلام ) شهادة أن لا إله الا الله لا يحجبها شيء دون العرش فقال صدقت یا فتی .
ثم قال الاسقف يا عمر اخبرني عن أول دم وقع على وجه الارض أي دم كان فقال سل الفتى فقال ( عليه السلام ) انا اجيبك يا اسقف نجران اما نحن فلا نقول كما تقولون انه دم ابن آدم الذي قتله اخوه ليس هو كما قلتم ولكن أول دم وقع على وجه الارض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم قال الاسقف صدقت يا فتى .
ثم قال الاسقف بقيت مسئلة واحدة اخبرني انت يا عمر أين الله تعالى قال فغضب عمر فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) انا اجيبك وسل عما شئت كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذات يوم إذ اتاه ملك فسلم فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أين ارسلت قال من سبع سموات من عند ربي ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أين ارسلت فقال من سبع ارضين من عند ربي ، ثم اتاه ملك آخر فسلم ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من این ارسلت قال من مشرق الشمس من عند ربي ، ثم اتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أين ارسلت فقال من مغرب الشمس من عند ربي ، فالله ها هنا وها هنا ( فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ).
ص: 76
قال أبو جعفر ( عليه السلام ) معناه من ملكوت ربي في كل مكان ولا يعزب عن علمه شيء تبارك وتعالى .
ومن جملة كلامه ( عليه السلام ) للشامي لما سأله أكان مسيره الى الشام بقضاء من الله وقدره بعد كلام طويل ، هذا مختاره ان الله سبحانه أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً او كلف يسيراً ولم يكلف عسيراً واعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرها ولم يرسل الانبياء لعباً ولم ينزل الكتاب عبثاً ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ( ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) .
ومن كلامه ( عليه السلام ) القصير في فنون البلاغة والمواعظ والزهد والامثال ولو لم يكن في هذا الكتاب سوى ما أوردناه من هذا الفصل لكفى به فائدة ، قال ( عليه السلام ) خذ الحكمة ان أتتك فان الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن الى صواحبها في صدر المؤمن، وقال ( عليه السلام ) الهيبة بالخيبة والفرصة تمر مر السحاب والحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من اهل النفاق ، وقال ( عليه السلام ) أوصيكم بخمس لو ضربتم اليها آباط الإبل لكانت لذلك اهلا لا يرجون احد منكم إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحيين احداً اذا سئل عما لا يعلم ان يقول لا اعلم ولا يستحيين احداً اذا لم يعلم الشيء ان يتعلمه ، وعليكم بالصبر فان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس معه ولا في ايمان لا صبر معه .
وقال الاصمعي اتى رجل امير المؤمنين ( عليه السلام ) فافرط
ص: 77
في الثناء عليه فقال ( عليه السلام ) وكان له متهماً انا دون ما تقول وفوق ما في نفسك ، وقال ( عليه السلام ) قيمة كل امرء ما يحسنه .
قال السيد الرضي ابو الحسن ( رضي الله عنه ) ، وهذه الكلمة لا قيمة لها ولا كلام يوزن بها .
وقال ( عليه السلام ) السيف ابقى عدداً وأكثر ولداً ، وقال ( عليه السلام ) من ترك قول لا أدري اصيب مقاتله وقال ( عليه السلام ) رأي الشيخ أحب الي من جلد الغلام ، ويروي من مشهد الغلام ، وقال ( عليه السلام ) وقد سمع رجلاً من الحرورية يتهجد بصوت حزين نوم على يقين خير من صلاة في شك ، وقال ( عليه السلام ) اعقلوا الخبر اذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل .
وقال ( عليه السلام ) وقد سمع رجلاً يقول انا لله وانا اليه راجعون يا هذا ان قولنا انا لله وانا اليه راجعون اقرار منا بالملك وقولنا اليه راجعون اقرار منا بالهلك ، وكان ابن عباس ( رضي الله عنه ) يقول ما انتفعت بكلام احد بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانتفاعي بكلام كتبه الي امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو :
أما بعد فان المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوئه فوت ما لم يكن ليدركه فليكن سرورك بما نلت من آخرتك وليكن اسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً وليكن همك فيما بعد الموت ، وكان ( عليه السلام ) يقول اذا طرى في وجهه اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون
ص: 78
واغفر لنا ما يعلمون وقال ( عليه السلام ) لا يستقيم قضاء الحوائج الا بثلاث باستصغارها لتعظم وباستكتامها لتظهر ، وبتعجيلها لتهنأ ، وقال ( عليه السلام ) يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه الا الماحل ولا يظرف فيه الا الفاجر ولا يضعف فيه الا المنصف ويعدون الصدقة غرماً وصلة الرحم مناً ، والعبادة استطالة على الناس فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الاماء وامارة الصبيان ، وقال ( عليه السلام ) وقد رأي عليه ازار خلق مرفوع فقيل له في ذلك فقال ( عليه السلام ) يخشع له القلب وتذل به النفس ويقتدي به المؤمنون ، وكان ( عليه السلام ) يقول انما اخشى عليكم من بعدي اتباع الهوى وطول الامل فان طول الأمل ينسي الآخرة واتباع الهوى يصد عن الحق الا وان الدنيا قد ارتحلت مدبرة والآخرة قد جاءت مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل واليوم المضمار وغداً السباق والسبقة الجنة والغاية النار ، وقال ( عليه السلام ) ان الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها ابغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما كلما قرب من احد بعد عن الآخر وهما بعد ضرتان .
وعن نوف البكالي قال رأيت امير المؤمنين ( عليه السلام ) ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر الى النجوم ثم قال يا نوف اراقد انت أم رامق قلت بل رامق يا امير المؤمنين قال يا نوف طوبی للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة اولئك قوم اتخذوا الارض
ص: 79
بساطاً وترابها فراشاً ومائها طيباً والقرآن شعاراً والدعاء دثاراً ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح ( عليه السلام ) ان داود ( عليه السلام ) قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال انها ساعة لا يدعو فيها عبد الا استجيب له الا ان يكون عشاراً او عريفاً او شرطياً او صاحب عربطة وهو الطنبور او صاحب كوبة وهو الطبل ، وقال ( عليه السلام ) ان الله فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن اشياء فلا تنتهكوها وسكت لكم عن اشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من ربكم رحمكم بها فاقبلوها ، وقال ( عليه السلام ) لا يترك الناس شيئاً من دينهم لاستصلاح دنياهم الا فتح الله عليهم ما هو اضر منه ، هو اضر منه ، وقال ( عليه السلام ) رب عالم قد قتله جهله ومعه علمه لا ينفعه وقال ( عليه السلام ) اعجب ما في هذا الانسان قلبه وله مواد من الحكمة واضداد من خلافها فان سنح له الرجاء اذله الطمع وان هاج به الطمع اهلكه الحرص وان ملكه اليأس قتله الاسف وان عرض له الغضب اشتد به الغيظ وان اسعده الرضا نسي التحفظ وان ناله الخوف شغله الحذر وان افاد مالا اطغاه الغنى وان عضته الفاقة شغله البلاء وان جهده الجوع قعد به الضعف وان افرط به الشبع كظته البطنة وكل تقصیر به مضر وکل افراط له مفسد ، وقال ( عليه السلام ) نحن الفرقة الوسطى بها يلحق التالي واليها يرجع الغالي .
ومن كلام له ( عليه السلام ) تجهزوا رحمكم الله فقد نؤدي فيكم بالرحيل وأقلوا العرجة على الدنيا وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فان امامكم عقبة كؤداء ومنازل هائلة مخوفة لا بد من الممر
ص: 80
عليها والوقوف عليها فأما برحمة من الله نجوتم من وطئها وشدة مخبرها وكراهة منظرها واما بهلكة ليس بعدها نجاة فيا لها حسرة على كل ذي غفلة ان يكون عمره عليه حجة .
وكان ( عليه السلام ) يقول الوفاء توأم الصدق ولا نعلم نجاة ولا جنة اوقى منه وما يغدر من يعلم كيف المرجع في الذهاب عنه ولقد اصبحنا في زمان اتخذ أكثر اهله شر كيس ونسبهم اهل الجهل فيه الى حسن الحيلة ما لهم قاتلهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدفعها من بعد قدرة وينتهز فرصتها من لا جريحة له في الدين ، وقال ( عليه السلام ) في الدنيا عاملان عامل عمل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته يخشى على من يخلف الفقر ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره وآخر عمل في الدنيا لما بعدها فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأصبح ملكاً عند الله لا يسأل شيئاً يمنعه ، وقال ( عليه السلام ) شتان بين عملين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته وعمل تذهب مؤنته ويبقى اجره .
ويحدث ( عليه السلام ) يوماً بحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فنظر القوم بعضهم الى بعض فقال ( عليه السلام ) ما زلت مذقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مظلوماً وقد بلغني مع ذلك تقولون اني أكذب عليه ويلكم اتروني أكذب فعلى من أكذب على الله فأنا أول من آمن به أم على رسوله فأنا أول من صدقه ولكن غبتم عنها ولم تكونوا اهلها وعلم عجزتم عن حمله ولم تكونوا من اهله اذ كيل بغير ثمن لو كان له وعاء لتعلمن بناءه بعد حين اراد ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يخيله ويسر اليه ،
ص: 81
وشيع علي ( عليه السلام ) جنازة فسمع رجلاً يضحك فقال ( عليه السلام ) كان الموت فيها على غيرنا كتب وكان الحق فيها على غيرنا وجب وكان الذي نرى من الاموات سفر عما قليل الينا راجعون نبؤهم أجداثهم ونأكل تراثهم قد نسينا كل واعظة ورمينا بكل جائحة ، وقال ( عليه السلام ) طوبى لمن ذل نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته وانفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من لسانه وعزل من الناس شره ووسعته السنة ولم ينسب الى بدعة .
قال السيد الرضي ابو الحسن ( رضي الله عنه ) وهذا الكلام من الناس من يرويه عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكذلك الذي قبله .
وقال ( عليه السلام ) من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة من غير سلطان وغنى من غير مال وطاعة من غير بذل فليتحول من ذل معصية الله الى عز طاعة الله فانه يجد ذلك كله ، وقال ( عليه السلام ) وقد فرغ من حرب الجمل ، معاشر الناس ان النساء نواقص الايمان نواقص العقول نواقص الحظوظ ، فأما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في ايام حيضهن وأما نقصان عقولهن فلا شهادة لهن الا في الدين وشهادة امرأتين برجل . وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال . وقال ( عليه السلام ) اتقوا اشرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف حتى يطمع في المنكر . وقال ( عليه السلام ) غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل ايمان . وقال ( عليه السلام ) لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبها احد قبلي الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الاقرار والاقرار هو الآداء والآداء
ص: 82
هو العمل .
وقال ( عليه السلام ) قد يكون الرجل مسلماً ولا يكون مؤمناً حتى يكون مسلماً والايمان اقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح ولا يتم المعروف الا بثلاث ، تعجيله وتصغيره وتستيره فاذا عجلته هنأته واذا صغرته عظمته واذا سترته تممته ، وقال ( عليه السلام ) عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب وفاته الغنى الذي اياه طلب فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء ، وعجيب للمتكبر الذي كان بالامس نطفة وهو غداً جيفة وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى من يموت وعجبت لمن انكر النشأة الاخرى وهو يرى النشأة الاولى وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء وقال ( عليه السلام ) من قصر في العمل ابتلى في الهم ولا حاجة الله فيمن ليس له في نفسه وما له نصيب . وقال ( عليه السلام ) لسلمان الفارسي ( رحمة الله عليه ) ان مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها فان المرء العاقل كلما صار فيها سرور اشخصته منها الى مكروه ودع عنك ان ايقنت بفراقها ، وقال ( عليه السلام ) توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره فانه يفعل بالابدان كفعله في الاشجار اوله يحرق وآخره يورق ، وقال ( عليه السلام ) عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينك ، وقال ( عليه السلام ) ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله البغي والنكث والمكر ، قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ ) وقال تعالى ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ
ص: 83
نَفْسِهِ ) وقال تعالى ( لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) .
وقال ( عليه السلام ) وقد رجع من صفين فأشرف على القبور لظاهر الكوفة فقال يا اهل القبور يا اهل التربة يا اهل الغربة يا اهل الوحدة يا اهل الوحشة اما الدور فقد سكنت وأما الازواج فقد نکحت وأما الاموال فقد قسمت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ، ثم التفت الى اصحابه فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لأخبر وكم ان خير الزاد التقوى ، قال ( عليه السلام ) ان الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها ودار موعظة لمن اتعظ بها ، مسجد احباء الله ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله ومتجر اولياء الله اكتسوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت بينها ونادت بفراقها ونعت نفسها واهلها فمثلت لهم ببلائها وشوقتهم بسرورها الى سرور وراحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيراً فذمها رجال غداة الندامة وحمدها آخرون يوم القيامة ذكرتهم الدنيا فذكروا فحدثتهم فصدقوا ووعظتهم فاتعظوا فيها ايها الذام للدنيا المغتر بغرورها لم تذمها المحرم عليها أم هي المحرمة عليك متى استهوتك أم متى غرتك المصارع اباءك من البلى أم بمضاجع امهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك تبغي لهم الشفاء وتستوصف لهم الاطباء لم ينفع احدهم اشفاقك . ولم تسعف فيه بطلبتك قد مثلت لك به في الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك ، وقال ( عليه السلام ) المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام ، وقال ( عليه
ص: 84
السلام ) من لهج قلبه بحب الدنيا التاط منها بثلاث هم لا يفرج وأمل لا يدركه ورجاء لا يناله .
وقال ( عليه السلام ) ان الله ملكاً ينادي في كل يوم لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب ، وقال ( عليه السلام ) الدنيا دار ممر الى دار مقر والناس فيها رجلان رجل باع نفسه فأوبقها ورجل ابتاع نفسه فأعتقها ، وقال ( عليه السلام ) لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ اخاه يحفظ اخاه في ثلاث في نكبة وغيبة ووفاة ، وقال ( عليه السلام ) من اعطى اربعاً لم يحرم اربعاً من اعطى الدعاء لم يحرم الاجابة ومن اعطى التوبة لم يحرم القبول ومن اعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة ومن اعطى الشكر لم يحرم الزيادة وتصديق ذلك في القرآن قال الله تعالى في الدعاء ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وقال تعالى في الاستغفار ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) وقال تعالى في الشكر ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) وقال تعالى في التوبة ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) ، وقال ( عليه السلام ) الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل ضعيف ولكل شيء زكاة وزكاة البدن الصيام وجهاد المرأة حسن التبعل ، وقال ( عليه السلام ) استنزلوا الرزق بالصدقة من أيقن بالخلف جاد بالعطية ، وقال ( عليه السلام ) تنزل المعونة على قدر المؤنة ، وقال « عليه السلام » التقدير نصف العيش وما عال امرء اقتصد .
وقال ( عليه السلام ) قلة العيال احد اليسارين ، وقال ( عليه
ص: 85
السلام ) التودد نصف العقل ، وقال ( عليه السلام ) الهم نصف الهرم ، وقال ( ( عليه السلام ) ينزل الصبر على قدر المصيبة ومن ضرب على فخذه عند المصيبة حبط أجره وقال ( عليه السلام ) كم صائم ليس له صيامه الا الظمأ وكم من قائم ليس له من قيامه الا العناء حبذا نوم الاكياس وافطارهم عيبوا الحمقى بصيامهم وقيامهم والله لنوم على يقين افضل من عبادة اهل الارض من المغترين ، وقال ( عليه السلام ) لا تأكلوا الربوا في معاملاتكم فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة للربوا اخفى في هذه الامة من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء .
قال السيد الرضي ( رضي الله عنه ) وهذا الكلام يروى ايضاً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا عجب أن يتداخل الكلامان ويتشابه الطريقان اذ كانا عليهما السلام يمضيان في اسلوب ويغرفان من قليب . وقال ( عليه السلام ) سوسوا ايمانكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وادفعوا البلاء بالدعاء .
ومن کلامه ( عليه السلام ) لكميل بن زياد النخعي على التمام حدثني هارون بن موسى قال حدثنا ابو علي محمد بن همام الاسكافي قال حدثنا ابو عبد الله جعفر بن محمد الحسيني قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا عيسى بن الحسين بن عيسى بن زيد العلوي عن اسحاق بن ابراهيم الكوفي عن الكلبي عن أبي صالح عن كميل بن زياد النخعي قال اخذ بيدي امير المؤمنين علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) فأخرجني الى الجبانة فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال يا كميل بن زياد ان هذه القلوب اوعية فخيرها
ص: 86
اوعاها فاحفظ عني ما اقول لك ، الناس ثلاثة فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجؤوا الى ركن وثيق يا كميل بن زياد العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الانفاق يا کمیل بن زياد العلم دین یدان به يكسب الانسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته والعلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل بن زياد هلك خزان الاموال وهم احياء، والعلماء باقون ما بقى الدهر اعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ان ها هنا لعلماً جماً وأشار الى صدره لو اصبت له حملة بلى اصيب لقنا غير مأمون عليه مستعملاً آلة الدين للدنيا ومستظهراً بنعم الله على عباده وبحججه على اوليائه او منقاداً
لحملة الحق لا بصيرة له في احيائه ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة لاذا ولا ذاك ومنهوماً باللذة سلس القيادة للشهوة او مغرماً بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين في شيء اقرب شبهاً بهما الانعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلي لا تخلوا الارض من قائم الله بحجة اما ظاهراً مشهوراً أو خافياً مغموراً لثلا تبطل حجج الله وبيناته وكم ذا وابن اولئك والله الاقلون عدداً والاعظمون قدراً بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يودعوها نظرائهم ويزرعوها في قلوب اشباههم هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر المترفون وانسوا ما استوحش منه الجاهلون وصحبوا في الدنيا بأبدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى اولئك خلفاء الله في ارضه والدعاة الى دينه آه آه
ص: 87
شوقاً الى رؤيتهم انصرف اذا شئت وقال ( عليه السلام ) المرء مخبوء تحت لسانه ، وقال ( عليه السلام ) هلك امرء لم يعرف قدره وقال ( عليه السلام ) لكل امرء عاقبة حلوة او مرة ، وقال ( عليه السلام ) لكل مقبل ادبار وما ادبر كان لم يكن ، وقال ( عليه السلام ) أكثر العطايا فتنة ومأكلها محموداً في العاقبة ، وقال ( عليه السلام ) الصبر لاعطاء الحق مر وماكل له بمطيق ، وقال ( عليه السلام ) لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمان ، وقال ( عليه السلام ) الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم .
وقال ( عليه السلام ) على كل داخل في باطل اثمان اثم العمل به واثم الرضا به ، وقال ( عليه السلام ) ما اختلفت دعوتان الا كانت احداهما ضلالة ، وقال ( عليه السلام ) ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي ، وقال ( عليه السلام ) للظالم البادي غدا بكفه عضة ، وقال ( عليه السلام ) الرحيل وشيك ، وقال ( عليه السلام ) من وثق بماء لم يظمأ ، وقال ( عليه السلام ) من ابدى صفحته للحق هلك ، وقال ( عليه السلام ) استعصموا بالذمم في اوتادها ، وقال ( عليه السلام ) عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته لا تعذرون بجهالته ، وقال ( عليه السلام ) قد بصرتم ان ابصرتم وقد هديتم ان اهتديتم .
ومن كلامه ( عليه السلام ) في آخر عمره لما ضربه
ابن ملجم لعنه الله
وصيتي لكم ان لا تشركوا بالله شيئاً ومحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلا تضيعوا سنته اقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم اناس بالامس صاحبكم واليوم
ص: 88
عبرة لكم وغداً مفارقكم ان ابق فانا ولي دمي وان افن فالفناء ميعادي وان اعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة فاعفوا الا تحبون ان يغفر الله لكم ، وقال ( عليه السلام ) عاتب اخاك بالاحسان اليه وأردد شره بالانعام عليه ، وقال ( عليه السلام ) من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومن من اساء به الظن ، وقال ( عليه السلام ) من ملك استأثر، وقال ( عليه السلام ) من استبد برأيه هلك .
وقال ( عليه السلام ) من كتم سره كانت الخبرة بيده ، وقال ( عليه السلام ) الفقر الموت الاكبر ، وقال ( عليه السلام ) من قضى حق من لا يقضى حقه فقد عبده ، وقال ( عليه السلام ) لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ومن كلام له ( عليه السلام ) يعظ به بعض اصحابه ، لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويرجى بطول الأمل يقول في الدنيا بقول الزاهدين ويعمل فيها بعمل الراغبين ان اعطي منها لم يشبع وان منع منها لم يقنع يعجز عن شكر ما أوتي ويعجبه الزيادة فيمن بقى ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي يحب الصالحين وليس منهم ويبغض المذنبين وهو احدهم يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الموت له تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن يخاف على غيره بأدنى من ذنوبه ويرجو لنفسه بأكثر من عمله النوم مع الاغنياء احب اليه من الذكر مع الفقراء .
ومن كلام له ( عليه السلام ) قطعوا رحمي واضاعوا ايامي ودفعوا حقي وصغروا عظيم منزلتي واجمعوا على منازعتي لا يعاب المرء بتأخير حقه انما يعاب من أخذ ما ليس له، وقال ( عليه السلام ) الفرص
ص: 89
تمر مر السحاب ، وقال ( عليه السلام ) الاعجاب يمنع من الازدياد .
وقال ( عليه السلام ) الامر قريب والاصطحاب قليل ، وقال ( عليه السلام ) اضاء الصبح لذي عينين ، وقال ( عليه السلام ) ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وقال ( عليه السلام ) كم من أكلة منعت اکلات .
وقال ( عليه السلام ) الناس اعداء ما جهلوا ، وقال ( عليه السلام ) من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطاء ، وقال ( عليه السلام ) من أحد سنان الغضب الله قوي على قتل اشداء الباطل ، وقال ( عليه السلام ) اذا هبت امراً فقع فيه فان شدة توقيه اعظم مما يخاف منه .
وقال ( عليه السلام ) ازجر المسيء بثواب المحسن ، وقال ( عليه السلام ) احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك ، وقال ( عليه السلام ) اللجاجة تسل الرأي ، وقال ( عليه السلام ) الطمع رق مؤبد .
وقال ( عليه السلام ) ثمرة التفريط الندامة . وقال ( عليه السلام ) من لم ینجه الصبر اهلكه الجزع . وقال ( عليه السلام ) عليكم بالصبر فيه يأخذ الحازم واليه يرجع الجازع . وقال ( عليه السلام ) في شأن الخلافة واعجبا تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ويروى والقرابة والنص، ويروى له ( عليه السلام ) شعر في هذا وهو :
فان كنت بالشورى ملكت امورهم *** فكيف بهذا والمشيرون غيب
وان كنت بالقربي حججت خصيمهم *** فغيرك أولى بالنبي وأقرب
لقد اوضح ( عليه السلام ) بهذا القول نهج المحجة وأخذ على
ص: 90
خصومه بمضايق الحجة . سئل ابو جعفر الكوفي وكان هذا رجلاً من الصالحين وبمجمع مع ذلك التقدم في العلم بمتشابه القرآن وغوامض ما فيه وسائر معانيه عما جاء في الخبر انه من أحسن عبادة الله ، القى الله الحكمة عنده .
حكماً
فقال كذا قال الله عز وجل ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ) ثم قال تعالى ( كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ) الا ترى ان علياً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) آمن صغيراً فلم يلبث ان صار ناطقاً حكيماً ، فقال ( عليه السلام ) رحم الله امرأ سمع فوعى وأخذ بحجزة هاد فنجى قدم خالصاً وعمل صالحاً واكتسب مذخوراً واجتنب محذوراً رمى غرضاً وأخر عوضاً خاف ذنبه وراقب ربه وجعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته اغتنم المهل وبادر الأجل وقطع الأمل وتزود من العمل .
ثم قال أبو جعفر فهل رأيت كلاماً اوجز ووعظاً ابلغ من هذا وكيف لا يكون كذلك وهو خطيب قريش .
وقال ( عليه السلام ) تخففوا تلحقوا . قال الشريف الرضي أبو الحسن رضي الله عنه : ما اقل هذه الكلمة وأكثر نفعها واعظم قدرها وأبعد غورها وأسطع نورها وبعد هذه الكلمة . قوله ( عليه السلام ) فخلفكم الساعة يجدوكم وانما ينتظر بأولكم آخركم ، وقال ( عليه السلام ) لا خير في الصمت عن الحكم كما انه لا خير في القول بالجهل . وقال ( عليه السلام ) يابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك وقال ( عليه السلام ) ان للقلوب شهوة واقبالاً وادباراً فأتوها
ص: 91
من شهوتها واقبالها فان القلب اذا كره عمى . وقال ( عليه السلام ) الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا .
وقالوا كان ( عليه السلام ) يقول متى اشفي غيظي اذا غضبت أحين اعجز من الانتقام فيقال لي لو صبرت أم حين أقدر عليه فيقال لي لو عفوت ويروى لو غفرت .
وعن الشعبي ان امير المؤمنين ( عليه السلام ) مر بقذر على مزبلة فقال هذا ما بخل به الباخلون ، وفي خبر آخر انه ( عليه السلام ) قال هذا ما كنتم تتنافسون عليه بالامس .
قال الشريف الرضي ابو الحسن ( رضي الله عنه ) وكل واحد من القولين حكمة واضحة العبارة ولمعة شادخة الغرة .
وقال ( عليه السلام ) ، لم يذهب مالك ما وعظك .
قال الرضي ابو الحسن ( رضي الله عنه ) وأقول سبحان الله ما اقصر هذه الكلمة من كلمة وأطول شأو بدرها في مضمار الحكمة .
وقال ( عليه السلام ) ، ان القلوب تمل فابتغوا لها طرائف الحكمة .
ومن كلام له ( عليه السلام ) في قوم من اصحابه كانوا يتسللون الى معاوية فكفى لهم غياً وكفى بذلك منهم شفياً فرارهم من الهدى والحق وايضاعهم الى العمى والجهل وانما هم اهل دنيا مقبلون عليها قد علموا ان الناس في الحق اسوة فهربوا الى الاثرة فبعداً لهم وسحفاً وقال ( عليه السلام ) لما سمع قول الخوارج لا حكم إلا لله كلمة حق يراد بها باطل .
ص: 92
قال الشريف ابو الحسن ( رضي الله عنه ) وهذه ابلغ عبارة عن امر الخوارج لما جمعوا حسن الاعتراء والشعار وقبح الابطان والاضمار .
وقال ( عليه السلام ) في صفة العامة الغوغاء هم الذين اذا اجتمعوا ضروا واذا تفرقوا نفعوا ، فقيل له ( عليه السلام ) علمنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم ، قال ( عليه السلام ) يرجع اصحاب المهن الى مهنهم فينتفع الناس بهم كرجوع البناء الى بنائه والحائك الى منسجه والخباز الى مخبزه .
وروى انه ( عليه السلام ) اتى بجان ومعه غوغاء فقال لا مرحباً بوجوه لا ترى الا عند كل سوأة ، وجائه ( عليه السلام ) رجل من مراد وهو في المسجد فقال احترس يا أمير المؤمنين فان ها هنا قوماً من مراد يريدون اغتيالك فقال ( عليه السلام ) ان مع كل انسان ملكين يحفظانه فاذا جائه القدر خليا بينه وبينه وان الاجل جنة حصينة .
ومن خطبة له ( عليه السلام ) الا وان الخطايا خيل شمس حمل عليها راكباً وخلعت لجمها فتقمحت بهم في النار الا وان التقوى مطايا ذلل حمل عليها اهلها واعطوا ازمتها فأوردتهم الجنة .
ومن جملة هذه الخطبة ايضاً قوله ( عليه السلام ) حق وباطل ولكل اهل فلئن أمر الباطل لقديماً فعل ولئن قل الحق لربما فعل ولقل ما ادبر شيء فاقبل ، قالوا ولما قالا طلحة والزبير له ( عليه السلام ) نبايعك على انا شركائك في هذا الامر فقال ( عليه السلام ) ولكنكما شريكان في القوة والاستعانة وعونان على العجز
ص: 93
والاود .
ومن كلام له ( عليه السلام ) في مدح الكوفة ويحك يا كوفة ما اطيبك واطيب ريحك واخبث كثيراً من اهلك الخارج منك بذنب والداخل فيك برحمة اما لا تذهب الدنيا حتى يحن اليك كل مؤمن ويخرج منك كل كافر أما لا تذهب الدنيا حتى تكوني من النهرين الى النهرين حتى ان الرجل ليركب البغلة السفواء يريد الجمعة ولا يدركها ، وقال ( عليه السلام ) المسالمة حليب الغيوب ، وقال ( عليه السلام ) الناس بزمانهم اشبه منهم بآبائهم .
ومن كلام له ( عليه السلام ) أيها الناس اتقوا الذي ان قلتم سمع وان اضمرتم علم وبادروا الموت الذي ان هربتم ادرككم وان اقمتم اخذكم وان نسيتموه ذكركم ، وقال ( عليه السلام ) لا يزهدكم في المعروف من لا يشكره لك فقد يشكرك عليه من لم يستمع بشيء منه ، وقال ( عليه السلام ) يابن آدم لا تحمل هم يومك الذي لم يأتك على يومك الذي انت فيه فان يكن بقى من أجلك يأت الله فيه برزقك ، وقال ( عليه السلام ) اول عوض الحليم من حلمه ان الناس انصاره على الجاهل . وقال ( عليه السلام ) أفضل رداء تردي به الحلم فان لم تكن حليماً فتحلم فانه قل من تشبه بقوم الا اوشك ان يكون منهم .
ومن جملة وصيته ( عليه السلام )
لابنه الامام ابي محمد الحسن بن علي ( عليه السلام )
يا بني اني لما رأيتني قد بلغت سناً ورأيتني ازداد وهناً اردت
ص: 94
بوصيتي اياك خصالاً منهن ، اني خفت ان يعجل بي اجلي قبل ان افضي اليك بما في نفسي وان انقص في رأيي كما نقصت في جسمي او يسبقني اليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور فان قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالادب قبل ان يقسوا قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك اهل التجارب بغيبة وتجربة فتكون قد کفیت مؤنة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك ما اظلم علينا فيه .
ومنها واعلم ان امامك طريقاً ذا مشقة بعيداً وهو لاً شديداً وانك لا غنى بك عن حسن الارتياد وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقله وبالاً عليك واذا وجدت من اهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج اليه فاغتنمه واغتنم ما اقرضت من استقرضك في حال غناك .
واعلم يا بني ان امامك عقبة كؤداء مهبطها على جنة او على نار فارتد لنفسك قبل نزولك فليس بعد الموت مستعتب ولا الى الدنيا منصرف، واعلم يا بني انك خلقت للآخرة لا الى الدنيا وللفناء لا للبقاء وانك لفي منزل قلعة ودار بلغة وطريق من الآخرة وانك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه ، واياك ان توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة وان استطعت ان لا يكون بينك وبين الله تعالى ذو نعمة فافعل ، ومنها ظلم الضعيف افحش الظلم وربما كان الداء دواء والدواء داء وربما نصح غير
ص: 95
الناصح وغش المستنصح ، وإياك والاتكال على المنى فانها بضائع النوكى والعقل حفظ التجارب وخير ما جربت ما وعظك بادر الفرصة قبل ان تكون غصة من الفساد اضاعة الزاد لا خير في معين مهين سيأتيك ما قدر لك لا تتخذن عدو صديقاً فتعادي صديقك ، امحض اخاك النصيحة حسنة كانت او قبيحة ، وان اردت قطيعة اخاك فاستبق له من نفسك بقية ترجع اليها ولا تكونن على الاسائة اقوى منك على الاحسان لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانه يسعى في مضرته ونفعك وليس جزءاً من سرك ان تسوئه ، والرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فان انت لم تأته اتاك ما اقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى انما لك من الدنيا ما اصلحت به مثواك استدل على ما لم يكن بما قد كان فان الامور اشباه لا تكونن ممن لا تنفعه العظة الا اذا بالغت في المه فان العاقل يتعظ بالقليل وان البهائم لا ينتفع الا بالضرب الاليم من ترك القصد جار ومن تعدى الحق ضاق مذهبه ومن اقتصره على قدره كان ابقى له وربما اخطأ البصير قصده واصاب الاعمى رشده ، قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل اذا تغير السلطان تغير الزمان نعم طارد الهم اليقين .
ومنها يا بني واياك ومشاورة النساء فان رأيهن الى افن وعزمهن الى وهن وأقصر عليهن حجبهن فهو خير لهن وليس خروجهن بأشد من الدخول من لا يوثق به عليهن وان استطعت ان لا يعرفن غيرك فافعل ولا تملك المرأة من أمرها ما يجاوز نفسها فان ذلك انعم لبالها فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعطها حتى تشفع لغيرها واياك والتغاير في غير موضع الغيرة فان ذلك يدعو الصحيحة الى
ص: 96
السقم .
وأول هذه الوصية من الوالد الفاني المقر للزمان المدبر للعمر المستسلم للدهر الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى الظاعن عنها غداً الى الولد المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك غرض الاسقام ورهينة الايام ورمية المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت وحليف الهموم وقرين الاحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الاموات .
ومن كلامه ( عليه السلام ) في صفة الدنيا
ما اصف من دار اولها عناء وآخرها فناء في حلالها حساب وفي حرامها عقاب من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها واتته ومن بصر بها بصرته ومن أبصر اليها اعمته .
ومن كلام له ( عليه السلام ) من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن اخاف أمن ومن اعتبر ابصر ومن ابصر فهم ومن فهم علم ، وصديق الجاهل في تعب .
قال الشريف الرضي ذو الحسبين ابو الحسن ( رضي الله عنه ) ولو لم يكن في هذه الفقرات المذكورات الا هذه الكلمة الاخيرة لكفى بها لمعة ثاقبة وحكمة بالغة ولا عجب ان تفيض الحكمة من ينبوعها وتزهر البلاغة في ربيعها قال الكاتب ولقد والله ظفرت بمدعاي وفزت بمتمناي اذ تشرفت بكتابة كتاب خصائص الائمة ووفقت لاتمامه على احسن الطريقة فله المنة اي المنة ، سنة تسع وتسعين
ص: 97
بعد اتمام الألف من الهجرة .
يقول الفقير الى الله الغني عبد الرزاق بن السيد محمد بن السيد عباس الموسوي المقرم هذا تمام ما في النسخة التي نسخت عليها وكان تاريخ كتابتها سنة 1300 هجرية .
مالكها العلامة الجليل آية الله الشيخ هادي بن الشيخ عباس ابن الشيخ علي آل كاشف الغطاء ( رضوان الله عليهم ) ، وقد اتفق لي الفراغ بعون الله تبارك وتعالى وحسن توفيقه في شهر ذي القعدة الحرام يوم السبت الثاني والعشرين من سنة الف وثلثمائة وتسع واربعين هجرية بمشهد مولانا وسيدنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) 22 ذي القعدة الحرام سنة 1349 .
ص: 98
ترجمة الشريف الرضي ... 5
المقدمة ... 23
فضل زيارته ( عليه السلام ) ... 26
الاشعار في بيعة الغدير ... 27
قصيدة لأم عمرو، ومحبوبية حفظها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... 30
معجزة باهرة من امير المؤمنين مع الخارجي ... 32
لما مر بكربلا وقال طوبى لك من تربة الخ ... 33
قصة صاحب المواشي مع عمر وكرامة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ... 33
حديث النوق التي خرجت من الصخرة ... 35
من قصيدة الحميري البائية ... 37
اخباره بعدم موت ابن عرفطة ... 39
انتظاره بصفين لبيعة اويس القرني ... 39
اخباره ميثم التمار بما يجري عليه من ابن زياد ... 39
علمه بالتنزيل ... 40
حديث رد الشمس ... 41
حديث قميص هارون النازل عليه من السماء ... 42
ص: 99
رده ( عليه السلام ) طغيان الفرات بسوطه ... 43
حديثه مع ابن الكوا في المبيت على الفراش ... 43
ارائته رسول الله لمن اختصم معه ... 44
اخباره بالمخدج ذي الثدية ... 45
تحريض عبد الله بن عامر بن كريز طلحة والزبير على الخروج على امير المؤمنين ... 46
خطبته وفيها يقول سلوني قبل ان تفقدوني ... 47
اخباره سعد بن ابي وقاص بان ابنه يقتل الحسين ... 47
اخباره ابنته زينب بمقتله ليلة قتله ... 48
اخبار ابي طالب فاطمة بأنها تلد علياً بعد ثلاثين من ولادة النبي ... 49
حديث وفاة فاطمة بنت اسد ... 49
الخبر الصحيح في تلقين النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها ... 50
لقبه بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ... 52
شرحه ( عليه السلام ) اسماء اجداده ... 52
وصف ضرار بن ضمرة زهده ... 54
في وصية النبي لعلي ( عليه السلام ) اقامة الاحكام والحدود ... 55
عائشة تقول لعمر صل بالناس ... 57
صلاة ابي بكر بالناس ... 57
لم يقتنع النبي بصلاة ابي بكر حتى خرج بنفسه ... 58
خطبته بالفراغ من الصلاة وفيها الوصية لعلي ( عليه السلام ) ... 58
استخلافه على الناس من بعده ... 58
ابن عباس يصف علياً يوم صفين ... 59
ص: 100
ابيات لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ... 60
اعتراف العباس بن عبد المطلب امام عمر بان علياً احق بالخلافة من الناس ... 60
قبض امير المؤمنين في حياة النبي درعه وسيفه وبغلته الخ ... 61
ترجمة بلال الحبشي مؤذن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... 63
حديث اللؤلؤ عند بنت أمير المؤمنين ... 63
خطبة الحسن ( عليه السلام ) لما استشهد أبوه ... 65
المنتخب من قضاياه وجوابات المسائل ... 65
حدیث شارب الخمر مع ابي بكر ... 66
عمر بن الخطاب مع الانصاري ... 67
الغلام الذي نفته امه ... 67
حديث لولا علي لهلك عمر ... 69
حديث الرجلين المطلقين ثلاثاً ... 70
كان أمير المؤمنين يقطع اربع اصابع في السرقة ويترك الكف والراحة والابهام ... 70
حديث المملوكين به ... 70
حديث من رمى فأصاب رباعية انسان ... 71
قوله ( عليه السلام ) احتجوا بالشجرة واضاعوا الثمرة ... 71
المسائل التي سئل عنها ... 71
مسائل ابن الكواء ... 72
مسألة اليهودي ... 72
مسألة كعب الاحبار ... 73
ص: 101
مسألة اسقف نجران لعمر بن الخطاب وعجزه عن الجواب ... 74
كلماته القصار ... 77
كلامه مع اهل القبور ... 84
كلامه مع كميل بن زياد ... 86
كلام له لما ضربه ابن ملجم ... 88
من كلامه مع بعض اصحابه ... 89
كلامه في وصف العامة ... 93
ص: 102