سرشناسه:صانعی، یوسف، 1316-1399.
Saanei, Yusuf
عنوان قراردادی:تحریر الوسیله . برگزیده. شرح
عنوان و نام پديدآور:فقه الثقلین کتاب الطلاق ( والخلع والمباراة؛ الظهار ؛ الایلاء واللعان) فی شرح تحریرالوسیله/ تقریر لابحاث یوسف الصانعی؛ المقرر سیدضیاء المرتضوی؛ تحقیق موسسه فقه الثقلین الثقافیة.
مشخصات نشر:قم: فقه الثقلین، 1443ق.= 1401.
مشخصات ظاهری:789ص.
شابک:978-622-94734-1-2
وضعیت فهرست نویسی:فاپا
يادداشت:زبان : عربی.
يادداشت:کتاب حاضر برگزیده و شرحی بر '' تحریرالوسیله '' تالیف امام خمینی است.
يادداشت:کتاب حاضر قبلا با عنوان '' فقه الثقلین فی شرح تحریرالوسیله: کتاب الطلاق '' توسط موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س) در سال 1380 منتشر شده است.
يادداشت:عنوان دیگر : فقه الثقلین (کتاب الطلاق).
یادداشت:کتابنامه : ص. [761] - 773 ؛ همچنین به صورت زیرنویس.
عنوان دیگر:فقه الثقلین فی شرح تحریرالوسیله: کتاب الطلاق.
عنوان دیگر:فقه الثقلین (کتاب الطلاق).
موضوع:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر
موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه
*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc.
طلاق (فقه)
Divorce (Islamic law)
شناسه افزوده:مرتضوی، سیدضیاء، 1337 -
شناسه افزوده:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله. برگزیده. شرح
شناسه افزوده:مرکز مطالعات و تحقیقات فقه الثقلین
رده بندی کنگره:BP183/9
رده بندی دیویی:297/3422
شماره کتابشناسی ملی:8866873
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا
ص: 1
هو الفتاح العلیم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمِ
موسسه فقه الثقلین الثقافیة
ص: 2
ص: 3
فقه الثقلین
کتاب الطلاق
(والخلع والمباراة؛ الظهار ؛ الایلاء واللعان)
تقریر لابحاث
آية الله العظمی الشيخ یوسف الصانعی (قدس سره)
فی شرح تحریرالوسیله
المقرر
سیدضیاء المرتضوی
تحقیق :
موسسه فقه الثقلین الثقافیة
ص: 4
کتاب الطلاق ... 13
القول في شروطه ... 27
القول في الصيغة ... 135
الإشهاد في الطلاق ... 207
القول في أقسام الطلاق ... 231
القول في العِدَد ... 311
القول في عدّة الوفاة ... 401
القول في عدّة وطء الشبهة ... 477
القول في الرجعة ... 543
کتاب الخلع والمباراة ... 559
کتاب الظهار ... 627
کتاب الإیلاء ... 657
کتاب اللعان ... 661
وجوب طلاق الخلع علی الرجل ... 709
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمائه ، وله الشكر على حسن بلائه ، وصلّى الله على محمّد خاتم أنبيائه ، وآله الطاهرين حججه وأصفيائه وسلّم كثيراً.
تمّ بحمد الله ومنّه وحسن توفيقه - وما التوفيق إلّا بالله - تصحیح «كتاب الطلاق» من سلسلة كتب القيّمة الفقهيّة لسماحة المرجع الديني والأُستاذ المفكّر المدقّق آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي؛ تحت عنوان «فقه الثقلين»، وفي الحقيقة، هذا أثر ثمين لتنقيح وتهذيب لما ألقاه في مجلس الدرس على أساس كتاب الطلاق والخلع والمباراة والظهار والإیلاء واللعان من تحرير الوسيلة لسيّده الأُستاذ الإمام الخميني(سلام الله علیه)، وبيان مبانيها، والنقض والإبرام في أدلّتها وكشف معضلاتها وتفسير مغمضاتها وتبيين اصطلاحاتها، في طیلة سنتین في جمّ غفير من الأفاضل وعدّة من الأعلام؛ منهم الفاضل المحقّق آية الله السیّد ضیاء المرتضوي سلمه الله تعالى الذي قرّر هذه المباحث بأحسن أُسلوب جدير.
والجدير بالذكر أنّه قد طبع هذا الأثر مرّة في حیات الأُستاذ(قدس سرُّه) بهمّة مؤسّسة تنظیم ونش-ر آثار الإمام الخمیني، إلّا أنّه بعد الطبعة الأُولی عدل(قدس سرُّه) عن رأیه في مسألتین (أحدهما: السادس من أقسام البائن،وهو الطلاق الثالث إذا وقع منه
ص: 7
الرجوعان؛ المسألة 3، من أنّ استیفاء العدد هادم أم لا. وثانیهما: مسألة 9 من مسائل الخلع والمباراة)، ومن المناسب أن نحیي هذا التراث الفخم من الأُستاذ(رحمة الله)، فلذا تصدّت مؤسّسة فقه الثقلین بهذه الطبعة الحديثة بعد مقابلته مع الطبعة الأُولی وملاحظة تحقيقه السابق واستخراج منابعه وتنظيم فهرس فنّي له، ونش-ره بهذه الصورة الأنيقة، مع تصحیح هاتین المسألتین وتص-رّف جزئي في مسائل مترتّبة بهما بعد أخذ الإجازة من سماحة مقرّره سلّمه الله تعالی، وکذا إلحاق کراسة في وجوب طلاق الخلع علی الرجل طبقاً لنظریاته(قدس سرُّه)لما أفاده في مجلس درسه بتقریر سماحة ولده الفاضل المکرم الشیخ فخرالدین الصانعي (دامت توفیقاته).
ونخصّ بالذكر ونتوجّه بالشكر الخالص إلى الأخ الفاضل حجّة الإسلام والمسلمین الشيخ فخرالدين الصانعي لإشرافه وإعادة نظره في جميع مراحل العمل منذ بداياته حتّى انتهائه والملاحظة بجميع جوانبه، نسأل الله تعالى له مزيد التوفيق والسداد.
ولا يسعنا أخيراً إلّا وأن نتقدّم بجزيل شكرنا للإخوة في لجنة التحقيق في موسّستنا الموسوم بفقه الثقلین وکذا من ساعدونا في إخراج هذا الكتاب، سائلين الله لهم ولنا مزيد التوفيق في خدمة تراث العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنّه خير ناصر ومعين.
وفي الختام نلتمس العذر من القارئ الكريم فيما يجده من عيوب أو يصادفه من هفوة قلم أو سهوٍ في عملنا هذا، فالعفو عند كرام الناس مقبول. نسأله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مؤسّسة فقه الثقلین
قم المشرّفة
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد، فممّا منَّ الله تعالى على هذا الحقير والعبد الذي لا يملك شيئاً ولا يقدر عليه، حضور جمّ من الأفاضل وعدّة من الأعلام، أيّدهم الله تعالى في مجلس الدرس، منهم العالم العلم التقيّ صاحب الفكر الثاقب والنظر الصائب والعارف بالزمان ولسانه، السيّد ضياء المرتضوي وفّقه الله تعالى لمرضاته وكثّر الله أمثاله، ولقد جدّ واجتهد في تنقيح مباحث الطلاق من بحث الفقير على ترتيب تحريرالوسيلة لسيّدنا الأُستاذ الإمام الخميني(سلام الله علیه)، وعلى نحو شرح له، بحسن سليقته وتوضيحه بجودة قريحته، فصار بحمدالله ومنّته صحيفة كافلة لمهمّات المسائل وتبيينها، فأسأل الله تعالى توفيقه وتأييده لبذل الجهد في طريق الحقّ وسبيل الهدى واستقامته على الص-راط المستقيم وهو صراط الثقلين والمودّة لأهل البيت والمتابعة لهم (صلوات الله عليهم أجمعين).
يوسف الصانعي
20 ذیقعدة الحرام 1421
الصورة

ص: 9
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره وسبباً للمزيد من فضله ودليلاً على آلائه وعظمته، فأحمدك اللّهمّ على عظيم إحسانك ونيّر برهانك ونواحي فضلك وامتنانك، حمداً يفتح لنا أبواب معرفتك ويدخلنا في سراديق أسرار كتابك، حمداً يهدينا إلى الاعتصام بحبلك ويرشدنا إلى معرفة شريعتك وأحكامك والتمسّك بسنّ-ة نبيّك وآله خيرة خلقك، وصلّ اللّهمّ على محمّد وآله، مظاهر جمالك وجلالك وخزائن أسرار كتابك الذي تجلّى فيه الأحديّ-ة بجميع أسمائك حتّى المستأثر منها الذي لا يعلمه غيرك، واللعن على ظالميهم أصل الشجرة الخبيث-ة.
أمّا بعد، فهذا ما أفاضه الأُستاذ البارع، آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي، من كتاب الطلاق وما يلحقه من المباحث في الخلع والمباراة والإيلاء والظهار واللعان وقد تلقّيته في مجلس الدرس ابتداءً من رابع ربيع الثاني، عام 1414 الهجري على مهاجره آلاف التحيّ-ة والثناء، وانتهاءً فيالثامن عش-ر من رجب المرجّب عام 1416، الموافق للعشرين من شهر آذر، عام 1374 ش.
ص: 11
وممّا يجدر بالذكر أنّ سماحة الأُستاذ، انطلاقاً من تلمّذه عند الفقيه المجدّد والمرجع المجاهد، سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني، قائد الثورة الإسلاميّ-ة ومؤسّس الجمهوريّ-ة الإسلاميّ-ة في إيران (سلام الله علیه) وتثبيتاً لفقه الإمام وآرائه في الحوزة العلميّ-ة قد أخذ كتاب تحريرالوسيلة مداراً لأكثر أبحاثه ومتناً لشرح آرائه وقطباً لإجالة أفكاره، فما اُقدّمه إليك هو شرح تفصيلي اجتهادي لكتاب الطلاق من تحريرالوسيلة وما يليه ويناسبه من الخلع والمباراة والظهار والإيلاء واللعان.
ثمّ إن كان في جهدي لتقرير المباحث وتنسيق المسائل ثواب فاُهديه أوّلاً إلى الفقيه النحرير والمجاهد المجدّد، محيي الش-ريعة المحمّديّ-ة وصاحب الصولة الحيدريّ-ة، العلّامة المفضال، أُستاذ الأُستاذ، آية الله العظمى الإمام الخميني (قدّس سرّه القدّوسي)، ثمّ إلى روح العالم الماجد، والد الأُستاذ، حجّة الإسلام والمسلمين، الشيخ محمّد عليّ الصانعي (رحمة الله علیه)، وإلى روح والدي المرحوم الحاج السيّد رضا المرتضوي وهو أبوالشهيد (رحمة الله علیه) وأسأل الله التوفيق والسداد والعفو وختام الخير، والحمد كلّه لله ربّ العالمين.
قم المقدّسة
العبد العاصي السيّد ضياء المرتضوي
ص: 12
کتاب الطلاق
ينبغي ذکر أُمور:
ص: 13
ص: 14
وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام(1)
----------
إنّ مشروعيّ-ة الطلاق من ضروريّات الإسلام ولا كلام فيها، والحقّ أنّه من الأُمور التشريعيّ-ة الإمضائيّ-ة مع زيادة قيود وشروط، وكذا بالنسبة إلى الأحكام فيه، كما أشار إليه في الجواهر(1) بأنّه ليس في العقود والإيقاعات حقيقة شرعيّ-ة، ضرورة وجودها في هذه المعاني قبل زمن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولكن اعتبر في الصحيح منها أُموراً، وبهذا المعنى جعله الأصحاب معنىً شرعيّاً مقابلاً للمعنى اللغوي.
فعلى هذا، عند الشكّ في شرط من الشروط، أو قيد من القيود، أو مانع من الموانع وعدم الدليل عليه، يرجع إلى ما هو المعمول عند العقلاء، فإنّ في عدم ردع الشارع من تلك الأُمور شهادة على اعتبار الرضا منه.
وأمّا على كفاي-ة محض عدم ال-ردع، وإن لم يكن كاشفاً عن الرضا، كما يظهر من
ص: 15
----------
صاحب الكفاية(1) فالأمر أوضح، بل يمكن القول بالرجوع إلى ما عندهم في تلك الأُمور، وإن كانت حادثة ولم تكن بمرأی ومنظر من المعصومين:؛ وذلك لأنّ مثل الرضا والإمضاء هو بناء من الأبنية العقلائيّ-ة مع كون التغيّر والتبدّل في خصوصيّاتها من ناحية مضيّ الدهر والزمان أمراً طبيعيّاً ومعلوماً عادةً، فعدم الردع عن تلك الأُمور كاشفٌ عن الرضا، مثل ما كان بالمرأى والمنظر منهم (علیهم السلام).
لا يقال: كيف يحصل العلم بالرضا مع عدم إمكان الردع؛ لعدم الوجود، كما هو المفروض؟
لأنّه يقال: لمّا كانت الشريعة متكفّلة لكلّ الأزمنة بالض-رورة والبداهة، وأنّ الرسول الخاتم(صلی الله علیه وآله وسلم) مرسل إلى الناس كافّة، كما صرّح به قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾،(2) وأنّه خاتم النبيّين(صلی الله علیه وآله وسلم)، كما أكّ-د عليه قوله تعالى: ﴿وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ ِِ وَخَاتَمُ النَّبيّينَ﴾،(3) فلابدّ من تبيين الأحكام لكلّ الأزمنة بإعطاء القواعدالكلّيّ-ة والضوابط العامّ-ة. وفي الأخبار إرشادات وإشارات إلى هذا الأمر:
ص: 16
...
----------
ففي موثّقة عبيد بن زرارة، قال: قال أبوعب-دالله(علیه السلام): «احتفظوا بكتبكم، فإنّكم س-وف تحتاجون إليها».(1)
وفي خبر مفضّ-ل ب-ن عم-ر، ق-ال: ق-ال لي أبوعب-دالله(علیه السلام): «أُكتب، وبثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم».(2)
بل، وخبر أبي إسحاق السبيعي، عن بعض أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السلام)ممّن يوثّق به: أنّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) تكلّم بهذا الكلام، وحفظ عنه، وخطب به على منبر الكوفة: «اللّهمّ إنّه لابدّ لك من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة على خلقك، يهدونهم إلى دينك ويعلّمونهم علمك، كىلا يتفرّق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترقّب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنتهم، فلم يغب عنهم قديم مبثوت علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون».(3)
وعلى كلّ حالٍ، عند حدوث أُمور في الطلاق في الاشتراط أو عدمه، وعدم الدليل على اعتباره يمكن الرجوع إلى ما هو المعتبر عندهم، ولا فرق في ذلك بين زمان الحضور والغيبة.
لا يقال: إنّه لا يوجد الدليل على الرضا منهم.:
لأنّه يقال: إنّ الشريعة متكفّلة لكلّ الأزمنة، وذلك بواسطة بيان القواعدالكلّيّ-ة والضوابط العامّة، كما مرّ تفصيله.(4)
ص: 17
...
----------
قد ذكر مبحث الطلاق في الشرائع(1) في الأوّل من القسم الثالث من الكتاب وهو الإيقاعات، وفيها أحد عشر كتاباً ومنها الإقرار(2) مع أنّه إخبار، وذكره فيها من جهة المشابهة للإيقاع في الجملة، ففي الجواهر بعد بيان معناه اللغوي، قال:
وعلى كلّ حالٍ، فهو ليس من العقود والإيقاعات؛ لأنّه ليس بإنشاء، إلّا أنّه لمّا كان مشابهاً للإيقاع في الجملة، ذكره المصنّف فيها، ولذا عرّفه في الوسيلة(3) بأنّه إخبار بحقٍّ على نفسه.(4)
ومثله بقيّ-ة التعاريف، فكلّها مشتركة في أخذ «الإخبار» في تعريفه، والبحث عن الطلاق في قسم الإيقاعات هو الرائج في الكتب الفقهيّ-ة قديماً وحديثاً، لكنّ الفيض(قدس سرُّه) في المفاتيح(5) مشى طريقاً آخر في ترتيبه وجَعَله على فنّين: الأوّل في العبادات والسياسات، والثاني في المعاملات والعادات، وذَكَر الطلاق في الفنّ الثاني،(6) إلّا أنّه متروكٌ، والرائج هو الراجح.
إنّ مبحث الطلاق أقلّ رواي-ة من النكاح، وكذا في اخت-لاف الأقوال، ويخ-طر
ص: 18
...
----------
بالبال أنّ قلّة البحث في الطلاق تنشأ من قلّة الفروع؛ وذلك لقلّة ابتلاء المسلمين به في تلك الأزمنة، وأمّا في زماننا هذا، وهو سنة خمس عشرة وأربعمأة بعد الألف من الهجرة النبويّ-ة على هاجرها وآله الصلوة والسلام، فالظاهر أنّها كثيرة بالنسبة، ولعلّ السرّ في ذلك هو شدّة تعبّدهم في تلك الأزمنة بأحكام الإسلام وما جاء به في الأخلاق الكريمة، وقلّة الأجهزة الإعلاميّ-ة والارتباطيّ-ة الموجبة لاطّلاع كثير من الناس على ما يجري ويحدث في المجتمعات الذي يؤدّي إلى التأثّر منها، وكذا التأثير فيها، وهذا بخلاف زماننا. هذا، فالانتحال إلى الدين والتقيّد به وإن كان متحقّقاً مرتبته العليا، لكن دور النشاطات الإعلاميّ-ة والواسعة الحاصلة من تلك الأجهزة لا يخلو من المشاكل الجديدة والسلبيّات الحديث-ة.
وكيف كان، فلابدّ من البحث في مسائله وفروعه وبيان ضوابطه وأُصوله مع لحاظ الزمان والمكان، فإنّهما مؤثّران في الفقه موضوعاً واستنباطاً.
الطلاق في اللغة(1) بمعنى الإرسال والترك. وقيل: إنّه بمعنى حلّ العقدأيضاً. وفي الع-رف عبارة عن إرسال الزوج-ة وتركها وفراقها. والظاهر أنّه حقيقة في
ص: 19
...
----------
المعنى العرفي ويكون من باب تسمية الخاصّ باسم العامّ.
وما في المسالك من:
أنّه شرعاً إزالة قيد النكاح بصيغة طالق وشبهها.(1)
فليس بتمام؛ لأنّ الصيغة سبب للإزالة وهنا قد أخذ القيد في السبب، مضافاً إلى أنّه إن أُريد أخذ القيود فيه فإنّها أكثر من ذلك، مضافاً إلى أنّه أمر عرفي ولا يختصّ بالشرع، فلا معنى للتقييد شرعاً. والأُمر بعد وضوح حقيقة الطلاق وكون تلك التعاريف من باب شرح الاسم سهلٌ.
الأصل في الطلاق هو الفساد؛ وذلك لاستصحاب بقاء الزوجيّ-ة والنكاح وأحكامهما، كأصالة الفساد في العقود والمعاملات. ولا يخفى عليك أنّ أصالة الفساد فيه وفي العقود والإيقاعات ليست بمعناها الحقيقي، وهو استصحاب بقاء الفساد نفسه؛ لكونه مشكوكاً فيه من أوّل الأمر وفي الحالة السابقة، كما هو المفروض، بل هي بمعنى استصحاب ملازماته ومقارناته، فالأصل يجري في الحقيقة فيها لا في نفسه، ومثلها أصالة اللزوم(2) في العق-ود عند معناها الاستصحابي. وهذا لا ينافي ما قلناه في بناء العقلاء؛ لأنّه وارد عليه، فإنّ بالرجوع إليه يرتفع الشكّ.
ص: 20
...
----------
هذا، ولكن مقتضى الأصل اللفظي هو الصحّة؛ قضاءً لإطلاق كتاب الله تعالى، حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)،(1) وإن أبيت فلا أقلّ من الإطلاق المقامي، وأمّا سائر آيات الطلاق، وهي كثيرة فليس لها إطلاق؛ لأنّها في مقام بيان سائر الأحكام بعد الفراغ عن أصله. ومثلها روايات المسألة، والحصر الموجود في بعض الروايات هو إضافي ناظر إلى أقوال العامّة.
قد تكاثرت الأخبار بكراهة الطلاق مع التلائم بين الزوجين ومن دون موجب له، وبه صرّح جملة من علمائنا الأبرار، بل الظاهر كونه إجماعيّاً حتّى من العامّة، ففي النبويّ العامّي: «أبغض الحلال عندالله الطلاق»،(2) لكن تخالفها أخبار(3) تدلّ على أنّ الحسن بن عليّ (علیهما السلام) كان مطلاقاً للنساء، حتّى نقل إنّه عطب به أبوه عليّ(علیه السلام) على ظهر المنبر.
وبذلك يقع الإشكال في الجمع بينهما، فإنّ المكروه لا يصدر عن المعصوم(علیه السلام)، بل لا يريده، فضلاً عن صدوره منه، ولا يقعهو(علیه السلام) مورداً للعطب أيضاً، ولم أجد من تعرّض لهذه المنافاة في الكتب المتداولة الفقهيّ-ة المبسوطة وغير المبسوطة، إلّا صاحب الحدائق،(4) فلنذكر هاتين الطائفتين من الأخبار أوّلاً، ثمّ نتكلّم فيها ثانياً.
ص: 21
...
----------
أمّا الطائفة الأُولى:
فمنها: ما رواه سعد بن طريف، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «مرّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) برجل فقال: ما فعلت امرأتك؟ قال: طلّقتها يا رسول الله ، قال: من غير سوء؟ قال: من غير سوء. (قال: ثمّ إنّ الرجل تزوّج فمرّ به النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال: تزوّجت؟ فقال: نعم، ثمّ مرّ به، فقال: ما فعلت امرأتك؟ قال: طلّقتها، قال: من غيرسوء؟ قال: من غير سوء)،(1) فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنّ الله عزّوجلّ يبغض - أو يلعن - كلّ ذوّاق من الرجال وكلّ ذوّاقة من النساء».(2)
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: « ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق، وأنّ الله عزّ وجلّ يبغض المطلاق الذوّاق».(3)
ومنها: ما رواه أبوهاشم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: « إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عزّوجلّ من الطلاق».(4)
ومنها: ما عن طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال:«سمعت أبي يقول: إنّ الله عزّ وجلّ يبغض كلّ مطلاق وذوّاق».(5)
ومنها: وبالإسناد عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «بلغ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) أنّ أبا أيّوب يريد
ص: 22
...
----------
أن يطلّق امرأته، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنّ طلاق أُمّ أيّوب لحوب - أي إثم - ».(1)
ومنها: صحيحة صفوان بن مهران، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): « تزوّجوا وزوِّجوا، ألا فمن حظّ امرء مسلم إنفاق قيمة أيمة، وما من شيء أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من بيت يعمر بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة - يعني الطلاق - » ثمّ قال أبو عبدالله(علیه السلام): «إنّ الله عزّوجلّ إنّما وكّد في الطلاق وكرّر القول فيه من بغضه الفرقة».(2)
ومنها: ما رواه الفضل الطبرسي في مكارم الإخلاق، قال: قال(علیه السلام): « تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش». قال: وقال(علیه السلام): «تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الله لا يحبّ الذوّاقين والذوّاقات».(3)
الطائفة الثانية:
فمنها: ما رواه أحمد بن أبي عبدالله البرقي في المحاسن، عن ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: « أتى رجل أميرالمؤمنين(علیه السلام) فقال له: جئتك مستشيراً، إنّ الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر خطبوا إليّ، فقال أميرالمؤمنين(علیه السلام): المستشار مؤتمن، أمّا الحسن، فإنّه مطلاق للنساء، ولكن زوّجها الحسين فإنّه خير لابنتك».(4)
ص: 23
...
----------
ومنها: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن جعفر بن بشير، عن يحيي بن أبي العلاء، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إنّ الحسن بن عليّ(علیه السلام) طلّق خمسين امرأة، فقام عليّ (علیه السلام) بالكوفة، فقال: يا معشر أهل الكوفة! لا تنكحوا الحسن فإنّه رجل مطلاق، فقام إليه رجل فقال: بلى والله لننكحنّه فإنّه ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وابن فاطمة، فإن أعجبه أمسك وإن كره طلّق».(1)
ومنها: ما عن الكليني أيضاً، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن زياد بن عيسى، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إنّ عليّاً(علیه السلام) قال وهو على المنبر: لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق، فقام رجل من همدان، فقال: بلى والله لنزوّجنّه وهو ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وابن أميرالمؤمنين(علیه السلام)، فإن شاء أمسك وإن شاء طلّق».(2)
واحتمل العلّامة المجلسي كون ذلك للاختبار، قال:
ولعلّ غرضه(علیه السلام) كان استعلام حالهم ومراتب إيمانهم لاالإنكار على ولده المعصوم، المؤيّد من الحيّ القيّوم.(3)
وهو ليس بتمام؛ لأنّ-ه إن كان اخت-باراً بأمر واق-عي فهذا نف-س الإشكال، وإن
ص: 24
...
----------
كان بأمر غير واقعي فهو كما ترى، فإنّه (علیه السلام) كيف يتّهم ابنه (علیه السلام) بما لم يرتكبه.
هذا، وقال صاحب الحدائق:
وربما حمل بعضهم هذه الأخبار على ما تقدّم في سابقها من سوء خلق في أولئك النساء، أو نحوه ممّا يوجب أولويّ-ة الطلاق، ولا يخفى بعده؛ لأنّه لو كان كذلك لكان عذراً شرعيّاً، فكيف ينهى أميرالمؤمنين(علیه السلام) عن تزويجه والحال كذلك. وبالجملة، فالمقام محلّ إشكال، ولا يح-ضرني الآن الجواب عنه، وحبس القلم عن ذلك أولى بالأدب.(1)
أقول: والتحقيق في حلّ الإشكال ودفعه وجهان:
أحدهما: أنّ الطائفة الثانية هي مخالفة للأُصول والقواعد الشرعيّ-ة القطعيّ-ة، وللكتاب والسنّ-ة القطعيّ-ة، فإنّ الإمام(علیه السلام) هو للناس، وهو الحاكم بالقسط والعدل، وهو لا يرتكب الظلم ولا يفعل المبغوض أبداً، فإنّ عهد الله تعالى لا ينال الظالمين. هذا، مع وهنها بأنّه كيف لا يردع الإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) ابنه عن هذا الفعل القبيح، وكيف يرتكبه الحسن(علیه السلام) مع أنّه حليم وحكي في حلمه ما يعجب الإنسان. هذا، ثانياً: وممّا يوهنها أيضاً عدم نقل تلك الأخبار في الكتب الأربعة إلّا في الكافي الشريف،(2) فلم يروها الشيخ في كتابيه التهذيبوالاستبصار ولا الصدوق في فقيه-ه. هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر كون خبري عبد الله بن سنان ويحيى بن أبي العلاء، هما نقل قضيّ-ة واحدة، فتأمّل.
ثانيهما: الضعف في أسنادها، أمّا رواية عبد الله بن سنان الأُولى، فسند البرقي إلى
ص: 25
...
----------
ابن محبوب ليس بمعلوم، ويحيى بن أبي العلاء في الثانية مجهولٌ ومهملٌ،(1) وأمّا الثالثة، وهي رواية عبد الله بن سنان الثانية التي عبّر عنها في الحدائق(2) ومرآة العقول(3) بالموثّقة، ففيه: أنّ محمّد بن زياد بن عيسى حاله غير مذكور في كتب الرجال.
ص: 26
(مسألة1) : يشترط في الزوج المطلِّق البلوغ(1)- على الأحوط - والعقل، فلا يصحّ - على الأحوط - طلاق الصبيّ، لا بالمباشرة ولا بالتوكيل، وإن كان مميّزاً وله عش-ر سنين، ولو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط.
----------
(1) الشروط المعتبرة في المطلِّق أربعة:
أحدها: البلوغ. واشتراطه في الجملة إجماعي بين المسلمين ولا إشكال ولا كلام فيه، والدليل عليه - مضافاً إلى ما يأتي من الروايات وأنّه مجمعٌ عليه بين علماء الإسلام - أنّ العقلاء لا يعتنون بما يأتي به غير المميّز ولا يعتبرونه طلاقاً، كما أنّ صحّة طلاق المميزّ البالغ صحيح بإجماعهم أيضاً.
وإنّما الخلاف في المميّز غير البالغ؛ سواء بلغ عشراً أم لا. والأقوال فيه ثلاثة:الصحّة إن كان له عشر سنين، وهو المحكيّ عن الشيخ في النهاية(1) وابني حمزة
ص: 27
...
----------
والبرّاج،(1) بل عن جماعة من القدماء.(2)
وصحّته مطلقاً، وهو المحكيّ عن ابن جنيد،(3) وهو الظاهر من رسالة ابن بابويه،(4) والصدوق في الفقيه.(5)
وعدم صحّته وإن بلغ عشراً، وهو المشهور بين المتأخرّين،(6) وتبعهم الجواهر وجعله أقوى، فإنّه بعد نفي البُعد عن حمل مرسلة أبي عمير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «يجوز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشر سنين»(7) على إرادة إمكان صحّة طلاق الصبيّ إذا بلغ عشراً عاقلاً ولو لبعض الأمزجة في بعض البلدان التي ينبت فيها الشعر أو يحصل فيها الاحتلام، قال:
فلا ريب حينئذٍ في أنّ ذلك هو الأقوى وإن وسوس فيه بعضمتأخّري المتأخّرين(8).(9)
ولا يخفى أنّ مقتضى الأصل العملي، وإن كان هو الفساد، لكنّ اللفظي منه
ص: 28
...
----------
فمقتضاه - كما مرّ(1) - هو الصحّة.
واستدلّ عليها بأنّها مقتضى الجمع بين الأخبار، فإنّه على طوائف ثلاثة: عدم صحّة طلاق الصبيّ مطلقاً، وصحّته كذلك، والتفصيل بين ما قبل العش-رة وما بعده.
هذه الطائفة أربعة:
أحدها: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ليس طلاق الصبيّ بشيء».(2)
ثانيها: موثّق السكوني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «كلّ طلاق جائز إلّا طلاق المعتوه أو الصبيّ أو مبرسم أو مجنون أو مكرَه».(3)
ثالثها: خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يجوز طلاق الصبيّ، ولا السكران».(4)
ورابعها: خبر حسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عنعليّ(علیه السلام)، قال: «لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم».(5)
ص: 29
...
----------
الطائفة الثانية ثلاثة: موثّق ابن بكير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل، ووصيّته وصدقته وإن لم يحتلم»، على ما هو المرويّ في الكافي(1) والتهذيب،(2) وما ذكره في الوسائل من النسخة الثانية مع حذف الواو المذكورة قبل «وإن لم يحتلم» فهو سهوٌ منه وليس بصحيح، وإلّا لا تصحّ العبارة كما هو واضح، فراجع إن شئت.(3)
وموثّق سماعة في موثّقته المضمرة، قال: سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم، وصدقته؟ فقال(علیه السلام): «إذا طلّق للسنّ-ة، ووضع الصدقة في موضعها وحقّها فلابأس وهو جائز».(4)
وموثّق جميل بن درّاج في موثّقته، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل، وصدقته ووصّيته وإن لم يحتلم».(5)
الطائفة الثالث-ة واحدة: وهي مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض رجال-ه، عن أبي
ص: 30
...
----------
عبدالله(علیه السلام)، قال: «يجوز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشر سنين».(1)
وما في المسالك(2) والوسائل(3) تبعاً للشيخ في التهذيب(4) من نقل متن المرسلة عن ابن بكير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أيضاً وهمٌ، كما ذكره صاحب الحدائق،(5) وقد نبّه على ذلك قبله السيّد السند (قدس سرُّه)، فإنّه قال - بعد نقل المرسلة، كما نقلناها - :
وقد جعل الشيخ في التهذيب هذه الرواية رواية ابن بكير، وهو غير جيّد، فإنّ رواية ابن بكير رواها الكليني متقدّمة على هذه الرواية بغير فصل، وكأنّ نظر الشيخ; سبق من سند رواية ابن بكير إلى متن رواية ابن أبي عمير، وقد وقع نحو ذلك في عدّة مواضع من التهذيب، فينبغي التنبيه له.(6)
ولا يخفى عليك أنّ الجمع بالتفصيل المحكيّ عن النهاية(7) وغيرها من كلام القدماء(8) هو مورد للنصّ، وهو مرسل ابن أبي عمير الذي بحكمالصحيح عند الأصحاب، لا سيّما الإرسال عن بعض رجاله، كما في موردنا، ولا سيّما مع عمل الشيخ في النهاية (9) وجماعة من القدماء(10) به، بل لعلّ مراسيله أولى بالعمل من
ص: 31
...
----------
المسانيد؛ للإجماع على العمل بها. فتأمّل. فما في المسالك من قوله:
والأصحّ عدم صحّته مطلقاً؛ لضعف المستند، ومخالفته للأُصول الشرعيّ-ة وأكثر الأُمّ-ة.(1)
بعد نقله موثّقة ابن فضّال عن ابن بكير وتضعيفها بالرجلين، فإنّهما فطحيّان على حدّ تعبيره، ونقله مرسلة أبي عمير بقوله:
وقد روى في معناها ابن أبي عمير في الحسن مرسلاً.
هو كما ترى؛ فإنّه مبنيّ على مبناه من اعتبار العدالة الثابتة بالعدلين في حجيّ-ة الرواية، فإنّ الحجّة عنده هو الصحيح الأعلائي، وإلّا فالموثّقة مثل تلك المرسلة حجّة، كما أنّ غير واحد من أجلَّة المحدّثين هم من الفطحيّ-ة وأخبارهم حجّة معمولٌ بها عند الأصحاب.
كما أنّ ما في الجواهر(2) من الاستدلال للثالث - المشهور بين المتأخّرين - وجعله أقوى - بقوّة إطلاق الطائفة الأُولى - المتأيّد بنصوص رفع القلم(3) الشامل للوضعي والتكليفي وبالأُصول، وبعدم الفرق بين الطلاق وغيره من العقود التي عرفت سلب عبارة الصبيّ فيها، وبالشهرة العظيمة، وبخبرحسين بن علوان، وهو الرابع من الطائفة الأُولى،(4) ففيه منع القوّة من جهة الإشعار الموجود في الإقران بينه وبين
ص: 32
...
----------
السكران والمعتوه والمجنون، بأنّ الصبيّ مثلهم في عدم التمييز أو عدم الإدراك الصحيح، بل لعلّ التعبير في خبر أبي الصباح(1) بأنّ طلاق الصبيّ ليس بش-يء، فيه أيضاً إشعار بأنّ المراد هو صبيّ لا يعتنى بأقواله وأفعاله، فإنّ نفي الشيئيّ-ة ليس عن تعبّد وادّعاء، بل هو بيان للواقع، بل لك أن تقول: بالظهور فيه؛ لأنّ الحمل على الادّعاء خلاف الظاهر.
وأمّا التأييد بالأُمور الأربعة المذكورة في كلامه، ففيه ما لا يخفى، ضرورة أنّ شمول حديث الرفع للطلاق الذي ليست صحّته ثقلاً على الصبيّ محلّ إشكال، بل منع؛ فإنّ الحديث في مقام الامتنان وليس الصبيّ المميّز بمسلوب العبارة، ولذلك يصحّ له الوكالة في إجراء الصيغ، بل المعاملة بإذن الوليّ، والشهرة من المتأخّرين.
نعم، التأيّد بخبر حسين بن علوان له وجهٌ، فإنّه قد قيل: إنّه نصّ في عدم الصحّة.(2)
وأضعف من التقوية والتأييد ما في آخر كلامه(قدس سرُّه) من نسبة الوسوسة إلى بعض متأخّري المتأخّرين بتوهّم حمل المطلق على المقيّ-د من أنّه فرع المكافأة، مع أنّه غير تمام في خبر حسين بن علوان؛ وذلك لعدم الإشكال في المكافأة، حيث إنّ المرسلة كالمسندة.
وقد صرّح(قدس سرُّه) قبيل ذلك بأسطر بقوله:
ص: 33
...
----------
لكن في مرسل ابن أبي عمير الذي هو بحكم الصحيح عند الأصحاب.(1)
وإن كان المراد منه ما ذكره من الق-وّة، فقد عرفت فيه،(2) بل لقائل أن يقول: إنّ الترجيح للمرسلة؛ وذلك لعمل الشيخ(3) وجماعة من القدماء(4) بها، بل في مرآة العقول: إنّه قد عمل بها الشيخان(5) وجماعة من القدماء.
وقد ظهر ممّا ذكرنا كلّه: أنّ الأولى، بل المتعيّن لمثل صاحب الجواهر الفقيه الماهر المتتبّع، القول بأنّ الأوّل أقوى، وأنّ الترجيح سنداً - كالدلالة - للمرسلة.
فالحقّ ما ذهب إليه القدماء من الأصحاب من نفوذ طلاق الصبيّ إذا كان مميّزاً بالغاً عشر سنين.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا وجه المحكيّ عن ابن الجنيد(6) وغيره؛(7) منصحّة طلاق المميّز مطلقاً، وهو الأخذ بإطلاق الموثّقات الثلاث،(8) كما أنّه قد ظهر ما فيه من كونها مقيّدة بالمرسلة.
ص: 34
ولا طلاق المجنون مطبقاً أو أدواراً حال جنونه. ويلحق به السكران ونحوه ممّن زال عقله.(1)
----------
ولا يخفى عليك أنّ صحّة طلاق المميّز البالغ عشراً - الذي هو الأقوى - يكون مشروطاً بالرشد في الطلاق، كما هو المطابق للقواعد، وعليه النصوص كما عرفت.(1)
(1) ثانیها: من شرائط صحّة الطلاق - وهو الثاني من الش-روط الأربعة - العقل إجماعاً، فلا يصحّ طلاق المجنون مطلقاً، كما في المتن؛ وذلك لعدم القصد الموجب لصدق العناوين المترتّبة عليها الآثار والأحكام، ولموثّقة السكوني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «كلّ طلاق جائز إلّا طلاق المعتوه أو الصبيّ أو مبرسم أو مجنون أو مكره»،(2) ولفحوى الأخبار المستفيضة في المعتوه والموله،(3) ولحديث رفع القلم(4) فيما كانالطلاق ثقلاً عليه، فتأمّل.
والعمدة من هذه الوجوه الأربعة هو الأوّل، وإلّا ف-الحكم بعدم الصحّة في
ص: 35
(مسألة 2): لا يصحّ طلاق وليّ الصبيّ عنه كأبيه وجدّه، فضلاً عن الوصيّ والحاكم.(1)
----------
الثاني والثالث ليس من باب التعبّد، بل هو من جهة عدم تحقّق العنوان، ولعلّ عدم ورود النصّ في المسألة هو لوضوح الحكم عند العقلاء وعدم احتمال صحّة طلاق المجنون من أحد. نعم، عن بعض العامّ-ة(1) الحكم بصحّة طلاقه إذا كان متذكّراً بعده، لكنّه مع قطع النظر من حصول الاطمئنان بذلك فإنّه مشكلٌ، بل ممنوعٌ عادةً، بل هو ممّا لا يعتنى به عند العقلاء على فرض حصوله، فهو راجع إلى حصول القصد منه، كما هو واضح.
(1) إجماعاً، ويدلّ عليه روايات:
منها: ما عن الفضل بن عبدالملك، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير؟ قال: «لا بأس». قلت: يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا ... ».(2)
ومنها: ما في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام) في الصبيّ يتزوّج الصبيّ-ة يتوارثان؟ فقال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهمافنعم»، قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا».(3)
ونحوهما ما عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام).(4)
ص: 36
...
----------
واستدلّ له أيضاً بقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الطلاق لمن أخذ بالساق».(1) وكذا بأنّ الأب لا يلتذّ من طلاق الولد والصباوة تنتهي.(2)
ولا يخفى ما في الثاني، بل الأوّل؛ لأنّ عموم ولايته لا يرفع بالاعتبار المذكور، مضافاً إلى ضعف السند في النبويّ حتّى عند ناقليها من العامّ-ة. وعمدة الإشكال في النبويّ، احتوائها على المخالف للمذهب وهو جواز طلاق المولى، مع أنّ الأخبار دالّة على عكسه وأنّ للمولى اختيار طلاق العبد والأمة المملوكين له دون غيره، فالمورد المذكور خلاف مذهبنا، وذكر خصوص القاعدة العامّ-ة في رواية أُخرى لا يجدي؛ لأنّ الظاهر أنّ كليهما رواية واحدة، فإنّ الراوي في كليهما هو ابن عبّاس، فيحتمل التقطيع من جانبه.
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الحصر في الرواية ليس مطلقاً حتّى يدلّ على عدم صحّة طلاق الوليّ، بل الحصر بالنسبة إلى الزوجة وأن ليس بيدها الطلاق، كما يظهر من الأخب-ار الواردة من طرقن-ا في-ه. ففي مرس-لة ابن بكير، عن بعض أصحابن-ا، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة، وشرطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، فقال: «خالف السنّ-ة، وولّى الحقّ من ليس أهله، وقض-ى أنّ على الرجل الصداق، وأنّ بيده الجماع والطلاق، وتلك السنّ-ة».(3).
ومن ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر، حيث قال في مقام الاستدلال بالنبويّ بعد نقله:
ص: 37
نعم، لو بلغ فاسد العقل، أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ، طلّق عنه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح، فإن لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم، وإن كان أحدهما معه، فالأحوط أن يكون الطلاق منه مع الحاكم، وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه بلا ضمّ الحاكم إليه.(1)
----------
الدالّ بمقتضى الحصر على اختصاص الطلاق بمالك البضع على وجهٍ ينافي الطلاق بالولاية، دون الوكالة التى هي في الحقيقة طلاق من المالك عرفاً، بل لو سلّم تناوله لمنع الوكالة أيضاً كفى - في خروجها عن ذلك - النصّ والإجماع، فيبقى الطلاق بالولاية على المنع الذي لا ينافيه عموماتها.(1)
فما ذكره مبنيّ على الحصر المطلق دون النسبيّ الظاهر من النبويّ كما بيّنّاه. والأمر سهلٌ بعد وجود الروايات الخاصّة. والعجب من مثل صاحب الجواهر(قدس سرُّه) كيف لم يستشهد بهذه الأخبار.
(1) وفي المسألة ثلاثة أُمور:
أحدها: طلاق الوليّ عن البالغ الفاسد العقل.
ثانيها: طلاقه عمّن طرأه الجنون بعد البلوغ.
ثالثها: رجوعه إلى الأب والجدّ ولايةً، ومع فقدهما فهو إلى الحاكم.
ثمّ إنّ المراد من بلوغ فاسد العقل هل هو استمرار الجنون أو استمرارالسفاهة؟
ص: 38
...
----------
فعلى الأوّل يكون الثاني مسكوتاً عنه، وعلى الثاني فالعكس، فإنّ الصور ثلاثة؛ استمرار الجنون وطروّه واستمرار السفاهة، والظاهر من مثل المتن والش-رائع هو الثالث، وإلّا كان الأنسب في التعبير، المقابلة بين الجنون المستمرّ والطارئ، وكان هو أجود.
فعليه، حكم الجنون المستمرّ محتاج إلى البيان والتعرّض. وعليه، فالظاهر منهما ولاية الأب والجدّ لمن كانت سفاهته - أي عدم عرفانه حدود الطلاق - مستمرّة إلى البلوغ، والأخبار دالّة عليه وهي الحجّة.
منها: صحيحة أبي خالد القمّاط المنقولة عنه بأسانيدها المتعدّدة، الصحيحة والموثّقة، قال: قلت لأبي أبي عبدالله(علیه السلام): رجل يعرف رأيه مرّة وينكره أُخرى، يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال: «ما له هو لا يطلّق؟» قلت: لا يعرف حدّ الطلاق، ولا يؤمن عليه إن طلّق اليوم، أن يقول غداً: لم أطلّق، قال: «ما أراه إلّا بمنزلة الإمام؛ يعني الوليّ».(1)
ومثلها صحيحته الأُخرى، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: الرجل الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال: «ولم لا يطلّق هو؟» قلت: لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً: لم أطلّق، أو لا يحسن أن يطلّق، قال: «ما أرى وليّه إلّا بمنزلة السلطان».(2)
ص: 39
...
----------
ومنها: خبر شهاب بن عبد ربّه، قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلّق، يطلّق عنه وليّه على السنّ-ة» قلت: فطلّقها ثلاثاً في مقعد، قال: «تردّ إلى السنّ-ة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء، فقد بانت منه بواحدة».(1)
ومنها: رواية أبي خالد، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في طلاق المعتوه، قال: «يطلّق عنه وليّه، فإنّي أراه بمنزلة الإمام عليه».(2)
ولا يخفى أنّ اتحّاد روايات أبي خالد وكونها رواية واحدة لا يخلو عن وجه، بل ق-وّة؛ وذلك لوحدة المرويّ عنه وقرب المضامين، بل المثليّ-ة إن لم تكن عينيّ-ة، ومن المستبعد سؤاله عن مسألة واحدة ثلاث مرّات، والاختلاف في المتن قلّة وكثرة، فلعلّه من التقطيع، فروايات الباب وإن كانت اثنتان، إلّا أنّ النقل من أبي خالد مستفيض ورواه المشايخ الثلاثة عنه في الكتب الأربعة.(3) وهما يجعلانه في القوّة كالمستفيضة المشهورة.
ثمّ إنّ ظهور هذه الأخبار - بل نصوصيّتها - في السفيه والمعتوه دون المجنون غي-ر قابل للإنكار. كيف، وإلّا لم يكن لسؤال الإمام(علیه السلام) وجهٌ، ضرورة أنّ المجنون
ص: 40
...
----------
ليس له الطلاق بالإجماع، بل هو من بديهيّات الإسلام والعقل، وذلك بخلاف السفيه وناقص العقل كما لا يخفى. هذا، مع أنّه من مقابلة المعتوه والمجنون في بعض الأخبار، ففي موثّقة السكوني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «كلّ طلاق جائز، إلّا طلاق المعتوه أو الصبيّ أو مبرسم أو مجنون أو مكره».(1)
هذا، مع تفسير المعتوه في صحيحة الحلبي وخبر أبي بصير(2) بالأحمق الذاهب العقل وهو غير الجنون؛ ففيها بعد سؤال الإمام(علیه السلام) عن المراد من المعتوه، قال الراوي: الأحمق الذاهب العقل. بل هو كذلك لغة.
ففي الجواهر:
قلت: قد يقال: إنّ المراد بالمعتوه ناقص العقل من دون جنون. قال في محكيّ المصباح المنير: «عته عتهاً من باب تعب، وعتاهاً بالفتح: نقص عقله من غير جنون أو دهش».(3) وعن التهذيب: «المعتوه: المدهوش من غير مسّ أو جنون».(4) وعنالقاموس: «عته فهو معتوه: نقص عقله أو فُقد أو دهش».(5) إلى غير ذلك من كلماتهم التي تق-ضي ب-الفرق بين العته
ص: 41
...
----------
والجنون.(1)
هذا، وفي الجواهر بعد نفي البعد عن كون المراد منه من لا عقل كامل له، ومثله يصحّ مباشرته للطلاق، لكن بإذن الوليّ؛ لأنّ-ه من السفيه فيه كالسفيه في المال، قال:
وعلى هذا لا يكون إشكال في النصوص المزبورة، بل ربما يكون ذلك جمعاً بين ما دلّ على أنّه: «لا طلاق له»، كما في جملة من النصوص،(2) وبين ما دلّ على جواز طلاقه من النصوص السابقة وغيرها، كخبر أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، أنّه سئل عن المعتوه، أ يجوز طلاقه؟ فقال: «ما هو؟» فقلت: الأحمق الذاهب العقل، فقال: «نعم»،(3) بإرادة الصحّة من ذلك مع الإذن من الوليّ؛ لعدم سلب عبارته باعتبار عدم جنونه، وإنّما أقصاه النقص الموجب للسفه في ذلك، وعدمها من تلك النصوص مع عدم الإذن، فيثبت حينئذٍ سفه في الطلاق، ولا عيب في ذلك، غير أنّي لم أجده مصرّحاً به في كلام الأصحاب.
نعم، ربما كان ظاهر بعض متأخّري المتأخّرين،(4) بل قد يقال: بإرادته من مثل المتن؛ للتعبير عنه بفاسد العقل، وهو غير الجنون الذي ذكره بعد ذلك في الشرط الثاني. واحتمال أنّه ذك-ره هنا باعتبار اتّصال فساد عقله
ص: 42
...
----------
بحال الصبا، يدفعه؛ أنّ البحث حينئذٍ من هذه الجهة في كون الولاية حينئذٍ للأب والجدّ - مثلاً - أو للحاكم، لا في طلاق الوليّ عنه وعدمه الذي ذكره المصنّف. وعلى كلّ حال، لا إشكال في دلالة النصوص المزبورة على صحّة طلاق الوليّ عنه.(1)
ولقد أجاد فيما أفاد من صحّة طلاق السفيه بإذن الوليّ؛ لعدم كونه مسلوب العبارة، مستنداً إلى الجمع، وسؤال الإمام(علیه السلام) في صحيحة أبي خالد بقوله(علیه السلام): «ولم لا يطلّق هو؟»،(2) مع ما فيها من الدلالة على الصحّة، فيه شهادة على اختصاص الصحّة بالإذن، ضرورة أنّ مورد السؤال هو طلاق الوليّ عنه، فطلاقه على فرض وقوعه يكون بإذنه.
ثمّ إنّ ما استشكله المسالك(3) في الاستدلال بهذه الأخبار للجنون المستمرّ إلى البلوغ، وإن كان بعضها مختصّاً به إلّا أنّ غير واحد منها يعمّ ما قصدناه وبيّناه، لكنّ الذي يسهّل الأمر ما سيأتي(4) في محلّه من الجواب عنها وعدم التماميّ-ة، فانتظر.
هذا هو الأمر الأوّل في المسألة.
أمّا الثاني، وهو من طرأ عليه الجنون بعد البلوغ، فالمشهور بين الأصحاب - بل
ص: 43
...
----------
عن الفخر: الإجماع عليه(1) - هو صحّة طلاق الوليّ عنه، والبطلان هو المحكيّ عن ابن إدريس(2) وقبله الشيخ في خلع الخلاف؛ محتجّاً بإجماع الفرقة وغيره،(3) والشهيد قد استشكل أوّلاً على قول المشهور، لكن اختاره بعد ذلك،(4) والعلّامة قد أجاب عن ابن إدريس وشدّ عليه.(5) هذا.
ويستدلّ للمشهور بأُمور:
أحدها: قاعدة نفي الضرر؛ فإنّ مع عدم نفوذ طلاق الوليّ يلزم الض-رر على تقدير استغنائه عن الزوجة وكون مصلحته في مفارقتها، مع أنّ العذر غير متوقّع الزوال، وهو بخلاف الصبيّ؛ لأنّ نكاحه منوطبالمصلحة وعذره متوقّع الزوال.
ثانيها: إطلاق أدلّة الولاية على المجنون، أو عمومها.
ص: 44
...
----------
ثالثها: الإجماع المنقول عن الفخر(قدس سرُّه)،(1) المعتضد بالشهرة المحقّقة.
رابعها: - وهو العمدة - فحوى الروايات السابقة(2) في المعتوه وفحواها على المختار فيها، وإلّا ففي غيره ما لا يخفى.
وأمّا القاعدة، فهي أخصّ من المدّعى؛ لأنّها تدور مدار الض-رر لا المصلحة، وعموم الأدلّة وإطلاقها غير قابل للمعارضة مع أدلّة المانعين الأخصّ منها، والإجماع مع أنّه معارض بإجماع الشيخ في الخلاف،(3) فهو في مسألة اجتهاديّ-ة. فالعمدة في المسألة هي الروايات.
وفي المسالك المناقشة فيها بأنّ تنزيل الوليّ منزلة الإمام أو السلطان لا يدلّ على جواز طلاقه. ولعلّ نظره الشريف إلى عدم ثبوت عموم الولاية للمنزّل عليه وهو الإمام والسلطان؛ حيث إنّ ولايتهما بعد ولاية الأب والجدّ، لا في عرضهما؛ بأن يكون للإمام الولاية مع وجودهما، فإنّه وليّ من لا وليّ له. ويحتمل أن يكون نظره إلى إجمال التنزيل وبأنّ متن الحديثين(4) لا يخلو من قصور؛ لأنّ السائل وَصَف الزوج بكونه ذاهبالعقل، ثمّ يقول له الإمام(علیه السلام): «ما له هو لا يطلّق؟» مع الإجماع على أنّ المجنون ليس ل-ه مباشرة الطلاق ولا أهليّ-ة التصّرف، ثمّ يعلّل
ص: 45
...
----------
السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده، ثمّ يجيبه(علیه السلام) بكون الوليّ بمنزلة السلطان، وبأنّ هذه الأخبار ليس فيها تقييد باشتراط طلاقه بالمصلحة والغبطة للمجنون.(1)
وفي الحدائق بعد نقله مناقشات المسالك وما احتجّ به الشيخ في الخلاف، ذكر ما هذا لفظه:
أقول: أمّا ما طعن به من عدم دلالة جعل الوليّ بمنزلة السلطان على جواز طلاقه عنه فقد عرفت إفصاح الرواية الثالثة(2) به، وبها كشف نقاب الإبهام عن الروايتين المذكورتين، كما أشرنا إليه آنفاً، وآكد من ذلك الرواية الرابعة(3) ولكنّ العذر له واضح؛ حيث لم يطّلع عليهما، وإلّا لأوردهما، وأمّا الطعن في المتن بما ذكره فقد تقدّم الجواب عنه.(4)
ثمّ إنّه بعد ما بيّن قوّة قول المشهور وقصور القول الآخر، وأنّ شيخناالمذكور قد رجع في آخر كلامه إلى القول المشهور، وإنّما كلامه هنا نوع مناقشة أوردها في البين، مع أنّك قد عرفت أنّه لا أثر لها ولا عين، قال:
ص: 46
...
----------
نعم، ما ذكره من أنّه ليس في هذه الأخبار تقييد باشتراط الطلاق بالمصلحة متّجهٌ إلّا أنّه يمكن الرجوع في ذلك إلى الأدلّة العامّة الدالّة على أنّ تصرّف الوليّ منوط بالمصلحة إن ثبت ذلك.(1)
وإنّما نقلنا كلامه بتمامه لما فيه من الجواب عن جميع المناقشات الثلاث للمسالك، ولكن جوابه عن الطعن في المتن غير تمام؛ لما مرّ(2) من ظهور الأخبار في السفيه، ومعه يكون السؤال والجواب تماماً، فإنّ السفيه لمّا لا يكون مسلوب العبارة فهو(علیه السلام) سأل منه: لِمَ لا يطّلق بأذنه؟ فأجاب بالمحاذير المذكورة، إلّا أنّه حمل المعتوه فيما فيه السؤال والجواب على المجنون الأدواري، فالإمام(علیه السلام) سأله: لِمَ لا يطّلق في وقت إفاقته؟ فأجاب السائل بأنّه حال الأفاقة ليس كامل العقل، على نحو ما ذكره في الخبرين، وقد عرفت ظهورهما كغيرهما في السفيه، مع ما في جواب السائل على ما ذكره ما لا يخفى. نعم، ما ذكرناه - أيضاً - هو دفع للإشكال لا رفعه.
واستدّل الشيخ في خلع الخلاف لعدم الصحّة، بالإجماع، وبأصالة بقاءالعقد وصحّته واستصحاب الزوجيّ-ة، وبالنبويّ السابق بأنّ الطلاق لمن أخذ بالساق وهو مالك البضع.(3)
ص: 47
...
----------
وزاد ابن إدريس الاحتجاج بقوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ (1) بأنّ الطلاق قد أُضيف إلى الزوج، فمن جعله لغيره فيحتاج إلى دليل، وبأنّ من شرط الطلاق مقارنة نيّ-ة المطلِّق الذي هو الزوج له وهذا غير موجود في غيره.(2)
هذا، وفي الكلّ ما ترى، أمّا الإجماع، فيعارضه الإجماع عن الفخر(علیه السلام)،(3) مضافاً إلى أنّه مخالف للشهرة، وقد ذهب الشيخ نفسه في النهاية(4) إلى خلافه وأفتى بصحّته، ولا محلّ للاستصحاب مع وجود الأخبار. وأمّا النبويّ،(5) فقد مرّ(6) ما فيه، وأمّا ما في الكتاب من إضافة الطلاق إلى الزوج، فإنّه في مقام جعل الحكم على الموضوع والجعل كذلك لا مفهوم له قطعاً، فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه وإلّا لكان مفاد قوله: «صلاة المغرب واجبة» - مثلاً - ، أنّ صلاة الصبح غير واجبة، وإنّما المفهوم على تقدير الثبوت للقيود، والعجب من ابن إدريس كيف استدلّ كذلك مع ضعفه، وأضعف من ذلك استدلاله باشتراط النيّ-ة؛وذلك لعدم الدليل عليه أصلاً، كيف! وإلّا لم يصحّ طلاق الوكيل وإنّما المعتبر رضا الزوج أو
ص: 48
...
----------
وصيّه فقط وهو حاصل على الفرض. فالحقّ هو ما ذهب إليه المشهور من صحّة طلاق وليّ المجنون عنه.
لا فرق في الجنون بين أن يكون متصدّراً بالصغر أو عرض بعد البلوغ؛ قضاءً للإطلاق وترك الاستفصال وإطلاق الفتاوى.
وتوهّم أنّ مقتضى التنزيل صحّة الطلاق بعد البلوغ فقط لا قبله؛ لأنّ السلطنة قبله إنّما هي للأب والجّد لا للحاكم، مدفوعٌ بأنّ الروايات في مقام بيان أصل التنزيل لا مورد السلطنة.
إن لم يكن في طلاق المجنون مصلحة له لكن في عدمه عس-ر وحرج على الزوجة، بحيث لا تقدر أن تعيش معه، يجوز أن تطلّق نفسها؛ وذلك لأنّ الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، والنبويّ قد مرّ(1) ما فيه سنداً ودلالةً، ولو سلّم فقاعدة اليسر تخصّصه.
ولا يخفى أنّ اللازم من هذا القول هو أنّ القاعدة ليست منحصرة فيتخصيص العامّ أو التقييد، بل تعمّ مجرى الاستصحاب والأصل، ف-إنّ القاعدة نافية لحكم
ص: 49
...
----------
حرجي ولو كان مورداً للاستصحاب، بل في الحقيقة مقدّمة عليه تقّدم الأمارة على الأصل، بل واحتماله مساوق لعدمه؛ لأنّه لو كان فلابدّ من الوصول إلينا، لأنّ المفروض أنّ الحكم المحتمل المذكور مخالفٌ لقاعدة اليس-ر ونفى الحرج.
وعلى كلّ حالٍ، فإن أخذنا بالنبويّ، كما ادّعى في الرياض(1) باستفاضة الأخبار عليه، لكن إطلاقه مقيّد بنفي الحرج وقاعدة اليس-ر. وهكذا القول في روايات أُخرى توافق النبويّ:
منها: مرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في امرأة نكحها رجل، فأصدقته المرأة وشرطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، فقال: «خالف السنّ-ة وولّى الحقّ من ليس أهله»، وقض-ى: «أنّ على الرجل الصداق، وأنّ بيده الجماع والطلاق، وتلك السنّ-ة».(2)
ومنها: ما عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام): أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، قال: «خالفت السنّ-ة، وولّيت حقّاً ليست بأهله»، فقضى: «أنّ عليه الصداق، وبيده الجماع والطلاق، وذلك السنّ-ة».(3).
إلى غيرهما من الروايات.
ولزوم رجوعها إلى الحاكم في مفروض المسألة الذي لا يرى الوليّ المصلحة في الطلاق، لا وجه له، فإنّه كإخبار الأجنبيّ بذلك؛ لع-دم الولاية على الزوجة ال-تي
ص: 50
...
----------
لها الطلاق بحكم الحرج، كما لا يخفى.
إن كان الزوج سفيهاً وليس له رشدٌ، وليس في طلاقه مصلحة له ولا يرى الوليّ أنّ المصلحة في الطلاق، ولكن في دوام النكاح حرج على الزوجة، فالكلام الكلام. ولا فرق بين كون الحرج ماديّاً أو روحيّاً ودينيّاً، كالاعتياد بالمواد الأفيونيّ-ة والمخدّرة في الزوج، أو سوء العمل فيه على حدٍّ يوجب الحرج عليها. نعم، يقع الكلام في أنّ الطلاق بيد م-ن؟
والحقّ هو جوازه من جانبها كما مرّ.(1) ولا وجه للقول بلزوم طلاق الإمام؛ لأنّ الحاكم له الولاية على الغائب والممتنع، والزوج هنا ليس له الطلاق، فلا وجه لكونه للإمام. نعم، الرجوع إليه يفيد في إثبات الحرج.
ثمّ إن كان المجنون أدواريّاً ويمتنع عن الطلاق في زمان عقله، فهل يجوز لوليّه الطلاق في جنونه إذا رأى فيه المصلحة؟ الجواز ليس ببعيدٍ؛ لأنّه مع وجود المصلحة فيه وامتناعه عنه في زمان عقله ووجود المصلحة فيه في نظر الوليّ، يشمله إطلاق الأخبار ولا وجه للمنع.
هذا مضافاً إلى احتمال ظهور رواية أبي خالد القمّاط(2) فيه، بناءً علىحملها على المجنون الأدواريّ، كما مرّ(3) احتماله.
ص: 51
(مسأله 3): يشترط في الزوج المطلِّق: القصد والاختيار؛(1)بمعنى عدم الإكراه والإجبار، فلا يصحّ طلاق غير القاصد، كالنائم والساهي والغالط والهازل الذي لا يريد وقوع الطلاق جدّاً، بل يتكلّم بلفظه هزلاً، وكذا لا يصحّ طلاق المكرَه الذي قد أُلزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه.
----------
(1) ثالثها ورابعها: أمّا القصد فواضح، فمع عدمه يقع باطلاً إجماعاً(1) وبلا شبهة، وأمّا شرطيّ-ة الاختيار فيقع الكلام فيها في مقامين: أحدهما: حكم الإكراه وثانيهما: موضوعه.
أمّا الأوّل، فالإكراه رافع لأثر كلّ التصرّفات قولاً أو فعلاً، اعتقاداً أو تكليفاً، إيقاعاً أو عقداً، إقراراً أو إنشاءً بالإجماع من الإماميّ-ة(2) وأكثر العامّة.(3) نعم، ذهب الحنفيّ-ة(4) إلى نفوذه في بعض الموارد، كالطلاق والعفو وتقليل الدية والظهار والإيلاء.
ويدلّ على ما قلناه الكتاب والسنّ-ة:
ص: 52
...
----------
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنٌّ بِالإِيمَانِ﴾(1) بضميمة صحيحة عمرو بن مروان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): رفع عن أُمّ-تي أربع خص-ال: خطؤها ونسيانها وما أُكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾،(2) وقوله: ﴿إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنٌّ بِالإِيمَانِ﴾».(3)
أمّا الروايات، فهي على قسمين؛ عامّة وخاصّة. أمّا العامّة:
فمنها: حديث الرفع المتّفق عليه بين العامّة والخاصّة في خصوص الإكراه والنسيان والوسوسة والتفكّر في الخلق، ففي صحيحة حريز بن عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لايعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا عليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلوة ( الخلق - خ. ل) ما لم ينطقوا بشفة».(4) وظاهرها عموم الآثار.
ومنها: صحيحة صفوان، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً، عن أبي الحسن(علیه السلام)
ص: 53
...
----------
في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟ فقال: «لا، قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): وضع عن أُمّتي ما أُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وما اخطأوا».(1) وفيها شهادة على العموم في حديث الرفع أيضاً، كما استظهره الشيخ الأنصاري (قدس سرُّه) وقال:
يظهر من بعض الأخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الأُمّة بخصوص المؤاخذة.
ثمّ ذكر الصحيحة، ثمّ أضاف:
فإنّ الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة وإن كان باطلاً عندنا مع الاختيار أيضاً، إلّا أنّ استشهاد الإمام(علیه السلام) على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الوضع شاهد على عدم اختصاصه بوضع خصوص المؤاخذة، لكنّ النبويّ المحكيّ في كلام الإمام(علیه السلام) مختصّ بثلاثة، من التسعة، فلعلّ نفي جميع الآثار مختصّ بها، فتأمّل.(2)
ومنها: صحيحة عمرو بن مروان، كما مرّت آنفاً.
ومنها: مرفوعة أحمد بن محمّد النهدي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): وضع عن أُمّتي تسع خصال: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّواإليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة، والوسوسة في التفكّر في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد».(3)
ص: 54
...
----------
أمّا الخاصّة الواردة في خصوص الطلاق والعتق:
فمنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن طلاق المكره وعتقه؟ فقال: «ليس طلاقه بطلاق ولاعتقه بعتق»، فقلت: إنّي رجل تاجر، أمرّ بالعشّار ومعي مال، فقال: «غيّبه ما استطعت، وضعه مواضعه»، فقلت: فإن حلّفني بالطلاق والعتاق، فقال: «احلف له». ثمّ أخذ تمرة فحفر بها من زبد كان قدّامه، فقال: «ما أُبالي حلفت لهم بالطلاق، والعتاق، أو أکلتها».(1)
ومنها: ما عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: «لا يجوز طلاق في استكراه، ولا تجوز يمين في قطيعة رحم - إلى أن قال: - وإنّما الطلاق ما أُريد به الطلاق من غير استكراه ولا اضرار ... »،(2) الحديث.
ومنها: خبر عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: «لو أنّ رجلاً مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتّىيتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلّق، ففعل، لم يكن عليه شيء».(3)
ومثل هذه الخاصّة ما هو وارد في خصوص العتق، وبإلغاء الخصوصيّ-ة منه يدلّ على عدم صحّة الطلاق مع الإكراه أيضاً، بل به يستدلّ على عدم الصحّة في مطلق العقود والإيقاعات.
ص: 55
...
----------
ثمّ إنّ الرفع يشمل الأثر الوضعي والتكليفي معاً، لكن استثني من عموم القاعدة الشاملة للتكليف والوضع موردان:
أحدهما: الراجع إلى التكليف بل الوضع وهو القتل؛ لما صحّ عن الصادقين(علیهما السلام) من أنّه: «إنّما جعلت التقيّ-ة ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقيّ-ة».(1)
ثانيهما: إكراه الكافر والمرتدّ، حيث إنّهما يجبران على قبول الإسلام وهو إكراه عن حقّ، كما بيّن في محلّ-ه. ولعلّ وجهه أنّه لمّا ألزما من قبل الله تعالى فيجوز إكراهما عليه.
أضف إلى ذلك ما أشار إليه الفاضل الهندي(2) والشهيد في المسالك(3) من أنّ دخول الكافر في المسلمين وإسلامه يوجب عظمة المسلمين وشوكتهم وينجرّ إلى إيمانه تدريجاً.
وكذا إكراه الحاكم، المحتكر على البيع، أو المنفق على نفقة المنفق عليه، أو المديون على أداء الدين، وغيرها من الموارد. والجامع بين الكلّ هو الإكراه عن حقّ. ولعلّ الوجه في عدم رافعيّ-ة ذلك الإكراه هو أنّ هذاالإكراه من الشارع؛ لأنّ الإكراه الجائ-ز وما يكون عن حقٍّ هو منح-صر فيما هو واجب على المكرَه
ص: 56
...
----------
(بالفتح)، فكأنّ الله تعالى أكرهه، والحاكم أو غيره يقصّ ذلك الإكراه، فتأمّل.
ومنه يظهر أنّ ولاية الحاكم على الإكراه محدودة بالواجبات. نعم، يجوز له الإجبار على المباح إذا كانت فيه مصلحة ملزمة. أضف إليهما مورداً آخر لم يأت في عبارات القوم وإنّما تعرّض له سيّدنا الإمامO، وهو الإكراه إذا انجرّ إلى هدم الإسلام وعظمته وعظمة المسلمين، فإنّ الإكراه هنا لا يرفع الحكم والتكليف.
قال(سلام الله علیه) عند الكلام حول موارد استثنيت من أدلّة التقيّ-ة:
منها بعض المحرّمات والواجبات التي في نظر الشارع والمتشرّعة في غاية الأهميّ-ة، مثل هدم الكعبة والمشاهد المشرّفة بنحو يمحو الأثر ولا يرجى عوده، ومثل الردّ على الإسلام والقرآن والتفسير بما يفسد المذهب ويطابق الإلحاد، وغيرها من عظائم المحرّمات، فإنّ القول بحكومة نفي الحرج أو الض-رر وغيرهما على أدلّتها بمجرّد تحقّق عنوان الحرج والاضطرار والإكراه والضرر والتقيّ-ة بعيدٌ عن مذاق الش--رع غايته، فهل ترى من نفسك إن عرض على مسلم تخريب بيت الله الحرام وقبر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، أو الحبس شهراً أو شهرين، أو أخذ مأة أو مأتين منه يجوز له ذلك؛ تمسّكاً بدليلالحرج والض-رر، والظاهر هو الرجوع في أمثال تلك العظائم إلى تزاحم المقتضيات من غير توجّه إلى حكومة تلك الأدلّة على أدلّتها ويشهد له - مضافاً إلى وضوحه - موثّقّة مسعدة بن صدقه، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث: « ... وتفسير ما يتّقى مثل أن يکون
ص: 57
...
----------
قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّ-ة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز».(1)
هذا، مع أنّ في دليل الضرر كلاماً تعرّضنا له في رسالة «لا ض-رر»، وذكرنا أنّه أجنبيّ عن الحكومة على أدلّة الأحكام - إلى أن قال: - وأولى من ذلك كلّه في عدم جواز التقيّ-ة فيه ما لو كان أصل من أصول الإسلام أو المذهب، أو ضروري من ضروريّات الدين في معرض الزوال والهدم والتغيير، كما لو أراد المنحرفون الطغاة تغيير أحكام الإرث والطلاق والصلاة والحجّ وغيرها من أصول الأحكام، فضلاً عن أُصول الدين أو المذهب، فإنّ التقيّ-ة في مثلها غير جائزة، ضرورة أنّ تش-ريعها لبقاء المذهب وحفظ الأُصول وجمع شتات المسلمين لإقامة الدين وأُصوله، فإذا بلغ الأمر إلى هدمها فلا تجوز التقيّ-ة وهو - مع وضوحه - يظهر من الموثّقة المتقدّمة.(2)
كما أنّه (سلام الله علیه) قال ما هو قريبٌ منه في المكاسب المحرّمة عند ذكر مستثنيات التقيّ-ة:
منها بعض المحرّمات التي في ارتكاز المتش-رّعة من العظائموالمهمّات جدّاً، كمحو كتاب الله الكريم - والعياذ بالله - بجميع نسخه وتأويله بما يخالف الدين أو المذهب، بحيث يوجب ضلالة الناس والردّ على الدين أو المذهب بنحو يوجب الإضلال وهدم الكعبة المعظّمة ومحو آثارها،
ص: 58
...
----------
وكذا قبر النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمّة : كذلك إلى غير ذلك. فإنّ الظاهر أنّ الأدلّة منصرفة عن أمثال ذلك، سيّما بعضها، وإنّما شرّعت التقيّ-ة لبقاء المذهب الحقّ، ولولاها لصارت تلك الأقلّي-ة المحقّة في معرض الزوال والاضمحلال والهضم في الأكثريّ-ة الباطلة، وتجويزها لمحو المذهب والدين خلاف غرض الشارع الأقدس، بل لعلّ بعض حقوق الناس كالأعراض الكثيرة المهمّة في ارتكاز المتش-رّعة كذلك. ففي تلك المقامات لابدّ من ملاحظة أقوى المقتضيين وأهمّ المناطين.
ثمّ استشهد بالموثّقة، ثمّ أضاف:
بل يشكل تحكيم الأدلّة فيما إذا كان المكرَه (بالفتح) من الشخصيّات البارزة الدينيّ-ة في نظر الخلق، بحيث يكون ارتكابه لبعض القبايح موجباً لهتك حرمة المذهب ووهن عقائد أهله.(1)
ثمّ إنّه لا يفيد في صحّة طلاق المكرَه تعقّبه بالرضا؛ وذلك لأنّ الفضولي في الطلاق غير جائز إجماعاً، وبطلانه ليس إلّا لعدم مقارنته بالرضا، أو سبقه على الطلاق، وإلّا فليس فيه أمر آخر مانع عن صحّته. فمنه يُعلم اشتراط المقارنة أو السبق واللحوق غير مفيد، وهذا المناط موجود في المكره أيضاً، والبابان كأنّهما باب واحد، هذا مضافاً إلى جريانأصالة الفساد.
وقد تعرّض الفقهاء هنا لتعريف الإكراه، ولعلّ السرّ فيه أنّه أوّل كتاب من
ص: 59
...
----------
الكتب الثلاثة - أي الطلاق والعتق واليمين - التي ورد في أخباره حكم الإكراه. وكيف كان، لا يخفى وضوحه عند العرف، وما جاء في تعاريفهم - أيضاً - ناظرٌ إلى ما عند العرف، فلنا في الطرد والنقض، الرجوع إلى العرف، وعند الشكّ في صدق مورد فالأصل هو الفساد، وذلك وإن كان مقتض-ى الكتاب الصحّة، إلّا أنّ التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّ-ة ممنوعٌ، كما حقّق في محلّه. ومن المعلوم عدم الفرق في كون الشكّ هو للجهل بالمفهوم العرفي للإكراه أو لجهلهم به. ويكفيك الشاهد على ذلك، الماء؛ فإنّ صدقه على بعض المصاديق المشتبهة بالمضاف مشكوك ومجهول عندهم، مع أنّه من أوضح المفاهيم، وليس ذلك إلّا لما أشرنا إليه.
لا يقال: العرف كيف يكون جاهلاً بعمومه العرفي، وهل هو إلّا نسبة تردّد الحاكم في حكمه؟
لأنّا نقول: ما هو المعلوم عندهم المفهوم على سبيل الإجمال وهو غير كافٍ؛ للعلم بانطباقه على جميع المصاديق، وأمّا العلم التفصيلي به الموجب للعلم بحدوده وثغوره، بحيث لا يشذّ انطباقه على شيء من مصاديقه فلهم في جلّ المفاهيم غير حاصل إن لم نقل كلّها.
ولا يخفى أنّ محلّ الكلام في باب العقود والإيقاعات هو مورد يجتمع فيه جميع الشرائط إلّا الاختيار، وإلّا فالبطلان راجع إلى فقدان غيره من الش-روط، ولذلك ترى أنّهم5 قد ذكروا اشتراط الاختيار مع سائر الشروط وفي عرضها. ومنه يظهر ما في عبائر الأصحاب من الاستدلال على بطلان عقد المكرَه بعدم القصد، أو عدم الرضا، أو عدم قصد الإنشاء، فإنّهليس في محلّه ويكون الاستدلال بأمر أجنبيّ عن مسألة الإكراه وحيثيّ-ته. ولا يخفى عليك أنّه لافرق بين المكرَه والمضطرّ
ص: 60
(مسألة 4): الإكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده، مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضرّ بحاله عليه أو على من يجري مجرى نفسه، كأبيه وولده نفساً أو عرضاً أو مالاً بشرط أن يكون الحامل قادراً على إيقاع ما توعّد به، مع العلم أو الظنّ بإيقاعه على تقدير عدم امتثاله، بل أو الخوف به وإن لم يكن مظنوناً، ويلحق به - موضوعاً أو حكماً - ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد، ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه، فلو تزوّج بامرأة، ثمّ رأى أنّه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقیعة من بعض متعلّقيها - كأبيها وأخيها مثلاً - فالتجأ إلى طلاقها فطلّقها يصحّ طلاقها.(1)
----------
في وجود الرضا وعدم طيب النفس.
توضيح ذلك: أنّ ما يحتاج إليه في العقود والإيقاعات هو الرضا بالعقد والإيقاع لا طيب النفس، وهذا بخلاف الإباحة التي هي محتاجة إلى طيب النفس، فالتجارة عن تراضٍ كافية، لكن لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيبة نفس منه. ولك أن تقول: إنّ في المكرَه والمضطرّ يوجد الرضا بالتص-رّف بالعقد أو الإيقاع، لكن ليست مباديه مستندة إلى نفسه وباختياره وطيب نفسه، بل تكون مستندة إلى الغير، فكأنّه لم يكن الرضا موجوداً أوّلاً وقد وُجد ثانياً.
(1) وهذا التعريف - عدا ما ذكره في كفاية الخوف - هو القدر المتيقّن في كلمات الأصحاب، لكن فيه جهات من البحث:
ص: 61
...
----------
الأُولى: أنّه لا يختصّ بالتوعّد، بل يشمل الفعل أيضاً عرفاً، بل هو أولى بالصدق من التوعّد كما لا يخفى، وقد صرّح بالصدق في كشف اللث-ام ولم أج-ده في غي-ره، فإنّه(قدس سرُّه) قال بعد تعريفه الآتي ذكره بالتوعّد المذكور مع قيوده في عبارته المزجيّ-ة بكلام القواعد(1) ما هذا لفظه:
أو فعل به أو بمن يجري مجراه ما يتضرّر به حتّى لَفِظ بالطلاق.(2)
ثمّ إنّ الإكراه صادق مع التوعّد بالضرر الراجع إلى ما یُعدّ من مهمّات الناس في مجتمعهم ومعیشتهم، أو ما یرجع إلی حفظ أساس المذهب أو شعائر الدین ورجاله، بل التوعّد بالضرر لكلّ ما يكون حفظه واجباً على المكرَه، كما أن يتوعّده المكرِه (بالكسر) بقتل نفسه إن لم يطلّق زوجته، أو بصيرورته عيناً للأعداء على عسكر المسلمين وجيوشهم، إلى غيرها ممّا يكون التوعّد بأمر يجب على المكرَه (بالفتح) الردع عنه، فالظاهر صدق الإكراه عرفاً في جميع تلك الموارد، فإنّه إذا طلّق المكرَه زوجته خوفاً من التوعّد كان مكرَهاً على طلاق زوجته، فطلاقه وقع عن إكراه، فهو باطل.
وقد ظهر ممّا ذكرنا ضعف ما ذهب إليه الشهيد في المسالك من عدم تحقّق الإكراه في أمثال تلك الموارد، قال(قدس سرُّه):
لا يحصل الإك-راه بأن يقول: طلّق امرأتك، وإلّا قتلت نفسي أو ك-فرت
ص: 62
...
----------
أو تركت الصلاة ونحوها.(1)
أقول: العجب منه إنّه اختار عدم الصدق جزماً مع أنّه - كما بيّنّاه - إن لم يكن مقطوعاً به فلا أقلّ من أنّه الظاهر من العرف، بل الظاهر الصدق - أيضاً - فيما ذكره بعد ذلك بقوله:
ولا بأن يقول وليّ القصاص لمن هو عليه: طلّق امرأتك وإلّا اقتصصت منك؛ لأنّ ذلك حقّه، فلا يعدّ استيفاؤه ضرراً بالمأمور.(2)
ولا يخفی عليك ما في توجيهه من عدم كون القصاص ضرراً؛ لأنّه حقّه، وذلك لأنّ الحقّيّ-ة لا تنافي الضرر، كالجهاد في سبيل الله والخمس والزكاة، فإنّها ضرر مع أنّها حقّ وأيّ حقّ ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾،(3)وقد ذكروا الموارد أمثلة لأحكام مبنيّ-ة على الضرر التي لا تشمله القاعدة، وكيف لا يكون القصاص ضرراً على المقتصّ منه مع أنّ العفو منه خيرٌ لكم.
الثانية: هل يعتبر الظنّ والعلم، أو يكفي الخوف والاحتمال احتمالاً عقلائيّ-اً؟ الظاهر من العرف هو الثاني، بل في الجواهر:
ضرورة عدم اعتبار غلبة الظنّ بالفعل، بل يكفي تحقّق الخوف، كما سمعته في المرسل، فضلاً عن العرف.(4)
ص: 63
...
----------
ودونك المرسل، وهو ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، أو غيره، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله7، قال: سمعته يقول: «لو أنّ رجلاً مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان، فقهروه حتّى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلّق، ففعل، لم يكن عليه شيء».(1)
ولا يخفی عليك ما في الاستدلال به من احتمال اختصاصه بالخوف على النفس لا الخوف المطلق ولو على المال مثلاً. نعم، العرف هو المعتمد والمرسل مؤيِّد. وعليك بالدقّة في المراد من القهر على الطلاق والعتاق؛ لعدم الجدوى فيه لذلك القوم الظاهر أنّهم من الس-رّاق وقطّاع الطريق، ولعلّ المراد الحلف بالطلاق والعتاق لإثبات عدم المال معه.
ويشهد له ما رواه الكليني في باب طلاق المضطرّ والمكره - بعد ذلك - بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، ففيه: ... فقلت: إنّي رجل تاجر، أمرّ بالعشّار ومعي مال، فقال: «غيّبه ما استطعت، وضعه مواضعه»، فقلت: فإن حلّفني بالطلاق والعتاق، فقال: «احلف له»، ثمّ أخذ تمرة فحفر بها من زبد كان قدّامه، فقال: «ما أُبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق، أو آكلتها».(2).
الثالث-ة: إذا أمر بشيء ولم يتوعّد فعلاً، لكن يقطع أو يخاف ضرره فيما بعد، فهو
ص: 64
...
----------
أيضاً إمّا إكراه موضوعاً، أو يلحقه في الحكم؛ قضاءً للمناط وهو الخوف، فإنّ ما هو العلّة والسبب لعدم الصحّة مع الإكراه هو الخوف من المتوعّد به وعدم الاختيار، وإلّا فلاخصوصيّ-ة للتوعّد اللفظي بما هو لفظ، فإنّه ليس الباب باب القراءة أو العقود والإيقاعات المحتاجة إلى الألفاظ، بل إنّما يكون ذكر التوعّد في الإكراه من باب الغلبة في سببيّته للخوف. وعليه، فالمفروض الإكراه موضوعاً.
وكيف كان، فالعرف يلغي خصوصيّ-ة التوعّد ويرى عدم الصحّة والبطلان في الإكراه والخوف الحاصل مع عدم التوعّد أيضاً على المفروض.
وبذلك ظهر وجه تماميّ-ة ما في المتن من قوله: «ويلحق به موضوعاً أو حكماً ... » إلى آخره، وأمّا ما ذكره من الفرع الآخر بقوله: «ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل ... » إلى آخره فوجهه واضح؛ فإنّه لعدم الصدق موضوعاً بلا إشكال وعدم اعتناء العقلاء بالخوف كذلك أصلاً، بل يعدّون من يعتني به ويبيع متاعه - مثلاً - لذلك الخوف جباناً وخارجاً من المتعارف.
الرابعة: لا فرق في الخوف بين أن يكون عادياً وحاصلاً للمكرَه وغيره بسبب قدرة المكرِه، بحيت يخاف من توعّده كلّ من توعّد به، أو خاصّاً به وكان غيره لا يخاف منه ولكن يحصل الخوف لهذا الشخص بسبب مايخصّه من الصفات النفسيّ-ة ولكونه جباناً؛ وذلك لصدق الإكراه والإجبار فيهما عرفاً، كما هو ظاهر وواضح.
لا يقال: إنّ مقتضى خبر عبد الله بن سنان هو سع-ة ب-اب الإكراه، ولا يعتبر فيه
ص: 65
...
----------
أن يكون التوعيد بما يضرّه، حيث قال: قال أبوعبد الله(علیه السلام): «لا يمين في غضب، ولا في قطيعة رحم، ولا في جَبْر، ولا في إكراه»، قال: قلت: أصلحك الله، فما فرق بين الجبر والإكراه؟ قال: «الجبر من السلطان، ويكون الإكراه من الزوجة والأُمّ والأب، وليس ذلك بشيء».(1)
لأنّه يقال: - مضافاً إلى ضعف السند بعبد الله بن القاسم(2) الذي هو بين ضعف وجهالة - إنّه ما هو المراد من هذا التفسير؟ فهو إمّا تفسير عرفي؛ أي موضوعي، أو شرعي تعبّدي؛ أي حكمي.
فعلى الأوّل فهو كما ترى؛ لأنّ العناوين العرفيّ-ة ومفاهيمها الاعتباريّ-ة غير قابلة لأخذ التعبّد فيها، فإنّ حقيقتها بحقيقتها العرفيّ-ة، وليس للشارع بما ه-و شارع التدخّل فيها، كما ليس ل-ه التدخّل في التكوينيّات م-ن حيث إنّه شارع. نعم، له جعل الحقيقة الشرعيّ-ة، إلّا أنّها ليست بعرفيّ-ة وتكون أمراً آخراً مبائناً لما في العرف.
وإن كان الثاني فهو من باب الادّعاء، وهو مجاز مخالف للظاهر، ولا يصار إليه إلّا عند الضرورة وتعذّر الحقيقة، والحقيقة هنا ممكنة؛ لأنّ توعّد مثل الزوجة والأُمّ والأب ممّن يعيشون مع المكرَه، وبينهم نحو اتّحاد وأُلفة، وإن كان ممّا لا يوجب الضرر غالباً، ويكون توعّداً بأُمور يسيرة، بل قد يقال: كيف يحصل لهم التوعّد بما يضرّه، فإنّ الأُوليين ضعيفتان والأخير يمنعه الشفقة، لكن من الممكن حصوله على نحو يضرّ الإنسان، كأنتتوعّد الزوجة زوجها - المتعيّن له شخصيّ-ة اجتماعيّة -
ص: 66
(مسألة 5): لو قدر على دفع ضرر الآمر ببعض التفصّيات ممّا ليس فيه ضرر عليه - كالفرار والاستغاثة بالغير - لم يتحقّق الإكراه، فلو أوقع الطلاق - مثلاً - حينئذٍ وقع صحيحاً. نعم، لو قدر على التورية وأوقعه من دون ذلك فالظاهر وقوعه مكرهاً عليه وباطلاً. (1)
----------
بخروجها عرياناً إن لم يفعل الأمر الفلاني، أو تتوعّده بالوقيعة فيه وكشف أسراره الذي يكون مضرّاً له، أو بغيرها من الأُمور المضرّة للمكرَه، وبعد ما كان لتوعّدهم قسمان فمقتضى أصالة الحقيقة حمل اللفظ على معناه الحقيقي وأنّ المراد من الإكراه في الخبر التوعّد بالنحو الثاني لا الأوّل، الموجب للادّعاء أو الإلحاق الحكمي، فإنّه مخالف للظاهر.
وهذا الجواب - المتين الذي ينبغي أن يكتب بماء الذهب - هو من سيّدنا الإمام(سلام الله علیه)، وما رأيت في كلام غيره من الأعاظم والفحول (جزاه الله الإسلام وفقهه أحسن ما جزاه الله به أوليائه). وما يتراءى في النصّ من الجمع بين الإكراه والجبر، فلعلّ المراد أنّ الإكراه يمكن صدوره من الضعيف أيضاً، وإلّا فلا يعقل كون الحكم للأعمّ والأخصّ معاً، فإنّ الجبر من السلطان من مصاديق الإكراه، وهو أخصّ منه.
(1) هل يشترط في صدق الإكراه العجز عن التفصّي أم لا؟ وجوهٌ:
ثالثها: التفصيل بين التفصّي بغير التورية، والتفص-ّي بها، باعتبار العجز عن الأوّل في الصدق دون الثاني، فالإكراه صادق وإن أمكنه التورية ولم يورّ، دون غيره، فالإكراه غير صادق مع إمكان التفصّيبالفرار الذي غير مضرّ مثلاً.
ص: 67
...
----------
ووجه الثاني رواية عبدالله بن سنان المذكورة آنفاً في المسألة السابقة،(1) فإنّ إمكان التفصّي بمثل الفرار أو العذر والحيلة في إكراه مثل الأُمّ والأب والزوجة بمكان من الوضوح؛ حيث إنّ إكراههم ليس من قبيل إكراه السلطان وغيره بالتوعّد بما فيه الضرر، بل يكون بمثل أُمور أخلاقيّ-ة، وعاطفيّ-ة، كما م-رّ وجهه.(2) ومن المعلوم أنّ التفصّي في مثل ذلك سهل له، والرواية لم تدلّ على صدق الإكراه بالنسبة إليهم، فيعلم منها عدم اعتبار العجز عن التفصّي في الصدق، وهي وإن لم تكن شاملة للتورية لكن تثبت الأمر في عدم اعتبار العجز عنها بطريق أولى. نعم، في الجبر الراجع إلىٰ السلطان لا يمكن التفصيّ بمثل الفرار.
وفيه: - مضافاً إلىٰ ضعف السند - أنّ الاستدلال موقوفٌ على حمل الإكراه على معناه المجازي ولا داعي له كما م-رّ(3) وإلّا فعلى الحمل على الحقيقي - كما هو الحقّ والمطابق للأصل - فلا دلالة فيها على ذلك، وتكون كغيرها من أخبار الإكراه وأدلّته، إلّا أنّها مبيّ-نة لبعض المصاديق.
وجه الأوّل أنّه مع إمكان التفصيّ عنه بالفرار أو التورية، الإكراه حينئذٍ غير صادق عرفاً، فإنّ قوام الإكراه بكون الداعي على العمل هو الخوفمن الض-رر المتوعّد ب-ه بحيث لا يكون العمل صادراً عن الاختيار م-ن أوّل الأمر، ومع تمكّن
ص: 68
...
----------
المكرَه من التفصّي بمثل الفرار الذي يسهل عليه، أو باختياره العِدّة والعُدّة بمثل التِلِفون فليس داعيه في الإتيان منع الض-رر ورفع الخوف، بل يكون مختاراً في العمل وأنّ داعيه هو غيره من الدواعي في العاملين. ومثله التفصّي بالتورية، فمن يعرف التورية ولم يغفل عنها بمثل الاضطرار والدهشة، ويعلم أنّ الطلاق مع قصد غيره غير واقع، كأن يقصد بقوله: «هي طالق» طلاقها عن ألم الحمل أو المرض مثلاً، ومع ذلك قصد بقوله ذلك الطلاق، فعدم كون الداعي له التوعّد المذكور هو واضح غير محتاج إلى البيان.
والثالث فلوجهين:
أحدهما: أنّه ليس في روايات الحلف كاذباً وتقيّ-ة، مع كثرتها جدّاً، وفي قضيّ-ة عمّار(1) إشارة إلى التورية، فهي غير معتبرة، وإلّا كان جديراً بالذكر، ولا سيّما في قضيّ-ة عمّار الذي كان في شدّة وإكراه شديد، ففي موثّقة، زرارة من أخبار الحلف، قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): نمرّ بالمال على العشّار، فيطلبون منّا أن نحلف لهم، ويخلّون سبيلنا، ولا يرضون منّا إلّا بذلك، قال: «فاحلف لهم، فهو أحلّ (أحلى - خ. ل) منالتمر والزبد».(2)
وفي خبر معمّر بن يحيى، قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): إنّ معي بضائع للناس،
ص: 69
...
----------
ونحن نمرّ بها على هؤلاء العشّار، فيحلفونا عليها، فنحلف لهم، فقال: «وددت أنّي أقدر على أن أُجيز أموال المسلمين كلّها، وأحلف عليها، كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّ-ة».(1)
فإنّ السائل في مثل هذه الأخبار يطلب المخلص وطريق الفرار عن الظالم، والمعصوم(علیه السلام) يجوّز له الحلف كاذباً ولا يشير إلى التورية أصلاً، كأن يقول(علیه السلام): عليك بالتورية في الإخفاء، كما ورّى إبراهيم(علیه السلام) في قوله: ﴿إنّي سَقِيمٌ﴾(2) على ما في أخبار التورية،(3) وهل هذا إلّا لعدم اعتبار العجز عنها في الإكراه؟ وإلّا فكيف لم يذكر التورية في هذه الأخبار الكثيرة والمسألة كانت محلاً للابتلاء. وأمّا قضيّ-ة عمّار، فانظر أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) أمره بالعود إن عادوا(4) ولم يقل له: إن عادوا فعليك بالتورية. فإن كان العجز عنها معتبراً كان له(صلی الله علیه وآله وسلم) أن يبيّنه، لا سيّما لمثل عمّار الذي كان السبّ عسراً عليه جدّاً.
ففي موثّقة مسعدة بن صدقة، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إنّ الناس يروون أنّ عليّاً(علیه السلام) قال على منبر الكوفة: «أيّها الناس!إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرؤوا منّي»، فقال: «ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ(علیه السلام)»، ثمّ ق-ال: «إنّما ق-ال: إنّكم ست-دعون إلى سبّي فس-بّوني، ثمّ ت-دع-ون إلى
ص: 70
...
----------
البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولم يقل: ولا تبرؤوا منّي»، فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة، فقال: «والله ما ذلك عليه، وما له إلّا ما مضی عليه عمّار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه:﴿ إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنٌّ بِالإيمَانِ﴾(1) فقال له النبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم) عندها: ياعمّار! إن عادوا فعُد، فقد أنزل الله عذرك، وأمرك أن تعود إن عادوا».(2)
وثانيهما: أنّ حم-ل الروايات المستدلّ بها في الباب عامّ-ة وخاص-ّة عل-ى الج-اهلين بالتورية والعاجزين منها، حمل على النادر وهو بعيد، وكذا الإجماعات والشهرات.
والوجهان ممنوعان:
أمّا الأوّل، فلأنّ الناس غالباً في غفلة من التورية، فلا وجه راجح للإمام(علیه السلام) أن ينبهّهم على التورية، بل لعلّ التنبيه يكون مرجوحاً؛ حيث إنّه على اعتبار العجز عن التفصّي بها فهي ساقط مع الغفلة، وهل تنبيهه(علیه السلام) إلّا تنبيهاً على الموضوع في حقوق الله تعالى؟ وهلفرق بينه وبين الإعلام ببقاء لمعة في الظهر لم يغسله من الجنابة من دون الالتفات حتّى فرغ من غسله؟ فكما أنّه غير مطلوب ومرجوح فكذلك المقام، ففي صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «اغتسل أبي من الجنابة»، فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فق-ال له: «ما كان
ص: 71
...
----------
عليك لو سكتّ، ثمّ مسح تلك اللمعة بيده».(1)
وهذه الصحيحة دالّة على مرجوحيّ-ة الإعلام؛ لمكان قوله(علیه السلام): «ما كان عليك لو سكتّ؟» زيادة على دلالتها على عدم الوجوب المطابق للأصل أيضاً، وليست الصحيحة مخالفة للأُصول والقواعد الاعتقاديّ-ة، كما زعمها بعض، وإن دفعها بكونه للتعلّم؛ وذلك لأنّها راجعة إلى أمر عادي، وهو عدم جريان الماء على لمعة من الظهر، ولا يرتبط بباب السهو والنسيان من رأس، كما لا يخفى.
وأمّا قضيّ-ة عمّار، فالوجه فيها: أنّ السبّ صادق من دون فرق فيه بين وجود التورية وعدمه، فالتورية فيها غير مفيدة وليست تفصّياً أصلاً.
وأمّا الثاني، روايات الإكراه عامّها وخاصّها، فإنّها وإن كان حمل المطلقات على النادر أمر بعيد ولا يصار إليه إلّا للضرورة والقرينة، ولكن حمل اللفظ على ظاهره المختصّ بأفراده المستلزم لعدم الشمول لغير مصاديقه فهو أمر قريب وليس بغريب، وإن كانت مصاديقه نادرة، والمدّعى هنا هو عدم صدق الإكراه في القادر على التورية، فالباب باب الظهور المتّبع كائناً ما كان، لا باب المطلّق والحمل حتّى يكون حمله على النادر غريباً وعلى الأعّم منه قريباً.
وقد ظهر من جميع ما ذكرناه ضعف ما في الجواهر من عدم اعتبارهالعجز من التفصّي بغير التورية ولا بها في صدق الإكراه، قال:
بل لا يعتبر في-ه - أيضاً - ع-دم التمكين من الفرار عن بلاده، أو التوسّل
ص: 72
...
----------
بالغير، أو نحو ذلك ممّا فيه ضرر عليه أيضاً.(1)
وقال أيضاً:
ولا يعتبر عندنا في الحكم ببطلان طلاق المكرَه عدم التمكّن من التورية، بأن ينوي غير زوجته، أو طلاقها من الوثاق، أو يعلّقه في نفسه بشرط أو نحو ذلك، وإن كان يحسنها ولم تحصل له الدهشة عنها، فضلاً عن الجاهل بها أو المدهوش عنها؛ لصدق الإكراه، خلافاً لبعض العامّة، فأوجبها للقادر.(2)
أقول: ولا حجّة في قوله (قدس سرُّه) عندنا على المسألة، كما سيأتي.(3)
وفي المسالك:
الثالث: لا يعتبر في الحكم ببطلان طلاق المكرَه التورية، وإن كان يحسنها عندنا؛ لأنّ المقتضي لعدم وقوعه هو الإكراه الموجب لعدم القصد إليه، فلا يختلف الحال بين التورية وعدمها، ولكن ينبغي التورية للقادر عليها؛ بأن ينوي بطلاق فاطمة المكره عليها غير زوجته ممّن يشاركها في الاسم، أو ينوي طلاقها من الوثاق، أو يعلّقه في نفسه شرط. ولو كان جاهلاً بها، أو أصابته دهشة عندالإكراه - كسلّ السيف مثلاً - عذر إجماعاً.(4)
ص: 73
...
----------
وقد مرّت(1) عبارة الجواهر، والظاهر أنّه أخذها منه. وفيه أوّلاً: أنّه لا يتحقّق الإكراه لمن يحسن التورية، وثانياً: أنّ للمكرَه أيضاً قصدٌ هنا، كما مرّ(2) وقلنا إنّ محلّ البحث ما كان البطلان مستنداً إلى عدم الاختيار لا إلى عدم القصد وغيره من الشرائط كما بيّنّاه، وثالثاً: إن كان المراد من «عندنا» هو الإجماع فلم يثبت بعد. نعم، إن كان هو الشهرة فله وجه. وكيف كان، فالاستدلال به مع التعليل بعدم تحقّق الإكراه عليل.
ثمّ إنّه(قدس سرُّه) قال:
جميع ما ذكرناه آتٍ في غير الطلاق من النكاح والبيع والعتق وسائر التصرّفات ولكن جرت العادة بالبحث عنه هنا.(3)
فالظاهر منها عدم اعتبار العجز عنها مطلقاً، وفيه: أنّ الظاهر عدم صدق الإكراه مع القدرة على التورية.
وللشيخ (قدس سرُّه) في المكاسب كلام، قال فيه:
فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإك-راه بمعنى الجبرالمذكور،
ص: 74
...
----------
والرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها أنّه قد يكون من الأب والولد والمرأة، والمعيار فيه عدم طيب النفس فيها لا الض-رورة والإلجاء، وإن كان هو المتبادر من لفظ الإكراه، ولذا يحمل الإكراه في حديث الرفع عليه، فيكون الفرق بينه وبين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض، لكنّ الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس، حيث استدلّوا على ذلك بقوله تعالى: (تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ)،(1) و«لا يحلّ مال امرءٍ مسلم إلّا عن طيب نفسه»،(2) وعموم اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق، وخصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة مع عياله. فقد تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخصّ من الرافع لأثر الحكم الوضعي.(3)
وحاصل كلامه(قدس سرُّه): أنّ الإكراه الرافع للأثر الوضعي والتكليفي في حديث الرفع وغيره، وإن كان واحداً عنواناً، والمتبادر منه هو الضرورة والإلجاء، ويكون الفرق بينه وبين الاضطرار في حديث الرفعفي أنّ الإكراه من قِبل الغير، والاضطرار من قبل النفس كالجوع والعطش، لكنّ المعتبر منه بالنسبة إلى الوضع والتكليف مختلفٌ، فإنّ الرافع للوضع هو عدم طيب النفس، وللتكليف هو الجبر من مثل السلطان القاهر.
ص: 75
...
----------
واستدلّ على ذلك بوجوهٍ:
أحدها: صحيحة عبدالله بن سنان الماضية،(1) وقد أشار إليها في قوله: معنى الجبر المذكور، والرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها أنّه قد يكون من الأب والولد والمرأة.
ثانيها: أنّ المعتبر في المعاملات هو طيب النفس بأن يكون القصد حاصلاً منه، وذلك لمكان استدلالهم بآية التجارة وحديث: «لا يحلّ مال امرءٍ مسلم إلّا عن طيب نفسه».
ثالثها: عموم اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق.
رابعها: خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة مع عياله.
ولا يخفى عليك ما في هذا التفصيل؛ فإنّ المعتبر منه في رفع الوضع هو المعتبر في رفع التكليف، وهو الإلجاء والضرورة المتبادرة منه، وفي كلّ الوجوه ما ترى:
أمّا الصحيحة، فقد مضى الكلام فيها وأنّ الحاصل من مثل الأب والأُمّ هو الإلجاء والضرورة.
وأمّا الثاني، فالمعتبر في المعاملات هو تحقّق الرضا - كما يدلّ عليه الآية(2)- لا
ص: 76
...
----------
الزائد عليه، وهو موجود في المكرَه والمضطرّ وغيرهما؛ حيث إنّ البائع - ولو عن إكراه - هو راضٍ بالبيع، لما حصل في نفسه من الكس-ر والانكسار وأنّ العمل بالمكرَه عليه أولى عنده من وقوع المتوعّد عليه، ومثله المضطرّ. نعم، ليست مبادئ الرضا فيهما مبادئ اختياريّ-ة، مثل النفع في البيع وأمثاله، فالفرق بينهما وبين غيرهما بالنسبة إلى المبادئ لا غيرها كما لا يخفى، ومسألة طيب النفس هي أجنبيّ-ة عن المعاملة؛ وذلك لعدم الدليل عليه، بل العمومات والإطلاقات، وكذا بناء العقلاء على خلافه؛ فإنّ الطيب بالمعاملة هو من مبادئ الرضا بها وهو منتفٍ في غير واحد منها، كما إذا كان الض-رر والنفع فيها مساويين أو كان الض-رر أكثر، بل وفيما كان النفع فيه أقلّ من مأموله، والحديث مربوط بالإباحة والتكليف ولا يرتبط بالوضع جدّاً؛ لأنّ المنفي فيه حلّيّ-ة مال المسلم إلّا بطيب نفسه، وقبل تحقّق البيع - مثلاً - لا محلّ لطيب النفس، وبعده لا فائدة له؛ لأنّ المالك لا يملكه الآن، فالبائع بعد البيع غير مالك للمثمن حتّى يكون طيب نفسه نافعاً وعدمه مض-رّاً.
وبالجملة، فإنّ الموضوع في الحديث هو المال وهو أجنبيّ عن الوضع، فإنّ الموضوع فيه المعاملة والتجارة. ولا يخفى أنّ ما ذكرناه في مسألة الطيب والرضا هو ممّا استفدناه من سيّدنا الأُستاذ (سلام الله علیه).
وأمّا الثالث، وهو اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق، ففيه: أنّ الإرادة في هذه الروايات - كغيرها من الموارد - هي بمعنى القصد الحاصل مع الإكراه وغيره، ومسألة طيب النفس - لو سلّم اعتبارها - فهي أمر خارج عنحقيقته، كما يشهد له ما عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبي عبدالله(علیه السلام) ، قال: سمعته يقول: «لا يجوز طلاق في استكراه ولا تجوز يمين في قطيع-ة رحم» - إلى أن ق-ال: - «وإنّما الطلاق ما
ص: 77
...
----------
أُريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار ... »،(1) الحديث، فإنّ الاستكراه ذكر مضافاً إلى الإرادة.
وأمّا الوجه الأخير، فمراده موثّقة منصور بن يونس، قال: سألت العبد الصالح(علیه السلام) وهو بالعُريض، فقلت له: جعلت فداك! إنّي تزوّجت امرأة، وكانت تحبّني، فتزوّجت عليها ابنة خالي، وقد كان لي من المرأة ولد، فرجعت إلى بغداد فطلّقتها واحدة، ثمّ راجعتها، ثمّ طلّقتها الثانية، ثمّ راجعتها، ثمّ خرجت من عندها أُريد سفري هذا حتّى إذا كنت بالكوفة أردت النظر إلى ابنة خالي، فقالت أُختي وخالتي: لا تنظر إليها - والله - أبداً حتّى تطلّق فلانة، فقلت: ويحكم - والله - ما لي إلى طلاقها من سبيل، فقال لي: هو ما شأنك، ليس لك إلى طلاقها من سبيل، فقلت: إنّه كانت لي منها ابنة، وكانت ببغداد، وكانت هذه بالكوفة، وخرجت من عندها قبل ذلك بأربع، فأبوا عليّ إلّا تطليقها ثلاثاً، ولا والله - جعلت فداك - ما أردت الله، ولا أردت إلّا أن أُداريهم عن نفسي، وقد امتلأ قلبي من ذلك، فمكث طويلاً مطرقاً، ثمّ رفع رأسه وهو متبسّم، فقال: «أمّا بينك وبين الله فليس بش-يء، ولكن إن قدّموك إلى السلطان أبانها منك».(2)
وفيه - كما قيل - : إنّ الرجل هنا أيضاً مكرَهٌ؛ وذلك لحلفهم بعدم النظرإليها وأمرهم إيّاه بالطلاق والتوعّد بترك النظر الذي كان مطلوباً له، فلعلّه يكون كالتوعّد بالضرر المالي أو النفسي. وإن أبيت عن ذلك فلقائل أن يقول: إنّ عدم صحّة الطلاق لعدم تحقّق القصد أصلاً؛ وذلك لمكان قوله(علیه السلام): «ولكن إن قدّموك
ص: 78
(مسألة 6): لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه ف-طلّق إح-داهما المع-يّنة وقع مكرهاً عليه(1) ولو طلّ-قهما معاً، ففي وقوع طلاق إحداهما مكرهاً عليه، فيعيّن بالقرعة، أو صحّة كليهما وجهان، لا يخلو أوّلهما من رجحان.(2)
----------
إلى السلطان»، فإنّ الظاهر منه أنّ حكمه بالإبانة لمكان ظاهر الصيغة الدالّة على الإرادة، ودعوى عدمها وأنّ الطلاق كان صوريّاً غير مسموع؛ لأنّه خلاف الظاهر.
(1) لأنّ تحقّق إحداهما لا يمكن إلّا بالمصداق الخارجي. وما قيل(1) من: أنّه يقع الطلاق؛ لأنّه مختار في تعيينها، ولأنّه ممّا عَدَل عن الإبهام إلى التعيين فقد زاد ما أُكرهه عليه، لأنّ الإكراه على طلاق إحداهما، وطلاق المعيّ-نة طلاق إحداهما مع الزيادة، وقد تقرّر أنّ الأمر بالكلّي ليس أمراً بالجزئي، فقد ظهر ضعفه؛ لأنّ الفرد المذكور عين المكره عليه لا غيره ولا زيادة عليه.
نعم، لو صرّح له في الإكراه على طلاق واحدة مبهمة؛ بأن يكرهه على أن يقول: «إحداكما طالق» فعَدَل عنه إلى طلاق واحدة معيّ-نة فقد وقع طلاقه غير مكره عليه.
(2) من وقوع المكره عليه مع الزيادة، ومن كون الواقع غير المكره عليه، لكن لا يخلو أوّلهما من رجحان؛ لأنّ محض كون الواقع غير مكره عليه ليس رافعاً للإكراه إلّا مع الدلالة على الاختيار، والظاهر ع-دم الدلالة في المقام إلّا بالنسبة إلى
ص: 79
ول-و أكرهه على طلاق كلتي-هما فطلّ-ق إح-داهما، فالظاهر أنّه وقع مك-رهاً عليه.(1)
(مسألة 7): لو أكرهه على أن يطلّق ثلاث تطليقات بينهما رجعتان، فطلّقها واحدة أو اثنتين، ففي وقوع ما أوقعه مكرهاً عليه إشكال، إلّا إذا قصد تحمّل ما أوعده عليه في ترك البقيّ-ة، أو كان ذلك بقصد احتمال التخلّص عن المكروه، وأنّه لعلّ المكرِه اقتنع بما أوقعه وأغمض عمّا لم يوقعه.(2)
----------
الزيادة وإلّا لم يطلّقهما مقارناً مع التوعّد.
(1) ووجهه ظاهر.
(2) ولا محلّ للإشكال فيه ولا في الإثبات أصلاً؛ حيث إنّ مقام الإثبات والظهور - الذي هو المورد للبحث - حاله واضح؛ لأنّ في المخالفة المزبورة ظهور في الاختيار ودلالة عليه، وما ذكر منشأً للإشكال فهو يرجع إلى مقام القصد والثبوت مع أنّ حاله أيضاً واضح ولا إشكال فيه أيضاً كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر الذي يقرب من المتن، قال:
ومنها أن يكرهه على ثلاث طلقات فيوقع واحدة، فإنّه بالمخالفة المزبورة يظهر منه الاختيار، إلّا أنّه كما ترى، ضرورة كون الواحدة بعض المكره عليه وقد يقصد دفع المكروه بالإجابة إلىبعضه.(1)
فإنّ الضرورة غير رافعة للظهور وليست بأزيد من احتمال في الثبوت.
ص: 80
...
----------
وفي المسالك فروع لا بأس بذكرها:
منها: لو أكرهه على أن يطلّق بكناية من الكنايات، فطلّق باللفظ الصريح أو بالعكس عند القائل بصحّته، أو عَدَل من صريح مأمورٌ به إلى صريح آخر، فإنّه يقع الطلاق، خصوصاً في الأوّل؛ لأنّه قد حمله على طلاق فاسد فعَدَل إلى الصحيح وعند مجوّزه عَدَل إلى غير الصيغة المكره عليها.(1)
أقول: والحقّ التفصيل في المسألة؛ بأن يقال: إن كان للمكرِه (بالكس-ر) عناية بصيغة خاصّة مذكورة في كلامه، بحيث كان توعّده على الطلاق مع تلك الصيغة، فالطلاق بغيرها صحيح؛ لكونه كاشفاً عن الاختيار، وإن لم يكن كذلك وكان تهديده راجعاً إلى أصل الطلاق فهو باطل؛ لأنّه المكره عليه وليس التبديل كاشفاً عنه كما لا يخفى.
والظاهر في الإكراه - كذلك - هو الثاني؛ وذلك لبعد عناية الشخص بصيغة خاصّة والإجبار عليها، فإنّ الغرض الأصلي هو الطلاق. نعم، في الصيغ التي وقع الاختلاف فيها بين العامّة والخاصّة، فإن كان المكرِه من العامّة فلعلّ الظاهر هو الأوّل.
ص: 81
...
----------
منها: لو أكره الوكيل على الطلاق دون الموكّل، ففي صحّته وجهان أيضاً من تحقّق اختيار الموكّل المالك للتص-رّف، ومن سلب عبارة المباشر.
منها: لو توعّده بفعل مستقبل، كقوله: «إن لم تفعل لأقتلنّك أو أضربنّك غداً» ففي عدّه إكراهاً نظر؛ من حصول الخوف بإيقاع الض-رر، ومن سلامته منه الآن، والتخلّص من الض-رر يحصل بإيقاعه عند خوف وقوعه في الحال وهو أقوى. نعم، لو كان يحصل الإكراه في الآجل على أنّه إن لم يفعل الآن أوقع به المكروه في الآجل، وإن فَعَله ذلك الوقت ورجّح وقوع المتوعّد به اتّجه كونه إكراهاً لشمول الحدّ له.(1)
أقول: الظاهر كونه إكراهاً.
منها: لا يحصل الإكراه بأن يقول: «طلّق امرأتك، وإلّا قتلت نفس-ي أو كفرت أو تركت الصلاة ونحوها»، ولا بأن يقول وليّالقصاص لمن هو علي-ه: «طلّق امرأت-ك وإلّا اقتصصت من-ك»؛ لأنّ ذلك حقّ-ه، فلا يعدّ
ص: 82
...
----------
استيفاؤه ضرراً بالمأمور به.(1)
أقول: قد مرّ الكلام فيه(2) وأنّ بعض الموارد يعدّ من مصاديق الإكراه ولا فرق بين موارد الضرر، وأمّا الأخير، فإن أراد أنّه ليس بض-رر، ففيه: أنّه ضرر، وإن أراد عدم شمول القاعدة له ففيه: أنّ خروج أمثال هذه الموارد ممّا بني على الضرر شبيهٌ بخروج تخصّصي ويكون واضحاً غير محتاج إلى بيان، إلّا أن يريد عدم الشمول؛ لأنّه ضرر مُقدِم، فله وجهٌ، ولكنّ الشأن في أنّه هل هو ضرر أو عدم النفع والإكراه صدقه، دائر غالباً على الض-رر وغير صادق على النفع غالباً، ولعلّ مراده(قدس سرُّه) من عدم كونه ضرراً هو ذلك.
منها: لو تلفّظ بالطلاق، ثمّ قال: «كنت مكرَهاً» وأنكرت المرأة، فإن كان هناك قرينة تدلّ على صدقه؛ بأن كان محبوساً، أو في يد متغلّب، ودلّت القرينة على صدقه قبل قوله بيمينه، وإلّا فلا. ولو طلّق في المرض، ثمّ قال: «كنت مغشيّاً عليّ أو مسلوب القصد» لم يقبل قوله إلّا ببيّ-نة تقوم على أنّه كان زائل العقل في ذلك الوقت؛ لأنّ الأصل في تصرّفات المكلّف الصحّة، إلى أن يثبت خلافه، وإنّما عدلنا في دعوى الإكراه عن ذلك بالقرائن؛لظهورها وكثرة وقوعها ووضوح قرائنها، بخلاف المرض.(3)
ص: 83
(مسألة 8): لو أوقع الطلاق عن إكراه، ثمّ تعقّبه الرضا، لم يفد ذلك في صحّته، وليس كالعقد.(1)
(مسألة 9): لا يعتبر في الطلاق اطّلاع الزوجة عليه، فضلاً عن رضاها به.(2)
(مسألة10): يشترط في المطلَّقة أن تكون زوجة دائمة، فلا يقع الطلاق على المتمتّع بها.(3)
----------
أقول: لا كلام في حمل الفعل على الصحّة، وكذا في رفع اليد عن الظهور بالقرين-ة، ول-كن في إطلاق مث-اله الثاني إشكال؛ لأنّ المورد في الم-رض والم-ريض - أيضاً - يختلف، فإنّ القرينة في بعض الموارد قويّ-ة ظاهرة كالحصبة.
(1) قد مرّ الكلام فيه،(1) وهو مثل الطلاق الفضولي، واحتمال الفرق بينهما مستبعد جدّاً، مضافاً إلى الأصل، والعمدة هو إطلاق عدم صحّة الطلاق عند الإكراه.
(2) وذلك للّغويّ-ة الاشتراط؛ لأنّ الطلاق بيد الزوج.
(3) ولا على الأجنبيّ-ة مطلقاً ولو بالاشتراط، والوجه المشترك فيها عدم السببيّ-ة فيها، فإنّ الأسباب والمسبّبات الشرعيّ-ة توقيفيّ-ة ولم تثبتالسببيّ-ة في غير الزوجيّ-ة الدائمة وهو المطابق لاستصحاب بقاء الحلّ والأحكام السابقة، كما أنّ عليه إجماع الإماميّ-ة. نعم، لبعض العامّة قول بجواز طلاق الأجنبيّ-ة مطلقاً أو
ص: 84
...
----------
معلّقاً على الزوجيّ-ة، ولا يخفى أنّ الإيراد عليه لعدم المعقوليّ-ة كما عن بعضهم الآخر غير وارد؛ لأنّ الطلاق من الاعتباريّات وهو تابع لجعل الشارع، فمن الممكن صحّة طلاق الأجنبيّ-ة دفعاً للزوجيّ-ة المستقبلة المحتملة وخلط باب التكوين بالتشريع من غفلات العامّة في غير واحد من الأحكام، والأسف وقوعه في كلمات الأصحاب (نوّر الله مضاجعهم) أيضاً، وممّن تذكّر هذه الغفلة وحقّق مباينة التكوين عن التشريع وإنّهما بابان مستقلّان سيّ-دنا الأُستاذ (سلام الله علیه) وذلك من خدماته العالي-ة لفقه الإسلام (جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء).
ويدلّ على عدم صحّته فيها الأخبار أيضاً:
منها: ما عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام): «في المتعة ليست من الأربع، لأنّها لا تطلّق ولا ترث، وإنّما هي مستأجرة».(1)
ومنها: ما عن الحسن الصيقل، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت: رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها رجل متعة أ تحلّ للأوّل؟ قال: «لا، لأنّ الله يقول: ﴿فَإن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجاً غَيرَهُ فَإنْ طَلَّقَها﴾،(2) والمتع-ة ليس فيها طلاق».(3).
ومنها: صحيح-ة هشام بن سالم، ق-ال: قلت: كيف يتزوّج المتع-ة؟ ق-ال: «يق-ول: أتزوّجك كذا وكذا ي-وماً بكذا وكذا درهماً، ف-إذا مضت تلك الأيّام كان
ص: 85
...
----------
طلاقها في شرطها، ولاعدّة لها عليك».(1)
ومنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: قلت له: الرجل يتزوّج المرأة متعة سن-ة أو أقلّ أو أكثر، قال: «إذا كان شيئاً معلوماً إلى أجل معلوم»، قال: قلت: وتبين بغير طلاق؟ قال: «نعم».(2)
ولا يخفى عليك ما في الاستدلال بهاتين الصحيحتين الأخيرتين؛ وذلك لعدم دلالة الأخيرة على أزيد من البينونة بغير الطلاق لا الانحصار فيه وعدم الجدوى للطلاق في البينونة ولذلك قال في المسالك في ذيل الصحيحة: «وتعدّد الأسباب ممكنٌ والاعتماد على الاتّفاق».(3) وأورد عليه الحدائق(4) بأنّه لا دليل على سببيّته في المتعة، والأصل عدمه، وهو كما ترى.
ولتوقّف الاستدلال في ما قبلها على ظهورها في حصر الطلاق في شرطها مضيّاً أو إسقاطاً في ذلك، كما احتمله الجواهر، لكنّه ليس بأزيد من الاحتمال، ولا وجه له لا سيّما مع أنّ الصحيحة في مقام بيان المتعة لا في الفرقة منها، وفي الجواهر:
وإن لم يحضرني من النصوص ما يدلّ على عدم وقوع الطلاقبالمستمتع بها. نعم، فيها ما يدلّ على حصوله بانقضاء المدّة وبهبتها، ولكن ذلك لا يقتضي عدم صحّته عليها؛ لإمكان تعدّد الأسباب.(5)
وقد أورد عليه المصحّح في حاشية الكتاب بأنّ:
ص: 86
...
----------
من الغريب أنّه (طاب ثراه) مع تبحّره واطّلاعه التامّ على الروايات المتفرّقة في أبواب الفقه وغيرها، لم يلتفت إلى هذه الرواية هنا وقال: «ولم يحض-رني من النصوص ما يدلّ على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها»، مع أنّه(قدس سرُّه) تعرّض لها في بحث المتعة، بل عقد صاحب الوسائل لهذا العنوان باباً وهو «باب أنّ المتمتّع بها تبيّن بانقضاء المدّة وبهبتها ولا يقع بها طلاق»، وهو الباب 43 من أبواب المتعة، وكذلك روي في الوسائل في الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث4 عن الشيخ(قدس سرُّه) بإسناده عن الحسن الصيقل، عن أبي عبدالله7 في حديث، قال: «والمت-عة ليس فيها طلاق».
ولا يخفى أنّ مراد المصحّح من تلك الرواية هي رواية محمّد بن مسلم التي قد مرّت آنفاً.
أقول: وأغرب منه عدم تعرّض صاحب الحدائق لهاتين الروايتين الدالّتين على المسألة وهما روايتا ابن مسلم والحسن الصيقل؛ لأنّه أكثر تبحّراً واطّلاعاً بالنسبة إلى الروايات من صاحب الجواهر(قدس سرُّه).
وأغرب منهما عدم ذكر صاحب الوسائل لهما في الباب المنعقد في عدم حاجة المتعة إلى الطلاق كما لا يخفى وجهه!
ويؤيّد عدم صحّة الطلاق في المتعة بأنّهنّ مستأجرات، وبعدم الحاجة إليه بعد وج-ود السبب وهو انقض-اء المدّة وإمكان الهب-ة، ث-مّ إنّ العم-دة في المس-ألة حسنت-ا ابن مسلم والصيقل المنجبرتين بنفي الخلاف والإجماع فإنّالأصل لا محلّ له مع وجود الرواية والحجّة، والإجماع لا حجيّ-ة له في مصبّ الرواية كما أنّه لا اعتبار بالاعتبار.
ص: 87
...
----------
وأمّا عدم الصحّة في الأجنبيّ-ة منجّزاً ومعلّقاً، بالمعيّنة كقوله: «إن تزوّجت فلانة فهي طالق»، أو بالمطلقة أو العامّة، كقوله: «من - أو - كلّ من أتزوّجها فهي طالق»، فلا خلاف فيه، وفي الجواهر بعد بيان تلك الأقسام قال:
بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا نصّاً وفتوىً، ولاإشكال، بل من ضرورة المذهب أنّه لاطلاق إلّا بعد نكاح؛ لأنّه لإزالة قيده.(1)
وتدلّ عليه الروايات المستفيضة كالصريحة بل الصريحة:
منها: ما عن الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث: إنّه سئل عن رجل قال: كلّ امرأة أتزوّجها ما عاشت أُمّي فهي طالق؟ فقال: «لا طلاق إلّا بعد النكاح، ولا عتق إلّا بعد ملك».(2)
ومنها: ما عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل قال: إن تزوّجت فلانة فهي طالق، وإن اشتريت فلاناً فهو حرّ، وإن اشتريت هذا الثوب فهو في المساكين؟ فقال: «ليس بش-يء، لا يطلّق إلّا ما يملك، ولا يعتق إلّا ما يملك، ولا يصدّق إلّا ما يملك».(3)
ومنها: ما عن عبدالله بن سليمان، عن أبيه في حديث، عن عليّ بن الحسين(علیه السلام) في رجل سمّى امرأة بعينها وق-ال: ي-وم يتزوّجها فهيطالق ثلاثاً، ثمّ بدأ له أن يتزوّجها أ يصلح ذلك؟ قال: فقال: «إنّما الطلاق بعد النكاح».(4)
إلى غيرها من أحاديث الباب.
ص: 88
وأن تكون طاهرة من الحيض والنفاس، فلا يصحّ طلاق الحائض والنفساء.(1)
----------
لا يقال: لعلّ المراد بالنكاح في هذه الأخبار هو الوطي.
لأنّه يقال: أوّلاً: ذلك خلاف إجماع الأُمّة، بل خلاف ضرورة فقه الإسلام في عدم اشتراط الطلاق بالوطي، بل نصّ الكتاب بوقوعه قبله في قوله تعالى: ﴿إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ﴾،(1) وقوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾،(2) وقوله تعالى: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾.(3)
وثانياً: مخالف للنكاح المتعارف في الكتاب والسنّ-ة وهو عقد النكاح.
وثالثاً: في غير واحد منها قد ذكر التزويج وهو عقد النكاح قطعاً.
وهذه الروايات تدلّ أيضاً على عدم الطلاق على الموطوءة بوطء الشبهة والمحلّلة والمملوكة بملك اليمين. نعم، على احتمال كون الحص-ر إضافيّاً وأنّ المراد نفي الطلاق في الأجنبيّ-ة فلا دلالة فيها بالنسبة إلى تلك الموارد والأمر فيها سهلٌ بعد أنّ مقتضى الأصل والقاعدة عدم الصحّة حيث إنّ السببيّ-ة محتاجة إلى الجعل والاعتبار كما أنّ الأحكام السابقة باقية إلى أن يثبت الخلاف.
(1) بلا خلاف ولا إشكال، بل عليه إجماع أصحابنا،(4) بل على حرمت-ه إجماع
ص: 89
...
----------
الأُمّ-ة،(1) ويدلّ على البطلان والشرطيّ-ة، الكتاب والسنّ-ة.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ﴾.(2) ووجه الاستدلال على ما جاء من العامّة والخاصّ-ة أنّ المراد بالعدّة ه-و الطهر الغير المواقعة. والآية ظاهرة في الوضع؛ وذلك لأنّ الأم-ر أو النهي إذا توجّ-ه إلى أمر ليس مقصوداً بالذات فهو محمولٌ على كونه غيريّاً ووضعيّاً كما إذا قيل: لا تبع بيع الغرر، أو قيل: بع بالصيغة، فإنّ العقلاء في مثل تلك الموارد التي ليست مقصودة بالذات لا يحكمون بالنفسيّ-ة والتكليف بل الغيريّ-ة والشرطيّ-ة، والسرّ في ذلك واضح، فإنّ المقصود م-ن الإتيان بأمثال ه-ذه الموارد ليست نفسها حتّى إذا أمر الشارع بها أو نهى عنها نحمله على المطلوبيّ-ة الذاتيّ-ة ونستظهرها منه فإنّها طريق إلى أمر آخر ه-و مطلوب نفسي وبالذات.
كما أنّ الأم-ر كذلك في باب الأجزاء والشرائ-ط فإنّه أيضاً ظاهر في الشرطيّ-ة والمانعيّ-ة بنفس البيان، وه-ذا م-ن إفادات سيّدنا الأُستاذ (سلام الله علیه)، فاغتنم.
وأمّا السنّ-ة، فمنها: صحيحة الفضلاء السبعة، بل هي أربع عش-رة صحيحة، وهي ما عن عمر بن أُذينة، عن زرارة وبكير ابني أعين، ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، والفضيل بن يسار وإسماعيل الأزرق ومعمّر بن يحيى بن سام (بسام - خ. ل) كلّهم سمعه من أبي جعفر(علیه السلام) ومن ابنه بعد أبیه (علیهما السلام) بصفة ما قالوا وإن لم أحفظ حروفه غير أنّه لم يسقط عنّي جمل معناه: «أنّ الطلاق الذي أمر الله ب-ه في كتاب-ه وسنّ-ة نبيّ-ه (صلی الله علیه وآله وسلم) أنّه إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها أشهد
ص: 90
والمراد بهما ذات الدمين فعلاً أو حكماً كالن-قاء المتخلّل في البين،(1) ولو نقتا م-ن
----------
رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمض لها ثلاثة قروء، فإن راجعها كانت عنده على تطليقتين، وإن مضت ثلاثة قروء قبل أن يراجعها فهي أملك بنفسها، فإن أراد أن يخطبها مع الخطّاب خطبها، فإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين وماخلا هذا فليس بطلاق».(1)
ومنها: ما عنه، عنهم، عنهما(علیهما السلام) قالا: «إذا طلّق الرجل في دم النفاس، أو طلّقها بعد ما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق ... ».(2)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «من طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس وهي حائض، فليس بشيءٍ، وقد ردّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) طلاق عبدالله بن عمر، إذ طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض، فأبطل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ذلك الطلاق وقال: كلّ شيء خالف كتاب الله فهو ردّ إلى كتاب الله عزّ وجلّ، وقال: لا طلاق إلّا في عدّة».(3)
ومنها: ما عن بكير بن أعين وغيره، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «كلّ طلاق لغير العدّة (السنّ-ة - خ. ل) فليس بطلاق، أن يطلّقها وهيحائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقه بطلاق ... ».(4)
إلى غيرها من الأحاديث.
(1) وإلحاق الحكمي بالفعلي؛ لأنّه حيض ادّعاءً.
ص: 91
الدمين ولم تغتسلا من الحدث صحّ طلاقهما،(1) وأن لا تكون في طهرٍ واقعها فيه زوجها. (2)
----------
(1) لعدم صدق الحائض والنفساء حينئذٍ، فإطلاق الأدلّة في محلّه.
(2) للإجماع(1) والسنّ-ة، وقد مضى شطر منها، وفي الرياض:
وبه استفاض أخبارنا، بل وربما احتمل تواترها.(2)
تكملة
ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّ الحيض والنفاس هل هما مانعان من صحّة الطلاق أو الخلوّ منهما شرط فيها؟ وجهان، وتظهر الثمرة في المجهولة حالها كما ذكرها في الجواهر(3) وهي إشارة إلى قاعدة كلّيّ-ة مذكورة في بعض الكلمات وهي أنّ الشكّ إذا كان في الشرط فالإحراز لازم، وإن كان في المانع فغير لازم؛ قضاءً لأصالة العدم، ويستفاد من كلام الشيخ الأعظم (قدس سرُّه)(4) تسليمه للقاعدة لكن في الوجوديين وأمّا في الوجودي والعدمي؛ أي فيما كان الش-رط على الشرطيّ-ة أمراً وجوديّ-اً كالقدرة على التسليم، والمانع على المانعيّ-ة؛ أي العجز - مثلاً - أمراً عدميّ-اً فالمانع عدم القدرة فالثمرة غير مترتبّ-ة على فرض إمكان المانعيّ-ة كذلك، حيث إنّالعدم ليس بشيء ويستحيل ت-أثيره وت-أثّره فكيف يكون مانعاً وذلك لأنّ ثمرة أصالة
ص: 92
...
----------
العدم فيهما واحد وهو البطلان فأصالة عدم القدرة كما تكون مقتضية للبطلان من جهة انتفاء الشرط فكذلك من جهة المانع، لأنّ عدم القدرة هو المانع ومعه فالممنوع منه باطل وغير موجود وهذا بخلاف الوجوديين كالعدالة والفسق - مثلاً - على كون الفسق هو ارتكاب المعاصي لا عدم الملكة الرادعة، فعلى شرطيّته - مثلاً - في ولاية المؤمنين مع الشكّ في عدالة شخص لا تثبت ولايته لأنّ الش-رط لازم الاحراز وأمّا على مانعيّ-ة الفسق فمقتضى أصالة عدمه عدم تحقّق المانع فالولاية ثابتة للمشكوك فسقه وعدالته.
وتظهر من كلام سيّدنا الأُستاذ (سلام الله علیه) في البيع، إنكاره الثمرة المذكورة وإن وافق الشيخ الأعظم في عدم معقوليّ-ة مانعيّ-ة العدم، بناءً على مبناه الحقّ الحقيق بالتصديق من بطلان استصحاب العدم الأزلي الذي حقّقه في محلّه بما لامزيد عليه فعدم الثمرة حقّ على المبنى ولا كلام فيه، ففي المجهولة حالها لابدّ من الإحراز شرطاً كان أم مانعاً، وأمّا مذهب الشيخ في عدم معقوليّ-ة مانعيّ-ة العدم فغير تامّ؛ لما مرّ(1) منّا مراراً، تبعاً لسيّدنا الأُستاذ الإمام (سلام الله علیه) أنّ باب الاعتباريات يختلف عن باب التكوين وأنّ قوامها بالاعتبار والجعل فقط. وبذلك يظهر مخالفة مذهب الأُستاذ هنا لمختاره البديع من عدم الخلط بين التكوين والتشريع، ومنه يظهر أنّه لا فرق بين القول بكون الحيض والنفاس مانعين عن الطلاق أو كون الطهر منهما شرطاً في صحّته. نعم، على قول الشيخ (قدس سرُّه)فالثمرة مختلفة.
ثمّ لا يخفى: أنّ الأمر بإيجاد شيء مقيّداً بأمر آخر كالأمر بالصلاة في المكان المباح أو مع طهارة اللباس - مثلاً - ظاه-ر في الشرطيّ-ة، كما أنّ النهي عن المركّب
ص: 93
(مسألة 11): إنّما يشترط خلوّ المطلَّقة من الحيض في المدخول بها الحائل، دون غير المدخول بها ودون الحامل، بناءً على مجامعة الحيض للحمل، كما هو الأقوى، فيصحّ طلاقها في حال الحيض.(1)
----------
كذلك كالنهي عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه أو مع الحدث - مثلاً - ظاهر في المانعيّ-ة؛ قضاءً لظهور العناوين في الموضوعيّ-ة والدخالة، فحمل دخالة ذلك الشيء في الأمر على مانعيّ-ة مقابله وفي النهي على شرطيّ-ة مقابله مخالف للظاهر، ومن ذلك يظهر وجه استظهار الجواهر من الأدلّة الشرطيّ-ة، قال:
قد يشهد للثاني منهما أنّ ظاهر النصوص الكثيرة استفادة الشرط المزبور من قول-ه تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾؛(1) لأنّ المراد الأمر بطلاقهنّ في طهر يكون من عدّتهنّ والحائض حال حيضها ليس كذلك، وكذا ذات الطهر المواقعة فيه. ولعلّه لذا ذكره المصنّف وغيره من الشرائط.(2)
وذلك لما ذكرناه من الظهور في الأمر بالشيء أو المركّب في شيء آخر، فإنّ الأمر بالطلاق لعدّتهنّ يكون المراد منه الطهر والحائض ليست كذلك.
(1) إجماعاً، ويدلّ عليه الأخبار:منها: ما عن إسماعيل بن جابر الجعفي، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «خمس يطلّقن على كلّ ح-الٍ: الح-امل المتبيّن حمله-ا، والتي لم ي-دخل بها زوجه-ا، والغ-ائب عنها
ص: 94
...
----------
زوجها، والتي لم تحض، والتي قد جلست عن المحيض».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا بأس بطلاق خمس على كلّ حالٍ: الغائب عنها زوجها والتي لم تحض، والتي لم يدخل بها زوجها، والحبلى، والتي قد يئست من المحيض».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة وغيرهما، عن أبي جعفر وأبي عبدالله(علیهما السلام)، قال: «خم-س يطلقهنّ أزواجه-نّ متى شاؤوا: الحام-ل المستبين حملها، والجاري-ة الت-ي لم تحض، والم-رأة التي قد قعدت من المحيض، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها».(3)
ومنها: صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «خمس يطلّقن على كلّ حالٍ: الحامل، والتي قد يئست من المحيض والتي لم يدخل بها، والغائب عنها زوجها، والتي لم تبلغ المحيض».(4)
والعموم في هذه الأحاديث شامل لحال الحيض والطهر، كما أنّه شامل لطهر المواقعة وغير المواقعة، وأنّها حاكمة على إطلاق ما دلّ على النهيعن طلاق الحائض على شموله للحائل غير المدخول بها والحامل، وعلى كون النسبة عموماً من وجه، فإنّ لسانها لسان النظر إلى ذلك الإطلاق والحكومة. وإن أبيت عنها فالترجي-ح لها؛ لخروجهما عن-ه بالإجماع، بل لدلال-ة الآية أيضاً؛ لأنّ المراد من قوله
ص: 95
وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضراً؛ بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق، ولو كان غائباً يصحّ طلاقها وإن وقع في حال الحيض، لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها، فلو علم أنّها في حال الحيض - ولو من جه-ة علمه بع-ادتها الوقتيّ-ة على الأظه-ر - أو تمكّن من استعلامها، وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل.(1)
----------
تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾(1) الأمر بطلاقهنّ في طهر يكون من عدّتهنّ، وغير المدخول بها لاعدّة لها، كما أنّ الحامل عدّتها وضع الحمل على كلّ حالٍ، وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الآية - كالأخبار - دالّة على استثنائهما أيضاً.
(1) يصحّ طلاق الغائب في الجملة إجماعاً ولا إشكال فيه، وعليه الروايات الكثيرة، وإنّما الكلام والإشكال في إطلاقه، فإنّ في المسألة أقوال خمسة:
الأوّل: عدم اشتراط التربّص، وأنّ المناط تحقّق وصف الغائب مع الجهل بحال الزوجة، والتقييد بالجهل وإن لم يكن بمص-رّح به في كلماتهم المرئيّ--ة والمحكيّ--ة،(2)
ص: 96
...
----------
لكنّه هو المستفاد والمعلوم عرفاً من مناسبة الحكم والموضوع؛ وذلك لعدم الخصوصيّ-ة للغائب بما هو هو الموجب لجواز الطلاق حتّى مع العلم ب-الحال وأنّ الزوجة حائض، بل الخصوصيّ-ة إنّما تكون من جهة سببيّ-ة الغيبة للجهل غالباً لاسيّما في مثل زمان القائلين بهذا القول ممّا كانت الأجهزة الإعلاميّ-ة والاتّصالات اليوميّ-ة قليلة جدّاً. وهو المحكيّ عن عليّ بن بابويه وابن أبي عقيل(1) وسلّار(2) والمفيد(3) وأبي الصلاح،(4) بل قد ادّعى ثانيهم التواتر عليه.
الثاني: ما هو المحكيّ عن الصدوق في الفقيه(5) والشيخ في موضع منالنهاية(6) وصريح ابن حمزة على المحكيّ،(7) وهو تربّص شهر فصاعداً.
الثالث: اعتبار تربّص ثلاثة أشهر مع العلم ببراءة رحمها من الحمل فيما إذا خرج بعد المواقعة، وهو المحكيّ عن ابن الجنيد(8) والعلّامة في المختلف.(9)
الراب-ع: التفصيل بين السفر في طهر غير المواقع-ة، فيج-وز له الطلاق من دون
ص: 97
...
----------
اشتراط، بخلاف كونه في طهر المواقعة، فعليه التربّص ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، وهو للشيخ في موضع من النهاية (1) وصريح ابن البرّاج على المحكيّ عنه.(2)
الخامس: التفصيل كذلك مع اعتبار العلم بخروجها من ذلك الطهر إلى طهر آخر، وهو المشهور بين المتأخّرين. وجعله الشرائع(3) المحصّل في المسألة ، وذهب إليه قبلهم الشيخ في الاستبصار.(4)
هذا، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار، وهي على طوائف:
الأُولى: تدلّ على جواز طلاق الغائب مطلقاً، وهي أخبار استثناء الخمس المنقولة في المسألة السابقة وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سألته عن الرجل يطلّق امرأته وهو غائب؟ قال: «يجوز طلاقه على كلّ حالٍ، وتعتدّ امرأته من يوم طلّقها».(5)
ورواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يطلّق امرأته وهو غائب، فيعلم أنّه يوم طلّقها كانت طامثاً، قال: «يجوز».(6)فمقتضى الإطلاق في تلك الأخبار وترك الاستفصال في هاتين الروايتين هو عدم اعتبار التربّص أصلاً.
ولقائل أن يقول: التمسّك بالإطلاق غير تمام، أمّا في أخب-ار الخمس، فلأنّ-ه في
ص: 98
...
----------
مقام العدّ لا المعدود وأنّ الغائب على الإطلاق مورد للاستثناء أو مع القيد، والمفيد في المقام هو الإطلاق في المعدود لا في العدّ كما لا يخفى. وأمّا في الروايتين، فلأنّ السائل فى صحيحة ابن مسلم ليس في مقام السؤال عن صحّة طلاق الغائب بما هو غائب حتّى يكون في ترك الاستفصال دلالة على العموم بل السؤال عن اشتراط طلاقه كغيره بالخلوّ عن الحيض وعدمه، فالسؤال هو عن أصل الاستثناء، فتكون مثل أخبار الخمس، وفي رواية أبي بصير السؤال عن طلاق الغائب المنكشف كونه في حال الحيض بعد وقوعه، كما يظهر من عطفه العلم بالطلاق بالفاء المفيدة للتعقيب، فليس السؤال إلّا عن صورة خاصّة، فالاستدلال للعموم بترك الاستفصال في هذه الرواية أضعف من غيرها.
هذا مضافاً إلى ما يمكن أن يقال: في جلّ أخبار الخمس، بل في غير صحيح ابن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي عبدالله وأبي جعفر(علیهما السلام) من أنّها ناظرة إلى حال المرأة وأنّهنّ يطلّقن على كلّ حالٍ، فالإطلاق - على التسليم - بالنسبة إلى حالات المرأة الغائب عنها زوجها لا بالنسبة إلى الزوج الغائب ومدّة التربّص.
نعم، التمسّك بالإطلاق في تلك الصحاح له وجهٌ وهو شمول «متى شاءت» لكلّ الأزمنة من الغيبة في المدّة اليسيرة والكثيرة، فالصحاح بإطلاقها تدلّ على صحّة طلاق الغائب ولو قبل مضيّ الشهر، لكنّ الحمل كذلك بعيدٌ جدّاً، فإنّ الظاهر كون المراد من كلمة «متى» الزمانيّ-ة العموم من حيث خلوّ الزوجة عن الحيض وعدم-ه، فإنّه المحطّ للاستثناء، ويشهدله سياق بقيّ-ة الأخبار من التعبير ب- «كلّ حالٍ». فتدبّر.
الثاني-ة: ما تدلّ على اشتراط مضيّ شهر واح-د، كموثّقة إسح-اق بن عمّار، عن
ص: 99
...
----------
أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً».(1) وما عن ابن سماعة، قال: سألت محمّد بن أبي حمزة: متى يطلّق الغائب؟ فقال: حدّثني إسحاق بن عمّار، أو روى إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، أو أبي الحسن(علیه السلام)، قال: «إذا مضى له شهر».(2)
الثالثة: ما تدلّ على اشتراط التربّص بثلاثة أشهر وما فوقها، كصحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتّى تمضي ثلاثة أشهر».(3)
وموثّقة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم(علیه السلام): الغائب الذي يطلّق أهله كم غيبته؟ قال: «خمسة أشهر، ستّ-ة أشهر»، قال: حدّ دون ذا. قال: «ثلاثة أشهر».(4)
الرابعة: ما تدلّ على أنّ طلاق الغائب بالأهلّة والشهور، كموثّقة ابن بكير، قال: أشهد على أبي جعفر(علیه السلام) إنّي سمعته يقول: «الغائبيطلّق بالأهلّة والشهور».(5) ولا يخفى عليك عدم منافاة الرابعة للبقيّ-ة؛ لأنّ النسبة بينهما نسبة الإجمال والتفسير، كما أنّه يحتمل أن يكون الاعتداد بالأهلّة والشهور؛ وذلك لما ورد في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج(6) في الحاضر الذي لا يمكنه الوصول بل الظاهر هو ذلك.
ص: 100
...
----------
وما ذكر أو يمكن أن يذكر في رفع الاختلاف والجمع بين هذه الأخبار وجوهٌ:
أحدها: ما عن الشيخ في الاستبصار، وهو الدليل لأصحاب القول الخامس، بحمل الأخبار المختلفة في مدّة التربّص على اختلاف عادات النساء في الحيض وعلم الزوج بحال زوجته في ذلك، فقال: فمن يعلم من حال زوجته أنّها تحيض في كلّ شهر يجوز له أن يطلّقها بعد انقضاء الشهر، ومن يعلم أنّها لا تحيض إلّا في كلّ ثلاثة أشهر لم يجز له أن يطلّقها إلّا بعد انقضاء ثلاثة أشهر، وكذلك من تحيض في كلّ ستّ-ة أشهر، وحينئذٍ فالمراعى في جواز ذلك مضيّ حيضة وانتقالها إلى طهر لم يقربها فيه بجماع،(1) واقتفاه أكثر المتأخّرين. قال المحقّق الثاني(قدس سرُّه) :
والذي يقتضيه النظر الصحيح والوقوف مع القوانين الأُصوليّ-ة هو مختار الشیخ في الاستبصار؛ وذلك لأنّ الأخبار الدالّة على وجوب التربّص مدّة ليصحّ الطلاق لا يجوز إجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي، ولا اطّراح بعضها، فلم يبق إلّا الجمع بينها بالحمل على أنّ المراد مراعاة زمان يعلم الزوج الغائب حصول الحيض بعد طهر الجماع والانتقال عنه إلىالطهر، وأنّ الاختلاف منزّل على اختلاف عادة النساء في حصول الحيض باعتبار شهر أو ثلاثة أو خمسة أو ستّ-ة، فقد اشتركت أخبار التربّص في أنّ الانتقال من طهر إلى آخر شرط صحّة الطلاق من الغائب ولو ظنّ-اً مستف-اداً من عادة المرأة إن كانت معلومة،
ص: 101
...
----------
وإلّا فمن غالب عادات النساء. ودلّت رواية أبي بصير(1) على أنّه لو طلّقها وعلم يوم طلقها أنّها كانت طامثاً يجوز الطلاق. ولا ريب أنّ ما اشتركت فيه هذه الأخبار مختصّ بعموم الخبرين الدالّين على جواز تطليق زوجة الغائب على كلّ حالٍ.(2)
ولا يتوهّم أنّ المعتبر عند أصحاب هذا القول هو العلم بالانتقال وانقضاء الحيض كما هو صريح الشرائع،(3) لكنّ الظاهر من المحقّق الثاني هو الاكتفاء بالظنّ؛ حيث إنّ مرادهم من العلم بقرينة اكتفائهم بمضيّ مدّة الحيض من أشهر وغيره هو الحجّة المعتبرة المستندة إلى الظنّ الحاصل من الانقضاء. هذا، مع أنّ العلم في الفقه والألسنة المتعارفة هو الحجّة كما بيّنّاه مرّة بعد مرّة، وحقّقناه في الأُصول عند البحث عن حديث الرفع.
أقول: إنّ مقتضى القاعدة الأُصوليّ-ة وإن كان تقييد الأخبار المطلقة(4) المستندة للشيخ المفيد ومن تبعه بأخبار التربّص لكنّ الإشكال في تلك الأخبار لما بينهما من التعارض فلابدّ من رفع التعارض بينهما ثمّ التقييد بها، وما ذكروه من الجمع فليس في الأخبار إشعار به أصلاً ويكون الجمع تبرّعاً محضاً والسؤال قد وقع فيها عن مطلق المطلّق لا عن واقعة مخصوصة حتّى يتوجّه احتمال كون المطلّقة المسؤول عنها معتادة بتلكالعدّة، فحملها على العادات المختلفة بعيدٌ جدّاً.
ص: 102
...
----------
لا يقال: إنّ موثّقة إسحاق بن عمّار المنقولة في الطائقة الثالثة(1) حيث إنّها حاكمة على موثّقته الأُخرى وعلى ما عن ابن سماعة المنقولتين في الطائفة الثانية؛(2) لأنّها تفسّر الغائب فيرتفع التعارض بينهما.
لأنّه يقال: - مضافاً إلى عدم جريان ذلك في صحيحة جميل؛ لعدم كون الموضوع فيها الغائب، بل الموضوع فيها الرجل الخارج من منزله، والحكومة تابعة للسان الدليل - إنّه لم يقل بذلك أحد، ويكون مخالفاً للإجماع؛ حيث إنّ اللازم من الجمع كذلك تربّص أربعة أشهر، ثلاثة أشهر، لتحقّق الغائب حكومة، وواحد لاعتباره في الغائب.
ثانيها: حمل المطلقات على شهر واحد، والثلاثة والخمسة والستّ-ة على الندب، والشاهد له اختلاف الروايات مع اتّحاد الراوي في اثنتين منها، وهو في روايتي إسحاق بن عمّار.(3)
ولا يخفى عدم تماميّته؛ لعدم اختلافها كثيراً موجباً للحمل كذلك، فإنّ الأخبار بين طائفتين من شهر واحد وثلاثة أشهر، والزائد على الثلاثة ليس بمعتبرٍ؛ وذلك لما في الموثّق الدالّ عليه بالاجتزاء بالثلاثة، ففيه قال: «خمسة أشهر أو ستّ-ة»، قلت: حدّ دون ذا، قال: «ثلاثة أشهر». هذا، مع أنّ الحمل عليه يلزم أن يجري في الشهر الواحد أيضاً فكيف يكون متعيّناً؟ نعم، في وحدة الراوي دلالة عليه، لكنّه غير كافٍ.
ثالثها: ما في الجواهر من حمل المطلّقات على طهر غير المواقعة واعتبار ثلاث-ة
ص: 103
...
----------
أشهر أو شهر واحد على من خرج في طهر المواقعة، فإنّ طلاق الغائب بعد مض-يّ ثلاثة أشهر في المسترابة يقع صحيحاً؛ لأنّ الطلاق لابدّ أن يكون في العدّة، قضاءً للآية الشريفة،(1) فالمرأة في ذلك الزمان لا تخلو من أن تكون حاملاً أو حائلاً والطلاق فيهما في العدّة، أمّا في الحامل؛ لكون انقضاء عدّتها بالوضع ويصحّ طلاقها في حاله وإن كانت حائضاً، وأمّا في الحائل؛ فلعدم إضرار الحيض في الغائب غير العالم، فإنّ المتيقّن من مانعيّته إنّما هو في غير الغائب ممّن لا يتعذّر ولا يتعسّر عليه تحصيل العلم.
وعين هذا الكلام يجري في مستقيمة الحيض بعد مضيّ الشهر؛ لأنّ المطلّقة بعد انقضاء عدّتها وهي شهران أو ثلاثة أشهر إمّا تكون حاملاً فطلاقها كان في الحمل وإمّا تكون حائلاً فطلاقها لم يك-ن في طهر المواقعة، ووقوع-ه ف-ي الحيض غير مضرّ في الغائب كما م-رّ،(2) فقال:
بل من التأمّل فيما ذكرنا قد ينقدح وج-ه جمع بين ما دلّ م-ن النصوص التي سمعت تواترها على طلاق الغائب على كلّ حالٍ بحملها على الغائب عنها في طهر لم يواقعها فيه ولم يعلم بكونها حائضاً ولو لعادة لها وقتيّ-ة - مثلاً - معلومة لديه، وبين ما دلّ منها على اعتبار الثلاثة أشهر، وهي صحيح جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «الرجل إذا خرج من منزله إلى السفرفليس له أن يطلّق حتّى تمض-ي ثلاثة أشهر».(3)
ص: 104
...
----------
وموثّق إسحاق بن عمّار، قلت لأبي إبراهيم(علیه السلام): الغائب الذي يطلّق كم غيبته؟ قال: «خمسة أشهر أو ستّ-ة أشهر»، قلت: حدّ دون ذلك، قال: «ثلاثة أشهر».(1)
وحسن ابن بكير، قال: أشهد على أبي جعفر(علیه السلام) أنّي سمعته يقول: «الغائب يطلّق بالأهلّة والشهور»،(2) التي عن الإسكافي(3) العمل بها وطرح ما عداها، وتبعه في المختلف(4) بحملها على من خرج في طهر المواقعة، ضرورة أنّه مع مض-يّ المدّة المزبورة إمّا أن تكون مستبينة الحمل وطلاقها حينئذٍ للعدّة، أوحائضاً وهو غير قادح في الغائب، بل قد يحصل ذلك في الامرأة المستقيمة التي ه-ي غير مستراب-ة بمضيّ شهر مضافاً إلى عدّتها.
وعليه، ينزّل موثّق إسحاق، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً»، وخبر ابن سماعة، سألت محمّد بن أبي حمزة: متى يطلّق الغائب؟ قال: حدّثني إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أو أبي الحسن(علیه السلام)، قال: «إذا مضى له شهر».(5).
فتجتمع حينئذٍ جميع النصوص على معنى واحد، وإليه أشار الصدوق في الفقيه بقول-ه: وإذا أراد الغائب أن يطلّق امرأت-ه فحدّ غيبت-ه أنّ-ه إذا غابها
ص: 105
...
----------
كان له أن يطلّق متى شاء خمسة أشهر أو ستّ-ة، وأوسطه ثلاثة أشهر، وأدناه شهر.(1)
بل لا يبعد إرادة الانتقال من طهر إلى زمان طهر آخر من الشهر في النصوص، ولعلّ هذا هو الوجه في اختلاف النصوص، وأولى من العمل بأحدها وطرح الآخر.(2)
وفيه: أنّ الجمع كذلك كالجمع السابق تبرّعي لا شاهد له، لا من العقل ولا من النقل، وما ذكره ; وجهاً لصحّة الطلاق من وقوعه إمّا على الحامل المستبين حمله أو الحائل المنقضي حيضه فإنّه وإن كان فيه الدقّة الفقهيّ-ة إلّا أنّ العرف لا يعلمه، فضلاً عن المساعدة عليه، بل غير واحد من علمائهم وفقهائهم لا يعلمونه إلّا بعد الدقّة الكثيرة فكيف يعتمد على هذا النحو من الجمع الذي ليس بعرفي، بل ليس إلّا جمعاً دقيقاً فقهيّاً لا يبدو إلّا من مثل صاحب الجواهر المستنبط لجواهر الأحكام بالغوص في بحار الكتاب والسنّ-ة، المؤلف لجواهر الكلام في الفقه الذي لا تجد فرعاً من كلّ أبواب الفقه إلّا وقد تعرّضه، والذي قال أُستاذنا الإمام (سلام الله علیه) في حقّه أنّه الذي يعجز عن تأليفه مأة من الفقهاء! هذا، مع أنّ مض-يّ ثلاثة أشهر وإن كان غالباً موجباً للعلم أو الاطمئنان بالحمل وعدمه، لكنّ-ه ليس على الدوام فيبقى حال غير الغالب غير معلوم ولا يستقي-م مع ما ذكره ; ومع أنّ حمل المطلق-ات على الخارج في طهر غير المواقعة ممّا لا شاهد له أصلاً،فإنّه وإن سلّمنا كون الاختلاف في أخبار التربّص شاهداً على م-ا ذك-ره ; من الجمع فهو مختصّ
ص: 106
...
----------
بتلك الأخبار دون المطلقات كما لا يخفى.
رابعها: حمل الشهر الواحد على المستقيمة، والثلاثة على غيرها على أن تكون للأهلّة والشهور خصوصيّ-ة. وفيه أنّه لا شاهد له أيضاً ويكون تبرّعاً محضاً.
خامسها: ما في المسالك(1) من تقييد الإطلاقات بأخبار التربّص ثلاثة أشهر؛ لصحّتها وموافقتها مع الاعتبار، لأنّ الغالب في الغائب عن زوجته أن يكون حالها مجهولاً وحملها ممكناً في وقته، ومع جهله بحالها تصير في معنى المسترابة إلّا أن يعلم عادة المرأة وانتقالها بحسبه من طهر إلى طهر آخر فيكفي تربّصه ذلك المقدار.
وفيه: أنّه تمام على مبناه من اختصاص حجيّ-ة الخبر بالصحيح الأعلائي(2) وأمّا على ما هو الحقّ من حجيّ-ة الخبر وإن كان موثّقاً، بل وإن كان موثوق الصدور فالتعارض في محلّه.
سادسها: حمل موثّقة عمّار(3) الدالّة على اعتبار الشهر بما في صحيحة عبدالرحمن(4) من كون الشهر للغائب الذي يصل إليها الأحيان، ولا يصل إليها الأحيان فيتركها شهراً ولا يصل إليها ليصير سبباً لجهله، فإنّ المناط في الغائب الجهل كما يظهر من الصحيحة ويكون مناسباً للغيبة، وحملالدالّة على اعتبار الثلاثة على الأولويّ-ة والاستحباب بشهادة موثّقة عمّار، عن أبي إبراهيم(علیه السلام)، حيث إنّ الإمام(علیه السلام) لم يعيّن المدّة في جواب إسحاق عن مدّة الغيبة في الغائب الذي يطلّق، بل أجابه (علیه السلام) بقوله:
ص: 107
...
----------
«خمسة أشهر [أو] ستّ-ة أشهر»،(1) والجواب كذلك لا يلائم الوجوب بل منافٍ له، وما في الذيل من بيان الحدّ الذي يكون دون ذلك وإن كان في حدّ نفسه ظاهراً في الوجوب لكنّه لمّا يكون بعد سؤال السائل فظهوره لمكان الترديد في الاستحباب محفوظٌ وإلّا فيلزم نقصان جوابه(علیه السلام) كما لا يخفى. وهذا الوجه من الجمع هو أظهر الوجوه وعليه الشاهد من الأخبار ويكون موافقاً للاعتبار وهو الوجه كما في المتن.
ثمّ إنّ احتمال أنّ الأهلّة والشهور ليست شرطاً في صحّة الطلاق من باب الحيض والطهر بل هو حكم للغائب عند الطلاق؛ فإنّ ترك المرأة في السفر في موثّقة عمّار لا معنى له إلّا مضيّ المدّة، فالملاك هو مضيّها، وعلى هذا يؤخذ بظاه-ر عنوان الغائب. ويشعر به ما عن محمّد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض موالينا إلى أبي جعفر(علیه السلام) معي: إنّ امرأة عارفة أحدث زوجها فهرب من البلاد فتبع الزوج بعض أهل المرأة. فقال: إمّا طلّقت وإمّا رددتك، فطلّقها، ومض-ى الرجل على وجهه فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطّه: «تزوّجي يرحمك الله».(2) إلّا أنّه مع اختصاصه بالموثّقة ممّا لا يذهب إليه الفقيه العارف بأحكام الطلاق وأدلّة شرائطه.
ثمّ إنّ رواية إسحاق بن عمّار نصّ في صحّة الطلاق بعد مض-يّ شهر واحد، وصحيحة جميل ظاهرة في عدم الجواز، فيحمل النفي هنا علىالكراهة، وكذا موثّقة عمّار الأُخرى ظاهرة في الجواز بعد مضيّ ثلاثة أشهر وعدم الجواز قبله، فحمل الروايات على الاستحباب لهذا الوجه وجيهٌ إلّا أنّ الإشكال في الوجه، فإنّه غير تمام على ما حقّق في محلّه.
ص: 108
(مسألة 12): لو غاب الزوج، فإن خرج حال حيضها، لم يجز طلاقها إلّا بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض، أو كانت ذات العادة ومضت عادتها، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان، لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان، صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض، وإن خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه، طلّقها في أيّ زمان لم يعلم بكونها حائضاً، وصحّ طلاقها وإن صادف الحيض. نعم، لو طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيّض فيه بطل إن صادفه.(1)
ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت - بمقتض-ى العادة - من ذلك الطهر إلى طهر آخر، ويكفي تربّص شهر، والأحوط أن لا ينقص عن ذلك، والأولى تربّص ثلاثة أشهر. هذا مع الجهل بعادتها، وإلّا فيتبع العادة على الأقوى. ولو وقع الطلاق بعد التربّص المذكور لم يض-رّ مصادفة الحيض في الواقع(2) ب-ل الظاهر أنّه لا يضرّ مصادفت-ه للطهر الذي واقعها في-ه؛ بأن طلّقها بعد
----------
(1) لاستصحاب الحيض المتيقّن حال خروجه المنقطع بالقطع بخلافه أو بمضيّ المدّة والمحكّم فيهما إطلاق روايات الغائب لعدم اختصاصها بالخروج مع الجهل بحال الزوجة، ووجه ما استدركه بقوله: «نعم» معلوميّ-ة عدم كون الغائب بما هو هو موضوعاً للحكم ومورداً للاستثناء بل الاعتبار به من جهة ملازمته للجهل بحالها فإنّه المناسب معه في الاستثناء.
(2) كفاية الانتقال بمقتض-ى العادة هي من جهة حجّيّ-ة العادة ظاهراًوالاحتياط بمضيّ الشهر من جهة الغلبة والعمل برواية الشهر وأمّا الأولويّ-ة بالنسبة إلى الثلاثة فلما مرّ(1) من الجمع بالحمل على الاستحباب وكثرة الاستظهار.
ص: 109
شهر - مثلاً - أو بعد مضيّ مدّة علم - بحسب عادتها - خروجها عن الطهر الأوّل والحيض الذي بعده، ثمّ تبيّن الخلاف.(1)
(مسألة 13): الحاضر الذي يتعذّر أو يتعسّر عليه معرفة حال المرأة - من حيث الطهر والحيض - كالغائب، كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها بسهولة بلا تعسّر كالحاضر.(2)
----------
(1) وجه الظهور هو أولويّ-ة كشف الطهر من كشف الحيض فإنّ فيه فقدان الشرطين وهما عدم الحيض وعدم كون الطهر غير المواقعة وفي كشف الحيض فقدان الشرط الأخير فقط، وأيضاً أنّه لا خصوصيّ-ة للحيض، بل المعيار هو الغيبة واستثناء الغائب من الشرطين.
(2) لعدم الخصوصيّ-ة للغائب؛ وذلك لصحيحة عبدالرحمن، قال: سألت الحسن(علیه السلام) ع-ن رج-ل تزوّج ام-رأة س-رّاً من أهلها «أهله - في الفقيه»،(1) وه-ي ف-ي منزل أهلها «أهل-ه - في الفقيه» وقد أراد أن يطلّقها وليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت؟ قال: فقال: «هذا مثل الغائب عن أهله، يطلّق بالأهلّة والشهور»، قلت: أ رأيت إن كان يصل إليها الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلّقها؟ قال: «إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلّقها إذا نظر إلى غرّة الشهر الآخر بشهود ويكتب الشهر الذي يطلّقها فيه ويشهد على طلاقها رجلين، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو خاطب منالخطّاب، وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تعتدّ فيها».(2)
ص: 110
...
----------
ولا أجد - كما قال في الجواهر - خلافاً في المسألة إلّا من الحلّي(1) فيما حكي عنه؛(2) بناءً على أصله من عدم العمل بخبر الواحد، فإلحاق الحاضر حينئذٍ بالغائب قياسٌ، والمتّجه بقاؤه حينئذٍ على حكم الحاضر من عدم جواز طلاقه حتّى يعلم انتقالها من طهر المواقعة وخلوّها عن الحيض حين الطلاق، ولكنّه كما ترى.(3)
قد ذكر الشهيد (قدس سرُّه) في المسالك(4) صوراً لطلاق الغائب قد مرّ(5) بعضها في المتن وبقي منها بعض يجدر ذكر تمامها إتماماً للفائدة، قال (قدس سرُّه):
إذا طلّق الغائب زوجته فلا يخلو؛ إمّا أن يطلّقها بعد مضيّ المدّة المعتبرة أو قبلها، وعلى التقديرين؛ إمّا أن يوافق فعله كونها جامعة لش-رائطه في الواقع؛ بأن يكون قد حاضت بعد طهر المواقعة وطهرت فوقع الطلاق حال الطهر أو لا يوافق؛ بأن تبيّن وقوعه في طهر المواقعة أو حالة الحيض أو يستمرّ الاشتباه. وبيان الحكم ينتظم في مسائل:
الأُولى: أن يطلّقها مراعياً للمدّة المعتبرة ثمّ تظهر الموافقة، بأن كانت قد انتقلت من طهر المواقعة إلى آخر، وهنا يصحّ الطلاق إجماعاً؛ لاجتماع الشرائط المعتبرة في صحّته ظاهراً وفي نفس الأمر.
ص: 111
...
----------
أقول: اعتباره المدّة في هذه المسائل مبنيّ-ة على مختاره من الخصوصيّ-ة لها، كما أنّها تختلف باختلاف المباني من اعتبار الشهر أو الثلاثة، أو اعتبارهما باعتبار الاختلاف في الحيض، وأمّا على المختار من كفاية الحجّة على الانتقال فلا خصوصيّ-ة للمدّة بما هي هي بل الاعتبار بالحجّة. نعم، المدّة تكون من مصاديقها.
وكيف كان، فالوجه في الصحّة هو ما ذكره; واقتفاه الجواهر إلّا أنّه ادّعى عدم الخلاف في الصحّة(1) ونسب الإجماع إلى المسالك(2) وفيه وفي أمثاله الكثيرة الواقعة في الجواهر، لشهادة على دقّته; في نقل الفتاوى والإجماعات، فالمسألة مع أنّها كانت من واضحات الفقه وليس للفقيه إلّا الإفتاء بالصحّة لاجتماع الش-رائط ظاهراً وواقعاً، لكنّه; مع ذلك قال:
لمّا لم يحصل له الإجماع فلم يدّعه بنفسه، بل حكاه عن غيره واكتفى بنفي الخلاف المحصّل له.
قال (قدس سرُّه):
الثانية: أن يطلّقها كذلك، ولكن ظهر بعد ذلك كونها حائضاً حال الطلاق، وهنا يصحّ الطلاق أيضاً؛ لأنّ شرط صحّته للغائب مراعاة المدّة المعتبرة وقد حصل، والحيض هنا غير مانع؛ لعدم العلم به، وهو ممّا قد استثني من صور المنع من طلاق الحائضبالنصّ والفتوى. وفي رواية أبي بصير، قلت: الرجل يطلّق امرأته وهو غائب فيعلم أنّه يوم
ص: 112
...
----------
طلّقها كانت طامثاً، قال: «يجوز».(1) والمراد من هذه الرواية أنّه لم يكن عالماً بالحيض حال الطلاق، ثمّ علم؛ لعطفه العلم على الطلاق بالفاء المفيدة للتعقيب. ولا خلاف في هذه الصورة أيضاً.
الثالثة: الصورة بحالها في أنّه طلّق بعد المدّة المعتبرة ولكن ظهر بعد ذلك كونها باقية في طهر المواقعة لم تنتقل منه إلى حيض ولا إلى طهر آخر، وهو صحيح أيضاً كالسابقة، لعين ما ذكر فيها، وهو وقوعه على الوجه المعتبر شرعاً، ولأنّ الطلاق إذا حكم بصحّته في حالة الحيض بالنصّ والإجماع فلأن يحكم بصحّته في حالة الطهر أولى؛ لما قد عرفت من أنّ شرط الطلاق في غير الغائب أمران: وقوعه في طهر، وكون الطهر غير طهر المواقعة، فإذا اتّفق وقوعه في حالة الحيض تخلّف الش-رطان؛ لعدم طهر آخر غير طهر المواقعة وعدم الخلوّ من الحيض، وإذا اتّفق وقوعه في حالة الطهر فالمتخلّف شرط واحد وهو كون الطهر غير طهر المواقعة، فإذا كان تخلّف الشرطين في الغائب غير مانع فتخلّف أحدهما أولى بعدم المنع. وربما قيل(2) هنا بعدم الوقوع؛ لانتفاء شرط الصحّة وهو استبراء الرحم، خرج منه حالة الحيض للرواية فيبقى الباقي، وللمنع عن وجود الشرط، وأنّالإذن في الطلاق استناداً إلى الظنّ لا يقتضي الحكم بالصحّة إذا ظهر بطلان الظنّ. وجوابه: أنّ الش-رط المعتبر في استبراء الرحم للغائب إنّما هو مراعاة المدّة المعتبرة وهو حاصل، وموضع النصّ والفتوى
ص: 113
...
----------
- وهو حالة الحيض - منبّه عليه، وظهور بطلان الظنّ غير مؤثّر فيما حكم بصحّته. والحاصل: أنّ الشرط المعتبر حاصل والمانع - وهو ظهور الخطأ - غير معلوم المانعيّ-ة، وقد تخلّف فيما هو أولى بالحكم أو مساوٍ في المنع، وكون الحكمة في انتظار المدّة المقرّرة هو استبراء الرحم غير لازم؛ لأنّها مستنبطة لا منصوصة فلا يلزم اطّرادها، وإنّما المنصوص اعتبار انقضاء المدّة المعتبرة واستنبط منها (معها - خ. ل) الاكتفاء بظنّ الانتقال من طهر إلى آخر، وكلاهما متحقّق.
الرابعة: أن يطلّقها مراعياً للمدّة المعتبرة ويستمرّ الاشتباه فلا يعلم كونها حائضاً حال الطلاق أو طاهراً طهر المواقعة أو غيره، وهنا يصحّ الطلاق قولاً واحداً، لوجود المقتضي للصحّة وهو استبراؤها المدّة المعتبرة مع باقي الشرائط وانتفاء المانع، إذ ليس ثمّ إلّا اشتباه الحال وهو غير صالح للمانعيّ-ة، وكون انتقالها من طهر المواقعة إلى آخر شرطاً في صحّة الطلاق مخصوص بالحاضر، وأمّا الشرط في الغائب، فهو مض-يّ المدّة المعتبرة مع عدم العلم بكونها حائضاً حال الطلاق أو باقية في طهر المواقعة، فمتى انتفى العلم بذلك حصل الشرط.
الخامسة: أن يطلّقها قبل مضيّ المدّة المعتبرة ولكن ظهر بعد الطلاق وقوعه في طهر لم يواقعها (لم يقربها - خ. ل) فيه، وفي صحّة الطلاق حينئذٍ وجهان؛ من حصول شرط الصحّة في نفسالأمر وظهور الحال، ومن عدم اجتماع الش-رائط المعتبرة في الطلاق حال إيقاعه المقتض-ي لبطلانه، ويمكن أن يجعل ظهور اجتماع الشرائط بعد ذلك كاشفاً عن
ص: 114
...
----------
صحّته، خصوصاً مع جهله ببطلان الطلاق من دون مراعاة الش-رط؛ لقصده حينئذٍ إلى طلاق صحيح ثمّ ظهر اجتماع شرائطه. والأظهر الصحّة.
أقول: بل الأقوى؛ وذلك لإطلاق أدلّة الش-رائط، كما قاله في الجواهر،(1) بل لظهور أدلّة الإحراز في أنّ الإحراز طريقي لا نفسي.
قال (قدس سرُّه):
السادسة: أن يطلّقها قبل الاستبراء وتبيّن عدم الانتقال أو يستمرّ الاشتباه فيبطل الطلاق عند كلّ من اعتبر المدّة؛ لوجود المقتضي للبطلان وهو عدم التربّص به المدّة المعتبرة وعدم انكشاف حصول ما يقتض-ي الصحّة، بخلاف السابق.
أقول: ولا يخفى عليك الفرق في البطلان في الصورتين، حيث إنّه واقعي مع التبيّن وظاهري مع استمرار الاشتباه.
قال (قدس سرُّه):
السابعة: لو طلّقها بعد انقضاء المدّة المعتبرة ولكن اتّفق له مخبر يجوز الاعتماد عليه شرعاً بأنّها حائض بسبب تغيّر عادتها، ففي صحّة الطلاق حينئذٍ وجهان: أجودهما العدم، وكذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة أو بكونها حائضاً حيضاً آخر بعد الطهر المعتبر في صحّة الحيض؛ لاشتراك الجميع في المقتضيللبطلان، وصحّة طلاقه غائباً مشروط بعدم
ص: 115
...
----------
الظنّ بحصول المانع.
أقول: إنّ قوله بأنّ الروايات مش-روطة بعدم الظنّ بالخلاف، ففيه: أنّ لها إطلاق، وانص-رافها غير معلوم، ويؤيّده إطلاق عبارات الأصحاب، بل الانصراف كذلك معلوم العدم، كيف وطلاق الغائب مع رعاية شرائطه صحيح نصّاً وفتوىً مع العلم بخلافه، فضلاً عن الظنّ المعتبر.
هذا بناءً على كون المراد من العبارة إخبار المخبر بعد الطلاق، وأمّا بناءً على مقارنة الإخبار بالطلاق كما في الجواهر(1) بل استظهره من المسالك ففيه إمكان منع الاشتراط المزبور؛ وذلك لإطلاق الأدلّة المقتص-ر في تقييدها على صورة العلم خاصّة. نعم، قد يقال باعتبار خصوص خبر العدل، بناءً على أنّه من العلم شرعاً في هذا المقام دون كلّ ظنّ.
قال (قدس سرُّه):
الثامنة: لو كان خروج الزوج في طهر آخر غير طهر المواقعة صحّ طلاقها من غير تربّص ما لم يعلم كونها حائضاً، ولا يشترط هنا العلم أو الظنّ بعدم الحيض، بخلاف ما سبق. والفرق: أنّ شرط الصحّة هنا موجودٌ وهو استبراؤها بالانتقال من طهر إلى آخر، وإنّما الحيض بعد ذلك مانع من صحّة الطلاق، ولا يشترط في الحكم بصحّة الفعل العلم بانتفاء موانعه، بل يكفي عدم العلم بوجودها، بخلاف السابق، فإنّ شرط صحّة الطلاق مضيّ المدّة المعتبرة المشتملة على العلم بانتقالها من طهر إلى آخر،والجهل بالشرط يقتضي الجهل بصحّة المشروط.
ص: 116
...
----------
أقول: ما ذكره من الحكم تمام؛ قضاءً لأخبار الغائب، لا لما علّله من الفرق في الشكّ في الشرط والمانع، وذلك لما مرّ من عدم التماميّ-ة، وإن كان مورداً للخلاف.
قال (قدس سرُّه):
التاسعة: النفاس هنا كالحيض في المنع والاكتفاء بطهرها منه، فلو غاب وهي حامل ومضت مدّة يعلم بحسب حال الحمل وضعها وطهرها من النفاس جاز طلاقها، كما لو انتقلت من الحيض. ويكفي في الحكم بالنفاس ظنّه المستند إلى عادتها وإن كان عدمه ممكناً كما قلناه في الحيض، ومثله ما لو كان حاضراً ووطأها قبل الوضع، فإنّه يكتفي بنفاسها في الاستبراء.
العاشرة: لو وطأها حاملاً ثمّ غاب وطلّق قبل مضيّ مدّة تلد فيها غالباً وتنفّس فصادف الطلاق ولادتها وانقضاء نفاسها، ففي صحّته الوجهان الماضيان في الحيض، والحكم فيهما واحد.
أقول: وقد أورد في الجواهر على اعتبار مضيّ المدّة ؛ لأنّ طلاق الحامل لا يعتبر فيه مضيّ المدّة بما هذا لفظه:
وفيه: أنّه يمكن القول بجواز طلاقها على كلّ حالٍ ما لم يعلم نفاسها؛ لاجتماع جهتي الجواز فيه، وهي الحمل وكونه غائباً، ولا مدخليّ-ة للمدّة هنا فيه، وحينئذٍ فلو وطأها حاملاً ثمّ غاب عنها وطلّق قبل مضيّ مدّة تلد فيها غالباً فصادف الطلاق نفاسها صحّ، وكذا لو صادف ولادتها وانتفاء نفاسها، وليس هو كالطلاق قبلالمدّة فصادف حيضها وطهرها؛ وذلك لأنّ احتمال البطلان بسبب احتمال كون مض-يّ المدّة شرطاً ولم يحصل، بخلاف المقام الذي لا وجه فيه لاعتبار الم-دّة، ضرورة
ص: 117
...
----------
كونها حام-لاً أو في طه-ر لم يقربها فيه، وكلّ منهما لا يعتبر فيه م-دّة أصلاً كما عرفت؛ إذ الم-دّة إنّما اعتبرت لتحصيل الظ-نّ بالانتقال إلى طهر آخ-ر باعتبار مواقعته لها في الطهر الذي غاب فيه، وفي الفرض لا تقدح مواقعته؛ لكونها حاملاً أو في طهر لم يواقعها فيه.(1)
قال (قدس سرُّه):
واعلم أنّ المراد بالعلم في هذه المواضع كلّها معناه العامّ، وهو الاعتقاد الراجح الشامل للظنّ المستند إلى عادتها في الحيض والطهر والحمل، وينبّه عليه إطلاقهم العلم ثمّ ظهور خلافه.(2)
انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: لا كلام في أنّ المراد من العلم هنا أعمّ من العلم الخاصّ، وأمّا شموله لمطلق الظنّ ففيه: أنّه مختصّ بالظنّ الذي يكون معتبراً، إلّا أن يقال بكون المراد منه هو المعتبر من الظنون؛ قضاءً للأمثلة، حيث إنّها من الظنون المعتبرة، ودليل الشمول استعمال الروايات وضرورة الشمول، كما يظهر من المراجعة إلى موارد استعمال العلم في الكتاب والسنّ-ة وألسنة الفقهاء، فإنّ العلماء ورثة الأنبياء وأُمناء الرسل هم أهل الحجج والأمارات لا العلوم الفلسفيّ-ة والرجحان المانع من النقيض؛ لعدم إمكانهما في غيرالضروريّات من الفقه، وقد حقّق الشمول الأُستاذ الإمام (سلام الله علیه) في البحث عن رفع ما لا يعلمون في «حديث الرفع»(3) بما لا مزيد عليه.
ص: 118
(مسألة 14): يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة، وهي المرأة التي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض؛ لخلقة أو عارض، لكن يشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة، فلو طلّقها قبلها لم يقع.(1)
----------
فدليل الشمول ذلك، لا الإطلاق المذكور في كلامه؛ لأنّ الإطلاق كلّما كان واسعاً لا يشمل غير أفراده، فإنّ الإطلاق ليس قرينة على خلاف الظاهر وعلى الصدق لغير مصاديقه كما هو واضح.
(1) لما مرّ(1) من روايات استثناء الخمس، وأمّا اشتراط مض-يّ ثلاثة أشهر في الأخيرة فلا خلاف فيه، بل في الحدائق بعد النسبة إلى المقطوع به في كلامهم، قال: «بل الظاهر أنّه موضع وفاقٍ».(2)
ويدلّ عليه صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري، قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن المسترابة من المحيض، كيف تطلّق؟ قال: «تطلّق بالشهور».(3)
ومرسل العطّار المنجبر بالعمل، عن أبي عبدالله (علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقدواقعها زوجها، كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟ قال: «ليمسك عنها ثلاثة أشهر، ثمّ يطلّقها».(4)
ص: 119
...
----------
ثمّ إنّه هل المراد من الصغيرة هي غير البالغة كما هو ظاهر المتن والش-رائع(1) والمختصر(2) بل المذكور في كلام الأصحاب على ما في الحدائق، فإنّه قال: «فاعلم أنّ المذكور في كلام الأصحاب عدّ الصغيرة في جملة من استثني من الحكم المتقدّم»، أو التي لم تبلغ التسع كما فسّره الشيخ في النهاية؟(3)
وتظهر الثمرة في سنّ البلوغ، فعلى أنّ ذلك بتماميّ-ة الثلاث عشرة لا التسع كما هو المختار يمكن أن تكون الجارية قبل ذلك السنّ إذا لم تكن بالغة بالعلائم الأُخرى، ممّن لم تحض ومثلها لا تحيض بل هو الغالب فيهنّ كما ادّعاه أهل الاطّلاع، فيجوز طلاقها وإن كانت مدخولاً بها؛ لأنّها من المستثنيات ويجوز طلاقها على كلّ حالٍ. والظاهر هو الأوّل؛ قضاءً لظاهر العنوان المأخوذ في أخبار الاستثناء، فإنّ حمل العنوان على عدم البلوغ حمل لل-لفظ على الإشارة وأنّه ليس بنفسه مقصوداً، بل يكون مقصوداً للغير وعنواناً مشيراً إليه، وهو كما ترى.
ويستشهد، بل يستدلّ للثاني ببعض روايات العدد، كرواية عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): «ثلاث يتزوّجن على كلّ حالٍ: التي لم تحض ومثلها لا تحيض»، قال: قلت وما حدّها؟ قال: «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست منالحيض ومثلها لا تحيض»، قلت: وما حدّها؟ قال: «إذا كان لها خمسون سنة».(4)
ص: 120
...
----------
وروايته الأُخرى الموثّقة، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حالٍ: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض»، قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم تحض ومثلها لا تحیض»، قلت: ومتى يكون كذلك؟ قال: «ما لم تبلغ تسع سنين، فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها».(1)
ولكن في الاستدلال، بل في الاستشهاد بهما إشكال ومناقشة؛ لأنّه إن أراد الإمام(علیه السلام) الإخبار عن واقع خارجي وهو حيضهنّ بعد التسع فهو كما ترى؛ لأنّ أكثر الجاريات في التاسع من العمر لسنّ في سنّ من تحيض، وإن أُريد أنّ الجارية بعد تسع سنين ليست ممّن لا تحيض ادّعاءً فهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى الدليل.
ومن الممكن، بل الظاهر حمل الرواية على أنّ القدر المشترك بين الجواري وما يكون لهنّ جميعاً بالنسبة إلى عدم الحيض هو قبل تسع سنين، فالرواية بحسب المفهوم في بيان ما يمكن بلوغه الحيض بحسب السنّ، بل لا يدلّ المفهوم على أزيد من ذلك.
ويؤيّده عدم الإطلاق للمفهوم، والظاهر أنّ ما ذكرناه هو مراد صاحب نهاية المرام. فإنّه(قدس سرُّه) ذكر في شرائط المطلّقة ما هذا لفظه:
وذكر الشيخ في النهاية: إنّ المراد بالصغيرة من نقص سنّها عنتسع سنين. قال: «ومن كان لها تسع سنين فصاعداً ولم تكن حاضت بعد وأراد طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ثمّ يطلّقها بعد ذلك».(2) وعندي
ص: 121
...
----------
في هذا التخصيص نظر، ولا يبعد أن يكون المراد من «لم تحض» التي لم تحض مثلها عادة وإن زاد سنّها عن التسع، وسيجيء في باب العدد ما يزید ذلك وضوحاً.(1)
وما ذكره فيه من قوله:
واعلم أنّ المصنّف وجمعاً من الأصحاب صرّحوا بأنّ المراد بالصغيرة من نقص سنّها عن التسع، ومورد الروايات المعتبرة: «التي لا تحيض مثلها» وهي تتناول من زاد سنّها على التسع إذا لم تحض مثلها، وقد وقع التصريح في صحيحة جميل(2) بعدم وجوب العدّة على من لم تحمل مثلها وإن كان قد دخل بها الزوج، مع أنّ الدخول بمن دون التسع محرّم، وحمله على الدخول المحرّم خلاف الظاهر.
ولو قيل بسقوط العدّة عن الصبيّ-ة التي لم تحمل مثلها وإن كانت قد تجاوزت التسع، لم يكن بعيداً من الصواب وإن كان الاحتياط يقتض-ي المصير إلى ما ذكروه.(3)
لا ما ذكره صاحب الجواهر(4) في المحكيّ عنه من أنّ الأولى إرادة الأعمّ منها وهي التي لم تبلغ سنّ المحيض الذي هو التسع، ومن التي لم تحض مثلها عادة؛ سواء كان ينقص سنّها عن التسع أو لم يكن، فتكون أعمّمن الصغيرة والمسترابة؛ وذلك لعدم ذكر للمسترابة في موضع من كلاميه أصلاً.
ص: 122
...
----------
بل مراد صاحب نهاية المرام أنّ الملاك في المسألة هو سنّ من لا تحيض ولا تحيض كما بيّنّاه، والشاهد عليه أنّه قد ذكر ذلك الكلام ذيل قول الشيخ ولقد أجاد فيما قال، فهو كالنصّ في عدم شموله للمسترابة.
وأمّا الحامل، فهل هي تمام الموضوع كما في المتن، أو المستبين حملها كما هو المحكيّ عن بحر العلوم في المصابيح؟(1)وجه الأوّل واضح؛ لأنّ المذكور في الروايات هو الحامل والحامل أمر واقعي لا دخل للعلم والجهل فيه. نعم، قد ذكر أمر التبيّن في روايتين:
إحداهما: ما مرّ(2) عن إسماعيل بن جابر الجعفي، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «خمس يطلّقن على كلّ حالٍ: الحامل المتبيّن حملها ... »،(3) الحديث.
وثانيتهما: ما مرّ(4) أيضاً عن محمّد بن مسلم وزرارة وغيرهما، عن أبي جعفر وأبي عبدالله(علیهما السلام)، قال: «خمس يطلّقهنّ أزواجهنّ متى شاؤوا: الحامل المستبين حملها ... »،(5) الحديث.
ولكنّ الظاهر أنّ الاستبانة فيهما مأخوذة كأمثالها على الطريقيّ-ة لاالموضوعيّ-ة، والسرّ أنّ الطرق المثبتة لمّا كانت آلة لإحراز الواقع ومقصودة لذلك وتكون ممّا «بها» ينظر، لا «فيها» بحسب الطبع فكلّ ما أُخذ في الدليل وفي موضوع الحكم يحمله العرف ل-ذلك الطبع على الطريقيّ--ة، ومن هذا الوج-ه أيضاً حمل الي-قين في
ص: 123
...
----------
أخبار الاستصحاب على الطريقيّ-ة، لا بما ذكره صاحب الكفاية(1) من فناء اليقين في المتيقّن فناء المرآة في المرئيّ به؛ لمنافاة ذلك مع الأخذ في الحكم والنظر إليه مستقلاً كما حقّقناه في محلّه.
وتوهّم أنّ قيد التبيّن فيهما - على هذا - يكون توضيحيّاً لا احترازيّاً وهو كما ترى؛ حيث إنّ الأصل في القيد الاحتراز، مدفوعٌ بأنّه يكون للتنبيه على الطلاق المباح، لأنّه مع عدم التبيّن فمقتضى استصحاب عدم الحمل الحرمة.
واستدلّ في المصابيح(2) على مختاره(قدس سرُّه) مرّة بالروايتين وأُخرى بأنّ الطلاق حرام في طُهر المواقعة فيجب التبيّن ولا تنافيه الروايات المطلّقة الغير المقيّدة بالتبيّن؛ لأنّها ناظرة إلى إباحة الطلاق وهي منوطة بالتبيّن. فإنّ الظاهر من قوله: «يطلّقهنّ» إباحة الطلاق دون وقوعه، والإباحة مشروطة.
أقول: ولا يخفى ما فيهما، أمّا الأُولى، فقد ظهر ممّا مرّ،(3) وأمّا الثانية، فمخالفة للظاهر جدّاً؛ لأنّها إمّا في مقام بيان الحكم الوضعي أو الأعمّ منه ومن التكليفي؛ لأنّ الطلاق من الإيقاعات وهو مقصود بالغير، والظاهر من الحكم المتعلّق به هو الإرشاد إلى الوضع ولا أقلّ من أنّه المتيقّن دون الوضعي ولا فرق بينهما وبين المطلقات، فتأمّل. مضافاً إلى أنّ ذلك النظرجارٍ في المقيّد من الأخبار؛ لاشتراكه مع المطلق في قولهم: «يطلّقهنّ» كما لا يخفى على المراجع. فالروايتان أيضاً ناظرتان إلى مقام بيان الحكم التكليفي.
ص: 124
(مسألة 15): لا يشترط في ترّبص ثلاثة أشهر في المسترابة، أن يكون اعتزاله لأجل أن يطلّقها، فلو لم يتّفق مواقعتها بسبب إلى مضيّها، ثمّ بدا له طلاقها صحّ في الحال.(1)
(مسألة 16): لو واقعها في حال الحيض لم يصحّ طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة، بل لابدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر، فما هو الش-رط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة، لا وقوعه في طهر غير طهر المواقعة.(2)
----------
(1) وذلك لإطلاق الأدلّة، مع أنّه ليس من العبادات حتّى يحتمل فيه القصد، بل ذلك التربّص يكون اطمئناناً ببراءة الرحم، ومن المعلوم عدم دخالة القصد فيه أصلاً. وبالجملة، الحكم توصلّي لا تعبّدي، كما لا يخفى.
(2) الشرط ليس إلّا وقوعه في طهر غير المواقعة، ففي موثّقة اليسع، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «لا طلاق إلّا على السنّ-ة، ولا طلاق إلّا على طهر من غير جماع ... »، (1) الحديث. ومقتضى ذلك الصحّة في مفروض المسألة؛ لإطلاق دليل الشرط، وليس المفروض مورداً للتعرّض في الأخبار حتّى يقيّد به الإطلاق. وكيف كان، فلم نجد التعرّض للمسألة في مثل الجواهر والحدائق.
نعم، الظاهر من كشف اللثام(2) أنّه لو وطِئَها في الحيض ثمّ خرجت منالحيض وصارت طاهرة، فالط-لاق في الط-هر صحيح؛ لأنّه طهر غير المواقعة. وما ذكر من الش-رط في المتن - كما قلنا - لا يوج-د أث-ر منه في الرواي-ات. نعم، إن لم ن-أخذ
ص: 125
(مسألة 17): يشترط في صحّة الطلاق تعيّن المطلّقة؛ بأن يقول: «فلانة طالق»، أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال، فلو كانت له زوجة واحدة، فقال: «زوجتي طالق» صحّ، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر وقال: «زوجتي طالق».(1)
----------
بالإطلاقات فالأصل يقتضي بقاء الحرمة، وما في العبارة من اشتراط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة فهو مصادرة. فالمرجع إمّا إطلاق الأدلّة وإمّا استصحاب بقاء النكاح.
لا يقال: إنّ الحيض أمارة على عدم الحمل، وهو مع المواقعة فيه لا دلالة عليه.
لأنّه يقال: نحن لا نسلّم أنّ الحيض أمارة على ذلك دائماً، فإنّه يتّفق مع الحمل أيضاً. هذا أوّلاً، وثانياً لا نسلّم عدم موجبيّ-ة الحيض للاستبراء إن اتّفق فيه الوقاع، وعلى كلّ حالٍ، فالمسألة مشكلة.(1)
...
----------
كما هو المنقول من العامّ-ة.
ولا يخفى أنّ مقتض-ى الاستصحاب والاحتياط اشتراطه، كما أنّ مقتض-ى الإطلاق في باب الطلاق - إن كان - هو عدم الاش-تراط، إلّا أن يق-ال: إنّ إطلاقه - على تسليمه - منصرفٌ إلى المتعيّنة؛ حيث إنّه المتعارف، بل لقائل أن يقول: إنّ طلاق غير المعيّن ليس بطلاق عند العقلاء كبقيّ-ة العقود والإيقاعات؛ فما عن المشهور هو المنصور.
وليعلم أنّ منشأ اختلاف هؤلاء العلماء الأربعة في المسألة بكونهم ذوي قولين هو الاجتهاد والدراية لا الأخبار؛ حيث إنّها إمّا تكون شاهدة أو مؤيّ-دة للمشهور كما سيظهر ولنكتفي في بيان تلك الوجوه بنقل عبارة الرياض وفيه ما هذا لفظه:
وفي اشتراط تعيين المطلّقة إن تعدّدت الزوجة لفظاً أو نيّ-ة تردّد، ينشأ من أصالة بقاء النكاح فلا يزول إلّا بسبب محقّق السببيّ-ة وأنّ الطلاق أمر معيّن فلابدّ له من محلّ معيّن وحيث لا محلّ فلا طلاق، وأنّ الأحكام من قبيل الأعراض فلابدّ لها من محلّ تقوم به، وأنّ توابع الطلاق من العدّة وغيرها لابدّ لها من محلّ معيّن، ومن أصالة عدم الاشتراط وتعارض بالأُولى، ومن عموم مشروعيّ-ة الطلاق، ومحلّ المبهم جاز أن يكون مبهماً وهما ممنوعان، ومن أنّ إحداهما زوجة وكلّ زوجة يصحّ طلاقها وكليّ-ة الكبرى ممنوعة ولا دليل عليها سوى العموم المدّعى.
وفيه بعد المنع المتقدّم أنّه ليس بنفسه دليلاً آخر قطعاً فإذن القولالأوّل
ص: 127
...
----------
هو الأقوى والأشهر بين أصحابنا المتأخّرين منهم والقدماء كما حكاه بعض الأجلّاء، بل ادّعى عليه في الانتصار(1) إجماعنا، ويشهد له بعض المعتبرة الآتية في أوّل الركن الرابع وهو الشهادة، خلافاً للمبسوط(2) والفاضلين(3) والشهيد(4) في أحد قوليهم.(5)
وأمّا ما اتّخذه (قدس سرُّه) من بعض المعتبرة شاهداً فهو اثنان:
أحدهما: ما عن محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر(علیه السلام): عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام أو بائنة أو بتّ-ة أو بريّ-ة أو خليّ-ة؟ قال: «هذا كلّه ليس بش-يء، إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين».(6)
ففي اعتباره(علیه السلام) قوله: «أنت طالق واعتدّي» خطاباً بها في إجراء الصيغة لشهادة على لزوم التعيين.
وثانيهما: ما عن محمّد بن أحمد بن مطهّر، قال: كتبت إلى أبي الحسنصاحب العسكر(علیه السلام) إنّي تزوّجت أربع نسوة ولم أسأل عن أسمائهنّ، ثمّ إنّي أردت طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة أُخرى، فكتب(علیه السلام): «أنظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول: اش-هدوا أنّ ف-لانة التي بها علامة ك-ذا وك-ذا هي طال-ق، ثمّ ت-زوّج
ص: 128
إلّا إذا نوى في نفسه معيّنة، فهل يقبل تفسيره بمعيّنة من غير يمين؟ فيه تأمّل.(1)
----------
الأُخرى إذا انقضت العدّة».(1)
فإنّ في أمره(علیه السلام) بالنظر إلى العلامة لشهادة على اعتبار التعيين كما لا يخفى.
أقول: ولا يخفى عدم شهادتهما للمطلوب. نعم، فيهما تأييد له، فإنّ الأولى مع أنّها ليست في مقام بيان شرطيّ-ة التعيين أصلاً، بل في مقام بيان عدم الصيغة بمثل: «أنت بريّ-ة وخليّ-ة» ولزوم كونها بما عيّنه من الصيغتين، واردة مورد الغالب، وأمّا الثاني، فلعلّ الأمر بالنظر، بل الظاهر أنّه لدفع المشقّة الناشئة من قبل عدم التعيين، فإنّ في تعيينها بعد الطلاق بالقرعة أو بالاختيار مشقّة كما لا يخفى، وهذه المشقّة وإن لم تكن كثيرة لكنّ الاعتماد على الرفع بعد الطلاق مع إمكان الدفع من أوّل الأمر أمرٌ غير مطلوب، فالإمام(علیه السلام) في مقام التسهيل والدفع وحلّ العقدة بالطريق الأسهل لا بيان الشرطيّ-ة، فتأمّل.
ثمّ على القول بالصحّة، ففي التعيين قولان: أحدهما: القرعة والثاني: اختياره. كما أنّ الاختيار بيده ابتداءً فكذا استمراراً.
والإيراد على الأوّل بأنّ القرعة تكون في مورد له واقع معيّن وهذا بخلاف المورد؛ لأنّه ليس له واقع معيّن. ففيه: أنّه إن لم نقل باختصاصهابمورد ليس له واقع معيّن فلا أقلّ من شمولها له؛ لأنّ مورد القرعة في الكتاب وعند العقلاء هو باب تزاحم الحقوق الذي ليس له واقع معيّن. والحقّ أنّ التعيين هو بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل، والاستدلال للثاني بالاختيار أشبه شيء بالمصادرة كما هو ظاهر.
(1) ولكنّ التأمّ-ل لا يعبأ به؛ لأنّ نيّت-ه لا تعلم إلّا من قبله وهو يطالب بنيّت-ه،
ص: 129
...
----------
والظاهر أنّ وجهه هو كون المقام مقام حقوق الغير فهو معرض لتضييع الحقّ والزوج محلّ الريب. وفيه: أنّ الحقّ هنا بيد الزوج.
قال في القواعد:(1)
فروعٌ على القول بالصحّة مع عدم التعيين.
الف): إذا طلّق غير معيّنة حرمتا عليه جميعاً حتّى يعيّن ويطالب به وينفق حتّى تعيّن، ولا فرق بين البائن والرجعي.
أقول: إن كان مراده(قدس سرُّه) من الجميع؛ أي حرمت عليه كلّ واحد منهما كما احتمله كشف اللثام(2) فالحرمة ظاهريّ-ة إن كان التعيين كاشفاً وبياناً للموقع (بالفتح)؛ لكونها من جهة الاحتياط والعلم بالموافقة، فإنّ المخالفة الاحتماليّ-ة للعلم الإجمالي - كالقطعيّ-ة - غير جائزة، وأمّا إن قلنا إنّ بالتعيين يتمّ الطلاق فلا حرمة قبله أصلاً، كما لا نقول في البيع الفضولي قبل الإجازة على كونها ناقلة، وغاية الأمر كون الإبهام التزاماً في الذمّة بالطلاق ويخرج عنها بالتعيين. وعليه، فحكم القواعد بحرمتهما في غير محلّه؛ لعدم الحرمة لواحد منهما فضلاً عن كليهما كما هو واضح.
وإن كان المراد أنّ الجمع بينهما حرام كحرمة الجمع بين الأُختين إلّاأنّها في العقد وهذه في الوطي فبع-د وطي إحداهما يكون وطي الأُخ-رى محرّماً عليه، فإن
ص: 130
...
----------
اعتبرنا التعيين كاشفاً فكلّ واحد منهما حرام هذه وتلك وإن انفردت عن الأُخرى احتياطاً لما مرّ قبل ذلك، وإن قلنا إنّ بالتعيين يتحقّق الطلاق فليستا بحرام أصلاً.
فحاصل الاحتمالات في عبارة القواعد أربعة، حاصلة من ضرب الاحتمالين في الجمع في الاحتمالين من حيث المعنى، والصحيح منها واحد وهو حمل الجمع على الجميع مع القول بالكاشفيّ-ة والبقيّ-ة باطلة كما لا يخفى.
وأمّا المطالبة بالتعيين، فهو تمام على أنّ التعيين كاشف؛ لاستلزام عدمه حرمة الاستمتاع لهما وتضييع حقّ غير المطلّقة بحسب الواقع، وأمّا على كونه جزءً آخراً للطلاق، فلا حقّ لهما، فكيف المطالبة؟ لأنّهما زوجتاه وحقوقهما محفوظة.
وأمّا وجوب الإنفاق عليهما، فعلى مبنى المتمّميّ-ة فواضح وعلى الكاشفيّ-ة فكذلك على كونها حكميّ-ة، وأمّا على الحقيقيّ-ة فلكونه السبب والمق-دّم لعدم التعيين كما لا يخفى. ووجه عدم الف-رق بين البائن والرجعي واضح.
قال (قدس سرُّه):
ب): لو قال: هذه التي طلّقتها، تعينت للطلاق، ولو قال: هذه التي لم أُطلّقها، تعيّنت الأُخرى إن كانت واحدة وإلّا عيّن في البواقي.
أقول: وذلك لكون التعيين بيده.
قال (قدس سرُّه):
ج): لو قال طلّقت هذه بل هذه. طلّقت الأُولى دون الثانية؛ لأنّ الأُولى إذا تعيّن الطلاق فيها لم يبق ما يقع على الثانية.
د): هذا التعيين تعيين اختيار، فلا يفتقر إلى القرعة، بل له أن يعيّن من شاء.
ص: 131
...
----------
أقول: ولَنكتفي في بيان هذا الفرع وتالييه بعبارة كشف اللثام،(1)وذلك لبطلان المبنى من رأس وهو صحّة طلاق المبهمة، فلا حاجة إلى زيادة البسط، وعبارته كافية فيه، قال(قدس سرُّه) مزجيّاً بالمتن:
الرابع: هذا التعيين تعيين شهوة واختيار لا تعيين إخبار عن معنى في نفس الأمر لا يجوز تعدّيه، فلا يفتقر إلى القرعة كما في الش-رائع(2)استناداً إلى الإشكال عنده كما عند غيره بل له أن يعيّن من شاء فإنّ الغرض إيقاع الطلاق على إحداهما من غير تعيين لفظاً ولا نيّ-ة والقرعة لما تعيّن في نفسه فأشتبه علينا لكن لو أقرع فاختار من خرجت باسمها لم يكن به بأس.
الخامس: هل يقع الطلاق بالمعيّنة من حين الإيقاع للطلاق أو من حين التعيين؟ الأقرب الثاني؛ استصحاباً للنكاح واحتياطاً للعدّة، ولأنّها لو طلّقت بالإيقاع فإمّا أن يقع الطلاق حينئذٍ على الكلّ أو على واحدة معيّنة، وفسادهما ظاهر؛ لكونهما خلاف مقتضى اللفظ والنيّ-ة، أو على واحدة مبهمة وهو أيضاً باطل؛ لأنّ الطلاق معيّن لا يحلّ إلّا ف-ي معيّن، ولأنّ المطلّق-ة موجودة في الخارج ولا وج-ود للمبهم، ويرد النق-ض بكلّ واجب مخيّر ومنع تعيّن الط-لاق إذا لم يتعيّن المحلّ، وأنّ المطلّقة ذاتها موجودة م-ع تعلّق الطلاق المبهم به-ا، وخيرة المبسوط الوقوع م-ن حين الإيقاعلأنّ-ه أوق-ع صيغة منجّزة مجزوماً بها فيقع بها الطلاق وإن كان مبهماً والتعيين ليس من صيغة الطلاق في شيء كما أنّ من أسلم على
ص: 132
...
----------
أكثر من أربع يزول بالإسلام نكاحه ع-ن الزائدة المبهمة ولا يتعيّن إلّا بالتعيين والتعيين كاشف عمّن زال نكاحها لا مزيل وهو عندي أقرب، وعلى الأوّل فيجب عليها العدّة من حين التعيين وعلى الثاني من الإيقاع وهو ظاهر.
السادس: وطلّقها بائناً ثمّ وطئ إحداهما وقلنا يقع الطلاق باللفظ كان تعييناً للأُخرى للطلاق؛ لأنّ الظاهر أنّه إنّما يطأ من يحلّ له فهو كوطي الجارية المبيعة في زمن الخيار فإنّه يكون فسخاً من البائع وإجازة من المشتري وقيل: لا يكون تعييناً؛ لأنّه أعمّ وكما أنّ الطلاق إنّما يقع بالقول فكذا تعيينه، ولأنّه لو كان تعييناً لكان إذا وطئهما طلّقتا وكما أنّ النكاح لا يملك بالفعل لا يتدارك به. وأمّا ملك اليمين فيحصل بالفعل فيتدارك به فلذا كان وطي المبيعة فسخاً أو إجازة، وإن قلنا إنّ الطلاق إنّما يقع بالتعيين لم يؤثّر الوطي شيئاً؛ لأنّ الفعل لا يوقع الطلاق قطعاً. ثمّ في المبسوط(1) أنّ من جعل الوطي تعييناً أباح وطي من شاء منهما وإنّما حرّم الجمع بينهما في الوطي ومن لم يجعله تعييناً حرّمهما لأنّهما قبل التعيين متشبّثتان بحرمة الطلاق، والأقرب عند المصنّف مع أنّه لم يجعله تعييناً تحريم وطئهما معاً وإباحة من شاء منهما لما عرفت من أنّ المتشبّثة بحرمة الطلاق إنّما هي في إحداهما مبهمةفكما له إبقاء من شاء منهما على الزوجيّ-ة له وطي من شاء منهما.(2)
ص: 133
...
قال العلّامة (قدس سرُّه):
ه-): يجب عليه التعيين على الفور ويعص-ى بالتأخير ... . إلى آخر كلامه(قدس سرُّه).(1)
أقول: وهذا الأخير لتخّرج الزوجات من التحيّر، فإنّه مشقّة عليهنّ.
ص: 134
----------
(1) وقبل الخوض في أصل المسألة ينبغي تقرير الأصل فيها؛ لاختلاف الروايات بل الأقوال. ولا يخفى أنّ مقتض-ى الاستصحاب هو الشرطيّ-ة والاقتصار على القدر المتيقّن، كما أنّ مقتضى إطلاق أدلّة الطلاق تحقّقه بكلّ ما يتحقّق الطلاق به من الفعل والكتابة، فضلاً عن القول وإن كان مجازاً بعيداً، كقول الرجل لزوجته: «إشربي وكُلي»؛ أي إشربي غصص الفراق، مريداً به الطلاق، أو «اختاري»، فإن اختارت نفسها فهي مطلّقة.(1)
ولعلّ ما في الجواهر في بيان الأصل من أنّ النكاح عصمة كغيره من العصم المستصحبة، والطلاق مشروع لرفعه، فزواله منوط بتحقّق مسمّاهالحاصل بإنشائه بكلّ لفظ دلّ عليه،(2) ناظر إلى الإطلاق وإلّا فمحض كون الطلاق مشروعاً للرفع
ص: 135
(مسألة 1): لا يقع الطلاق إلّا بصيغة خاصّة، وهي قوله: «أنت طالق» أو «فلانة» أو «هذه» أو ما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تعيين المطلّقة، فلا يقع بمثل: «أنت مطلّقة» أو «طلّقت فلانة»، بل ولا «أنت الطالق»، فضلاً عن الكناية، ك- «أنت خليّ-ة» أو «بريّ-ة» أو «حبلك على غاربك» أو «إلحقي بأهلك» ونحو ذلك، فلا يقع بها وإن نواه، حتّى قوله: «اعتدّي» المنويّ به الطلاق على الأقوى.(1)
----------
غي-ر موجبٍ لتحقّقه بكلّ الألفاظ؛ لعدم الملازمة بينهما كما هو ظاهر، وتحقّقه كذلك موقوفٌ على إثبات أنّ مطلق الطلاق مش-روعٌ للرفع، وليس ذلك إلّا بالتمسّك بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾؛(1) حيث إنّ الموضوع هو طلاق الناس، وإلّا فأصل المشروعيّ-ة لا يقتض-ي أزيد من تحقّقه بالإنشاء في الجملة، فلعلّه اعتبر الشارع في مش-روعيّته شرائط خاصّة، فالمشروعيّ-ة في الجملة موجبة لتحقّقه في الجملة، والمشروعيّ-ة على الإطلاق موجبة لتحقّقه كذلك. فافهمه واغتنمه.
ولا يخفى أيضاً أنّ الإطلاق اللفظي في الآية موجودٌ، فلا يصل الدور إلى الاستصحاب والأصل العملي، بل مقتضى الأصل اللفظي الموجب للسعة هو المحكّم ما لم يدلّ على خلافه الدليل.
(1) واعتبر القواعد(2) في الصيغة شروطاً خمسة: الص-راحة، والتنجيز، وعدم تعقّبها بما يبطلها، والوقوع على المحلّ، وقصد الإنشاء. وق-د فسّر الأوّل ب- «أنت
ص: 136
...
----------
طالق». وما في المتن أنسب؛ لأنّه لا صراحة في «أنت طالق»؛ لما فيه من احتمالي الإخبار والإنشاء واحتمال الطلاق عن الإطاعة أو الخروج من البيت وأمثالهما.
هذا، ولا يخفى أنّ إثبات ما في المتن من انحصار الصيغة في قوله: «أنت طالق» موقوفٌ على إثبات خصوصيّ-ة المادّة والهيئة والتلفّظ والعربيّ-ة.
فالبحث في جهات أربع:
إحداها: في أنّ المادّة المعتبرة هل هي مادّة الطلاق بخصوصها فلا يفيد غيرها، أو مطلق ما يدلّ على ذلك المفهوم ولو مجازاً، كمادّة الخليّ-ة والبريّ-ة واستبراء الرحم، فيكفي في الطلاق قوله: «أنت خليّ-ة أو بريّ-ة» أو: «استبرئي رحمك» مثلاً؟
ثانيتها: على تقدير اعتبار تلك المادّة الخاصّة، فهل المعتبر فيها هو هيئة «الفاعل» فقط حتّى مجرّداً عن الألف واللام أيضاً، أو الاعتبار بمطلق الهيئة من المضارع والماضي، فضلاً عن اسم الفاعل المحلّى بهما؟
ثالثتها: هل المعتبر هو اللفظ أو يكفي الكتابة والإشارة؟
رابعتها: اعتبار العربيّ-ة، أو أنّه لا خصوصيّ-ة لها، بل الاعتبار بالدلالة اللفظيّ-ة على حقيقة الطلاق بأيّ لغة من اللغات؟
والحاصل، أنّ القول بعدم كفاية غير «أنت طالق» - كما في المتن -مستلزم لاعتبار المادّة والهيئة الخاصّة واشتراط اللفظ والعربيّ-ة، وعلى القائل إثبات هذه الأُمور.
إذا عرفت ذلك فنقول: ويدلّ على الأُوليين روايات:
ص: 137
...
----------
منها: ما عن ابن سماعة، قال: «ليس الطلاق إلّا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدي عَدل، وكلّ ما سوى ذلك فهي ملغى».(1)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام أو بائنة أو بتّ-ة أو بريّ-ة أو خليّ-ة، قال: «هذا كلّه ليس بش-يء، إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق، أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين».(2)
وكذا صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الطلاق أن يقول لها: اعتدّي، أو يقول لها: أنت طالق».(3) وأظهرها وهي العمدة، الأُولى منها؛ لما فيها من الانحصار، ولقوله(علیه السلام): «وكلّ ما سوى ذلك فهي ملغى».(4)
والإيراد على الأخيرتين بالدلالة على كفاية «اعتدّي» غير تمام؛ لأنّهما مع تلك الدلالة تكون دلالتهما على عدم كفاية غيرهما تامّة، كما لا يخفى،مضافاً إلى احتمال حملها على التقيّ-ة كما يأتي؛ فإنّهم لا يعتبرون صيغة خاصّة فيه، بل لا يعتبرون النيّ-ة أيضاً.
وثالثاً: يمكن حمله على طلاق المرأة الغائبة والإخبار بطلاقها، ويشهد له بعض الروايات، كخبر عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ي-رسل إليها، فيق-ول
ص: 138
...
----------
الرسول: اعتدّي، فإنّ فلاناً قد فارقك؛ يعني: الطلاق، أنّه لا تكون فرقة إلّا بطلاق».(1)
هذا، وقد ذهب الشيخ في المبسوط(2) إلى كفاية «أنت مطلّقة» أيضاً مع نيّ-ة الطلاق، دون غيرها. وأورد عليه الشهيد بأنّه على هذا يصحّ في سائر الصيغ أيضاً؛ لعدم الفرق بينها وبين البقيّ-ة، قال (قدس سرُّه):
وأمّا قوله: «أنت من المطلّقات» فإنّه إخبار لا إنشاء؛ لأنّ نقل الإخبار إلى الإنشاء على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على محلّ النصّ أو الوفاق، وهما منتفيان هنا». - ثمّ قال: - ومثله: «أنت مطلّقة»، لكن في هذه قال الشيخ في المبسوط: إنّه يقع بها الطلاق مع النيّ-ة.(3) وهو اعتراف بكونها كناية؛ لأنّ الصريح لا يتوقّف على النيّ-ة. ويلزمه القول في غيرها من الكنايات أو فيما أدّى معناها، كقوله: «من المطلّقات»، بل مع التعبير بالمصادر؛ لأنّها أبلغ وإن كانت مجازاً، لأنّهم يعدلون باللفظ إليه إذا أرادوا المبالغة، كما قالوا في «عَدل»، إنّه أبلغ من عادل ونحوه.
وردّه المصنّف بأنّه بعيدٌ عن شبه الإنشاء؛ لأنّه إخبار بوقوع الطلاق فيما مض-ى كما ذكرناه، والإخبار غير الإنشاء. وفيهنظر؛ لأنّ المصنّف - على ما تكرّر منه فيما سبق مراراً - وغيره يجعلون اللفظ الماضي أنسب بالإنشاء، بل ق-د جعله في النكاح صريحاً في الإنشاء، مع أنّ-ه خبر بوقوع
ص: 139
...
----------
النكاح فيما مضى، فما الذي عدا فيما بدا؟
وقولهم: «إنّ نقل الإخبار إلى الإنشاء على خلاف الأصل» مسلّم، لكن يطالبون بالفارق بين المقامين والموجب لجعله منقولاً في تلك المواضع دون هذه، فإن جعلوه النصّ فهو ممنوع، بل ورد في الطلاق ما هو أوسع - كما ستراه - ، وإن جعلوه الإجماع فالخلاف في المقامين موجودٌ في صيغ كثيرة.
ثمّ تخصيص الشيخ الجواز ببعض الكنايات دون بعض، أيضاً ليس بالوجه؛ إذ لا فرق بين: «أنت مطلّقة» الذي ادّعى وقوعه بها وبين قوله: «من المطلّقات»، بل مع التعبير بالمصدر؛ لأنّه وإن شاركهما في كونه كناية إلّا أنّه أبلغ، وقد ذكر بعض العلماء أنّه صريح.(1)
ويرد على الشيخ - مضافاً إلى ما ذكره - أنّه ادّعى في الخلاف(2) الإجماع على عدم الوقوع بها، وكذا المرتضى(قدس سرُّه) في الانتصار،(3) لكن في كون إجماعه مثل إجماع الخلاف تأمّل، فراجع.
ومنها: «اعتدّي»، فعن ابن جنيد(4) ومحمّد بن أبي حمزة،(5) وقوعه بها؛استناداً إلى روايتي الحلبي(6) وابن مسلم،(7) بل يست-فاد من كلام الشهيد في المسالك(8) وقوعه
ص: 140
...
----------
بكلّ كلمة أوضح دلالة من «اعتدّي» أيضاً، واستدلّ له بمفهوم الموافقة في الروايتين.
لكنّ الحقّ هو ما ذهب إليه المشهور، ولا يقع بما قاله ابن جنيد، فضلاً عمّا قال الشهيد بكفايته؛ لإعراض المشهور عنهما، هذا هو العمدة، مضافاً إلى ما مرّ(1) من موافقتهما للعامّة وحملهما على التقيّ-ة، ومن حملهما على الإخبار بالطلاق، وحمل «أو» على العطف كما ذهب إليه الشيخ،(2) ويشهد له ما في رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كلّ طهر، يرسل إليها أن اعتدّي، فإنّ فلاناً قد طلّقك»، قال: «وهو أملك برجعتها ما لم تنقض عدّتها».(3)
وكذا ما عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدّي، فإنّ فلاناً قد فارقك». قال ابن سماعة: «وإنّما معنى قول الرسول: اعتدّي، فإنّ فلاناً قد فارقك؛ يعني الطلاق، أنّه لا تكون فرقة إلّا بطلاق».(4).
هذا، ولا بأس بصرف الكلام فيما قاله الشهيد(قدس سرُّه) في المسألة والتعرّض لبعض الإشكالات في كلامه على طوله وبسط مقاله، قال (قدس سرُّه):
قوله: «ولو قال: اعتدّي ... » إلى آخ-ره، الق-ائل بوقوعه بقوله: «اعتدّي»
ص: 141
...
----------
ابن الجنيد؛ استناداً إلى حسنة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الطلاق أن يقول لها: اعتدّي، أو يقول لها: أنت طالق»،(1) وحسنة محمّد بن مسلم السابقة، عن أبي جعفر(علیه السلام) وفيها بعد قوله: «هذا كلّه ليس بشيء»، «إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين».(2) وروى الشيخ في التهذيب عن عليّ بن الحسن الطاطري، قال: الذي أجمع عليه في الطلاق أن يقول: «أنت طالق» أو: «اعتدّي»، وذكر أنّه قال لمحمّد بن أبي حمزة: كيف يشهد على قوله: «اعتدّي؟» قال: يقول: «اشهدوا اعتدّي».(3)
وأنت خبيرٌ بأنّ الأصحاب يثبتون الأحكام بما هو أدنى مرتبة من هذه الروايات وأضعف سنداً، فكيف بالحسن الذي ليس في طريقه من هو خارج عن الصحيح سوى إبراهيم بن هاشم، وهو من أجلّ الأصحاب وأكبر الأعيان وحديثه من أحسن مراتب الحسن، ومع ذلك ليس لها معارض في ق-وّتها حتّى يرجّح عليها بشيء من وجوه المرجّحات.
نعم، نقل الشيخ عن الحسن بن سماعة أنّه قال: «ليس الطلاق إلّاكما روى ابن بكير بن أعين أن يقول لها، وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، وكلّ ما سوى ذلك فهو ملغى».(4)
ص: 142
...
----------
ولا يخفى عليك أنّ هذا الكلام لا يصلح للمعارض-ة أصلاً؛ لأنّ-ه من قول ابن بكير، وحاله معلوم، والراوي الحسن بن سماعة شيخ الواقفيّ-ة ووجههم، فأين هذا من حديث سنده عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، والثلاثة الأوّل عن عمر بن أُذين-ة، عن محمّد بن مسلم؟!
ومن العجب عدول الشيخ عن مثل ذلك مع تعلّقه في وقوع الطلاق بقوله: «نعم» في جواب السؤال برواية السكوني، وبوقوعه بغير العربيّ-ة برواية حفص عن أبيه، وهما عامّيان كالسكوني، وتركه هذه الأخبار المعتبرة الأسناد.
وأعجب منه جمعه بينها وبين كلام ابن سماعة - حذراً م-ن التنافي - بحمل الأخبار على أن يكون قد تقدّم قول الزوج: «أنت طالق»، ثمّ يقول: «اعتدّي»، قال: «لأنّ قوله لها: «اعتدّي» ليس له معنى؛ لأنّ لها أن تقول: «من أيّ شيء أعتدّ؟» فلابدّ له أن يقول: «اعتدّي»؛ لأنّي قد طلّقتك، فالاعتبار بالطلاق لا بهذا القول، إلّا أنّه يكون ه-ذا القول كالكاشف لها ع-ن أنّه لزمها حكم الطلاق وكالموجب عليها ذلك ولو تج-رّد ذلك م-ن غير أن يتقدّم-ه لفظ الطلاق لما كان ب-ه اعتبار على ما قال-ه ابن سماعة».(1) ه-ذا آخر كلام الشيخ.
ولا يخفى عليك ما في هذا الجمع والحمل؛ لأنّ مرجعه إلى أنّ الطلاق لا
ص: 143
...
----------
يقع إلّا بقوله: «أنت طالق»، وأن: «اعتدّي» إخبار عن سبق قوله: «أنت طالق»، والحال أنّ الإمام(علیه السلام) في الخبرين جعل قوله: «أنت طالق» معطوفاً على «اعتدّي» أو معطوفاً علي-ه، ووقوع الطلاق بكلّ واحد من الصيغتين صريحاً، فكيف يخصّ وقوعه بإحداهما.
وقوله: «إنّه لا معنى لقوله: اعتدّي» غير واضح؛ لأنّه إذا جعل كناية عن الطلاق يكون دالاً على إنشاء الطلاق به، فإذا قالت له: من أيّ شيء أعتدّ؟ يقول لها: إنّ قولي: «اعتدّي» طلاق، غايته أنّها ما فهمت مراده من قوله: «اعتدّي» فسؤالها عنه لا يوجب أن لا يكون له معنى مع جعل الشارع معناه الطلاق ويكون ذلك كسؤالها له بعد قوله: «أنت طالق» بقولها: عن أيّ شيء طالق، فيقول: طالق عن وثاق الجلوس في البيت أو وثاق النكاح أو غير ذلك.
وأيضاً فقوله في رواية محمّد بن مسلم: «أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق»(1) صريح في أنّه كناية من حيث إنّه قيّد وقوع الطلاق به بإرادة الطلاق ولم يقيّد ذلك في قوله: «أنت طالق»؛ لأنّه لفظ صريح، وهذا شأن الكنايات عند من يوقع بها الطلاق؛ فإنّه يشترط فيه النيّ-ة دون الصريح.
ولا يقال: إنّه يمكن حمله على التقيّ-ة؛ حيث إنّه مذهب جميعالعامّة، لأنّ في الخبر ما ينافي ذلك، وهو قوله: إنّه لا يقع الطلاق بقوله: أنت حرام، أو بائن، أو بتّ-ة، أو بتل-ة وخليّ-ة، فإنّ الطلاق يقع عند المخالف بجميع
ص: 144
...
----------
ذلك مع النيّ-ة، فلا يمكن حمل آخره على التقيّ-ة مع منافاة أوّله لها.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ حكمه بوقوع الطلاق بقوله: «اعتدّي» مع النيّ-ة - وهو كناية قطعاً - يدلّ على وقوعه بغيره من الكنايات التي هي أوضح معنىً من قوله: «اعتدّي»، مثل قول-ه: «أنت مطلّقة»، أو «طلّقتك»، أو «من المطلّقات»، أو «مس-رّحة»، أو «سرّحتك»، أو «مفارقة»، أو «فارقتك»، أو «من المسرّحات»، أو «من المفارقات»، إلى غير ذلك من الكنايات التي هي أوضح دلالة على الطلاق من قوله: «اعتدّي».
بل قيل: إنّ الفراق والسراح وما اشتّق منهما ومن الطلاق صريح لا كناية؛ لورودها في القرآن مراداً بها الطلاق، كقوله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾،(1) ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾،(2) ﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾،(3)﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاً مِّن سَعَتِهِ﴾،(4) فوقوع الطلاق بقوله: «اعتدّي» يدلّ بمفهوم الموافقة على وقوعه بجميع هذه الألفاظ وما في معناها، وتبقى الكنايات التي لا تدخل في مفهوم الموافقة - بل إمّا مساوية لقوله: «اعتدّي» أو أخفى - مردودة؛ لعدمالدليل. ومنها قوله في الخبر «خليّ-ة وبريّ-ة وبتّ-ة وبتلة» ونحوها.
ص: 145
...
----------
وحينئذٍ نكون قد أعملنا جميع الأخبار المعتبرة مؤيّداً بعموم الآيات والأخبار الدالّة على الطلاق من غير تقييد بصيغة، ولا يض-رّنا مفهوم الحصر في قوله: «إنّما الطلاق أن يقول: «أنت طالق»؛(1) لوجهين:
أحدهما: أنّ الحص-ر في الصيغتين بطريق المطابقة، وفي غيرها بطريق الالتزام، فلا منافاة.
والثاني: إمكان حمله على مج-رّد التأكيد بقرين-ة قول-ه في رواي-ة الحلبي: «الطلاق أن يقول لها»(2) م-ن غير أداة الحصر، ولا يرد على ه-ذا حص-ر المبتدأ في خب-ره؛ لأنّ ذلك غير مطّ-رد كما ه-و محقّق في محلّه، وقد وق-ع استعمال «إنّما» في الكلام الفصيح مج-رّداً ع-ن الحص-ر، وتقدّم مثله في أخبار، ولو قيل بهذا القول لكان في غاي-ة القوّة، وتوهّ-م أنّه خلاف الإجماع قد تكلّمنا عليه غير مرّة.(3)
أقول: مواضع من كلامه(قدس سرُّه) محلّ إشكال ونظر.
منها: قوله: «لأنّه من قول ابن بكير»، ففيه: مضافاً إلى وقوع السهو في نسبة القول إلى ابنه مع أنّه قول الأب، أنّه قول بكير بن أعين الشيباني الذي عند بلوغ خبر موته قال(علیه السلام) : أنزله الله بين رسوله وأميرالمؤمنين.(4)
وقوله بأنّ: «حاله معلوم»، فهو لا ينبغي من مثله في ابنه أيضاً الذي هو من أصحاب الإجماع، وق-د روى عنه سبع-ون من المحدّث-ين وكثير منهم من الأجلّاء
ص: 146
...
----------
والثقات الكبار وبعضهم من أصحاب الإجماع، كصفوان وابن أبي عمير وعبدالله بن مسكان وحسن بن محبوب وأحمد بن أبي نصر البزنطي، ومن تلامذته جعفر بن بشير الذي قال فيه النجاشي: كان من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم، روى عن الثقات ورووا عن-ه،(1) فهل ينبغي لمثل الشهيد الثاني الذي هو عين الورع التعبير كذلك فيمن له هذه الجهات الموجبة للعظمة والمعروفيّ-ة والوثاقة، فإنّ التعبير بقوله: «حاله معلوم» إن لم يكن ظاهراً في عدم وثاقته وعدم معروفيّته فلا أقلّ من الإشعار بذلك كما لا يخفى.
هذا، مع أنّه ليس فيه إلّا أنّه فطحي المذهب، وهذا - مضافاً إلى عدم اختصاصه بذلك بل غير واحد من المحدّثين الذين يفتى برواياتهم من الفطحيّ-ة - لاضير في ذلك أصلاً؛ لأنّ روايتهم عن الصادق(علیه السلام) كانت قبل الأفطح وهذا غير مضرّ بعد ما كانوا ثقات. نعم، انتفاء بعض الش-رائط مض-رّ في بعض الحجج بالنسبة إلى السابق أيضاً، كعروض الجنون أو الفسق أو الخروج من الإيمان إلى الإسلام وغيرها في الفتيا، ففتاواه السابقة ليست بحجّة في زمن العروض وبعده، ولعلّ الدليل عليه الإجماع، فراجع.
ونظيره فيه وأنّه ممّا لا ينبغي صدوره من مثله ما أتى به الشيخ; في مسألة هدم الطلاق وإن تكرّر مأة مرّة ورواية ابن بكير فيها، فإنّه قال:
وقد قدّمنا من الأخبار ما تضمّن أنّه قال حين سئل عن هذهالمسألة: هذا ممّا رزق الله من الرأي، ولو كان سمع ذلك من زرارة لكان يقول حين سأل-ه الحسين بن ه-اشم وغيره عن ذلك وأنّ-ه هل عن-دك في ذلك
ص: 147
...
----------
شيء؟ كان يقول: نعم رواية زرارة، ولا يقول: نعم رواية رفاعة حتّى قال له السائل: إنّ رواية رفاعة تتضمّن أنّه إذا كان بينهما زوج، فقال هو عند ذلك: هذا ممّا رزق الله تعالى من الرأي، فعَدَل عن قوله: إنّ هذا في رواية رفاعة - إلى أن قال: - الزوج وغير الزوج سواء عندي، فلمّا ألحّ عليه السائل، قال: هذا ممّا رزق الله من الرأي، ومن هذه صورته، فيجوز أن يكون أسند ذلك إلى رواية زرارة؛ نص-رة لمذهبه الذي كان أفتى به، وأنّه لمّا أن رأى أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلى من رواه عن أبي جعفر(علیه السلام)، وليس عبدالله بن بكير معصوماً لا يجوز هذا عليه، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلى اعتقاد مذهب الفطحيّ-ة ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا الغلط فيمن يعتقد صحّته لشبهة إلى بعض أصحاب الأئمّة علیهم السلام.(1)
أقول: وفي كلامه ما لا يخفى؛ حيث إنّ نسبة الافتراء إليه الراجعة إلى افترائين؛ افتراء على مثل زرارة وافتراء على الإمام أبي جعفر(علیه السلام)، كما يعلم ذلك بأدنى الدقّة منافية لتوثيقه; في الفهرست.(2) ولكونهمن أصحاب الإجماع الدالّ على كونه ثقة عند الكلّ وإن لم نقل بما هو المعروف فيهم من اعتبار السند المتّصل إليهم وكفاية اعتبار من كان قبلهم في الحجّيّ-ة وع-دم الاحتياج إلى اعت-بار من بعدهم؛ حيث إنّ
ص: 148
...
----------
الوثاقة هي القدر المتيقّن أو الظاهر من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم.
هذا، مع أنّ ما ذكره; من نسبة الغلط إليه في مسألة الإمامة التي هي من أعظم المسائل فوقوعه في الغلط في مسألة فرعيّ-ة يكون سهلاً.
ففيه: أنّ في اختياره مذهب الفطحيّ-ة لم يرتكب الغلط، بل اشتبه الأمر عليه كبعض آخر من الأصحاب، في رعاية كون الإمام أقدم سنّ-اً وعدم رعاية السالم بدناً؟ فهم كانوا قاصرين معذورين، وأين هذا من ارتكاب الكذب والافتراء عمداً، ولم نجد نظير هذا الكلام في غير كلمات الشيخ من الفقهاء والمحدّثين.
ومنها: قوله في الراوي الحسن بن محمّد بن سماعة شيخ الواقفة ووجههم بأنّه: «أين هذا من حديث سنده عليّ بن إبراهيم؟».
ففيه: أنّ ما ذكره في الحسن تامّ وممّا لا كلام فيه، وصرّح به الشيخ والنجاشي وغيرهما،(1) بل عن النجاشي أنّه كان يعاند في الوقف ويتعصّب، لكنّ النجاشي قال فيه: «كثير الحديث، فقيهٌ، ثقةٌ».(2)وقال الشيخ: «إنّه جيّد التصانيف، نقيّ الفقه، حسن الانتقاد، وله ثلاثون كتاباً».(3)ومع هذه الفضائل الدخيلة في حجّيّ-ة الرواية تعبيره ; بقوله: «أين هذا ... »، ممّا يشعر بعدم قابليّ-ة معارضة روايته من رأس لتلك الأخبار الصحيحة، ممّالا ينبغي صدوره منه.
نعم، في مق-ام المعارض-ة ف-إنّ الترجي-ح مع تلك الأخبار؛ لما ذك-ره، بن-اءً على
ص: 149
...
----------
الترجيح بمطلق المزيّ-ة.
ومنها: عند إيراده على الشيخ بأنّ العطف في «اعتدّي» صريح في وقوع الطلاق بكلّ واحدة من الصيغتين: «أنت طالق» و «اعتدّي»، كما أنّ قوله(علیه السلام) في رواية محمّد بن مسلم: «أو اعتدّي يريد بذلك الطلاق»،(1) صريح في أنّه كناية من حيث أنّه قيّد وقوع الطلاق به بإرادة الطلاق.
ففيه: أنّ في العطف ليست صراحة في وقوع الطلاق، بحيث يكون غير قابل للحمل، بل له ظهور في وقوعه بها، فإنّ المقابلة الظاهرة من كلمة «أو» وإن كانت صريحة في أصل الاختلاف والمقابلة بين المعطوف والمعطوف عليه. وأمّا أنّ الاختلاف في نوعي صيغ-ة الطلاق من «اعتدّي» و«أنت طالق»، أو الاختلاف في نوع آخر وجهة أُخرى فلا صراحة لها فيه، فمن الممكن حملها على نوعين من الطلاق وهما الحاضر والغائب، بأن يقال: «أنت طالق» في طلاق الحاضر و «اعتدّي» في طلاق الغائب هو إخبار بوقوع الطلاق عليها بقوله: «هي طالق»، فهما يرجعان إلى نوعين من الطلاق، بل في الأخبار لشهادة على هذا الاحتمال:
فعن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كلّ طهر، يرسل إليها أن اعتدّي، فإنّ فلاناً قدطلّقك»، قال: «وهو أملك برجعتها ما لم تنقض عدّتها».(2)
ومثله ما عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدّي، فإنّ فلاناً قد فارقك». قال ابن سماعة: وإنّما معنى قول الرسول:
ص: 150
...
----------
اعتدّي، فإنّ فلاناً قد فارقك؛ يعني: الطلاق، أنّه لا تكون فرقة إلّا بطلاق.(1)
هذا، مع أنّ لقائل أن يقول: إنّ العطف هنا بمعنى الواو وأنّ «اعتدّي» قرينة على كون المراد من الطلاق في قوله: «أنت طالق» الطلاق من الزوجيّ-ة لا الطلاق بمعنى آخر، كالطلاق من البيت لزيارة المشاهد المش-رّفة - مثلاً - فالمراد من المعطوف عليه والمعطوف أمر واحد وأنّ صيغة الطلاق هي «أنت طالق» ولفظ «اعتدّي» قرينة؛ قضاءً لكون «أو» بمعنى «الواو» الظاهرة في الجمع.
وأمّا ما قاله أخيراً في كون المشار إليه في: «يريد بذلك - اعتدّي - الطلاق»، ففيه: أنّه يحتمل كونه إشارة إلى الطلاق، خلافاً للعامّة؛ حيث ذهبوا إلى عدم اعتبار القصد في لفظ الصريح كقول-ه: «أنت طالق» دون غيره، وفى غير واحد من الروايات أنّ اشتراط النيّ-ة في الطلاق هو في مقابلهم.(2)
ومنها: توجيهه عدم إمكان الحمل على التقيّ-ة، بكون التقيّ-ة في الآخر منافٍ لعدمها في أوّل الحديث.
ففيه: أنّ التقيّ-ة يمكن أن تحصل في آخر الحديث أو وسطه وعندوصول كلام الإمام(علیه السلام) هذا الموضع كما يمكن أن تقع في أوّله، فإنّها دائرة مدار الخوف ومدار حضورهم.
والعجب من الشهيد الثاني (قدس سرُّه) الذي استشهد من عنادهم للتشيّع والذي يكون ممّن قلّ نظيره في التفريع والتحقيق والإحاطة بالمسائل الاجتماعيّ-ة كيف أورد هذا
ص: 151
...
----------
مع أنّ الجواسيس والمكرّمين من شرّهم ليس لهم وقت معيّن لحضورهم، فإنّه ينافي عملهم في الحصول على المعلومات والإتيان بالوظيفة المقرّرة لهم من قبل حكّام الجور.
ومنها: قوله بالتعميم بمفهوم الموافقة.
وفيه: أنّ مفهوم الموافقة هو في مورد يلتفت العرف إليه بلا تدبّر. وبعبارة أُخرى: أنّ الحكم في مفهوم الموافقة بالأولويّ-ة القطعيّ-ة، وليس الأمر هنا هكذا. هذا مضافاً إلى لزومه صحّة الطلاق بما هو أصرح من «أنت طالق» بالموافقة وهو كما ترى.
ومنها: قوله أخيراً في منع الإجماع.
ففيه: أنّ الظاهر من الإجماع هو اتّفاق الكلّ إلّا أن تقوم قرينة على خلافه، وما ترى في بعض الإجماعات من خلافه من مدّعى الإجماع نفسه فإنّه قرين-ة صارفة، فهو إجماع حدسي لا نقلي، كيف، وقد ذكر في الانتصار(1) لفظ «اعتدّي»، وكذا الشيخ في الخلاف،(2) مع أنّهما ادّعيا الإجماع على عدم الوقوع به.
...
----------
وهو مختار المحقّق.(1) وعن بعض آخر عدمه،(2) وهو الحقّ؛ قضاءً للروايات الحاصرة:
منها: موثّقة بكير بن أعين، فعن ابن سماعة، قال: «ليس الطلاق إلّا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها، وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدي عَدل، وكلّ ما سوى ذلك فهي ملغى».(3)
ومنها: صحيحت-ا محمّد بن مسلم والحلبي، فعن محمّد بن مسلم أنّه س-أل جعفر(علیه السلام) عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام، أو بائنة، أو بتّ-ة، أو بريّ-ة، أو خليّ-ة، قال: «هذا كلّه ليس بشيء، إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين».(4)
وعن الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الطلاق أن يقول لها: اعتدّي، أو يقول لها: أنت طالق».(5).
واستدلّ للأوّل بموثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ:: في الرجل يقال له: أ طلّقت امرأتك؟ فيقول: نعم، قال: قال: «قد طلّقها حينئذٍ».(6)
ص: 153
...
----------
وفيه: عدم ظهورها في وقوع الطلاق به، بل لعلّها ناظرة إلى الإقرار بالطلاق، ولا ينافيه التقييد بالظرف الزماني للحال وهو كلمة «حينئذٍ»؛ لاحتمال كونه ناظراً إلى مقام الإثبات أيضاً؛ ويشهد لهذا الاحتمال الأخبار الكثيرة:
منها: موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟ قال: «يدعها حتّى تحيض وتطهر، ثمّ يأتيه ومعه رجلان شاهدان فيقول: طلّقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر، ثمّ خطبها إلى نفسها (نفسه - خ. ل)».(1)
ومنها: مرسلة عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: «إيّاكم وذوات الأزواج المطلّقات على غير السنّ-ة». قال: قلت له: فرجل طلّق امرأة من هؤلاء ولي بها حاجة، قال: «فيلقاه بعد ما طلّقها وانقضت عدّتها عند صاحبها»، فيقول له: أطلّقت فلان-ة؟ فإذن قال: «نعم، فقد صارت تطليقة على طهر، فدعها من حين طلّقها تلك التطليقة حتّى تنقض-ي عدّتها، ثمّ تزوّجها وقد صارت تطليقة بائنة».(2)
ومنها: ما عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام) فيرجل طلّق امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟ قال: «يأتيه فيقول: طلّقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر، ثمّ خطبها إلى نفسها».(3)
ومنها: م-وثّقة أُخ-رى لإسح-اق بن عمّار، ع-ن أبي عبدالله(علیه السلام) في رج-ل يري-د
ص: 154
...
----------
تزويج امرأة قد طلّقت ثلاثاً، كيف يصنع فيها؟ قال: «يدعها حتّى تحيض وتطهر، ثمّ يأتي زوجها ومعه رجلان فيقول له: قد طلّقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها حتّى تمضي أشهر، ثمّ خطبها إلى نفسه».(1)
وهذه الروايات موردها الإقرار، والحكم بالتربّص للاحتياط والاستظهار، فلا يبعد كون موثّقة السكوني أيضاً مثلها مربوطة بمقام الإقرار، بل ذلك مقتض-ى سياق الأخبار والنظر إلى مجموعها من حيث المجموع، بل ولعلّه يكون من ردّ المتشابه من أخبارهم إلى المحكم منها، ففي خبر أبي حيون مولى الرضا، عن الرضا(علیه السلام)، قال: «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم»، ثمّ قال(علیه السلام): «إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن، ومتشابهاً كمتشابه القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمهاً ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها، فتضلّوا».(2)
ويشهد له أيضاً عدم ذكر الشروط الأُخرى من شهادة العدلين وكونها في طُهر غير المواقعة في تلك الموثّقة، واللازم منه وهو الاكتفاء في الطلاق بما فيها فقط من دون تلك الشرائط مخالف للضرورة من المذهب وهو كما ترى، إلّا أن يقال بكونها في مقام بيان حكم الصيغة خاصّة دون مطلق الشرائط، لكنّه لا يخفى عليك أنّ في الحمل على الإقرار والإخباردون الإنشاء وبيان حكم الصيغة لا تكلّف فيه أصلاً، فلعلّ الحمل عليه أولى، فضلاً عن كونه محتملاً.
ثمّ يرد على مثل الشيخ; - زائداً على ما مرّ في دليلهم - أنّهم لم يذهبوا بوقوعه بمثل: «طلّقت زوجتي»، مع ذهابهم إلى الوقوع بقوله: «نعم». وهذا يلازم ترجيح
ص: 155
(مسألة 2): يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة، فلو قال: «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صحّ طلاق الجميع.(1)
----------
الفرع على الأصل كما لا يخفى، إلّا أن يقال: إنّ الفارق هو النصّ. فتأمّل؛ فإنّ المستفاد من النصّ صحّته بمثل ذلك بالأولويّ-ة.
ثمّ إنّ المستفاد من كشف اللثام على كفاية «نعم» عدم الفرق بين كونه جواباً عن الاستفهام بجملة «طلّقت»، أو عن الإخبار بها،(1) لكنّه غير تمام؛ لاختصاص الموثّقة بالاستفهام. نعم، بعض الروايات المستشهد بها كانت أعمّ من ذلك، لكنّها مربوطة بالإقرار كما مرّ.(2)
(1) لإلغاء الخصوصيّ-ة بين الزوجة الواحدة و«أنت طالق» وبين أكثر منها و«أنتما طالقان» - مثلاً - ؛ حيث إنّ الحصر في الأخبار في قوله: «أنت طالق» ناظرٌ إلى حصر الصيغة في اسم الفاعل من مادّة الطلاق وعدم الوقوع بغيره من هذه المادّة ولا بمادّة أُخرى مطلقاً؛ وذلك لأنّها وردت في مقابل العامّة القائلين بوقوعه بمثل: «أنت خليّ-ة» أو «بريّ-ة» وغيرهما من الصيغ، فالحصر إضافي وفي قبالهم، لا أنّه حقيقي في خصوص تلك الصيغة بجميع خصوصيّاتها من الأفراد والخطاب في المبتدأ والخبر حتّى لا يصحّ الطلاق بقوله: «هي طالق»، فضلاً عن «هما طالقان» - مثلاً - وذلك لأنّ الحمل على الحقيقي مخالفٌ للظاهر والقرينةالحاليّ-ة على خلافه قائمة.
ص: 156
(مسألة 3): لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع القدرة.(1)
----------
هذا، مع استلزامه المخالفة لما هو الواضح في الفقه من كفاية ذلك الفاعل لحاضرٍ كان أو لغائبٍ، لأصيلٍ كان أو لوكيلٍ، فهذه أيضاً قرينة أُخرى، فلا تغفل.
ولموثّقة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): ما تقول في رجل أحض-ر شاهدين عدلين وأحضر امرأتين له وهما طاهرتان من غير جماع، ثمّ قال: اشهدا إنّ امرأتي هاتين طالق وهما طاهرتان أ يقع الطلاق؟ قال: «نعم».(1)
(1) خلافاً للشيخ في النهاية(2) وتبعه ابن البرّاج(3) وابن حمزة،(4) ولكن ما في المتن هو المشهور بين الأصحاب، ويدلّ عليه الروايات الحاصرة السابقة وهو مقتضى الاحتياط. واستدلّ لغير المشهور بأنّ المقصود من الصيغ هو المعاني وهو يحصل بكلّ لفظ، وبرواية وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ:، قال: «كلّ طلاق بكلّ لسان فهو طلاق».(5).
وفيهما ما لا يخفى، أمّا الدراية فهي اعتبار، لا اعتبار به، مع أنّه اجتهاد في مقابل النصّ، وأمّا الرواية فسندها ضعيف بوهب؛ فإنّه كذاب كان قاضياً ببغداد وج-اعلاً للحديث لهم وهو أكذب البريّ-ة، مضافاً إلى أنّه خلاف الضرورة إن أُريد
ص: 157
ومع العجز يصحّ،(1) وك-ذا لا يقع بالإش-ارة ولا بالكت-ابة مع القدرة على النطق،
----------
من الطلاق، الطلاق الاصطلاحي؛ لاستلزامه عدم اعتبار بقيّ-ة الش-روط، وهو كما ترى، إلّا أن يقال: أنّه ليس إلّا في مقام بيان الصيغة فلا إطلاق فيها من سائر الجهات، هذا مع إمكان أن يقال: إنّ الطلاق فيه بالمعنى اللغوي، فتكون بياناً في مسألة الطلاق والحريّ-ة من كلّ قيد وعبوديّ-ة، فمراد عليّ(علیه السلام) هو بيان عدم شرطيّ-ة لغة خاصّ في حصول الحريّ-ة والطلاق، من العبوديّ-ة أو من المدرسة أو من العمل وأمثالها، بل يكفي في حصولها كلّ ما يدلّ عليها من كلّ لغة ولسان.(1)
وإن أبيت إلّا عن ذلك فلا أقلّ من كون الرواية ذات احتمالين.
هذا كلّه مع ما في الحدائق من نكتة أُخرى، وهي أنّ الرواية ظاهرة في من لا يقدر على العربيّ-ة؛ لأنّ الغالب في أهل كلّ لسان تعذّرهم بالنسبة إلى لغة غيرهم. قال (قدس سرُّه):
وظاهرها إنّما هو عدم إمكان العربيّ-ة؛ لأنّ الظاهر انّ المراد منها إنّما هو أنّ أهل كلّ لسان من عربي أو عجمي أو تركي أو نحوها فله أن يطلّق بلسانه، ومن الغالب اختصاص أهل كلّ لسان بذلك اللسان لا يتجاوزونه إلى غيره، ومعرفة بعضهم لألسن متعدّدة أمر على خلاف الغالب لا يحمل عليه الإطلاق.(2).
(1) بلا إشكال ولا خلاف ولا يجب التوكيل وإن أمكن؛ قضاءً للأصل ولإطلاقات أدلّة الطلاق، ولزوم العربيّ-ة للمختار هو للدليل الخاصّ كما مرّ.
ص: 158
ومع العجز يصحّ إيقاعه بهما.(1)
----------
وممّا يعضد ذلك عدم الوجوب في الأخرس؛ فإنّه لا إشارة في أخبار طلاقه إلى مسألة التوكيل، بل طلاقه يقع بالإشارة المقدورة له كغيره من عقوده وإيقاعاته، فكما أنّ التوكيل غير واجب له بل يطلّق بما يقدر عليه فكذلك ما نحن فيه وهو العاجز.
(1) أمّا الإشارة لا إشكال ولا خلاف في عدم الوقوع بها مع القدرة على النطق للروايات الحاصرة لعدم اعتبارها في الإنشاء عند العقلاء، بعد ما كان بناؤهم على لزوم الإنشاء والإظهار في العقود والإيقاعات، فإنشاء البيع أو الوصيّ-ة أو العتق بالإشارة مع القدرة على النطق ليس بإنشاء عندهم أصلاً، ومن المحتمل كون النكتة هو وجود الإبهام في الإشارة طبعاً فيكون موجباً للنزاع ونحوه، وكيف كان، فلعلّ عدم البناء وعدم التحقّق كان منشأ لاتّفاق الأصحاب وعدم الإشكال عندهم في عدم الصحّة.
وأمّا الكتابة فكذلك مع كونه حاضراً؛ وذلك للروايات وللإجماع على عدم الكفاية، وأمّا القادر الغائب ففيه الخلاف، فعن الأكثر بل عن المشهور عدم الوقوع وكونه كالحاضر وهو مختار الشيخ في الخلاف(1) والمبسوط(2) على المحكيّ عنهما،(3) بل عنه الإجماع في الأوّل بل في الثاني أيضاً،وعن النهاية(4) واتباعه الوقوع.
ص: 159
...
----------
ويستدلّ للأوّل - مضافاً إلى الأصل واستصحاب حكم الزوجيّ-ة إلى أن يثبت المزيل، وبأنّ الأسباب يتساوى فيه الحاضر والغائب ومن ثمّ استوياً في وقوعه باللفظ - بالأخبار الحاصرة، وبصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه، ثمّ بدأ له فمحاه، قال: «ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتّى يتكلّم به».(1) وبمضمرته، قال: سألته عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها، أو كتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه؟ قال: «ليس بشيء حتّى ينطق به».(2)
ولا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق بترك الاستفصال هو عدم الفرق بين القادر الحاضر والغائب، وهما دليلان آخران للفرع السابق.
واستدلّ لغير المشهور بصحيح-ة أبي حم-زة الثمالي، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) ع-ن رجل قال لرجل: أكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها، أو أكتب إلى عبدي بعتق-ه، يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟ قال: «لا يكون طلاقاً ولا عتقاً حتّى ينطق به لسان-ه، أو يخطّ-ه بيده وه-و يريد الطلاق أو العتق، ويكون ذلك منه بالأهلّة والشهود يكون غائباً عن أهله».(3)
ص: 160
...
----------
وأجاب عنه العلّامة في المختلف بالحمل على حال الاضطرار بما هذا لفظه:
والجواب: أنّه محمولٌ على حالة الاضطرار وتكون لفظة «أو» للتفصيل لا للتخيير. لا يقال: هذه الرواية مختصّة بالغائب، والرواية الأُولى مطلقة، والمقيّد مقدّم. لأنّا نقول: الغيبة والحضور لا تأثير لهما في السببيّ-ة، فإنّا نعلم أنّ اللفظ لمّا كان سبباً في البينونة استوى إيقاعه من الغائب والحاضر، وكذا الكتابة لو كانت سبباً؛ لتساوى الحالان فيها. مع أنّ في روايتنا ترجيحاً بسبب موافقة الأصل وتأيّدها بالنظر والشهرة في العمل.(1)
وأورد عليه في المسالك بوجوهٍ، دونك عبارته:
وفيه نظر؛ لأنّ الرواية صريح-ة في أن المطلّق يقدر على التلفّظ، لأن-ّه قال: «أُكتب يا فلان، إلى امرأتي بطلاقها ... »، فلا وجه لحمله على حالة الاضطرار؛ لأنّ من قدر على هذا اللفظ قدر على قوله: «هي طالق»، ولا يمكن العذر بفقد شرط آخر؛ لأنّ الش-رائط معتبرة في الكتابة كاللفظ. ومع ذلك، ففي هذه الروايةترجيح على السابقة (وهي حسنة زرارة) بصحّة سندها، وبأنّها مقيّدة بالنيّ-ة والغيبة وتلك مطلقة فيهما، فجاز كون منعه من وقوع الطلاق لعدم النيّ-ة بالكتابة، أو لعدم العلم بالنيّ-ة، أو تحمل على حالة الحضور؛ جمعاً على أنّه مع ثبوت المرجّح لا ضرورة إلى الجميع.(2)
ص: 161
...
----------
أقول: ليس الحديث على نقل التهذيب(1) ونقل الوافي(2) عن الكتب الثلاثة، وكذا نقله; صريحاً في قدرة المطلّق على التلفّظ وإن كان السؤال صريحاً فيه كما بيّن وجهه، وأمّا قوله(علیه السلام) في الجواب: «لا يكون طلاق ولا عتق حتّى ينطق به لسانه» فيحتمل فيه الكلّيّ-ة وأنّه(علیه السلام) أراد بيان الضابطة وهي عدم الطلاق والعتق إلّا مع الغاية المذكورة التي تكون خبراً للفعل الناقص ولا قرينة في الحديث على اختصاص الجواب بمورد السؤال والمورد غير مخصّص ولا مقيّد.
نعم، على نقل الوسائل وكون الاسم الضمير ونصب لفظتي الطلاق والعتق خبراً للفعل الناقص فالصراحة تامّ-ة لمكان الضمير، كما بيّنه، لكنّ الشأن في ذلك كما أنّ الصراحة على ما في هامش الوسائل عن الكافي وهو: «لا يكون ذلك بطلاق ولا عتاق»(3) واضحة، كما أنّ ترجيحه ما عن الثمالي على ما عن زرارة بالصحّة غير تمامٍ على مختارنا في إبراهيم ب-ن هاشم، كما لا يخفى، فلا ترجيح لصحيح الثمالي على صحيحة زرارة؛ فإنّهما مثلان، بل احتمال الترجيح بالعكس؛ لثبوت الشهرة والإعراض عن صحيحة الثمالي، بحيث تصير ممّا لا ريب في بطلانه؛ ودون إثبات ذلكخرط القتاد، فإنّه كيف يكون كذلك مع عمل الشيخ; في النهاية(4) وتبعيّ-ة تابعيه له أو جملة منهم في ذلك؟ فالتفصيل في المسألة؛ جمعاً بينهما بحمل المطلق على المقيّد يكون قويّاً، واحتمال القول بكفاية الكتابة مطلقاً من دون اختصاص بالغائب
ص: 162
...
----------
بحمل صحيحة زرارة على عدم القصد؛ لما في صحيحة الثمالي من التقييد بالغائب حمل للمطلق على المقيّد. ويتأيّد ذلك بقوله: «ثمّ بدأ له فمحاه»، ففيه: أنّه كما وقع التقييد به فيها، فكذلك التقييد بالغائب، فلابدّ من رعاية القيدين.
ثمّ إنّ الظاهر بدواً من قوله(علیه السلام): «أو يخطّه بيده» عدم كفاية الوكالة في الكتابة، لكن من المحتمل قويّاً كون تلك الجملة في قبال ما وقع في السؤال من قوله: «أُكتب يا فلان، إلى امرأتي بطلاقها»، أو: «أُكتب إلى عبدي بعتقه»؛ حيث إنّ المراد من تلك الجملة - ظاهراً - كتابة تحقّق الطلاق والإخبار به؛ أي ما يسمّى في الفارسيّ-ة ب- «طلاقنامه» من دون إنشاء أصلاً، والمستفاد منها اعتبار الإنش-اء والخطّ بيده كناية عنه.
ثمّ إنّ الطلاق المدّعى وقوعه بالكتابة يدخل في عموم الطلاق والأصل فيه الصحّة، وممّا يؤيّد الصحّة أنّ المقصود بالعبارة هي الدلالة على ما في النفس، والكتابة أحد الخطابين كالكلام، والإنسان يعبّر عمّا في نفسه بالكتابة كما يعبّر بالعبارة. نعم، هي أقصر مرتبةً من اللفظ، وأقرب إلى الاحتمال، ومن ثمّ منع من وقوع الطلاق بها للحاضر، لأنّه مع الحضور لا حاجة إلى الكتابة بخلاف الغيبة، للعادة الغالبة بها فيها.
واعلم أنّه على تقدير القول بوقوعه بها يعتبر القصد بها إلى الطلاق وحضور شاهدين يريان الكتابة، والظاهر اشتراط رؤيته حال الكتابة لا بعدها لأنّ ابتدائها هو القائم مقام اللفظ لا استدامتها. وإنّما تعلم النيّ-ة بإقراره، ولو شكّ فيها فالأصل عدمها. وحينئذٍ فتكون الكتابة كالكناية، ومنثمّ ردّها الأصحاب مطلقاً اطّراداً للقاعدة مع أنّهم نقضوها في مواضع كما ترى.
ص: 163
والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة.(1)
----------
ولا فرق في الغائب بين البعيد بمسافة القص-ر وعدمه. مع احتمال شموله للغائب عن المجلس، لعموم النصّ. والأقوى اعتبار الغيبة عرفاً التي تكون مناطاً في طلاق الغائب للأهلّة والشهور للنصّ على ذلك في آخر الحديث. ولتكن الكتابة للكلام المعتبر في صحّة الطلاق، كقوله: «فلانة طالق»، أو يكتب إليها: «أنت طالق». ولو علّقه بشرط كقوله: إذا قرأت كتابي فأنت طالق، فكتعليق اللفظ.
وما في الحدائق من الإشكال في اشتراط الكلام المعتبر في صحّة الطلاق بما هذا لفظه:
أنّ تعيّن هذه الصيغة بمقتض-ى الدليل إنّما هو بالنسبة إلى التلفّظ بالطلاق، وأمّا أحاديث الكتابة فهي مطلقة وتخصيصها يحتاج إلى دليل، وكما خرج عن أخبار وجوب اللفظ بهذا الخبر فليخرج عنها أيضاً بالعمل بإطلاق هذه الأخبار من إيقاع الكتابة بأيّ لفظ من هذه المادّة؛ عملاً بإطلاق الأخبار المذكورة، والتقييد إنّما ثبت في العبارة اللفظيّ-ة.(1)
ففيه: أنّه لا إطلاق في هذه الأخبار من تلك الجهة، بل تكون في مقام بيان كفاية الكتابة في مقابل عدمها وليست في مقام بيان تمام شرائط الصيغة كما هو ظاهر.
(1) فإنّ أصل المسألة إجماعيّ-ة، ويدلّ عليها الروايات الواردة في الأخرس، لكن وقع الخلاف في أنّ الكتابة مقدّمة على الإشارة في الأخرسأم لا؟
أمّا الروايات، فمنها: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر أنّه سأل أبا الحسن الرضا(علیه السلام) : عن الرجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلّم. قال: «أخرس هو؟»
ص: 164
...
----------
قلت: نعم، ويعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها أ يجوز أن يطلّق عنه وليّه؟ قال: «لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك»، قلت: فإنّه لا يكتب ولا يسمع، كيف يطلّقها؟ قال: «بالذي يعرف به من أفعاله، مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها».(1)
ومنها: ما عن أبان بن عثمان، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن طلاق الخرساء؟ قال: «يلفّ قناعها على رأسها ويجذبه».(2)
ومنها: موثّقة السكوني المضمرة، قال: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها».(3)
ومنها: ما عن إسماعيل بن مراد، عن يونس: في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته، قال: «إذا فعل في قبل الطهر بشهود وفهم عنه كما يفهم عن مثله ويريد الطلاق جاز طلاقه على السنّ-ة».(4)
ومنها: ما عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثمّ يعتزلها».(5).
أمّا الأقوال في المسألة، فقيل بتقدّم الكتابة، وقيل بلزوم الجمع، وقيل بالتأخّر، ولكنّ المستفاد منها أنّ المقدّم هو الأصل، وهو الإشارة، فإنّها المذكورة فيها، ولا دليل على تقديم الكتابة إلّا صحيحة ابن أبي نص-ر، ولا دلالة فيها على اللزوم؛ لكون الترتيب ذكريّاً.
ص: 165
...
----------
نعم، في ذكر الإمام(علیه السلام) الكتابة ابتداءً الإشعار على ذلك لا الظهور كما لا يخفى، فالأحوط الأولى هو تقديم الكتابة.
قال المحقّق في الشرائع:
ولو خيّرها وقصد الطلاق، فإن اختارته أو سكتت ولو لحظة، فلا حكم. وإن اختارت نفسها في الحال، قيل: يقع الفرقة بائنة، وقيل: يقع رجعيّ-ة، وقيل: لا حكم له، وعليه الأكثر.(1)
ولا يخفى أنّ توكيله لها إن شاءت ليس محلاً للبحث ومورداً للنزاع في المقام وإن كان ذلك جائزاً عند من جوّز وكالة المرأة فيه ولم يشترط المقارنة بين الإيجاب والقبول كغيره من الوكالات، وكان الفرض عليها حينئذٍ إيقاعه بلفظ الطلاق المعهود، كما أنّ تخيير الزوج الزوجة في اختيار البقاء أو طلاقه لها خارج عن محلّ النزاع وليس بأزيد من الوعد وصحّته ضروريّ-ة، بل تعبير الصحّة في أمثاله ممّا يرجع إلى مثل المقاولة والمشاورة ولا يكون عقداً ولا إيقاعاً، ليس في محلّه كما لا يخفی.
فما هو محلّ للنزاع هو تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها ناوياً به الطلاق ووقوع الطلاق لو اختارت نفسها وعدمه إن اختارت الزوج أو البقاء، فيكون ذلك بمنزلة تمليكه لها نفسها وجعله الأمربيدها، فالعامة متّفقون على وق-وعه بالاخت-يار وأصحابن-ا مختل-فون فيه، ف-ذهب جماع-ة، منهم ابن الجنيد
ص: 166
...
----------
وابن أبي عقيل(1) والسيّد المرتضى(2) وظاهر ابني بابويه(3) إلى وقوع-ه به، وذهب الشيخ(4) ومن تبعه والمشهور إلى عدمه.
ثمّ إنّ القائلين بالوقوع اختلفوا في أنّه هل يقع طلاقاً رجعيّاً أو بائناً؟ وهل الاتّصال في الاختيار شرط أم لا؟ والأصل في المسألة قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾.(5)
وقبل التعرّض لسائر الأدلّة نتكلّم حول هذه الآية الشريفة، فاعلم أنّ العلّامة الطباطبائي; قد أفاد في تفسير هذه الآية بعض النكات التي لا ينبغي ترك نقلها:
منها: أنّ زوجات النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) أو بعضهنّ كانت لا ترتضي ما في عيشتهنّ في بيت النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) من الضيق والضنك، فاشتكت إليه ذلك.
منها: تخييرهنّ بين السراح والبقاء في نفس المعيشة.
منها: إلقاء أصل كلّي، وهو المسؤوليّ-ة العظيمة تجاه المنزلة الرفيعة.(6)
هذه هي النكات.
ص: 167
...
----------
وأمّا ما يكون من الآية مربوطةً بالبحث، أنّها على تسليم دلالتها، قضيّ-ة شخصيّ-ة تخصّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) وزوجاته، وأين النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) والمقام معه وإرادة الله ورسوله والدار الآخرة وتحمّل المشاقّ وضيق المعيشة أو الفراق وحرمان السعادة الأُخرويّ-ة والوصول إلى سهولة المعيشة وراحتها الدنيويّ-ة؟ فهل الإلغاء في مثل هذه القضيّ-ة إلغاءً لخصوصيّ-ة النور المطلق للظلمة المطلقة أو للنور الجزئي؟ هذا مضافاً إلى أنّ الدلالة ممنوعة؛ حيث إنّ تخييره (صلی الله علیه وآله وسلم) كان تخييراً عن مش-ورة ساذجة وأنّه يطلّقهنّ بعد اختيارهنّ المفارقة وإرادة حياة الدنيا، كما يظهر ذلك من قوله تعالى: ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾،(1) كما يدلّ عليه غير واحد من أخبار الباب. وقد مرّ(2) خروج مثله عن محلّ النزاع، بل عن تعبير الصحّة والبطلان. نعم، الظاهر وجوب الوفاء له.
وأمّا الروايات، فما نقله صاحب الوسائل في الباب المنعقد له تسع عش-رة، وعنوان الباب هكذا:
باب أنّ من خيّر امرأته لم يقع بها طلاق بمجرّد التخيير وإن اختارت نفسها، فإن وكّلها في طلاق نفسها ففعلت وقع مع الشرائط.(3).
وما في نظره ممّا يدلّ على الجواز من تلك الأخبار عشر منها، وعلى عدمه تسع، لكن لا يخفى أنّ الروايت-ين منها وهما مرسل-ة هارون بن مسلم(4) وخبر إب-راهيم بن
ص: 168
...
----------
محرز(1) لا ارتباط لهما بمحلّ البحث أصلاً، وإنّما تدلّان على عدم صحّة إيكال الزوج الأمر والاختيار إلى الزوجة؛ بأن يكون تمام ما للزوج للزوجة. ففي الثاني، فقال: رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، قال: «أنّى يكون هذا، والله يقول: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾.(2) وهذا كالنصّ فيما قلناه، ومثله السابق عليه، إلّا أنّه(3) مربوط باشتراط ذلك في تحقّق النكاح، كما يظهر من قوله(علیه السلام): «ولم يجز النكاح»، الظاهر في النكاح المشروط فيه، لا النكاح اللاحق وإن كان محتملاً أيضاً.
ثمّ اعلم أنّ في أخبار الجواز اختلاف من حيث اشتراط البينونة والطلاق بكون الاختيار في المجلس وقبل التفرّق وعدم اشتراطه بذلك، بل يحصل الطلاق بالاختيار بعد التفرّق أيضاً، كما أنّ فيها الاختلاف من جهة كون الطلاق الحاصل بالتخيير طلاقاً رجعيّاً أو بائناً، لكنّها مشتركة في الدلالة على الجواز في الجملة. والشيخ في التهذيب(4) ذكر ستّ-اً من الأُولى واستدلّ بها على الجواز وذكر أنّه أورد طرفاً من الأخبار الدالّة على الوقوع به. فالروايات على طائفتين، منها ما يدلّ على الوقوع، ومنها على عدمه:
أمّا الثانية، فمنها: ما عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الخيار، فقال: «وما هو؟ وما ذاك؟ إنّما ذاك شيء كان لرسولالله(صلی الله علیه وآله وسلم)».(5)
ومنها: م-ا عنه، عن أبي ع-بدالله(علیه السلام): في ال-رجل إذا خ-يّر امرأت-ه، ق-ال: «إنّما
ص: 169
...
----------
الخ-يرة لنا، ليس لأحد، وإنّما خيّر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لمكان عائشة، فاخترن الله ورسوله، ولم يكن لهنّ أن يخترن غير رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)».(1)
ومنها: ما عنه أيضاً، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إنّي سمعت أباك يقول: «إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) خيّر نساءه، فاخترن الله ورسوله، فلم يمسكهنّ على طلاق، ولو اخترن أنفسهنّ لبنّ»، فقال: «إنّ هذا حديث كان يرويه أبي، عن عائشة، وما للناس والخيار، إنّما هذا شيء خصّ الله به رسوله».(2)
ومنها: ما عن عيص بن القاسم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل خيّر امرأته، فاختارت نفسها، بانت منه؟ قال: «لا، إنّما هذا شيء كان لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) خاصّة، أمر بذلك ففعل، ولو اخترن أنفسهنّ لطلّقهنّ، وهو ق-ول الله عزّ وجلّ: ﴿قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾»(3).(4)
ومن هذه الطائفة - على الظاهر من الوسائل - ما عن هارون بن مسلم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: ما تقولفي رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال: فقال لي: «ولّى الأمر من ليس أهله، وخالف السنّ-ة، ولم يجز النكاح».(5)
وفيه: أنّ من المحتمل جعله الولاية لها. والشاهد عليه ما عن إبراهيم بن محرز،
ص: 170
...
----------
قال: سأل رجل أبا عبدالله(علیه السلام) وأنا عنده، فقال: رجل قال لامرأته: أمرك بيدك؟ قال: «أنّى يكون هذا، والله يقول: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾،(1) ليس هذا بشيء».(2)
ومن المحتمل كونهما رواية واحدة من مروان بن مسلم، عن إبراهيم بن محرز، كما يظهر من المراجعة إلى السند وما في النسخة والمتن، والأمر في عدم الارتباط مع اتّحادهما أوضح، وقد مضى الكلام(3) فيهما أيضاً، فلا تغفل.
ومنها: ما عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه ق-ال: «ما للنساء والتخيير، إنّما ذلك شيء خصّ الله به نبيّ-ه(صلی الله علیه وآله وسلم)».(4)
ومنها: مرسلة الصدوق في المقنع، قال: روي: «ما للناس والتخيير، إنّما ذلك شيء خصّ الله به نبيّه(صلی الله علیه وآله وسلم)».(5)
ومنها: ما عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل قال لامرأته: إنّي أحببت أن تبيني، فلم يقل شيئاً حتّىافترقا، ما عليه؟ قال: «ليس عليه شيء، وهي امرأته».(6)
والروايات الباقية(7) من ذلك الباب في الوسائل وهي عش-رة من الطائفة؛ أي الدالّة على الجواز، دلالتها ظاهرة واضح-ة، فالتعارض بين الطائفتين ثابت، وجَمَع
ص: 171
...
----------
الشيخ (قدس سرُّه) بينهما بأنّ الأولى تحمل على التقيّ-ة، قال:
فأمّا ما روي من جواز الخيار إلى النساء واختلاف أحكامه؛ لأنّ منهم من جعله تطليقة بائنة، ومنهم من جعله تطليقة يملك معها الرجعة، ومنهم من جعله تطليقة إذا اتّبع بطلاق، ومنهم من جعله كذلك وإن لم يتبع بطلاق، ومنهم من جعله كذلك إذا اختارت نفسها قبل أن تقوم من مجلسها، ومنهم من جعله كذلك في جميع الأحوال. فالوجه فيها كلّها أن نحملها على ضرب من التقيّ-ة؛ لأنّ الخيار موافق لمذاهب العامّة، وإنّما حملناه على ذلك لما قد ثبت من صحّة العقد، فلا يجوز العدول عنه إلّا بطريقة معلومة، وجميع هذه الأخبار لا يمكن العمل عليها؛ لأنّها متضادّة الأحكام، وليس بأن نعمل على بعضها أولى من أن نعمل على البعض الآخر؛ لتساويها في الطرق، على أنّا إن عملنا على شيء منها احتجنا أن نطرح الأخبار التي قد قدّمناها في أنّ الخيار غير واقع، وإنّما ذلك شيء كان يختصّ به النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)، فإذا عملنا على ما قلناه كان لهذه وجهٌ، وهو خروجها مخرج التقيّ-ة، وجه يجوز أن تردّ الأخبار لأجله.(1)
ولقد أجاد فيما قال، فإنّ الأخبار الدالّة على الجواز المعارضة للدالّة على خلافها هي مطروحة؛ لكونها موافقة للعامّة والترجيح للمخالف لهم، فإنّ الرشد في خلافهم، وهذا - أي المخالف-ة للعامّ-ة - هو الثاني، بلوالأخير من المرجّحات المنصوصة ذكراً ورتبةً، والأوّل منها هو الموافقة للكتاب، كما حقّق في محلّه.
ص: 172
...
----------
نعم، في المراد من التعليل بأنّ الرشد في خلافهم احتمالات ووجوه، ذكرها الشيخ الأعظم في بحث التعادل والتراجيح من خاتمة رسائله،(1) أحدها التقيّ-ة، وهو المعروف في الألسنة والمصرّح به في كلام شيخ الطائفة في المقام وغيره، لكنّها أعمّ مطلق من موارد الترجيح بالمخالفة على كونها هي العلّة، وأعمّ من وجه على عدم العلّيّ-ة، كما لا يخفى؛ لأنّه يمكن أن يكون الخبر مطروحاً للمخالفة، مع عدم التقيّ-ة أيضاً، كما يمكن الطرح للتقيّ-ة، مع عدم المعارضة. وفي الحدائق(2) قد صرّح بذلك في غير موضع من كتابه وإن كان للتأمّل فيه مجالٌ.
وعلى كلّ حالٍ، فما ذكره الشيخ(قدس سرُّه) هو مختار المشهور كما مرّ،(3) ولكن للشهيد (قدس سرُّه) في المسالك كلام يظهر منه الميل إلى غيره، قال (قدس سرُّه):
اتّفق علماء الإسلام ممّن عدا الأصحاب على جواز تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها ناوياً به الطلاق ووقوع الطلاق لو اختارت نفسها، وكون ذلك بمنزلة توكيلها في الطلاق، وجعل التخيير كناية عنه أو تمليكاً لها نفسها، والأصل فيه أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) خيّر نسائه بين المقام معه وبين مفارقته؛ لما نزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُللِّأَزْوَاجِكَ ... ﴾،(4) الآیة والتي بعدها.
وأمّ-ا الأصحاب، فاختل-فوا فذهب جماع-ة؛ منهم ابن الج-نيد واب-ن أبي
ص: 173
...
----------
عقيل(1) والسيّد المرتضى(2) وظاه-ر ابني بابويه(3) إلى وقوعه به - أيضاً - إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها على الفور مع اجتماع شرائط الطلاق من الاستبراء وسماع الشاهدين ذلك وغيره. وذهب الأكثر ومنهم الشيخ(4) والمتأخّرون(5) إلى عدم وقوعه بذلك.
ويظهر من المصنّف التردّد فيه إن لم يكن ميله إلى الأوّل؛ لأنّه نسب الحكم بعدم صحّته إلى الأكثر؛ ساكتاً عليه. ووجه الخلاف اختلاف الروايات الدالّة على القولين إلّا أنّ أكثرها وأوضحها سنداً ما دلّ على الوقوع.
وأورد الشيخ في التهذيب منها ستّ-ة أخبار أكثرها من الموثّق، وفيها الحسن والصحيح، وذكر أنّه ذكر طرفاً من الأخبار الدالّة على الوقوع به، فمنها صحيحة حمران، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «المخيّرة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما، لأنّ العصمة قد بانت منها ساعة كان ذلك منها ومن الزوج».(6).
وموثّقة محمّد بن مسلم وزرارة، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «لا خيار إلّا
ص: 174
...
----------
على طهر من غير جماع بشهود ».(1)
ورواية زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: قلت له: رجل خيّر امرأته، فقال: «إنّما الخيار لهما ما داما في مجلسهما، فإذا تفرّقا فلا خيار لها ... »،(2) الحديث.
وحجّة المانع أربع روايات، بعضها ضعيف السند وبعضها من الموثّق: منها رواية العيص بن القاسم، عن الصادق(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها، بانت منه؟ قال: «لا، إنّما هذا شيء كان لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) خاصّة أمر بذلك ففعل، ولو اخترن أنفسهنّ لطلّقن، وهو قول الله تعالى: ﴿قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾(3)».(4)
ورواية محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إنّي سمعت أباك يقول: «إنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خيّر نساءه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهنّ على طلاق ولواخترن أنفسهنّ لبنّ»، فقال: «إنّ هذا حديث كان يرويه أبي، عن عائشة، وما للناس والخيار، إنّما هذا شيء خصّ الله
ص: 175
...
----------
به رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)».(1)
وأجاب المانعون عن الأخبار الدالّة على الوقوع بحملها على التقيّ-ة، ولو نظروا إلى أنّها أكثر وأوضح سنداً وأظهر دلالة لكان أجود. ووجه الأوّل واضح، والثاني، أنّ فيها الصحيح أو الحسن والموثّق وليس فيها ضعيف بخلاف أخبار المنع، فإنّ فيها الضعيف والمرسل والمجهول، وأمّا الثالث، فلأنّ نفي البينونة في الأوّل أعمّ من نفي الوقوع؛ لجواز وقوعه رجعيّاً، فلا دلالة له على منعه مطلقاً، فإذا حملت أخبار الوقوع على كونه رجعيّاً لم يتعارض على تقدير أن تكون مكافئة، فكيف وحالها ما رأيت؟!
وأمّا حمل العلّامة في المختلف(2) لأخبار الوقوع على ما إذا طلّقت بعد التخيير فغير سديد؛ لأنّ ذلك يقتض-ي كون تخييرها وكالة، ومعها لا يشترط فيه وقوعه في المجلس ولا على الفور، خلاف ما دلّت عليه تلك الأخبار، وهذا واضح».(3) انتهى كلامه.
ونقلناه بتمامه لما فيه من تحرير محلّ النزاع وبيان الأصل فيه وغيره من الفوائد، وفيه: أنّ الوجوه الثلاثة هي مزايا غير منصوصة والترجيح بها إنّما يكون مع عدم المنصوصين؛ قضاءً لإطلاق أدلّتهما مع إطلاقدليل الترتيب أيضاً.
هذا تمام الكلام في أصل المسأل-ة، وأمّا فروعها فنحيلها على المسالك(4)
ص: 176
...
----------
والجواهر،(1) وما نتعرّض لها؛ لفساد الأصل.
قد رأيت ما مرّ آنفاً عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إنّي سمعت أباك إلى قوله(علیه السلام): «إنّ هذا حديث كان يرويه أبي، عن عائشة ... ». وفي الجواهر فيما أورده ثالثاً على احتمال كون شرطيّ-ة الاتّصال بين التخيير والاختيار مبنيّاً على أنّ ذلك؛ أي التخيير عقد تمليك أو توكيل، فعلى الأوّل يعتبر الاتّصال كما في غيره من العقود، بخلاف الثاني؛ ردّاً على الشهيد الثاني بصحّة التخيير، ما هذا لفظه:
فمن الغريب بعد ذلك كلّه ميل الشهيد الثاني إلى القول المزبور؛ لهذه الأخبار التي قد عرفت حالها وما يعارضها وقوّة خروجها مخرج التقيّ-ة، بل قد عرفت التصريح في بعضها بأنّ ذلك حديث «أبي، عن عائشة».(2)
وذكر في بيان الأخبار المعتبرة الدالّة على عدم الصحّة - أيضاً - في ذيل الحديث، ما هذا لفظه:
هو صريح في الردّ على مالك، القائل بأنّ المخيّرة على طلقة إذا اختارت زوجها، وفي أنّ الحديث الذي يرويه أُبيّ بن كعب، عنعائشة من أكاذيبها، وافتراآتها.(3)
ص: 177
(مسألة 4): يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره؛ سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها.(1)
----------
أقول: ومن العجب نسبته الرواية إلى «أُبيّ بن كعب» وكيف ذلك، مع أنّ ما في كتب الرواية هو «أبي» المنسوب إلى «الأب»، وكذا في كتب الفقه على ما استقصيناه.
هذا مضافاً إلى دلالة صدر الرواية وإلّا يلزم تكذيب محمّد بن مسلم من جانبه(علیه السلام)، فلا تغفل وكن على دق-ّة في النظ-ر إلى الرواي-ة حتّى فيما كان النظر إليها من مثل صاحب الجواهر(قدس سرُّه).
(1) أصل جواز الوكالة في الطلاق كغيره من الإيقاعات والعقود التي لا يعتبر فيها المباشرة ممّا لا كلام فيه ولا إشكال. ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة الواردة في فروعها بعد الفراغ عن صحّة الأصل، كما أنّ جواز توكيل الزوج الغائب، عليه الإجماع وصرّح به في الشرائع بقوله: «ويجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعاً».(1) وفي الجواهر نسبه إلى قسميه،(2) وإنّما الكلام والخلاف في الحاضر، فعن الشيخ في النهاية(3)والمبسوط(4) وأتباعه(5) عدم الجواز، بل عنه نسبته في المبسوط(6) إلى أصحابنا،
ص: 178
...
----------
لكنّ المشهور، الجواز وهو المنصور؛ لإطلاق أدلّة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة في-ه كالعقود والإيقاعات التي منها الطلاق، وإطلاق صحيحة سعيد الأعرج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل جعل أمر امرأته إلى رجل؟ فقال: اشهدوا أنّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فيطلّقها أ يجوز ذلك للرجل؟ فقال: «نعم»،(1) التي فيها ترك الاستفصال.
دليل الشيخ ومن تبعه هو الجمع بين خبر زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا تجوز الوكالة في الطلاق».(2) والأخبار الدالّة على الجواز التي منها صحيحة الأعرج على الحاضر وتلك على الغائب.
وفيه: مع عدم الشاهد له، أنّ الترجيح لمثل صحيحة الأعرج، فإنّ صحّتها معلومة، وأمّا خبر زرارة، فإنّه على أحد سنديه على وثاقة جعفر بن سماعة موثّق، وعلى السند الآخر وإن كان على وثاقة معلّى بن محمّد صحيحاً، لكنّ الوثاقة محلّ كلام. فليس فيه إلّا أنّه شيخ الإجازة، ولذلك وقع الخلاف فيه.
وقد يقال: إنّ الأولى الاستدلال على ذلك بظهور نصوص حص-ر الطلاق الصحيح في قول الرجل لامرأته في قُبُل العدّة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: «أنت طالق»؛ باعتبار أنّها مساقة سوق التعريفالملحوظ قيديّ-ة كلّ ما يذكر فيه، وحينئذٍ فمن ذلك، المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب؛ مؤيّ-داً بخ-بر زرارة، بل لعلّ ذلك ه-و الوج-ه فيما يحكى ع-ن الشي-خ(3) من اعتبار
ص: 179
...
----------
الغيبة عن البلد وإن حكي عن-ه(1) الاكتفاء بالغي-بة عن المجلس، لكنّه خلاف ما صرّح به؛ لأنّه المتيقّن من عدم اعتبار المباشرة فيه.
إلّا أنّه قد يدفع ذلك بمنع الظنّ ولو للشهرة العظيمة باستفادة اعتبار المباشرة من ذلك، خصوصاً بعد سوقها في إرادة بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو «أنت خليّ-ة» وشبهها، ولذا لم يعتبر في الصيغة، الخطاب قطعاً (وبعد ورودها مورد الغالب) ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه؛ لأنّ أمر الفرج شديد.(2)
ثمّ إنّه هل يصحّ توكيل الزوجة أم لا؟ فعن الشيخ(3) أنّه لا يصحّ ولو في حال الغيبة؛ لظهور تلك النصوص في غيره، لما عنه; من استناده في المنع إلى أنّ القابل لا يكون فاعلاً، وظاهر قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الطلاق بيد من أخذ بالساق».(4)
وكلّها كما ترى، فإنّ المغايرة بين القابل والفاعل يكفي فيها الاعتبار وهما مختلفان بالحيثيّ-ة. كيف، والاختلاف اعتباراً وحيثيّ-ة كافٍ في العقود المركبّ-ة من الإيجاب والقبول فضلاً عن الإيقاع الذي هو ليس إلّا من طرف واحد، وأمّا النبويّ ففيه ما لا يخفى من أنّ التوكيل من جانبه لا ينافي كون الطلاق بيده، بل يكون مؤيّداً له، حيث إنّ التوكيل ليس إلّا منقبل من له ذلك. هذا مع أنّ إطلاق أدلّة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة كما يشمل غير الزوجة على تسليم الدلالة فكذلك الزوجة.
ص: 180
(مسألة 5): يجوز أن يوكّلها على أنّه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور مثلاً أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر مثلاً طلّقت نفسها، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكّل فيه، لا تعليقاً في الوكالة.(1)
(مسألة 6): يشترط في صيغة الطلاق التنجيز، فلو علّقه على شرط بطل؛ سواء كان ممّا يحتمل وقوعه، كما إذا قال: «أنت طالق إن جاء زيد»، أو ممّا يُتيقّن حصوله، كما إذا قال: «إن طلعت الشمس».
----------
وفي المختلف في الاستدلال على المشهور قال:
إنّه فعل يقبل النيابة، والمحلّ قابل، فجاز، كما لو وكّل غيرها من النساء، أو توكّلت في طلاق غيرها.(1)
ولعلّه يرجع إلى ما ذكرنا أو إلى إلغاء الخصوصيّ-ة من النصوص المدّعى ظهورها في الاختصاص بالرجال. وكيف كان، فقد ظهر ممّا ذكر أنّ الحقّ ما في المتن الذي هو المشهور، كما قد ظهر منه أيضاً عدم تماميّ-ة ما في الكفاية من أنّه: «لو وكّلها في طلاق نفسها ففي صحّته قولان، والأدلّة من الجانبين محلّ البحث».(2) المؤذن بالتوقّف، ومثله المحدّث الكاشاني في المفاتيح(3) على المحكيّ عنه، حيث إنّه اقتصر على نقل القولين من غير ترجيح، وقد ظهر أيضاً وجه الاحتياط.
(1) ووجهه ظاهر؛ فإنّ إطلاقات الوكالة وعموماتها وكذا أدلّة العقود دالّة على الجواز، فيما كان الشرط قيداً للموكّل فيه كغيره من الش-روطوالقيود فيه كالتعليق في غيرها من العقود والإيقاعات. نعم، التعليق في الوكالة نفسها يوجب البطلان.
ص: 181
نعم، لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع، كقوله: «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق»؛ سواء كان عالماً بأنّها زوجته أم لا.(1)
----------
(1) شرطيّ-ة التنجيز ومبطليّ-ة التعليق من دون الفرق بين الصفة، وهي الأمر المعلوم الحصول والشرط وهو المشكوك الحصول، هو قول مشهور على ما في الشرائع، بل قال فيه: لم أقف فيه على مخالفٍ منّا.(1) بل عن الانتصار(2) والإيضاح(3) والتنقيح(4) والروضة(5) والسرائر(6) وغيرها(7) الإجماع عليه، لكنّ العامّة قد أطبقوا على الجواز هنا واستدلّ لاشتراطه بوجوه مشتركة بين باب الإيقاع والطلاق وبقيّ-ة الأبواب من العقود، وبوجوهٍ مختصّة بالباب. والمشتركة كلّها درائيّ-ة، كما أنّ المختصّة ليست رواية خاصّة. فعلى هذا، القول بأنّه لا نصّ على الحكم في المسألة ليس بجزافٍ.
أمّا الوجوه المشتركة، فنذكر هنا أربعة منها:
أحدها: أنّ الصيغة والإنشاء سببٌ شرعاً فكما أنّ انفكاك المسبّب العقلي عن السبب العقلي غير ممكن ومحال فكذا الشرعي منه والتعليق مستلزم لذلككما لا يخفى.
ثانيها: أنّ الشارع جعل الإنشاء سبباً فجعل السبب مع الش-رط خلاف جعله ويكون مستلزماً لمشرعيّ-ة المعلّق بالكسر وللدخالة في أمر التشريع، مع أنّه ليس
ص: 182
...
----------
الحكم إلّا لله يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين.
ثالثها: أنّ الشرط كذلك في الحقيقة من الش-روط المخالفة للكتاب والسنّ-ة والمحلّلة حراماً، ضرورة أنّه بعد ظهور الأدلّة في ترتّب الأثر على السبب الذي هو الصيغة فاشتراط تأخّره إلى حصول المعلّق عليه مخالف لذلك الظهور.
رابعها: أنّ الإنشاء هو الإيجاد وهو دائر بين الوجود والعدم فالتعليق والترديد فيه غير متصوّر وغير قابل له أصلاً.
ولا يخفى أنّ الظاهر كون أكثر هذه الوجوه متّخذة من العامّة، فكيف أطبقوا على الجواز هنا مع أنّ الطلاق أولى من العقود بعدم الجواز.
وأمّا الوجوه المختصّة، فهي وجهان، أحدهما: الإجماع المحكيّ،(1) وثانيهما: إطلاق الروايات الحاصرة، حيث كانت تدلّ بالحصر على الوقوع بصيغة خاصّة وتكون الصيغة مع القيد خارجة عنها، وظهور موثّقة حسن بن سماعة، قال الحسن: «ليس الطلاق إلّا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدين عدلين، وكلّ ما سوى ذلك فهو ملغى».(2)
هذا كلّه مع أنّ عدم الصحّة موافق لأصالة بقاء النكاح وأحكامه.
أق-ول: وفي الوجوه الأربعة الأُولى ما لا يخفى، بل الوجهين الآخرينأيضاً. توضيحه: أنّ مثل تلك الوجوه متّخذة من الأُمور الواقعيّ-ة ومربوطة بها، والباب باب الاعتبار الذي يكون تمام قوامه بالاعتبار. والمقايسة غير صحيحة، ولذا لا مانع في الجمع بين الأضداد في الاعتباريّات ويكون ممكناً، بل هو واقع في مثل
ص: 183
...
----------
المتوضّأ بالماء المشكوك طهارته، فإنّه محكوم ببقاء الحدث وطهارة البدن؛ للأصل فيهما مع ما بينهما من التضادّ كما هو واضح.(1)
وأمّا الإجماع، فغير مستفاد من عبارة الشيخ،(2) بل المستفاد منه هو عدم الخلاف.
وأمّا الروايات،(3) فالحصر في غير الموثّقة منها إضافي وناظر إلى نفي ما عليه العامّة من الوقوع بمثل أنت خليّ-ة وبريّ-ة وغيرهما من الكنايات وأمثالها، لا حقيقي كما لا يخفى، بل لقائل أن يقول: إنّ إطلاق الحص-ر موجب للوقوع مع الشرط مثل ما لا شرط فيه.
وأمّا الموثّقة، فلفظة «كلّ» الموجود فيها وإن كان من ألفاظ العموم، لكنّه كغيره من ألفاظ العموم يكون موضوعاً لتكثير تاليه والعموم فيه، لا أنّه للعموم بنفسه كالجمع المحلّى بالألف واللام، فعمومه تابع للتالي سعة وضيقاً، ولمّا أنّ التالي في الموثّقة؛ أي «ما سوى ذلك» هو مطلّق فمن المحتمل فيه أن يكون إطلاقه كالحص-ر في غيرها ناظراً إلى ذلك؛ لاحتمال كونه في مقام البيان بالنسبة إليها لا البيان المطلق.
ويشهد على ذلك مورد السؤال، فتكون الموثّقة كغيرها ناظرة إلىكلمات العامّة، وإن أبيت عن ذلك وقلت: إنّ الأصل في البيان هو البيان على الإطلاق لا الإضافة فنقول:
ص: 184
...
----------
إنّه لا أقلّ من الانصراف إلى غير المعلّق فإنّه الرائج والدائر في الألسنة. فتأمّل.(1)
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ العامّة حيث كانوا يجوّزون الطلاق مع التعليق فيمكن أن يكون الحصر فيها ناظراً إلى هذا القول منهم كغيره من أقوالهم.
ومال الشهيد الثاني إلى صحّة التعليق؛(2) محتجّاً بعمومات الطلاق وبوقوعه في الظهار ونحوه ممّا ثبت في الأدلّة مؤيّداً له بأنّ في تعليقه حكمة لا تحصل في المنجّز، فإنّ المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده، فتفعل ما يكرهه، وتمتنع ممّا يرغب فيه، ويكره الرجل طلاقها من حيث إنّه أبغض المباحات إلى الله تعالى شأنه، ومن حيث إنّه يرجو موافقتها، فيحتاج إلى تعليق الطلاق بفعل ما يكرهه أو ترك ما يريده؛ فإمّا أن تمتنع وتفعل فيحصل غرضه، أو تخالف فتكون هي المختارة للطلاق.(3)
وبما في الجواهر من الخبر العامّي عن عبدالرحمن بن عوف، قال: «دعتني أُمّي إلى قريب لها فراودتني في المهر، فقلت: إن نكحتها فهي طالق، ثمّ سألت النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)ّ فقال: «انكحها»، فقال: «لا طلاق قبل النكاح».(4).
أقول: استدلاله بالعمومات المراد منها الإطلاقات صحيحٌ، وادّعاء الانصراف كما في الح-دائق(5) غ-ير وجي-هٍ، لكن شبه-ة دلال-ة الروايات الحاصرة والموثّق-ة على
ص: 185
(مسألة 7): لو کرّر صیغة الطلاق ثلاثاً وقال: «هي طالق، هي طالق، هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البین قاصداً تعدّده تقع واحدة ولغت الأُخريان، ولو قال: «هي طالق ثلاثاً» لم يقع الثلاث قطعاً، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة.(1)
----------
خلافه وكذا عدم الخلاف المدّعى وعدم نقل الخلاف حتّى من مثل «ابن أبي عقيل» كلّ هذه تمنع عن الأخذ بها وعن إسراء الحكم من مثل الظهار إلى الطلاق. وأمّا الحكمة المذكورة، فضعف التأييد بمثلها ممّا لا يخفى على مذهب الإماميّ-ة، والجواب بنفي الطلاق قبل النكاح وعدم الجواب ببطلان التعليق كما يمكن أن يكون لما ذكره; يمكن أن يكون من جهة أولويّ-ة التعليل بمثل الذاتي عن التعليل بمثل العرضي وإن كان هو أيضاً موجبا للبطلان فالحقّ أنّ التعليق هنا أيضاً مخلّ بالصحّة.
ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى الاستدلال للتنجيز بمثل عدم إمكان تأخّر المسبّب عن السبب عدم البطلان فيما كان التعليق على شرط في الحال دون الاستقبال، بلا فرق بين الأُمور الدخيلة في الطلاق وغيرها، وبين ما كان معلوم الحصول أو مشكوكه، بل الدخيلة خارجة أيضاً عن الاستدلال بالدخالة في الجعل وبالمخالفة للكتاب والسنّ-ة کما لا يخفى. ومن ذلك كلّه يعلم أنّ غيره هو القدر المتيقّن من الإجماع وعدم الخلاف واكتفى في المتن بالأوّل احتياطاً لأهميّ-ة الطلاق.
...
----------
روى الشيخ رحمه الله عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن غياث بن كلوب بن فيهس البجلي، عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّاً(علیه السلام) كان يقول: «إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، وإن قال: هي طالق، هي طالق، هي طالق، فقد بانت منه بالأُولى، وهو خاطب من الخطّاب إن شاءت نكحته نكاحاً جديداً وإن شاءت لم تفعل».(1)
وهذا لا كلام فيه إذا كان بلا رجوع بينهما وإلّا يأتي البحث فيه، وإنّما الكلام في قوله «هي طالق ثلاثاً» مرسلة، في مجلس واحد فإنّه محلّ خلاف عندنا. وأمّا العامّة فهم متّفقون على وقوع الثلاث مطلقاً مفصّلاً كان أو مرسلاً.
فهنا مقامان؛ أحدهما: الطلاق مفصّلة؛ أي مكرّرة من دون الرجوع بينها، وثانيهما: مرسلة.
أمّا الأوّل، فلا خلاف في صحّة الواحدة منها دون الثلاثة، ويدلّ عليه رواية إسحاق بن عمّار الصيرفي كما مرّ. (2)
وأمّا الثاني، فعن المرتضى في الانتصار(3) - وإن ذك-ر في الجواهر أنّهلم يتحقّقه(4) -
ص: 187
...
----------
وابني عقيل(1) وحمزة (2) وسلّار(3) ويحيى بن سعيد،(4) البطلان من رأسٍ والمشهور بين الأصحاب عن المرتضى في الناصريّات(5) ما يشعر بالإجماع عليه وكذا ما عن الخلاف،(6) بل المحكيّ عن العلّامة في نهج الحقّ(7) ذلك صريحاً أنّه يقع طلقة واحدة بقوله: هي طالق ويلغو الثلاث التالي له وليس محلّ البحث ما أُريد من الصيغة ثلاثاً بل محلّه هو أنّ الصيغة استعملت في معناها ولكن أُريد أنّه ثلاث مرّات مثل ما أُريد من تقييد: «لا إله إلّا الله» بمثل عدد الليالي والدهور في الدعاء.
ومنشأ الخلاف في القضيّ-ة هو اختلاف الروايات وإلّا فالبطلان من رأس ممّا لا إشكال فيه ولا كلام ظاهراً حتّى من العامّة، حيث إنّه لم يعلم بعدُ كونه من الأغلاط أو المجاز حتّى يقع البحث عن صحّة الصيغة بذلك النحو من المجاز.
وكيف كان، فمورد البحث هو تعدّد الدالّ والمدلول بمعنى استعمال لفظ الطلاق في معناه واستعمال التالي؛ أي ثلاثاً في معناه أيضاً فإنّه المناسب مع التفريع على الشرط الثالث في مثل القواعد وهو عدم تعقّب الصيغة بمايبطلها (8) ومع عنوانه في مقابل اعتبار الصراحة أو اعتبار الدلالة ولو بالمجاز والكناية دون وحدة المدلول وتعدّد الدالّ كما هو ظاهر.
ص: 188
...
----------
والحكم في هذه المسألة والخروج من الروايات مشكل جدّاً ولابدّ إلّا من الاستعانة بالله وذلك للاختلاف في الاستنباط من مثل صاحبي الرياض(1) والجواهر،(2) فالسيّد يرى دلالة الأخبار على المشهور والجواهر ذهب إلى دلالتها على غير المشهور، ولكلٍّ منهما شأن ومقام خاصّ من الفقاهة والكتابة في الفقه، فترجيح قول أحدهما على الآخر صعب ومحتاج إلى إمعان النظر والدقّة والإحاطة بأخبار الباب أكثر من غالب المسائل، ولما في الأخبار من الدلالة على شدّه التقيّ-ة، بحيث يصرّح أبوعبدالله(علیه السلام) على ما رواه محمّد بن سعيد (سعد السندي - خ. ل) الأُموي باختلافه(علیه السلام) وأبيه(علیه السلام) في الحكم، فعنه قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد، قال: فقال: «أمّا أنا فأراه قد لزمه، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة».(3)
والرواية بحيث يبيّن الإمام(علیه السلام) أيضاً الحكم مع الإبهام، والاختلاف بالقول بالأقوال الثلاثة كما يظهر ممّا رواه أبو أيّوب الخزّاز، فعنه، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: كنت عنده فجاء رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً؟ قال: «بانت منه»، قال: فذهب ثمّ جاء رجل آخر من أصحابنا، فقال: رجل طلّق امرأته ثلاثاً؟ فقال: «تطليقة»، وجاء آخرفقال: رجل طلّق امرأته ثلاثاً؟ فقال: «ليس بشيء»، ثمّ نظر إليّ فقال: «هو ما ترى»، قال: قلت: كيف هذا؟ قال: «هذا يرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً حرمت عليه، وأنا أرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً على السنّ-ة فقد بانت
ص: 189
...
----------
منه، ورجل طلّق امرأته ثلاثاً وهي على طهر فإنّما هي واحدة، ورجل طلّق امرأته ثلاثاً على غير طهر فليس بشيء».(1)
ونحوه خبري موسى بن أشيم، فعنه، قال: دخلت على أبي عبدالله(علیه السلام) فسألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس؟ فقال: «ليس بشيء»، فأنا في مجلسي إذ دخل عليه رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس؟ فقال: «تردّ الثلاث إلى واحدة، فقد وقعت واحدة، ولا يردّ ما فوق الثلاث إلى الثلاث ولا إلى الواحد»، فنحن كذلك إذ جاءه (رجل - خ. ل) آخر فقال له: ما تقول في رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس؟ فقال: «إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً بانت منه فلم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره». فأظلم عليّ البيت وتحيّرت من جوابه في مجلس واحد بثلاثة أجوبة مختلفة في مسألة واحدة، فقال: «يا ابن أشيم! أ شككت؟ ودّ الشيطان أنّك شككت، إذا طلّق الرجل امرأته على غير طهر ولغير عدّة - كما قال الله عزّ وجلّ - ثلاثاً أو واحدة فليس طلاقه بطلاق، وإذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً وهي على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين فقد وقعت واحدة وبطلت الثنتان، ولا يردّ ما فوق الواحدة إلى الثلاث، ولا إلى الواحدة، وإذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً على العدّة - كما أمر الله عزّ وجلّ - فقد بانت منه، ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فلا تشكّنّ يا ابن أشيم،ففي كلّ - والله - من ذلك الحقّ».(2)
ونحوه خبره الآخر مع اختصار واختلاف يسير.(3)
ص: 190
...
----------
ولما فيها من بيان الحكم على قاعدة الإلزام في بعض المواضع دون الحكم الواقعي. ففي رواية محمّد بن سعيد، قال(علیه السلام): «أمّا أنا فأراه قد لزمه».(1)
ولما فيها من الاختلاف في الردّ إلى الكتاب والسنّ-ة في المسألة في أنّ البطلان من رأس مخالف له أو صحّة الواحدة وبطلان الزائد كما يظهر ذلك في بيان الأخبار فانتظر. وللإشكال في أنّ قوله: «طلّق ثلاثاً» الموجود في الروايات هل الظاهر منه الطلاق الثلاث المفصّلة أو الأعمّ منها ومن المرسلة ولو من جهة ترك الاستفصال؟
فالمسألة من هذه الجهات العديدة مشكلة جدّاً، وقبل الورود في الروايات نقول: إنّ مقتضى القاعدة هي صحّة الواحدة وبطلان البقيّ-ة؛ لتماميّ-ة الأركان من وجود المقتضي وعدم المانع، فإنّ كلمة «ثلاثاً» غاية الأمر فيها اللغويّ-ة وليس الباب باب العبارة المركبّ-ة حتّى يكون الزائد موجباً للبطلان. نعم، لغويّته موجبة لبطلانها وعدم الجدوى فيه كما لا يخفى.
نعم، لقائل أن يقول: إنّ مقتضى الروايات الحاصرة هو البطلان وقد مرّ(2) أنّ الحصر إضافي.
وأمّا أخبار الباب، فهي على طوائف ثلاث:
الطائفة الأُولى: ما يكون كالنصّ بل بعضها نصّ في الاختصاص بمورد البحث وهي أربعة:
أحدها: ما رواه في الكافي عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد
ص: 191
...
----------
بن عليّ، عن سماعة بن مهران، عن الكلبي النسّابة، وهو الحسن بن علوان، عن الصادق(علیه السلام) في حديث، قال: قلت له: رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء، فقال: «ويحك أما تقرأ سورة الطلاق؟» قلت: بلى، قال: «فاقرأ» فقرأت: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾،(1) فقال: «أ ترى هاهنا نجوم السماء؟» قلت: لا، فقلت: فرجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فقال: «تردّ إلى كتاب الله وسنّ-ة نبيّه»، ثمّ قال: «لا طلاق إلّا على طهر من غير جماع بشاهدين مقبولين».(2)
والرواية غير خالية من الإجمال بالنسبة إلى حكم المسألة حيث لم يبيّنه صريحاً، بل اكتفى في البيان بالردّ إلى الكتاب والسنّ-ة، وروايات الردّ إليهما في الباب على طائفتين، إحداهما دالّة على البطلان بالأسر وثانيتهما على بطلان الأخيرين فقط، إلّا أن يقال: في صدرها شهادة على البطلان من رأس؛ حيث إنّ ردّه(علیه السلام) الطلاق بعدد نجوم السماء إلى الكتاب ظاهر في أنّه لمّا لم يكن الطلاق كذلك في القرآن فليس بمشروع ويكون باطلاً، فمثله الطلاق ثلاثاً المردود إليه أيضاً، لعدم الطلاق كذلك في الكتاب، فهو أيضاً باطلٌ كعدد نجوم السماء.
هذا، مع ما في ذيل الرواية من الإشعار على البطلان أيضاً؛ لما فيها الإشارة من حيث الوقوع ثلاثاً في غير طهر والردّ إلى الكتاب والبطلان لهذه الجهة ظاهرٌ، ويشه-د على ذلك صحيحة الحلبي، عن أبي عب-دالله(علیه السلام)، قال: «من طلّق امرأته
ص: 192
...
----------
ثلاثاً في مجلس وهي حائض فليس بشيء، وقد ردّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) طلاق ابن عمر إذ طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض، فأبطل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ذلك الطلاق، وقال: كلّ شيء خالف كتاب الله والسنّ-ة ردّ إلى كتاب الله، وقال: لا طلاق إلّا في عدّة».(1) وإلّا فقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «لا طلاق إلّا في عدّة » لا يصير مرتبطاً بمورد السؤال ويكون لطفاً محضاً وه-و غير قريب.
ثانيها: ما عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً(علیه السلام) كان يقول: «إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، وإن قال: هي طالق، هي طالق، هي طالق فقد بانت منه بالأُولى، وهو خاطب من الخطّاب إن شاءت نكحته نكاحا جديداً، وإن شاءت لم تفعل».(2) وصدرها المربوط بما نحن فيه شاذّ؛ لاتّفاق الأصحاب على خلافه فإنّهم بين قائل ببطلان الثلاث المرسلة من رأس وبين قائل بصحّة الواحدة دون الثلاثة ولا قائل بصحّة الثلاثة والاحتياج إلى المحلّل. نعم، هو مذهب العامّة فيكون من باب التقيّ-ة.
ثالثها: ما عن عليّ بن إسماعيل، قال: كتب عبدالله بن محمّد إلى أبي الحسن(علیه السلام): روى أصحابنا عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنّه يلزمه تطليقة واحدة، فوقّع بخطّه: «أخطأ على أبي عبدالله(علیه السلام) أ نّه لا يلزم الطلاق، ويردّ إلى الكتاب والسنّ-ة إن شاء الله».(3) دلالته على
ص: 193
...
----------
البطلان من رأس الذي هو خلاف المشهور واضحة.
رابعها: ما عن هارون بن خارجة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت: «إنّي ابتليت فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة، فسألت أصحابنا فقالوا: ليس بشيء، وإنّ المرأة قالت: لا أرضى حتّى تسأل أبا عبدالله(علیه السلام)، فقال: «ارجع إلى أهلك فليس عليك شيء».(1) والظاهر من قوله «فليس عليك شيء» وأمره بالرجوع إلى أهله، البطلان من رأس.
إلّا أن يقال: دلالته على صحّة الواحدة منها غير بعيدة، والشاهد عليه الأمر بالرجوع ونفي الشيء عنه، فإنّ الرجوع في أخبار الطلاق إن لم يكن ظاهراً في الرجوع عنه فلا أقلّ من انصرافه إليه، كما أنّ نفي الش-يء لعلّه إشارة إلى عدم الحرمة من جهة عدم الاحتياج إلى المحلّل، فإنّ الرجوع مع الاحتياج إليه محرّم.
ولا يخفى أنّ مكاتبة عبدالله بن محمّد هي أوضح دلالة في الأربعة المذكورة.
الطائفة الثانية: الدالّة على وقوع الطلاق الواحد في الطلاق ثلاثاً من دون تقييد بالإرسال أو التفصيل وهي مستفيضة كثيرة:
منها: صحيحة أبي بصير ومحمّد بن عليّ الحلبي وعمر بن حنظلة، جميعاً عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الطلاق ثلاثاً في غير عدّة إنكانت على طهر فواحدة، وإن لم تكن على طهر فليس بشيء».(2) وقوله(علیه السلام): «في غير عدّة»؛ أي إذا لم يكن للعدّة بأن يرجع في العدّة ويجامع.
ومنها: صحيح-ة زرارة عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته
ص: 194
...
----------
ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر؟ قال: «هي واحدة».(1)
ومنها: صحيحته الأُخرى عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سألته عن الذي يطلّق في حال طهر في مجلس ثلاثاً؟ قال: «هي واحدة».(2)
ومنها: صحيحة شهاب بن عبد ربّه، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث قال: قلت: فطلّقها ثلاثاً في مقعد، قال: «تردّ إلى السنّ-ة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة».(3)
ومنها: خبر عمرو بن البراء، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إنّ أصحابنا يقولون: إنّ الرجل إذا طلّق امرأته مرّة أو مأة مرّة فإنّما هي واحدة وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنّهم كانوا يقولون: إذا طلّق مرّة أو مأة مرّة فإنّما هي واحدة، فقال: «هو كما بلغكم».(4) إلى غيرها من الروايات، فراجع إن شئت.(5)
الطائفة الثالثة: ما يدلّ على البطلان جميعاً، وموردها مورد الطائفة الثانية، فلا فرق بينهما مورداً وإنّما الفرق في الحكم، فهذه دالّة على خلافالمشهور وتلك دالّة على المشهور.
منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «من طلّق ثلاثاً في مجلس فليس بشيء، من خالف كتاب الله عزّ وجلّ ردّ إلى ك-تاب الله عزّ وجلّ». وذكر
ص: 195
...
----------
طلاق ابن عمر.(1)
اللّهمّ إلّا أن يقال: من المحتمل أن يكون المراد من قوله: «فليس بش-يء» نفي شيئيّ-ة الثلاثة لا شيئيّ-ة أصل الطلاق، وعليه فلا دلالة للصحيحة على البطلان من رأس بل دالّة على صحّة الواحدة وبطلان الزيادة فالشيئيّ-ة المنفيّ-ة محتملة الأمرين؛ أصل الطلاق ووقوعه ثلاثاً، ومع الاحتمال لا يتمّ الاستدلال، وذكر طلاق ابن عمر أيضاً ليس شاهداً على البطلان من رأس وإنّ الطلاق كذلك كان في حال الحيض، فإنّ روايات طلاقه أيضاً على نحوين فبعضها دالّة على الصحّة وآخر على البطلان فالرواية غير خالية عن الإجمال. فتأمّل.(2)
ومنها: خبر الحسن بن زياد الصيقل، قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): «لا تشهد لمن طلّق ثلاثاً في مجلس واحد».(3) وهذا لا يدلّ على أكثر من الحرمة؛ حيث إنّ نهيه(علیه السلام) عن تحمّل الشهادة أو عن أدائها لادلالة فيه على أزيد من الحرمة وهي إنّما تكون ناشئة من أنّ الشهادة على الطلاق ثلاثاً شهادة على أمر مبدع محرّم. وأمّا أنّ ذلك المبدع باطلٌ م-ن رأس أو بالنسبة إلى الأزيد من واحد ف-لا دلالة للخبر علي-ه كما لا يخفى.
ص: 196
...
----------
وبالجملة، الحديث ناظر إلى الحكم التكليفي للشهادة على المورد لا الحكم الوضعي للمورد. فاعلم واغتنم.
ومنها: خبر عمر بن حنظلة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنّهنّ ذوات أزواج».(1)
ومنها: خبر حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً فإنّهنّ ذوات أزواج».(2) ودلالة الخبرين على البطلان من رأس من حيث التعليل بأنّهنّ ذوات أزواج واضحة، فإنّه شامل لما قبل العدّة وبعدها، وذات الزوجيّ-ة بعد العدّة ملازمة للبطلان من رأس.
هذا إذا كان المطلّق شيعيّاً وإلّا فهو إمّا شاذّ؛ لمخالفته لقاعدة الإلزام وإمّا يكون محمولاً على استحباب ترك الزواج بهنّ. فتأمّل.
وممّا يبعّد كونه من الشيعة استبعاد وقوعه ثلاثاً من جانب رجل شيعي، وشهادة ما عن جعفر بن سماعة أنّه سئل عن امرأة طلّقت على غير السنّ-ة، أ لي أن أتزوّجها؟ فقال: «نعم»، فقلت له: أ لست تعلم أنّ عليّ بن حنظلة روى: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً على غير السنّ-ة فإنّهن ذوات أزواج؟» فقال: يا بنيّ رواية ابن أبي حمزة أوسع على الناس، روى عن أبي الحسن(علیه السلام) أنّه قال: «ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهموتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك».(3)
ولا يخفى أنّ هذه الروايات على تقدير تماميّ-ة الدلالة فالتعارض بينها والطائفة
ص: 197
...
----------
الأُولى من جانب وبين الطائفة الثانية من جانب آخر واضح وكلتاهما مخالفتان للعامّة، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر من هذه الجهة، كما لا ترجيح من جهة موافقة الكتاب أيضاً؛ لسكوتها في هذه الجهة.
وما في أخبار الباب من بيان الموافقة والمخالفة فليس حجّة على الترجيح؛ لأنّه المورد للتعارض فلا تغفل، مع ما بينهما من التعارض في نفس ذلك الأمر أيضاً. فإن أُخذ الشهرة مرجّحة فهو وإلّا فيستقرّ التعارض وتؤخذ الثانية؛ لأنّها أكثر رواية وأوضح سنداً وأظهر دلالة، فلها مزيّ-ة على غيرها وكلّ مزيّ-ة موجبة للترجيح وإن كانت غير منصوصة كما حقّقناه في الأُصول.
فتحصّل ممّا ذكر أنّ الترجيح للثانية؛ إمّا بالشهرة وإمّا بغيرها من المزايا الغير المنصوصة.
هذا كلّه بناءً على كون المراد من الطلاق ثلاثاً المورد للطائفتين الأخيرتين الثلاث المرسلة.
وأمّا إن قلنا بكون المراد منه المفصّلة وأنّه الظاهر والمتبادر منه فإنّ القول بأنّه سبّح عشراً غير صادق إلّا مع التسبيح عشر مرّات مفصّلة دونه مرسلة، فإنّه وإن لم يحصل الفرق في التعارض والترجيح أيضاً إلّا أنّهما خارجتان عن محلّ البحث وتبقى الطائفة الأُولى بلا معارض، كما أنّه على القول بشمولهما لكلتا الصورتين فالتعارض بين الطائفة الأُولى والثانية على نحو العموم والخصوص مطلقاً، فهي تتقيّد بالأُولى والنتيجة هي البطلان من رأس.
وبهذا الوجه على تسليم العموميّ-ة في الثانية ثانياً وبظهورها في الاختصاص بالمفصّل-ة أوّلاً جعل صاحب الجواه-ر غير المشهور أقوى وأرجح بحسب
ص: 198
...
----------
النصوص،(1) فمقتضى القاعدة على هذا ظاهر ولا كلام فيه، ولكنّ الكلام هو في إمكان الاستناد والتخصيص والتقييد، مع أنّه ليس في أخبارها ما يكون تامّة الدلالة إلّا المكاتبة هنا، فعلينا أن نرجع مرّة أُخرى إلى روايات الطائفة الأُولى.
ونقول: أمّا ما عن الكلبي النسّابة،(2) فهي قاصرة الدلالة على البطلان، فإنّ الإمام(علیه السلام) إن كان مراده بيان البطلان وأنّ مورد الثاني كالأوّل، فكان ينبغي أن يجيب بمثل سابقه لا أن يغيّر الجواب.
هذا، مع احتمال البطلان من جهة فقد بعض الش-رائط؛ حيث إنّه يشير إلى الطلاق ثلاثاً في حال الحيض بنقل طلاق ابن عمر. وإن أبيت عن ذلك وقلت: إنّ روايات طلاق ابن عمر على نحوين كما مرّ،(3) فيأتي الاحتمال والإجمال.
وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار الصيرفي،(4) فهي شاذّة مخالفة للإجماع.
وأمّا المكاتبة،(5) فدلالتها جيّدة، وما حكاه في الرياض عن بعض الأجلّةمن حمل الطلاق في قوله: «لا يلزمه الطلاق» على الثلاث لا الواحدة وتأييده ذلك الحمل بما فيه من الردّ إلى الكتاب بملاحظة ما قدّمه من تفسيره الردّ إلى الواحدة فغير تامّ؛ للمخالفة للظاهر جدّاً واعترف; بذلك أيضاً، فراجع.(6)
ص: 199
...
----------
ورواية هارون بن خارجة،(1) في دلالتها إشكال كما مرّ،(2) فلم يبق ما يصلح للتقييد إلّا مكاتبة عبدالرحمن بن محمّد، وتقييد تلك الروايات الكثيرة بهذه المكاتبة وإن كان موافقاً للصناعة ولكنّه مشكلٌ بل ممنوعٌ، مضافاً إلى أنّ فيها نسبة السهو إلى الأصحاب وهذا أمر بعيدٌ؛ فهذه كلّها توجب الشكّ في حجّيتها وفي عدم قابليّتها للتقييد، فما هو المشهور لا سيّما بين المتأخّرين هو المنصور.
لو قال المطلّق: «هي طالق للسنّ-ة» يقع صحيحاً بلا إشكال؛ لأنّه علّق على أمر واقعي صحيح، ولكنّه لو قال: «هي طالق للبدعة» فقد يقصد الملحوق بالقيد من أوّل الأمر على نحو وحدة المدلول وكون القيد قرينة وقد يقصد المطلّق منه لكن يقيّده ثانياً بعد قوله: «هي طالق»، فعلى الأخير يقع صحيحاً والقيد لغو، وعلى الأوّل فهو باطل كما عليه المشهور بل لا خلاف فيه؛ لأنّ الصحيح لم يرد وما أُريد فليس بصحيح، ومثل ذلك ما لو عقّبه ب- «الفاسد» و«الباطل» و«الفساد» و«البطلان» وأمثالها، ولك أن تقول: إنّ تعقيب الصيغة بقيودِ أمثالها من الزيادات فإن كان بمثل التقييد في قوله: «لا إله إلّا الله عدد الليالي والدهور» وفي قوله: «هي طالق ثلاثاً»على ما مرّ بيانه،(3) فالطلاق صحيحٌ وإلّا فلا. وبعبارة أُخرى: إن كان القيد بنحو تعدّد الدال والمدلول فهو صحيحٌ وإلّا فباطل.
ص: 200
(مسألة 8): لو كان الزوج من العامّة؛ ممّن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة أو مكرّرة، وأوقعه بأحد النحوين أُلزم عليه.(1)
----------
(1) إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، ويدلّ عليه الأخبار العامّة والخاصّة:
فمن الأُولى: موثّقة عبدالرحمن البصري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: امرأة طلّقت على غير السنّ-ة، فقال: «يتزوّج هذه المرأة لا تترك بغير زوج».(1)
ومنها: ما عن عليّ بن أبي حمزة أنّ-ه س-أل أبا الحسن(علیه السلام) عن المطلّقة على غير السنّ-ة أ يتزوّجها الرجل؟ فقال: «ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك».(2)
ومن الثانية: ما عن عبد الأعلى، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً؟ قال: «إن كان مستخفّاً بالطلاق ألزمته ذلك».(3)
ومنها: ما عن أبي العبّاس البقباق، قال: دخلت على أبي عبدالله(علیه السلام) فقال لي: «اروِ عنّي: أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فقد بانت منه».(4)
ومنها: ما عن حفص بن البختري أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع؟ قال:«يأتيه فيقول: طلّقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر، ثمّ خطبها إلى نفسها».(5)
وأيضاً ما عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل يريد تزويج امرأة ق-د طلّقت ثلاثاً، كيف يصنع فيها؟ قال: «يدعها حتّى تحيض وتطهر، ثمّ يأتي
ص: 201
...
----------
زوجها ومعه رجلان، فيقول له: قد طلّقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تركها حتّى تمضي ثلاثة أشهر، ثمّ خطبها إلى نفسه».(1)
ولكن تعارضها الروايات الأُخرى الدالّة على أنّ المطلّقات كذلك ذوات أزواج، وهي ما مرّ(2) عن ابن حنظلة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنّهنّ ذوات أزواج».(3)
ومنها: خبر حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً فإنّهنّ ذوات أزواج».(4)
ومنها: خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا(علیه السلام) في كتابه إلى المأمون، قال: «وإذا طلّقت امرأة بعد العدّة ثلاث مرّات لم تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره»، قال: وقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «اتّقوا تزويج المطلّقات ثلاثاً في موضع واحد فإنّهنّ ذوات أزواج».(5)
ويمكن رفع التعارض بترجيح أخبار الجواز بما فيها من السعة والسهولة، والترجيح بالسهولة والسعة، مع أنّه مقتضى الأصل، وعدّهاصاحب الحدائق في مقدّمات الحدائق(6) من المرجّح-ات، واختاره الفقيه(7) كما يظهر للمراجع، واحتمله
ص: 202
سواء کانت المرأة شیعیةً أو مخالفةً، ونرتّب نحن علیها آثار المطلّقة ثلاثاً، فلو رجع إلیها نحكم ببطلانه إلّا إذا كانت الرجعة في مورد صحيحة عندهم، فنتزوّج بها
----------
صاحب الجواهر(1) في مسألة مواسعة القضاء ومضايقته، ويشهد له ما عن جعفر بن سماعة،(2) فإنّ الظاهر ترجيحه ما عن ابن حمزة على ما عن ابن حنظلة بالأوسعيّ-ة.
كما يمكن أيضاً بحمل الأخبار المانعة على ما كان المطلّق شيعيّاً والمجوّزة على ما كان من العامّة، ويشهد له ما عن عبدالله بن طاووس، قال: قلت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام): إنّ لي ابن أخ زوّجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر ذكر الطلاق، فقال: «إن كان من إخوانك فلا شيء عليه، وإن كان من هؤلاء فأبنها منه فإنّه عنى الفراق»، قال: قلت: أ ليس قد روي عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس فإنّهنّ ذوات الأزواج؟» فقال: «ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء، إنّه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم».(3)
وفي الحدائق الجمع بوجهين آخرين: أحدهما: حمل أخبار الجواز على أصل الرخصة وأخبار المنع على الأصل والأفضليّ-ة، واستشهد له مضافاً إلى ما عن سماعة بما عن شعيب الحدّاد:
قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوّج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلّقها على غير السنّ-ة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتّى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أب-و عبدالله(علیه السلام): «هو الفرج، وأمر الفرج
ص: 203
في غير ذلك بعد انقضاء عدّتها، وكذلك الزوجة إذا كانت شيعيّ-ةً جاز لها التزويج بالغير.(1)
----------
شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوّجها».(1) - ثمّ قال - :
فإنّ الظاهر أنّ هذا المنع على وجه الأفضليّ-ة، فالاحتياط هنا مستحبّ وإن جاز التزويج رخصة بالأخبار المتقدّمة.(2)
وفيه: أنّ الجمع كذلك بعيدٌ، بل ممنوعٌ. كيف، وفي الأخبار المانعة التعليل بأنّهنّ ذوات أزواج، وما عن ابن سماعة فقد عرفت ارتباطه بالترجيح لا بالجمع، وأمّا ما عن شعيب الحدّاد فمن المحتمل أن يكون بياناً في أمر شخص-ي لا حكم كلّي كما يشهد له قوله في السؤال: «حتّى يستأمرك»، وقوله(علیه السلام) في الجواب: «ونحن نحتاط، فلا يتزوّجها».
ثانيهما: ما سننقله في بيان عدم الفرق في الحكم بين أن تكون المرأة مخالفةً أو شيعيّ-ةً.
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الروايات المانعة كلّها مطروحة؛ لأنّها في ظاهرها خلاف الإجماع أو المشهور، فليست بحجّة ويكون من الشاذّ النادر؛ لأنّ الطلاق ثلاثاً إن كان مفصّلاً - أي مكرّراً - فالإجماع على صحّة الواحد منها وإن كان مرسلاً، فالمشهور على صحّة الواحد أيضاً.
(1) قضاءً لإطلاق ال-روايات. وفي الحدائق(3) احتمال التفصيل بينهما؛ جمعاً بين الروايات المتعارضة.
ص: 204
ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثاً وغيره ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا، كالطلاق المعلّق، والحلف به، وفي طُهر المواقعة والحيض، وبغير شاهدين، فنحكم بصحّته إذا وقع من المخالف القائل بالصحّة.(1)
----------
واستشكل فيه - مضافاً إلى أنّ الجمع تبرّعي - أنّه ينافيه خبر إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام) مع بعض أصحابنا فأتاني الجواب بخطّه: «فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك وزوجها ... - إلى أن قال: - ومن حنثه بطلاقها غير مرّة فانظر فإن كان ممّن يتولّانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه، لأنّه لم يأت أمراً جهله، وإن كان ممّن لا يتولّانا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه».(1)
(1) للإجماع والأخبار التي تكون بعضها واردة في الطلاق في مثل غير العدّة وبعضها في مطلّق الطلاق لغير السنّ-ة.
فمنها: موثّقة عبدالرحمن بن أبي عبدالله البص-ري، وقد وثّقه النجاشي والعلّامة(2) وابن داود،(3) لكن توثيق النجاشي في ترجمة حفيده إسماعيل بن همّام بن عبدالرحمن بن أبي عبدالله(4) وقد مرّت الرواية.(5).
ومنها: موثّقة عبدالله بن سنان، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته لغير عدّة ثمّ
ص: 205
وه-ذا الحكم جارٍ في غ-ير الطلاق أيض-اً، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم الميراث - مثلاً - مع بطلانهما عندنا. والتفصيل لا يسع هذا المختصر.(1)
----------
أمسك عنها حتّى انقضت عدّتها، هل يصلح لي أن أتزوّجها؟ قال: «نعم، لا تترك المرأة بغير زوج».(1)
ومنها: ما ع-ن عليّ بن أبي حمزة أنّ-ه س-أل أبا الحسن(علیه السلام) عن المطلّق-ة على غير السنّ-ة أ يتزوّجها الرجل؟ فقال: «ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك».(2)
(1) وكلّ ما في المسألة هو من موارد قاعدة الإلزام المعتبرة فتوىً ونصّاً مع كون غير واحد منها - إن لم يكن كلّها - مورداً للنصّ الخاصّ أيضاً.(3)
قلنا في بداية القول في الصيغة أنّ العلّامة(قدس سرُّه) في القواعد(4) ذكر شروطاً خمسة فيها، وإلى هنا قد مرّت ثلاثة من تلك الشروط.
الشرط الرابع: وقوع الطلاق في محلّه، فلا يصحّ طلاق جزء من الزوجة بلا إشكال، وعليه الإجماع، كما أنّه لا يصحّ وقوعه على الرجل؛ للحصر في أخبار الطلاق بلا خلاف ولا كلام، وصاحب الجواهر(قدس سرُّه) متعرّضله، فمن أرادها فليراجع.(5)
الشرط الخامس: هو قصد الإنشاء في الصيغة، ولا كلام فيه أيضاً وشرطيّته واضحة، والطلاق هو كغيره من العقود والإيقاعات.
ص: 206
(مسألة 9): يشترط في صحّة الطلاق - زائداً على ما مرّ - الإشهاد؛ بمعنى إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين.(1)
----------
(1) إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، بل في الجواهر(1) أنّ المحكيّ منهما مستفيض، بل متواتر. وعليه الكتاب والسنّ-ة:
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ... ﴾،(2) الآية.
ف-إنّ الظاهر من-ه بدواً بمعون-ة الأخب-ار هو تعلّق الأمر بالإق-امة بص-در الآي-ة لا الإمساك والمفارقة، فإنّ الظاهر اللفظي أنّ العناية في الكلام إلى الصدر، وهذا مضافاً إلى القرينة الحاليّ-ة؛ لأنّ عدم تعلّقه بالمفارقة واضحٌ، فلابدّ من تعلّقه إمّا بالإمساك أو بالطلاق وتعلّقه بالأوّل خلاف الظاهر؛ لأنّه بعض جواب الجملة الشرطيّ-ة، فيبقى تعلّق-ه بأصل الطلاق، ومقتضىالأخبار ذلك أيضاً، ففي خبر
ص: 207
...
----------
محمّد بن مسلم، قال: قدم رجل إلى أميرالمؤمنين(علیه السلام) بالكوفة فقال: إنّي طلّقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها قبل أن أُجامعها، فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «أشهدت رجلين ذوي عَدل كما أمرك الله؟ فقال: لا، فقال: «إذهب، فإنّ طلاقك لیس بشيء».(1) وفي صحیحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين؟ قال: «ليس هذا طلاقاً»، قلت: فكيف طلاق السنّ-ة؟ فقال: «يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين، كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه. فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله»، قلت: فإن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين، قال: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حض-رنه»، قلت: فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أ يكون طلاقاً؟ فقال: «من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير».(2)
وأمّا السنّ-ة، فمستفيضة بل متواترة: منها: الأخبار المقرونة بالاستدلال بالكتاب كالمذكورين آنفاً.
ومنها: ما عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث قال: «إن طلّقها للعدّة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق، وإن طلّقها للعدّة بغيرشاهدي عَدل فليس طلاقه بطلاق، ولا يجوز فيه شهادة النساء».(3)
ومنها: ما عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «من طلّق بغير
ص: 208
...
----------
شهود فليس بشيء».(1)
ومنها: صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ومن معهما من الرواة وهم بكير وبريد وفضيل وإسماعيل الأزرق ومعمّر بن يحيى، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (علیهما السلام) في حديث أنّه قال: «وإن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إيّاها بطلاق».(2) إلى غيرها من الروايات.
ولا كلام فيه أصلاً عند الإماميّ-ة، بل هو من ضروريّات فقه المذهب بل نفسه، وإنّما الكلام في كيفيّ-ة الإشهاد، ففيها احتمالات أربعة:
أحدها: حضور العدلين عند الصيغة وإن لم يعلما المطلّق والمطلّقة، فضلاً عن معرفتهما، مثل ما إذا قال شخص عند جماعة من المؤمنين مع العلم بأنّ فيهما العدلين: «هي طالق». فالسامع لا يدري أنّ المجري للصيغة هو المطلّق أو الوكيل منه أو الحاكم عليه، فضلاً عن المعرفة به وبالزوجة. فلا يشترط فيهما العلم فضلاً عن المعرفة.
ثانيها: اشتراط حضورهما ومعرفتهما لهما، بحيث يمكن لهما الشهادة فيما بعد وقبول شهادتهما، فيعتبر تحقّق بقيّ-ة الشرائط فيهما مضافة إلى العدالة.
ثالثها: كفاية العلم في الجملة، مثل العلم بأنّ المطلّق عمرو - مثلاً - والمطلّقة هند وإن لم يكونا معروفين لهما من حيث الأب والطائفة، فضلاً عن غيرهما من
ص: 209
...
----------
الخصوصيّات.
رابعها: اشتراط المعرفة وعدم اعتبار غير العدالة من سائر شرائط الشهادة من الشرائط.
الظاهر من صاحب المدارك(1) اعتبار المعرفة على نحو يمكن لهما الشهادة وهو الاحتمال الثاني، وظاهرالرياض(2) والحدائق(3) من إيرادهما على المدارك، كفاية العلم في الجملة، والظاهر من الجواهر بل صريحه الأوّل وهو كفاية حضور العدلين،(4) وهو الظاهر من تفسير الإشهاد بحضور العدلين وسماعهما.
وأمّا الأدلّة، فالظاهر منها الثاني؛ أمّا الكتاب، فبالقرينة الداخليّ-ة والشهادة الخارجيّ-ة. أمّا الداخليّ-ة، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلّه﴾(5) بعد قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾،(6) فإنّ الظاهر من أمره تعالى بالإقامة لله بعد إيجاب الإشهاد أنّه يكون للإقامة وإلّا فإن كان الإشهاد واجباً لا لذلك فلا يحصل الارتباط بينهما كما لا يخفى.
وأمّا الخارجيّ-ة، فإنّ الشهادة المأمور بها هناك - كسائر الشهادات - تكون للأداء حين الحاجة إليها بمناسبة الحكم والموضوع؛ فلابدّ منالمعرفة على التفصيل، فكونها لمحض الخصوصيّ-ة والموضوعيّ-ة في التحمّل من دون الطريقيّ-ة
ص: 210
...
----------
للأداء مخالفٌ للظاهر جدّاً، بل لا نظير له في الفقه. هذا، مع أنّ أمثال ذلك في الشرع والقانون محتاجة إلى الصراحة والنصوصيّ-ة في الأدلّة وإلى الكثرة فيها كما لا يخفى. ألا ترى أنّ حرمة العمل بالقياس التي ترجع إلى محض تعبّد خاصّ كيف بيّنها الشارع وأظهرها، بحيث إنّ الشيعة تعرف بتركها العمل بالقياس.
أمّا السنّ-ة، الدالّة فكذلك على الشرطيّ-ة أيضاً؛ قضاءً للشرطيّ-ة وعدم التعبّد كما عرفت. ولصاحب المدارك كلام يكون قريباً ممّا ذكرناه، قال:
واعلم أنّ الظاهر من اشتراط الإشهاد أنّه لابدّ من حضور شاهدين يسمعان الطلاق، بحيث يتحقّق معه الشهادة بوقوعه، وإنّما يحصل ذلك مع العلم بالمطلّقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها. فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرّد سماع العدلين صيغة الطلاق، وإن لم يعلما المطلّق والمطلّقة بوجهٍ، بعيدٌ جدّاً، بل الظاهر أنّه لا أصل له في المذهب، فإنّ النصّ والفتوى متطابقان على اعتبار الإشهاد، ومجرّد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمّى إشهاداً قطعاً. وممّن صرّح باعتبار علم الشهود بالمطلّقة، الشيخ; في النهاية،(1)فإنّه قال:
ومتى طلّق ولم يشهد شاهدين ممّن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع. ثمّ قال: وإذا أراد الطلاق فينبغي أن يقول: فلانة طالقأو يشير إلى المرأة بعد أن يكون العلم قد سبق بها من الشهود فيقول: هذه طالق. ويدلّ على ذلك، مضاف-اً إلى ما ذكرن-اه من ع-دم تح-قّق الإشه-اد ب-دون
ص: 211
...
----------
العلم بالمطلّقة، ما رواه الكليني عن محمّد بن مطهّر، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر(علیه السلام): إنّي تزوّجت أربع نسوة لم أسأل عن أسمائهن، ثمّ إنّي أردت طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة أُخرى، فكتب(علیه السلام): «اُنظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول: اشهدوا أنّ فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق، ثمّ تزوّج الأُخرى إذا انقضت العدّة»(1).(2)
ولا يخفى أنّه ليس في أصل كلام الشيخ بأزيد ممّا في الأدلّة من لزوم الإشهاد، فكيف يكون صريحاً فيما ذكره، وأمّا قوله;: «وإذا أراد الطلاق ... » إلى قوله: «من الشهود» الموجب لنسبة السيّد; الصراحة إليه، ففيه: أنّه; في مقام بيان شرائط الطلاق واعتبار علم المطلّق وكذلك علم الشاهدين في الجملة لا على التفصيل، بحيث تتحقّق الشهادة به، فإنّ صحّة «فلانة طالق» لا تقتض-ي أزيد من العلم في الجملة. فتأمّل.
وأمّا الرواي-ة المست-دلّ بها، فهي ناظ-رة إلى لزوم تعيين المطلّق-ة في مق-ابل الإبهام لا معرفتها بعينها تفصيلاً المعتبرة في الشهادة للأداء.
هذا كلّه مع ما في بعض الأخبار من الإشعار والشهادة لذلك الظهور ويكون مؤيّداً له.
فمنها: صحيحة أحمد بن مح-مّد بن أبي نصر، وفيه-ا: فإن طلّق علىطهر من
ص: 212
...
----------
غير جماع بشاهد وامرأتين؟ قال: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرنه ... »،(1) فإنّ جواز الشهادة بمعنى نفوذها مربوط بمقام الأداء. هذا مضافاً إلى أنّ جواز التحمّل هو بمعنى الإباحة لهنّ مطلقاً ولا تفصيل فيه أصلاً كما هو ظاهر.
ومنها: ما عن حمران، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يكون خلع ولا تخيير ولا مباراة إلّا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير، وإقرار المرأة أنّها على طهر من غير جماع يوم خيّرها»، قال: فقال له محمّد بن مسلم: ما إقرار المرأة هاهنا؟ قال: «يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل حذار أن يأتي بعدُ، فيدّعي أنّه خيّرها وهي طامث فيشهدان عليها بما سمعا منها ... ».(2)
نعم، يمكن أن يكون اعتبار الشاهد في صدر الحديث - كما هو صريح الذيل - لأجل الشهادة على الإقرار، بل وفي صدره إشعار بذلك؛ حيث خصّ الحكم ببعض أقسام الطلاق كالخلع والمباراة مع أنّ شهادة العدلين شرط في مطلّق الطلاق، فلعلّ اعتبار المعرفة في خصوص تلك الأقسام يكون لذلك، حيث إنّ الطلاق فيها يكون شبيهاً بالعقد ومرتبطاً بالزوجين كما لا يخفى، دون الطلاق الساذج، فإنّ المعتبر فيه فعلاً وقولاً الزوج ولا دخالة للزوجة فيه، فلا حذر إلّا من حيث الطهر المبيّن حكمه في الذيل.
هذا، مضافاً إلى عدم كون الخبر معمولاً به عند الأصحاب ويكون معرضاً عنه
ص: 213
...
----------
من حيث ع-دم اختصاص الشرطيّ-ة عندهم بالأقسام المذكورة فيه، بل الشهادة شرط عندهم في مطلّق الطلاق، ومن حيث عدم صحّة التخيير عندهم أيضاً كما مرّ.
لا يقال: إنّ الإعراض من حيث التخيير إعراض عن بعض الرواية وهو غير موجب لسقوطها عن الحجيّ-ة رأساً حتّى فيما لا إعراض فيه.
لأنّا نقول: هذا تمام، لكنّه في مورد يمكن التفكيك في الرواية بين الحكمين، وهذا بخلاف ما نحن فيه ممّا يكون الاستثناء واحداً، مثل ما كان الخبر واحداً والمبتدأ متعدّداً.(1)
ومنها: ما عن اليسع، عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث قال: «لا طلاق على سنّ-ة وعلى طهر من غير جماع إلّا ببيّ-نة، ولو أنّ رجلاً طلّق على سنّ-ة وعلى طهر من غير جماع ولم يشهد لم يكن طلاقه طلاقاً».(2) ومثله ما مرّ عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)،(3) حيث عبّر فيهما بالبيّ-نة.
وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا ينبغي الإشكال بحسب الأدلّة في لزوم المعرفة على نحوٍ من المعرفة التفصيليّ-ة، والإيراد على مثل السيّد السند بأنّ اعتبار المعرفة خلاف الإطلاق فقد ظهر بطلانه ولا يفيده ما مرّ، ثمّعلى تسليم عدم الدلالة فلا دليل على ما ذهب إليه صاحب الحدائق(4) من لزوم العلم في الجملة؛ لعدم الدليل عليه بعد ظهور شرطيّ-ة الشهادة في غيره.
ص: 214
...
----------
نعم، يعتبر أن يكون الطلاق على المعيّنة في مقابل المبهمة، وعليه، يصحّ الطلاق بقول المطلّق في مقابل العدلين المعيّنين أو الموج-ودين في الجماع-ة «هي طالق»؛ لتماميّ-ة شرائط الطلاق مع أنّه لا علم للشاهدين بالمطلّقة أصلاً، وهذا هو مختار الجواهر،(1) فالمعتبر عليه أصل الحضور والاستماع وهو الحقّ المعروف وإن كان مخالفاً للقاعدة ولظاهر الأدلّة كما عرفت؛ وذلك للدلالة عليه في أخبار فروع المسألة.
واستُدِلّ على عدم اللزوم بروايات:
منها: صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد ومهورهنّ مختلفة؛ قال: «جائز له ولهنّ»، قلت: أ رأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة، ثمّ تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة، ثمّ مات بعد ما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال: «إن كان له ولد، فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، وإن عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها ونسبها فلا شيء لها من الميراث وعليها العدّة، قال: ويقتسمن الثلاثة النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك وعليهنّ العدّة، وإن لم تعرف التي طلّقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهنّ جميعاً، وعليهنّ جميعاً العدّة».(2).
ودلالتها واضحة، بل صريحة في صحّة طلاق من لم يعرفها الشهود لشخصها، والصحّ-ة كذلك غير منافية لاعتبار التعيين المقابل للإبهام، كما هو واضح. وما في
ص: 215
...
----------
الحدائق(1) والجواهر(2) من عدم منافاة الاشتباه المذكور في الذيل لشرطيّ-ة اعتبار التعيين، لجواز أن يكون القوم الذين طلّق بحضورهم قد نسوا الاسم الذي سمّاها به، فلا وجه له؛ لأنّ عدم المعرفة والاشتباه في الذيل يكون في بلد الإرث وأهله غير أهل بلد القسمة، فلا منافاة من رأسٍ، لا أنّها مدفوعة بموضوع النسيان.
ومنها: صحيحة أحمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن رجل كانت له امرأة طهرت من محيضها فجاء إلى جماعة فقال: فلانة طالق يقع عليها الطلاق ولم يقل: اشهدوا؟ قال: «نعم».(3) مع أنّ الظاهر من طبع الجماعة عدم معرفتهم لها، وإن أبيت من الظهور ففي ترك الاستفصال كفاية.
ومنها: صحيحة صفوان، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: سئل عن رجل طهرت امرأته م-ن حيضها، فق-ال: فلان-ة طالق، وقوم يسمعون كلامه ولم يق-ل لهم: اشهدوا أ يقع الطلاق عليها؟ قال: «نعم، هذه شهادة».(4)
ومنها: خبر عليّ بن أحمد بن أشيم، قال: سألته، وذكر مثله وزاد: «أ فتترك معلّقة؟».(5).
فعلى هذا، لا يشترط المعرفة بما مرّ.
ص: 216
يسمعان الإنشاء؛(1) سواء قال لهما: اشهدا، أم لا. (2)
ويعتبر اجتماعهما حين سماع الإنشاء، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس، ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر بانفراده، لم يقع.(3)
----------
(1) لا يخفى أنّ قيد السماع محمولٌ على الغالب، وإلّا فيكفي الرؤية في مثل إشارة الأخرس وكتابة العاجز أو الغائب؛ لأنّ المعتبر في الطلاق هو الإشهاد عليه، يختلف باختلاف الطلاق، فإن كان بالقول فالإشهاد عليه بالاستماع، وإن كان بمثل الكتابة فالإشهاد عليه بالرؤية، وهكذا.
(2) لعدم اعتبار الق-ول ب- «اشهدا» كما هو مقتضى الأصل لص-دق الشه-ادة والإشهاد بمحض الاستماع وإن لم يعرف الشاهد بذلك، بل وإن لم يلتفت الفاعل باستماع الشاهد وشهادته، كما لا يخفى، ولصحيحتي أحمد بن أبي نص-ر وصفوان، ولمضمرة ابن أشيم وقد مرّت كلّها آنفاً.(1) ثمّ إنّ الظاهر عدم كفاية السماع من وراء مثل الجدار مع غفلة المطلّق وجهله؛ لأنّ الظاهر من الإشهاد قصد إيقاع الطلاق عند حضورهما. ثمّ إنّ هذا غير مختصّ بالسماع هكذا، بل يشمل كلّ مورد لم يلتفت المطلّق إلى حضورهما أو زعم عدمه. وغير خفي أنّ هناك فرق بين الإشهاد وشهادة الشاهد.
(3) ك-ما هو صريح الفتاوى، بل الظاهر اتّفاقهم عليه؛ لظاهر الكتاب والسنّ-ة، ف-إنّ ال-ظاهر من م-ثل ق-وله تع-الى: ﴿وَأَشْهِ-دُوا ذَوَيْ عَ-دْلٍ مِّنكُمْ﴾(2)حضورهما عند الطلاق وشهادتهما له، ولمّا أنّ الطلاق واحد فحضورها ليس إلّا بالاجتماع وإلّا فيكون حضور أحدهما عنده دون الآخر.
ص: 217
...
----------
ولصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نص-ر الص-ريح في ذلك، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع وأشهد اليوم رجلاً ثمّ مكث خمسة أيّام ثمّ أشهد آخر؟ فقال: «إنّما أمر أن يشهدا جميعاً».(1) ولا تعارضه صحيحة ابن بزيع، عن الرضا(علیه السلام)، قال: سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق؟ فقال: «نعم، وتعتدّ من أوّل الشاهدين» وقال: «لا يجوز حتّى يشهدا جميعاً»؛(2) لأنّة المحمول بقرينة ما في آخره على إرادة التفريق في الأداء لا في حضور الإنشاء، فالمراد من الاعتداد من أوّل الشاهدين هو الاعتداد من أوّل شهادة الشاهدين؛ لأنّه يكون قد وقع بهما، فإذا شهد أوّلهما بوقتٍ كان الآخر شاهداً به كذلك وإن تأخّر في الأداء.
لا يقال: بعد ما كان شهادتهما على أمر واحد فلابدّ إلّا من اعتداد المرأة بما شهد به الأوّل من الزمان؛ لأنّه زمانهما، فذكره وبيانه توضيح لأمر واضح.
لأنّا نقول: البيان يكون لدفع توهّم أنّ زمان الاعتداد بعد أداء الثاني، حيث إنّ الحجّة تتمّ به. فكما أنّ عدّة الوفاة من أوّل زمان العلم بها أو الحجّة عليها، لا من نفس زمان الفوت، فكذلك الطلاق. فقوله(علیه السلام): «وتعتدّ من أوّل الشاهدين» يكون دفعاً لذلك التوهّم وأنّ عدّة الطلاق من زمان وقوعه لا من زمان العلم، خلافاً لعدّة الوفاة.
ثمّ المعتبر حضورهما حين الطلاق ولا اعتناء بشهادتهما قبله أو بعده بلا إشكال ولا خلاف، فإنّ الإشهاد الواقع على الطلاق السابق إشهاد على الإخبار به؛ كما أنّ
ص: 218
نعم، لو شهدا بإقراره بالطلاق لم يعتبر اجتماعهما، لا في تحمّل الشهادة ولا في أدائها.(1) ولا اعتبار بشهادة النساء وسماعهنّ، لا منفردات ولا منضمّات بالرجال.(2)
----------
الشهادة على الطلاق المستقبل إشهاد على الوعد به. فليس شيء منهما إشهاداً على الطلاق المعتبر كتاباً وسنّ-ة وإجماعاً.
وبذلك يظهر أنّ ما في مضمر أحمد بن محمّد، قال: سألته عن الطلاق؟ فقال: «على طهر، وكان عليّ(علیه السلام) يقول: لا يكون طلاق إلّا بالشهود»، فقال له رجل: إن طلّقها ولم يشهد ثمّ أشهد بع-د ذلك بأيّام متى تعتدّ؟ فقال: «من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق»(1) من الإشهاد بعد الطلاق بأيّام، محمولٌ على الإشهاد مع الطلاق ثانياً، وإلّا فهو مطروحٌ بالمخالفة للكتاب والسنّ-ة مع أنّه معرضٌ عنه.
(1) وذلك واضح؛ لإطلاق أدلّة الشهادة والبيّنة، ولعدم الدليل على اعتباره.(2)
(2) وظاهر الكتاب والسنّ-ة والفتاوى اعتبار كونهما ذَكَرين، كما في الجواهر،(3) فلا عبرة بحضور النساء بل ولا الخناثي في إنشاء الطلاق، لا منفردات ولا منضمّات إلى الرجال. ويدلّ عليه صريح صحيح ابن أبي نص-ر، وفيه: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حض-رنه ... »،(4) الحديث.
ص: 219
...
----------
وصحيح الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام): أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح؟ فقال: «تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان عليّ(علیه السلام) يقول: لا أُجيزها في الطلاق»، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: «نعم»، وسألته عن شهادة القابلة في الولادة، قال: «تجوز شهادة الواحدة»، وقال: «تجوز شهادة النساء في المنفوس، والعذرة».(1)
وخبر داود بن الحصين.(2) إلى غيرها من الروايات.(3)
وفي الجواهر بعد ذلك:
بل الظاهر الاتّفاق عليه، وما عن ابني أبي عقيل والجنيد،(4) بل والشيخ في المبسوط(5) من قبول شهادتهنّ مع الرجال محمولٌ على ثبوته بذلك بعد إيقاعه بشهادة الذكرين، فلا خلاف حينئذٍ في المسألة.(6)
ثمّ لا يخفى عليك المناقشة في مثل ظاهر الكتاب على الشرطيّ-ة؛ لإشعار الوصف بالعدل، بل الظهور على أنّه المناط والمعيار من دون فرق بين الرجل والمرأة، كالوصف الواقع في غير واحد من الآياتوالأخبار، ومع عدم الظهور فلا أقلّ من إلغاء الخصوصيّ-ة المعتبرة في أمثال المقام، بل وفي الروايات الدالّة على الشرطيّ-ة من حيث السؤال ومن حيث عدم الإشارة إلى دلالة الكتاب لشهادة
ص: 220
(مسألة10): لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفي به مع عَدل آخر في الشاهدين، كما لا يكتفي بالموكّل مع عَدل آخر.(1)
----------
على ذلك كما لا يخفى، والأمر سهلٌ بعد النصوص الصريحة.
ولا يعتبر الشياع في الطلاق أيضاً ولا العلم به وإن توهّم بعض الناس الاكتفاء بالعلم؛ معلّلاً بأنّه ليس بعد العلم من شيء إلّا أنّه كما ترى، ضرورة عدم مدخليّ-ة العلم بوقوعه في صحّته وإنّما المعتبر حضور الشاهدين وسماعهما، بل ومثلهما الطلاق عند معصوم واحد(علیه السلام)، فإنّ الباب غير باب الشهادة والإمامة.
(1) لأنّ الظاهر كون المخاطب للإشهاد هو المطلّق، فلابدّ من خروج العدلين عن المطلّق، والوكيل وإن لم يكن مطلّقاً بالحقيقة لكنّه مطلّق بالنيابة، وكأنّ النائب والوكيل هو المنوب عنه والموكّل، والظاهر المنساق من الأدلّة الأعمّ من الزوج والوكيل كأعمّيّته منه ومن الوليّ.
لكن في المسالك بعد اعترافه بخروجهما عنه، قال:
ثمّ إن كان هو الزوج فواضح. وإن كان وكيله ففي الاكتفاء به عن أحدهما وجهان؛ من تحقّق اثنين خارجين عن المطلّق، ومن أنّ الوكيل نائب عن الزوج، فهو بحكم المطلّق، فلابدّ من اثنين خارجين عنهما. وفيه: أنّ أحدهما؛ أعني الزوج والوكيل، خارج؛ لأنّ اللفظ لا يقوم باثنين، فأيّهما اعتبر اعتبرت شهادة الآخر.(1)
وفيه: أنّ اللفظ قائم بهما بالاعتبارين، فلابدّ من شهادة غيرهما، ومنذلك يعلم عدم الاكتفاء بالموكّل مع عَدل آخر، ويعلم منه ما في القواعد:
ص: 221
(مسألة 11): المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره؛ ممّا رتّب عليه بعض الأحكام، كما مرّ في كتاب الصلاة.(1)
----------
ولو كان أحدهما الزوج ففي صحّة إيقاع الوكيل إشكال، فإن قلنا به لم يثبت.(1)
فرع: لو طلّق الوکیل وکان الزوج أحد الشاهدین فالظاهر عدم کفایته؛ لأنّه هو المطلّق واقعاً.
(1) كون المراد به هنا ما في غيره هو الأشهر، بل المشهور، بل يظهر من الجواهر(2) في المقام عدم الخلاف في ذلك، والاقتصار هنا على الإسلام منسوب إلى الشيخ في النهاية وتابعه جماعة منهم القطب الراوندي.(3)والمشهور هو المنصور؛ حيث إنّ العدالة المعتبرة هنا هي المعتبرة في غيره، فالمراد منهما واحد ولا وجه للفرق بينهما. هذا، مع ما يظهر من دلالة الصحيحين المستدلّ بهما على الخلاف. وفي نهاية المرام للسيّد السند:
والقول بالاكتفاء بالإسلام للشيخ في النهاية،(4) فإنّه قال: ومتى طلّق ولم يشهد شاهدين ممّن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع. ثمّ قال: فإن طلّق بمحضر من رجلين مسلمين ولم يقل لهما: إشهدا وقع طلاقه وجاز لهما أن يشهدا بذلك. وتبع-ه على ذلكجماعة منهم القطب الراوندي. ولعلّ مست-ندهم في ذلك إطلاق الأمر بإشهاد رجلين في كثير م-ن
ص: 222
...
----------
الروايات، لك-نّ المطلق يحمل على المقيّد.
وما رواه ابن بابوي-ه في الصحيح عن عبدالله بن المغيرة، قال: قلت للرضا(علیه السلام): رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين، قال: «كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته».(1)
وما رواه الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين؟ قال: «ليس هذا طلاقاً»، فقلت: جعلت فداك! كيف طلاق السنّ-ة؟ قال: «يطلقّها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلين، كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله»، فقلت له: فإن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين؟ فقال: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرته»، فقلت: فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أ يكون طلاقاً؟ فقال: «من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خيراً».(2).
قال جدّي(قدس سرُّه) في المسالك - بعد أن أورد هذه الرواية - : وهذه الرواية واضحة الإسناد وال-دلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق، ولا
ص: 223
...
----------
يرد: أنّ قوله: «بعد أن تعرف منه خيراً» ينافي ذلك؛ لأنّ الخير قد يعرف من المؤمن وغيره، وهو نكرة في سياق الإثبات لا تقتض-ي العموم، فلا ينافيه مع معرفة الخير منه بالذي أظهر من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرهما من أركان الإسلام، أن يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح؛ لصدق معرفة الخير منه معه، وفي الخبر - مع تصديره باشتراط شهادة عدلين ثمّ الاكتفاء فيه بما ذكره - تنبيهٌ على أنّ العدالة هي الإسلام، فإذا اُضيف إلى ذلك أن لا يظهر فسقٌ كان أولى. هذا كلامه;.(1) انتهى كلامه.
ولك تقريب الاستدلال بصحيحي البزنطي(2) وابن مغيرة(3) بأنّ السؤال فيهما عن الناصبي وخروج المورد مستهجن والمورد من المسلمين ولو من ناصبيهم، ولا يقال: إنّ الناصبي كافر؛ لأنّه كافر حكماً. هذا، ولكن لا يخفى عليك ما في الاستدلال بهما.
ففيه أوّلاً: ما في نهاية المرام، حيث قال بعد ذلك النقل:
ولا يخلو من نظر؛ إذ المتبادر من قولنا: «عرف من هذا الشخص خيراً» أنّه عرف منه الخير خاصّة، وكذا من قولنا: «عرف منه الصلاح» كونه معروفاً بهذا الوصف ممتازاً به، فيكون في الروايتين دلالة على تحقّق العدال-ة المعتبرة فيالشهادة؛ بأن يظهر من حال الشخص، الخير
ص: 224
...
----------
والصلاح دون الفسق والعصيان، ومن أعظم أنواع الفسق الخروج عن الإيمان كما هو واضح.(1)
وثانياً: أنّ الظاهر أنّ المراد من معرفة الخير فيه والصلاح في نفسه هو المؤمن العدل، حيث إنّه إن كان المراد منه الإسلام والاكتفاء به لا ينبغي بل لا يصحّ التعبير عنه بتلك الجملات بل يكتفي بقوله: «نعم، لأنّهما مسلمان» وعدم التعبير بما يدلّ على العدالة يكون للتقيّ-ة في الجواب بالتعبير الجامع بينها وبين بيان الحقّ الذي لا زال كانوا يستعملونه، حتّى قال أبوالحسن(علیه السلام) في الصحيح لأحمد بن أبي نص-ر الناقل للصحيح الأوّل معلّماً له في تركه الجواب بمثله الجامع لبيان الواقع بلسان التقيّ-ة: «يا فلان! لا تحسن أن تقول مثل هذا»؛(2) لأنّ جوابه(علیه السلام) في الحقيقة ردّ السائل إلى ضابطة كلّيّ-ة غير شاملة للمورد بحسب الواقع وإن كانت قابلة للتطبيق عليه أيضاً، فهو(علیه السلام) لم يجب بالبطلان صريحاً، بل أجاب تعبّداً.
وثالثاً: كيف يشمل الذيل الدالّ على لزوم كونه ذي صلاح وخير، الناصبي الذي أنجس وأخبث من الكلب ولا خير فيه أصلاً ومثل الإسلام والشهادتين والصلاة والصيام منه شرّ محض؟! كيف ويكون سبباً لترويج أنّ النصب من الإسلام؟! وهل يصحّ أن يقال أنّه(علیه السلام) جعلهم منأهل الخير والصلاح لا سيّما الصلاح في نفسه، فإنّه لا يعرف الصلاح ولا الخير من الناصبي أصلاً؟!(3)
ولقد أجاد صاحب الجواهر، حيث قال:
ص: 225
...
----------
فيراد حينئذٍ [أي على كون الجملات من الكلمات الجامعة بين التقيّ-ة وبيان الواقع] بمعرفة الخير فيه والصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال: إنّه مقتضى الفطرة أيضاً، لا الناصب الذي هو كافر إجماعاً، بل ولا مطلق المخالف الذي هو الشرّ نفسه. فما في المسالك(1) من الميل إلى القول المزبور واضح الفساد، ونحوه قد وقع له في كتاب الشهادات، وقد ذكرنا هناك ما عليه، ومن العجيب موافقة سبطه له هنا على ذلك في المحكيّ عن شرحه على النافع، ولعلّه لقرب مزاجه من مزاجه باعتبار تولّده منه.
نعم، لا عذر للكاشاني في مفاتيحه؛(2)سواء قالوا بعدم اعتبار العدالة في شاهدي الطلاق أو قالوا بأنّها فيه مجرّد الإسلام، فإنّ الأمرين كما ترى.(3)
نعم، حكاية موافقة السبط لجدّه الشهيد الذي اعتذر عنه غير صحيحة، وظاهر عبارته بل صراحته في الموافقة للمشهور، فإنّه بعد الإيراد على جدّه بما نقلناه، قال:
وهاتان الروايتان مع صحّتهما سالمتان من المعارض فيتّجه العمل بهما.(4)ومن المعلوم كون مراده عدم المعارض لهما في الدلالة على اعتبار العدالة المشهورة، كيف لا يكون كذلك وقد أورد على جدّه! نعم، مشابهة عبارته هذه لعبارة جدّه أوقعت الحاكي في السهو وعذر الجواهر واضح بعد الحكاية.
ص: 226
(مسألة 12): لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق - أصيلاً كان أو وكيلاً - وفاسقين في الواقع، يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطلّع على فسقهما، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه، بل الأمر فيه أشكل من سابقه.(1)
----------
(1) وقبل البحث عن هذه المسألة ينبغي الكلام في مسألة أُخرى معروفة بين أهل الفضل وهي أنّ العدالة المشترطة في الطلاق هل تكون شرطاً واقعيّاً ملازماً لبطلان الطلاق عند انكشاف عدمها كما هو ظاهر الألفاظ، فإنّها موضوعة للمعاني الواقعيّ-ة ونفس الأمر لا المحرزة منها خلافاً للمحكيّ عن صاحب القوانين(قدس سرُّه)؟(1) أو شرطاً ظاهرياً كباب الجماعة؛ فإحراز العدالة شرط لا نفسها المستلزم لعدم البطلان مع انكشاف العدم، حيث إنّ عدمها غير موجب لعدم الشرط فإنّ الشرط كان موجوداً من جهة أنّ العدالة بعد ما كانت بمعنى ملكة التقوى والمروّة فلابدّ من شرطيّ-ة الإحراز وإلّا فلا يطّلع عليه إلّا الله تعالى وفي الشاهدين لو اعتبر الواقع في حقّ غيرهما لزم التكليف بما لا يطاق؟
فيه وجهان، أقواهما الأوّل وما في الثاني من الجهة فغير تامّة وإن استدلّ بها المسالك(2) واختاره لكفاية الأمارة الشرعيّ-ة للاطّلاع كغيرها منالأوصاف والموضوعات الباطنيّ-ة، والأمارة والإحراز طريق إثبات الشرط لا نفس الش-رط. نعم، انكشاف الخلاف في الأمارة غير موجب للبطلان على المخت-ار من الإجزاء في
ص: 227
...
----------
الأمارات كبعض الأُصول الشرعيّ-ة كما حقّقناه في محلّه، فإنّ الظاهر من الأمر باتّباع الأمارات وعدم الإلزام بالاحتياط هو الإجزاء، تبعاً للمحقّق البروجردي(قدس سرُّه) وخلافاً لسيّدنا الأُستاذ (سلام الله علیه). کيف، مع أنّ عدم الإجزاء والحكم بالبطلان مستلزم لمحاذير لا تناسب الشريعة السمحة السهلة كما أنّه مستلزم لمحاذير خاصّة في الطلاق؛ لأنّ الأمارة غير رافعة للاحتمال، فالمرأة المطلّقة تكون متردّدة ومتزلزلة في صحّة طلاقها دائماً فلا تكون مطمئنة بصحّة تزويجها ثانياً؛ لأنّه مع انكشاف الخلاف تكون محرّمة أبديّ-ة على الثاني مع الدخول وأولادها أولاد شبهة ولا ترث منه وعليها الرجوع إلى الأوّل ومثلها الزوج أيضاً بالنسبة إلى الخامسة وأولادها وبالنسبة إلى مسألة الإرث. ظهر ممّا ذكرناه عدم الثمرة العمليّ-ة بين مختار المسالك في المسألة ومختارنا فيها بضميمة المختار في مسألة الإجزاء وإنّما الثمرة هي علميّ-ة مبنائيّ-ة.
هذا كلّه في تلك المسألة ولنرجع إلى مسألة المتن فنقول: إنّه بناءً على أنّ العدالة إنّما هي حسن الظاهر فقط فلا محلّ لفروع المسألة لعدم معقوليّ-ة كشف الخلاف حينئذٍ، لا للوكيل ولا للموكّل ولا للآخر إلّا على بعض فروضه، وأمّا إن قلنا: إنّها الملكة الرادعة عن المعاصي فمنشأ الإشكال أنّ عدالة الشاهدين شرط للمطلّق أو الطلاق؟ فعلى الأوّل يصحّ للمطلع على فسقهما ترتيب آثار الصحّة بعد ما كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق لتحقّق الشرط واطّلاع غيره على الفسق غير مرتبط بالشرط، وعلى الثاني، فلا يصحّ ذلك لعدم تحقّق الش-رط عند المطلع لاواقعاً ولا ظاهراً. فما نحن فيه مثل العدالة في الجماعة من أنّها شرط الاقتداء للمأمومين أو شرط الجماعة؟ فعلى الأوّل يجوز لمن لا ي-رى لنفسه العدالة، الإمامة
ص: 228
...
----------
دون الثاني.
لكنّ القول بالصحّ-ة للمطّلع أيضاً وأنّ الشرط شرط للمطلّق غير بعيد، بل وجيهٌ؛ قضاءً لظاهر مثل الكتاب والسنّ-ة، فإنّ المأمور بإشهاد العدلين هو المطلّق، فهو المكلّف بالإحراز وبإشهادهما دون غيره.
هذا بالنسبة إلى الفرع الأوّل. نعم، بالنسبة إلى الفرع الثاني وهو ما إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل فعدم جواز ترتيب الموكّل آثار الصحّة لا يخلو من قوّة؛ لكون المطلّق حقيقةً المأمور بالإشهاد هو الموكّل وإلّا فالوكيل ليس بمطلّق، بل هو مجرٍ لصيغة الطلاق خاصّة.
ص: 229
ص: 230
الطلاق نوعان:(1)بدعيّ وسنيّ.
فالأوّل: هو غير الجامع للش-رائط المتقدّمة، وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا.
----------
(1) وهنا تقسيم آخر غير ما في المتن، ينبغي التعرّض له وهو التقسيم من حيث حكمه التكليفي، فنقول:
الطلاق إمّا واجب أو مكروه أو مستحبّ أو حرام، كما يظهر من المسالك(1) وغيره،(2) فالواجب تخييراً، كطلاق المولی والمُظاهر، فإنّه يؤمر المولى والمظاهر بعد المدّة بالفيء أو الطلاق، وتعييناً، كالطلاق مع الشقاق وعدم حصول الاتّفاق أو مع الريبة الظاهرة؛ بأن لا تكون عفيفة يخاف منها إفساد الفراش.
وفي الجواهر عدّ الطلاق فيهما مستحبّاً،(3) والمكروه هو الطلاق مع وجود الالتیام،
ص: 231
...
----------
فعن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق وأنّ الله عزّوجلّ يبغض المطلاق الذوّاق».(1)
والمحرّم، كطلاقها في ليلة لها حقّ القسم، على ما في كشف اللثام، وطلاق الحائض بعد الدخول مع حضور الزوج أو مع غيبته دون المدّة المشترطة، وكذا النفساء أو في طهر قاربها فيه، وطلاق الثلاث من غير رجعة بينها، على ما في الشرائع(2) وغيره. (3)
ولا يخفى أنّ أسباب التحريم - على ما في كشف اللثام -(4) أربعة، وعلى المعروف وما في غيره ثلاثة.
وفي المسالك بعد بيان القسمين من الثلاثة، قال:
وهذان سببان للتحريم عند جميع العلماء، وثالثها طلاقها أزيد من واحدة بغير رجعة متخلّلة بين الطلقات، أعمّ من إيقاعها بلفظ واحد أو مترتّبة. وتحريم هذا النوع مختصّ بمذهبنا.(5)
لكن لا يخفى أنّه لا دليل على حرمة الثلاثة الأخيرة المعروفة إلّا إجماع المسالك، وإلّا فالمستفاد من الأدلّة، الكتاب والسنّ-ة والفتاوى، ليس بأزيدمن البطلان.
ص: 232
...
----------
وأمّا الاستدلال له بالنهي فهو كما ترى، فإنّه لو سلّم وجوده، لا يدلّ على أزيد م-ن الإرش-اد إلى الب-طلان؛ لأنّ الن-واه-ي المتعلّ-ق-ة بالعناوي-ن المقصودة بالغير - كالطلاق - لا يستفاد منها أزيد من الإرشاد إلى البطلان وأنّ المقصود غير حاصل، فكأنّ القائل بقوله: «لا يطلّق الغائب» أو: «لا تبع بيعاً غرريّاً» يقول: لا تفعل ذلك؛ لأنّك لا تصل إلى مقصودك. كما أنّ الأمر كذلك في الأوامر والنواهي المتعلّقة بالأجزاء والش-رائط، فإنّها إرشاد إلى الشرطيّ-ة والجزئيّ-ة والمانعيّ-ة، فكأنّ الآمر بها يقول: إفعل هذا الأمر في المركّب ليحصل لك المركّب المأمور له، والناهي يقول: لا تفعل وإلّا لا يحصل المركّب
هذا، مع عدم النهي عن الثلاثة لا سيّما الثلاث، في الأخبار أصلاً وإنّما الموجود فيها النهي بمثل: «ليس طلاقها بطلاق»، أو: «إنّ الطلاق على غير السنّ-ة باطل»، أو: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً، فإنّهن ذوات أزواج». أضف إلى ذلك كلّ-ه أنّ النهي - على تسليمه - محمولٌ على البطلان بقرينة تلك الأخبار.
نعم، لقائلٍ الاستدلال على ذلك بالروايات المنقولة في مقدّمات الطلاق من الوسائل، باب «أنّه يجب على الوالي تأديب الناس وجبرهم بالسوط والسيف على موافقة الطلاق للسنّ-ة وترك مخالفتها»:
ومنها: مرسل أبي بصير، قال: سمعت جعفر(علیه السلام) يقول: «والله لو ملكت من أمر الناس شيئاً لأقمتهم بالسيف والسوط حتّى يطلّقوا للعدّة كما أمر الله عزّوجلّ».(1)
ص: 233
...
----------
ومنها: ما عن معمّر بن وشيكة، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «لا يصلح الناس في الطلاق إلّا بالسيف، ولو وليّتهم لرددتهم فيه إلى كتاب الله عزّوجلّ».(1)
ومنها: ما عن أبي بصير - أيضاً - عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «لو ولّيت الناس لعلّمتهم كيف ينبغي لهم أن يطلّقوا، ثمّ لم اُوت برجل قد خالف إلّا أوجعت ظهره، ومن طلّق على غير السنّ-ة ردّ إلى كتاب الله وإن رغم أنفه».(2)
ولا يخفى أنّ الظاهر منها كون السيف والسوط والإيجاع للبدعة وللتخلّف عن السنّ-ة والشرع والتولّي عنهما، وذلك غير محلّ البحث، فإنّ الحرمة من هذه الجهة معلومة، وإنّما البحث في الحرمة من حيث هي؛ أي مثل حرمة الطلاق من حيث إنّه في الحيض أو في الطهر مع المواقعة.
ولقد أجاد صاحب الجواهر في عبارته المزجيّ-ة بكلام الشرائع، وقال:
والكلّ محرّم عندنا بعنوان الشرعيّ-ة وعدمها مع عدمه، إذ التلفّظ بالصيغة من حيث كونه كذلك لا دليل على حرمته حتّى في الثلاثة.(3)
نعم، فيه أنّه كيف لم يتعرّض للاستدلال على الحرمة بما في المسالك من إجماع العلماء والنسبة إلى المذهب. فتأمّل.
وأمّا ما في كشف اللثام(4) ففيه: أنّ حرمة ترك الواجب - على تسليمه - لا يس-ري إلى مقارنه الوجودي وهو الطلاق في محلّ البحث كما حقّقناه في محلّه، فافهم واغتنم.
ص: 234
...
----------
هذا كلّه في التقسيم غير ما في المتن، وأمّا ما فيه من التقسيم إلى البدعيّ والسنّي فتقسيم معروف رائج، لكن تفسيره البدعيّ بغير الجامع خلاف المعروف، فإنّ المعروف في البدعيّ هو الطلاقات الثلاثة الأخيرة، والتفسيران موردان لإشكالٍ مشترك ومختصّ، أمّا المشترك هو عدم المناسبة بين البدعيّ وتفسيره، لأعميّ-ة المفسّر من المفسّر عنه من جهة عدم اعتبار البدعة فيه، فإنّ الطلاق في الحيض بدعيّ على التفسير، وإن لم يقصد البدعة أصلاً.
بل لقائل أن يقول بالمباينة مفهوماً؛ لعدم أخذ قيد البدعة في تلك الطلقات، وأمّا البدعيّ-ة فيها باعتبار اختصاصها بما كانت بدعة؛ حيث إنّ الحرمة فيها تكون بعنوان الشرعيّ-ة، كما صرّح به الجواهر،(1) ففيه أنّه لا وجه لتفسيره بالأقسام الثلاثة، بل كان المعيّن التفسير بكلّ طلاق فاقدٍ للشرائط المأتي به بدعة. فتأمّل. نعم، لا دلالة للمتن على ذلك؛ لعدم الحكم بالحرمة.
وأمّا المختصّ، ففي المتن أنّه خلاف الاصطلاح، وأمّا في المعروف ففيه أنّه لا حرمة للطلقات الثلاثة بما هي كما مرّ،(2) والحرمة من حيث الشريعة والبدعة فهي أعمّ منها، فما وجه الاختصاص؟
اللّهمّ إلّا أن يقال لدفع بعض المحاذير: إنّ الأمر في التسمية والاصطلاح سهلٌ.
ص: 235
والثاني: ما جمع الشرائط في مذهبنا، وهو قسمان بائن ورجعي.
فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده؛ سواء كانت لها عدّة أم لا.(1)
----------
(1) لكن للسنّي معنىً آخر أخصّ من ذلك في النصوص والفتاوى، وهو طلاقها بالطلاق الرجعي وعدم الرجوع في العدّة حتّى تنقضي المدّة، والفتاوى تعمّ البائن أيضاً، ونسب الشهيد(1) هذا المعنى إلى الفقهاء.
والأصل في ذلك صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «طلاق السنّ-ة يطلّقها تطليقة - يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين - ثمّ يدعها حتّى تمضي أقراؤها، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب، إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها فتكون عنده على التطليقة الماضية». قال: وقال أبو بصير عن أبي عبدالله(علیه السلام): «وهو قول الله عزّوجلّ: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْ-رِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾،(2)التطليقة الثانية [الثالثة](3) التسريح بإحسان».(4).
وكذا صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال: «كلّ طلاق لا يكون على السنّ-ة، أو طلاق على العدّة فليس بشيء»، قال زرارة: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): فس-ّر لي طلاق السنّ-ة وطلاق العدّة، فقال: «أمّا طلاق السنّ-ة، فإذا أراد الرجل أن يطلّق
ص: 236
وهو ستّ-ة:(1) الأوّل الطلاق قبل الدخول.(2)
----------
امرأته فلینتظر بها حتّى تطمث وتطهر، فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع، ويُشهد شاهدين على ذلك، ثمّ يدعها حتّى تطمث طمثتين فتنقض-ي عدّتها بثلاث حيض، وقد بانت منه، ويكون خاطباً من الخطّاب، إن شاءت تزوّجته، وإن شاءت لم تزوّجه، وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدّتها، وهما يتوارثان حتّى تنقضي عدّتها ... ».(1)
إلى غيرهما من الروايات.
ولقائل أن يقول: إنّ ما جاء في الفتاوى ليستفاد من النصوص أيضاً.
ثمّ إنّه لا اختلاف في معنى طلاق العدّة نصّاً وفتوىً، وهو الطلاق الرجعي مع الرجوع في العدّة والوطئ فيها، وهو يوجب الحرمة أبداً بعد التاسعة، وتقسيم الطلاق الصحيح إلى السنّي والعدّي غير جامع؛ لأنّه لا يشمل الطلاق الرجعي الذي يرجع بلا وطئ، مع أنّه أيضاً صحيحٌ.
(1) العدد، لاخلاف فيه نصّاً وفتوىً كما في صريح الجواهر.(2)
(2) وأخبار الأوّل:
منها: ما عن زرارة، عن أحدهما(علیهما السلام): في رجل تزوّج امرأة بكراً، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات كلّ شهر تطليقة،قال: «بانت منه في التطليقة الأُولی، واثنتان فضل، وهو خاطب يتزوّجها متى شاءت وشاء بمهر جديد»، قيل له: فله
ص: 237
...
----------
أن يراجعها إذا طلّقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر؟ قال: «لا، إنّما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أوّلاً، فأمّا قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها، قد بانت منه ساعة طلّقها».(1)
ومنها: وما عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقةً واحدة فقد بانت منه وتزوّج من ساعتها إن شاءت».(2)
إلى غيرهما من الأحاديث.(3)
وهذا في الجملة لا كلام فيه، وإنّما الكلام في أنّ الدخول المعتبر عدمه، هو الدخول مطلقاً؛ قبلاً أو دبراً أو المقيّد بالقبل؟ فمقتضى ظاهر النصوص وفتاوى الأصحاب هو الأوّل، إلّا أن يقال بانص-راف الإطلاق إلى القبل؛ للتعارف والكثرة، وأنّه المانع أيضاً، للشمول بترك الاستفصال
وبذلك يظهر عدم تماميّ-ة ما استدلّ به الجواهر لذلك بقوله:
لصدق المسّ والإدخال والدخول والمواقعة والتقاء الختانين إن فسّر بالتحاذي، وإمكان سبق المني فيه إلى الرحم، وكونه أحد المأتيين.(4)
فإنّ التماميّ-ة موقوفة على عدم الانصراف. هذا، مع أنّ التقاء الختانين إن لم يكن بمفهومه دليلاً على العدم والتقيّد فلا أقلّ من عدم الدلالةوالتفسير بما ذكره كما ترى، واستدلاله; بالوجهين الأخيرين فليس بأزيد من الإشعار.
ص: 238
...
----------
والاستدلال بظاهر صحيحتي عبدالله بن سنان(1) المعتضد بنسبة السيّد السند(قدس سرُّه)(2) العموم إلى قطع الأصحاب، وأنّ الفهم شاهد على عدم الانص-راف فغير تمام؛ وذلك لأنّ ما في أحدهما من قول أبي عبدالله(علیه السلام): «ملامسة النساء هي الإيقاع بهنّ» ليس فيه إلّا تفسير الملامسة بالإيقاع، وهو كالدخول وغيره مشترك في احتمال الانصراف، وعموميّ-ة المفسَّر (بالفتح) بإطلاقه غير مانع-ة من انص-راف المفسِّر (بالكسر)، كما لا يخفى.
كما أنّ ما في ثانيهما من قول-ه(علیه السلام): «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة» في جواب السائل بقوله: «فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟» ليس فيه أيضاً إلّا التعبير بالإدخال والمواقعه في الفرج الذي فيه احتمال الانص-راف، كالمسّ. وأمّا قوله(علیه السلام) فيه: قال: «إنّما العدّة من الماء»،(3) فالحص-ر فيه إضافي بالنسبة إلى مثل الخلوة.
وبالجملة، الظاهر أنّه ليس فيهما أزيد ممّا في غيرهما من أخبار العدّة والمهر، وأمّا نسبة السيّد، فلعلّها تكون مستندة إلى إطلاق فتاواهم. هذا، مع أنّ اقتصار العلّامة في التحرير(4) بالدخول في القبل ممّا يشعر بالخلاف، وتوقّف الحدائق(5) وتبعيّ-ة الرياض(6) له - لولا الوفاق - ممّا يوهن النسبة،وبوهنها يقوي احتمال الانص-راف.
ص: 239
الثاني: طلاق الصغيرة؛ أي من لم تبلغ التسع وإن دخل بها.(1)
----------
(1) ويدلّ عليه الأخبار:
منها: صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن التي قد يئست من المحيض، والتي لا يحيض مثلها، قال: «ليس عليها عدّة».(1)
ومنها: مرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما(علیهما السلام) في الرجل يطلّق الصبيّ-ة التي لم تبلغ، ولا يحمل مثلها، فقال: «ليس عليها عدّة، وإن دخل بها».(2)
وكذا مرسلته الأُخرى عن أحدهما(علیهما السلام): في الرجل يطلّق الصبيّ-ة التي لم تبلغ، ولا يحمل مثلها، وقد كان دخل بها، والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها، قال: «ليس عليهما عدّة، وإن دخل بهما».(3)
ومنها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: قال أبوعبدالله(علیه السلام): «ثلاث يتزوّجن على كلّ حالٍ: التي لم تحض، ومثلها لا تحيض»، قال: قلت: وما حدّها؟ قال: «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من المحيض، ومثلها لا تحيض»،قلت، وما حدّها؟ قال: «إذا كان لها خمسون سنة».(4)
ومع تلك الأخبار، كما لا كلام ولا بحث في أصل المسألة فكذلك في العموميّ-ة للدخول.
ص: 240
...
----------
وفي الجواهر: «وإن دخل بها؛ للأمن من اختلاط المائين».(1)
وإنّما البحث والكلام في أنّ الحدّ هل هو عدم البلوغ وعدم الحمل أو عدم الوصول إلى التسع؟ فالمشهور هو الأخير، فإن جعلناه حدّا للبلوغ أيضاً، كما هو المعروف بل المشهور أيضاً، فالأخبار متّفقة ولا تعارض بينها؛ لعدم إمكان الحمل قبل البلوغ الذي هو التسع، ولكن إن جعلنا الحدّ ثلاث عش-رة سنين، - كما هو المختار- ويؤمل أن يستقرّ عليه المذهب، فالتعارض موجود؛ حيث إنّ الدالّ من الأخبار على عدم العدّة قبل التسع دالّ بمفهوم الحدّ على العدّة بعده، مع أنّه غير بالغ وغير قابل للحمل فيكون معارضاً للدالّ منها على عدمها مع عدم القابليّ-ة للحمل وعدم البلوغ.
هذا، ولكنّ الظاهر منع التعارض أيضاً؛ لأنّه على المختار في حدّ البلوغ السِنّي، فالملاك هو عدم البلوغ وعدم إمكان الحمل فيها كما عليه السيّد السند(قدس سرُّه)،(2) لا هما وقبل التسع، والموضوع في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عدم الحيض في من مثلها لا تحيض من جهة عدم البلوغ، ولا نظر فيها بدواً إلى السنّ أصلاً، وإنّما أجاب7 بالسنّ والتسع بعد سؤال السائل عن الحدّ للموضوع الظاهر في كونه بياناً لحدّ يكون عدم الحيض فيه معلوماً وهو فيما قبل التسع، فالصحيحة ساكتة عمّا بعد التسع، فلابدّ فيه من إحراز الموضوع؛ أي كونها لا تحيض ومثلها لا تحيض؛ يعني عدم القابليّ-ة للحيض بعدم البلوغ، فالمستفاد من النصوص الواردة أنّالملاك في الصغيرة هو عدم الحيض أو عدم البلوغ، وما في صحيحة عبدالرحمن
ص: 241
الثالث: طلاق اليائسة،(1) وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي.
----------
من إضافة تسع سنين ففي بيان أقلّ الحدّ، والصحيحة هي الموجبة - ظاهراً - لتفسير الصغيرة في عبارات الأصحاب بما في المتن، وغير خفي أنّه على كون الحدّ في البلوغ تسع سنين، فالتفسير في المتن صحيحٌ، وأمّا على ما اخترناه في المسألة فغير تمامٍ.
(1) والنصوص على الثالث كالأوّلين دالّة ولا كلام فيه، وإنّما الكلام في المراد من اليائسة، وفيها أقوال ثلاثة، ثالثها - وهو المشهور - التفصيل بين القرشيّ-ة، بل هي والنبطيّ-ة وغيرها بالخمسين في الغير والستّين في القرشيّ-ة والملحقة بها، وهو مقتضى الجمع بين الروايات. وأمّا التفصيل بين العبادات، فالخمسون والعدّة فالستّون فليس بأزيد من احتمال جمعٍ في الأخبار، وهو جمع بلا شاهد ويكون تبرعيّاً كما سيظهر.
ومنشأ الاختلاف هو الروايات، فإنّها أيضاً على طوائف ثلاث:
فمنها: دالّة على الخمسين مطلقاً، وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، كما مرّت آنفاً.(1)
وما عنه، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة».(2)
ص: 242
...
----------
وم-ا ع-ن أحم-د بن مح-مّد بن أب-ي نص-ر، ع-ن بع-ض أصح-ابن-ا، ق-ال: ق-ال أبوعبدالله(علیه السلام): «المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة».(1)
ومنها: ما يدلّ على الستّين مطلقاً، وهي ما عن عبدالرحمن بن الحجّاج أيضاً، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حالٍ: التي قد يئست من المحيض، ومثلها لا تحيض»، قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض، ومثلها لا تحيض ... »،(2) الحديث.
وما عنه، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: قلت: التي قد يئست من المحيض، ومثلها لا تحيض؟ قال: «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض، ومثلها لا تحيض».(3)
ومنها: الدالّة على التفصيل بين القرشيّ-ة وغيرها، وهي مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش».(4)
ومرسلة الصدوق، قال: روي «أنّ المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم ترحمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش».(5)
ومرسلته الأُخ-رى التي تكون مثل الأُولى: قال الص-ادق(علیه السلام): «المرأة إذا بلغت
ص: 243
...
----------
خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش، وهو حدّ المرأة التي تيأس من المحيض».(1)
وما عن الشيخ في المبسوط:
تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة إلّا أن تكون امرأة من قريش، فإنّه روي أنّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة.(2)
وما عن المفيد في المقنعة، قال:
قد روي: أنّ القرشيّ-ة من النساء والنبطيّ-ة تريان الدم إلى ستّين سنة.(3)
فالأخبار المفصّلة خمسة،(4) وهذه الطائفة المفصّلة طريق للجمع بين الطائفتين الأوليين بحمل المطلّق من كلّ منهما على المقيّد فيها.
والإيراد عليه بأنّ المرسلة المعتبرة - وهي الأولى - لا تصريح فيهابالستّين، كما أنّها ليست صريحة في الحيض، وبأنّ البقيّ-ة لإرسالها غير قابلة للاعتماد ورفع اليد عن المطلق-ات والشهرة الجاب-رة غير موج-ودة، ف-إنّ الأق-وال في المسألة ثلاثة وأنّ
ص: 244
...
----------
الخمسين مطلقاً هو المحكيّ عن السرائر،(1) وطلاق الشرائع،(2) والمدارك،(3) والجمل لابن البرّاج،(4) والنهاية،(5) وربّما مال إليه النافع(6) والمنتهى(7) كما قيل، وأنّ الشيخ; الذي هو من أئمّة الفقه والحديث له قولان فى كتب-ه،(8) فمع عدم عمله وعدم عمل غيره بها كيف يمكن جبر الضعف في السند، مدفوعٌ(9) بأنّ عدم الص-راحة في الستّين غير مضرّ بعد عدم القائل بغيره، مع أنّ الشهرة موافقة بل قرينة عليه، وأمّا عدم الصراحة في الحيض فلا ريب في ظهور الرواية بذلك، وهو كافٍ في المطلوب.
وأمّا بقيّ-ة الأخبار، فهي وإن كانت مرسلة إلّا أنّ المرسلة الأُخرى للصدوق(10) التي كانت النسبة فيها جزميّ-ة اعتبارها وعدم كونها بِأدْوَنَ من مراسيل ابن أبي عمير، غير خالٍ من الوجه، بل القوّة؛ حيث إنّ النسبة كذلك كاشفة عن اعتبار السند عنده، وهو بمنزلة مثل توثيق النجاشيوالشيخ من علماء الرجال؛ لأنّ الظاهر استناده إلى الحسّ والحدس الق-ريب منه، وليس حال الصدوق كحال مثل
ص: 245
الرابع والخامس: طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت، وإلّا كانت له الرجعة.(1)
السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين: بين الأوّل والثاني وبين الثاني والثالث،(2)
----------
المفيد الذي كان أهل الاجتهاد والدراية الخارجة عنهما ممّن لا يكون نظره فى السند حجّة.
هذا كلّه مع أنّ إطلاق أخبار الستّين وقاعدة الإمكان، بل واستصحاب القابليّ-ة مقتضية للستّين في القرشيّ-ة والنبطيّ-ة وغيرهما خارج عن الإطلاق والقاعدة بأخبار الخمسين وتلك الأخبار مقيّدة بغيرهما بالإجماع على عدم الستّين في غيرهما وبمرسلتي ابن أبي عمير والصدوق، فالنتيجة هي التفصيل أيضاً. نعم، خروج النبطيّ-ة ليس إلّا بالإجماع ومرسل المفيد. وبالجملة، شاهد التفصيل هو الرواية والدراية.
هذا بعض الكلام في المسألة وتمامه في كتاب الطهارة.
ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدّة.(1)
(مسألة 1): لو طلّقها ثلاثاً مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد، ولا تحلّ له إلّا بعد أن تنكح زوجاً غيره، ثمّ فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها، وحينئذٍ جاز للأوّل نكاحها.(2)
----------
(1) ولا یخفی استیفاء العدّة بعد طلاق الأوّل أو الثاني هادم ما تقدّم من الطلاق وسیأتي البحث عنها في المسألة 3.
وأيضاً لا یخفی أنّ طلاق الحاکم ولایة علی الممتنع في حکم البائن ظاهراً، فلیس للزوج الرجوع فیه؛ قضاءً لما في الأخبار(1) من التعبیر بالمفارقة، ولما في جواز الرجوع له من الکَرّ علی ما فرّ، کما لا یخفی. فقاعدة نفي الجرح، کما کانت مق-تضیة للطلاق فکذلك تکون مقتضی-ة لعدم جواز الرجوع له، کما لا یخفی.
(2) هذا أيضاً لا إشکال فیه نصّاً وفتویً، وما في هذه المسألة والمسألة الآتیة من الحاجة إلی نکاح الغیر، المعبّر عنه بالمحلّل مختصّ بالسادس من أقسام البائن. وعلی-ه في الجملة إجماع علماء الإسلام، بل هو من ضروریّات فقهه. والدلیل علیه الکتاب والسنّ-ة، وأخبارها مستفیضة إن لم تکن متواترة.(2)
نعم، الشيعة متفرّدة بلزوم تخلّل الرجعتين، كما ذكره المتن وعليه إجماعهم ونصوصهم.
وأمّا العامّة فليس ذلك شرطاً عندهم، بل يقع الثلاثة مرسلةً، فضلاً عن كونها
ص: 247
(مسألة 2): كلّ ام-رأة حرّة إذا استكمل الطلاق ثلاثاً مع تخ-لّل رجعتين في البين حرمت على المطلّق حتّى تنكح زوجاً غيره؛ سواءٌ واقعها بعد كلّ رجعة وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة، وهذا يقال له: طلاق العدّة، أو لم يواقعها، وسواءٌ وقع كلّ طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد، فلو طلّقها مع الش-رائط، ثمّ راجعها، ثمّ طلّقها، ثمّ راجعها، ثمّ طلّقها في مجلس واحد حرمت عليه، فضلاً عمّا إذا طلّقها، ثمّ راجعها، ثمّ تركها حتّى حاضت وطهرت ثمّ طلّقها، وهكذا.(1)
(مسألة 3): العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق، فلو طلّقها ثلاثاً بينها عقدان مستأنفان، حرمت عليه حتّى تنكح زوجاً غيره؛ سواء لم تكن لها عدّة، كما إذا طلّقها قبل الدخول، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة.(2)
----------
مفصّلة مع عدم الرجوع، وقد مضى الكلام فيهما.(1)
(1) ما في هذه المسألة زائداً على ما في السابقة هو عموميّ-ة الحكم في الحاجة إلى المحلّل لجميع أقسام الطلاق العدّي ثلاثاً، كما عليه ظاهر الأصحاب وصراحة الروايات، بل ومقتضى إطلاقه شمول الحكم لغير الأقسام الثلاثة في المتن من المطلّقة بالتطليق الثالث.
(2) المسألة والمسألة الخامسة هما ناظرتان إلى اختلاف الأصحاب فيأنّ استيفاء العدّة هادم لتحريم الثلاثة أم لا؛ أي أنّ المطلِّق إذا لم يراجع في العدّة، بل تركه-ا حتّى تخرج، ثمّ ت-زوّجها بعق-د ج-دي-د، وهكذا ثان-ياً وثالثاً، لا تح-رم عليه
ص: 248
...
----------
وإن لم تنكح زوجاً غيره، أم أنّ استيفاء العدّة لا تأثير له ولا يهدم الطلاق ولا التحريم، فيحتاج إلى المحلّل بعد الطلقة الثالثة؟ وجهان، بل قولان:
إلى هذا القول ذهب الصدوق في الفقيه والمقنع(1) والهداية،(2) قال في الفقيه - بعد أن أورد طلاق السنّ-ة - :
... فجائز له أن يتزوّجها بعد ذلك، وسمّي طلاق السنّ-ة طلاق الهدم، متى استوفت قرؤوها وتزوّجها ثانية هدم الطلاق الأوّل.(3)
والمفيد في المقنعة(4) والمسائل الطوسيّ-ة و أحكام النساء.(5) ففي المسائل الطوسيّ-ة سأل الشيخ الطوسي:
ما يقول سيّدنا الشيخ الجليل المفيد (أطال الله بقاءه وكبّت أعداءه) في رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة بشهادة رجلين مسلمين عدلين ولم يراجعها حتّى قضت عدّتها وملكت نفسها، ثمّ خطبها فأجابت فراجعها، هل تكون قد بانت منه بواحدة، أو يكون قد هدم العقدالثاني ما مضى من الطلاق؟
ص: 249
...
----------
الجواب: إذا استقبل نكاحها بعد انقضاء عدّتها، انهدمت التطليقة الأُوَلة
وحصلت معه على حكم نكاح لم يكن قبله عقد له ولا طلاق.(1)
والديلمي في المراسم، حيث ذكر بعد تقسيم الطلاق بطلاق العدّة وطلاق السنّ-ة، وذكر في العِدّي أنّه بعد التطليقة الثالثة: «وقد بانت منه، ويستقبل العدّة، ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره»،(2) وتَ-رَك تلك العبارة في السنّي.
والظاهر من الترك، عدم التحريم وعدم الحاجة إلى المحلّل في السنّي، وإلّا فلا وجه لتخصيص العدّي بما ذكر.
بل، وفي الكافي ما يلوح منه اختياره؛ حيث عقد في كتاب الطلاق من الكافي: «باب ما يهدم الطلاق وما لا يهدم»،(3) وأورد فيه الروایتن لمعلّى بن خنيس(4) اللتين تدلّان على هدم الطلاق السابق بعقد جديد بعد العدّة، وأنّه لا يحرم عليه أبداً.
وإلى القول الثاني؛ أي عدم الهدم، ذهب سائر الفقهاء.
واستدلّ له بالكتاب والإجماع والسنّ-ة، كما يظهر من الجواهر، حيث قال بعد نقل خلاف ابن بكير والصدوق ما هذا لفظه:
لكن ق-د سبقهما الإجماع ولحقهما، بل يمك-ن دع-وى ت-واتر النصوص
ص: 250
...
----------
بالخصوص خلافها، منها ما تقدّم في تفسير السنّي والعدّي، فضلاً عن إطلاق الكتاب والسنّ-ة.(1)
وقال الشهيد الثاني في مسالك الأفهام في ذيل كلام الشرائع، حيث قال:
إذا طلّقها فخرجت من العدّة ... . هذا هو الطلاق المعبّر عنه بطلاق السنّ-ة بالمعنى الأخصّ، وهو يشارك طلاق العدّة في تحريم الثالثة إلى أن تنكح زوجاً غيره، ويفارقه في أنّ هذا لا يحرم مؤبّداً مطلقاً، أمّا الثاني، فهو محلّ وفاقٍ، ولا يوجد ما ينافيه.
وأمّا الأوّل، فيدلّ عليه عموم قوله تعالى:﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾(2).(3)
والظاهر أنّ مراده بالعموم هو الإطلاق .
وأمّا الاستدلال بالكتاب، ففيه: أنّ الآية مربوطة بالطلاق الذي رجع فيه الزوج، فلا يمكن التمسّك بإطلاقها؛ وذلك لأنّ الآية إمّا مفسّرة لبيان ما في الآية السابقة من قوله تعالى: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾،كما عليه صاحب الميزان، أو تكون لبيان الطلقة الثالثة من التطليقتين التي ذكر في السابقة، فتكونالآية إمّا تابعة للسابقة أو بيان لبع-ض أحكامه-ا، فلا إطلاق فيه-ا إلّا أن يكون السابق-ة مطلّقة،
ص: 251
...
----------
فننقل الكلام إلى الآية السابقة وهي ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾، فإنّ لفظ «الطلاق» يفيد الاستغراق؛ لأنّ «الألف واللام» إن لم تكونا للعهد أفادتا الاستغراق، فيكون المعنى حصر كلّ طلاق في مرّتين، وهذا باطل إجماعاً، فلابدّ من أن يكون متعلّق بما قبله؛ وذلك لأنّ الله تعالى بيّن في الآية الأُولى أنّ حقّ المراجعة ثابت للزوج، ولم يذكر أنّ ذلك الحقّ ثابت دائماً أو إلى غاية معيّ-نة، فكان ذلك كالمجمل المفتقر إلى المبيّن، فبيّن في الآية اللاحقة أنّ ذلك الطلاق الذي ثبت فيه الرجعة للزوج، هو مرّتان، وأمّا بعد الثالث فلا حقّ له.
ففي مجمع البيان:
﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾؛ أي الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرّتان ... .(1)
وقال في تفسير الميزان:
والمراد بالطلاق في قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾الطلاق الذي يجوز فيه الرجعة، ولذا أردفه بقوله بعدُ:﴿فَإِمْسَاكٌ ... ﴾ ، وأمّا الثالث فالطلاق الذي يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ... ﴾، الآية.
والمراد بتسريحها بإحسان - ظاهراً - التخلية بينها وبين البينونة وتركها بعد كلّ من التطليقتين الأُوليين حتّى تبين بانقضاء العدّة، وإن كان الأظهر أنّه التطليقة الثالثة، كما هو ظاهر الإطلاق فيتفريع قوله: ﴿فَإِمْسَاكٌ ... ﴾. وعلى ه-ذا فيكون ق-وله تعالى بعد: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا ... ﴾،
ص: 252
...
----------
بياناً تفصيليّاً للتسريح بعد البيان الإجمالي.(1)
فظهر أنّه لا يمكن إحراز كونها في مقام بيان حكم الطلقة الثالثة مطلقاً حتّى في طلاق السنّ-ة، والإطلاق فرع ثبوته.
وأمّا الإجماع، فمضافاً إلى مخالفة الصدوق والمفيد والسلّار، هو مدركي، كما يظهر بالرجوع إلى عبائر الأصحاب في كتبهم .
وأمّا الأخبار، فهي على طوائف مختلفة متعارضة:
الطائفة الأُولی:
ما يدلّ على أنّ الطلاق الذي يحتاج إلى المحلّل هو العِدّي لا السنّي.
فمنها: صحيحة أبي بصير أو موثّقته عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: المرأة التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره؟ قال: «هي التي تطلّق، ثمّ تراجع، ثمّ تطلّق ثمّ تراجع، ثمّ تطلّق، وهي التي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره»، وقال: «الرجعة بالجماع، وإلّا فإنّما هي واحدة».(2)
ومنها: صحيحة أُخرى لأبي بصير، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): المرأة التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره؟ قال: «هيالتي تطلّق، ثمّ تراجع، ثمّ تطلّق، ثمّ تراجع، ثمّ تطلّق الثالثة، فهي التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره، ويذوق عسيلتها».(3)
فإنّ ظاهرهما من جهة كون السؤال عن الموارد المحتاجة إلى المحلّل حصر هذه
ص: 253
...
----------
المرأة في من تطلّق، ثمّ تراجع، وهكذا، وأكّد(علیه السلام) بتكراره وهي التي لا تحلّ حتّى تنكح زوجاً غيره.
ومنها: حسن-ة معلّى بن خنيس،(1) عن أبي عب-دالله(علیه السلام) في رجل طلّق امرأته، ثمّ لم يراجعها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها فتركها حتّى حاضت ثلاث حيض من غير أن يراجعها - يعني يمسّها - قال: «له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمسّ».(2)
ومنها: حسن-ة أُخرى له أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في رجل طلّق امرأته، ث-مّ لم يراجعها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها فتركها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها من غير أن يراجعها، ثمّ تركها حتّى حاضت ثلاث حيض، قال: «له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمسّ». وكان ابن بكير وأصحابه يقولون هذا، فأخبرني عبدالله بن المغيرة، قال: قلت له: من أين قلت هذا؟ قال: قلته من قبل رواية رفاعة، روى عن أبي عبد الله(علیه السلام): أنّه يهدم ما مض-ى، قال: قلت له: فإنّ رفاعة إنّما قال: طلّقها، ثمّ تزوّجها رجل، ثمّ طلّقها، ثمّ تزوّجهاالأوّل، إنّ ذلك يهدم الطلاق الأوّل».(3)
ص: 254
...
----------
والظاهر أنّ جملة: «وكان ابن بكير وأصحابه يقولون هذا» من كلام ابن أبي عمير، بقرينة: «فأخبرني عبدالله بن المغيرة»، حيث نقل ابن أبي عمير هذه الرواية عن عبدالله بن المغيرة، عن شعيب الحدّاد، عن المعلّى بن خنيس.
ومنها: صحيحة ثالثة لأبي بصير، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره؟ فقال: «أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي، وأردت أن أُطلّقها، فتركتها حتّى إذا طمثت وطهرت، طلّقتها من غير جماع، وأشهدت على ذلك شاهدين، ثمّ تركتها حتّى إذا كادت أن تنقضي عدّتها راجعتها، ودخلت بها، وتركتها حتّى طمثت وطهرت، ثمّ طلّقتها على طهر من غير جماع بشاهدين، ثمّ تركتها حتّى إذا كان قبل أن تنقض-ي عدّتها راجعتها، ودخلت بها حتّى إذا طمثت وطهرت طلّقتها على طهر من غير جماع بشهود، وإنّما فعلت ذلك بها، أنّه لم يكن لي بها حاجة».(1)
فهذه الرواية تدلّ على عدم مصداق آخر للطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره بدلالة عرفيّ-ة؛ حيث إن كان له مصداق آخر ولم يذكره(علیه السلام) لزم منه الإغراء بالجهل. وإن أبيت فإنّها مؤيّدة لما سبق ولما يأتي، فإنّها مشعرة لما قلناه. فتأمّل.
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال:«إذا طلّق الرجل امرأته فليطلّق على طهر بغير جماع بشهود، فإن تزوّجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث وبطلت التطليقة الأُولی، وإن طلّقها اثنتين، ثمّ كفّ عنها حتّى تمضي الحيضة
ص: 255
...
----------
الثالثة بانت منه بثنتين وهو خاطب من الخطّاب، فإن تزوّجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث تطليقات، وبطلت الاثنتان، فإن طلّقها ثلاث تطليقات على العدّة(1) لم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «طلاق السنّ-ة: يطلّقها تطليقة - يعني: على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين - ثمّ يدعها حتّى تمضي أقراؤها، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطّاب، إن شاءت نكحته، وإن شاءت فلا، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية».(3)
فالبقاء على التطليقة الماضية مشروط بالمراجعة خاصّة كما هو الظاهر .
ومنها: ما رواه المشايخ عن الحسن بن زياد، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن طلاق السنّ-ة كيف يطلّق الرجل امرأته؟ قال: «يطلّقها في طهر قبل عدّتها من غير جماع بشهود، فإن طلّقها واحدة، ثمّ تركها حتّى يخلو أجلها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب، فإن راجعها فهي عنده على تطليقة ماضية وبقي تطليقتان، فإن طلّقها الثانية،ثمّ تركها حتّى يخلو أجلها فقد بانت منه، وإن هو أشهد على رجعتها قبل أن يخلو أجلها فهي عنده على تطليقتين ماضيتين وبقت واحدة، فإن طلّقها الثالثة فقد بانت منه، ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، وهي ترث وتورث
ص: 256
...
----------
ما كان له عليها رجعة من التطليقتين الأولتين».(1)
فيظهر منه - كسابقه - أنّ البقاء على التطليقة الماضية، أو التطليقتين الماضيتين في من يراجع في العدّة دون من تركها حتّى يخلو أجلها.
ومنها: محمّد بن عليّ بن الحسين، قال: روي عن الأئمّة:: إنّ طلاق السنّ-ة هو أنّه إذا اراد الرجل أن يطلّق امرأته تربّص بها حتّى تحيض وتطهر، ثمّ يطلّقها في قبل عدّتها بشاهدين عدلين في موقف واحد بلفظة واحدة، فإن أشهد على الطلاق رجلاً، وأشهد بعد ذلك الثاني لم يجز ذلك الطلاق إلّا أن يشهدهما جميعاً في مجلس واحد، فإذا مضت لها ثلاثة أطهار فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطّاب، والأمر إليها، إن شاءت تزوّجته، وإن شاءت فلا، فإن تزوّجها بعد ذلك تزوّجها بمهر جديد، فإن أراد طلاقها طلّقها للسنّة على ما وصفت، ومتى طلّقها طلاق السنّ-ة فجائ-ز ل-ه أن يتزوّجها بعد ذلك، وسمّي طلاق السنّ-ة طلاق الهدم متى استوفت قروؤها، وتزوّجها ثانية هدم الطلاق الأوّل، وكلّ طلاق خالف طلاق السنّ-ة فهو باطل، ومن طلّق امرأته للسنّة فله أن يراجعها ما لم تنقض عدّتها، فإذا انقضت عدّتها بانت منه وكان خاطباً من الخطّاب، ولا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وعلى المطلّق للسنّة نفقة المرأة والسكنی ما دامت في عدّتها، وهما يتوارثان حتّى تنقضي العدّة».(2).
ومن-ها: م-ا رواه الك-افي في الصح-يح عن عليّ بن رئ-اب، عن زرارة، ع-ن أبي
ص: 257
...
----------
جعفر(علیه السلام) أنّه قال: «كلّ طلاق لا يكون على السنّ-ة، أو طلاق على العدّة فليس شيء»، قال زرارة: فقلت لأبي جعفر(علیه السلام): فسّر لي طلاق السنّ-ة وطلاق العدّة، فقال: «أمّا طلاق السنّ-ة، فإذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته فلينتظر بها حتّى تطمث وتطهر، فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع، ويشهد شاهدين على ذلك، ثمّ يدعها حتّى تطمث طمثتين، فتنقضي عدّتها بثلاث حيض، وقد بانت منه ويكون خاطباً من الخطّاب، إن شاءت تزوّجته، وإن شاءت لم تتزوّجه، وعليه نفقتها والسكنی ما دامت في عدّتها، وهما يتوارثان حتّى تنقضي العدّة»، قال: «وأمّا طلاق العدّة، الذي قال: الله عزّوجلّ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾، فإذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتّى تحيض وتخرج من حيضها، ثمّ يطلّقها تطليقة من غير جماع، ويشهد شاهدين عدلين، ويراجعها من يومه ذلك إن أحبّ، أو بعد ذلك بأيّام، أو قبل أن تحيض، ويشهد على رجعتها وي-واقعها، ويكون معها حتّى تحيض، ف-إذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة أُخرى من غير جماع، ويُشهد على ذلك، ثمّ يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض، ويشهد على رجعتها ويواقعها، وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة، فإذا خرجت من حيضها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع، ويشهد على ذلك، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه، ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره»، قيل له: فإن كانت ممّن لا تحيض، فقال: «مثل هذه تطلّقطلاق السنّ-ة».(1)
ص: 258
...
----------
والصحيحة وإن كان بعض فقراته لا يخلو من تأمّل، ولكنّها ظاهرة في احتياج الطلاق العدّي إلى المحلّل فقط.
ومنها: موثّقة زرارة، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «الطلاق الذي يحبّه الله والذي يطلّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب، ثمّ يتركها حتّى يمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة وهو آخر القروء - لأنّ الأقراء هي الأطهار - فقد بانت منه وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجت وحلّت له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مأة مرّةٍ هدم ما قبله وحلّت بلا زوج، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها، ثمّ طلّقها ثلاث مرّاتٍ يراجعها ويطلّقها لم تحلّ له إلّا بزوج».(1)
قال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الموثّقة:
فهذه الرواي-ة آكد شبهةً من جميع م-ا تقدّم من الروايات؛ لأنّها لا تحتمل شيئاً ممّا قلناه؛ لكونها مصرّحَة خالية من وجوه الاحتمال إلّا أنّ طريقها عبدالله بن بكير؛ وقد قدّمنا من الأخبار ما تضمّن أنّه قال حين سئل عن هذه المسألة: هذا ممّا رزق الله من الرأي ولو كان سمع ذلك من زرارة لكان يقول حين سأله الحسين بن هاشم وغيره عن ذلك، وأنّه هل عندك في ذلك شيء؟ كان يقول:نعم، رواية زرارة، ولا يقول: نعم، رواية رفاعة، حتّى قال له السائل: إنّ رواية رفاعة تتضمّن أنّه إذا كان بينهما زوج ف-قال: هو عند ذلك ه-ذا ممّا رزق الله تع-الى من الرأي فعَدَل
ص: 259
...
----------
عن قوله: إنّ هذا في رواية رفاعة ... إلى أن قال:
الزوج وغير الزوج سواء عندي، فلمّا ألَحّ عليه السائل قال: هذا ممّا رزق الله من الرأي، ومن هذه صورته، فيجوز أن يكون أسند ذلك إلى رواية زرارة نص-رة لمذهبه الذي كان أفتى به، وأنّه لمّا أن رأي أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه اَسنَده، إلى من رواه عن أبي جعفر(علیه السلام)، وليس عبدالله بن بكير معصوماً لا يجوز هذا عليه، بل وقع منه من لعدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلى اعتقاد مذهب الفطحيّ-ة ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا الغلط فيمن يعتقد صحّته ... إلی آخره.(1)
ولكن يرد عليه ما ذكره جمع من الأساطين إنّ هذا القدح العظيم في ابن بكير ينافي ما صرّح به في فهرسته من توثيقه.(2)
وما رواه الكشّي من الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه.(3) ويوجب عدم جواز العمل برواياته مع أنّهم متّفقون على العمل بها، بل ترجيحها على غيرها.
مضافاً إلى أنّه لو كان الخبر منحصراً في خبر ابن بكير لكان لجوابه وجهٌ، ولكن عرفت دلالة أخبار أُخرى لم يكن ابن بكير في طريقها ودلالتها العرفيّ-ة واضحة وهي تكفي للحجيّ-ة، ولو صحّت تأويلاته في هذه الأخبارلخرج أكثر الأدلّة عن كونها أدلّة.
ص: 260
...
----------
ومنها: موثّقة رفاعة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته حتّى بانت منه، وانقضت عدّتها، ثمّ تزوّجت زوجاً آخر فطلّقها أيضاً، ثمّ تزوّجت زوجها الأوّل، أ يهدم ذلك الطلاق الأوّل؟ قال: «نعم».
قال ابن سماعة: كان ابن بكير يقول: المطلّقة إذا طلّقها زوجها، ثمّ تركها حتّى تبين، ثمّ تزوّجها، فإنّما هي على طلاق مستأنف، قال: وذكر الحسين بن هاشم أنّه سأل ابن بكير عنها فأجابه بهذا الجواب، فقال له: سمعت في هذا شيئاً؟ فقال: رواية رفاعة، فقال: إنّ رفاعة روى: إذا دخل بينهما زوج، فقال: زوج وغير زوج عندي سواء، فقلت: سمعت في هذا شيئاً؟ قال: لا، هذا ممّا رزق الله عزّوجلّ من الرأي، قال ابن سماعة: وليس نأخذ بقول ابن بكير، فإنّ الرواية إذا كان بينهما زوج.(1)
الطائفة الثانية:
ما يدلّ - بظاهرها اللفظي - على أنّ طلاق السنّي كالعدّي في احتياجه إلى المحلّل.
فمنها: ما رواه أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن طلاق السنّ-ة؟ وقال: «طلاق السنّ-ة: إذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته يدعها إن كان قد دخل بها حتّى تحيض ثمّ تطهر، فإذا طهرت طلّقهاواحدة بشهادة شاهدين، ثمّ يتركها حتّى تعتدَّ ثلاثة قروءٍ، فإذا مضى ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة، وكان زوجها خاطباً من الخطّاب، إن شاءت تزوّجته، وإن شاءت لم تفعل، فإن تزوّجها بمهر جديد كانت عنده على اثنتين باقيتين، وقد مضت الواحدة، فإن هو طلّقها واحدة أُخرى على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين، ثمّ تركها حتّى تمضي أقراؤها، فإذا مضت
ص: 261
...
----------
أقراءها من قبل أن يراجعها فقد بانت منه باثنتين، وملكت أمرها وحلّت للأزواج، وكان زوجها خاطباً من الخطّاب، إن شاءت تزوّجته، وإن شاءت لم تفعل، فإن هو تزوّجها تزويجاً جديداً بمهر جديد كانت معه بواحدة باقية، وقد مضت ثنتان، فإن أراد أن يطلّقها طلاقاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، تركها حتّى إذا حاضت وطهرت، أشهد على طلاقها تطليقة واحدة، ثمّ لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره.
وأمّا طلاق العدّة (الرجعة): فإن يدعها حتّى تحيض وتطهر، ثمّ يطلّقها بشهادة شاهدين، ثمّ يراجعها ويواقعها، ثمّ ينتظر بها الطهر» - إلى أن قال: - «فإذا حاضت وطهر أشهد الشاهدين على التطليقة الثالثة، ثمّ لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ... »،(1) الحديث.
والرواية من حيث الدلالة تامّة، إلّا أنّ الشأن في سندها، فإنّ في سندها، جهالة وترديد من ابن هاشم فيمن نقل عنه من أنّه ابن أبي عمير أو غيره في التهذيبين أو ابن أبي نجران أو غيره في الكافي، والأمر فيه وفي هذا الاختلاف سهلٌ؛ للاتّحاد في كلمة «أو غيره»، والغير مجهول من رأس، لا من حيث الوثاقة وعدمها فقط، وضعف السند كذلك أوضح من الشمس وأبين من الأمس.
ودونك سندها في التهذيب والاستبصار؛(2) محمّد بن يعقوب، عن عليّبن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عم-ير أو غيره، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن
ص: 262
...
----------
أبي عبدالله(علیه السلام).
وفي الكافي؛(1) عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران أو غيره، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام).
ومنها: موثّقة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة، ثمّ يراجعها بعد انقضاء عدّتها: «فإذا طلّقها الثالثة لم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوّجها غيره ولم يدخل بها وطلّقها أو مات عنها لم تحلّ لزوجها الأوّل حتّى يذوق الآخر عسيلتها».(2)
ومنها: صحيحة الفضلاء السبعة سماعاً من أبي جعفر، ومن ابنه بعد أبيه(علیهما السلام) بصفة ما قالوا وإن لم أحفظ حروفه، غير أنّه لم يسقط عنّي - أي عمربن أُذينة الراوي عن هؤلاء - جمل معناه: «أنّ الطلاق الذي أمر الله به في كتابه وسنّ-ة نبيّه9 أنّه إذا حاضت المرأة وطهرت م-ن حيضها، أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقة، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمض لها ثلاثة قروء، فإن راجعها كانت عنده على تطليقتين، وإن مضت ثلاثة قروء قبل أن يراجعها فهي أملك بنفسها، فإن أراد أن يخطبها مع الخطّاب خطبها، فإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين، وما خلا هذا فليس بطلاق».(3).
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان التي رواها الشيخ عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قال أميرالمؤمن-ين(علیه السلام): «إذا أراد الرجل الطلاق طلّقها في قبل عدّتها من غ-ير جماع،
ص: 263
...
----------
فإنّه إذا طلّقها واحدة، ثمّ تركها حتّى يخلو أجلها أو بعده، فهي عنده على تطليقة، فإن طلّقها الثانية، وشاء أن يخطبها مع الخطّاب، إن كان تركها حتّى خلا أجلها، وإن شاء راجعها قبل أن ينقضي أجلها، فإن فعل فهي عنده على تطليقتين، فإن طلّقها ثلاثاً فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، وهي ترث وتورث ما دامت في التطليقتين الأولتين».(1)
الطائفة الثالثة:
ما يدلّ بإطلاقها على عدم الفرق بين طلاق العِدّي وطلاق السنّي في الاحتياج إلى المحلّل.
وهي صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في المطلّقة التطليقة الثالثة: «لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، ويذوق عسيلتها».(2)
الطائفة الرابعة:
ما يدلّ على أنّ المرأة غير المدخول بها تحرم على الزوج في الثالثة ويحتاج إلى المحلّل.
فمنها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في امرأة طلّقها زوجها ثلاثاً قبل أن يدخل بها، قال: «لا تحلّ له حتّى تنكحزوجاً غيره».(3)
ومنها: مرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما(علیهما السلام) أنّه قال:
ص: 264
...
----------
«إذا طلّقت المرأة التي لم يدخل بها بانت بتطليقة واحدة».(1)
ومنها: خبر طربال: قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته تطليقة قبل أن يدخل بها، وأشهد على ذلك، وأعلمها؟ قال: «قد بانت منه ساعة طلّقها، وهو خاطب من الخطّاب»، قلت: فإن تزوّجها، ثمّ طلّقها تطليقة أُخرى قبل أن يدخل بها؟
قال: «قد بانت منه ساعة طلّقها»، قلت: فإن تزوّجها من ساعته أيضاً، ثمّ طلّقها تطليقة؟ قال: «قد بانت منه، ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره».(2)
ومنها: صحيحة إسماعيل بن بزيع، عن الرضا(علیه السلام)، قال: «البكر إذا طلّقت ثلاث مرّات وتزوّجت من غير نكاح فقد بانت منه، ولا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره».(3)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة تَزَوَّج من ساعتها إن شاءت وتُبينُها تطليقةٌ واحدة، وإن كان فرض لها مهراً فلها نصف مافرض».(4)
ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة، وتزوّج متى شاءت من ساعتها، وتبينها تطليقة واحدة».(5)
ص: 265
...
----------
ومنها: موثّقتا الحلبي ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في رجل طلّق امرأته، ثمّ تركها حتّى انقضت عدّتها، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها من غير أن يدخل بها، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها من قبل أن يدخل بها حتّى فعل ذلك بها ثلاثاً، قال: «لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره».(1)
قال الشيخ بعد نقل هذه الروايات - أي الطائفة الرابعة - :
وهذه الأخبار دالّة على ماقلناه من أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً للسنّة لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره؛ لأنّ طلاق العدّة لا يتأتّى في البكر وغير المدخول بها على ما بيّنّاه.(2)
قلت: هذه الروايات غير مربوطة بما قلنا؛ لأنّ الفارق في طلاق العدّة والسنّ-ة في استيفاء العدّة وعدمها، ومعلوم أن من لاعدّة لها لا يمكنها استيفاء العدّة، والكلام كما قلنا في أوّل البحث في أنّ استيفاءالعدّة هادم لتحريم الثلاثة أم لا؟ وفي مورد هذه الروايات منتفٍ بانتفاء الموضوع، كما لا يخفى، فوقع التعارض بين الطائفة الأُولی والثانية، بل والثالثة، ولا يمكن ترجيح الطائفة الثانية والثالثة بموافقتها مع قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾،(3) كما في المسالك؛ لما مرّ من أنّها ظاهرة في طلاق العدّي.
وأيضاً لا يمكن ترجي-حهما بمخالفة العامّ-ة، كما ذكره صاحب الحدائق؛(4) لأنّ
ص: 266
...
----------
العامّة يحكمون بالبينونة الكبرى بعد التطليقة الثالثة، وإن كان التطليقات غير رجعي، كما في الهداية وغيرها. فقال في الهداية:
و إذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث فله أن يتزوّج في العدّة وبعد انقضائها؛ لأنّ حلّ المحلّي-ة باقٍ، لأنّ زواله معلّق بالطلقة الثالثة فينعدم قبله - إلى أن قال: - وإن كان الطلاق ثلاثاً في الحرّة أو ثنتين في الأمة لم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً.(1)
وقال في شرح كنز الدقائق:
وينكح مبانته في العدّة وبعدها؛ أي له أن يتزوّج التي أبانها بما دون الثلاث إذا كانت حرّة، وب-الواحدة إن كانت أمة في العدّة وبعد انقضائها؛ لأنّ الحلّ الأصلي باقٍ ما لم يتكامل العدد - إلى أن قال: - لا المبانة بالثلاث لو حرّة وبالثنتين لو أمة حتّى يطأها غيره.(2)
وفي الموسوعة الفقهيّ-ة الكويتيّ-ة:
الطلاق الرجعي والبائن؛ الطلاق الرجعي هو ما يجوز معه للزوج ردّ زوجته في عدّتها من غير استئناف عقد.
والبائن هو رفع النكاح في الحال .
والطلاق البائن على قسمين: بائن بينونة صغرى، وبائن بينونة كبرى، فأمّا البائن بينونة صغرى، فيكون بالطلقة البائنة الواحدةوبالطلقتين البائنتين فإذا كان الطلاق ثلاثاً كانت البينونة به كبرى مطلقاً؛ سواء كان
ص: 267
...
----------
أصل كلّ من الثلاث بائناً أم رجعيّاً بالاتّفاق.
فإذا طلّق الزوج زوجته رجعيّاً حلّ له العود إليها في العدّة بالرجعة دون عقد جديد، فإذا مضت العدّة عاد إليها بعقد جديد فقط .
فإذا طلّق زوجته طلقة بائنة واحدة أو اثنتين جاز له العود إليها في العدّة وبعدها، ولكن ليس بالرجعة وإنّما بعقد جديد، فإذا طلّقها ثلاثاً كانت البينونة كبرى ولم يحلّ له العود إليها حتّى تنقض-ي عدّتها وتتزوّج من غيره، ويدخل بها، ثمّ تبين منه بموت، أو فرقة وتنقض-ي عدّتها، فإن حصل ذلك حلّ له العود إليها بعقد جديد.(1)
وأمّا تزويج الغير فيما بين التطليقات، هل يهدم الطليقة أو التطليقتين أم لا؟ فهو محلّ الخلاف بينهم. قال الشافعي في الأُمّ:
وإذا طلّق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين، فانقضت عدّتها ونكحت زوجاً غيره، ثمّ أصابها، ثمّ طلّقها، أو مات عنها، فانقضت عدّتها فنكحت الزوج الأوّل، فهي عنده على ما بقي من الطلاق يهدم الزوج الثاني الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين. وقولنا هذا قول عمر بن الخطّاب - إلى أن قال: - وقد خالفنا في بعض هذا بعض الناس، فقال: إذا هدم الزوج ثلاثاً هدم واحدة واثنتين واحتجّ بقول ابن عمر وابن عبّاس ... .(2).
وقال في المغني لابن قدامة:
ص: 268
...
----------
مسألة: قال: وإذا طلّق زوجته أقلّ من ثلاث، فقضت العدّة، ثمّ تزوّجت غيره، ثمّ أصابها، ثمّ طلّقها، أو مات عنها وقضت العدّة، ثمّ تزوّجها الأوّل، فهي عنده على ما بقي من الثلاث.
وجملة ذلك: أنّ المطلِّق إذا بانت زوجته منه، ثمّ تزوّجها لم يخلّ من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن تنكح غيره ويصيبها، ثمّ يتزوّجها الأوّل، فهذه ترجع إليه على طلاق ثلاث بإجماع أهل العلم. قاله ابن المنذر.
والثاني: أن يطلّقها دون الثلاث، ثمّ تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثانٍ، فهذه ترجع إليه على ما بقي من طلاقها، بغير خلاف نعلمه.
والثالث: طلّقها دون الثلاث، فقضت عدّتها، ثمّ نكحت غيره، ثمّ تزوّجها الأوّل، فعن أحمد فيها روايتان: إحداهما: ترجع إليه على ما بقي من طلاقها. وهذا قول الأكابر من أصحاب رسول الله9 - إلى أن قال: - والرواية الثانية عن أحمد: أنّها ترجع إليه على طلاق ثلاث. وهذا قول ابن عمر وابن عبّاس ... .(1)
فظهر ممّا نقلناه أنّهم متّفقون على أنّ بعد الطلّقة الثالثة لم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره؛ سواء كان الطلاق رجعيّاً أو بائناً، وإنّما الخلاف بينهم في الهدم بين التطليقات. بل لك أن تقول:
إنّ الروايات التي ت-دلّ على جواز النكاح بعد استي-فاء الع-دّة، من دون حاجة
ص: 269
(مسألة 4): المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق حلّت للزوج الأوّل وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني، فإذا طلّقها ثلاثاً حرمت أيضاً حتّى تنكح زوجاً آخر وإن كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الأُولى.
وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث، وتحلّ بنكاح الغير بعده وإن طلّقت مأة مرّة. نعم، لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة بالتفسير الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبداً، وذلك بأن طلّق-ها ثمّ راجعها ثمّ واقع-ها ثمّ طلّق-ها في طهر آخر ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر، فإذا حلّت للمطلّق بنك-اح زوج آخ-ر وعقد عليها
----------
إلى المحلّل، موافقة لعموم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾.(1)
والموافقة مع الكتاب مقدّمة على سائر المرجّحات حتّى المخالفة مع العامّة، وإن أبيت عن ذلك فنقول: إنّ الترجيح للطائفة الأُولی التي تدلّ على عدم الحاجة إلى المحلّل؛ لكونها مخالفة للعامّة على ما ظهر ممّا مرّ نقلها من كتبهم.
وترجيح الروايات المعارضة بموافقتها مع الشهرة، ففيه: إنّ المراد منها إن كان ما بين المتأخّرين، فلا دليل على الترجيح بها، كما حقّق في محلّه، حيث إنّ ماعندهم من الوجوه المرجّحة معلومة لنا، وليست قابلة للترجيح بها كما لا يخفى.
وأمّا إن كان المراد منها الشهرة بين أصحاب الأئمّة: والقدماء، ففيه:أنّها غير ثابتة لنا مع اختلاف أخبارهم المعدّة لبيان فتواهم بنقلها. فتأمّل جيّداً.
وبعد اللتيا واللتي؛ قد ظهر ممّا ذكرناه كون الأقوى هو ما عليه الصدوق والمفيد والديلمي من عدم الاحتياج إلى المحلّل في السنّي.
ص: 270
ثمّ طلّقها كالثلاثة الأُولى ثمّ حلّت بمحلّل ثمّ عقد عليها ثمّ طلّقها ثلاثاً كالأُوليين حرمت عليه أبداً، ويعتبر فيه أمران: أحدهما تخلّل رجعتين، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولارجعة وعقد مستأنف في البين، الثاني وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة، فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات: اثنتان منها رجعيّ-ة، وواحدة بائنة، فإذا وقعت ثلاثة منه حتّى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً. هذا، والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً وإن لم تكن الجميع طلاق عدّة.(1)
----------
(1) الطلاق العدّي بجميع أقسامه وطلاق من لم یدخل بها يحتاج إلی المحلّل بعد التطلیقة الثالثة کما مضی البحث عنه في المسألة الثالثة. هذا لا كلام فيه، وأمّا الحرمة الأبديّ-ة بعد التاسعة فاشترطوا فيه شرطين:
أحدهما: الرجوع في العدّة في الطلاق الثاني والثالث، فيحصل ستّ-ة رجوعات، فلا تحصل الحرمة الأبديّ-ة بالنكاح.
وثانيهما: اشتراط الدخول، فالحرمة الأبديّ-ة في الطلاق العدّي لا غيره، وأصل الحكم مع قطع النظر عن الش-رطين إجماعي ولا كلام ولا إشكال فيه، وعليه الروايات:
منها: ما عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: سألته عن الذي يطلّق ثمّ يراجع ثمّ يطلّق ثمّ يراجع ثمّ يطلّق؟ قال: «لا تحلُّ له حتّى تنكح زوجاً غيره فيتزوّجها رجل آخر فيطلّقها على السنّ-ة، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل فيطلّقها ثلاث مرّات وتنكح زوجاً غيره فيطلّقها ثلاث مرّات على السنّ-ة، ثمّ تنكح فتلك التي لا تحلّ له أبداً، والملاعنة لاتحلّ له أبداً».(1)
ص: 271
...
----------
ومنها: صحيحة زرارة وداود بن سرحان، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: «والذي يطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات وتزوّج ثلاث مرّات لا تحلّ له أبداً».(1)
وهذه - بقرینة روایات التي مرّت - مربوطة بطلاق العدّي؛ لمکان الصلة والموصول فيها.
ومنها: مكاتبة محمّد بن سنان، عن الرضا فيما كتب إليه في العلل: «وعلّة الطلاق ثلاثاً، لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان ويكون ذلك تخويفاً وت-أديباً للنساء وزجراً لهنّ عن معصية أزواجهنّ، فاستحقّت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها، وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحلّ له أبداً، عقوبةً لئلّا يتلاعب بالطلاق، فلا يستضعف المرأة ويكون ناظراً في أُموره متيقّظاً معتبراً وليكون ذلك مؤيساً لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات».(2).
ومنها: خبر جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، وإبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبدالله(علیه السلام) وأبي الحسن(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل المرأة فتزوّجت، ثمّ طلّقها فتزوّجها الأوّل، ث-مّ طلّقها فتزوّجت رجلاً، ث-مّ طلّقها، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً».(3)
لکن دلالته مخدوشٌ؛ فإنّه بظاهره تدلّ علی حرمة الأبدیّ-ة بعد التطلیقة الثالثة،
ص: 272
...
----------
ولو تزوّجت برجلٍ آخر في بین التطلیقات، وهذا مخالفٌ لجلّ أخبار الباب والمتسالم بین الأصحاب.
إنّما الکلام والإشکال في اعتبار کون الطلاق عدّیاً بالمعنی المعروف المعتبر فیه الشرطان المذکوران، فإنّ روایات الباب شاملة لصورة الدخول وعدمه، بل زعموا أنّ غیر خبر أبي بصير من الأربعة المنقولة مطلقة بالنسبة إلی الرجوع أيضاً. وم-رّ منّا(1) عدم دلالة صحیحة زرارة وداود بن سرحان علی ذلك، وکذا خبر جمیل، بل ومکاتبة محمّد بن سنان بقرینة، وإن کان ذیلها مطلقة بالنسبة إلی الطلاق العدّي والسنّي، ولکن بقرینة صدرها کانت مربوطة بالطلاق العدّي؛ لمکان: «الطلاق ثلاثاً» ينصرف الذیل أیضاً إلی العدّي منهما، فإن أبیت عن الانصراف فلا أقلّ من کونه محتملاً، فلا یمکن الاستدلال بها.
وخبر أبي بصیر نصّ في تخلّل الرجوع الموجب لصدق العدّي له.
واعتبار الدخول فیه؛ لما ورد في بعض الروایات «الرجعة بالجماع»، کما في صحیحة أبي بصیر أو تفسیر الرجعة بالمسّ، کما في حسنة معلّی بن خنیس، اللتان مرّ نقلهما، وما زعموا صار منشأ إشكال صاحب الحدائق، فإنّه(قدس سرُّه) قال:
إلّا أنّ المسألة بقيت في قالب الإشكال؛ لعدم حضور ما يحصل به الجمع بين أخبارها. وإلى ما ذكرنا من هذا الكلام أشرنا فيماقدّمنا في القسم الثالث والرابع بقولنا: فيه ما ينبغي التنبيه عليه، فإنّ مقتض-ى ما ذك-ره السيّ-د السن-د(2) من الأخب-ار الم-ذكورة التحريم بالتسع مؤبّ-داً في
ص: 273
...
----------
الطلاق العدّي والسنّي بالمعنى الأخصّ جميعاً، والأصحاب إنّما أثبتوا التحريم بذلك في العدّي خاصّة وصرّحوا بنفيه في السنّي.(1)
إلّا أنّه مع ذلك كلّه فاعتبار العدّي في التسع هوالحقّ الحقيق القابل للتصديق؛ لعدم وجود خبر صحیح یدلّ علی الحرمة الأبدیّ-ة في الطلاق السنّي، وللإجماع، والصحيحة علی تمامیّ-ة دلالتها، غير معتبرة؛ وذلك لإعراض الأصحاب عنها. وفي الجواهر(2) قال:
يتأيّد الإجماع بوجوهٍ: من مفهوم القيد المرويّ عن الخصال في تعداد المحرّمات بالسنّ-ة، قال(علیه السلام): «وتزويج الرجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات».(3)
ومن مفهوم الشرط(4) فيما ذكره عليّ بن إبراهيم في تفسيره، مصرّحاً في آخره بأنّ هذه هي التي لا تحلّ لزوجها الأوّل أبداً.(5)
ومن خبر معلّى بن خنيس، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في رجل طلّق امرأته، ثمّ لم يراجعها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقهافتركها حتّى حاضت ثلاث حيض، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها من غير أن يراجع، ثمّ تركها حتّى حاضت ثلاث حيض، قال: «له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمسّ ... »،(6) الحديث.
ص: 274
(مسألة 5): إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر،(1) وأمّا إن تزوّجت للغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنّها غير مطلّقة، ويتوقّف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة.(2)
----------
ومن الموثّق الذي رواه ابن بكير دليلاً له، عن أبي جعفر(علیه السلام): «فإن فعل هذا بها [يشير إلى طلاق السنّ-ة] مأة مرّة هدم ما قبله وحلّت له بلا زوج».(1)
ومن الروايات المصرّحة بالفرق في الحكم بين السنّي والعدّي.(2) ولا ثمرة لهذا التقسيم إلّا في الحرمة الأبديّ-ة، وإلّا فهما في بقيّ-ة الأحكام مشتركان.
أقول: ظهر ممّا مرّ في المسألة الثالثة أنّ الثمرة غير منحصرة في الحرمة الأبدیّ-ة، بل تکون فیه وفي عدم الحاجة إلی المحلّل في السنّي.
(1) إنّ تزویج المطلّق کتزویج الغیر بعد انقضاء العدّة، لأنّ استیفاء العدّة انهدم حکم ما سبق، کما مرّ في المسألة 3.
(2) هذا هو المعروف المشهور بين الأصحاب، لكن عن الشيخ في الخلاف(3) نسبة الخلاف إلى بعض أصحابنا وأنّ التزويج بالغير غیر هادم. ففي الجواهر:
بل لم يعرف القائل بالأولى [عدم الهدم] وإن أرسل-ه في محكيّ الخلاف عن بعض أصحابنا.(4) انتهى.
و في الحدائق قال:
إنّ جملة من المتأخّ-رين قد تردّدوا في المسألة واستشكلوا فيها من حيث
ص: 275
...
----------
صحّة أخبار القول الثاني وتكاثرها ومن حيث شهرة القول الأوّل؛ حيث لم يظهر له مخالف منهم، ومنهم العلّامة في التحرير(1) والسيّد السند في شرح النافع(2) والفاضل الخراساني في الكفاية،(3) ونسبه المحقّق في كتابيه(4) إلى أشهر الروايتين، ومثله العلّامة في القواعد(5) والإرشاد(6) إيذاناً بالتوقّف فيه.(7)
ولا يخفى عليك أنّ ما في الخلاف هو النسبة إلى روايات الأصحاب دون الفتاوى، ففيه:
الظاهر من روايات أصحابنا والأكثرين أنّ الزوج الثاني إذا دخل بها يهدم ما دون الثلاث من الطلقة والطلقتين، وبه قال أبوحنيفة وأبو يوسف، وفي الصحابة ابن عمر وابن عبّاس،(8) وقد روى أصحابنا في بعض الروايات أنّه لا يهدم إلّا الثلاث فإذا كان دون ذلك فلا يهدم، فمتى تزوّجها الزوج الأوّل كانت معه على مابقي من الطلاق(9) وبه قال
ص: 276
...
----------
في الصحابة على ما حكوه، عليّ (عليه الصلاة والسلام) وعمر وأبوهريرة، وفي الفقهاء مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى ومحمّد وزفر،(1) قال الشافعي: رجع محمّد بن الحسن في هذه المسألة إلى قولنا.(2)
دليلنا على القول الأوّل قوله جلّ من قائل: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(3) فأخبر أنّ من طلّق طلقتين كان له إمساكها بعد هاتين الطلقتين إلّا ما قام عليه الدليل والمعتمد في ذلك الأخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير من طرق أصحابنا صريحة بذلك،(4) فمن أرادها وقف عليها من هناك. ونص-رة الرواية الأُخرى قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَان﴾ إلى قوله: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾(5) فأخبر أنّ من طلّق طلقة بعد طلقتين فلا تحلّ له إلّا بعد زوج ولم يفرّق بين أن تكون هذه الثالثة بعد طلقتين وزوج أو بعد طلقتين بلا زوج، فمنق-ال: إذا طلّقه-ا واح-دة حلّت له قبل زوج
ص: 277
...
----------
غيره فقد ترك الآية.(1)
فنقل الخلاف في الخلاف غير ظاهر كما قلناه، إلّا أن يقال: إنّ فتاوى المحدّثين من الأصحاب تعلم من أحاديثهم، لكنّه غير تمام في العبارة أيضاً؛ حيث إنّه على ذلك فالقائل معروف وهو الناقل للحديث، فالجمع بين هذا وبين عدم عرفان القائل كما ترى. وكيف كان، فصاحب الحدائق(2) ممّن اختار الخلاف ونسبه إلى الظاهر من الأخبار.
هذا، ومنشأ التردّد هو تعارض الروايات، فإنّها على طائفتين صالحتين للمعارضة لكن ترجيح روايات الهدم(3) متعيّن؛ للموافقة مع الشهرة.
لا يقال: في معارضها موافقة لإطلاق الكتاب.
لأنّه يقال: إنّ الشهرة من مميّزات الحجّة لامن المرجّحات.
وبعبارة أُخرى: عدم المخالفة للشهرة من شرائط الحجّيّ-ة فمع المخالفة لا تصل النوبة إلى الترجيح أصلاً. كيف، مع أنّ الروايات الدالّة على عدم الهدم كانت أكثر عدداً وأقوى دلالةً وسنداً وكانت بمرأی ومنظر منهم ومع هذا كانت معرضاً عنها. ولمّا أنّ صاحب الحدائق مع هذه الشهرة والإعراض جعل قول الخلاف(4) هو الظاهر من الأخبار واختاره وذكروجوهاً لترجيح أخبار عدم الهدم، بل قال في آخر البحث:
ص: 278
...
----------
وكيف كان، فقد ظهر لك ممّا حقّقناه في المقام ما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام قوّة القول بأخبار عدم الهدم وأنّه هو الذي لا يحوم حومه نقض ولا إبرام.(1)
فينبغي البحث في المسألة تفصيلاً حتّى يظهر لك أنّه لم يأت بتحقيق وتدقيق، بل لم يأت بوجهٍ صحيحٍ، بل في الجواهر: «فمن الغريب غرور المحدّث البحراني بها وإطنابه في المقام بما لاطائل تحته»،(2) فنقول: إنّ الأخبار على طائفتين:
أمّا الطائفة الأُولى، فهي ستّ-ة:
أولاها: ما عن رفاعة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته حتّى بانت منه وانقضت عدّتها، ثمّ تزوجت زوجاًً آخر فطلّقها أيضاً، ثمّ تزوّجت زوجها الأوّل، أ يهدم ذلك الطلاق الأوّل؟ قال: «نعم».(3)
ثانيتها: ما رواه أصحابنا عنه أيضاً أنّ الزوج يهدم الطلاق الأوّل، فإن تزوّجها فهي عنده مستقبلة. قال أبو عبدالله(علیه السلام): «يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين».(4).
ثالثتها: ما عن عبدالله بن عقيل بن أبي طالب، قال: «اختلف رجلان في قضيّ-ة عليّ(علیه السلام) وعمر في امرأة طلّقها زوجها تطليقة أو اثنتين فتزوّجها آخر فطلّقها أو مات عنه-ا، فلمّا انق-ضت عدّتها تزوّجه-ا الأوّل، فق-ال عمر: هي على م-ا بقي من
ص: 279
...
----------
الط-لاق، وق-ال أميرالمؤمنين(علیه السلام): «سبحان الله! يهدم الثلاث ولا يهدم واحدة؟!».(1)
رابعتها: ما عن رفاعة أيضاً، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) رجلٌ طلّق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه، ثمّ يتزوّجها آخر فيطلّقها على السنّ-ة، فتبين منه، ثمّ يتزوّجها الأوّل، على كم هي عنده؟ قال: «على غير شيء»، ثمّ قال: «يا رفاعة! كيف إذا طلّقها ثلاثاً ثمّ تزوّجها ثانية استقبل الطلاق، فإذا طلّقها واحدة كانت على اثنتين».(2)
خامستها: ما عن رفاعة أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام): فيمن طلّق امرأته تطليقة، ثمّ نكحت بعده رجلاً غيره، ثمّ طلّقها فنكحت زوجها الأوّل، قال: «هي عنده على ثلاث».(3)
وسادستها: عنه أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المطلّقة تبين، ثمّ تزوّج زوجاً غيره؟ قال: «انهدم الطلاق».(4)
ولا يخفى أنّ الراوي في كلّها هو رفاعة إلّا ما عن ابن عقيل، وهورواية تاريخ.
وأمّا الثانية: ففي الجواهر: «أنهاها في الحدائق إلى سبعة».(5)
منها: صحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته تطليقة واح-دة، ثمّ تركه-ا حتّى مضت عدّته-ا فتزوّجت زوج-اً غيره، ثمّ مات الرجل أو
ص: 280
...
----------
طلّقها فراجعها زوجها الأوّل؟ قال: «هي عنده على تطليقتين باقيتين».(1)
ومنها: مضمر عبدالله بن محمّد، قال: قلت له: روي عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الرجل طلّق امرأته على الكتاب والسنّ-ة، فتبين منه بواحدة وتتزوّج زوجاً غيره فيموت عنها أو يطلّقها، فترجع إلى زوجها الأوّل أنّها تكون عنده على تطليقتين، وواحدة قد مضت، فكتب(علیه السلام): «صدقوا».(2)
ومنها: صحيح عليّ بن مهزيار، قال: كتب عبدالله بن محمّد إلى أبي الحسن(علیه السلام)وذكر مثله وزاد: وروى بعضهم أنّها تكون عنده على ثلاث مستقبلات وأنّ تلك التي طلّقت ليست بشيء، لأنّها قد تزوّجت زوجاً غيره، فوقّع(علیه السلام) بخطّه: «لا».(3)
ومنها: صحيح منصور، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في امرأة طلّقها زوجها واحدة أو اثنتين، ثمّ تركها حتّى تمضي عدّتها فتزوّجها غيره فيموت أو يطلّقها فتزوّجها الأوّل، قال: «هي عنده ما بقي من الطلاق».(4)ومثله صحيح محمّد الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام).
ومنها: موثّق موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام): «إنّ عليّاً(علیه السلام) كان يقول في الرجل يطلّق امرأته تطليقة (واحدة - خ.ل) ثمّ يتزوّجها بعد زوج: أنّها عنده على ما بقي من طلاقها».(5)
ص: 281
...
----------
ومنها: خبر محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته تطليقة، ثمّ نكحت بعده رجلاً غيره، ثمّ طلّقها فنكحت زوجها الأوّل؟ قال: «هي عنده على تطليقة».(1)
ومنها: صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل المرأة فتزوّجت، ثمّ طلّقها فتزوّجها الأوّل، ثمّ طلّقها فتزوّجت رجلاً، ثمّ طلّقها، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً».(2)
ونحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد،(3) عن الكاظم(علیه السلام) إلّا أنّه يمكن إرادة التسع منهما بقرينة «أبداً»؛ أي كرّرت الثلاث ثلاثاً.
وكيف كان، فالتعارض ظاهر، وما في كشف اللثام(4) من عدم التعارض لاحتمال أن يراد بما في بعضها من كونها عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت، أنّها تكون زوجة ويجوز له الرجوع إليها بعد تطليقتين ففيه: مع أنّه مخالف للظاهر جدّاً ممتنع في جلّ تلك الأخبار الظاهرة بل في كلّها كما لا يخفى.
وفي الحدائق(5) قد أجاب عمّا نقله من أدلّة هذا القول بوجوهٍ:
منها: أنّ الزوج الثاني لم يدخل بها، أو كان تزوّج متعة، أو لميكن بالغاً، فإنّ في جميع هذه المواضع لا يحصل التحليل كما تقدّم ذكره، أو الحمل على التقيّ-ة محتجّ-اً بأنّ-ه مذهب عمر، كما دلّ-ت عليه رواي-ة عب-دالله ب-ن
ص: 282
...
----------
عقيل. ولا يخفى بُعد الجميع.
وعدم الشهادة للمحامل الثلاثة وكونها تبرّعيّ-ة واضح، وأمّا مسألة الحمل على التقيّ-ة فيأتي الكلام فيه. ولا يخفى عليك أنّ الترجيح الذي لابدّ منه هو الترجيح بالشهرة، كما صرّح به غير واحد من أهل التحقيق وهو القابل للتصديق والقبول كما مرّ بيانه، وبذلك يرتفع التعارض، لكنّه مع ذلك كلّه أنكر صاحب الحدائق التعارض أوّلاً وجعل الترجيح للثانية من جهات خمس من جهة صفات الراوي كالأعدليّ-ة والأفقهيّ-ة والأورعيّ-ة ومن جهة الشهرة وموافقة الكتاب والاحتياط ومن جهة الأخذ بالأخير، ثمّ أورد على الترجيح بالتقيّ-ة أيرادات ثلاثة، وإليك نصّ كلامه(قدس سرُّه):
قال السيّد السند في شرح النافع بعد ذكر محامل الشيخ: ولا يخفى بعد هذه المحامل، والمسألة محلّ تردد، والقول بعدم الهدم لا يخلو من قوّة، إلّا أنّ المشهور خلافه، ومن ثمّ اقتصر المصنّف على جعل رواية الهدم أشهر مؤذناً بتوقّفه فيه وهو في محلّه.(1) انتهى.
وقال ج-دّه في المسالك بع-د ذكر جملة من أدلّة هذا القول:
ولا يخفى عليك قوّة دليل هذا الجانب لضعف مقابله، إلّا أنّ عمل الأصحاب عليه، فلا سبيل إلى الخروج عن-ه - ثمّ نقل محام-ل الشيخ الثلاثة الأول، وقال عقيبها: - وما أشبه هذا الحمل بأصل الحجّة.(2).
أقول: لا يخ-فى عليك م-ا في التمسّك بعمل الأصح-اب في مقابلة هذه
ص: 283
...
----------
الأخبار الصحاح الصراح المستفيضة من المجازفة، فإنّه لا ريب أنّ المأخوذ على الفقيه في الفتوى بالأحكام الشرعيّ-ة إنّما هو الأخذ بما أنزل الله سبحانه ممّا ورد في الكتاب العزيز والسنّ-ة المطهّرة، ولا سيّما الخبر المستفيض من الخاصّة والعامّة عنه(صلی الله علیه وآله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما»(1) لا ما ذَكره غيره من العلماء وإن ادّعوا الإجماع عليه.
وبذلك اعترف هو نفسه; في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصيّ-ة من كتاب الوصايا، وقد قدّمنا كلامه في كتاب الوصايا إلّا أنّه لابأس بنقل ملخّصه هنا.
قال رحمه الله:
ولا يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلّامة بخلافه؛ لأنّ الحقّ أنّ إجماع أصحابنا إنّما يكون حجّة مع تحقّق دخول قول المعصومين(علیه السلام) في جملة قولهم - إلى أن قال: - وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخّر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادّعوا فيها الإجماع إذا قام عنده الدليل على مايقتضى خلافهم وقد اتّقق ذلك لهم كثيراً، لكن زلّة المتقدم متسامحة عند الناس دون المتأخّرين.(2) انتهى.
ص: 284
...
----------
فانظر إلى ما بينه وبين هذا الكلام المنحلّ الزمام من الغفلة ممّا حقّقه في ذلك المقام، الذي هو الحقيق بالأخذ به والالتزام، ثمّ إنّا لو تنزّلنا عن القول بمقتض-ى قواعدهم من أنّه لا يجمع بين الأخبار إلّا بعد تحقّق المعارض بينها، وقلنا بثبوت التعارض بين روايات القول الآخر وموثّقة رفاعة، فالواجب الرجوع إلى طرق الترجيح الواردة في مقبولة عمر بن حنظلة(1)و رواية زرارة ونحوهما، ومن الطرق المذكورة الترجيح بالأعدل والأفقه والأورع.
ومنها: الترجيح بالشهرة، ولا ريب في حصول الترجيح بهاتين الطريقتين لروايات القول الآخر(2) دون رواية رفاعة، فإنّ روايات عدم الهدم قد رواها كثير من فقهاء أصحابهم: ك-زرارة وعليّ بن مهزيار ومنصور بن حازم وجميل بن درّاج وعبدالله بن عليّ بن أبي شعبة وأخيه محمّد، فتكون روايات عدم الهدم بذلك أشهر رواية وأعدل وأفقه وأورع رواة، والمراد بالشهرة التي هي إحدى طرق الترجيح إنّما هي الشهرة في الرواية، لا العمل كما حقّق في محلّه، وكذا المجمع عليه، وهو حاصل لروايات عدمالهدم خاصّة.
وبالجملة فالترجيح بهاتين الطريقتين ممّا لاإشكال في اختصاصه بالروايات المذكورة.
ص: 285
...
----------
ومنها: الترجيح بموافقة الكتاب، وهو أيضاً مخصوص برواية عدم الهدم بالتقريب الذي قدمّناه، وقداستفاضت الأخبار بالردّ إلى الكتاب،(1) وأنّ ما خالف كتاب الله زخرف.
ومنها: الترجيح بالاحتياط كما تضمّنته مرفوعة زرارة(2) وهو أيضاً مخصوص بالرواية المذكورة.
ومنها: أيضاً الأخذ بقول الأخير من الإمامين(علیهما السلام).(3) وهذه القاعدة ذكرها الصدوق في كتابه،(4) وهو أيضاً حاصل الروايات المذكورة.
وبيانه: أنّ صحيح عليّ بن مهزيار قد اشتمل على عرض القولين المذكوري-ن على أبي الحسن اله-ادي(علیه السلام) فصدّق رواي-ات الق-ول الآخر،
ص: 286
...
----------
وبقي روايات القول المشهور.
أمّا الترجيح بالتقيّ-ة، فهو أقوى ما يمكن أن يتمسّك به لترجيح خبر رفاعة.
وفيه أوّلاً: أنّه مبنيّ على ثبوت ذلك، وهو غير معلوم، فإنّ المستند بكونه حكم عمر إنّما هو رواية عبدالله بن عقيل، وهي غير مستندة إلى الإمام(علیه السلام) بل المخبر بذلك إنّما هو عبدالله المذكور، وقوله ليس بحجّة شرعيّ-ة، سيّما مع معارضة خبر زرارة الدالّة على أنّ عليّاً(علیه السلام) كان يقول إنّها على ما بقي من الطلاق، وهي صريحة في أنّ مذهب عليّ(علیه السلام) هو القول بعدم الهدم، والراوي عنه ابنه الباقر(علیه السلام)، ولا تعارضه رواية عبدالله بن عقيل عنه(علیه السلام) خلافه.
وثانياً: أنّ العامّة مختلفون في المسألة أيضاً على ما نقله الشيخ في الخلاف،(1) والقول بالهدم منقول عن أبي حنيفة وأبي يوسف وابن عمر،(2) وليس حمل أخبار عدم الهدم على التقيّ-ة كما ذكره الشيخ بأولى من حمل رواية رفاعة الشاذّة النادرة عليه، سيّما مع ما علم من كتب السير والتواريخ من شيوع مذهب أبي حنيفةفي زمانه وقوته، وهو في عص-ر الصادق(علیه السلام) المرويّ عنه القول بالهدم، وحينئذٍ فلا يبعد حمل رواية رفاعة الدالّة على الهدم على التقيّ-ة.
ص: 287
...
----------
ويؤيّده أنّ المنقول في كتاب السير والأخبار أنّ شهرة هذه المذاهب الأربعة إنّما كان قريباً من سنة خمس وستّين وستّمأة، واستمرّ الأمر إلى هذا الزمان وأمّا في الأعصار السابقة فإنّ المعتمد في كلّ زمان على من اعتنت به خلفاء الجور وقدّموه للقضاء والفتيا وإليه يرجع الحكم في جميع البلدان، وكان المعتمد في زمن أبي حنيفة على فتاويه، وفي زمن هارون الرشيد وهو في عصر مولانا الكاظم(علیه السلام) على فتاوي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، قالوا: قد استقضاه الرشيد واعتنى به حتّى لم يقلّد في بلاد العراق والشام ومصر إلّا من أشار إليه أبو يوسف، وفي زمن المأمون كان الاعتماد على يحيى بن أكثم القاضي، وفي زمن المعتصم على أحمد بن أبي داود القاضي، وإذا كان الأمر كذلك فيجوز أن يكون المشهور في عص-ر مولانا الصادق(علیه السلام) الذي عليه عمل العامّة، وإليه ميل قضاتهم وحكّامهم هوالقول بالهدم بل هو الواقع، لأنّ اعتماد العامّة في وقت الصادق(علیه السلام) كان على أبي حنيفة القائل بالهدم، فالتقيّ-ة منه لشيوع مذهبه في تلك الأيّام، وإن كان نادراً في وقت آخر، وهذا بحمد الله ظاهر لا سترة عليه.
وثالثاً: أنّه من الممكن عدم الترجيح هنا بهذه القاعدة - أعني التقيّ-ة وعدمها - فإنّ طرق الترجيح التي اشتملت عليها مقبولة عمر بن حنظلة مترتّبة، فأولها الترجيح بالأعدل والأفقهوالأورع، ثمّ بعدها الترجيح بالأشهر والمجمع عليه، ثمّ الترجيح بمخالفة العامّة، فالترجيح بمخالفة العامّة إنّما وق-ع في المرتبة الثالثة وه-و لا يصار إليه إلّا مع تعذّر
ص: 288
...
----------
الترجيح بما قبله من المراتب.
وقد عرفت أنّ الترجيح بالمرتبتين الأوّلتين حاصل لروايات عدم الهدم، وحينئذٍ فلا يصار إلى الترجيح بالتقيّ-ة. فإن قلت: إنّ جملة من الأخبار قد دلّت على الترجيح بمخالفة العامّة مطلقاً، قلنا: يجب تقييد ما أطلق بما دلّت عليه هذه الأخبار الناصّة على الترتيب بين هذه المراتب.
وكيف كان، فقد ظهر لك ممّا حقّقناه في المقام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام قوّة القول بأخبار عدم الهدم، وأنّه هو الذي لا يحوم حوله نقض ولا إبرام.(1) انتهى كلام صاحب الحدائق (قدس سرُّه).
أقول: لا يخفى أنّ تمام ما في كلامه مورد للمناقشة والإشكال وإن أتعب نفسه، بل ولم يراع ما ينبغي رعايته بالنسبة إلى الأعاظم من العلماء الذين هم أئمّة الحديث والفقه، أمّا ما أورده على المسالك(2) ففيه:
أوّلاً: أنّ أصحابنا كلّهم يعتقدون بالكتاب والسنة ويستدلّون بهما لا بغيرهما فذكره ذلك توضيح للواضح، كيف وحتّى أنّ حجّيّ-ة العقل أيضاً لهما والإجماع للسنّ-ة كما لا يخفى.
وثانياً: أنّ حديث الثقلين متواتر لا مستفيض.
وثالثاً: أنّ الفرق بين ما نحن فيه وباب الوصيّ-ة موجودٌ، فإنّه قال فيوصيّ-ة المسالك ما هذا لفظه:
والأقوى ما اخت-اره المصنّف ولا يقدح دع-واه الإجماع في ف-توى العلّامة
ص: 289
...
----------
بخلافه؛ لأنّ الحقّ أنّ إجماع أصحابنا إنّما يكون حجّةً مع تحقّق دخول المعصوم في جملة قولهم، فإنّ حجيّته إنّما هي باعتبار قوله عندهم، ودخول قوله في قولهم في مثل هذه المسألة النظريّ-ة غير معلوم.(1)
حيث إنّ تلك المسألة نظريّ-ة ومصبّ الاجتهاد والدراية، فالإجماع فيه غير حجّة، فإنّه حجّة فيما ليس للعقل إليه سبيل ولا للنقل فيه دليل، فمناقشته في ذلك الإجماع في محلّه. وأمّا المسألة المبحوث عنها فالشهرة والإجماع كاسران للروايات المخالفة وموجبان للإعراض عنها وللسقوط عن الحجيّ-ة، فالروايات المقابلة - أي الدالّة على الهدم - حجّة، بلا معارض، ولك أن تقول: إنّ في مسألة الوصيّ-ة مناقشته كانت في الإجماع المستدلّ به وفي المقام الدليل هو الأخبار والمناقشة في المعارضة لها باعتبار الاعراض؛ فتأملّ جيّداً حتّى تكون على بصيرة في دقّة مثل الشهيد (قدس سرُّه).
وأمّا المرجّحات المذكورة في كلامه، ففيه: أنّ الترجيح من جهة الصفات مربوط بباب الحكومة لا الرواية، وأمّا الترجيح بالشهرة فالمرجّح هو العمليّ-ة منها لا الروائيّ-ة كما حقّق في محلّه، وأمّا موافقته الكتاب فلا محلّ لها بعد الشهرة والإعراض كما لا يخفى، فإنّ الترجيح فرع الحجّيّ-ة وإعراض الأصحاب عن الموافق مسقط لحجّيته فأين محلّ التعارضوالترجيح؟ واعلم أنّ الشهرة كما مرّ(2) من المميّزات لا المرجحّات فهي قبل الوفاق للكتاب.
وأمّا موافق-ته الاحت-ياط ففيه: أنّ-ه لا اعت-بار به أصلاً؛ لأنّ رتب-ة الأُصول بعد
ص: 290
...
----------
الأمارات، وأمّا التأخّر فليس بمرجّح هنا أصلاً فإنّ الترجيح به تختصّ بمورد صدور الروايتين على القطع دون ما نحن فيه ممّا لا يكون التعارض بين القطعيّين، بل لك أن تقول: إنّ مع العلم بالصدور فإنّ التعبير بالترجيح مسامحة، وصحيحة علي بن مهزيار وإن كانت مشتملة على نقل الحديثين وجواب الهادي(علیه السلام) بصدق الدالّ على عدم الهدم فلا بدّ من الأخذ بقوله(علیه السلام) المتأخّر عن الصادق(علیه السلام) ومن سبقه من الأئمّة: لكنّها حجة ظنيّ-ة فهي كغيرها من الأخبار المعارضة.
هذا كلّه فيما ذكره من الترجيح بالمرجّحات الخمسة من صفات الراوي وموافقة الشهرة والكتاب والاحتياط والأخذ بالأخير.
وأمّا ما ذكره إشكالاً للترجيح بالتقيّ-ة من الوجوه الثلاثة المبيّ-نة بقوله: «أوّلاً» و«ثانياً» و«ثالثاً»، ففيه:
أوّلاً: أنّ الترجيح بالتقيّ-ة ليس في نصوص الترجيح منه أثر ولا خبر وليس فيها أزيد من الترجيح بمخالفة العامّة، ولم يعلم بعد أنّ الوجه فيه التقيّ-ة أو غيرها؟ ففي مقبولة ابن حنظلة تعليل الأخذ بالمخالف بقوله «فإنّ الرشد في خلافهم»(1) والاحتمالات فيه كما ذكره الشيخ الأعظم في خاتمة الرسائل وجوه: أحدها التقيّ-ة،(2) ولا يخفى أنّ المخالفة أعمّ من الخوف والتقيّ-ة.
وثانياً: ما نقله من التاريخ والسيرة تأييداً لقوله ففيه: أنّ التأييد مفيدعلى فرض ثبوت الترجيح بالتقيّ-ة وهذا حال الكلام فكيف حال المؤيّد بعد الكلام في الأصل والمؤيَّد!
ص: 291
(مسألة 6): قد مرّ أنّ المطلّقة ثلاثاً تحرم حتّى تنكح زوجاً غيره، وتعتبر في زوال التحريم به أُمور ثلاثة: الأوّل أن يكون الزوج المحلّل بالغاً، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقاً.(1)
----------
وثالثاً: أنّ ما ذكره من عدم الترجيح بالتقيّ-ة لتأخّر الرتبة ففيه: أنّ العدم ليس لما ذكره بل لسقوط الموافق للعامّة والتقيّ-ة عن الحجّيّ-ة من رأس بالأعراض فأين التعارض والتقدم والتأخّر في الترجيح؟
ورابعاً: ما ذكره من طرق الترجيح في المقبولة وأنّها مترتّبة فأوّلها: صفات الراوي وثانيها: الأشهر والمجمع عليه وثالثها: الترجيح بمخالفة العامّة فهي في المرتبة الثالثة والترجيح بالمرتبتين المتقدّمتين ثابت فلا تصل النوبة إلى المخالفة، ففيه: أنّه ليس في المقبولة إلّا الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة دون غيرهما.
هذا، مع أنّها ليس فيه الدلالة على الترتيب.
وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ المشهور هو المنصور وكيف يجترء الفقيه بالمخالفة لأئمّة الحديث والفقه مع وجود الرواية والدليل، ومخالفة الحدائق(1) ناشئة من عدم معرفة العلماء العظماء حقّ المعرفة ونسأل الله التوفيق في المعرفة له جلّ وعلا ولعلماء دينه زائداً على الحال وأن يجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا.
(1) فإنّ على عدم كفاية غير المراهق من الصبيان الذين لا يلتذّونبالنكاح ولا يلتذّ بهم إجماع المسلمين فضلاً عن المؤمنين وهو الحجّة مضافاً إلى ما ستعرف في المراهق.
ص: 292
...
----------
أمّا المراهق للبلوغ وهو من قارب الحلم فالمشهور أيضاً عدم الكفاية، والمحكيّ عن ابن الجنيد(1) والشيخ(2) في أحد قوليه الكفاية كما هو مذهب العامّة أيضاً، والمشهور هو المنصور، وذلك مضافاً إلى الأصل، وإلى ما يقال من انص-راف الكتاب والسنّ-ة إلى كون المحلّل زوجاًً مستقلاً بالعقد ومن أنّ الظاهر من نسبة الفعل الواقعة في السنّ-ة الاستقلال لا سيّما مع قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾(3) الظاهر في البالغ؛ حيث إنّ طلاق الصبيّ لا نفوذ له لا أصالةً ولا ولايةً، خبر عليّ بن الفضل الواسطي، قال: كتبت إلى الرضا(علیه السلام): رجل طلّق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها غلام لم يحتلم، قال: «لا، حتّى يبلغ»، فكتبت إليه: ما حدّ البلوغ؟ فقال: «ما أوجب الله على المؤمنين الحدود».(4)
وضعفه بعليّ بن الفضل منجبرٌ بعمل الأصحاب. هذا، ولا يخفى أنّ الاستدلال بظاهر الكتاب ليس بتمامٍ؛ لأنّ ظهور الفعل في الاستقلال ممنوعٌ لاسيّما في مثل هذه الأفعال التي ليست مشروطة بالمباشرة، والاستشهاد بالتطليق المذكور في قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾(5) أخصّ من المدّعى فمنالممكن وقوع الزواج قبل البلوغ والطلاق حينه فالآية غير دالّة إلّا على بلوغ المحلّل حين الطلاق لا المحلّل مطلقاً إلّا أن يقال، بل ي-قال: إنّ المحلّل محلّل حين الطلاق فال-دليل مساوق. إلّا
ص: 293
الثاني: أن يطأها قبلاً وطءاً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، بل كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة، والاحتياط لا ينبغي تركه، وهل يعتبر الإنزال؟ فيه إشكالٌ، والأحوط اعتباره.(1)
----------
أن يقال: إنّ المورد مورد صحّة طلاق المحلّل.
واستُدلّ للآخر بإطلاق الكتاب والسنّ-ة، وبضعف الخبر، وبذوق الزوج المراهق العسيلة الذي هو الشرط في صحّة الطلاق.
أقول: أمّا الإطلاق، ففيه ما مرّ من الانص-راف وتقييده بالخبر المنجبر،(1) والعسيلة لها تفسيران؛ المني واللّذة،(2) أمّا عدم تحقّقها على الأوّل فواضح وأمّا على الثاني، فلأنّ الظاهر منها اللذّة الكاملة المتعارفة وهي غير حاصلة فيه أيضاً. فالمشهور هو المنصور، وعمدة الدليل عليه خبر عليّ بن الفضل الواسطي،(3) كما مرّ آنفاً.
(1) الكلام في هذا الشرط يقع تارة في أصله وأُخرى في خصوصيّاته الثلاث؛ من القبل وإيجاب الغسل والإنزال؛ أمّا أصل شرطيّ-ة الدخول فعليه إجماع المسلمين عدا سعيد بن المسيّب،(4)حيث اكتفى بمجرّد العقد؛ عملاً بظاهر الآية، لأنّ النكاح حقيقة في العقد. وفيه: - مضافاً إلى أنّ النكاح في الآية الوط ء كما قيل - أنّ إطلاقه مقيّد بالإجماع والروايات من الطرفينالدالّة على اعتبار ذوق العسيلة.
وكيف كان، فالدليل على الشرطيّ-ة - مضافاً إلى الكتاب، بناءً على أنّ المراد منها
ص: 294
...
----------
هنا الوط ء، وإلى إجماع المسلمين - الأخبار الصريحة، وهي خبر أبي حاتم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يطلّق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، ثمّ تزوّج رجلاً لا يدخل بها؟ قال: «لا، حتّى يذوق عسيلتها».(1)
ومنها: موثّق زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة، ثمّ يراجعها بعد انقضاء عدّتها، فإذاً طلّقها الثالثة، قال: «لم تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوّجها غيره ولم يدخل بها وطلّقها أو مات عنها لم تحلّ لزوجها الأوّل حتّى يذوق الآخر عسيلتها».(2)
وصحيح محمّد بن قيس، قال سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «من طلّق امرأته ثلاثاً ولم يراجع حتّى تبين فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوّجت زوجاً ودخل بها حلّت لزوجها الأوّل».(3)
وموثّق سماعة، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته فتزوّجها رجل آخر ولم يصل إليها حتّى طلّقها تحلّ للأوّل؟ قال: «لا، حتّى يذوق عسيلتها».(4).
وخبر العسيلة أيضاً مرويّ عندهم كما هو مرويّ عندنا، فروى غير واحد منهم «إنّه جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) فقالت: كنت عند رفاعة، فبتّ طلاقي، فزوّجت بعده عبدالرحمن بن الزبير، فطلّقني قبل أن يمسّني - وفي رواية: وأنا معه مثل هدية الثوب - فتبسّم النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) وقال: «أ تريدين أن ترجعى إلى
ص: 295
...
----------
رفاعة؟ لا، حتّى تذوق عسيلته، ويذوق عسيلتك».(1)
وصحيح الفضيل، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل زوّج عبده أمته، ثمّ طلّقها تطليقتين، يحلّ له أن يراجعها إن أراد مولاها؟ قال: «لا»، قلت: أ فرأيت إن وطأها مولاها أ يحلّ للعبد أن يراجعها؟ قال: «لا، حتّى تزوّج زوجاً غيره ويدخل بها فيكون نكاحاً مثل نكاح الأوّل، وإن كان قد طلّقها واحدة فأراد مولاها راجعها».(2)
وهذا وإن كان مربوطاً بطلاق الأمة التي يكون المحرّم منه المحتاج إلى المحلّل اثنين، لكن دلالته على لزوم الوط ء فيه أيضاً وإن لم يكن صريحاً في محلّ البحث لكنّه مؤيّد لتلك الأخبار الكثيرة.
وأمّا اعتبار كونه في القبل فلا خلاف فيه؛ لأنّه المنساق والمنص-رف إليه م-ن نص-وص ذوق العسيلة لا سيّما المتضمّن منها ذوق الزوجين كالمروي ع-ن طرق العامّة، سواء كان المراد منه لذّة الجماع كما ع-ن النهاية(3) وغيرها م-ن كتب اللغة(4) م-ن تفسيره بما ه-و كناية عنها أوالإنزال كما قيل، لعدم ك-ون ذوق اللذّة والعسيلة أو الإنزال م-ن الجانب-ين م-ع الوط ء في الدب-ر على المتع-ارف بل ولا اللذّة لذّة
ص: 296
...
----------
كامل-ة بل القول بانصراف نفس الدخول أيضاً إلى القبل غير بعيد، وبذلك يظهر ما في المسالك(1) من الاستدلال بانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين.
ففيه: أنّ الانتفاء من الأصل ممنوع وإنّما الانتفاء بالنسبة إلى الكامل كما لا يخفى، وبالجملة، الانصراف في ذوق العسيلة ممّا لاكلام فيه وهو الحجّة في المسألة، ويعضده الانصراف في الدخول أيضاً.
وأمّا اعتبار إيجابه الغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها وعدم كفاية مادونه من المسمّى؛ لأنّ ذلك مناط أحكام الدخول والوطى ء في كلّ مقام اعتبرا فيه، فالإطلاق منصرف إليه ولانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين بدونه غالباً ولعدم معهوديّ-ة مادونه في الشرع فوقوعه بمنزلة العدم، فالإطلاق منصرف عنه.
وفيه: أنّ الانصراف بدوي ناشئ من كثرة الأفراد لامن كثرة الاستعمال، وأمّا انتفاء ذوق العسيلة فخروج من البحث؛ لأنّ الكلام في كفاية مادونه مع تحقّق بقيّ-ة الشروط كما لا يخفى وإلّا فمع عدم ذوق العسيلة فعدم الكفاية يرجع إلى انتفائه لا انتفاء الموجب للغسل، وأمّا عدم المعهوديّ-ة في الشرع فهو راجع إلى عدم كونه مشمولاً للموضوع منهما في الأحكام الشرعيّ-ة الثابتة لهما وأنّى ذلك بالمقام فإنّ الموضوع محمولٌ على العرف مفهوماً ومصداقاً، كيف مع أنّ العمدة في المقام هو ذوقالعسيلة المفروض حصوله ولعلّ العمدة في غيره من الأحكام أُمور أُخرى غير حاصلة بدخول ما دون المقدار من الحشفة فما في المتن من أنّ كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة.
ص: 297
الثالث: أن يكون العقد دائماً لا متعة.(1)
----------
وأمّا اعتبار الإنزال، ففيه الإشكال من إطلاق الأدلّة والفتاوى، ومن لزوم ذوق العسيلة حتّى على تفسيره بلذّة الجماع؛ لأنّ المراد منها - كما قيل - اللذّة الكاملة التي لا تحصل إلّا بالإنزال ولا أقلّ من الشكّ في شمول أخباره للمورد إن لم يكن إجماع والأصل الحرمة، فالأحوط اعتباره.
(1) والمعتبر في الأمر الثالث شيئاًن: العقد وكونه دائماً، واحترزنا بالعقد عن ملك اليمين والتحليل فلا يحصل التحليل بهما فضلاً عن الوط ء حراماً أو شبهة ولو بالعقد الفاسد بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر،(1) واعتباره لعدم صدق الزوج في الكتاب والسنّ-ة عليه، فإنّه لا يسمّى واحد منهما زوجاً، ولقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾(2)والنكاح حقيقة في العقد وعلى تقدير كونه حقيقة في الوط ء أو المراد منه في الآية ذلك فيدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾(3) والنكاح بملك اليمين أو التحليل لا طلاق فيه، ولخصوص خبر فضيل، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل زوّج عبده أمته، ثمّ طلّقها تطليقتين، أ يراجعها إن أراد مولاها؟ قال: «لا»، قلت: أ فرأيت إن وطأها مولاها أ يحلّ للعبد أن يراجعها؟ قال: «لا، حتّى تزوّج زوجاً غيره ويدخل بها فيكون نكاحاً مثل نكاح الأوّل، وإن كان قد طلقّها واحدة فأراد مولاهاراجعها».(4)
والتقريب فيها أنّ الأمة تحرم بتطليقتين ولا تحلّ إلّا بالمحلّل، وقد منع نكاح
ص: 298
...
----------
المولى أن يكون تحليلاً موجباً لجواز مراجعة الزوج الأوّل لها، وأوجب زوجاً غيره مثل التزويج الأوّل، ونحوها أيضاً رواية عبدالملك بن أعين.(1)
ونحوها خبر الحلبي(2) بعد تقييدهما بكون الطلاق مرّتين.
ولما تسمعه من استفاضة النصوص المشتمل بعضها على تفسير الآية بما لا يشمل العقد المنقطع فضلاً عنهما بقرينة قوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾.(3)
واحترزنا بالدائم عن نكاح المتعة، فالتحليل غير حاصل به كالسابقين اتّفاقاً، ويدلّ على اعتباره الكتاب والسنّ-ة، أمّا الكتاب، فلقوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾(4) والطلاق غير متحقّق في المتعة، ومن السنّ-ة صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سالته عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً، ثمّ تمتّع فيها رجل آخر، هل تحلّ للاوّل؟ قال: «لا».(5)
وخبر حسن الصيقل، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره وتزوّجها رجل متعة، أ يحلّ له أن ينكحها؟ قال: «لا، حتّى تدخل في مثل ما خرجت منه».(6).
وخبر هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل تزوّج امرأة، ثمّ طلّقها فبانت، ثمّ تزوّجها رجل آخر متعة، هل تحلّ لزوجها الأوّل؟ قال: «لا، حتّى
ص: 299
...
----------
تدخل فيما خرجت منه».(1)
وخبر الحسن الصيقل أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت: رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها رجل متعة، أ تحلّ للاوّل؟ قال: «لا، لأنّ الله يقول: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ﴾،(2) والمتعة ليس فيها طلاق».(3)
وفي الخبر أيضاً دلالة على عدم الاعتبار بشيء من الثلاثة في التحليل؛ لمكان الطلاق.
وخبر الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه سئل عن الرجل يطلّق امرأته على السنّ-ة فيتمتّع منها رجل، أ تحلّ لزوجها الأوّل؟ قال: «لا، حتّى تدخل في مثل الذي خرجت منه».(4)
ولا يخفى عليك دلالة الأخبار على عدم التحليل بشيء من الثلاثة المذكورة من الملك والإباحة والمتعة.
فرعٌ: في تحليل الخصيّ وعدمه
مقتضى اتّفاقهم وما فهموه من نصوص العسيلة من إرادة الدخول كون الخصيّ يحلّل المطلّقة ثلاثاً إذا وطأها وحصلت فيه الشرائط السابقة ولكن في رواية محمّد بن مضارب دلالة على عدمها؛ قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن الخصىّ يحلّل؟ قال:
ص: 300
(مسألة 7): لو طلّ-قها ثلاث-اً وانق-ضت مدّة وادّعت أنّها ت-زوّجت وف-ارقها الزوج الثاني ومضت العدّة واحتمل صدقها صدّقت ويقبل قولها بلا يمين، فللزوج الأوّل أن ينكحها، وليس عليه الفحص، والأحوط الاقتصار على ما إذا
----------
«لا يحلّل».(1)
وهي ضعيفة السند فإنّ ابن المضارب مجهول ومحض نقل صفوان من أصحاب الإجماع عنه غير كاف في الاعتبار إلّا على تفسير خاصّ في أصحاب الإجماع، لكنّه غير تمام كما حقّق في محلّه، ولا جابر لها بل لم أجد عاملاً بها إلّا ما عساه يظهر من الشيخ الحرّ في وسائله فلا بأس بحملها على خصي لا يحصل منه الجماع أو اللذّة الكاملة المتعارفة، على أنّ الرواية قد رواها الشيخ في زيادات النكاح من التهذيب بهذا الإسناد عن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عن الخصيّ يحلّ؟ قال: «لا يحلّ».(2)
وإرادة التحليل منه خلاف المتعارف في التعبير، فلذا احتمل إرادة حلّ نظره إلى المرأة أو عقده من دون الاختبار بحاله، بل ربّما احتمل إرادة سلّ الأُنثيين الذي لا يجوز في الانسان، أو أكل الخصيتين، وإن كان رسم الكتابة بالياء في النسخ الصحيحة يأباهما.
وعلى كلّ حال فهو شاذّ ضعيف مضطرب.
ثمّ إنّ الظاهر من إطلاق الدخول في الفتاوى والمتن وعدم التقيّد بالالتذاذ عدم اعتباره، لكنّ الظاهر اعتباره ولزوم تقييد الدخول به فلا اعتبار بالدخول من دونه قضاءً للانصراف من الدخول وكونه القدر المتيقّن من ذوق العسيلة. فتأمّل.
ص: 301
كانت ثقة أمينة.(1)
----------
في قبول قول الزوجة بأنّها تزوّجت بعد الثالث وعدمه
(1) وفي المسألة احتمالات ووجوهٌ:
ثالثها: التفصيل بين الثقة الأمينة وغيرها.
ورابعها: التفصيل بين الحرجي من الفحص وغيره بالقبول في الأوّل منهما دون الثاني والأوّل هو المشهور وظاهر المحقّق في الش-رائع(1) والنافع(2) التوقّف في ذلك وإليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الكفاية.(3)
واستدلّ للمشهور بوجوهٍ:
أحدها: أنّ في جملة ذلك ما لا يعلم إلّا منها كالوطء وانقضاء العدّة فالمورد مشمول لقاعدة حجّيّ-ة قولها في ما لا يعلم إلّا من قبلها.
ثانيها: قاعدة قبول قول من لا منازع له فإنّها مستفادة من الأخبار في جزئيات الأحكام ومنها صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت: «عشرة كانوا جلوساً وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضاً: أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، وقال واحد منهم: هو لي فلمن هو؟ قال: هو الذي ادّعاه».(4)
وثالثها: لزوم العسر والحرج عليها مع عدم السماع. وفي المسالكفي تعليل
ص: 302
...
----------
القول المشهور:
ولأنّها مؤتمنة في انقضاء العدّة والوطئ ممّا لا يمكن إقامة البيّ-نة عليه، وربما مات الزوج أو تعذّر مصادقته بغيبة ونحوها، فلو لم يقبل منها ذلك لزم الإضرار بها، والحرج المنفيّان.(1)
ورابعها: وهو العمدة، صحيحة حمّاد عن أبي عبدالله(علیه السلام): في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فبانت منه فأراد مراجعتها، فقال لها: إنّي اُريد مراجعتك فتزوّجي زوجاً غيري، فقالت له: قد تزوّجت زوجاً غيرك وحلّلت لك نفس-ي، أ يصدّق قولها ويراجعها؟ وكيف يصنع؟ قال: «إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها».(2)
والصحيحة متفرّدة في الأدلّة الأربعة باشتراط الوثاقة، وهي مخالفة في الاشتراط للمشهور أيضاً؛ لإطلاق فتاواهم، بل في الجواهر(3) عدم القائل به، وما في الحدائق(4) من الحمل على الأفضليّ-ة في المتّهمة؛ جمعاً بينها وبين الأخبار الدالّة على كراهة السؤال ولو مع التهمة(5) بأنّ الأفضل مع التهمة المشعر عليها رغبتها في الرجوع إلى الزوج بعد أمره إيّاها بالتحليل الفحص والتثبّت والعمل بقولها مع ذلك الشرط.
ففيه أوّلاً: أنّه لا ملازمة بين اظهار الرغبة بعد الأمر واتّهامها حيث إنّ غالب النساء قلوبهنّ مائلة إلى الزوج الأوّل. فتأمّل.
ص: 303
...
----------
وثانياً: لا تعارض بينها وبين الصحيحة لاختلاف الموضوع فإنّها مربوطة بخلوّها عن الزوج وهو غير اشتراط الحلّ في الطلاق الثلاث بالنكاح المص-رّح به في الكتاب والسنّ-ة، والصحيحة مربوطة بالثاني، فكم بينهما من الفرق، نعم عدم القائل به وعدم مدخليّ-ة الوثاقة في تصديق ما لا يعلم إلّا من قبلها وتصديق قول من لامنازع له ممّا يوهن الاشتراط، لكنّ الاحتياط كما في المتن في محلّه، والمشهور هوالمنصور للصحيحة وأمّا بقيّ-ة الوجوه وإن كانت مطلّقة وموافقة للمشهور إلّا أنّ الاستدلال بها غير تمام لأنّ مثل الزواج والطلاق من الأُمور الأربعة في الحلّيّ-ة ليس من الأُمور التي لا يعلم إلّا من قبلها، فالقاعدة غير شاملة لمحلّ البحث. هذا في الوجه الأوّل.
وأمّا الثاني، فإنّما القاعدة مختصّة بالمتناول من المدّعي الذي لامعارض له لعدم تعلّق خطاب مخصوص بالمتناول، لا عامّة لمطلق التناول ولو مع الخطاب المخصوص، ولذلك لا يجوز دفع الوديعة إليه - مثلاً - بمجرّد دعوى الوكالة أو الانتقال إليه، مع أنّ دعواه الوكالة بلا معارض، لكن حيث إنّ الدافع له التكليف والخطاب بدفع المال إلى صاحبه مباشرة أو نيابة فعليه العمل بذلك التكليف عن حجّة شرعيّ-ة، وهي غير موجودة يكون الدفع غير جائز والمقام من هذا القبيل؛ حيث إنّ جواز النكاح للزوج وحلّيّ-ة الزوجة المطلّقة له مشروطة بالمحلّل ونكاح الغير، وهو مكلّف بالعلم والحجّة عليهما.
وبعبارة أُخرى: القاعدة مخصوصة بما لا يلزم فيه إلّا الدعوى مع عدمالمعارض، مثل ما في الصحيحة المنقولة.
وأمّا الثالث، ففيه: أنّه أخصّ من المدّعى؛ لإمكان عدم الحرج لها في التزوّج
ص: 304
(مسألة 8): لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها صدّقت وحلّت للزوج الأوّل.(1) وإن كذّبها فالأحوط الاقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها.(2)
----------
بغير الزوج من الأجانب. نعم، في مورد الحرج دعواها مسموعة بانتفاء الحرج كما لا يخفى.(1)
في فروع أحكام التحليل
(1) بلا خلاف ولا إشكال؛(2) لكونه أمراً لا يعلم إلّا من قبلهما، وعدم تكذيبه إيّاها ولو بالسكوت كافٍ في التصديق، فإنّ قولها قول بلامنازع، وأمّا مع تصديقه لها فالحكم واضح.
(2) وفي المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: القبول، ففي الش-رائع(3) أنّه حسن، وفي القواعد(4) أنّه الأقرب، وفي المسالك(5) هوالأقوى.
ص: 305
...
----------
ثانيها: العمل بما يغلب على ظنّه من صدقها أو صدق المحلّل، كما عن الشيخ في المبسوط. (1)
ثالثها: العمل بالاطمئنان دون الظنّ، واستدلّ للشيخ بأنّ الفرض تعذّر البيّ-نة على مثل تلك الدعوى، فلابدّ من مراعاة الظنّ؛ لاعتباره في الشرع غالباً، وهو كما ترى؛ لعدم الانسداد أوّلاً واختصاصه على التماميّ-ة بالأحكام دون الموضوعات ثانياً.(2)
واستدلّ للمحقّق(3) بتعذّر إقامة البيّ-نة عليه أوّلاً، وأنّه لا يعلم إلّا من قبلها وأنّ دعواها بلا معارض فهي حجّة ثانياً، وأنّ قولها كما هو حجّة فيانقضاء العدّة فهو حجّة في سببها أيضاً ثالثاً، ولأنّه لولا القبول لزم الضرر والحرج رابعاً.
أقول: وفي الكلّ إشك-ال، أمّ-ا الأوّل، فضع-فه ظ-اهر، والث-اني، فإنّ-ه مخت-صّ
ص: 306
ولو ادّعت الإصابة ثمّ رجعت عن قولها، فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له، وإن كان بعده لم يقبل رجوعها. (1)
(مسألة 9): لا فرق في الوطء المعتبر في المحلّل بين المحرم والمحلّل، فلو وطءها محرّماً - كالوطء في الإحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض ونحو ذلك - كفى في التحليل.(2)
----------
ب-دعوى لامعارض لها والمعارض هنا وهو دعوى المحلّل موجودٌ، وأمّا مثل الضرر والحرج ففيه ما مرّ،(1) وأمّا تنظير الدعوى بانقضاء العدّة فأشبه شيء بالقياس.
هذا، ولقائل أن يقول: الإيراد بوجود المعارض ليس بتمام؛ لأنّه ليس بمعارض لها إلّا في تنصيف المهر أو في أصل النكاح، وهو لا يرتبط بالبحث، فإنّ الزوج الثاني لا يعدّ منكراً.
ثمّ إنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز إلّا أن يحرز الدخول ولو بالاطمئنان. نعم، يمكن إلغاء الخصوصيّ-ة من صحيحة حمّاد(2) المذكورة آنفاً والقول بسماع قول المرأة إن كانت ثقة. فتأمّل.
(1) وجه عدم الحلّيّ-ة له مع الرجوع قبل العقد واضح فإنّ رجوعها كادّعائها يكون مسموعاً وحجّة، وأمّا عدم قبول الرجوع بعد العقد فلأنّه إقرار في حقّ الغير.
فرعٌ: لو رج-ع هو أو هي ع-ن التكذيب إلى التصديق حلّت لأصال-ة صحّة قول المسلم.
(2) قضاءً لإطلاق الأدلّة، وهو المشهور بين الأصحاب إلّا ما حكي عن الشیخ
ص: 307
...
----------
وابن الجنيد(1) من تقييد ذلك بالحلّيّ-ة، واستدلّ الشيخ بالأصل، وباشتراط ذوق العسيلة والشارع لا يجوّز ذوق العسيلة المحرّم، وبالنهي عن الوطء وهو يوجب الفساد، وبتنظيره بباب العقد حال الإحرام، فإنّه باطل؛ لحرمته، فهنا أيضاً هكذا.
أقول: والكلّ كما ترى، فإنّ الأصل هو بَعْدَ الدليل، ومحلّليّ-ة الذوق منافية لحرمته إن كانت مختصّة بالحرام منه، لكنّها شاملة للحرام كالحلال بالإطلاق ولابأس به، والنهي عن المعاملات غير موجب لفسادها، فضلاً عن مثل الوطء، والتلازم في الأخير غير ثابتٍ فيكون أشبه شيء بالقياس، فالأقوى حينئذٍ الحلّ في المحرّم الذاتي كالصور المذكورة في المتن، فضلاً عن الحرمة في العارض لضيق وقت صلاة - مثلاً - بل الظاهر عدم الفرق بين الحرمة بما عرفت وبينها بعدم بلوغ البنت تسعاً وإن إفضاها؛ لإطلاق الأدلّة، ودعوى ظهور الآية(2) في استقلال نكاح المحلّلة بنفسها دون الصغيرة التي يعقدها المولى واضحة الفساد؛ إذ الظاهر أنّ أمثال هذه الخطابات شاملة للوكالة والولاية وغيرهما، كما في غير المقام.
ومن هنا لم يكن فرق في المحلّل والمحلّلة بين الجنون والعقل. نعم، قد يتوقّف في حصول التحليل في الصغيرة لا من هذه الجهة، بل لعدم بلوغها حدّ ذوق العسيلة، نحو ما سمعته في المراهق دون البلوغ، ومقتضاه عدمالإشكال في عدم حصوله فيها؛ إذ لم تكن مراهق-ة إلّا أنّ الذي يظهر من غير واحد من الأصحاب
ص: 308
(مسألة10): لو شكّ الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه ويحكم ببقاء علقة النكاح،(1) ولو علم بأصله وشكّ في عدده بنى على الأقلّ؛ سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع، فلا يحكم بالحرمة على الأوّل وبالحرمة الأبديّ-ة في الثاني.(2)
----------
المفروغيّ-ة من حصول التحليل فيها وإن كانت صغيرة، بناءً على عدم اعتبار الحلّ في الوطئ، خصوصاً عند تعرّضهم للش-رائط واقتصارهم على اعتبار البلوغ في المحلّل، ولم يتعرّضوا للمحلّلة فإن تمّ إجماعاً وإلّا كان للنظر فيه مجالٌ.
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ عدم التعرّض للبلوغ في المحلّلة؛ لتحقّقه فيها غالباً، وفرض عدمه فرض نادرٌ فلا فرق بينها وبين المحلّل في اعتبار البلوغ وذوق العسيلة. وقد ظهر ممّا ذكرناه عدم اعتبار العقل ولا الرشد فيهما؛ قضاءً لإطلاق الأدلّة ولتحقّق ذوق العسيلة. (1)
الشكّ في إيقاع الطلاق
(1) استصحاباً لعلقة النكاح.
(2) للبناء على الأقلّ وللشكّ في الشرط الراجع إلى الشكّ في المشروط.
ص: 309
بل لو شكّ بين الثلاث والتسع يبني على الأوّل وتحلّ بالمحلّل على الأشبه.(1)
----------
(1) لا يخفى أنّ اليقين بالثلاث لمّا إنّه يقين بأصله وبنحو القدر المتيقّن بينه وبين التسع المعلومين بالإجمال لا على الثلاث بش-رط عدم الزيادة عليه المحتاج إلى المحلّل فلا يكون موجباً لصحّة المحلّل.
وبذلك يظهر أنّ التمسّك باستصحاب عدم الزيادة على الثلاث غير مفيد في المحلّل؛ لكونه مثبتاً كما لا يخفى. نعم، استصحاب بقاء الثالث في الاحتياج إلى المحلّل يكون محكّماً، وهو الوجه لما في المتن من قوله: «على الأشبه».
ص: 310
إنّما يجب الاعتداد بأُمور ثلاثة: الفراق بطلاق أو فسخ أو انفساخ في الدائم، وانقضاء المدّة أو بذلها في المتعة، وموت الزوج، ووطء الشبهة.(1)
----------
(1) العدد جمع العدّة، وهي لغة من العدد؛ لاشتمالها عليه غالباً، وهي بحسب ما تضاف إليه، فيقال: عدّة رجال وعدّة كتب ونحو ذلك، والمصدر منها هو الاعتداد، وهي اسم مصدر.(1)
وأمّا شرعاً، ففي المسالك:
اسم لمدّة معدودة تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبّد أو التفجّع على الزوج وشُرّعت صيانة للأنساب وتحصيناً لها من الاختلاط.(2)
أقول: وفيه الإشكال بعدم الاطّراد؛ لشموله مدّة الاستبراء في مثل الأمةالمدخول بها المبتاعة، فإنّها تتربّص لمعرفة براءة الرحم وحملها مع أنّها ليست بعدّة.
ص: 311
...
----------
وما في الجواهر من تعريفه بقوله:
ومعناها شرعاً أيّام تربّص المرأة الحرّة بمفارقة الزوج أو ذي الوطئ المحترم بفسخٍ أو طلاقٍ أو موتٍ أو زوال اشتباه، بل والأمة إذا كانت الفرقة عن نكاح أو وطء شبهة.(1)
وإن كان خالياً عن ذلك الإشكال، لكنّه تعريف بفهرسة من المفردات والمصاديق.
وكيف كان، فالأمر سهلٌ؛ لأنّ الغرض في هذه التعاريف هو شرح الاسم.
والأصل فيها قبل الإجماع، الآيات والأخبار، أمّا الأُولى، فقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾.(2)
وقال تعالى في عدّة الوفاة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيأَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.(3)
ص: 312
...
----------
وقال أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ﴾،(1) الآية.
وقال: ﴿وَأُوْلاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾،(2) الآية.
وأمّا الأخبار، فهي كثيرة جدّاً ولكن لم نجد فيها ما يدلّ على أصل العدّة وفي مقام بيانها، بل هي واردة في خصوصيّاتها ولعلّه لكونها بديهة عند المسلمين، والكتاب دالّ عليه، فالمسألة ضروريّ-ة بين العالمين منهم بالأحكام. وللشهيد الثاني كلام ينبغي ذكره قبل التعرّض للبحث، فإنّه (قدس سرُّه) قال:
ولمّا كان الأصل في هذه العدّة طلب براءة الرحم لم تجب بالفراق عن مطلّق النكاح بل اعتبر جريان سبب يشغل الرحم ليحتاج إلى معرفة براءته.
ثمّ لا يعتبر تحقّق الشغل ولا توهّمه، فإنّ الإنزال ممّا يخفى ويختلف في حقّ الأشخاص، بل في الشخص الواحد باعتبار ما يعرض له من الأحوال فيعسر تتبّعه ويقبح فأعرض الشارع واكتفى بسبب الشغل وهو الوطئ وناطه بتغيّب قدر الحشفة، وهذا صيغة في تعليق الأحكام بالمعاني الخفيّ-ة.
ألا ترى أنّ الاعتقاد الصحيح الذي هو المطلوب وبه يحصل النجاة لمّا كان أمراً خفيّاً لكونه في الضمير علّقت الأحكام بالكلمةالظاهرة حتّى لو توفّرت القرائن الدالّة على أنّ الباطن مخالف للظاهر، كما إذا أكره على الإسلام بالس-يف، لا يبالي بها وي-دار الحكم على الكلمة وأنّ مناط
ص: 313
...
----------
التكليف وهو العقل والتميز لمّا كان خفيّاً يحصل بالتدريج ويختلف بالأشخاص والأحوال أعرض عن تتبّعه ومعرفة كماله، وعلّقه بالسنّ والاحتلام وكما اكتفى في الترخّص بالسفر المخصوص وأعرض عن المشقّة التي هي الحكمة فيه.(1)
ص: 314
(مسألة 1): لا عدّة على من لم يدخل بها.(1)
----------
(1) كتاباً وسنّ-ةً وإجماعاً من علماء الإسلام. أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾.(1)
أمّا الروايات، فمستفيضة، بل متواترة.
منها: صحيحة زرارة عن أحدهما(علیهما السلام) في رجل تزوّج امرأة بكراً، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات كلّ شهر تطليقة، قال: «بانت منه في التطليقة الأُولی، واثنتان فضل، وهو خاطب يتزوّجها متى شاءت وشاء بمهرٍ جديدٍ»، قيل له: فله أن يراجعها إذا طلّقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر؟ قال: «لا، إنّما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أوّلاً، فأمّا قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها، قد بانت منهساعة طلّقها».(2)
ص: 315
ولا على الصغيرة، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها ولا على اليائسة.(1)
----------
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة، تزوّج من ساعتها إن شاءت وتبينها تطليقة واحدة، وإن كان فرض لها مهراً فنصف ما فرض».(1)
ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل إذا طلّق امرأته ولم يدخل بها؟ فقال: «قد بانت منه وتزوّج إن شاءت من ساعتها».(2)
(1) في المسألة قولان، أحدهما: عدم العدّة لهما، وهو المشهور بين الأصحاب، وبه صرّح الشيخان(3) والصدوقان(4) وسلّار(5) وأبوالصلاح(6) وابن البرّاج(7) وابن حمزة(8) ومن تأخّر عنهم.(9) وفي الجواهر قال:
بل لم نعرف الق-ائل بالأُولی [ع-دم الع-دّة لهما] ع-دا م-ن سم-عت، ب-ل ربما ظه-ر من غ-ير واحد دع-وى الإجماع في مقابله حتّى أنّ الشيخ حكاه عن معاوية بن حكيم من متقدّمي فقهائنا، وعن جميع المتأخّرين
ص: 316
...
----------
منهم.(1) انتهى.
ثانيهما: العدّة بثلاثة أشهر، وهو المحكيّ عن السيّد المرتض-ى(2) وابناء زهرة(3) وشهر آشوب(4) وسماع-ة.(5)
والمشهور هو المنص-ور، وبه تكاثرت الأخب-ار عن الأئمّ-ة الأطهار::
منها: صحيح-ة عبدالرحمن بن الحجّاج، ق-ال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): «ثلاث يتزوّجن على كلّ حالٍ: التي لم تحض ومثلها لا تحيض»، قال: قلت: وما حدّها؟ قال: «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض»، قلت: وما حدّها؟ قال: «إذا كان لها خمسون سنة».(6)
ومنها: الموثّق إلى عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حالٍ: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض»، قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض»، قلت: ومتى يكون كذلك؟ قال: «ما لم تبلغ تسع سنين، فإنّها لاتحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها».(7)
ومنها: صحيحة جميل، ع-ن بعض أصحابنا، عن أحدهما(علیهما السلام) في الرجل يطلّق
ص: 317
...
----------
الصبيّ-ة التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها وقد كان دخل بها، والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها، قال: «ليس عليهما عدّة وإن دخل بهما».(1)
ومنها: صحيح-ة حمّ-اد ب-ن عثمان، عمّ-ن رواه، ع-ن أبي عبدالله(علیه السلام) في الصبيّ-ة الت-ي لا تحي-ض مثلها، والت-ي ق-د يئست م-ن المحي-ض، ق-ال: «ليس عليهما ع-دّة وإن دخ-ل بها».(2)
ومنها: صحيحة حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن التي قد يئست من المحيض، والتي لا يحيض مثلها؟ قال: «ليس عليها عدّة».(3)
ومنها: صحيحة جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما(علیهما السلام) في الرجل يطلّق الصبيّ-ة التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها، فقال: «ليس عليها عدّة وإن دخل بها».(4)
ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «التي لا تحبل مثلها لا عدّة عليها».(5)
ويدلّ على القول الثاني - أيضاً - أخبار، منها: مضمرة أبي بصير،قال: «عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر، والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر».(6)
ومنها: صحيحة ابن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: في الجارية التي لم تدرك الحيض، قال: «يطلّقها زوجها بالشهور»، قيل: فإن طلّقها تطليقة ثمّ مضى شهر ثمّ
ص: 318
...
----------
حاضت في الشهر الثاني، قال: فقال: «إذا حاضت بعد ما طلّقها بشهر ألقت ذلك الشهر واستأنفت العدّة بالحيض، فإن مضى لها بعد ما طلّقها شهران ثمّ حاضت في الثالث تمّت عدّتها بالشهور، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب، وهي ترثه ويرثها ما كانت في العدّة».(1)
ومنها: خبر هارون بن حمزة الغنوي، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن جارية حدثة طلّقت ولم تحض بعد، فمضى لها شهران ثمّ حاضت، أ تعتدّ بالشهرين؟ قال: «نعم، وتكمل عدّتها شهراً»، فقلت: أ تكمل عدّتها بحيضة؟ قال: «لا، بل بشهر يمضي (مضى - خ. ل) آخر عدّتها على ما يمض-ي (مض-ى - خ. ل) عليه أوّلها».(2)
ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر».(3)
ومنها: خبر محمّد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام)، فقلت: المرأة التي لا تحيض مثلها ولم تحض، كم تعتدّ؟ قال: «ثلاثة أشهر»، قلت: فإنّها ارتابت، قال: «تعتدّ آخر الأجلين، تعتدّ تسعة أشهر»، قلت: فإنّها ارتابت، قال: «ليس عليها ارتياب، لأنّ الله عزّ وجلّ جعل للحبل وقتاًفليس بعده ارتياب».(4)
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة المرأة التي لا تحيض
ص: 319
...
والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر».(1)
ومنها: مرسلة الكليني، قال: وروي «أنّ عليهنّ العدّة إذا دخل بهنّ».(2)
وعن السيّد المرتضى رحمه الله الاحتجاج بقوله تعالى: ﴿وَاللَّائي يَئسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائي لَمْ يَحِضْنَ﴾(3) بأنّ الآية صريحة في أنّ الآئسات واللائي لم يحضن عدّتهنّ الأشهر على كلّ حالٍ، والإشكال بأنّ في الآية الاشتراط بالارتياب لمكان قوله تعالى: ﴿إِنِ ارْتَبْتُم﴾ وهو منتفٍ فيهما مدفوعٌ بأنّ الشرط غير نافع عند أصحابنا؛ لأنّه غير مطابق لما يشترطونه، وإنّما يكون نافعاً لهم لوقال تعالى: إن كان مثلهنّ يحضن في الآئسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهنّ تحيض. وإذا لم يقل تعالى ذلك بل قال: ﴿إِنِ ارْتَبتُم﴾ وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا، فلا منفعة لهم به.
ولا يخلو قوله تعالى: ﴿إِنِ ارْتَبتُم﴾ أن يريد به ما قاله جمهور المفس-ّرين(4) وأهل العلم بالتأويل من أنّه تعالى قال: إن كنتم مرتابين في عدّة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها.
ووجه المصير في هذا التأويل ما روي في سبب نزول هذه الآية أنّ أُبيّ بن كعب قال: يا رسول الله! إنّ عدداً من عدد النساء لم يذكر فيالكتاب: الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزل الله تع-الى: ﴿واللَّائي يَئسْنَ ﴾إلى قول-ه: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ
ص: 320
...
----------
أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ فكان هذا دالَّاً على أنّ المراد بالارتياب ما ذكرناه، لا الارتياب بأنّها يائسة أو غير يائسة؛ لأنّه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض والمشكوك في حالها والمرتاب في أنّها تحيض أو لا تحيض لا تكون يائسة.(1)
وقد ظهر ممّا ذكرناه كلّه أنّ الدليل على هذا القول الكتاب والسنّ-ة، لكنّ الاستدلال بهما غير تمام.
أمّا الكتاب، ففيه: أنّ من المحتمل كون المراد من الارتياب في الآية الريب من حيث الحمل، كما عليه صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنِ ارْتَبتُم﴾ ما الريبة؟ فقال: «ما زاد على شهر فهو ريبة، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ولتترك الحيض، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض».(2)
وعن الشيخ; أنّه قال:
الوجه فيه أنّه إذا تأخّر الدم عن عادتها أقلّ من شهر فذلك ليس لريبة الحبل، بل ربما كان لعلّة، فلتعتدّ بالأقراء بالغاً ما بلغ، فإن تأخّر عنها الدم شهراً فما زاد، فإنّه يجوز أن يكون للحمل ولغیره، فیحصل هناك ریبة، فتعتدّ ثلاثة أشهر ما لم تر فيها دماً.(3).
كما أنّ من المحتمل ثانياً أيضاً الريب من حيث بلوغ زمان اليأس، ففي مجمع البیان
ص: 321
...
----------
للطبرسي: «﴿وَاللَّائي يَئسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهنّ أم لعارض».(1) وثالثاً الأعمّ منهما؛ قضاءً لظاهر الآية(2) وإطلاقها.
ومع هذه الاحتمالات حمل الارتياب على الجهالة - كما ادّعاه السيّد (قدس سرُّه) -(3) والاستدلال بالكتاب على مختاره كما ترى؛ حيث إنّه على تسليم عدم ظهور الآية في الاحتمال الأخير أو أحد الأوّلين فلا أقلّ من مس-اواة الاحتمالات مع احتمال السيّد (قدس سرُّه)، ومع الاحتمال فالاستدلال احتمال لا دليل كما هو واضح. وإن شئت تفصيل الجواب فعليك بالنظر في مثل الجواهر(4) والحدائق.(5)
هذا كلّه بالنسبة إلى الكتاب.
أمّا السنّ-ة، فمجموع أخبارها سبعة والمعتبر منها اثنان، صحيحة الحلبي وهي السادسة منها، وصحيحة ابن سنان وهي الثانية منها، والبقيّ-ة بين مرسلة ومضمرة ومجهولة، ومثلها أخبار المقابل، فهي أيضاً كانت سبعة لكنّ المعتبر منها ثلاثة، موثّقة عبدالرحمن بن عثمان وهي الخبر الثاني، وصحيحته وهي الخبر الأوّل، وصحيحة حمّاد بن عثمان وهي الخبرالخامس، وغير هذه الثلاثة من الأربعة الباقية وإن لم تكن معتبرة، لكنّها ليست في ع-دم الاعتبار كالخمس-ة السابقة، فراجع أسناد تلك الأخبار جميعاً. (6)
ص: 322
...
----------
فعلى هذا، فالأخبار من الطرفين موجودة والتعارض ثابتٌ، ففي الشرائع قال: «وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان».(1) لكن هذه الطائفة غير قابلة للمعارضة للطائفة الأُولی من جهات، إحداها: عدم الدلالة في تلك الأخبار من رأسٍ وأنّها راجعة إلى البالغة الحدثة أو التي في سنّ من تحيض ولا تحيض وغير شاملة لغير البالغة أصلاً إلّا المرسلة وخبر ابن حكيم الذين يأتي الكلام فيهما في الجهة الثالثة؛ وذلك أمّا في المضمرة، فموضوعها عدم بلوغ الحيض لاعدم بلوغ المرأة وكونه كناية عنه خلاف الظاهر كما لا يخفى، فإنّ الأصل، الحقيقة وموضوعيّ-ة العناوين بأنفسها لا أنّها عناوين مشيريّ-ة، ومثلها بقيّ-ة الأخبار، فراجعها.
ثانيتها: أنّ المنصرف من عدم بلوغ الحيض ودركه وعدم تحيّضها وكون الجارية حدثة في كلام إمام معصوم كان أو في كلام السائل، كلّها المرأة البالغة التي لاحرمة للدخول بها؛ وذلك لندرة طلاق غير البالغة المدخول بها وعدم تعارفه والسائل يسأل عن المتعارف كما هو المتعارف في الأسئلة، ومع إرادة النادر لابدّ من التقييد وبيان المفروض، فالتمسّك بترك الاستفصال في مثل المورد كما ترى. كما أنّ إطلاق كلام المعصوم(علیه السلام) متصدّ لبيان مورد الابتلاء والمتعارف ولذلك يقال: إنّ مثل ألفاظ المقادير والأوزان محمولٌ على العادة والتعارف ولا اعتباربالخارج منهما ممّا يكون نادراً وخارجاً عن العادة. فتأمّل، ولأنّ الدخول بغير البالغة محرّم فكلام السائل المتشرّع والإمام المعصوم(علیه السلام) منصرفٌ ع-ن بيان حكم مث-ل ذلك المحرّم،
ص: 323
...
----------
وأنّ مع وقوعه فهل على تلك الجارية عدّة أم لا؟ فالمراد من ع-دم بلوغ الحيض ودرك-ه، المرأة البالغة غير الحائض لعدم زمان حيضها أو الأعمّ منها وممّن لا تحيض وهي في سنّ من تحيض.
ثالثتها: أنّه على تسليم عدم الانص-راف نقول: النسبة بين الطائفة الأُولی والثانية نسبة الخاصّ إلى العامّ، فتكون مقيّدة لا معارضة، فصحيحة عبدالرحمن وموثّقته تنصّان على ما دون التسع، وكذلك مرسلتا جميل متضمّنتان لطلاق الرجل الصبيّ-ة التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها، وفي معناها صحيحة حمّاد بن عثمان عمّن رواه، عن أبي عبدالله(علیه السلام). نعم، مرسلة الكليني; وخبر محمّد بن حكيم مختصّان بغير البالغة لكنّ المرسلة ليست رواية خاصّة كما لا يخفى، بل نقل بالمعنى منه (قدس سرُّه) عن تلك الأخبار.(1)
وأمّا خبر محمّد بن حكيم فمعارضته، لا سيّما لما ع-ن عبدالرحمن واضحة، لكن فيه أنّ في ذيله شهادة على أنّ المراد من «التي لا تحيض مثلها»، المرأة الكاملة التي لا تحيض وفيها ريبة الحمل، ففيه بعد حكمه(علیه السلام) بثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ارتابت، قال: «ليس عليها ارتياب، لأنّ الله عزّوجلّ جعل للحبل وقتاً فليس بعده ارتياب».
رابعتها: ترجيح الطائفة الأُولی بمخالفتها للعامّة. هذا كلّه مع موافقتها للشهرة. وفي الجواهر بعد الجواب عن الكتاب، قال:
وأمّا الأخبار، فمع رجحان غيرها عليها من وجوهٍ، منها: مخالفةالعامّة، لا بأس بحملها على إرادة من بل-غت سنّ الحيض ولكن لم تحض، أو انقطع حيضها
ص: 324
سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها.(1)
(مسألة 2): يتحقّق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلاً أو دبراً وإن لم ينزل، بل وإن كان مقطوع الأنُثيين.(2)
----------
ولكن لم تبلغ سنّ اليأس.(1)
هذا كلّه في أصل المسألة، وقد ظهر ممّا ذكرنا فيه أنّ مورد عدم العدّة هو الدخول قبل البلوغ الذي يكون محرّماً، وما في صحيحة عبدالرحمن وموثّقته بالتفسير بعدم بلوغ التسع وأنّه الحدّ، فالظاهر أنّه من باب المثال والقدر المتيقّن.
وما في شرح النافع(2) للسيّد السند من كون مورد الروايات «التي لا تحيض مثلها»، وهي الأعمّ ممّا قبل التسع والزائد عليه، فليس الموضوع الصغيرة وقبل التسع، ففيه: أنّ ذلك شبه اجتهادٍ في مقابل النصّ، وهو صحيح عبدالرحمن، بل ومرسلة جميل وغيرهما.
(1) قضاءً لإطلاق الروايات. نعم، عدّة الوفاة خارجة عن الإطلاق والضابطة؛ قضاءً للأخبار الدالّة عليه عند ذكر المسألة إن شاء الله تعالى.
(2) لا خلاف في تحقّق الدخول بإدخال الحشفة قُبلاً وإن لم ينزل، بل الظاهر أنّه إجماعي، ويدلّ عليه الأخبار الدالّة على أنّ الملاك في العدّة والمهر والغسل التقاء الختانين، وكذا الدالّة على أنّ الاعتبار في تلكالأحكام بمثل الدخول والوطئ والإتيان.
ص: 325
...
----------
فالطائفة الأُولى ثلاثة:
وهي صحيح الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل دخل بامرأة، قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة».(1)
وصحيح حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة والغسل».(2)
وخبره أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل دخل بامرأة، قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة».(3)
وأمّا الطائفة الثانية، فكثيرة:
فمنها: صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم، ووجب المهر».(4)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل والمرأة، متى يجب عليهما الغسل؟ قال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم».(5)
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ملامسة النساء هي (هو - خ. ل) الإيقاع بهنّ».(6)ومنها: خبر ابن مسلم، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) متى يجب المهر؟ قال: «إذا
ص: 326
...
----------
دخ-ل بها».(1)
ومنها: غير ذلك ممّا نقله صاحب الوسائل في أبواب متفرّق-ة.
ثمّ إنّ المذكور في الكتاب وإن كان هو المسّ ولكنّ المراد منه هو الدخول بدلالة ما مرّ في صحيحة عبدالله بن سنان من قوله(علیه السلام): «ملامسة النساء هي (هو - خ. ل) الإيقاع بهنّ»، بل وبقيّ-ة أخبار الباب، فإنّها ناظرة إلى الكتاب ومأخوذة منها.
هذا كلّه بالنسبة إلى أصل المسألة، وأنّ المناط في الدخول هو الإيلاج، وأمّا الجهات الثلاث المذكورة في المتن من عدم اعتبار الإنزال والقبل والأُنثيين فالكلام فيها يتمّ في ثلاث مسائل:
الأُولى: أنّ مقتضى إطلاق الأخبار عدم اعتبار الإنزال، ويدلّ عليه بالخصوص صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة فأدخلت عليه ولم يمسّها ولم يصل إليها حتّى طلّقها، هل عليها عدّة منه؟ فقال: «إنّما العدّة من الماء»، قيل له: فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ فقال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة».(2) وحكمة كون العدّة لبراءة الرحم لا تنافي ترتيب الشارع الحكم على معلوميّ-ة البراءة كما في غيرها من الحكم، والحصر في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «العدّة منالماء»(3) إضافي في مقابل محض الخلوة.
وصحيحة ابن سنان التي فيه-ا الجمع بين ذلك الح-صر وحصول الدخول من
ص: 327
...
----------
دون إنزال، بل يشهد عليه موثّقة يونس بن يعقوب أيضاً، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل زوّج امرأة فاغلق باباً وأرخى ستراً ولمسّ وقبّل ثمّ طلّقها، أيوجب عليه الصداق؟ قال: «لا يوجب الصداق إلّا الوقاع».(1)
وكيف كان، فالأمر سهلٌ بعد صراحة الصحيحة في عدم اعتبار الإنزال وكفاية أصل الدخول.
الثانية: لافرق بين القبل والدبر في ذلك بلا خلاف بين الأصحاب. وفي الجواهر،(2) بل ظاهرهم الإجماع عليه بعد نفيه وجدان الخلاف عدا ما عساه يشعر به اقتصار الفاضل في التحرير(3) على الأوّل وبنفي الخلاف قد صرّح صاحب الحدائق(4) وإن توقّف فيه وتبعه في الرياض(5) لولا الوفاق بدعوى انص-راف المطلق إلى الفرد الشائع الذي هو المواقعة في القبل المندوب إليها والمحثوث عليها، سيّما مع كراهة الأخير بل قيل بحرمته بل به يتحقّق التقاء الختانين خصوصاً بعد ما تقدّم من الخلاف في كتاب الطهارة في الغسل بدخولها فيه مع ترجيح العدم كما مرّ.(6).
وفي الجواهر(7) الإشكال فيه بمنع الانصراف من جه-ة القرائن والشواهد ومن جهة أنّ الموجب للان-صراف هو كثرة الاستع-مال لا الأفراد، بل الظنّ القويّ
ص: 328
...
----------
الحاصل من الشهرة والإجماع على إرادة الأعمّ على تسليم الانص-راف، وأجمل كلامه بقوله: «وبالجملة، فالمناقشة المزبورة في غاية السقوط»، ودونك عبارته:
قد يقال بعد كون الدبر أحد المأتيين وأحد الفرجين وما تقدّم سابقاً من النصوص في تفسير قوله تعالى: ﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾(1) يمكن منع أنّ المنساق من الإيقاع والإدخال ونحوها غيره، بل ستسمع ترتّب العدّة على الالتذاذ في صحيح أبي عبيدة المنزّل على ما يشمل ذلك، كما أنّك سمعت ترتّبها على الماء الصادق بإنزاله في الدبر، ويتمّ بعدم القول بالفصل، على أنّ كونه شائعاً فيما يقع من الوطئ لا يقتضي ندرة إطلاق الدخول والإتيان والوقاع والمسّ، بل والوطئ ونحوها عليه، ولا أقلّ من كونه بالشهرة أو بالإجماع يقوى الظنّ بإرادة ما يشمل الفرد المزبور من الألفاظ المزبورة لو سلّم انسياق خصوص القبل منها. وبالجملة، فالمناقشة المزبورة في غاية السقوط.(2)
أقول: هذا صحيحٌ وكلامه وإن لا يخلو عن المناقشة، لكن ليس في تلك المرتبة من السقوط، بل لكلامه وجهٌ بعد ما للانص-راف من الوجه وهو السؤال في الروايات الكثيرة عن الوطئ في الدبر، ففيه شهادة عليه، وإلّا فمع الإطلاقات الكثيرة وعدم الانصراف كيف يمكن التوجيه لتلك الكثرةمن الأسئلة والوجوه المذكورة في كلام-ه لع-دم الانصراف كلّها م-ورد للمناق-شة،(3) أمّا كون ال-دبر أحد
ص: 329
...
----------
المأتيين، كما جاء في خبر حفص بن سوقة، عمّن أخبره، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل يأتي أهله من خلفها؟ قال: «هو أحد المأتيين فيه الغسل»،(1) فهو لبيان أصل الوقاع لا لكثرته، مضافاً إلى أنّ المحتمل منه هو إرادة الإتيان في القبل أيضاً من الطريقين.(2)
وأمّا إطلاق الفرج عليه هو ليس بأزيد من الاستعمال، مع أنّه في لسان اللغة والعرف لا الكتاب والسنّ-ة.
هذا كلّه مع عدم تناسبه لأصل المعنى في الفرج ونصوص تفسير آية الحرث(3) إن لم يكن فيها من جهة السؤال شهادة على الانصراف فلا أقلّ من عدم الشهادة من رأسٍ.
ص: 330
...
----------
وأمّا اللذّة المذكورة فيما رواه أبوعبيدة الحذّاء، قال: سئل أبوجعفر(علیه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة، وهي تعلم أنّه خصيّ، قال: «جائز»، قيل له: إنّه مكث معها ما شاء الله، ثمّ طلّقها، هل عليها عدّة؟ قال: «نعم، أ ليس قد لذّ منها ولذّت منه؟» قيل له: فهل كان عليها فيما يكون منه غسل؟ قال: «إن كان إذا كان ذلك منه أمنتْ، فإنّ عليها غسلاً»، قيل: فله أن يرجع بشيءٍ من الصداق إذا طلّقها؟ قال: «لا».(1) فهي في مقام بيان عدم مانعيّ-ة حيث الخصاء وليست ناظرة إلى الدخول وعدمه. وبعبارة أُخرى: الإطلاق في مقام كفاية الاستلذاذ وإن كان من الخص-يّ ودخوله في مقابل مانعيّ-ة الخصاء لا في مقام كفايته مطلقاً ولو مع الخلوة وعدم الدخول حتّى يكون شاملاً للدبر أيضاً.
وأمّا قوله في صدق الماء بالإنزال في الدبر فهو اجتهادٌ في مقابل النصّ؛ لأنّ «العدّة من الماء» في مقابل الخلوة، فالحص-ر إضافي كما مرّ، والتمام بعدم القول بالفصل في قوله: «ويتمّ بعدم القول بالفصل» فغير تمامٍ؛ لأنّ الحجّة هي القول بعدم الفصل لاعدم القول بالفصل.
وأمّا عدم استلزام الشيوع في الخارج وبحسب المصداق الشيوع بحسب الاستعمال والندرة في الأخير فيكون تماماً وفي محلّه، لكنّه مخدوشٌ في المورد ومحلّ البحث حيث إنّ الموضوع في الأخبار تلك العناوين المضافة إلى النساء لا المطلقة وكثرة استعمالها في القبل فقط غير بعيد. هذا، مع أنّ القول بكون كثرة الوجود في أمثال هذه العناوين ممّا هو مورد للأسئلةوالأجوبة موجبة لكثرة الاستعمال غير جزافٍ، بل وجاهته موجّهة.
ص: 331
...
----------
الثالثة: المعروف بين الأصحاب، بل ظاهر الكلّ عدم اعتبار الأُنثيين وكفاية دخول الخصيّ - المعبّر عنه في المتن بمقطوع الأُنثيين - في وجوب العدّة، فإنّه وإن كان لا ينزل ولكنّه يولج ويدخل، فيكون بمنزلة الفحل الذي يجامع ولا ينزل، والمعتبر في الباب هو محض الإدخال والإيلاج والتقاء الختانين ولو مع عدم الإنزال كما عرفت؛ قضاءً لإطلاق الأخبار المنقولة المعتبرة في أوّل المسألة، بل لظهور صحيحة ابن سنان في عدم اعتباره.
ويدلّ على الكفاية بالخصوص صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: سئل أبوجعفر(علیه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة، وهي تعلم أنّه خصيّ؟ قال: «جائز»، قيل له: إنّه مكث معها ماشاء الله، ثمّ طلّقها هل عليها عدّة؟ قال: «نعم، أ ليس قد لذّ منها ولذّت منه؟» قيل له: فهل كان عليها فيما يكون منه غسل؟ قال: «إن كان إذا كان ذلك منه أمنْت فإنّ عليها غسلاً»، قيل: فله أن يرجع بش-يء من الصداق إذا طلّقها؟ قال: «لا».(1)
وهذه الصحيحة وإن كانت معارضة لصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نص-ر، قال: سألت الرضا(علیه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة على ألف درهم، طلّقها بعد ما دخل بها؟ قال: «لها الألف التي أخذت منه، ولا عدّة عليها»،(2) إلّا أنّها مقدّمة عليها؛ لموافقتها الشهرة والإجماع والضابطةالمستفادة من الأخبار.
ص: 332
...
----------
هذا، مع أنّه على التكافؤ والتخيير فالأخذ بصحيحة ابن سنان(1) الموافقة للشهرة أولى من الأخذ بالأُخرى المخالفة لها، ومع التساقط فالإطلاقات محكّمة، وأمّا الجمع بينهما كما عن الفيض في الوافي(2) والمفاتيح(3) بحمل العدّة في صحيحة أبي عبيدة(4) على الندب فضعفه ظاهر؛ لأنّ التعارض بينهما تعارض التباين والإثبات والنفي؛ حيث إنّ قوله: «نعم» في جواب السؤال بقوله: «هل عليها عدّة؟» بمنزلة «عليها العدّة» المباينة؛ لقوله(علیه السلام): «ولا عدّة عليها»، فأيّ تعارض أظهر من قوله: «عليها» و «لا عليها»؟ وكيف يحمل الإثبات على الندب؟ والجمع بينهما بحمل الدخول في صحيحة ابن أبي نصر على الخلوة وحمل «الألف» على الاستحباب أولى من الطرح؛ كما أنّ القول بالجمع بينهما بحمل الإطلاق وترك الاستفصال في صحيحة ابن أبي نصر على الجاهلة؛ قضاءً للتصريح بالعالمة في الصحيحة الأُخرى، ففيها: «وهي تعلم أنّه خص-يّ»، بل أن يقال بأنّه لا تعارض بينهما أصلاً ليس بجزافٍ، بل عليه القرينة الخارجيّ-ة، وهي التعبير في قوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾؛(5)حيث إنّه مشعرة، إن لم تكن ظاهرة بأنّ العدّة حقّ للزوج، فهي بعد ما كانت عالمة فالحقّ له، وإن كانت جاهلة فحقّ اعتداده عليها ساقط،وكذا القرينة الداخليّ-ة، وهي إمكان اللذّة المذكورة في الرواية المناسب للزوم إمكان الرجوع فيه في زمان العدّة.
ص: 333
...
----------
لا يقال: إنّه قول للفصل، مع أنّ رواية أحمد بن محمّد معرضٌ عنها، فلا يأتي دور الإطلاق والتقييد.
فإنّه يقال: لعلّ الطرح مسبّب عن الاجتهاد وتقديم جانب صحيحة أبي عبيدة؛ لموافقتها مع الكتاب والاحتياط، وذلك غير موجب للسقوط عن الحجيّ-ة.
وبالجملة، طرح الرواية المعرض عنها لابدّ وأن يكون الإعراض موجباً للاطمئنان بعدم الصحّة، كما عليه قوله(علیه السلام) في المقبولة في مقام التعليل: «إنّ المجمع عليه لا ريب فيه»،(1) فهذا جمع حسنٌ وتمام وعليه اللفظ والاعتبار إن لم يكن مخالفاً للإجماع.
ثمّ إن كان الزوج مقطوع الذكر دون الأُنثيين، فعن الشيخ في المبسوط(2) لزوم العدّة مع المساحقة، والمحقّق (قدس سرُّه) في الشرائع(3) قد تردّد فيه، وفي الجواهر في وجه الترديد:
إنّ الأصل في الاعتداد الحمل والتحرّز عن اختلاط المائين، ولذا انتفى عمّن لا يحتمل ذلك فيها، ولشمول المسّ والدخول لذلك وغيره خرج غيره من الملامسة بسائر الأعضاء بالإجماع، ومسّ مجبوب الذكر والأُنثيين جميعاً بالعلم عادة ببراءة الرحم، ويبقىهذا المسّ داخلاً من غير مخرج له، ومن أنّ الع-دّة تترتّب على الوطئ والدخول ونحوهما ممّا
ص: 334
...
----------
لا يصدق على المساحقة، والمسّ حقيقةٌ في عرف الشرع أو مجاز مشهور في الوطئ، وكذا الدخول بها، فلا أقلّ من تبادره إلى الفهم، على أنّه مطلق يقيّد بما دلّ على اعتبار التقاء الختانين والإدخال ونحوهما، وإمكان الحمل بمساحقة لا يكفي في العدّة بعد أن كان موضوعها في النصّ والفتوى الدخول ونحوه ممّا لا يشملها.(1)
هذا في الحائل وأمّا الحامل، فمختار المحقّق(قدس سرُّه) العدّة؛ لإمكان الإنزال الذي يتكوّن منه الولد فيلحق به، لأنّه للفراش ويندرج بذلك تحت قوله تعالى: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾،(2) وهذا في الحقيقة تفصيل بين الحائل والحامل، بل عن القواعد(3) إنّه كذلك وإن كان مقطوع الذكر والأُنثيين على إشكال.
أقول: والإشكال ينشأ من أنّ الرحم مع فقدان الأُنثيين بريء من الحمل طبعاً، ومن أنّه يحتمل الحمل من الصلب؛ فإنّه معدن المني بالآية.
وفي الجواهر الإيراد عليه بنفي الإشكال؛ لأنّ الحمل ملحوق بالزوج ولو مع الاحتمال المخالف للعادة؛ لإطلاق قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الولد للفراش»،(4) ثمّ الإيراد على المسالك وعلى المثبتين للعدّة بالحملمن دون دخول مائه المحترم فيها، وعلى الشيخ(قدس سرُّه)، ولما في كلماته من الفوائد ننقلها برمّتها ثمّ نتعرّض لما فيها من الإشكال، ودونك الكلمات:
ص: 335
...
----------
وفي المسالك بعد أن ذكر أنّ المعتبر من الوط ء غيبوبة الحشفة قبلاً أو دبراً قال: وفي حكمه دخول منيه المحترم فرجاً فيلحق به الولد إن فرض، وتعتدّ بوضعه، وظاهر الأصحاب عدم وجوبها بدون الحمل هنا.(1)
وفيه: أنّ المتّجه مع فرضه كونه بحكم الاعتداد قبل ظهورالحمل مخافة اختلاط المائين، بل لعلّ وجوب العدّة لها حاملاً يقتض-ى ذلك أيضاً، ضرورة معلوميّ-ة اشتراط العدّة بطلاقها الدخولي، فإن لم يكن ذلك بحكمه لم يكن لها عدّة حتّى معه أيضاً؛ لظهور النصوص المزبورة في اعتبار الالتقاء والإدخال والمسّ ونحوها ممّا لا يندرج فيها المساحقة، من غير فرق بين الحامل وغيرها، والآية إنّما يراد منها بيان مدّة العدّة للحامل، لا أنّ المراد منها بيان وجوب العدّة على الحامل وإن لم تكن مدخولاً بها، كما هو واضح بأدنى تأمّل.
فمن الغريب إثباتهم للعدّة بالحمل من دون دخول مائه المحترم فيها، مع أنّ نصوص العدّة التي سمعتها لا فرق فيها بين الحامل وغيرها، وقد عرفت أنّ الآية(2) ليست في أسباب العدّة، بل هي في بيان أجل العدّة، نحو الثلاثة قروء والثلاثة الأشهر المذكورين لغيرها، كما لا يخفى.
وأغرب من ذلك فرّق الشيخ بين العدّة بالأقراء والعدّة بالأشهر باشتراط الأُولی بالدخول بخلاف الثاني-ة؛ إذ هو كما ترى خارج عن النصوص المزبورة.
ص: 336
...
----------
ونحو ذلك في الغرابة حكمهم بعدم العدّة في المجبوب الذي لا فرق بينه وبين مقطوع الذكر خاصّة، بعد فرض حصول ماء من مساحقته يمكن تكوّن الولد منه ولو على خلاف العادة؛ لإطلاق قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «الولد للفراش»(1) المفروض شموله لمساحقة سليم الأُنثيين، ولو كان الذي ألجأهم إلى ذلك حمل قوله(علیه السلام): «إنّما العدّة من الماء»(2) على إرادة بيان الحكمة لا السبب، ولذا أعقبه باعتبار الإدخال في العدّة، ولم يجعلوا ذلك سببين للعدّة، وحمل قوله(علیه السلام): «لذّت منه ولذّ منها»(3) على خصوص الالتذاذ بالإدخال لا مطلقاً، بحيث يشمل المساحقة، لكن كان المتّجه عدم التزام العدّة حتّى مع الحمل منه، وكون منيّه محترماً لا ينافي سقوط العدّة المشترطة بالدخول والفرض عدمه، فيكون حملها نحو حملها باستدخال قطنة من منيّه أو بمساحقة زوجة كانت تحته، وصعوبة التزام ذلك باعتبار كونها حاملاً منه كصعوبة التزام عدم العدّة لمائه المحترم فيها المحتمل تكوّن ولد منه، مع أنّ مشروعيّ-ة العدّة للحفظ من اختلاط الماء، والحكمة وإن لم تطرد، لكن ينتفي الحكم الذي شرع لها معها، فليس إلّا القول بأنّ للعدّة سببين: أحدهما: دخول مائه المحترم فيهابالمساحقة أو بإيلاج دون تمام الحشفة، والثاني إيلاج الحشفة وإن لم ينزل، بل وإن كان صغيراً غير قابل لنزول ماء منه. فتأمّل
ص: 337
...
----------
جيّداً، فإنّ المقام غير منقّح، والله أعلم بالصواب.(1)
أقول: المحصّل من كلامه ثلاثة أُمور:
أحدها: أنّ اللازم من العدّة للحامل مع عدم الوط ء لزومها على الحائل أيضاً مخافة اختلاط المائين، ولأنّ العدّة للماء ولحصول اللذّة والالتذاذ الواقع في صحيحة أبي عبيدة علّةً للعدّة، ولعدم الفرق بينهما من حيث عدم الوط ء وعدم شمول أدلّة العدّة المتضمّنة له وللمسّ ومثله، والفرق بآية: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ﴾(2) غير تامّ؛ لعدم كونها في مقام بيان العدّة للحامل حتّى يكون له الإطلاق، بل الآية في مقام مقدار العدّة لها كآية الأقراء.(3)
ثانيها: الإشكال على الشيخ بالفرق بين العدّة بالأقراء والأشهر باشتراط الأُولی بالدخول بخلاف الثانية، مع عدم الدليل على الفرق، فإنّ الأدلّة فيهما مطلقة.
ثالثها: الغرابة في حكمهم بعدم العدّة للمجبوب الذي لا فرق بينه وبين مقطوع الذكر بعد حصول الماء من مساحقته مع عدم الفرق بينهما كما بيّنه;؛ لإطلاق «الولد للفراش»، وأنّ العدّة من الماء، وأنّ حمله على الحكمة موجبٌ لعدم العدّة حتّى مع الحمل بدون الجماع والوط ء، فالقول بالعدّة مع الحمل في مقطوع الذكر مستلزم للقول بتعدّد السبب من الماء والإدخال.
وفي كلام-ه(قدس سرُّه) مواضع من الن-ظر، أحدها: الإي-راد على إشك-ال العلّام-ة(قدس سرُّه) في
ص: 338
...
----------
القواعد؛(1) متمسّكاً ب- «الولد للفراش» ففيه: أنّه على كون قاعدة الولد أمارة شرعيّ-ة فالظاهر اختصاصها بغير الظنّ بالخلاف الحاصل من العادة؛ لعدم الأماريّ-ة والطريقيّ-ة معه أصلاً، فكيف يجعل حجّة وطريقاً، فإنّ اللازم في الحجّة هي الطريقيّ-ة ولو على النوع المفقود في المورد، وأمّا على كونه أصلاً عمليّ-اً تعبّديّ-اً فالاختصاص بمورد الشكّ أظهر؛ لكون مورده الشكّ العقلائي لا الاحتمال العقلي المنتفي مع العادة والظنّ النوعي على خلاف القاعدة.
وكيف كان، يشهد للاختصاص، المقابلة المذكورة في الخبر بقوله(صلی الله علیه وآله وسلم): «وللعاهر الحجر».(2) والمراد من العاهر العاهر الذي يحتمل لحوق الولد به عرفاً وعادة لا المطلق منه، حيث إنّه مع كون اللحوق على خلاف العادة لامحلّ للادّعاء عرفاً وعادة حتّى يحكم بنفيها مع الظنّ العادي على خلافه بذلك القول. وبعبارة أُخرى: مورد جملة: «وللعاهر الحجر» العاهر الخاصّ المحتمل كون الولد له عادة لا العاهر الذي لا احتمال للإلحاق به بحسب العادة والعرف؛ لعدم تحقّق الادّعاء فيه عادة حتّى يلزم الحكم بنفيه بذلك القول.
ثانيها: نقده لكلام الشهيد(قدس سرُّه) بأنّ الآية(3) إنّما يراد منها بيان مدّةالعدّة للحامل لا وجوب العدّة لها ففيه أنّه لقائل أن يقول: أنّ الآية عامّة وليست مطلقة ولا احتياج في العموم إلى مقام البيان. نعم، ما ذكره; من كون الحكمة التحرّز عن الاختلاط
ص: 339
...
----------
ففي محلّه، فإنّه المستفاد من الأخبار الدالّة على عدم العدّة لغير المدخول بها والتي لم تبلغ ولم تحمل ولليائسة من الحيض، ولأنّ العدّة من الماء.
ثالثها: ابتناء كون العدّة لورود المني المحترم في الرحم في بيان الغرابة بكون الموجب والسبب للعدّة أمرين: أحدهما: الإيلاج وإن لم ينزل. ثانيهما: ورود ذلك المني ولو بالمساحقة أو بإيلاج ما دون الحشفة، فكيف لم يحكموا بالعدّة في المجبوب، ففيه عدم انحصار الابتناء بإثبات السببيّ-ة لهما، بل يكفي في ذلك كون الحكمة عدم اختلاط المياه؛ لأنّ الحكمة وإن لم تكن كالعلّة في الدوران وجوداً وعدماً، لكنّها مثل العلّة وجوداً؛ بمعنى أنّ مع الحكمة لابدّ من الحكم وإلّا فلا وجه لتلك الحكمة أصلاً كما لا يخفى، وقد عرفت أنّه الحكمة، فالعدّة لازمة في جميع الموارد المذكورة في الجواهر حتّى مع جذب المرأة المني من القطنة أو في النوم وأمثالهما، ولعلّ لعدم انحصار الابتناء بما ذكره; أمر بالتأملّ جيّداً.
لا يقال: الظاهر من الشهيد الثاني (قدس سرُّه) (1) أنّ الظاهر من الأصحاب عدم العدّة مع عدم الدخول وعدم الحمل، بل المستفاد من كلام الفاضل الهندي (قدس سرُّه) في كشف اللثام(2) الاتّفاق على العدم وإرساله إرسال المسلّمات، فكيف يحكم بالعدّة للحائل في تلك الموارد مع عدم الدخول.
لأنّه يقال: إنّه على الاستظهار واستفادة الاتّفاق أيضاً لا حجيّ-ة له؛ لأنّ المسألة
ص: 340
...
----------
اجتهاديّ-ة والإجماع مدركي، فإنّ الظاهر في وجه فتوى الأصحاب هو وجود قيد الدخول في الروايات أو أنّ مورده القطع بعدم الاختلاط.
ثمّ إنّه لا فرق في عدّة المدخول بها بين أن يكون الزوج كبيراً أو صغيراً؛ لإطلاق النصّ.
وما في الحدائق من ادّعاء الانصراف عن الصغير من:
أنّ الطلاق في الأخبار إنّما تحمل على الأفراد الشائعة المتعارفة المتكرّرة، وهي هنا البالغ دون الصغيرة، فإنّه نادر بل مجرّد فرض.(1)
ممنوعٌ أوّلاً: بأنّ كثرة الوجود لا توجب الانصراف، فإنّ الحكم متعلّق بالطبيعة والقضايا الشرعيّ-ة طبيعيّ-ة ثابتة على الأفراد؛ نادرة كانت أو شائعة، بل ومعدومة، كما حقّق في الأُصول، وثانياً: العجب من صاحب الحدائق (قدس سرُّه) الخبير بالروايات كيف يدّعي ذلك مع أنّ طلاق الصغير كان مورداً للسؤال والجواب.
واعلم أيضاً أنّه لا فرق فيها بين كونهما نائمين أو يقظين أو المختلفين؛ قضاءً لإطلاق الأدلّة، مثل ما مرّ بأنّ التقاء الختانين يوجب الغسل والمهر والعدّة.
...
----------
التزويج قبل الوضع، وأمّا مع عدمه، فالمشهور أنّه كذلك، وأثبتها العلّامة في التحرير(1) ونفى البأس عنها في المسالك؛(2) حذراً من اختلاط المياه وتشويش الأنساب، وجعلها المفاتيح أحوط(3) وهو مختار الحدائق(4) وظاهر عنوان الوسائل،(5) والمشهور منصور؛ لأنّ المستفاد من الآية أنّ العدّة حقّ للزوج، ففي الآية الشريفة: ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ﴾(6) بل يشعر به إن لم يكن ظاهراً فيه قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾(7) كما مرّ، ولأنّ الزاني لاحرمة له وللعاهر الحجر، فلا حقّ له.
هذا، مع أنّ الأصل البراءة عن العدّة وضعاً وتكليفاً وهي مقدّمة على أصالة الفساد في العقود كما لا يخفى.
واستدلّ للقول الآخر بإطلاق أخبار العدّة؛ من أنّ العدّة من الماء أو إنّما العدّة من الماء، ومن أنّ التقاء الختانين سبب للعدّة، وبأنّ الحكمة في العدّة هي التحفّظ عن اختلاط المياه، وهي موجودة في المزنيّ بها الحائل، وبالأخبار:
منها: ما عن إسحاق بن جرير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلتله: الرجل يفجر بالمرأة ثمّ يبدو له في تزويجها، هل يحلُّ له ذلك؟ قال: «نعم إذا هو اجتنبها
ص: 342
...
----------
حتّى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوّجها، وإنّما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها».(1)
ومنها: ما رواه الحسن بن عليّ بن شعبة، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد(علیه السلام) أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا، أ يحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال: «يدعها حتّى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه، ثمّ يتزوّج بها إن أراد، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً، ثمّ اشتراها فأكل منها حلالاً».(2)
وفي الأوّل: أنّ الحصر إضافي، والإطلاقات منصرفة عن الزنا، فإنّ الأسئلة والأجوبة ناظرة إلى النكاح المشروع كما لا يخفى، بل ويشهد للانص-راف سببيّ-ة الالتقاء للمهر، مضافاً إلى العدّة، إلّا أن يقال: إنّ المسبّب هو الجميع لا المجموع، وإن أبيت وقلت إنّه على الانصراف فالإلحاق ثابت؛ لإلغاء الخصوصيّ-ة وأنّه لافرق بين الدخول بالنكاح المشروع أو الزنا، فإنّ المناط التقاء الختانين والدخول الحاصل في الزنا، فنقول: إنّ الخصوصيّ-ة موجودة ولا أقلّ من احتمالها؛ لمكان قوله: «وللعاهر الحجر»، بل لك أن تقول: إنّه على عدم الانص-راف والإطلاق في أخبار العدّة لاجدوى له؛ لتقييده بتلك الجملة، حيث إنّ العدّة حقّ للزوجعلى الزوجة والحديث دالّ على عدم الحرمة وعدم الحقّ للعاهر من رأس وأنّ حقّه الحجر. فتدبّر ولا تغفل.
ص: 343
(مسألة 3): يتحقّق اليأس ببلوغ ستّين في القرشيّ-ة وخمسين في غيرها، والأحوط مراعاة الستّين مطلقاً بالنسبة إلى التزويج بالغير وخمسين كذلك بالنسبة إلى الرجوع إليها. (1)
(مسألة 4): لو طلّقت ذات الأقراء قبل ب-لوغ سنّ اليأس ورأت الدم مرّة أو
----------
والثاني - أي الحكمة المذكورة - ففيها: أنّها راجعة إلى الماء المحترم؛ قضاءً لذلك الحديث، مضافاً إلى عدم إتيان اختلاط المياه هنا؛ لأنّها إن كانت مزوّجة فمع إمكان لحوق الولد بالزوج ملحق به، ومع عدمه يلحق بالزاني.
وفي الثالث: أنّ العدّة في خبر إسحاق بن جرير ليست عدّة اصطلاحيّ-ة، والحكم فيه استحبابي؛ حيث إنّ الاعتداد عند الطلاق بالنسبة إلى الزوج ليس بواجب مع الطلاق الذي ه-و الأصل فيها فكيف في الزنا وه-و الفرع في المسألة؟(1) ويشهد ل-ه ذيله الآم-ر بالتوبة، وأنّ رواية ابن شعبة مضافاً إلى ضعف سندها أنّ الموضوع فيها ه-و الاستبراء بأيّ طريق حصل لا الاستبراء م-ن طريق العدّة، مضافاً إلى أنّه أخصّ م-ن المدّعى؛ لأنّ المستفاد منها عدم وج-وب العدّة م-ع العلم بعدم الحمل وع-دمدلالته على أزيد من الندب كما لا يخفى. هذا مضافاً إلى ما أورد على الأُولی من لزوم مزيّ-ة الفرع على الأصل.
(1) قد مرّ(2) الكلام فيها، ومنشأ الاحتياط العمل بالروايات المختلفة.
ص: 344
مرّتين ثمّ يئست أكملت العدّة بشهرين أو شهر، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدّت شهراً أو شهرين ثمّ يئست أتمّت ثلاثة. (1)
----------
(1) اعلم أنّ في المسألة جهتين من البحث؛ من ناحية القواعد ومن جهة الرواية الخاصّة. أمّا الأُولی، فمقتضى القواعد هو عدم العدّة فيها؛ وذلك لأنّ الروايات الدالّة على لزوم العدّة منصرفة إلى من تتمكّن العدّة، بل ظاهرة فيها؛ لأنّه المنسبق منها إلى الذهن، ومقتضى الأصل أيضاً البراءة منها، ومع عدم العدّة لها من رأس لا محلّ لقاعدة الميسور كما هو ظاهر، ومنه انقدح ضعف ما في المسالك،(1) حيث إنّ المستفاد منه الاستدلال على العدّة بالاستصحاب؛ وذلك لعدم اليقين السابق واعتدادها جهلاً مربوط بمقام الإثبات لا الثبوت. نعم، ما أورده الجواهر(2) عليه باختلاف الموضوع وتعدّده فغير وارد؛ لما قلن-ا غير مرّة - تبعاً لسيّدنا الأُستاذ(سلام الله علیه) - إنّ المستصحب في أمثال المورد ليس كلّيّ-اً بل شخص-ي وجزئي وهو واحد.
وأمّا الثانية، فمقتضاها لزوم إتمام العدّة كما في المتن، والرواية واحدة،وهي خبر هارون بن حمزة، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في امرأة طلّقت وقد طعنت في السنّ فحاضت حيضة واحدة، ثمّ ارتفع حيضها، فقال: «تعتدّ بالحيضة وشهرين مستقبلين، فإنّها قد يئست من المحيض».(3)
ص: 345
(مسألة 5): المطلّقة ومن أُلحقت بها إن كانت حاملاً فعدّتها مدّة حملها، وتنقض-ي بأن تضع ولو بعد الطلاق بلا فصل. (1)
----------
والدلالة تامّة والسند لاكلام فيه؛ لوثاقة الكلّ إلّا يزيد بن إسحاق فلم يوثّق في كلام الشيخ(1) والنجاشي(2) لكن في توثيق العلّامة(3) والشهيد الثاني(4) كفاية لا سيّما مع أنّ الثاني قائل بلزوم البيّنة في الوثاقة، هذا مضافاً إلى ورود المدح فيه، وإلى عمل الأصحاب بها فلا أقلّ من كونها حسنة ومعتبرة إن لم تكن صحيحة، ومورد الرواية وإن كانت ذات الأقراء لكن ذات الشهور ملحقة بها فحوىً وإلغاءً، بل وعلّة؛ حيث إنّ اليأس شامل عرفاً لليأس عن الحيض بالفعل وهي ذات الأقراء، أو بالقوّة وهي ذات الشهور كما لا يخفى. وبذلك يظهر أيضاً حكم فروع المسألة ممّا هو مذكور في المتن وغيره.
...
----------
أنّ العدّة بالوضع في الجملة، وإنّما الخلاف والإشكال في أنّه العدّة مطلقاً وإن بلغ إلى ما دون سنةٍ أو أنّه عدّة فيما كان أقرب الأجلين منه ومن مض-يّ الأقراء أو الأشهر؟ المشهور هو الأوّل، وعن الصدوق(1) وابن حمزة(2) هو الثاني، بل يظهر من السيّد(3) وابن إدريس(4) وجود مخالف غيرهما أيضاً وإن كنّا لم نتحقّقه.
والحقّ هو الأوّل؛ لظاهرالمقابلة الموجودة في الكتاب في آية واحدة: ﴿وَاللَّائي يَئسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾.(5)
وفي الطائفتين من الروايات في عدّة الحبلى وعدّة المطلّقة. فمن الأُولى صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «طلاق الحامل واحدة، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه».(6)
ومن الثانية صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة المطلّقة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض».(7)
والتعدّد غير مضرّ بفهم العرف، بل في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنيَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾(8) بعد الحكم بالتربّص ثلاثة قروء إشعار بذلك. فتدبّر.
ص: 347
...
----------
هذا، وتدلّ على الثاني أخبار:
منها: صحيحة أبي بصير، قال: قال أبوعبدالله(علیه السلام): «طلاق الحامل الحبلى واحدة، وأجلها أن تضع حملها وهو أقرب الأجلين».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «طلاق الحبلى واحدة، وأجلها أن تضع حملها وهو أقرب الأجلين».(2)
ومنها: خبر أبي الصباح، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «طلاق الحامل واحدة، وعدّتها أقرب الأجلين».(3)
وفي الحدائق:
إنّ السيّد السند في شرح النافع(4) استدلّ لهذا القول برواية الصباح ثمّ ردّها بضعف السند؛ لاشتماله على محمّد بن الفضيل، وهو مشترك.(5)
واعترض عليه بورود صحيحتين أخريين بذلك.
وفيه: أنّ من البعيد عدم اطّلاع السيّد السند على الصحيحتين بعد ما كانتا في الكافي(6) والتهذيب،(7) ب-ل لعلّه كان الوجه في عدم التعرّض لهمااحتمال إرادة أنّ
ص: 348
...
----------
وضع الحمل أقرب العدّتين إمكاناً باعتبار إمكان حصوله بعد الطلاق بلحظة، والجملة صفة وبيان لخصوصيّ-ة ثابتة في الوضع، فالواو استئنافيّ-ة، فالوضع له هذه الخصوصيّ-ة الإمكانيّ-ة دون الثلاثة كما هو واضح، فإنّها أبعد الأجلين دائماً ومع الاحتمال لا يصحّ الاستدلال.
وخبر أبي الصباح(1) لابدّ من كون المراد من الجملة والأقربيّ-ة فيه أقربيّ-ة فعليّ-ة ممكنة الثبوت لكلّ من الوضع والثلاثة، ولا موصوف حتّى تكون الجملة صفة ومحمولة على القوّة والإمكان، فالاستدلال به تامّ؛ فالدليل على قول الصدوق منحصر في الخبر، وهو غير قابل للاعتماد؛ لما ذكره السيّد ; من الضعف في السند، والصحيحتان تدلّان على القول المشهور كما عرفت.
وبما ذكرناه كلّه إلى هنا ظهر ضعف قول الصدوق،(2) لكنّه في الجواهر مع ذلك كلّه تقوية قوله وأنّ الإنصاف عدم خلوّ قوله من قوّة، ودونك عبارته، قال:
هذا، ولكنّ الإنصاف عدم خلوّ قوله من قوّة، ضرورة كونه مقتض-ى الجمع بين الأدلّة كتاباً وسنّ-ةً؛ إذ منها ما دلّ على اعتداد المطلّقة بالثلاثة، ومنها ما دلّ على اعتداد الحامل مطلّقة كانت أو غيرها بالوضع، فيكون أيّهما سبق يحصل به الاعتداد، نحوما سمعته في الثلاثة أشهر والأقراء، بعد القطع بعدم احتمال كونكلّ منهما عدّة في الطلاق كي يتوجّه الاعتداد حينئذٍ بأبعدهما. وأمّا الصحيحان، فالمراد منهما الاعتداد بالوضع حال كونه أق-رب الأجل-ين، فالجمل-ة حاليّ-ة، فيواف-قان الخبر
ص: 349
...
----------
الأوّل، بل جعلها مستأنفة لا حاصل له، ضرورة كون الموجود في الخارج منه كلاً من الأقرب والأبعد؛ إذ كما يمكن الوضع بعد لحظة يمكن تأخّره تسعة، بل يمكن القطع بفساد إرادة ذلك منهما، وكأنّ هذا هو الذي دعا المتأخّرين إلى الإطناب بفساد قول الصدوق ; وأنّه في غاية الضعف، إلّا أنّ الإنصاف خلافه، بل إن كان منشأ الشهرة هذا التوهّم الفاسد من الصحيحين كان قولهم بمكانة من الضعف، ضرورة عدم المعارض إلّا إطلاقات لا تصلح مقابلة للتص-ريح المص-رّح به في المعتبر من النصوص المتعدّدة. فتأمّل جيّداً .(1)
وفيه أوّلاً: أنّ الأخبار الواردة في العدّة، من العدّة للحامل أو لذات الأقراء والأشهر كلّها في المطلّقة بلا فرق بينهما في ذلك أصلاً كما يظهر للمراجع إليها وإنّي على عجب من قوله ; «منها: ما دلّ على اعتداد الحامل مطلّقة كانت أو غيرها بالوضع».(2) فتأمّل.
واحتمال إرادته العموميّ-ة في الكتاب فقط، ففيه: مضافاً إلى أنّ الظاهر منه المطلّقة هي المرويّ-ة عن أئمّتنا علیهم السلام أيضاً، ففي مرسلة فضل بن الحسن الطبرسي في قوله تعالى: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(3) قال:هي في المطلّقات خاصّة، وهو المرويّ عن أئمّتنا: .(4)
ص: 350
...
----------
وثانياً: أنّ الظاهر من الكتاب والسنّ-ة الم-قابلة الدالّة على كون كلّ منهما عدّة خاصّة لطائفة من المطلّقات لا أنّهما عدّة لجميع المطلّقات فأيّهما سبق يحصل به الاعتداد.
وثالثاً: أنّ الجملة وإن سلّمنا ظهورها في الحاليّ-ة ولكن الأقربيّ-ة بالإضافة إلى الأقراء التي هي الأصل في العدّة لاالشهور التي هي عدّة بدليّ-ة وعليه فإن قلنا أنّ الحامل حصول العدّة لها ممكن فالأقربيّ-ة غالبيّ-ة والاستدلال غير تمام أيضاً؛ حيث إنّ من المحتمل كون التقييد للاستئناس والتثبيت في ذهن المخاطب بأنّ العدّة بما هو الغالب والمفهوم في القيد منوط بإحراز الدخالة والقيديّ-ة فمع احتمال التثبيت وأنّ الحكم للغائب دائماً لا مفهوم له والجملة صفة وبيان لخصوصيّ-ة ثابتة في الوضع، فالواو استئنافيّ-ة، وإلّا فهي دائميّ-ة وعدم الدلالة عليها على قول الصدوق واضحة.
نعم، ما ذكره; من أنّ الجملة حاليّ-ة والمراد من الصحيحين الاعتداد بالوضع حال كونه أقرب الأجلين لا الاستئنافيّ-ة والوصفيّ-ة بالخاصّة الثابتة ففي محلّه، قضاءً لظهور الألفاظ في الفعليّ-ة وما ذكره من عدم الحاصل فإنّما هو بالنسبة إلى الفعليّ-ة لا الإمكانيّ-ة كما لا يخفى، وعلى ذلك فالعمدة في عدم الاستدلال بهما إعراض الأصحاب والمخالفة لظاهر المقابلة في الكتاب والسنّ-ة، بل ولظاهرهما من حيث الدلالة على أنّ الوضع عدّة فإنّه على الصحيحين ليس الوضع عدّة بل العدّة أقرب الأجلين كما هو صريحخبر أبي الصباح. فتأمّل حتّى تقض-ي بأنّ الإنصاف هو إنصاف الجواهر(1) بالنس-بة إلى دلالة الروايتين وضعف قولهم إن كان
ص: 351
...
----------
منشأ الشهرة حمل الجملة على غير الحاليّ-ة.
لا يقال: لعلّ قيد الأقربيّ-ة لرفع الاستعجاب من قلّة العدّة؛ حيث إنّها تحصل بالحمل ولو ساعة بعد الطلاق، والعجب في كونه عدّة مع الأقليّ-ة من الثلاثة، فالتقييد ناظر إلى رفع ذلك الاستعجاب من جهة القلّة وليس ناظراً إلى جهة الكثرة، فلا دلالة في الأحاديث إلّا على قول الصدوق;.(1)ويؤيّده التأكيد في خبر إسماعيل بذكر كلمة «قد» و«الفاء» و«الماضي»،(2) وبحصول البينونة وإن وضعت من ساعتها، وما رواه زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إذا طلّقت المرأة، وهي حامل فأجلها أن تضع حملها وإن وضعت من ساعتها».(3)
لأنّا نقول: إنّه لا وجه للاستعجاب لا فتوىً ولا اعتباراً؛ أمّا الأُولی، فلقيام إجماع الفقهاء عامّة وخاصّة على كون عدّة الحبلى هي وضع الحمل، وأمّا الثانية، فلأنّ الحكمة استبراء الرحم، وأيّ استبراء أكمل من الوضع، والتأييد بالخبرين ففيه أنّهما ناظران إلى ما عن بعض العامّة من أنّ العدّة بالوضع والطهارة من النفاس، فالتأكيد ناظر إلى بطلان ذلك الرأي.
وما حكي عن الصدوق(4) وابن حمزة(5) من التفصيل بأنّ العدّة تتمّبالوضع من حيث رجوع الزوج دون الزوجة فلا يجوز لها التزوّج إلّا بعد ثلاثه أشهر، تفصيلٌ بلا دليل.
ص: 352
سواء كان تامّاً أو غيره ولو كان مضغة أو علقة إن تحقّق أنّه حمل.(1)
----------
(1) قضاءً لإطلاق الأدلّة، ولموثّقة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: سألته عن الحبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سقطاً تمّ أو لم يتمّ أو وضعته مضغة؟ فقال: «كلّ شيء يستبين أنّه حمل تمّ أو لم يتمّ فقد انقضت عدّتها وإن كان مضغة».(1)
لا ينبغي الكلام في مورد النصّ وهو المضغة، وأمّا العلقة والنطفة ففيهما الكلام وإن كان في الأخير أكثر لكن مع كونه مستقرّاً ومنشأ لآدمي وموجباً للدية في إسقاطه وإلّا فمع عدم المنشأيّ-ة فلا عبرة به إجماعاً بقسميه وغير مشمول للأدلّة قطعاً، ففي المسالك:(2) فيه وجهان، من الشكّ في كونه قد صار حملاً. لكن من الم-علوم ع-دم العبرة به مع الشكّ في كون-ه حملاً، ض-رورة ع-دم تحقّ-ق الان-دراج في أولات الأحم-ال. وفي الجواهر عن ظاهر الشيخ الحكم(3) بانقضاء العدّة بها مطلقاً،(4) وفي الحدائق(5) الإشكال عليه للشكّ في كونه قد صار حملاً ويأتي مثل ذلك في العلقة من الدم التي لا تخطيط فيها ووافق الشيخ هنا جماعة من الأصحاب، منهم المحقّق.(6)
ولا يخفى أنّ المستفاد من كلماتهم أنّ النزاع لفظي والاختلاف في صدق الحمل عليها وعدمه، فإنّ-ه الموضوع في الأدلّ-ة، والظاه-ره-والصدق، كما أنّه على تسليم
ص: 353
(مسألة 6): إنّما تنقضي العدّة بالوضع إذا كان الحمل ملحقاً بمن له العدّة، فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته، فلو كانت حاملاً من زنا قبل الطلاق أو بعده لم تخرج منها به، بل يكون انقضاؤها بالأقراء والشهور كغير الحامل، فوضع الحمل لا أثر له أصلاً. نعم، إذا حملت من وطء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج فوضعه سبب لانقضاء العدّة بالنسبة إليه لا الزوج المطلّق.(1)
----------
عدم الصدق فحكمه كذلك أيضاً لإلغاء الخصوصيّ-ة من الحمل إلى منشأه والعلقة مثلها كلاماً وحكماً ودليلاً وإلغاءً كما لا يخفى على المتأمّل.
لا يقال: إنّ النزاع فقهي وذلك لدلالة الموثّقة على أنّ المقدّر الأقلّ فيها المضغة.
لأنّه يقال: إنّ هنا تعارضا بين الكلّي والمثال أي الممثل والمثال، فظاهر المثال أنّه الأقلّ وليس دونه الحمل وظاهر الممثّل الأعميّ-ة وأنّ المعيار هو الحمل فالتعارض كالتعارض بين الصدر والذيل وأظهريّ-ة الصدر غير بعيدة. هذا مضافاً إلى النقض بالمذكور في كلام الأصحاب وهو العلقة، مع أنّ ذكر المضعة في جوابه(علیه السلام) لذكرها في السؤال فلا مفهوم له.
(1) وذلك لانصراف الأدلّة من الكتاب والسنّ-ة، إلى وضع الحمل من المطلّق ومن الحقّ به، وهو مؤيّد بعدم تداخل عدّة الوطء بالشبهة والنكاح فإنّه ظاهر في الاختصاص. هذا مضاف-اً إلى عدم العدّة لل-زنا لع-دم الحرمةللبغي كما م-رّ(1) فلا تنقضي عدّة الطلاق به.
ص: 354
(مسألة 7): لو كانت حاملاً باثنين فالأقوى عدم البينونة إلّا بوضعهما، فللزوج الرجوع بعد وضع الأوّل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، ولا تنكح زوجاً إلّا بعد وضعهما.(1)
----------
ثمّ في كشف اللثام(1) والجواهر(2) الاستدلال بعدم كفاية الوضع من الزنا بأنّ العدّة لاستبراء الرحم ووضع الحمل من الزنا غير كافٍ فيه، ومرادهما غير معلوم، لوضوح حصول الاستبراء بالوضع، إلّا أن يقال: إنّه من الممكن انعقاد نطفة بالزنا ونطفة بالنكاح فبوضع الأوّل لا تنقضى العدّة.
(1) وفي المسألة خلافٌ، فعن غير واحد من الأصحاب، بل المعروف بينهم انقضائها بوضعهما، وعن بعضهم حصول البينونة بالأوّل، وأمّا تزويجها بالآخر فبوضع الثاني، وهو مختار الشيخ في النهاية(3) وكذا ابن حمزة(4) وصاحبي الحدائق(5) والوسائل.(6)
استدلّ للمشهور بظاهر الأدلّة وبالاستصحاب والاحتياط، وللثاني برواية عبد الرحمن بن البصري، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عنرجل طلّق امرأته، وهي حبلى وكان في بط-نها اثنان فوضعت واحداً وبقي واح-د؟ قال: «تب-ين بالأوّل ولا
ص: 355
(مسألة 8): لو وطئت شبهة فحملت وأُلحق الولد بالواطء لبُعد الزوج عنها أو لغير ذلك، ثمّ طلّقها أو وطئت شبهة بعد الطلاق على نحو ألحق الولد بالواطء كانت عليها عدّتان: عدّة لوطء الشبهة تنقضي بالوضع، وعدّة للطلاق تستأنفها فيما بعده.(1)
----------
تحّل للأزواج حتّى تضع ما في بطنها».
وهي كالنصّ بل نصّ في المسألة، لكن في سندها الضعف بجعفر بن سماعة.
ومنه قد ظهر حكم فروع أُخرى كخروج بعض الولد وموتها وعدم انقضائها.
وممّا استدلّ به للمشهور يظهر حكم خروج بعض الولد، فالعدّة غير منقضية وأحكام الزوجيّ-ة مع رجعيّ-ة الطلاق مترتّبة، فإن مات الزوجة في تلك الحال يرثه الزوج ويكون محرّماً لها وأولى بغسلها ودفنها من الغير. نعم، إن كان الباقي جزءاً غير معتدّ به كإصبع مقطوع من الطفل - مثلاً - فلا اعتداد به والانقضاء بصدق الوضع محقّق.
ثمّ إنّ الإخراج بالعلاج من غير المجرى الطبيعي بالقيصريّ-ة أو الإخراج وجعله في الأنابيب الطبيّ-ة كالوضع الطبيعي والعادي، قضاءً للفحوى وإلغاءً الخصوصيّ-ة فإنّ المناط خروج الولد واستبراء الرحم وذلك حاصل بالإخراج كالوضع من دون فرق بينهما.
(1) والكلام في هذه المسألة في تداخل عدّتي الطلاق والشبهة وعدمه.والثاني هو المشهور بل عن الخلاف الإجماع علي-ه،(1) لكنّ المح-کيّ عن أبي علي والصدوق
ص: 356
...
----------
في موضع من مقنعه(1) الأوّل؛ أي التداخل، فعلى المشهور لو وطئت المرأة شبهة والحقّ الولد بالواطي لبعد الزوج عنها ونحوه ممّا يعلم به عدم كونه له ثمّ طلّقها الزوج اعتدّت بالوضع من الواطي ثمّ استأنفت عدّة الطلاق بعد الوضع. فلو فرض تأخّر دم النفاس عنه لحظة حسب قرءاً من العدّة الثانية وإلّا كان ابتداء العدّة بعده، بل لو فرض تأخّر الوطى ء المزبور عن الطلاق كان الحكم كذلك أيضاً لعدم إمكان تأخير عدّته التي هي وضع الحمل فليس حينئذٍ إلّا تأخير اكمال عدّة الطلاق على المفروض.
وكيف كان، فاستدلّ له - مضافاً إلى القاعدة، فإنّ تعدّد السبب موجبٌ لتعدّد المسبّب والتداخل محتاجٌ إلى الدليل - بأخبار أربعة، اثنان منها عن السيّد المرتضى في الطبريّات:
أنّ امرأة نكحت في العدّة ففرّق بينهما أميرالمؤمنين(علیه السلام) وقال: «أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوّجها فإنّها تعتدّ من الأوّل، ولاعدّة عليها للثاني، وكان خاطباً من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، وتأتي ببقيّ-ة العدّة عن الأوّل ثمّ تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة».(2)
وروي مث-ل ذلك بعينه عن عمر وأنّ طلي-حة كانت تح-ت رشيدالثقفي
ص: 357
...
----------
فطلّقها، فنكحت في العدّة، فض-ربها عمر، وضرب زوجها بمخفقة وفرّق بينهما، ثمّ قال: «أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوّجها فإنّها تعتدّ عن الأوّل، ولا عدّة عليها للثاني، وكان خاطباً من الخُطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، وأتت ببقيّ-ة عدّة الأوّل، ثمّ تعتدّ عن الثاني، ولا تحلّ له أبداً».(1) لم يظهر خلاف لما فعل فصار إجماعاً.(2)
ثالثها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً؟ فقال: «إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل واستقبلت عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل وهو خاطب من الخطّاب».(3)
رابعها: ما عن عبد الكريم، عن محمّد بن مسلم،(4) وهو مثل الصحيحة.
ولا يخفى عليك أنّ السيّد(قدس سرُّه) استدلّ بإجماع الأصحاب أيضاً (5)وعلى الآخر؛ أي التداخل - مضافاً إلى أصالة البراءة المقطوعة بما عرفت وإلى حصول العلم بالبراءة بالاعتداد بأطولهما المردود بأنّها حك-مة لا علّة - بالأخ-بار الثلاثة:
ص: 358
...
----------
أحدها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) في امرأة تزوّجت قبل أن تنقض-ي عدّتها قال: «يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً».(1)
ثانيها: موثّقة أبي العبّاس البقباق، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في امرأة تزوّج في عدّتها؟ قال: «يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً».(2)
ثالثها: صحيحة زرارة الثانية، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن امرأة نعي إليها زوجها، فاعتدّت وتزوّجت فجاء زوجها الأوّل ففارقها الآخر كم تعتدّ للثاني؟ قال: «ثلاثة قروء، وإنّما يستبرء رحمها بثلاثة قروء وتحلّ للناس كلّهم». قال زرارة: وذلك أن ناساً قالوا: تعتدّ عدّتين، من كلّ واحد عدّة، فأبى ذلك أبوجعفر(علیه السلام) وقال: «تعتدّ ثلاثة قروء وتحلّ للرجال».(3)
وهذه الروايات وإن كانت دلالتها كسندها تامّة، لكنّها لإعراض الأصحاب عنها غير قابلة للاعتماد؛ فإنّ إعراضهم عنها، مع كونها بمرأى ومنظر منهم، ومع ما في الصحيحة الثانية من أنّ التعدّد مذهب العامّةالمقرِّب للحمل على التقيّ-ة، كاشفٌ عن خلل فيها. وكيف لا يكون كاشفاً مع أنّهم عمد الفقه وفيهم أئمّة الحديث والفقه!
وبذلك يظهر لك عدم الدقّة والتحقيق للحدائق وإن كان محيطاً بالأخبار والآثار ومطّلعاً عليها، ففيه قال في آخر المسألة:
وبالجمله، فإنّهم لقصور تتبّعهم للأخبار يقعون في مثل هذا وأمثاله.(4)
ص: 359
وكان مدّتها بعد انقضاء نفاسها إذا اتّصل بالوضع(1) ولو تأخّر دم النفاس يحسب النقاء المتخلل بين الوضع والدم قرءاً من العدّة الثانية ولو كان بلحظة.(2)
(مسألة 9): لو ادّع-ت المطلّقة الح-امل أنّها وضعت فانقضت عدّتها وأنكر الزوج أو انعكس فادّعى الوضع وانقضاء العدّة وأنكرت هي أو ادّعت الحمل وأنكر أو ادّعت الحمل والوضع معاً وأنكرهما يقدّم قولها بيم-ينها بالنسبة إلى بقاء العدّة والخروج منها لا بالنسبة إلى آثار الحمل غير ما ذكر على الظاهر.(3)
----------
نعوذ بالله من أمثال هذه الكلمات ونسأل الله الهداية إلى الطيّب من القول وإلى صراط مستقيم.
(1) لأنّ العدة هي الطهر ثلاثاً والنفاس ليس بطهر.
(2) بلا خلاف ولا إشكال كما هو مقتضى القواعد وهو واضح.
(3) عدم السماع بالنسبة إلى سائر آثار الحمل موافق للقواعد حيث إنّ اليمين على المنكر فلابدّ من انطباقه على أحدهما بالموازين المذكورة في القضاء كالمطابقة للأصل أو الظاهر وغيرهما. وأمّا السماع بالنسبة إلى بقاء العدّة والخروج منها لأنّها المؤتمنة على فعلها حيث إنّها ذات يد فيصدّق قولها فيها، وعليه ظاهر الأصحاب والأخبار، ففي صحيح زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «العدّة والحيض للنساء إذا ادّعتصدّقت».(1)
وعن مجمع البيان عن الصادق(علیه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا
ص: 360
(مسألة 10): لو اتّفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل واختلفا في المتقدّم والمتأخّر؛ فقال الزوج: «وضعت بعد الطلاق فانقضت عدّتك» وقالت: «وضعت قبله وأنا في العدّة» أو انعكس، لا يبعد تقديم قولها في بقاء العدّة والخروج منها مطلقاً من غير فرق بين ما لم يتّفقا على زمان أحدهما أو اتّفقا عليه.(1)
(مسألة 11): لو طلّقت الحائل أو انفسخ نكاحها.(2)
----------
خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾(1) قال:
قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض والطهر والحمل.(2)
وجملة من الأصحاب قد استدلّوا بالآية المذكورة بتقريب أنّه لولا قبول قولهنّ في ذلك لم يؤتمن في الكتمان، والأخبار(3) وإن قلنا بأنّها راجعة إلى عدم المنازع لكنّ الظاهر عدم الفرق بينه وبين وجود المنازع إلّا في اليمين.
(1) عدم الفرق لعدم حجيّ-ة أصالة تأخّر الحادث وأمّا أصل القبول فمرّ وجهه في المسألة السابقة.
(2) والمسألة متعرّضة لبيان العدّة في ثلاثة أصناف من النساء:
أح-دها: مستقيمة الحيض المفسّرة بقوله: «وبالج-ملة، إنّ الطهرالف-اصل بين حيضتين أقلّ من ثلاثة أشهر».
ص: 361
...
----------
ثانيها: من كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض إمّا لعدم بلوغها سنّ المتعارف في الحيض وإمّا لانقطاعها بجهة من الجهات المذكورة في المتن.
ثالثها: من تحيض ولكنّ الفصل بين حيضتين يكون أزيد من ثلاثة أشهر. وقبل الخوض في البحث ينبغي التعرّض لبعض الأُمور:
الأوّل: المشهور، بل الظاهر أنّ القرء (بالفتح والضمّ) لفظ مشترك بين الطهر والحيض. وهو يجمع على «قروء» و«إقراء» و«أقرء»؛ لكون الاستعمال فيهما بلا رعاية العلاقة وبالسويّ-ة، كقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة بنت أبي حبيش: «دعي الصلاة أيّام أقرائك».(1)
وقوله(صلی الله علیه وآله وسلم) لابن عمر وقد طلّق امرأته في الحيض: «إنّما السنّ-ة أن تستقبل بها الطهر ثمّ يطلقّها في كلّ قرء طلّقة».(2) ويقال: «أقرأت المرأة فهي مقرء» إذا حاضت وإذا طهرت.
وفي المصباح المنير:
والقرء فيه لغتان، الفتح، وجمعه قروء وأقرؤ، مثل فلس وفلوس وأفلس، والضمّ ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال. قال أئمّةاللغة: ويطلق على الطهر والحيض، وحكاه ابن فارس أيضاً.(3)
ص: 362
...
----------
أقول: كلامه إن لم يكن دليلاً على قول المشهور فلا أقلّ من كونه مؤيّداً له.
لا يقال: إنّ أهل اللغة ليسوا بأهل لبيان الحقيقة والمجاز، بل أهل لبيان مورد الاستعمال فقط.
لأنّه يقال: هذا صحيحٌ، ولكنّ الظاهر من تعبيره بالإطلاق عليهما هو كونه حقيقة فيهما وإلّا فلا اختصاص له. فتأمّل.
وعن بعض أهل اللغة: أنّ القَرء (بالفتح) الطهر، ويجمع على «فعول»، كحرب وحروب، وضرب وضروب، وبالضمّ الحيض، وجمعه أقراء كقفل وأقفال، لكن الشهرة على خلافه. هذا، مع ما في عبارة المصباح المنير(1) من خلافه.
وقد ظهر ممّا ذكرنا ضعف الاستدلال في كونه مجازاً في الطهر، بكون المجاز خيراً من الاشتراك اللفظي؛ لأنّه لا اعتبار بهذه الاعتبارات في نفسها، فضلاً عن مورد ذكر الدليل على خلافه.
وأمّا كونه مشتركاً معنويّاً فهو أضعف من الاشتراك اللفظي؛ لبعد الجامع بينهما وغربته في الأذهان وإن ذكره المسالك، فراجعه إن شئت.(2)
هذا، مع أنّ البحث ليس بأزيد من بحث أدبيّ؛ لعدم ترتّب ثمرة فقهيّ-ة عليه، لتصريح النصّ والفتوى بكون المراد من القروء في العدّة الأطهار، فلا فرق بين كون القرء مشتركاً لفظيّاً أو معنويّاً أو حقيقةً ومجازاً، كما لافرق بين القول باختلاف معنى القرء بالفتح والضمّ، وأنّ الأوّل للحيض ويجمع على أقراء، والثاني للطهر ويجمع على قروء والقول باتّحادهما.
ص: 363
...
----------
الثاني: المراد من استقامة الحيض هو الحيض في كلّ شهر مرّة كغالب النسوان.
نعم، من كان طهرها بين الحيضتين أقلّ من ثلاثة أشهر فهي في حكم مستقيمة الحيض وإن لم يصدق عليها عنوان «المستقيمة»؛ لما سيأتي من أنّ أيّ الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدّتها.
هذا، وللشهيد الثانى(قدس سرُّه) تفسير آخر في مستقيمة الحيض، قال:
المراد بمستقيمة الحيض معتادته وقتاً وعدداً وإن استحيضت بعد ذلك فإنّها ترجع في الحيض إلى عادتها المستقرّة ويجعل ما سواها طهراً، وفي حكمها معتادته وقتاً خاصّة؛ لأنّها بحسب أوّله مستقيمة العادة وإنّما تلحق بالمضطربة في آخره، وحيث كان القرء هو الطهر فالمعتبر الدخول في حيض متيقّن يعلم انقضاء الطهر الثالث وهو يحصل في معتادة أوّله بحصوله فيه، أمّا معتادته عدداً خاصّة فك-المضطربة بالنسبة إلى الحكم به ابتداءً.(1)
وفيه: أنّ معتادة الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتدّ بالأقراء وإن كان لها فيه عادة وقتاً وعدداً؛ لما مضى ويأتي.
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ مراده التفسير اللغوي لا الموضوعي الحكمي،لكنّه كما ترى، فإنّه في كتاب الفقه وفي ذيل الشرائع.(2)
ص: 364
...
----------
الثالث: لا فرق في الاعتداد بالأقراء بين كون الحيض طبيعيّاً أو غيره، فلو استعجلته بالدواء اُحتسب لها، ففي الجواهر:
ولا فرق في ذلك بين الحيض الطبيعي وبين ما جاء بعلاج، وكذا الطهر؛ لتحقّق الصدق عرفاً مع احتمال جعل المدار على المعتاد، لكن لم أجد لأحد من أصحابنا.(1)
أقول: والحقّ عدم الفرق بين المعتاد وغيره؛ لتحقّق الصدق عرفاً أيضاً بالمعالجة، ولعموم الأدلّة.(2)
الرابع: ما ذكر من العدد في الكتاب ثلاثة:
إحداها: ثلاثة قروء، وهي في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ ... ﴾،(3) الآية.
وثانيتها: وضع الحمل.
وثالثتها: ثلاثة أشهر.
كما جاءت كلتاهما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّائي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْإِنِ
ص: 365
...
----------
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللّه يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾.(1)
واعلم أنّ الشهور الثلاثة بدل والأصل القروء وذلك لتعليق الثلاثة على اليأس من الحيض أو عدم الحيض، ومن المعلوم أنّ الحيض محقّق للقرء، إمّا على كون المراد من القرء طهراً، كما عليه الخاصّة؛ قضاءً للضدّيّ-ة، وإمّا على كونه نفس الحيض، كما عليه العامّة فواضح؛ قضاءً للعينيّ-ة. ومورد الثاني واضح كما مرّ،(2) والأوّل شامل لكلّ مستقيمة الحيض وإن كان الفصل بين الطهرين أكثر من شهر ولو سنة، والثالث وهو غير مستقيمة الحيض فواضح أنّ المراد من اليأس ليس هو القطع عادة باليأس عن الحيض لكبر السنّ أو المرض وإلّا لا يناسب الارتياب. ولذلك قال في مجمع البيان في تفسير ﴿إِنِ ارْتَبْتُم﴾:
فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهنّ أم لعارض «ثلاثة أشهر» وهنّ اللواتي أمثالهنّ يحضن لأنّهن لو كنّ في سنّ من لا تحيض لم يكن للارتياب معنىً، وهذا هو المروي عن أئمّتنا:.(3) انتهى كلامه، رفع مقامه.
لكن لا يخفى أنّ الارتياب لا يختصّ بما ذكره ممّا كان الشكّ في اليأس أنّه من جهة الكبر الموجب للدوام وانقطاع الحيض أو من جهة خاصّةأُخرى غير موجبة للدوام بل يشمل غيره أيضاً مثل ما لو شكّ في استمرار السبب الموجب لانقطاع الحيض ب-أن يكون السبب المرض والحادث-ة قبل بلوغ سنّ اليأس فمنشأ الشكّ
ص: 366
...
----------
الشكّ في الاستمرار وعدمه لا في البلوغ إلى سنّ اليأس من حيث الكبر وعدمه، وكيف كان، فمقتضى عموم آية القروء التربّص بها ولو مع الفصل بينها بأكثر من ثلاثة أشهر، وإن كان سنة بأن تحيض في كلّ سنة مرّة واحدة فإنّها مستقيمة الحيض ومقتضى الكتاب الاعتداد بثلاثة قروء إلّا أنّه خلاف الإجماع والسنّ-ة فيخصّص عموم الآية؛(1) لقيام الإجماع ودلالة السنّ-ة على أنّ ثلاثة أشهر من دون الزيادة بدل عن القروء مطلقاً فالمستقيمة الزائدة عليها خارجة عن الآية بهما.
هذا، ولكنّ الحقّ أنّ في السنّ-ة والإجماع تأكيداً للآية لا تخصيص وذلك لفحوى آية اليأس والارتياب؛ حيث إنّ مع انقضاء الثلاثة في المرتابة العدّة منقضية وإن حاضت بعدها، فالملاك هو عدم رؤية الدم ثلاثة أشهر مطلقاً حتّى فيما رأت الدم بعدها فالحيض بعد الثلاثة كما أنّه غير موجب لتجديد العدّة فكذلك في المستقيمة فإنّ الشكّ والقطع غير دخيلين في الثبوت وفي مسألة الرحم والبراءة، ولك أن تقول: إنّ إلغاءً الخصوصيّ-ة محكّم عرفاً.
الخامس: الاعتداد بالثلاثة قرءاً أو شهراً مختصّ بالحرّة وإن كانت تحت عبد، وهو موضع وفاقٍ. وفي الجواهر(2) إشار إلى عدم وجدان الخلاف؛ لما عرفت، فإنّ المستفاد من الأدلّة كون المدار في العدّة هوالنساء لا الرجال نصّاً وفتوىً. وعليه صراحة صحيحة حمّاد بن عيسى، عن أبي عب-دالله(علیه السلام)، قال: قال أميرالمؤمنين(علیه السلام):
ص: 367
...
----------
«إذا كانت الحرّة تحت العبد فالطلاق والعدّة بالنساء؛ يعني يطلّقها ثلاثاً وتعتدّ ثلاث حيض».(1)
وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن حرّ تحته أمة أو عبد تحته حرّة كم طلاقها وكم عدّتها؟ فقال: «السنة في النساء في الطلاق، فإن كانت حرّة فطلاقها ثلاثاً وعدّتها ثلاثة أقراء، وإن كان حرّ تحته أمة فطلاقه تطليقتان وعدّتها قرئان».(2)
والأمة وإن كانت تحت حرّ فعدّتها قرئان أو شهر ونصف؛ لأنّ المدار في العدّة هو النساء كما مرّ قبيل ذلك والصحيحة الثانية دالّة على حكم المسألة أيضاً والمبعضة فيها وجهان، من تغليب الحرّيّ-ة عليها واستصحاب بقاء العدّة واستصحاب بقاء التحريم إلى بعد العدّة فتعتدّ عدّة الحرّة، ومن أصالة البراءة من الزائد، ومن استصحاب عدم التحريم إلى أن يثبت الناقل لحريّتها أجمع، والأقوى الأوّل لحكومة الاستصحاب وعدم حجّيّ-ة الاستصحاب الأزلي، وعن الشافعي الثاني.
السادس: لا فرق في العدّة بالأقراء والشهور بين المطلّقة، أو المفسوخة النكاح بسبب منها أو منه، أو الموطوءة بالشبهة، بلاخلاف بين الأصحاب، بل عليه الاتّفاق ظاهراً؛ وذلك لأنّ المست-فاد من الكتاب والسنّ-ة حصرالعدّة فيهما؛ أي
ص: 368
...
----------
الأقراء والشهور وليست هنا عدّة أُخرى فلابدّ في غير المطلّقة ممّن ثبت لهم العدّة، الاعتداد بإحداهما أيضاً؛ قضاءً للحصر والجمع بين دليله ودليل الاعتداد، ولك أن تقول: إنّ أصل العدّة في المطلّقة، وأنّ غيرها ملحق بها فيها فيلحقه حكمها؛ هذا، مع أنّ العرف لا يرى الفرق بينهما وأنّه لاخصوصيّ-ة في المعتدّة بل الخصوصيّ-ة والمناط للاعتداد وإن كان في غير المطلّقة فأدلّة مقدار عدّة الطلاق دليل على الاعتداد في الفسخ وغيره بالفحوى وإلغاء الخصوصيّ-ة، فهذه وجوه ثلاثة، وفي الجواهر:
إلّا أنّ الظاهر ثبوتها لمن عرفت ولو لكونها الأصل في العدّة، أو لتوقّف اليقين على الخروج منها عليها بعد فرض حصول السبب.(1)
ولا يخفى أنّ العدّة ليست سبباً لليقين بالخروج لاحتمال أكثريّ-ة عدّة غير المطلّقة منها بل مقتضى الاستصحاب عدم الخروج.
نعم، لا يوجد اليقين فيما يقل عن القروء والثلاثة. فاليقين بالخروج من حيث القلّة موقوف عليهما لامن حيث الكثرة ومع اضافة حصر العدّة والغاء الخصوصيّ-ة فذلك الدليل لاالتوقّف المذكور كما هو واضح ولاحاجة إلى التوقّف أصلاً.
السابع: لافرق في العدّة بين الحيض والنفاس الذي بحكمه، فيحسبالطهر الفاصل ب-ين وضع الحمل ودم الن-فاس قرءا، وإرسال المسأل-ة في المسالك(2)
ص: 369
...
----------
والجواهر(1) إرسال المسلّمات عند الأصحاب، فيه الكفاية ولا حاجة إلى الاستدلال بأمر آخر، لكن مع ذلك فالدليل عليه إلغاءً الخصوصيّ-ة أيضا،ً حيث إنّ جريان جلّ أحكام الحيض بل كلّها غير المبحوث عنه على النفاس واشتراكه معه موجب للحكم بعدم الخصوصيّ-ة لتلك الأحكام، بل العدّة مثلها أيضاً، فإنّ المناط الحدث المشترك بينهما وأنّ احتمال الخصوصيّ-ة لكلّ حكم من الأحكام المشتركة في الدمين، وكون كلّ منها لخصوصيّ-ة الموضوع لا لاعتبار الجامع بين الموضوعات منفي ويأباه العرف والعقلاء كما لا يخفى، فإنّ قضاء العرف في ترتّب الأحكام المختلفة على العنوان الواحد أنّ الموضوع هو نفس العنوان فالإلغاء في محلّه، لا أنّ لكلّ حكم خصوصيّ-ة خاصّة لذلك العنوان في ذلك الحكم، فالخصوصيّ-ة ثابتة والإلغاء منتفٍ.
الثامن: الظاهر من الكتاب وجوب تماميّ-ة مدّة الطهر في كلّ القروء فالقروء ثلاثة أطهار تامّة، حيث قال تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ﴾،(2) بل هو الظاهر أيضاً من تفسير قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ﴾(3) بالطلاق قبل العدّة.
فعلى هذا، لو طلّقت في أواخر طهر غير المواقعة فانقضاء العدّة برؤية أوّل الدم
ص: 370
...
----------
الرابع، مع أنّ صريح الفتاوى وظاهر أخبار الباب بل صريحها الاكتفاء بالناقص منها، لأنّهم صرّحوا بانقضائها برؤية الدم الثالث كما هو مفاد الأخبار، ضرورة اكتفائها في خروج المطلّقة في الطهر من العدّة برؤية الدم الثالث؛ سواء كان طلاقها في ابتدائه أو وسطه أو آخره.
وحينئذٍ فلو طلّقها وحاضت بعد الطلاق بلحظة احتسبت تلك اللحظة قرءً، ثمّ أكملت قرأين آخرين، فإذا رأت الدم الثالث فقد قضت العدّة لما عرفت، لا لأنّ بعض القرء مع قرأين تامّين سمّى الجميع ثلاثة قروء، نحو قول القائل «خرجت لثلاث مضين» مع أنّ خروجه في بعض الثالث، ونحو قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾(1) والمراد شوّال وذوالقعدة وبعض ذي الحجّة، ضرورة كون ذلك مجازاً محتاجاً إلى القرينة.
على أنّه منقوض بما لو تمّ الأوّلان وأضيف إليهما بعض الثالث، بأن طلّقها قبل الحيض بلا فصل واتّصل بآخره، فإنّ القرء الأوّل إنّما يحسب بعد الحيض مع اعتبار كمال الثالث إجماعاً، ولا يكفي دخولها فيه، وآية الحجّ قد عرفت في محلّه أنّ المراد منها تمام ذي الحجّة، ولو لصحّة استدراك بعض الأفعال فيه، كما عرفته في محلّه. فبان حينئذٍ بذلك أنّ احتساب بعض القرء الأوّل وإن قلّ قرءٌ في العدّة، للأدلّة الخاصّة، وهي ظاهر النصوص السابقة وغيره، خصوصاً بعد معلوميّ-ة عدم اشتراط صحّة الطلاق بوقوعه في آخر الجزء الأوّل على وجه يكون ابتداء العدّةالطهر الذي هو بعد الحيض، ولا بوقوعه في ابتداء الطهر الأوّل على وجه لا
ص: 371
فإن كانت مستقيمة الحيض بأن تحيض في كلّ شهر مرّة كانت عدّتها ثلاثة قروء، وكذا إذا تحيض في كلّ شهر أزيد من مرّة أو ترى الدم في كلّ شهرين مرّة. وبالجملة، كان الطهر الفاصل بين حيضتين أقلّ من ثلاثة أشهر.(1)
----------
يمضي منه إلّا مقدار زمان وقوع الطلاق كما هو واضح.(1)
(1) فإنّ مقتضى عموم الكتاب والسنّ-ة شموله لمن تحيض في كلّ شهر مرّة، بل هو القدر المتيقّن منه، ويدلّ عليه نصوص:
منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».(2)
ومنها: ما عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «المطلّقة تعتدّ في بيتها، ولا ينبغي لها أن تخرج حتّى تنقضي عدّتها، وعدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إلّا أن تكون تحيض».(3)
ومنها: ما عن داود بن سرحان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة المطلّقة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض».(4).
ومنها: ما رواه الحلبي أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة
ص: 372
وإن كانت لا تحيض، وهي في سنّ من تحيض؛ إمّا لكونها لم تبلغ الحدّ الذي ترى الحيض غالب النساء، وإمّا لانقطاعه لمرضٍ أو حمل أو رضاع،(1) كانت عدّتها ثلاثة أشهر.(1)
----------
قروء»، قال: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾(2) ما الريبة؟ فقال: «ما زاد على شهر فهو ريبة، فلتعتدّ ثلاثة أشهر، ولتترك الحيض، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض».(3)
ومنها: ما عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء والقروء جمع الدم بين الحيضتين».(4)
والحكم يجري فيما يقلّ عن ثلاثة أشهر؛ قضاءً لعموم الأدلّة وإطلاقها.
(1) وكذا إذا كانت ممّن بلغت ولكن لا تحيض خلقة خلافاً لغالب النساء؛ وذلك قضاءً لإطلاق الكتاب والأخبار، منها: مثل ما مرّ(5) عن الحلبي وأبي بصير في أصل المسألة. أو كانت ممّن لا تطمع في الولد؛لإخراج رحمها أو غيره من أنواع العلاج الرائجة في زماننا الموجب للع-قم والاطمئ-نان بعدم الولد وانقطاع
ص: 373
ويلحق بها من تحيض لكنّ الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد.(1)
----------
طمعها منه فلها العدّة؛ قضاءً لإطلاق الدليل على أنّ العدّة من الإيلاج والدخول وليست العلّة للعدّة استبراء الرحم، بل هي الحكمة، كما يظهر من مراجعة موارد العدّة واختلافها.
هذا، مع عدم الدليل على العلّيّ-ة بل كونها حكمة درائيّ-ة أيضاً لا روائيّ-ة، وعدّتها ثلاثة أشهر؛ لصحيح ابن مسلم ففيه: «والتي لا تطمع في الولد»(1) وإطلاقه شامل لجميع أنواع عدم الطمع بأيّ نحو وأيّ وسيلة كانت في الأزمنة السابقة أو الحاليّ-ة أو الآتية. فتدبّر وكن على ذكر من الصحيح.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكر وجوب العدّة للمرأة وإن كان الرجل عقيماً خلقة أو عرضاً وعلاجاً لدورانها مدار الإيلاج والدخول على ما عليه الأخبار، بل ويدلّ عليه إطلاق كلّ ما دلّ على اعتداد النساء فإنّ المدار عليهنّ.
(1) والدليل عليه - مضافاً إلى ما مرّ(2) من الاستفادة من الكتاب وإلغاء الخصوصيّ-ة - الأخبار، منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام) أنّه قال: «في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة أو في ستّ-ة أو في سبعة أشهر، والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض،والتي تحيض مرّة ويرتفع مرّة، والتي لا تطمع في الولد، والتي ق-د ارتف-ع حيض-ها وزعم-ت أنّها لم ت-يأس، والتي ت-رى الصف-رة من حيض ليس
ص: 374
...
----------
بمستقيم، فذكر: أنّ عدّة هؤلاء كلّهنّ ثلاثة أشهر».(1)
ومنها: موثّقة زرارة، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «أيّ الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدّتها: إن مرّت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دماً فقد انقضت عدّتها، وإن مرّت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدّتها».(2)
ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «أمران، أيّهما سبق بانت منه المطلّقة: المسترابة إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه، وإن مرّت بها ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض». قال ابن أبي عمير: قال جميل: وتفسير ذلك: إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه، ولا تعتدّ بالشهور، وإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت.(3)
وفي المسالك قال:
ويشكل على ه-ذا م-ا ل-و كانت عادتها أن تحيض في كلّ أربعة أشهر - مثلاً - مرّة، فإنّه على تقدير طلاقها في أوّل الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى لها منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق ينقضي عدّتها بالأشهر كما تقرّر، لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقىمن الطهر ثلاثة أشهر تامّة كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء، ف-ربما صارت ع-دّتها سنة وأكثر على
ص: 375
...
----------
تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتمّ بعده ثلاثة أشهر بيضاً، والاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها، فيختلف العدّة باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرّد الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرّة في الحيض. ويقوى الإشكال لو كانت لا ترى الدم إلّا في كلّ سنة أو أزيد مرّة، فإنّ عدّتها بالأشهر على المعروف في النصّ والفتوى، ومع هذا فيلزم ممّا ذكروه هنا من القاعدة أنّه لو طلّقها في وقت لا يسلم بعد الطلاق لها ثلاثة أشهر طهراً أن تعتدّ بالأقراء وإن طال زمانها، وهذا بعيدٌ ومنافٍ لما قالوه من أن أطول عدّة تفرض عدّة المسترابة، وهي سنة أو تزيد ثلاثة أشهر كما سيأتي.
ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر - إمّا مطلقاً أو بيضاً - هنا، كما لو خلت من الحيض ابتداءً كان حسناً.
وقد ذكر المصنّف(1) والعلّامة(2) في كتبه أنّ من كانت لا تحيض إلّا في كلّ خمسة أشهر أو ستّ-ة أشهر عدّتها بالأشهر وأطلق، وزاد في التحرير(3) أنّها متى كانت لا تحيض في كلّ ثلاثة أشهر فصاعداً تعتدّ بالأشهر، ولم تعتدّ بعروض الحيض في أثنائها كما فرضناه.
ثمّ ذكر(قدس سرُّه) صحيحة محمّد بن مسلم التي مرّت آنفاً،(4) ثمّ قال:
ص: 376
...
----------
وهي تؤيّد ما ذكرناه.(1) انتهى كلامه.
أقول: وفيه أنّه لا إشكال مع وجود النصّ في مورده، وهو صحيحة محمّد بن مسلم، ففيها التصريح بعدم الفرق بين الموردين بل وصحيحة زرارة أيضاً وبهما يتصرّف في ظاهر موثّقته.(2)
وهنا إشكال آخر: وهو أنّ ظاهر بعض الروايات جعل الأشهر ملاكاً مع الفصل بأقلّ من ثلاثة أشهر أيضاً:
منها: ما عن أبي مريم، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في الرجل كيف يطلّق امرأته، وهي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ قال: «يطلّقها تطليقة واحدة في غرّة الشهر، إذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلّقها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب».(3)
ومنها: ما عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: في المرأة يطلّقها زوجها وهي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر حيضة، فقال: «إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها يحسب لها لكلّ شهر حيضة».(4)
ومنها: ما مرّ(5) عن ابن مسلم في صحيحته.
وقد أجاب عنه صاحب المدارك (قدس سرُّه) (6) بأنّ المراد هو بعدثلاث-ة أشهر. وفيه: أنّ-ه
ص: 377
...
----------
خلاف الظاهر من معنا «في»، فإنّه للظرفيّ-ة. وأجاب عنه الشيخ (قدس سرُّه)(1) بأنّ المراد من ثلاثة أشهر هي ثلاثة قروء وهي للمضطربة.
وفيه: أنّه أيضاً خلاف الظاهر ولا شاهد له، والحقّ أنّها غير معمول بها عند الأصحاب.
وهنا إشكال ثالث أيضاً، وهو أنّ ظاهر بعض الأخبار أنّ الملاك هو القرء ولا غير:
منها: ما عن أبي الصباح، قال: سئل أبوعبدالله(علیه السلام): عن التي لا تحيض في كلّ ثلاث سنين إلّا مرّة واحدة، كيف تعتدّ؟ قال: «تنتظر مثل قرئها التي كانت تحيض في استقامتها ولتعتدّ ثلاثة قروء ثمّ تزوّج إن شاءت».(2)
ومنها: ما رواه أبوبصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: في التي لا تحيض إلّا في كلّ ثلاث سنين أو أكثر من ذلك، قال: فقال: «مثل قرئها الذي كانت تحيض في استقامتها ولتعتدّ ثلاثة قروء وتتزوّج إن شاءت».(3)
ومنها: ما عن هارون بن حمزة الغنوي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في المرأة التي تحيض إلّا في كلّ ثلاث سنين أو أربع سنين أو خمس سنين، قال: «تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض فلتعتدّ، ثمّ تزوج إنشاءت».(4)
أقول: وتلك الأخبار ليست بحجّة؛ لعدم العمل بها عند الأصحاب.(5)
ص: 378
(مسألة 12): المراد بالقروء الأطهار.(1)
----------
(1) إجماعاً كما في الخلاف(1) وعن الانتصار،(2) ولكن في الش-رائع:(3) على أشهر الروايتين.
وقال في الجواهر:(4)
إنّه ليس في المسألة مخالف معروف، ومع هذا ذهب المفيد(قدس سرُّه) إلى التفصيل.(5)
وأورد عليه في الجواهر(6) بأنّه مسبوق وملحوق بالإجماع على خلافه.
أقول: والعمدة هي روايات المسألة، وأكثرها وهي تبلغ إلى أربعة وعش-رين رواية، أنّ القروء هي الأطهار، وطائفة منها وهي تبلغ إلى ستّ، أنّ المراد منه هو الحيض. ومع التمسّك بالأخبار من الجانبين فلا ثمرة للبحث عن كون القرء مش-تركاً لفظيّاً أو مع-نويّاً، حقيق-ةً أو مجازاً، أو التف-صيل بين الق-رء (بالفتح) وهو
ص: 379
...
----------
الحيض، وبالضمّ وهو الطهر كما مرّ؛ حيث إنّ المتّبع النصّ لا اللغة. نعم، للبحث ثمرة بالنسبة إلى الكتاب كما لا يخفى.
وكيف كان، ممّا استدلّ به من الأخبار على أنّ القرء هو الطهر صحيحة زرارة،
عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «القرء ما بين الحيضتين».(1)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عنه(علیه السلام) أيضاً، مثله.(2)
ومنها: خبر زرارة، عنه(علیه السلام) أيضاً قال: «الأقراء هي الأطهار».(3)
ومنها: صحيحته الأُخرى، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي أنّ الأقراء التي سمّى الله عزّ وجلّ في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين، فقال: «كذب، لم يقل برأيه ولكنّه إنّما بلغه عن عليّ(علیه السلام)»، فقلت: أ كان عليّ(علیه السلام) يقول ذلك؟ فقال: «نعم، إنّما القرء الطهر الذي يُقرأ فيه الدم فيجمعه، فإذاً جاء المحيض دفعه (دفقه - خ. ل)».(4)
ونحوها ما رواه موسى بن بكر، عن زراره، عنه(علیه السلام)، بنفسالسؤال وباختلاف.(5)
ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: «عدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء والقرء جمع الدم بين الحيضتين».(6)
ومنها: موثّقة م-وسى بن بك-ر، عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث: «إنّ عليّاً (علیه السلام)
ص: 380
...
----------
قال: إنّما القرء ما بين الحيضتين».(1)
ومثلها ما رواه العيّاشي، عن محمّد بن مسلم وزرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام).(2)
ومنها: صحيحة زرارة الثالثة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: قلت له: أصلحك الله، رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين، فقال: «إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها، وحلّت للأزواج»، قلت له: أصلحك الله، إنّ أهل العراق يروون عن عليّ(علیه السلام) أنّه قال: هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فقال: «فقد كذبوا ».(3) والدلالة لا تخفى.
ومنها: ما رواه إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: قلت له: رجل طلّق امرأته، قال: «هو أحقّ برجعتها ما لم تقع في الدم من الحيضة الثالثة».(4)
ومنها: صحيحة زرارة الرابعة، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «المطلّقة ترث وتورث حتّى ترى الدم الثالث، فإذا رأته فقد انقطع».(5)
ومنها: موثّقة عبدالرحمن بن أبي عبدالله، قال: سألت أبا عبدالله(علیهالسلام) عن المرأة إذا طلّقها زوجها متى تكون أملك بنفسها؟ قال: «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها ... ».(6)
ص: 381
...
----------
إلى غيرها من الأخبار الواردة(1) والغالب منها عن الباقر(علیه السلام).
وأمّا الطائفة الثانية، وهي المستدلّ بها على أنّ القرء هو الحيض:
فمنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء، وهي ثلاث حيض».(2)
لكن لا يخفى أ نّها قابل-ة للحمل على أنّ الم-راد من الثالث هو الورود فيه. فتأمّل.
ويؤيّده الإتيان بالمذكّر في «ثلاث قروء»، حيث إنّه(علیه السلام) قد أجرى حكم التأنيث على القروء هنا فهي الطهر، فإنّ الحيض مؤنّث.(3)
ومنها: مرسلة إسحاق بن عمّار، عمّن حدّثه، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: جاءت امرأة إلى عُمر تسأله عن طلاقها؟ فقال: إذهبي إلى هذا فاسأليه - يعني عليّاً(علیه السلام) - فقالت لعليّ(علیه السلام): إنّ زوجي طلّقني، قال: «غسلت فرجك؟» فرجع إلى عُمر فقالت: أرسلتني إلى رجل يلعب، فردّها إليه مرّتين كلّ ذلك ترجع، فتقول: يلعب، قال: فقال لها: انطلقي إليه، فإنّه أعلمنا، قال: فقال لها عليّ(علیه السلام): «غسلتفرجك؟» قال: لا، قال: «فزوجك أحقّ ببضعك ما لم تغسلي فرجك».(4)
ص: 382
ويكفي في الطهر الأوّل مسمّاه ول-و قليلاً، فلو طلّق-ها وقد بقيت منه لحظة يحسب
----------
ويمكن حملها على إرادة أوّل الحيضة الثالثة لا آخرها؛ لأنّ غسل الفرج غير غسل الحيض، فكأنّه(علیه السلام) قال لها: هل رأيت دماً من الحيضة الثالثة تحتاجين معه إلى غسل الفرج منه للتنظيف أو حال الاستنجاء؟ وهذا ما احتمله الشيخ الحرّ(قدس سرُّه) في الوسائل.(1)
ومنها: ما رواه رفاعة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المطلّقة حين تحيض، لصاحبها عليها رجعة؟ قال: «نعم حتّى تطهر».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة على طه-ر من غير جماع ي-دّعها حتّى تدخل في قرئ-ها الثالث ويح-ضر غسلها، ثمّ يراجعها ويشهد على رجعتها، قال: «هو أملك بها ما لم تحلّ لها الصلاة».(3)
ومنها: ما عن الحسن بن زياد، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «هي ترث وتورث ما كان له الرجعة بين التطليقتين الأوّلتين حتّى تغتسل».(4)
أقول: وهذه الطائفة معرضٌ عنها عند الأصحاب فليست بحجّة، فلا يأتي دور التعارض، ولو سلّم التعارض فالأُولی أكثر عدداً وأصحّ سنداًوأقوى متناً، فترجح عليها، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ الأُولی هي موافقة للكتاب على وجهٍ وهو ما ذكر تأييداً في حمل صحيحة الحلبي.(5)
ص: 383
ذلك طهراً، فإذا رأت طهرين آخرين تامّين بتخلّل حيضة بينهما انقضت العدّة، فانقضاؤها برؤية الدم الثالث.(1)
----------
(1) ولا يخفى أنّ الاكتفاء بالطهر الناقص في الأوّل قد مرّ أنّه ليس موافقاً لظاهر الكتاب، لكنّه مستفادٌ من النصوص والفتاوى، وفي عبارة سيّدنا المصنّف(قدس سرُّه) بانقضائها برؤية الدم الثالث إشارة إلى الخلاف المنسوب إلى الشيخ(قدس سرُّه)(1) بأنّه ذهب إلى أنّ اللحظة الأُولی من الدم الثالث داخل في العدّة،(2) وتظهر الثمرة على القولين في التوارث لو فرضموتها أو موته في هذه اللحظة، وفي الرجوع بها فيها وفي العقد عليها فيها، واستدلّ له بتوقّف تحقّق الانقضاء عليها.
ولا يخفى ما فيه؛ فإنّ-ه على الخلاف أدلّ، ضرورة ع-دم مدخليّ-ة ما توقّف عليه الحكم بالانقضاء فيما اعتبر انقضاؤه، بل الظاه-ر من التعليل المذكور كون النزاع
ص: 384
...
----------
لفظيّاً؛ وذلك لعدم التحقّق الخارجي في الزمان الحكمي الكائ-ن بين الطهر والحيض على وج-هٍ تترتّب عليه الثمرات المزبورة؛ لعدم إمكان تصرّف آخر زمان الطهر المتّصل بأوّل زمان الحيض، نحو ما قلناه ف-ي آخر ج-زء النهار المتّصل بأوّل ج-زء الليل، فمراد الشيخ بكونها من العدّة هذا المعنى أو ما يقرب منه، ضرورة كون المراد من اللحظة الجزء الزماني من حصول الدم المتّصل بالجزء الزماني قبله، ولا يكاد يتحقّق في الخارج على وجهٍ تترتّب عليه الثمرات.
هذا، مع أنّ الشأن في النسبة؛ فإنّها غير تامّة، والأصل فيها ابن إدريس(1) وتبعه المحقّق(2) وغيره.(3) وعليك بالرجوع إلى الخلاف(4) والمبسوط(5) وفي المختلف عنهما ما هذه عبارته:
قال الشيخ في الخلاف والمبسوط: أقلّ ما تنقضي به عدّة الحرّة في الطلاق ستّ-ة وعشرون يوماً ولحظتان، بأن يبقى الطهر بعد الطلاق لحظة، ثمّ ترى الحيض ثلاثة أيّام، ثمّ الطهر عشرة، ثمّ الحيض ثلاثة، ثمّ الطهر عشرة، ثمّ الحيض لحظة، وأقلّ ما تنقضي به عدّة الأمة ثلاثة ع-شر يوماً ولحظتان. وقال ابن الجنيد: أقلّ ما يجوز أن تنقضي به العدّة ما زاد على ستّ-ة وعشرين يوماًبساعة أو مادونها؛ وذلك أن تكون ممّن طلّقها زوجها وهي طاهر فحاضت بعد طلاق-ه إيّاها، والشهادة عليه بذلك
ص: 385
...
----------
بساعة، فتلك الساعة قد حصلت لها كالطهر، ثمّ وقع بها حيض ثلاثة أيّام، وطهر بعده عشرة أيّام، وحيض ثلاثة أيّام، وطهر بعده عشرة أيّام، ثمّ حيض، فعند أوّل ما ترى الدم فقد بانت من الزوج المطلّق. وكذا قال السيّد المرتضى. وقال ابن إدريس: والذي يجب تحصيله وتحقيقه أن يقال: أقّل ما تنقضي به عدّة المطلّقة في ستّة وعش-رين يوماً ولحظة في الحرّة، فأمّا الأمة المطلّقة والحرّة المتمتّع بها فثلاثة عشر يوماً ولحظة، وما بناحاجة إلى اللحظتين؛ لأنّ اللحظة التي رأت فيها الدم غير داخلة في جملة العدّة، فلا حاجة بنا إلى دخولها. قال: وإلى هذا ذهب السيّد المرتضى في انتصاره.(1) وقوله: لابأس به، ولا مشاحّة كثيرة فيه وإن كان لا يخلو من فائدة.(2)
وهذه العبارة هي العبارة المشهورة في بيان أقلّ مدّة يمكن أن تنقض-ي فيها العدّة للحرّة والأمة في ذات الحيض، والتعليل مع ما مرّ(3) فيه فليس في كلامه منه أثر أصلاً. هذا مضافاً إلى أنّ الشيخ (قدس سرُّه) قال ذلك في قبال قول العامّة القائلين بأكثر من ذلك.(4)
ثمّ إنّه قد يتصوّر انقضاء العدّة بالأقلّ من ذلك في ذات النفاس، بأنيطلقّها بعد الوضع قبل رؤية الدم بلحظة، ثمّ ترى النفاس لحظة، لأنّه لاح-دّ لأقلّه عندنا، ثمّ ترى الطهر عشرة، ثمّ ترى الدم ثلاثاً، ثمّ ترى الطهر عشراً، ثمّ ترى
ص: 386
نعم، لو اتّصل آخر صيغة الطلاق بأوّل زمان الحيض صحّ الطلاق، لكن لابدّ في انقضاء العدّة من أطهار تامّة، فتنقضي برؤية الدم الرابع، كلّ ذلك في الحرّة.(1)
(مسألة 13): بناءً على كفاية مسمّى الطهر في الطهر الأوّل ولو لحظة وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرّة، فأقلّ زمان يمكن أن تنقضي عدّة الحرّة ستّة وعشرون يوماً ولحظتان ، بأن كان طهرها الأوّل لحظة ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيّام ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ترى أقلّ الطهر عش-رة أيّام ، ثمّ تحيض ، فبمجرّد رؤية الدم الأخير لحظة من أوّله انقضت العدّة ، وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة ، وإنّما يتوقّف عليها تماميّة الطهر الثالث ، هذا في الحرّة ، وأمّا في الأمّة فأقلّ ما يمكن انقضاء عدّتها لحظتان وثلاثة عشر يوماً.
----------
الدم، فيكون مجموع ذلك ثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات، لحظة بعد الطلاق، ولحظ-ة النفاس، ولحظة الدم الثالث التي فيها ما عرفت. والله العالم.
(1) قضاءً للقواعد.
لا يقال: إنّه لا يصحّ؛ لمخالفته للكتاب، حيث قال: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾(1)واللام في الزمان ظاهرة في الظرفيّ-ة؛ لأنّه لاخلاف بين علماء الإسلام في صحّته، هذا أوّلاً، وثانياً: أنّ الأخبار قد فسّرت الآية بأنّ المراد هو الطلاق العدّي في مقابل البدعي؛ أي الطلاق في الطهر الغير المواقعة، مضافاً إلى أنّ إطلاق الأحاديث الدالّة على شرطيّ-ة الطهر شاملٌ له كغيره.
ص: 387
(مسألة 14): عدّة المتعة في الحامل وضع حملها،(1) وفي الحائل إذا كانت تحيض قرءان. والمراد بهما هنا حيضتان على الأقوى ،(2) وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ
----------
(1) وذلك لإطلاق الآية(1) وعمومها، وعلى القول باختصاصها بالمطلّقة أو بها والتي تعتدّ مثلها كالمفسوخة النكاح والموطوئة بالشبهة بثلاثة قروء دون من تعتدّ بقُرءَين، فبالأولويّ-ة القطعيّ-ة؛ حيث إنّ المطلّقة عدّتها أكثر وهي مع ذلك تنقض-ي بالحمل فضلاً عن المتمتّع بها.
وبعبارة أُخرى: أنّ الأصل في العدّة هي المطلّقة فمع انقضاء عدّتها بالحمل فالمتمتّع بها هي الأولى. والمصنّف (قدس سرُّه) قد استشكل في الحكم واحتاط برعاية أبعد الأجلين.(2)
والظاهر كون إشكاله هو احتمال الاختصاص للانص-راف، وقد عرفت أنّ الحكم كذلك، ولو معه من باب الأولويّ-ة. نعم، الاحتياط حسن على كلّ حالٍ.
(2) وفي المسألة أقوال: فمذهب الشيخ(3) ومن تبعه(4) على ما في كشف اللثام، أنّ العدّة فيها هي حيضتان.(5).
ثانيها: ما عن ابن عقيل(6) وعن ابن أُذينة(7) إنّه مذهب زرارة وهو حيضة واحدة.
ص: 388
...
----------
ثالثها: حيضة ونصف، كما عن الصدوق في المقنع.(1)
رابعها: طُهران، وهو المعروف بين الأصحاب، والمحكيّ عن ابني زهرة(2) وإدريس(3) والعلّامة(4) في المختلف، بل هو المحكيّ عن ظاهر ثاني الشهيدين،(5) بل عن ابن زهرة الإجماع(6) عليه.
ولا يخفى أنّ مقتضى الأصل؛ أي الاستصحاب، هو ما يكون أكثر، والظاهر أنّ الطهرين هو أكثر أيّاماً دائماً وهو الأحوط. هذا، والروايات على طوائف:
الأُولى: ما تدلّ على أنّها حيضتان، منها: صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المتعة؟ فقال: «ألق عبد الملك بن جريح فسأله عنها، فإنّ عنده منها علماً، فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها، وكان فيما روى لي فيها ابن جريح أنّه ليس فيها وقت ولا عدد، إنّما هي بمنزلة الإماء يتزوّج منهنّ كم شاء، وصاحب الأربع نسوة يتزوّج منهنّ ما شاء بغير وليّ ولا شهود، فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق، ويعطيها الش-يء اليسير، وعدّتها حيضتان، وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوماً، قال: فأتيت بالكتاب أبا عبدالله(علیه السلام)فقال: «صدّق وأقرّ به». قال ابن أذينة: وكان زرارة يقول هذا ويحلف أنّه الحقّ إلّا أنّه كان يقول: «إن كانت تحيض فحي-ضة، وإن كانت لا تح-يض فشهر
ص: 389
...
----------
ونصف».(1)
وما في ذيلها من الحلف وما بعده ففيه احتمالان: أحدهما: استقلال زرارة بقول مخالف للرواية المنقولة وهو بعيدٌ جدّاً؛ لاستلزامه الفتوى في مقابل النصّ لا سيّما النصّ المحلوف له بأنّه الحقّ وهو كما ترى. ثانيهما: تخطئة زرارة الراوي في خصوص حمله وعدّتها حيضتان بأنّها كانت كما نقله بقول: «إن كانت ... » والاختلاف بين النقلين في الحيض والعدد ظاهر والحلف على هذا مربوط بغير تلك الجملة من الرواية، وهذا هو الأقرب، بل هو الحقّ الحقيق القابل للتصديق.
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر(علیه السلام) في المتعة، قال: «نزلت هذه الآية: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَة﴾(2) قال: «لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما، فتقول: استحللتك بأمر آخر برضاً منها، ولا يحلّ لغيرك حتّى تنق-ضي عدّتها، وعدّتها حيضتان».(3)
ولا يخفى أنّ الحيضتين ظاهرتان في الكاملتين بعد أن صارت معتدّة كما مرّ.
الثانية: ما تدلّ على أنّها حيضة، منها: صحيحة زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: «إن كانت تحيض فحيضة، وإن كانت لاتحيض فشهر ونصف». على ما في الكافي،(4) لك-نّ الش-يخ نق-ل عن-ه بس-نده ب-زي-ادة ق-وله(علیه السلام) : «عدّة المتعة» وذكر
ص: 390
...
----------
الحديث،(1) وأنّ الظاهر وقوع السقط فيه لمكان نقل الشيخ (قدس سرُّه) عنه، ولشهادة عنوان الباب فيه، فعنوان-ه «عدّة لمتعة» فكيف يذكر فيه أمراً مطلقاً بل مبهماً غير مربوط بالعنوان الخاصّ.
لكن يخطر بالبال أنّ نقل الكافي صحيح، لكنّها ليست برواية مستقلّة، بل هي نفس ما قاله زرارة تتمّةً لرواية إسماعيل بن فضل الهاشمي، فنقله الكافي مستقلاً ويشهد له اتّحاد السند. فتذكّر والأمر سهلٌ.
ومنها: خبر عبدالله بن عمرو، عن أبي عبدالله(علیه السلام) - في حديث - في المتعة، قال: قلت: فكم عدّتها؟ فقال: «خمسة وأربعون يوماً أو حيضة مستقيمة».(2)
ومنها: خبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: قال أبوجعفر(علیه السلام): «عدّة المتعة حيضة»، وقال: «خمسة وأربعون يوماً لبعض أصحابه».(3)
والثالثة: ما تدّل على أنّها حيضة ونصف، مثل ما عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة، ثمّ يتوفّى عنها، هل عليها العدّة؟ فقال: «تعتدّ أربعة أشهر وعش-راً وإذا انقضت أيّامها وهو حيّ فحيضة ونصف، مثل ما يجب علىالأمة ... »،(4) الحديث.
والرابعة: ما تدلّ على أنّها حي-ضة وطهر، مثل م-ا رواه الطبرسي عن محمّ-د بن
ص: 391
...
----------
عبدالله بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان(علیه السلام): إنّه كتب إليه: في رجل تزوّج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام، أ يجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشيء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها م-ن هذه الحيضة، أو يستقبل بها حيضة أُخرى؟ فأجاب(علیه السلام): «يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة، لأنّ أقلّ العدّة حيضة وطهرة تامّة».(1)
والخامسة: وهي الأخيرة من الطوائف ما تدلّ على أنّ عدّتها عدّة الأمة. منها: ما عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) ما عدّة المتعة إذا مات عنها الّذي تمتّع بها؟ قال: «أربعة أشهر وعشراً»، قال: ثمّ قال: «يا زرارة! كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة وعلى أيّ وجهٍ كان النكاح منه متعة أو تزويجاً أو ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً، وعدّة المطلّقة ثلاثة أشهر، والأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة».(2)
فهذه طوائف خمس وهي المنشأ لاختلاف الأقوال وصيرورتها أربعة، وقد جمع في الجواهر بينها بأنّ المراد من الحيض الثاني في الطائفةالأُولی الدالّة على أنّها حيضتان هو الدخول في الحيضة الثانية فتصير العدّة حيضة وطهر كما لا يخفى، والمراد من الحيضة في الطائفة الثانية، حيضة وطهر، ومن النصف المضاف إليها في الثالثة رؤي-ة الثانية فإنّ بها شرع الن-صف الأوّل، والمراد من الحي-ضتين في التن-ظير
ص: 392
...
----------
بالأمة أيضاً ذلك؛ لكونه عدّة للأمة.(1)
وفيه أوّلاً: أنّ الجمع كذلك موجب للحمل على خلاف الظاهر في موارد عديدة من حمل «الحيضتين» الظاهرة في الكاملتين على الكاملة والناقصة ومن حمل الحيضة الظاهرة في التامّة منها فقط على حيضة وطهر تامّ ومن حمل النصف على محض الرؤية المقابل له مفهوماً، بل لا يبعد أن يكون الحملان الأخيران، لا سيّما المورد الثالث غلطاً فإنّه لا مناسبة بين النصف والرؤية أصلاً ولا خصوصيّ-ة له في المناسبة على تسليمها، بل ثابتة للسدس والثمن وغيرهما من الكسور. وبالجملة، كلمة النصف كالنصّ في معناه وحمله على الرؤية ليس مجازاً، كما أنّه ليس حقيقة.
وثانياً: أنّ حمل الحيضة في رواية الطبرسي على الحيض والطهر التامّ لئلّا يلزم تغاير المعلول عن العلّة؛ حيث قال: يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة؛ لأنّ أقلّ العدّة حيضة وطهرة تامّة، غير تمام لعدم انحصار رفع التغاير به، بل كما يصحّ بما ذكره يصحّ بحمل الطهر على معناه المصدري من النقاء من الحيض والنظافة منه لا أيّامه والتماميّ-ة تكون بحصول النقاء الكامل، بل الحمل كذلك متعيّن؛ قضاءً لظاهر المصدر، ولما في اختلاف النسخ من التعبير بالطهارة ولكون التعبير بالطهرة في الأخبار قليلاً جدّاً. هذا كلّه مضافاً إلى أنّه إن كان المراد ما ذكر في كلامه فكان أجدر أن لا يقيّده؛ لأنّ الطهر ظاهر في التماميّ-ة كما صرّح به فيبيان حقيقة القرء.
وثالثاً: على تسليم الحمل في رواي-ة الطبرسي(2) لما ذكره، فف-يه أنّه لا ملازمة بين
ص: 393
...
----------
تحقّق حيضة وطهر تامّ وبين مدّعاه وهو تحقّق حيضتين كما إذا انقضى الأجل زمان الحيض، ثمّ طهرت، ثمّ حاضت فعند دخولها في الطهر الثاني قد تحقّق الانقضاء برؤية الطهر الثاني لا الحيض الثاني، هذا، ولأنّه قد فرض في نفس الرواية تحقّق الطهر أوّلاً والحيض ثانياً.
وأمّا روايات التنظير بالأمة، فهي أيضاً لا تدلّ على المسألة؛ لأنّ نفس الروايات أيضاً مختلفة. هذا أوّلاً، وثانياً: لا يبعد أن يكون التنظير في خصوص الأيّام فقط.
وعلى كلّ حالٍ، فالحقّ وجود التعارض بين الأخبار وعدم إمكان الجمع بينها، ويظهر من صاحب الجواهر(1) ترجيح روايات الاعتداد بالحيضتين على الحيضة، ودليله الإعراض. وفيه: أنّه ليس بتمام أيضاً؛ لأنّ الأقوال كالأخبار مختلفة، والظاهر أنّ كلّ واحد منها مستند إلى قسم منها ترجيحاً أو تخييراً، وعلى كلّ تقدير فالأخذ بأخبار الحيضتين تخييراً أولى؛ لأنّه أحوط، بل ظاهر البعض الأخذ به ترجيحاً بالأحوطيّ-ة وإن كان هو كما ترى.
هذا، واستدلّ لقول المفيد (قدس سرُّه) (2) بوجهين:
أحدهما: الروايات الدالّة على كونها حيضة؛ لاحتياجها في التحقّق إلى طهرين، قبلها وبعدها. وفيه: أنّه لا ملازمة بينهما هنا؛ لإمكان تحقّقها مع عدم الطهر قبلها ورؤية الطهر بعدها، مثل ما إذا اتّفقت مدّة المتعة مقارنةلآخر زمان الطهر فكيف الحكم بلزوم الطهرين؟
ثانيهما: ما دلّ على أنّ عدّة الأمة قرءان وهي صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)،
ص: 394
...
----------
قال: سألته عن حرّ تحته أمة أو عبد تحته حرّة كم طلاقها؟ وكم عدّتها؟ قال: «السنّ-ة في النس-اء في الطلاق، فإن ك-انت حرّة فط-لاقها ثلاثاً وعدّتها ث-لاث-ة أق-راء، وإن كان حرّ تحته أمة فطلاقها تطليقتان، وعدّتها قرءان».(1) منضمّةً إلى صحيحته الأُخرى التي قد مرّت آنفاً الدالّة على أنّ عدّة المتعة عدّة الأمة.(2)
وفيه أوّلاً: أنّ روايات عدّة الأمة أيضاً متعارضة كما أُشير إليه، بل فيها روايات مستفيضة بأنّ عدّتها حيضتان.(3)
وثانياً: حمل القرأين على الطهرين من دون القرينة كما ترى لعدم ثبوت كون الطهر معناً حقيقياً للقرء بعدُ بل الحمل عليه كالحمل على الحيض في مقابله وهو محتاج إلى القرينة، وما ذكر في معنى القرء في عدّة الطلاق فهو مختصّ ببابه وكان بقرينة النصّ والفتوى.
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ صحيحة زرارة في المشبه به ظاهرة في الطهرين كما لا يخفى، لوحدة السياق في الحرّة والأمة.
وثالثاً: أنّه لا عموم في التنزيل في الصحيحة، بل التنزيل فيها في الأشهر فقط بقرينة الصدر.
ورابعاً: أنّ المذكور فيها حيضة ونصف لا الحيضتان.
وبالجملة، فالذهاب إلى هذا المذهب موجب لطرح عمدة أخبار الباب.
ص: 395
من تحيض فخمسة وأربعون يوماً،(1) والمراد من الحيضتين الكاملتان ، فلو وهبت
----------
(1) بلاخلاف فيه، بل عليه الإجماع بقسميه،(1) وتدلّ عليه موثّقة زرارة، قال: «عدّة المتعة خمسة وأربعون يوماً - كأنّي أنظر إلى أبي جعفر(علیه السلام) يعقده بيده خمسة وأربعين - فإذا جاز الأجل كانت فرقة بغير طلاق».(2)
وخبري عبدالله بن عمرو وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ممّا م-رّ(3) نقلهما.
وصحيحة ابن أبي نص-ر أيضاً عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: قال أبوجعفر(علیه السلام): «عدّة المتمتّعة خمسة وأربعون يوماً، والاحتياط خمسة وأربعون ليلة».(4)
وفي الاحتياط المذكور، احتمالان، كونه من الإمام(علیه السلام)، أو من ابن أبي نص-ر الراوي.
وكيف كان، فيخطر بالبال أنّ الغرض منه الاحتياط في استبراء الرحم بأكثر الأمرين فيما كان مبدء العدّة من اليوم وإلّا ففي ما كان من الليل فالأكثريّ-ة وكون العدد منهما قهريّ-ة كما لا يخفى، والاحتياط ليس فيالحكم حتّى يستحيل من الإمام المعصوم(علیه السلام) على احتمال كونه منه(علیه السلام)، بل الاحتياط في حكمة العدّة وهي الاستبراء ويكون في الموضوع المشتبه فلابأس به بل هو مطلوب لحسنه كما لا يخفى، وعلى مثل ذلك تح-مل الليلة في صحي-حة ابن مسلم، ففي-ها أنه س-أل أبا عبدالله(علیه السلام)
ص: 396
مدّتها أو انقضت في أثناء الحيض لم تحسب بقيّة تلك الحيضة من الحيضتين.(1)
(مسألة 15): المدار في الشهور هو الهلالي، فإن وقع الطلاق في أوّل رؤية الهلال فلا إشكال.(2) وإن وقع في أثن-اء الشهر ففيه خلاف وإشكال، ولعلّ الأقوى في النظر جعل الشهرين الوسطين هلاليين وإكمال الأوّل من الرابع بمقدار ما فات منه.(3)
----------
عن المتعة؟ فقال: «إن أراد أن يستقبل أمراً جدي-داً فعل، وليس عليها العدّة منه، وعليها من غيره خمسة وأربعون ليلة».(1)
(1) وقد مرّ(2) الكلام في المسألة فلا نعيده.
(2) بلا خلاف ولا إشكال، لانصراف الشهر إلى الهلالي في عرف الش-رع بل وفي العرف العام، والحمل على غيره محتاج إلى القرينة الحاليّ-ة والمقاليّ-ة، والمعيار في وقوع الطلاق في أوّل الشهر وغرّته العرفي منه المتسامح فيه مقدار زمان وقوع صيغة الطلاق ونحوه لا العقلي منه بأن انطبق آخر لفظ الطلاق على الغروب ليلة الهلال لعدم الاعتبار به في فهم الألفاظ والظواهر: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلّا بِلِسَانِ قَوْمِه﴾.(3).
(3) ما جعل في المتن الأقوى هو أحد الاحتمالات الأربع في المسأل-ة، وقيل تكمل الأوّل ثلاثين لإمكان الهلاليّ-ة في الشهرين وتعذّره في الباقي، فينص-رف إلى
ص: 397
(مسألة 16): لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قدّم قولها بيمينها، سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه، وسواء كانت عدّتها بالأقراء أو الأشهر.(1)
----------
العددي، وفي الشرائع «وهو الأشبه»،(1) وفيه: أنّ الانصراف إلى العددي مع تعذّر الهلالي ممنوعٌ وليس بأزيد من الادّعاء.
ومثله في الضعف بل أضعف منه القول باعتبار العددي في الجميع؛ لأنّه يكمل الأوّل من الثاني فينكسر ويكمل من الثالث فينكسر، فيكمل من الرابع ومثلهما في الضعف أيضاً احتمال تلفيق ما نقص من الأوّل بمقداره من الآخر؛ بمعنى أنّه لو فرض وقوعه في النصف من الأوّل لوحظ النصف من الآخر، ومقتضاه حينئذٍ تلفيق شهر تكون أيّامه ثلاثين يوماً إلّا نصف يوم، وهو خارج عن الهلالي والعددي.
فالأقوى ما في المتن؛ وذلك لأنّ الشهر حقيقة فيما بين الهلالين مجاز في غيره، ولا يقدح اختلاف مصداقه بالتسعة وعشرين تارةً والثلاثين أُخرى عرفاً في جميع الآجال من غير فرق بين البيع وغيره، ومع تعذّر الحقيقة فأقرب المجازات إليها التلفيق بما ذكرناه.
وبذلك يعرف الحال في جميع أفراد المسألة؛ إذ هي غير خاصّة في المقام، بل لعلّ السنّ-ة كذلك أيضاً، فإنّها حقيقة في الاثنى عشر شهراً هلاليّاً، وتلفيقها بما ذكرنا إلّا أن تقوم القرينة على إرادة غير ذلك.
(1) للأخبار الدالّة على أنّ أمر الحيض والعدّة بيدها.
ص: 398
...
----------
ومن هذه الأخبار صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «العدّة والحيض للنساء إذا ادّعت صدّقت».(1)
ومنها: ما ذكره الطبرسي في التفسير عن الصادق(علیه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾(2) قال: «ق-د فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض والطهر والحمل».(3)
ومنها: صحيحة زرارة الثانية، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «العدّة والحيض إلى النساء».(4)
ومقتضى إطلاق الأخبار عدم الفرق بين قولها الموافق للأصل كعدم الانقضاء أو المخالف له كالانقضاء وبين العدّة بالشهور والأقراء.
ص: 399
ص: 400
(مسألة 1): عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلاً، صغيرة كانت أو كبيرة، يائسة كانت أو غيرها، مدخولاً بها كانت أم لا، دائمة كانت أو منقطعة،من ذوات الأقراء كانت أو لا.(1)
----------
(1) إجماعاً منّا ومن غيرنا في مدّتها، ويدلّ عليه الكتاب والسنّ-ة:
أمّا الكتاب، وهو الأصل في ذلك، قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.(1) وه-ي ناسخة لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(2) إن كان مربوطاً بعدّة الوفاة؛ وذلك إجماعاً وسنّ-ة من الفريقين ولكنّ الارتباط بها غير معلوم، فلعلّه كان متوجّهاً إلىما في الجاهليّ-ة
ص: 401
...
----------
من لزوم بقائها في البيت وأخذها النفقة، مضافاً إلى عدم مساعدة الذيل له، فإنّه الدالّ على جواز خروجها في الحول من جهة نفيه الحرج على المكلّفين في خروجهنّ في وسط الحول وفعلهنّ المعروف في أنفسهنّ بالزينة. وهذا منافٍ للعدّة؛ حيث إنّ ترك الزينة والحداد لمّا يكون واجباً فعليهم الحرج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نفي الحرج في الآية الأُولى(1) مشروط بتماميّ-ة العدّة وبلوغهنّ أجلهنّ وإلّا كانت العادة في الجاهليّ-ة لزوم ترك الزينة حولاً كاملاً مع أنّهنّ كنّ لا يحترمنّ أزواجهنّ. هذا، مع أنّه على الارتباط ففيها الإشارة إلى صيرورته منسوخاً.
أمّا العشر، فالمتّفق بين علماء الإسلام أنّ المراد منه عشرة أيّام، ويدلّ عليه بعض أخبارنا. نعم، عن الأوزاعي أنّ المراد هو الليل. واستدلّ بأنّ التذكير في العش-ر يدلّ على أنّ المعدود مؤنث وهو الليلة.
وفيه أوّلاً: أنّه مخالفٌ لفهم العرف؛ لغلبة اليوم في مثل ذلك.
وثانياً: يجوز الأمران مع عدم ذكر المعدود كما قيل.
وثالثاً: عموم القاعدة ممنوعٌ، ورابعاً: هو معارض لقول العلماء.
وأمّا السنّ-ة، فمستفيضة بل متواترة، وهي على طوائفٍ:
منها: ما ورد في بيان العدّة.
ومنها: ما ورد في بيان لوازم العدّة كترك الزينة.ومنها: ما ورد في فروع المسألة كغير المدخول بها والمتمتّع بها.
والدليل على تفاصيل المتن مضافاً إلى التفصيل بكون الزوج صغيراً أم كبيراً،
ص: 402
...
----------
ذميّ-ة كانت الزوجة أم مسلمة، إطلاق الكتاب والسنّ-ة، مع ما في بعض الأخبار من العموم والتصريح ببعضها، ففي صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) ما عدّة المتعة إذا مات عنها الذي تمتّع بها؟ قال: «أربعة أشهر وعشراً»، قال: ثمّ قال: «يا زرارة! كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة وعلى أيّ وجهٍ كان النكاح منه متعة أو تزويجاً أو ملك يمين، فالعدّة أربعة أشهر وعش-راً، وعدّة المطلّقة ثلاثة أشهر والأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة».(1)
نعم، حكي عن المفيد(2) وغيره في المتعة أنّ عدّتها خمسة وستّون يوماً، واستدلّ له بوجهين:
أحدهما: أنّ المتمتّع بها كانت في حياة الزوج كالأمة فكذلك في ممات الزوج.
ثانيهما: مرسلة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها ما عدّتها؟ قال: «خمسة وستّون يوماً».(3)
وفي الأوّل ما لا يخفى، والمرسلة مع ضعف سندها بعلّي بن حسن، فإنّه جعّال وضّاع معارضة بروايات كثيرة، منها: ما مرّ في الصحيح عنزرارة آنفاً.
ومنها: ما عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة ثمّ يتوفّى عنها زوجها، هل عليها العدّة؟ فقال: «تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، فإذا انقضت أيّامها وهو حيّ فحي-ضة ونصف مثل ما يجب على
ص: 403
...
----------
الأمة»، قال: قلت: فتحدّ؟ قال: فقال: «نعم، إذا مكثت عنده أيّاماً فعليها العدّة وتحدّ، وإذا كانت عنده يوماً أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدّة كملاً ولا تحدّ».(1)
وأمّا صحيحة عليّ بن يقطين، فهي شاذّة معرضٌ عنها، فقد روي عن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: «عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوماً».(2) مع أنّها كالمرسلة في المعارضة بالأخبار الكثيرة المرجحّة عليها من وجوهٍ.
وأمّا غيرالمدخول بها، فيدلّ على لزوم عدّة الوفاة فيها - مضافاً إلى الإجماع وإطلاق الكتاب - روايات:
منها: ما عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام) في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها، قال: «لها نصف المهر، ولها الميراث كاملاً، وعليها العدّة كاملة».(3)
ومنها: م-ا رواه عبدالله ب-ن سنان، ع-ن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «قض-ى أميرالمؤمنين(علیه السلام) في المتوفّى عنها زوجها ولم يمسّها، قال: «لا تنكح حتّى تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة المتوفّى عنها زوجها».(4)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهراً فلها نصف ما فرض لها، ولها الميراث، وعليها العدّة».(5)
نعم، يعارضها أخبار؛ منها: خبر محمّد بن عمر الساباطي، قال: سألت
ص: 404
...
----------
الرضا(علیه السلام) «عن رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها، قال: لا عدّة عليها»، وسألته «عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها، قال: لا عدّة عليها هما سواء».(1)
ومنها: صحيحة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) «عن رجل طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها أ عليها عدّة؟ قال: لا، قلت له: المتوفّى عنها زوجها قبل أن يدخل بها أعليها عدّة؟ قال: أمسك عن هذا».(2)
ونحوه ما عنه أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها: «إن كان سمّى لها مهراً فلها نصفه وهي ترثه، وإن لم يكن سمّى لها مهراً فلا مهر لها وهي ترثه»، قلت: والعدّة؟ قال: «كفّ عن هذا».(3)
ولا يخفى أنّ التعارض للأخيرتين ممنوعٌ؛ لعدمه موضوعاً، فإنّ السكوت وعدم البيان غير معارض للبيان والكلام كما لا يخفى. نعم، الأولى معارضة إلّا أنّه - مضافاً إلى ضعف سندها بالجهل في محمّد بن عمر - قد أعرض عنها الأصحاب، وهي مخالفة لظاهر الكتاب.
هذا مضافاً إلى احتمال الإنكار بالاستفهام من جهة أنّ نفي العدّة في الطلاق موافقٌ لحكمة الاستبراء، بخلاف الوفاة، فإنّ العدّة للتوجّع وإظهارالمصيبة، فأنكر الإمام على السائل التساوي بينهما في العدم، مع أنّ في نفس الخبر سُقماً وهو شبهة القياس.
ص: 405
وإن كانت حاملاً فأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة.(1)
----------
وما في الحدائق(1) من احتمال التقيّ-ة مبنيّ على كون الأمر بالسكوت من باب الخوف من نفس الإفتاء؛ إمّا على نفسه وإمّا على السائل؛ لئلّا يعرف أنّه يستفتي، وإلّا فالعامّة أيضاً متّفقون على العدّة.
(1) ويدلّ عليه روايات كثيرة،(2) فهي مخصّصة لآية العدّة في الوفاة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْ-راً﴾.(3) نعم، ذهب العامّة إلى انقضاء العدّة بوضع الحمل؛ لعموم آية: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾.(4)
وفيه: أنّ في سياق الآيات والتعبير بالأجل لشهادة للاختصاص بالطلاق، ولو سلّم العموميّ-ة فبينها وبين آية الوفاة عموم من وج-ه فتتعارضان، ومورد التعارض والاجتماع الحامل المتوفّى عنها زوجها،فيؤخذ بالأظهر دلالة، وهو آية الوفاة؛ لوجود احتمال الاختصاص بالطلاق المذكور في تلك الآية دون آية الوفاة،
ص: 406
(مسألة 2): الم-راد بالأش-هر ه-ي الهلاليّ-ة، ف-إن مات عن-د رؤية اله-لال اعت-دّت بأربعة أشهر وضمّت إليها من الخامس عش-رة أيّام، وإن مات في أثناء الشهر فالأظ-هر أنّها تج-عل ث-لاثة أشهر هلاليّات في الوسط وأكملت الأوّل بمقدار ما مض-ى منه من الشهر الخامس حتّى تصير مع التلفيق أربعة أشهر وعشرة أيّام.(1)
(مسألة 3): ل-و طلّ-قها ثمّ م-ات قبل انق-ضاء الع-دّة فإن كان رجعيّاً بطلت عدّة الطلاق، واعت-دّت من حي-ن موته ع-دّة ال-وفاة.(2)
----------
فإنّها نصّ فيها.
هذا مضافاً إلى أنّه مع عدم الأظهريّ-ة فلابدّ من العمل بالتكليفين، فإنّ الأصل عدم التداخل، فيجب الجمع بين الحكمين والاعتداد بكليهما. ومنه يظهر ضعف استدلال بعض الإماميّ-ة بالآيتين على لزوم الاعتداد بأبعد الأجلين.
نعم، يمكن تقريب الاستدلال بأنّ عدّة الوفاة هي أكثر من عدّة الطلاق وعليها في الوفاة تكاليف ليست فيه، فيعلم أنّها أقوى من عدّته فيلزم رعاية الأبعد، لكنّه اعتبار لا يزيد أمراً.
(1) كما مرّ نحوه في عدّة المتمتّع بها.(1)
فرعٌ: إذا كانت الزوجة لا تعلم الشهور فيجب الاعتداد مأة وثلاثين يوماً؛ للاستصحاب وللضابطة الشرعيّ-ة في عدّ أيّام الشهر المشكوك.
(2) بلا خلاف في الجملة، بل عليه الإجماع بقسميه إجمالاً؛ أي بالنسبة إلى غير
ص: 407
...
----------
المسترابة بالحمل، وذلك للأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة:
منها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل كانت تحته امرأة فطلّقها، ثمّ مات قبل أن تنقضي عدّتها، قال: «تعتدّ أبعد الأجلين، عدّة المتوفّى عنها زوجها».(1)
ومنها: موثّقة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قضى أميرالمؤمنين(علیه السلام) في رجل طلّق امرأته ثمّ توفّي عنها وهي في عدّتها، قال: «ترثه، وإن توفّيت وهي في عدّتها، فإنّه يرثها، وكلّ واحد منهما يرث من دية صاحبه ما لم يقتل أحدهما الآخر». وزاد فيه محمّد بن أبي حمزة: «وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها»، قال الحسن بن سماعة: هذا الكلام سقط من كتاب ابن زياد ولا أظنّه إلّا وقد رواه.(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: «أيّما امرأة طلّقت، ثمّ توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه فإنّها ترثه، ثمّ تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، وإن توفّيت، وهي في عدّتها ولم تحرم عليه فإنّه يرثها».(3)
هذا مضافاً إلى ما دلّ من الأخبار على أنّ المطلّقة الرجعيّ-ة زوجة. وأمّا البائن، فليس عليها عدّة؛ لأنّها أجنبيّ-ة، وليست بزوجة كغيرها من الأجنبيّات.
وأمّا مرسلة عليّ بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا في المطلّقة البائنة إذا توفّي عنها زوجها، وهي في ع-دّتها، ق-ال: «تع-تدّ بأبع-د الأجل-ين»،(4) فهي مرسل-ة مقطوع-ة
ص: 408
...
----------
ومعارضة بأخبار كثيرة، مضافاً إلى أنّها شاذّة غير معمول بها عند الأصحاب، والحمل على المعنى اللغوي - كما في الوسائل - فبعيدٌ جدّاً، ففي ذكر الطلاق دلالة على البينونة من دون احتياج إلى زيادة بيان بوصف المطلّقة بالبائن.
هذا مضافاً إلى أنّ البائن في الروايات هو اصطلاح في مقابل الرجعيّ-ة لا سيّما مع ذكر المطلّقة. والأولى بل المتعيّن في مقام الحمل، الحمل على الاستحباب؛ لعدم ظهور الجملة الخبريّ-ة في نفسها في مقام الإنشاء في اللزوم إن لم نقل بظهور المثبتة منها في الاستحباب والنافية في الكراهة، وترك الاستفصال في صحيحة هشام بن سالم - وهو الحديث الأوّل من الأحاديث المنقولة المستدلّ بها - غير شامل لليائسة والصغيرة وغير المدخول بها من أقسام البائن؛ لعدم العدّة لهنّ من رأس.
فهذه الأقسام الثلاثة من البائن خارجة من مورد السؤال، فإنّ السؤال عن المطلّقة التي مات الرجل المطلِّق قبل أن تنقضي عدّتها ولا عدّة لهنّ أصلاً.
وغير شاملة للمختلعة والمعتدّة في عدّة الثالث أيضاً؛ لانص-راف المطلّقة إلى الرجعيّ-ة. هذا، مع أنّ المختلعة مختلعة وعدّتها عدّة المطلّقة كما في بعض الأخبار؛ لكون الإطلاق منصرفاً إلى غيرها.
وأمّا المطلّقة الرجعيّ-ة الحامل إذا توفّي عنها زوجها ففي المتن: أنّ عدّتها أبعد الأجلين من وضع الحمل، والمدّة المزبورة مثل الزوجة الحامل، ولم نجده في الكتب المعروفة ولكنّه هو الحقّ؛ للاستصحاب ولأنّهازوجة، ولما جاء في بعض أخبار عدّة المطلّقة المتوفّى عنها زوجها الاعتداد بأبعد الأجلين من عدّة الطلاق والوفاة، ففي مرسلة ابن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما(علیهما السلام) في رجل طلّق امرأته طلاق-اً يملك في-ه الرجعة، ثمّ م-ات عنها، قال: «تعتدّ بأبعد الأجل-ين أربعة أشهر
ص: 409
إلّا في المسترابة بالحمل، فإنّ فيها محلّ تأمّل، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين من ع-دّة الوف-اة ووظيف-ة المستراب-ة، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر - مثلاً - تعتدّ عدّة الوفاة وتتمّ عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف، ولو مات بعد سبعة أشهر اعتدّت بأبعدهما من اتّضاح الحال وعدّة الوفاة، ولو كانت المرأة حاملاً اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة، وإن كان بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق، ولا عدّة لها بسبب الوفاة.(1)
----------
وعشراً».(1)
والظاهر أنّ ذكر «أربعة أشهر وعشراً» من الباب الغالب في مصداق الأبعد لا الدائم كما لا يخفى؛ لإمكان تجاوز عدّة الحائل عن تلك المدّة، كالتي تحيض في كلّ شهرين ونص-ف - مثلاً - كتجاوز ع-دّة الحامل عنها أيض-اً بكون الوض-ع بعد خمسة أشه-ر - مثلاً - فالمعيار هو الأبع-د منهما حائلاً كانت المعت-دّة المتوفّى عنه-ا زوجه-ا أو حاملاً.
(1) وبالجملة، ينبغي البحث في المسترابة في ضمن مسألتين:
المسألة الأُولى: إن كانت الرجعيّ-ة مرتابة بالحمل ففي وجوب الاعتداد عليها بأقصى الحمل - وهو تسعة أشهر أو سنة - أو الأقراء والأشهر - أي عدّة الحائل - أو ثلاثة بعد التسعة، أو ثلاثة مع وجوب الصبر إلى حصولاليقين، وجوهٌ واحتمالات. ومقت-ضى البراءة أنّها ثلاث-ة أشهر؛ للشكّ في وج-وب الزيادة عليها
ص: 410
...
----------
على المرأة.
ولقائل أن يقول: الصبر واجب إلى وضع الحمل أو أقصاه؛ حيث إنّ الأمر دائر بين كون العدّة وضع الحمل أو القروء والشهور فيلزم الاحتياط؛ قضاءً للعلم الإجمالي، ولا محلّ معه للبراءة ولا للاستصحاب.
ولقائل أن يقول: إنّ عدّة المسترابة هي عدّة غيرها لا لما مرّ من الوجهين، بل لعموم: ﴿الْمُطَلَّقَاتُ﴾(1) وشمولها للمسترابة وغيرها واختصاص ﴿أُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ﴾(2) بمعلوم الحمل؛ وذلك أنّ الغاية في آية الحمل هي وضع الحمل فمع الشكّ ليس الوضع متحقّقاً فيستفاد من جعل الغاية أنّ الآية مختصّة بمعلوم الحمل، وهذا وجهٌ ليس بجزافٍ.
وهنا احتمال ثالث وهو لزوم الصبر سنة، ثمّ الاعتداد بثلاثة أشهر إن لم تضع الحمل، ومستنده روايات يأتي البحث فيها.
كما أنّه يحتمل لزومه تسعة أشهر ثمّ ثلاثة أشهر كما هو مفاد بعض الروايات.
ويحتمل أيضاً لزوم الاعتداد تسعة أشهر والاحتياط بثلاثة أشهر أُخرى لتماميّ-ة أقصى الحمل.
والإشكال في الأخير بأنّ التسعة المذكورة لا يمكن جعلها عدّة للطلاق؛ لأنّها ناشٍ من أقصى الحمل، كما هو مفاد الروايات، فيلزم الحساب منحين الوطئ الأخير، مع أنّ العدّة من حين الطلاق، ومعه يلزم الاعتداد في أقلّ من سنة وأكثر منها، وكذا في الزيادة على السنة الواحدة، غير وارد؛ لأنّ المراد من التسعة المجعولة
ص: 411
...
----------
عدّة هي المدّة الموجودة غالباً في الحمل بما هي هي من دون نظر إلى المبدأ.
وعلى كلّ حالٍ، فالمختار أنّ الاعتداد ينتهي بثلاثة أشهر إلّا أنّه يجب الصبر إلى العلم بعدم الحمل، ولمّا أنّ ما بعد الثلاثة عدّة استظهاريّ-ة فليس للزوج الرجوع إليها بعد الثلاثة وإن لم تجب نفقة تلك المدّة عليه أيضاً إلّا استظهاراً واحتياطاً لإمكان الحمل وتماميّ-ة العدّة بالوضع، كما أنّه لا يجوز لها أيضاً التزويج بغيره في تلك المدّة، فأحكام العدّة من الطرفين غير جارية في زمان الانتظار إلّا استظهاراً واحتياطاً، ووجهه واضح.
أمّا الأخبار، فهي مختلفة، منها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا إبراهيم(علیه السلام) يقول: «إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً، انتظر بها تسعة أشهر، فإن ولدت وإلّا اعتدّت بثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه».(1)
ومن المحتمل فيها كون الاعتداد بثلاثة أشهر والبينونة، جملة خبريّ-ة ماضويّ-ة؛ أي مع عدم الوضع يكشف كون العدّة في الواقع ثلاثة أشهر من التسعة، والصبر إليها كان للاختبار. ولا يتوهمّ أنّ إطلاق التسعة يشمل التسعة بعد الطلاق - أيضاً - كالتسعة بعد الوط ء، مع أنّ الملاك في الاستظهار هو التسعة فيما بعد الوطء، فالإطلاق حجّة على عدم كونها للاستظهار بل تكون عدّة والثلاثة بعدها لرعاية أقصى الحمل والاستظهاربالأقص-ى من قيد الانتظار أنّ التسعة مختصّة بما بعد الوطء وغير شاملة لما بعد الطلاق، ومن المحتمل كون الاعتداد إنّما هو بالثلاثة بعد التسعة، أو هي من باب الاحتياط في انجرار الحمل إلى سنة واح-دة، وإن كان الغالب هو ح-صول الاطمئ-نان بالت-سعة. وعليهما، لا دخ-ال-ة
ص: 412
...
----------
للتسعة في العدّة.
ومن تلك الأخبار ما عن محمّد بن حكيم، عن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: قلت له: المرأة الشابّ-ة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها، كم عدّتها؟ قال: «ثلاثة أشهر»، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال: «عدّتها تسعة أشهر»، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال: «إنّما الحمل تسعة أشهر»، قلت: تزوّج؟ قال: «تحتاط بثلاثة أشهر»، قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال: «لا ريبة عليها تزوّج إن شاءت».(1) ومحمّد بن حكيم هذا وفي الروايات الآتية لم يوثّق ولكنّه حسنٌ.(2)
وأنت ترى أنّ التسعة قد عبّر عنها بأنّها العدّة، والظاهر أنّ العدّة بعد الثلاثة عدّة تعبّديّ-ة، إلّا أن يقال: إنّ الرواية ناظرة إلى حكم المرأة؛ أي من حيث تزوّجها لا من حيث الرجوع والنفقة.
ومنها: ما عنه أيضاً، عن أبي ابراهيم أو ابنه(علیهما السلام) أنّه قال في المطلّقة يطلّقها زوجها، فتقول: أنا حبلى فتمكث سنة، فقال: «إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدّق ولو ساعة واحدة في دعواها».(3) فإنّها في أقصى الحمل.
ومنها: ما عنه أيضاً، عن العبد الصالح(علیه السلام)، قال: قلت له: المرأة الشابّ-ة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها، م-ا عدّتها؟ ق-ال: «ثلاثة أشهر»، قلت:
ص: 413
...
----------
فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر فتبين بها بعد ما دخلت على زوجها أنّها حامل، قال: «هيهات من ذلك يا ابن حكيم! رفع الطمث ضربان: إمّا فساد من حيضة فقد حلّ لها الأزواج وليس بحامل، وإمّا حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر، لأنّ الله عزّوجلّ قد جعله وقتاً يستبين فيه الحمل»، قال: قلت: فإنّها ارتابت، قال: «عدّتها تسعة أشهر»، قال: قلت: فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر، قال: «إنّما الحمل تسعة أشهر»، قلت: فتزوّج؟ قال: «تحتاط بثلاثة أشهر»، قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: «ليس عليها ريبة تزوّج».(1) فإنّه لا يعلم منها أنّ عدّة مسترابة الحمل تسعة أشهر، فلعلّه في جانب المرأة فقط؛ أي في خصوص مثل التزوّج لا مثل النفقه كما مرّ احتماله في روايته الأُولى.
ومنها: ما عنه أيضاً، عن أبي عبدالله أو أبي الحسن(علیهما السلام)، قال: قلت له: رجل طلّق امرأته فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلاً، قال: «ينتظر بها تسعة أشهر»، قال: قلت: فإنّها ادّعت بعد ذلك حبلاً، قال: «هيهات هيهات! إنّما يرتفع الطمث من ضربين: إمّا حمل بيّن، وإمّا فساد من الطمث، ولكنّها تحتاط بثلاث-ة أشهر بعد»، وقال أيضاً في التي كانت تطمث ثمّ يرتفع طمثها سنة، كيف تطلّق؟ قال: «تطلّق بالشهور»، فقال لي بعض من قال: «إذا أراد أن يطلّقها وهي لا تحيض وقد كان يطؤها (يطلّقها - خ. ل)، استبرأها، بأن يمسك عنها ثلاثة أشهر من الوقت الذيتبين فيه المطلّقة المستقيمة الطمث، فإن ظهر بها حمل وإلّا طلّقها تطليقة بشاهدين، فإن تركها ثلاثة أشهر فقد بانت بواحدة، فإن أراد أن يطلّقها ثلاث تطليقات تركها شهراً ثمّ راجعها ثمّ طلّقها ثانية ثمّ أمسك عنها ثلاثة أشهر يستبرئها، فإن ظهر بها
ص: 414
...
----------
حبل فليس له أن يطلّقها إلّا واحدة».(1)
واعلم أنّ روايات ابن حكيم يحتمل أن تكون رواية واحدة، فلا يمكن استفادة لزوم الاعتداد بتسعة أشهر، فلعلّها عدّة الاختبار، فتبقى الصحيحة فقط، وعلى كلّ حالٍ، فيجب الصبر بأكثر الأمرين من العدّة والتسعة.
هذا، وقد استدلّ بروايتين أُخريين في المسترابة بالحيض، إحداهما: ما عن عمّار الساباطي، قال: سئل أبوعبدالله(علیه السلام) عن الرجل عنده امرأة شابّ-ة، وهي تحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة، كيف يطلّقها زوجها؟ فقال: «أمر هذه شديد، هذه تطلّق طلاق السنّ-ة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ثمّ تترك حتّى تحيض ثلاث حيض متى حاضتها فقد انقضت عدّتها»، قلت له: فإن مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض؟ فقال: «ربّص بها بعد السنة ثلاثة أشهر، ثمّ قد انقضت عدّتها»، قلت: فإن ماتت أو مات زوجها؟ قال: «أيّهما مات ورث صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهراً».(2)
وثانيتهما: ما عن سورة بن كليب، قال: سئل أبو عبدالله(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنّ-ة وهي ممّن تحيض ثلاثة أشهر فلم تحض إلّا حيضة واحدة، ثمّ ارتفعت حيضتها حتّى مض-ى ثلاثة أشهر أُخرى، ولم تدر ما رفع حيضتها، فقال: «إن كانت شابّة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثةأشهر إلّا حيضة، ثمّ ارتفع طمثها فلا تدري ما رفعها فإنّها تتربّص تسع-ة أشهر من يوم طلّقها، ثمّ تع-تدّ بعد ذلك ثلاث-ة أشهر، ثمّ تت-زوّج إن
ص: 415
...
----------
شاءت».(1)
أقول: ولكن لا شاهد في الأُولی على المسألة أصلاً بل تكون مربوطة بمسترابة الحيض كما أنّه لا شهادة فيها على التسعة المدلول عليها في أخبار محمّد بن حكيم أيضاً، ولو سلّم الدلالة والارتباط؛ قضاءً للإطلاق فهي معرضٌ عنها في موردها؛ حيث إنّ المشهور كون العدّة في مسترابة الحيض ما سبق منه ومن ثلاثة أشهر لا الثلاثة بعد السنة.
وأمّا الثانية، فالإشعار فيها وجيهٌ؛ لما فيها من ذكر التسعة وهو مشعرٌ بمدّة الحمل والارتباط بمسترابة الحمل، لكن مع غضّ النظر عمّا أورده الشهيد الثاني في المسالك عليه أنّ السند ضعيف بسورة بن كليب من جهة عدم التوثيق، قال; فيه:
وهذه الرواية مع اشتهار العمل بمضمونها مخالفة للأصل في اعتبار الحمل بتسعة أشهر من حين الطلاق، فإنّه لا يطابق شيئاً من الأقوال المتقدّمة في أقصى الحمل؛ لأنّ مدّته معتبرة من آخر وط ءٍ يقع بها لا من حين الطلاق، فلو فرض أنّه كان معتزلاً لها أزيد من ثلاثة أشهر تجاوزت مدّته أقصى الحمل على جميع الأقوال وقد يكون أزيد من شهر فيخالف القولين بالتسعة والعشرة.
وأيضاً فاعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل غيرمطابق لما سلف من الأُصول؛ لأنّه مع طروّ الحيض قبل تمام الثلاثة إن اعتبرت العدّة بالأقراء وإن طالت كما يقتضيه الضابط السابق، لم يتمّ الاكتفاء بجميع ذلك، وإن اعتبر خلوّ ثلاث-ة أشهر بيض بعد النقاء فالمع-تبر بعد
ص: 416
...
----------
العلم بخلوّها من الحمل حصول الثلاثة كذلك ولو قبل العلم؛ لانّ عدّة الطلاق لا يعتبر فيها القصد إليها بخصوصها بل لو مضت المدّة وهي غير عالمة بالطلاق كفت فكيف هنا؟! وبهذا يظهر ضعف ما قيل: إنّه إنّما لم يكتف بالتسعة مع العلم بعدم الحمل؛ لأنّها لم تكن للاعتداد بل للاعتبار بكونها حاملاً أم لا.
وأيضاً ليس في الرواية ما يدلّ على أنّه لمكان الحمل، بل في التقييد بالتسعة ما يشعر به وفي تقييدها بكونها من حين الطلاق ما قد يقتض-ي خلافه.(1)
المسألة الثانية: وهي المسترابة بالحمل بعد انقضاء العدّة والنكاح، فالظاهر من الشرائع(2) وغيره،(3) بل من الجواهر(4) صحّة النكاح وانقضاء عدّتها بالأشهر الماضية وأنّه من المسلّمات. واستدلّ له بأصالة الصحّة في النكاح الثاني وبأنّه بعد انقضاء العدّة، ومثلها الاسترابة بالحمل بعد انقضاء العدّة.
أقول: وأضف إليه استصحاب عدم الحمل.
ثمّ إنّ المرأة مرتابة في تمام الصور الثلاث في أنّ عدّتها وضع الحمل أو الشهور والثلاثة؟
نعم، في المرتابة قبل انقضاء العدّة ففي الأخبار الدلالة على لزوم التربّص بأكثر
ص: 417
...
----------
الأمرين من براءة الرحم والعدّة بالأشهر - مثلاً - وأمّا المرتابة في الحمل بعد انقضاء العدّة أو بعدها وبعد النكاح فليست مورداً للأخبار، كما أنّ استصحاب عدم الحمل جارٍ في الصور الثلاث أيضاً.
ولقائل أن يقول: مع إلغاء الخصوصيّ-ة بضميمة الموافقة للاعتبار لزم التربّص بأكثر الأمرين؛ لأنّ المستفاد من الأخبار أنّ الشارع لا يرضى بوطئ المرأة الحاملة. نعم، يصحّ النكاح والحكم بانقضاء العدّة؛ قضاءً للقواعد. وهذا كلام ليس بجزافٍ.
ثمّ إنّ المحقّق (قدس سرُّه) قال:
لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدّة والنكاح لم يبطل، وكذا لو حدثت الريبة بالحمل بعد العدّة وقبل النكاح.
أمّا لو ارتابت به قبل انقضاء العدّة لم تنكح، ولو انقضت العدّة. ولو قيل بالجواز، ما لم يتيقّن الحمل كان حسناً، وعلى التقديرات لو ظهر حمل بطل النكاح الثاني؛ لتحقّق وقوعه في العدّة.(1)
أقول: الذي يخطر بالبال أنّ روايات النكاح في العدّة مختصّة بكون المرأة في العدّة، وما نحن فيه ممّا قد انقضت العدّة ولم تكن حاملاً، بالاستصحاب فلا تشمله الروايات؛ لانتفاء الموضوع وانقضائه.
وما يقال من أنّ الأمارة حكم ظاهري غير مجزٍ عن الواقع وإنّما تكون عذراً مع المخالفة لا وجه له؛ لأنّ الانقضاء المزبور من جانب الشارعفأدلّتها حاكمة على تلك الروايات ك-حكومة: «كلّ شيء طاهر» على أدلّ-ة شرطيّ-ة الطه-ارة الخبث-يّ-ة
ص: 418
(مسألة 4): يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدّة.(1) والمراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحيل والتطيّب والخضاب وتحمير الوجه والخطاط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحليّ ونحوها.
----------
في الص-لاة - مثلاً - ولا ارتباط للجمع على الحكومة بباب الإجزاء، بل الجمع بها كالجمع بالتخصيص - مثلاً - مبيّن للواقع.
هذا مضافاً إلى أنّ أخبار الانقضاء تدلّ على الصحّة بالدلالة الالتزاميّ-ة العقلائيّ-ة، فإنّ جعل العدّة كذلك يلازم صحّة ترتيب آثار الانقضاء وإلّا فما معنى ذكر الحدّ هنا؟ مضافاً إلى أنّه قد حقّقنا في الأُصول أنّ الأمارات والأُصول مجزية إلّا ما خرج بالدليل.
فتحصّل من ذلك كلّه أنّ الترديد المذكور في المتن ناشٍ من عدم وجود النصّ في المسألة، ومقتضى القاعدة تربّص أبعد الأجلين، ووجه التربّص في عدّة الوفاة إن كانت هي الأبعد فواضح، وأمّا الآخر، فلأنّ المستفاد من أدلّة العدّة حرمة الزواج للحامل وإن كان الحمل مشكوكاً فيه، ولكنّ الآثار إنّما تترتّب على عدّة الوفاة فقط، كترك الزينة والحداد، فما في المتن لا يخلو من إشكال.
والحقّ أن يقال: إنّ الأحوط، بل الأظهر، الانتظار إلى أبعد الأجلين ولا يترتّب على تلك المدّة الزائدة، الحداد.
وبالجملة، ترك كلّ ما يعدّ زينة تتزيّن به للزوج، وفي الأوقات المناسبة له في العادة كالأعياد والأعراس ونحوها. ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد، فيلاحظ في كلّ بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين.
نعم، لا بأس بتنظيف البدن واللباس، وتس-ريح الشعر، وتقليم الأظفار، ودخول الحمّام، والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزيّنة، وتزيين أولادها وخدمها.(1)
----------
(1) وهو المراد به لغةً وشرعاً، والدليل على الحكم هو الأخبار المتظافرة من الخاصّة والعامّة:
فمنها: ما عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إن مات عنها - يعني: وهو غائب - فقامت البيّ-نة على موته فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعش-راً، لأنّ علیها أن تحدّ علیه في الموت أربعة أشهر وعشراً، فتمسك عن الكحل والطیب والأصباغ».(1)
ومنها: صحيحة ابن أبي عفور، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المتوفّى عنها زوجها؟ قال: «لا تكتحل للزينة ولا تطيّب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ولا تبيت عن بيتها وتقضي الحقوق وتمتشط بغسلة وتحجّ وإن كان في عدّتها».(2)
ومنها: صحيحة أبي العبّاس، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام):المتوفّى عنها زوجها، قال: «لا تكتحل لزينة ولا تطيّب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ولا تخرج نهاراً ولا تبيت عن بيتها»، قلت: أ رأيت إن أرادت أن تخرج إلى ح-قّ، كيف تص-نع؟ قال: «تخرج
ص: 420
(مسألة 5): الأقوى أنّ الحداد ليس شرطاً في صحّة العدّة، بل هو تكليف مستقلّ في زمانها، فلو تركته عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في تمام المدّة أو بعضها لم يجب عليها استئنافها وتدارك مقدار ما اعتدّت بدونه.(1)
(مسألة 6): لا ف-رق في وج-وب الحداد بين المسلم-ة والذمّيّ-ة،(2) كما لا ف-رق
----------
بعد نصف الليل وترجع عشاءً».(1)
ومنها: ما عن زرارة أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المتوفّى عنها زوجها ليس لها أن تطيّب ولا تزيّن حتّى تنقضي عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيّام».(2)
وتعارض الأخبار كلّها موثّقة الساباطي - كما قالوا - وهي ما عنه، عن أبي عبدالله(علیه السلام): أنّه سأله عن المرأة يموت عنها زوجها، هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها؟ قال: «نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبّغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج».(3) ولكنّها شاذّة.
(1) لأنّه هو غاية ما يستفاد من الروايات، ولا دلالة فيها على الشرطيّ-ة ولا عليها دليل آخر حال الضرورة.
(2) قضاءً للإطلاق.
ص: 421
- على الظاهر - بين الدائمة والمنقطعة.(1) نعم، لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدّة تمتّعها كيوم أو يومين.(2)وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا؟ قولان، أشهرهما الوجوب؛ بمعنى وجوبه على وليّهما، فيجنّبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة.(3) وفيه تأمّل وإن كان أحوط.(4)
----------
(1) للزوم العدّة عليها أيضاً وتشملها الروايات أيضاً؛ لأنّها زوجة.
(2) وذلك للانصراف.
(3) وذلك لأنّ رفع القلم وإن كان مقتضياً لعدم الوجوب لهما إلّا أنّ التكليف على وليّهما، كباب قتل النفس وشرب الخمر وأمثالهما.
(4) لأنّ الوجوب على الوليّ وجوب مستقلّ يكون لأهميّ-ة المكلّف به، بحيث أنّ وجوده مبغوضٌ ويريد الشارع تركه بأيّ نحوٍ كان، وذلك محتاج إلى الدليل كذلك وهو منتفٍ في المقام كما لا يخفى. فحديث رفع القلم الحاكم على أخبار المسألة هو المحكّم هنا مع أنّ حكمة الحداد في عدم رغبة الرجال، ومن المعلوم تحقّق تلك الحكمة في غير واحد من الصغيرات والمجنونات ممّا لا رغبة في زواجها ولو مع عدم الحداد من جهة الصغر أو الجنون، وبما ذكرناه يظهر عدم تماميّ-ة ما في الجواهر من تشبيه الحداد بأمثال التكاليف التي تتوجّه إلى الوليّ(1) فإنّه كما ترى. هذا،ولكن مع ادّعاء الإجماع عن بعض على عدم الفرق في الحكم وتوجهه إلى الوليّ فالتوجّه هو الأحوط الذي لا ينبغي تركه لا سيّما في من يرغب الرجال إلى نكاحها مع عدم الحداد.
ص: 422
(مسألة 7): يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها خصوصاً إذا كانت ضروريّ-ة أو كان خروجها لأُمور راجحة كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها. نعم، ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلّا في بيتها الذي كانت تسكنه في حياة زوجها، أو تنتقل منه إليه للاعتداد بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العش-يّ أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً.(1)
----------
(1) ولا إشكال فيه، ويدلّ عليه أخبار كثيرة.
منها: ما مرّ آنفاً(1) عن عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(علیه السلام): أنّه سأله عن المرأة يموت عنها زوجها، هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها؟ قال: «نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبّغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج».(2)
ومنها: ما عنه أيضاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في المرأة المتوفّى عنها زوجها، هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها؟ قال: «نعم»،(3) الحديث.
ومنها: خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في المتوفّىعنها زوجها، أ تحجّ وتشهد الحقوق؟ قال: «نعم».(4)
ومنها: ما عن عبدالله بن بكير، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن التي يتوفّى زوجها،
ص: 423
...
----------
تحجّ؟ قال: «نعم، وتخرج وتنتقل من منزل إلى منزل».(1)
إلى غيرها من الأخبار الخاصّة على الجواز.
فما في بعض الأخبار من المنع لابدّ من الحمل على الكراهة؛ حملاً للظاهر على النصّ، وهذا لا إشكال فيه وإنّما الإشكال في البيتوتة في غير بيتها بلا ضرورة وحاجة، ففي الحدائق(2) اختيار عدم الجواز إلّا لضرورة؛ قضاءً للجمع بين أخبار المنع الذي هو أكثر الأخبار وأخبار الجواز بما تضمّنته صحيحة الصفّار من إلجاء الحاجة إلى ذلك والضرورة فتخرج نهاراً وتبيت في غيره ليلاً، فبعد نقله أخبار الحداد وترك الزينة من صحيح ابن أبي يعفور وخبرأبي العبّاس وزرارة وأبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(علیه السلام) ومكاتبة الصفّار في الصحيح إلى محمّد الحسن بن عليّ(علیه السلام) وموثّق عمّار الساباطي وابن بكير وخبر عبيد بن زرارة والبحث عن الزينة.
قال ما هذه عبارته:
بقي الكلام في اختلاف هذه الأخبار في جواز الخروج من بيتها والبيات في غيره، فإنّ أكثر الأخبار قد دلّ على المنع بآكد وجه إلّا مع الض-رورة، فتخرج بعد نصف الليل وتعود عشاءً، وجملة منها قد دلّ على الجواز مطلقاً، وهي الأخبار الأخيرة، والظاهرالجمع بينها بما تضمّنته صحيحة الصفّار المتقدّمة من إلجاء الحاجة إلى ذلك والض-رورة فتخرج نهاراً، وتبيت في غيره ليلاً.
ص: 424
...
----------
والشيخ في كتابي الأخبار(1) جمع بينها بحمل أخبار النهي عن البيتوتة عن بيتها على الاستحباب كما هو قاعدته غالباً في جميع الأبواب، وظاهر الأخبار المانعة بآكد منع لا يساعده.
ومن أخبار المسألة زيادة على ما قدّمنا ما رواه أبو منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج والشيخ في كتاب الغيبة عن صاحب الزمان(علیه السلام) ممّا كتب أجوبة مسائل محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري حيث سأله «عن المرأة يموت زوجها، هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟ التوقيع: تخرج في جنازته. وهل يجوز لها وهي في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟ التوقيع: تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها. وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها أم لا تخرج من بيتها وهي في عدّتها؟ التوقيع: إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته، وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتّى تقضيها، ولا تبيت إلّا في منزلها».(2)
ثمّ قال:
أقول: وهذا الخبر قد اشتمل على ما فصّلناه في تلك الأخبار بعد حمل مطلّقها على مقيّ-دها وملخّصه أنّه مع الض-رورة إلى الخروج فلا إشكال
ص: 425
...
----------
في جواز الخروج وإن استلزم البيات في غير بيتها، ومع عدم الض-رورة فإنّه يرخّص لها الخروج لقضاء الحقوق التي يلزمها من عيادة مريض أو حضور تعزية ونحو ذلك من الحقوق التي يقوم بها النساء بعضهنّ لبعض ونحو ذلك من الأُمور المستحبّ-ة، لكن لا تبيت إلّا في بيتها، ولا ينافي ذلك الأخبار الدالّة على جواز الانتقال من منزل إلى آخر.
ومنها: زيادة على ما قدّمناه، ما رواه في الكافي عن معاوية بن عمّار في الموثّق، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها، تعتدّ في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: «بل حيث شاءت، إنّ عليّاً(علیه السلام) لمّا توفّي عمر أتى أمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته».(1)
وعن سليمان بن خالد في الصحيح، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن امرأة توفّي عنها زوجها، أين تعتدّ؟ في بيت زوجها تعتدّ أو حيث شاءت؟ قال: «بل حيث شاءت»، ثمّ قال: «إنّ عليّاً(علیه السلام) لمّا مات عمر أتى أمّ كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته».(2)
وعن عبدالله بن سليمان، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن المتوفّى عنها زوجها، أ تخرج إلى بيت أبيها وأمّها من بيتها إن شاءت فتعتدّ؟ فقال: «إن شاءت أن تعتدّ في بيت زوجها اعت-دّت، وإن ش-اءت
ص: 426
...
----------
اعتدّت في بيت أهلها، ولا تكتحل ولا تلبس حليّاً».(1)
وعن يونس، عن رجل، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المتوفّى عنها زوجها تعتدّ في بيت تمكث فيه شهراً أو أقلّ من شهر أو أكثر، ثمّ تتحوّل منه إلى غيره فتمكث في المنزل الذي تحوّلت إليه مثل ما مكثت في المنزل الذي تحوّلت منه، كذا صنيعها حتّى تنقضي عدّتها؟ قال: «يجوز ذلك لها ولا بأس».(2)
والشيخ ومن تبعه قد عملوا بهذه الأخبار، فقالوا بجواز ترك البيات في المنزل وجواز الخروج حيث شاءت، وحملوا أخبار النهي على الكراهة.
والأقرب أنّ جواز الانتقال من منزل إلى آخر لا ينافي وجوب الاستقرار في ذلك المنزل الذي استقرّت فيه، فلا يجوز لها الخروج والرجوع إليه إلّا في الصورة التي قدّمنا ذكرها من الضرورة وقضاء الحقوق، فلا منافاة.(3) انتهى كلامه.
أقول: ولا يخفى عليك ما وقع منه; ومن الشيخ; من الخلط؛ أمّا منه فمن حيث خلطه بين الخروج من المنزل والبيتوتة فيه وبين الخروج منه والبيتوتة في غيره حيث إنّ ما يدلّ على الجواز راجع إلى الأوّل لا الثانيوأخبار البيتوتة في غيره فكلّها على المنع، والبيتوتة هي الاستقرار في المنزل الذي استقرّت فيه، كما صرّح به
ص: 427
...
----------
في قوله: «والأقرب أنّ جواز الانتقال»(1) وليس الخروج منافياً له أصلاً؛ كما أنّ الانتقال من منزل إلى منزل غير منافٍ له أيضاً وعليك بالمراجعة ثانياً إلى الأخبار حتّى تطمئنّ بذلك كمال الاطمئنان وتعلم عدم وجود رواية واحدة دالّة على جواز البيتوتة لها في غير منزلها، فارجع البصر كرتين حتّى تنقلب إليك البصر وهو يرى الخلط بينها وبين الخروج، فلا منافاة بينهما؛ لتغاير موضوعهما، مع أنّ أخبار الخروج ناصة على الجواز، فلابدّ من حمل أخبار المانعة على الكراهة، تقديماً للنصّ على الظاهر، كما مرّ، فلا حاج-ة في الجم-ع بين تلك الأخبار إلى المكاتبة، واختصاص الجواز بالضرورة، كما أنّ أخبار البيتوتة مقيدّة بالض-رورة والحاجة للمكاتبة لا أنّها وجه للجمع بين أخبار الناهي-ة عن البيتوتة في غير المنزل والدالّة على الجواز لعدم الثاني من رأس كما لا يخفى.
وأمّا ما عن الشيخ; ومن تبعه فلما صرّح به الحدائق(2) من أنّ جواز الانتقال غير منافٍ للاستقرار فاستدلال الشيخ; ومن تبعه لجواز ترك البيت والخروج من المنزل بأخبار الانتقال ليس إلّا من خلط الاستقرار في المنزل بالخروج من الأوّل والاستقرار في الثاني بالخروج المستقل الذي دلّ على جوازه الأخبار الناصّة فيه وهل هذا إلّا خلطاً مع أنّه لا حاجة إلى تلك الأخباربعد الأخبار الناصّة كما لا يخفى.
ثمّ إنّ من العجب تبعيّ-ة الجواهر للشيخ - أيضاً - في الخلط إلى أنّ رمى الحدائق باختلال الطريقة بل إلى عدم معرفة اللسان، وقال:
فإنّ النصوص المزبورة ظاه-رة لمن رزق-ه الله معرف-ة رمزهم واللحن في
ص: 428
...
----------
قولهم في ما هو ظاهر الأصحاب من عدم منعها من ذلك وأنّه يجوزلها من دون ضرورة، لكن على كراهة، خصوصاً بعد ملاحظة النصوص المستفيضة الدالّة على جواز قضاء عدّتها فيما شاءت من المنازل ولو كلّ شهر في منزل.(1)
ووجه الخلط ظاهر ممّا مرّ،(2) فلانعيده.
ولنكتف في المسألة بنقل ما في الجواهر ففيه الكفاية، قال:
(و) أمّا الحداد (فى الأمة) إذا كانت زوجة ففيه (تردّد) وخلاف (أظهره) أن (لاحداد عليها)؛ وفاقاً لجماعة، بل قيل: إنّه الأشهر؛ لصحيح زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام): «إنّ الأمة والحرّة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما، سواء في العدّة، إلّا أن الحرّة تحدّ والأمة لا تحدّ».(3) وبه يقيّد إطلاق الأدلّة إن لم يقل بانسياقه إلى الزوج-ة الحرّة، وإلّا لم يحتج إلى التقييد، وكان الصحيح مؤكّداً لأصل البراءة وغيره ممّا يقتض-ي نفي ذلك عنها.
وخلافاً لصريح المحكيّ عن المبسوط(4) والسرائر(5) وظاهر أبي الصلاح(6)
ص: 429
...
----------
وسلّار(1) وابن حمزة، فأوجبوا الحداد عليها كالحرة، للنبويّ: «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليالٍ إلّا على زوج أربعة أشهر وعشراً»(2) ولم يفرّق.
وأجاب عنه في المختلف:
أنّ هذه الرواية لم تصل إلينا مسندة عن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)، وإنّما رواها الشيخ مرسلة، ولاحجّة فيها، والعجب أنّ ابن إدريس ترك مقتضى العقل وهو أصالة البراءة من التكليف بالحداد وما تضمّنته الرواية الصحيحة وعوّل على هذا الخبر المقطوع السند، مع ادّعائه أنّ الخبر الواحد المتّصل لا يعمل به فكيف المرسل! وهذا يدلّ على قصور قريحته وعدم تفطّنه لوجوه الاستدلال.(3)
قلت: الإنصاف أنّ هذا الكلام لا يليق بابن إدريس الذي هو أوّل من فتح النظر والتحقيق، ولم يعتمد في المقام على الخبر المرسل، بل غرضه الاستدلال بإطلاق المتواتر من النصوص الدالّة على الحداد في الزوجة الشاملة للحرّة والأمة، والخبر الصحيح المزبور غير حجّ-ة عنده، فلا يحكم على الإطلاق المزبور.
والعجب منه في توجيه الجواب عن النبويّ المزبور بكونه مرسلاًغير حجّة وأنّ-ه لم يصل إلينا مسنداً مع أنّ مضمون-ه مقطوع به في نصوصنا،
ص: 430
(مسألة 8): لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه؛ حاضراً كان الزوج أو غائباً، بلغ الزوجة الخبر أم لا، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلّا بعد مض-يّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر، وكذا ع-دّة وطء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة، بل هذا الاحتياط لا يترك، وأمّا عدّة الوفاة، فإن مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غي-بة الزوج، بل يع-مّ صورة ح-ضوره إن خ-في علي-ها
----------
ولم يتنبّه للجواب عنه بعدم تناوله للأمة بناءً على عدم اعتدادها بالأربعة والعشر، وبانسياق الحرة من الامرأة فيه، وبأنّه مقيّد بالصحيح المزبور. والأمر سهلٌ بعد وضوح الحال. نعم، لا فرق فيه بين الدائمة والمتمتّع بها، للإطلاق المزبور.(1) انتهى كلامه.
المرأة الموطوءة بوط ء الشبهة المتوفّى عنها الواطي وقد انحلّت الشبهة فليس عليها عدّة الوفاة قطعاً؛ لعدم كونها زوجة ولكنّه عليها عدّة الطلاق كما في حال حياته، ولعلّ تصريح المحقّق في الشرائع(2) وغيره(3) بعدم عدّةالوفاة لها الذي يكون أمراً واضحاً من جهة عدم الزوجيّ-ة هو لخلاف بعض العامّة الناشي من استحسان أو قياس أو اجتهاد فاسد.
ص: 431
موته لعلّة، فتعتدّ من حين إخبارها بموته.(1)
----------
(1) كون مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه ممّا لا إشكال فيه، وهو الموافق لقاعدة السبب والمسبّب، وقاعدة العدّة والطلاق من دون فرق بين الحاضر والغائب وبين بلوغ الخبر وعدمه. هذا، مع ما في الغائب من أخبار كثيرة:
منها: ما عن محمّد بن مسلم، قال: قال لي أبوجعفر(علیه السلام): «إذا طلّق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك، فإذا مض-ى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدّتها».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يطلّق امرأته وهو غائب عنها من أيّ يوم تعتدّ؟ فقال: «إن قامت لها بيّ-نة عَدل أنّها طلّقت في يوم معلوم وتيقّنت فلتعتدّ من يوم طلّقت وإن لم تحفظ في أيّ يوم وفي أيّ شهر فلتعتدّ من يوم يبلغها».(2)
ومنها: صحيحة الفضلاء الثلاثة، عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال في الغائب: «إذا طلّق امرأته فإنّها تعتدّ من اليوم الذي طلّقها».(3) إلى غيرها من الأخبار.
هذا، والمحكيّ عن أبي الصلاح(4) الاعتداد من اعتبار البلوغ؛ لظاهر الأمر بالتربّص، ف-إنّ الامتثال والطاع-ة غير محقّق مع الجهل، ولأنّ الاعت-داد عبادة ولا
ص: 432
...
----------
يمكن ذلك إلّا بالعلم، وفيهما ما لا يخفى، أمّا الأوّل، فإنّ التربّص لأن لا تتزوّج فهو واجب مقدّمي توصّلي والإطاعة في مثله بالتوصّل كيفما كان، وعباديّ-ة الاعتداد كما ترى.
وأمّا عدّة الوفاة في زوجة الغائب بلوغ الوفاة لا من حينها على المشهور، بل عن الناصريّات(1) الاتّفاق عليه، بل عن السرائر(2) والتحرير(3) نفي الخلاف، وعن ابن الجنيد(4) أنّها كالطلاق من حينها، وعن الشيخ في التهذيب(5) التفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة والبعيدة فالأولى تعتدّ من حين البلوغ، ومستند الكلّ الأخبار، فهي على طوائف ثلاث:
الأُولى: الدالّة على أنّ العدّة من حين بلوغ الخبر، وهي كثيرة، منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إن مات عنها - يعني وهو غائب - فقامت البيّ-نة على موته فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً، لأنّ عليها أن تحدّ عليه في الموت أربعة أشهر وعشراً فتمسّك عن الكحل والطيب والأصباغ».(6).
ومنها: صحيحة ابن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام) في الرجل يموت وتحته امرأة وهو غائب، قال: «تعتدّ من يوم يبلغها وفاته».(7)
ص: 433
...
----------
ومنها: صحيحة أبي الصباح، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «التي يموت عنها زوجها وهو غائب فعدّتها من يوم يبلغها إن قامت البيّ-نة أو لم تقم».(1)
ومنها: صح-يحة الفضلاء عن أبي جع-فر(علیه السلام) أنّه قال: في الغائب عنها زوج-ها إذا توفّي؟ قال: «المتوفّی عنه-ا تع-تدّ من ي-وم يأتيها الخ-بر، لأنّه-ا تحدّ علي-ه (له - خ. ل)».(2)
ومنها: صحيحة ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: «المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يبلغها، لأنّها تريد أن تحدّ عليه (له - خ. ل)».(3)
ومنها: صحيحة الحسن بن زياد، عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال «في المرأة إذا بلغها نعي زوجها: تعتدّ من يوم يبلغها، إنّما تريد أن تحدّ له».(4)
ومنها غيرها من الروايات.(5)
الثانية: الدالّة على أنّ العدّة من حين الوفاة، فمنها: خبر وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(علیه السلام) أنّه سئل عن المتوفّىعنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدّتها فالحداد يجب عليها؟ ف-قال عليّ(علیه السلام): «إذا لم يبلغها ذلك حتّى تنقضي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه وتنكح من أحبّت».(6)
ومنها: ما عن الحسن بن زياد، ق-ال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المطلّق-ة يطلّقها
ص: 434
...
----------
زوجها ولا تعلم إلّا بعد سنة، والمتوفّى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلّا بعد سنة؟ قال: «إن جاء شاهدان عدلان فلا تعتدّان وإلّا تعتدّان».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك، قال: فقال: «إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت لها البيّ-نة أنّه مات في يوم كذا وكذا وإن لم يكن لها بيّ-نة فلتعتدّ من يوم سمعت».(2)
الثالثة: الدالّة على التفصيل بين قليل المسافة وكثيرها، وهي صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول في المرأة يموت زوجها أو يطلّقها وهو غائب، قال: «إن كان مسيرة أيّام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر، لأنّها لابدّ من أن تحدّ له».(3)
وفي التهذيب بعد نقله خبري الحسن بن زياد والحلبي، قال:
فهذان الخبران شاذان نادران مخالفان للأحاديث كلّها، والتفصيل الذي تضمّن الحديث الأخير يخالفه أيضاً الخبر المتقدّم(4) ذكره عن أبي الصباح الكناني؛ لأنّه قال: «تعتدّ من يوم يبلغها قام لها البيّ-نة أو لم تقم»، فلايجوز العدول عن الأخبار الكثيرة إلى هذين الخبرين، على أنّه يجوز أن يكون الراوي وهم فسمع حكم المطلّقة فظنّه أنّه حكم المتوفّى عنها زوجها؛ لأنّ التفصيل الذي يتضمّنه الخبر
ص: 435
...
----------
الأخير من اعتبار قيام البيّ-نة وانقضاء العدّة عند وضع الحمل وغير ذلك كلّه معتبر فيها، وعلى هذا التأويل لا تنافي بين الأخبار.(1)
أقول: ويقع الكلام فيها في مقامين:
أحدهما: وجود التعارض وعدمه.
والثاني: على تقدير التعارض كيف العلاج والعمل؟
فنقول في المقام الأوّل: الحقّ عدم التعارض بالجمع بينها بحمل الأُولی على الندب فالاعتداد من الوفاة وإن كان صحيحاً إلّا أنّ الاعتداد من البلوغ مستحبّ ومطلوب وعن المسالك(2) الجمع كذلك.
أمّا الثالثة، فعلى الدلالة غير معارضة للأُوليين؛ لأنّها أخصّ منهما والشأن في الدلالة فإنّ من المحتمل كون شرطيّ-ة مسيرة أيّام لبيان بعض مصاديق البلوغ، فإنّ المسيرة كذلك ملازم مع البلوغ غالباً.
وبالجملة، ذكر المسيرة من باب ذكرالعنوان المشير والكناية، لا الموضوعيّ-ة والخصوصيّ-ة وأمّا الأوليين فالبحث فيهما.
لا يقال: كيف يجمع بين مثل «تعتدّ» و«لا تعتدّ» من الاثبات والنفي وليس المثبت نصّاً في الجواز حتّى كان سبباً لتقديمه على ظهور النفي في عدمه لما حقّقناه في محلّه في الأُصول بأنّ النصوصيّ-ة المستنقذة من الظهور ليست سبباً للجمع والتقديم عرفاً، بل هو مختصّ بالنصّ الحقيقي، فإنّ من أظهر مصاديق التعارض عند العرف التعارض بين النفيوالإثبات والأمر والنهي كما لا يخفى.
ص: 436
...
----------
لأنّا نقول: التعارض بينهما ثابت كما ذكرت لكنّ الجمع بشهادة ما في أخبار الثانية من التصريح بمضيّ العدّة وأنّها إذا لم يبلغها ذلك حتّى تنقض-ي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه وتنكح من احبّت فإنّه لابدّ مع هذه العبارات إلّا من حمل أخبار الأُولی على استحباب الاعتداد من البلوغ وأنّها تعتدّ منه ندباً.
لا يقال: لمّا أنّ العلّة في أخبار الأُولی الحداد الواجب فلابدّ وأن يكون المعلول أي الاعتداد من حين البلوغ واجباً أيضاً لعدم معقوليّ-ة الانفكاك بين العلّة والمعلول في الوجوب والندب كما لا يخفى، فكيف يحمل الاعتداد فيها على الندب؟
لأ نّا نقول: العلّة ليست هي الحداد الواجب عليها بل إرادتها الحداد والإرادة منها غير واجبة شرعاً وتعليق الوجوب بها غير صحيح أيضاً وكيف يمكن تعلّق التكليف بإرادتها في المستقبل المدلول عليها بقوله(علیه السلام): «إنّما تريد أن تحدّ له».(1) هذا، مع أنّ اللازم من العلّيّ-ة كون ابتداء عدّة الوفاة في الأمة حينها لعدم الحداد لها مع ما في الجواهر منقوله:
إنّي لم أجد من صرّح بمقتضى التعليل المزبور في النصوص من كون ابتداء اعتداد الأمة من حين الوف-اة، لما عرفت من أنّه لاحداد عليها إلّا
ص: 437
...
----------
ثاني الشهيدين في الروضة خاصّة(1) وأمّا المسالك،(2) فقد جزم فيها بكونها كالحرّة في اعتدادها ببلوغ الخبر، بحمل التعليل المزبور على الحكمة دون العلّة.(3)
وكون عدّة مثل الحاضر المحبوس أو المريض أو غيرهما من يوم البلوغ كالغائب مع أنّ ظاهر الأصحاب كونها من يوم الوفاة وكون الحداد شرطاً في العدّة لاواجباً وتكليفاً فإنّ العلّيّ-ة تناسب الشرطيّ-ة مع ضعف القول بذلك خصوصاً مع ما دلّ من الإطلاق بانقضاء العدّة بتربّص أربعة أشهر وعش-راً من الآية والرواية. فتأمّل، ففي هذه الأُمور كلّها شهادة على كون الحداد في تلك الأخبار حكمة لاعلّة وإن أبيت عن هذه الشهادة والظهور في الحكمة فلا أقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال، وعلى كلّ حالٍ، فلا تعارض بين الروايات، والحداد أمرٌ مندوبٌ معتضدٌ بأنّ الوجوب غير مناسب للش-ريعة السمحة السهلة، وإن أبيت عن ذلك كلّه وأنّ التعارض محقّق فالكلام يقع في المقام الثاني، والحقّ فيه أيضاً الأخذ بالثانية؛ لأنّ الشهرة وإن كانت مميّزة للحجّة عن غير الحجّة في مقام التعارض ولكن يلزم أن تكون بنحو تجعل الخبر المخالف لها ممّا لا ريب في بطلانه وهو غير محرز في المقام لأنّه لعلّ إعراضهم عن الثانية والأخذ بالأُولی لأنّها أكثر عدداً أو كونها معلّلة أو موافقة للاحتياط ومعهفأعراض الأصحاب غير موجب للاطمئنان بالخلل في المخال-ف بحيث يصير ممّا لا ريب في بطلانه في مقابل
ص: 438
(مسألة 9): لا يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجّة شرعيّ-ة كعدلين ولا عدل واحد. نعم، لا يجوز لها التزويج بالغير بلا حجّة شرعيّ-ة على موته، فإذا ثبت ذلك بحجّة يكفى اعتداده من حين البلوغ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت.(1)
----------
المشهود الذي لا ريب في صحّته من جهة أنّ الإعراض لعلّه كان من تلك الجهات والشهرة المفيدة للحجّيّ-ة غير محرزة والطائفة الثانية موافقة لإطلاق الكتاب(1) فلابدّ إلّا من الأخذ بها وممّا ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال للمشهور بتلك الأخبار.
(1) وهذا بلا خلاف بين الأصحاب ظاهراً؛ لعدم المنع عن الاعتداد بهذا الطريق، فإن صحّ الطريق وإلّا يكون اعتدادها كعدمه. نعم، ليس لها التزوّج إلّا أن يثبت الموت؛ قضاءً لاستصحاب حياته ولزوم النكاح وبقائه. هذا مضافاً إلى ما في الجواهر من قوله:
ولعلّه لإطلاق الأدلّة وقوله(علیه السلام) في خبر أبي الصباح السابق: «إن قامت لها البيّ-نة أو لم تقم» ثمّ أضاف: «وإن كان - إن لم يكن إجماعاً - أمكن المناقشة بإرادة البلوغ الشرعي ولو خبر العدل الذي يصدق معه عدم قيام البيّ-نة، فلا ينافيه خبر أبي الصباح.(2)
ولا يخفى أنّ مناقشة الجواهر في الاستدلال بالإطلاق والخبر لا تقدح لو فرضت تماميّتها أيضاً، فإنّ العمدة هي ما م-رّ من عدم المنع من الاعتداد وأنّه غير
ص: 439
(مسألة 10): لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتّى تحسب العدّة من ذلك الوقت اعتدّت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه.(1)والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها، بل هذا الاحتياط لا يترك.(2)
(مسألة 11): لو فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته فإن بقي له مال تنفق به زوجته أو كان له وليّ يتولّى أُموره ويتصدّى لإنفاقه أو متبرّع للإنفاق عليها وجب عليها الصبر والانتظار، ولا يجوز لها أن تتزوّج أبداً حتّى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه، وإن لم يكن ذلك ف-إن صبرت
----------
مضرٍّ بحالها. كيف والاعتداد بمحض البلوغ كالاعتداد احتياطاً كما لا يخفى. هذا، مع أنّ المراد من البلوغ المعتبر في الاعتداد هو العرفي منه كغيره من الموضوعات، والحمل على الشرعي مخالف للظاهر ومحتاج إلى الدليل وأنّ الظاهر من خبر أبي الصباح هو قيام الحجّة وعدمه، ولا خصوصيّ-ة للبيّ-نة وإنّما ذكرت مصداقاً للحجّة، فالخبر دليل على عدم اعتبار الحجّة كما استظهره (قدس سرُّه) أوّلاً.
(1) وهو لصدق الاعتداد من حين الطلاق.
(2) ويؤيّده ما قاله في الجواهر:
أمّا إذا فرض علمها بسبق ذلك وإن لم تعلم بالخصوص، اعتدّت بمقدار ما علمته من المدّة ثمّ أكملته بعد ذلك بما يتمّها، لتطابق النصّ والفتوى على اعتداد المطلّقة من حين الطلاق وإن لم تعلمبه، ففي الفرض تعلم انقضاء جملة من عدّتها، فلتعتدّ باحتسابه، ولكن مع ذلك، فالاحتياط لا ينبغي تركه.(1)
ص: 440
فلها ذلك، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الش-رعي، فيؤجّلها أربع سنين من حين الرفع إليه ثمّ يتفحّص عنه في تلك المدّة، فإن لم يتبيّن موته ولا حياته، فإن كان للغائب وليّ - أعني من كان يتولّى أُموره بتفويضه أو توكيله - يأمره الحاكم بطلاقها، وإن لم يقدم أجبره عليه، وإن لم يكن له وليّ أو لم يقدم ولم يمكن اجباره طلّقها الحاكم، ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة الوفاة، فإذا تمّت هذه الأُمور جازلها التزويج بلا إشكال، وفي اعتبار بعض ما ذكر تأمّل ونظر، إلّا أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط.(1)
----------
(1) بل هو الأحوط المتيقّن وإطلاق المتن كغيره من عبائر الأصحاب شامل لما كان البقاء على الزوجية حرجيّاً لها حتّى من جهة أنّها تريد ما تريد النساء المص-رّح به في صحيح الحلبي(1) أو غير حرجيٍ كشموله لكلّ زوج مفقود بلا فرق بين الغيبة في البلد وغيرها، وبين كونها عن اختيار وغيره، وبين الفرار عن الديون وغيره، وغير ذلك من الوجوه. هذا، ويقع الكلام في مقامين؛ أحدهما: ما يقتضيه القواعد والثاني: في ما هو المستفاد من النصوص والفتاوى.
أمّا الأوّل: فمقتضاها لزوم الصبر عليها مطلقاً حتّى مع الحرج الشديد وحتّى مع الصبر إلى مأة سنة؛ قضاءً لاستصحاب حياته وحرمة الزواجعليها إلى معلوميّ-ة الموت، ولكن مقتضى نفي الحرج ونفي الض-رار وكذا ما يستفاد من الإشارة الموجودة في قوله تعالى ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)(2) جواز
ص: 441
...
----------
الفسخ لها إذا كان البقاء على الزوجيّ-ة مستلزماً للض-رر والحرج عليها من دون الفرق فى الحرج من أنّها تريد ما تريد النساء أو من غيره حتّى للحرج من جهة الاتّهام وصعوبة المعيشة من دون حضور الزوج ومن غيرهما من الجهات الموجبة للحرج وذلك لحكومة أدلّة الحرج على أدّلة لزوم النكاح فإنّه المنشأ للحرج، فكما أنّ العيوب الخاصّة في الزوج سبب لفسخ الزوجة بحكمة الحرج أو علّته فكذلك الحرج في المقام، بل وكيف لا يكون كذلك مع صحّة الفسخ من الزوج في عيوب الزوجة والحال أنّ بيده الطلاق ففسخ الزوجة للحرج أولى. نعم، رعاية الاحتياط موجبة لوقوع الطلاق من الحاكم ولا ية ومع عدم بسط يده أو عدم إمكان وصول اليد، من عدول المؤمنين كذلك، ومن ذلك يظهر أنّه لا فرق بين وجود المنفق وعدمه، وبين وجود الوليّ وعدم-ه، وبين الرف-ع إلى الحاكم وعدمه، وبين مض-يّ أربع سنوات وعدمه مع اشتراك الكلّ في الحرج.
نعم، إن كان الفقدان من جانبها وكانت هي السبب له فهو حرج وضرر مقدم خارج عن الحكم المذكور، فإنّ القاعدة إمّا ظاهرة في غيره أو منص-رفة عنه، فهي مختصّة بغير المقدم وبما كان الحرج من ناحية الشرع.
ولا يخفى أنّ عدّتها عدّة الطلاق فسخاً كان أو طلاقاً.
وتوهّم أنّ عموم القاعدة مخصّصة وغير جارية في المفقود زوجها؛ قضاءً لإطلاق فتوى الأصحاب في حكمها الخاصّ ولصراحة صحيح الحلبي بجريان الحكم ولو أنّها تريد ما تريد النساء ففيه: بعد الحكم بالفحصوبعث الوالي وأمره الوليّ بالإنفاق عليها وأنّها امرأته ما أنفق عليها، قال: «قلت: فإنّها تقول فإنّي أُريد ما تريد النساء، ق-ال: ليس ذاك لها ولا كرامة»، ففيه: أنّ النصّ كما يأتي ظاهر في ما
ص: 442
...
----------
دون الحرج بقرينة التعبير بمثل «لا كرامة» ولو سلّم فإطلاقه منافٍ ومعارض لقاعدة نفي الحرج وهي حاكمة على جميع الإطلاقات الأوّليّ-ة والثانويّ-ة حتّى قاعدة نفي الضرر، وأمّا إطلاق كلامهم فإن كان ويشمل صورة الحرج لكنّه منصرف عنه لعدم الابتلاء به وإن أبيت عن إطلاقه فمقيّد كإطلاق الأخبار بغير الحرج كما لا يخفى.
هذا، كما أنّ مقتضى القاعدة بقاء الزوجيّ-ة ولزوم الصبر إن لم يكن عليها حرج فيه؛ قضاءً للأُصول والقواعد، فالمتّبع هو القاعدة، والروايات إنّما هي في رتبة ثانية، فمع منافاة إطلاق الروايات أو ظاهرها للقاعدة يؤخذ بالقاعدة؛ لأنّها حاكمة على جميع الأدلّة، ولأنّ لسانها آبٍ عن التخصيص، حيث قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،(1) فإنّ النفي قد تعلّق بأصل الجعل في الدين، وكذا غيره ممّا يدلّ على كون الش-ريعة سهلة سمحة. وإليك ما قاله السيّد الطباطبائي في ملحقات عروته:
في المفقود الذي لم يعلم خبره وأنّه حيّ أو ميّت إذا لم يمكن إعمال الكيفيّات المذكورة في تخليص زوجته لمانع من الموانع ولو من جهة عدم النفقة لها في المدّة المضروبة، وعدم وجود باذلٍ من متبرّع أو من وليّ الزوج، لا يبعد جواز طلاقها للحاكم الش-رعي مع مطالبتها وعدم صبرها، بل وكذا المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكّن زوجته من الصبر، بل وفي غير المفقودممّن علم أنّه محبوسٌ في مكان لا يمكن مجيؤه أبداً، وكذا في الحاضر المعسر الذي لا يتمكّن من الانفاق م-ع ع-دم صبر
ص: 443
...
----------
زوجته على هذه الحالة.
ففي جميع هذه الصور وأشباهها وإن كان ظاهر كلماتهم عدم جواز فكّها وطلاقها للحاكم؛ لأنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق، إلّا أنّه يمكن أن يقال بجوازه؛ لقاعدة نفي الحرج والضرر، خصوصاً إذا كانت شابّ-ة واستلزم صبرها طول عمرها وقوعها في مشقّ-ة شديدة.
ولما يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار، كصحيح ربعي والفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ)،(1) قال: «إذا أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلّا فرّق بينهما».(2)
وصحيح أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما».(3)
والصحيح عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، قال: «لا يجبر الرجل إلّا في نفقة الأبوين والولد». قال ابن أبي عمير: قلت لجميل: «والمرأة ؟ قال: قد روى عنبسة، عن أبي عبدالله(علیهالسلام)، قال: «إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يق-يم صلبها قامت معه وإلّا طلّقها».(4) إذ الظاهر أنّ
ص: 444
...
----------
المراد أنّه يجبر على طلاقها، وإذا لم يمكن إجباره لغيبة فيتولّى الحاكم الشرعي طلاقها.
والمرويّ عن أبي عبدالله(علیه السلام): «أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، وعليّ أولى من بعدي»، فقيل له: فما معنى ذلك؟ فقال: قول النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ ومن ترك مالاً فللورثة، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين(علیه السلام) ومن بعدهما لزمهم هذا، فمن هنا صار أولى بهم من أنفسهم».(1)
فيستفاد من هذه الأخبار: أنّ مع عدم النفقة يج-وز إجبار الزوج على الطلاق، وإذا لم يمكّن ذلك لعدم حضوره للإمام أن يتولّاه والحاكم الشرعي نائب عنه في ذلك، وإذا كان ع-دم طلاقها وإبقاؤه-ا على الزوجيّ-ة موجباً لوقوعها في الحرام قه-راً أواختياراً فأولى، بل اللازم فكّها؛ حفظ-اً لها ع-ن الوقوع في المعصية، ومن ه-ذا يمكن أن يقال في مسألة المفقود إذا أمكن إعمال الكيفيّات المذكورة من ضرب الأجل والفحص، لكن كان موجباً للوقوع في المعصية يجوز المبادرة إلى طلاقها من دون ذلك.(2) انتهى كلامه(قدس سرُّه).
أقول: وممّن أش-ار إلى ق-اع-دة نفي الض-رر والحرج، الشهيد الثاني(قدس سرُّه) في بع-ض
ص: 445
...
----------
فروع المسأل-ة ف-راجع إن شئت.(1) كما أنّ صاحب جامع الشتات (قدس سرُّه) أيضاً أشارإليه في بعض مسائله. (2)
وأمّا الروايات، فهي على طائفتين:
الأُولى: ما يدلّ على لزوم الصبر أربع سنين وهي معمول بها عند الأصحاب.
والطائفة الثانية: الصبر مطلقاً، وهذه ثلاث، فعن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) : «تصبر امرأة المفقود حتّى يأتيها يقين موته أو طلاقه».(3) وعن عليّ(علیه السلام): «هذه امرأة ابتليت فلتصبر».(4) وعن السكوني، عن جعفر، عن أبيه (علیهما السلام) أنّ عليّاً(علیه السلام) قال في المفقود: «لاتتزوّج امرأته حتّى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك».(5)
ومن العامّة من أوجب الصبر مطلقاً عملاً بالنبوي والعلوي، ولكن هذه الثلاث ليست بحجّة، فإنّه مضافاً إلى ضعف السند في الأُوليين أ نّها غير معمولٌ بها
ص: 446
...
----------
عند الأصحاب. هذا مع عدم تماميّتها عند العامّة أيضاً، أمّا النبويّ فمرسل عندهم والعلوي قد ثبت خلافه عندهم، ولك أن تقول: أنّها مطلّقة تتقيّد بالطائفة الأُولی كما يأتي، ولك أن تقول أيضاً: أنّها ليست في مقام بيان الحكم بل هي ناظرة إلى أنّ الزوج المفقود ليس بحكم الميّت فلا تعارض فتبقى الطائفة الأُولى محلاً للكلام.
أمّا الطائفة الأُولى، فمنها: صحيحة بريد بن معاوية التي رواها المشايخ الثلاثة، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال: «ما سكتت عنه وصبرت فخلّ عنها، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ثمّ يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه، فليسأل عنه، فإن خبر عنه بحياة صبرت وإن لم يخبر عنه بحياة حتّى تمضي الأربع سنين، دعا وليّ الزوج المفقود، فقيل له: هل للمفقود مال؟ فإن كان للمفقود مال أنفق عليها حتّى يعلم حياته من موته، وإن لم يكن له مال قيل للوليّ: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها، وإن أبي أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر فيصير طلاق الوليّ طلاق الزوج فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدا له أن يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء ويراجع فقد حلّت للأزواج ولا سبيل للأوّل عليها».(1)ومنها: مرسلة الصدوق، قال: وفي رواية أُخرى: «أنّه إن لم يكن للزوج وليّ طلّقها الوالي ويشهد ش-اهدين ع-دلين، فيكون طلاق ال-والي طلاق الزوج وتع-تدّ
ص: 447
...
----------
أربعة أشهر وعشراً ثمّ تزوّج إن شاءت».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه سئل عن المفقود، فقال: «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته»، قال: قلت: فإنّها تقول: فانّي أريد ما تريد النساء، قال: «ليس ذاك لها ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلّقها فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً».(2)
ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ولم ينفق عليها ولم تدر أحيّ هو أم ميّت، أ يجبر وليّه على أن يطلّقها؟ قال: «نعم، وإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان»، قلت: فإن قال الوليّ: أنا أنفق عليها، قال: «فلا يجبر على طلاقها»، قال: قلت: أ رأيت إن قالت: أنا أُريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا، قال: «ليس لها ذلك ولا كرامة إذا أنفق عليها».(3)
ومنها: مضمرة سماعة قال: سألته عن المفقود، فقال: «إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتّى يأتيها موته أو يأتيها طلاق، وإن لم تعلم أين هو من الأرض ولم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنّها تأتي الإمامفيأمرها أن تنتظر أربع سنين فيطل-ب في الأرض ف-إن لم ي-وج-د ل-ه خ-بر حتّى يمض-ي الأربع سن-ين، أمرها أن
ص: 448
...
----------
تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثمّ تحلّ للأزواج فإن قدم زوجها بعد ما تنقض-ي عدّتها فليس له عليها رجعة وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعش-راً فهو أملك برجعتها».(1)
هذا ويقع البحث في جهات منها؛ الأُولى: وجوب الصبر مع الانفاق عليها بعد الرفع إلى الحاكم بلغ ما بلغ بشرط المنفق لها كما يدلّ عليه صحيحة بريد وكذا صحيحة الحلبي ويشعر به أيضاً خبر أبي الصباح، وهذه الروايات وإن كانت مختصّة ببعد الرجوع إلى الحاكم إلّا أنّ الحكم كذلك قبل الرجوع أيضاً فإنّ خصوصيّ-ة الرجوع ملغاة مناسبة للحكم والموضوع.
الثانية: أنّ الأخبار بإطلاقها دالّة على الطلاق وعدم وجوب الصبر بعد مض-يّ أربع سنين ولو مع عدم الحرج في الصبر، وهذا مخالف للقواعد والأُصول، فلابدّ من الاقتصار في مثله على مورد النصّ وما اعتبر فيه من الشرائط نحو كون أربع سنين بعد الفحص مثلاً .
الثالثة: اختلف الأصحاب لاختلاف هذه الأخبار في أنّه بعد الطلب أربع سنين إن لم يع-رف له خبر فهل يكفي أمرالح-اكم لها بالاعت-داد ع-دّة الوف-اة أم لابدّ من الطلاق أوّلاً من الوليّ أو الحاكم مع ع-دمه؟ وعلى تقدير الثانيفهل الع-دّة ع-دّة الطلاق أو ع-دّة الوف-اة؟ أق-وال؛ ف-ذهب الشيخ-ان(2) إلى الأوّل، وب-ه قال ابن
ص: 449
...
----------
الب-رّاج(1) وابن إدريس،(2) وهو الذي صرّح به العلّامة في القواعد(3) والإرشاد(4) والمحقّق في كتابيه، وعلى هذا القول تدلّ موثّقة سماعة.
وقيل بالثاني وأنّ العدّة عدّة الوفاة، وهو مذهب الصدوق في المقنع(5) وابن حمزة. (6) قال في المقنع: إذا امتنع الوليّ أنْ يطلّق أجبره الوالي على أن يطلّقها، فيصير طلاق الوليّ طلاق الزوج، فإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان، واعتدّت أربعة أشهر وعشرة أيّام.(7) ونحوه كلام ابن حمزة (8) واختاره العلّامة في المختلف.(9)
ويدلّ على طلاق الوليّ أكثر الأخبار المذكورة وعلى طلاق الوالي رواية أبي الصباح(10) والمرسلة المنقولة عن الفقية،(11) وعلى كون العدّة في هذه الصورة عدّة الوفاة المرسلة المذكورة وقيل: أنّ العدّة في هذهالصورة إنّما هي عدّة الطلاق، وهو ظاهر أكثر الأخبار المذكورة، وإليه يميل كلام السيّد السند في شرح النافع(12) وقبله
ص: 450
...
----------
جدّهرحمه الله عليه في المسالك.(1) ويظهر من هذه الأخبار أنّ العدّة عدّة الطلاق، إلّا أنّ القائلين بالطلاق صرّحوا بأنّ العدّة عدّة الوفاة، ولا يخلو من إشكال.
والقول بأنّ المستفاد من عبارات المحقّقين عدم التعارض بين تلك الأخبار وموثّقة سماعة(2) لسكوت الأخير عن لزوم الطلاق وعدمه، ففيه ما لا يخفى، لأنّ الظاهر من الموثّقة أنّ العدّة عدّة وفاة والزوج محكوم بالموت فهي معارضة لتلك الأخبار.
إلّا أن يقال: إنّ المستفاد من هذه الأخبار بعد ضم مطلقها إلى مقيّدها ومجملها إلى مبيّنها أنّه يطلقها الوليّ ومع عدمه فالحاكم، وتعتد عدّة الوفاة.
وتوضيحه: أنّ غاية ما تدلّ عليه موثّقة سماعة أنّه بعد تحقّق انقطاع خبره يأتي الإمام فيأمرها بالاعتداد عدّة الوفاة وهي بالنسبة إلى الطلاق وعدمه مطلّقة فيمكن تقييدها بالأخبار الدالّة على الطلاق بمعنى أنّها تعتدّ بعد الطلاق عدّة الوفاة وأخبار الطلاق بالنسبة إلى العدّة وأنّها عدّة وفاة أو طلاق مجملة مطلّقة فيجب حملها على مادلّت عليه موثّقة سماعة من عدّة الوفاة وسند ما ذكرناه مرسلة الصدوق؛ حيث تضمنت عدّة الوفاة بعد الطلاق من الوليّ أو الوالي، ولا ينافي ذلك جواز المراجعة في العدّة لو قدم وهي في العدّة؛ لأنّ هذه العدّة عدّة طلاق من جهة وعدّة وفاة من جهة.
هذا، مع أنّ الاعتداد بعدّة الوفاة هو الأحوط.
ثمّ إنّه ق-د ظهر ممّا ذكرناه أنّ الاعتداد بالمذك-ور هو عدّة الطلاق وإنكان بقدر
ص: 451
...
----------
عدّة الوفاة، وتظهر الثمرة في مثل السكنى والحداد والتوارث ولا مانع من عدّة الوفاة في الطلاق ثبوتاً لأنّه طلاق خاصّ فله عدّة خاصّة تكون كعدّة الوفاة في الأيّام والمدّة فقط، قضاءً للدليل.
ثمّ إنّه ليس لهذا الطلاق حكم خاصّ به من حيث الرجعي والبائن وغيره بل يكون كغيره محكوماً بأحكام الطلاق؛ قضاءً لإطلاق أدلّة الأحكام وعدم الدليل على تقييده في المقام.
الرابعة: هل التربّص أربع سنين مشروط بكونه بعد الرجوع إلى الحاكم أو غير مشروط به بل مطلق التربّص كافٍ ولو من حين الغيبة والفقدان؟ فالظاهر من الحدائق(1) عدم الخلاف في الاشتراط وهو الظاهر من صحيحة بريد وموثّقة سماعة وبه صرّح في القواعد، ففيه:
ضرب أربع سنين إلى الحاكم فلو لم ترفع خبرها إليه فلا عدّة حتّى تضرب لها المدّة ثمّ تعتدّ ولو صبرت مأة سنة. وابتداء المدّة من رفع القضيّ-ة إلى الحاكم وثبوت الحال عنده لا من وقت انقطاع الخبر.(2)
لكنّ الظاهر من صحيحة الحلبي وخبر أبي الصباح عدم الاشتراط وكفاية التربّص ولو من حين الفقد. وفي الجواهر:
نعم، ظاهر أكثر الفتاوى والصحيح المزبور [أي صحيح بريد] أنّ مبدأ
ص: 452
...
----------
المدّة الرفع المذكور إذا لم يكن ثمّة فحص سابق من الحاكم إلّا أنّ في المحكيّ عن الخلاف «تصبر أربع سنين، ثمّ ترفع أمرها لتنتظر من يتعرّف خبر زوجها في الآفاق، فإن عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج ... » إلى آخره.
وفي صحيح الحلبي: «إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي».(1) ومن المعلوم أنّه لا مدّة عليها لابتداء رفع أمرها، بل متى انقطع خبره وصدق عليه اسم المفقود ولم يكن لها منفق ولو متبرّع رفعت أمرها إلى الحاكم، فلابدّ من حمل ذلك على إرادة خصوص من يتوقّف صدق اسم الفقد عليه على مضي المدّة المزبورة لبعد جهة سفره أو غيره، وأمّا إطلاقه إرسال الوالي فيحمل على ما في غيره من المدّة المزبورة، كما أنّه يحمل خبر أبي الصباح على ما إذا كان ذلك بأمر الحاكم، والله العالم .(2)
وما ذكره من الحمل موافق للاحتياط إلّا أنّه تبرّعي لا اعتبار به.
ولصاحب الحدائق جمع آخر، ففيه:
الظاهر أنّ الوجه في الجمع بين هذه الأخبار هو أنّه إن لم ترفع أمرها إلى الحاكم إلّا بعد مضيّ الأربع من حين الفقد فإنّه يفحص عنه حتّى يعلم أمره وأنّه مع ظهور فقده وعدم العلم بحياته يجري عليه الحكم المذكور من غير تقييد بمدّة، وإن رفعت أمرها منأوّل الأمر قبل مض-يّ الأربع من حين الفقد أو في أثنائها فإنّه يجب عليها التربّص مدة الأربع أو تمامها
ص: 453
...
----------
والفحص في تلك المدّة ثمّ إجراء الحكم المذكور.(1)
أقول: ووجه الجمع والحمل كذلك على ما صرّح به أنّ ذكر الرفع من باب التمثيل لا الحصر، ففيه:
وذكر الرفع في صحيحة بريد وموثّقة سماعة إنّما خرج مخرج التمثيل لا الحصر، وأصل الحكم إنّما يدور ويبنى على مضيّ الأربع سنين مع حصول الفحص كيف كان.(2)
وهو غير بعيد، فإنّ في الإتيان إلى الإمام المأمور به في الموثّقة احتمالين:
أحدهما: أنّه للاشتراط وأنّ الفحص والتربّص من شؤون الحكومة.
ثانيهما: أنّه لدفع النزاع والاختلاف المحتمل مع مجيء الزوج في مض-يّ الأربعة من حين الفقد وفي الفحص، فالإتيان لمقام الإثبات لا الثبوت، حيث لا يدّعي عليها الزوج إن عاد، فالحكم بالتربّص والفحص ليس من شؤون الحكومة.
ولمّا أنّ ترجيح الاحتمال الثاني عرفاً غير بعيد فجمعه وحمله(رحمة الله)(3) أيضاً غير بعيدٍ، وأمّا الرفع في صحيح بريد(4) فليس بأزيد من بيان صورة الرفع ولا دلالة فيه على الاشتراط أصلاً. فتأمّل. لكن مع ذلك كلّهفإنّ الحكم مخالفٌ للقاعدة، فالذهاب إليه مشكلٌ.
لا يقال: اشتراط التربّص بالرفع موجب للحرج في بعض الموارد، مثل ما كان
ص: 454
...
----------
الرفع منها بعد مضيّ سنوات فزيادة الأربع عليها موجبة للحرج.
لأنّا نقول: أحكام المفقود عنها زوجها مربوطة بحيثيّ-ة الفقدان بما هو هو وإلّا فمع طروّ الحرج هو المناط في الطلاق مستقلّا ًبلا دخالة شيء آخر كما مرّمنّا، فلا تغفل حتّى لا يحصل لك الخلط في المسائل.
ثمّ إنّه بعد اليأس من الوصول إليه قبل أربع سنين، هل يجب الفحص أربع سنين كاملاً أم لا؟ الحقّ هو الأوّل، وتوهّم أنّه طريق ولا موضوعيّ-ة له، لا وجه له؛ لقوّة احتمال الموضوعيّ-ة، وذلك لاتّفاق الروايات على لزوم التربّص أربع سنين مع تفاوت المفقودين، ويؤيّده حكم العامّة أيضاً بالتربّص المذكور، ومنه يظهر لزوم التربّص في مورد اليأس عن الوصول من ابتداء الأمر فإنّه أيضاً يلزم ذلك.
الخامسة: هل المفقود وأحكامه من رفع الأمر إلى الحاكم والتأجيل والتفحص تختصّ بالفقد في السفر أو هي أعمّ منه ومن الفقد في البحر لكس-ر السفينة أو في معركة القتال أو غيرهما؟ فاستشكل الحدائق في الإطلاق والشمول بأنّ ظاهر الأخبار الاختصاص، وردّ عليه الجواهر بالشمول وأنّ عنوان المفقود في النصوص شامل لجميع افراده من السفر وكسر السفينة والحرب وغيرها، ولننقل كلامهما مع ما في الأوّل من الطول ثمّ نتعرّض لما فيهما من المناقشة.
ففي الحدائق بعد حكاية قول الشهيد في المسالك بأنّه:
لا فرق في المفقود بين من اتّفق فقده في جوف البلد أو في السفر وفي القتال،
ص: 455
...
----------
وما إذا انكس-رت سفينة ولم يعلم حاله، لشمول النصّ لذلك كلّه وحصول المعنى، ولا يكفى دلالة القرائن على موته بدون البحث، إلّا أن تنضمّ إليها أخبار من يتآخم قوله العلم بوفاته، فيحكم بها حينئذٍ من غير أن تتربّص به المدة المذكورة، ولا فرق حينئذٍ بين أن يحكم الحاكم بموته وعدمه، بل إذا ثبت ذلك عندها جاز لها التزويج ولم يجز لغيرها أن يتزوجها إلّا أن يثبت عنده ذلك أيضاً، ولو حكم الحاكم بها كفى في حقّ الزوج بغير إشكال.(1)
قال:
أقول: في فهم ما ذكره من الإطلاق في الفقد وشموله لهذه الأفراد المعدودة من النصوص نظر، فإنّ ظاهر الأخبار المتقدّمة(2) تخصيص الحكم بالسفر إلى قطر من الأقطار، أو مطلقاً من غير معلوميّ-ة أرض مخصوصة، وأنّه يكتب أو يرسل في الفحص عنه إلى ذلك القطر أو في الجوانب الأربعة أو بعضها ممّا يعلم أو يظنّ السفر إليه، وأمّا الفقد في البلد أو في معركة القتال أو السفينة التي انكس-رت في البحر فلا يكاد يشمّ له رائحة من هذه الأخبار، بل ربما كانت ظاهرة في خلافه، إذ لا يتحقّق الفحص في شيء من هذه المواضع المعدودة، وأيضاً فإنّه بالنسبة إلى هذه الأفراد المعدودة فلتدلّ القرائن الموجبة للعلم العادي على الموت،بخ-لاف مج-رّد السفر إلى بلد وف-قد خبره، والفرق بين الأم-رين
ص: 456
...
----------
ظاهر غاية الظهور لمن أعطى التأمّل حقّه في هذه السطور.
ومن هنا كان بعض مشايخنا المحقّقين من متأخّري المتأخّرين يحكم بخروج هذه الأفراد عن حكم المفقود المذكور في هذه الأخبار.
قال(قدس سرُّه) ونعم ما قال: إنّ من حصل العلم العادي بعدم حياته فإنّه يجوز نكاح زوجته وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم، ومثله يأتي أيضاً في قسمة الميراث؛ لأنّ المفقود في مثل البحر مع كثرة المتردّدين من السواحل المحيطة بموضع الغرق يحصل العلم من مجاري العادة بهلاكهم كما هو واضح، وهو أقوى من العلم بالشاهدين. وكذا المفقود في المفاوز في شدّ الحرّ والبرد مع إحاطة الأودان بالأطراف ولم يخبر عنه منها مع كثرة المتردّدين. وك-ذا المفقود في المعارك العظام لا يحتاج فيه إلى التأجيل أربع سنوات ليفحص فيها عن حاله في الأطراف؛ لأنّ ذلك إنّما هو في المفقود لا كذلك، وأمّا هنا فيكفي في مثله حصول المتردّدين في الأطراف التي يظنّ بجاري العادة أنّه لو ك-ان حيّاً لكان فيها وأتى بخبره المتردّدون، وحيث لم يأت ل-ه خبره علم هلاكه. انتهى.
وإلى هذا أيضاً كان الآخوند المولى محمّد جعفر الأصفهاني المشهور بالكرباسي صاحب الحواشي على الكفاية وهو من فضلائنا المعاصرين، وقد زوّج جملة من النساء اللاتي فقدتأزواجهنّ في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه سلطان حسين في مفازة قرب كرمان.
وبالجملة، فإنّ مورد الأخبار المتقدّمة السفر، وأنّ الفقد حصل فيه ف-يرسل إلى الفح-ص عن-ه في تلك الجه-ة أو الجهات، وما ذك-ره لي-س
ص: 457
...
----------
كذلك، والاشتراك في مجرّد الفقد لا يوجب الإلحاق، فإنّه قياس محض، وأيضاً فإنّ الفحص المأمور به في الأخبار لا يتحقّق في هذه الأفراد، فإذا كان الفقد في مفازة كطريق الحجّ مثلاً إذا قطع على قفل الحاجّ جملة من المتغلّبين وقتلوهم وأخذوا أموالهم فإلى من يرسل وممّن يفحص، وهكذا في معركة القتال.(1)
وفي الجواهر(قدس سرُّه) بعد أن قضى العجب بما في كلام الحدائ-ق من الاقتصار على خصوص المفقود بسبب سفر وغيبة، دون المفقود بانكسار سفينة أو معركة أو نحو ذلك ممّا لا أثر له في النصوص المزبورة، فتتزوّج هذه من دون رفع أمرها إلى الحاكم، ومن دون تأجيل، بل بالقرائن الدالّة على موته، قال ما هذه عبارته:
إذ لا يخفى عليك ما فيه أوّلاً: من أنّ مقتضى ما ذكره حرمة التزويج إلى حصول العلم بالموت للمرأة ولمن يريد نكاحها ممّن هو عالم بحالها، لا التزويج بالقرائن التي لا توجبه، ومع فرض حصوله بها لا بحث فيه، بل وفي مسألة المفقود بالسفر أيضاً وإن لم يكن ثمّ مخبر بذلك وإن توهّمه في المسالك، ضرورة أنّه ما بعد العلم من شيء.
وثانياً: أنّ العنوان في النصوص المزبورة «المفقود» الشامل لهذه الأفراد، ولا ينافي ذلك ما في بعضها من الإرسال إلى النواحي، فإنّ المدار على التجسّس عنه في الوجه الذي نفذ فيه، ليعلم حاله،وليس هذا من القياس في شيء، بل هو مقتض-ى إطلاق اللفظ الذي لا داعي إلى تخصيصه بذكر حال بعض أفراده، كما هو واضح.
ص: 458
...
----------
ومن هنا لم أجد أحداً من أساطين الأصحاب تردّد في شيء من ذلك، وقد جعلوا العنوان ما في النصوص من المفقود الشامل لجميع الأفراد المزبورة، كما هو واضح بأدنى تأمّل.(1)
أقول: ما في الجواهر من شمول المفقود لغير المفقود في السفر ففيه: أنّ شمول مادّة المفقود ولفظه للأعمّ من السفر ممّا لا كلام فيه ويكون أمراً واضحاً غير قابل للإنكار وإنّما الكلام في قرينيّ-ة الفحص والكتابة والإرسال إلى القطر المفقود فيها أو الجوانب الأربعة أو بعضها التي تكون من أحكام المفقود عنها زوجها للاختصاص بالسفر؛ حيث إنّ التجسّس والتفحّص ليس إلّا لتحصيل العلم والحجّة على الحياة أو الموت والموارد المذكورة في المسالك والحدائ-ق لا سيّما في زمانهما لا فائ-دة لها في الفحص بمعلوميّ-ة الحال بمحض الفقد؛ لما بيّنه بعض مشايخي صاحب الحدائق م-ن متأخّري المتأخّرين كما مرّت عبارته،(2) ومع عدم الفائدة لا محلّ للفحص فلا محلّ لأحكام المفقود عنها زوجها؛ لانتفاء المش-روط بانتفاء الشرط، فالنصوص بقرينة الفحص مختصّة وليست بعامّة كما ذك-ره الحدائق.
وبما ذكرناه يظهر ما في تأييده م-ن عدم تردّد الأساطين ف-ي العموميّ-ة لجعلهم العنوان ما في النصوص م-ن المفقود، فإنّ الفتاوى كالنصوص بقرينة الش-رط مختصّة بالسفر كما لا يخفى.
هذا، ولكن م-ا في الحدائ-ق(3) أيضاً من-ظور فيه حيث إنّ-ه صرّح في الجمع بين
ص: 459
...
----------
الأخبار بكفاية مضيّ أربع سنين ولو قبل الرفع إلّا أنّه على الحاكم بعد الرفع الفحص بمقدار الاطمئنان بعدم وجدانه وبعدم العلم بحاله، وفحوى هذا الحكم والأخبار الدالّة عليه أنّ الصبر لابدّ وأن لا يكون زائداً على الأربع وأنّ الأربع موجب للحكم بالطلاق والاعتداد وأن يمكن فيه تحقّق الش-رط مثل الموارد المذكورة. وبالجملة، فحوى الأخبار على حمله وجمعه مقتضية لكفاية الأربع مطلقاً حتّى فيما لا محلّ للشرط فيه. نعم، لابدّ من الفحص إمّا فيه وإمّا بعده.
السادسة: قال في المسالك:
الحكم مختصّ بالزوجة فلا يتعدّى إلى ميراثه ولا عتق أمّ ولده وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، فيتوقّف ميراثه وما يترتّب على موته من عتق أم الولد والمدبّر والوصيّ-ة وغيرها إلى أن تمضي مدّة لا يعيش مثله إليها عادة.
ثمّ قال:
والفرق بين الزوجة وغيرها مع ما اشتهر من أنّ الفروج مبنيّ-ة على الاحتياط - وراء النصّ الدالّة على الاختصاص - دفع الض-رر الحاصل على المرأة بالصبر دون غيرها من الوراث ونحوهم، وأنّ للمرأة الخروج من النكاح بالجَبّ والعُنّة لفوات الاستمتاع وبالإعسار بالنفقة على قول لفوات المال، فلأن تخرجهاهنا وقد اجتمع الض-رران أولى. ويدلّ على ع-دم الحك-م بموت-ه أنّها لو صبرت بقيت الزوجيّ-ة، فزوالها على تقدي-ر
ص: 460
...
----------
عدمه لدفع الضرر خاصّة، فيتقيّد بمورده.(1)
وفي الحدائق:
إنّ مقتضى الأصل واستصحاب حكم الزوجيّ-ة وأصالة الحياة بعد ثبوتها هو توقّف جميع هذه الأُمور من خروج الزوجة عن الزوجيّ-ة وقسمة الميراث وانعتاق أمّ الولد ونحو ذلك ما ذكره على العلم بالموت إلّا أنّه كما قد قام الدليل من روايات الباب على خروج الزوجة من هذا الأصل بمجرّد الفقد وإن لم يتحقّق موته فكذلك الميراث أيضاً بموثّقة سماعة عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسّم ماله بين الورثة، فإن كان له ول-د حبس المال وأنفق على ولده تلك الأربع سنين».(2)
وموثّق-ة إسحاق بن عمّار قال: قال لي أبوالحسن(علیه السلام): «المفقود يتربصّ بماله أربع سنين ثمّ يقسّم».(3)
ثمّ قال:
وهذه الرواية وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى طلبه مدّة الأربع، إلّاأنّه يجب حمل إطلاقها على ما تضمّنه الخبر الأوّل من الطلب تلك المدّة. وإلى هذا القول م-ال جمل-ة من الأصحاب منهم الصدوق(4) والمرتض-ى(5)
ص: 461
...
----------
وأبوالصلاح.(1) واستوجهه في المسالك(2) أيضاً، إلّا أنّه اختار فيه القول المشهور، وهو أنّه ينتظر به مدّة لا يعيش إليها عادة، مع أنّه لا دليل عليه إلّا ما ذكرنا من الأصل الذي يجب الخروج عنه بالدليل، وهو هنا موجودٌ كما عرفت، وتؤيدّه أخبار الزوجة المذكورة؛ لأنّه متى جاز ذلك في الزوجة مع أنّ عصمة الفروج أشدّ وأهمّ في نظر الشارع فليجز في قسمة المال بطريق أولى.
وأمّا ما ذكره في الفرق بين الزوجة والمال فإنّ فيه:
أوّلاً: أنّ النصّ كما دل على حكم الزوجة فخرجت به عن حريم الأصل المذكور كذلك المال قد خرج بالموثّقتين المذكورتين، إلّا أنّ له أن يقول بردّ الموثّقتين المذكورتين لضعفهما عنده، وعدّه الموثّق في قسم الضعيف وترجيح الأصل عليهما، بناءً على تصلّبه في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح، وهو عندنا غير مسموع كما لا يخفى على من له إلى الإنصاف أدنى رجوع.
وثانياً: أنّه كما تكون الحكمة ف-ي الاعتداد بعد المدّة دف-ع الض-رر من الزوج-ة فيجوز أن تكون الحكمة أيضاً في قسمة الميراث دفع الض-رر ع-ن الوارث بعين ما قال-ه في إعسار الزوج بالنفقة، وإن كان أحد الضررين أشدّ وأشدّيّ-ة الضرر عليها دون الوارثمقابلة بمطلوبيّ-ة العصمة في الفروج للشارع زيادة على الأموال.
ص: 462
...
----------
وبالجملة، فالأصل في ذلك هو النصّ، وهذه التوجيهات تصلح لأن تكون بياناً لوجه الحكمة فيه، لا عللاً مؤسّسة للحكم، وحيث كان النصّ فيما تدعيه موجوداً صحّ البناء عليه، ويبقى ما عدا مورد النصّ في هذين الموضعين على حكم حريم الأصل كما ذكروه.(1)
وما ذكره من الرواي-ة والدراية جيّدٌ (وجزاه الله عن الإسلام أجود الجزاء)، لكنّه مع ذلك لم ينقل جميع أخبار المسألة، ففيها ما يستدلّ به على المحكيّ من الإسكافي(2) من شرطيّ-ة انقضاء عشر سنة في تقسيم أمواله على الورثة، كصحيح عليّ بن مهزيار، قال: سألت أبا جعفر الثاني(علیه السلام) عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة، فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة فادّعت ابنتها أنّ أُمّها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، وما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها وليس يعرف للابن خبر؟ فقال لي: «ومنذ كم غاب؟» قلت: منذ سنين كثيرة، قال: «ينتظر به غيبة عشر سنين ثمّ يشترى»، فقلت: إذا انتظر به غيبة عش-ر سنين يحلّ شراؤها؟ قال: «نعم».(3).
وما يستدلّ به على ذلك مقيّد بملاءة الورثة، كموثّق إسحاق بن عمّار،(4) فإنّه وإن كان مطلقاً، لكنّه يقيّد بما في الصحيح جمعاً.
ص: 463
...
----------
هذا، مع ما في الجواهر من إعراض المشهور عنهما. وإجمال البحث أنّ الموثّقتين مع معارضتهما بالصحيح والموثّق الآخر مورد لإعراض المشهور فالاعتماد عليهما والفتوى بهما مشكلٌ، لا سيّما في مثل المسألة المخالفة للأُصول، وتفصيل البحث في محلّه في كتاب الإرث.
السابعة: هل الحكم مختصّ بالدائمة أو هو أعمّ منها ومن المنقطعة؟ ففي الجواهر:
الظاهر اختصاص الحكم بالدائمة دون المتمتّع بها، لإشعار الأمر بالطلاق والإنفاق في ذلك.(1)
أقول: لكنّ الحقّ عموم الحكم، لإلغاء الخصوصيّ-ة وتنقيح المناط؛ لأنّ المستفاد من الروايات عرفاً كون المناط في الحكم تسهيل الأمر عليها والإرفاق بها، وهو موجود فيهما والإشعار مع أنّه ليس بظهور أنّ الأمر بالطلاق والإنفاق لعلّه للغلبة، بل هو المتفاهم عرفاً وعلى الظهور فليس بأزيد من القصور غير المنافي للعموم الثابت بالفحوى والإلغاء كما لا يخفى. فالحاكم حينئذٍ يهب المدّة وتعتدّ عدّة الوفاة على الأحوط، بل الأقوى.
الثامنة: إن أنفق عليها الوليّ أو الحاكم من مال الغائب في المدّة ثمّ انكشف موته قبل ذلك فهل على المرأة أو المنفق ضمان أم لا؟ ففيالمسالك:
ولو أن-فق عليها الوليّ أو الحاكم من مال-ه ثمّ تب-يّن تقدّم موت-ه على زمن
ص: 464
...
----------
الإنفاق أو بعضه فلا ضمان عليها ولا على المنفق، للأمر به شرعاً، ولأنّها محبوسة لأجله، وقد كانت زوجته ظاهراً، والحكم مبنيّ على الظاهر.(1)
وردّه الجواهر بقوله:
أنّ ذلك كلّه لا ينافي قواعد الضمان بالإتلاف واليد ونحوهما، والظاهر بعد ظهور الحال لا يدفع الضمان، كما في الوكيل الذي قد بان انعزاله بموت الموكّل مثلاً، إذ المسألة ليست من خواصّ المقام، والدفع بعنوان النفقة يوجب الضمان بعد ظهور عدم استحقاقها، كما هو واضح.(2)
أقول: مقتضى التحقيق هو ما في المسالك، حيث إنّ اليد أمانيّ-ة لا ضمان عليها وما على الأمين إلّا اليمين وأنّ قاعدة الإتلاف مختصّة بغير المأذون فيه كإتلاف الغاصب وإفساد شاهد الزور، وأمّا المأذون فيه كالولِىّ الذي يأكل من مال اليتيم على المعروف ويصرفه في معيشته أو في معيشة اليتيم فغير شاملة له ولا ضمان فيه قطعاً؛ لعدم صدق الإفساد الذي هو المناط والموضوع في أدلّة القاعدة وكلّ من الوليّ والحاكم كانا مأذونين في التصرّف وكانا وليّين للغائب فكيف عليهما الضمان، وأمّا الزوجة، فغير ضامنة لأقوائيّ-ة السبب عن المباشر.
هذا كلّه مع أنّهما كانا محسنين وعاملين بالوظيفة المأمور بها شرعاًوما على المحسنين من سبيل، بل جعل الضمان على المأمور به بالأمر الواجب غير صادر من الحكيم ولك أن تقول: إنّه كالتكليف بالمحال والظاهر أنّ ما في المسالك(3) راجع إلى
ص: 465
(مسألة 12): ليس للفح-ص والطلب كيفي-ّ-ة خاصّة.(1) ب-ل الم-دار ما يع-دّ
----------
ما ذكره كلّه أو إلى بعضه. فافهم واغتنم.
هذا تمام الكلام في مهامّ المسألة، وأمّا غيرها من المسائل والفروع فحالها تظهر من الرجوع إلى المتن وإلى الكتب الأُخرى.(1)
(1) وذلك قضاءً لإطلاق الأخبار وعدم التقييد فيها بوجهٍ خاصّ من الأخبار، ففي موثّقة سماعة: «فيطلب في الأرض، فإن لم يوجد له خبر حتّى تمض-ي الأربع سنين».(2) وليس فيها إلّا الدلالة على أصل الفحص والطلب من الحاكم على نحو الإطلاق من دون التقييد بكيفيّ-ة خاصّة.
إن قلت: الموثّقة وإن كانت مطلقة، لكن في صحيح الحلبي: «إنّ الوالي يبعث أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها»،(3) وكذا في صحيح بريد:«إنّ الوالي يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه».(4) فبالصحيحين الدالّين على اعتبار كيفيّ-ة خاصّة في الطلب والفحص يحصل التقييد في مثل الموثّقة.
ص: 466
طلباً وفحصاً.(1) ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود - رعاية باسمه وشخصه أو بحليته - إلى مظانّ وجوده للظفر به وبالكتابة وغيرها كالتلغراف وسائر الوسائل المتداولة في كلّ عص-ر ليتفقّد عنه، وبالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم، وبالاستخبار منهم حين الرجوع.(2)
(مسألة 13): لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة،(3) بل تكفي الوثاقة.(4)
----------
قلت: إنّ الصحيحين ليسا بصدد بيان كيفيّ-ة خاصّة في الفحص والطلب وإنّما ذكر البعث والكتابة فيهما لأجل كونهما الطريق المتعارف في هذه الأزمنة، فهذه الخصوصيّ-ة اقتضت تخصيصها بالذكر لا أنّ لهما الموضوعيّ-ة في الطلب والفحص، فالمدار، كما قال في الجواهر:
على التجسّس عنه في الوجه الذي نفذ فيه ليعلم حاله.(1)
(1) حتّى يتحقّق الموضوع.
(2) وهذه الأمثلة بيان للمصاديق العرفيّ-ة لا بيان الأحكام الشرعيّ-ة.
(3) لعدم الدليل عليه.
(4) قضاءً لبناء العقلاء في العمل بالخبر، فإنّ خبر الثقة عندهم حجّة، ومن الواضح أنّ الباب ليس باب الشهادة المعتبرة فيها العدد والعدالة بلالباب باب النبأ والخبر، بل لا يخفى كفاية الوثوق بالخبر الذي هو المناط عند العقلاء في اعتبار
ص: 467
...
----------
الوثاقة في المخبر فتأمّل جيّداً. ولكن في المسالك:
ويعتبر في الرسول العدالة ليركن إلى خبره حيث لا يظهر ولا يشترط التعدّد؛ لأنّ ذلك من باب الخبر لا الشهادة وإلّا لم تسمع، لأنّها شهادة على النفي، ومثل هذا البحث لا يكون حص-راً للنفي حتّى يقال: إنّه مجوّز للشهادة وإنّما هو استعلام وتفحصّ عنه ممّن يكون معرفته له عادة لا استقصاء كلّي.(1)
وردّه صاحب الجواهر بقوله:
إنّ ذلك إذا كان استعلاماً وتفحصّاً فلا مدخليّ-ة للعدالة فيه أيضاً، ضرورة كونه كغيره ممّا يبحث عنه ويفحص، وقد سمعت ما في موثّق سماعة من اعتبار عدم علمها من الأرض وعدم إتيان كتاب منه، ولا خبر في رفع أمرها إلى الحاكم، كما أنّك سمعت اعتبار عدم وجدان الحاكم أثراً له في الفعل المزبور، بل قد عرفت تضمّنها الاعتماد على الكتابة التي هي ليس طريقاً شرعيّاً.
وبالجملة، لا مدخليّ-ة للعدالة في المقام والله العالم.(2)
وكيف كان، فالمستفاد من المسالك والجواهر اتّفاقهما على أنّ المورد من باب الخبر فيعتبر فيه ما اعتبر في الخبر فكلّ على مبناه من اعتبارالعدالة أو الوثاقة في الخبر الناشئ من دليله على الاعتبار من آي-ة النبأ (3) والرواي-ات ومن س-يرة العقلاء
ص: 468
(مسألة 14): لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم، بل يكفي من كلّ أحد حتّى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه.(1)
----------
وليس للاستعلام خصوصيّ-ة، بل هو المنشأ للخبر كما لا يخفى.
(1) الاكتفاء بالفحص من كلّ أحد ولو من الزوجة؛ قضاءً للإطلاق والفحوى، وأمّا اعتباركونه بأمره وبعد الرفع إليه وعدم كفاية مطلق الفحص من دون الأمر والرفع، فمع كونه أحوط أنّه المورد للنصوص فإنّها بين صريح وظاهر في مدخليّ-ة الوالي في ذلك، وإن أبيت عن الدلالة على المدخليّ-ة فلا أقلّ من عدم الدليل مع عدم الرفع فلابدّ من الاقتصار على مورد النصّ لكون الحكم على خلاف القواعد والضوابط، وما في خبر السكوني، عن جعفر عن أبيه(علیهما السلام): «إنّ عليّاً(علیه السلام) قال في المفقود: لا تتزوّج امرأته حتّى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الش-رك».(1) وفي خبر أبي الصباح، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين، ولم ينفق عليها ولم تدر أ حيّ هو، أم ميّت؟ أ يجبر وليّه على أن يطلّقها؟ قال: «نعم، وإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان ... ».(2)
ففيه: أنّهما ليسا في مقام البيان لذلك بل الأوّل في مقام بيان المجوّزلتزوّجها من الموت أو الطلاق أو اللحوق بأهل الش-رك لا في مقام بيان خصوصيّات تلك الأُمور، والثاني في مقام جواز إجبار الوليّ على الطلاق. ومن المعلوم أنّ الجابر الحاكم والوالي وليس ف-يه دلال-ة على كي-فيّ-ة جبره من اش-تراط-ه بأمره بالفحص
ص: 469
(مسألة 15): مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام، ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه ما يصدق عرفاً أنّه قد تفحّص عنه في تلك المدّة.(1)
(مسألة 16): المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد، ولا يعتنى بمجرّد إمكان وصوله إلى مكان ولا بالاحتمالات البعيدة، بل إنّما يتفحّص عنه في مظانّ وجوده فيه ووصوله إليه وما احتمل فيه احتمالاً قريباً.(2)
----------
وعدمه.
(1) فإنّ من المعلوم الاختلاف في الصدق وفي اختلاف التوالي وعدمه في فحص السنة واليوم فالفحص في مثل العام غير الفحص في مثل يوم واحد، فالمعيار ما يعدّه العرف الفحص أربعة أعوام، وإن لم يكن فيه الاتّصال التامّ.
(2) فإنّ الاختفاء والافتقاد يختلف باختلاف الأفراد والموارد وبتبعه يختلف الفحص عنه، فإنّ مظانّ وجود من خفي عن شخص في دين ونحوه غير مظانّ من خفي عن دولة في ذنب سياسي مثل التجسّس لمصالح الأجنبيّ وكذا فرق بين مظانّ خفاء الأفراد ذوي المروّة والش-رف وبين غيرهم، فالمقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال هؤلاء الأفراد في مثل هذه الموارد وأمّا الزائد عليه فغير لازم إمّا لعدم صدق الفحصعلى غير المتعارف من رأس حيث إنّ الألفاظ العرفيّ-ة صادقة على المتعارف من مصاديقها دون غيره أو للانص-راف عنه على تسليم الصدق.
ص: 470
(مسألة 17): لو علم أنّه قد كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على المعتاد، فيكفي التفقّد عنه في جوامعه ومجامعه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته وخاناته المعدّة لنزول الغرباء ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحالّ بالتفتيش أو السؤال، بل يكفي الاكتفاء بما هو المعتدّ به من مشتهراتها، وينبغي ملاحظة زيّ المفقود وصنعته وحرفته، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته مثلاً، فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ولم يعلم موته ولا حياته فإن لم يحتمل انتقاله إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال، واكتفي بانقضاء م-دّة التربّص أربع سنين، وإن احتمل الانتقال، فإن تساوت الجهات فيه تفحّص عنه في تلك الجهات، ولا يلزم الاستقصاء التامّ، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمّة والمشتركة في كلّ جهة مراعياً للأقرب ثمّ الأقرب إلى البلد الأوّل، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز جعل محلّ الفحص ذلك البعض والاكتفاء به، خصوصاً إذا بعُد احتمال انتقاله إلى غيره. وإذا علم أنّه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثمّ انقطع أثره كفى أن يتفحّص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال، وإن سافر إلى بلد معيّن من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق، فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة. وإذا خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه وانقطع أثره، تفحّص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب ممّا يحتمل قريباً وصوله إليه، ولا ينظر إلى ما بعد احتماله.
(مسألة 18): قد عرفت أنّ الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم، فلو لم يمكن الوصول إليه، فإن كان له وكيل ومأذون في التصدّي للأُمور الحسبيّ-ة فلا يبع-د قيامه مقامه في ه-ذا الأمر، ومع فق-ده أيضاً فقيام عدول
ص: 471
المؤمنين مقامه محلّ إشكال.(1)
(مسألة 19): إن علم أنّ الفحص لا ينفع ولا يترتّب عليه أثر، فالظاهر سقوط وجوبه، وكذا لو حصل اليأس من الاطّلاع عليه في أثناء المدّة، فيكفي مض-يّ المدّة في جواز الطلاق والزواج.(2)
(مسألة 20): يجوز لها اختيار البقاء على الزوجيّ-ة بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلّق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص.
(مسألة 21): الظاهر أن العدّة الواقعة بعد الطلاق عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة، ويكون الطلاق رجعيّ-اً، فتستحقّ النفقة في أيّامها وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حيّ-اً، وإن تبيّن موته فيها ترثه، وليس عليها حداد بعد الطلاق.
(مسألة 22): إن تبيّن موته قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة.(3)
----------
(1) حيث إنّ الأدلّة قامت على اشتراطه برفع الأمر إلى الحاكم الش-رعي فمع تعذّر الوصول إليه وإلى وكيله المأذون في الأُمور الحسبيّ-ة يقع الشكّ في أنّ نظره دخيل فيه مطلقاً أو مع إمكان الوصول إليه؟ ومع الشكّ كان الحكم بقيام عدول المؤمنين مقامه مشكلاً.
(2) سقوط الوجوب فيهما هو الأصل؛ لعدم الموضوعيّ-ة للفحصوالطلب وهو إنّما يكون طريقاً للعلم بحال الزوج من الحياة والممات.
(3) وجهه واضح.
ص: 472
وإن تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها؛ سواء كان التبيّن قبل التزويج أو بعده، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل المدّه أو بعدها أو في أثنائها أو بعد التزويج.(1)
وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن؟ وجهان بل قولان أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى.(2)
(مسألة 23): لو جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته.(3) وإن كان بعد ما تزوّجت بالغير فلا سبيل له عليها.(4) وإن
----------
(1) لأنّ العدّة عدّة الطلاق كما مرّ، فلافرق في انقضائها بين الموارد.
(2) وجه الأوّل إطلاق الروايات الدالّة على أنّ عدّة المفقود عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ووجه الثاني إطلاق أخبار المتوفّى عنها زوجها وأنّ ما مضى من العدّة كانت عدّة طلاق.
وكيف كان، فإن وقع موت الزوج أثناء العدّة فلا يبعد القول الثاني - أي استئناف العدّة - وأمّا إن وقع قبل ذلك ثمّ تبين في أثناء العدّة، فالأقوى - على أنّ عدّة المتوفّى عنها زوجها من يوم موته لا من حين بلوغ الخبر كما هو المختار - ع-دم وجوب إتمام عدّة المفقود عنها زوجها ولا استئنافها بل يكفي الاعتداد من يوم موت الزوج.
(3) لعدم الطلاق الرافع للزوجيّ-ة، فلابدّ إلّا من بقائها.
(4) لظاهر النصوص ولكونها مطلّقة مزوّجة والطلاق وإن لم يكن عن الزوج
ص: 473
کان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقض-ي عدّتها وتبين عنه.(1) وأمّا إن كان بعد انقضاء العدّة وقبل التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان؛ أقواهما الثاني.(2)
----------
لكنّه من الوليّ للغائب وهو الحاكم فيكون كالطلاق من الزوج.
(1) للنصوص الدالّة على أنّها بحكم العدّة الرجعيّ-ة وإن كانت بقدر عدّة الوفاة، ففي صحيح بريد: «فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدأ له أن يراجعها فهي امرأته».(1)
وفي موثّق سماعة: «فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة، وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها».(2)
(2) وذلك لإطلاق الموثّقة الصريحة في عدم جواز الرجوع بعد الانقضاء، وصحيحة بريد الظاهرة في ذلك بالمفهوم، فإنّهما مطلقتان شاملتان لما قبل التزويج بالغير وبعده، وما في الشرائع:
وإن خرجت من العدّة ولم تتزوّج، فيه روايتان، أشهرهما أنّه لا سبيل له عليها.(3)
ففي الجواهر في ذيله:
بل لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا كما اعترف به غير واحد ممّن سبقنا، بل في المسالك لم نقف عليها بعد التتّبع التامّ، وكذا قال جماعة ممّن سبقنا. نعم، صريح النصوص السابقة أنّه لا سبيل له عليها حتّى موثّق
ص: 474
(مسألة 24): لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته جاز لها بينها وبين الله أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم(1) وليس لاحدٍ عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم.
نعم، في ج-واز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها إشكال، والأحوط لها أن تتزوّج ممّن لم يطّلع بالحال ولم ي-در أن زوجه-ا قد فقد ولم يكن في الب-ين إلّا دعواه-ا بأنّ زوجها مات،
----------
سماعة الذي لم يذكر فيه الطلاق.
ومنه يعلم ما في تفصيل الفاضل في المختلف(2) بأنّ العدّة إن كانت بعد طلاق الوليّ فلاسبيل للزوج عليها وإن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك بها؛ وذلك لأنّ الأوّل طلاق شرعي قد انقضت عدّته، بخلاف الثانى، فإنّ أمرها بالاعتداد كان مبنيّاً على الظنّ بوفاته وقد ظهر بطلانه، فلا أثر لتلك العدّة، والزوجيّ-ة باقي-ة لبطلان الحكم بالوفاة، مضافاً إلى اقتضاء ذلك أولويّته بها،حتّى لو تزوجت، وق-د عرفت الإجماع على خلافه والفرق بينهما - بأنّ الشارع قد حكم به ظاهراً، فلا يلتفت إلى العقد الأوّل، بخلاف م-ا لوكان قبل التزويج - كما ت-رى، ضرورة اتّحاد حكم الشارع بالت-زويج وحكمه بالعدّة بالنفوذ
ص: 475
بل يقدم على تزويجها مستنداً إلى دعواها أنّها خليّة بلا مانع، وكذا توكّل من كان كذلك.(1)
----------
وعدمه. وعلى كلّ حالٍ، فما عن الشيخ في النهاية(1) والخلاف(2) وفخر المحقّقين(3) واضح الضعف، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النصّ، والله العالم.(4)
(1) قد تكلّمنا حول أُصول البحث في هذه المسائل كلّها فيما م-رّمنّا(5) تفصيلاً، ولا نعيده.
ص: 476
والمراد به وطء الأجنبيّ-ة بشبهة أنّها حليلته؛ إمّا لشبهة في الموضوع، كما لو وطئ مرأة باعتقاد أنّها زوجته أو لشبهة في الحكم، كما إذا عقد على أُخت الموطوء معتقداً صحّته ودخل بها.(1)
----------
المراد به وطء الشبهة
(1) ما في المسألة تفصيل لموارد الوطء بالشبهة ولا بحث فيه.
نعم، يقع البحث في تعريفه حيث إنّه عرّف تارة بأنّه ما لم يكن زناءً بلا قيد وأُخرى مع إضافة عدم إيجابه الحدّ، والأجود بل المتعيّن الأوّل؛ لعدم الانعكاس في الثاني، لشموله الزنا عن إكراه على تسلم تحقّق الإكراه فيه، فإنّه زناً لا حدّ فيه على المكره (بالفتح).
ومن المعلوم عدم كونه محكوماً بالشبهة من حيث العدّة وغيرها من الأحكام، بل عدم العدّة مستفاد من حديث الرفع أيضاً على العموميّ-ة كما لا يخفى، فتعريف الثاني غير مانع منه دون الأوّل؛ حيث إنّ الزنا عن إكراهٍ زناءً قطعاً، لكنّ الأمر في التعاريف من حيث الاطّراد وعدم الانعكاسسهلٌ؛ لأنّها كاللفظيّ-ة.
ص: 477
(مسألة 1): لا ع-دّة على المزنيّ بها؛ سواء حملت من الزنا أم لا، على الأقوى.(1)
----------
(1) وذلك للأصل ولانصراف الإطلاقات عن الزنا، فإنّ ما يدلّ على أنّ العدّة من الماء مثل: «إنّما العدّة من الماء»(1) أو الدخول مثل: «إذا التقى الختانان وجب العدّة»(2) ومثل: «إذا أدخل-ه وجب الغسل والم-هر والعدّة»(3) من-صرفة عن الزنا؛ لأنّها راجعة إلى الوطء المتعارف المشروع لا غير المشروع منه، مع أنّ بعض هذه الإطلاقات ورد في الزواج فغير شامل للزنا موضوعاً، فراجع إن شئت، ولا فرق فيه بين الحامل والحائل كما هو مقتضى الأصل، أمّا الحامل، فلا خلاف في عدم العدّة عليها وأمّا الحائل، ففي الحدائق(4) وعن تحرير العلّامة(5) وجوب الاعتداد عليها بل ظاهر الوسائل في عنوانه الباب المنعقد لحكم عدّة الزانية وجوبه عليها مطلقاً، ففيه «باب وجوب العدّة على الزانية إذا أرادت أن تتزوّج الزاني أو غيره».(6)
واستدلّ صاحب الحدائق بخبر إسحاق بن جرير، عن أبي عبدالله(علیهالسلام)، قال: قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثمّ يبدو له في تزويجها، هل يحلّ له ذلك؟ قال: «نعم، إذا هو اجتنبها حتّى تنقضي عدّتها ب-استبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوّجها،
ص: 478
...
----------
وإنّما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها».(1)
وبخبر تحف العقول، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد(علیهما السلام): أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا، أ يحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال: «يدعها حتّى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه، ثمّ يتزوّج بها إن أراد فإنّما مثلها مثل نخل-ة أك-ل رجل منها حراماً ثمّ اشتراها فأكل منها حلالاً».(2)
ولا يخفى ما في الاستدلال بهما؛ لأنّهما يوجبان العدّة في غير محلّ الفرض الذي لا عدّة فيه إجماعاً، فإنّ الروايتين تقتضيان العدّة على المزنيّ بها للزاني والعدّة إنّما جعلت - في الموارد التي حكم بها مثل الطلاق والفسخ وسائر الموارد - لغير الزوج والواطي، فإنّ الزوج المطلّق يجوزله تزويج زوجته المختلعة في أثناء العدّة ويجوز للفاسخ التزوّج في عدّة فسخه، وكذا في المتعة يجوزله تزويج المتمتّع بها في عدّة نفسه بعد انتهاء المدّة أو هبتها، فالعدّة إنّما جعلت للغير في نكاحه للمعتدّة لا لنفس الزوج في المعتدّة عنه والزواج بعد الزنا ليس بأولى من الزواج في عدّة الطلاق والفسخ والمتعة.
ومن ذلك يظهر أنّ الروايتين ليستا بصدد بيان العدّة المعهودة بل ليس بأزيد من التكليف بالانتظار إلى استبراء الرحم؛ سواء كان تحريميّ-اً أوتنزيهيّ-اً إن لم يكن إرشاداً.
ص: 479
وأمّا الموطوءة شبهة فعليها عدّة؛ سواء كانت ذات بعل أو خليّ-ة، وسواء
----------
لا يقال: إنّ حكمة العدّة وهي عدم اختلاط المياه موجودة هنا.
فإنّه يقال: إنّه حكمة لاعلّة، هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ اختلاط المياه بالنسبة إلى الزوج نفسه غير معقول والرواية الأُولى أيضاً ظاهرة في الاعتداد باستبراء رحمها من ماء فجور الزاني نفسه، فالرواية الثانية وإن كانت ظاهرة في الاستبراء من نطفته ونطفة غيره ولكن علّله بعده بقوله: «إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه»؛ فإنّ التعليل دالّ على احتمال ماء الغير في الرحم ولكنّ الأصل عدمه ما لم يقم عليه حجّة، فالعدّة إن كانت، إنّما تكون للزاني نفسه ومعه لا يعقل اختلاط المياه، مضافاً إلى ضعف سند الرواية الثانية.
وأمّا الرواية الأُولى، وإن كانت بطريق الكليني مرسلة،(1) ولكنّها صحيحة بطريق الشيخ(2) مع أنّهما مطلقتان شاملتان للحائل والحامل واختصاصه بالحائل غير تمام.
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ المستفاد من قوله تعالى:﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ﴾(3)كون العدّة حقّاً للزوج، فإنّها جعلت رعاية لحرمة الزوج ولا حرمة لماء البغي وأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر.(4)
ص: 480
كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ.(1) بل الأحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصّة.(2)
----------
(1) قضاءً لإطلاق الروايات، منها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام): « ... إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في رجل دخل بامرأة، قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: سألتهُ عن الرجل والمرأة متى يجب عليهما الغسل؟ قال: «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم».(3)
فإنّ هذه المطلقات دالّة على وجوب العدّة بمجرّد الدخول؛ سواء أنزل أم لا، وسواء كان الدخول عن زواج أو شبهة.
(2) فإنّ في المسألة قولين: العدّة؛ للإطلاقات، وعدمها؛ للأصل، ولأنّها لحرمة الزوج ولا حرمة لماء البغيّ. والحقّ هو الثاني؛ لأنّ الانص-راف الموجود في الزنا المتحقّق من الطرفين موجود هنا أيضاً فالإطلاقات منصرفة عن هذا أيضاً. ولك أن تقول: إنّ منشأ الانصراف هو أنّ العدّة إنّما جعلت رعاية لحرمة الزوج ولا حرمة لماء البغيّ، فإنّ الولد للفراشوللعاهر الحجر،(4) فالأحوط لزوم العدّة إن كانت الشبهة من طرف الموطوءة خاصّةً، وإن كان عدم اللزوم لا يخلو عن قوّة.
ص: 481
(مسألة 2): عدّة وطء الشبهة كعدّة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوطء على التفصيل المتقدّم.(1) ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً.(2)
(مسألة 3): لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها.(3)
وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا؟ أحوطهما الثاني وأقواهما الأوّل،(4) والظاهر أنّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها.(5)
----------
(1) لأنّ المتبادر من العدّة هو عدّة الطلاق لا المتعة، فإنّها الأصل في العدّة في الكتاب والسنّ-ة.
(2) لعدم زيادة الفرع على الأصل.
(3) وذلك لأنّها في عدّة الغير.
(4) فإنّ فيه وجهين: الجواز؛ لأنّها زوجته، والأصل بقاء جواز سائر الاستمتاعات، وعدم الجواز؛ لإلحاقها بالوطء، والأقوى هو الأوّل؛ لعدم الدليل على المنع والإلحاق.
نعم، تحرم في المرأة الأجنبيّ-ة لكنّها لا لكونها في عدّة الغير بل لكونها أجنبيّ-ة، فلا دليل على المنع من الاستمتاعات غير الوطء في عدّة الغير.
(5) لأنّها زوجته، فلها النفقة وعدم التمكين نشأ من وجه شرعي.(1)
ص: 482
(مسألة 4): إذا كانت خليّة يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها.(1) بخلاف غيره، فإنّه لا يجوز له ذلك على الأقوى.(2)
(مسألة 5): لا فرق في حكم وطء الشبهة من حيث العدّة وغيرها بين أن يكون مجرّداً عن العقد أو يكون بعده بأن وطئ المعقود عليها بشبهة صحّة العقد مع فساده واقعاً.(3)
(مسألة 6): لو كانت معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة أو وطئت ثمّ طلّقها أو مات عنها زوجها فعليها عدّتان على الأحوط لو لم يكن الأقوى.(4)
----------
(1) قضاءً للأصل ولإطلاقات باب النكاح وعموماتها، ولأنّ الموطوءة بالشبهة كالمطلّقة ولا تزيد عليها، فكما أنّ المطلِّق يجوزله تزويج زوجته المطلّقة في عدّة نفسه فكذا الواطي يجوزله تزويج موطوءته شبهة في عدّة نفسه إذا كانت خليّة.
(2) قضاءً لإطلاق ما يدلّ على عدم جواز الزواج في عدّة الغير.
(3) ملخّص هذه المسألة أنّه لا فرق في أحكام الوطئ بالشبهة بين أن تكون الشبهة موضوعيّ-ة كما لو وطء امرأة بتخيل أنّها زوجته وبين أن تكون حكميّ-ة كما لو زعم أنّه يجوز الجمع بين الأختين أو زعم أنّه يجوز التزويج في عدّة الغير فزوّج ووطئها بتخيل صحّة العقد؛ وذلك لإطلاق أدلّة أحكام الوطئ بالشبهة.
(4) لا يخفى أنّ هذه المسألة فرعٌ لمسألة كلّيّ-ة أُخرى، وهي مسألة تداخل العدّتين وعدمه، وفيها وجهان بل قولان:
ص: 483
...
----------
أحدهما: ع-دم الت-داخل، وه-و المشه-ور بي-ن الأصح-اب، بل عن الشي-خ في الخلاف(1) الإجماع عليه.
وثانيهما: التداخل المحكيّ عن ابن جنيد،(2) وعليه الصدوق في المقنع(3) والهداية.(4)
واستدلّ للأوّل بالأصل؛ أي القاعدة والروايات والاعتبار، أمّا الأصل، فهو أنّ كلّ سبب وكلّ موضوع يقتضي مسبّباً وتكليفاً مستقلاً، وأمّا الروايات، فمنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً؟ فقال: «إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً واعتدّت ما بقي عليها من الأوّل واستقبلت عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل وهو خاطب من الخطّاب».(5)
ومنها: موثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها فتضع وتتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعش-راً»، فقال: «إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما ولمتحلّ له أبداً واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل واستقبلت عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمّت ما بقي من عدّتها وهو خاطب من الخطّاب».(6)
ص: 484
...
----------
ومنها: ما عن عليّ بن بشير النبّال، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها ولم يعلم وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها وأنّه قذفها بعد علمه بذلك؟ فقال: «إن كانت علمت أنّ الذي صنعت يحرم عليها فقدمت على ذلك فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثمّ قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحدّ وفرّق بينهما وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأُولى وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة».(1)
وأمّا الاعتبار، فإنّه قيل: إنّ العدّة حقّ للرجل كالدين، فمع التعدّد يلزم التعدّد.
واستدلّ لغير المشهور بروايات:
منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) في امرأة تزوّجت قبل أن تنقض-ي عدّتها، قال: «يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً».(2)
ومنها: موثّقة أبي العبّاس، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في المرأة تزوّج في عدّتها، قال: «يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً».(3).
ومنها: مرسلة جميل بن درّاج، عن أحدهما(علیهما السلام) في المرأة تزوّج في عدّتها، قال: «يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للاخير وإن جاءت بولد لأقلّ من ستّ-ة أشهر فهو للأوّل».(4)
ص: 485
...
----------
ومنها: ما عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوّجت ثمّ ق-دم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: «تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً».(1)
هذا، وقد قال في الحدائق:
والظاهر من نسبة الرواية إلى الشهرة أنّ المراد بها الشهرة في الفتوى، فإنّ المشهور هو التعدّد كما عرفت وإلّا فالشهرة في الرواية إنّما هي في جانب الروايات الدالّة على الاتّحاد.(2)
أقول: ولا يخفى تعارض الروايات في المسألة، وقد ذكر لرفع التعارض وجوهٌ أربعة:
أحدها: - وهو عن الشيخ(3)- حمل النصوص الدالّة على التداخل، على قبل الدخول، بأن يقال: إنّ قوله(علیه السلام): «تعتدّ منهما جميعاً»؛ بمعنى تعتدّ منهما وإن لم تكن العدّة للثاني؛ لعدم الدخول.
وهذا الحمل بعيدٌ لا يمكن أن يصار إليه؛ لأنّ المذكور فيها هو الاعتداد منهما جميعاً والظاهر منه وجوب الاعتداد منهما لكون العدّة لكلّ واحدمنهما وليس للرجل قبل الدخول عدّة؛ مضافاً إلى أنّ حمل الشيخ في روايتي زرارة وأبي العبّاس دون الأُخريين.
ص: 486
...
----------
ثانيها: وهو المذكور في كلام صاحب المدارك،(1) هو حمل روايات عدم التداخل على الاستحباب والأُخرى على الوجوب. وهذا هو كما ترى، فإنّ التعبير بالاعتداد في كلتا الروايتين على نهج واحد، فإنّ في كلتا الطائفتين التعبير بصورة الجملة الخبريّ-ة، بل في بعض الطائفة الأُولی كالطائفة الثانية بلفظ «تعتدّ» فلا يمكن الافتراق بينهما بحمل إحداهما على الاستحباب والأُخرى على الوجوب، بل قد يلزم الافتراق في نفس الرواية الواحدة بين الفقرتين منها بحمل إحداهما على الوجوب والأُخرى على الاستحباب.
ثالثها: وهو ما ذهب إليه صاحب الحدائق،(2) حمل روايات العدم على التقيّ-ة ويشهد له خبر زرارة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدّت فتزوّجت فجاء زوجها الأوّل ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتدّ للناس؟ قال: «بثلاثة قروء، وإنّما يستبرء رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم»، قال زرارة: وذلك أنّ أناساً قالوا: تعتدّ عدّتين لكلّ واحدة عدّة، فأبى ذلك أبوجعفر(علیه السلام) وقال: «تعتدّ ثلاثة قروء فتحلّ للرجال».(3)
وكذا مرسلة يونس عن بعض أصحابه في امرأة نعي إليها زوجها فتزوّجت ثمّ قدم زوجها الأوّل فطلّقها وطلّقها الآخر، فقال إبراهيم النخعي:عليها أن تعتدّ عدّتين، فحملها زرارة إلى أبي جعفر(علیه السلام)، فقال: «عليها عدّة واحدة».(4)
ص: 487
...
----------
رابعها: طرح الطائفة الثانية؛ لإعراض المشهور عنها والعمل بالأُولی لعمل المشهور بها، فإنّ الشهرة العمليّ-ة من مميّزات الحجّة عن اللاحجّة، كما يستفاد من قوله(علیه السلام): «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر»،(1) و«المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»(2) من مرجّحات الحجيّ-ة حتّى يقال بأنّ الأخذ بها مقدّم على سائر المرحّجات أم لا؟ وعلى هذا، فلا تعارض بين الطائفتين لعدم التعارض بين الحجّة واللاحجّة فلا يصل دور الموافقة للتقيّ-ة أو الأصحّيّ-ة أو غيرهما من المرجّحات.
لكن لقائل أن يقول: إنّ هذه الشهرة ليست من المميّزات ولا من المرجّحات؛ لأنّها هي التي توج-ب الاطمينان بالمشهورة وبالخلل في غيرها، فإنّ من المحتمل هن-ا أن تكون فت-وى الأصحاب من باب موافق-ة المشه-ورة للاحتي-اط والاشتغال فالشهرة المفيدة غير ثابتة كما لا يخفى.
وممّا يؤيّد ذلك حمل الشيخ الروايات المخالفة على قبل الدخول كما مرّ(3) ولم يحملها على الشذوذ ولم يطرحها، وكذا يؤيّده أنّ الشيخ في الخلاف غير متعرّض لروايات الخاصّة، قال:
كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان، فإنّهما لا تتداخلان، بل تأتي بكلّ واح-دة منه-ما على الكمال. وروي ذلك عن عليّ(علیه السلام)، وعمر، وعمر بن
ص: 488
...
----------
عبد العزيز، وبه قال الشافعي.(1)
وذهب مالك، وأبوحنيفة وأصحابه إلى أنّهما تتداخلان وتعتدّ عدّة واحدة منهما معاً. دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها وتداخلهما يحتاج إلى دليل.
وروى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنّ طليحة كانت تحت رشيد الثققي،(2) فطلّقها البتة فنكحت في آخر عدّتها، ففرّق عمر بينهما وضربها بالمخففة ضربات، وزوّجها، ثمّ قال: أيّما رجل تزوّج امرأة في عدّتها، فإن لم يكن دخل بها زوجها الذي تزوّجها فرق بينهما، وتأتي ببقيّ-ة عدّة الأوّل، ثمّ تستأنف عدّة الثاني، ثمّ لا تحلّ له أبداً.(3) وعن عليّ(علیه السلام)، مثل ذلك،(4) ولا مخالف لهما في الصحابة.(5)
هذا كلّه مع أنّه لقائل أن يقول: إنّ التعارض بين الروايات في المسألة غير محقّق من رأس.
بيان ذلك: أنّ روايات التداخل إنّما هي مختصّة بما إذا كان العدّتانكلاهما لحكمة حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه المن-اسب للاعت-داد بعدّة واح-دة فالاستبراء بها
ص: 489
...
----------
محقّقة وروايات عدم التداخل مختصّة بما إذا كان إحداهما لحكمة مثل حرمة الزواج كعدّة الوفاة، فالمناسب في اجتماعه مع مثل عدّة الطلاق التي تكون لحكمة الاستبراء التعدّد؛ لأنّ الحرمة غير متحقّقة بمثل عدّة الطلاق كما لا یخفی.
فتلك الروايات محمولة عليه، حيث لا يتحقّق مثل حرمة الزوج بعدّة الاستبراء فينبغي الرجوع إلى النصوص مرّة أُخرى وملاحظتها، فراجع إن شئت.
نعم، يبقى الكلام في رواية عليّ بن بشير النبّال، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها وأنّه قذفها بعد علمه بذلك؟ فقال: «إن كانت علمت أنّ الذي صنعت يحرم عليها فقدمت على ذلك فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثمّ قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحدّ وفرّق بينهما وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأُولى وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة».(1)
لكن لقائل أن يقول: إنّ المراد هو عدّة واحدة، وهي أطولها.(2) وعلى كلّحالٍ، فإنّ عدم التداخل هو الأحوط، والتداخل لا يخلو من قوّة.
أمّا إذا طلّق زوجته ثمّ وطئها هو شبهة ففيه وجهان بل قولان؛ من تعدّد السبب فيقتضي تعدّد المسبب كما ذهب إليه الشيخ(3) وابن إدريس(4) بل في كشف اللثام نسبته
ص: 490
فإن كانت حاملاً من أحدهما تقدّمت عدّة الحمل، فبعد وضعه تستأنف العدّة الأُخرى أو تستكمل الأُولی.
وإن كانت حائلاً يقدم الأسبق منهما، وبعد تمامها استقبلت العدّة الأُخرى من الآخر.(1)
----------
إلى إطلاق الأكثر(1) وفي غيره(2) إلى المشهور، ومن كون العدّة من شخص واحد فتتداخل العدّتان كما ذهب إليه الفاضلان(3) واختاره صاحب الجواهر(4) وقوّاه بأنّهما لواحد.
لكن لا يخفى أنّه إن قلنا: إنّ تعدّد السبب يوجب تعدّد المسبب يلزم القول بعدّتين هنا ولا فرق بين أن يكون من واحد أو اثنين.
نعم، لقائل أن يقول: إنّ أدلّة السببيّ-ة مثل: «إنّما العدّة من الماء» و«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل والمهر والعدّة» منصرفة عن وطء شبهة الزوج نفسه، ويشهد له أنّه لا يوجد أثر ولا سؤال عن وطء شخص واحد في روايات تعدّد العدّة.
(1) والبحث عن هذه الأحكام يقع على القول بعدم التداخل والمستند فيها هو القواعد والدراية لا الرواية فإن كانت حاملاً من أحدهما تقدّمت عدّة الحمل؛ سواء كان سبب الأُخرى مقدّماً أو مؤخّراً أو مقارناً؛ وذلك لعدم إمكان تأخير عدّته التي هي وضع الحمل فلو وطء المطلّقة شبهة أثناءالعدّة فحملت تقدّم عدّة
ص: 491
...
----------
الوطء بالشبهة فبعد وضعه تستكمل عدّة الطلاق وكذلك العكس؛ أي إذا وطء شبهة ثمّ جامعها زوجها فحملت ثمّ طلّقها فتقدّم عدّة الطلاق.
وأمّا إن كانت حائلاً، فمقتضى القاعدة العقليّ-ة رعاية تقدّم السبب المقت-ضي لتقدّم المسبّب، فمع وجود مسبّب لا معنى لتحقّق مسبّب آخر في ظرفه بعد فرض عدم التداخل بين العدّتين، فيمنع عن تأثير السبب اللاحق في ظرف المسبّب المقدّم.
ثمّ إنّه ربما يحتمل أنّ عدّة الطلاق مقدّمة على عدّة وطء الشبهة وإن كان سببه مؤخّراً؛ وذلك لأقوائيّ-ة الطلاق في السببيّ-ة، ولأنّه الأصل في العدّة؛ لكن لا يخفى عليك ما فيه، فإنّه مع عدم كونه بأزيد من الاعتبار مع أنّه غير تامّ أنّ المستفاد من الروايات أنّ الوطئ بالشبهة سبب للعدّة كالطلاق من دون دلالة على أقوائيّ-ة أحدهما على الآخر.
نعم، إنّ عدّة الطلاق قد وردت في كتاب الله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَء﴾(1) دون عدّة الوطئ بالشبهة ولكن ذلك لا يفيد الأقوائيّ-ة، مضافاً إلى عدم الملازمة بين أقوائيّ-ة السبب والتأثير متقدّماً ولو كان وجوده متأخّراً.
ومع التقارن بين السببين مثل الوطء بالشبهة في زمان وقوع الطلاق فلقائل أن يقول: إنّ العدّة إن كانت حقّاً للزوج والواطي فتتعيّن ولقائل أن يذهب إلى القول بتخيير المرأة بين جعل أيّهما مقدّمة والأُخرى مؤخّراً.
وتظهر الثمرة في الرجوع والتزويج في عدّة البائن فإن تقدّمت عدّةالوطء بالشبهة، فلو كان الطلاق بائناً فلا يجوز للزوج المطلق تزويجها أثناء عدّة الوط ء بالشبهة؛ لأنّ-ه ت-زوي-ج في عدّة الغير وأمّ-ا لو ك-ان الطلاق رج-عيّ-اً فهل يج-وز له
ص: 492
(مسألة 7): لو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهة اعتدّت عدّة أُخرى على الأحوط بالتفصيل المتقدّم في المسألة السابقة.(1)
(مسألة 8): الموجب للعدّة أُمور: الوفاة والطلاق بأقسامه، والفسخ بالعيوب، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع، والوطء بالشبهة، مجرّداً عن العقد أو معه، وانقضاء المدّة أو هبتها في المتعة، ويشترط في الجميع كونها مدخولاً بها إلّا الأوّل.(2)
----------
الرجوع فيها أم لا؟
والتحقيق أنّه مبنيّ على أنّ جواز الرجوع هل هو مشروط بكون المرأة في العدّة أو ه-و منوط بعدم انقضاء العدّة؟ فعلى الأوّل لا يجوز وعلى الثاني، كما ق-وّاه في الجواه-ر،(1) يجوز.
(1) لا يخفى أنّ حكم المسألة مشترك بين البائن والرجعي لعدم الخصوصيّ-ة، إلّا أنّ الجمع بين الشبهة والرجعي إنّما يكون مبنيّاً على عدم كون مطلق الوطء رجوعاً وأنّ تحقّق الرجوع منوط بالقصد وإلّا فمع تحقّق الرجوع بمطلق الوطء فالجمع غير محقّق ولمّا أنّ مختار المتن في مسألة الرجوع كونه رجوعاً مطلقاً وإن قصد به عدم الرجوع فاختصّ البائن بالذكر.
(2) وذلك قضاءً لإطلاق قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾،(2) وللروايات الخاصّة، كمامرّ(3) تفصيلاً في أصل المسألة.
ص: 493
...
----------
فرعٌ: إن حملت المرأة بتلقيح نطفة الزوج أو غيره شبهةً بلا دخول فهل عليها الع-دّة أم لا؟ الحقّ هو عدم الاعتداد مطلقاً؛ لأنّ الحصر في: «إنّما العدّة من الماء» ه-و إضافي في مقابل الإيلاج بلا ماء، فيرجع إلى: «إنّما العدّة م-ن الماء م-ع الدخول» ولذا سئل الراوي: فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ فقال(علیه السلام): «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة»(1). (2)
ص: 494
ص: 495
ص: 496
ص: 497
ص: 498
(مسألة 9): لو طلّقها رجعيّاً بعد الدخول ثمّ رجع ثمّ طلّقها قبل الدخول لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتّى لا يحتاج إلى العدّة.(1) من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعيّاً أو بائناً.(2)
----------
(1) لبطلان العدّة الأُولى بالرجعة المقتضية لفسخ الطلاق وعود النكاح السابق، بل هو معنى الرجوع في الحقيقة وليست هي سبباً لإنشاء نكاح جديد، وإلّا لتوقّف على رضاها، فيصدق حينئذٍ على الطلاق الثاني أنّه طلاق امرأة مدخول بها بالنكاح الذي يريد فسخه بالطلاق، خلاقاً للعامّة، فأوجبوا علیها إکمال العدّة الأولی التي بطلت بالفراش الحاصل بالرجعة.
(2) للاشتراك في الوجه، خلافاً للشيخ.
ص: 499
وكذا الحال لو طلّقها بائناً ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة ثمّ طلّقها قبل الدخول لا يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول، وكذا الحال فيما إذا عقد عليها منقطعاً ثمّ وهب مدّتها بعد الدخول ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها قبل الدخول، فتوهّم جواز الاحتيال بنكاح جماعة في يوم واحد امرأة شابّة ذات عدّة بما ذكر في غاية الفساد.(1)
----------
(1) وجه التوهّم أنّ الطلاق بعد النكاح في العدّة أو التزوّج بعد الهبة طلاق غير مدخول بها وذلك نكاح جديد، بخلاف ما كان بعد الرجوع؛ لما مرّ من أنّه هدم للطلاق المانع من النكاح السابق بقاءً، فمع ارتفاع ذلك المانع بالرجوع يبقى النكاح السابق على حاله، فالطلاق الثاني طلاق عن نكاح مدخول بها.
وجه الفساد ولزوم العدّة هو أنّ أدلّة العدّة في المدخول بها ليس فيها تقييد المدخول بها الملحوق بالطلاق حتّى يحصل الفرق بين الرجوع وغيره بل الموضوع فيها المطلّقة المدخول بها وإن كان اتّصافها بالدخول من العقد السابق، فالمرأة المدخول بها مطلقاً لابدّ عليها من العدّة.
زيادة توضيح: إنّ المستفاد من إطلاق قوله تعالى: ﴿إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾(1) هو عدم العدّة قبل الدخول مطلقاً، وهذا هو وجه جواز الاحتيال فيها وفي المنقطعة.
هذا، ولعدم جوازه هنا يمكن التمسّك بعدّة وجوه:
ص: 500
...
----------
الأوّل: ما قد أكّد عليه سيّدنا الإمام (سلام الله علیه) في حرمة حيل باب الربا العرفي من استلزام تلك الحيل اللّغويّ-ة في حرمة الربا، فإنّ ذلك الوجه جار في توهّم الاحتيال هنا أيضاً، بل قد سبق الأُستاذ، صاحب الجواهر(قدس سرُّه) في بيان الوجه على الملكيّ-ة في باب استعمال الحيل، ففيه:
وكلّ شيء تضمّن نقض غرض أصل مشروعيّ-ة الحكم يحكم ببطلانه كما أومأ إلى ذلك غير واحد من الأساطين، ولا ينافي ذلك عدم اعتبار اطّراد الحكمة، ضرورة كون المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعيّ-ة، كما هو واضح.(1)
الثاني: ما ذكره بعض آخر وهو أنّ للعدّة جهتين:
إحداهما: ما يرجع إلى ذي العدّة مثل التوارث والنفقة والرجوع.
وثانيتهما: ما يرتبط بغيره من الأجانب حيث لا يجوز لهم التزوّج بها فيها، فعند صيرورتها غير مدخول بها ليست لها عدّة، ولكن تستمرّ أحكام العدّة الأُولى التي تخصّ غير الزوج، ويشهد له روايات المتعة:
منها: صحيحة محمّد بن مسلم في حديث أنّه سأل أبا عبدالله(علیه السلام) عن المتعة؟ فقال: «إن أراد أن يستقبل أمراً جديداً فعل، وليس عليها العدّة منه، وعليها من غيره خمسة وأربعون ليلة».(2)
ومنها: ما أرسله ابن أبي عمير في مضمرت-ه، ق-ال: «إذا ت-زوّج الرجل المرأة مت-عة كان علي-ها ع-دّة لغ-يره، ف-إذا أراد ه-و أن يت-زوّجه-ا لم يك-نعلي-ه-ا ع-دّة
ص: 501
...
----------
يتزوّجها إذا شاء».(1)
إلى غيرهما من النصوص.
الثالث: وهو أحسن الوجوه، أنّ المستفاد من قوله تعالى، ليس هو عدم العدّة بل لزوم الاعتداد، فإنّ النكاح المذكور ليس له موضوعيّ-ة بل له طريقيّ-ة، فكأنّه تعالى قال:﴿إذا طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾(2) فذكر النكاح لتحقّق الموضوع، ويشهد له الحكمة في العدّة وهي استبراء الرحم وحفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه.(3).
ص: 502
(مسألة 10): المطلّقة بالطلاق الرجعي بحكم الزوجة في الأحكام، فما لم يدلّ دليل على الاستثناء يترتّب عليها حكمها ما دامت في العدّة؛ من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزة، ومن التوارث بينهما، وعدم جواز نكاح أُختها والخامسة، وكون كفنها وفطرتها عليه، وأمّا البائنة كالمختلعة والمباراة والمطلّقة ثلاثاً فلا يترتّب عليها آثار الزوجيّ-ة مطلقاً لا في العدّة ولا بعدها، نعم لو كانت حاملاً من زوجها استحقّت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتّى تضع حملها كما مرّ.(1)
----------
(1) اعلم أنّه لا كلام في البائن؛ لتحقّق الانفصال والبينونة وقطع العصمة بينهما. وهذا بخلاف الرجعي، فإنّها زوجته بعدُ.
ص: 503
(مسألة 11): لو طلّقها مريضاً ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة؛ بمعنى أنّه إن مات الزوج بعد ما طلّقها في حال المرض بالمرض المزبور لا بسبب آخر على الأقرب، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوماً أو أقلّ لا ترثه، وإن كان
----------
ويدلّ عليه - مضافاً إلى إلغاء الخصوصيّ-ة من موارد كثيرة واستفادة القاعدة كما مرّ - روايتان:
إحداهما: ما رواه معلّى بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، قال: سئل أبوجعفر(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته واحدة، ثمّ راجعها قبل أن تنقضي عدّتها ولم يشهد على رجعتها، قال: «هي امرأته ما لم تنقض العدّة، وقد كان ينبغي له أن يشهد على رجعتها، فإن جهل ذلك فليشهد حين علم ولا أدري بالذي صنع بأساً وإنّ كثيراً من الناس لو أرادوا البيّ-نة على نكاحهم اليوم لم يجدوا أحداً يثبت الشهادة على ما كان من أمرهما، ولا أرى بالذي صنع بأساً وإن يشهد فهو أحسن».(1)
وثانيتهما: ما رواه يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن طلاق الحبلى؟ فقال: «يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور والشهود»، قلت: فله أنيراجعها؟ قال: «نعم وهي امرأته»، قلت: فإن راجعها ومسّها ثمّ أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى، قال: «لا يطلّقها حتّى يمضي لها بعد ما يمسّها شهر»، قلت: وإن طلّقها ثانية وأشهد ثمّ راجعها وأشهد على رجعتها ومسّها ثمّ طلّقها التطليقة الثالثة وأشهد على طلاقها لكلّ عدّة شهر، هل تبين منه كما تبين المطلّقة للعدّة التي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً غيره؟ ق-ال: «نعم»، قلت: فما عدّته-ا؟ قال: «عدّتها أن
ص: 504
بمقدار سنة وما دونها ترثه؛ سواء كان الطلاق رجعيّاً أو بائناً، وذلك بش-روط ثلاثة:
الأوّل: أن لا تت-زوّج المرأة، فلو ت-زوّجت بعد انق-ضاء عدّتها، ثمّ مات ال-زوج لم ترثه.
الثاني: أن لا يبرأ من المرض الذي طلّقها فيه، فلو برأ منه، ثمّ مرض ومات في أثناء السنة لم ترثه إلّا إذا مات في أثناء العدّة الرجعيّ-ة.
الثالث: أن لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمباراة؛ لأنّ الطلاق بالتماسهما(1).(1)
----------
تضع ما في بطنها ثمّ قد حلّت للأزواج».(2)
هذا، وتوهّم دلالتها على كونها زوجته بعد الرجوع لا قبله، فلا دلالة لهما على المطلوب مدفوعٌ بأنّ من الواضح انسداد باب هذا الاحتمال في رواية محمّد بن مسلم، لعدم المعنى لكونها امرأته بعد الرجوع إلى انقضاء العدّة. نعم، الاحتمال في الثانية في محلّه، ولكن إبهامها مرتفع بالأُولی؛ مضافاً إلى أنّ الظاهر من الواو حاليّ-ة وذلك الاحتمال موافق للظاهر مع كلمة «ف» و«ثمّ» المفيدين للترتيب والتفريع.
(1) وسيأتي الكلام في المسألة بعد التذكرة التالية.
واعلم أنّ هنا مسألة لم يذكرها في المتن، وهي كراهة طلاق المريض، كما عليه
ص: 505
...
----------
الشهرة العظيمة. ولا يخفى أنّ هذه الكراهة هي مضافة إلى أصل الكراهة الموجودة في الطلاق.
هذا، ولكن المحكيّ عن ظاهري المقنعة(1) والتهذيب(2) هو الحرمة حيث عبّرا بعدم الجواز، بل هو المحكيّ عن ظاهر الاستبصار،(3) فقبل التعرّض للمسألة نتكلّم حول هذه التي لم يذكرها المصنّف(سلام الله علیه).
فنقول: إنّ النصوص الظاهرة في عدم الجواز هي أربعة:
أوّلها: صحيحة زرارة، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: «ليس للمريض أن يطلّق، وله أن يتزوّج، فإن هو تزوّج ودخل بها فهو جائز، وإن لم يدخل بها حتّى مات في مرضه فنكاحه باطل، ولا مهر لها ولا ميراث».(4)
ثانيها: موثّق عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن المريض أ له أن يطلّق امرأته في تلك الحال؟ قال: «لا، ولكن له أن يتزوّج إن شاء، فإن دخل بها ورثته وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل».(5)
ص: 506
...
----------
ثالثها: أيض-اً موثّق عبي-د بن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يجوز طلاق المريض (العليل - في الاستبصار) ،(1) ويجوز نكاحه».(2)
رابعها: موثّق زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ليس للمريض أن يطلّق، وله أن يتزوّج».(3)
ولقائل أن يقول: إنّ المستفاد من نسبة عدم الجواز في الثالث إلى الطلاق الذي يكون مقصوداً للغير، كالبيع والإجارة هو البطلان فعدم الجواز والنهي المتعلّق بمثله ظاهر في البطلان وعدم النفوذ عرفاً؛ حيث إنّ الغرض منه البينونة لا نفس الطلاق بما هو هو، فالطلاق مثل البيع؛ حيث إنّه ليس مطلوباً بنفسه بل يكون مطلوباً لغرض النقل والانتقال، بل يمكن أن يقال: إنّ التعبير في مثل موثّقة زرارة أيضاً بنفي السلطة له دليل على البطلان أيضاً.
أقول: لكن في مقابلها أخبار مستفيضة، إن لم نقل أنّها متواترة، متكفلّة لبيان حكم إرث تلك الزوجة، فإنّها تدلّ على صحّة الطلاق كما سنذكرها،مضافاً إلى أنّ صحيحة الحلبي معارضة على نحو التباين للثالث الموثّق، ففيها أنّه: سئل عن رجل يحضره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: «نعم، وإن مات ورثته، وإن ماتت لم يرثها».(4)
والتعارض ب-ين الج-واز المدلول عليه في الصحي-حة وعدم-ه الم-ذك-ور في الموثّق
ص: 507
...
----------
واضح، بل هي معارضة للثلاث الأُخرى أيضاً، بناءً على دلالة هذه الثلاث على الفساد، بل وبناءً على الدلالة على الحرمة، فإنّ الجواز في الصحيحة مقابل لعدم الجواز ولعدم كون الطلاق بيده في تلك الأخبار، فإن كان المراد منها التكليفي فكذلك الصحيحة، وإن كان المراد الوضعي فكذلك كما لا يخفى.
وذكروا في رفع التعارض والجمع بين الطائفتين وجوهاً:
أحدها: أنّ النصوص الأربعة تدلّ على الحرمة، والروايات الأُخرى على النفوذ والصحّة، ولامنافاة بين صحّة المعاملة وحرمتها كالبيع وقت النداء، وتشهد له صحيحة الحلبي كما مرّ آنفاً، فإنّ المراد من الجواز هو النفوذ؛ لأنّ السؤال هو بعد الوقوع، فكأنّه سأل أنّ هذا الطلاق هل هو نافذ أم لا؟
وفيه: أنّ النفي في تلك الروايات أيضاً ظاهرٌ في عدم الصحّة، كما مرّ بيانه.(1)
ثانيها: الجمع بينهما بأنّ الجواز وعدم الجواز في الطائفتين إضافي، فإنّ الطائفة الأُولی تدلّ على عدم نفوذ الطلاق بالنسبة إلى الإرث والطائفة الثانية على نفوذه بالنسبة إلى غير الإرث.
وفيه: أنّه كما ترى جمع تبرّعي لا شاهد له، مع أنّه مخالفٌ لنصّ الحلبي الدالّ على النفوذ في الإرث.
ثالثها: حمل الأربعة المذكورة على الكراه-ة بين الطائفتين، فإنّ نفي الجواز ظاه-ر في الحرمة وإثباته نصّ في الجواز والنصّ مقدّم على الظاهر ويكون محمولاً على الكراهة.
وفيه: أنّ الحمل غير ج-ارية في مثل التعب-ير بكلمتي المث-بت والمنفيّ مثل كلمة
ص: 508
...
----------
«يجوز» و«لا يجوز»، فإنّه من أظهر مصاديق التعارض بين النفي والإثبات والأمر والنهي، والجمع المذكور تبرّعي غير عرفي وإلّا فاللازم من صحّة الجمع كذلك وعرفيّته عدم وجود التعارض أصلاً في الأدلّة؛ لأنّه بعد إمكان الجمع بين النفي والإثبات لم يبق مورد للتعارض ولا للأخبار العلاجيّ-ة على كثرتها وهو كما تری، والفرق الفارق بي-ن مثل النصّ والظاه-ر كذلك م-ع غيرهما منهما أنّ النصوصيّ-ة في مثل المورد بالدلالة الالتزاميّ-ة وفي غيره بالمطابقة والتقديم منحص-رٌ عرفاً في الثاني دون الأوّل.
ولك أن تقول: إنّ الأخذ بالنصّ المدلول عليه بالدلالة الالتزاميّ-ة وتقديمه على الظاهر موجبٌ لعدم الأخذ، فوجوده سببٌ لعدمه، وتحقيق البحث موكولٌ إلى محلّه.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ الروايات الأربع ليست دالّة على الحرمة لا وضعاً ولا تكليفاً، ولا يفيد في نفسها أزيد من الكراهة، فإنّها قاصرة عن الدلالة على الحرمة، أمّا عدم إفادتها الحرمة، فلأنّ الجملة المستدلّ بها على الحرمة خبريّ-ة لا ناهي-ة، ودلالة الجملة النافي-ة الخبريّ-ة على الحرمة محلّ إشكالٍ، بل منع إلّا إذا اُعقبه بإيعاد العذاب، مضافاً إلى أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع أيضاً مقتضية لذلك، فلو كان المراد هو الحرمة كان اللازم الإتيان بالنهي أو التعقيب ببيان العذاب.
وأمّا عدم إفادتها الفساد، فلأنّه إنّما يتمّ على دلالة الروايات على نفي السلطنة وهي غير تمام، فإنّ جملة: «ليس له أن يطلّق» لا تفيد ذلك؛لاستلزامه ذكر المعلول لإفادة العلّة، حيث إنّ عدم الطلاق له معلول عن نفي سلطنته عليه، وذكر المعلول وإرادة العلّة مجاز لا يصار إل-يه إلّا بالقرين-ة، فإن ك-ان المراد هو نفى السلط-نة كان
ص: 509
...
----------
ينبغي أن يقال: إنّه ليس الطلاق بيد المريض، ويشهد له روايات السلطنة، مثل: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»،(1) ولعلّ مراد الشيخين (قدس سرهما) في ظاهر المقنعة(2) والتهذيب(3) وكذا الاستبصار(4) من عدم الجواز، أيضاً هو الكراهة، كما أفاد صاحب الجواهر(قدس سرُّه) (5) بأنّهما قد أرادا الكراهة من عدم الجواز غير مرّة.
أمّا الكلام في أصل المسألة يقع في مقامات:
إنّ ثبوت التوارث بين الزوجين في الرجعيّ-ة وعدمه في البائن على المشهور، بل ادّعى عليه الإجماع.(6)
ويدلّ على الحكمين - مضافاً إلى الشهرة والإجماع - أوّلاً: قطع العصمة بينهما بالطلاق البائن، والزوج خاطب من الخطاب في هذا القسم، وهذا بخلاف الرجعي فإنّها زوجته بعد.
وثانياً: النصوص الواردة:
منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إذا طلّقالرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة، فإذا طلّقها التطلي-قة الثالثة فليس له عليها الرج-عة ولا م-يراث
ص: 510
...
----------
بينهما».(1)
ومنها: موثّقة زرارة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجل يطلّق المرأة؟ فقال: «يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة».(2)
وتوهّم أنّ الموثّقة تدلّ على التوارث من الطرفين في العدّة الرجعيّ-ة من دون الدلالة على عدم الإرث لكلّ واحد منها في غير الرجعيّ-ة إلّا بالمفهوم وهو ليس بأزيد من عدم المطلق في غير الرجعيّ-ة وعدم المطلق كذلك أعمّ من عدم الإرث من الطرفين أو من طرف واحد ولا معيّن لخصوص الأوّل، فالاستدلال بها لعدم الإرث في البائن من الطرفين غير تمام.
مدفوعٌ بأنّ السؤال ل-مّا كان عن مطلق إرث المطلّق والمطلّقة لا الرجعيّ-ة فقط فلو لم يكن المراد من الجواب عدم الإرث في البائن مطلقاً وكان مجملاً ومردّداً بين الأمرين كان الجواب ناقصاً وهو كما ترى؛ فعلى هذا، إنّ المفهوم منها هو عدم إرث كلّ واحد منهما في الطلاق البائن صوناً لكلام الحكيم(علیه السلام) عن الإبهام والنقص.
ومنها: خبر الحسن بن زياد، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «هي ترث وتورث ما کان له الرجعة بين التطليقتين الأوّلتين حتّى تغتسل».(3).
وابن زياد هذا هو الصيقل ظاهراً؛ لنقل ابن مسكان عنه وهو وإن لم يوثّق كغيره من المسمّ-ين بمثله إلّا ابن زي-اد الع-طّار، لكن نقل ابن مس-كان ويونس بن
ص: 511
...
----------
عبدالرحمن وأبان بن عثمان من أصحاب الإجماع عنه، وكذا نقل جعفر بن بشير الذي روى عن الثقات ورووا عنه وجماعة عنه وكثرة رواياته وكون كتابه معتمد الأصحاب.
وما استفاده السيّد المحقّق صدر الدين في حواشي المنتهى من دلالة الرواية على تسليمه للإمام(علیه السلام) على ما في تنقيح المقال(1) وغيره(2) من الأُمور الموجبة للمدح، كافية في اعتباره وصحّة الاستناد إلى خبره، ودلالته بالمفهوم كالسابقة.
وأمّا المراد من الاغتسال هو الغسل من الحيض. وعليه، فلابدّ في العدّة من تماميّ-ة الطهر الثالث المخالف لمذهب الإماميّ-ة من كفاية رؤية الدم الثالث ولذا حمل على التقيّ-ة لمذهب العامّة.
ومنها: موثّقة محمّد بن قيس، ع-ن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «قض-ى في الم-رأة إذا طلّقها، ثمّ توفّي عنها زوجها وه-ي في ع-دّة منه، ما لم تح-رم عليه فإنّها ترث-ه ويرثها ما دامت في ال-دم من حيضتها الثالثة ف-ي التطليقتين الأوّلتين، فإن طلّقها ثلاثاً فإنّها لا ترث م-ن زوجها ولا يرث منها، فإن قتلت ورث م-ن ديتها، وإن قتل ورثت م-ن ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه».(3).
بل يدلّ على الحكمين - أيضاً - بعض نصوص عدّة الوفاة، منها: ما رواه ابن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام): في رجل طلّق امرأته، ثمّ توفّي عنها وهي في عدّتها، «فإنّها ترثه وتعتدّ ع-دّة المتوفّى عنها زوجه-ا، وإن توفّيت هي في ع-دّتها فإنّ-ه يرثها،
ص: 512
...
----------
وكلّ واحد منهما يرث من دية صاحبه لو قتل ما لم يقتل أحدهما الآخر».(1) وفي تقييد التوارث في الجواب بالمعتدّة الرجعيّ-ة لأنّها التي عليها عدّة الوفاة دون المعتدّة البائنة دلالة مفهوميّ-ة على عدمه في البائن كما لا يخفى. وكذا موثّقة سماعة، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته، ثمّ إنّه مات قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال: «تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، ولها الميراث».(2) ودلالتها كالسابق بالمفهوم أيضاً.
هذا، وقد ناقش ما ذهب إليه صاحب المدارك(3) وتبعه في ذلك صاحب الكفاية،(4) فإنّهما ذهبا إلى أنّ الزوج المطلّق بالرجعي في حال المرض لا يرث في العدّة كالبائن، واستدلّا بما مرّ من صحيحة الحلبي: أنّه سئل عن رجل يحض-ره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: «نعم، وإن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها»؛(5)حيث إنّ إطلاقها يشمل الرجعي والبائن، والبائن لا كلام فيه والرجعي هنا يختصّ بطلاق المريض، وهي مقدّمة على غيرها من النصوص؛ لأنّها أخصّ مطلقاً.
وأُجيب عنه بوجوهٍ:
منها: ما ذهب إليه صاحب الجواهر(6) بأنّها مختصّة ببعد العدّة واستشهد برواية
ص: 513
...
----------
الحلبي وأبي بصير وأبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: «ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدّة»،(1) ثمّ قال:
المعلوم كون الموضوع فيه (خبر هؤلاء الثلاثة) طلاق المريض كما لا يخفى على من لاحظ الكافي، فإنّه رواه بعد أن روى عن أبي العبّاس طلاق المريض على وجه يعلم منه أنّ مرجع الضمير فيه ذلك على أنّه لا يتمّ بقرينة غيره من النصوص إلّاعلى ذلك فهو حينئذٍ مقيّد لصحيح الحلبي.(2)
ويرد عليه أنّ رواية هؤلاء الثلاثه مرسلة فلا يكاد أن يكون شاهداً على حمل الصحيحة بعد انقضاء العدّة. وكان ينبغي له(قدس سرُّه) أن يعتمد على ما رواه المشائخ الثلاثة عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي العبّاس، عن أبي عبدالله(علیه السلام) ويستشهد به، قال: «إذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدّتها إلّا أن يصحّ منه»، قلت: فإن طال به المرض؟ قال: «ما بينه وبين سنة».(3) فإنّ التهذيب ذكر تلك الرواية بعد هذه الصحيحة فكان ينبغي إرجاع الأمر إلى ما فعله في التهذيب، وأمّا أصل الحمل في كلامه(قدس سرُّه) لا بأس به.
هذا، ويخطر بالبال أنّ ما أجاب به صاحب الجواهر ليس بتمام ومناقشةالسيّد السند(قدس سرُّه) في المدارك(4) والسبزواري(قدس سرُّه) في الكفاية في مح-لّها؛(5) لأنّ رواي-ة أبي العبّاس
ص: 514
...
----------
السابقة على رواية هؤلاء الثلاثة في الطلاق البائن لا الرجعي، حيث قال السائل: قلت له: رجل طلّق امرأته وهو مريض تطليقة وقد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين» فالرواية في الطلاق الثالث وهو بائن فأجاب الإمام(علیه السلام): «فإنّها ترثه إذا كان في مرضه» ورواية هؤلاء الثلاثة لا يكاد يمكن أن يكون ذيلاً لرواية أبي العبّاس السابقة لاستلزامه كون التقييد بانقضاء الع-دّة في غير محلّ-ه، فإنّ الزوج المطلّق لا ترثها المطلَّقه البائنة؛ سواء ماتت قبل انقضاء العدّة أو بعده، وسواء وقع الطلاق حال المرض أم لا، وإذا لم يكن ذيلاً لها فصدر الرواية غير معلومة هل كان في الطلاق الرجعي أم البائن، حال السلامة أم المرض فيحتمل أن يكون جواباً عن الطلاق الرجعي حال المرض فيكون معارضاً لصحيحة الحلبي الدالّة على عدم إرثه منها أيّام العدّة لا شاه-داً للجمع بينها وبين ما دلّ على إرثه منها ما دامت في العدّة، مضافاً إلى أنّه يناسب الاعتبار أيضاً.
وما قاله بعض الفقهاء (قدّس الله أسرارهم) من أنّ حرمان الزوج عن الإرث أيّام العدّة غير موافق للحكمة، مدفوعٌ بأنّ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾(1) فإنّ الزوج المريض أراد بالطلاق حرمان زوجته عن الإرث، فحكم الشارع بحرمان نفسه عن الإرث منها عقوبة له، فهذا مناسب للاعتبار والحكمة.
ويدلّ عليه صحيحة الحلبي المتقدّمة؛ فما ذهب إليه صاحب المدارك(2) وصاحب الكفاية(3) من ع-دم إرثه منه-ا صحيح تامٌّ.
ص: 515
...
----------
ومنها: حملها على ما إذا قصد الإضرار بالطلاق كما ذهب إليه كاشف اللثام.(1)
واستشكل عليه في الجواهر بأنّه لا وجه له.(2)
ولكن لا يخفى أنّ منعه بأنّه لا وجه له غير تمام، فإنّ له وجهاً وهو الروايات المتعرّضة لطلاق المريض الدالّة على عدم إرث الزوج إذا طلّق زوجته في حال الإضرار، فلا بأس لذلك الحمل.
إنّ الزوج المطلّق في حال المرض لا يرث الزوجة المطلّقة في البائن ولا بعد العدّة الرجعيّ-ة على المشهور بين الأصحاب؛ بل عن الخلاف(3) الإجماع عليه كما عن المبسوط(4) نفي الخلاف لانتفاء الزوجيّ-ة وانقطاع العصمة بينهما، فأصالة عدم الإرث بحاله، ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر، ما مرّ آنفاً في مرسلة يونس، والتعليل الوارد في خبر الهاشمي، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «لا ترث المختلعة والمباراة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في مرضالزوج وإن مات في مرضه، لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه».(5)
هذا، وقد نوقش فيما ذهب إليه المشهور بما أورده الشيخ(قدس سرُّه)، فإنّه مع ذهابه في الخلاف إلى نفي الخلاف بين علماء الإسلام في عدم التوارث في البائن، لكن اختار
ص: 516
...
----------
في النهاية ثبوته، فإنّه قال:
إذا طلّق الرجل امرأته، وهو مريض، فإنّهما يتوارثان ما دامت في العدّة؛ فإن انقضت عدّتها، ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوّج، فإن تزوّجت، فلا ميراث لها؛ وإن زاد على السنة يوم واحد، لم يكن لها ميراث. ولافرق في جميع هذه الأحكام بين أن تكون التطليقة هي الأُولی أو الثانية أو الثالثة، وسواء كان له عليها رجعة أو لم يكن، فإنّ الموارثة ثابتة بينهما على ما قدّمناه(1).(2)
إنّ المطلّقة في حال المرض ترث الزوج المطلّق ما بين الطلاق وبين سنة إجماعاً. ويدلّ عليه النصوص الواردة فيها:
منها: ما رواه أبو العبّاس، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل المرأة في مرض-ه ورثته ما دام في مرض-ه ذلك، وإن انق-ضت ع-دّتها إلّا أن يصحّ منه»، قال:
ص: 517
...
----------
قلت: فإن طال به المرض، فقال: «ما بينه وبين سنة».(1)
ومنها: مرسلة أبان بن عثمان، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: في رجل طلّق امرأته تطليقتين في صحّة، ثمّ طلّق التطليقة الثالثة، وهو مريض، «أنّها ترثه ما دام في مرضه وإن كان إلى سنة».(2)
ومنها: موثّقة سماعة، قال: سألته(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته، وهو مريض؟ قال: «ترثه ما دامت في عدّتها وإن طلّقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة، فإن زاد على السنة يوماً واحداً لم ترثه، وتعتدّ منه أربعة أشهر وعش-راً عدّة المتوفّى عنها زوجها».(3) وقد مرّ عنه آنفاً ما يقرب منها.
ثمّ إنّه يشترط في إرث المطلّقة في حال المرض طول السنة أُمور ثلاثة:
الأوّل: أن لا تتزوّج المرأة، فلو تزوّج بعد انقضاء عدّتها، ثمّ مات الزوج لم ترثه بلا خلاف، بل ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه عليه.(4)ويدلّ عليه - مضافاً إلى ما ذكر - روايات خاصّة:
منها: ما رواه أبو الورد، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل امرأته تطليقة في مرضه، ثمّ مكث في مرضه حتّى انقضت عدّتها فإنّها ترثه ما لم تتزوّج، فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء العدّة فإنّها لا ترثه».(5)
ومنها: مرسلة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: في رجل طلّق
ص: 518
...
----------
امرأته، وهو مريض، قال: «إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته، وإن كانت تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع، لا ميراث لها».(1)
إلى غيرها من الأخبار.
الثاني: أن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلّقها فيه، فلو برء منه ثمّ مات لم ترثه إلّا في العدّة الرجعيّ-ة بلاخلاف، بل ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه عليه. ويدلّ عليه روايات:
منها: ما رواه أبوالعبّاس، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته مادام في مرضه ذلك وإن انقضت عدّتها، إلّا أن يصحّ منه»، قال قلت: فإن طال به المرض؟ فقال: «ما بينه وبين سنة».(2)
ومنها: ما رواه أبوالعبّاس في خبره الآخر، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل طلّق امرأته، وهو مريض؟ قال: «ترثه في مرضه ما بينها وبين سنة إن مات في مرضه ذلك».(3)
ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قالسألته عن رجل طلّق امرأته، وهو مريض حتّى مضى لذلك سنة؟ قال: «ترثه إذا كان في مرضه الذي طلّقها، لم يصحّ بين ذلك».(4)
الثالث: أن لا يكون الطلاق بالتماس من-ها، فلا ترث المخت-لع-ة والمب-اراة؛ لأنّ
ص: 519
...
----------
الطلاق بالتماسهما. ويدلّ عليه خبر محمّد بن القاسم الهاشمي، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «لا ترث المختلعة ولا المباراة ولا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج وإن مات، لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه».(1)
وأمّا الإشكال بضعف سنده بمحمّد بن القاسم الهاشمي فإنّه لا توثيق فيه، مندفعٌ بأنّ الضعف منجبرٌ بعمل الأصحاب به.
لا يقال: إنّ عمل الأصحاب به غير معلومٍ؛ إذ من المحتمل أنّ فتوى الأصحاب كان مستنداً إلى المفهوم المستفاد من الجملة الشرطيّ-ة في موثّق سماعة: «وإن طلّقها حال إضرار فهي ترثه إلى سنة»،(2) وإلى التعليل الوارد في مرسلة يونس، قال: سألته ما العلّة التي من أجلها إذا طلّق الرجل امرأته، وهو مريض في حال الإضرار ورثته ولم يرثها؟ وما حدّ الإضرار عليه؟ فقال(علیه السلام): «هو الإضرار ومعنى الإضرار منعه إيّاها ميراثها منه، فألزم الميراث عقوبة».(3)
فإنّهما تدلّان على عدم إرثها منه مع عدم الإضرار، مضافاً إلى اعتضادهما بما دلّ على أنّها إن تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع، فلاميراث لها الظاهر في أنّ المعيار هو الإضرار وعدم رضاها، وحيث أنّ الإضرار في الخلع والمباراة منتفٍ أفتى الأصحاب بعدم إرثها منه، فاستناد فتواهم برواية محمّد بن القاسم غير معلومٍ، فلا جابر لضعف سنده.
ص: 520
...
----------
لأنّه يقال: إنّ الإضرار في الخلع والمباراة موجودٌ إن لم نقل: إنّ الإضرار المتحقّق فيهما من أظهر مصاديقه، فإنّ الزوج قد أكثر الضيق والأذى عليها حتّى رضيت ببذل مهرها أو أكثر؛ لتخلّص نفسها ولو لمدّة قليلة،(1) فلا يكاد يمكن أن يكون مستند الأصحاب إلّا رواية خاصّة، مثل خبر محمّد بن القاسم.
ويؤيّد ذلك ويشهد له أنّ الأصحاب قد اتّفقوا في عدم إرث المختلعة والمبارئة مع اختلافهم أنّ المريض بما هو هو موضوعٌ للحكم بالإرث إلى سنة أم هو بقصد الإضرار، فإنّ الاتّفاق هنا مع الاختلاف في أصل المسألة يدلّ على أنّ للمورد خصوصيّ-ة اقتضت الحكم بعدم الإرث وليست هي إلّا رواية محمّد بن القاسم.
ثمّ إنّ المعروف بين الأصحاب هو جريان الحكم على طلاق المريض مطلقاً مع قصد الإضرار وعدمه؛ مستدلاً بالإطلاقات، لكنّ الأخذ به مشكلٌ، كما يرشدنا إليه مرسلة يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته ما العلّة من أجلها إذا طلّق الرجل امرأته، وهو مريض في حال الإضرار ورثته ولم يرثها؟ وما حدّ الإضرار عليه؟فقال: «هو الإضرار، ومعنى الإضرار منعه إيّاها ميراثها منه، فألزم الميراث عقوبة».(2)
وكذا مضمرة سماعة، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته، وهو مريض؟ قال: «ترثه ما دامت في عدّتها، فإن طلّ-قها في ح-ال الإضرار فإنّها ترث-ه إلى سنة، وإن زاد
ص: 521
...
----------
على السنة في عدّتها يوم واحد فلا ترثه».(1)
وقريب منها ما رواه الكليني(2) عنه باختلاف يسير وبزيادة في آخرها يأتي آنفاً.
ويؤيّده التعليل في عدم إرثها عند التزوج برضاها بالطلاق.
هذا، ولكن لا يخفى أنّ الأصل في طلاق المريض هو وقوعه بقصد الإضرار فلا احتياج إلى احراز القصد بل ترثه ما لم يحرز عدم قصده الإضرار فالمانع لإرثها إلى سنة هو إحراز عدم قصده الإضرار لا إحراز قصد الإضرار؛ وذلك لأنّ المذكور في موثّق سماعة ومرسل يونس هو وقوع الطلاق في حال الإضرار لا وقوعه إضراراً حتّى يحتاج إلى إثبات وقوعه إضراراً فإنّ طبع طلاق المريض يقتضي وقوعه إضراراً فلا يحتاج إلى إحرازه، بل عدم إرثها يحتاج إلى إحراز عدم قصده الإضرار لمخالفته لمقتض-ى الأصل.
لو طلّق المريض زوجته الكتابيّ-ة أو الأمة ثمّ أسلمت أو اعتقت فهل ترثه كالمطلّقة المسلمة الحرّة إلى سنة على خلاف القواعد أو يكون إرثهاتابعاً لقواعد الإرث؟ فيه قولان: إرثها إلى سنة وإرثها على القواعد العامّة فترثها في العدّة إن كان الطلاق رجعيّاً وإلّا فلا والظاهر أنّ منشأ الخلاف الاختلاف في مسألة شرطيّ-ة الاتّهام بالإضرار في طلاق المريض وع-دمها فع-لى الشرطيّ-ة يتّجه الأوّل؛
ص: 522
...
----------
قضاءً لأخبار الطلاق، حيث إنّ موضوعها طلاق المريض وفي الشرائع بعد قوله بإرثها العدّة فقط إذا اعتقت فيه قال: «ولو قيل ترثه كان حسناً، ولو طلقها بائناً فكذلك»؛(1) نظراً إلى عدم دخالة التهمة في الحكم، بل الموضوع هو طلاق المريض بما هو مريض وهو أشار إلى وجه ثالث لعدم الإرث ولخروج المورد من الأخبار وبيّنه الجواهر(2) بما حاصله: أنّ روايات الباب مختّصة بمرأة كان لها الإرث إن لم يكن يحدث الطلاق وأنّها بصدد بيان الخصوصيّ-ة لطلاق المريض وأنّه سبب للإرث إلى سنة لا أنّه سبب مستقّل ولو بالنسبة إلى غير الوارث ولمّا أنّ الأمة وكذا الكافرة لا ترثان من رأس فالأخبار غير شاملة لمثلهما، والوجه وجيهٌ وتمام، فالأقوى هو الثاني.
وأمّا ما عن الفخر;(3) من الاستدلال لعدم الإرث بأنّ نكاحهما لا يوجب الإرث فكيف مع طلاقهما؟
ففيه نظرٌ؛ لمنع أنّ النكاح لا يوجب الميراث بل هو موجب له مطلقاً، ولكنّ الكفر والرقّ مانعان من الإرث، إذ الإسلام والحريّ-ة شرطان فيه وتخلّف الحكم عن السبب لوجود مانع أو فقد شرط لا يقدح في سببيّته فإذا فقد المانع ووجد الشرط عمل السبب عمله كما حقّق في الأُصول والأمر هناكذلك، والأقوى ثبوت الإرث مع زوال المانع في العدّة الرجعيّ-ة وفي البائن مع زوال المانع قبل القسمة خاصّة.
ص: 523
...
----------
لو وقع الاختلاف في وقوع الطلاق في حال المرض وعدمه، فأنكره الوارث وادّعته المرأة فعليها البيّنة. ولا يخفى عدم الفرق بين مجهولي التاريخ وبين كون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ، لأنّ أصل عدم الحادث مثبت، كما حقّق في محلّه.
يمكن أن ترث المريضَ أكثر من زوجات أربع وهو واضح كما إذا طلّق المريض الأربعَ بائناً وتزوّج بأربع أُخرى ودخل بهنّ فإنّ الدخول شرط في الإرث كما سيأتي، ثمّ مات قبل تمام السنة أو طلّقهن رجعيّاً ثمّ تزوّج بأربع أُخرى بعد انقضاء العدّة ولا إرث للزائد من أربعة زوجة إلّا في مثل المورد كما لا يخفى.
الحكم في المسألة كما مرّ(1) مبنيّ على موت المريض بمرضه، وأمّا إن مات بعلّة أُخرى كالقتل، ففيه وجهان؛ من استظهار إناطة الحكم في النصوص بموته بذلك المرض، ومن أنّ الحكم فيها مبنيّ بحسب الظاهر على موته في المرض وإن لم يكن بالمرض، وما هو الموافق للحكمة والاعتبار هو الثاني حيث إنّ الإضرار محقّق بطلاقه فيه من دون فرقبين موته بالمرض أو بسبب آخر والحكم دائر مدار الحكمة وجوداً وإن لم يكن دائ-راً معها ع-دماً فمع الحكمة لابدّ من الحكم وإلّا
ص: 524
...
----------
فليست الحكمة بحكمة. نعم، عدم الحكم ليس دائراً مدار عدمها وإلّا كانت علّة لا حكمة فالفرق بينهما في الدوران وعدمه في العدم.
وبما ذكرنا يظهر حكم تبدّل المرض حيث إنّ الحكم ثابت معه لكون الطلاق والموت كلاهما في المرض واتّحاد المرض فيهما لا دليل عليه بل الإطلاق على خلافه.
لا يلحق بالطلاق في المرض غيره من أسباب الفراق كاللعان كما لو قذفها وهو مريض فلاعنها وبانت باللعان فلا ترثه بلاإشكال ولاخلاف لاختصاص موضوع الحكم نصّاً وفتوىً بالطلاق، ولانتفاء التهمة بالإيمان وحرمة القياس عندنا ومثله الفسخ بالردّة منها أو منه أو تجدّد التحريم المؤبّد المستند إليها برضاع أو غيره لذلك.
وفي تجدّد التحريم المؤبّد المستند إليه كاللواط إن قلنا به نظر من الأصل ومن التهمة والمعتمد الأوّل وأمّا الفسخ بالعيب فإن كان من قبلها فلا ميراث لها بلا إشكال ولا خلاف لما مرّ في اللعان وبعده من اختصاص الموضوع بالطلاق ولعدم التهمة وعدم المحلّ للقياس من رأس. وأمّا إن كان من قبله لعيب الزوجة ففيه نظر من الأصل والخروج عن موضوع الدليل ومن كونه بمعنى الطلاق في كون الفرقة من قبله وإن كانت هي الباعثة له عليها والاعتماد على الأصل والخروج فلا ميراث لها أيضاً كالفسخ من قبلها.
إذا طلّقها ثمّ لاعنها أو حص-ل الارتداد الفاس-خ منه أو منها أو تج-دّد التحريم
ص: 525
...
----------
المؤبّد منها فلا ميراث لها لأنّها يمنع الإرث وه-ي في النكاح فأولى بالمنع وه-ي مطلق-ة وإن كانت في العدّة الرجعيّ-ة إلّا أن يعود إلى الإسلام فيها فيرث في وجه كما ف-ي السرائر(1) وإذا طلّقها ثمّ لاط لواطاً أوجب عليه تحريمها مؤبّداً أشكل من عموم الأخبار المورّثة لها وأنّه لا يوجب التحريم ولا يستعقب الفسخ إذا كانت في النكاح فلا يمنعها الإرث ليقال بالأولويّ-ة وهي مطلّقة، وم-ن أنّ الإرث أثر النكاح وه-و يمنع النكاح فيمنع آثاره، وفيه أنّ الإرث م-ن آثار النكاح المتقدّم وه-و إنّما يمنع م-ن النكاح ثانياً.
الظاهر من الأخبار اعتبار المرض السابق على حال النزع فلا يترتّب الحكم على الصحيح الذي حضره الموت وتشاغل بالنزع فيه مع احتمال عدّه مرضاً سابقاً حكماً وأنّ اللحوق موافق مع حكمة التهمة، ومع ما جاء في صحيح الحلبي من التعليق ولابدّ من الاعتماد عليه وتخصيص الأخبار به على العموميّ-ة والعمل به وبها على عدم العموميّ-ة وقصورها عن شمول مورد الصحيح. وما في الجواهر من أنّ «قاعدة الاقتصار على المتيقّن تقتض-ي الأوّل إلّا إذا كان حضور الموت لحضور مرض اقتضاه»(2) فإن كان مراده من المرض المقتضي المرض الحادث المقارن مع النزع فهو راجع إلى ما ذكرناه ويكون تماماً وفي محلّه.
وأمّا إن كان مراده المرض السابق فمخالف لظاهر الصحيح وهو كما ترى.
ص: 526
(مسألة 12): لا يجوز لمن طلّق رجعيّ-اً أن يخرج المطلّقة من بيته حتّى تنقض-ي عدّتها إلّا أن تأتي بفاحشة توجب الحدّ أو تأتي بما يوجب النشوز، وأمّا مطلّق المعصية فلا توجب جواز إخراجها، وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ففي كونه موجباً له إشكال وتأمّل، ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجباً لسقوط حقّها مطلقاً، وما يوجب النشوز موجباً لسقوطه ما دام بقائها عليه، وإذا رجعت رجع حقّها، وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلّا لضرورة أو أداء واجب مضيّق.(1)
----------
(1) وتفصيل الأمر في المسألة أنّه لا خلاف نصّاً وفتوىً في وجوب السكنى للمطلّقة الرجعيّ-ة كما يجب لها النفقة، بل عليه الإجماع محصّلاً ومنقولاً.
والأصل فيه الكتاب في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾.(1)
وكذا قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواعَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾.(2)
ص: 527
...
----------
وللأخبار المتكاثرة، منها: ما رواه سعد بن أبي خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى(علیه السلام) عن شيء من الطلاق؟ فقال: «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها، وتعتدّ حيث شاءت ولا نفقة لها»، قال: قلت: أ ليس الله عزّ وجلّ يقول: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾(1) قال: فقال: «إنّما عنى بذلك التي تطلّق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تُخرج ولا تَخرج حتّى تطلّق الثالثة فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتّى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتّى تنقضي عدّتها».(2)
ومنها: موثّقة سماعة، قال: سألته عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال: «في بيتها لا تخرج وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتّى تنقضي عدّتها»، وسألته عن المتوفّى عنها زوجها أ كذلك هي؟ قال: «نعم وتحجّ إن شاءت».(3)
ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: سألته عن المطلّقة أين تعتدّ؟ فقال: «في بيت زوجها».(4)
ومنها: ما رواه أبو الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال:«تعتدّ المطلّقة في بيتها ولا ينبغي للزوج إخراجها، ولا تخرج هي».(5)
ص: 528
...
----------
ومنها: ما رواه أبو بصير، عن أحدهما(علیهما السلام) في المطلّقة أين تعتدّ؟ فقال: «في بيتها إذا كان طلاقاً له عليها رجعة ليس له أن يخرجها، ولا لها أن تخرج حتّى تنق-ضي عدّتها».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».(2)
ومنها: خبر أبي العبّاس، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».(3)
ومنها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «المطلّقة تعتدّ في بيتها، ولا ينبغي لها أن تخرج حتّى تنقضي عدّتها، وعدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إلّا أن تكون تحيض».(4)
والتعبير ب- «بيتها» هو بتبع الكتاب وباعتبار الملابسة، كما هو واضح؛ إذ من المعلوم عدم إرادة بيت الزوجة المطلّقة حقيقة، لعدم المعنى لنهي الزوج عن إخراج الزوجة عن بيتها، فإنّ الإخراج منهيّ عنه قبل ذلك من باب عدم جواز التص-رّف في ملك الغير، والمراد ب- «لا ينبغي» في بعض النصوص، هو الحرمة بقرينة الكتاب وبقيّ-ة الأخبار.
ثمّ لا إشكال ولا خلاف في عدم ج-واز الإخراج ولا الخ-روج للمطلّقة كذلك
ص: 529
...
----------
في الجملة، لكن الخلاف واقع في أنّ حرمة الخروج هل هي مطلّقة أو منوطة بعدم إذن الزوج؟ فالمحكيّ عن ظاهر المشهور هو الإطلاق. وفي المسالك: أنّ مقتض-ى الآية هو الحرمة مطلقاً، وسيأتي نصّ كلامه. وفي نهاية المرام(1) وظاهر الش-رائع(2) والمتن، الثاني، وهو الحقّ؛ وذلك مضاف-اً إلى أنّه لا يبعد ك-ون الآية ظاهرة في ذلك - فإنّ السكنى في العدّة الرجعيّ-ة كالسكنى في النكاح الدائم وليس بأزيد منه، فكما أنّ للزوجة حقّ السكنى في النكاح الدائم ولا يجوز للزوج إخراجه فكذلك أيّام العدّة أيضاً، وكما أنّه لا يجوز للزوجة الخروج من بيت زوجها في النكاح الدائم إلّا بإذنه فكذلك بعد الطلاق، ما دامت في العدّة - يدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقض-ي عدّتها»،(3) ومثلها خبر أبي العبّاس(4) وفيهما الصراحة بالاختصاص.
واستدلّ الشهيد الثاني(5) لعموميّ-ة الحرمة بإطلاق الآية الشريفة، ثمّ فرّق بين السكنى المستحقّة بالنكاح والسكنى أيّام العدّة بأنّ في السكنى أيّام العدّة حقّاً لله تعالى، كما أنّ في العدّة حقّاً له تعالى، بخلاف السكنى المستحقّةبالنكاح، فإنّ حقّها مختصّ بالزوجين وفرّع عليه فلو اتّفقا على الخروج منعهما الحاكم منه، ثمّ استدلّ للاختصاص بصحيحة الحلبي، ولكن مع ذلك ذهب إلى أنّ الأجود التحريم مطلقاً؛ عملاً بظاهر الآية، ويؤيّد ما ذهب إليه الشهيد قوله تعالى في ذيل الآية
ص: 530
...
----------
الشريفة: ﴿لَعَلَّ اللهُ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾(1) فإنّ هذه الحكمة تقتض-ي كونها مصاحبة للزوج؛ إذ ربما تؤدّي إلى رجوعها إليها.
وأمّا الإيراد على المسالك بأنّه لا وجه مع وجود الصحيحة للأخذ بإطلاق الآية، فإنّه مقيّد بالصحيحة، فيرد عليه بأنّ الإشكال عليه مبنائي لا بنائي، فقوله تمام على مذهبه في حجيّ-ة الروايات، وهو حجيّ-ة رواية العَدل الذي شهد على عدالته البيّ-نة، فخبر الموثّق والعَدل بالدراية غير حجّة عنده، وفي السند إبراهيم بن هاشم القمي فإنّه ثقة وأيّ ثقة، لكنّه بالدراية لا بالشهادة. وقد أورد عليه صاحب المدارك (قدس سرُّه)(2) بأنّه لا رادّ لخبر ابن هاشم، والشهيد نفسه قد عمل به في غير موضع. وما في الحدائق بعد نقل كلام المسالك:
أنّ الرواية المذكورة معتبرة الإسناد عندهم؛ إذ حسنها على تقدير عدّها من الحسن إنّما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا رادّ لروايته منهم، كما صرّح به غير واحد، فالواجب تخصيص إطلاق الآية بها وهم قد جرّوا على هذه القاعدة في غير موضع، ولهذا مال سبطه في شرح النافع إلى ما ذكرناه، فقال: والعمل بهذه الرواية متجّهٌ وإن كان المنع مطلقاً أحوط، وهو جيّد.(3)
ففيه: أنّ عدم الردّ لروايته أمر وتخصيص الكتاب به أمر آخر ولا ملازمة بينهما، ولذلك اختلف القائلون بحجيّ-ة الخبر الواحد في جوازتخصيص الكتاب به وعدمه، فلعلّ الشهيد الثاني أيضاً يك-ون ممّن يع-مل بمثل خ-بر إبراهيم بن ه-اشم، لکنّه مع
ص: 531
...
----------
ذلك لا يرى تخصيص الكتاب به وإنّما يرى التخصيص بخبر العَدل بالبيّ-نة. فتأمّل.
وبما أنّ كلام المسالك مقتضٍ للقول بالفرق بين سكنى الزوجة والمعتدّة فينبغي نقله، قال:
وكما يحرم عليه إخراجها من المسكن يحرم عليها الخروج أيضاً وإن اتّفقا عليه لدلالة الآية على تحريمه من كلّ منهما فلو اتّفقا على الخروج منعهما الحاكم منه؛ لأنّ فيه حقّاً لله تعالى، كما أنّ في العدّة حقّاً له تعالى، بخلاف السكنى المستحقّة بالنكاح، فإنّ حقّها مختصّ بالزوجين، وذهب جماعة من الأصحاب، منهم أبوالصلاح(1) والعلّامة في التحرير،(2) إلى تقييد التحريم بعدم اتّفاقهما عليه، فلو خرجت بإذنه جاز. ويدلّ عليه حسنة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقض-ي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»، والأجود التحريم مطلقاً؛ عملاً بظاهر الآية.(3)
ثمّ إنّه لا إشكال في جواز الإخراج عند إتيانها بفاحشة مبيّ-نة، وإنّما الإشكال في المراد منها، وفيه أقوال:
أحدها: أنّ المراد هو إتيانها بكلّ ما يوجب الحدّ.
ثانيها: كلّ ذنب أدناه إيذاؤها أهل الزوج وسبّهم.
ثالثها: إيذاؤها أهل الزوج وسبّهم.
ص: 532
...
----------
ورابعها: الزنا. هذا، وفي الروايات يوجد اختلاف في تفسيرها، فبعضها قد فسّرها بإيذاء الزوج وأهله، وبعضها بالسحق، وبعضها بالزنا، ودونك الروايات:
فمنها: ما رواه عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الرضا(علیه السلام) في قوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾،(1) قال: «أذاها لأهل زوجها وسوء خلقها».(2)
ومنها: ما رواه محمّد بن عليّ بن جعفر، قال: سأل المأمون الرضا(علیه السلام) ع-ن قول الله عزّ وجلّ: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾؟ قال: «يعني بالفاحشة المبيّ-نة أن تؤذّي أه-ل زوجها، فإذا فعلت فإن شاء أن يخرجها م-ن قبل أن تنقضي عدّتها فعل».(3)
ومنها: مرسلة الصدوق، قال: سئل الصادق(علیه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾؟ قال: «إلّا أن تزني فتخرج ويقام عليها الحدّ».(4)
ومنها: خبر سعد بن عبدالله، عن صاحب الزمان(علیه السلام)، قال: قلت له: أخبرني عن الفاحشة المبيّ-نة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتهاحلّ للزوج أن يخرجها من بيته، قال(علیه السلام): «الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا، فإنّ المرأة إذا زنت وأقيم عليها الح-دّ ليس لمن أرادها أن يمت-نع بعد ذلك من التزوي-ج بها لأجل الح-دّ، وإذا
ص: 533
...
----------
سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي ومن قد أمر الله عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه ... »،(1) الحديث.
ومنها: مرسلة الطبرسي في مجمع البيان في قوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَة﴾ قال: «قيل: هي البذاء على أهلها فيحلّ لهم إخراجها، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله (علیهما السلام)».(2)
ومنها: مرسلته أيضاً عن عليّ بن أسباط، عن الرضا(علیه السلام)، قال: «الفاحشة أن تؤذّي أهل زوجها وتسبّهم».(3)
وأنت ترى أنّ سندها كلّها مخدوشٌ فيه. نعم، قد ادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع على أنّ الفاحشة المبيّ-نة تشمل الإيذاء والسبّ. وعلى كلّ حالٍ، لا يمكن جبر سندها بعمل الأصحاب، وكذا الشهرة المدّعاة على أنّ أدناها إيذاؤها زوجها وأهله، فلا جابر لأسناد الروايات. نعم، الروايات المفسّرة بالسبّ والإيذاء هي أكثر عدداً من غيرها.
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ مرسلة الصدوق(4) حيث إنّها من مقطوعاته لاتخلو من اعتبار، لكن لا يخفى أنّه لو سلّم ذلك، لكن لا تدلّ على الحص-ر، بل هي مبيّ-نة للمصداق كما هو الدأب في كلماتهم: عند تفس-ير الكتاب، أو يقال: إنّها ذكرت
ص: 534
...
----------
نموذجاً من بعض الذنوب كالزنا. هذا، وقد جمع صاحب الجواهر(1) وبعض آخر بين تلك النصوص بأنّ كلاً منها مبيّن لمصداق، فالملاك هو ما يوجب الحدّ أو ما يؤذّي الزوج والأهل.
أقول: هذا وجيهٌ، لكنّه غير ملائم مع خبر سعد(2) بما فيه من أنّ الفاحشة المبيّ-نة هي السحق دون الزنا فيكون معارضاً بمرسلة الصدوق، ففيها التفسير بالزنا، فالتعارض بالنفي والإثبات وغير قابل للجمع إلّا أن يقال: إنّهما يتعارضان فيتساقطان ويبقى من الأخبار ما فيه تفسير الفاحشة بإيذاء الزوج وأهله وسبّهم، لكنّه غير تمام أيضاً؛ لكونها معارضة لخبر سعد أيضاً، حيث إنّ نفي الزنا ملازم مع نفي دونه كما لا يخفى وبعد تعارض الأخبار فيأتي دور الرجوع إلى ظاهر الكتاب ثمّ الرجوع إلى الأصل في المسألة إن لم يفد ظاهر، والظاهر عدم وضوح المراد من ظاهره ولا يحصل الاطمئنان بما قالوا في معناه فيجب الرجوع إلى الأصل في المسألة، وفيه وجهان:
أحدهما: الأخذ بعموم المستثنى منه والاقتصار بالقدر المتيقّن في المستثنى، والمتيقّن في المستثنى هو الزنا فيبقى غيره داخلاً في عموم حرمة الإخراج.
وفيه: أنّ إجمال المخصّص والمقيّد المتّصل يسري إلى العامّ والمطلق،كما بيّن في الأُصول. لا يقال: إنّ إجمال المتّصل يسري في المتباينين لا في الأقلّ والأكثر؛ لأنّ ما نحن فيه أيضاً هو من مصاديق المتباينين، كما لا يخفى.
ثانيهما: التمسّك بالاستصحاب، فإنّه يقتضي حرمة الإخراج إلّا ما تيقّن أنّه من
ص: 535
...
----------
مصاديق الفاحشة، فيجب الاكتفاء بالزنا أو بما يوجب الحدّ، إن قلنا بالتعدّي عن الزنا إلى كلّ ما يوجب الحدّ؛ بأن كان ذكر الزنا في المرسلة من باب النموذج لما يوجب الحدّ والأُستاذ (سلام الله علیه)، سلك في المتن مسلكاً آخر، فإنّه (سلام الله علیه)، ذهب إلى جواز الإخراج إذا أتت بفاحشة مبيّ-نة وهي ما يوجب الحدّ، أخذاً بظاهر الآية(1) أو بمرسلة الصدوق;(2) بناءً على كون ذكر الزنا نموذجاً لما يوجب الحدّ، أو أتت بما يوجب النشوز، أخذاً بقاعدة النشوز، فإنّه موجب لسقوط حقّ الزوجة للنفقة والسكنى ولمّا كانت المطلّقة الرجعيّ-ة زوجة فيجري عليها ما يجري على الزوجة من حقّ النفقة والسكنى ومن سقوطه إذا صار ناشزة فالبذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا وصل إلى حدّ النشوز يجوز إخراجها؛ لأنّ حقّ السكنى لها بما أنّها زوجة غير ناشزة وأمّا إذا لم ينته إلى النشوز فاستشكل (سلام الله علیه)، في كونه موجباً له.
وهذا حسنٌ (3)جيّدٌ ويتفرّع عليه أنّ الإتيان بما يوجب الحدّ يكون موجباًلسقوط
ص: 536
لسقوط
ص: 537
...
----------
حقّها مطلقاً، فلا يجب إعادتها إذا تاب ورجع عمّا ارتكبها؛ لعدم الدليل عليه، بل الظاهر من الآية عدم وجوبه. وأمّا الإتيان بما يوجب النشوز يكون موجباً لسقوط حقّها مادام بقائها عليه؛ لقاعدة النشوز، فلو رجع عن النشوز تجب الإعادة.
ثمّ إنّ المراد بالخروج والإخراج المحرّم هل هو مختصّ بما معه قصد عدم العود أم أعمّ منه وما معه قصد العود أيضاً كالخروج لزيارة الأقرباء وعيادة المرضى، كما ورد نظيرها في أخبار عدّة الوفاة، فراجعها.
وفي عبارة بعضى الأصحاب ككاشف اللثام(1) إشارة إلى الاختصاص إن لم نقل بظهورها فيه، وأورد عليه في الجواهر(2) بكونه مخالفاً لمذاق الفقه، ولكن يمكن أن يستدلّ له بظهور الآية الش-ريفة؛(3) لأنّ من المعلوم أنّ المراد من الآية الخروج والإخراج رغماً للزوج والمطلّق لا الأعمّ منه ومن الخروج إلى فناء الدار بأن تكون الزوجة للزوج. وممّا يؤيّد ذلك بل يشهد له هو كلام الفضل بن شاذان على ما حكاه في الجواهر، قال:
إنّ معنى الخروج والإخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حقّ بإذن زوجها، مثل مأتم وماأشبه ذلك، وإنّما الخروج والإخ-راج أن تخرج مراغمة ويخرجها مراغمة، فهذا الذي نهى
ص: 538
...
----------
الله عنه، فلو أنّ امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حقّ لم يقل إنّها خرجت من بيت زوجها، ولا يقال: فلان أخرج زوجته من بيتها، إنّما يقال ذلك إذا كان ذلك على الرغم والسخطة، وعلى أنّها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها على ذلك؛ لأنّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه - إلى أن قال: - إنّ أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيّع قد رخّصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط والرغم، وأجمعوا على ذلك.(1)
هذا بحسب الكتاب، وأمّا بحسب أخبار الباب ففيها التعرّض لهما، ففي صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «المطلّقة تعتدّ في بيتها، ولا ينبغي لها أن تخرج حتّى تنقضي عدّتها ... ».(2)
فإنّ الجملة الأُولی منها راجعة إلى حرمة النقل والانتقال، والثانية منها إلى الخروج بقصد العود. ومثلها موثّقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن المطلّقه أين تعتدّ؟ قال: «في بيتها لا تخرج، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهاراً ... ».(3)
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يضارّ الرجل امرأته إذا طلّقها فيضيق عليها قبل أن تنتقل قبل أن تنقض-يعدّتها ... ».(4) وفي صحيحته الأُخرى عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوج-ها
ص: 539
...
----------
حتّى تن-قضي عدّتها ... ».(1)
فإنّ الصحيحة الأُولی في الخروج بقصد عدم العود والثانية فيه بقصد العود وليس في هذه الروايات دلالة على حرمة الخروج والإخراج بقصد العود؛ لما فيها من التعبير بلفظ «لا ينبغي»، وهو أعمّ من الحرمة ولا يصار إليها من دون قرينة وشاهد.
لا يقال: قد سبق منكم أنّ المراد من «لا ينبغي» هو الحرمة بقرينة الآية الشريفة.
لأنّا نقول: إنّ ما قلناه سابقاً كان على أن يكون المراد من الخروج في الآية الشريفة هو الأعمّ من قصد العود وعدمه، وأمّا على ما ذهبنا إليه من عدم إفادة الآية الشريفة أزيد من حرمة النقل والانتقال، فلا تكون قرينة على إرادة الحرمة منه.
وعلى هذا، فالحقّ هو ما اختاره العلّامة في القواعد؛(2) حيث ذهب إلى التفريق بين الانتقال من منزل إلى منزل، فإنّه لا يجوز حتّى مع إذن الزوج، ولو اتّفقا عليه منعهما الحاكم؛ لأنّ حقّ الله تعالى تعلّق بالسكنى هنا لنهيه عن الخروج والإخراج، بخلاف مدّة النكاح فإنّ السكنى فيها حقّ الزوج وبين الخروج إلى الحَجَّة المندوبة، فإنّه يجوز مع إذن الزوج.
وأضاف كاشف اللثام(3) في وجهه أنّ هذا الخروج ليس ممّا لا يفيد فيهالإذن، فإنّه الانتقال للسكنى.
ومن ذلك يظهر الخلط في كلام الشهيد الثاني؛(4) حيث استدلّ لذهاب جماعة من
ص: 540
...
----------
الأصحاب منهم أبو الصلاح(1) والعلّامة في التحرير(2) إلى جواز الخروج بإذن الزوج بصحيحة الحلبي، ع-ن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخ-رج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ... ».
وذهب نفسه إلى عدم جوازه مطلقاً حتّى مع إذن الزوج؛ لدلالة الآية على تحريمه من دون أن يفرّق بين الخ-روج بقصد العود وعدم-ه؛ لأنّ صحيح-ة الحلبي المعبّر عنها في المسالك(3) بالحسن-ة تدلّ على الخ-روج بقصد العود، والآية الش-ريفة(4) تدلّ على عدم الجواز في الانتقال من منزل إلى منزل. وعلى كلّ حالٍ، فلادليل على الحرمة مطلقاً حتّى مع قصد العود.
وعلى ه-ذا، لا يتطرّق الكلام في موارد الجواز م-ن حيث الاضطرار أو الحاج-ة أو وقت الخ-روج والعود كنصف الليل، كما جاء في بعض الأخبار؛ وهي على طوائف:
الأُولی: ما تدلّ على جواز الخروج للضرورة والحاجة، منها: مكاتبة صفّار إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ(علیهما السلام) في امرأة طلّقها زوجها ولم يجر عليها النفقة للعدّة وهي محتاجة، هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل أو الحاجة؟ فوقّع(علیه السلام): «لا بأس بذلك إذا علم الله الصحّة منها».(5)
ولا يخفى عليك عدم دلالتها على الحرمة مع عدم الضرورة والحاجة؛ حيث إنّ البأس أعمّ من الحرمة.
ص: 541
...
----------
الثانية: ما وردت في الحجّ، منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «المطلّقة تحجّ وتشهد الحقوق».(1)
ومنها: موثّقة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: «المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها».(2)
ومنها: موثّقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال: «في بيتها لا تخرج، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتّى تنقضي عدّتها»، وسألته عن المتوفّى عنها زوجها، كذلك هي؟ قال: «نعم، وتحجّ إن شاءت».(3)
أمّا الأُولی، فبإطلاقها تعمّ الرجعيّ-ة أيضاً كالبائنة، وتدلّ على جواز الحجّ بدون إذن الزوج، والثالثة في نفسها قاصرة عن الدلالة على الحرمة، بل تدلّ على الجواز والكراهة بقرينة جواز الزيارة، إلّا أن يقال بالحرمة في خصوص الحجّ، ومعه أيضاً يقيد إطلاقها بمنطوق موثّقة معاوية بن عمّار الصريحة في جواز حجّها إن طابت نفس زوجها.
الثالثة: ما تدلّ على تقييد الخروج بإذن الزوج مطلقاً. منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».(4).
وهي أيضاً لا تدلّ على الحرمة، فإنّ «لا ينبغي» - كما م-رّ(5) - أعمّ من الحرمة والكراهة.
ص: 542
وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق، ولا رجعة في البائنة ولا في الرجعيّ-ة بعد انقضاء عدّتها.(1)
----------
(1) لا يخفى أنّ الرجعة لغة هي الرجوع مرّة،(1) وفي الاصطلاح هي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق، كما أفاده في المتن. وهي ثابتة بالكتاب والسنّ-ة والإجماع؛ أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾.(2)
وكذا قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... ﴾،(3) الآية. وكذا قوله تعالى: ﴿وَإذا طَلَّقْ-تُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْ-تَدُواْ وَمَن يَفْعَ-لْ ذَلِكَ فَقَ-دْ ظَ-لَمَ
ص: 543
(مسألة 1): الرجعة إمّا بالقول، وهو كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع كقوله: «راجعتك إلى نكاحي» ونحوه، أو دلّ على التمسّك بزوجيّتها كقوله: «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» ويجوز في الجميع إسقاط قوله: «إلى نكاحي» و«في نكاحي» ولا يعتبر فيه العربيّ-ة، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود، وإمّا بالفعل بأن يفعل بها ما لا يحلّ إلّا للزوج بحليلته، كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها.(1)
(مسألة 2): لا تتوقّف حلّيّ-ة الوطء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ولا على قصد الرجوع به؛ لأنّ الرجعيّ-ة بحكم الزوجة، وهل يعتبر في كون-ه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان، أقواهما العدم، ولو قصد عدم الرجوع وع-دم التمسّ-ك بالزوجيّ-ة ف-في كونه رجوع-اً تأمّل. نعم، في خصوص
----------
نَفْسَهُ ... ﴾،(1) الآية. فإنّ المراد بالبلوغ هو قرب الوصول إلى انقضاء العدّة.
وأمّا الروايات، فهي مستفيضة مذكورة في أبواب المسألة.
وأمّا الإجماع،(2) فهو يعمّ علماء الإسلام، بل ضرورة الفقه هي قائمة عليه.
وأمّا عدم الرجوع في البائنة وكذا بعد انقضاء العدّة في الرجعي فمن الكتاب ما جاء من التفسير(3) في الآيات المذكورة آنفاً، والروايات في البائنةبأقسامها كثيرة مذكورة في أبوابها المختلفة. هذا مضافاً إلى أنّ عدم تحقّق الرجوع في البائنة هو موافق للقاعدة أيضاً فإنّ الطلاق يفصل بينهما والرجوع يحتاج إلى الدليل.
(1) وسيأتي الكلام فيها في المسألة الثالثة.
ص: 544
الغشيان غير بعيد، ولا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ممّا لا قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة كما لو واقعها باعتقاد أنّها غيرها.
(مسألة 3): لو أنكر أصل الطلاق، وهي في العدّة كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه.(1)
----------
(1) وتفصيل الكلام في هذه المسائل الثلاث يتمّ ببيان أُمورٍ:
الأوّل: لا اعتبار باللفظ الخاصّ في الرجوع والإمساك، والاعتبار إنّما هو باللفظ الدالّ عليه مطلقاً حتّى إنكار الطلاق بقصد بقاء الزوجيّ-ة، وهو الموافق لإطلاق الفتاوى، بل للصراحة فى بعضها، والدليل عليه إطلاق الكتاب والسنّ-ة.
الثاني: لا إشكال في كون وطئها وتقبيلها ولمسها وغيرها ممّا لا يجوز إلّا للزوج، رجوعاً في الجملة فيما إذا كانت تلك الأُمور مع قصد الرجوع، وذلك لصدق الرجوع.
هذا، مع ما ورد في الوطء وهو صحيحة محمّد بن القاسم، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «من غشي امرأت-ه بعد انق-ضاء العدّة ج-لد الح-دّ وإن غشي-ها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة لها».(1)وإنّما الإشكال في بعض الصور كما سيأتي.
الثالث: إن-كار الزوج الطلاق في الع-دّة رجوع في الجملة كما مرّ لما مرّ(2) ولصحيحة أبي ولّاد الحنّاط، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدّة طلاقاً صحيحاً؛ يعني على طهر من غير جماع
ص: 545
...
----------
وأشهد لها شهوداً على ذلك، ثمّ أنكر الزوج بعد ذلك، فقال: «إن كان إنكار الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكاره الطلاق رجعة لها، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود بعد أن تستحلف أنّ إنكاره للطلاق بعد انقضاء العدّة وهو خاطب من الخطّاب».(1)
الرابع: هل الرجعة إيقاع معتبر فيها ما في بقيّ-ة الإيقاعات إلّا ما دلّ الدليل على خلافه أو هي شبه حقّ للزوج فالمناط فيها كلّ المناط تحقّق الاستيفاء فلا اعتبار فيها بشيء من الأُمور المعتبرة في الإيقاعات من خصوصيّ-ة اللفظ أو الفعل وغيرها، احتمالان، بل وجهان، أقواهما الثاني؛ قضاءً لإطلاق أدلّة الرجوع من الكتاب والسنّ-ة المؤيّد بإجماع الأصحاب على عدم الاعتبار باللفظ الخاصّ، بل الظاهر عدم الإشكال والكلام فيه أصلاً وإنّما الإشكال والكلام في اعتبار قصد مثل الرجوع والإمساك وغيرهما ممّا يكون رجوعاً أو اعتبار عدم قصد خلافه أو عدم اعتبارهما من رأس فالرجوع ثابت فيما يتحقّق به الرجوع مثل ما لا يجوز لغير الزوج ولو مع قصد عدم الرجوع احتمالات ووجوهٌ ثلاثة، ووجه الثالث أمران:أحدهما: أنّه مع كون الرجعيّ-ة زوجة نصّاً وفتوىً وأنّه لا فرق بينها وبين المنكوح-ة في الأحكام والآثار أصلاً إلّا أنّها تنفصل عن-ه بعد انقضاء العدّة فلا وج-ه لاعتبار مثل قصد الرجوع أو الإمساك أو البقاء على الزوجيّ-ة في الرج-وع، بل لا وجه لاشتراط عدم قصد الخلاف فيه أيضاً، فإنّ التمسّك بها عملاً كالتمسّك
ص: 546
...
بالمنكوحة في الجواز والإباحة وفي كونها زوجة ولذلك لا يكون حلّيّ-ة مثل الوطئ واللمس والتقبيل منوطة بالرجوع قبل ذلك، بل تلك الأُمور جائزة من دون الاشتراط بسبق الرجوع، وهل هذا إلّا لكونها زوجة فكما أنّ قصد عدم الزوجيّ-ة غير مض-رّة في المنكوح-ة، فضلاً عن قصد الزوجيّ-ة والبقاء عليها فكذلك الرجعيّ-ة.
وما في المسالك والحدائق من أنّ اللمس والتقبيل والوطئ مع عدم قصد الرجوع كانت حراماً في غير صورة السهو والغفلة لانفساخ النكاح بالطلاق وإن كان رجعيّ-اً ولو لا ذلك لم تبن بانقضاء العدّة لكن لا حدّ عليه وإن كان عالماً بالتحريم؛ لعدم خروجها عن حكم الزوجيّ-ة رأساً، فغاية ما يلزم هو التعزير على فعل المحرّم إلّا مع الجهل بالتحريم.(1)
ففيه ما لا يخفى؛ لأنّها إن كانت زوجة له كما عليه النصّ والفتوى فلا حدّ ولا تعزير، وإن لم تكن زوجة له يكون فعله زنا موجباً للحدّ ولا وجه للتعزير أصلاً، ودفع ذلك بأنّ المعتدة الرجعيّ-ة بما أنّها زوجة للمطلق ببعض المراتب فلا يكون عليه الحدّ وبما أنّها غير زوجة ببعض المراتب فعليه التعزير، غير تمام؛ لكونه مخالفاً لإطلاق النصّ والفتوى وعدم الدليل على التبعيض والاستدلال على حصول البينون-ة وانتفاء الزوجيّ-ة بالطلاق بأنّه لو لا ذلك لم تبن بانقضاء العدّة م-ردودٌ بأنّه ليس بأزي-د من الاستبعاد في مقابل الدليل، فإنّ الدليل قائم على أنّ الشارع جعل البينونة في العدّةالرجعيّ-ة بعد انقضاء العدّة مع حكمه بكونها زوجة في العدّة.
ص: 547
...
----------
وعلى هذا، فتقبيل المطلّق ولمسه ووطيه المعتدّة بالعدّة الرجعيّ-ة يكون تمسّكاً بالزوجيّ-ة تعبّداً مطلقاً ولو مع نيّ-ة الخلاف.
ثانيهما: إطلاق صحيحة محمّد بن القاسم الواردة في غشيان المعتدّة، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ وإن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة».(1)
فإنّها بإطلاقها دالّة على أنّ غشيانه معتدته الرجعيّ-ة رجعة منه؛ سواء قصد الرجوع أم قصد العدم أو فعل غفلة والرواية وإن كانت خاصّة بالغشيان لكنّها بضميمة إلغاء الخصوصيّ-ة من الوطئ تُجرى الحكم كذلك في مثل التقبيل واللمس أيضاً.
وأمّا الاستدلال بإطلاق صحيحة أبي ولّاد، حيث حكم الإمام(علیه السلام) فيها بأنّ انكار الطلاق قبل انقضاء العدّة رجعة لها من دون التقييد بقصد الرجوع مدفوعٌ بأنّ الإنكار وإن يشمل ما لو نسي الطلاق كما يشمل مورد اليقين والشكّ، لكنّه ملازم لقصد التمسّك بالزوجيّ-ة لعدم معقوليّ-ة الإنكار من دون قصد التمسّك بالزوجيّ-ة فلا تكون دليلاً على عدم اعتبار قصد الرجوع.
وفي الوجهين ما لا يخفى، أمّا الأوّل، فلأنّ عموم التنزيل إنّما يقتض-ي ترتّب جميع الآثار الشرعيّ-ة لا العقليّ-ة والعاديّ-ة والشرعيّ-ة المترتّب-ة عليهما، فلا يكون حجّة فيه كعدم حجيّ-ة الأُصول في المثبتات، فإنّ الشارع الأقدس نزّل المطلقّة الرجعيّ-ة منزل-ة الزوج-ة ويترتّب عليه الأحكامالشرعيّ-ة للزوجة، فيكون التقبيل واللمس والوطئ تقبيل الزوجة ولمسّها ووطئها.
ص: 548
...
----------
وأمّا كون هذه الأُمور من دون قصد الرجوع تمسّكاً بالزوجيّ-ة فمن الآثار العقليّ-ة فلا يثبت حتّى يترتّب عليه حكم الشارع بأنّ التمسّك بالزوجيّ-ة رجعة.(1)
وأمّا الثانى، فلأنّ إلغاء الخصوصيّ-ة من الوطئ إلى التقبيل واللمس مشكلٌ؛ إذ لعلّ الشارع لأجل أهميّ-ة الوطئ حَكَم بأنّها رجعة لها، رغماً لأنف المطلّق والأهميّ-ة بهذه الدرجة مفقودة في مثل التقبيل واللمس، فلا وجه لإلغاء الخصوصيّ-ة.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ قصد الرجوع معتبر في الأفعال في غير الوطئ؛ لأنّها من العناوين القصديّ-ة فتكون الغفلة ونيّ-ة الخلاف قادحتين.(2)
ص: 549
(مسألة 4): لا يعتبر الإشهاد في الرجعة وإن استحبّ؛ دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع.(1)
----------
(1) أجمعت الإماميّ-ة على عدم وجوب الإشهاد في الرجعة، وهو مطابق للأصل، ويدلّ عليه الروايات المستفيضة، كما أنّ فيها الدلالة على استحبابه أيضاً:
منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام)، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته واحدة؟ قال: «هو أملك برجعتها ما لم تنقض العدّة»، قلت: فإن لم يشهد على رجعتها، قال: «فليشهد»، قلت: فإن غفل عن ذلك؟ قال: «فليشهد حين يذكر وإنّما جعل ذلك لمكان الميراث».(1) فإنّ الرواية جعلت الإشهاد مطلوباً لمكان الميراث، فلا يكون شرطاً في الرجعة.
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في الذي يراجعولم يشهد، قال: «يشهد أحبّ إليّ ولا أرى بالذي صنع بأساً».(2)
ومنها: صحيحة زرارة وابن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إنّ الطلاق لا يكون بغير شهود، وإنّ الرجع-ة بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل».(3) إلى غيرها من الروايات.
والأمر بالإشه-اد في ق-وله تع-الى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
ص: 550
وكذا لا يعتبر فيها اطّلاع الزوجة عليها، فإن راجعها من دون اطّلاع أحد صحّت واقعاً.(1)
----------
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾،(1) إمّا يرجع إلى الأخير وهو الطلاق فلا يكون قيداً للرجعة، وإمّا يرجع إلى الطلاق والرجعة كليهما. وعليه، فقد استعمل ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾في القدر الجامع بين الوجوب والاستحباب لتطابق النصوص والفتاوى على الاستحباب وعدم الشرطيّ-ة.
(1) وذلك، مضافاً إلى أنّه مطابق لأصالة عدم الاشتراط وعدم الجدوى في اطّلاعها بعد عدم اعتبار رضاها فيها؛ لأنّها إمّا ايقاع وإمّا تمسّك بالزوجيّ-ة، يدلّ عليه إطلاق أدلّة الرجعة من الكتاب والسنّ-ة، كقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.(2)
ثمّ إنّه قد استدلّ صاحب الحدائق لعدم الاشتراط بروايات:
منها: ما رواه في الكافي بسند صحيح إلى المرزبان، قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السلام) عن رجلٍ قال لامرأته: اعتدّي فقد خلّيت سبيلك، ثمّ أشهد على رجعتها بعد ذلك بأيّ-ام، ثمّ غاب عنها قبل أنيجامعها حتّى مضت لذلك أشهر بعد العدّة أو أكثر، فكيف تأمره؟ فقال: «إذا أشهد على رجعته فهي زوجته».(3)
ص: 551
...
----------
وقال في تقريب الاستدلال بها:
ظاهر هذه الرواية كما ترى واضحة الدلالة على أنّه بمجرّد الإشهاد على الرجعة في العدّة تثبت الزوجيّ-ة كما هو المشهور؛ بلغها الخبر أو لم يبلغها، تزوجّت بعد العدّة لعدم بلوغ الخبر أو لم تتزوّج.(1)
وفيه أوّلاً: أنّ الأخذ باعتبار الإشهاد فيه مخالفٌ للمذهب، فإنّ الرواية تدلّ بالمفهوم على عدم كفاية الرجوع مع عدم الإشهاد.
وثانياً: أنّ من المحتمل أن يكون السؤال والجواب راجعين إلى أنّ الإشهاد على الرجعة مع عدم العلم بالرجعة هل هذا رجوع أم لا؟ فإنّ السائل لم يقل: إنّه رجع وأشهد، بل قال: أشهد على رجعتها ولم يتحقّق الجماع حتّى يكون رجوعاً.
وثالثاً: أنّ صدر الرواية مخالفٌ للمذهب أيضاً، فإنّ الطلاق لا يصحّ بالأمر بالاعتداد، فكيف الرجوع عن ذلك الطلاق والدلالة الشرطيّ-ة من حيث الإطلاق على عدم شرطيّته.(2).
ومنها: ما في الصحيح أيضاً عن الحسن بن صالح - فإنّه لم يوثّق - قال: سألت جعفر بن محمّد(علیهما السلام) عن رجلٍ طلّق امرأت-ه وهو غائب في بل-دة أُخرى وأشهد على
ص: 552
...
----------
طلاقها رجلين، ثمّ إنّه راجعها قبل انقضاء العدّة ولم يشهد على الرجعة، ثمّ إنّه قدم عليها بعد انقضاء العدّة وقد تزوّجت فأرسل إليها إنّي قد كنت راجعتك قبل انقضاء العدّة ولم أشهد؟ قال: «لا سبيل له عليها، لأنّه قد أقّر بالطلاق وادّعى الرجعة بغير بيّ-نة فلا سبيل له عليها، ولذلك ينبغي لمن طلّق أن يشهد، ولمن راجع أن يشهد على الرجعة كما أشهد على الطلاق، وإن كان أدركها قبل أن تزوّج كان خاطباً من الخطّاب».(1)
وقال في تقريب الاستدلال بها:
أنّ قوله: «وادّعى الرجعة بغير بيّنة فلا سبيل له عليها» يدلّ بمفهومه على أنّه لو كان له بيّ-نة على الرجعة كان له سبيل له عليها مؤكّداً ذلك بالأمر لمن راجع أن يشهد على الرجعة، كما يشهد على الطلاق حتّى يثبت الزوجيّ-ة في الأوّل كما ينبغي في الثاني.(2)
وفيه: أنّها تدلّ بالمفهوم ولكن إطلاق المفهوم محلّ منع، فلعلّ البيّ-نة هي سبيل إذا كانت وسيلة إلى الاطّلاع، مضافاً إلى أنّه لا يعلم أنّ المراد من البيّ-نة هنا هو الشاهدان فلعلّها بمعنى الوضوح،(3) فالرواية على خلاف مطلوبصاحب الحدائق أدلّ.
لا يقال: إنّ المذكور في الصدر والذيل هو الإشهاد.
لأنّه يقال: إنّ تبديل التعبير إن لم يكن مخالفاً للمدّعى فليس دالاً عليه.
ص: 553
...
----------
ومن ذلك خبر عمرو ب-ن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائ-ه، عن عليّ:: في رجل أظهر طلاق امرأته وأشهد عليه وأسرّ رجعتها، ثمّ خرج، فلمّا رجع وجدها قد تزوّجت، قال: «لا حقّ له عليها من أجل أنّه أسرّ رجعتها وأظهر طلاقها».(1)
فإنّ عدم السبيل هو لعدم إمكان الإثبات وإلّا فله عليها السبيل.
وفيه: أنّه كما ترى، فإنّه أضعف ممّا مرّ؛ لأنّ تمام الموضوع هو الأسرار ولا يرتبط بمقام الإثبات، فهو على الخلاف أدلّ.(2)
ثمّ استشهد صاحب الحدائق(قدس سرُّه) ببعض روايات باب الإشهاد؛ حيث إنّها لم تشترط الإشهاد في الرجوع مطلقاً، مع اطّلاعها وعدمه، كصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إنّ الطلاق لا يكون بغير شهود، وإنّ الرجعة بغير شهود رجعة، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل».(3)
ثمّ قال:
إلى غير ذلك ممّا هو على هذا المنوال، فهي كما ترى شاملة بإطلاقها لما لو علمت المرأة أو لم تعلم، تزوّجت أو لم تزوّج،فإنّها بمجرد الرجعة في العدّة تكون زوجته شرعاً واقعاً، وإنّما الإشهاد على ذلك لدفع النزاع وثبوت الزوجيّ-ة في الظاهر، فلو فرضت أنّ الزوجة صدّقته ووافقته على دعواه قبل التزويج بغيره صحّ نكاحه لها.(4)
ص: 554
...
----------
أقول: وفيه أنّ هذه الأخبار هي في مقام بيان عدم اشتراط الإشهاد في صحّة الرجوع خلافاً للعامّة، فليس لها إطلاق من هذه الجهة، فلا نصّ ولا دليل على عدم اشتراط اطّلاع الزوجة.
ثمّ إنّه بعد عدم اشتراط الاطّلاع مقارناً فهل يشترط في صحّة الرجوع بلوغ الخبر إليها قبل انقضاء العدّة وإن لم تكن عالمة به حين الرجوع أم لا؟ ظاهر بعض الأصحاب وصريح غير واحد منهم الثاني، وعليك بالرجوع إلى فروع كثيرة في اختلافهما المبنيّ-ة على عدم اشتراط اطّلاعها بالرجوع ولكن مع ذلك كلّه، الحقّ هو عدم اشتراط اطّلاعها عند الرجوع ولكن يشترط ذلك قبل الانقضاء فإن لم تطّلع عليه إلى انقضاء العدّة فهي مطلّقة، وذلك بدليل الكتاب والسنّ-ة:
فمن الكتاب، قوله تعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾(1) فإنّ الرجوع بغير الإعلام لها حتّى تنقض-ي العدّة هو إمساك بغير معروف، فإنّها تُجعل كالمطلّقة؛ لأنّها ربما تريد الزواج بعد الانقضاء ولا تتمكّن، لأنّه - على ما قالوا - ينفسخ بذلك زواجها بالزوج الآخر ولو بعد سنوات طويلة بإشهاد الزوج الأوّل على الرجوع في العدّة، مضافاً إلى لوازم أُخرى تتبع احتمالها الرجوع وعدم اطّلاعها عليه، فالكتاب دالّ على اشتراط اطّلاعها قبل انقضاء العدّة، ولك أن تقول: إنّ في نفس احتمالها الرجوع إلى سنوات طويلة حرج.
وأمّا السنّ-ة، فمنها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال في رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين، ثمّ أشهد على رجعتها سرّاً منها واستكتم ذلك الشهود فلم تعلم المرأة بالرجعة حتّى انقضت عدّتها، قال: «تخيّر المرأة، فإن شاءت
ص: 555
لكن لو ادّعاها بعد انقضاء العدّة ولم تصدّقه الزوجة لم تسمع دعواه.(1) غاية الأمر ل-ه عليها يمين نفي العلم ل-و ادّعى عليها العلم.(2) كما أنّه لو ادّعى الرجوع
----------
زوجها وإن شاءت غير ذلك، وإن تزوّجت قبل أن تعلم بالرجعة التي أشهد عليها زوجها فليس للّذي طلّقها عليها سبيل، وزوجها الأخير أحقّ بها».(1)
ويؤيّدها خبر عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ: كما مرّ.(2)
لا يقال: إنّ هذه الأخبار كانت بمرأى ومنظر من الأصحاب ومع ذلك ذهبوا إلى خلاف ما قلتم هنا، بل ادّعى الإجماع على أنّه متى أثبت الرجوع بالبيّ-نة فهو الرجوع، لأنّه يقال: إنّ المسألة اجتهاديّ-ة، فإنّهم قد استفادوا من أخبار الإشهاد وغيرها كفاية الشاهدين في الرجوع مطلقاً؛ سواءٌ علم الزوجة به أم لا.
وأمّا صحيحة محمّد بن قيس الخاصّة بالمقام والدالّة على خلاف المشهور فلعلّهم تركوها لزعمهم الترجيح بالكثرة وأنّ الرواية الواحدة غير مكافئة لتلك الروايات الكثيرة، فالإعراض عنها غير ثابت.
(1) وذلك لأنّه مدّعٍ لنفسه بعد انقضاء العدّة فعليه إثبات دعواه. نعم، لوادّعى الرجوع قبل الانقضاء يمكن القول بأنّ ادّعاء الرجوع رجوع وتمسّك بالزوجيّ-ة، مثل إنشاء الرجوع.
(2) وذلك وفقاً للقواعد، لكن على ما اخترناه من تقييد صحّة الرجوع ببلوغ الخبر إلى الزوجة في زمان العدّة ففيه تفصيل بين ادّعاء علمها قبل الانقضاء فله عليها اليمين وبين ادّعاء علمها بعد الانقضاء فدعواه غير مسموعة.
ص: 556
الفعلي كالوطء وأنكرته كان القول قولها بيمينها لكن على البتّ لا على نفي العلم.(1)
(مسألة 5): لو اتّفقا على الرجوع وانقضاء العدّة واختلفا في المتقدّم منهما فادّعى الزوج أنّ المتقدّم الرجوع، وادّعت هي أنّه انقضاؤها، فإن تعيّن زمان الانقضاء وادّعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله وادّعت هي أنّه بعده، فالأقرب أنّ القول قولها بيمينها، وإن كان بالعكس بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء فالقول قوله بيمينه.(2)
(مسألة 6): لو طلّق وراجع فانكرت الدخول بها قبل الطلاق لئلّا تكون عليها العدّة ولا تكون له الرجعة وادّعى الدخول فالقول قولها بيمينها.(3)
----------
(1) وفقاً لقواعد باب القضاء وهو واضح.
(2) وذلك وفق لقاعدة أنّ البيّ-نة على المدّع-ي واليمين على م-ن أنكر،فإنّ الزوج م-دّعٍ في الفرض الأوّل؛ لمخالفة قوله لاستصحاب عدم الرجوع في زمان العدّة بخلاف الفرض الثاني، فإنّ المنكر هو الزوج؛ لموافقة قوله لاستصحاب عدم الانقضاء إلى بعد زمان الرجوع.
وأمّا التعبير ب- «فالأقرب» فلعلّ منشأه توهّم أنّ المنكر هو الزوج؛ لموافقة قوله لأصالة صحّة: «الرجوع»، وهي مقدّمة على استصحاب عدم الرجوع في زمان العدّة الموجب؛ لكون-ه مدّعياً لمخالف-ة قوله للأصل كما مرّ،(1) ولكنّه مدف-وعٌ بأنّ أصالة الصحّة في فعل الإنسان الراجع إلى غيره في غير زمان الاختيار حجيّتها ليست ثابتة عندنا.
(3) وذلك وفقاً لاستصحاب العدم ولكونها مأمونة على نفسها وجوارحها.
ص: 557
(مسألة 7): الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط، وليس حقّاً قابلاً له كالخيار في البيع الخياري، فلو أسقط لم يسقط، وله الرجوع، وكذلك إذا صالح عنه بعوضٍ أو بغير عوضٍ.(1)
----------
کتاب الخلع والمباراة
ص: 559
ص: 560
(مسألة 1): الخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها، فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة، ويزيد عليها بأنّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصّة، فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة، وإن كانت من طرف الزوج خاصّة لم يكن خلعاً ولا مباراةً.(1)
----------
(1) الخُ-لع بالضم من الخَ-لع (بالفتح)، وهو النزع لغة،(1) وفي الاصطلاح وعرف المتشرّعة عبارة عن إزالة قيد النكاح بفدية من الزوجة وكراهة منها خاصّة بخلاف المباراة، فإنّها أيضاً وإن كان فيها الفدية لكنّ الكراهة فيها من الطرفين، والمناسبة بين المعنيين، اللغوي والاصطلاحي، واضحة لما في كتاب الله من أنّ: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾،(2) فالزوجةفي الخلع تنزع لباسها ذلك كما أنّ الزوج ينزعه في الطلاق.
ص: 561
...
----------
ثمّ إنّ مشروعيّتهما هي ثابتة بالكتاب والسنّ-ة وإجماع المسلمين:
أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلّا أَن يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَ-ئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.(1)
أمّا السنّة، فقد روي عن طرق العامّة روايات:
منها: ما روي عن ابن عبّاس: إنّها جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وهي بنت عبدالله بن أبيّ، وكان يحبّها وتبغضه، فقالت: يا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لا أنا ولا ثابت، ولا يجمع رأسي ورأسه شيء، والله ما أعيب عليه في دين ولاخلق، ولكن أكره الكفر بعد الإسلام ما أصفه بغضاً، إنّي رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدّة فإذا هو أشدّهم سواداً وأخص-رهم قامة وأقبحهم وجهاً، فنزلت الآية، وكان قد أصدقها حديقة، فقال ثابت: يا رسول الله! ترد الحديقة، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما تقولين؟ فقالت: نعم وأزيده، فقال: لا، حديقته فقط، فاختلعت منه».(2)
وعن الخاصّة، فهي متواترة ويأتي طرف منها في أثناء المباحث ولا بأس بذكر بعضها:
فمنها: ما رواه سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام):لا يجوز للرجل أن يأخذ من المخت-لعة حتّى تتكلّم بهذا الكلام كلّه؟ ف-قال: «إذا قالت: لا أطيع الله
ص: 562
...
----------
فيك، حلّ له أن يأخذ منها ما وجد».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يحلّ خلعها حتّى تقول لزوجها: والله لا أبرّ لك قسماً ولا أطيع لك أمراً ولا أغتسل لك من جنابة ولاُوطئنّ فراشك ولآذننّ عليك بغير إذنك، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها ... »،(2) الحديث.
ورواه الصدوق بإسناده، عن حمّاد مثله، وزاد: وقال(علیه السلام): «يكون الكلام من عندها؛ يعني من غير أن تعلّم».(3)
وكيف كان، فالنظر في الصيغة والفدية والشرائط والأحكام، أمّا الصيغة فهل يعتبر فيها صيغة خاصّة أم يكفي كلّ لفظ دلّ على هذا المعنى؟ ماضياً كان أم مضارعاً، حقيقة أم مجازاً، قريباً أو بعيداً أو كناية، كانت الجملة إنشائيّ-ة أم خبريّ-ة. والحقّ هو الثاني كما في غيره من العقود والإيقاعات.
والدليل عليه - مضافاً إلى أصالة عدم اعتبار كلّ شرط شكّ في اعتباره، فتأمّل - إطلاقات أدلّة الخلع بل عمومات أدلّة العقود على القول بأنّه عقد.
ويؤيّد ذلك قيام الإجماع على كفاية الجملة الاسميّ-ة مثل قوله: «زوجتيمختلعة» أو «أنت مختلعة».
ص: 563
...
----------
وكذا يؤيّده ما يدلّ على حصر صيغة الطلاق في «هي طالق» أو نحوها كما مرّ، فإنّه يفيد اشتراط الخصوصيّ-ة هناك فقط.
والاستدلال على خصوصيّ-ة اللفظ، أوّلاً بكونه توقيفيّ-ة، وثانياً بأنّ الأصل بقاء علقة الزواج.
ففيه: ما لا يخفى؛ لأنّ توقيفيّ-ة الخلع وغيره من العقود بمعنى تأسيس الشارع له أو لغيره فهي ممنوعة، لأنّ هذه الأُمور كلّها إلّا ما شذّ كالمتعة، هي من الأُمور التي قد أمضاها الشارع ولم يأت بها من عنده ولم يؤسّسها، فالردع يحتاج إلى الدليل، ولو سلّم فإنّ إطلاقات الخلع تكفي في الجواز.
وأمّا الاستصحاب فلا وجه له مع وجود تلك الإطلاقات؛ لتقدّم الأمارة على الأصل.
ومن ذلك يظهر أنّ القول بحصول الخلع بغير العربيّ-ة مثل اللغة الفارسيّ-ة أيضاً ليس بجزاف وتحكّم؛ قضاءً للإطلاقات ولعدم الدليل على اعتبار العربيّ-ة فيه، فإنّ العربيّ-ة لا تعتبر فيه.
ثمّ يقع الكلام في أنّ الخلع هل هو نوع من الطلاق أو نوع من الفسخ أو أمر مستقل وتظهر الثمرة في ترتّب آثار كلّ منها عليه فإن كان طلاقاً أو فسخاً يترتّب عليه آثارهما وإن كان أمراً مستقلاً فلا يترتّب عليه إلّا ما أثبته أدلّة الخلع. أمّا كونه أمراً مستقلاً فلا قائل به؛ لانحصار إزالة النكاح في الشرع بالطلاق والفسخ فيدور الأمر بين الاحتمال الأوّل والثانيوالظاهر من عبارات الأصحاب، بل صريح غير
ص: 564
...
----------
واحد منها أنّه طلاق، خلافاً للشيخ، حيث ذهب إلى أنّ الأُولی أن يقال: إنّه فسخ.
ويدلّ على المشهور - مضافاً إلى أنّ الفسخ لا يملكه الزوجان بالتراضي بخلاف الطلاق فيكون طلاقاً؛ إذ ليس هناك قسم آخر غير الفسخ والطلاق كما مرّ، وإلى أنّ الخلع فُرقة لا يملكها غيرالزوج والفسخ يملكه كلّ منها - أخبار كثيرة بالصراحة أو الظهور:
منها: صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا خلع الرجل امرأته فهي واحدة بائنة وهو خاطب من الخطّاب ولا يحلّ له أن يخلعها حتّى تكون هي التي تطلب ذلك منه من غير أن يضربها وحتّى تقول: لا أبرّ لك قسماً، ولا أغتسل لك من جنابة، ولأدخلنّ بيتك من تكره، ولاُوطئنّ فراشك، ولا أقيم حدود الله، فإذا كان هذا منها فقد طاب له ما أخذ منها».(1)
ومنها: صحيحة الحلبي التي قد مرّ صدرها آنفاً،(2) عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث قال: «فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين، وكان الخلع تطليقة»، وقال: «يكون الكلام من عندها»، وقال: «لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً إلّا للعدّة».(3).
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المختلعة التي تقول لزوجه-ا: اخلعني وأن-ا أعطيك ما أخ-ذت منك»، فقال: «لا يحلّ له أن يأخذ منها
ص: 565
...
----------
شيئاً حتّى تقول: والله لا أبرّ لك قسماً ولا أطيع لك أمراً، ولآذننّ في بيتك بغير إذنك، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلّمها حلّ له ما أخذ منها وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها، وكانت بائناً بذلك، وكان خاطباً من الخطّاب».(1)
ومنها: ما رواه زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «لا يكون الخلع حتّى تقول: لا أطيع لك أمراً» - إلى أن قال: - «ولا يكون ذلك إلّا عند سلطان، فإذا فعلت ذلك فهي أملك بنفسها من غير أن يسمّى طلاقاً».(2)
ومنها: ما عن أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (علیهما السلام) : «أنّ عليّا ً(علیه السلام) كان يقول في المختلعة: إنّها تطليقة واحدة».(3)
ومنها: ما رواه الكليني بإسناده عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطّاب».(4)
واستدلّ لكونه فسخاً بوجوهٍ:
أحدها: أنّه ليس بلفظ الطلاق وهو لا يتحقّق بالكناية.
وثانيها: لزوم الطلاق أربعاً في قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلّا أَن يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُ-دُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْ-تُمْ أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُ-دُودُ اللهِ فَلَا تَعْ-تَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَ-ئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِن
ص: 566
...
----------
طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾؛(1) لأنّه تعالى ذكر الطلاق ثلاثاً وذكر الفدية في أثنائه فلو كانت الفدية طلاقاً كان الطلاق أربعاً وهذا باطل بالاتّفاق.
وثالثها: أنّ الخلع هو فرقة خلت من صريح الطلاق ونيّ-ته فكان فسخاً كباقي الفسوخ.
ويرد عليه أوّلاً: أنّ هذه الوجوه كلّها على فرض الصحّة اجتهاد في مقابل النصّ واعتبار في قبال السنّ-ة.
مضافاً إلى أنّها غير تامّة في نفسها؛ أمّا الأوّل، فلأنّ الخلع قسم من الطلاق كما أنّ السلم والنسيئة قسمان من البيع، فهو مصداقٌ من الطلاق؛ لأنّ الطلاق هو الفرقة بين الزوجين وهذا قد يتحقّق من غير فدية وأُخرى مع الفدية، فيكون «خالعتها» أو «هي مختلعة» صريحاً في الطلاق لا كناية.
وأمّا الثاني، فلأنّ قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾بيان لقوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾؛ فإنّه تعالى قد بين أنّ الطلاق قد يقع مع الفدية أيضاً فلا يكون قسيماً لهما حتّى يستلزم كون الطلاق أربعةً، بل قسماً منهما.
وأمّا الثالث، فلأنّ الفسخ أيضاً يحتاج إلى نيّته ونيّ-ة الفسخ مفقود قطعاً، فإنّ الفسخ عبارة عن رفع الأمر الواقع وجعله كالعدم لا دفعه كما فيما نحنفيه.
ثمّ لا يخفى أنّ الكلام في احتمال كونه طلاقاً أو فسخاً أو أمراً آخر يجري إن قلنا
ص: 567
(مسألة 2): الظاهر وقوع الخلع بكلّ من لفظي «الخلع» و«الطلاق» مجرّداً كلّ منهما عن الآخر أو منضمّاً، فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها الزوج يجوز أن يقول: «خلعتك على كذا» أو «أنت مختلعة على كذا» ويكتفي به أو يتبعه بقوله: «فأنت طالق علی کذا»، أو يقول: «أنت طالق علی کذا»، ويکتفي به، أو يتبعه بقوله: «فأنت مختلعة على كذا». لكن لا ينبغي ترك الاحتیاط بالجمع بينهما بل لا يترك.(1)
----------
إنّه لا يحتاج مع الخلع إلى صيغة الطلاق وإلّا فلا شكّ في أنّه ليس إلّا طلاق.
(1) قد اختلف الأصحاب والفقهاء4 في أنّه هل يقع الخلع بمجرّد صيغة الخلع أم يجب اتّباعها بلفظ الطلاق؟ في-ه قولان: ذهب عدّة من الأصحاب والفقهاء كجميل بن درّاج(1) والمرتضى(2) وابن الجنيد(3) إلى الأوّل، وجمع آخرٌ، منهم كالشيخ(4) وابني زهرة(5) وإدريس(6) وجعفر بنسماعة والحسن بن سماعة وعليّ بن رباط وابن ح-ذيفة (7) إلى الثاني. ومنشأ القول-ين هو الاختلاف في الروايات، ويدلّ
ص: 568
...
----------
على كفاية مجرّد صيغة الخلع روايات كثيرة:
منها: صحيحة الحلبي، وقد مرّت، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «عدّة المختلعة عدّة المطلّقة، وخلعها طلاقها من غير أن يسمّى طلاقاً ... »،(1) الحديث.
ومنها: ما أضمره سليمان بن خالد، قال: قلت: أ رأيت إن هو طلّقها بعد ما خلعها أ يجوز عليها؟ قال: «ولم يطلّقها وقد كفاه الخلع ولو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: «تبين منه، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت»، فقلت: فإنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق، قال: «ليس ذلك إذا خلع»، فقلت: تبين منه؟ قال: «نعم».(3)
ومنها: ما مرّ في خبر زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «لا يكون الخلع حتّى تقول: لا أطيع لك أمراً ... » - إلى أن قال - : «ولا يكون ذلك إلّا عند سلطان، فإذا فعلت ذلك فهي أملك بنفسها من غير أن يسمّىطلاقاً».(4)
واستدلّ على لزوم الاتّباع بل-فظ الطلاق بروايت-ين، أح-دهما ما رواه موسى
ص: 569
...
----------
بن بكر، عن أبي الحسن الأوّل(علیه السلام)، قال: «المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في عدّة».(1)
وثانيهما: ما رواه أيضاً، عن العبد الصالح(علیه السلام)، قال: «قال عليّ(علیه السلام): «المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدّة».(2)
هذا، والحقّ هو عدم اللزوم وذلك للأخبار المستفيضة، أمّا هاتان الروايتان فهما قاصرتان عن الدلالة، لأنّ الطلاق في الروايتين إمّا بمعنى صيغة الطلاق فلا تدلّان على ما يقولون به من وجوب الاتّباع من غير فصل بل على لزوم الاتّباع ما دامت في العدّة ولو بعد فصل طويل كالشهر والشهرين، وهذا مضافاً إلى أنّه لم يقل به أحد مخالف للمدّعى، وإمّا بمعنى الطلاق نفسه كما هو الحقّ بتقريب أنّ المختلعة يمكن أن يتبعها الطلاق ما دامت في العدّة بأن ترجع في البذل فيراجعها الزوج ثمّ يطلّقها، وعليه كانت الرواية أجنبيّ-ة عمّا نحن فيه. هذا مضافاً إلى أنّه يمكن حملهما على الاستحباب والكمال.
فظهر ممّا ذكرنا عدم تعارض الروايتين للطائفة الأُولی من الروايات ولو سلّمنا التعارض لابدّ إلّا من حملهما على غير مقصود الأصحاب من الاستحباب والكمال أو إمكان أن تصير المختلعة مطلّقة؛ لأنّ الطائفة الأُولی أظهر في الدلالة على العدم من هاتين الروايتين، بل نصّ أو كالنصّ في العدم.
ومنه يظهر أنّ حمل الطائفة الأُولی على التقيّ-ة لموافقتها لمذهب العامّة غير تامّ؛ لوجود الجمع الدلالي والترج-يح بالحمل عليها إنّما يكون في الرواي-ات المتعارضة
ص: 570
...
----------
لا فيما كان فيها الجمع العرفي والدلالي، كما هو واضح.
وأمّا سند الرواية بطريق الشيخ(1) تامّ؛ لأنّ طريقه بعليّ بن حسن بن فضّال تامّ وعليّ بن حسن بن فضّال وإن كان فطحيّاً إلّا أنّه ثقة(2) من أكابر المحدثّين، وإبراهيم بن أبي بكر بن أبي سمال(3) أيضاً ثقة وإن كان واقفيّاً، وكذلك موسى بن بكر،(4) فما في المسالك(5) من أنّ الأوّل فطحي والآخرين واقفيّان ضعيفان، ممنوعٌ.
ث-مّ اعلم أنّه لمّا كان الأص-ل في الق-ول بلزوم تعقّب صي-غة الطلاق ه-و كلام الشيخ (قدس سرُّه)، فينبغي بل يلزم ذكر كلامه(قدس سرُّه) ثمّ التأمّل فيه، قال:
قال محمّد بن الحسن: الذي اعتمده في هذا الباب وأفتي به أنّ المختلعة لابدّ فيها من أن نتّبع بالطلاق وهو مذهب جعفر بن سماعة والحسن بن سماعة وعليّ بن رباط وابن حذيفة من المتقدّمين، ومذهب عليّ بن الحسين من المتأخّرين، فأمّا الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدّمين فلست أعرف لهم فتيا في العمل بهولم ينقل منهم أكثر من الروايات التي ذكرناها وأمثالها، ويجوز أن يكونوا رووها على الوجه الذي نذكر فيما بعد وإن كان فتياهم وعملهم على ما قلناه.
والذي يدلّ على ما ذهبنا إليه ما رواه الحسن بن عليّ بن فضال، عن عليّ
ص: 571
...
----------
بن الحكم وأبراهيم بن أبي بكر بن أبي سمال، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن الأوّل(علیه السلام)، قال: «المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في عدّتها».(1)
واستدلّ من ذهب من أصحابنا المتقدّمين على صحّة ما ذهبنا إليه بقول أبي عبدالله(علیه السلام): «لو كان الأمر إلينا لم نجز إلّا طلاق السنّ-ة».(2)
واستدلّ الحسن بن سماعة وغيره بأن قالوا: قد تقرّر أنّه لا يقع الطلاق بشرط والخلع من شرطه أن يقول الرجل: إن رجعت فيما بذلت فأنا أملك ببضعك، وهذا شرط فينبغي أن لا يقع به فرقة.
واستدلّ أيضاً ابن سماعة بما رواه الحسن بن أيّوب، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ما سمعت منّي يشبه قول الناس فيه التقيّ-ة، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّ-ة فيه».(3)
فإن قيل: فما الوجه في الأحاديث التي ذكرتموها وما تضمّنت من أنّ الخلع تطليقة بائنة أنّه إذا عقد عليها بعد ذلك كانت عنده على تطليقتين وأنّه لا يحتاج إلى أن يتبع بطلاق وما جرى مجرى ذلك من الأحكام؟ قيل له: الوجه في هذه الأحاديث أن نحملها علىضرب من التقيّ-ة؛ لأنّها موافقة لمذاهب العامّة، وقد ذكروا: ذلك في قولهم: «ولو كان الأمر إلي-نا لم نج-ز إلّا الطلاق»، وقد ق-دّمنا في رواية الحلبي وأبي بصير،
ص: 572
...
----------
وهذا وجه في حمل الأخبار، وتأويلها عليه صحيح.
ويدلّ على ذلك أيضاً - زائداً على ما قدّمناه - ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن صفوان، عن موسى، عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «لا يكون الخلع حتّى تقول: لا أطيع لك أمراً ولا أبرّ لك قسماً ولا أقيم لك حدّاً فخذ منّي وطلّقني، فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير، ولا يكون ذلك إلّا عند سلطان، فإذا فعلت ذلك أملك بنفسها من غير أن يسمّى طلاقاً».(1)
فأمّا ما رواه أحمد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: «تبيّن منه، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت»، فقلت: إنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق، قال: «ليس ذلك إذن خلع»، فقلت: تبين منه؟ قال: «نعم».(2) فالوجه في هذا الخبر أيضاً ما قدّمناه من حمله على التقيّ-ة ويكون قوله(علیه السلام): «ليس ذلك إذن خلع» عندهم، ولا يكون المراد به أنّ ذلك ليس بخلع عندنا، والذي يكشف أيضاًعمّا ذكرناه من خروج ذلك مخرج التقيّ-ة، ما رواه أحم-د بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير،
ص: 573
...
----------
عن سليمان ب-ن خالد، ق-ال: قلت: أ رأيت إن ه-و طلّقها بعد ما خلعها أ يجوز عليها؟ قال: «ولِمَ يطلّقها وقد كف-اه الخلع، ول-و ك-ان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً»(1).(2) انتهى كلامه(قدس سرُّه).
أقول: ويرد على كلامه (قدّس سرّه وحشرنا الله معه) أوّلاً: أنّ رواية موسى بن بكر ليست ظاهرة في مقصوده إن لم تكن ظاهرة في خلافه كما مرّ.(3)
وأمّا استدلال المتقدّمين من الأصحاب فهو تامّ إن قلنا إنّ الخلع فسخ ولكن إن ذهبنا إلى أنّه طلاق كما هو الحقّ، لا يتمّ ذلك.
وأمّا استدلال حسن بن سماعة، ففيه: أنّ الش-رط المذكور ليس من شرائط الخلع بل هو من أحكامه.
مضافاً إلى أنّه لو سلّم فلا ينافي التنجيز في الخلع.
ورابعاً: استدلال ابن سماعة بموثّقة عبيد بن زرارة يرد عليه أنّ الموثّقة هي في الخبرين المتعارضين.
وخامساً: قول الشيخ بحمل الروايات على التقيّ-ة، ففيه: أنّه إنّما هو في مورد لا يمكن جريان الجمع الدلالي، وهذا بخلاف ما نحن فيه كما أشرنا إليه.
وسادساً: ما نسبه إلى الأئمّة: بأنّ الروايات الدالّة على عدم لزومالاتّباع صدرت تقيّ-ة؛ وذلك لقولهم: في ذيل رواية الحلبي وأبي بصير: «لو كان الأمر إلينا لم نجز إلّا الطلاق».
ص: 574
...
----------
ففيه: أنّه لو كانت العبارة الموجودة في ذيل روايتي الباب - كما ذكره الشيخ; - يمكن القول بأنّها تدلّ على الصدور تقيّ-ة، لكنّ الموجودة في صحيحة الحلبي هي: «لوكان الأمر إلينا لم نجز طلاقاً إلّا للعدّة»،(1) وفي رواية أبي بصير: «لو كان الأمر إلينا لم يكن الطلاق إلّا للعدّة».(2) وهذه لا تدلّ على ما قاله;، فيحتمل أن يكون المراد أنّ تكرار الطلاق بلا عدّة كما هو لغوٌ فقوله: «هي طالق» بعد: «هي مختلعة» أيضاً لغوٌ.
وسابعاً: يحتمل في هاتين الروايتين أنّ الإمام(علیه السلام) أراد أن يتكلّم بهذه المناسبة، حول الطلاق أيضاً وإن لم يكن مرتبطاً بالخلع حكماً، وفي الحقيقة هو تظلّم.
كما أنّه يحتمل أن يكون مراده(علیه السلام) أنّه لو كان الأمر إليهم: كانوا يرشدون الناس ويهدونهم إلى هداهم حتّى لا يصل دور الخلع والمباراة، فهو ناظرٌ إلى مقام الإجراء لا بيان الحكم، هذا ثامناً.
وأمّا تاسعاً: أنّ تصريحهم: بأنّه لو كان الأمر إليهم هو مخالفٌ للتقيّ-ة.
وعاشراً: یحتمل كون الصحيحة مجموعة من أحاديث متعدّدة فلا يكون الذيل شاهداً على كون الصدر صادراً عن التقيّ-ة. نعم، لا يأتي هذا الاحتمال في خبر أبي بصير.
وتلك عشرة كاملة.
والمتحصّل من جميع ما ذكر: أنّ الحقّ هو ما جاء في المتن، ولا يحتاجمع صيغة الخلع إلى صيغة الطلاق. نعم، الأحوط هو الجمع بينهما.
ص: 575
(مسألة 3): الخلع من الإيقاعات، لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشائين: بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج وإنشاء الطلاق من طرفه بما بذلت، ويقع ذلك على نحوين: الأوّل: أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها، فيطلّقها على ما بذلت. الثاني: أن يبتدئ الزوج بالطلاق مص-رّحاً بذكر العوض فتقبّل الزوجة بعده، ولا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل.(1)
(مسأله 4): يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفوريّ-ة العرفيّ-ة، فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحقّ الزوج العوض،(2) لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك وقع الطلاق رجعيّاً مع فرض اجتماع شرائطه وإلّا كان بائناً.(3)
----------
(1) لأنّ عمل الزوجة أشبه شيء بالإيجاب وعمله أشبه بالقبول.
(2) وذلك لاعتبار عدم الفصل بما يخلّ بالفوريّ-ة العرفيّ-ة في العقود وما شابهها فإنّ العرف والعقلاء لا يعدون الإيجاب والقبول مع الفصل الطويل بينهما عقداً وكذلك ما شابه الإيجاب والقبول. هذا مضافاً إلى أنّه القدر المتيقّن من الفتاوى والنصوص.
(3) وذلك لإجراء صيغة الطلاق من دون فدية، والإشكال بأنّه لا يوجد إلّا رضا واحدٌ وهو مقيّد بالبذل فكيف يصحّ طلاقه بدونه، مدفوعٌ نقضاًبأنّ الش-رط الفاسد في العقود، ب-ل النكاح لا يكون مفسداً على المشهور بين الأصحاب مع أنّ
ص: 576
(مسألة 5): يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف، ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه، بل الظاهر أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر فيما هو من طرفه، فيكون أصيلاً فيما يرجع إليه ووكيلاً فيما يرجع إلى الطرف.(1)
(مسألة 6): يصحّ التوكيل من ال-زوج في الخلع في جميع ما يت-علّق به من شرط
----------
الرض-ا مقيّد بالشرط فكذلك في الطلاق، وحلاً بأنّ بناء العقلاء والعرف في العقود وشبهها وكذا الإيقاعات هو فصل الالتزامات بعضها من بعض ولا أقلّ من ذلك في الشرع للروايات الكثيرة الواردة في الأبواب المختلفة الدالّة على أنّ الشرط الفاسد ليس بمفسدٍ.(1)
ثمّ في العبارة مسامح-ة، فإنّ شرائط الرجعي والبائن لا اختلاف فيها، بل ه-و يرجع إلى أركانهما. والأمر سهلٌ.
(1) وذلك كلّه؛ قضاءً لإطلاق أدلّة الوكالة وأدلّة الخلع، كما هو واضح.
ص: 577
العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.(1)
(مسألة 7): لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإمّا أن يبتدئ الزوجة وتقول: «بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الش-يء الفلاني لتطلّقني»، فيقول فوراً: «أنت طالق أو مختلعة - بكسر اللام(1) - على ما بذلت أو على ما أعطيت » وإمّا أن يبتدئ الزوج فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا أو على كذا» فتقول فوراً: «قبلت» وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطباً لوكيل الزوج: «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر أو المبلغ الفلاني ليخلعها ويطلّقها»، فيقول وكيل الزوج فوراً: «زوجة موكّلي طالق على ما بذلت» وقس على ما ذكر سائر الصور المتصوّرة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم؛ أي الجمع بين الصيغتين، بل لا يترك.(2)
----------
(1) وهو أيضاً؛ قضاءً لإطلاق الأدلّة في الوكالة والخلع.
(مسألة 8): لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم فقالت له: «طلّقني أو اخلعني بكذا» فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا» ففي وقوعه إشكال، فالأحوط اتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك: «قبلت».(1)
----------
(1) والإشكال ناشئ من أنّ الخلع هل هو معاوضة أو إيقاع والثاني هو الأقوى لعدم اعتبار العوض في مفهومه وأنّ إنشاء الطلاق مستقلّ وذكر الفدية فيه غير لازم وإن كان الباعث له عليه هو البذل ولذا يصير رجعيّاً إن رجعت في البذل أو بذلت ما لا تملكه مع أنّه لوكان معاوضة كان فاسداً لتقوم المعاوضة بالطرفين. هذا، مع ما يقال من عدم الحاجة في العقود أيضاً إلى القبول، بل يكفى الإيجاب من الموجب والرضا من الطرف الآخر كما احتمله سيّدنا الأُستاذ (سلام الله علیه) في كتاب البيع، فيكفي الاستدعاء ولا يحتاج إلى قبولها لعدم كونه معاوضة أوّلاً ودلالة الاستدعاء على الرضا ثانياً. ومن ذلك يظهر عدم وجوب ذكر البذل أو الإشارة إليه، بل يكفي قصده أيضاً.
الأوّل: لو طلبت منه الطلاق بعوض فخلعها مجرّداً عن لفظ الطلاق أو طلبت منه الخلع بعوض فطلقها به يقعان صحيحين؛ لأنّ حقيقة الطلاق والخلع واحدة كما مرّ كالوحدة المتحقّقة بين بيع النقد والنسيئة والسلف فإنّالطلاق هو إزالة قيد النكاح والخلع هو الإزالة مع قيد البذل، فالطلاق أعمّ من الخلع، فكلّ خلع طلاق دون العكس. والقول بأنّ معنى «طلّقني بعوض» هو إجراء الخلع بصيغة
ص: 579
...
----------
الطلاق بعوض فما طلب لم يقع وما وقع غيرمطلوب لها، مدفوعٌ بأنّ ذلك خلاف ما يجري في العادة فإنّ العادة عدم الخصوصيّ-ة لصيغة خاصّة فلا يحمل عليه كما أنّ قول المشتري «بع لي هذا الكتاب بكذا - مثلاً -» لا يحمل على إرادة نقله بصيغة «بعت»، بحيث لو باعه بغيرها - والفرض أنّه بيع - كان غير موكّل فيه. نعم، إن ثبت قصدها الخصوصيّ-ة يشكل بأنّ ما طلبت لم يقع وما وقع غير مطلوب لها.
هذا، ولكنّ المحقّق(قدس سرُّه) قد فصّل بين الصورتين بقوله:
لو طلبت منه طلاقاً بعوض فخلعها مجرّداً عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين ولو طلبت خلعاً بعوض فطلّق به لم يلزم البذل على القول بوقوع الخلع بمجرّده فسخاً ويقع الطلاق رجعيّاً ويلزم، على القول بأنّه طلاق أو أنّه يفتقر إلى الطلاق.(1)
ولكنّه ليس بتامّ بعد أن ذهبنا إلى أنّ الطلاق والخلع واحد وليس الخلع بفسخ، وما في المسالك في ذيل الفرع الأوّل - لو طلبت منه طلاقاً بعوض فخلعها مجرّداً عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين - من توجيه عدم الوقوع بقوله:
فإنّا إن قلنا إنّه فسخ فكونه خلاف ما طلبته واضح وإن جعلناه طلاقاً فهو طلاق مختلف فيه وما طلبته لا خلاف فيه، فظهر أنّه خلاف مطلوبها على القولين.(2).
يدفعه أنّ الخلاف فيه لا ينافي كونه مصداقا لما طلبته بعد تنقيح الحال فيه من اتّحادهما حقيقة وماهيّ-ة فالمطلوب واقع والواقع مطلوب.
ص: 580
(مسألة 9): يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء عوضاً عن الطلاق، ويجوز الفداء بكلّ متموّلٍ من عين أو دين أو منفعة قلّ أو كثر وإن زاد على المهر المسمّى،(1)
----------
الثاني: وابتدأ فقال: «أنت طالق بألف، أو وعليك ألف» فقبلت، يقع خلعاً في كلا الفرضين، خلافاً للشهيد في المسالك حيث ذهب إلى عدم وقوعه خلعاً في الثاني بقوله:
لأنّها صيغة إخبار لا صيغة التزام؛ إذ لم يسبقه استيجاب يدلّ عليه ولم يجعله عوضاً، بل جعله جملة معطوفة على الطلاق، فلا يتأثّر بها وتلغو في نفسها، كما لو قال: «أنت طالق وعليك حجّ» وإن قبلت؛ لأنّ قبولها إنّما وقع رضاً بما فعل ولم يقع منه ما يقتضي المعاوضة.(1)
وفيه ما لا يخفى، فإنّ البذل - كما قلنا - ليس ركناً في الخلع كالمهر في النكاح، بل هو أدون منه، غاية الأمر أنّ الباعث له هو البذل فمع تحقّق هذه الباعثيّ-ة والداعويّ-ة يقع الطلاق خلعاً؛ سواء كان اللفظ ظاهراً في ارتباط الطلاق به أم لا، بل كان مراده معلوماً من دون ظهور في اللفظ.
(1) توضيح ذلك: إنّه يشترط في الفدية أن تكون عوضاً عن نكاح قائم لم يعرض له الزوال لزوماً كالبائن ولا جوازاً كالرجعي؛ وذلك لأنّها عوض عنه، ولأنّ المستفاد من الأحاديث أنّ الخلع بمنزلة الطلاق، بل قلناإنّه طلاق، فكما يعتبر في الطلاق أن يكون عن نكاح قائم فكذا في الخلع. وكيف كان، فقد صرّح غير واحد من الأصحاب، بل لا خلاف فيه، بأنّ كلّ ما يصحّ أن يكون مهراً صحّ
ص: 581
فإن كان عيناً حاضرة تكفي فيها المشاهدة، وإن كان كلّيّاً في الذمّة أو غائباً ذكر جنسه ووصفه وقدره، بل لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك، فيصحّ بما يؤوّل إلى العلم كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلاً،(1) ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلاً، بل في مثله ولو لم يعلما بعد أيضاً صحّ على الأقوى.(1)
----------
أن يجعل فدية، من قليل أو كثير، ومن عين أو منفع-ة، ومن شخصي أو كلّي.(2)
(1) ثمّ إنّه كما لا يعتبر في المهر العلم التفصيلي بل يكفي ما يؤوّل إلى العلم فيما بعد، نحو ما في الصندوق وما في كمّي ونحوهما فكذلك الفدية في الخلع؛ لإطلاق الآية الشريفة وإطلاقات العقود والمعاوضات وإطلاق أدلّة الخلع مع التأمّل في الأخير. نعم، الجهل المطلق الذي لا يؤوّل إلى العلم مضرّ، مثل شيء من الأشياء أو بعض ما يتموّل أو نحو ذلك ممّا هو مثار النزاع.
نعم، يتراءی في كلام الش-رائع(3) شبه تهافت إن لم يكن عين التهافت، فإنّه قال: يكفي المشاهدة في العين الحاضرة بخلاف الكلّي في الذمّة، فإنّهلابدّ فيه من العلم بجنسه ومقداره ووصفه، مع أنّهما يرتزقان من لبن واحد.
ولقد أجاد نفسه في المختصر النافع(4) بعدم الفرق بينهما، فراجع إن شئت.
ص: 582
ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده، لكن مشروطاً بتعيين المدّة.(1)
ولا تبعد صحّته بمثل قدوم الحاجّ وبلوغ الثمرة، وإن جعل كلّياً في ذمّتها يجوز جعله حالاً ومؤجّلاً مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر.(2)
(مسألة 10): يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها؛ بأن يبذل وكالة عنها من مالها أو بمال في ذمّتها .(3)
وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها، فيرجع إليها بعد البذل بأن تقول لشخص: «أطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم - مثلاً - عليك وبعد ما دفعتها إليه إرجع عليّ» ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك؟ وجهان بل قولان، لا يخلو ثانيهما من رجحان.(4) كما أنّ-ه لا يصحّ من المتبرّع الذي لا يرج-ع عليها، فلو
----------
(1) وذلك قضاءً للقاعدة.
(2) وذلك لكفاية التعيين.
(3) وذلك لأنّ بذله بذلها، كما هو واضح.
(4) من أنّ المطلوب في الخلع هو كون الطلاق بعوض وفدية والفدية هنا وإن لم تكن من المرأة مباشرة وابتداءً، لكنّها ترجع إليها في النهاية، وذلك المقدار منها كافٍ فيه، ومن أنّ القدر المتيقّن من الأدلّة، بل ظاهر الآية الشريفة(1)هو كون الفدية منها والفدية هنا ليست منها حقيقة، وأدائها فيمابعد لا يوجب صدق «فديتها عليّ» بنحو الحقيقة، بل يعدّ غرامة منها مع أنّه ضمان ما لم يجب وهو باطل عند الإماميّ-ة.
ص: 583
قالت الزوجة لزوجها: «طلّقني على دار زيد أو ألف في ذمّته» فطلّقها على ذلك، وقد أذن زيد أو أجاز بعده لم يصحّ الخلع.(1) ولا الطلاق الرجعي ولا غيره، إلّا إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته.(2)
----------
(1) لما مرّ.(1)
(2) وهذا هو موافق لكلام المحقّق في الشرائع(2) وهو لا يختصّ بالمسألة، بل يعمّ الفروع المماثلة كما إذا خلعها على مال الغير مع العلم بأنّ المال مال الغير أو على غير المملوك كالخمر أو على ما لا يتموّل.
ووجه التفصيل أنّ المعتبر في الخلع هو الفدية وهو كالمعاوضة، فإذا بطلت الفدية بطل الخلع، وأمّا إذا وقعت صيغة الطلاق بعده يقع رجعيّاً؛ لأنّ الطلاق المتعقّب له أمر مستقلّ برأسه واجد لش-رائطه، ولكنّ الحقّ - تبعاً لصاحب الجواهر(3) - أنّه يقع رجعيّاً مطلقاً بعد بطلان الفدية، من دون فرق بين اتباعه بصيغة الطلاق أم لا، بل وصيغة الطلاق وحدها، أمّا عدم كونه خلعاً فواضح؛ لبطلان الفدية الموجب لعدم تحقّق الخلع الذي هو طلاق بائن؛ وأمّا وقوع الطلاق، فلأنّ الفدية ليست من أركانه ولا من شرائطه حتّى يكون انتفائها موجباً لانتفائه، بل هي باعث-ة عليه، فبطلان الفدية لا يوجب بطلان أصل الطلاق، ولا فرق بين اتباعه بالطلاق وعدمهلوحدة حقيقة الخلع والطلاق، والمراد من الطلاق المتعقّب
ص: 584
(مسألة 11): لو قال أبوها: «طلّقها وأنت بريءٌ من صداقها» وكانت بالغة رشيدة فطلّقها صحّ الطلاق وكان رجعيّ-اً بش-رائطه والش-رط المتقدمّ في المسألة السابقة، ولم تبرئ ذمّته بذلك ما لم تبرأ، ولم يلزم عليها الإبراء ولا يضمنه الأب.(1)
(مسألة 12): لو جعلت الفداء مال الغير، أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العل-م بذلك بطل البذل، فبطل الخلع وصار الطلاق رجعيّاً بالشرط المتقدّم.(2)
----------
ل-ه هو الخلع؛ أي الطلاق بعوض، فذكر صيغة الطلاق بعده لا يزيد على الخلع بل هو نفسه.
(1) لما مرّ،(1) وفيه ما مرّ أيضاً.
(2) ولقد أجاد صاحب الجواهر في بيان المسألة والنقض والإبرام عليها، فكان الاكتفاء به حسن، قال في الجواهر ممزوجاً بما قاله المحقّق:
«ولو كان الفداء ممّا لا يملكه المسلم» عالمين به «كالخمر» والخنزير فسد البذل بلا إشكال ولا خلاف؛ لاشتراط الماليّ-ة فيه، بل قيل: «فسد الخلع»؛ لفساد المعاوضة حينئذٍ، «وقيل» والقائل الشيخ:(2) «يكون» الطلاق «رجعيّ-اً»؛ لما عرفت من عدم اعتبار العوض في مفهومه، وأنّ إنشاء الطلاق مستقلّ وإن كان الباعثله عليه البذل المزبور، إلّا أنّ أقصاه عدم كونه بائناً؛ لفحوى ما تسمعه من النصوص المتضمّنة لكون الطلاق رجعيّ-اً لو رجعت بالبذل.
ص: 585
...
----------
«و» لكن قال المصنّف: «هو حقّ إن أتبع بالطلاق، وإلّا كان البطلان أحقّ»؛ ولعلّه لأنّه مع الاقتصار على الخلع لا يتحقّق صحّة الطلاق مع فساد العوض؛ لأنّ الخلع الذي يقوم مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلّا اللفظ الدالّ على الإبانة بالعوض، فبدونه لا يكون خلعاً، فلا يتحقّق رفع الزوجيّ-ة بائناً ولا رجعيّ-اً، وإنّما يتمّ إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من فساد أحدهما فساد الآخر، فيفسد حينئذٍ الخلع لفوات العوض، ويبقى الطلاق المتعقّب له رجعيّ-اً، لبطلان العوض الموجب، لكونه بائناً، وفي المسالك(1) هو الأقوى.
وفيه أوّلاً: أنّ الشيخ قد عرفت أنّه ممّن يوجب اتباع الخلع الطلاق، فلا وجه للتفصيل في كلامه.
وثانياً: أنّ الطلاق المتبع به الخلع لا يراد به إلّا الطلاق بالعوض، وليس هو إنشاء مستقلاً، وقد سمعت سابقاً من المسالك أنّه هو المملّك للعوض، وأنّ تقدّم الخلع عليه قليل الفائدة، بل يمكن فرض مسألة المقام في كون الخلع بلفظ «أنت طالق بكذا من الخمر» من دون سبق الخلع، ولا وجه للصحّة فيه رجعيّاً إلّا بناءً على ما ذكرناه من عدم المعاوضة في ذلك حقيقة.
ومنه ينقدح وجه الصحّة رجعيّ-اً لو كانت الصيغة بلفظ «خلعت» أيضاً، وإن لم نجوّز وقوع غير الطلاق بعوض بها؛ لما عرفت منكون الخلع طلاقاً وإن كان م-ورده خاصّ-اً، ف-تارة يصحّ وأُخ-رى يبط-ل لف-قد شرط
ص: 586
ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال، فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة، وفيه تأمّل.(1)
(مسألة 13): يشترط في الخلع - على الأحوط - أن تكون كراهة الزوجة شديدة،
----------
من شرائطه، ولكنّه لا يبطل أصل الطلاق الحاصل به كما يومئ إليه ما تسمعه من النصّ(1) والفتوى في صيرورة الطلاق رجعيّ-اً لو فسخت البذل ورجعت به، من غير فرق بين كون الخلع قد كان بلفظ «خلعتك على كذا» وبين «أنت طالق بكذا» وما ذاك إلّا لصحّة وقوع الطلاق به في مورده وإن لم يسلم بفسخ للبذل أو بفقد شرط من شرائطه.
واحتمال الجمود على خصوص مورد النصّ منافٍ لقاعدة الاستنباط المستفادة من فحاوى الأدلّة المشار إليها بقولهم:: «لا يكون الفقيه فقيهاً حتّى تلحن له بالقول فيعرف ما تلحن له»،(2) وغيره، هذا كلّه مع العلم.(3) انتهى كلامه(قدس سرُّه).
(1) وذلك لأنّ فقد الشرط موجب للبطلان والجهل لا يوجب الصحّة،كما لو تبيّن فقد شرط في أركان العقد.
وفيه: أنّ الفدية ليست من أركان الطلاق كما مرّ،(4) بل هي مقوّمة للخلع.
ص: 587
بحيث يخاف من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة والدخول في المعصية(1).(1)
----------
(1) لا إشكال ولا خلاف في أنّه يشترط في الخلع الكراهة من جانب الزوجة وحدّها لا منه، فلا يجوز أخذ العوض ولا منهما، فيكون مباراة، بل عليه الإجماع، مضافاً إلى النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة.
ولكن قد يقع الكلام في أنّه هل يعتبر فيه الكراهة أم يكفي فيه خوف عدم إقامة حدود الله والوقوع في الفتنة؟ وعلى الأوّل، فهل يعتبر فيه مطلق الكراهة أو الكراهة الشديدة، بحيث يخاف الخروج من طاعة الله تعالى وحدوده، وعلى الفرضين فهل يشترط فيه إسماع معاني الأقوال المذكورة في النصوص، مثل قولها: «لا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لك حدّاً، ولاُوطئنّ فراشك من تكرهه»،(2) أو يكفي تفهيمها قولاً أو عملاً، أو يكفي كون أفعالها وأقوالها، بحيث لها شأنيّ-ة الخروج من الطاعة؟ احتمالات ووجوهٌ، وقد ادّعى ابن إدريس الإجماع على اشتراط الخلع بأن يسمع منها ما لا يحلّ ذكره، أو يعلم ذلك منها فعلاً، فإنّه قال ما هذا لفظه:
فأمّا إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة، والأخلاق ملتئمة، واتّفقا على الخل-ع، فبذلت ل-ه شيئاً على طلاق-ها، لم يحلّ ل-ه ذلك، وك-انمح-ظوراً؛
ص: 588
...
----------
لإجماع أصحابنا على أنّه لا يجوز له خلعها، إلّا بعد أن يسمع منها ما لا يحلّ ذكره، من قولها: «لا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لك حدّاً، ولاُوطئنّ فراشك من تكره-ه»، أو يعلم ذلك منها فعلاً، وهذا مفقود هاهنا، فيجب أن لا يجوز الخلع. وأيضاً قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَن يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ﴾.(1) وهذا نصّ، فإنّه حرّم الأخذ منها إلّا عند الخوف من ترك إقامة الحدود.(2)
هذا، ولكنّ الحقّ في صحّة الخلع ه-و تحقّق خوفه أو خوفها م-ن خروج الطاع-ة وإن لم تتحقّق الكراهة م-ن جانبها فضلاً عن الكراهة الموجبة للخروج وفضلاً عن اعتبار تلك الألفاظ، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾(3) والقول بأنّ الآية الشريفة إنّما تفيد جواز الافتداء من دون دلالة على أنّ الطلاق خلع وبائن حتّى يترتّب عليه أحكامه م-دفوع بأنّ ما ورد في الخلع م-ن السنة وفتاوى العلماء ناظر إلى الآية الشريفة.
إن قلت: فلماذا لم يتعرّض الروايات لخوف خروج الزوج عن الطاعة ولو إشارة؟
قلت: لأنّها واردة مورد الغالب وافتداء الزوجة لخوف خروج الزوجعن الطاعة فرض نادر.
ومنه يظهر أنّه لا موضوعيّ-ة لتلك الألفاظ والجملات المذكورة في النصوص،
ص: 589
...
----------
بل طريق لبيان أنّ المناط هو خوف خروجهما من طاعة الله والدخول في معصيته تعالى الناشئة عن هذا النكاح؛ سواء كانت في حقوق الزوجين أو في غيرها من سائر حدود الله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَ-ن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَ-ئكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾،(1) كترك صلاة الفجر - مثلاً - فمع الخوف من عدم إقامتهما حدود الله تعالى يحلّ للزوج أخذ العوض ويصحّ الخلع ويقع بائناً.
واستدلّ لاشتراط إظهارها الألفاظ الخاصّة، بأنّ الأصل عدم وقوع الخلع من دون تفهيم هذه الجملات، وبالنصوص التي قد مرّت.
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يحلّ خلعها حتّى تقول لزوجها: والله لا أبرّ لك قسماً، ولا أطيع لك أمراً، ولا أغتسل لك من جنابة، ولاُوطئنّ فراشك ولآذننّ عليك بغير إذنك، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها ... ».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المختلعة التي تقول لزوجها: اخلعني وأنا أعطيك ما أخذت منك»، فقال: «لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئاً حتّى تقول: والله لا أبرّ لك قسماً، ولا أطيع لك أمراً، ولآذننّ في بيتك بغير إذنك، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمهاحلّ له ما أخذ منها ... ».(3)
وغيرهما من الأخبار.
وه-ذا خلافاً لروايتين أُخريين، إحداهما: صحيح-ة محمّ-د بن مسلم، عن أبي
ص: 590
(مسألة 14): الظاهر أنّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتيّ-ة ناشئة من خصوصيّات الزوج، كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك، وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض، مثل وجود الضرّة وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة(1) أو المستحبّ-ة.(1)
----------
جعفر(علیه السلام)، قال: «إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمراً، مفس-ّراً وغير مفسّر حلّ له ما أخذ منها وليس له عليها رجعة».(2)
وثانيتهما: موثّقة سماعة، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): لا يجوز للرجل أن يأخد من المختلعة حتّى تتكلّم بهذا الكلام كلّه؟ فقال: «إذا قالت: لا أطيع الله فيك، حلّ له أن يأخذ منها ما وجد».(3)
کما أنّ اختلاف تلك الألفاظ نفسها شاهدة على عدم اشتراطها، والعمدة أنّها كلّها ناظرة إلى الآية.(4)
ويكفي في صحّته خوف وقوع الزوج أو الزوجة في المعصية والخروج عن الطاعة من أيّ طريقٍ حصل، فلا يعتبر فيه الكراهة، فضلاً عن الكراهة الشديدة، وفضلاً عن اعتبار تلك الألفاظ.
(1) وذلك قضاءً لإطلاق أدلّ-ة الخلع من الكتاب والسنّة، خ-لافاً لماحك-اه في
ص: 591
...
----------
الحدائق(1) عمّن عاصره من مشایخ بلاد البحرين من اعتبار الكراهة الذاتيّ-ة، ولا فرق في الكراهة العرضيّ-ة بين تركه الحقوق الواجبة أو المستحبّ-ة ولا بين تركه لغرض إلجائها إلى بذل الفداء أم لا.
لا يقال: إلجائها إلى بذل الفدية ومطالبة الخلع إكراه وهو يوجب بطلان الخلع والفدية، فلا يقع إلّا أصل الطلاق دون الخلع.
لأنّه يقال: إنّ الإكراه أمر عرفي لا يصدق في مثل ما نحن فيه؛ للفرق بين إكراه الغير على فعل وبين الإتيان بما يضطرّ به فيختاره، فإنّها مضطرّة إلى بذل الفداء لا مكرهة.
وممّا يؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾.(2) فإنّه يدلّ على صحّة الفدية مع الأعضال؛ لعدم إمكان النهي عنه مع بطلان الفدية.
وهذا نظير ما استدلّ به أبوحنيفة لدلالة النهي عن العبادات والمعاملات على الصحّة بتقريب: أنّ متعلّق النهي لابدّ أن يكون مقدوراً بعد النهي ليمكن موافقة النهي ومخالفته والنهي لو دلّ على بطلان العبادة أو المعاملة لما كان المكلّف قادراً على إتيان متعلّق النهي، لعدم تعلّق النهي بما يكون فاسداً منهما، إذ لا حرمة في الفاسد منهما.
فالصحيح منهما غير مقدور لدلالة النهي على فساده والفاسد منهما غير متعلّق للنهى فلو اقتضى النهي الفساد يلزم أن يكون النهي سالباً لقدرةالمكلّف على مخالفته
ص: 592
...
----------
وكذا النهي عن الأعضال: ﴿لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ يدلّ على صحّة البذل وصيرورته ملكاً للزوج وإلّا يلزم أن يكون النهي موجباً لرفع القدرة على متعلّقه مع أنّه لو تعلّق مراده تعالى ببيان فساد البذل فكان الأُولی أن يقال: لا تعضلوهنّ، فإنّه أكل مال بالباطل.
ولكن مع ذلك كلّه أنّه إن اضطرت الزوجة إلى البذل لعدم قيام الزوج بأداء حقوقها الواجبة وجعلها كالمعلّقة فيمكن التفصيل بين ما يمكن لها الرفع إلى الحاكم ومع ذلك تبذل الفدية فيجوز له؛ لأنّ الفدية بيدها وبذلها باختيارها لعدم انحصار الطريق في البذل وبين ما لا يمكن لها الرفع إلى الحاكم فلا يجوز لاضطرارها في البذل لانحصار الطريق فيه ولا يحلّ أكل ما بذل اضطراراً.
وأمّا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾(1) بمعنى: «ولا يحلّ أن تعضلوهنّ»؛ لكونه معطوفاً على: ﴿ولَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً﴾ ظاهراً.
إن قلت: إنّ أكل الفدية بسبب الأعضال حرام مطلقاً ولو مع التمكّن من الرجوع إلى الحاكم وعدم جوازه إلّا عن طيب النفس؛ لقوله تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾.(2)
قلت: إنّ الآية ناظرة إلى الهبة غير المعوضة فلا ترتبط بباب المعاوضات. هذا أوّلاً. وثانياً: أنّها في الإباحة بمراتبها العالية. وأمّا أصلالإباحة فلا يعتبر فيه إلّا الرضا.
ص: 593
نعم، إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها، فتريد تخليص نفسها منها فبذلت شيئاً ليطلّقها فطلّقها لم يتحقّق الخلع، وحرم عليه ما أخذه منها (1) ولكنّ الطلاق صحّ رجعيّاً بالش-رط المتقدّم.(2)
(مسألة 15): لو طلّ-قها بع-وض مع عدم الكراه-ة وك-ون الأخ-لاق ملتئ-مة لم يصحّ
----------
وبعبارة أُخرى: إنّ الأكل مع الهنائة والمرائة يعتبر فيه طيب النفس، وأمّا أصل الأكل فيكفي فيه مطلق الرضا.
إن قلت: إنّ الطلاق مع بطلان الفداء يصير رجعيّاً فما تفعل المرأة إن رجع زوجها في العدّة، مع أنّ غرضها قد تعلّق بالطلاق البائن حتّى لا يتمكّن الزوج من الرجوع فيها؟
قلت: يرفع أم-رها إلى الحاكم فيطلّقها بائناً من باب الولاية على الممتنع.
إن قلت: كيف يطلّقها بائناً م-ن دون أن يكون خلعاً م-ع اجتماع شرائط الرجعي؟
قلت: إنّ الرجوع حقّ لا حكم فيصالحه الحاكم بعوض ولايته.
(1) لكنّه قد ظهر ممّا مرّ(1) إنّما لا يتحقّق الخلع إذا أتى بهذه الأُمور لغرض أن تخلع نفسها دون ما إذا لم يكن بهذا الغرض فما في المتن منالإطلاق غير تامّ.
(2) وفيه ما تقدّم.
ص: 594
الخلع ولم يملك(1) العوض،(1) ولكن صحّ الطلاق بالشرط المتقدّم.(2) فإن كان مورده الرجعي كان رجعيّاً وإلّا بائناً.(3)
----------
(1) إجماعاً، ويدلّ عليه الروايات المستفيضة، إن لم تكن متواترة، ولكن في النفس بالنسبة إليه شيء وهو أنّ الآية الشريفة: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾ تدلّ على صحّة الخلع عند الخوف من عدم إقامتهما حدود الله.
والمراد من حدود الله أعمّ ممّا يرتبط بحقوق الزوجين فيشمل كلّ الواجبات والمحرّمات، فلو خافت من ترك واجب أو فعل حرام بسبب هذا النكاح على الزوج، أو على نفسها مع كون الأخلاق ملتئمة يمكن القول بأنّ مقتض-ى الكتاب هو أنّه يصحّ الخلع ويملك العوض.
(2) وفيه ما مرّ.
(3) هذا، وفي المسألة(2) كلام مبسوط يأتي في آخر الخلع، فانتظر.(3)
ص: 595
(مسألة 16): طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع،(1) ما لم ترجع المرأة فيما بذلت، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها.(2)
----------
(1) وذلك للأصل والإجماع والسنّ-ة، وكذا الكتاب؛ لأنّ الافتداء هو للتخلّص فثبوت حقّ الرجوع له ينافي الافتداء، كما في الخلاف(1) وكشف اللثام،(2) مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل أيضاً ذلك.
إن قلت: إنّ استصحاب عدم الرجوع غير تامّ لعدم الحالة السابقة له؛ لأنّ الشكّ إنّما يكون في أنّ الخلع هل وجد مع حقّ الرجوع أم وجد بدونه.
قلت: إنّ الاستصحاب وإن لم يجر في عدم الرجوع لما ذكر، لكنّه يجري في لوازم الطلاق وآثاره واحكامه من حرمة النظر واللمس والوطء وعدم وجوب النفقة وغيرها من الآثار فإنّها حرمت بالطلاق ومع رجوع الزوج يقع الشكّ في بقاء الحرمة وعدمه والأصل العدم. وهذا نظير استصحاب اللزوم، فإنّ العقد إمّا وجد لازماً وإمّا جائزاً، فلا يكون للزوم حالة سابقة، فلا يجرى فيه الاستصحاب، ولكن يجري في أحكام العقد وآثاره.
(2) ويدلّ على جواز الرجوع إليها فيما رجعت في الفدية الإجماع والأخبار، بل القاعدة وهي أنّ فساد البذل لا يوجب فساد أصل الطلاق؛ لأنّ البذل ليس من أركان الطلاق، بل باعث له، فهي بضم-يمة ق-اعدة: «كلّ طلاق رجعي إلّا
ص: 596
(مسألة 17): الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها، فلو لم يمكن كالمطلقة ثلاثاً وكما إذا كانت ممّن ليست لها عدّة كاليائسة وغير المدخول بها لم يكن لها الرجوع في البذل.(1)
----------
ما خرج بالدليل»، المستفاد من قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾(1) يفيد صحّته رجعيّاً.
(1) فإنّ في المسألة قولين: أحدهما: جواز رجوعها في البذل مطلقاً وهو الظاهر ممّن أطلق جواز الرجوع أو أطلق جواز الرجوع في العدّة مثل المحقّق في الشرائع.(2)
ثانيهما: وهو الحقّ، اشتراطه بإمكان رجوعه في النكاح كما هو المحكيّ من غير واحد من الأصحاب بل عن المشهور. وذلك مضافاً إلى أصالة عدم جواز رجوعها إلّا مع إمكان رجوعه في البضع ومضافاً إلى أنّه شبه معاوضة فجواز رجوعها من دون إمكان رجوعه يستلزم وقوع المبذول بلا عوض، ومضافاً إلى قاعدة نفي الضرر فإنّ ذهاب ماله (المهريّ-ة) من دون عود فائدة إليه ضرر عليه، أنّ المستفاد من النصوص ليس أكثر م-ن ذلك، فإنّه القدر المتيقّن منها، بل قد يقال: إنّ المستفاد منهاهو الملازمة بين جواز رجوعها وإمكان رجوعه.
فمن ذلك صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا(علیه السلام) في حديث الخلع، قال: «وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت».(3)
ص: 597
...
----------
ومنها: موثّقة أبي العبّاس البقباق، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح يقول: لأرجعنّ في بضعك».(1)
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، وفيها: «وينبغي له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة، وإن ارتجعت في شيء ممّا أعطيتني فأنا أملك ببضعك»، وقال: «لا خلع ولا مباراة ولا تخيير إلّا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، والمختلعة إذا تزوّجت زوجاً آخر ثمّ طلّقها يحلّ للأوّل أن يتزوّجها»، قال: «ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة إلّا أن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها».(2)
فإنّ موارد هذه النصوص هو ما يمكن له الرجوع، بل قد يقال: إنّ المستفاد من صحيحة ابن بزيع وموثّقة أبي العبّاس الملازمة بينهما، قضاء للشرطيّ-ة؛ إذ الجملة الشرطيّ-ة فيهما تقتضي الملازمة بين الش-رط والجزاء. فتأمّل، فإنّ الملازمة في صحيحة ابن بزيع إنّما وقع بين مشية المختلعة أن يرد ما أخذ منها وبين مشيتهاً أن تكون امرأته وكذا في موثّقة أبي العبّاس البقباق وقعت الملازمة بين قولها بالرجوع في شيء من الصلح وقوله بالرجوع في البضع. وعلى هذا، فالأولی ما قلناه من أنّالقدر المتيقّن من الروايات هو جواز رجوعها فيما يمكن للزوج في البضع ولا يستفاد منها جواز رجوعها مطلقاً حتّى مع عدم إمكان رجوعه.
وممّا يؤيّد ق-ول المشهور، كما أف-اده صاحب الجواهر،(3) هو أنّ اتّفاق الأصحاب
ص: 598
بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه فلو رجعت عند نفسها ولم يطلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة فلا أثر
لرجوعها.(1)
----------
على تقييد جواز رجوعها بالبذل بما إذا كان في العدّة مع خلو النصوص عنه لعلّه مبنىّ على التلازم المزبور، للعلم بعدم جواز الرجوع له بعدها، لصيرورة المرأة أجنبيّ-ة كالصغيرة واليائسة اللّتين لا عدّة لهما اللّتين قد استفاضت النصوص بكون طلاقها حيث يقع بائناً، فتقيد جواز رجوعها بالعدّة مقدمة لجواز رجوعه حينئذٍ.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ تقييد الأصحاب جواز الرجوع بالعدّة لعلّه كان بلحاظ المطلّقة ثلاثاً واليائسة والصغيرة حيث لا يجوز لهن الرجوع.
وتظهر الثمرة بين القول المشهور وغيره في المطلقة ثلاثاً؛ لعدم تمكّن الزوج من الرجوع في البضع فلا يجوز لها الرجوع على المشهور المختار ويجوز على القول غير المشهور حيث لم يشترطوا بإمكان رجوعه، وأمّا في اليائسة والصغيرة فلا يجوز لهما الرجوع في البذل على كلا المبنيين للإجماع على أنّ رجوع المرأة في العدّة جائز فإنّ الإجماع قد قيّد بكون المرأة في العدّة، واليائسة والصغيرة لا عدّة لهما.
ومنه يظهر ما في جعل عدم جواز الرجوع لليائسة والصغيرة ثمرة للنزاع من المسامحة.
(1) خلافاً لظاهر العلّامة في القواعد(1)وغيره.(2) والحقّ اشتراطه بعلمه بالرج-وع؛ لأنّ الثابت من الأدلّ-ة المزب-ورة رج-وعه-ا في ح-ال العلم بذل-ك، فإنّ
ص: 599
...
----------
صحيح عبدالله بن سنان وموثّق أبي العبّاس البقباق ظاهران، بل نصّان في اختصاص جواز الرجوع بعلمه ولا يشملان صورة الجهل؛ لأنّ قول الزوج بالرجوع إلى البضع لا يكون الأبعد علمه برجوعها إلى البذل.
وأمّا صحيح ابن بزيع الذي قد اعتبر في شرطه كونها امرأته: «إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت» فلا يستقيم أيضاً إلّا مع علم الزوج بالرجوع، لأنّ كونها امرأته بمعنى كونها امرأته الرجعيّ-ة فهو مجاز لم يرد منه معناه الحقيقي للإجماع على عدم كونها زوجة له الأبعد رجوعه إليها ولا يكون الرجوع منه إلّا بعد علمه بالموضوع؛ قال صاحب الجواهر:
فأقرب مجازاته حال علمه الذي يكون فيه حينئذٍ أحقّ ببضعها.(1)
وله وجه والأوجه ما قلناه من التلازم بين كونها امرأته وبين علمه برجوعها في البذل للإجماع المزبور فيختصّ بصورة العلم.
هل المختلعة بعد الرجوع في البذل هي رجعيّ-ة في جميع الآثار أو في خصوص ج-واز الرجوع لا غيره؟ في-ه وجهان؛ من أنّها رجعيّ-ة فيترتّب عليه الآثار ويؤمئ إليه ما في موثّقة أبي العبّاس وصحيحة عبدالله بن سنان، ومن أنّها قبل رجوعها كانت بائنة، فعند الرجوع يشكّ في ترتّبجميع الآثار والأصل عدمه.
والحقّ أنّها رجعيّ-ة في جميع الآثار وذلك لصحيحة ابن بزيع؛ حيث إنّ المراد من كونها امرأة ل-ه هو معناها المجازي وأق-رب المج-ازات كونه-ا رجعيّ-ة ل-ه من جم-يع
ص: 600
...
----------
الجهات، فإنّها نزلت منزلة الزوجة على نحو العموم، وعموم التنزيل يقتضي ترتّب جميع آثار الرجعيّ-ة.
ويؤيّد ذلك وحدة السياق بين هذه الصحيحة وبين ما ورد في أنّ المطلقة الرجعيّ-ة امرأة له وحينئذٍ لا يجوز له نكاح الأُختها ولا الخامسة بعد رجوعها في البذل، وأمّا قبله فلا إشكال في الجواز لانقطاع العصمة بينهما ولأنّها بائنة وهو خاطب من الخطاب، ولصحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أ يحلّ له أن يخطب أُختها من قبل أن تنقض-ي عدّة المختلعة؟ قال: «نعم، قد برئت عصمتها منه وليس له عليها رجعة».(1) وكذا لعدم صدق الجمع بين الأُختين، وعدم صدق نكاح الخامسة وغير ذلك كما في الجواهر.(2)
والظاهر أنّ المراد من «غير ذلك فيه» هو عموم النكاح، فإنّها أيضاً يقتض-ي صحّة هذا النكاح، وأمّا بعد تزويجه بالأُخت أو الخامسة فلا يجوزلها الرجوع؛ لعدم إمكان رجوعه في البضع وقد مرّ(3) اشتراطه به.
لا يقال: إنّه يتمكن منه أيضاً ولو بتطليق الأُخت أو الخامسة - مثلاً - بائناً كما لو كانت صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها أو كان الطلاق خلعاً، فإنّه يقال: لا يمكن له الرجوع في البضع حال رجوعها في البذل وإمكان تمكّنه فيما بعد لا يكون مصححاً له.
ص: 601
...
----------
لو قالت له أنّها تأتي بأجنبيّ إلى الفراش، فذهب بعض الأصحاب على ما نسب إليهم، إلى وجوب الخلع وبعضهم إلى استحبابه، والحقّ أنّه مباح كما ذهب إليه صاحب الجواهر، واستدلّ للأوّل بأنّ ذلك منكر منها والنهي عن المنكر واجب وإنّما يتم بالخلع وأجاب عنه في المسالك ب- «منع انحصار النهي في الخلع بل تأدّيه بالطلاق المجرّد عن البذل أقرب إليه وأنسب بمقام الغيرة والنخوة من مراجعتها على بذل المال الحقير ويمكن أيضاً تأدّيه بالض-رب وغيره ممّا يدفع به المنكر».(1) والحقّ أنّه ليس من هذا الباب أيضاً بل لا يجب عليه الطلاق أيضاً من باب النهي عن المنكر وذلك كما أفاده صاحب الجواهر لوجهين:
أحدهما: أنّه لم يتحقّق المنكر بعدُ، لمنع كون القول نفسه من دون تعقّبة بفعل منها منكراً.
وثانيهما: أنّه لا يجب رفع اليد عن الحقّ لدفع عصيان الغير وإلّا لوجب عليه تحرير العبد المصرّ على ترك طاعة سيّده أو هبة داره - مثلاً - إذا كانت مؤثّرة في ترك المنكر ومن المعلوم عدم وجوب رفع اليد عن المال أو الحقّ مقدّمة لخلاص الغير عن الحرام القادر على تركه بدون ذلك.(2).
أقول: ما أجاب به صاحب الجواهر ثانياً في غاية المتانة والجودة ولكن يمكن المناقشة فيما أفاده أوّلاً؛ لأنّ دف-ع المنك-ر - أيضاً - كرف-عه واجب، بل حقيقة النهي
ص: 602
...
----------
عن المنكر لا يتحقّق في رفعه فإنّ ما ارتكبه فقد مض-ى وانعدم ولا يؤثّر النهي اللاحق فيه.
هل يجوز للزوجة الرجوع في بعض البذل أم لا؟ فيه احتمالات ثلاثة:
أحدها: الجواز، لأنّ البذل غير لازم لها والرجوع فيه حقّ لها فكذا في بعضه، ويترتّب عليه جواز رجوع الزوج أيضاً لأنّ رجوعه مترتّب على رجوعها.
ثانيها: عدم الجواز؛ لأنّ مع رجوعها يصير الخلع طلاقاً رجعيّاً مع بقاء العوض وبينهما منافاة، وكما أنّ بذلها ابتداءً بعض المهر لا يوجب كون الطلاق رجعيّاً فكذلك مع بقاء البعض، فإنّ كون الطلاق رجعيّاً مع بقاء العوض في مقابله جمع بين المتنافيين.
وثالثها: جواز رجوعها في البعض وعدم جوازه للزوج، أمّا الجواز؛ لما مرّ، وأمّا عدمه له لبقاء العوض، ولا يخفى أنّ أضعفها أخيرها؛ وذلك للملازمة بين الرجوعين ولاستلزام ذلك الضرر عليه خصوصاً فيما إذا رجعت في أكثر البذل وبقي قليل منه.
وقد ضعّف صاحب الجواهر الوجه الثاني أيضاً بأنّ مقتض-ى موثّق أبي العبّاس وصحيح ابن سنان هو جواز رجوعها ببعض البذل وأنّه يثبت له حقّ الرجوع بذلك ولا ينافيه بقاء البعض؛ لأنّ العوض هنا هو المجموع دون البعض الباقي وإن كان صالحاً لأن يكون عوضاً لو وقع الخلع عليه،فيصدق حينئذٍ انتفاء العوض بانتفاء البعض ويثبت حكم الرجوع.
ص: 603
...
----------
ثمّ قال:
نعم، الظاهر وجوب ردّ الجميع عليه إذا اختار الرجوع؛ لظهور ذيل صحيح ابن سنان في ذلك، بل هو مقتضى المعاوضة.(1)
أقول: هذا هو مقتضى الدراية في المسألة، ولكن ليست معتمداً عليها في حدّ نفسها، فإنّ التلازم بين جواز رجوعها في الكلّ ورجوعها في البعض هو أوّل الكلام ولا دليل عليه، بل مقتضى المعاوضة خلافه وإن كان أحسن الوجوه هو الأوّل.
هذا، وأمّا الروايات فالظاهر البدوي منها هو التعارض بينها، فإنّ صحيحة ابن بزيع: «وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت»(2) ظاهرة في الرجوع إلى الجميع.
وكذا ذيل صحيحة عبدالله بن سنان: «ولا رجعة للزوج على المختلعة، ولا على المباراة إلّا أن يبدوا للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها»، فإنّ «ما» الموصول فيهما من ألفاظ العموم والإطلاق، فيدلّ على جواز رجوعه في الجميع، وفي مقابلتهما موثّقة أبي العبّاس البقباق، قال(علیه السلام): «المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح يقول: لأرجعنّ في بضعك».(3)
وكذا صدر صحيحة ابن سنان: «وينبغي أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة وإن ارتجعت في شيء ممّا اعطيتني فأنّا أملكببضعك»،(4)حيث إنّهما ظاهرتان
ص: 604
...
----------
في جواز رجوعها في بعض المبذول.
لكنّ التحقيق عدم التعارض بين الروايات؛ لأنّ الأخيرتين إنّما هما لموضع الاشتراط.
أمّا صحيحة ابن سنان فواضح، وأمّا موثّقة أبي العبّاس؛ فلأنّ التقييد بالقول قرينة على أنّ الباب باب الشرط لا باب بيان حكم الشرع، فإنّ الحكم الش-رعي بجواز الرجوع في البع-ض لا ي-دور مدار قول-ه برجوع-ه في الب-ضع ح-تّى يق-يد ب- «يقول»، وممّا يؤيّد ذلك أنّ صحيحة عبدالله بن سنان أيضاً مقيدة بالقول كالموثّقة ولا شكّ في أنّها ظاهرة في الاشتراط فكذا الموثّقة ولا أقلّ من احتمال كونه من باب الاشتراط فمع الشكّ يحكم بجواز الرجوع وبدونه لا دليل عليه.
ومنه يظهر أنّ الجمع بين الطائفتين بأنّ الطائفة الأُولی ظاهرة في جواز الرجوع في الجميع من دون دلالة على عدم جواز الرجوع في البعض، والطائفة الثانية دالّة على جواز الرجوع في البعض فتكون النتيجة جواز الرجوع في البعض كالرجوع في الجميع غير تام ومثله في عدم التماميّ-ة ترجيح الشهيد الثاني(1) لصحيحة ابن بزيع على موثّقة أبي العبّاس واعتماده عليها واستفادة عدم الجواز أيضاً ليس بتمام؛ لأنّ في-ه أوّلاً: تعارضه لذيل صحيح-ة ابن سنان، وثانياً: لا مفهوم لصحيحة ابن بزيع.
وكذا ظهر منه عدم تماميّ-ة ما في الحدائق(2) من تأييد الموثّقة وصحيحةابن سنان برواي-ات المباراة ثمّ الإشكال فيه-ا بأنّ الأصحاب لم يع-ملوا برواي-ات المباراة مع
ص: 605
(مسألة 18): المباراة قسم من الطلاق، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة، وتقع بلفظ الطلاق بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئاً ليطلّقها: «أنت طالق على ما بذلت» ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك»، ولا يقع بقوله «بارأتك» مجرّداً.(1)
(مسألة 19): تفارق المباراة الخلع بأُمور:
أحدها: أنّها تترتّب على كراهة كلّ من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة خاصّة.
ثانيها: أنّه يشترط فيها أن لا تكون الفداء بأكثر من مهرها، بل الأحوط أن يكون أقلّ منه بخلاف الخلع، فإنّه فيه على ما تراضيا.(1)
ثالثها: أنّها لا تقع بلفظ «بارأت-ك» ولو جمع بينه وبين لفظ الطلاق يكون الفراق
----------
كونها بمرءى ومنظرهم وذلك منهم، إمّا يدلّ على اعراضهم عنها، وإمّا على حمل «من» في هذه الأخبار على البيانيّ-ة دون التبعيضيّ-ة. وذلك لأنّ المذكور في المباراة أيضاً هو الاشتراط كما فيما نحن فيه، والعجب من قوله بعدم عمل الأصحاب بها؛ لأنّهم قد تعرّضوا لجواز الرجوع في الكلّ في الخلع والمباراة، من دون تعرض للرجوع في البعض مع الاشتراط وواضح أنّه فرق بين عدم التعرّض والإعراض، هذا أوّلاً، وثانياً: أنّماقلناه في روايات الخلع جار في روايات المباراة أيضاً من جواز الرجوع في البعض مع الاشتراط وعدمه بدونه.
(1) ويأتي الكلام فيه .
ص: 606
بالطلاق وحده، بخلاف الخلع، فإنّ الأحوط وقوعه بلفظ الخلع والطلاق؛ جمعاً كما مرّ.(1)
(مسألة 20): طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه إلّا أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة، فله الرجوع إليها حينئذٍ.(2)
----------
(1) ويأتي الكلام فيه أيضاً.
(2) اعلم أنّه لا خلاف في اشتراط شروط الطلاق والخلع في المباراة، كما لا خلاف في ترتّب أحكام الخلع عليها، من حضور العدلين، ومن لزوم وقوعه في طهر غير المواقعة وغيرهما، ومن البينونة، ومن جواز الرجوع في البذل، وعليها النصوص ولا إشكال في ذلك كلّه، إنّما الكلام بل الخلاف في أمرين:
أنّ الخلع يحصل بصيغة الخلع وإن لم يتعقّبه الطلاق كما مرّ تفصيله،(1) كما أنّه يقع بصيغة الطلاق، وكما أنّه يقع بصيغة الخلع المتعقبة بصيغة الطلاق، وهذا بخلاف المباراة فإنّ المشهور عدم وقوعها بصيغة المباراة بل ادّعي عليه الإجماع، فإنّ وقوعها إنّما هو بصيغة الطلاق ومع الانضمام لا أثر لصيغة «بارأتك»، لكن النصوص على خلافه وليس فيها ما يدلّ على عدم وقوعها بصيغة المباراة بل هي بين صريح وبين ظاهرفي عدم اشتراط صيغة الطلاق بل تتحقّق بصيغة المباراة، والحقّ ع-دم تحقّق الإجماع في المسأل-ة، ولو سلّم فليس بح-جّة؛ لأنّ-ه مدركيّ. وق-د
ص: 607
...
----------
صرّح المحقّق(قدس سرُّه) (1) بعدم الأثر لصيغة المباراة ولكن قد نسبه في المختص-ر(2) إلى الأكثر وهو متأخّر عن الشرائع، والأصل في الإجماع هو ادّعاء الشيخ(قدس سرُّه) في التهذيب، قال:
الذي أعمل عليه في المباراة ما قدّمنا ذكره في المختلعة وهو أنّه لا يقع بها فرقة ما لم يتبعها بطلاق، وهو مذهب جميع أصحابنا المحصّلين، من تقدّم منهم ومن تأخّر.(3)
و هو ليس بصريح في اتّفاق الكلّ؛ لأنّه قال: إنّه المتّفق بين المحصّلين من أصحابنا قديماً وحديثاً، فإنّه فرّق بين «المحصّلين من الأصحاب» وبين «الفقهاء» منهم،(4) ومضافاً إلى ذلك أنّ الشيخ نفسه قد أحال المسألة إلى الخلع وأنّ حكم المباراة ما قدّمناه في الخلع من أنّها تحتاج إلى الطلاق، وقد حمل النصوص الدالّة على حاجة الخلع إلى إتباعه بالطلاق على التقيّ-ة.
وقد حقّق صاحب الجواهر(قدس سرُّه) المسألة بما هذا لفظه:
وبذلك انكشفت الغمة التي وقعت على جملة من المصنّفين في المقام حيث انكروا على الأصحاب اشتراط اتّباع المباراةبالطلاق مع اتّفاق النصوص صريحاً وظاهراً على خلافه، فمنهم من قدم إجماعهم عليها ومنهم من قدّمها عليه ولم يعلموا أنّ كلام الأصحاب مبنيّ على ما ذکروه
ص: 608
...
----------
من صيغ المباراة التي هي كنايات في الطلاق والخلع كما صرّحوا به في صيغة الخلع، كما أنّهم لم يعلموا أنّ ما في النصوص مبنيّ على المباراة التي هي الخلع المؤدّاة بصيغته؛ لأنّها قسم منه وليست إيقاعاً جديداً اشتقّ لها صيغة من لفظها بل هي كالمرابحة والمحاقلة والمزابنة التي لا يشتقّ لها صيغة تقوم مقام البيع من لفظها؛ لأنّها أقسام من البيع، وصيغتها صيغته، ولكن اختصّت بأسماء لمكان بعض أحكام، وكذلك المباراة التي هي خلع، ولذا استفاضت النصوص بعدم احتياجها إلى الاتّباع بالطلاق كالخلع.
وبذلك يظهر لك أنّه لا حاجة إلى الاستدلال للأصحاب بخبر «ليس ذاك إذا خلع» بناء على قراءته فعلاً حتّى يستدلّ بمفهومه على احتياج المباراة للطلاق، مع أن صدره منافٍ لذلك، والتحقيق ما عرفت والحمدلله ربّ العالمين.(1)
أقول: لكنّ-ه لا يوافق صريح بعض النصوص؛ لأنّ بعضها صريحة في عدم الحاجة إلى صيغة الطلاق وظاهرة في وقوعها بصيغة المباراة، فينبغي لحاظ النصوص والتكلّم حولها.
فمنها: خبر حمران، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يتحدّث قال: «المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما، لأنّالعصمة منها ق-د بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج».(2) فهو ظاهر في كفاية صيغة المباراة وصريح في عدم الحاجة
ص: 609
...
----------
إلى صيغة الطلاق.
ومنها: ما رواه جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق».(1)
ومنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع كما مرّ، قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السلام) عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع، هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال: «تبين منه، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت»، فقلت: فإنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق، قال: «ليس ذلك إذا خلع»، فقلت: تبين منه؟ قال: «نعم».(2)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المباراة أن تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك، واتركني فتركها إلّا أنّه يقول لها: إن ارتجعت في شيء منه فأنا أملك ببضعك».(3) ويستفاد منها عدم الحاجة إلى صيغة «بارأتك».
ومنها: مضمرة سماعة، قال: سألته عن المباراة كيف هي؟ فقال: «يكون للمرأة شيء على زوجها من مهر أو من غيره ويكون قد أعطاها بعضه فيكره كلّ واحد منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها: ما أخذت منك فهو لي، وما بقي عليك فهو لك، وأب-ارئك، فيقول الرجل لها: فإنأنت رجعت في شيء ممّا تركت فأنا أحقّ ببضعك».(4)
ص: 610
...
----------
ومنها: ما رواه ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المباراة تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك واتركني، أو تجعل من قبلها شيئاً فيتركها إلّا أنّه يقول: فإن ارتجعت في شيء فأنا أملك ببضعك، ولا يحلّ لزوجها أن يأخذ منها إلّا المهر فما دونه».(1)
ومنها: ما رواه عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «المبارئة تقول لزوجها: لك ما عليك وبارئني فيتركها»، قال: قلت: فيقول لها: فإن ارتجعت في شيءٍ فأنا أملك ببضعك؟ قال: «نعم».(2)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن امرأة قالت لزوجها: لك كذا وكذا وخلّ سبيلي؟ فقال: «هذه المباراة».(3)
ومنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، وهي قد مرّت.(4)
فالحقّ وقوع المباراة بصيغة المباراة إن لم نقل بكفاية كلّ لفظٍ وقولٍ يدلّ على المطلوب.
هل تجوز المباراة ببذل المهر وأخذه كلّه أو يشترط كونها بدونالمهر؟ فإنّه قد قام الإجماع والنصوص على اشتراطها بعدم الزيادة، ولا شكّ أيضاً في جواز أخذ
ص: 611
...
----------
الأقلّ، وإنّما الكلام والخلاف في جواز أخذ المساوي.
وبعبارة أُخرى: هل الزيادة مانعة أو النقصان شرط؟ فإنّ الروايات مختلفة، فبعضها تدلّ على عدم جواز أخذ المساوي بل لابدّ أن يقتص-ر على الأقلّ، منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «المبارئة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر، وإنّما صارت المبارئة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء، لأنّ المختلعة تعتدّي في الكلام وتكلّم بما لا يحلّ لها».(1)
والإشكال فيها بأنّ العلّة المذكورة فيها مشتركة بين المختلعة والمبارئة، فإنّ المبارئة أيضاً ربما تعتدي في الكلام كالمختلعة، مدفوعٌ بأنّ اعتداء المبارئة غير اعتداء المختلعة، فإنّه في المبارئة تقابل باعتداء الزوج ولا أقلّ من كراهته الموجبة لاعتدائها.
ومنها: موثّقة سماعة ومفادها كصحيحة زرارة، قال: سألته عن المختلعة؟ فقال: «لا يحلّ لزوجها أن يخلعها حتّى تقول: لا أبرّ لك قسماً» - إلى أن قال: - «فإذا اختلعت فهي بائن، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه، وليس له أن يأخذ من المباراة كلّ الذي أعطاها».(2)
وبعضها الآخر تدلّ على جواز أخذ المهر فما دونه، منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث المباراة، قال: «ولا يحلّ لزوجها أن يأخذ منها إلّا المهر فما دونه».(3)
ص: 612
...
----------
فالرواي-ات - كما رأيت - متعارض-ة، فذهب ع-دّة من الفقه-اء إلى مفاد صحيحة أبي بصير؛ لعدم كون الموثّقة حجّة في نظرهم، والإشكال عليهم بأنّه لو سلّم، فإنّ رواية زرارة صحيحة تكافؤ صحيحة أبي بصير مدفوعٌ بأنّ الحجّة عند الشهيد الثاني(1) إنّما هي للصحيح الأعلائي وهو ما يكون جميع رواته عدولاً قد شهد بها عدلان بالتنصيص وقد وقع في سند الصحيحة إبراهيم بن هاشم، وهو وإن يستفاد وثاقته من جهات مختلفة لكن لم يوجد لها نصّ.
وذهب بعض الفقهاء إلى إمكان الجمع بينهما بالذهاب إلى استحباب كون المأخوذ دون المهر وكراهة أخذه بلا نقص وزيادة وحرمة الزيادة، وهو حسن؛ لأنّ صحيحة أبي بصير(2) صريحة في الحلّيّ-ة وهما ظاهرتان في الحرمة على تقدير ظهور الجملة الخبريّ-ة في الإلزام، فما جاء في المتن من الاحتياط يقيّد بالاستحباب.
فاعلم أنّ المحقّق القمي(3) والشهيد الثاني(4) قد ذهبا إلى صحّة الطلاق بالعوض مع التيام أخلاقهما، خلافاً لغيرهما ممّن جاؤوا من بعدهما، وقدشدّد الكلام في الجواهر(5) على المحقّق القمي، فراجع إن شئت، وقد صنّف المحقّق المذكور رسالة في المسألة وقد وعدنا أن نتكلّم حول المسألة، وتمام الكلام فيها يتمّ في ثلاث جهات:
ص: 613
...
----------
إحداها: أنّه هل يوجد دليل على حرمة أخذ العوض للزوج من دون كراهة منها؛ سواء كره الزوج أم لم تكن الكراهة منه أيضاً؟
ثانيتها: أنّه على تقدير عدم الدليل فهل هناك دليل على صحّته كذلك وهو بائن أم لا؟
ثالثتها: هل النزاع واقعي بين هؤلاء الأصحاب أم نزاع يشبه النزاع في اللفظ؟
هذه هي الجهات الثلاث ولابدّ - بحسب طبع البحث - من تقديم الجهة الثالثة فأقول: إنّ مصبّ النزاع هو الطلاق بعوض مع كون الأخلاق ملتئمة، أو كون الكراهة منه خاصّة، والآية الشريفة: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَن يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾(1) تدلّ على صحّة هذا الطلاق ويقع بائناً؛ وذلك لعدم تعقّل بذلها العوض مع كون الأخلاق ملتئمة من دون خوف من إقامة حدود الله.
وما ذكره المحقّق القمي(قدس سرُّه) مثالاً لعدم الخوف بقوله:
فقد تكون المرأة محبّ-ة لزوجها، بل يصعب عليها مفارقته لكن الزوج يريد أن يسافرها إلى بلاد الغربة ويصعب على الزوج أيضاً مفارقتها لكن بسبب صعوبة الغربة عليها أو صعوبة مفارقتها على أبويها ترضى بأن تبذل مهرها ويطلّقها فيعوضه.(2)
يمكن أن يناقش فيه بأنّ في الاستمرار والبقاء على تلك الحال-ة خوف الانجرار
ص: 614
...
----------
إلى العداوة وعدم إقامة حدود الله، فالنزاع لفظي وليس للكراهيّ-ة موضوعيّ-ة، بل هي إحدى عوامل الخوف من عدم إقامة الحدود.
وأمّا الجهة الثانية، فقد يدلّ على صحّته عموم قوله تعالى: ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾،(1) وعموم: «المؤمنون عند شروطهم»،(2) بل قوله تعالى: ﴿إِلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾(3) بناءً على أنّ المراد من التجارة هو الحقّ، ولو سلّم عدم العموم فلقائل أن يقول: إنّ الأصل في المعاملات هو الصحّة إلّا ما ردعه الشارع بالعموم أو بالخصوص؛ وذلك لأنّه ليس للشارع تأسيس فيها إلّا نادراً إن لم نقل إنّه كالمعدوم، وعلى الصحّة فهو لازم من الطرفين؛ لأنّه أشبه شيء بالمعاوضة، بل هو معاوضة إمّا هبة معوّضة وإمّا صلحاً مع العوض وهما عقدان لازمان وبذلك يفترق عن الخلع والمباراة؛ لأنّهما لازمان من قبل الزوج وجائزان من قبل الزوجة وهو، بناء على ما ذكرنا من كونه هبة معوضة أو صلحاً مع العوض، لازم من الطرفين ولا ينفسخ إلّا بالإقالة والفسخ من الطرفين.
ثمّ إنّ العمدة في المنع هي ثلاثة وجوهٍ:
أحدها: أنّ الأصل هو عدم الصحّة، فإنّ الأصل بقاء الزوجيّ-ة وبقاء المال في ملكها.
ثانيها: الإجماع المدّعى على عدم صحّة الطلاق مع العوض من دونالخلع والمباراة.
ص: 615
...
----------
ثالثها: قوله تعالى: ﴿وَلا يحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾(1) وأمّا النصوص فهي تابعة للآية في الدلالة وعدمها.
لكن لا يخفى أنّ الوجهين الأوّلين لا يعبأ بهما في المسألة؛ لأنّ الأصل مع وجود الدليل المخالف لا وجه له، والإجماع فإنّ المحقّق القمي(قدس سرُّه) قد ذكر أقوالاً كثيرة مخالفة تدلّ على عدم صحّة النسبة، مضافاً إلى أ نّه مدركي ليس بحجّة، وأمّا الآية ظاهرة في كلام الأصحاب بدواً، فإنّ الأخذ قد منع مطلقاً واستثني الأخذ عند تحقّق الكراهة فقط، كما أنّ المستثنى في الروايات أيضاً هو هكذا وقد أجاب عنه المحقّق القمي(قدس سرُّه) بقوله:
وأمّا الاستدلال بعموم الآية على تحريم أخذ العوض عن الطلاق إلّا في الخلع - كما صدر من بعض أفاضل العصر ومن تقدّم عليه - فظنّي أنّه لا يتمّ. بيان ذلك: أنّ هنا دقيقة لم يسبقني إليها أحد فيما أعلم، وهي أنّ أغلب استعمالات كلمة «الأخذ» مبنيّ-ة على التناول الابتدائي الناشئ بسلب دواعيه من الأخذ كالغاصب وأهل السؤال وأهل الشرع في أخذ حقوق الله أو على سبيل الغلبة والتسلّط مثل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾،(2) ومثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْإِلَى بَعْضٍ﴾(3)والمأخوذ في
ص: 616
...
----------
المعاملات على وجه التراضي وطيب النفس لا يسمّى أخذاً بهذا المعنى ولذلك يقال للأسير: «الأخيذ» وكذلك للمرأة. وممّا يناسب هذا الاستعمال ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾(1) و﴿أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً﴾(2) و«لا تأخذه في الله لومة لائم»(3) و﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾(4) إذ لو لم تعتبر الغلبة في مفهوم الأخذ لكان المناسب تقديم النوم على السنة؛ لأنّ الترقّي في بيان عموم الغفلة إنّما يحصل بذلك، وقوله(علیه السلام): «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(5) أيضاً سرّ غريب؛ إذ فيه إشارة إلى أنّ المراد ما أخذته ممّا لم يستحقّه في نفس الأمر وإن لم يكن عادية في ظاهر الحال في ضمن المعاملة الصحيحة ظاهراً، ولو كان المراد الأخذ في الآية التي نحن فيها مطلق التناول والتعاطي لما جاز أخذ المهر من الزوجة لو وهبته أو إباحته لزوجها وقد قال تعالى: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾.(6) ولا ريب أنّ كلامنا فيما لو طلّقها بعوض المهر لطيب أنفسهما بدون الكراهة من المرأة لزوجها بللغرض آخر أشرنا إليه سابقاً سيّما لو ك-ان الع-وض من م-ال الوليّ كما أشرنا سابق-اً، فإنّه
ص: 617
...
----------
يصدق عليه أنّه طلاق بعوض ويصحّ الاحتراز عنه في تعريف الخلع.
والحاصل: أنّ الظاهر من الآية هو الأخذ الابتدائي من دون طيبة لنفس الزوجة وما يبذله في عوض الطلاق لأجل تخليص نفسها ليس بذلاً من طيب النفس، بل دعاها إليه إلجاؤها من جهة كراهتها له وخوف الوقوع في المعصية وإهلاك نفسها من الغصّة والحقد وإهلاك زوجها إيّاها خوفاً من إهلاكها إيّاه.(1)
هذا، والتحقيق أنّ ما أفاده المحقّق القمي(قدس سرُّه) في إطلاق «الأخذ» في الاستعمالات على الأخذ الابتدائي بالدواعي أو القهر والغلبة جيّد. نعم، يلزم م-ن ذلك أن يكون الاستثناء منقطعاً؛ حيث إنّه راجع إلى الفدية وهي تتحقّق في المعاوض-ة.
وفيه: أن لا إشكال فيه، بل هو مؤكّد للعموم أحياناً ولا دليل على كون الأصل في الاستثناء هو الاتّصال، مضافاً إلى أنّه لقائل أن يقول: إنّه استثناء متّصل، لكنّه بشكل الاستخدام فكلاهما أخذ ولكن أحدهما الأخذ ابتداءً والآخر غير ابتدائي، ولكن توجد هنا دقيقة أُخرى تفيد حرمة الطلاق مع أخذ العوض كما أفاده العلّامة الطباطبائي في تفسيره، قال(قدس سرُّه):
وفي تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالاحسان من لطيف العناية ما لا يخفى، فإنّ الإمساك والردّ إلى الحبالة الزوجيّ-ة ربما كان للإضرار بها وهو منكر غير معروف، كمن يطلّق امرأته ثمّ يخلّيها حتّى تبلغ أجلها فيرجع إليها ثمّ يطلّق ثمّ يرجع كذلك، يريد بذلك إيذائها والإضرار بها
ص: 618
...
----------
وهو إضرار منكر غير معروف في هذه الشريعة منهيٌّ عنه، بل الإمساك الذي يجوّزه الشرع أن يرجع إليها بنوع من أنواع الالتيام، ويتمّ به الأنس وسكون النفس الذي جعله الله تعالى بين الرجل والمرأة.
وكذلك التسريح ربما كان على وجه منكر غير معروف يعمل فيه عوامل السخط والغضب، ويتصوّر بصورة الانتقام، والذي يجوّزه هذه الشريعة أن يكون تسريحاً بنوع يتعارفه الناس ولا ينكره الشرع وهو التسريح بالمعروف، كما قال تعالى في الآية الآتية: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾،(1) وهذا التعبير هو الأصل في إفادة المطلوب الذي ذكرناه، وأمّا ما في هذه الآية: ﴿أَوْ تَسْريحٌ بإحْسَان﴾،(2) حيث قيّد التسريح بالإحسان وهو معنى زائد على المعروف؛ فذلك لكون الجملة ملحوقة بما يوجب ذلك؛ أعني قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾.(3)
بيانه: أنّ التقييد بالمعروف والإحسان لنفي ما يوجب فساد الحكم المشرع المقصود، والمطلوب بتقييد الإمساك بالمعروف نفي الإمساك الواقع على نحو المضارّة، كما قال تعالى: ﴿وَلَاتُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ﴾(4) والمطلوب في مورد التسريح نفي أن يأخذ الزوج بعض ما آتاه للزوجة من المهر، ولا يكفي فيه تقييد التسريح بالمعروف كما فعل في
ص: 619
...
----------
الآية الآتية، فإنّ مطالبة الزوج بعض ما آتاه زوجته وأخذه ربما لم ينكره التعارف الدائر بين الناس فزيد في تقييده بالإحسان في هذه الآية دون الآية الآتية ليستقيم قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾،(1) وليتدارك ذلك ما يفوت المرأة من مزيّ-ة الحياة التي في الزوجيّ-ة والالتيام النكاحي، ولو قيل: أو تسريح بمعروف ولا يحلّ لكم ... فأتت النكتة.(2)
ويؤيّده ما قاله الراغب في مفرداته من أنّ الأخذ هو حوز الشيء.(3)
ولكن يمكن أن يناقش فيما أفاده ; بأنّ الإحسان ربما تستعمل ويراد منه البرّ من دون عوض، كما ورد في قول-ه تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾،(4) وقول-ه تعالى: ﴿وَقَض-َى رَبُّكَ أَلّا تَعْبُدُواْ إلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاً﴾؛(5) لأنّ الإحسان في الآية الأُولی غير العَدل وأعلى منه وهو لا يتمّ إلّا بالبرّ من دون عوض؛ لأنّ البرّ مع العوض هو العَدل، وكذا في الآية الثانية، فإنّ البرّ بالوالدين بعوض لا يعدّ إحساناً لهما.
وربما يراد منه ما يقابل الإساءة والظلم، كما ورد في قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾،(6) والإحس-ان بهذا المع-نى يتحدّ معالمعروف
ص: 620
...
----------
مصداقاً وإن كان خلافه مفهوماً.
وأمّا الإحسان في آية: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(1) ففيها احتمالان، كونه بمعنى البرّ من دون عوض، وكونه بمعنى يقابل الإساءة والظلم ولا معيّن لأحدهما فلا يثبت العموم حتّى يكون الصدر قرينة على الذيل، بل لا يبعد القول بأنّ المراد منه ما يقابل الإساءة والظلم؛ لأنّ التعميم في معنى الإحسان يلزم منه أوّلاً ذكر العامّ بعد الخاصّ، فإنّه تعالى قال فيما بعده: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾(2) والتسريح بالمعروف أعمّ من التسريح بالإحسان على التعميم في معنى الإحسان، وثانياً عدم تماميّ-ة الحصر، فإنّه تعالى حصر الطريق في الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، مع أنّ قوله تعالى فيما بعده يدلّ على جواز التسريح بالمعروف وهو غير التسريح بالإحسان حسب الفرض فلا يتمّ الحص-ر، وهاتان الجهتان قرينتان على عدم العموميّ-ة للصدر أيضاً، فالحقّ - كما أفاده المحقّق القمي(3)- صحّة الطلاق بالعوض ولو مع التئام الأخلاق وعدم الخوف من إقامة الحدود.
فتحصّل ممّا مرّ أنّ الطلاق من حيث الرجوع، على أربعة أقسام:
الأوّل: ما يكون للزوج دون الزوجة وهو الطلاق الرجعي المعروف.
الثاني: عكس الأوّل وهو الخلع والمباراة.
الثالث: ما لا يكون الرجوع فيه، لا للرجل ولا للمرأة وهو الطلاق بعوض
ص: 621
...
----------
مع التراضي بعقد لازم كالهبة والصلح. نعم، يمكن الإقالة والفسخ برضا الطرفين.
والرابع: ما يكون الرجوع فيه لهما وهو الطلاق بعوض مع التراضي بعقد جائز كالجعالة.
مسألة: يجوز للزوج نكاح المختلعة والمبارئة بعقد جديد ولو في عدّتهما إذا لم يتحقّق الرجوع منهما؛ لعدم المنع عن النكاح في عدّة نفسه وإنّما المحرّم هو الزواج في عدّة الغير.
مسألة: إذا أتت بفاحشة هل يجوز عضلها لتفدي نفسها أم لا؟ قال المحقّق الأوّل(قدس سرُّه): إذا أتت بفاحشة، جاز عضلها لتفدي نفسها، وقيل: هو منسوخٌ ولم يثبت.(1)
أقول: وفيه جهات من البحث مراعياً للاختصار:
إحداها: في نسخ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾(2) وعدمه، فذهب بعض إلى نسخها بآية حدّ الزنا: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ
ص: 622
...
----------
اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(1) وهو من العامّة ظاهراً ولا وجه له ولا دليل عليه بل الظاهر خلافه؛ لعدم المنافاة بين الأمرين.
ثانيتها: ما المراد من الفاحشة المبيّنة؟ فقال بعض: إنّه الزنا، وبعض: إنّه كلّ معصية، وبعض: إنّه ما يوجب الحدّ، والقدر المتيقّن هو الأوّل.
وثالثتها: في أنّه هل هذا الطلاق هو طلاق الخلع أو طلاق بالعوض على نحو خاصّ؟ فاستظهر المسالك(2) من كلمات الأصحاب كونه خلعاً، لكن مختاره; أنّه غيره. وفي الجواهر اختيار الخلع. هذا، واستشهد الجواهر على مختاره بوجوهٍ:
الأوّل: أنّ الأصحاب قد عدّوه في باب الخلع، قوله:
وظاهرهم كون المقام منه، وإلّا فقد صرّحت النصوص المستفيضة أو المتواترة بعدم حلّ أخذ شيء منها بدون كراهتها الظاهرة بالأقوال المزبورة، وقد عرفت أنّ الطلاق بالعوض لا مصداق له غير مورد الخلع.
الثاني: قوله:
بل لعلّ التأمّل في كلامهم في المقام وذكرهم الفدية ونحوها يش-رف الفقيه على القطع بكون الفرض من مقام الخلع، وإلّا لذكروا له أحكاماً مستقلّة من كونه طلاقاً بائناً حينئذٍ أو رجعيّ-اً،وأنّه يجوز له الرجوع بما إفدته أو لا، إلى غير ذلك من الأحكام.
ص: 623
...
----------
الثالث: قوله:
على أنّه بناءً على إرادة كلّ معصية من الفاحشة ينبغي القول بجواز إكراه المرأة على إفدائها بكلّ ما يقترحه عليها أو بمقدار ما وصل إليها منه أو بعضه بمجرّد غيبة أو كذبة أو غير ذلك من المعاصي وإن كانت المرأة كارهة للفراق ومحبّ-ة لزوجها، وهو حكم غريب لم يذكره فقيه، ولابحثوا عنه، ولا ذكروا له أحكاماً، وكذا لو قلنا بأنّ المراد منها الزنا أو ما يوجب الحدّ، بل لعلّ القول بجواز الإكراه لها بما لا يجوز له قبل الفاحشة من سائر أفراد الظلم حتّى تفدي نفسها من المستنكرات.
ثمّ قال:
فالأولی أن يقال: إنّ المراد جواز إكراه المرأة الكارهة لزوجها التي هي موضوع الخلع إذا جاءت بالفاحشة، وهي نشوزها وخروجها عن طاعته؛ لكراهتها له بالتضييق عليها من الهجر وقطع النفقة وغير ذلك ممّا هو جائز لها حتّى تفدي نفسها منه بما يشاء منها، وهو في الحقيقة ليس إكراهاً بما لا يجوز له، بل هو إكراه بحقّ. فتأمّل جيّداً؛ فإنّ المقام غير محرّر في كلماتهم، والله العالم.(1)
أقول: ويرد على الأوّل أنّ الأنسب، بل الأولی هو الأخذ بإطلاق آية:﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾،(2) فإنّها الأصل للروايات، وعلى الثاني، أنّ ذكرهم هذا في كت-اب الخلع بعنوان مسألة مستقلّة ملحقة في الباب، إن لم يدلّ
ص: 624
...
----------
على أنّه ليس بخلع فلا أقلّ من احتماله وعدم ذكر الأحكام فلعلّه لوضوحها هنا، وعلى الثالث أنّ الاستنكار محقّق في جواز العضل في كلّ معصية ترتكبها ولكن لا مانع من الالتزام بالجواز عند ارتكابها الزنا وهي محصنة خائنة فللزوج أن يضرّ بها حتّى تعطيه ماله وحتّى ما ورثته، ولا يخفى رادعيّ-ة هذا الحكم عن زنا المحصنة، وتخصيص الآية بالكارهة لا دليل عليه، وتفسير الفاحشة بالنشوز أيضاً لا دليل عليه. والحقّ في المسألة أنّ الظاهر من الفاحشة المبي-ّنة هو الفاحشة المناسبة للزوجيّ-ة، وذلك لوجهين:
أحدهما: مناسبة الحكم والموضوع كإيذاء أقربائه والجيران وسرقة ما في البيت.
وثانيهما: الأخبار الواردة في باب العدّه المفسّرة للفاحشة المبيّنة بالس-رقة وإيذاء أهل الزوج، والزنا من أظهرها، فللزوج عضلها مع ارتكابها تلك الأُمور وإن لم تكن كارهة له، والآية مخصّصة لقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَن يَخَافَا أَلّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾.(1)
هذا تمام الكلام في كتاب الخلع، والحمد لله ربّ العالمين.(2)
ص: 625
ص: 626
کتاب الظهار
ص: 627
ص: 628
الذي كان طلاقاً في الجاهليّ-ة وموجباً للحرمة الأبديّ-ة، وقد غيّر شرع الإسلام حكمه وجعله موجباً لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفّارة بالعود كما ستعرف تفصيله.(1)
----------
(1) الظهار مصدر «ظاهر» كالمظاهرة، مأخوذ من الظهر؛ لأنّ الأصل في الظهار قول الرجل لزوجته: «أنت عليّ كظهر أُمّي». والظاهر أنّه لا يمكن تعريف الظهار بما يوافق كلّ المباني الموجودة في المسألة؛ لأنّ مختار بعضهم صحّته في الأُمّ فقط، وبعضهم الآخر الاختصاص بالمحارم النسبيّ-ة، وثالث بجريانه في كلّ المحارم وإن كانت رضاعيّ-ة أو حاصلة بالمصاهرة. ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره الشهيد الثاني في تعريفه غير تامّ، قال:
وحقيقته الشرعيّ-ة تشبيه الزوج زوجته ولو مطلقة رجعيّ-ة في العدّة بمحرمه نسباً أو رضاعاً، قيل: أو مصاهرة على ما سيأتي منالخلاف فيه.(1)
هذا، مع أنّه ليس له حقيقة شرعيّ-ة وأنّه ليس من مبدعات الشرع، فالمتّبع في
ص: 629
...
----------
حقيقته معناه العرفي. نعم، القدر المتيقّن من مصاديقه هو قوله لها: «أنت عليّ كظهر أُمّي»، دون سائر التفاسير، ولا يخفى وجه المشابهة فيه.
والأصل في الظهار قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾.(1)
ودلالة الآية لمكان: ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ على نفي الأُمومة من المظاهرة واضحة، فأحكام الأُمّ وآثارها الواردة في سبب نزولها بكونه معصية منتفية عنها بلا إشكال ولاكلام، كما أنّه لا إشكال ولا كلام لاحد من الفقهاء من الخاصّة والعامّة في دلالتها على حرمة الظهار وكونه معصية؛ لأنّه منكرٌ من القول وزور، وهما محرّمان مع تصريح الرواية.
وإنّما الكلام في كون هذه الحرمة موجبة لاستحقاق العقوبة الأُخرويّ-ة كبقيّ-ة المحرّمات أم ليس فيها إلّا الكفّارة، وهي العقوبة الدنيويّ-ة؟
وفي الشرائع قال:
الظهار محرّم؛ لاتّصافه بالمنكر، وقيل لا عقاب فيه لتعقّبه بالعفو.(2)
وفيه: أنّه لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو والغفران فعليّتهما بهذا النوعمن المعصية وذكره بعده لا يدلّ عليه، فإنّه تعالى موصوفٌ بذلك، عفى عن هذا الذنب الخاصّ أو لم يعف.
ص: 630
...
----------
نعم، تعقّبه له لا يخلو من باعثٍ على الرجاء والطمع في عفو الله تعالى، ونظائره في القرآن كثيرة، كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾،(1) وغيره.
هذا كلّه بالنسبة إلى نفس الآية الشريفة، وإلّا فقد عرفت التص-ريح في الرواية الواردة في سبب نزولها بكونه معصية موجبة للكفّارة، وإنّما العفو كان لأوّل الفاعلين باعتبار جهله. هذا، مع أنّ الحرمة على هذا النحو غير معقولة عادة؛ لأنّ النهي لابدّ وأن يكون بداعي الزجر، والزجر للعامّة ليس إلّا بالعذاب. نعم، في الخواصّ يحصل الزجر بغيره أيضاً لكنّه غير مربوطٍ بالعامّة من الناس وهم المناط في التكاليف لا الخواصّ.
ثمّ إنّ الكفّارة وإن كانت عقوبة إلّا أنّها ليست لنفس الظهار بل للوطئ، كما عليه الكتاب والسنّ-ة والإجماع. أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾،(2) كما مرّ آنفاً.
وأمّا السنّ-ة، فمنها: صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: سألناه عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفّارة؟ قال: «إذا أراد أن يواقع امرأته»، قلت: فإن طلّقها قبل أن يواقعها أ عليه كفّارة؟ قال: «لا، سقطت عنه الكفّارة».(3) ومثلها ما يأتي في محلّه.
ص: 631
(مسألة 1): صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة: «أنت عليّ كظهر أُمّي»،(1) أو يقول بدل: «أنت» «هذه» مشيراً إليها، أو «زوجتي»، أو «فلانة».(2)
ويجوز تبديل «عليّ» بقوله: «منّي» أو «عندي» أو «لديّ».(3) بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة «عليّ» وأشباهه أصلاً بأن يقول: «أنت كظهر أُمّي».(4)ولو شبّهها
----------
(1) نصّاً وفتوىً وهو موضع وفاقٍ، بل عليه وفاق علماء الإسلام.
(2) فكلّ ما يكون معرّفاً للمراة يكون كافياً في الصيغة ولا خصوصيّ-ة لضمير الخطاب كما لا يخف-ى، ول-ذا نلاح-ظ أنّ الشهيد الثان-ي ذهب إلى أنّ كفاي-ة غي-ر «أنت عليّ كظهر أُمّي» ممّا في معناها وما شاكلها من الألفاظ الدالّة على تمييزها عن غيرها أيضاً محلّ وفاقٍ.(1)
(3) لعدم خصوصيّ-ة ما ذكر في النصوص؛ وذلك لإلغاء الخصوصيّ-ة عرفاً. هذا، مع ما استدلّ به صاحب الجواهر(2) من أنّ اختلاف النصوص في الصيغ يدلّ على عدم خصوصيّ-ة لفظ «عليّ».
(4) لظهورها في الظهار. هذا.
وقد استشكل عليه العلّامة في التحرير(3) ووجّه الإشكال في المسالك(4)بأنّ عدم الإتيان بلفظة «عليّ» يوجب احتمال الرجوع إلى نفسه وإلى غيره، وهذا يختلف عن صيغة الطلاق، وفيه: أنّه ظاهر في الأوّل فقط.
ص: 632
بجزء آخر من أجزاء الأُمّ غير الظهر، كرأسها أو يدها أو بطنها،(1)ففي وقوع الظهار قولان.(2)
----------
(1) أو غيرها مطلقاً.
(2) أوّلهما للشيخ في الخلاف،(1) بل فيه ادّعاء الإجماع على ذلك، والثاني للسيّد المرتضى، بل قيل: والمتأخّرين، بل في انتصاره: إنّه ممّا انفردت به الإماميّ-ة.(2)
دليل الأوّل خبر سدير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قلت له: الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ ك-شعر أُمّي أو ككفّها أو كبطنها أو كرجلها، قال: «ما عنى به؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار».(3)
وضعف سنده منجبرٌ بما عن الشيخ في الخلاف من الإجماع على ذلك،(4) بل وبعمل الصدوق(5) والقاضي(6) وابن حمزة،(7) فإنّ ذلك مع روايتها في التهذيب(8) الذي هو أحد الكتب المعتبرة المبيّ-نة كافٍ في جواز العملبها، خصوصاً بعد اعتضاده بمرسلة يونس، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ كظهر أُمّي أو كيدها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها، أ يكون ذلك
ص: 633
...
----------
الظهار؟ وهل يلزمه فيه ما يلزم المظاهر؟ قال: «المظاهر إذا ظاهر من امرأته فقال: هي عليه كظهر أمّه أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشيء منها ينوي بذلك التحريم فقد لزمه الكفّارة في كلّ قليل منها أو كثير ... »،(1) الحديث.
ولا يخفى عليك أنّه مضافاً إلى أنّ إجماع الخلاف مع مصير السيّد، بل والمتأخّرين، بل ومع ادّعائه أنّ عدم الوقوع ممّا انفردت به الإماميّ-ة غير كافٍ في الانجبار، تعارضهما صحيحة زرارة، وهي مقدّمة عليهما لوجوهٍ كما لا يخفی، ففي حديث عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه سأله كيف الظهار؟ فقال: «يقول الرجل لامرأته، وهي طاهر من غير جماع: أنت عليّ حرام مثل ظهر أُمّي، وهو يريد بذلك الظهار».(2)
وكذا صحيحة جميل بن درّاج، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يقول لأمرأته: أنت عليّ كظهر عمّته أو خالته، قال: «هو الظهار ... »،(3) الحديث.
والاستدلال يكون بالحصر في مقام الجواب عن السؤال عن كيفيّ-ة الظهار في الأُولی وبتقديم المبتدأ على الخبر الظاهر في الحصر في الثانية.
اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ السؤال في الأُولی يكون عن الكيفيّ-ة من حيث الش-رائط كما يظهر من الجواب، وأمّا الصيغة، فلم تكن مورداً له لمعلوميّته،وذكر المعصوم(علیه السلام) إنّما يكون لتكميل الجواب، وفي الثانية، الحص-ر يكون مربوطاً بالمحارم النسبيّ-ة وبالنسبة إليها لا بالنسبة إلى الأعضاء أو هي مع المحارم. فتدبّر وتأمّل.
ص: 634
أحوطهما ذلك.(1) ولو قال: أنت كأُمّي أو أُمّي قاصداً به التحريم لا علوّ المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك لم يقع وإن كان الأحوط وقوعه، بل لا يترك الاحتياط.(2)
(مسألة 2): لو شبّهها بإحدى المحارم النسبيّ-ة غير الأُمّ، كالبنت والأُخت، فمع ذكر الظه-ر بأن يق-ول مثلاً: «أنت عليّ كظهر أُختي» يقع الظهار على الأقوى.(3)
----------
ثمّ إنّ مقتضى الأصل، بل الأُصول عدم حصوله.
(1) لكن الأظهر غير ذلك وهو عدم الوقوع؛ للأصل وغيره.
(2) فيه قولان: الوقوع وعدمه، والأوّل لوجهين:
أحدهما: أنّه أولى بالتحريم؛ لأنّ التشبيه بتمام أجزاء الأُمّ التي منها الظهر الذي هو محلّ النصّ والفتوى أولى في إفادة الحرمة من التشبيه ببعض الأجزاء.
ثانيهما: أنّ الظهر إنّما أتى به بغرض الإشارة إلى حرمة الأُمّ وهذا الغرض حاصل في الت-شبيه بنفس الأُمّ أيضاً فلا مدخليّ-ة ل-ه. وفي كليهما ما لا يخفى، ف-إنّه - مضافاً إلى أنّ الباب باب التعبّد - يحتمل أن يكون تحريم الظهار ووجوب الكفّارة ردعاً لسنّ-ة الجاهليّ-ة التي للظهر خصوصيّ-ة فيها، وأمّا غير المشتمل على الظهر لم يكن عند الجاهليّ-ة ظهاراً حتّى تكون الأدلّة ناظرة إليه، فيقتصر على مورد الدليل وهو بعض الأجزاء، فلا وجه للزوم الاحتياط.
(3) كما هو الأشهر روايةً وفتوىً. ويدلّ عليه صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الظهار؟ فقال: «هو م-ن كلّ ذي محرم من أمّ أو أُخت أو عمّة أو
ص: 635
...
----------
خالة، ولا يكون الظهار في يمين ... »،(1) الحديث.
وكذا ما م-رّ(2) من صحيحة جميل، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر عمّته أو خالته، قال: «هو الظهار ... »،(3) الحديث.
وأمّا صحيحة سي-ف التمّار، فاست-دلّ بها الطرفان؛ لما لا يخفى، ق-ال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ ظهر أُختي أو عمّتي أو خالتي، قال: فقال: «إنّما ذكر الله الأُمّهات وأنّ هذا لحرام».(4)
فاستدلّ بها لقول المشهور بتقريب أنّ المشار إليه في الأخير هو الصدر، فتدلّ على أنّ الأُخت والعمّة والخالة كالأُمّ في الظهار وأنّ المحرم بالقرآن هو الأُمّهات وبالسنّ-ة غيرها من المحارم النسبيّ-ة.
وللقول الآخر بأنّ المشارإليه هو الذيل؛ أي الأُمّهات، فتدلّ على عدم حرمة ما اشتمل على غير الأُمّ من المحارم النسبيّ-ة، ففي الرواية احتمالان، فلا تعارض ما يدلّ على القول المشهور وإلّا فالترجيح لهذه الصحيحة؛ وذلك لموافقتها للكتاب، ولكنّ العمدة أنّ التعارض غير ثابتٍ.
ثمّ إنّ شمول الحكم للمحارم بالمصاهرة تحريماً مؤبّداً كأُمّ الزوجة وبنتها بعد الدخول بالأُمّ وزوجة الأب والابن أو المحارم بالعدد كالمطلّقة تسعاً أوبالطلاق كالثالث أو المحارم بالرضاع موقوفٌ على عموم المحارم وعدم اختصاصها بالنسبيّ-ة في صحيحة زرارة المتقدّمة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الظهار؟ فقال:
ص: 636
وبدونه، كما إذا قال: كأُختي أو كرأس أُختي لم يقع(1) على إشكال.(2)
(مسألة 3): الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل، فلو قالت المرأة: «أنت عليّ كظهر أبي أو أخي» لم يؤثّر شيئاً.(3)
----------
«هو من كلّ ذي محرم من أمّ أو أُخت أو عمّة أو خالة»؛ وذلك بأنّ ذكر الأُمّ والأُخت والعمّة والخالة من باب المثال لا المصداق والانحصار، فهي بعمومها شاملة لجميع المحارم. هذا مضافاً إلى عموم التنزيل في أدلّة الرضاع، كقوله(علیه السلام): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1) بالنسبة إلى المحرّمات الرضاعيّ-ة.
وفيهما ما لا يخفى، فإنّ المحرم في الصحيحة منص-رفة إلى المحرم النسبي، والقاعدة إنّما تكون في مقام بيان التحريم خاصّة، وأنّ المحرم بالرضاع في حكم المحرم بالنسب في حرمة الزواج وجواز النظر دون بقيّ-ة الآثار. وبعبارة أُخرى: لاعموم في التنزيل حتّى يترتّب عليه كلّ الآثار المترتّبة على المحارم النسبيّ-ة من الإرث وغيره، كما هو واضح.
(1) قضاءً للإطلاق.
(2) كما م-رّ.(2)
(3) إجماعاً (3) ونصّاً وقاعدةً، فإنّ الظهار هو بمنزلة الطلاق فلا يقع منها، وأمّا النصّ، فيدلّ عليه ما رواه السكوني، قال: قالأميرالمؤمنين(علیه السلام): «إذا قالت المرأة: زوجي عليّ كظهر أُمّي فلا كفّارة عليهما».(4)
ص: 637
(مسألة 4): يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق.(1)
----------
(1) للإجماع، ولصحيحة حمران في حديث، قال: قال أبوجعفر(علیه السلام): «لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب، ولا يكون ظهار إلّا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين».(1)
وفي دلالتها على شرطيّ-ة العدالة تأمّل ظاهر؛ لما فيها من اعتبار الإسلام في الشاهدين دون العدالة، بل الظاهر من الوصف في مقام التحديد الإسلام دون العدالة، فالاستدلال بها على عدم شرطيّ-ة العدالة أولى وأحقّ من الاستدلال على الشرطيّ-ة؛ نعم، الاستدلال تامّ على كون العدالة هو الإسلام كما عليه، فالعمدة هي الإجماع.
اللّهمّ إلّا أن يقال: لمّا أنّ الظهار مشتركٌ مع الطلاق في غير واحد من الأحكام بل في كلّها إلّا ذلك الشرط فالمتفاهم عرفاً من أدلّتها عدم الخصوصيّ-ة في تلك الشرائط وأنّها ليست معتبرة بما هي، بل المعتبر هو القدر الجامع بينها وهو مماثلة الظهار للطلاق في الش-رائط وخصوصيّ-ة الش-رائط وظهورها في الموضوعيّ-ة منتفي-ة عرفاً مع الكثرة كما لا يخفى.
لا يقال: فيما دلّ على اعتبار العدالة في الشاهدين هنا كفاية.
لأنّا نقول: إنّ الشهادة هنا مختلفة عن الشهادة في غيره؛ لأنّها ليست منباب الإشهاد ومقام الإثبات، بل شرطٌ في الصحّة والثبوت كالطلاق. فتدبّر ولا تغفل.
ص: 638
وفي المظاهر: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع من الصبيّ ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي والهازل والسكران (1) ولا مع الغضب؛ سواء كان سالباً للقصد أم لا على الأقوى.(2)
وفي المظاهرة: خلوّها عن الحيض والنفاس، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على
----------
وقد مرّ(1) منّا بعض الكلام في الشهادة على الطلاق.
(1) وذلك قضاءً للشرائط العامّة، ولخصوص ما ورد في السكران في موثّق عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «لا طلاق إلّا ما أُريد به الطلاق، ولا ظهار إلّا ما أُريد به الظهار».(2)
نعم، في السكران القاصد فعدم الصحّة من باب الإلحاق بالطلاق.
(2) إجماعاً، ويدلّ عليه ما مرّ(3) من صحيح حمران، وأيضاً صحيح أحمد بن أبي نصر، عن الرضا(علیه السلام)، قال: «الظهار لا يقع على الغضب».(4)
ولافرق بين كون الغضب سالباً للقصد أم لا؛ وذلك لإطلاق الصحيحين، ولظهور العنوان في الموضوعيّ-ة، وحمله على ما كان الغضب سالباًللقصد، لكثرته مخالفٌ لظهور العناوين في الموضوعيّ-ة وموجبٌ لصيرورة العنوان عنواناً مشيراً وهو كما ترى. فتأمّل.
ص: 639
التفصيل المذكور في الطلاق.(1)
----------
(1) إجماعاً، ويدلّ عليه صحيحة حمران(1) كما رأيت، وكذا صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث أنّه سأله كيف الظهار؟ فقال: «يقول الرجل لامرأته وهي طاهر من غير جماع: أنت عليّ حرام مثل ظهر أُمّي، وهو يريد بذلك الظهار».(2)
وكذا مرسلة ابن فضّال، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق»،(3) فإنّها تدلّ على اعتبار كلّ ما اعتبر في الطلاق، وهي وإن كانت مرسلة ولكنّها كما في الجواهر(4) معتضدة بفتاوى الأصحاب.
هذا، وفي صحيح حمران دلالة على شرطيّ-ة عدم الإضرار كعدم الغضب، ففيها: «لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب»، وعدم ذكره في الشرائط في أكثر العبارات - كالمتن - وإن كان دليلاً على عدم الشرطيّ-ة عندهم كما لا يخفى، لكنّ المتّبع هو النصّ.
والاستدلال لعدم الشرطيّ-ة بعموم الكتاب والسنّ-ة وأنّ خبر الواحد الخاصّ غير قابل لكونه مخصّصاً لعموم الكتاب.
ففيه: إنّما يتمّ على ذلك المبنى، وأمّا على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد الذي عليه مدار الفقه وسيرة الاستنباط ففي الاستدلال ما ترى.
ص: 640
وفي اشتراط كونها مدخولاً بها قولان، أصحّهما ذلك.(1)
----------
لا يقال: لابدّ من تخصيص الكتاب بصحيح حمران(1) حتّى على القول بعدم جواز تخصيصه بالخبر؛ وذلك لاعتضاده بالشهرة وبقاعدة نفي الض-رر والض-رار فيكون الصحيح خبراً واحداً محفوفاً بالقرينة القطعيّ-ة خارجاً عن كونه خبراً واحداً ظنيّاً.
لأنّا نقول: بلوغ الشهرة إلى حدّ القطع بحيث يجعلها قرينة قطعيّ-ة غير ثابت. هذا، مع أنّ الشهرة لعلّها مستندة إلى تخصيص الكتاب بخبر الواحد الذي عليه مدار الفقه فليست الشهرة زائدة على الخبر، وأمّا قرينيّ-ة قاعدة نفي الضرر، ففيه: أنّ تلك القاعدة غير شاملة لمثل الظهار المبني على الض-رار من جهة استلزام الشمول كون الضرار مقتضياً لحكمين متنافيين وكونه موضوعاً لهما وهو كما ترى.
وبالجملة، كما أنّ القاعدة منصرفة عن الأُمور المهمّة وعن الضرر المقدم فكذا عن مثل الظهار المبنيّ على الضرار، ومع الانصراف وعدم الشمول فأين الاعتضاد والقرينيّ-ة. ولقائل أن يقول: إنّ الظهار في الجاهليّ-ة كان على قسمين، قسم للإضرار وقسم لإزالة عقد النكاح كالطلاق، فالقاعدة مؤيّدة للصحيح بالنسبة إلى الأوّل كما لا يخفى.
(1) ونكتفي في ذلك بما في الجواهر ممزوجاً بما في الشرائع:
وفي اشتراط الدخول تردّدٌ وخلافٌ، والمرويّ صحيحاً عن الصادقين(علیهما السلام) اشتراطه، ففى صحيح ابن مسلم، عنأبي جعفر وأبي عبدالله(علیهما السلام)، قال في المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال: «لا يقع علیها
ص: 641
...
----------
إيلاء ولا ظهار».(1) وفي صحيح الفضیل بن يسار، عن الصادق(علیه السلام): سألته عن رجل مملك ظاهر من امرأته؟ قال: «لا يلزم»، ثمّ قال: وقال لي: «لا يكون ظهار ولا إيلاء حتّى يدخل بها».(2) إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة مع ذلك بعمل الشيخ(3) والصدوق(4) وأكثر المتأخّرين كما في المسالك.(5) خلافاً للمفيد(6) والمرتض-ى(7) وسلّار(8) وابني إدريس(9) وزهرة،(10) وهو القول الآخر الذي مستنده التمسّك بما في الكتاب من العموم القابل للتخصيص بالسنّ-ة عندنا، كما حرّر ذلك في محلّه، ولا ينافي ذلك ما دلّ على أنّه: «لا يكون ظهار إلّا على مثل موضع الطلاق» من الخبر المزبور.(11) ومن المعلوم عدماعتبار الدخول في صحّة الطلاق، فليكن الظهار كذلك، ضرورة عدم اقتضاء الخبر المزبور إلّا أنّ الظهار لا يق-ع إلّا حيث يقع الطلاق، لا أنّه حيث م-ا يقع الطلاق يقع الظهار،
ص: 642
(مسألة 5): الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجيّ-ة بل ي-قع على المتمتّع بها.(1)
----------
كما هو واضح.(1)
ثمّ إنّ العلّامة(قدس سرُّه) قد ذهب في القواعد إلى بطلان ظهار الخنثى إن اشتُرط الدخول، وهو واضح البطلان؛ لأنّ الخنثى لا يجوز تزويجه.(2)
(1) على المشهور؛ لإطلاق الأدلّة، خلافاً للمحكيّ عن الحلّي وظاهر الإسكافي والصدوق؛ للأصل المقطوع بالإطلاق المزبور، ولانتفاء لازم الظهار الذي هو الإلزام بأحد الأمرين: الفئة أو الطلاق المعلوم امتناعه فيها، وتنزيل هبة المدّة منزلته قياسٌ، على أنّ أجل المستمتع بها قد يكون قليلاً لا يحتمل الأمر بالصبر إلى المدّة.
وفيه منع كون ذلك لازم أصل الظهار، وإنّما هو حكم ما تعلّق منه بالزوجة التي يمكن ذلك في حقّها، خصوصاً بعد كون وقوعه بالمملوكة المرويّ صحيحاً وغيره في النصوص المستفيضة(3) التي لا يجري فيهاذلك.
والمرسل عن الصادق(علیه السلام): «لا يكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق»(4) لا
ص: 643
(مسألة 6): الظهار على قسمين: مشروطٌ ومطلق، فالأوّل ما علّق على شيء دون الثاني، ويجوز التعليق على الوطء؛ بأن يقول: «أنت عليّ كظهر أُمّي إن واقعتك».(1)
----------
جابر له في المقام، بل يمكن دعوى انصرافه إلى إرادة اعتبار شرائط الطلاق من الخلوّ عن الحيض ونحوه منه لا نحو المقام، كما أنّه يمكن دعوى اندراج المتمتّع بها في المثل.
(1) اعلم أنّ مذهب العامّة صحّة الظهار باليمين ومذهب الخاصّة عدم الصحّة، وعليه أخبارنا ونصوصنا، منها: صحيحة حمران في حديث، قال: قال أبوجعفر(علیه السلام): «لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب، ولا يكون ظهار إلّا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين».(1)
ومنها: صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الظهار؟ فقال: «هو من كلّ ذي محرم من أُمّ أو أُخت أو عمّة أو خالة، ولا يكون الظهار في يمين ... »،(2) الحديث.
ومنها: غيرها ممّا مضى نقل بعضها.
والمراد منه تعليق الظهار على أمر بعثاً أو زجراً، مثل قوله: «إنخرجت من بيتي فأنت عليّ كظهر أُمّي»، ومثل قوله: «إن لم تأكلي الطعام فأنت عليّ كظهر أُمّي»، فالأوّل من الزجر والثاني من البعث، من غير فرق بين أن يكون المعلّق عليه فعله أو فعلها، والفرق بينه وبين التعليق في الظهار إنّما يكون في كون الأوّل بداعي
ص: 644
...
----------
البعث والزجر بخلاف الثاني، فإن كان التعليق بداعي البعث أو الزجر فهو الظهار في اليمين وباطلٌ إجماعاً ونصّاً، وإن كان من دون ذلك الداعي فهو التعليق في الظهار الموضوع في مسألة المتن وهو المحلّ للخلاف بين الأصحاب.
والحقّ صحّته؛ قضاءً لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»،(1) ولصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الظهار ضربان: أحدهما فيه الكفّارة قبل المواقعة والآخر بعده، فالذي يكفّر قبل المواقعة الذي يقول: أنت عليّ كظهر أُمّي، ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفّر بعد المواقعة الذي يقول: أنت عليّ كظهر أُمّي إن قربتك».(2)
والتعليق المذكور فيها هو على سبيل المثال.
وكذا صحيحته الأُخرى، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: «إن كان منه الظهار في غير يمين فإنّما عليه الكفّارة بعد ما يواقع».(3)
وكذا صحيحة حريز، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «الظهار ظهاران: فأحدهما أن يقول: أنت عليّ كظهر أُمّي، ثمّ يسكت، فذلك الذي يكفّر، فإذا قال: أنت علىّ كظهر أُمّي إن فعلت كذا وكذا، ففعل وحنث فعليهالكفّارة حين يحنث».(4)
وكذا مضمرة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «الظهار على ضربين؛ في أحدهما الكفّارة، إذا قال: أنت عليّ كظهر أُمّي، ولا يقول: أنت عليّ كظهر أُمّي إن قربتك».(5)
ص: 645
...
----------
وأيضاً خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «الظهار لا يقع إلّا على الحنث، فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتّى يكفّر، فإن جهل وفعل كان عليه كفّارة واحدة».(1)
هذا، واستدلّ على عدم الصحّة بالأصل وبعموم التنزيل في مرسل ابن فضّال، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يكون الظهار إلّا على موضع الطلاق»،(2) وببعض النصوص، منها: خبر القاسم بن محمّد الزيّات، قال: قلت لأبي الحسن(علیه السلام) إنّي ظاهرت من امرأتي، فقال: «كيف قلت؟» قال: قلت: أنت عليّ كظهر أُمّي إن فعلت كذا وكذا، فقال لي: «لا شيء عليك ولا تعدّ».(3)
ومنها: مرسلة ابن بكير، عن رجل، قال: قلت لأبي الحسن(علیه السلام): إنّي قلت لامرأتي: أنت عليّ كظهر أُمّي، إن خرجت من باب الحجرة، فخرجت، فقال: «ليس عليك شيء»، فقلت: إنّي أقوى على أن أكفّر، فقال:«ليس عليك شيء»، فقلت: إنّي أقوى على أن أكفّر رقبة ورقبتين، فقال: «ليس عليك شيء قويت أو لم تقو».(4)
وفي جميع الوجوه ما لا يخفى عليك، أمّا الأصل، فمنقطعٌ بالدليل، وأمّا عموم التنزيل، فمع عدم الدليل عليه إلّا المرسلة، إنّما ظاهره في التنزيل من حيث المحلّ كما لا يخفى، فالمراد من الموضع فيها المرأة.
هذا، مع أنّه ليس بأقوى من العموم المخصّص بالنصوص المخالفة المستدلّ بها على الصحّة. وأمّا الخ-بران - مع الضعف فيهما بالجهالة أو الاش-تراك في ق-اسم بن
ص: 646
...
----------
محمّد وبالإرسال في الثاني المانع من أصل القبول، فضلاً عن المعارضة - أنّ فيهما احتمال نفي الشيء عليه قبل حصول الش-رط أو لعدم حضور الشاهدين أو لكونه من باب الظهار في اليمين أو غير ذلك ممّا يوجب البطلان، فإثبات البطلان بهما مستنداً إلى مانعيّ-ة التعليق والاشتراط مع ذلك الاحتمال، كما ترى، وكون الظهار إيقاعاً غير مانع من صحّة الاشتراط فيه؛ لعدم الدليل على المنع فيه أوّلاً، ولوقوعه في مثل اليمين والعهد والنذر ثانياً.
واستدِلّ على العدم في التعليق بأنّه راجع إلى التعليق في الإنشاء وهو غير معقول؛ لأنّ الإنشاء أمره بين العدم والوجود، خلافاً للاشتراط؛ حيث إنّ التعليق في المعلّق عليه دون أصل الإنشاء.
واستدلّ على الصحّة في الأوّل بأنّه معلّق على أمر معلوم الحصول، فهو صحيحٌ بالأولويّ-ة من الشرط؛ لكون التعليق في الشرط على المشكوك وفي التعليق على المعلوم، وأجيب بأنّ النصوص خاصّة بالاشتراط، فإسراء الحكم إلى غيره من القياس. وفي الشرائع قال:
ولا يقع إلّا منجّزاً، فلو علّقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة لم يقع على الأظهر، وقيل: يقع وهو نادر - إلى أن قال: - وفي وقوعه موقوفاً على الشرط تردّدٌ، أظهره الجواز.(1)
وفيه: أنّ الاستدلال لم يقع في محلّه؛ وذلك لأنّ مصبّ مسألة التعليق هو التعليق في الإنشاء الراجع إلى عدم الإنشاء، من دون فرق بين المعلومحصوله كالجم-عة، أو المشكوك كمجى ء زي-د، فالإنشاء في كليهما باطلٌ وغير مع-قولٍ من
ص: 647
...
----------
تلك الجهة، ولا ارتباط له بمعلوميّ-ة المعلّق عليه، فأين الأوّلويّ-ة؟ نعم، الشأن في بطلان التعليق كذلك وعدمه، فإنّ دَوَران أمر الإنشاء بين الوجود والعدم مربوطٌ ب-الإنشاء الحقيقي التكويني لا الاعتباري الانشائي الموضوع للبحث في العقود والإيقاعات، فالظاهر إمكانه. والقول بأنّ محض الإمكان غير مفيد، بل اللازم اعتباره العقلائي وهو غير معلوم، غير تامّ.
هذا كلّه في الإنشاء، وأمّا التعليق في المنشأ، لا إشكال فيه إن كان الش-رط معلوم الحصول، كما هو مورد النصوص، بل وإن لم يكن معلوم الحصول فهو أيضاً كذلك؛ لإلغاء الخصوصيّ-ة.
وبما ذكرناه يظهر ما وقع من الخلط في الاستدلال على ما في مثل الش-رائع(1) في المسألتين، وعليك بالرجوع إلى الجواهر،(2) فقد أفاد بما لامزيد عليه.
ثمّ إنّه لو اشترط الظهار بوطئ الزوجة، كقوله لزوجته: «أنت عليّ كظهر أُمّي إن جامعتك» جاز وطيها أوّل مرّة؛ لعدم حصول شرطه بعدُ، فإذا وَطِئ تحقّق الظهار بتحقّق شرطه فوجوب الكفّارة منوطٌ بالعزم على وطيها مرّةً أُخرى، خلافاً لما عن الشيخ (قدس سرُّه)،(3) حيث ذهب إلى حرمة الوطئ الأوّل أيضاً؛ مستدلاً له بأنّ الشرط هو مسمّى الوقاع لاالاستمرار.
وفيه: أنّ الظاهر من الشرط الاستمرار فيه، فالشرط الوطئ مرّةً واحدة من أوّله إلى آخره.
ص: 648
...
----------
الأُولی: إن علّق الظهار على مشيّ-ة الله تعالى فإن كان من باب التبرك فهو صحيح وإن كان من باب الاشتراط فلا يقع الظهار لعدم تحقّق شرطه، فإنّه تعالى لم يشأ المحرّم.
الثانية: إن علّق الظهار على المشيّ-ة وعدم المشيّ-ة فقال: إن شاء الله وإن لم يشأ، فإن كان كلاهما شرطاً واحداً كما هو الظاهر من العطف فلا يصحّ لما مرّ،(1) وإن كان الأوّل من باب التبرّك والثاني من باب الاشتراط فيصحّ من الآن لتحقّق الشرط.
الثالثة: إن علّق الظهار على وجود شيء وعدمه، كما قال: إن خرجتِ من البيت أو لم تخرج فالظاهر أنّه ليس باشتراط.
الرابعة: قال في الجواهر:
ولو علّقه على مخالفتها الأمر فقال: «إن خالفت أمري»، ثمّ قال لها: «لا تكلّمي زيداً - مثلاً -» فكلّمته، ففي المسالك: «لم يقع الظهار؛ لأنّها ما خالفت أمره، وإنّما خالفت نهيه، ويحتمل الوقوع؛ نظراً إلى أنّه يسمّى في العرف مخالفة أمره، ويقوي ذلك إن استقرّ العرف عليه، وإلّا فالعبرة بالمعنى المصطلح عليه». قلت: قد ذكروا أنّ للفظ الأمر معاني متعدّدة: منها: القول، فمع قيام القرينة على واحد منها يكون هو المتّبع، وإلّا كان المرجعالعرف لا الاصطلاح الخاصّ، إلّا أن يكون المظاهر من أهله وقصد بالأمر الاصطلاح المزبور.
ص: 649
...
----------
ولو علّقه على مخالفة النهي، ثمّ قال لها: «قومي» فقعدت، ففي المسالك: «في وقوعه أوجهٌ مبنيّ-ة على أنّ الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضدّه مطلقاً أو ضدّه العامّ، أوليس نهياً عنهما؟ فعلى الأوّل يقع الظهار بفعلها ما يخالف أمره دون الأخيرين. هذا كلّه إذا لم يدلّ العرف على شيء، وإلّا عمل بمقتضاه مقدّماً على القاعدة الأُصوليّ-ة؛ لأنّ التعليقات تحمل على الأُمور العرفيّ-ة لا على القواعد الأُصوليّ-ة، هذا إن انضبط العرف، وإلّا رجع إلى الاصطلاح».
وفي-ه ما عرفت من أنّ-ه مع فرض عدم دلالة العرف يتّج-ه الحكم بع-دم الوقوع لا الرجوع إلى الاصطلاح(1) إلّا على الوجه المزبور، على أنّه كما أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه فكذا النهي عن الش-يء أمر بضدّه، فكان عليه بناء المسألة الأُولی على ذلك أيضاً، والجميع كما ترى.(2) انتهى كلامه(قدس سرُّه) .
ه-ل الظهار بالم-دّة الموقت-ة، كشهر ويوم - مثلاً - صحيحٌ أم لابدّ في صحّته م-ن عدم التوقيت؟ ففي-ه ق-ولان،(3) ويستدلّ لع-دم الصحّ-ة بالأصل،وبأنّ-ه كالتشبيه بالمحرّمات غير الأبديّ-ة، وبصحيح سعيد الأعرج على نسخة فيها: «يوماً» بدل «فوفّي»، كما في المسالك، عن موسى بن جعفر(علیهما السلام) في رجل ظاه-ر من امرأته فوفّي
ص: 650
(مسألة 7): إن تحقّق الظهار بشرائطه، فإن كان مطلقاً حرم على المظاهر وطء المظاهرة، ولا يحلّ له حتّى يكفّر، فإذا كفّر حلّ له وطؤها ولا يلزم كفّارة أُخرى بعد وطئها. ولو وطأها قبل أن يكفّر فعليه كفّارتان، والأشبه عدم حرمة سائر الاستمتاعات قبل التكفير. (1)
----------
(يوماً - خ. ل)، ق-ال: «ليس عليه شيء».(1)
وردّ كلّها بأنّ الأصل مندفع بالإطلاق وبأنّ التشبيه ليس بأزيد من القياس وبأنّ الاختلاف في النسخة في الصحيح مانع عن الاستدلال. هذا، ولكنّ الحقّ أنّ الأصل محكّم؛ لأنّ الإطلاق منصرف عن مثل المورد من الظهار الموقت ممّا لم يكن في الجاهليّ-ة. فتأمّل.
ثمّ إنّه استدلّ أيضاً بخبر عامّي روي عن سلمة بن صخر الصحابي وأنّه كان قد ظاهر من امرأته حتّى ينسلخ رمضان، ثمّ وطأها في المدّة، فأمره النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) بتحرير رقبة.(2)
وفيه: مضافاً إلى ضعف سنده كونه ظهاراً موقتاً ليس بمعلوم فإنّه قضيّ-ة شخصيّ-ة خارجيّ-ة، بل المعلوم أنّه كان دائميّاً بقرينة ما كان مرسوماً في الجاهليّ-ة.
وإن كان مشروطاً حرم عليه الوطء بعد حصول شرطه، فلو علّقه على الوطء لم يحرم عليه الوطء المعلّق عليه، ولا تتعلّق به الكفّارة.(1)
(مسألة 8): إذا طلّقها رجعيّاً ثمّ راجعها لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر.(2) بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها أو كان بائناً، ولو تزوّجها في العدّة يسقط حكم الظهار.(3)
----------
كالحائض، فإنّ التماس في كتاب الله هو كناية عن الوطئ بل قيل: إنّ التفسير به إجماعي، كما أنّه مقتضى البراءة واستصحاب بقاء سائر الأحكام بعد العلم بخروج الوطء.
(1) كما هو واضح ومرّ(1) بحثه.
(2) بلا خلاف بين الأصحاب، ووجهه ظاهر لأنّ المطلّقة ترجع إلى الحالة السابقة بالرجوع.
(3) للأصل، ولأنّ المنسبق من الأدلّة هو غير هذا المورد كما هو المشهور، بل لم ينقل خلافه.
وأمّا مرسلة النميري، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل ظاهر ثمّ طلّق، قال: «سقطت عنه الكفّارة إذا طلّق قبل أن يعاود المجامعة»، قيل: فإنّه راجعها، قال: «إن كان إنّما طلّقها لإسقاط الكفّارة عنه ثمّ راجعها فالكفّارة لازمة له أبداً إذا عاود المجامعة، وإن كان طلّقها وهو لا ينوي شيئاً من ذلك فلا بأس أن يراجع ولا كفّارة عليه».(2) فمع ضعف سندها مخالفة للشهرة والقواعد فلا يكون حجّة، مضافاً إلى معارضتها للرواياتالكثيرة الدالّة على أنّ الطلاق هادم للظهار:
ص: 652
(مسألة 9): كفّارة الظهار أحد أُمور ثلاثة مرتبة: عتق رقبة، فإن عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً.(1)
(مسألة 10): لو صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض.(2)
وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقه-ا، فإن اختار أحدهما وإلّا أن-ظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة،
----------
منها: رواية يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته ثمّ طلّقها تطليقة؟ فقال: «إذا طلّقها تطليقة فقد بطل الظهار، وهدم الطلاق الظهار»، قلت: فله أن يراجعها؟ قال: «نعم، هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماساً»، قلت: فإن تركها حتّى يخلو (يحل - خ. ل) أجلها وتملك نفسها ثمّ تزوّجها بعد، هل يلزمه الظهار قبل أن يمسّها؟ قال: «لا، قد بانت منه وملكت نفسها».(1)
(1) كما نصّ عليه الكتاب، وهو قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُسِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.(2)
(2) وذلك لانحصار الحقّ فيها.
ص: 653
فإن انقضت المدّة ولم يختر أحدهما حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما ولا يطلّق عنه.(1)
----------
(1) بلا خلاف وعليه ادّعي الإجماع(1) وهو العمدة، ويدلّ على بعض الحكم ما في موثّقة يزيد الكناسي، عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث قال: قلت له: فإن ظاهر منها ثمّ تركها لا يمسّها إلّا أنّه يراها متجرّدة من غير أن يمسّها هل عليه في ذلك شيء؟ قال: «هي امرأته وليس يحرم عليه مجامعتها، ولكن يجب عليه ما يجب على المظاهر قبل أن يجامع وهي امرأته»، قلت: فإن رفعته إلى السلطان وقال: هذا زوجي وقد ظاهر منّي وقد أمسكني لا يمسّني مخافة أن يجب عليه ما يجب على المظاهر، فقال: «ليس عليه أن يجبر على العتق والصيام والإطعام إذا لم يكن له ما يعتق ولم يقو على الصيام ولم يجد ما يتصدّق به»، قال: «فإن كان يقدر على أن يعتق فإنّ على الإمام أن يجبره على العتق أو الصدقة من قبل أن يمسّها ومن بعد ما يمسّها».(2)
ولا يخفى أنّها غير ما عليه الإجماع، حيث إنّها تدلّ على أنّ الإمام يجبره على الكفّارة مع قدرته عليها ومورد الإجماع جبر الحاكم المظاهر بين الطلاق والكفّارة.
ثمّ إنّه بعد التضييق إن لم يختر أحدهما فمع قدرته على التكفير فللحاكم أن يكفّر عنه بماله أو الطلاق وذلك من باب الولاية على الممتنع ومن باب نفي الضرر، ومع عدم قدرته فيطلّق عنه.
ص: 654
...
نعم، إن قلنا إنّه مع عدم القدرة على الكفّارة يكفي الاستغفار وان لم يظهر الندم فيكفي الاستغفار، فإن لم يفعل فيطلّق عنه. ثمّ إنّه إن اختار الحاكم الكفّارة عنه ومع ذلك لا يرجع الزوج إليها فيطلّق الحاكم عنه معيّناً.
والحمد لله ربّ العالمين.(1)
ص: 655
ص: 656
کتاب الإيلاء
ص: 657
ص: 658
وهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبداً أو مدّة تزيد على أربعة أشهر؛ للإضرار بها، فلا يتحقّق بغير القيود المذكورة وإن انعقد اليمين مع فقدها، ويترتّب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه.(1)
(مسألة 1): لا ينعقد الإيلاء كمطلق اليمين إلّا باسم الله تعالى المختصّ به أو الغالب إطلاقه عليه، ولا يعتبر فيه العربيّ-ة، ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل، بل المعتبر صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور فيه، فيكفي قوله: «لا أطأك» أو «لا أُجامعك» أو «لا أمسّك»، بل وقوله: «لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة» إذا قصد به ترك الجماع.
(مسألة 2): لو تمّ الإيلاء بشرائطه، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام، وإلّا فلها الرفع إلى الحاكم فيحض-ره وينظره أربعة أشهر، فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو، وإلّا أجبره على أحد الأمرين: إمّا الرجوع أو الطلاق، فإن فعل أحدهما وإلّا حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معيّناً.
(مسألة 3): الأقوى أن الأشهر الأربعة التي ينظر فيها - ثمّ يجبر على أحد
ص: 659
الأمرين بعدها - هي من حين الرفع إلى الحاكم.
(مسألة 4): يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة بخلاف الرجعي، فإنّه وإن خرج بذلك من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم لكن لا يزول حكم الإيلاء إلّا بانقضاء عدّتها، فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة.
(مسألة 5): متى وطأها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة؛ سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها؛ لأنّه قد حنث اليمين على كلّ حالٍ وإن جاز له هذا الحنث، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً، وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان، كما أنّه يمتاز عن غيره بأنّه لا يعتبر فيه ما يعتب-ر في غيره من كون متعلّقه مباح-اً تساوى طرفاه أو كان راجحاً ديناً أو دُنيا.
ص: 660
کتاب اللعان
ص: 661
ص: 662
وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد.(1)
----------
(1) اللعان مصدر من المفاعلة، وقد يستعمل جمعاً للّعن وهو لغة الطرد والإبعاد،(1) وفي الاصطلاح صيغة خاصّة مع كيفيّ-ة خاصّة جعلت للزوج المضطرّ في دفع الحدّ أو نفي الولد، والأصل في اللعان كتاب الله تعالى، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾،(2) كما أنّ ذلك هو شأن نزولها على ما ذكره في الجواهر(3) من طرق العامّ-ة.
وروي عن طريق الخاصّة ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: إنّ عباد البصري سأل أبا عبدالله(علیه السلام) وأنا عن-ده حاضر، كيفيلاع-ن الرجل المرأة؟ فقال:
ص: 663
...
----------
إنّ رجلاً من المسلمين أتى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله! أ رأيت لو أنّ رجلاً دخل منزله فرأى مع امرأته رجلاً يجامعها ما كان يصنع؟ فأعرض عنه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، فانصرف الرجل وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته، قال: فنزل الوحي من عند الله عزّوجلّ بالحكم فيها، قال: فأرسل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى ذلك الرجل فدعاه فقال: «أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلاً؟» فقال: نعم، فقال له: «انطلق، فأتني بامرأتك، فإنّ الله عزّوجلّ قد أنزل الحكم فيك وفيها»، قال: فأحضرها زوجها فوقفها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وقال للزوج: «اشهد أربع شهادات بالله إنّك لمن الصادقين فيما رميتها به»، قال: فشهد، قال: ثمّ قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «أمسك ووعظه»، ثمّ قال: «اتّق الله، فإنّ لعنة الله شديدة»، ثمّ قال: «اشهد الخامسة، أنّ لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين»، قال: فشهد فأمر به فنحي، ثمّ قال(صلی الله علیه وآله وسلم) للمرأة: «اشهدي أربع شهادات بالله أنّ زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به»، قال: فشهدت ثمّ قال لها: «امسكي فوعظها»، ثمّ قال لها: «اتّقي الله، فإنّ غضب الله شديد»، ثمّ قال لها: «اشهدي الخامسة أنّ غضب الله عليك إن كان زوجك من الصادقين فيما رماك به»، قال: فشهدت، قال: «ففرّق بينهما»، وقال لهما: «لا تجتمعا بنكاح أبداً بعد ما تلاعنتما».(1)
وكذا ما رواه السيّد المرتض-ى عن تفسير النعماني، عن عليّ(علیهالسلام)، قال: إنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لمّا رجع من غزاة تبوك قام إليه عويمر بن الحارث، فقال: إنّ امرأتي زنت بشريك بن السمحاط، فأعرض عنه، فأعاد إليه القول، فأعرض عنه، فأعاد عليه ثالثة ف-قام ودخل فنزل اللعان فخرج إليه وقال: «إئتني بأهلك، فقد أنزل الله
ص: 664
(مسألة 1): إنّما يشرّع اللعان في مقامين: أحدهما: فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا. ثانيهما: فيما إذا نفى ولديّ-ة من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به.(1)
----------
فيكما قرآناً». فمضى فأتاه بأهله وأتى معها قومها فوافوا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وهو يصلّي العصر، فلمّا فرغ أقبل عليهما وقال لهما: «تقدّما إلی المنبر فلاعنا»، فتقدّم عويمر إلى المنبر فتلا عليهما رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) آية اللعان ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ... ﴾،(1) الآية، فشهد بالله أربع شهادات إنّه لمن الصادقين، والخامسة أنّ غضب الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ شهدت بالله أربع شهادات أنّه لمن الكاذبين فيما رماها به، فقال لها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «العني نفسك الخامسة»، فشهدت وقالت في الخامسة: «إنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به»، فقال لهما رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «إذهبا، فلن يحلّ لك ولن تحلّي له أبداً»، فقال عويمر: يا رسول الله! فالذي أعطيتها، فقال: «إن كنت صادقاً فهو لها بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذباً فهو أبعد لك منه».(2)
(1) إنّ من الواضحات حرمة قذف المسلم والمسلمة إذا كانا محصنين؛ وذلك مضافاً إلى روايات القذف والحدّ فيه أنّه يوجب هتك حرمة المقذوفوتضييعه. ولا فرق فيه بين المسلم والكافر، كما أنّه لا يجوز الرمي بالزنا مع القطع به أيضاً إلّا في غير المسلم، كما يظهر من عملهم: في قذفهم بعض الكفّار، وكذا في مورد شهد به أربعة عدول كالميل في المكحلة.
ص: 665
(مسألة 2): لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع ولا بإخبار ثقة. نعم، يجوز مع اليقين، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّ-نة، بل يحدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلّا إذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية فيدرأ عنه الحدّ.(1)
----------
ثمّ إنّ سببيّ-ة نفي الولد للّعان هو مجمعٌ عليه،(1) كما يدلّ عليه النصوص أيضاً، وأمّا رمي الزوجة بالزنا فهو ثابتٌ بكتاب الله، بل لا خلاف فيه إلّا عن الصدوق؛(2) استناداً إلى خبرين غير معمولٌ بهما عند الأصحاب وهما مخالفان للكتاب كما أنّ أحدهما هو ضعيف السند.
ثمّ لا يخفى أنّ نفي الولد هو على وجهين؛ فمرّة هو مع القذف بالزنا فيدلّ عليه الكتاب،(3) وأُخرى بغير قذفها به فلا يشمله الكتاب ولكنّ الإجماع قائم(4) على جريانه فيه أيضاً.
ثمّ إنّ اللعان موجبٌ لنفي الحدّ عمّن لاعن، ولنفي الولد عن الزوج دون الزوجة، وللّعان في كلّ منها شروط كالرؤية والدخول كما يأتي تفصيله ومع عدم تحقّقها يحدّ حدّ القذف؛ قضاءً لإطلاق الكتاب والسنّ-ة.
(1) وهو المستف-اد من ظاهر عبارة غير واح-د من الأصحاب لكنّ الحقّ في
ص: 666
...
----------
المسألة أنّ رمي المحصنة حرام مطلقاً من دون فرق بين كون الرامي الزوج أو غيره، ومن دون فرق بين المسلمة وغيرها، لكن يجوز في غير المسلمة عند اليقين.
نعم، إن ثبت عند القاضي بالبيّ-نة فلا حرمة ولا حدّ عليه، بل بإقرارها أيضاً، بل غيره من طرق الإثبات عنده على تقدير قبول الثبوت عنده من غير البيّ-نة والإقرار، كما لا حرمة في خصوص الزوج إن أجرى اللعان.
لا يقال: إنّه على ذلك يلزم منه عدم جواز إعلام الزنا عند الحاكم. لأنّ فيه أوّلاً: أنّ الإشكال يجري في الحدّ والحكم الوضعي أيضاً؛ لأنّ الرامي يحدّ إن لم يقم الشهود عليه.
وثانياً: قد أجيز الرمي مع قيام أربعة شهداء فقط.
هذا، ويدلّ عليه عموم الكتاب والسنّ-ة، أمّا الكتاب، فهو قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.(1)
وأمّا السنّ-ة، فمنها: ما رواه محمّد بن سنان، عن الرضا(علیه السلام) فيما كتب إليه في جواب مسائله: «وحرّم الله قذف المحصنات لما فيه من فساد الأنساب ونفي الولد وإبطال المواريث وترك التربية وذهاب المعارف وما فيه من الكبائر والعلل التي تؤدّي إلى فساد الخلق».(2)
ومنها: ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال، عن النبيّ(صلی الله علیهوآله وسلم)، قال: «ومن رمى محصناً أو محصنة أحبط الله عمله، وجلده يوم القيامة سبعون ألف ملك من بين
ص: 667
(مسألة 3): يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة، فلا لعان فيمن لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى، فيحدّان مع عدم البيّ-نة.(1)
----------
يديه ومن خلفه، ثمّ يؤمر به إلى النار».(1)
ومنها: ما رواه ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الحذّاء، قال: كنت عند أبي عبدالله(علیه السلام) فسألني رجل ما فعل غريمك؟ قلت: ذاك ابن الفاعلة فنظر إليّ أبو عبدالله(علیه السلام) نظراً شديداً، قال: فقلت: جعلت فداك! إنّه مجوسي أمّه أُخته، فقال: «أو ليس ذلك في دينهم نكاحاً؟!».(2)
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «أنّه نهى عن قذف من ليس على الإسلام إلّا أن يطّلع على ذلك منهم، وقال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب».(3)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «أنّه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام إلّا أن تكون قد اطّلعت على ذلك منه».(4)
...
----------
اشتراطه. ولا يخفى أنّ مقتضى الآية عدمه، واستُدلّ لاشتراطه بأخبار كثيرة:
منها: موثّقة أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: في الرجل يقذف امرأته، «يجلد ثمّ يخلّي بينهما ولا يلاعنها حتّى يقول: إنّه قد رأى بين رجليها من يفجر بها».(1)
ومنها: مضمرة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يفتري على امرأته؟ قال: «يجلد ثمّ يخلّي بينهما ولا يلاعنها حتّى يقول أشهد أنّي رأيتك تفعلين كذا وكذا».(2)
ومنها: مرسلة أبان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يكون لعان حتّى يزعم أنّه قد عاين».(3)
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتّى يقول: رأيت بين رجليها رجلاً يزني بها».(4)
ومنها: خبر محمّد بن سليمان، عن أبي جعفر الثاني(علیه السلام)، قال: قلت له: كيف صار الرجل إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله وإذا قذفها غيره أب أو أخ أو ولد أو غريب جلّد الحدّ أو يقيم البيّ-نة على ماقال؟ فقال: قد سئل أبوجعفر (جعفر بن محمّد - خ.ل) عن ذلك فقال: «إنّ الزوج إذا قذف امرأته فقال: رأيت ذلك بعيني كانت شهادت-ه أربع شهادات بالله، وإذا قال: إنّه لم يره قيل
ص: 669
...
----------
له: أقم البيّنة على ما قلت، وإلّا كان بمنزلة غيره، وذلك أنّ الله تعالى جعل للزوج مدخلاً لا يدخله غيره والد ولا ولد يدخله بالليل والنهار فجاز له أن يقول: رأيت، ولو قال غيره: رأيت، قيل له: وما أدخلك المدخل الذي ترى هذا فيه وحدك، أنت متّهم فلا بدّ من أن يقيم عليك الحدّ الذي أوجبه الله عليك».(1)
ونحوه مرسلة محمّد بن أسلم الجبلي، عن الرضا(علیه السلام)، وزاد: «وإنّما صارت شهادة الزوج أربع شهادات بالله، لمكان الأربعة الشهداء مكان كلّ شاهد يمين».(2)
نعم، لقائل أن يقول: إنّ ذكر الرؤية هو من باب أحد مصاديق العلم فلا مدخل لنفس الرؤية، ولاموضوعيّ-ة لها، أو يقول: إنّها معتبرة فيمن تمكن له لا أنّها معتبرة مطلقاً. ولا يخفى أنّه مخالفٌ للنصوص؛ لأنّ الظاهر منها أنّ لها الموضوعيّ-ة والمدخليّ-ة، كما أنّ الظاهر منها اشتراطها مطلقاً، لكنّ الذي يختلج في الذهن أنّ الشهادة لا تتوقّف على الرؤية ويكفي العلم، مع أنّ المذكور في روايات الشهادة أيضاً هو الرؤية فإن جازت الشهادة بدونها فهنا أيضاً لم تشترط الرؤية وهو الذي قالوه في الشهادة على الزنا اعتماداً على العلم وإن لم ير كالميل في المكحلة، مضافاً إلى أنّ كفاية العلم هي موافقة للحكمة في جعل اللعان فإنّه جعل لرفع المشقّة والاضطرار، كمايؤيّده إطلاق الكتاب،(3) ولسان هذه النصوص لسان التفسير فهو مخالف لظاهر الكتاب إلّا أن يحمل على أنّ ذكرها من باب ذكر المصداق وليس لسانها لسان التقييد فهي تفسير بالمصداق.
ص: 670
...
----------
هذا، والتحقيق أنّ هذه الوجوه غير تامّة، مع أنّ بعضها ليس بحجّة حتّى مع التماميّ-ة. أمّا كفاية العلم في الشهادة وإن حصل عن غير رؤية فهي تختلف عمّا نحن فيه الذي هو اللعان لا الشهادة، مع أنّ المشهور في الشهادة على الزنا أيضاً لزوم كونها عن رؤية، وأمّا الحكمة فلا تستلزم الحكم في كلّ مورد وجدت فإنّ الحكم يدور مدار الحكمة عدماً لاوجوداً بخلاف العلّة حيث إنّ الحكم يدور مدارها وجوداً وعدماً فالحكم ليس دائراً على الحكمة وهو أعمّ منها.
وأمّا كون هذه النصوص(1) مفسّرة للكتاب لا المقيّدة له، ففيه: أنّ التقييد غير الحكومة فإنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ومع عدم الأخير لا معنى للأوّل.
وهذا بخلاف التخصيص والتقييد فإنّه لا يلزم كونهما ناظرين إلى المطلق والعامّ، وجلّ الأدلّة المقيّدة للكتاب ليست ناظرة إليه؛ مضافاً إلى أنّ هذه الأخبار لو سلّم كونها مفسرة له ولكن لا يعلم ولم يثبت أنّها خلاف ظاهر الكتاب لأنّ المذكور في اللعان أيضاً هو الشهادة أربعاً فهي مكان أربعة شهود في الزنا فإنّ تلك الجملات الأربع نازلة منزلة أربعة شهود، فكما تعتبر الرؤية في الشهادة على الزنا عند المشهور فكذلك هنا.
هذا كلّه مع أنّ في النصوص ما هو صريح في اعتبار الرؤية ولا يمكن عدّه من باب ذكر المصداق، وهو صحيحة محمّد بن سليمان كما مرّ،(2) فماذهب إليه المشهور هو الحقّ في المسألة.
ص: 671
وأن لا تكون له بيّ-نة، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان.(1)
(مسألة 4): يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المق-ذوفة زوج-ة دائمة، فلا لعان في
----------
(1) كما هو المشهور، وهو مختار الشيخ في المبسوط،(1) لكنّه(قدس سرُّه) في الخلاف(2) وكذا العلّامة(قدس سرُّه) في المختلف(3) ذهبا إلى عدم اعتباره، والدليل عليه هو قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء﴾،(4) فإنّ الظاه-ر من القيد ه-و كونه ح-دّاً للحكم، ومع ع-دم مفهوم-ه أيضاً لا دليل على صحّة اللعان كما هو مقتضى الأصل.
واستدلّ لقول مثل الشيخ والعلّامة بأنّ القيد وارد مورد الغالب، وبعدم سؤاله(صلی الله علیه وآله وسلم) عن الرجل هل له بيّ-نة أم لا؟
وفيهما أنّ الأصل في القيد هو كونه للاحتراز في مقام التحديد، وأمّا عدم سؤاله(صلی الله علیه وآله وسلم) في قضيّ-ة شخصيّ-ة لا يدلّ على إطلاق الحكم. وبعبارة أُخرى: إنّ الخبر - كما في الجواهر - من قضايا الأحوال لا من ترك الاستفصال عقيب السؤال.(5) هذا، مع أنّ الحكمة تناسب اشتراطه بانتفاء البيّ-نة.
ثمّ إنّه استدلّ في الحدائق على عدم اعتباره بإطلاق النصوص، وردّه في الجواهر بأنّها محمولة على الغالب، والأولى أن يقال: إنّه لا يوجد نصّ مطلق حتّى يجاب عنه بما أجاب به صاحب الجواهر(قدس سرُّه).
ص: 672
قذف الأجنبيّ-ة، بل يحدّ الق-اذف مع عدم البيّنة،(1) كذا في المنقطعة على الأقوى(2)
----------
(1) وذلك لدلالة الآية،(1)حيث نسب اللعان فيها إلى الزوجة، واللقب وإن لم يكن له المفهوم لكن ملاحظة سياق الآية من إثبات الحدّ على الذين يرمون المحصنات، ثمّ إثبات اللعان للذين يرمون أزواجهم، تفيدنا أنّ للزوجة دخلاً في الحكم، ولا أقلّ من قصور الأدلّة، فلا دليل على اللعان في غير الزوجة.
(2) كما هو المشهور شهرةً عظيمةً، بل لم يحكِ الخلاف إلّا عن السيّد والمفيد؛ أخذاً بعموم الآية. واستدلّ للمشهور بأنّ عموم الآية يخصّص بما يدلّ على التخصيص:
منها: صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع منها».(2)
ومنها: صحيحة ابن سنان، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لايلاعن الحرّ الأمة، ولا الذمّيّ-ة، ولا التي يتمتّع بها».(3)
والأخيرة منها هو ما رواه الشهيد في المسالك(4) من رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه(علیه السلام) مرسلة. وذهب المشهور إلى تقييد الكتاب بها، ولكنّ الثالثة منها ليست بأزي-د من مرسلة على تق-دير كونها رواي-ة، مضافاً إلى أنّ صدر صحيحة ابن سنان
ص: 673
وأن تكون مدخولاً بها، وإلّا فلا لعان.(1)
----------
مخالف لفتوى الأصحاب وللأخبار الكثيرة الواردة في لعان الأمة والذمّيّ-ة المزوجتين، ولذلك قد حملوها على التقيّ-ة أو غير المزوّجة، فالاستدلال بهما للتقييد لا يخلو من مناقشة، وأمّا احتمال انصراف الآية(1) إلى الدائمة لا سيّما مع لحاظ شأن نزولها فيدفعه أنّ الزوج والزوجة في الكتاب والسنّ-ة أعمّ من الدائم والدائمة ولذا لم يستدلّ به أحد من الفقهاء.
(1) كما يدلّ عليه النصوص الكثيرة، منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «لا يقع اللعان حتّى يدخل الرجل بأهله».(2)
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير، قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها، قال: «يضرب الحدّ ويخلّى بينه وبينها».(3)
ومنها: خبر محمّد بن مضارب، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «من قذف امرأته قبل أن يدخل بها جلد الحدّ، وهي امرأته».(4)
ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «لاتكون الملاعنة ولا الإيلاء إلّا بعد الدخول».(5)
ومنها: خبر محمّ-د بن مضارب أيضاً، قال: ق-لت لأبي عبدالله(علیه السلام): ما تقول في
ص: 674
وأن تكون غير مشهورة بالزنا، وإلّا فلا لعان(1) بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة.
نعم، لو كانت متجاهرة بالزنا لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضاً.(2)
ويشترط في اللعان أيضاً أن تكون كاملة سالمة عن الصمم والخرس.(3)
----------
رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال: «لا يكون ملاعناً إلّا بعد أن يدخل بها، يضرب حدّاً، وهي امرأته ويكون قاذفاً».(1)
هذا، وقد أورد عليها في المسالك(2) بضعفه سنداً، ودلالة بأنّه لعلّها مختصّة بنفي الولد، وفيه: أنّ بعضها تامّ السند إلّا على مبناه في قبول الصحيح الأعلائي على حدّ تعبيرهم، مع أنّ ضعف السند منجبرٌ بعمل الأصحاب.
(1) قالوا: إنّ هذا لم يوجد في غير كلام المحقّق(3) والعلّامة،(4) واستُدل له بأنّ اللعان في الآية جعل دافعاً للحدّ ومعلوم أنّ قذف المشهورة بالزنا ليس له حدّ لأنّها ليست محصنة، بل يعزّر فقط.
(2) وذلك لأنّ حرمة الافتراء، هي لحفظ العرض ولا يوجد هنا.
(3) إجماعاً، وي-دلّ عليه الروايات وهي تحرم عليه بمجرّد القذف ولا يحرم
ص: 675
(مسأله 5): لا يجوز للرجل أن ينكر ولديّ-ة من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به؛ بأن دخل بأُمّه أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً ولم يتجاوز عن أقص-ى مدّة الحمل، حتّى فيما إذا فجر أحد بها، فضلاً عمّا إذا اتّهمها، بل يجب الإقرار بولديته.(1)
نعم، يجب عليه أن ينفيه ولو باللعان مع علمه بعدم تكوّنه منه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لو لا نفيه لئلّا يلحق بنسبه من ليس منه فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك. (2)
----------
عليها ما دامت معه. نعم، إن كانت خرساء بغير صمم ففيه خلاف ولا تشملها النصوص؛ لأنّ الخرس بالعرض خارج عن النصوص وهي منصرفة عنها.
(1) وهو قضاءً لقاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقد روي أيضاً أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «أ يّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولم تدخل جنّته وأيّما رجل نفى نسب ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الخلائق من الأوّلين والآخرين».(1)
(2) ه-ذا، ولا يخفى عليك أنّه لا دليل على وج-وب إعلام الموضوعات فيما يرتبط بح-قوق الله. نعم، يجب ذلك في حقوق الناس، فيجب النفي لئلّا يترتّب
ص: 676
(مسألة 6): لو نفى ولديّ-ة من ولد في فراشه فإن علم أنّه دخل بأُمّه دخولاً يمكن معه لحوق الولد به أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره.(1)
----------
عليه حكم الولد في الميراث وما شابهه من حقوق الناس.
واستدلّ صاحب الجواهر مضافاً إلى ما ذكر بالنبويّ المزبور، وفيه ما لا يخفى، فإنّ الرواية في إلحاق المرأة الولد بمن ليس منه، والظاهر أنّ النهي فيها راجع إلى الخيانة والزنا فلا يمكن إلغاء الخصوصيّ-ة منها إلى نفي الزوج ولداً جاءت به المرأة من طريق الزنا أو الوطء بالشبهة أو غيرهما من الطرق.
ثمّ إنّ الشهيد في المسالك قال:
ربما قيل بعدم وجوب نفيه، وإنّما يحرم التصريح باستلحاقه كذباً دون السكوت عن النفي؛ وذلك لأنّ في اقتحام اللعان شهرة وفضيحة يصعب احتمالها على ذوي المروات فيبعد إيجابه.(1)
وأورد عليه في الجواهر بما لا بأس به، قال:
ولا يخفى عليك ضعفه، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، مضافاً إلى ظاهر بعض النصوص.(2)
(1) ففي صورة الإقرار فالحكم واضح، وأمّا الصورة الأُولی: فإنّ إطلاق أدلّة اللعان يفيد صحّة جريانه فيها. هذا إذا قرء «علم» في المتنبالصيغة المبنيّ-ة للمفعول؛ أي المجهولة، وأمّا إن قرء بالمبنيّ-ة للفاعل فله وجهٌ وهو أنّ اللعان هو قسم في الحقيقة فمع احتمال ك-ون الولد منه كيف يقسم لنفيه جزماً، كما أنّه شهادة
ص: 677
وأمّا لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به، وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب بأن قال: «هذا ليس ولدي» أو مع ذكره بأن قال: «لأنّي لم أدخل بأُمّه أصلاً» أو أنكر دخولاً يمكن تكوّنه منه فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه، لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدخول، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً.(1)
(مسألة 7): إنّما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كان المرأة منكوحة بالعقد الدائم(2) وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان، وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء.(3)
----------
فكيف يشهد مع احتمال خلافه فهو ليس بجائز ولا نافذ، وعلى الأخير لا يناسب قوله: «لا يسمع منه» فإنّ عدم علم الزوج لا يؤثّر في عدم السماع منه وعلى كلّ حالٍ، إن علم بأنّ الولد ليس منه فاللعان جائز تكليفاً ووضعاً وإن احتمل خلافه فهو حرام وغير نافذ.
(1) مع ذكر السبب وعدمه كما هو واضح.
(2) كما مرّ.(1)
(3) وكلّ ذلك قضاءً لقاعدة الفراش. نعم، إن علم أنّه ليس له فينتفىبنفيه كما ادّعي عليه الإجماع كثيراً. لكن يرد عليه بأنّه إذا كان الظاهر كون الولد له؛ قضاءً للقاعدة لا يجري اللعان بل لا يجوز له نفيه وإن علم أنّه ليس منه إن كان يلازم
ص: 678
ولو علم(1) أنّه دخل بها أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه لم ينتف عنه بنفيه، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة.(1)
(مسألة 8): لا فرق في مشروعيّ-ة اللعان لنفي الولد بين كونه حملاً أو منفصلاً.(2)
(مسألة 9): من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه من زنا؛ لاحتمال تكوّنه من وطء الشبهة أو غيره، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به وإن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه، لكن لا يجوز له أن يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه من زناً. (3)
(مسألة 10): لو أقرّ بال-ولد لم يسمع إنكاره ل-ه بعد ذلك؛ س-واء ك-ان إق-راره
----------
القذف بالزنا، وأمّا الإجماع المدّعى، فيحمل على مورد لا تجري فيه قاعدة الفراش وهو موضع يحتاج ثبوت النسبة إلى إقراره.
(1) وهو كما مرّ.(2)
(2) قضاءً لإطلاق الأدلّة.
(3) وهو كما مرّ.
ص: 679
صريحاً أو كناية، مثل أن يبشّر به ويقال له: «بارك الله لك في مولودك» فيقول: «آمين» أو «إن شاء الله تعالى» بل قيل: إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره بعده،(1) بل نسب ذلك إلى المشهور لكنّ الأقوى خلافه.(2)
(مسألة 11): لا يقع اللعان إلّا عند الحاكم الشرعي، والأحوط أن لا يقع حتّى عند المنصوب من قبله لذلك.(3)
----------
(1) لأنّه إقرار عمليّ.
(2) والحقّ أنّ الحضور إن اعتبر إقراراً عمليّاً فلا يسمع وإلّا فيسمع.
(3) واعلم أنّ هنا بحثين:
أحدهما: في كفاية اللعان عند المنصوب وعدمها.
وثانيهما: في جواز اللعان عند قاضي التحكيم على فرض كفايته في غيره وعدمه. ثمّ إنّه هل الفقيه الجامع للشرائط يعدّ من مصاديق قاضي التحكيم أو يجوز عنده بما هو قاضٍ حاكمٍ، ولا يخفى أنّ مقتضى الأصل عدم نفوذ اللعان إلّا عند من ثبت النفوذ عنده.
ثمّ إنّ إطلاق النصوص لا يفيد النفوذ عند الكلّ؛ لأنّه عند العرف والعقلاء هو أمر يرجع إلى الحكومة والولاية ويقوم به من يقوم بأُمورالعامّة كالدعاوي، فالإطلاقات إن لم نقل إنّها دالّ-ة على ل-زوم كونه عند الحاكم فلا أقلّ من سكوتها
ص: 680
...
----------
من هذه الجهة.
هذا، مع أنّ اللعان ه-و إمّا شهادة وإمّا يمين أو كلاهما، وهما لا يسمعان عند غيره، والحقّ وجوب وقوعه عند الحاكم والوالي على أُمور المسلمين، وهذا مضافاً إلى ما قيل من أنّ الحدّ كما هو بيد الحاكم فدرؤه أيضاً، وما قيل من أنّ اليمين والشهادة تصحّان عند الحاكم فقط، يدلّ عليه سياق أخبار الباب الدالّ على أنّه من شؤون الحكومة، فمنها: ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جفعر(علیه السلام) عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال: «يجلس الإمام مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل، ثمّ المرأة والتي يجب عليها الرجم ترجم من ورائها ولا ترجم من وجهها، لأنّ الض-رب والرجم لا يصيبان الوجه يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها».(1)
ومنها: ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السلام) : كيف الملاعنة؟ فقال: «يقعد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره».(2)
ومنها: ما رواه في دعائم الإسلام عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه قال: «اللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي: إنّي رأيت رجلاً مكان مجلسي منها، أو ينتفي من ولدها فيقول: ليس هذا منّي، فإذا فعل ذلكتلاعنا عند الوالي».(3)
ص: 681
...
----------
وكذا ما رواه فيه عنه(علیه السلام) أنّه قال: «إذا قذف الرجل امرأته، فإن هو رجع جُلد الحدّ ثمانين وردّت عليه امرأته، وإن أقام على القذف لاعنها، والملاعنة أن يشهد بين يدي الإمام أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين ... » - إلى أن قال -: «ويؤمّن الإمام بعد فراغ كلّ واحد منهما من القول، قال: والسنّ-ة أن يجلس الإمام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كلّ واحد منهما مستقبل القبلة».(1)
ومنها: ما رواه أيضاً عن عليّ(علیه السلام) وعن جعفر (أبي جعفر - خ. ل) أنّهما قالا: «إذا تلاعن المتلاعنان عند الإمام فرّق بينهما ولم يجتمعا بنكاح أبداً ... »،(2) الحديث.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ في زمن الغيبة قد جعل الفقيه الجامع للش-رائط حاكماً(3) على المسلمين؛ لإطلاق مثل مقبولة عمر بن حنظلة،(4)وقد صرّح بذلك صاحب الجواهر(قدس سرُّه)(5) في نفس المسألة، بل قد يقال: إنّ الإمام المذكور في تلك النصوص يشمل الإمام المع-صوم(علیه السلام) وغ-يره من الفقهاء الجامع-ين للشرائط، كما
ص: 682
وصورته: أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفی ولدها: «أشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما قلت من قذفها أو في نفي ولدها» يقول ذلك أربع مرّات، ثمّ يقول مرّة واحدة: «لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين»، ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أرب-ع م-رّات: «أشه-د بالله إنّ-ه لمن الكاذب-ين في مقال-ته من الرمي بالزنا أو نفي الولد،
----------
ذهب إليه صاحب تكملة الحدائق.(1)
وأمّا المنصوب من قبل الفقيه للملاعنة،(2) أو المنصوب في الدعاوى والحدود والتعزيرات فهل يجوز لهما إجراء اللعان أم لا؟
أقول: إنّ الحكم بالصحّة مشكلٌ؛ لأنّ ما هو المذكور في النصوص هو الإمام والوالي، والمنصوب من قبل الفقيه ليس بوالٍ ولا إمام، كما أنّ ثبوت اللعان عند القضاة المتعارف نصبهم اليوم أيضاً مشكلٌ؛ لأنّهم ليسوا حكّاماً على المسلمين ولا ولاة عليهم.
ومنه يظهر حكم قاضي التحكيم أيضاً؛ لأنّ الفقيه نفسه حاكمٌ على المسلمين ولا يصل الأمر إلى جعله قاضياً للتحكيم وجعل غير الفقيه الجامع للش-رائط قاضياً محكّماً. فالحقّ عدم صحّته هنا وإن صحّ في غيره؛ لأنّ مثل: «المؤمنون عند شروطهم»(3) يجري هناك ولا يجري هنا؛ لاحتمال كونه من شؤون الإمام خاصّة، فالإمامة والولاية منشروطه، واحتمال الشرطيّ-ة لا يمكن انتفائه بإعمال الولاية.
ص: 683
ثمّ تقول مرّة واحدة: «أنّ غضب الله عليّ إن كان من الصادقين».(1)
(مسألة 12): يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور، فلو قال أو قالت: أحلف أو أُقسم أو شهدتُ أو أنا شاهد أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره كالرحمن وخالق البشر ونحوهما أو قال الرجل: إنّي صادق أو لصادق أو من الصادقين بغير ذكر اللام أو قالت المرأة: إنّ-ه لكاذب أو ك-اذب أو من الكاذبين لم يقع، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب والمرأة بالعكس.(2)
(مسألة 13): يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع.(3)
(مسألة 14): يجب أن تكون الصيغة بالعربيّ-ة الصحيحة مع القدرة عليها، وإلّا أتى بالميسور منها، ومع التعذّر أتى بغيرها.(4)
----------
(1) وهذا لا شكّ في كفايته عند الخاصّة والعامّة، وهو مطابق للنصوص والفتاوى، وأمّا كفاية غيره وعدمها، فيأتي الكلام فيها في المسألة الآتية.
(2) ويأتي الكلام فيها في المسألة الرابعة عشر.
(3) وذلك لأنّه يمين، فالمبادرة قبل أمر الحاكم كالمبادرة بالحلف قبل الإحلاف، وللأخبار المبيّ-نة لكيفيّ-ة اللعان، ولأنّ الحدّ لا يقيمه إلّا الحاكم، فما يدرأه أيضاً لا يقيمه إلّا هو ولا إشكال.
(4) اعلم أنّه لم ين-قل خلاف من غير الإماميّ-ة في ع-دم كفاي-ة غير م-ا ذكر من
ص: 684
...
----------
الصيغة، بل نقل الإجماع من الإماميّ-ة على عدم كفايته، لكن يقع الكلام في غير العربيّ-ة من جهتين؛ من جهة اللسان كأدائها باللغة الفارسيّ-ة أو غيرها من اللغات غير العربيّ-ة، ومن جهة الكلمات والجملات.
أمّا من جهة اللسان، فاعلم أنّ عبارات المتأخّرين من الأصحاب صريحة في لزوم العربيّ-ة الصحيحة. نعم، إن لم يمكن لهما إتيانها صحيحة يجوز الاكتفاء بالميسور. ولا يخفى أنّ مقتض-ى الصناعة هو عدم اشتراطها؛ لأنّه وإن ذكر في الكتاب والسنّ-ة بالعربيّ-ة، لكنّ-ه معلوم أنّ ذكرها هناك بالعربيّ-ة ليس في مقام البيان أو لبيان الاشتراط، بل المتفاهم العرفي من مثل تلك الصيغ هو كفاية سائر اللغات أيضاً.
واستُدلّ على الاشتراط بوروده في الكتاب والسنّ-ة بالعربيّ-ة، مضافاً إلى أنّه ليس أقلّ من العقود اللازمة وكذا بعض الإيقاعات، فكما يعتبر فيها العربيّ-ة تعتبر هنا أيضاً، مضافاً إلى إجماع علماء الإسلام على كفاية العربيّ-ة.
وفيها ما ترى، فإنّ محض الذكر في الكتاب والسنّ-ة لا يدلّ على الاشتراط، وفي العقود والإيقاعات أيضاً لا يعتبر في أكثرها اللفظ فضلاً عن العربيّ-ة، والإجماع على كفاية العربيّ-ة لا يدلّ على عدم كفاية غيرها.
وإن قيل: إنّ إجماع الإماميّ-ة قائم على عدم كفاية غير تلك الصيغ ومن الغير التبديل في اللغة، فجوابه: أنّ الإجماع المذكور غير ثابت؛ مضافاً إلى أنّه لا يعلم ثبوته في غير تبديل الكلمة، فالجواز بغير العربيّ-ة لا يخلو منق-وّة. نعم، على تقدير عدم التمكّن من الصحيح يجرى بغير العربيّ-ة.
وأمّ-ا الجه-ة الثاني-ة، وهي تبديله-ا بك-لمات أُخرى، كالج-م-ع إلى الأف-راد في
ص: 685
...
----------
«الصادقين» أو ذكر أداة التأكيد، كما جاء في النصّ الشريف القرآني، فإنّ ذكرها فيه مع أنّه زائد في الكلام، يدلّ على لزوم الإتيان به، كما أنّه فرق بين لفظ الجلالة وسائر أساميه وصفاته سبحانه وتعالى، فإنّ الله جامع لجميع الصفات الكماليّ-ة ومظهر لها، وهذا بخلاف مثل اسم «الرحمن».
ولكنّه مع ذلك، الحقّ أنّه لا دليل على شرطيّ-ة الإتيان بالمضارع في الشهادة، بل جاء في بعض الأخبار كفاية «أحلف». فتأمّل. وقد نُقل في الجواهر عن كشف اللثام ما هذا نصّه:
لعلّ تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ والتأكيد، فإنّ الشهادة يتضمّن مع القسم الأخبار عن الشهود والحضور، والتعبير بالمضارع يقربه إلى الإنشاء؛ لدلالته على زمان الحال، ولفظ الجلالة اسم لذات المخصوص بها بلا شائبة اشتراك بوجهٍ، ومن الصادقين بمعنى أنّه من المعروفين بالصدق، وهو أبلغ من نحو صادق، وكذا من الكاذبين، ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعلّه للمشاكلة، فإنّ المناسب للتأكيد خلافه، وتخصيص اللعنة به والغضب بها، لأنّ جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف.(1)
ثمّ قال صاحب الجواهر ردّاً عليه:
لا يخفى عليك عدم اقتضاء ذلك الجمود المزبور، بل لا صراحةفي الكتاب والسنّ-ة بذلك، بل ولا ظهور، فإنّ المنساق - خصوصاً من السنّ-ة - إرادة إب-راز المعنى المزب-ور وأنّ الكي-فيّ-ة المخ-صوصة إح-دى العب-ارات
ص: 686
(مسألة 15): يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة، وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما يخصّه؟ أحوطهما الأوّل، بل لا يخلو من ق-وّة.(1)
----------
الدالّة عليه، بل لولا ظهور اتّفاق الأصحاب لأمكن المناقشة في بعض ما سمعته من الجمود المزبور وإن كان هو الموافق لأصالة عدم ترتّب حكم اللعان، إلّا أنّه يمكن دعوى ظهور النصوص في خلاف الجمود المزبور، منها: الخبر المرويّ عن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) في ملاعنة هلال بن أميّ-ة، فإنّه قال: «إحلف بالله الذي لا إله إلّا هو إنّك لصادق»(1).(2) انتهى كلامه (قدس سرُّه) .
أقول: وقد ظهر ممّا مرّ(3) منّا ما في الأخير من كلامه(قدس سرُّه)، فإنّ الظاهر من الكتاب والسنّ-ة الجمود في غير مادّة الشهادة.
...
----------
ثانيها: قيامهما معاً عند لعان كلّ واحد منهما، ونسبه الشهيد في المسالك(1) إلى الأكثر، وهو مختار الشيخ في النهاية(2) وكذا مختار المتأخّرين، وقد نُسب إلى المشهور.
ثالثها: استحباب القيام، وهو المحكيّ عن ابن سعيد،(3) كما أنّ ذلك هو ظاهر الصدوق في الهداية(4) والمحقّق في المختصر،(5) حيث إنّهما لم يذكراه في الشروط.
هذا، واستدلّ للأوّل بمرسلة الصدوق، قال: وفي خبر آخر: «ثمّ يقوم الرجل فيحلف أربع مرّات بالله إنّه لمن الصادقين فيما رماها به، ثمّ يقول له الإمام: اتّق الله فإنّ لعنة الله شديدة، ثمّ يقول الرجل: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، ثمّ تقوم المرأة فتحلف أربع مرّات بالله إنّه لمن الكاذبين فيما رماها به ... ».(6)
وكذا بما حكي من فعل النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) من أنّه أَمَر عويمر بالقيام، فلمّا تمّت شهادته أَمَر امرأته بالقيام على ما هو المحكيّ منسنن البيهقي.(7)
واستدلّ للثاني بصحيحة محمّد بن مسلم التي قد مرّت، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام): عن الملاعن والملاعنة، كيف يصنعان؟ قال: «يجلس الإمام مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل ثمّ المرأة ... ».(8)
ص: 688
...
----------
وكذا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام) التي قد مرّت أيضاً وفيها: «فأحضرها زوجها، فوقفها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وقال للزوج: اشهد أربع شهادات بالله إنّك لمن الصادقين فيما رميتها به ... ».(1)
واستدلّ للثالث بإطلاق الكتاب وبرواية دعائم الإسلام، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في حديث، قال: «والسنّ-ة أن يجلس الإمام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كلّ واحد منهما مستقبل القبلة».(2) وهو مقتضى الجمع بين النصوص، فإنّ الاختلاف بين الصحيحتين وبين المرسلة وما وقع في عويمر مشعرٌ بالندب، وتحمل صحيحة عليّ بن جعفر أيضاً على الاستحباب، فإنّه روى عن أخيه أبي الحسن(علیه السلام) في حديث، قال: سألته عن الملاعنة قائماً يلاعن أم قاعداً؟ قال: «الملاعنة وما أشبهها من قيام».(3)
هذا، ولكنّ التحقيق هو وجوب قيامهما معاً؛ وذلك لدلالة الصحيحتين، وأمّا مرسلة الفقيه ورواية العامّة في عويمر ومرسلة الدعائم لا تقاوم الصحيحتين؛ للضعف في أسنادها. ومنه ظهر عدم كونه وجهاً للجمع بين النصوص. هذا مضافاً إلى أنّه لا يعلم أنّ المراد من السنّ-ة في مرسلةالدعائم هو خصوص الاستحباب، فإنّها قد تطلق على الواجب أيضاً.
ثمّ لو سلّم استحباب إقامتهما ولكن لا دليل على استحباب كلّ واحد منهما عند لعانه، فأضعف الأقوال القول بالاستحباب مطلقاً ثمّ القول بوجوب قيام كلّ
ص: 689
...
----------
واحد عند لعانه.
ثمّ إنّه يجب تقديم لعانه على لعانها، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّ-ة، ولأنّ الرجل يريد رفع الحدّ عن نفسه، كما أنّه يجب كون الخامسة بعد الأربع في الرجل والمرأة كليهما.
وحكي عن العامّة جواز عكسه وهو مخالفٌ للنصّ، كما أنّه مخالفٌ لطبع القضيّ-ة.
ومن الشرائط فيه الموالاة بين الإحلاف الخمسة؛ لأنّه المنصوص، ولأنّ كلّ يمين بمنزلة شاهد واحد وفي الشهود ليجب الاجتماع فكذا فيما هو بمنزلتهم.
...
----------
الأوّل: إيقاعه عند الحاكم أو من نصبه لذلك، كما نصّ عليه جماعة، منهم الشيخ(1) وأبو عليّ؛(2) لأنّه حكم شرعي يتعلّق به كيفيّات وأحكام وهيئات فيناط بالإمام وخليفته؛ لأنّه المنصوب لذلك، كذا في المختلف، ولأنّ الحدّ يقيمه الحاكم فكذا ما يدرؤه، ولصحيح محمّد بن مسلم، سئل الباقر(علیه السلام) عن الملاعنة والملاعن،(3) كيف يصنعان؟ قال: «يجلس الإمام مستدبر القبلة ... »،(4) الحديث.
وصحيح البزنطي وحسنه، سأل الرضا(علیه السلام) كيف الملاعنة؟ فقال: «يقعد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره».(5)
وما أرسل في بعض الكتب عن الصادق(علیه السلام) من قوله: «اللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي: إنّي رأيت رجلاً مكان مجلس-ي منها أو ينتفي من ولدها، فيقول: ليس منّي، فإذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي».(6) وق-وله(علیه السلام): «والملاعنةأن يشهد بين ي-دي الإم-ام أربع شه-ادات ... »،(7)
ص: 691
...
----------
الخبر. وما أرسل عنه وعن أميرالمؤمنين: من قولهما: «إذا تلاعن المتلاعنان عند الإمام فرّق بينهما».(1)
أقول: لكن لا يخفى ما ذهبنا إليه من الاحتياط في عدم جواز إيكال اللعان إلى الغير؛ لأنّ الأخبار قد اعتبرته من شؤون الإمام والحاكم لا الوالي. نعم، إن كان المذكور في الأحاديث أنّ ذلك بيد الإمام والحاكم كان يمكن العدول إلى غيره ولكنه لم يذكر هكذا، خلافاً لمثل باب الحدود والقضاء فإنّ المذكور فيها أنّها بيد الحاكم، فلا تغفل.
ثمّ قال(قدس سرُّه):
وفي المبسوط(2) والوسيلة(3) والشرائع(4) أنّهما لو تراضيا برجل من العامّة فلاعن بينهما جاز إلّا أنّه لم يصرّح في المبسوط والوسيلة بكونه من العامّة وزاد في المبسوط: أنّه يجوز عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم: لا يجوز،(5) وهو مشعرٌ بالاتّفاق مع أنّه قال قبل ذلك: اللعان لا يصحّ إلّا عند الحاكم أو من يقوم مقامه من خلفائه.(6) وقال أيضاً: اللعان لا يصحّ إلّا عن-د الحاكم أو خلي-فتهإجماعاً،(7) فلع-لّه إذا لم يح-صل الت-راضي بغيره أو
ص: 692
...
----------
المراد بالحاكم الإمام وبخلفائه ما يعمّ الفقهاء في الغيبة وبمن تراضيا عليه الفقيه في الغيبة أو لا يجوز عند كلّ من تراضيا عنده إلّا إذا لم يمكن الحاكم أو منصوبه، وجعلهما في المختلف قولين، واختار عدم الجواز إلّا عند الحاكم أو من ينصبه،(1) وتردّد في التحرير،(2) وربما قيل: المراد بالرجل العامّي الفقيه المجتهد حال حضور الإمام إذا لم يكن منصوباً منه(علیه السلام) .(3) وبالجملة، فينبغي القول بصحّة إيقاعه من الفقيه في زمن الغيبة لعموم النصوص من الكتاب(4) والسنّ-ة(5) والوالي بل الإمام له، على أنّ خبري الإمام ليسا من النصوصيّ-ة في امتناعه من غيره في شيء ولقضاء الضرورة بذلك، ولأنّه منصوبٌ من قبله، وأمّا إيقاعه في زمن الحضور وإيقاع غيره فالظاهر العدم، ويثبت حكم اللعان إذا تلاعنا عند من رضيا به غير الحاكم ونائبه بنفس الحكم منه مثل الحاكم سواء كما في الشرائع(6) والخلاف(7) ولعانالمبسوط(8) وقيل في قضاء المبسوط(9) يعتبر رضاهما بعد الحكم وموضع تحقيقه كتاب القضاء.
ص: 693
...
----------
الثاني: التلفّظ بالشهادة على الوجه المذكور اتباعاً للمنصوص المتّفق عليه، فلو قال: «احلف» أو «اقسم» أو «شهدت بالله» أو «أنا شاهد بالله» أو مش-ابه ذلك ک- «شهادتي بالله» أو «بالله أشه-د» أو «اولي بالله» لم يجز، خلافاً لبعض العامّة.(1)
أقول: وفيه ما مرّ(2) من صحّة ما استعمل فيه مادّة الشهادة؛ قضاءً لإطلاق الكتاب، والأخبار قاصرة عن الدلالة على ما ذهب إليه.
ثمّ قال(قدس سرُّه):
الثالث: إعادة ذكر الولد في كلّ مرّة يشهد فيها الرجل إن كان هناك ولد ينفيه ليتمّ عدد الشهادات عليه أيضاً وليس على المرأة إعادة ذكره؛ أي ذكره في شيء من المرّات لما عرفت وهو إعادة لما وقع بينهما قبل اللعان.
الرابع: ذكر جميع الكلمات الخمس، فلا يقوم معظمها مقامها، فإنّ حكم الحاكم بالفرقة بالمعظم لم ينفذ لخروجه عن النصّ، خلافاً لأبي حنيفة(3) فأنفذ حكمه بها بالمعظم.
الخامس: ذكر لفظ الجلالة، فلو قال: «اشهد بالرحمن» أو «بالقادر لذاته» أو «بخالق البشر» ونحو ذلك ممّا يخصّه تعالىفالأقرب عدم الوقوع للخ-روج عن النصّ واستص-حاب النك-اح ويحت-مل الوق-وع ضعي-فاً؛
ص: 694
...
----------
لاتّحاد المعنى وعدم تعيّن الآية لكون الشهادة بلفظ الجلالة. نعم، لو أردف ذكر الله تعالى بذكر صفاته وقع اتّفاقاً وكان أولى لاستحباب التغليظ.
أقول: وفيهما أنّهما غير تامّين إن لم يدلّ عليه إطلاق الكتاب، فإنّ الظاهر منه هو خصوصيّ-ة لفظ الجلالة وتعيّنه.
ثمّ قال(قدس سرُّه):
السادس: ذكر الرجل اللعن والمرأة الغضب، فلو بدل الملاعن كلاً منهما؛ أي أيّاً منهما بمساويه كالبعد والطرد المساويين للعن أو السخط المساوي للغضب أو أحدهما بالآخر لم يقع، للخروج عن النصّ والاستصحاب، وللعامّة قول بالوقوع.(1)
أقول: وفيه ما مرّ(2) ولا نعيده.
ثمّ قال(قدس سرُّه):
السابع: أن يخبر بالصدق على ما قلناه من قوله: «إنّي لمن الصادقين» اتباعاً للنصّ، فلو قال: «أشهد بالله إنّي صادق» أو «من الصادقين» من غير الإتيان بلام التأكيد أو «إنّي لصادق» أو«إنّي لبعض الصادقين» أو «إنّها زنت» لم يقع، وكذا المرأة لو قالت: «أشهد بالله إنّه لكاذب» أو «كاذب» أو «من الكاذبين» منغير لام التأكيد لم يجز، وكذا لا يجوز أن يقول الرجل: «لعن-ة الله عليّ إن كنت كاذب-اً» أو المرأة: «غضب الله عليّ إن كان صادق-اً»
ص: 695
...
----------
كلّ ذلك للاقتصار في خلاف الأصل على موضع النصّ(1) والإجماع(2) ولعلّ تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ والتأكيد فإنّ الشهادة يتضمّن مع القسم الإخبار عن الشهود والحضور والتعبير بالمضارع يقرّبه إلى الإنشاء لدلالته على زمان الحال ولفظ الجلالة اسم لذات المخصوص بها بلا شائبة اشتراك بوجهٍ و«من الصادقين» بمعنى أنّه من المعروفين بالصدق وهو أبلغ من نحو «صادق» وكذا «من الكاذبين» ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعلّه للمشاكلة فإنّ المناسب للتأكيد خلافه وتخصيص اللعنة به والغضب بها لأنّ جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف.
الثامن: النطق بالعربيّ-ة مع القدرة كلاً أو بعضاً موافقة للنصّ ويجوز مع التعذّر النطق بغيرها للضرورة وحصول الغرض من الإيمان فيفتقر الحاكم إن لم يعرف لغتهما إلى مترجمين عدلين ولا يكفي الواحد ولا غير العَدل كما في سائر الشهادات ولا يشترط الزائد فإنّ الشهادة هنا إنّما هي على قولهما لا على الزنا خصوصاً في حقّها فإنّها يدفعه عن نفسها وللعامّة قول باشتراط أربعة شهود.(3).
أقول: قد ذهبنا في باب القضاء بكفاية ترجمة الثقة، فإنّها ليست بشهادة.
ثمّ قال(قدس سرُّه):
ص: 696
...
----------
التاسع: الترتيب على ما ذكرناه، بأن يبدأ الرجل بالشهادات أربعاً ثمّ باللعن، ثمّ المرأة بالشهادات أربعاً ثمّ بالغضب اتّباعاً للنصّ ويناسبه الاعتبار فإنّ الدعاء باللعن والغضب غاية التغليظ والتأكيد في اليمين فناسب أن يكون آخراً وللعامّة قول بالعدم؛ لحصول التأكيد بهما قدّماً أو أخّراً.(1)
العاشر: قيام كلّ منهما عند لفظه، وفاقاً للمقنع(2) والمبسوط(3) والس-رائر(4) والشرائع،(5) لما روي أنّه(صلی الله علیه وآله وسلم) أمر عويمر بالقيام، فلمّا تمّت شهاداته أمر امرأته بالقيام،(6) وفي الفقيه أنّ في خبر «أنّه يقوم الرجل فيحلف» - إلى أن قال: - «ثمّ تقوم المرأة فتحلف»(7) وقيل(8) في المقنعة(9) والنهاية(10) والمراسم(11)والغن-ية(12) والوسيلة(13) يجب قي-امهما مع-اً بين ي-دي الح-اكم
ص: 697
...
----------
الرجل عن يمينه والمرأة عن يمين الرجل لحسن محمّد بن مسلم، سأل الباقر(علیه السلام) عن الملاعن والملاعنة، كيف يصنعان؟ قال: «يجلس الإمام مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبل(1) القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل، ثمّ المرأة».(2) وحسن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن الصادق(علیه السلام): «ثمّ قال للزوج ... »،(3) الخبر.
ولا ينصّان على اجتماعهما في القيام وأمّا جعل المرأة من يمين الزوج فلصحيح البزنطي، سأل الرضا(علیه السلام) كيف الملاعنة؟ قال: «يقعد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبيّ عن يساره».(4)
وأمّا وجوب قيامهما في الجملة فلصحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه(علیه السلام): سأله عن الملاعنة قائماً يلاعن أو قاعداً؟ فقال: «الملاعنة وما أشبهها من قيام».(5) ونصّ ابن سعيد على استحبابه(6) ولم يتعرّض له الصدوق في الهداية(7) والمحقّق فيالنافع(8) فربما لم يوجباه أيضاً، ولعلّه للأصل وعدم نص-وصيّ--ة ما ذكر في ال-وج-وب وق-د أرسل في بع-ض الك-تب ع-ن
ص: 698
...
----------
الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «والسنّ-ة أن يجلس الإمام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه، كلّ واحد منهما مستقبل القبلة».(1)
الحادي عشر: بدأة الرجل أوّلاً بالشهادات ثمّ اللعن ويعقّب المرأة له، فلو بدأت المرأة لم يجز للنصوص، ولأنّها إنّما يلاعن لدرء الحدّ عن نفسها ولا حدّ عليها ما لم يلاعن الزوج، وللعامّة قول بجواز تقدّمها. (2)
الثاني عشر: تعيين المرأة بما يزيل الاحتمال إمّا بأن يذكر اسمها واسم أبيها أو يصفها بما يميّزها عن غيرها ولعلّه لا يكفي التعبير عنها بزوجتي وإن لم يكن له في الظاهر زوجة غيرها لاحتمال التعدّد أو يشير إليها إن كانت حاضرة إشارة مميّزة وكذا يجب عليها تعيين الرجل ولعلّه لم يتعرّض له اكتفاءً في تمييزه بالزوج لعدم احتمال التعدّد.
الثالث عشر: الموالاة بين الكلمات؛ أي الشهادات فإن تخلّل فصل طويل لم يعتدّ بها اقتصاراً في خلاف الأصل على الواقع بحض-رته(صلی الله علیه وآله وسلم) ولأنّها من الزوج بمنزلة الشهادات ويجباجتماع الشهود على الزنا ولوجوب مبادرة كلّ منهما إلى دفع الحدّ عن نفسه ونفي الولد إن كان منتفياً ولم أر غيره من الأصحاب ذكره، وللشافعيّ-ة في وجوبها وجهان.(3)
الرابع عشر: إتي-ان كلّ واح-د منهما باللع-ان بع-د إلقائه؛ أي الح-اكم له
ص: 699
...
----------
عليه، فلو بادر به قبل أن يلقيه عليه الإمام لم يصحّ؛ لأنّه أمين، فلو بادر به كان كما لو حلف قبل الإحلاف وللأخبار(1) المبيّ-نة لكيفيّ-ة الملاعنة فإنّها تضمّنت ذلك ولأنّ الحدّ لا يقيمه إلّا الحاكم فكذا ما يدرؤه.
وأمّا المستحبّ، فأُمور سبعة:
الأوّل: جلوس الحاكم مستدبر القبلة ليكون وجههما إليها فيكون أدخل في التغليظ.
الثاني: وقوف الرجل عن يمين الحاكم والمرأة عن يمين الرجل إن قاما معاً وقد سمعت من الأخبار(2) ما يضمن الأمرين.
الثالث: حضور من يسمع اللعان غير الحاكم لوقوعه كذلك بحضرته(صلی الله علیه وآله وسلم) وليعرف الناس ما يجرى عليهما من الفراق المؤبدّ أو حكم القذف أو ثبوت الزنا، ولذا قيل: إنّ الأقلّ أربعة نفر بعدد شهود الزنا ولمناسبته للتغليظ وارتداعهما عنه.
الرابع: وعظ الحاكم وتخويفه بعد الشهادات قبل اللعن للرجل، وكذا المرأة قبل الغضب كما فعل(صلی الله علیه وآله وسلم).
الخامس: التغليظ بالمكان؛ بأن يلاعن بينهما في أشرف البقاع فيأرض الملاعنة، فإن كان بمكّة فبين الركن والمقام وهو الحطيم وإن كان ببيت المقدّس ففي المسجد عند الصخرة وإن كان بالمدينة فعند منبر النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) بينه وبين القبر، والأخبار الناط-قة بشرف ه-ذه البقاع كثيرة
ص: 700
...
----------
معروفة، قال في المبسوط: «وقال قوم: على المنبر وروي أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) لاعن بين رجل وامرأته على المنبر وروى جابر بن عبدالله الأنصاري أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من حلف على منبري هذا يميناً فاجرة ليقتطع بها مال امرء مسلم ولو على سواك من أراك، وفي بعضها ولو على سواك وأحقر فليتبوّأ مقعده من النار».(1) انتهى.
قلت: وقد روي أيضاً: «من حلف عند منبري على يمين آثمة ولو بسواك وجبت له النار»، واختلف العامّة في صعودها المنبر، فقيل: نعم؛(2) لما ذكره الشيخ، وقيل: لا؛ أو لأنّهما أو أحدهما فاسقان لا يلت-قيان ب-الصعود على منبره(صلی الله علیه وآله وسلم)،(3) والخبر محمولٌ على أنّه(صلی الله علیه وآله وسلم) لاعن بينهما وهو على المنبر، وهو مناسبٌ لما مرّ من استحباب جعل الحاكم ظهره إلى القبلة واستقبالهما إيّاها. وقيل بالصعود إنّ أكثر الناس ليروا [كذا] وإلّا فعنده،(4) وإن كان في سائر الأمصار، ففي الجامع، وفي الجامع عند القبلة والمنبر، وللشافعيّ-ة في اختصاص المنبر بالش-رف وجهان وإن كان بهما ما يمنع الدخولفي المسجد أو اللبث فيه كالحيض والجنابة لم يلاعن فيه، ومن التغليظ بالمكان استقبالهما القبلة وإن كان المتلاعن-ان ذمّي-ين، ففي المبسوط يلاعن-ان في الم-وضع ال-ذي يعت-ق-دان
ص: 701
(مسألة 16): إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة:(1)
----------
تعظيمه من البيعة والكنيسة وبيت النار، وللشافعيّ-ة في بيت النار وجهان؛(1) من أنّه لم يكن له حرمة أصلاً بخلاف البيعة والكنيسة، ومن أنّ المقصود تعظيم الواقعة وزجر الكاذب عن الكذب واليمين في الموضع الذي يعظم الحالف أغلظ وهو أظهرهما عندهم ولم يعتبروا بيت الأصنام للوثنيين.
السادس: التغليظ بالزمان؛ بأن يلاعن بعد العص-ر، قال في المبسوط: «لقوله تعالى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ ﴾.(2) قيل في التفسير بعد العصر، وروي أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «من حلف بعد العص-ر يميناً كاذبة ليقتطع بها مال امرء مسلم لقى الله تعالى وهو عليه غضبان».(3)
السابع: جمع الناس لهما، فإنّه من التغليظ الموجب للارتداع، ولأنّه قائم مقام الحدّ، وقد أمر فيه بأن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، ولأنّه حضر اللعان على عهده(صلی الله علیه وآله وسلم) ابن عبّاس وسهل بن سعد وابن عمر وهم من الأحداث، فدلّ على حضور جمع كثير لقضاء العادة بأنّ الصغار لاينفردون بالحضور.(4) انتهى كلامه(قدس سرُّه).
(1) بلا إشكال ولا خلاف؛ نصّاً وفتوىً.
ص: 702
الأوّل: انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما.
الثاني: الحرمة الأبديّ-ة، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد، وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان؛ سواءٌ كان للقذف أو لنفي الولد.(1)
الثالث: سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها.(2)فلو ق-ذفها ثمّ لاعن ونكلت هي ع-ن اللع-ان تخلّص الرج-ل عن ح-دّ
----------
(1) ويدلّ عليه أخبار، منها: ما في آخر صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ففرّق بينهما وقال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبداً بعد ما تلاعنتما».(1)
ومنها: صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) وفيها: «ثمّ يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً».(2)
ومنها: ما رواه زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام) وفيه: «فإن لم تفعل رجمت، وإن فعلت درأت عن نفسها الحدّ، ثمّ لا تحلّ له إلى يوم القيامة».(3)
وغيرها من الأخبار، وإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كونه لنفي الولد أو لدفع حدّ القذف.
(2) كما يدلّ عليه ما مرّ من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْيَكُن لَهُمْ شُهَدَآءُ إلّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتِ بِاللهِ ِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ َُِِِِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾.(4)
ص: 703
القذف، وتح-دّ الم-رأة حدّ الزاني-ة؛ لأنّ لعان-ه بمنزلة البيّ-نة في إثبات الزنا.(1)
الرابع: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه؛ بمعنى أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا لم يكن توارث بين الرجل والولد.
وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالأُبوة، كالجدّ والجدّة والأخ والأُخت للأب.
وكذا الأعمام والعمّات،(2) بخلاف الأُمّ ومن انتسب إليه بها، حتّى أنّ الإخوة للأب والأُمّ بحكم الإخوة للأُمّ. (3)
(مسألة 17): لو كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد لحق به الولد فيما عليه، لا
----------
وكذا الأخبار، مثل ما مرّ آنفاً عن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام).
(1) كما يدلّ عليه الكتاب،(1) وك-ذا ما في صحي-ح البزنطي عن الرضا(علیه السلام) م-ن قول-ه: «فإن نكلت رجمت، ويكون الرجم من ورائها ولا ترجم من وجهها، لأنّ الضرب والرجم لا يصيبان الوجه، يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها ويتّقى الوجه والفرج، وإذا كانت المرأة حبلى لم ترجم، وإن لم تنكل درئ عنها الحدّ وهو الرجم».(2)
(2) وذلك قضاءً لاقتضاء اللعان، ويدلّ عليه ما رواه زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قلت: أ رأيت إن فرّق بينهما ولها ولد فمات؟ قال: «ترثه أمّه، فإن ماتت أمّه ورثه أخواله».(3)
(3) وذلك واضحٌ.
ص: 704
فيما له،(1) فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به، ولا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره.(2)
----------
(1) وذلك لأنّه إقرار على نفسه وهو جائز بخلاف فيما له؛ قضاءً للعان.
(2) وذلك لعدم تحقّق الإقرار بالنسبة إليهم كما هو واضح.
لو كذّب نفسه بعد تماميّ-ة اللعان فهل تزول بقيّ-ة الآثار المترتّبة عليه أيضاً؛ من الحرمة الأبديّ-ة والفرقة وسقوط الحدّ أيضاً أم لا؟ أمّا الأوّل والثاني فلا شكّ ولا خلاف في عدم زوالهما ولا دليل عليه، بل يدلّ عليه استصحاب آثار اللعان وأخبار الباب، وأمّا الثالث، ففيه قولان؛ فنرى أنّ الشيخ(قدس سرُّه) قد ذهب في بعض كتبه إلى سقوط الحدّ(1) وفي بعضها إلى عدمه،(2) والأخبار في ذلك مختلفة وإن دلّ غير واحد منها على عدم الحدّ، ودلّ واحد منها فقط على ثبوته.
فممّا يدلّ على الأوّل: ما رواه الحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في رجل لاعن امرأته، وهي حبلى، ثمّ ادّعى ولدها بعد ما ولدت وزعم أنّهمنه؟ قال: «يردّ إليه الولد ولا يجلد، لأنّه قد مضى التلاعن».(3)
ومنها: م-ا رواه الح-لبي أيضاً، ق-ال: سألت أب-ا عب-دالله(علیه السلام) عن رج-ل لاع-ن
ص: 705
...
----------
امرأته، وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها، فلمّا وضعت ادّعاه وأقرّ به وزعم أنّه منه؟ قال: فقال: «يردّ إليه ولده ويرثه ولا يجلد، لأنّ اللعان قد مضى».(1)
ونحوهما صحيحته عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه سأله عن رجل لاعن امرأته، وهي حبلى وقد استبان حملها وأنكر ما في بطنها، فلمّا وضعت ادّعاه وأقرّ به وزعم أنّه منه؟ فقال: «يردّ عليه ولده ويرثه ولا يجلد، لأنّ اللعان بينهما قد مضى».(2)
ويدلّ على الثاني: ما رواه محمّد بن الفضي-ل، ع-ن أبي الحسن(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها، ثمّ أك-ذب نفس-ه، هل يردّ عليه ولده؟ فقال: «إذا أك-ذب نفسه جلّد الحدّ، وردّ عليه ابنه، ولا ترجع إليه امرأته أبداً».(3)
ولا يخفى أنّه بناءً على وجود التعارض فالترجيح للطائفة الأُولی؛ وذلك لقوّة السند فيها كثرةً وصحّةً، ولتطابقها لمقتضى اللعان من سقوط الحدّ بجريانه، وكذا لقاعدة درء الحدود.
هذا، ولكن قد يقال: إنّه لا تعارض بينهما؛ لأنّ رواية ابن الفضيل هي ن-صّ فيم-ا نحن فيه وتل-ك الأخبار لا ظه-ور له-ا في محلّ البحث بل يحتمل أو هي ظاه-رة فيما لو نفی الول-د ثمّ أق-رّ به، والإق-رار بال-ولد لاح-دّ ل-ه كما أنّ نفي الولد لاحدّ له، فلا تع-ارض.
وفيه: أنّه إن كان الأمر - كما ذكر - فلا وجه لقوله(علیه السلام) بأنّه قد مض-ى التلاعن، فتلك الرواي-ات هي ظاه-رة في محلّ البحث إن لم نق-ل أنّها كالن-صّ في-ه وإلّا كان
ص: 706
...
----------
ينبغي أن يعبّر بأنّه لا حدّ لعدم الموجب، وقد يستدلّ لثبوت الحدّ بالاستصحاب وهو كما ترى؛ لأنّ العكس هو أولى كما نرى. وعلى كلّ حالٍ، فالحدّ ساقط.
والحمد لله ربّ العالمين(1)
ص: 707
ص: 708
طبقاً لنظريات المرجع الديني
سماحة آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي (قدس سره)
فخر الدین الصانعي
ص: 709
ص: 710
عندما أعلن الله تعالى عن منشأ ظهور الإنسان بقوله عزّ من قائل: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾،(1)مطلقاً على الخالق: ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(2) عبّد تمام طرق تكامل البشر نحو الكمال المطلق أمامهم، وجعل ملاك الوصول إلى مرحلة: «حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور».(3) ومعياره، التقوى والإيمان والعمل الصالح. هناك اعتبر أنّ إحقاق الحقّ وعدم لحوق الظلم بآحاد المجتمع - في سياق الوصول إلى حقوقهم المعنوية والاجتماعية - المحور الأساس لرسالة الأنبياء، ولم يرد في القرآن الكريم ولا في غيره - إطلاقاً - تحديد معيار الحركة إلى الله والوصول إلى الحقّ بمعايير من نوع القومية والعرقية والجنس؛ لأنّ الوصول إلى الحقّ بمثل هذه المعايير التي تمثل أُموراً تكوينية يعدّ في نفسه ظلماً وجوراً يتبرّأ منه المقنّنون، سيّما الشارع الحكيم تبارك وتعالى، قال سبحانه: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّاملِلْعَبِيدِ﴾.(4)
ص: 711
ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا المبدأ العامّ في مجال الحقوق، تطرح في هذا السياق إشكالية التمييز الجنسي؛ فحقّ الطلاق في القوانين المدنية الإسلامية يعطى للرجل بحيث يصبح له الحقّ الكامل في حرمان المرأة من الحياة الزوجية التي تريدها وتطلبها، وهذا الحقّ يثبت له في أيّ زمان أراد دون أن يكون للمرأة ما يشبه هذا الحقّ أساساً. نعم في القانون المدني الإيراني وفي المادة 1133 المؤرّخة في 19/8/1381 ش (2002م) جاء على النصّ التالي: «يمكن للرجل في أيّ وقت أراد أن يطلّق زوجته»، إصلاحٌ وتعديل هذا نصّه: «يمكن للرجل مع مراعاة الشروط المقرّرة في هذا القانون، مراجعة المحكمة لطلب طلاق زوجته».
ثمّ أضيف الملحقّ التالي: «يمكن للمرأة أيضاً طلب الطلاق من المحكمة إذا تحقّقت الشروط المقرّرة في المواد (1119 و1129 و1130)».(1)
إلّا أنّ إعطاء حقّ الطلاق للمرأة أو تحقيقه لها عبّر الشرط أو في حال عدم دفع النفقة، أو العسر والحرج، إضافةً إلى أنّه لا يحلّ إشكالية التمييز التي يخلقها إعطاء
ص: 712
الرجل حقّ الطلاق بصورة مطلقة ودون أيّ قيد أو شرط أو عس-ر أو حرج ... يظلّ إثبات هذه الأُمور أمراً صعباً ومعضلاً في ظلّ التفاسير المختلفة لها.
وبناءً عليه، ففي هذا الكتاب وهو الثامن من سلسلة المباحث المصوّبة من طرف المكتب الحقوقي لمؤسّسة فقه الثقلين، وتحت عنوان «الفقه والحياة» نواصل البحث عن الآليات والمنافذ التي تحلّ الشبهة المذكورة في القوانين المدنية الإسلامية مع الأخذ بعين الاعتبار عنصر الزمان والمكان. رغم أنّه لا يخفى على القارئ العزيز أن النظرية المطروحة في هذا الكتاب والاستدلالات المدرجة فيه من إبداعات وابتكارات حضرة آية الله العظمى الصانعي(قدس سرُّه)، والتي قدّمها في دروس البحث الخارج (الفقه) في عام 1381 ش / 2002 م في شهر رمضان المبارك، وقد سعينا في تدوين هذه المحاضرات العلمية مخاطبة الباحثين والمهتمّين غير الحوزويين؛ لهذا بذلنا جهداً حتّى المقدور لمراعاة ذلك وفي الوقت عينه حفظ إتقان الاستدلالات مع عبارات غير حوزوية، آملين أن يقع عملنا هذا محلاً لقبول الحقّ جلّ وعلا ورضا ولي العصر (عج).
مؤسّسة فقه الثقلين الثقافية
ص: 713
ص: 714
التمييز بين الرجل والمرأة في حقّ الطلاق من الموضوعات التي تثير في الفقه التساؤلات والاستفهامات، حيث يُسأل: كيف يكون للرجل الحقّ في قطع العلاقة بين الزوج والزوجة، في أيّ زمان شاء بدفع المهر، أما المرأة فليس لها الانفصال عن زوجها عندما لا تغدو راضيةً عن حياتها مع شريكها؟! هل يعطي الإسلام - وهو القائم على أساس كرامة الإنسان وتساوي الرجل والمرأة(1) في الاستفادة من المواهب المادية والمعنوية - للرجل حقّ إبادة حياة المرأة فيما لا سبيل لهذه المرأة للخلاص من حياة سوداء تعيشها؟!
لقد حاول بعضهم الإجابة عن هذه الشبهة بالقول: إذا كان الطلاق بيد المرأة وأمكنها أن تطلق نفسها، فإنّ هذا معناه - عند ما نلاحظ الجانب العاطفي النشط والحساس عندها - ميلٌ لديها للطلاق عند بروز أدنى مشكلة، ولا تكون متوازنةً في هذا الأمر ... جاء في الحديث:« ... ومحاباتهنّ النساء في الطلاق ... »،(2) وهذا ما
ص: 715
يوجب تزلزل مؤسّسة الأُسرة والحياة.
إلّا أنّ هذا الجواب لا يرفع إشكالية التمييز وشبهة ظلم النساء؛ وذلك:
أوّلاً: أنّ الحديث عن رغبة النساء وميلهنّ للطلاق ادّعاء بلا دليل، ولا يوجد بأيدينا أي مستند أو دليل معتبر على ذلك على مستوى علم النفس وعلم النفس التحليلي والإحصائي، فهو ليس سوى صرف احتمال لا أكثر.
كذلك الحال في الحديث المستند إليه هنا، فهو مناقش سنداً ودلالة.
ثانياً: أنّ هذا الجواب لا يمكنه رفع إشكال أولئك الذين لا يعتقدون إطلاقاً بالإسلام، فكيف بالأخبار والروايات؟!
ثالثاً: أنّ تزلزل مؤسّسة الأُسرة أمر حاصل أيضاً مع جعل الطلاق بيد الرجل؛ ذلك أنّ المرأة لا اطمئنان عندها باستمرار حياتها المشتركة مع زوج يمكنه في أيّ لحظة أن ينفصل عنها، وعليه فهذا الحقّ عندما يعطى للرجل فسوف يهزّ أركان الحياة العائلية.
بدورنا، ما نسعى له في هذه الدراسة، هو مارسة قراءة جديدة في النصوص الفقهية وفي مستندات حكم الطلاق، بهدف العثور على منفذ وطريق لرفع هذا الاختلاف، ورفع شبهة التمييز في البين، من هنا سوف نحاول تفسير القانون الإلهي هنا في حدود فهمنا وإدراكنا.
ويبدو أنّ السبيل الوحيد لرفع إشكالية التمييز هنا هي الحكم بوجوب طلاق الخلع - مع توفّر شروطه وظروفه - على الرجل، والشرط الرئيسفي طلاق الخلع هو كراهة المرأة وعدم رضاها باستمرار حياتها الزوجية، ولا يوجد أيّ قيد لهذه الكراهة وعدم الرضا، حتّى أنّ أيّ سبب ينتجهما يحقّق القضيّة هنا؛ فلو تحقّقت الكراهة لأنّ المرأة تريد الزواج من رجل آخر - ولذا تريد الطلاق من الأوّل - حصل الحكم.
ص: 716
ومع إثبات هذا القول الذي هو مختار الأُستاذ المعظم(قدس سرُّه) أيضاً، يرتفع معضل التمييز؛ إذ كما أنّ الرجل يمكنه في أيّ وقت أراد دفع مهر المرأة وتطليقها، كذلك الحال في الزوجة أيضاً، فإنّ بإمكانها - بإعادة المهر أو هبته والتنازل عنه للزوج - جعل الرجل ملزماً بالطلاق.
وبناءً عليه، فالمرأة والرجل متساويان في امتلاك حق الطلاق ولا اختلاف، وهنا قد يقال بأنّه في حالة إرادة المرأة للطلاق يفترض أن يكون لها الحقّ أيضاً في الحصول على مهرها من الزوج.
لكن يمكن الجواب بأنّ هذا الكلام واضح البطلان؛ لأنّ إعطاء مثل هذا الحقّ للمرأة ليس فقط لا يعدّ عدلاً ومساواة في حقّ الطلاق، بل هو ظلم فاحش على الرجل؛ ذلك أنّه لم يصدر منه أو يحصل لديه أيّة كراهة في الاستمرار في الحياة الزوجية، بل هو راض بذلك، وعليه فوجود حكم من هذا النوع وإلزامه - مع هذا الوضع - بدفع المهر لتنفصل زوجته عنه ... أشبه - تقريباً - بالجمع بين العوض والمعوّض لأحد طرفي العقد، وبطلان الجمع بين العوض والمعوّض في العقود والمعاملات هو أيضاً حكم عقلي وعقلائي واجتماعي.
والحمد لله
ص: 717
ص: 718
قبل الشروع في بيان تقسيمات الطلاق؛ لابدّ من ذكر أمرين ضروريين - فيما يبدو - هما:
الأمر الأوّل: بالقدر الذي أكّد فيه الإسلام على الزواج، وبشّر الزوجين بنتائجه وآثاره الإيجابية، واعتبره في الآيات القرآنية أساساً لسكينة الزوجين(1) كما اعتبره في الأخبار سنّةً نبوية وأحبّ بناء عند الله تعالى،(2) بقدر ذلك كلّه حذّر من الطلاق والوقوع فيه، واعتبره أبغض الحلال عند الله، وأوصى بتركه وتجنبه.(3) فلا شكّ أنّ تخريب صرّح الزواج المحبوبلا يمكن أن يكون محبوباً عند الله وإلّا لزم في هذه الحال اجتماع النقيضين.
ص: 719
الأمر الثاني: يعدّ الطلاق في الإسلام من الأحكام الإمضائية لا التأسيسية، بمعنى وجوده قبل البعثة النبوية، وتحقّقه طبق أعراف وعادات ذلك الزمان، وما فعله الإسلام أنّه أنفذه وأمضاه، فليس صحيحاً أنّ الإسلام أقامه وشاده وأوجده وأحدثه. فالشواهد التاريخية في حياة البش-ر - سيّما عرب الجاهلية - تؤكّد رواج ظاهرة الطلاق دون قيد أو شرط فيه، بل حصوله بكلّ يُسر وسهولة، إلى حدّ أنّ الرجل الواحد كان يطلّق زوجاته مراراً وتكراراً دون الأخذ بعين الاعتبار وجود حقوق لهنّ عليه، وبمجيء الإسلام صيّر حركة الطلاق مؤطّرة بإطار المزيد من المنافع للنساء.(1)
ينقسم الطلاق - في تنويع عامّ - إلى قسمين:
ويطلق على الطلاق الذي يوقعه الرجل بعد دفعه المهر وإجراء صيغة الطلاق، ويمكنه فيه بعد الشروع في العدّة إعادة إقامة العلاقة الزوجية عبر ألفاظ أو سلوك وأعمال تدلّ على رضاه باستمرار هذه الحياة الزوجية، وذلك في أيّام العدّة ودون حاجة إلى عقد نكاح، فهذا العود إلى الحياة الزوجية يسمّى رجوعاً، وهو محدود من حيث العدد.(2)
ص: 720
يطلق على الطلاق الذي لا يمكن للزوجين فيه - بمجرّد حصول الانفصال وفكّ عقدة الزوجية - أن يعودا فيه لبعضهما دون عقد جديد والحياة معاً، بل لابدّ من نكاح جديد لهما.
ينقسم الطلاق البائن إلى ستة أقسام:
1. لو طلّق الزوج ثمّ رجع وطلق مرّتين، فهنا الطلاق الثالث يكون بائناً شرعاً.
2. الطلاق الخُلعي المشروط بعدم رضا الزوجة عن الحياة الزوجية فيما يكون الرجل راضياً بها.
3. طلاق المباراة، وشرطه عدم رضا الزوجين، وفي هذه الصورة يمكن للرجل الانفصال عن الزوجة مع أخذ كامل المهر أو أقلّ من ذلك.
4. طلاق الزوجة التي لم يدخل بها.
5. طلاق الزوجة اليائسة.
6. طلاق الزوجة (البنت التي لم تبلغ سنّ رؤية الحيض وما زالت صغيرة).
بدورنا، سنبحث هنا حول طلاق الخُلع الذي هو أحد أقسام الطلاقالبائن.
طلاق الخلع أحد أنواع الطلاق المشروع في الفقه الإسلامي، وسنحاول هنا إعادة قراءته ومطالعة أدلّته لنرى هل يرفع هذا الطلاق شبهة ظلم المرأة والتمييز بينها وبين الرجل؟ وقبل بيان موضوع البحث وتقرير محلّ النزاع في طلاق الخلع،
ص: 721
نتعرّض لبيان المعنى اللغوي والاصطلاحي للخلع، ثمّ بعد ذلك نبحث في الأدلّة والأقوال المتعلّقة بحكمه.
تعني كلمة «الخلع» النزع والقلع، يقول صاحب القاموس:
الخلع، كالمنع: النزع ... وبالضمّ: طلاق المرأة ببذل منها أو من غيرها.(1) وجاء في الصحاح الكلام عينه،(2) وقال في المصباح:
خلعت النعل وغيره (خلعاً) نزعته، و(خالعت) المرأة زوجها (مخالعة) إذا افتدت منه وطلّقها على الفدية (فخلعها) هو (خلعاً)، والاسم (الخلع) بالضمّ، وهو استعارة من خلع اللباس؛ لأنّ كلّ واحد منهما لباس للآخر، فإذا فعلا ذلك فكأنّ كلّ واحد نزع لباسهعنه.(3)
قال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾.(4)
وفي بعض العبارات عبّر عن الخلع بالافتداء أيضاً،(1) كما جاء في التنقيح:
يقال لهذا الإيقاع افتداء وخلع؛ أمّا الأوّل فلقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾.(2)
كأنّها لمكان كراهتها له مأسورة؛ فافتدت منه بشيء.
ولابدّ هنا من الالتفات إلى أنّ طلاق الخلع يشترط فيه كراهة وتنفّر الزوجة فقط، بحيث لا يكون عند الرجل كراهة أصلاً، وهذه الكراهة التيتعبّر عن شرط في موضوع الخلع لها مراحل مختلفة؛ ذلك أنّه قد يكون عند المرأة أحياناً نفرة شديدة من الرجل، بحيث تقول له: إنّي لن أطيعك بعد اليوم، بل قد يتخطئ الأمر ذلك ليبلغ حدّ التهديد، بأن تقول: سوف أشارك رجلاً آخر الفراش. وبعبارة أُخرى: أن تهدّد المرأة الرجل بارتكاب معصية عِرضية أو تهدّده بترك واجب يفترض أن تقوم به مع زوجها.
وفي بعض الأحيان قد تظهر كراهتها وعدم رضاها عبّر أخلاقها وسلوكها وشمائلها للزوج، ولا تتحدّث عن أيّ كلام يستشمّ منه رائحة المعصية والذنب، من هنا فما أفاده الأُستاذ المعظم(قدس سرُّه) واختاره، هو قابلية الخلع للتحقّق بمطلق الكراهة، وليس لزاماً أن تبرز الزوجة بالألفاظ والتعابير ما يدلّ على العصيان.
أصل شرعية طلاق الخلع تنبع من القرآن الكريم، فقد قال تعالى في الآية 229 من سورة البقرة: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ... ﴾.
كيفيّة الاستدلال بالنص القرآني
مع الأخذ بعين الاعتبار شأن نزول الآية وسببه واستدلال الإمام الصادق7بها في رواية أبي بصير(1) في مورد أخذ المقدار المجاز من المال من المرأة، تبيّن الآية تشريع طلاق الخلع في الإسلام.
هناك روايات متواترة من طرف الشيعة(2)والسنّة تدلّ على مش-روعية طلاق الخلع، ونكتفي هنا برواية وردت من طرق أهل السنّة، تبين سبب نزول الآية المتقدّمة أيضاً وتشير إليه. فقد جاء أنّه:
روي أنّ جميلة بنت عبدالله بن أبي كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه وهو يحبّها، فأتت رسول الله9فقالت: يا رسول الله! لا أنا ولا ثابت، لا يجمع رأسي ورأسه شيء، والله ما أعيب عليه في دين
ص: 724
ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام، ما أطيعه بغضاً، إنّي رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدّة، فإذا هو أشدّهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً، فنزلت، وكان قد أصدقها حديقةفاختلعت منه بها، وهو أوّل خلع كان في الإسلام.(1)
يقسّم العلّامة الحلّي(2) طلاق الخلع - من جهة الحكم الشرعي - إلى أربعة أنواع هي: حرام، ومباح، ومستحبّ، وواجب.
عند ما يجبر الزوج زوجته - كي يطلّق - أن تهبه مالاً ما أو تتنازل عن مال ما، والحال أنّ الزوجين متفاهمان مع بعضهما في حياتهما الزوجية، ولا تكون المرأة متنفرةً من زوجها. في ه-ذه الحالة يحكم الف-قهاء جمي-عاً بأنّ الطلاق الذي يقع ليس - بالجزم والقطع واليقين - خلعاً أبداً، وأنّ هذا المال الذي قدّمته الزوجة للزوج في سياق الطلاق ما زال على ملكية الزوجة، ولا يجوز للزوج التص-رّف به إطلاقاً،(3) لكن بمجرّد أن يجري المطلّق أو وكيله صيغة الطلاق على لسانه يحكم الفقهاء بوقوع الطلاق رجعياً، ويقولون: لا يملك الرجل المال، رغم أنّ صاحب كشف اللثام(4)
ص: 725
يحتمل بطلان هذا الطلاق من رأس، تماماً كما ذهب إليه أهلالسنّة؛(1) وذلك أنّ قصد الزوج من وراء إجراء صيغة الطلاق إيقاع الطلاق المؤدّي إلى أن يأخذ في مقابله شيئاً، ومع الأخذ بع-ين الاعتبار حرمة المال المأخوذ - في صورة إجبار الزوجة - وعدم مالكيته له، سيصبح طلاقه مجانياً؛ وعليه فما بنى عليه صيغة الطلاق لم يقع في الخارج، بمعنى أنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
وبعبارة أُخرى عند ما يكون طلاقه صحيحاً فإنّ لازم ذلك صحّة وحلّية المال الذي أوقع الطلاق له؛ لكن بطلان هذا اللازم - نظراً لإجماع الفقهاء على حرمة المال المأخوذ - واضح وبيّن يوجب بطلان الملزوم، وهو صحّة مثل هذا الطلاق.
ويكون عند ما تتنفّر الزوجة من زوجها وتخاف أن لا تقدر على أداء حقوق زوجها، أي يفضي ذلك بها إلى المعصية، فهنا تهب مهرها أو أموالاً أُخرى للرجل حتّى يطلّقها.
لا وجود له ولا لهذه المراتب من الكراهة في كلمات أيّ من الفقهاء، سوى كلام العلّامة.
وموضوعه عين موضوع الطلاق السابق، لكنّ بعض الفقهاء قائل هنا بالوجوب، حيث يذهبون إلى أنّه إذا بلغت الكراهة هذا الحدّ وجب على الزوج طلاق زوجته بعد قبولها بهبة المال.
ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه التقسيمات، لابدّ أن نجعل مورد البحث وجوب الطلاق في مطلق حالات كراهة الزوجة للزوج، حتّى لو أخذت شكلاً ظاهرياً مختلفاً، سواء التنفّر الظاهري أم إرادة إدخال رجل آخر، وليس من الضروري أن يبلغ هذا التنفّر حدّاً يحتمل معه المعصية من طرف الزوجة في الأُمور الواجبة عليها تجاه زوجها.
إذا تمكّنا - عبر دراسة أدلّة الطرفين - من التوصل إلى وجوب الخلع في هذه الصورة فإنّه لا مجال بعد ذلك لشبهة التمييز بين الرجل والمرأة في حكم الطلاق، ومن ثمّ لا يضيع أيّ حقّ من المرأة حينئذٍ في هذا المجال، ولا يعرض عليها أيّ حيف أو ظلم؛ إذ كما يمكن للزوج أن يطلّق زوجته لأيّ سبب بدفعه المهر لها، كذلك يمكن للمرأة عند ما تكون كارهة لزوجها بأيّ شكل من أشكال الكراهة، ولو الكراهة الناشئة من إرادتها الزواج منشخص آخر، يمكنها بدفع المهر لزوجها أو مقداره على تقدير التلف، المطالبة بالطلاق من الرجل، وعلى الرجل الاستجابة لمطالبتها بإجراء الطلاق حتّى تتمكّن المرأة من العيش بحرية تامّة والاستمرار بحياتها كذلك ... حتّى لو كان الرجل راضياً عن حياته مع هذه الزوجة وليس عنده أيّ نفرة منها.
ص: 727
وطبقاً لهذه النظرية، لا يضيع على الرجل أيّ حقّ، إذ في الحدّ الأدنى سوف يرجع إليه المهر الذي أعطاه للمرأة، ولا يضيع حقّ الزوجة؛ لأنّها لو طلّقت من طرف الرجل ستأخذ مهرها وعوض بضعها حينئذٍ.
والآن، وبعد تحديد محلّ النزاع، وهو مهمّ جدّاً في فتح مغالق الموضوع والجواب عن إحدى الشبهات المسجلة على النظام الحقوقي الإسلامي، نواصل بحثنا باستعراض الأقوال في المسألة والأدلّة من الطرفين مع ذكر الإشكالات والإيرادات؛ وفي خاتمة البحث نذكر أدلّتنا ونحلّل تحليلاً ماهوياً جوهرياً رواية «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(1) التي تمثل أحد أهمّ أدلّة القائلين بعدم وجوب طلاق الخلع هنا.
وقبل بيان أقوال الفقهاء، لابدّ من الالتفات إلى أنّ ما يرفع شبهة التمييز هنا هو وجوب الخلع مع مطلق الكراهة، إلّا أنّ محلّ النزاع بين الفقهاء إنّما هو الصورة الثالثة من الصور التي ذكرها العلّامة الحلّي، والتيأسلفناها في بيان طلاق الخلع وأنواعه.
لكن ولكي ندرس تمام جوانب الموضوع، من الض-روري عرض آراء الفقهاء واستدلالاتهم في هذه الصورة السالفة الإشارة إليها، ثمّ نخضعها للبحث والدراسة.
هناك قولان في القسم الثالث من طلاق الخلع:
أحدهما: وهو القول المشهور بين الفقهاء، والقائل بعدم وجوب طلاق الخلع على الرجل.
ص: 728
وثانيهما: وهو مختار بعض الفقهاء مثل الشيخ الطوسي في النهاية،(1)وابن زهرة الحلبي في غنية النزوع،(2) وابن حمزة في الوسيلة(3) وأبي الصلاح الحلبي في الكافي،(4) وابن البرّاج في الكامل(5) ... يذهب إلى وجوب طلاق الخلع. ولا يفوتنا أنّ أوّل القائلين بهذا القول هو الشيخ الطوسي (460 ق) في كتاب النهاية.(6)
استند تمام الفقهاء القائلين بعدم الوجوب هنا إلى وجهين هما:
1. أصل الب-راءة، أي براءة ذمّ-ة الرج-ل عن حكم الوجوب، ولا معارض
ص: 729
لهذا الأصل.
2. عدم وجود دليل لا من الكتاب ولا من السنّة على إلزام الرجل بالطلاق، ذلك أنّ الآية: 229، من سورة البقرة، التي تشكل الدليل الرئيس لطلاق الخلع، جاء فيها تعبير «فلا جناح»، الظاهر في الجواز لا الوجوب: ﴿ ... فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ... ﴾.
كذلك الحال في الروايات؛(1) حيث ورد التعبير في حقّ الرجل: «حلّ له ما أخذ منها»، وهو مشعر بالجواز، وهناك ملازمة بين جواز الأخذ وجواز الطلاق لا وجوب الطلاق، وعليه فإلزام الرجل بالطلاق اجتهاد فيمقابل النصّ.
لا يمكن الاعتماد على أصالة البراءة هنا؛ لما سيأتي من الأدلّة التي سنقيمها على القول المختار في المسألة، لأنّ أصل البراءة مبني على فقدان الأدلّة على الوجوب.
هذا الاستدلال غير تام أيضاً؛ وذلك:
أوّلاً: أنّ الآية: 229، من سورة البقرة والروايات الواردة في موضوع طلاق الخلع، ناظرة إلى حلّية الأخذ، وليست في مقام بيان حكم جواز الخلع وعدم وجوبه؛ وذلك أنّ أصل تشريع الطلاق جاء في القرآن، ومع ملاحظة الآية: ﴿ ... فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ... ﴾ إلى جانب الجمل السابقة التي يقول فيها الله العادل سبحانه: ﴿ ... وَلّا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ... ﴾.(2)
ص: 730
نفهم أنّ المولى الحكيم استثنى - بعد بيان حرمة الأخذ الإجباري لأموال المرأة - مورداً واحداً، وهو دفع المرأة المهر أو مالاً من جانبها باختيارها ودون إجبار زوجها ومطالبتها بالطلاق منه، وعليه فالاستثناء من حكم الحرمة مربوط فقط بما بيّنته الآية حيث قالت: ﴿ ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِفَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ... ﴾.(1)
وبعبارة أُخرى: الاستثناء هنا استثناء منقطع يدلّ على خروج فرد مّا من حكم المستثنىمنه، دون أن يكون هذا الفرد من أفراد المستثنى منه نفسه، تماماً مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض مِنْكُمْ ... ﴾،(2) فإنّ التجارة عن تراض، ليست من أفراد الباطل والمستثنى منه، لكنها استثنيت وأخرجت عن حكم المستثنى منه، وهو عدم جواز الأكل، وفي بحثنا الحكم المستثنى منه هو عدم جواز أخذ الأموال المدفوعة للمرأة، فيما حكم المستثنى هو جواز الأخذ في حالة تنفّر المرأة من الزوج.
ولا يفوتنا هنا أنّ الروايات أيضاً ناظرة إلى هذا المطلب الذي جاء في القرآن الكريم، أي جواز وحلّية أخذ الأموال التي تدفعها المرأة لزوجها عن كامل إرادتها واختيارها حتّى يطلّقها، وليست الروايات في مقام بيان جواز الخلع أو وجوبه.
ثانياً: حتّى لو قبلنا بأنّ الآية والروايات كانت في مقام بيان جواز الخلع أيضاً، لكن لابدّ من الانتباه إلى أنّ جواز الخلع المستفاد منها لا ينافي وجوبه (سواء من
ص: 731
باب النهي عن المنكر أم نفي الظلم أو العدل والارتكاز العقلائي)؛ وذلك أنّ أكثر الأحكام مترتّبة على الموضوعات في حدّ نفسها وبما هي هي، أيأنّ الحكم يحمل على الطبيعة المطلقة، لا على مطلق الطبيعة مع تمام عوارضها وطوارئها.
وتوضيح هذه النقطة أنّنا عند نقول بتعلّق الحكم بالطبيعة المطلقة للموضوع، فهذا معناه أنّ هذا الحكم يقبل التغيير مع الظروف الاختيارية أو مع العس-ر والحرج فهو حكم شأني، بخلاف المورد الذي يكون الحكم فيه منصباً على مطلق الطبيعة بتمام عوارض الموضوع وطوارئه، ففي هذه الحالة سيكون الحكم حكماً فعلياً من تمام الجهات لا يقبل التغيير بأيّ وجه من الوجوه، مثل الحكم بأنّ إجراء صيغة الطلاق جعله المولى بيد الرجل، والمرأة لا يمكنها إطلاقاً أن تجري صيغة الطلاق من طرف نفسها.
والجدير أنّ جواز الخلع ليس حكماً فعلياً من تمام الجهات؛ ذلك أنّ فعلية حكم من تمام الجهات مخالفة لظواهر الأدلّة، فإذا أريد لحكم أن يكون فعلياً بهذا الشكل وبهذه الطريقة فلابدّ من إبراز شواهد وقرائن في أدلّته تعطي هذا المؤدّى، وفي موضوعنا هنا لا يوجد أي دليل من أدلّة طلاق الخلع يحتوي على هذا الشاهد وهذه الخصوصية.
وبعبارة أُخرى: جواز الخلع منصبّ على الموضوع بما هو هو والطبيعة المطلقة، فيقبل هذا الجواز التغيير.(1)
حيث يستوعب مدّعانا وجوب الطلاق الخلعي على الرجل في تمامصور تنفّر
ص: 732
الزوجة من الزوج فإنّه - إضافة إلى ذكر دليل الفقهاء القائلين بوجوب الطلاق في الصورة الخاصّة، التي هي الحالة الثالثة من حالات كراهة الزوجة - سوف نورد الأدلّة التي تفيد وجوب طلاق الخلع في تمام موارد الكراهة، وهي كالتالي:
عند ما تبدي المرأة كراهتها العيش مع زوجها، فإذا لم يطلّقها الرجل فمن الممكن أن تتخلّى عن بعض الواجبات المفروضة عليها تجاه زوجها، وهذا ما يجعلها تسقط في المعصية والمنكر، وبناءً عليه، وللحيلولة دون معصية المرأة وفعلها المنكر، يجب على الزوج تطليقها وتخلية سبيلها.
أشكل مشهور الفقهاء على هذا الدليل وردّوه، وترجع عمدة إشكالاتهم إلى ثلاثة، هي:
لا ينحصر طريق النهي عن المنكر بالطلاق الخلعي؛ وذلك أنّ النهي عن المنكر يمكن أن يقع عن طريق الطلاق العادي، أي أنّ الرجل يطلق زوجته دون أخذ المال منها، فعدم أخذه المال يوجب حفظ غيرته ومكانته.
هذا الإشكال ليس وارداً؛ لأنّه إذا قيل بوجوب الطلاق على الزوج الذي
ص: 733
تكرهه زوجته، وهو سعيد معها غير متأذٍ من حياته العائلية، مع عدم أخذه المال، فإنّ الحكم بالوجوب هنا ظلمٌ على الرجل نفسه، لأنّ قطع العلاقة الأسرية وتدمير العائلة، يترك آثاراً روحيةً ونفسيةً ضاغطة على الزوج الذي يرغب ببقاء هذه العلاقة الأسرية، فإذا ألزمناه بالطلاق مع دفع المال فسيكون ذلك ضرراً عليه، من حيث ما دفعه من أموال لتكوين هذه الأُسرة والمصاريف التي قدّمها في هذا المجال.
يضاف إلى ذلك أنّ هذا الإشكال نفسه يُثبت مطلوبنا ومقصودنا، وهو وجوب الطلاق على الرجل في حالة طلب الزوجة وكراهتها للزوج، بل هو ينتج أزيد ممّا نطلبه، إذ بهذا النوع من الطلاق تتحرّر المرأة بإرادتها من قيد الزوجية، وتأخذ معها مبلغاً من المال أيضاً، على خلاف طلاق الخلع الذي يفرض على الزوجة دفع شيء مقابل تحرّرها من عُلقة الزوجية، وبناءً عليه، وللحيلولة دون ظلم الرجل، لابدّ من القول بأنّ السبيل الوحيد للنهي عن المنكر في موضوع طلاق الخلع - أي كراهة الزوجة - منحصر في طلاق الخلع نفسه، لا في الطلاق العادي.
لابدّ في المنكر أن يتحقّق في الخارج حتّى يغدو رفعه والنهي عنه واجباً، وفيما نحن فيه لم يحصل من المرأة فعلٌ للمنكر وإنّما صدر منها مجرّد التنفّر والكراهة لزوجها، وعليه لا يمكن الحكم بوجوب الطلاق على الزوج للمنع من وقوع زوجته في المنكر، فالاستدلال بالنهي عن المنكر لإلزام الرجل بالطلاق لا وجه له، وبعبارة أُخرى: الواجب رفع المنكر لا دفعه.
وفي الجواب عن هذا الإشكال يمكننا القول بأنّ دفع المنكر - كرفعه - واجب، ولتجلية هذه النقطة نقول: إنّ فلسفة النهي عن المنكر هي الحيلولة دون وقوع
ص: 734
المفاسد وإصلاح المجتمع، وهذه العلّة موجودة أيضاً في دفع المنكر، كما أنّ رفع المنكر يرجع في الحقيقة إلى دفعه، ذلك أنّه في رفعه يكون قد وقع منكرٌ ما، ويريد الناهي بنهيه عدم قيام الفاعل مرّة ثانية بهذا الفعل السيء والقبيح، وهذا بنفسه دفع للمنكر.
وخلاصة الكلام أنّ فلسفة رفع المنكر - وهي عدم القيام بالمنكرات - تظهر بشكل أقوى في دفع المنكر؛ لأنّ الشارع الحكيم يمكنه، بإيجاب دفع المنكر ابتداءً، الحيلولة دون أصل القيام بالمنكر من رأس، وكما يقال: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
ويمكن أن يشكل على المناط المشار إليه بأنّه مع الأخذ بعين الاعتبار فلسفة النهي عن المنكر - وهي عدم العصيان - إذا فعل شخصٌ منكراً، فلامعنى بعد ذلك لوجوب نهيه عن المنكر، لأنّ المنكر قد تحقّق.
وفي الجواب عن هذا الكلام نقول: إنّ حكم الشارع على المكلّف بوجوب النهي عن المنكر الذي وقع وتحقّق إنّما هو لأنّ صدور هذا المنكر من جانب العاصي يمثل قرينةً على تكرار هذا الشخص لهذا الفعل مرّةً أُخرى، وعليه فقد أمر الشارع بالنهي عن المنكر حتّى لا يكرّر هذا العاصي فعله في المستقبل مرّةً أُخرى، من هنا تظل فلسفة النهي عن المنكر باقيةً على حالها لا تلغو ولا تبطل، فإذا حصل اطمئنان بأنّ شخصاً سوف يوقع المنكر فيما بعد ولم يوقعه حتّى الآن فالنهي عن المنكر في مورده يكون واجباً أيضاً، رغم أنّه لم يوقع المنكر بعدُ، ولابدّ من دفع هذا الشخص كي لا يصدر عنه الذنب.
لو سلّمنا وقبلنا بأنّ هذا الكلام من المرأة وكراهتها منكرٌ، وأنّ رفع المنكر
ص: 735
واجب، إلّا أنّه قد ثبت في محلّه أنّ النهي عن المنكر غير واجب إذا لزم منه زوال حقّ الناهي.
وبعبارة أُخرى: حتّى لو كانت المرأة تريد أو قد تقع في الحرام لا يمكننا أن نقول للرجل: إنّه يجب عليك طلاقها حتّى لا يتكرّر منها فعل المنكر؛ لأنّ الطلاق مفض إلى ذهاب حقّ الرجل الذي يريد - كما قلنا - استمرار حياته الزوجية مع امرأته، ومن الواضح أنّه لا يقول بهذا الكلام فقيهٌ قطّ؛ لأنّه إذا كان النهي عن المنكر واجباً بشكل مطلق ودون قيد أو شرط، لزموقوع لوازم باطلة؛ منها القول بأنّ العبد عند ما لا يطيع مولاه في الأُمور الراجعة إلى المولى - أي يعص-ي المولى - فيجب على المولى من باب النهي عن المنكر، وحتّى لا يرتكب العبد إصراراً على المعصية ... يجب عليه أن يحرّره من رق العبودية ويطلق سراحه!!
وجواب هذا الإشكال واضح؛ وذلك أنّنا نقبل أيضاً بأنّ الحيلولة دون وقوع الذنب من الآخرين لا يفترض أن تؤدّي إلى ذهاب حقوق الناهين عن المنكر أو أيّ شخص آخر، وهذه قاعدة عقلائية وشرعية، إلّا أنّ إشكالنا هنا يكمن في أنّ إلزام الرجل بالطلاق الخلعي لا يضيّع حقّاً من حقوقه؛ لأنّ طلاق الخلع يعطي الرجل الأموال التي دفعها مهراً لزوجته، فيما تأخذ المرأة ما كان مقابلاً لهذا المهر، وهو البضع، بحيث لا يصبح للرجل بعد ذلك حقّ التصرّف في بضعها، وعليه، يكون الموقف مقارباً لعودة العوضين إلى المالك الأصلي والسابق، ولا يفوت - من ثمّ - حقّ على أحد، حتّى يقال بعدم إمكان إجراء النهي عن المنكر لإفضائه إلى ضياع حقّ الناهي نفسه.
وبعبارة ثانية: نحن نقبل الكبرى الكلّية، إلّا أنّ ما نرفضه هو تطبيق الكبرى على الصغرى، فلا نعتبر هذه الصغرى مصداقاً للقاعدة الكلّية العقلائية المذكورة.
وقد يُشكل على هذا الجواب بأنّ الذي يضيع على الرجل هو حقّه في بقاء حياته
ص: 736
الزوجية حيث يلزم هنا صيرورته بلا زوجة، وهذا ما يعني أنّ إشكاليةالتعارض بين وجوب النهي عن المنكر ولحوق الضرر للناهي ما تزال باقيةً على قوّتها.
لكن هذا الإشكال غير وارد أيضاً، إذ في الطلاق العادي الذي يدفع فيه الرجل المهر ويطلّق زوجته ستكون الزوجة بلا زوج، وهذا ما يؤدّي إلى ضياع حقّ المرأة، وقد علمتَ أنّه لا ضياع للحقوق في الموردين معاً، ولم يحلقهما ظلم، ذلك أنّ ما قدّمه كلّ واحد منهما بعنوان العوض قد عاد إليه.
يقضي الارتكاز والاعتبار العقلائي في العقود بأنّه إذا كان عقدٌ مّا لازماً فإنّ لزومه يكون من ناحية طرفي العقد، كذلك إذا كان جائزاً فإنّ جوازه يطالهما معاً، أمّا الاختلاف بين الطرفين في لزوم العقد وجوازه، بحيث يكون لازماً بالنسبة لأحد الطرفين وجائزاً بالنسبة للطرف الآخر، فهو مخالف للارتكاز العقلائي؛ إذ لا يرى العقلاء مبرراً لإعطاء أحد الطرفين قرار فسخ العقد باختياره فيما يُحرم الطرف الآخر من هذا الحقّ، بل يرونه تمييزاً وترجيحاً بلا مرجّح ولا مبرّر، بل هو - إذا تحقّق - يضيّع حقوق الأفراد، ويخالف الحياة الاجتماعية، كما يناقض مبدأ المساواة في القوانين.
يضاف إلى ذلك أنّ استقراء تمام العقود التأسيسية والإمضائية ودراستها يدلّ على موافقة ما قلناه من الاعتبار العقلائي، فلا يمكن أن نجد عقداً يكون لازماً من أحد الطرفين فيما يكون جائزاً من الطرف الآخر، فإذا كان لأحد الطرفين حقّ فسخ العقد وإلغائه فلابدّ أن يثبت هذا الحقّ للطرف الآخر.
وفي مسألتنا هنا، لا يقبل العقلاء أن يكون للرجل الحقّ - متى أراد - أنيفسخ أو يلغي أو يبطل عقد النكاح القائم بطرفين اثنين، فيما تسلب المرأة التي هي طرفٌ
ص: 737
أساس في هذا العقد من مثل هذا الحقّ، وبناءً عليه يقول العقلاء: إنّه حيث لا مجال لأنّ تطلّق المرأة نفسها، فلابدّ من العثور على سبيل يمكّن المرأة من إلزام الرجل بإلغاء العقد، ولو لم يرغب الرجل في ذلك أو يرده؛ حتّى تتمّ بهذه الطريقة مراعاة البناء العقلائي في العقود، وهو البناء الذي لم يرد أيّ دليل على الردع عنه، لا عموماً ولا خصوصاً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الارتكاز العقلائي في العقود ممضى من الشارع أيضاً ومقبول، إلّا في موارد منع الشارع نفسه عنها، فعند ما نقول: من الجائز للرجل متى أراد أن يطلّق زوجته مع دفعه المهر لها، فهذا إنّما يقبل عقلائياً به ويحكم العقلاء بكونه حكماً عادلاً عند ما تطالب المرأة به، وتدفع المهر أو تهبه وتتنازل عنه، فيكون الرجل ملزماً بطلاق المرأة، وهذه الملازمة توافق الأُصول والضوابط الإسلامية وكذلك عدالة الأحكام التشريعية، التي تدلّ عليها أيضاً نصوص الكتاب والسنّة، قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾،(1) وقال سبحانه: ﴿ ... وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّام لِلْعَبِيدِ﴾،(2) كما يعتبر العقلاء أنّ ما يخالف هذه الملازمة مخالفٌ للعدل فيكون ظلماً.
بعبارة أُخرى: يعتبر العقل والعقلاء من القبيح أن يكون هناك أمرٌ غيراختياري - وهو الرجولة أو الأُنوثة - سبباً لإعطاء تمام الصلاحيات لأحد طرفي العقد، ويكون هذا الأمر غير الاختياري نفسه موجباً لفقد أحد الطرفين المستعدّ لمراعاة تمام الحقوق ... صلاحياته؛ فإنّ الرجولة أو الأُنوثة ليست في يد الإنسان، قال تعالى: ﴿ ... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾.(3)
ص: 738
ونشير إلى أنّ أيّ مقنّن في الأُمور الاختيارية الإرادية يمكنه أن يضع تفاوتاً واختلافاً - حسب المصالح الكامنة في تقنيناته - بين الأفراد في صلاحياتهم وحقّهم في الاختيار والانتخاب والإرادة، ولا يوجد قبح عقلي ولا ظلم في ذلك؛ لا في الأُمور غير الاختيارية كالذكورة والأُنوثة.
يحكم العقل بقبح تمكين الزوج لوحده من طلاق زوجته مع دفعه المهر لها متى أراد حتّى لو لم ترضَ الزوجة بذلك، فيما تحرم المرأة من ذلك، فلا تقدر - ولو بالتخلّي عن مهرها أو دفعه - أن تلزم الزوج بطلاقها، ففي هذا النوع من الموارد يحكم العقل بأنّ هذا ظلم على المرأة، لأنّ العقل لا يرى اختلافاً بين المرأة والرجل في مثل هذا الحقّ؛ فإذا أراد الشارع الردع عن هذا الحكم العقلي أو الارتكازات العقلائية. فمن الضروري أن يردع عبّر نصوص كثيرة وصريحة، ويبيّن خطأ هذه الارتكازات واشتباهها، فالشارع يجب عليه أن يبيّن خطأ حكم العقل بالظلم أو القبح في فعل مّا، بياناً واضحاً جلياً متيناً، وإلّا فرواية واحدة أو دليل شرعي يقع على خلافحكم العقل سوف يسقطان عن الحجّية تلقائياً، ذلك أنّ المخالف لحكم العقل لا يمكنه أن يكشف عن بطلان الإدراك العقلي، وبناءً عليه فالشارع الحكيم مطالب بتفهيم خطأ الإدراك العقلي للمكلّف عبر إقامة أدلّة وبراهين ونصوص كثيرة.
ومن الواضح أنّ موردنا لا توجد فيه أيّ رواية أو نصّ، فكيف بنصوص وروايات كثيرة! وغاية ما يمكن الاستناد إليه والتمسّك به هو إطلاق الحديث القائل: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»،(1) وهو حديث مخالف لمبدأ العدل
ص: 739
ورفض الظلم في أحكام الإسلام، وقد بيّنّا أنّه لا حجّية لظهور الدليل المخالف للأُصول المسلّمة العقلية والنقلية، وهي العدل، وعدم الظلم في أحكام الإسلام، وعدم مخالفة الأحكام للعقل، فما ذا لو أردنا أن يكون إطلاق مثل هذه الرواية هو الدليل هنا؟! من هنا لا سبيل - مع حكم العقل بظلم الحكم بجواز (وعدم وجوب) الطلاق على الرجل مع كراهة الزوجة وتقديمها المال له وقبحه - سوى القول بوجوب مثل هذا الطلاق الخلعي؛ انطلاقاً من حكم العقل بقبح الجواز، وحكمه بحسن اللزوم والإيجاب.
بعد الفراغ عن الأدلّة التي سقناها لإثبات القول المختار، وهو إلزام الرجل بالطلاق بعد دفع المرأة أو تنازلها عن المهر وكراهتها للرجل،نحاول هنا إكمال البحث عبر مطالعة الإشكالات التي يمكن أن ترد على هذه الأدلّة الدالّة على مبدأ القول بوجوب الخلع.
إنّ وجوب طلاق الخلع على الرجل ينافي الرواية المعروفة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق».(1) وذلك أنّ ظاهر هذه الرواية كون الرجل كامل الحرّية والإرادة في أمر الطلاق، وهذا الأمر يعارض الحكم بوجوب الطلاق على الرجل، وعند ما تقع المعارضة تقدّم هذه الرواية على الوجوه والأدلّة المقدّمة لصالح نظرية وجوب الطلاق على الرجل؛ لأنّها رواية موافقة للكتاب ولما وصلنا من روايات في خصوص طلاق الخلع، فيكون الحكم بالوجوب اجتهادٌ في مقابل النصّ.
ص: 740
يمكن دراسة هذه الرواية من ناحيتين: السند والدلالة.
أ - دراسة سند الحديث
هذه الرواية رواية سنّية؛ فلم ينقلها سوى أهل السنّة في كتبهم؛ ولم ينقل ما يشابه هذه الرواية في المصادر الشيعية.(1).
وقد وردت هذه الرواية في كتب أهل السنّة بطريقين وسندين كلاهما ضعيف وهما:
1. حدّثنا محمّد بن يحيى، حدّثنا يحيى بن عبدالله بن بكير، حدّثنا ابن لهيعة، عن موسى بن أيّوب الغافقي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتى النبيّ صلي الله عليه و آله رجل، فقال: يا رسول الله! إنّ سيّدي زوّجني أمته وهو يريد أن يفرّق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله صلي الله عليه و آله المنبر، فقال: «يا أيها الناس! ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثمّ يريد أن يفرّق بينهما؟! إنّما الطلاق لمن أخذ بالساق».(2)
2. ... خالد بن عبدالسلام الصدفي، حدّثنا الفضل بن المختار، عن عبيدالله بن موهب، عن عصمة بن مالك.(3)
وفي الطريق الأوّل نجد ابن لهيعة الذي ضعّفوه،(4) كما نجد في السند الثاني
ص: 741
الفضل بن المختار الذي عدّوه ضعيفاً أيضاً،(1) وعليه فلا سند صحيح لهذا الحديث عند أهل السنة.
ب - دراسة دلالة الحديث
يعاني هذا الحديث - في دلالته على عدم وجوب طلاق الخلع على الرجل وإلزامه به - من عدّة إشكالات هي:
أوّلاً: يحتمل أنّ الحصر الوارد فيه حصر إضافي وليس بالحقيقي؛ وذلك أنّه مع الالتفات إلى صدر الرواية الوارد في الاختلاف بين الزوج والمولى في حقّ الطلاق، لا يكون حصر حقّ الطلاق بيد الزوج من قبل الشارع حصراً حقيقياً حتّى يدلّ على أنّ أيّ شخص غير الزوج - كائناً من كان - لا حقّ له في طلاق زوجة الرجل، بحيث يشمل هذا الأمر الزوجة نفسها، وسلب حقّ صيرورتها مطلقة من يدها هي أيضاً. والشاهد على إضافية الحصر هو مورد الرواية؛ ذلك أنّها جاءت في السؤال عن اختلاف الزوج مع المولى، والجواب فيه ظهور في الحص-ر الإضافي بالنسبة إلى هذا المورد.
وهذا الاحتمال الذي طرحناه لو لم نقل: إنّه ظاهر الحديث، فلا أقلّ من كفايته في إعاقة تمامية الاستدلال به، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. يضاف إلى ذلك، إنّ ظهور الحديث في الحصر الإضافي يغدو واضحاً بقرينة المورد ونصوص النبيّ الأكرم9فيما يخصّ حُسن تزويج العبيد.
وبعبارة أُخرى، يحتمل أن يكون مورد الرواية مربوط فقط بالحصر في أمثال موردها، وهو طلاق المولى والعبد، أي لا يكون طلاق زوجة العبد بيد مولاه،
ص: 742
وإنّما بيد العبد نفس-ه، وبهذا لا يك-ون الحصر حقي-قياً حتّى ي-دلّ على أنّالط-لاق - دائماً وأبداً وفي جميع الموارد ومقابل جميع الأفراد - بيد الزوج.
وبناءً عليه فالحصر في حديث «من أخذ بالساق» مربوطٌ أيضاً بهذا الحص-ر الإضافي، أي بالنسبة للعبد في مقابل المولى، وشاهد ذلك الاستفادة من تعابير مثل: «ما بال أحدكم» أو «ما بال أقوام» أو «ألا إنّما يملك الطلاق من أخذ بالساق»(1) في إطار اختلاف نقل الحديث؛ وكان النبيّ يريد أن ينهى الناس عن تزويج العبيد والإماء من بعضهم ثمّ العمل على فصلهم وطلاقهم.
والشاهد الآخر أنّ جملة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» في تمام صور نقلها ومصادره، جاءت إمّا طبقاً للصورة المنقولة عن ابن عبّاس، أو أنّه جاء في تكملتها تحذير النبيّ من تزويج العبيد والجواري، ثمّ الفصل بينهم.
وبناءً عليه لا يمكن الوصول إلى حصر حقيقي من خلال هذه الجملة بحيث يشمل تمام الأفراد بمن فيهم الزوجة نفسها؛ لأنّ احتمال إضافية الحصر مانع عن الاستدلال بالعموم في الحديث، فكيف بادّعاء ظهور الحديث في الحص-ر الإضافي؟!
ثانياً: حتّى لو قبلنا بأنّ هذه الجملة تعبّر عن قاعدة عامّة، وأن الحص-ر فيها حصر حقيقي، لا يمكن - أيضاً - القول بتنافي هذه القاعدة مع وجوب طلاق الخلع؛ لأنّ هذه القاعدة مرتبطة بالطلاق، أمّا بحثنا فهو في الخلع الذي قال بعضهم: إنّه لا يحتاج إلى صيغة طلاق،(2) كما ذهب بعضهم إلى أنّ وقوعه بدون لفظ الطلاق معناه أنّه فسخ وليس بطلاق،(3) وعليه فالخلعوالطلاق بابان
ص: 743
منفصلان عن بعضهما، فلا تسري أدلّة الطلاق إلى الخلع أساساً.(1)
ثالثاً: حتّى لو تمّت هذه القاعدة فلا تنافي إجبار الرجل وإلزامه بالطلاق؛ لأنّنا ندّعي أنّه مع فرض كراهة المرأة وتنازلها عن مهرها ومطالبتها بالطلاق يجب على الزوج أن يطلقها، وعند ما لا يطلّق يجبره الحاكم الشرعي على الطلاق تماماً مثل موارد العسر والحرج بالنسبة للمرأة؛ ومع هذا كلّه يظلّ الطلاق بيد الرجل، ولو لم نعتبر الطلاق بيد الرجل لكان يفترض الحكم بانفصال الزوجين عن بعضهما بمجرّد هبة المرأة المهر للرجل، لكنّنا نرى أنّ القائلين بوجوب طلاق الخلع ذكروا - أيضاً - أنّه بعد الخلع لابدّ من صيغة الطلاق من قبل الرجل.(2)
من هنا، فهذا الإلزام يؤيّد قاعدة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، ولا ينافيها، وإنّما يؤكّدها.
ينافي وجوب الخلع على الرجل وإلزامه بالطلاق، الرواياتُ(3) التي تدلّ على أنّه لا يمكن للرجل نقل حقّ الطلاق للزوجة عبر الشرط؛ ذلك أنّاختيار الرجل في الطلاق ينافي إلزامه به، وإحدى هذه الروايات صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر: «أنّه قضى في رجل تزوّج امرأةً وأصدقته هي، واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنّة وولّيت حقّاً ليست بأهله، فقض-ى أنّ عليه
ص: 744
الصداق وبيده الجماع والطلاق، وذلك السنّة».(1)
ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال بوجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل: استند الفقهاء الكبار لهذه الصحيحة لإثبات بطلان شرط وضع الطلاق بيد الزوجة، وعلى أساس هذه الدلالة في الرواية يمكن القول بمنافاة هذه الصحيحة للقول بوجوب وإلزام الرجل بطلاق الخلع، لكنّنا نعتقد أنّه ليس لهذه الصحيحة ظهور في هذا المعنى ولا دلالة عليه، وإنّما هناك احتمال آخر فيها، لا تنافي معه القول بوجوب الخلع، وهذا الاحتمال هو أنّ الإمام بيّن أنّ الطلاق بيد الرجل بمعنى أنّ الرجل هو الذي يطلّق المرأة لا أنّ المرأة هي التي تطلّق الرجل، فالمرأة ليس لها الحقّ في أن تش-رط على الرجل أنّها في أيّ وقت أرادت يمكنها أن تطلّقه، فتقول له: «أنت طالق أو هو طالق»؛ ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا الاحتمال تغدو الرواية متّصلة بنفي طلاق الرجل بيد المرأة، وليست في مقام بيان جوازأو عدم وجوب الطلاق على الرجل وإلزامه به.
ويؤيّد هذا الاحتمال بشاهدين: أحدهما خارجي، والآخر داخلي.
أ - أمّا الشاهد الخارجي، فهو رواية ابن مسعود الواردة في كتاب كنز العمّال، والتي وردت في هذا المجال، ومتنها كالتالي: «عن ابن مسعود، أنّه جاء إليه رجل، فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس، فقالت: لو أنّ الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع، فقال: فقلت: إنّ الذي بيدي من أمرك بيدك،
ص: 745
فقالت: أنت طالق ثلاثاً ... ».(1)
وشاهدنا في هذا الخبر جملة: «فقالت: أنت طالق ثلاثاً»، فإنّ صراحة هذه الرواية تقوي الاحتمال الذي اخترناه في رواية محمّد بن قيس.
ب - وأمّا الشاهد الداخلي، فهو تعبير: «خالفت السنّة»؛ ذلك أنّ المراد من السنّة، هو السنّة الاجتماعية وديدن العقلاء في الجماع والطلاق، ذلك أنّ المبادرة والإقدام في الجماع وفي الطلاق كان بيد الزوج في كلّ المجتمعات وفي تمام الأزمنة ولو السابقة على الإسلام، وإذا ما قيل في مجتمع ما: إنّ المرأة الفلانية طلّقت الرجل الفلاني، فإنّهم يسخرون من ذلك ويثير الضحك عندهم ... وهذه السنّة والديدن العقلائي استمرّ أيضاً سائداً بعد الإسلام إلى زماننا هذا، وبناءً على هذا المعنى للسنّة يتقوى الاحتمال الذي اخترناه من أنّ الرواية في مقام بيان طلاق المرأة للزوج وإجرائها صيغة الطلاق بنفسها عليه؛ فإنّ هذا الفعل مخالف للسنن السائدة ودأبالناس وديدن العقلاء؛ إذ الرجل هو الذي يفترض أن يطلق المرأة.
الوجه الثاني: لنفترض أنّ هذا الحديث دالّ على حقّ الرجل واختياره في أمر الطلاق، ودلالته كدلالة: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»، لكنّه لا يمكننا القول بأنّ أيّ حكم يثبت بهذا الحديث في الطلاق يجري في طلاق الخلع أيضاً، لأنّ ما يقع في الطلاق هو دفع المهر من طرف الزوج وانفصال الزوجين عن بعضهما، أمّا طلاق الخلع فدفع المهر والمال فيه يكون من طرف المرأة؛ وبناءً عليه، فهما نوعان منفصلان وإن كانا قسمين من الطلاق؛ لهذا يمكن القول: إنّ الخلع ليس من أقسام الطلاق؛ فإنّ بعض الفقهاء - أوّلاً - لم يشرطوا إجراء صيغة الطلاق فيه،(2) كما أنّ كتب الفقهاء
ص: 746
وضعت الطلاق والخلع ضمن عنوانين منفصلين: أحدهما «كتاب الطلاق»، وثانيهما «كتاب الخلع والمباراة».
الوجه الثالث: بصرف النظر عن الجوابين السابقين، لا يرد هنا أيضاً إشكال التنافي، ذلك أنّ القول بوجوب الخلع تص-رّف في حدود اختيار الرجل وصلاحياته ... أي تصرّف في إطلاق «الطلاق بيد من أخذ بالساق» أو إطلاق مثل صحيحة محمّد بن قيس،(1) التي هي دليل حقّ الرجل واختياره في الطلاق، فالوجوب تقييد لهما، لا أنّه ينفي أصل الحقّ والاختيار نفياً تامّاً حتّى يرد إشكال التنافي والتعارض، وهذا التحديد في حرّية الرجل في طلاق الخلع حالةٌ لها أشباهها ونماذجها العديدة في الفقهالإسلامي، مثل فتوى الأصحاب بوجوب الطلاق على الرجل في مورد لحوق العسر والحرج على المرأة، وهناك أيضاً يدور البحث حول التصرّف في إطلاق دليل «الطلاق بيد من أخذ بالساق»؛ حيث ذكر الفقهاء أنّ إطلاق هذا الدليل محكوم لدليل «لا حرج»، لا أنّ دليل لا حرج ينفي أصل دليل «الطلاق بيد من أخذ بالساق»؛ فكما لم يرَ الفقهاء تنافياً في مورد العسر والحرج بين «لا حرج» وإطلاق دليل «الطلاق بيد من أخذ بالساق» كذلك الحال فيما نحن فيه.
وبعبارة أُخرى: لم يقيّد هذا الإطلاق في الخلع فقط، بل وقع تقييده أيضاً في موارد أُخرى مثل العس-ر والحرج اللاحقين للزوجة بسبب استمرار الحياة الزوجية.
يقوم هذا الإشكال على مقدّمة تقضي بأنّ أحد أوجه الاختلاف بين الخلع
ص: 747
والمباراة هو أنّ الرجل في المباراة لا حقّ له في أخذ ما زاد على مهر المرأة منها، على خلاف الحال في الخلع؛ حيث لا تحديد من هذا النوع أمام الرجل، فيمكن للرجل أخذ أيّ مقدار يراه من المرأة ولو زاد عن المهر، ثمّ يطلّقها.
انطلاقاً من هذه المقدّمة، يثار هنا إشكال وهو أنّ عدم المحدودية هذه في المطالبة بالمال في الخلع - وهي أمرٌ مجمع عليه بين الأصحاب وعليه رواية صحيحة السند تامّة الدلالة(1) - لا تتلائم مع إجبار الرجل وإلزامهبالطلاق؛ ذلك أنّه إذا أراد الرجل أن لا يطلّق زوجته كان بإمكانه رفع سقف المبلغ الذي يطالب به بحيث يصبح فوق قدرة المرأة، وأنتم تقولون: إنّه لا يمكن إجبار الزوج على الطلاق ما لم يأخذ منه ماله أو تكون هناك قابلية للأخذ. بعبارة أُخرى: أنّ المقنن وضع هنا قانوناً استبطن سبيلاً لعدم إجرائه وتنفيذه، بل للغوه، وهذا عمل قبيح لا يصدر من المقنن الحكيم، وعليه فالقول باللزوم لا وجه له ولا دليل، بل الدليل على خلافه.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاختلاف بين الخلع والمباراة، دلّت عليه الروايات الصحيحة، إضافةً إلى الجانب الاعتباري(2) الذي أشارت إليه أيضاً بعض الروايات،(3) وحيث إنّ جوابنا على هذا الإشكال يرجع إلى دراسة تعارض هذه الروايات مع بعضها؛ لذا نشير إليها، ثمّ نخضعها للبحث والتحليل؛ وبدراسة
ص: 748
هذه الروايات يعلم أنّ الروايات الدالّة على الاختلاف بين الخلع والمباراة على مجموعتين: إحداهما تدلّ بإطلاقها على أنّ الرجل بإمكانه المطالبة في الخلع بأيّ مبلغ مالي من المرأة وله أخذه، فيما المجموعة الثانية صريحة في الدلالة على هذا الأمر، والمجموعتان تدلّان على عدمإمكان أخذ ما زاد على المهر في طلاق المباراة.
المجموعة الأُولی
1. رواية سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبدالله7 ... فقال: «إذا قالت: لا أطيع الله فيك حلّ له أن يأخذ منها ما وجد».(1)
2. رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر7قال: «إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمراً ... حلّ له ما أخذ منها ... ».(2)
ومثل هاتين الروايتين روايات كثيرة وردت في الباب الأوّل والثالث من كتاب الخلع والمباراة، من وسائل الشيعة، ج 22، وبهذه التعابير أيضاً.
كيفيّة الاستدلال
تدل هذه الروايات بإطلاقها «حلّ له ما أخذ منها، وله أن يأخذ من ما لها ما قدر» على أنّ للرجل أن يأخذ من الزائد على المهر من المرأة، وهذا الإطلاق حيث ورد في مقام البيان كان تامّاً وقابلاً للاستناد إليه.
المجموعة الثانية
1. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر7قال: «المباراة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها (ما شئت)(3) أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر ...
ص: 749
والمختلعة يؤخذ منها ما شاء ... ».(1)
2. رواية سماعة: «فإذا اختلعت فهي بائن، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه، وليس له أن يأخذ من المباراة كلَّ الذي أعطاها».(2)
والرواية الأُولى نصّ وصريحة في المطلوب، كما أنّ رواية سماعة ظاهرة في جواز أخذ ما زاد على المهر من طرف الرجل في طلاق الخلع، نظراً لجملة: «ليس له أن يأخذ من المباراة كلّ الذي أعطاها».
حيث كان الإشكال الثالث المسجّل على القول المختار هنا، وهو وجوب طلاق الخلع على الرجل، مبنياً على هذه الروايات والاستفادة منها، كان لابدّ من تحليل الإشكالات الواردة على دلالة هذه الروايات، وذلك أنّها تواجه إشكالين:
1 - إشكالية التعارض بين الروايات
تدل صراحة صحيحة زرارة وظهور رواية سماعة على أنّ الرجل لا يحقّ له في المباراة أن يأخذ تمام المهر، وإنّما المتعيّن أن يأخذ ما قلّ عنه، وهذا المقطع من مدلول هاتين الروايتين يعارض رواية أبي بصير الصحيحة السند(3) الواردة بالخصوص في المبارة نفسها؛ فإنّ الإمام7يصرّح في هذه الرواية بأنّه لا يحلّ للرجل في طلاق المباراة سوىأخذ المهر أو ما هو أقلّ منه.
وبناءً عليه، تدلّ هاتان الروايتان على عدم جواز أخذ تمام المهر في المباراة، فيما
ص: 750
تدلّ الصحيحة على جواز أخذ تمام المهر، وعليه فهناك تعارض حول أخذ مقدار المهر نفسه في المباراة، وهو ما يؤدّي إلى تساقط روايتي زرارة وسماعة في حكم المباراة وسقوطهما عن الحجّية.
وانطلاقاً من ذلك، وحيث سقط مقطع من روايتي زرارة وسماعة عن الحجّية، نستنتج عدم حجّية سائر فقرات الروايتين بما في ذلك أخذ الرجل للمال بلا قيد ولا شرط من المرأة في طلاق الخلع؛ لأنّ هذين الحكمين عطفاً على بعضهما بحرف «الواو»، ومن الواضح أنّه إذا كان المعطوف عليه (أخذ المال في المباراة) غير حجّة؛ فإنّ المعطوف (أخذ أيّ مقدار من أموال المرأة في الخلع) لن يكون حجّةً أيضاً. وهنا فالمعطوف عليه (حكم المباراة) يعارض صحيحة أبي بصير، كذلك الحال في المعطوف أيضاً يكون في حكم التعارض ويسقط عن الحجّية؛ وبعبارة أُخرى: للمعطوف معارضة عَرَضيّة حينئذٍ.
ونتيجة الكلام أنّه مع الأخذ بعين الاعتبار هذا التعارض؛ فإمّا أن نقول بالتساقط ونلتزم بالرجوع إلى الأُصول والقواعد الأوّلية، أو نقول بالتخيير في باب التعارض وهو مبنى الأُستاذ المعظم(قدس سرُّه)؛ وعليه نحن نعمل في المباراة برواية أبي بصير الدالّة على جواز أخذ المهر والأقلّ منه في المباراة، ولا تكون روايتا زرارة وسماعة معمولاً بهما عندنا، وهذا يعني عدم بقاء دليل يجيز للرجل أخذ أموال المرأة بلا قيد ولا حدّ ولا شرط فيطلاق الخلع، وعملاً بالقواعد لا يحقّ للرجل أن يأخذ ما زاد على المهر الذي تمّ التوافق عليه في هذا النكاح كما لا يحقّ له مطالبة المرأة بغيره.
وربما قيل - لرفع التعارض هنا فيما يخصّ الخلع - بأنّ هناك موارد عديدة في الروايات يكون فيها صدر الرواية ساقطاً عن الحجّية فيما يكون ذيلها حجّة، فيفتي الفقهاء بقسم من الرواية ويرونه حجّة، وهو ما يوافقهم عليه بناء العقلاء؛ من هنا
ص: 751
إذا كانت صحيحة زرارة وموثّقة سماعة في بحثنا هنا غير حجّة في مجال المباراة، إلّا أنّ عدم حجّيتهما في حكم الطلاق الخلعي يظلّ بلا مبرر ولا مسوغ؛ لأنّ رفع اليد عن الحجّة يحتاج إلى دليل، ولا دليل لدينا هنا على رفع اليد عن هذه الحجّة.
إلّا أنّ القليل من التأمّل في بحثنا هنا يفهمنا عدم تمامية هذه القاعدة في نطاق دراستنا الحالية؛ لأنّ تلك الموارد التي اعتبر فيها الفقهاء مقطعاً من الرواية حجّةً دون مقطع آخر، تنصل بحالة ما إذا كان كل حكم من حكمي المقطعين منفصلاً عن الحكم في المقطع الثاني، كأنّهما كلامان منفصلان، في موضوعين مختلفين، كما أنّ الصدر والذيل قابلان للتفكيك من ناحية الحكم، لا في مثل الحال التي نحن فيها حيث يعطف الحكمان على بعضهما بحرف العطف «الواو» ويرتبطان ببعضهما بهذه الطريقة ... كما أنّ الحكم في الموردين معاً هو الطلاق بين الزوجين.
2 - إشكالية مخالفة مبدأ العدالة
ثمّة مشكلة أُخرى هنا وهي:
أوّلاً: أنّ الحكم المستفاد من صحيحة زرارة وموثّقة سماعة والروايات المطلقة الدالّة على أنّه يمكن للرجل أخذ أيّ مقدار أراده من المرأة على أن يطلقها ... هذا الحكم مخالف للعدل الذي يعدّ جزءاً من الأُصول الإسلامية المسلّمة؛ لأنّ البنية التحتية لتمام الأحكام هي العدالة والحيلولة دون الظلم وتضييع الحقوق، فالعدل والعدالة ميزان أحكام الإسلام، لا أنّ الأحكام الش-رعية هي ميزان العدالة ومعيارها.
وما أجمل أن نبيّن هنا - لاتّضاح هذه النظرية الفقهية - كلام العلّامة الشهيد مرتضى مطهري، حيث يقول بأنّ «أصل العدالة من مقاييس الإسلام، حيث لابدّ أن نرى ما الذي ينطبق عليه؛ إنّ العدالة تقع في سلسلة علل الأحكام لا معلولاتها، فليس ما قاله الدين هو العدل، بل ما هو عدلٌ قاله الدين، وهذا معنى
ص: 752
معيارية العدالة للدين، إذاً فلابدّ من البحث: هل الدين مقياس العدالة أم العدالة مقياس الدين؟ الشكل التقديسي للأُمور أن نقول: إنّ الدين هو مقياس العدالة، إلّا أنّ الحقيقة مختلفة تماماً عن ذلك، فهذا شبيه بما ساد في أبحاث المتكلّمين في مسألة الحسن والقبح العقليين، فصار الشيعة والمعتزلة عدليين، أي أنّهم جعلوا العدل مقياساً للدين، لا الدين مقياساً للعدل؛ من هنا كان العقل أحد الأدلّة الشرعية حتّى قالوا: «العدل والتوحيد علويان، والجبر والتشبيه أُمويان» ... ففي الجاهلية كان الدين هو مقياس العدالة ويعتبرونه معياراً للحسن والقبح؛ لهذا نقل عنهم في سورة الأعراف أنّهم كانوا ينسبون كلّ عمل قبيح إلى الدين، وقد قال القرآن الكريم: ﴿قُلْ إِنَّاللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾(1)».(2)
والمهمّ في هذا المجال أنّ تحديد العدالة وعدم الظلم في غير التعبّديات يرجع إلى العقلاء وضمن مسؤولياتهم؛ وذلك أنّ الشارع والمقنّن الحكيم إذا أراد بيان حكم وطالب الناس بالعمل به، فلا محالة مضطرّ لسنّ قانون يفض-ي إلى نش-ر العدالة في المجتمع ورفع ألوان الظلم والتمييز؛ وهذا ما يستلزم أن يرى أفراد المجتمع والعقلاء هذا القانون عادلاً.
وانطلاقاً من هذا التوضيح يمكننا القول أيضاً:
أ - إنّ هذا الحكم ليس مخالفاً للعدل فحسب، بل هو حكم ظالم، ومخالف للآية الشريفة: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّام لِلْعَبِيدِ﴾؛(3) لأنّ الرجل إذا أراد طلاق زوجته فهو ملزم فقط بدفع المهر لها، أمّا المرأة إذا أرادت الطلاق فإنّ بإمكان الرجل أن يطالبها بما أراد ورغب وتمنّى، بل يمكنه أن يقدم مطالب ثقيلة قد تعدمها حقّها في الحياة
ص: 753
والوجود، وهي الحياة التي قدّرها الشارع سبحانه واحترمها. إنّ هذا الاختلاف في الحكم بين شخصين نتيجة أمر غير اختياري (الذكورة والأُنوثة) في اتّفاق وعقد عقلائي، ليس سوى ظلم وإجحاف.
ب - إنّ هذا الحكم مخالف لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ... ﴾؛(1) لأنّ مثل هذا الحكم الظالم لايتناغم مع مطالبة الناس بإقامة العدل والقسط. كيف يمكن لأحكام يفترض أن تكون مصدراً لتعليم القسط وعدم الظلم للناس ... أن تغدو هي بنفسها أحكاماً تمييزية على أسس غير إرادية ممّا يمثل أعلى درجات الظلم والجور؟!
ج - إنّ هذا الحكم مخالف لآية التس-ريح بإحسان أو الإمساك بالمعروف في الطلاق، قال تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً﴾. (2)
وقد يشكل شخص هنا بأنّ هذا الذي ذكرتموه بأجمعه اجتهاد في مقابل النصّ؛ ذلك أنّ الحكم الذي تعدّونه ظالماً، ق-د استفيد من الروايات الصحيحة التي تملك - في بعضها - دلالات نصّية صريحة، وعليه ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود هذه الروايات فلابدّ لنا من التعبّد بالحكم الوارد فيها.
لكن هذا الإشكال غير وارد؛ وذلك:
1. إنّ أوامر المعصومين: ورواياتهم جعلت ملاك صحّة الروايات وحجّيتها عدم مخالفتها للقرآن، وقد أثبتنا فيما سبق أنّ هذا الحكم مخالف للأُصول القرآنية المسلّمة.
ص: 754
2. إنّ الروايات المخالفة للعقل والنقل لا يمكن أن تكون حجّةً ومعتبرة، وإنّما - كما قال الفقهاء - : «يردّ علمها إلى أهلها»،(1) وهذا ما يصدق علىمواضع متعدّدة من رواياتنا، كالكثير من الروايات التي يمتاز بعضها بأسانيد معتبرة، لكنّها تدلّ على تحريف القرآن،(2) أو الروايات المرتبطة بسهو النبيّ والمذكورة في الكتب الأربعة، وعددها ثمانية عشر رواية نقلها ثلاثة عشر شخصاً من المحدّثين الكبار، إلّا أنّ العلماء - غير الصدوق(3) وأُستاذه - ردّوها لمخالفتها لمبدأ عصمة الأنبياء الذي هو مبدأ عقلي وعقلائي.
وبناءً عليه؛ فصرف وجود روايات صحيحة لا يمكن أن يبرر إصدار أحكام وفتاوى؛ وذلك - أوّلاً - لضرورة عرضها على القرآن حتّى لا تكون مخالفةً للآيات الصريحة والمحكمة، كما أنه - ثانياً - يفترض عدم كونها مخالفةً للعقل أيضاً.
وقد أشار الفقيه المحقّق الزاهد المرحوم المقدّس الأردبيلي(قدس سرُّه)في كتاب مجمع الفائدة والبرهان مراراً إلى هذا الأمر، وعلى سبيل المثال ذكر ذيل الحكم بتنصيف دية المرأة نسبةً لدية الرجل، بأنّ هذا الحكم مخالف للقواعد المنقولة والمعقولة، مع أنّه هو نفسه ذكر الأخبار الصحيحة الدالّة على التنصيف.(4)
ويستفاد من كلامه واستدلالاته أنّ المقصود من العقل ليس عقل المعصومين عليهم السلام، وفهمهم الذي هو علم ويقين؛ إذ لا سبيل لنا إليه، كما أنّهليس المراد من العقل العقلُ البرهاني القطعي الفلسفي؛ لأنّ تلك البراهين - كاجتماع
ص: 755
النقيضين وغيره - تتّصل بالحقائق والتكوين، لا بمجال القوانين والأحكام التي هي مجالات اعتبار ومواضعة ... يضاف إلى ذلك غالبية وجود مقدّمة ظنّية في مجال الأحكام الشرعية وحيث إنّ النتيجة في كلّ برهان تتّبع أخسّ المقدّمتين لهذا كانت نتيجة البرهان ظنّية، ومن الواضح أنّ المقدّمة الظنّية لا يمكنها أن تكون وسيلةً لنتيجة قطعية، ولابدّ من الالتفات أيضاً إلى أنّه ليس المراد من العقل هو الإدراكات والأفكار والآراء المستقلّة غير المرتبطة بالكتاب والسنّة، وذلك أنّه - أوّلاً - لا دليل على اعتبار ولا حجّية مثل هذه الآراء التي هي ظنّية؛ لأصالة عدم حجّية الظنّ: ﴿ ... إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً﴾.(1) كما أنّ الأدلّة القطعية دلّت - ثانياً - على حرمة وبطلان القياس والاعتبارات العقلية غير المتّصلة بل المنفصلة عن الكتاب والسنّة.
لا يراد هذا كلّه من العقل؛ وإنّما المراد ما استدلّ به في الفقه وأُصوله وطرح في موارد كثيرة من الفقه الإسلامي وكان معتمداً عند الفقهاء، وهو الفهم والاستنتاج الذي يتراءى للفقيه من خلال نظره في الكتاب والسنّة (القرآن والعترة).
وبناءً عليه، فإذا عثر الفقيه على حكم مخالف لحكم العقل فلا يمكنه الإفتاء وفقه، حتّى لو دلّت عليه الروايات الصحيحة؛ ومن الواضح أنّ هذهالمخالفة لا سبيل لها إلى أحكام العبادات؛ لأنّ العقل لا يمكنه إدراك الحسن والقبح والمصالح والمفاسد في التعبّديات التي هي بيد الشارع نفسه، وهذا معناه أنّه لا يمكن للعقل الحكم بصواب أو عدم صواب عمل ما ... .
وبعبارة أُخرى: لا يملك العقل فهماً كاملاً للمصالح والمفاسد والحسن والقبح
ص: 756
وسائر الجهات فيها؛ فيمكنه تقديم حكم اطمئناني في موردها.
جواب آخر
مع الأخذ بعين الاعتبار وجود نصوص صريحة من جهة على جواز أخذ الزائد على المهر في طلاق الخلع، ومخالفة هذه الأخبار من جهة أُخرى لحكم العقل والعقلاء في باب المعاوضات، ووجود شبهة الظلم في هذا الحكم ... لذا يمكن رفع هذه الشبهة بالقول: على المرأة أن تشرط في بداية عقد الزواج على الرجل أنّه إذا أرادت أن تصبح مختلعة فلا حقّ للرجل بأخذ ما زاد على المهر منها؛ وبهذا الشرط لا تخالف عقد النكاح ومقتضياته، كما وأنّه في الوقت عينه يمكن رفع شبهة الظلم السالفة الإشارة إليها، والعمل بالنصوص والروايات المتقدّمة.
إشكال على الجواب
يعاني هذا الجواب من إشكال واضح، وهو أنّ رفع نقصان القوانين بوسيلة الشرط يدلّل على نقص المقنّن نفسه، فإنّ العادة في التقنين أن يكون القانون عادلاً أوّلاً، وعاماً ثانياً، بمعنى أنّ هذه العدالة التي لوحظت عند تدوين القوانين موجودة حتّى في حقّ أولئك الذين لا يلتفتون إلى القوانين؛لأنّ العدالة قانون عامّ، وإن لم تكن كذلك وكان غير الملتفت للقانون يجري في حقّه القانون كان الحكم حينئذٍ ظالماً؛ لأنّ القانون جرى على شخص وحده وهو غير مطلع على وضعه ولا على رفعه.
من الواضح أنّ وضع الشرط في التقنين وحاكمية الإرادة أمر مربوط بذيول القانون وما يلحقه، حيث يتمكّن الأفراد من الاستفادة من الش-روط لتحصيل أرباح أكثر في معاملاتهم أو معاوضاتهم دون إلحاق ضرر بالطرف الآخر، ولا يجوز أن تكون هذه الشروط معارضةً أو منافيةً لذات المعاملة والمعاوضة، وعليه فإنّ الشروط لم توضع كي ترفع الظلم الموجود في الأحكام أو تجبر النقص الموجود
ص: 757
في القوانين.
استند القائلون بجواز أخذ المال مطلقاً بلا قيد ولا شرط في طلاق الخلع - بعد ادّعاء الإجماع على ذلك - إلى عموم الآية 229 من سورة البقرة، وكذلك إلى النصوص التي وصلتنا في هذا المجال، لكن بملاحظة ما أسلفناه من أبحاث يثبت لدينا أنّ هذه الروايات لا يمكن الاعتماد عليها لسببين، ولا يمكن أن تكون حجّةً أو دليلاً على القول المذكور.
أمّا فيما يخص الاستدلال بالآية الكريمة، فيمكن القول:
أوّلاً: ليس في الآية المذكورة عموم؛ وإنّما هي - فقط - في مقام بيان جواز أخذ الفدية من المرأة، وليست ناظرة إلى مقدار الفدية.
ثانياً: تقول الآية: ﴿ ... فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ... ﴾،(1) أي فيما قدّمته المرأة من مال بوصفه فدية، وتحكم بجواز أخذه، ولا تقول: إنّ كلّ ما يريده الزوج يمكن أخذه، حتّى لو بلغت إرادة الزوج هنا حدّاً يحيل على المرأة إمكانية طلاق الخلع؛ لأنّ الإطلاق هنا في الآية لو تمّ لكانت الآية نفسها مانعةً عن تحقّق الحكم نفسه، وهو الحكم التي هي نفسها بصدد بيانه وتشريعه، لأنّ الرجل بطلبه مبالغ مالية باهظة من المرأة بنحو يفوق قدرتها وطاقاتها ... يمنع تحقّق مثل هذا القانون، ومثل هذا التقنين لا يتناسب مع شأن المقنّن الحكيم.(2)
ص: 758
إنطلاقاً من مبدأ تشريع طلاق الخلع في القرآن، وعدم وجود دليل معتبر من الكتاب والسنّة على المنع من القول بوجوب طلاق الخلع على الرجل، إلى جانب وجود أدلّة وارتكازات عقلائية في باب العقود، إضافةً إلى معيارية العدالة في الأحكام الشرعية ... من ذلك كلّه نستنتج أنّه إذا كرهت المرأة الحياة الزوجية مع زوجها وقدّمت له المهر أو المال الذي يتراضى عليه الطرفان، وطالبت بالطلاق ... وجب على الرجل الطلاق حينئذٍ، فإذا استنكف وامتنع رفع الأمر إلى المحكمة، وكان بإمكانها تطليق زوجة الممتنع من باب ولايتها في هذا المضمار.
ص: 759
ص: 760
القرآن الكريم.
1. الاحتجاج. لأبي المنصور، أحمد بن علي الطبرسي (م 588 ق)، نش-ر مرتضی، مشهد، الطبعة الأُولی، 1403ق.
2. أحکام القرآن. لأبي الحسن، علي بن محمّد الطبري الکیاهراسي (450- 504 ق)، دارالکتب العلمیة، بیروت، 1405 ق.
3. أحکام القرآن. لأبي بکر، أحمد الرازي الجصاص (م 370 ق)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1405 ق.
4. أحکام النساء. لأبي عبدالله، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبري، المعروف بالشیخ المفید (336 - 413 ق)، المؤتمر العالمي لألفیّة الشیخ المفید، الطبعة الأُولی، قم، 1413ق.
5. اختیار معرفة الرجال (رجال الکشّي). للشیخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن المعروف بالشیخ الطوسي(385 - 460 ق)، الطبعة الأُولی، قم.
6. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان. للعلّامة الحلّي، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (648 - 726 ق)، تحقيق فارس الحسّون، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، الطبعة الأُولى، قم، 1410ق.
7. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن1. المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ق)، دارالكتب الإسلاميّة، الطبعة الأُولی، طهران، 1390ق.
ص: 761
8. أُسد الغابة في معرفة الصحابة. لعزالدین أبي الحسن، علي بن محمّد بن عبدالکریم بن عبدالواحد الشیباني المعروف بابن الأثیر (555 - 630 ق)، مؤسّسة إسماعیلیان، طهران، 555 - 630 م.
9. الأُم. لأبي عبدالله محمّد بن إدریس الشافعي (م 204 ق)، دار الفکر، بیروت، 1410ق .
10. الانتصار في انفرادات الإمامیّة. لأبي القاسم، علی بن الحسین الموسوي البغدادي، المعروف بالسیّد المرتضی (355 - 436 ق)، تحقیق ونش-ر: مؤسّسة الن-شر الإسلامي، الطبعة الأُولی، قم، 1415ق.
11. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد. لفخر المحقّقين محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (682 - 771 ق)، مؤسّسة إسماعیلیان، الطبعة الأُولى، قم، 1387ش.
12. بحار الأنوار الجامعة لدررأخبار الأئمّة الأطهار. للعلّامة محمّد بن باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110ق)، الطبعة الثالثة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403 ق / 1983 م.
13. بدایة المجتهد ونهایة المقتصد. لأبي الولید، محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلس-ي، التصحیح: خالد العطّار، دارالفکر، بیروت، 1421ق.
14. بدائع الصنائع. لعلاء الدین أبی بکر بن مسعود الکاشانی الحنفی (م 587 ق)، المکتبة الحبیبیة، باکستان، 1409 - 1989م.
15. بررسى إجمالي اقتصاد إسلامي. مرتضى مطهري (1358 ش)، طهران، حكمت، 1403 ق.
16. تبیین الحقائق شرح کنز الدقائق. لعثمان بن علي بن محجن البارعی، فخرالدین الزیعلي الحنفي (م 743 ق)، المطبعة الکبری الأمیریة، الطبعة الأُولی، قاهرة، 1313ق.
17. تحريرالأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة. للعلاّمة الحلّي، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (648 - 726 ق)، تحقيق إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق7، الطبعة الأُولى، قم، 1420ق.
18. تحريرالوسیلة، ضمن موسوعة الإمام الخمیني. للإمام الخمیني1، مؤسسة تنظیم ونش-ر
ص: 762
آثار الإمام الخمیني1، الطبعة الثالثة، تهران، 1392 ش/1434 ق.
19. تحف العقول عن آل الرسول. لأبي محمّد، الحسن بن علىّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني، تصحيح علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النش-ر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الثانية، قم، 1404ق.
20. التعليقة علی تحريرالوسیلة. للإمام الخمیني1، تألیف آیة الله العظمی شیخ یوسف الصانعي1، مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمیني1، الطبعة الرابعة، تهران، 1395 ش/1437 ق .
21. تفسیر العیّاشی. لمحمّد بن المسعود المعروف بالعیّاشي، (م 320ق)، المطبعة العلمیة، الطبعة الأُولی، طهران، 1380ق.
22. تفسير القمّي. لأبي الحسن علىّ بن إبراهيم القمّي، (أعلام قرن 3 - 4 ق)، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري، منشورات دار الکتاب، قم، الطبعة الرابعة، 1367ش.
23. تكملة العروة الوثقى. للسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، (م 1337ق)، مکتبة الداوري، قم، الطبعة الأُولی.
24. التنقيح الرائع لمختصر الش-رائع. لجمال الدين المقداد بن عبدالله السيوري المعروف بالفاضل المقداد (م 826 ق)، تحقيق عبد اللطيف الحسني الكوه كمري، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الطبعة الأُولى، قم، 1404 ق.
25. تنقيح المقال. للشيخ عبدالله بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351ق)، المطبعة المرتضويّة، النجف الأشرف، 1352 ق.
26. تهذيب الأحكام. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ق)، دارالكتب الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، طهران، 1407ق.
27. تهذیب اللغة. لأبي منصور، محمّد بن أحمد الأزهري، إشراف: محمّد عوض مرعب، دار إحیاء التراث العربی، الطبعة الأُولی، بیروت، 1421ق.
28. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال. لأبي جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ق)، تصحيح حسين الأعلمي، مؤسّسة الأعلمي،
ص: 763
الطبعة الرابعة، بيروت، 1410 ق/ 1989م.
29. جامع الشتات. لأبي القاسم بن محمّد بن الحسن، المعروف بالمیرزای القمی (م 1232 ق)، مؤسّسة کیهان، الطبعة الأُولی، طهران، 1413ق.
30. جامع المدارك في شرح المختصر النافع. السيّد أحمد الخوانساري، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر، 6 مجلدات ، قم، 1405 ق.
31. جامع المقاصد في شرح القواعد. للمحقّق الثاني، علي بن الحس-ین العاملي الکرکي (م 940 ق)، مؤسّسة آل البيت، الطبعة الثانىة، قم، 1414ق.
32. الجامع لأحکام القرآن. لأبي عبدالله، محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 671 ق)، الطبعة الثانیة، دار إحیاء التراث العربي، بیروت، 1405ق.
33. الجامع للشرائع. للحلّي، یحی بن سعید، (م 689 - 690ق)، مؤسّسة سیّد الشهداء العلمیة، الطبعة الأُولی، قم، 1405ق.
34. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. للشيخ محمّد حسن النجفي (م 1266ق)، دار إحياء التراث العربي، الطبعة السابعة، بيروت، 1404ق.
35. حاشیة الکفایة. للعلّامة السّید محمّد حسین الطباطبائی، بنیاد العلمي العلّامة، الطبعة الأُولی، قم، 1402ق.
36. الحاوي الکبیر في فقه مذهب الإمام الشافعي. لأبي الحسن علّي بن محمّد بن حبیب الماردي (م 450 ق)، دار الکتاب العلمیّة، بیروت، 1419 - 1999 م.
37. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. للبحراني، آل عصفور، يوسف بن أحمد (1107 - 1186 ق)، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، الطبعة الأُولى، قم، 1405 ق.
38. الخصال. لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ق)، تصحيح علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النش-ر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة السابعة، قم، 1426ق.
39. خلاصة الأقوال. للعلّامة الحلّي، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (648 - 726 ق)، تحقيق الشیخ جواد القیومي ، منشورات مطبعة الحیدریة ، الطبعة
ص: 764
الثانیة، قم، 1381ق.
40. الخلاف. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثالثة، قم، 1422ق.
41. دعائم الإسلام. للتمیمي المغربي، القاضي، أبوحنیفة، نعمان بن محمّد (م 363 ق)، تحقیق آصف بن عليّ أصغر فیفي، مؤسّسة آل البیت، دار المعارف بمص-ر، الطبعة الثانیة، 1385ق.
42. رجال ابن داود. لتقيّ الدین، الحسن بن عليّ بن داود الحلّي (المتوفّي 707 ق)، انتشارات دانشگاه تهران، طهران، 1383ق.
43. رجال النجاشي. لأبي العبّاس أحمد بن علىّ بن أحمد النجاشي (372 - 450 ق)، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، الطبعة الثامنة، قم، 1427ق.
44. رسائل الشریف المرتضی. لأبي القاسم، عليّ بن الحسین الموسوي، المعروف بالسیّد المرتضی، (355 - 436 ق)، تحقیق: السیّد مهدي الرجائي، دار القرآن الکریم، الطبعة الأُولی، 1405 ق.
45. الرسائل العش-رة. للإمام، روح الله الموسوی الخمیني (1320 - 1409ق)، مؤسّسة التنظیم ونش-ر الآثار الإمام الخمیني، الطبعة الأُولی، قم، 1420ق.
46. رسائل المحقّق الکرکي. للمحقّق الثاني، علی بن الحسین العاملي الکرکي (م 940 ق)، مکتبة آیة الله المرعشي، الطبعة الأُولی، قم، 1409ق.
47. رس-ائل المیرزا الق-مي. لأبي القاس-م بن محمّ-د بن الحس-ن، المعروف بالمیرزاي القمّي (م 1232ق)، مکتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولی، قم، 1427ق.
48. الرعایة لحال البدایة في علم الدرایة. لزین الدین بن عليّ بن أحمد العاملي، المعروف بالشهید الثاني، (911 - 965 ق) التحقیق: مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیّة، مکتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولی، قم، 1423ق.
49. الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة. لزين الدين بن علىّ بن أحمد العاملي المعروف
ص: 765
بالشهيد الثاني (911 - 965ق)، تحقيق السيّد محمّد كلانتر، منشورات مكتبة الداوري، قم.
50. رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل. للسيّد علىّ بن محمّد علىّ الطباطبائى، الحائري (1161 - 1231ق)، مؤسّسة آل البيت، الطبعة الأُولى، قم،1. 1418ق.
51. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. لأبي جعفر، محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي (543 - 589 ق)، التحقيق والطبع مؤسّسة النش-ر الإسلامي، الطبعة الثالثة، قم، 1414ق.
52. سنن ابن ماجة. للحافظ، أبي عبدالله محمّد بن یزید القزویني (207 - 275ق)، تحقیق: محمّد فؤاد عبدالباقی، دارالفکر، الطبعة الأُولی، بیروت.
53. سنن أبي داود. لأبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني (202 - 275 ق)، تحقيق محمّد محيي الدين عبدالحميد، دارالفكر، بيروت.
54. سنن الدارقطني. علي بن عمر الدارقطني (306 - 385 ق)، دار إحياء التراث العربي، مجلّدين في 4 أجزاء، بيروت.
55. سنن الدارمي. لأبي محمد، عبدالله بن عبد الرحمن الدارمي (181 - 255 ق)، دار الفکر، بیرت.
56. السنن الكبرى. لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهق (م 458ق)، مطبعة دار المعرفة، الطبعة الأُولى، بيروت، 1406ق.
57. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. للمحقّق الحلّي، نجم الدين، جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676ق)، مؤسّسة إسماعیلیان، الطبعة الثانية، قم، 1408ق.
58. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن، إخراج وتعليق وتحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال، نشر دار التفسير.
59. الصحاح. لأبي نص-ر إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ الفارابي (م 393ق)، دار العلم للملایین، بيروت.
60. الطبقات الكبرى. لابن سعد (230 ق)، دار صادر، 8 مجلدات ، بيروت.
ص: 766
61. عدة الأُصول. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ق)، تحقیق محمّد رضا الأنصاري القمي، المطبعة ستاره، الطبعة الأُولی، قم، 1417ق.
62. علل الشراِئع. لأبي جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (306 - 381 ق)، مکتبة الداوري، الطبعة الأُولی، قم، 1385ش.
63. عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة. لابن أبي جمهور محمّد بن علىّ بن إبراهيم الإحسائي (م أوائل قرن العاشر ق)، تحقيق مجتبى العراقي، مطبعة السيّد الشهداء، الطبعة الأُولى، قم، 1403ق.
64. عیون الحقائ-ق الن-اظرة في تت-مّة الحدائ-ق الناض-رة. لشیخ حسین البحراني، آل عصفور (م 1216ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانیة، قم، 1412ق.
65. غایة المرام في شرح شرائع الإسلام. للصیمري، مفلح بن الحسن (م حدود 900 ق)، تحقیق: جعفر الکوثراني العاملي، دار الهادي، الطبعة الأُولی، 1420ق.
66. غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع. لأبي المكارم السيّد حمزة بن علىّ بن زهرة الحسيني المعروف بابن زهرة (511 - 585 ق)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق7، الطبعة الاُولى، قم، 1417ق.
67. فرائد الأُصول. للشیخ الأعظم، مرتضی بن محمّد أمین الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281 ق)، مؤسّسة النشر الإسلامی، الطبعة الخامسة، قم، 1416ق.
68. فقه القرآن. لقطب الدین سعید بن عبدالله الراوندي (م 573 ق)، مکتبة آیة الله المرعش-ي النجفي، الطبعة الثانیة، قم، 1405ق.
69. الفقه المنسوب للإمام الرضا7. علي بن موسی (م 203ق)، مؤسّسة آل البیت، الطبعة الأُولی، مشهد، 1406ق .
70. الفقه على المذاهب الأربعة. لعبد الرحمن الجزيري، دار إحياء التراث العربي،1. الطبعة السابعة، بيروت، 1406 ق/ 1986م.
71. الفهرست. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 -
ص: 767
460 ق)، مؤسّسة نش-رالفقاهة، الطبعة الأُولى، الإصبهان، 1417ق.
72. فوائد الطوسیة. للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104ق)، المطبعة العلمة، الطبعة الأُولی، قم، 1403ق.
73. قاموس الرجال. للشیخ محمّد تقيّ التستري، مؤسّسة الن-شر الإسلامي، الطبعة الثالثة، قم، 1425ق.
74. القاموس المحيط. لأبي طاهر مجدالدين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي (729 - 817 ق)، دار الفکر، الطبعة الأُولی، بيروت، 1424ق.
75. قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام. للعلاّمة الحلّى، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (648 - 726 ق)، تحقيق مؤسّسة النش-ر الإسلامي، الطبعة الأُولى، قم، 1413 ق .
76. قوانین الأُصول. لأبي القاسم بن محمّد بن الحسن، المعروف بالمیرزاي القمّي (م 1232ق)، مکتبة العلمیة الإسلامیة، الطبعة الثانیة، طهران، 1378ق.
77. الكافي. لأبي جعفر ثقة الإسلام، محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329 ق)، دارالكتب الإسلاميّة، الطبعة الخامسة، طهران، 1384ش.
78. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. محمود بن عمر الزمخشري (528 ق)، دار الكتاب العربي.
79. كشف اللثام عن قواعد الأحكام. بهاء الدين محمّد بن الحسن الإصفهاني، المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137 ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1422ق.
80. كفاية الأحكام. للمحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد مؤمن (م 1090ق)،1. منشورات مهدوي، الطبعة الأُولى، قم.
81. الکافي في الفقه. لأبي الصلاح الحلبي، تقيّ الدین بن نجم (374 - 447ق)، تحقیق: رضا الأُستادي، مکتبة الإمام أمیرالمؤمنین (علیه السلام)، الطبعة الأُولی، الإصبهان، 1403ق.
82. کتاب المكاسب. للشيخ الأعظم، مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281 ق)، مؤسّسة إسماعیلیان، الطبعة الرابعة، قم، 1376ش.
ص: 768
83. کشف اللثام عن قواعد الأحکام. للشیخ بهاء الدین، محمّد بن الحسن الإصفهانی، المعروف بالفاضل الهندي(1062 - 1135ق)، تحقیق ونش-ر: مؤسّسة الن-شر الإسلامي، الطبعة الأُولی، قم، 1422ق.
84. کفایة الأُصول. للشیخ الأعظم، مرتضی بن محمّد أمین الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281 ق)، مؤسّسة آل البیت، الطبعة الأُولی، قم، 1409ق.
85. کنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال. لعلاء الدین، عليّ المتقي بن حسام الدین الهندي (888 - 975ق)، تحقیق: حیّاتي، مؤسّسة الرسالة، بیروت، 1409ق.
86. لسان العرب. لأبوالفضل، جمال الدین محمّد بن مکرم، ابن المنظور (م 711 ق)، داراحیاء التراث العربي، الطبعة الثالثة، بیروت.
87. المبسوط في فقه الإماميّة. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460ق)، تصحيح السيّد محمّد تقي الكشفي، المكتبة المرتضويّة، الطبعة الثانية، طهران، 1378ق.
88. مجمع البحرين ومطلع النيّرين. للشيخ فخر الدين الطريحي (م 1085ق)، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، مکتبة المرتضوي، الطبعة الثالثة، طهران، 1416ق.
89. مجمع البيان في تفسير القرآن. لأبي علىّ الفضل بن الحسن الطبرسي، تصحيح السيّد هاشم الرسولى المحلّاتي والسيّد فضل الله اليزدي الطباطبايي، دارالمعرفة، بيروت.
90. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد المقدّس الأردبيلي (993 ق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1425 ق.
91. المجموع في شرح المهذّب. لأبي ذكريّا يحيى بن شرف النَوْوىّ الشافعي (م 676 ق)، منشورات دارالفكر، بيروت، 1421ق.
92. مجموعه قوانين با آخرين اصلاحات (قانون مدني). دانايى، مسعود، 3 مجلّدات، سعيد نوين.
93. المحاسن. لأبي جعفر، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280ق)، تحقيق، جلال الدین محدث، دارالکتب الإسلامیة، الطبعة الثانية، قم، 1371ق.
ص: 769
94. المختصر المزني. لإسماعیل بن یحي بن إسماعیل أبو إبراهیم المزني (م 264 ق)، دار المعرفة للطباعة والنشر، بیروت.
95. المختصر النافع في فقه الإماميّة. للمحقّق الحلّي، نجم الدين، جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676 ق)، مؤسّسة المطبوعات الدينيّة، الطبعة السادسة، قم، 1418ق.
96. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. للعلّامة الحلّي، جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (648 - 726 ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، الثابعة لجماعة المدرسین، الطبعة الثانية، قم، 1413ق.
97. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قسم إحياء التراث الإسلامي.
98. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. للعلّامة محمّد بن باقر بن محمّد تقىّ المجلس-ي (1037 - 1110 ق)، تصحيح علىّ الآخوندي، دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الأُولى، تهران، 1409 ق/ 1386ش.
99. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. لزين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي1. المعروف بالشهيد الثاني (911 - 965 ق)، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، الطبعة الأُولى، قم، 1413 - 1419ق.
100. المسائل الطوسیة. لأبي عبدالله، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبري، المعروف بالشیخ المفید (336 - 413 ق)، المؤتمر العالمي لألفیة الشیخ المفید، الطبعة الأُولی، قم، 1413 ق.
101. المسائل الناصریّات. لأبي القاسم، عليّ بن الحسین الموسوي البغدادي، المعروف بالسیّد المرتضی (355 - 436 ق)، تحقیق مرکز البحوث والدراسات العلمیّة، قم، مؤسّسة الهدی، 1417 ق.
102. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. للحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، مؤسّسة آل البيت، الطبعة الثالثة، قم، 1411ق.
103. مسند أحمد. لأبي عبدالله، أحمد بن محمّد بن حنبل الشیباني (164 - 241ق)، مؤسّسة
ص: 770
الرسالة، الطبعة الأُولی، بیروت، 1421ق.
104. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي. للفیومي، أحمد بن محمّد المقري (م 770 ق)، مؤسّسة دار الهجرة، الطبعة الأُولی، قم.
105. معجم رجال الحديث وتفصيل طبق-ات الرجال. للسيّد أبوالق-اسم الموسوي الخوئي (م 1413ق)، مرکز نشر الثقافة الإسلامیة، الطبعة الخامسة، النجف الأشرف ، 1413 ق.
106. مغنی المحتاج. لمحمد بن أحمد الش-ربیني (م 977 ق)، دار إحیاء التراث العربي، بیروت، 1377 - 1958 م.
107. المغني والشرح الكبير. لأبي محمّد عبدالله بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي الحنبلي (م 620 ق) وشمس الدين (م 682 ق)، دار الکتاب العربی، بيروت.
108. مفاتيح الشرائع. لمحمّد حسن بن شاه مرتض-ى، المعروف بالفیض الکاشاني (م 1091 ق)، مکتبة آیة الله النجفي المرعشي، الطبعة الأُولى، قم.
109. مفردات ألفاظ القرآن الكريم. لأبي القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل المعروف بالراغب الإصفهاني (م حوالى 400)، دار العلم - الدار الشامیة، الطبعة الأُولی، لبنان - سوریة، 1412ق.
110. المقنع. لأبي جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (306 - 381 ق)، مؤسّسة الإمام الهادي7، الطبعة الأُولى، قم، 1415ق.
111. المقنعة. لأبي عبدالله، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبري المعروف بالشیخ المفید (336-413 ق)، المؤتمر العالمي لألفیة الشیخ المفید، الطبعة الأُولی، قم، 1413ق .
112. المكاسب المحرّمة. للإمام، روح الله الموسوي الخميني (1320 - 1409ق)، مؤسّسة تنظيم ونشر الآثار الإمام الخميني، الطبعة الأُولى، قم، 1415ق .
113. مکارم الأخلاق. للطبرسي حسن بن الفضل (م القرن السادس ق)، دار الش-ریف الرضي، الطبعة الرابعة، قم، 1412ق.
114. من لا يحضره الفقيه. لأبي جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (306 - 381 ق)، دار الأضواء، الطبعة السادسة، بیروت ، 1405ق.
ص: 771
115. مناقب آل أبي طالب. لأبي عبدالله، محمّد عليّ بن شهر آشوب المازندرانی، المعروف بابن شهر آشوب (م 588 ق)، تحقیق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المکتبة الحیدریّة، الطبعة الأُولی، النجف، 1376ق.
116. منتهی المقال في أحوال الرجال. لمحمّد بن إسماعیل الحائري المازندراني (م 1216ق)، مؤسّسة آل البیت، الطبعة الأُولی، قم، 1416ق.
117. المهذّب. للقاضي، عبدالعزيز بن البرّاج (400 - 481 ق)، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، الطبعة الأُولى، قم، 1406ق.
118. الموسوعة الفقهیة الکویتیة. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة، الکویت، 1404- 1427ق.
119. ميزان الاعتدال. الذهبي (748 ق)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، 4 مجلدات.
120. الميزان في تفسير القرآن. للع-لّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، مؤسّسة النش-ر الإسلامي، قم.
121. النکت والعیون. لأبي الحسن، علی بن محمّد بن حبیب البص-ري البغدادي الشهیر بالماوردي (م 450 ق)، دارالکتب العلمیة، بیروت.
122. نهایة المرام في شرح مختصر شرائع الإسلام. للعاملي، محمّد بن علي الموسوي (م 1009 ق)، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولی، قم، 1411ق.
123. النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن أثیر، مبارك بن محمود الجزري (م 606 ق)، مؤسّسة إسماعیلیان، الطبعة الأُولی، قم.
124. النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى. للشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمّد بن محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ق)، دار الكتاب العربي، الطبعة الأُولى، بيروت، 1390ق/1970 م.
125. النهاية ونكتها. شيخ الطائفة الطوسي والمحقّق الأوّل الحلّي، مؤسسة النشر الإسلامي.
126. نهج الحق. للعلّامة الحلّي، جمال الدین حسن بن یوسف بن المطهّر الأسدي (648 -
ص: 772
726 ق)، دار الکتب اللبناني، الطبعة الأُولی، بیروت، 1982 م.
127. الهداية في الأُصول والفروع. لأبي جعفر، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (306 - 381 ق)، مؤسّسة الإمام الهادي7،1. الطبعة الأُولى، قم، 1418ق.
128. الوافي. لمحمّد حسن بن شاه مرتض-ى، المعروف بالفیض الکاشانی (م 1091 ق)، منشورات مكتبة أميرالمؤمنين7، الطبعة الأُولى، الإصبهان، 1412ق.
129. الوجیز. لأبي حامد، محمّد بن محمّد بن محمّد الغزالي (450 - 505 ق)، دارالأرقم بن أبي الأرقم، الطبعة الأُولی، بیروت، 1418ق.
130. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الش-ريعة. للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104 ق)، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الثالثة، قم، 1416ق.
131. الوسیلة إلی نیل الفضیلة. لعماد الدین، أبو جعفر، محمّد بن علّي الطوسي، المعروف بابن حمزة (المتوفّی بعد عام 585 ق)، تحقیق: محمّد الحسّون، مکتبة آیة الله المرع-شي النجفي، الطبعة الأُولی، قم، 1408ق.
ص: 773
فهرس المطالب
مقدّمة الناشر ... 7
مقدّمة الأُستاذ ... 9
مقدّمة المقرر ... 11
کتاب الطلاق ... 15
ينبغي ذکر أُمور: ... 15
الأوّل: الطلاق من الأُمور التشریعیّ-ة الإمضائیّ-ة ... 15
الثاني: رجحان البحث عن الطلاق في قسم الإیقاعات ... 18
الثالث: وقوع الطلاق في الأزمان المختلفة ... 18
الرابع: تعریف الطلاق ... 19
الخامس: الأصل في الطلاق ... 20
السادس: کراهة الطلاق في الأخبار ... 21
القول في شروطه ... 27
شروط المطلِّق ... 27
اشتراط البلوغ في المطلِّق ... 27
ص: 774
الأخبار الدالّة علی عدم صحّة طلاق الصبيّ ... 29
الأخبار الدالّة علی صحّة طلاق الصبيّ ... 30
الخبر الدالّة علی صحّة الطلاق إن کان له عشرة سنين ... 30
اشتراط العقل في المطلِّق ... 35
عدم صحّة طلاق الوليّ والوصيّ والحاکم للصبيّ ... 36
حکم الطلاق عن السفیه والمجنون ... 38
الأخبار الدالّة علی طلاق الوليّ عن السفیه ... 39
کلام صاحب الجواهر في المراد عن المعتوه ... 41
کلام صاحب الجواهر في جواز طلاق المعتوه والسفیه مع الإذن ... 42
حکم طلاق من طرأ عليه الجنون بعد البلوغ ... 43
استدلال المشهور في صحّة طلاق الوليّ عن المجنون ... 44
مناقشة المسالك في الاستدلال بالروایات ... 45
کلام صاحب الحدائق في الردّ علی مناقشات المسالك والاحتجاج الشیخ ... 46
استدلال الشیخ وابن إدریس في عدم صحّة طلاق الوليّ عن المجنون ... 47
في الردّ علی احتجاج الشیخ وابن إدریس ... 48
فروعٌ ... 49
عدم الفرق في الجنون بین أن یکون عارضاً في الصغر أو بعده ... 49
جواز طلاق الزوجة نفسها من الزوج المجنون في صورة العسر والحرج ... 49
جواز طلاق الزوجة نفسها من الزوج السفیه في صورة العسر والحرج ... 51
اشتراط القصد والاختیار ... 52
حکم الإکراه ... 52
حکم الإکراه في القرآن ... 53
حکم إکراه الطلاق في الروایات العامّة ... 53
ص: 775
حکم إکراه الطلاق في الروایات الخاصّة ... 55
استثناء الموردین من قاعدة حدیث الرفع ... 56
کلام الإمام الخمیني حول موارد استثناء التقیّ-ة ... 57
رضا المکرَه بعد الطلاق ... 59
تعریف الإکراه وما حوله ... 61
تحقّق الإکراه بالتوعّد وفعل المکرِه ... 62
في اعتبار الظنّ والعلم أو کفایة تحقّق الخوف بتوعید المکرِه ... 63
حکم الإکراه فیما لم یتوعّد المکرِه فعلاً ... 64
حصول الإکراه لمن خاف من التوعّد المکرِه ... 65
اشتراط صدق الإکراه بالعجز عن بعض التفصّیات ... 67
عدم صدق الإکراه مع إمکان التفصّي بمثل الفرار أو التوریة ... 68
عدم اعتبارالعجز عن التوریة في الإکراه ... 69
الردّ علی الوجهین في عدم اعتبار العجز عن التوریة في الإکراه ... 71
کلام صاحب الجواهر في عدم اعتبار العجز ... 72
کلام صاحب المسالك في عدم اعتبار التوریة ... 73
الردّ علی صاحب المسالك ... 74
تنبيهٌ: کلام الشیخ الأعظم(قدس سرُّه) في الإکراه المعتبر ... 74
وجوه استدلال الشیخ للإکراه الرافع ... 76
الردّ علی وجوه الاستدالال للشیخ في الإکراه ... 76
وقوع الإکراه فیمَن أُکره علی طلاق إحدی زوجتیه ... 79
وجهان فیمن طلّق زوجتیه مکرهاً علیه ... 79
في الإکراه علی أن یطلِّق ثلاث تطلیقات ... 80
کلام المسالك في بعض فروع الإکراه علی المطلِّق ... 81
ص: 776
الإکراه علی الطلاق بغیر الصیغة ... 81
وجهان في إکراه الوکیل علی الطلاق ... 82
حکم الإکراه في توعید المکرَه بفعل المستقبل ... 82
حکم بعض موارد الضرر في الإکراه ... 82
في العدول عن الطلاق بعد تلفّظه بالطلاق ... 83
عدم الفائدة في صحّة الطلاق عن إکراه عند تعقّب الرضا ... 84
شروط المطلَّقة ... 84
الشرط الأوّل للمطلَّقة: أن تكون زوجة دائمة ... 84
الشرط الثاني للمطلَّقة: أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس ... 89
الشرط الثالث للمطلَّقة: أن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها ... 92
تكملة: هل الحيض والنفاس مانعان من صحّة الطلاق؟ ... 92
طلاق المرأة في حال الحيض ... 94
اختلاف الأصحاب في طلاق الغائب ... 96
تتمّ-ة: زیادة صور في طلاق الغائب ... 111
اعتبار مضيّ ثلاثة أشهر ... 119
تعتبر الطهارة من الحيض والنفاس ... 125
تعيين المطلّقة لو کانت أکثر من واحدة ... 126
فروعٌ: في تعیین المطلّقة ... 130
القول في الصيغة ... 135
الأصل في شرطیّ-ة الصیغة ... 135
الشروط في صیغة الطلاق ... 136
مادّة صيغة الطلاق وهيئتها ... 137
ص: 777
فرعٌ: في وقوع الطلاق بقوله: «نعم» وعدمه ... 152
وقوع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة ... 156
اشتراط العربیّ-ة في الصیغة ... 157
وقوع الطلاق بالإشارة والکتابة ... 159
فرعٌ: تفويض الزوج أمر الطلاق إلی المرأة ... 166
تنبيهٌ ... 177
جواز الوکالة في الطلاق ... 178
حکم الطلاق ثلاثاً ... 186
فرعٌ ... 200
الإشهاد في الطلاق ... 207
اشتراط الإشهاد في الطلاق ... 207
كيفيّ-ة الإشهاد واشتراط المعرفة وعدمه ... 209
عدالة المشترطة في الطلاق شرطاً واقعياً أو ظاهریاً؟ ... 227
القول في أقسام الطلاق ... 231
تقسیم الطلاق إلی الواجب والمکروه والمستحبّ والحرام ... 231
أسباب تحریم الطلاق المحرّم ... 232
الردّ علی أدلّة الطلاق المحرّم ... 233
تقسیم الطلاق إلی البدعيّ والسنّي ... 235
معنیً آخر للطلاق السنّي بالنظر إلی النصوص والفتاوی ... 236
الطلاق قبل الدخول ... 237
طلاق الصغیرة ... 240
ص: 778
طلاق الیائسة ... 242
طلاق الخلع والمباراة ... 246
قولان في مسألة استيفاء العدّة، هل هو هادم لتحريم الثلاثة أم لا؟ ... 248
القائلون بالقول الأوّل ... 249
القائلون بالقول الثاني والاستدلال عليه ... 250
الردّ على الاستدلال بالكتاب والإجماع ... 251
الشروط في المحلّل ... 292
فرعٌ: في تحليل الخصيّ وعدمه ... 300
في قبول قول الزوجة بأنّها تزوّجت بعد الثالث وعدمه ... 302
في فروع أحكام التحليل ... 305
الشكّ في إيقاع الطلاق ... 309
القول في العِدَد ... 311
تعريف العدّة ... 311
الدليل على أصل العدّة ... 312
فصل: في عدّة الفراق طلاقاً كان أو غيره ... 315
عدم العدّة لغير المدخول بها ... 315
عدّة الصغيرة واليائسة ... 316
تعارض روايات عدّة الصغيرة واليائسة ... 323
المراد من الدخول لثبوت العدّة ... 325
حكم الخصي والمقطوع في إيجاب العدّة وعدمه ... 332
عدم الفرق بين الكبير والصغير في العدّة على المدخول بها ... 340
ص: 779
فرعٌ: حكم العدّة في الزنا ... 341
فيما لو يئست بين العدّة ... 345
عدّة الحامل ... 346
عدّة المطلّقة الحامل بالزنا ... 354
عدّة الحامل بالاثنين ... 355
عدّة المطلّقة الموطوءة بالشبهة ... 356
في ادّعاء الوضع أو الحمل ... 360
أصناف الحائل وأحكامها ... 361
معنی القرء لفظاً ... 362
المراد من استقامة الحيض ... 364
عدم الفرق بين كون الحيض طبيعيّ-اً وغيره ... 365
أقسام العدد في الكتاب الكريم ... 365
اختصاص الاعتداد بالثلاثة بالحرّة ... 367
عدم الفرق في العدّة بين المطلّقة والمفسوخة والموطوءة بالشبهة ... 368
عدم الفرق في العدة بين الحيض والنفاس ... 369
في وجوب تماميّ-ة مدّة الطهر في كلّ القروء ... 370
حكم مستقيمة الحيض ... 372
حكم من لا تحيض وهي في سنّ من تحيض ... 373
حكم من كان الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد ... 374
المراد بالقروء ... 379
في كفاية مسمّى الطهر الأوّل ... 384
عدّة المتعة في الحامل والحائل ... 387
عدّة المتمتّع بها إن كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض ... 396
ص: 780
المدار في الشهور هو الهلالي ... 397
الاختلاف في انقضاء العدّة وعدمه ... 398
القول في عدة الوفاة ... 401
عدّة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حائلاً ... 401
عدّة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً ... 406
عدّة المطلّقة الرجعيّ-ة إذا مات زوجها في العدّة ... 407
عدّة المسترابة بالحمل ... 410
وجوب الحداد ومعناه ... 419
عدم شرطيّ-ة الحداد في صحّة العدّة ... 421
عدم الفرق في الحداد بين المسلمة والذميّ-ة والدائمة والمنقطعة ... 421
في وجوب الحداد على الصغيرة والمجنونة وعدمه ... 422
حكم خروج المعتدّة بعدّة الوفاة من بيتها ... 423
مسألة: في حداد الأمة ... 429
فرع: في عدم عدّة الوفاة في الوط ء بالشبهة ... 431
مبدأ عدّة الطلاق والوفاة ... 432
عدم اشتراط الحجّة الشرعيّ-ة في الإخبار بالموت للاعتداد ... 439
حكم المفقود زوجها ... 441
روايات المفقود زوجها ... 446
حكم العدّة بعد الطلب أربع سنين ... 449
هل التربّص مشروط بالرجوع إلى الحاكم أم لا؟ ... 452
هل المفقود وأحكامه مختصّة بالفقد في السفر أو أعمّ منه؟ ... 455
هل الحكم مختصّ بالزوجة أو يشمل سائر أحكام الموت؟ ... 460
ص: 781
هل الحكم مختصّ بالدائمة أو يشمل المنقطعة أيضاً؟ ... 464
عدم اشتراط كيفيّ-ة خاصّة في الفحص والطلب ... 466
عدم اشتراط العدالة في المبعوث ... 467
عدم اعتبار الفحص من جانب الحاكم ... 469
المقدار اللازم في الفحص ... 470
سقوط الفحص أن لا يترتّب عليه أثر ... 472
إن تبيّن موته قبل انقضاء المدّة أو بعده أو في أثناءها ... 473
لو وجد الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل ... 473
القول في عدّة وطء الشبهة ... 477
المراد به وطء الشبهة ... 477
عدم العدّة على المزنيّ بها ... 478
وجوب العدّة على الموطوءة شبهة ... 481
جواز التزوّج بالموطوءة شبهة للواطي إن كانت خليّ-ة ... 482
حكم الوطى ء شبهة في عدّة الطلاق أو الوفاة ... 483
في عدّة الحامل بالتلقيح ... 494
في الطلاق بعد الرجوع وقبل الدخول ... 499
فساد توهّم نكاح جماعة في يوم واحد امرأة شابّ-ة بالاحتيال ... 500
المطلّقة الرجعيّ-ة بحكم الزوجة بخلاف البائن ... 503
تذكرة: في کراهة طلاق المریض وحرمته ... 505
مقامات في أصل المسألة: ... 510
المقام الأوّل: في ثبوت التوارث في الرجعيّ-ة وعدمه في البائن ... 510
المقام الثاني: إرث الزوج في البائن وبعد العدّة الرجعيّ-ة وعدمه ... 516
ص: 782
المقام الثالث: إرث المطلّقة في حال المرض إلى سنة ... 517
فرع: فيما لو طلّق المريض الكتابيّ-ة أو الأمة ... 522
فرع: في وقوع الطلاق في حال المرض وعدمه ... 524
فرع: في إمكان إرث أكثر من زوجات أربع من المريض ... 524
فرع: فيما لو مات المريض بعلّة أُخرى ... 524
فرع: في عدم لحوق سائر أسباب الفراق ... 525
فرع: فيما لو طلّقها ثمّ لاعنها أو حصل الارتداد أو تجدّد ... 525
فرع: في اعتبار المرض السابق على حال النزع وعدمه ... 526
حكم سكنى الرجعيّ-ة وإخراجها من البيت ... 527
المراد من الخروج والإخراج المحرّم ... 538
القول في الرجعة ... 543
المراد بالرجعة وثبوتها بالكتاب والسنّ-ة ... 543
في أسباب الرجوع ... 545
هل الرجعة إيقاع أم لا؟ ... 546
عدم اشتراط الإشهاد في الرجعة ... 550
عدم اشتراط اطّلاع الزوجة على الرجعة ... 551
في الاتّفاق على الرجوع وانقضاء العدّة والاختلاف في التقدّم ... 557
الرجوع حكم أو حقّ؟ ... 558
كتاب الخلع والمباراة ... 561
تعريف الخلع والمباراة لغةً وشرعاً ومشروعيّتهما ... 561
ص: 783
صيغة الخلع ... 563
الخلع نوع من الطلاق أم لا؟ ... 564
هل يجب اتّباع صيغة الخلع بلفظ الطلاق؟ ... 568
الخلع من الإيقاعات ... 576
اشتراط عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق ... 576
جواز التوكيل في الخلع للبذل والطلاق ... 577
في كيفيّ-ة إيقاع الخلع ... 578
في طلب الطلاق أو الخلع بعوض ... 579
فرعان في المسألة: ... 579
بذل الفداء عوضاً عن الطلاق بكلّ متموّل ... 581
هل يصحّ تضمين غيرها بالبذل؟ ... 583
حكم الخلع أو الطلاق على مال الغير ... 584
حكم بذل مال الغير أو ما لا يملكه المسلم مع العلم به ... 585
حكم بذل مال الغير مع الجهل بالحال ... 587
شرطيّ-ة شدّة كراهة الزوجة وعدمها ... 588
عدم الفرق في الكراهة بين الذاتيّ-ة وغيرها ... 591
عدم تحقّق الخلع لوكانت الكراهة ناشئة من إيذاء الزوج ... 594
عدم صحّة الخلع مع عدم الكراهة ... 595
طلاق الخلع بائن لا رجوع فيه ما لم ترجع الزوجة ... 596
في اشتراط جواز رجوعها بإمكان رجوعه ... 597
فرعٌ: أنّ المختلعة بعد الرجوع في البذل هي رجعيّ-ة في جميع ... أم لا؟ ... 600
فرعٌ: في حكم الخلع لوقالت إنّها تأتي بالأجنبي إلى الفراش ... 602
فرعٌ: في جواز الرجوع في بعض البذل وعدمه ... 603
ص: 784
شروط المباراة والفرق بينها وبين الخلع ... 607
الأمر الأوّل: صيغة الخلع ... 607
الأمر الثاني: هل تجوز المباراة ببذل المهر؟ ... 611
الطلاق بالعوض مع التيام الأخلاق ... 613
جواز نكاح المختلعة والمبارئة للزوج بعقد جديد ... 622
جواز عضل الزوجة وعدمه إذا أتت بفاحشة ... 622
کتاب الظهار ... 629
تعريف الظهار ... 629
صيغة الظهار ... 632
حكم التشبيه بسائر أعضاء الأُمّ غير الظهر ... 633
التشبيه بغير الأُمّ من المحارم النسبيّ-ة ... 635
شرطيّ-ة وقوع الظهار بسماع عدلين ... 638
شروط المظاهر ... 639
شروط المظاهرة ... 640
اعتبار دوام الزوجيّ-ة وعدمه ... 643
التعليق في الظهار ... 644
فروعٌ: في أحكام التعليق في الظهار ... 649
أحكام الظهار ... 651
كفّارة الظهار ... 653
رفع أمر المظاهرة إلى الحاكم إن لم تصبر ... 654
کتاب الإيلاء ... 659
ص: 785
کتاب اللعان ... 663
تعريف اللعان ومشروعيّته ... 663
مشروعيّ-ة اللعان في موردين: رمي الزوجة بالزنا ونفي الولد ... 665
جواز قذف الزوجة بالزنا عند اليقين ... 666
اشتراط اللعان بالقذف بادّعاء المشاهدة ... 668
اشتراط فقد البيّ-نة في ثبوت اللعان ... 672
شرطيّ-ة الزوجيّ-ة والدوام في ثبوت اللعان ... 673
شرطيّ-ة الدخول في ثبوت اللعان ... 674
اشتراط ثبوت اللعان بأن تكون غير مشهورة بالزنا ... 675
شرطيّ-ة السلامة عن الصمم والخرس ... 675
حرمة نفي الولد مع إمكان اللحوق ... 676
وجوب نفي الولد مع العلم بعدم التكوّن منه ... 676
عدم سماع النفي إن علم بدخوله أو أقرّ بذلك ... 678
انتفاء الولد بنفيه في المتمتّع بها ... 678
عدم الفرق بين الحمل والمنفصل في مشروعيّ-ة اللعان ... 679
عدم التلازم بين نفي الولد وكونه من الزنا ... 679
لو أقرّ بالولد صريحاً أو كناية لا يسمع إنكاره ... 680
عدم وقوع اللعان إلّا عند الحاكم الشرعي ... 680
صورة اللعان ... 684
وجوب كون الصيغة بالعربيّ-ة مع القدرة ... 684
وجوب القيام عند التلفّظ بالألفاظ ... 687
وجوب تقديم لعان الرجل على لعان المرأة ... 690
ص: 786
شرطيّ-ة الموالاة بين الأحلاف الخمسة ... 690
كلام كاشف اللثام في الشروط الواجبة والمندوبة ... 690
ترتّب الأحكام الأربعة بعد وقوع اللعان ... 702
تكذیب الرجل نفسه بعد اللعان ... 705
فرعٌ: في زوال تمام الآثار لو كذّب نفسه وعدمه ... 705
وجوب طلاق الخُلع على الرجل ... 709
مدخل ... 711
المقدّمة ... 715
تقسيمات الطلاق ... 719
1 . الطلاق الرجعي ... 720
2. الطلاق البائن ... 721
أقسام الطلاق البائن ... 721
طلاق الخُلع ... 721
المعنى اللغوي للخلع ... 722
المعنى المصطلح للخلع ... 722
بيان كيفيّة كراهة المرأة للزوج ... 723
أدلّة إثبات طلاق الخُلع ... 723
1. الكتاب ... 724
ص: 787
كيفيّة الاستدلال بالنص القرآني ... 724
2. السنّة ... 724
موضوع البحث ومركز النزاع والخلاف ... 725
الأحكام الأربعة لطلاق الخلع ... 725
1. الخلع المحرّم ... 725
2. الطلاق الخلعي المباح ... 726
3. الطلاق الخلعي المستحبّ ... 726
4. الطلاق الخلعي الواجب ... 727
الأقوال في المسألة ... 728
أدلة القائلين بعدم وجوب طلاق الخلع ... 729
الإشكال على الاستدلال الأوّل ... 730
الإشكال على الاستدلال الثاني ... 730
أدلّة القائلين بوجوب طلاق الخُلع ... 732
1. وجوب النهي عن المنكر ... 733
الإشكالات الواردة على هذا الاستدلال ... 733
الإشكال الأوّل وردّه ... 733
الإشكال الثاني وجوابه ... 734
الإشكال الثالث والجواب عنه ... 735
2. الارتكاز والاعتبار العقلائي في العقود ... 737
3. حكم العقل ... 739
إشكالات على مبدأ القول بوجوب الخُلع ... 740
الإشكال الأوّل ... 740
دراسة في الحديث النبوي: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» ... 741
ص: 788
الإشكال الثاني ... 744
جواب الإشكال ... 745
الإشكال الثالث ... 747
دراسة الروايات وتحليلها ... 750
أدلّة القائلين بجواز أخذ الزائد على المهر ... 758
الاستنتاج والاستخلاص ... 759
مصادر التحقيق ... 761
ص: 789