حمزة سيد الشهداء

هوية الکتاب

عنوان واسم المؤلف: حمزة سيد الشهداء [کتاب]/محمد صادق النجمي ؛ مترجم سيد محمد رضا المهري

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة المعارف الاسلامية، 1431ق=1389.

مواصفات المظهر: 216ص.؛ 21×11س م.

الصقيع: مؤسسة المعارف الاسلامية؛ 194

حالة الاستماع: في انتظار الإدراج (معلومات التسجيل)

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 2810497

ص: 1

اشارة

نجمی محمد صادق، 1315-

حمزه سيّد الشهداء(علیه السلام)/تأليف محمد صادق نجمی؛مترجم سید محمد رضا مهری.- قم:مؤسسه المعارف الاسلاميه ، 1431 ق =1389 ش.

148 ص .(بنیاد معارف اسلامی ؛ 194 )

30000 ریال : ISBN : 978-600- 146- 002- 9

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فیپا.عربی

کتابنامه به صورت زیرنویس.

1 - حمزه بن عبد المطلب (علیه السلام)، 54 قبل از هجرت-3ق.-سرگذشتنامه . 2. صحابه - سرگذشتنامه . الف . مهری . محمد رضا، 1335 - مترجم. ب. بنیاد معارف اسلامی . ج . عنوان . د . فروست.

8ح3ن / 7 /25. 297/391bp

1389

194

اسم کتاب ...حمزة سيّد الشهداء(علیه السلام)

المولف...محمد صادق النجمي

المترجم...سید محمد رضا المهري

الناشر...مؤسسة المعارف الإسلامية

الطبعة...الأولى 1431 ه- .ق

المطبعة...عترت

العدد...3000

isbn...978-600-146-002-9

الترقیم الدولی...9-002-146-600-978

حقوق الطبع محفوظة لمؤسسة المعارف الإسلامية

المقدسة - تلفون 7732009 ص ب 768 / 37185

www.maaref islami.com

E-mail:info@maarefislami.com

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدمة المترجم

سيد الشهداء حمزة (علیه السلام)

سيد الشهداء حمزة،اجتمعت فيه من الخصال ما اعتاده التاريخ أن يشاهده من بني هاشم، ایمان راسخ لا تشوبه شوائب غيرهم، وشجاعة نادرة لم تذكر في من سواهم ، واخيراً لهفي عليهم من ظلامة أيام حياتهم وبعد وفاتهم بلا ذنب يرتكبونه أو حق يهضمونه.

دافع عن الإسلام وعن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)والدعوة لا تزال في مهدها، فأرعب عتاة قريش وأرغم انوفهم المتشامخة،إلى أن منَّ اللّه على المسلمين بالهجرة ، فهاجر الى المدينة في من هاجر تاركاً دياره وأمواله نهباً للطاغين،وبقي مع سائر المسلمين صابراً محتسباً حتى جاء يوم الحسم ، إذ أذن لهم النّبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بإيقاف قافلة المشركين ليأخذوا منها حقوقهم المسلوبة ، فكانت وقعة بدر الكبرى وحمزة قائدها ورائدها، نازل مع امير المؤمنين(علیه السلام) في بداية المعركة ثلاثة من أشرس فرسان قريش ،وانتهت تلك الجولة الأولى بمقتل المشركين الثلاثة مما أربك العدو وألقى الرعب في قلوبهم.

ولكن استماتة عم الرسول في الدفاع عن الدين وبسالته في

ص: 5

قتل هؤلاء الثلاثة كانت مبدأ ظلامته وظلامة ابن اخيه امير المؤمنين في حياتهما وبعد استشهادهما ، وذلك لأن أحد هؤلاء القتلى كان أبا هند زوجة ابي سفيان والآخر عمها والثالث أخاها ، وهند هذه أم معاوية الذي غصب الخلافة وقلبها دون حياء ملكيّة وراثية .

ثأر معاوية وأمه لأولئك المشركين فانتقما من حمزة بكل ما اوتيا من قوة ، فكان انتقام هند في حياة حمزة إذ جهزت من يغتاله في معركة أحد ثم لم تكتف بذلك فأخرجت كبده وحاولت أكله، ووصمت بعار لا يفارقها مهما توالت العصور إذ سميت بآكلة الأكباد،وأما معاوية فانتقم من حمزة بعد استشهاده، فحاول أن يلم رفات شهداء أحُد بما فيهم حمزة فيبعدها عن موقع الغزوة فلم تفلح مكيدته ، فجنّد مرتزقته الوضّاعين ليختلقوا أكاذيب ينسبونها الى النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في ما يجرح مقام حمزة ويخدش صورته الناصعة المطهّرة في أذهان الناس ، ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين، فها هو حمزة لا يزال اسمه خفّاقاً يستبشر به المؤمنون ويفتخر به اتباع أهل البيت(علیهم السلام).

إلا أن المكائد الأموية الخبيثة استطاعت بعض الشيء أن تبعد الأضواء عن اسم حمزة حتى ينسى الناس مجازي بني

ص: 6

امية في حروبهم ضد الإسلام، ولهذا السبب وجب على الباحثين أن يزيلوا تلك الشوائب الجاهلية عن تاريخ الإسلام ويبيّنوا بوضوح الدور العظيم الذي كان لأبطال الإسلام أمثال حمزة في الدفاع عن الدين في أصعب المواقف وأحرجها.

والكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم ألّفه علّامة بحاثة، أمعن نظره الثاقب في التأريخ الإسلامي فاستخرج من طيّاته حقائق جمّة مما نساه الغير او تناساه، ثم زادها فائدة بما أفاض عليها من التحليل العلمي العميق ، وقد لفت انتباهه خلال بحوثه العديدة ظلم المؤرخين على عمَّ الرسول سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب(علیه السلام) ، فلم يكتف بما أورده عنه في كتابه :تاريخ حرم ائمة البقيع ،اذ أفرد كتاباً خاصاً في حمزة ، وما كان من مؤسسة المعارف الإسلامية التي أخرجت ونشرت وترجمت غير واحد من كتب المؤلف القدير إلا أن تبادر إلى ترجمة هذا الأثر الطيب الى لغة القرآن، وكان لي التوفيق أن كلفتني المؤسسة المباركة مهمة الترجمة التي بين يديك، فاقرأ.

السيّد محمد رضا المهري

ص: 7

ص: 8

المقدمة

التعليم الفكري

يُعتبر حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)واحداً من أعظم رجال التاريخ الإسلامي، نذر نفسه فداءً للإسلام وضحى بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الحق عندما سارع لتلبية نداء النبي في تلك الظروف العصيبة التي كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يطلب أصحاباً أوفياء وحماة مخلصين ليقفوا معه صفاً متراصاً في معركة التوحيد ضد الشرك، اي النضال لنشر عبادة اللّه واستئصال عبادة الأصنام.

وفي اصعب مواقف معركة أحد، عندما ضعف الكثيرون من الصحابة حتى المقربين للرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فلجأوا إلى قلل الجبال أو سحيق الوديان ثبت حمزة كالجبل الراسخ يدافع عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بسيفين،يضرب بهما يميناً وشمالاً،جاعلاً من نفسه درعاً حصيناً يدفع هجمات العدو التي تطلب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بالذات،واستمر كذلك حتى وافته الشهادة

ص: 9

بأروع صورها،والمنية بأفظع أشكالها؛ليسجل بذلك اسمه في التاريخ كأحد أعظم القواد البواسل وأصلب المجاهدين الأبطال وليصبح أسوة للجهاد وأنموذجاً للتضحية،و قد قلّده الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وسام الشرف بتسميته(سيد الشهداء)فكان حقاً(اسد اللّه واسد رسوله)كما هو ملقب بذلك.

وقد أكد الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على زيارة قبره،فصارت مقبرة اُحد مزاراً يؤمه المسلمون على مر التاريخ ،ويلتزمون بزيارته كالتزامهم بزيارة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ورأى المسلمون أن من واجبهم بناء حرم وقبة على قبر حمزة كما فعلوا بقبر رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) والأئمة(علیهم السلام) وبالفعل بني حرم جليل يحتوي على اروقة مختلفة تعلوها قبة فوق القبر الشريف، ويرجع تاريخ بناء مرقده إلى القرون الأولى من الإسلام، واستمر ذلك الى ما يقارب مائة سنة قبل الآن، وذلك عندما تطاول الوهابيون على حرم حمزة كما فعلوا بسائر مراقد مكة والمدينة فأفنوه عن آخره ولم يبق منه اليوم سوى قبر بسيط تحيط به الأتربة.

ص: 10

يشهد التأريخ لحمزة مواقف جليلة في السنوات الأولى من البعثة وكذلك بعد الهجرة،جاهد خلالها في ميادين القتال دفاعاً عن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)الى أن قتل في سبيل اللّه،فكان الجميع يذكرون فضائله وجهاده حتى صار انموذجاً خالداً للتضحية والفداء،يعلو على قومه وعشيرته، ويفوق صحابة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)نُبلاً وكرامة، ولكن المؤسف هو أن الأعداء حاولوا تشويه سمعته بالتعتيم على فضائله الجمة تارةً، واختلاق الأكاذيب فيه تارةً اخرى، وذلك للنيل من درجته السامية عند الجميع.

فإذا راجعنا المجموعات الأولى من كتب الحديث لدى اهل السنة، وجدنا أن خلفاء بني امية بذلوا جهدهم في تشويه سمعة امير المؤمنين (علیه السلام)واحتقار ابي طالب وعقيل ،ثم ولأسباب خاصة حاولوا بصورة اعمق واقوى من ذلك تشويه سمعة حمزة(علیه السلام).

هكذا نواجه انساناً عظيماً قد ظلمته كتب الحديث ولم ينصفه التاريخ،حتى أنزلوه عن المستوى الكاذب الذي اختلقوه لبعض اعداء الدين ممن قادوا مسيرة الكفر والإلحاد ضد الإسلام، وأشعلوا نيران

ص: 11

الفتنة في بدر وأحُد،ولم يكتفوا في حق حمزة بذلك حتى شوَّهوا شخصيته بافتراء امور لا تليق بمقامه الشامخ ابدا،وبكل أسف فقد تسربت بعض تلك الأكاذيب الى كتبنا ايضا.

هذه النظرة الخاطئة المفتعلة ولّدت لنا مشاكل عديدة، وأوجبت علينا وظيفة محتومة.

اما الوظيفة الواجبة فهي الدفاع عن المظلوم وازالة الغبار المتراكم طوال القرون عليه ،حتى يتجلّى ذلك القمر المنير من بين غياهب الغيوم فيشاهد العالم الاسلامي انواره الساطعة.

واما المشاكل الناجمة،فهي أن تلك الدسائس أدّت الى نسيان كثير من الحقائق الاساسية في تعريف شخصية سيد الشهداء حمزة وجعلتها تدفن في طيات الحوادث التاريخية،حتى أن القليل المتبقي ايضا اصبح صعب المنال،فاذا اردنا البحث عن شيء منها لما وجدناه في المكان الطبيعي له،بل يجب أن ننظر في سائر المراجع ومختلف الفصول.

ومع كل ذلك فإن مراجعة كتب التفسير والحديث والتاريخ تمكننا من الحصول على معلومات قيمة عن اسد اللّه ورسوله،حتى يتسنى لقرائنا الأعزاء التعرف

ص: 12

على جانب من فضائله ومكارمه،كما ينفتح الباب أمام الراغبين في التحقيق والتنقيب في هذا المجال.

بعد هذه المقدمة،علينا في هذه العجالة أن ندرس خمسة مواضيع مرتبة كالتالي:

1 - حمزة (علیه السلام) في القرآن .

2- حمزة (علیه السلام)في كلام رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وأئمة الهدى(علیهم السلام).

3- حمزة(علیه السلام) في الحروب.

4- محاولة النيل من شخصية حمزة (علیه السلام).

5-حرم حمزة (علیه السلام)على مر التاريخ .

ارجو اللّه تعالى أن يوفقنا ويسدّد خطانا في هذه المهمة، ويتقبل منا هذا الجهد اليسير، وان يهب ثوابه الى روح والدّي الكريمين، بحق محمد وأوليائه(علیهم السلام) .

محمد صادق النجمي - نيسان 2004م

ص: 13

نظرة سريعة إلى حياة حمزة(علیه السلام)

جانب آخر من حياة حمزة(علیه السلام)

هو حمزة بن عبد المطلب، يلقب ب-(سيد الشهداء)،(أسد اللّه)و(أسد الرسول)،ويكنى بأبي عمارة وأبي یعلى.أمه هالة امه هالة بنت وهيب ابنة عم آمنة بنت وهب والدة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

حمزة عم رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وأخوه في الرضاع، فقد أرضعتهما مرضعةٌ واحدةٌ تُدعى ثويبة.

وبناءً على المشهور،كان حمزة (علیه السلام)أكبر من رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بسنتين،أما إسلامه؛فاشتهر بينالمؤرخين بأنه أسلم في السنة الثانية للبعثة.

يروي ابن الأثير وجمع من المؤرخين أنه لما أعلن حمزة سيد الشهداء إسلامه خشي عتاة قريش من رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لأنه نال حامياً قوياً مثل حمزة،فتخلت قريش عن كثير من مكائدها لرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بعد إسلام حمزة.

وهاجر حمزة (علیه السلام)إلى المدينة في بداية الهجرة، فكان اللّه من أوائل المهاجرين، وكان أول قائد لجيش الإسلام

ص: 14

حيث أرسله رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على رأس سرية ليرد هجمةً للمشركين في موضع يدعى (سيف البحر).

وغزا مع الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في معارك عديدة مثل بدر واُحد،فأبلى في بدر بلاء حسناً وقتل بعض زعماء قريش مثل شيبة بن ربيعة وطعيمة بن عدي وشارك مع أمير المؤمنين (علیه السلام) في قتل واحد من عظماء قريش وهو عتبة ابن ربيعة.

وشهد العدو لحمزة بالشجاعة فى الحروب كما شهد له الصديق، إذ كان يحارب في بدر واُحد بسيفين اثنين.

كان حمزة(علیه السلام)يضع ريش نعامة على قلنسوته لتميّزه عن سائر القواد والأبطال في الحّروب، ولذلك لما أسر أحد زعماء العدو في بدر أشار إلى حمزة وسأل:مَنْ هذا؟فقالوا:حمزة بن عبد المطلب، فقال مندهشاً: ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل.

ونال حمزة الشهادة في السنة الثالثة للهجرة في غزوة أحد بعد أن قتل واحداً وثلاثين رجلاً من الأعداء.

لقد وهب الباري شرف النسب المجيد مضافا الى عزة الإيمان وفخر الدفاع عن حمى الاسلام لسيد الشهداء حمزة، فهو ابن اكبر زعيم في جزيرة العرب، سيد

ص: 15

مكة وقريش عبد المطلب(1)بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، فنسب حمزة اذن هو نسب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ايضا.

فلحمزة شرف طارف من نفسه ،و شرف تليد استمدّه من آبائه واجداده الكرام .والدة حمزة هي ابنة عم آمنة والدة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فنسب حمزة من امه ايضا سام وشريف يشترك في شرافته ك في شرافته مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

شرف آخر امتاز به حمزة (علیه السلام)

يُعتبر حمزة عم رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)واخاه في الرضاع، وقد آخى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بينه وبين زيد بن حارثة.(2).

ص: 16


1- عبدالمطلب الملقب بشیبة الحمد،رجل عظیم الشأن رفیع المستوی،اتصف بأوصاف حمیدة و تمیز بفعال محودة.ارتضت به قبیلة قریش سیدا لها و تباهت و افتخرت به،و کانت له سدانة الکعبة و کسوتها،وهی من ابرز المفاخر قبل الاسلام و بعده.من کراماته العظیمة التی تفرد بها رده القوی و الصارم لأبرهة قائد الجیش الذی هاجم مکة، ونذره تقدیم احد ابنائه اضحیة فی سبیل اللّه علی غرار ما فعله ابراهیم(علیه السلام)،و کذلک کشفه لبئر زمزم من جدبد،وغیر ذلک من الکرامات العظیمة الدالة علی ارتباطه المعنوی بالعالم العلوی.
2- زید بین حارثة،واحد من اقرب اصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)و احبّهم الیه،و قد تبنّاه الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،و فی سریة مؤتة عیّنه قائدا للجیش(بعد جعفر بن ابی طالب علیه السلام) حیث استشهد فی تلک المعرکة.

لقد تميّز حمزة عن الآخرين من جوانب عديدة ،وورث الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة من تلك الشجرة الأصيلة والبيت الرفيع.

وهو من السبّاقين الى الاسلام، آمن بالرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بعد البعثة بسنة تقريبا، اذلم يتجاوز عدد المسلمين تسعة وثلاثين رجلا وثلاثاً وعشرين امرأة، ولم تكن للإسلام في تلك الايام أية فائدة مادية ودنيوية ترجى ولم يكن الاسلام ليثمر لصاحبه غير الشدة والعذاب، والصبر على سخرية المشركين منهم وتعرضهم بالأذى اليهم،إلا أن حمزة لم يكن ليفكّر في مواجهة كل هذا الإيذاء والتعذيب الا بإقامة الحق والدفاع عن الاسلام(....یَتبَغُونَ فَضلاً مِنَ اللّهِ وَ رضواناً...)(1)

حمزة (علیه السلام) قبل الاسلام

لم يكن حمزة مجرد عم لرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بل كان صديقاً حميماً وأخاً وفياً ومواسياً له، فعند ولادة

ص: 17


1- الحشر:8.

رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أحضر عبدالمطلب امرأة تدعى ثُوَيبة وأمرها أن ترضع محمداً كما ترضع حمزة، وهكذا اصبحا اخوين في الرضاع.

قضى حمزة (علیه السلام)و محمّد (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ايام طفولتهما في بيت شيبة الحمد عبد المطلب، فتر سّخت اواصر المودّة بينهما ، فلم يكن محمد (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في تلك الفترة وما بعدها صل في لينظر الى حمزة باعتباره مجرد عمّ له، يشاركه الحياة في بيت عبدالمطلب، بل كان يراه كأخ شقيق له وكأنهما ولدا من أب واحد وأم واحدة، وذلك لأن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فقد أباه قبل أن يولد، فكان مثل حمزة تحت تكفّل عبد المطلب، ومنذ ذلك اليوم عاش محمد وحمزة في دار واحدة وجلسا على مائدة واحدة وكأنهما اخوان يعيشان في أسرة واحدة، وهكذا فإن أخوتهما في الرضاع، قرابتهما الحقيقية، اتحادهما في السن ،عيشهما الى جانب بعضهما ، عطف عبد المطلب ومحبته لهما بالسوية، وغير ذلك من الأسباب أدّت الى ايجاد مودّة عميقة راسخة تكاملت يوماً بعد يوم.

في زواج النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

عندما قرر النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في الخامسة والعشرين من عمره الزواج من السيدة الكريمة خديجة بنت

ص: 18

خويلد، ذهب حمزة مع أخيه ابي طالب(1)الى دار خويلد ليخطبا ابنته في ذلك الزواج التاريخي المبارك،فخطا حمزة الخطوات الأولى لتأسيس الشجرة الطيبة الناتجة عن زواج رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بخديجة (علیها السلام).

ص: 19


1- خلافا لما ذکره ابن سعد في طبقاته و ابن الاثیر في کامل،فإن الطبري ذکر أن حمزة ذهب وحده خاطبا خدیجة لرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،إلا أن الؤرخین قد اتفقوا علی أن الذی تلا خطبة العقد هو ابوطالب،و ذکروا نص الخطبة فی کتبهم،و یتضح من ذلک أن أبا طالب قد شارک حمزة في أمر زواج رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

حمزة (علیه السلام) في القرآن

عندما نتلوا آيات من الكتاب المجيد مثل الآية التالية يتداعى إلى أذهاننا حمزة بن عبد المطلب باعتباره من أروع أمثلة أولئك المؤمنين الحقيقيين حيث يقول تعالى:﴿وَالَذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبيل الله وَالذينَ آوَواْ وَنَصَرُواً أولَئكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقّاً لَهُم مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم)(1)،فهو الذي آمن في أعصب الظروف وأصعبها، وحمى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ودفع عنه الأعداء في وقت كان المشركون قد تكالبوا جميعاً ضده،وهذا هو الهجرة والجهاد في سبيل اللّه.

وإذا تلونا هذه الآية:(ولا يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنْفَقَ من قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الذِينَ أَنفَقُوا من بَعْدُ وَقَاتَلُوا...)(2)شاهدنا حمزة(علیه السلام) في مقدمة

ص: 20


1- الأنفال:74.
2- الحدید:10.

المؤمنين قبل الفتح،فقد استمات في سبيل الحق وجاهد أعداء الإسلام بشجاعة نادرة،فكان من أوائل الشهداء،بل وسيدهم،وقد مّثل به الحاقدون وقطعوه إرباً،فأصبحت أعشاب الصحراء كفناً لجسمه المضرج.

أضف إلى تلك الآيات العامة ،آيات خاصة بحمزة سيد الشهداء(علیه السلام)حسب آراء المفسرين والمحدثين وروايات أئمة الهدى (علیهم السلام)، وقد أيّد اللّه تعالى في الآيات البينات صدق إيمان حمزة(علیه السلام)وثباته في الدفاع عن راية الإسلام ونيله الشهادة في سبيل اللّه.

ونكتفي هنا بذكر ست آيات:

1 - (هَذَان خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَذِينَ كَفَرُوا قُطَعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ من نَارِ يُصَبُّ من فَوْقَ رُؤوسِهِمْ

الحميمُ)(1)

جاء في صحيح البخاري(2)،صحيح مسلم(3)،مسند ابي داود الطيالسي(4)،سنن ابن ماجة(5) ، السنن الكبرى

ص: 21


1- الحج:19.
2- صحیح البخاری:ج4 تفسیر سورة الحج.
3- صحیح مسلم:ج8ص246.
4- مسند ابي داود الطیالسي:ص65.
5- سنن ابن ماجة:ج2 ص946،ح2835.

لمنسائي(1) ، السنن الكبرى للبيهقي(2)، المستدرك للحاكم (3)، وغيرها من كتب السنة والشيعة عن أبي ذر(رضي اللّه عنه) أن هذه الآية نزلت في الذين تبارزوا في بدر وهم ثلاثة من أعظم حماة الإسلام امير المؤمنين وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث (4)،وثلاثة من ألد أعداء الإسلام عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.

وفي تفسير فرات الكوفي يروى عن السدي أن رسول اللّه قال بعد نزول تلك الآية: هؤلاء الثلاثة يوم القيامة كواسطة القلادة فى المؤمنين وهؤلاء الثلاثة كواسطة القلادة في الكفار(5).

2-( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَنْ يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا

تبديلاً )(6)

ص: 22


1- السنن الکبری للنساني:ج5،ص50،ح8172.
2- السنن الکبری للبیهقي:ج3،ص276.
3- المستدرک للحاکم:ج2،ص386.
4- عبیدة بم الحارث بن عبدالمطلب،ابن عم رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،و من أبطال العرب و المدافعین عن الإسلام،استشهد في بدر.
5- تفسیر فرات الکوفی:ص271.
6- الأحزاب:23.

في تفسير القمي يروي ابن أبي الجارود عن الإمام الباقر (علیه السلام)ان هذه الآية نزلت في حمزة وجعفر و علي(علیه السلام) وان (من قضى نحبه )حمزة و جعفر (علیهما السلام) و ( من ينتظر ) علي بن أبي طالب (علیه السلام)(1).

يروي ابن حجر المكي أن أمير المؤمنين (علیه السلام)كان على المنبر في الكوفة، فسئل عن هذه الآية، فقال: اللهم غفراً، إنّها نزلت في وفي عمي حمزة وابن عبيدة، وقتل عبيدة في بدر، وحمزة في اُحد، أما أنا فأنتظر أشقى هذه الأمة أن يخضب لحيتي بدم رأسي، عهدُ عهده إليّ حبيبي رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

3-﴿أمْ نَجْعَلُ الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحات كَالْمُفسدينَ في الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار )(2)

یروى في تفسير فرات الكوفي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ثلاثة من المؤمنين المتقين الذين عملوا عملاً صالحاً، وهم: علي بن أبي طالب وحمزة

ص: 23


1- تفسیر القمی:ج2ص188.
2- سورة ص:28.

وعبيدة، وثلاثة من المشركين المفسدين، وهم :عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. ثم يقول ابن عباس: هاتان المجموعتان تقاتلتا في بدر، فقتل علي (علیه السلام)الوليد، وقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة (1).

4-﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادقينَ )(2)

يذكر الطبرسي(رحمة اللّه) احتمالات مختلفة في مصداق كلمة (الصادقين) المذكورة في الآية الكريمة ، ثم يقول: وقيل المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم اللّه في كتابه ،وهو قوله( رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ...)يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن ابي طالب﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنتَظر) يعني علي ابن ابي طالب (علیه السلام).(3)

5-(وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأولئكَ مَعَ الّذينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ منَ النَّبيِّينَ وَالصَّدِّيقينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالحينَ وَحَسُنَ أولئك رفيقاً )(4)

ص: 24


1- تفسیر فرات الکوفی:ص359 طبعة سنة1410 هجریة،طهران.
2- التوبة119.
3- مجمع البیان،ج8،ص145،طبعة الاعلمي،لبنان.
4- النساء:69.

روى الشيخ الطوسي(رحمة اللّه)عن انس بن مالك،قال:صلّى بنا رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلّم) في بعض الأيام صلاة الفجر،ثم أقبل علينا بوجهه الكريم،فقلت له:يا رسول اللّه أرأيت أن تفسر لنا قوله تعالى: ﴿فَأولئكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ منَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقين والشهداء وَالصَّالحينَ وَحَسُنَ أولئك رفيقاً )فقال(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي(علیه السلام) وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين(1).

6-(مَنْ كان يَرْجُوا لقاء الله فَإِنَّ أجَلَ الله لآت وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَليمُ،وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهدٌ لنَفْسه....)(2)

فرات قال:حدثنا الحسين بن سعيد معنعناً:عن ابن عباس(رضی اللّه عنه) في تفسير هذه الآية:نزلت في بني هاشم،منهم حمزة بن عبد المطلب،وعبيدة بن الحارث،وفيهم نزلت:﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لَنَفْسه إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَن الْعالَمين)(3).

ص: 25


1- بحارالأنوار،ج24،ص31.
2- العنکبوت:5و6.
3- تفسیر فرات الکوفی:ص318-319،ح430.

حمزة الله في الحديث

النبوي الشريف

ذكرنا بعض الآيات الكريمة في فضل حمزة، والآن نتطرق إلى فضائل له ذكرت على لسان سيد المرسلين (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) ومواقف أخرى جليلة له ننقلها في الصفحات التالية:

1- حمزة (علیه السلام)سيد جميع الشهداء عدا الأنبياء والأوصياء (علیه السلام)

يروي شيخ المحدثين الصدوق (رحمة الله )في حديث طويل أنه قال: كنت جالساً بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في مرضته الذي قبض فيها، فدخلت فاطمة عليها السلام فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها، فأراد النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أن يسلّيها ويهدّئ لوعتها فذكر بعض بركات اللّه وفضله على أهل البيت وعد جانباً من نعم اللّه، ثم قال :يا بنية ،إنا أهل بيت أعطانا اللّه عز وجل ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم،ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين وهو أبوك، ووصينا سيد الأوصياء وهو

ص: 26

بعلك، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك، قالت :يا رسول اللّه هو سيد الشهداء الذين قتلوا معه؟ قال: بل سيد شهداء الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء(1). نعلم من هذا الحديث ان كلا من حمزة والحسين بن علي(علیهما السلام) ، يُعتبر دوماً (سيد الشهداء) وهذا لقب كلل كليهما دائماً، مع فارق أنّ الحسين بن علي يُعتبر سيد حمزة أيضاً، أمّا حمزة فسيد سائر الشهداء ما خلا الأنبياء والأوصياء.

وعليه فإن ما يذكره بعض الكتاب من أن حمزة كان سید شهداء زمانه فقط ينافي مضمون هذا الحديث الشريف.

2- حمزة(علیه السلام)من سادة أهل الجنة

يروي الشيخ الصدوق عن أنس بن مالك أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قال: نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين ، وعلي وفاطمة والحسن والحسين والمهدي (علیه السلام)(2)

ص: 27


1- راجع تفضیل هذا الحدیث في کمال الدین:ج1،ص263-264،طبعة دار الکتب الإسلامیة.
2- أمالی الصدوق:ص563،ح15/757،المجلس الثاني و السبعون،طبعة مؤسسة البعثة،قم.

3-حمزة(علیه السلام)أحبّ أعمام رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)اليه

يروي الصدوق(زحمة اللّه)عن الإمام الصادق (علیه السلام)عن جده رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أنه قال: أحب إخواني إلي علي بن أبي طالب، وأحب أعمامي إلي حمزة (1).

4-حمزة(علیه السلام)أحب الأسماء لدى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

يروي الكليني(رحمة اللّه)عن الإمام الصادق(علیه السلام)أنه قال:جاء رجل إلى النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،فقال يا رسول اللّه وُلدَ لي غلامٌ فماذا أسميه؟قال:سمّه بأحب الأسماء إليّ،حمزة(2)

5-حمزة (علیه السلام)أحد الراكبين الأربعة يوم القيامة

يروي الصدوق (رحمة اللّه)عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أنه قال:

وما في القيامة راكبُ غيرنا ونحن أربعة،فقام إليه العباس بن عبد المطلب،فقال:من هم يا رسول اللّه؟فقال:أما أنا فعلى البراق...وعمّي حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه وأسد رسوله سيد الشهداء على ناقتي العضباء...وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة (3)

ص: 28


1- أمالی الصدوق:المجلس الثانی و الثمانون،عمدة ابن عقدة:ص281.
2- الکافی،کتاب العقیقة،باب الأسماء و الکنی.
3- الخصال:باب الأربعة:ص203-204،ح19.

6-حمزة (علیه السلام) فاعل الخيرات وواصل الأرحام

يروي ابن حجر العسقلاني: إن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وقف على حمزة حين استشهد وقد مُثِّلَ به، فجعل ينظر إليه منظراً ما كان أوجع لقلبه منه فقال: رحمك اللِه أي عم لقد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات (1).

7-حمزة(علیه السلام)، يشفع يوم القيامة

يروي امير المؤمنين (علیه السلام)عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في حديث طويل، أنه قال في حمزة: أما إنّ حمزة (عمّ محمّد) لينحي جهنم[يوم القيامة]عن محبّيه ...(2)

8- مكتوب عند العرش:حمزة (علیه السلام)اسد اللّه....

يروي كتاب بصائر الدرجات عن الإمام الباقر(علیه السلام)في رواية عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يتحدث فيها عن عدد الأنبياء وعدد أولي العزم منهم، وأنه ما من نبي مضى إلا وله وصي، ثم يشير الى خصال فيه وفي عشيرته، ويقول وعلى قائمة العرش مكتوب حمزة أسد اللّه وأسد رسوله وسيد الشهداء....(3)

ص: 29


1- الاصابة،ج1،ص354.
2- تفسیر الامام الحسن العسکري:ص436،تحقیق و نشر مدرسة الامام المهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشریف)،مطبعة مهر-قم المقدسة.
3- بصائر الدرجات:ص3؛الکافی:ج1، ص224،بحار الأنوار:ج27،ص7.

9-حمزة(علیه السلام)في دعاء رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

يروي ابن ابي الحديد (1): في الحديث المرفوع أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) لما بارز علي عمرا (في غزوة الخندق) ما زال رافعا يديه مقمحا رأسه نحو السماء داعياً ربه قائلاً : اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد فاحفظ عليَّ اليوم عليا ،(رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الوارثين ) .(2)

10-حمزة (علیه السلام) افضل الشهداء

يروي الشيخ الطوسي عن ابي ايوب الأنصاري أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قال لابنته فاطمة (علیها السلام ) : شهيدنا افضل الشهداء وهو عمك، ومنا من جعل اللّه له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمك (3).

ص: 30


1- شرح نهج البلاغة:ج19،ص61.
2- الأنبیاء:49.
3- امالي الشیخ الطوسي:ص155،ح256،دار الثقافه للطباعه و النشر،تحقیق مؤسسة البعثة،الطبعه الاولی 1414 ه-،عنه بحار الأنوار،ج22،ص273،دارالکتب الاسلامیة.

حمزة (علیه السلام)في كلام الأئمة(علیهم السلام)

حمزة (علیه السلام)في احتجاج أمير المؤمنين علي (علیه السلام)ومعاوية

نتطرق الآن إلى نقل أقوال أئمة الهدى (علیهم السلام)في هذا الصدد، فهم أيضاً مثل جدهم رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قد اعتبروا حمزة من مفاخر أهل بيت النبوة وجعلوه في عداد رسول اللّه وأمير المؤمنين والحسنين والمهدي (علیهم السلام) ، وإليك أقوالهم:

حمزة(علیه السلام)في أقوال أمير المؤمنين(علیهم السلام)

1 - روى الحميري(1)في قرب الإسناد عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه قال:«منا سبعة خلقهم اللّه (عزوجل)لم يخلق في الأرض مثلهم، منا رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين،ووصيه خير الوصيين، وسبطاه خير الأسباط حسناً وحسيناً، وسيد الشهداء حمزة عمه، ومن قد كان مع الملائكة جعفر(علیه السلام)والقائم(عجل اللّه تعالی فرجه الشریف)».(2)

ص: 31


1- الحمیری من أصحاب الإمام الحسن العسکری(علیه السلام)،و کتابه(قرب الإسناد)یعتبر من مراجع الحدیث لدی الشیعة.
2- قرب الإسناد طبعة کوشانفر:ص39.

حمزة(علیه السلام)في احتجاج امير المؤمنين

عندما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة جعل الخلافة شورى في ستة أشخاص هم : أمير المؤمنين ،عثمان بن عفان ،طلحة ،الزبير، عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وأمر أن يجتمع هؤلاء الستة بعد موته ليعيّنوا خليفة من بينهم فيبايعوه، بحيث أنه لو بايع أربعة منهم أحدهم وامتنع الخامس ضربوا عنقه، وإذا امتنع اثنان ضربوا عنقيهما، ورسم الخطة بحيث تتم البيعة لعثمان بن عفان. في ذلك الاجتماع خطب أمير المؤمنين فأتم الحجة على الحاضرين بذكر مناقب أهل البيت(علیهم السلام) إلى أن قال :نشد تكم بالله ،هل فيكم

أحدٌ عمه سيد الشهداء غيري؟ قالوا: لا ...(1).

حمزة(علیه السلام)في احتجاج امير المؤمنين في البصرة

يروي الكليني (رحمة اللّه )(2) عن اصبغ بن نباتة أنه قال: رأيت امير المؤمنين (علیه السلام) يوم افتتح البصرة (اي يوم الجمل) وركب بغلة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قال: ألا

ص: 32


1- انظر نص هذه الخطبة کاملةً في احتجاج الطبرسی:ج1ص188-210.
2- الکافی:ج1،ص450.

أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم اللّه، فقام اليه ابو ايوب الأنصاري، فقال: بلى يا امير المؤمنين حدثنا ،فإنك كنت تشهد ونغيب، فقال: إن خير الخلق يوم یجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم الا كافر ولا يجحد به الا جاحد، فقام عمار بن یاسر(رحمه اللّه) فقال: يا امير المؤمنين سمّهم لنا لنعرفهم، فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم اللّه الرسل وإن افضل الرسل محمد (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي، ألا وإن افضل الأوصياء وصي محمد عليه و آله السلام ، ألا وإن افضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإن افضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب وجعفر بن ابي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، لم یُنحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شيء كرّم اللّه به محمدا (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) و شرفّه، والسبطان الحسن والحسين والمهدى(علیهم السلام) ، يجعله الله من شاء منا اهل البيت، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ منَ النَّبِيِّينَ

ص: 33

وَالصَّدِّيقينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالحينَ وَحَسُنَ أُولئكَ رفيقاً * ذلكَ الْفَضْلُ منَ الله وَكَفى باللّه عَليما ) (1).

لقد جعل امير المؤمنين في هذا الكلام فضيلة حمزة(علیه السلام)يوم القيامة في عداد منزلة النبي وامير المؤمنين والحسنين(علیهم السلام)والمهدي(عجل اللّه تعالی فرجه الشریف) ثم تلا (علیه السلام) الآية الكريمة ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللّه...)فاعتبر حمزة (علیه السلام)من مصاديق الشهداء الذين ذكرهم القرآن الكريم.

في جواب الأمير المؤمنين (علیه السلام)على كتاب معاوية، عرّف فيه فضائل اهل بيت الرسالة(علیهم السلام) ورذائل عشيرة معاوية، وكان مما ذكره(علیه السلام) أنه اعتبر حمزة (علیه السلام)من مفاخر اسرة النبوة مثله مثل الحسنين سيدي شباب اهل الجنة(علیهما السلام) ، فقال : ( ألا تَرَى غَيْرَ مُخْبر لَكَ، وَلَكن بنعْمَة الله أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبيل الله تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلَكُلِّ فَضْلٌ، حَتَّى

ص: 34


1- النساء:69،70.

إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيّدُ الشُّهَدَاء، وَخَصَّهُ رَسُول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بسَبْعِينَ تَكْبيرةً عنْدَ صَلاته عَلَيْه.... وَأَنَّى يَكُون ذَلكَ وَمَنَّا النَّبِيُّ وَمَنْكُمُ الْمُكَذَّبُ، وَمَنَّا أسَدُ الله وَمِنْكُمْ أَسَدُ الأحْلاف، وَمَنَّا سَيِّدَا شَبَاب أهْل الْجَنَّة وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، وَمَنَّا خَيْرُ نِسَاء الْعَالَمِينَ وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَب...)(1).

حمزة (علیه السلام)في احتجاج أمير المؤمنين (علیه السلام)مع العالم اليهودي

يروي الطبرسي في كتاب الاحتجاج في حديث طويل عن موسى بن جعفر(علیه السلام)عن ابيه عن آبائه عن الحسين بن علي(علیه السلام)أن يهوديا جاء الى مجلس فيه اصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وفيهم علي بن ابي طالب (علیه السلام) فذكر دلائل على تفضيل ابراهيم(علیه السلام)وبعض الانبياء على رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وكان مما قال :فإنّ هذا ابراهيم قد اضجع ولده وتله للجبين.....

قال له علي (علیه السلام) : لقد كان كذلك، ولقد اعطي ابراهيم بعد الاضطجاع الفداء، ومحمد اصيب بأفجع

ص: 35


1- نهج البلاغه:کتاب28.

منه فجيعة، إنه وقف على عمه حمزة أسد اللّه وأسد رسوله وناصر دينه ،وقد فرّق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر الى موضعه من قلبه وقلوب اهل بيته ليرضي اللّه عزّ وجلّ بصبره ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك(1).

حمزة (علیه السلام)في احتجاج الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)

يروي الشيخ الطوسي (رحمة اللّه )عن الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر، عن الإمام السجاد(علیه السلام)أنه قال:

(... قال الحسن بن علي فيما احتج على معاوية :وكان ممّن استجاب لرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) عمه حمزة وابن عمه جعفر ،فقتلا شهيدين (رضی اللّه عنها) في قتلى كثيرة من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فجعل اللّه تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر

ص: 36


1- انظر هذا الاحتجاج بأکمله في احتجاج الطبرسی:ج1،ص506-536،انتشارات اسوة،البحار:ج17،ص374-398،دار احیاء التراث العربی، بیروت،لبنان.

جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم ،وذلك لمكانهما من رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ومنزلتهما وقرابتهما منه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وصلّى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه). .(1)

حمزة (علیه السلام) في احتجاج الحسين بن علي (علیه السلام)

جهز الحسين بن علي (علیه السلام)يوم عاشوراء صفوف عسكره، ثم ركب جواده وواجه القوم وخاطب بصوت عال جيش عمر بن سعد فخطب خطبةً طويلة أتم الّحجة فيها عليهم وكان مما قاله: (أيها الناس أنسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيّه وابن عمه وأول المؤمنين باللّه والمصدق لرسول اللّه بما جاء من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي، أوليس جعفر الطيّار عمي، أولم يبلغكم قول رسول اللّه لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة ...).(2)

ص: 37


1- امالی الشیخ الطوسی:ص563-564،بحارالأنوار:ج22،ص283.
2- ترجمة الامام الحسین (علیه السلام) و مقتله من القسم غیر المطبوع من کتاب الطبقات الکبیر لابن سعد:ص72،تحقیق السید عبدالعزیز الطباطبائي،مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث،ورویت هذه الخطبة باختلاف بسیط في تاریخ الطبری:ج4ص323،مؤسسة الاعلمی،بیروت، الإرشاد للمفید:ج2،ص97،تحقیق مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث،الطبعة الاولی،1413 ه،الکامل في التاریخ،ابن الاثیر:ج4،ص62،دار صادر للطباعة و النشر،بیروت،مثیر الاحزان،ابن نما الحلي،ص37،المطبعة الحیدریة، النجف الاشرف.المنتظم في تاریخ الامم و الملوک،ابن الجوزي:ج5،ص339،دار الکتب العلمیة،بیروت،الطبعةالأولی1412ه.

حمزة(علیه السلام) في احتجاج علي بن الحسين(علیه السلام

1- يروي الصدوق(رحمة اللّه)عن ثابت بن أبي صفية أنه قال: (نظر سيد العابدين على بن الحسين (علیه السلام) إلى عبيد اللّه بن عباس بن علي بن أبي طالب فاستعبر، ثم قال: ما من يومٍ أشد على رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من يوم اُحُد، قُتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه وأسد رسوله ،وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب ثم قال (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : ولا يوم كيوم الحسين إزدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة ،كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه ...)(1).

ص: 38


1- أمالی الصدوق:ص547،الاولی 1418ه-،تحقیق قسم الدراسات الاسلامیه-مؤسسة البعثه-قم،بحار الأنوار:ج22ص274،وج44ص298،مؤسسة الوفاء-بیروت،لبنان1403ه.

2 - حمية أجرها الجنة

يروي الكليني عن حبيب بن ثابت عن الامام السجاد (علیه السلام)أنه قال: لم يُدخل الجنة حمية غير حمية حمزة بن عبدالمطلب، وذلك حين أسلم غضبا للنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في حديث السَّلى الذي ألقي على النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).(1)

وسنذكر هذه القصة بالتفصيل فيما بعد.

تروي كتب التاريخ أن الإمام السجاد (علیه السلام)خطب في المسجد الجامع بالشام خطبة تاريخية غرّاء بعد حادثة عاشوراء عندما كان اهل بيت النبوة اسرى هناك، وحضر ذلك المشهد جمع غفير جاءوا لأداء صلاة الجمعة، وفيهم يزيد بن معاوية وحاشيته.

ونحن نكتفي بنقل الجزء الذي يهمنا في هذا البحث من تلك الخطبة العظيمة، ونرويه عن مقتل الخوارزمي (المتوفى 568 ه): صعد علي بن الحسين( علیه السلام)المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ،وقال:

أيها الناس! أعطينا ستاً وفُضّلنا بسبعٍ؛ أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضّلنا بأن منّا النبي المختارَ

ص: 39


1- الکافی:ج2،ص308.

محمّداً(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار، ومنا أسد اللّه وأسد رسوله، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول،ومنّا سبطا هذه الأمة وسيّدا شباب أهل الجنّة،...(1).

حمزة (علیه السلام)في كلام الإمام الصادق(علیه السلام)

يروي العياشي أن الحسين بن حمزة قال سمعت ابا عبد اللّه(علیه السلام)يقول : لما رأى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ما صنع بحمزة ابن عبدالمطلب قال : ( اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان على ما أرى)(2)، ثم قال: لئن ظفرت لأمثلن ولأمثلن، قال :فأنزل اللّه: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(3)،قال:فقال رسول اللّه صلوات الله عليه وآله:أصبرأصبر. (4).

حمزة(علیه السلام)في احتجاج محمد بن الحنفية

يروي الصدوق(رحمة اللّه) عن زرَّ بن حبيش، قال :سمعت محمد ابن الحنفية(رضی اللّه عنه) يقول: فينا ست خصال لم تكن في أحد ممن كان قبلنا ولا تكون في احد بعدنا،

ص: 40


1- مقتل الخوارزمي:ج2،ص69.
2- الکافی:ج2،ص547.
3- النحل:125.
4- تفسیر العیاشي:ج2،ص274،الناشر:المکتبة الاسلامیة،طهران.

منا محمد سيد المرسلين، وعليّ سيد الوصيين، وحمزة سيد الشهداء ، والحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة، وجعفر بن ابي طالب المزيّن بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، ومهديّ هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم (علیه السلام).(1).

حمزة (علیه السلام) في احتجاج الشيخ المفيد(رحمه الله)

يقول الشيخ المفيد(رحمة اللّه):كان يختلف اليّ حدث من اولاد الأنصار (اي الشيعة) يتعلم الكلام، فقال لي يوما:اجتمعت مع الطبراني شيخ الزيدية، فقال لي: انتم يا معشر الامامية حنبلية وأنتم تستهزئون بالحنبلية، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: لأن الحنبلية.... ترى زيارة القبور والاعتكاف عندها وانتم كذلك، (وذكر موارد اخرى ايضا) فلم يكن عندي جواب ارتضيه، فما الجواب؟

قال الشيخ ادام اللّه عزه: فقلت له :ارجع اليه وقل له: قد عرضت ما القيته اليّ على فلان، (فاجاب الشيخ المفيد علی جمیع اسئلة الطبراني بالتفصيل الى أن وصل الى موضوع زيارة القبور) فقال: وأما زيارة القبور... قد كان أمر(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فى حياته بزيارة قبر حمزة (علیه السلام)، وكان يلم

ص: 41


1- الخصال:ج1،ص320،في هذه الأمة ست خصال...

به وبالشهداء(1)،ولم تزل فاطمة (علیها السلام)بعد وفاته (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)تغدو الى قبره وتروح، والمسلمون يتناوبون على زيارته وملازمة قبره.

فإن كان ما تذهب اليه الامامية من زيارة مشاهد الأئمة(علیهم السلام) حنبلية وسخفا من العقل، فالاسلام مبنى على الحنبلية، ورأس الحنبلية رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وهذا قول متهافت جداً يدل على قلة دين قائله وضعف رأيه وبصيرته.(2)

والجدير بالذكر أن اعتراض الشيخ الزيدي الطبراني المعاصر للشيخ المفيد ومقارنته عقيدة الشيعة بأتباع المذهب الحنبلي في موضوع الزيارة، انما كان قبل ظهور ابن تيمية بين الحنابلة؛ حيث ادّعى أن شدّ الرحال لزيارة قبور الأنبياء ليس حراماً فحسب، بل مستوجب للشرك والارتداد عن الدين.

ص: 42


1- یلم به:اي یزوره زیارة غیر طویلة.
2- الفصول المختارة:ج1،ص84،وبحارالأنوار:ج10،ص442.

حمزة (علیه السلام) في الحروب

حمزة (علیه السلام) اول حامٍ للاسلام

كانت السنة الثانية لبعثة الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)سنة ايذاء وتعذيب له وللضعفاء من المسلمين، فكان مشركوا مكة يستهزئون بالنبي والمؤمنين بدينه ولا يرتدعون عن توجيه اية اذية لهم.

ولم يزد عدد المسلمين عن اثنين وستين شخص،منهمتسعة وثلاثون رجلا وثلاثة وعشرون امرأة.

في تلك الظروف الصعبة المؤلمة وحالة الضعف والانزواء لقلة عدد المسلمين اعلن حمزة اسلامه، ونصر النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ودافع عن الدين بقوة وايمان ،فكان اسلامه هوانا للكفار وارعابا لأعداء الدين.

وقد ذكر المؤرخون قضايا عديدة في هذا الصدد، سنروي نبذة منها:

دمة إن أبا جهل مر برسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وهو جالس عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه وعاب دينه، ومولاة لعبد

ص: 43

اللّه بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فجلس في نادي قريش عند الكعبة، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل من قنصه متوشّحاً قوسه ،وكان إذا رجع لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان يقف على أندية قريش ويسلم عليهم ويتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدهم شكيمة.

فلما مر بالمولاة وقد قام رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ورجع إلى بيته، قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام ، فإنّه سبّه وآذاه، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد.

قال :فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللّه به من كرامته ،فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالكعبة؛ معدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به، حتى دخل المسجد فرآه جالساً في القوم، فأقبل نحوه وضرب رأسه بالقوس فشجه شجة منكرة، وقال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فاردد علي إن استطعت.(1).

ص: 44


1- شرح الاخبار للقاضي النعمان المغربی:ج2،ص226،الکامل في التاریخ:ج2،ص83؛ذخائر العقبی للطبري:ص173،،تاریخ للذهبي:ج1،ص172،بحار الانوار:ج70،ص285-286.

وقام رجال بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل ،فقال أبو جهل :دعوا أبا عمارة فإني سببت ابن أخيه سبّاً قبيحاً (1).

وهكذا آمن حمزة في هذه البرهة أو أعلن اسلامه آنذاك، واستمر على دينه يدافع عنه بالغالي والنفيس الى أن لقي ربه مضرّجا بدمه، ويروي المؤرخون أن قريش رأت بعد اسلام حمزة أن النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قد قوي جانبه، لأنّ عمه حمزة يدافع عنه، فتراجعوا كثيرا عن ايذاء النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) و سبّه .

حمزة (علیه السلام)،حامي رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

لم يكتف حمزة بن عبدالمطلب بعد اسلامه بتأدية تكاليفه الشرعية كأي فرد مسلم من عامة الناس،بل جعل من نفسه مجنّا يقي رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ويحميه من كيد الكائدين، وكما لاحظنا قبل قليل ابتدأ حمزة اسلامه بالدفاع عن النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فقد ضرب ابا جهل وشجّ رأسه واحتقره في المسجد الحرام وعلى مرأى

ص: 45


1- تاریخ الطبری:ج2،ص73؛الکامل لاین الأثیر،ج2،ص56؛تاریخ الاسلام للذهبي:ج1،ص172؛البدایة و النهایة:ج3،ص45.

من قريش ومسمع، حتى سالت الدماء على وجهه ورأسه ،وذاك ردّاً على اهانة أبي جهل للرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).وسنذكر موارد اخری من دفاع حمزة عن الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في مكة ؛ حيث كان المسلمون يعيشون اصعب الظروف مع قلة العدد وكثرة العدو.

حمزة (علیه السلام)وعمر بن الخطاب

كان عمر بن الخطاب قبل اسلامه(1)من ألد أعداء النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ومن تبعه،ولم يتوان عن ايذاء المسلمين ما استطاع ، فيروى عنه أنه لما سمع باعتناق أخته وزوجها الاسلام اقتحم بيتهما وضربهما ضرباً مبرحا حتى سالت الدماء من رأس أخته (2)، فكان المسلمون يحذرونه ويتحدثون في ناديهم عن عداوته وشدتّه عليهم.

فلما لان قلبه تجاه الاسلام طلب النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فأخبروه أنه في بيت زيد بن ارقم( مقر اجتماع المسلمين)،

ص: 46


1- یذکر ابن کثیر الدمشقي في البدایة و النهایة31/3 أن القول الصحیح هو أن عمر بن الخطاب اسلم في السنة السادسة من البعثة بعد هجرة المسلمین الی الحبشة.
2- اسد الغابة:ج4،ص54.

فسار اليهم فرءاه حمزة وطلحة وغيرهم من المسلمين وهم يحرسون البيت حفاظا على رسول اللّه،فلما شاهدوا عمر تخوّفوا منه واستعدوا للدفاع،فقال حمزة ليطمئن الآخرين:هذا عمر،إن يرد اللّه به خيرا يسلم ،وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا(1).

حمزة(علیه السلام) وابولهب

كان حمزة وابولهب كلاهما من اعمام النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،فكان حمزة خير عمّ وخير صديق وخير حام للنبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،اما ابولهب فكان شرعمّ وشر جارٍ له.

يروي المؤرخون مواقف لهما تبين الفارق الشاسع بينهما،فأحد الاعمام يثب للدفاع عن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بما اوتي من قوة،وعم آخر يعاند رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ويعاديه،فذاك نور وهذا ظلام.

يقول ابن الأثير:أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب كان شديداً عليه«اي النبي»وعلى المسلمين عظيم التكذيب له(2)دائم الأذى فكان يطرح

ص: 47


1- طبقات ابن سعد،ج3ص268،ترجمة عمر،تاریخ الاسلام للذهبی:175/1.
2- یذکر ابن الأثیر ستة عشر شخصا من کبار قریش الذین کانوا یستهزئون برسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،و یعتبر ابالهب و العاص بن وائل ابي عمروبن العاص أشدهم.

العذرة والنتن على باب النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وكان جاره، فكان رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يقول : أي جوار هذا يا بني عبد المطلب ! فرآه يوماً حمزة فأخذ العذرة وطرحها على رأس أبي لهب(1).

وهكذا أذل حمزة ابالهب واحتقر غروره الزائف امام سادة قريش ،فكان ذلك ثاني موقف يدافع فيه حمزة عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وينال من قريش وزعمائها.

وبدا الفارق واضحا بين الأخوين، عمَّي رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في تلك الآونة الصعبة،فارتفع حمزة الى قمم عالية من النور،﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار)(2)،واما ابولهب فقد نزل الى الحضيض واستحق قوله تعالى:( تَبَّتْ يَدا أبي لَهَب وَتَبَّ*ما أغْنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصلي ناراً ذاتَ لَهَب).(3)

ص: 48


1- الکامل في التاریخ لابن الاثیر:ج2،ص47.
2- الفتح:29.
3- المسد:1-3.

المؤاخاة بين حمزة (علیه السلام)وزيد بن حارثة

لما هاجر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)الى المدينة خلّى سبيل ناقته حتى انتهت إلى مكان لغلامين يتيمين من بني النجار فبركت هناك، فأمر ببناء المسجد عند ذلك الموضع ، وكان حمزة قد هاجر مع بعض المسلمين الى المدينة قبل الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، فاشترك في بناء المسجد.

ثم آخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بين الصحابة، وقال: تآخوا في اللّه اخوين اخوين، وأخذ بيد علي (علیه السلام)وقال :هذا أخي، ثم نظر الى عمه وقال: وإن حمزة اسد اللّه واسد الرسول، وزيد بن حارثة (1)مولى الرسول أخوين(2).

ص: 49


1- زید بن حارثة مولی رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،عاش في مکة منذ طفولته،و کان رقیقا أعتقه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،لکن لحبه الشدید للرسول لم برض أن یترکه لیلتحق بأبیه و قبیلته،و في سریة مؤتة عیّنه النبي قائداً للجیش،وقال:فإن قتل فجعفر بن أبي طالب،واستشهد زید في هذه المعرکة التي جرت في السنة الثامنة للهجرة.انظر ترجمة زید بالتفصیل في اسد الغابة.
2- طبقات ابن سعد:ج3،ص4،الکامل لابن الأثیر:ج2،ص40،اسد الغابة:ج،ص28.

ولهذا السبب جعل حمزة (علیه السلام)زيد بن حارثة وصياً له في غزوة اُحُد ،ليعمل زيد بوصاياه اذا حدث له حادث في المعركة.

حمزة (علیه السلام) ، حامل اول لواء في الإسلام

بعد مضي ستة أشهر على الهجرة النبوية الى المدينة، جهز رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) جيشاً لأول مرة لمواجهة الكفار والمشركين في الشهر السابع من الهجرة وكان شهر رمضان ،وعيّن حمزة بن عبد المطلب حامل لوائه.

«وزعم الواقدي أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله و سلم) عقد في هذه السنة في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره الحمزة بن عبدالمطلب لواءاً أبيض في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترض لعيرات قريش وأن حمزة لقى أبا جهل في ثلاثمائة رجل، فحجز بينهم مَجْديُّ بن عمرو الجهني فافترقوا ولم يكن بينهم قتال»(1).

ويعتبر ذلك أول لواء عقده رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

ص: 50


1- طبقات ابن سعد:ج2،ص6؛تاریخ الطبری:ج2،ص120،«ذکر ما کان من الامور المذکورة في أول سنة من الهجرة»،مطبعة الاستقامة بالقاهرة،1358ه-،الکامل لابن الأثیر:ج2،ص111،البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3،ص286.

نستنتج من هذه الحادثة ما يلي:

1-سار حمزة(علیه السلام)في ثلاثين رجلاً من المسلمين لمواجهة ابي جهل ومعه ثلاثمائة رجلاً من المشركين، أي أن كل رجل مقابل عشرة ،وهي النسبة التي شجع القرآن الكريم المؤمنين الحقيقيين عليها:(يا أَيُّهَا النَّبيُّ حَرِّض الْمُؤمِنينَ عَلَى القتالِ إُن يَكُنْ مِنْكُمْ عشرُونَ صابرُونَ يَغْلَبُوا مانَتَيْن )(1) .

2- رغم ذلك لما رأى ابوجهل أسد اللّه مقبلاً نحوه ارتعد خائفاً ، ولعله تذكر اليوم الذي شج فيه حمزة رأسه، فخشي أن تتكرر هزيمته منه، ولذلك سرعان ما توارى عن مقابلته.

حمزة(علیه السلام) ، حامل ثاني لواء في الإسلام

في شهر ربيع الأول ، اي أول شهر من السنة الثانية للهجرة ، سار رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) الى العُشَيرة لمواجهة قافلة قريش المتجهة الى الشام ، وخلّف ابا سلمة في المدينة ليقيم الجماعة فيها، وعقد لواءه لحمزة بن عبدالمطلب، وانتهت هذه الغزوة دون قتال(2)،ويروي

ص: 51


1- الأنفال:65.
2- الکامل لابن الأثیر،حوادث السنة الثانیة من الهجرة.

معظم المؤرخين خطاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لامير المؤمنين (علیه السلام) بأبي تراب(1) وكان امير المؤمنين (علیه السلام)يفتخر دائماً بهذه الكنية.

حمزة (علیه السلام) ، حامل ثالث لواء في الإسلام

عاد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من بدر مظفّراً وذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة ، فأظهر يهود بني قينقاع له الحسد بما فتح اللّه عليه ، واعتبروا انتصار المسلمين في بدر خطراً يهدد مكانتهم، وبغوا ونقضوا العهد، وكان قد وادعهم الرسول حين قدم المدينة مهاجراً، وبنو قينقاع قبيلة يهودية كبيرة كانت تسكن في احدى القلاع المحيطة بالمدينة وتعمل بالتجارة في السوق.

فلما بلغ الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) حسدهم ؛ جمعهم بسوق بني قينقاع، وقال لهم: احذروا ما نزل بقريش وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، واستدل النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) على نصرة اللّه له في بدر على صدق نبوته ورسالته ،وذكّرهم بما قرأوه عن نبوّته في كتبهم او سمعوه من

ص: 52


1- ابن اسحاق،حسب روایة تاریخ الخمیس،ج1،ص364.

علمائهم،ونصحهم بترك الخصومة والعداوة تجاه المسلمين.

فقالوا:يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة،وحذروا النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من بأسهم وقوتهم، وأنهم سيغلبونه اذا واجههم في قتال.

فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه ،فبينما هم على مجاهرتهم مجاهر تهم بعداوته وكفرهم؛ إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بني قينقاع ، فأهانها رجل منهم فقام إليه رجل من المسلمين، فقتله ،فقام اليه اليهود فقتلوه، ونبذوا العهد مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وتحصنوا في حصونهم، فغزاهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وحاصرهم خمس عشرة ليلة ،فنزلوا على حكمه واتفقوا معه على أن يخرجوا من المدينة الى بعض القلاع البعيدة، وهكذا انتهت فتنة بني قينقاع .

كانت هذه الواقعة من اهم الحوادث الداخلية التي واجهت المسلمين في السنة الثانية للهجرة، فقد شعرت سائر قبائل اليهود بالخوف من مواجهة المسلمين او الدسيسة عليهم لصالح المشركين.

ص: 53

حمزة (علیه السلام) سيد الشهداء في غزوة بدر

وكان لواء رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في هذه الواقعة ايضا وللمرة الثالثة مع أشجع الناس اسد اللّه واسد رسوله حمزة سيد الشهداء (علیه السلام)(1).

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بَبَدْر وَأَنْتُمْ أَذلَة ﴾ (2).

إن هدفنا الأساس هو تكملة البحث السابق في ما يتعلق بالدور الفعال والحاسم لحمزة سيد الشهداء في الدفاع عن الإسلام وشجاعته النادرة في غزوتي بدر واُحُد، وكذلك كيفية وقوع هاتين المعركتين وخصوصا أن المشركين بعد هزيمتهم في بدر، دبّروا ليوم أحُد وجهزوا لها ما استطاعوا.

ص: 54


1- تاریخ الطبری:ج2،ص172،مرسسة الأعلمی،بیروت،جامع البیان لابن جریر الطبری:ج3،ص261،دار الفکر للطباعة و النشر،بیروت،الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص837،دار صادر للطباعة و النشر،دار بیروت،عیون الاثر،ابن سید الناس:ج1ص385،مؤسسة عز الدین للطباعة والنشر،بیروت، لبنان،تاریخ الاسلام للذهبی:ج2ص146،دار الکتاب العربی،بیروت، الطبعة الاولی،امتاع الاسماع،المقریزي:ج8ص346،منشورات محمد علي بیضون،دار الکتب العلمیة،بیروت،1420ه.
2- آل عمران:123.

ولكن،لكي نعرف مدى أهمية دور حمزة في الغزوتين ينبغي علينا القاء الضوء ولو باختصار على بعض القضايا الهامة التي جرت في يوم بدر وتأثيرها على مشركي مكة.

وقعت معركة بدر قبيل الصباح من يوم الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان وهو الشهر التاسع عشر بعد الهجرة، ففي البداية حضر ابوسفیان الى قليب بدر لكي يطلع على اخبار جيش المدينة، فأتاه مسافر وأخبره عن زحف المسلمين نحوه، فأرسل فوراً رجلا يدعى ضمضم ابن عمرو الغفاري ليخبر أهالي مكة ،فدخل مكة بعد أن شق جيبه وجرح اذن راحلته وأنفها وقلب سرجها(1) ، ثم أعلم الناس بخبر ابي سفيان .

فهب زعماء قريش واستعدوا للخروج ،ومن لم يستطع أرسل رجلاً ينوب عنه، فخرج كبار القوم

ص: 55


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج2ص440،مطبعة المدنی،القاهرة، الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2،ص117،دار صادر للطباعة و النشر،تاریخ الاسلام للذهبی:ج2،ص75،دار الکتاب العربي،البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3،ص314،دار احیاء الثرات العربي،بیروت،لبنان.

كلهم عدا ابي لهب الذي ارسل العاص بن هشام نيابة عنه.

كان عدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلا، ومعهم من الابل سبعمائة، ومن الخيل مائة او مائتين ،وكان ستمائة منهم يلبسون الدروع ،وحملوا معهم جمعا من النساء المطربات ،وكن ثملات من شرب الخمر ،وندموا اثناء الطريق من جلبهنّ معهم فأعادوهنّ الى مكة، وفي هذه السفرة التزم اثناعشر رجلاً من اثرياء قريش أن يتناوبوا في إطعام الجيش، فكانوا يذبحون في كل يوم تسعة نوق او عشرة، ومن هؤلاء الإثني عشر كان عتبة وشيبة وابو جهل.(1).

وخرج رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من المدينة يوم الاثنين التاسع من شهر رمضان، واستعمل عمرو بن أم مكتوم على الصلاة بالناس في المدينة، وأخذ معه ثلاثمائة وثلاثة عشر شخصاً معظمهم من الأنصار والباقي من

ص: 56


1- خرجت القریش علی الصعب و الذلول في تسعمانة و خمسین مقاتلاً معهم ماثتا فرس یقودونها و معهم القیان یضربن بالدفوف و یغنین بهجاء المسلمین(البدایة ئ النهایة لابن کثیر:ج3ص317،دار احیاء التراث العربی،بیروت؛السیرة الحلبیة:ج2،ص379،دار المعرفة،بیروت).

المهاجرين واتجهوا نحو آبار بدر(1)، وكان بعض اصحاب النبي خائفين يكرهون الخروج، وقد نزلت فيهم الآيات الكريمة: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً منَ الْمُؤْمِنينَ لَكارِهُونَ * يُجادِلُونَكَ في الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ )(2).

وأعطى رسول اللّه راية سوداء تدعى (العقاب) بيد امير المؤمنين(علیه السلام) ، وراية بيضاء بيد مصعب بن عمير ،وراية بيضاء أخرى بيد رجل من الأنصار.

وكان للمسلمين سبعون جملا و حصانان اثنان يركبونهما بالتناوب، اما السلاح فكان لهم ثمانية سيوف وستة دروع(3).

الاستعدادات اللازمة قبل المعركة

لما ورد المسلمون الى آبار بدر امر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فحفروا حفرة وملأوها بالماء فأصبحت حوضا، وأقاموا

ص: 57


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج2،ص186.
2- الانفال:5-6.
3- الروض الأنف،ج3،ص32؛الکامل لابن الأثیر،ج2،ص83،تاریخ الخمیس،ج1،ص370.

عريشا فوق تل مطل على الجيشين ليدير فيه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)القتال.

وفي الصباح الباكر مشى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يعدّل صفوف أصحابه يوم بدر وامير المؤمنين (علیه السلام)يرافقه، وفي يد الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)قدح يعدّل به القوم فمر بسواد بن غزية، فطعن في بطنه بالقدح، وقال استو يا سواد ، فقال : يا رسول الله أو جعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال:فأقدني، فكشف رسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)عن بطنه ، وقال: استقد، فاعتنقه ،فقبل بطنه فقال رسول اللّه : ما حملك على هذا يا سواد؟ قال يا رسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) حضر ما ترى ،فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بخير(1).

ص: 58


1- السیرة النبویة لابن هشام،ج2،ص195،اسد الغابة،ج2،ص483.یروي الشیخ الصدوق رحمه اللّه هذه القصة في الأمالي،ص376 عن ابن عباس في آخر خطبة لرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وفي تلک الروایة یذکر العصابدلا من القدح،ویقول أنها کانت عند الرجوع من القتال في الطائف.وتسمي کتب التراجم هذا الرجل سوادا او سوادة،او عمروا او ابن عزیة.

ثم امر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)المسلمين قائلا: غضوا ابصاركم ولا تبدأوهم بالقتال ولا يتكلمنّ أحد (1).

الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يخاطب المشركين

فبعث رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)إلى قریش،فقال:يا معشر قريش... خلوني والعرب،فان أك صادقا فانتم اعلى بي عينا، وان اك كاذبا كفتكم ذوبان العرب امري.(2)

وفي رواية ابن هشام أن عتبة بن ربيعة وهو من قواد المشركين أعجبه خطاب النبي لهم، فقام خطیباً، فقال: يا معشر قريش ،إنكم واللّه ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، واللّه لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم ، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون(3).

ص: 59


1- تفسیر القمی،ج1،ص262.
2- تفسیر القمی،ج1،ص263،الصحیح من سیرة النبي:ج3،ص186.
3- سیرة ابن هشام،ج2،ص193،الکامل لابن الأثیر،ج2،ص86،تفسیر القمی،ج1،ص263،تاریخ الخمیس،ج1،ص377.

إلا أن اباجهل اتهمه بالجبن وأجبره على القتال، فقال: انتفخ واللّه سحره حين رأى محمداً وأصحابه،كلا واللّه لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى أن محمداً وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه.

فلما بلغ عتبة قول أبي جهل :انتفخ واللّه سحره ،قال: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو ؟

ولذا كان عتبة اول من نزل الى المعركة مع اخيه شيبة وابنه الوليد.

العدو يبدأ الحرب بالسهام

وقبل أن ينزل عتبة الى ساحة القتال، بدأ المشركون المعركة برمي السهام فقتلوا رجلين من المسلمين وهما (مهجَع) و (حارثة بن سراقة)، ولم يأذن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بعد بالقتال ولكنه حرّض اصحابه، فقال: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر إلا أدخله اللّه الجنة.

ثم رفع النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يديه بالتضرّع الى اللّه والدعاء بالنصر منه، فقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لم تعبد بعد...

ص: 60

ثم إن رسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل قريشا بها، وقال: شاهت الوجوه (1)،ثم نفحهم بها.

هجوم العدو ودفاع حمزة(علیه السلام)

وقد خرج الأسود المخزومي، وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق، فقال: أعاهد اللّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطَنَّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض ، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض(2).

الهجوم الثانی ودفاع حمزة(علیه السلام)

فلما رأى عتبة بن ربيعة مقتل اسود المخزومي خرج بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة فاحتقرهم عتبة وقال: من أنتم؟

ص: 61


1- الروض الأنف،ج2،ص38،تاریخ ابن کثیر،ج3،ص272.
2- سیرة ابن هشام،ج2،ص194،الروض الأنف،ج2،ص38،تاریخ الخمیس،ج1،ص378.

فقالوا:رهط من الأنصار، قال: ما لنا بكم من حاجة. ثم نادى : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)یا بنی هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم

الذي بعث اللّه به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه(1).

فقام حمزة وامير المؤمنين وعبيدة بن الحارث(2)، فلما دنوا منهم لم يعرفهم عتبة لأنهم كانوا ملثمين، فقال: من أنتم؟ فعرفوا انفسهم ، فقال : نعم أكفاء كرام.

و تبارزوا، فبارز عبيدة عتبة وكان عبيدة في السبعين من عمره، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله،وأما على فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه، وقطعت رجل عبيدة ولكنه لم يترك المبارزة فكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فقضيا عليه واحتملا صاحبهما إلى

ص: 62


1- طبقات الواقدي،طبعة لندن،ج 2،ص 10.
2- عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب،ابن عم رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، عندما جيء به جريحا عند الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فتح عينيه وقال: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي، ألست شهيدا ، فاستعبر النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وقال : أنت أول شهيد من اهل بيتي.

اصحابه(1)،فلما راه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)جریحا قد قطعت رجله سالت الدموع من عینیه.

التقاء الفریقین

بعد مقتل اسود المخزومي وهؤلاء الثلاثة من قواد المشركين، ارتبكت صفوف جيش مكة وارتفع اللغط بينهم كثيراً، فهم كانوا يرون المسلمين ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، ولم يتوقعوا مقتل اربعة من رجالهم البارزين في بداية المعركة على يدي حمزة وامير المؤمنين (علیه السلام) ، وهذا عينهم على جيش الإسلام عمير بن وهب الجمحي لا يقيم للمسلمين وزنا إذ يقول: ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع(2).

كما أن اباجهل وهو من قواد جيش مكة ينظر الى جيش المسلمين باحتقار، فيقول: ما هم الا أكلة رأس لو بعثنا اليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد(3).

ص: 63


1- سیرة ابن هشام:ج2،ص195،تاریخ ابن کثیر:ج3،ص273،تاریخ الخمیس:ج1،ص378.
2- تفسیر القمي:ج1،ص262.
3- تاریخ ابن کثیر:ج3،ص269-270.

وهكذا فإن شجاعة عم النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وابن عمه بداية القتال، قلبت موازين المعركة لصالح المسلمين، وشعر العدو بعد أن فقد اربعة من ابرز رجاله أن اللقاء الفردي ليس في صالحه، فعليه أذن بالهجوم الجماعي ليستفيد من كثرة عددهم وقلة عدد المسلمين علّه يغيّر بذلك مصير القتال لصالحه فيكسب النصر المطلوب.

لم يذكر التاريخ بوضوح مدة تلك المعركة الدموية، الا أنه من الواضح أن العدو قد بذل قصارى جهده فيها، وأشرك ما تحت إمرته من المقاتلين سواء بالسيوف او بالرماح والسهام، ليعوَّض الهزيمة الأولية ويستعيد هيبته الجاهلية حتى ينال هدفه في هدم اركان التوحيد، وترسيخ الشرك وعبادة الاصنام.

ومن جهة ثانية ،نشاهد المجاهدين المسلمين مع قلة العدد والعتاد، يخوضون غمار الحرب ضد ألف

مقاتل مسلّح ،مستعينين بصلابة ايمانهم وقوة عزيمتهم، ويشجعهم تحريض قائدهم الرسول الأعظم(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وبعد مقتل سبعين رجلاً من العدو بما

ص: 64

فيهم ابوجهل وأسر سبعين آخرین رضخ جيش العدو للهزيمة وانسحب من ساحة الحرب، فهرب كل منهم الى جانب لأن الاستمرار بالقتال لم يكن ليجلب لهم غير القتل والهوان.

نتيجة وقعة بدر

يمكن أن نلخّص النتيجة الأولية لوقعة بدر والّتي أدت الى هزيمة المشركين بما يلي:

1- قتلى المشركين وأسراهم

المشهور لدى جمهور المؤرخين والمفسرين كما اشرنا أن عدد قتلى المشركين سبعين وعدد أسراهم ايضا سبعين رجلاً، الا أن الواقدي يذكر أن عدد القتلى اكثر من سبعين .(1)

2 - الغنائم

اغتنم المسلمون من العدو في بدر مائة وخمسين جملا وثلاثين خيلاً، وعدداً كبيراً من السيوف ومغانم اخرى كثيرة، وكاد البعض يتنازع على توزيع الغنائم، فنزلت آيات الأنفال وحسمت الموضوع.

ص: 65


1- طبقات الواقدي:ج2،ص11؛شرح البلاغة،ابن ابي الحدید:ج14،ص205.

شهداء غزوة بدر

عدد شهداء بدر حسب المشهور اربعة عشر رجلاً ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين، ولم يأسر

المشركون أحداً من المسلمين.

أهمية يوم بدر

لقد أبادت الحربان العالميتان والحروب الكبيرة الأخرى الملايين من البشر وجلبت دماراً شاملاً عظيماً، فإذا قارنّا هذه الحروب الطاحنة بمعركة صغيرة مثل بدر ،التي قتل فيها واُسرَ عددّ يسير جداً لما أعارها أكثر القراء أيً اهتمام ،بل اعتبروها خصاماً قبلياً بسيطاً، ولكن إذا تأملنا أهداف هذه المعركة ونتائجها لأدركنا أهميتها البالغة، وأبعاد تأثيرها العميق، الشيء الذي لم نجده في الحروب العديدة طوال تاريخ الإسلام، فقد كانت معركة مصيرية للإسلام لا جدال في ذلك فانتصار المسلمين فيها هو النصر الأبدي للإسلام، وهزيمتهم كانت لا محالة نصراً حاسماً للجاهلية وعبادة الأصنام، ولذا يذكر القرآن الكريم ذلك اليوم باعتباره(...يَوْمَ الْفُرْقَان

ص: 66

يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَان ...)(1)، أي يومُ ظهر فيه الحق والباطل، والتوحيد والشرك، يوم التقى فيه جمع مؤمن بالله بجمع كافر مشرك باللّه.

يقول تعالى في آية اُخرى يصف فيها تلك المعركة:( وإِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أني مُمدَّكُم بألف مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلَتَطْمَئِنَّ به قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا من عند اللّه إنَّ اللّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ).(2)

وكان رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يرفع يديه كراراً في هذه الغزوة فيدعو ويتضرع إلى اللّه، وأحياناً يضع جبينه على التراب ساجداً الله يطلب النصر منه، وكان مما دعا به:( اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعد....).

دور حمزة(علیه السلام) في الانتصار بيوم بدر

إن النصر الذي حققه جيش التوحيد في معركة بدر ،مثله مثل أية معركة ُخرى يُعزى إلى عوامل مختلفة، لكن أهم تلك العوامل فضل اللّه وعونه لهم إثر استغاثة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)والمسلمين ربهم واستجابته لهم

ص: 67


1- الأنفال:41.
2- الأنفال:9و10.

وامداده إياهم بألف من الملائكة مردفين حتى يستبشروا بذلك وتطمئن قلوبهم :

(وإِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أني مُمدَّكُم بألف مِّنَ الْمَلائكَة مُرْدفينَ * وَمَا جَعَلَهُ الله إِلا بُشْرَى وَلَتَطْمَئِنَّ به قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلا من عند الله إنَّ الله عَزِيزٌ حَكيمٌ ).(1)

فاستطاع كل جندي مسلم في تلك الغزوة أن يستمد البشرى والاطمئنان القلبي من اللّه تعالى بقدر ما يكن في فؤاده من الإيمان واليقين باللّه.

وعلينا الآن أن نرى أياً من المقاتلين المسلمين أشرق قلبه بالبشرى الإلهية أكثر من غيره، ومن منهم استمد من تلك الطمأنينة السماوية، فأبلى بلاء أعظم وأوقع بالمشركين هزيمة أنكر مما فعله سائر الناس.

عدد قتلى المشركين

وليتضح الأمر، يجب أن نعرف عدد قتلى المشركين في بدر ونعرف من قتلهم، حتى يعلم القارئ العزيز من كان له الفضل الأكبر في نصر المسلمين وخذلان المشركين.

ص: 68


1- الأنفال:9و10.

إلا أن التاريخ لم يذكر عدداً معيناً لقتلى بدر ولم يعرفهم فرداً فرداً، أما ما جاء في كتب التاريخ فيقتصر على تسمية القتلى من زعماء المشركين فحسب، ومن جهة أخرى لا يذكر التاريخ دور کل فرد مسلم شارك في تلك الغزوة أي لا نعلم عدد القتلى على يد كُل جنديّ مسلم، ومع كل ذلك فإن الأخبار القليلة التي ذكرت عن رحى المعركة تبين لنا بعض مخابئها ودور الأشخاص فيها إلى حد ما.

يذكر ابن أبي الحديد اثنين وخمسين قتيلاً من المشركين نقلاً عن الواقدي، ثم يضيف ما يدل على عدم العلم بعددهم بدقة، فيقول: وقد كثرت الرواية أن المقتولين ببدر كانوا سبعين، ولكن الذين عرفوا وحُفظت أسماؤهم من ذكرناه(1).

نضيف إلى كلام ابن أبي الحديد أنه يجب أن لاننسى دور الحكام في التعتيم على حقائق التاريخ خصوصاً ما يتعلق بأمير المؤمنين وحمزة (علیهما السلام)وما تم من تحريف في بطولاتهم وحسن بلائهم، لما له من أثر سلبي على حكام بني أمية.

ص: 69


1- شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحدید:ج14ص212.

بطلا يوم بدر علي أمير المؤمنين (علیه السلام)و حمزة سید الشهدا(علیه السلام)

قتل أكثر من قتل في يوم بدر من المشركين على أيدي المهاجرين خصوصاً أقرباء الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وعلى رأسهم أمير المؤمنين(علیه السلام) وحمزة سيد الشهداء (علیه السلام).

وجاء في التاريخ أن المشركين قد لقّبوا أمير المؤمنين في بدر (بالموت الأحمر) إذ قتل وحده أكثر من نصف من قتل وشارك مع غيره في قتل جمع منهم، وقد سمى الشيخ المفيد ستة وثلاثين رجلاً قتلهم أمير المؤمنين وحده.(1)

يقول المؤرخ السني الشهير ابن إسحاق: أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعليّ.(2)

إلا أن بعض المؤرخين عدّوا قتلى عليّ سبعة وعشرين(3) وقيل اثنان وعشرون.(4)

ص: 70


1- الإرشاد:ص39.
2- نقلاً عن بحار الأنوار:ج19ص291.
3- تفسیر القمي:ج1ص271،بحار الدنوار:ج19ص240.
4- نور الأبصار للشبلنجي:ص86.

عددت قتلی حمزة(علیه السلام)سید الشهداء

ذكرت كتب أهل السنة أن قتلى حمزة سيد الشهداء (علیه السلام) كانوا تسعة، منهم من قتله حمزة وحده ومنهم من شاركه أمير المؤمنين(علیه السلام) في قتله، وذكر أن سعد بن أبي وقاص ساعده في قتل واحد فقط.

والجدير بالذكر قبل بيان عدد هؤلاء القتلى وأسمائهم أن الدلائل التاريخية تشير إلى أن قتلى حمزة أكثر مما ذكر، فالخلاف في عدد القتلى بيد حمزة أو عدم ذكر جميعهم يشابه الخلاف الظاهر في قتلى أمير المؤمنين(علیه السلام)فهناك من يقول أنه قَتَل معظم من قُتِل ومن يقول أن قتلاه لم يتجاوزوا الاثنين والعشرين، وليس هذا هو المهم تاريخياً، فلو كان يذكر جميع القتلى فرداً فرداً لتغيرت آراء المؤرخين، وكيفما كان فرغم الخلاف في عدد القتلى لكل منهما إلا أن التاريخ يثبت لهما الدور الأساسي في انتصار المسلمين ببدر ،فهزيمة المشركين كانت أولاً على يد أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم حمزة ثم سائر المسلمين، ولم يشتركوا كلهم في تحقيق النصر للإسلام؛ لأن الآية الشريفة تدل بوضوح أن بعض الصحابة كانوا غير راضين عن خروج رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) من المدينة،

ص: 71

وكانوا خائفين من خوض غمار هذه المعركة (1)، ويشهد التاريخ أيضاً بأن بعض الصحابة لم يكن لهم أي دور في القتال أو كان دورهم ضئيلاً لا يذكر.

تحلیل ابن الحدید لکیفیة انتصار المسلمین

نشير الآن إلى تحليل ذكره ابن أبي الحديد لكيفية النصر في يوم بدر وعن شجاعة أمير المؤمنين وحمزة (علیهما السلام)ودورهما الفعال في تحقيق هذا النصر ،وإليك خلاصة قوله:

إنه يشرح كيفية انتصار المسلمين رغم كثرة المشركين وقوتهم وضعف المسلمين وقلة عددهم، فيقول: وإنما لقوا الأوس والخزرج وهم أشجع العرب وفيهم علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وهما أشجع البشر وجماعة من المهاجرين انجاد أبطال ورئيسهم محمد بن عبد اللّه رسول اللّه الداعي إلى الحق والعدل والتوحيد المؤيّد بالقوة الإلهية (2).

احد زعماء المشرکین یشهد بشجاعة حمزة(علیه السلام)

بعد انتهاء القتال، بدأوا بنقل الأسرى، وكان اُمية بن خلف بينهم وهو من زعماء المشركين، فلما رأى حمزة

ص: 72


1- الأنفال:5.
2- شرح نهج البلاغة:ج14ص107

قال لعبد الرحمن بن عوف: من هذا المعلَّم؟ .فقال عبد الرحمن: حمزة بن عبد المطلب، قال اُمية وهو يتحسر على هزيمة قواهم: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل(1). يقال أن حمزة كان يضع ريش نعامة على عمامته ليتميز عن الآخرين، ولذلك قال عنه اُمية أنه مُعلَّم.

واليك اسماء تسعة من قتلى المشركين الذين ارداهم حمزة، حسب المروي عند اهل السنة(2):

1 -اسود بن عبد الأسود المخزومي، 2- عتبة بن ربيعة، 3 -شيبة بن ربيعة، 4 - طعيمة بن عَديّ، 5- زمعة بن الأسود، 6 -عقيل بن الأسود، 7- ابوالقيس بن وليد بن المغيرة، 8 -نُبيه بن حجّاج، 9- حنظلة بن ابي سفيان اخي معاوية.

ص: 73


1- الروض الأنف:ج2ص41؛شرح نهج البلاغة:ج14ص49؛تاریخ الخمیس:ج1ص382.
2- الروض الأنف:ج3ص102-103.

النتائج المترتبة على غزوة بدر لدى المشركين

قرارات جديدة لقريش

لم يتوان المشركون طوال ثلاثة عشر عاماً من ايذاء النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ومن اتبعه من المسلمين الى أن حاصروهم و سجنوهم في الشعب، ثم اخرجوهم من ديارهم وحملوهم على مغادرة وطنهم والهجرة الى الحبشة اولا ثم الى المدينة، ولم يتراجعوا بعدها عن عزمهم في استئصال شجرة التوحيد الفتيةوابادةالمسلمين عن آخرهم ،واستمروا مصرّين على عدائهم للإسلام الى أن وقعت غزوة بدر، فكانت ضربة قوية اذاقتهم مرارة الهزيمة النكراء، وطأطأت من نخوتهم وجبروتهم بوقوع العديد منهم اساری اذلاء بید المسلمين، فسحقت بذلك كبرياءهم في جزيرة العرب.

هذه النتيجة المنكرة زادت من حقدهم وعدائهم تجاه المسلمين، فما أن رجعوا من بدر حتى بدأوا يعدّون العدّة لمعركة اخرى تعوّض هزيمتهم وتزيل

ص: 74

عار المذلة عن جبينهم، وفي نفس الوقت بدأوا يخططون لاغتيال النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)المعتبرين ذلك افضل طريقة توصلهم الى النصر.

مؤامرة لاغتيال رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

جلس عمير بن وهب الجمحي مع ابن عمه صفوان بن أمية في حجر اسماعيل، وذلك بعد مصاب أهل بدر من قريش، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش ،وممن كان يؤذي رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وأصحابه، ويلقون منه العناء وهو بمكة ، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر.

قال عمير:أما واللّه لولا دَين عليّ ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي ،لركبت إلى

محمد حتى أقتله، فقال صفوان: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، فقال له عمير :فاكتم شأني وشأنك، قال : أفعل.

وانطلق عمير حتى قدم المدينة ، وأذن الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أن يدخل عليه، رغم أن الصحابة كانوا خائفين من کیده فأدخل على رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وجاء بعض الصحابة، فدخلوا على رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وجلسوا عنده

ص: 75

حذراً عليه من عمير،قال:فما جاء بك يا عمير؟قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال:فما بال السيف في عنقك؟قال:قبحها اللّه من سيوف،وهل أغنت عنا شيئا؟قال:اصدقني ما الذي جئت له؟قال ما جئت إلا لذلك،قال:بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر،فذكر تما أصحاب القليب من قريش،ثم قلت:لولا دَينّ عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً،فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك،على أن تقتلني له،واللّه حائل بينك وبين ذلك،قال عمير:أشهد أنك رسول اللّه؛قد کنا یا رسول اللّه نكذّبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي،وهذا أمرلم يحضره إلا أنا وصفوان،فواللّه إني لأعلم ما أتاك به إلا اللّه،فالحمد للّه الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق،ثم شهد شهادة الحق،فقال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم):«فقّهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره»(1)،ففعلوا(2).

ص: 76


1- جاء في بحار الأنوار،ج19ص326:«فقّهوا أخاکم في دینه،وعلّموه القرآن و أطلقوا له أسیرة».
2- انظر هذه القصة بالتفصیل في سیرة ابن هشام،ج2،ص220،تاریخ الطبري:ج2،ص345؛شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید:ج14،ص153-154؛تاریخ ابن کثیر:ج3،ص313.

ورغم أن كتب التاريخ تروي هذه القصة باعتبارها قضية شخصية بين عمير وصفوان، الا أن تخطيط قريش لمعركة أخرى يدل على شدة عدائهم للمسلمين، فلا يمكن أن تمر هذه القضية ايضا دون التنسيق مع قريش، ولكن الأمر كان يقتضي السرية التامة، ولذا لم يفش الخبر بين عموم الناس.

العزم على اشعال الحرب مرة اخرى

بعد مقتل جمع من زعماء قريش وأسر آخرين، تزعّم ابوسفيان المشركين استعداداً لخوض حرب جديدة، وقد قتل فى بدر ابنه حنظلة وأسر ابنه الآخر عمرو كما قتل عتبة وشيبة والوليد و هم ابو زوجته هند وعمها واخوها، فلما رجعت قريش الى مكة قام فيهم ابوسفیان بن حرب، فقال: يا معشر قريش ،لا تبكوا على قتلاكم ،ولا تنح عليهم نائحة، ولا يندبهم شاعر، وأظهروا الجلد والعزاء ،فإنكم اذا نحتم عليهم نائحة وبكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم فأكلكم عن عداوة محمد واصحابه، مع أن محمداً واصحابه إن بلغهم ذلك شمتوا بكم فتكون اعظم المصيبتين ،

ص: 77

ولعلكم تدركون تأركم فالدهن والنساء عليّ حرام حتى اغزوا محمداً(1).

ولم يمنع ابوسفيان وزعماء قريش البكاء فحسب،بل امتنعوا من فدية اسراهم ايضا،فقد قيل لأبي سفيان:افد عمرواً ابنك؛قال:أيجمع عليّ دمي ومالي!قتلوا حنظلة،وأفدي عمروا!دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم(2).

ولم يقتصر على الرجال تحريض المشركين على القتال ،بل شاركت النساء ايضا في ذلك ومنهن هند زوجة ابي سفيان اذ مشت اليها نساء من قريش، فقلن: ألا تبكين على ابيك واخيك وعمك واهل بيتك؟ فقالت:حلاني(3)أن ابكيهم فيبلغ محمدا واصحابه فيشمتوا بنا ونساء بني الخزرج، لا واللّه حتى أثار محمدا واصحابه، والدهن عليّ حرام ان ادخل رأسي حتى نغزو محمدا، واللّه لو اعلم أن الحزن يذهب من

ص: 78


1- سیرة ابن هشام:ج2،ص211؛تاریخ ابن کثیر:ج3،ص309،الواقدي حسب ما نقله البحار،ج19،ص341.
2- سیرة ابن هشام:ج2،ص213،تاریخ الخمیس:ج1،ص389،شرح نهج البلاغة لابن ابی الحدید:ج14،ص151.
3- حلأنی:منعني،وفي الأصل:حلافي،و الصحیح ما أثبتناه.

قلبي لبكيت ولكن لا يذهبه إلا أن أرى ثاري بعيني من قتلة الأحبة(1).

وهكذا كان القرشيون يقضون ايامهم في التجهيز للثأر والاستعداد لخوض الحرب من جديد، وبعد مرور سنة خرجوا الى المدينة فكانت وقعة اُحُد.

ص: 79


1- سیرة ابن هشام:ج2،ص213،شرح نهج البلاغة:ج14،ص151،تاریخ الخمیس:ج1،ص389،بحار الأنوار:ج19،ص341.

حمزة(علیه السلام)في يوم أحد

اين يقع اُحُد ؟

وقعت معركة اُحُد الخطيرة بين المسلمين والمشركين ازاء جبل اُحُد، وهو من الجبال الهامة والشهيرة المحيطة بالمدينة، ويبعد عنها حوالي خمس كيلومترات شمال شرق البلد.

لماذا سمي الجبل باُحُد؟

ذكرت وجوه كثيرة في سبب تسمية هذا الجبل باُحُد، ولعل احسنها أنه يقع وحيداً معزولاً عن سائر الجبال المحيطة.

فضيلة اُحُد

1- ما يُذكر من الفضيلة للمدينة المنورة انما يشمل اُحُد أيضا، وقد رويت احاديث عديدة عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في فضائل المدينة، مثل: تفضيل مدينة الرسول على سائر المدن، دعاء النبي لأهل المدينة، الاستشفاء بتمرها، وكونها حرماً، وقد نهي عن صيد الحيوانات فيها وقطع اشجارها.

ص: 80

وحيث يقع اُحُد في المدينة، تشمله جميع تلك الفضائل، فقد روي عن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أنه قال:«المدينةُ حَرَمٌ ما بين عَيْر الى ثور، لا يُخْتلَى خَلاها ولا يُنفَرُ صَيدُها ولا يُلتقط لقطتها إلا لمنشد(1)،ويقع جبل ثور خلف جبل اُحُد، ويبين الحديث الحدود الشرقية والغربية للمدينة.

2- إضافة الى الفضائل العامة التي ذكرناها والتي تشمل جبل اُحُد ايضا، فقد رويت عن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) احاديث خاصة في فضائل جبل اُحُد منها ما يلي:«وهذا جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحبُّه»(2)

ذكرت معاني مختلفة لهذا الحديث ولعل افضلها أن هذه الجملة مجازية حذف المضاف منها، كما في قوله تعالى: «واسأل القرية»، فالمراد باُحُد اهلها، أي

ص: 81


1- ذکرنا هذا الحدیث بالکامل في مقالة:«صحیفة امیرالمؤمنین(علیه السلام)اقدم سند حدیثي»،وقد حصلنا علیها من مراجع الشیعة و السنة،وتم نشر المقالة في العدد الثالث من المجلة العلمیة الخاصة بعلوم الحدیث و التي تصدر کل ثلاثة اشهر.
2- صحیح البخاري:حدیث3187،2736،1411،صحیح مسلم:حدیث1392،باب«اُحُد جَبَلُ یُحبُّنا و نُحبُّه»،ابن شبّة،تاریخ المدینة:ج1،ص81.

الأشخاص الذين استشهدوا حذاءها ودفنوا الى جانبها، فهم يحبوننا ونحبهم ونعتز باستشهادهم وبذلهم نفوسهم، وعلى المسلمين أن يقتدوا برسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في المحافظة على تلك القيم المعنوية الى في يوم القيامة.

ومما يؤكد صحة هذا المعنى أن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قد قال تلك الجملة بعد معركة اُحُد، وبعد العودة من الحج، وكذلك بعد يوم خيبر(1).

زحف المشركين نحو المدينة

ذكرنا أن مشركي مكة بعد هزيمتهم في بدر، اتخذوا قرارهم تحت قيادة ابي سفيان أن يجمعوا كل قواهم ويخلّصوا أنفسهم من النبي والإسلام وكل شيء يتعلق بهما، ويُبرئوا جراحهم العميقة التي ألمّت بهم من قتل احبتهم او اسرهم يوم بدر، وبناء على هذا القرار تجهزوا في السنة الثالثة للهجرة؛ أي بعد مرور عام من وقعة بدر ، وزحفوا نحو المدينة بخمسة آلاف مقاتل وبقيادة ابي سفيان، وتصاحبهم خمسة عشر امرأة قرشية بزعامة هند زوجة أبي سفيان،

ص: 82


1- تاریخ المدینة،ابن شبّة:ج1،ص79-80.

وأخذوا معهم مائتي فرس وثلاثة آلاف إبل ،ولبس سبعمائة رجل منهم الدروع.

واطّلع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على الخبر من عمه العباس ولذلك كان النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ينتظر هذا الزحف نحوه، إلا أنه لم يخرج من المدينة حتى يتبين له موضع هجوم قريش عليهم.

وفي يوم الأربعاء الثالث عشر من شوال وصلت قوات المشركين الى جانب اُحُد، واستقروا حذاءها بين النخيل في منطقة سهلة مسطحة بقرب واد يمكنه أن يكون ملجأ لهم اذا اشتد الأمر عليهم، واستراحوا الى يوم الجمعة ليرسموا خطة الحرب.

وسار النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بعد صلاة الجمعة بألف رجل نحو اُحُد، وفي اثناء الطريق جمع عبد اللّه بن اُبَي ِزعيم المنافقين ثلاثمائة شخص من اصحابه من بين معسكر المسلمين وأعادهم الى المدينة، وهكذا وصل النبي الى أحد مع سبعمائة مقاتل منهم مائة يلبسون الدروع وخمسون رام ومعهم فَرَسان فقط، ومنع النبي عدة اشخاص من القتال لصغر سنّهم.

فلما وصل المجاهدون الى اُحُد، وضع النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)الرماة الخمسين على حافة الوادي وبقيادة عبداللّه بن

ص: 83

جبير، وأمرهم أن لا يتركوا موقعهم سواءً انتصر المسلمون او هزموا ، حتى لو رأوا اجساد المسلمين مطروحة على الأرض أو رأوا المشركين قد دحروهم الى داخل المدينة، أو أنهم طاردوا المشركين الي مكة، ففي جميع الحالات علی الرماة أن لایترکوا أماكنهم(1)، ثم امر جيشه أن لا يشرع في القتال قبل أن يصدر امره اليهم.

المرحلة الأولى من معركة اُحُد

وقعت معركة اُحُد يوم السبت الخامس عشر من شوال في مرحلتين مختلفتين، كانت الهزيمة في المرحلة الأولى لقريش، وفي المرحلة الثانية كانت هزيمة المسلمين.

ابتدأ القتال ببراز الأبطال منفردين ،فبرز تسعة من حاملي ألوية قريش وقتلوا الواحدُ تلو الآخر، مما ضعّف من معنوياتهم، فاضطروا الى الهجوم واشتد القتال بين الطرفين، وبرزت هند الى الميدان مع صاحباتها متبرجات بأنواع الزينة، يحرضن المشركين

ص: 84


1- الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2،ص105.

على الصمود والثبات فيحمن حولهم يضربن الدفوف حينا ويبكين حينا آخر، ينادين المحاربين بأسمائهم والقابهم ويذكّرنهم بقتلى بدر.

كانت هؤلاء النساء ينشدن أناشيد حماسية يكررن فيها كلمات العار، الشرف ،الحمية، الغيرة، وامثالها لتشجيع المشركين على الثبات امام المسلمين والهجوم عليهم بصلابة وشدة.

يقول الطبري: وقاتل ابودجانة حتى أمعن في الناس، وحمزة ابن عبدالمطلب وعلي بن ابي طالب في رجال من المسلمين ،فأنزل اللّه نصره وصدقهم وعده فحسّوهم بالسيوف حتى كشفوهم وكانت الهزيمة لاشك فيها(1).

فاشتد الأمر على قريش إذ لم يفلحوا في الهجوم العام، و آن اوان الهزيمة والفرار، فاضطروا أن يلجؤوا الى الوديان والجبال ناجين بأنفسهم وتاركين مقرّهم دون حام.

ص: 85


1- تاریخ الطبري:ج2،ص376.

المرحلة الثانية من المعركة واسباب هزيمة المسلمين

بعد الهزيمة النكراء التي اصابت قريش تقلبت الأمور في الميدان، فقد حمل جمع من المسلمين على واد فيه مقر العدو إذ رأوا المشركين منهزمين لا يحمونً حماهم، وأخذ هؤلاء يجمعون الغنائم، فطمع رماة المسلمين وتركوا موقعهم الذي أمرهم الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بالحراسة فيه، ولم يعتنوا بقائدهم عبداللّه بن جبير الذي نهاهم عن ترك اماكنهم ،فنزلوا الى مقر المشركين لجمع الغنائم، ولم يبق منهم الا عشرة.

واستغل قائد فرسان قریش خالد بن الوليد الفرصة ،فالتف مع اصحابه حول الجبل وقتل عبد اللّه بن جبير واصحابه القليلين، ونزل من طرف الوادي على المسلمين وهم لاهون بجمع الغنائم، فقتل منهم من قتل، وفي نفس الوقت نزلت نساء قريش من اعلى الجبل فنشرن شعورهن وشققن جيوبهن وبدأن يصرخن صرخات جنونية وهن كاشفات الصدور، واستطعن بعملهن أن يُعدن الفارّين الى الميدان، ليبدأ العدو هجومه على المسلمين من جديد ،فكان ذلك اول عامل لهزيمة المسلمين.

ص: 86

اما العامل الثاني الذي تسبب في هزيمة المسلمين، فهو انتشار خبر مقتل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،ففي اعصب حالات الحرب جُرح رسول الله وسقط في حفرة، فنادى سراقة : قتل محمد ،وانتشر الخبر بسرعة هائلة في جيش العدو من جهة، وبين المسلمين المنهزمين من جهة اخرى، فرفع معنويات المشركين بينما انهار المسلمون من وقع الخبر.

عند ذلك أقدم بعض المسلمين على الانسحاب والفرار، وكما يقول ابن عقبة أنهم تزاحموا حتى لم يعرفوا بعضهم،فأصبح المسلم يهاجم أخاه المسلم ويجرحه بدلا عن العدو (1).

يصف المؤرخون هذه اللحظات الحرجة من الحرب ،فيقول الطبري :فلما اُتىَ المسلمون من خلفهم انكشفوا وأصاب منهم المشركون وكان المسلمون لما أصابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثا، ثلث قتيل وثلث جريح وثلث منهزم (2).

ص: 87


1- وفاء الوفا للسمهودي:ج1،ص286.
2- تاریخ الطبری:ج2،ص377.

كان هذا ملخص ما جرى يوم اُحُد، اما ذكر جمیع جوانبه ومراحله بالتفصيل، فيحتاج الى كتاب كامل خاص بالموضوع، لكننا نستعرض في هذا المختصر ما ذكره المؤرخون من انقسام المسلمين عند هزيمتهم الى ثلاثة اقسام ،فنشير الى بعض الخصائص البارزة لتلك الأقسام الثلاثة، حتى ننتهي الى الهدف المنشود من بحثنا هذا وهو بيان موقف سيد الشهداء حمزة، ثم القاء الضوء على زوايا مختلفة من تلك المعركة تبرز روح الشجاعة والمقاومة والفداء لبعض صحابة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) .

ص: 88

جرحى يوم اُحُد

كان اللواء يوم أحد بيد علي (علیه السلام)

1- رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم):

اشرنا سابقا أن جمعاً من المسلمين قد جرحوا يوم اُحُد واستمروا يقاومون الأعداء والجراح تقطر دما، الى أن خارت قواهم وتم نقلهم الى الخلف او استشهدوا في موضعهم، ولكن التاريخ لم يذكر الا النفر القليل من اولئك الأبطال الأبرار الذين تحملوا آلام الجراح في سبيل الإيمان والعقيدة.

وقد تُوَّج الجرحى يوم اُحُد برسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، فكان يدير رحى الحرب بنفسه، يراقب هجمات العدو ويُرشد جنود المسلمين في الدفاع عن الحق، بل ويشاركهم فى الكر والفر فيحارب ببسالة نادرة، لقد قاتل رسول اللّه حتى نفدت سهامه وهاجمه العدو حتى اشتدت عليه الجراح، يقول ابن الأثير :وقاتل رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) باُحُد قتالا شديدا فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سيّة قوسه(1).

ص: 89


1- الکامل في التاریخ بن الأثیر:ج2،ص109،بحار الأنوار:ج20،ص144.

يذكر ابن اسحاق في شهامة رسول اللّه أنه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)سقط مع بعض اصحابه الى الأرض من شدة الجراحة، فرأى خالد ابن الوليد مع نفر من المشركين قد صعدوا الجبل، فقال: «اللهم لا ينبغي لهم أن يعلونا»، فحمل جمع من المسلمين على المشركين فأنزلوهم من الجبل وفرّقوا جمعهم(1)

وفي غمار الحرب رمى احد المشركين ويدعى عبد اللّه بن قمئة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بحجر فجرح جبهته، وكسر رباعيته وانفه وشج وجنته.

يقول ابن اسحاق: فجعل الدم يسيل على وجه رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم .

قال ابن هشام في ما لقيه الرسول يوم أحد:ان ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر(الدرع) وجنته.... وان أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فسقطت

ص: 90


1- السیرة لابن هشام:ج3،ص32.

ثنيته ثم نزع الأخرى،فسقطت ثنيته الأخرى،فكان ساقط الثنيتين(1).

ويمكن أن ندرك مدى الجراح التي المّت بالنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من الخبرين التاليين:

الف - ولما جرح رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) جعل عليّ ينقل له الماء في درقته (تُرسه) من المهراس (ماء بجبل أحد) ويغسله فلم ينقطع الدم ،فأتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت حصيراً وجعلت على الجرح مِن رماده فانقطع الدم(2).

ب -صلى النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يومئذ الظهر قاعدا من الجراح التي اصابته(3).

2. علي بن ابي طالب (علیه السلام)

كان امير المؤمنين علي بن ابي طالب(علیه السلام) أشد الناس جراحاً بعد رسول الله يوم اُحُد، فقد قاوم المشركين حتى آخر لحظة، ودافع مستميتاً عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

ص: 91


1- المصدر السابق:ج3،ص29.
2- طبقات الواقدي:ج2،ص34؛صحیح البخاري:ح3874،صحیح مسلم:ح1790؛الکامل في تاریخ لابن الأثیر:ج2،ص109؛البدایة و النهایة:ج4،ص29.
3- وفاء الوفا للسمهودي:ج1،ص294.

ومن الواضح أن دوره في تلك المعركة كان اكبر من جمیع الصحابة، وإليك بعض ما ذكره المؤرخون والمحدثون في هذا الصدد، وجلّ ذلك من مصادر اهل السنة.

كان اللواء أولاً مع علي بن أبي طالب، فلما رأى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لواء المشركين مع عبد الدار قال: نحن أحق بالوفاء منهم أخذ اللواء من علي بن أبى طالب فدفعه إلى مصعب بن عمير( لأنه من بني عبد الدار)، فلما قتل مصعب أعطى اللواء علي بن أبي طالب(1).

أمير المؤمنين (علیه السلام) يواجه أصحاب لواء الكفر

ابتدأ القتال أولاً بالمبارزة الفردية - كما أشرنا سابقا - فقتل ثمانية أو تسعة من اصحاب لواء الشرك واحد تلو الآخر، مما أثار الرعب والهوان في قلوب المشركين، وقد روى المؤرخون والمحدثون أن

ص: 92


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3،ص23؛الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2،ص108؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4،ص20.

جميع هؤلاء قتلوا بسيف امير المؤمنين(علیه السلام)، يقول ابن الأثير :«وكان الذي قتل اصحاب اللواء علي».

ولم يشر ابن الأثير الى عدد اصحاب اللواء هؤلاء، ولكن علي بن ابراهيم يعدهم في تفسيره تسعة اشخاص، فيذكر اساميهم وكيفية مقتلهم بيد امير المؤمنين بالتفصيل(1).

ثم إن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين - وكان اول من حمل اللواء واشجعهم - قام ،فقال :يا معشر اصحاب محمد انكم تزعمون أن اللّه يعجّلنا بسيوفكم الى النار ويعجّلكم بسيوفنا الى الجنة، فهل منكم احد يعجّله اللّه بسيفي الى الجنة أو يعجّلني بسيفه الى النار؟

فقام اليه علي بن ابي طالب (علیه السلام)فقال: والذي نفسي بيده لا افارقك حتى اُعجّلك بسيفي الى النار او تعجّلني بسيفك الى الجنة.

فضربه عليّ فقطع رجله،فسقط فانكشفت عورته،فقال:انشدك اللّه والرحم يا ابن عم(2) فتركه، فكبّر

ص: 93


1- تفسیر القمي:ج1،ص113.
2- قوله«ابن عم»من اجل الاسترحام.

رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وقال لعلي اصحابه، ما منعك أن تجهز عليه ،قال: إن ابن عمي انشدني حين عورته فاستحييت منه(1).

اما ابن كثير الدمشقي، فيروي هذه القصة ويشير الى تکرار هذا الموقف لأمير المؤمنين(علیه السلام)، فيقول: وقد فعل ذلك علي(رضی اللّه عنه)يوم صفين مع بسر بن أبي أرطاة لما حمل عليه ليقتله أبدى له عورته فرجع عنه، وكذلك فعل عمرو بن العاص حين حمل عليه عليّ في بعض أيام صفين أبدى عن عورته فرجع عليّ أيضا(2).

الى الأمام يا علي (علیه السلام)

لما اشتد القتال يوم اُحُد جلس رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وسلم تحت راية الانصار، وأرسل إلى علي: أن قدّم الراية. فقدم عليّ وهو يقول: «أنا أبو القُصم من يبارزني». فناداه أبو سعد بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين: هل لك يا أبا القصم في البراز من

ص: 94


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3،ص24،تاریخ الطبري:ج2،ص374،الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2،ص106.
2- البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4،ص20.

حاجة؟ قال: نعم. فبرزا بين الصفين، فاختلفا ضربتين، فضربه علي ّفصرعه(1) .

لا فتى الا علي (علیه السلام)

ومن الحوادث العصيبة والهامة التي رواها المحدثون والمؤرخون من اهل السنة والشيعة أنه لما ادبر اصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وفروا من القتال، وبعد أن قتل علي بن أبي طالب(علیه السلام) أصحاب الالوية أبصر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) جماعة من مشركي قريش، فقال العلي : احمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي، ثم أبصر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: يا علي احمل عليهم ففرّقهم فحمل عليهم ففرّق جماعتهم، وقتل من قتل وجرح من جرح، وكان علي (علیه السلام) كلما حملت طائفة على رسول اللّه استقبلهم وردّهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات، حتى انكسر سيفه فجاء إلى النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فقال: «يا رسول اللّه إن الرجل يقاتل

ص: 95


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3،ص24؛البدایة والنهلیة:ج4،ص20.

بسلاحه وقد انكسر سيفيٍ» فأعطاه سيفه ذا الفقار فما زال يدفع به عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)حتى أثر وانكسر فنزل عليه جبرئيل وقال: «يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي لك»، فقال النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : «إنه مني وأنا منه »فقال جبرئيل: وأنا منكما، وسمعوا دويّاً من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي(1).

وقد ذكر الطبري هذه الحادثة في المرحلة الأولى من معركة اُحُد، الا أن الصدوق يروي عن الإمام الصادق(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بأن هذه الحادثة وقعت في المرحلة الثانية من المعركة بعد فرار العديد من الصحابة.

اما الصدوق(رحمة اللّه) فبعد أن ذكر القصة قال :قول جبرئيل وأنا منكما ؛ تمنيُّ منه لأن يكون منهما ، فلو كان أفضل منهما لم يقل ذلك، ولم يتمن أن ينحط عن درجته إلى أن يكون ممن دونه، وإنما قال: وأنا منكما ليصير ممن هو أفضل منه، فيزداد محلاً إلى محله وفضلاً إلى فضله(2).

ص: 96


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3،ص43؛تاریخ الطبري:ج2،ص377؛الکامل في التاریخ:ج2،ص107.
2- علل الشرایع:ص7.

ويروي ابن ابي الحديد هذا الحدث التاريخي الكبير ويضيف :وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الاخبار المشهورة ،ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، ورأيت بعضها خاليا عنه، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة(رحمة اللّه) عن هذا الخبر، فقال: خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟!، قال أو كلّما كان صحيحاً تشتمل عليه كتب الصحاح، كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحة(1).

علي(علیه السلام)واكثر من سبعين جرحا

من الطبيعي أن من يخوض غمار المعارك مثل علي بن ابي طالب فيبارز الأبطال ويصارع أصحاب رايات العدو، مواجها السيل العارم من السيوف والرماح فيحصد اصحابها ويردي ابطالها، مثل هذا الرجل لابد أن تصيبه عشرات الجراح من كيد العدو، وإن كان علي اشجع الناس.

ص: 97


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید:ج14،باب9،ص251.

ذكرنا أن علياً(علیه السلام) دفع الهجمات المتوالية التي استهدفت النبي الكريم، وأنه جُرِح من جراء ذلك حتى غطّت الدماء وجهه فلم يكن يعرف من هو.

وقد سأل يوماً أحد كبار اليهود امير المؤمنين عما واجهه من صعاب و شدائد طوال عهد رسول

اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فكان مما قاله(علیه السلام) في غزوة اُحُد : ... وبقيت مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ومضى المهاجرون والانصار الى منازلهم من المدينة كل يقول: قتل النبي وقتل اصحابه، ثم ضرب اللّه عز وجل وجوه المشركين، وقد جُرحتُ بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) نيفاً وسبعين جرحة منها هذه وهذه - ثم القى رداءه وأمر يده على جراحاته.

وما بعد المعركة

لم يكن امير المؤمنين(علیه السلام) لا يكتفي بمقاومة الأعداء والاستماتة في الدفاع عن رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، بل لم يترك الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فى اية حالة، فيؤدي كل ما يراه ضروريا له او ينفّذ ما يأمره به.

يبدو هذا الأمر بوضوح في مواقف عديدة، منها أنه (علیه السلام)المثل كان مشتغلاً بالقتال إذ شاهد رسول

ص: 98

اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قد سقط بجراحه في حفيرة اعدّها العدو، فأسرع عليُّ الى الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وساعده الزبير فحملا رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وأخرجاه من الحفيرة ونقلاه الى مكان آمن.

وبعد أن وضعت الحرب اوزارها حمل بمهراسه الماء من مكان بعيد ليروي منه الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بعد شدة العناء وكثرة الجراح، ولكن الماء لم يصلح للشرب فامتنع رسول اللّه من أن يشرب.

روى أبو حازم أنه سمع سهل بن سعد، وهو يسأل عن جرح رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فقال: أما واللّه إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، ومن كان يسكب الماء، وبما دووي، قال: كانت فاطمة (علیها السلام)بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)تغسله، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن(1).

ثم بعث رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) علي بن أبي طالب ، فقال: أخرج في آثار القوم، فانظر ماذا يصنعون وما

ص: 99


1- صحیح البخاري،کتاب المغازي:ح3847،صحیح مسلم:کتاب الجهاد،باب غزوة أحد،ح1790.

يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل، وامتطوا الابل ،فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم. قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون ؛ فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة(1).

3-طلحة بن عبيد اللّه

جاء في المصادر التأريخية أن طلحة بن عبيد الله كان من اصحاب رسول اللّه الأوفياء الذين ثبتوا في اُحُد وجرحوا فيها.

ويروى عن انس بن مالك أنه لما انهزم المسلمون في اُحُد شدّ عليهم المشركون واصيب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بجراح عديدة، وتفرق عنه أصحابه، وجعل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يدعو الناس:إليّ عباد اللّه، فلم يقف أحد إلا طلحة بن عبيد اللّه وسهل بن حنيف،فحماه طلحة فرمي بسهم في يده فيبست يده(2).

ص: 100


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3،ص38.
2- تاریخ الطبري:ج2،ص381؛الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ص110؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4،ص23.

4- عبد الرحمن بن عوف

يقول ابن هشام :حدثني بعض أهل العلم: أن عبدالر عبد الرحمن بن عوف أصيب فوه يومئذ فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، إصابة بعضها في رجله فعرج(1).

المنهزمون

(إذْ تُصْعَدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد ....)

أشرنا سابقا أن الهزيمة أصابت المسلمين في المرحلة الثانية من معركة اُحُد، وانتشر بين الناس خبر عن

مقتل رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، فانقسم المسلمون الى ثلاثة اقسام :

أ- المجروحين ب- المنهزمين ج - الشهداء.

وذكرنا في ما مضى بعض المجروحين الذين سمّتهم المصادر التاريخية.

واما المنهزمون

إن انهزام جمع من المسلمين وفرارهم من ساحة القتال في اُحُد يعتبر أمراً هاماً يستلزم التوقف عنده

وسببا رئيسيا في هزيمة المسلمين في تلك المعركة،

ص: 101


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3،ص20.

فلو أنهم ثبتوا و صمدوا في الحرب كما فعل من جُرح او استشهد، ولو أنهم لم يخلوا ميدان المعركة كما فعل الرماة، إذن لكانت النتيجة غير ما كانت ولنال المسلمون النصر .

بناء على ذلك يمكن القول بأن التأثير السلبي للمنهزمين على نتيجة القتال لم يكن أقل من تأثير الرماة الذين لم يعبأوا بأوامر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ولا بتحذير قائدهم عبداللّه بن جبير.

ولذا نجد أن القرآن الكريم يلقي باللائمة عليهم عندما يذكر ما فعلوه، يقول تعالى: ﴿إِذْ تُصْعَدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أَخْراكُم ﴾(1)فيذكرهم أنهم كانوا يصعدون الجبل وينتشرون في الوادي، ومن شدة الهلع لا ينظرون الى من تخلّف عنهم ، والرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يناديهم من خلفهم: إليَّ عباد اللّه، إليَّ عباد اللّه.

ولكن رحمة اللّه الواسعة قد نزلت عليهم حتى لا ييأسوا من روح اللّه، فشملهم فضل اللّه عز وجل

ص: 102


1- آل عمران:153.

وعفوه، إذ قال تعالى:﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤمنينَ)،وعلى كل حال فإن القرآن يشير الى ما ألمَّ بالمنهزمين من خوف واضطراب شديدين، حتى أنهم لم يروا ما يجري خلفهم وما يدور حولهم يميناً او شمالاً، وما كان همُّهم آنذاك الا أن يجدوا ملجاً يلوذون به من سطوة العدو، فابتعد بعضهم حتى لحق بالمدينة، وفرّ البعض الى الشعاب والتلال المحيطة، وتفرّق آخرون بالوديان المحيطة بجبل اُحُد او احتموا بالصخور المتواجدة هناك، حتى سمّوهم بأصحاب الصخرة، وكانوا ضعيفي الايمان والعقيدة، وتبين هذا الضعف في عقيدتهم لما فشا في الناس أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسول إلى عبد اللّه بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبى سفيان(1)«وخاطب بعضهم من رافقهم من المهاجرين،فقال:يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم»(2).

ص: 103


1- تاریخ الطبري:ج2،ص382؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4،ص23.
2- نفس المصدر.

ورأى المفسرون أن الآية الشريفة: ﴿وَما مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُلُ أَفَإن ماتَ أَوْ قُتلَ

انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابكُم )(1). قد نزلت في ذم هؤلاء المنهزمين.

وفي هذا الموقف قال أنس بن النضر - مع أنه كان بين المنهزمين: يا قوم إن كان محمد قد قتل فان رب محمد لم يقتل ،فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل.

عدد المنهزمين في اُحُد

اختلف المؤرخون في عدد الفارّين من القتال يوم اُحُد:

1 - فكتب ابن واضح اليعقوبي: وانهزم المسلمون حتى بقي رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) و ما معه إلا ثلاثة نفر: علي والزبير وطلحة (2).

2-وكتب ابن كثير الدمشقي:وتفرق عنه أصحابه ودخل بعضهم المدينة وانطلق طائفة فوق الجبل إلى

ص: 104


1- آل عمران:144.
2- تاریخ الیعقوبي:ج2،ص47

الصخرة ، وجعل رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يدعو الناس: «إلى عباد اللّه، إلي عباد اللّه»، فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً(1).

3 - وروى ابن ابي الحديد عن الواقدي: وكانت العصابة التي ثبتت مع رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أربعة عشر رجلاً، سبعة من المهاجرين ،وسبعة من الانصار، أما المهاجرون فعلي (علیه السلام) وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحه بن عبيداللّه وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام، وأما الانصار فالحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت بن أبي الاقلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير(2).

وبعد نقل كلام الواقدي، يقول ابن أبي الحديد: قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا، مع اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت، فالواقدي ذكر أنه - اي عمر - لم يثبت، وأما محمد بن إسحاق والبلاذري فجعلاه مع من ثبت ولم يفر ...ولم

ص: 105


1- البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4،ص23.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید: ج15،ص20.

يختلف الرواة من أهل الحديث في أن أبا بكر لم يفر يومئذ، وأنه ثبت فيمن ثبت، وإن لم يكن نقل عنه

قتل أو قتال ،والثبوت جهاد وفيه وحده كفاية.

ويضيف ابن ابي الحديد: وأما رواة الشيعة فانهم يروون أنه لم يثبت إلا علي وطلحة والزبير وأبو دجانة وسهل بن حنيف وعاصم بن ثابت، ومنهم من روى أنه ثبت معه أربعة عشر رجلاً من المهاجرين والانصار، ولا يعدون أبا بكر وعمر منهم.

ويقول ابن ابي الحديد ايضا: روى كثير من أصحاب الحديث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،فسأله إلى أين انتهيت؟ فقال: إلى الاعرض، فقال : لقد ذهبت فيها عُريضة(1) .

نقد كلام ابن ابي الحديد

يمكننا أن نلخص كلام ابن ابي الحديد في فرار الخلفاء الثلاثة او ثباتهم في ما يلي: اما فرار عثمان فمن مسلمات التاريخ،واما فرار عمر فمحل اختلاف لدى مؤرخي اهل السنة،واما ابوبكر،فقد عدّه الشيعة من الفارّين واعتبره اهل السنة ممن ثبت ولم يفرّ.

ص: 106


1- المصدر السابق:ص20-21.

ويحتاج كلام ابن ابي الحديد الى النقد والتعريض، ولنبدأ بالترتيب الذي ذكره هو :

اما في عثمان بن عفان

فهو يروي عن جميع رواة الحديث والتاريخ هکذا:مع اتفاق الرّواة أن عثمان لَم يثبت.

وتأكيدا على كلامه نورد اقوال بعض المحدثين والمؤرخين:

1-كتب امام المحدثين البخاري في حديث طويل:حدثنا موسى بن إسماعيل:حدثنا أبو عوانة:حدثنا عثمان،هو ابن موهب،قال:جاء رجل من أهل مصر وحج البيت،فرأى قوما جلوسا،فقال:من هؤلاء القوم؟:فقالوا:هؤلاء قريش،قال:فمن الشيخ فيهم؟قالوا:عبد اللّه بن عمر،قال:يا ابن عمر،إني سائلك عن شيء فحدثني،هل تعلم أن عثمان فرّ يوم أحد؟قال:نعم.فقال:تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد ؟ قال:نعم.قال:تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟قال:نعم.قال:اللّه أكبر.قال ابن عمر تعال أبين لك،أما فراره يوم أحد،فأشهد أن اللّه عفا عنه وغفر له(1).

ص: 107


1- صحیح البخاري:باب«مناقب عثمان»ص383.

2 -كتب امام المؤرخين الطبري: وفر عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان رجلان من الانصار، حتى بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الاعوص، فأقاموا به ثلاثا ثم رجعوا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)(1).

3 و 4 - روى ابن الأثير (2)وابن كثير الدمشقي(3) ايضا مثل ذلك.

واما في عمر بن الخطاب

يكتب ابن ابي الحديد: قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا، ..... ،وأما محمد بن إسحاق والبلاذري فجعلاه مع من ثبت ولم يفر(4)،اذن فالبلاذري وابن اسحاق هما المؤرخان الوحيدان اللذان يقولان بثبات عمر ابن الخطاب، واما باقي الرواة فقد عدّوه مع الفارّين.

والغريب أن ابن ابي الحديد مع دقته وتعمقه في حوادث التاريخ واقوال الماضين، كيف غفل عن

ص: 108


1- تاریخ الطبري:ج2،ح3495.
2- الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2،ص110.
3- البدایة و النهایة لابن کثیر:ص28.
4- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید:ج15،ص20.

هذه الحقيقة الواضحة ولم ينتبه اليها فبناء على قول ابن هشام يعتبر ابن اسحاق ايضا ممن صرح بأن عمر قد فرّ من القتال.

يروي ابن هشام: قال ابن إسحاق: وحدثني القاسم بن عبدالرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار، قال: انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد اللّه، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)؛ قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل، وبه سُمّي أنس بن مالك(1).

وقد روى ذلك ابن الأثير (2)وابن كثير (3)ايضا ، ما يدل على أن الأمر ليس كما يقول ابن ابي الحديد، بل ان ابن اسحاق قد صرّح بفرار عمر، وقد ذكرنا أن

ص: 109


1- سیرة ابن هشام،طبعة دار احیاء التراث العربي،بیروت:ج3،ص88.
2- الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج1،ص383.
3- البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4،ص28.

الواقدي عندما عدّ الثابتين الأربعة عشر من المهاجرين والانصار لم يذكر فيهم عمر.

وفي التاريخ شواهد أخرى تؤكد عدم ثبات عمر في اُحُد، منها أنه جاءته فى أيام خلافته امرأة تطلب بردا من برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أيضا، فأعطى المرأة ورد ابنته ،فقيل له في ذلك، فقال: إن أبا هذه ثبت يوم أحد، وأبا هذه فر يوم أحد ولم يثبت(1).

وهكذا يتبين أن البلاذري هو الوحيد من بين المؤرخين الموثوقين لدى اهل السنة الذي يؤيد ثبات عمرفي اُحُدوذلك حسب ما يرويه ابن ابي الحديد عنه، اما سائر المؤرخين فيرونه من الفارّين، وإلا فلو كان هناك مؤرخ آخر يوافق البلاذري رأيه لذكرته مصادر التاريخ ولم يمتنع ابن ابي الحديد عن ذكره.

واما في ابي بكر

يكتب ابن ابي الحديد أنه لم يختلف الرواة من أهل السنة في أن أبا بكر لم يفر يومئذ، وأنه ثبت فيمن

ص: 110


1- شرح نهج البلاغة ابن ابي الحدید:ج15،ص32.

ثبت، وإن لم يكن نقل عنه قتل أو قتال، ويضيف بأن رواة الشيعة يروون أنه لم يثبت إلا ستة، ومنهم من روى أنه ثبت أربعة عشر رجلاً من المهاجرين والانصار، ولا يعدون أبا بكر وعمر منهم.

ويكفي لإثبات رأي الشيعة - مضافا الى الدلائل التاريخية - في أن ابا بكر كان من الفارّين، ما استنبطه ابن ابي الحديد من اقوال المؤرخين والباحثين من اهل السنة بأنه لم يكن نقل عنه قتل أو قتال، فكيف يمكن في تلك الساعة العصيبة إذ تتوالى هجمات العدو بشراسة أن يتواجد رجل في خضم المعركة وعلى مرأى العدو ومرماه ولا يتعرض لأي هجوم ،فلا يقتل أحداً ولا يُقتل، ولا يجرح يجرح أحداً ولا يُجرح ، أمن المعقول مثل هذا الكلام؟!

محاولة لرفع هذه الشبهة

ولعل وضع الرواية التالية ونقلها كان في سبيل رفع هذه الشبهة:

قال الواقدي: وطلع يومئذ عبد الرحمن بن أبي بكر – وكان بين المشركين - على فرس مدجّجاً لا منه إلا عيناه، فقال من يبارز أنا عبد الرحمن بن عتيق، فنهض إليه أبو بكر، وقال: أنا أبارزه، وجرّد سيفه

ص: 111

فقال له رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : شم سيفك، وارجع إلى مكانك، ومتعنا بنفسك(1) ، ولذا فإن ابابكر بناء على امر الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لم يضرب طوال المعركة بسيف ولم يطعن برمح!

ثلاث شبهات في هذا الحديث

لو صح هذا الحديث، فإنه يواجه ثلاث شبهات عقلية تثبت كونه موضوعاً لا أساس له من الصحة:

1-في غمرات تلك الحرب الدموية الخطرة والعدو يشدّ على المسلمين بكل ما أوتي من قوة ليقلع جذور الاسلام من اصولها، ويسقط شجرة التوحيد النامية ويبيدها، ويتساقط المسلمون حول الرسول بين شهيد وجريح حتى يتعرض رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) نفسه للخطر، كيف يُعقل أن يطلب الرسول من أحد انصاره المعدودين أن يترك السلاح ويبقى ساكناً يتأمل الحرب دون حراك، مع أن الرسول كان يشجع كل مَن حوله من الصحابة بالثبات والدفاع عن دين اللّه.

ص: 112


1- شرح بهج البلاغة لابن ابي الحدید:ج14،ص256؛الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2،ص108.

2- وضع السلاح في تلك الحالة يناقض الغرض من إبقاء الرجل على نفسه، لأنه سيتعرّض الى المخاطر المحيطة به دون سلاح يدافع به عن نفسه.

3- على فرض أن ابابكر امتثل لأمر النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بأن شم سيفك فترك القتل والقتال، ولكن لو كان حاضراً بالفعل في الميدان فمن الذي امر العدو أن شيموا سيوفكم اذا اقتربتم من ابي بكر فلا تصيبوه بأذى؟!

خلاصة الكلام: إنَّ الدلائل المذكورة في الحديث والتاريخ، وكذلك الشواهد العقلية التي ذكرناها كلها أدت الى أن تقول الشيعة بأن ابابكر ايضاً قد فرّ من ساحة المعركة مثله مثل عثمان وعمر.

حسان بن ثابت في قلعة فارع

كان حسان بن ثابت شاعر الرسول ايضا من الفارّين المشهورين في اُحُد، وقد روى المؤرخون فراره وأضافوا فيه هذه القصة كذلك:

بعد أن فرّ حسان من المعركة وتوجّه نحو المدينة، رأى في الطريق قلعةً تسمى «فارع» وعلم أن جمعاً من نساء المدينة متواجدات فيها وينتظرن ما تؤول اليه الحرب، فدخل حسان القلعة، ثم جاء يهودي حتى وقف على باب الاطم الذي فيه النساء وكان حسان

ص: 113

بن ثابت،معهن فصاح اليهودي:اليوم بطل السحر،ثم ارتقى يصعد،فقالت صفية بنت عبد المطلب:يا حسان انزل إليه،فقال:رحمك اللّه يا بنت عبد المطلب،لو كنت ممن ينازل الابطال خرجت مع رسول اللّه أقاتل،فأخذت صفية السيف،وقيل:أخذت هراوة فضربت اليهودي حتى قتلته،ثم قالت:انزل فاسلبه،فقال:لا حاجة لي في سلبه،وروي أن رسول اللّه ضرب لصفية يومئذ بسهم(1).

يقول السمهودي :وروى الطبراني هذه القصة عن صفية (رضی اللّه عنها) في غزوة أحد ... وقال السهيلي :محمل هذا الحديث عند الناس أن حسان كان جبانا شديد الجبن(2).

ص: 114


1- تاریخ الیعقوبي: ج2،ص48.
2- وفاء الوفا للسمهودي:ج1،ص302.

شهداء غزوة اُحُد واستشهاد حمزة (علیه السلام )

عدد شهداء احد

المشهور عند المؤرخين أن شهداء اُحُد كانوا سبعين شخصاً، وهناك أقوال غير مشهورة تعدّهم أكثر من ذلك أو أقل. أربعة من هؤلاء كانوا من المهاجرين وهم حمزة بن عبد المطلب، عبد الله بن جحش ،مصعب بن عمير وشماس المخزومي، والباقي كانوا جميعاً من الأنصار.

كان شهداء اُحُد وأقرباؤهم اُسوة حقيقية في الصبر والثبات في طريق الحق والإخلاص والوفاء، يستلهم منهم المسلمون في أنحاء البسيطة دروس الشهامة والبسالة، وإليك نماذج من ذلك:

1- بعد انتهاء القتال قال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) لمن حوله :مَنْ رجلٌ ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع(1) ، أفي الأحياء هو أم في الأموات، فقال اُبي بن كعب: أنا أنظر لك يا رسول اللّه ما فعل.

ص: 115


1- سعد أخو بني الحارث بن الخزرج من الأنصار.

يقول اُبي بن كعب: فأسرعت الى ساحة المعركة فنظرت فوجدته جريحاً في القتلى به رمق، فقلت له : إنَّ رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أمرني أن أنظر له أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، أبلغ رسول عني السلام وقل له، إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك اللّه خير ما جزى نبياً عن اُمته، وأبلغ عني قومي السلام ،وقل لهم: إنَّ سعد بن الربيع يقول لكم انه لا عذر لكم عند اللّه إن خُلص إلى نبيكم(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وفيكم عينُ تطرف،ُ ثم لم أبرح حتى مات، فجئت رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فأخبرته خبره، فقال: رحم اللّه سعداً نصرنا حياً وأوصى بنا ميتاً (1).

2 - ومن شهداء اُحد أيضاً:( أنس بن النَضر )، لما رأى بعض الصحابة يفرون قال: (اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء )ثم قاتل حتى قتل، وذكر أنه كان في جسمه أكثر من ثمانين

ص: 116


1- سیرة ابن هشام:ج3ص39؛تاریخ الطبري؛ج2ص388؛الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص112؛اُسد الغابة:ج2ص249،البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3ص39؛تاریخ الخمیس:ج1ص440.

جرحاً فلم يعرفه الا أخته الربيع بنت النضر التي عرفته ببنانه إذ كانت ذات جمال(1).

3- عند العودة من اُحُد ، جاءت نساء المدينة يستقبلن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وأصحابه، ومرّ رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، بإمرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول اللّه باُحد، فلما نُعوا لها قالت: فما فعل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قالوا: خيراً يا اُم فلان هو بحمد اللّه كما تحبين، قالت: أرونيه أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (2)، وهكذا صبرت على فراق أعز الناس إليها (3).

حمزة (علیه السلام) سيد الشهداء

ذكرنا أمثلة من شهداءاُحد من صحابة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) الأوفياء المخلصين، الذين بذلوا مهجهم في سبيل الإيمان والعقيدة، ودافعوا عن كلمة التوحيد

ص: 117


1- الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص109،اُسد الغابة:ج1ص154.
2- جلل:من الأضداد،تعني الکثیر و القلیل،وهنا تعني القلیل.
3- السیرة النبویة لابن هشام:ج2 ص43،تاریخ الطبري:ج2ص392.

وجاهدوا الشرك والجاهلية، فكانوا بذلك أروع مثال يقتدى به في البسالة والتضحية.

ويمكننا القول أنه لو وضع كل هؤلاء الشهداء الكرام ومعهم جميع الشهداء من الأولين والآخرين في كفة ميزان، ووضعوا سيد الشهداء حمزة في الكفة الأخرى لرجحت كفته عليهم ماخلا الأنبياء والأوصياء منهم طبعاً، لما قاله الرسول الأكرم(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فيه: (سيد شهداء الأولين والآخرین ما خلا الأنبیاء و الأوصیاء)(1).

لقد انفرد حمزة بألقاب(أفضل الشهداء)و(أسد الله وأسد رسوله)و(سيد الشهداء).

و(على قائمة العرش مكتوب :حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء)(2).

حمزة(علیه السلام)، قبيل المعركة

عند خروج رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)إلى اُحُد كان أصحابه يظهرون الولاء له بأقوال تدل على ثباتهم وصمودهم معه ويشجع بعضهم بعضاً، ومن لم يدرك منهم بدراً، فيقول:

ص: 118


1- کمال الدین:ج1ص263.
2- بصائر الدرجات:ص34،بحار الأنوار:ج27ص7.

یا رسول اللّه، نحن كنا ننتظر هذا اليوم لنعوّض ما فاتنا في بدر.

ويقول آخرون: إذا لم نقاوم المشركين اليوم، فمتى إذن نثبت وفاءنا واخلاصنا.

وهكذا مشوا الى اُحد، ولكن - كما ذكرنا - لم يثبت بعضهم على ما ادّعوه، فتركوا القتال في أصعب ساعاته، وأمام ذلك ثبت آخرون ثبات الأبطال وصدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، فمنهم من قضى نحبه شهيداً في سبيل اللّه، ومنهم من بقي ينتظر على كثرة ما ألمَّ به من جراح، ومن بين هؤلاء الشهداء الأبرار نجد سيدهم حمزة، وهو القائل في بداية المسير: يارسول اللّه، والذي أنزل عليك الكتاب لنجاد لنّهم(1).

استشهاد حمزة(علیه السلام) ورؤيا رسول الله

عندما خرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) إلى احد، قال لأصحابه: إني قد رأيت واللّه خيراً، رأيت بقراً، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ... أما البقر فهي اُناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم الذي رأيته في ذباب سيفي، فهو رجلُ من أهل بيتي يُقتل(2).

ص: 119


1- البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4ص12.
2- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص16؛الروض الانف:ج3ص139،البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3ص12.

وجاء في بعض الروايات ، رجل من عترتي بدلاً من رجلُ من أهل بيتي.

الاستشهاد صائماً

يقول الواقدي: ويقال كان حمزة يوم الجمعة صائماً ويوم السبت صائماً فلاقاهم وهو صائم(1).

كيفية استشهاد حمزة (علیه السلام)

قُتل حمزة بيد عبد شقي يدعى وحشي الحبشي، ولكن شجّعه على ارتكاب جريمته تلك شخصان، بل كان لهما الدور الأساسي في قتله وهما:

1- جبير بن مُطعم

يقول إبن أبي الحديد عن يوم اُحد: وكان حمزة بن عبد المطلب مغامراً غشمشماً لا يبصُر أمامه، قال جبير بن مطعم لعبده وحشي يوم أحد: ويلك إن علياً قتل عمّي طعيمة، فإن قتلته اليوم فأنت حر، وإن قتلت محمداً فأنت حر :وإن قتلت حمزة فأنت حر، فلا أحد يعدل عمّي إلا هؤلاء الثلاثة، فقال: أما محمد فإن أصحابه حوله ولن يسلموه ولا أراني أصل إليه، وأما

ص: 120


1- شرح نهج البلاغة لابن کثیر ابي الحدید:ج1ص243،وج14ص223،بحار الأنوار:ج20ص125.

علي: فرجل حذر مرس كثير الالتفات في الحرب لا أستطيع قتله، ولكن سأقتل لك حمزة، فإنه رجل لا يبصر أمامه في الحرب (1). ووفى جبير ابن مطعم بوعده، فاعتق وحشياً بعد عودته إلى مكة.

2- هند زوجة أبي سفيان

هي أيضاً شجعت وحشياً على قتل حمزة وكان لها دور أساسي في تلك الجريمة.

كانت هند مشهورة بجمالها وحسن حديثها(2) ، وكانت تعلم مدى ضراوة وحشي وتهوّره، واطّلعت على ما اتفق عليه وحشي مع جبير، فالتقت بوحشي وشجعته على ما هو مقدم عليه، ووعدته بجائزة كبيرة إن استطاع أن يقتل أحد الثلاثة الذين سمّاهم جبير، فأجابها وحشي بما أجاب به جبيراً وطمأنها على قتل حمزة، ولذلك كلما التقت هند بوحشي في المسير خاطبته بالجملة التالية تشجيعاً له: ويها يا أبا دسمة ،اشف واستشف(3).

ص: 121


1- الروض الأنف:ج3ص138؛شرح نهج البلاغة:ج1ص243؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3ص11،بحار الأنوار:ج2ص83.
2- مجالس المؤمنین:ج1ص178.
3- تاریخ الطبري:ج2ص368،الکامل في التاریخ لابن الاثیر:ج2ص103،البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3ص11.

ولنسمع القصة من وحشي

يروي المؤرخون أن وحشياً قال: أقبلت مع المشركين إلى اُحُد، وكنت أتربص الفرص لأنال حريتي وأحصل على وعود هند وجوائزها. وكان وحشي من أحذق الناس في رمي الحربة، وقلما أخطأ فيها. يقول: وعندما اشتد القتال دخلت المعركة ابحث عن حمزة، وكنت انتظر الفرصة المناسبة، واستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني، حتى بدا لي حمزة، وكان لا يقاتل أحداً إلا يفر من أمام حمزة أو يضربه حمزة فيصرعه، وكان لحمزة علامتان تشخّصانه، أحدهما أنه يحارب بسيفين ، والثانية ريش نعامة يضعها على عمامته.

قال وحشي: وقاتل حمزة حتى مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني، فقال له حمزة: هلمَّ إليّ يا ابن مقطّعة البظور وكانت اُمه أم نمار ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله، وكان سباع من قواد الجيش.

قال وحشي : إني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهدّ الناس بسيفيه هدّاً، ما يلقى شيئاً يمر به إلا قتله، وقتل سباع

ص: 122

بن عبد العزى، فهززت حربتي ودفعتها عليه فوقعت في ثنيته(1) حتى خرجت من بين رجليه، وأقبل نحوي فقُلبَ فوقع، فأمهلته حتى مات ،جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر(2) . وكان القتال شديداً فلم ينتبه المسلمون لقتل حمزة، وأسرع وحشي مبتعدا ليبشِّر القوم بذلك، ولم يكن له هدف غيره.

وروي عن الإمام الصادق(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أن حربة وحشي أصابت حنجرة حمزة فوقع على الأرض وحمل عليه الأعداء من كل صوب فقطعوه بسيوفهم فقتل صبراً، وشقّ وحشي صدر حمزة واخرج كبده، وأخذه إلى هند ليأخذ جائزتها، فوضعت هند الكبد في فيها وأرادت أن تقضمه وتبلعه، فتحول الكبد إلى عظم فلفظته(3).

ص: 123


1- جاء في الکتب:(فأصابت لبّته) و في غیرها(ثنیته)،والأولی بمعنی أسفل العنق و الثانیة بمعنی اسفل البطن.
2- الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص108؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4ص19.
3- إرشاد المفید:ص92.

جثة حمزة(علیه السلام) بعد الشهادة

1- هند وجنة حمزة (علیه السلام)

بعد استشهاد حمزة وقبل أن يدفن، حدثت لجثته الطاهرة عدة حوادث نتطرق لها:

الحادثة الأولى بعد استشهاد حمزة، هي التمثيل بجثته على يد هند.

يقول الطبري : وقد وقفت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)؛ يجد عن الآذان والأنوف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشياً غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة ولاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها(1).

وفي تفسير القمي : فجاءت إليه هند وقطعت مذاكيره وقطعت اُذنيه .... وقطعت يديه ورجليه(2).

ص: 124


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص36؛تاریخ الطبري:ج2ص385،الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص11.
2- تفسیر القمي:ج1ص17.

يقول الطبري: ثم علت على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

وإليك أبيات هند التي نقلها أكثر المؤرخين:

نحن جزیناکم بیوم بدر ***والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر***ولا أخي وعمّه وبكري

شَفَيت نفسي وقضيت نذري***شفيت وحشي غليل صدري

فشكر وحشيّ عليَّ عمري***حتى ترمّ أعظمي في قبري(1)

يقول ابن اسحاق ومما أنشدتها هند بعد التمثيل بحمزة أنها قالت :

شفيت من حمزة نفسي بأحد ***حتى بقرت بطنه عن الكبد

اذهب عني ذاك ما كنت أجد ***من لدغة الحزن الشديد المعتمد(2)

ص: 125


1- الروض الانف:ج3ص169،الکامل في التاریخ لابن الاثیر:ج4ص37.
2- الروض الانف:ج3ص107.

2- ابو سفيان وجثة حمزة (علیه السلام)

يقول ابن اسحاق : بعد التمثيل بحمزة ،شاهد حليس بن زبان أبا سفيان يغرز رأس حربته في خد حمزة ، ويقول: ذق یا عقق(1) أي ذق ما أنت فيه بعد ما عاقتك الأصنام. فقال حليس: يا للخزي، أتزعم أنك سيد قومك وبهذه الخشونة تعامل ابن عمك ولم يبق منه إلا قطعة لحم ؟!. فأجاب أبو سفيان: ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة(2).

3- رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وجنة حمزة (علیه السلام)

يروي بعض المؤرخين أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) كان مصاباً بجروح كثيرة مؤلمة ، ومع ذلك قام يبحث عن جثة حمزة.

يقول ابن اسحاق وخرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطُنهُ(3).

ص: 126


1- عق بضم الأول و فتح الثاني مأخوذة من عقّ و هي صیغةمبالغةّ مثل فسق.
2- السیرة النبویة لابن هشام ج3ص37؛الروض الانف:ج3ص170.
3- تاریخ الطبري:ج2ص388؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج3ص39.

وفي تفسير القمي: بعد انتهاء المعركة قال رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) لأصحابه : هل فيكم أحدّ يخبرني عن عمي حمزة؟ فقال حرث بن أمية: أنا أعلم أين سقط، وذهب إلى حيث كانت جثة حمزة (علیه السلام) فرآه على تلك الحال، ولم يستطع أن يخبر رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فتأخر عن النبي، فأمر رسول الله ، أمير المؤمنين (علیه السلام)قائلاً :يا علي اطلب عمك، فجاء علي ورأى حمزة (علیه السلام) على ما هو عليه أبت نفسه عليه أن يخبر رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بما رآی، ولذا مشى رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بنفسه عدد من الأصحاب إليه، فرأوا جثة حمزة مقطعة الأوصّال ممثّلُ بها، بكى رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وقال : لن أصاب بمثلك أبداً.

وقال أيضاً: والله ما وقفت موقفاً أغيظ عليَّ من هذا المكان(1).

ثم قال انه نزل عليه جبرئيل مبشراً : إن حمزة مكتوب في السماوات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله(2).

ص: 127


1- تفسیر القمي:ج1ص123؛الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص112،تاریخ الخمیس:ج1ص321.
2- تاریخ ابن أبي کثیر:ج4ص40.

وفي رواية اُخرى عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لما رأى رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) جثة عمه بكي، فلما رآه قد مُثِل به شهق(1). (شهق: اي بكى بصوت عال).

وروى أيضاً أنه لما رآى رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) جثة حمزة(علیه السلام) ممثلا بها ،قال :رحمك الله يا عم، فقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات(2).

الظاهر أن المقصود من قول النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وصولاً للرحم ؛أن حمزة قد أدى واجبه تجاه رحمه، أي النبي طوال حياته وحتى آخر لحظة منها، وقوله : فعولاً للخيرات ؛ أي أن حمزة لم يتوان عن أيّ عمل خير او ايثار في سبيل الدفاع عن الاسلام، وصد الكفار والمشركين.

فالقی رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) على حمزة بردة كانت عليه، فكانت اذا مدّها على رأسه بدت رجلاه،واذا مدّها على رجليه بدا رأسه،فمدها على رأسه،والقى على رجليه الحشيش.

ص: 128


1- اُسد الغابة:ج2ص54.
2- المصدر السابق.

موضوعان جديران بالذكر

روت مصادر الحديث والتاريخ حديثين عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) عند مشاهدته جثة عمه حمزة ،والحديثان بحاجة الى بحث وتمحيص، وهما في نفس الوقت محل شك وتأمّل.

الموضوع الأول:إن رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) حين رأى بحمزة ما رأى قال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى، وأنت المستعان على ما أرى، ثم قال (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : لئن ظفرت لأمثلنّ ولأمثلنّ.

وجاء في بعض الروايات أنه قال: لئن ظفرت بقريش الأمثلنّ منهم بسبعين رجلاً (1)، فنزلت الآية الكريمة: (وَإن عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَمْن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصَّابرينَ )(2).

ونقاشنا يدور حول الجملة الثانية المروية عنه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : لئن ظفرت لأمثلنّ ... ، ونزول الآية: (وَإن عاقَبْتُمْ... )

ص: 129


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص40؛تاریخ الخمیس للدیاربکري:ج1،ص441.
2- النحل:126.

أولاً: هذه الجملة تنافي عمله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) هناك، إذ كان اجساد ثمانية وعشرين رجلا من المشركين مرمية وعلى مرأى من رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، فلو اراد الرسول أن يمثّل بنفر من قريش لأمر بالتمثيل بهؤلاء.

ثانيا : لم يقبل اهل النظر والتحقيق أن تكون هذه الآية قد نزلت في رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بغزوة اُحُد، فمثلا يقول القمي (رحمة الله )وهو من قدامى المفسرين: فهذه الآية في سورة النحل وكان يجب ان تكون في هذه السورة التي فيها اخبار احد - اي سورة آل عمران التي هو بصدد تفسيرها في هذا الموضع.

اما المفسر الكبير العلامة الطباطبائي، فقد استنتج مفهوما عاما من الآية الشريفة، واعتبر الخطاب فيها للمسلمين جميعا، يقول العلامة في تفسير الآية :فقوله (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )الخطاب فيه للمسلمين - على ما يفيده السياق - ولازمه أن يكون المراد بالمعاقبة مجازاة المشركين والكفار، وبقوله( عوقبتم به )عقاب الكفار إياهم ومجازاتهم لهم بما آمنوا بالله ورفضوا آلهتهم. والمعنى: وإن أردتم مجازاة الكفار وعذابهم فجازوهم على ما فعلوا بكم بمثل ما عذبوكم به مجازاة لكم على إيمانكم

ص: 130

وجهادكم في الله. وقوله (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) أي صبرتم على مُرّ ما عوقبتم به، ولم تعاقبوا ولم تكافئوا؛ لهو خير لكم بما أنكم صابرون لما فيه من إيثار رضا الله وثوابه فيما أصابكم من المحنة والمصيبة على رضا أنفسكم بالتشفي بالانتقام، فيكون العمل خالصا لوجهه الكريم، ولما في الصفح والعفو من إعمال الفتوة ولها آثارها الجميلة(1) .

نلاحظ أن العلامة اعتبر الآية عامة لا علاقة لها بالمُثلة، وإن ارتبطت بالمثلة ايضا، فلازالت عامة باعتبار أن مخاطبيها عموم المسلمين الحاضرين في القتال لا خصوص النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وهناك شواهد من التاريخ تؤكد هذا الرأي منها ما روي في السيرة الحلبية، أن «أبا قتادة» من أصحاب رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) لما شاهد التمثيل بجثة حمزة همّ أن يمثل بجثث المشركين، فنهاه رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بنفسه عن ذلك(2).

وجاء في بعض المصادر، أنه لما رأى الصحابة الحزن الشديد على رسول الله لما أصاب عمه حمزة، قالوا: لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر نمثلنّ بهم مُثلة لم

ص: 131


1- المیزان:ج12،ص402.
2- شرح نهج البلاغة:ج15،ص17.

يمثلها أحد من العرب(1). هذا الخبر ايضا يؤيد عمومية الآية الشريفة وبأنها ردُّ على هذا النوع من التفكير القومى والعصبية القبلية.

الموضوع الثاني: يروى أنّ رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لما رأى جثة عمه ممثلا بها قال: لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع و حواصل الطير، وفي رواية اخرى: لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع(2) .

هذا الكلام من رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ايضا محل شك يلزم التأمل فيه ومناقشته لأنه:

أولا: إن ترك جثة الشهيد على الرمال الساخنة، وتحت أشعة الشمس الحارقة، وفي متناول السباع والطيور الجارحة، أمرُ لا يتفق مع حكمة الرسول وتدبّره، فلا يُعَدُّ هذا العمل انتقاما من العدو ولا انتصارا للشهيد الجليل، بل إن تعاليم الاسلام وسنة الرسول انما تدلّ على أن تكريم الميت واحترام

ص: 132


1- سنن ابي داود:ج2،ص174؛تاریخ الطبري،ج2،ص389؛تاریخ الخمیس:ج1،ص441.
2- سنن ابي داود:ج2،ص174؛اسد الغابة:ج2،ص53.

جثمان الشهيد يقتضيان الدفن، فلو تُركت جثة حمزة(علیه السلام)لاعتُبر ذلك اهانة له.

ثانيا: إن الأخلاق السامية التي اتصف بها رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)جعلته يوم بدر لا يترك اجساد المشركين مرمية في الصحراء فأمر بها فألقيت في قليب وستر عليها بالتراب، فكيف يمكن أن يترك جثمان حمزة سيد الشهداء مرميا على رمال الصحراء الحامية لتنهش منه الوحوش الضارية؟!

الموضوعان المذكوران آنفاً قد وردا في المصادر غير الشيعية، ونكتفي بما أوردناه من النقد عليهما.

4 - صفية وجثة حمزة (علیه السلام)

يقول ابن إسحاق: جاءت صفية اُخت حمزة إلى اُحد لترى جثة أخيها، فعلم رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بذلك فأمر الزبير : ألقها فأرجعها لا ترى ما بأخيها، فأسرع الزبير للقاء اُمه صفية، وقال: يا اُماه، يأمرك رسول الله أن ترجعي، فقالت: لمَ أرجع؟ وقد سمعت أنه قد مُثِّل بأخي، فاُريد أن ألقى جثته المقطّعة، واعلم أنه يهون علي ذلك أنه في سبيل الله، وأنا راضية برضاه وأرجو منه ثواب الصبر.

ص: 133

فأخبر الزبير رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بجواب صفية، فقال: خلِّ سبيلها، فلما رأت صفية أخاها، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ودعت ربها واستغفرت له (1).

يروي ابن أبي الحديد عن الواقدي، أنه لما أتت صفية إلى اُحد منعها الأنصار أن تأتي إلى رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فقال: دعوها، فجلست عنده وبكت، فجعلت إذا بكت يبكي رسول الله، وإذا نشجت ينشج رسول الله وفاطمة عندهما تبكي أيضاً والرسول يبكي معها، ثم قال: لن اُصاب بمثل حمزة أبداً، ثم بشرّ صفية وفاطمة(علیها السلام) أن جبرئيل الله نزل عليه وأخبره: إن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله(2).

ص: 134


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص41؛الروض الانف للسهیلي:ج3ص172؛اُسد الغابة:ج7ص172،الکامل لابن الأثیر:ج2ص112.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید:ج15ص17.

5-شدة بكاء رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)عند الصلاة على حمزة(علیه السلام)

جاء في ذخائر العقبى أن رسول الله، لمّا وقف إلى جثة حمزة ليصلي عليه بكى بصوت عال، ثم تأوه وخاطب الجثمان قائلاً: يا حمزة يا عم رسول اللّه وأسد الله وأسد رسوله، يا حمزة يا فاعل الخيرات ،يا حمزة يا كاشف الكربات، يا حمزة يا ذابّ عن وجه رسول الله. ثم بكى طويلاً وأقام الصلاة(1).

6- سبعون صلاة على جثمان حمزة (علیه السلام )

روى أكثر المؤرخين والمحدثين عن عبد الله بن عباس ، أن رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كان يصلي على كل شهيد أو ميت من موتى المسلمين مرة واحدة ،لكنه صلى على عمه حمزة سبعين أو اثنتين وسبعين مرة، إذ البس جثمان عمه أول الأمر قماشاً أبيض وصلى عليه بسبعة تكبيرات، وبعده كلما أتوا بشهيد وضعه إلى جنب حمزة وصلى عليهما، وهكذا صلى على حمزة اثنتين وسبعين مرة (2).

ص: 135


1- ذخائر العقبي:ص181.
2- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص30؛سنن ابي داود:ج2ص174؛الروض الأنف:ج3ص17.

7- دفن حمزة(علیه السلام)بالكفن

لا شك أن أجساد الشهداء الذين قتلوا في ساحة المعركة لا حاجة إلى غسلهم أو تكفينهم، بل يدفنون بأجسامهم وملابسهم الملطخة بالدماء، وهكذا صنع رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) في شهداء اُحد أيضاً.

روي في كتب الحديث ومنها سنن أبي داود: أن رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بعد معركة اُحد أمر برفع الأسلحة عن أجساد الشهداء ،ودفنهم بملابسهم المضرجة بالدم(1).

يروي الكليني (رحمة اللّه) عن الإمام الصادق(علیه السلام) : إن رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) صلّى على حمزة وكفّنه؛ لأنه كان جرَّد (2).

كيفية دفن حمزة(علیه السلام )

عند دفن الشهداء، نقلوا أجساد بعض الشهداء إلى المدينة ليدفنوا فيها، فلما سمع رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ذلك

ص: 136


1- سنن ابي داود:ج3ص274.
2- فروع الکافي:ج1ص58.

منع ذلك، وقال :ادفنوهم حيث صرعوا، فوصل الخبر إلى المدينة، وكان شماس المخزومي لم يدفن بعد فأعادوه إلى اُحد ودفنوه هناك(1).

وكان رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) كلما رأى شهيداً ذكر شيئاً عن سموّ درجة الشهيد يوم القيامة، ومنها قوله:

أنا شهيدٌ على هؤلاء أنه ما من جريح يجرح في اللّه إلا و اللّه يبعثه يوم القيامة وجرحه يدمي، اللون لون دم، والريح ريح مسك.

وقال أيضاً: أنظروا أكثر هؤلاء جمعاً للقرآن ،فاجعلوه امام أصحابه في القبر(2).

دفن حمزة(علیه السلام) منفرداً في قبر واحد

جاء في كتب الحديث أن الأنصار أتوا رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بعد معركة اُحد، فقالوا: يا رسول اللّه أجسامنا مجروحة ومنهكة، ويصعب علينا حفر القبور لكل منهم على حده، فقال: احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين في القبر الواحد. فسألوا: أيهم يقدّم؟

ص: 137


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص42،سنن ابي داود:ج2ص180.
2- فروع الکافي:ج1ص58.

قال: أكثر هم قرآناً.وهكذا كانوا يدفنون رجلين أو ثلاثاً في قبر واحد(1).

ومن ذلك أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أمر فدفنوا خارجة بن زيد مع سعد بن ربيع ونعمان بن مالك مع عبده في قبر واحد، وكذلك عمرو بن جموح مع عبد اللّه بن عمرو بن حزام وكانا صديقين حميمين(2).

أما حمزة، فقد دفن وحده في قبر واحد، واشترك في دفنه عدة أشخاص منهم أمير المؤمنين (علیه السلام) وأبو بكر وعمر والزبير حيث نزلوا داخل القبر ورسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)جالسُ عند القبر حزيناً وهو يشرف على دفنه (3).

إقامة مجلس العزاء

بعد دفن الشهداء دخل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) مع أصحابه المدينة، فاستقبله الأرامل والأيتام، وقد أشرنا إلى بعض الحوادث، التي جرت عند عودتهم، ولكن لعل

ص: 138


1- سنن ابي داود:ج2ص174؛النهایة في غریب الحدیث لابن الأثیر:ج2ص113؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4ص42.
2- طبقات الواقدي:ج2ص31.
3- الکامل في التاریخ لابن الأثیر:ج2ص113.

أروع تلك الحوادث وأهم تلك المواقف التي حدثت في المدينة هو إقامة مجلس العزاء لحمزة سيد الشهداء.

يروي ابن هشام عن ابن اسحاق أن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) مرّ عند بيوت قبيلتي بني عبد الأشهل وبني ظفر، فسمع نحيب النساء يبكين شهداءهن، فبكى رسول اللّه وجرت دموعه، وقال: لكن حمزة لا بواكي له، فلما بلغ سعد بن معاذ واُسيد بن حضُير ما قاله الرسول؛ أمرا نساءهم أن يتحزِّمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) (1).

يقول ابن اسحاق :عندما سمع رسول اللّه نياح النساء عند المسجد قام من مقامه ودخل عليهن، وقال: ارجعن يرحمكن اللّه فقد آسيتنّ بأنفسكن.

كما يروي الواقدي (المتوفى 207 هجرية)الحديث السابق ثم يقول عن رسوم نساء المدينة: فهنّ إلى

ص: 139


1- السیرة النبویة لابن هشام:ج3ص42و43؛تاریخ الطبري:ج3ص392؛البدایة و النهایة لابن کثیر:ج4ص47؛تاریخ الخمیس:ج1ص444.

اليوم إذا مات الميت من الأنصار بدأ النساء، فبكين على حمزة، ثم بكين على ميتهن(1).

ص: 140


1- الطبقات للواقدي:ج2ص31.

ما سبب حزن رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)؟

ما ذكر في رثاء حمزة (علیه السلام)

علمنا مما سبق أن رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) حزن حزناً شديداً لاستشهاد عمه وبكى بصوت عال عندما رأى جثمانه، وقال: لن أصاب بمثلك أبداً، ثم بكى ثانية مع عمته صفية وابنته فاطمة، وكان يحب أن يبكينه النساء فيشکر هن على بكائهن ويدعو لهن، وعند إقامة الصلاة عليه بكى بكاءً طويلاً مشوباً بالنياح.

ولا شك أن كل هذا الحزن الشديد من رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) لم يكن إلا لما أبداه حمزة من بسالة واستماتة في سبيل إعلاء كلمة الحق؛ كما قال فيه رسول الله: كنت فعولاً للخيرات.

إن حزن رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في الحقيقة حزن على افتقاد مجاهد مخلص و مدافع شجاع عن الإسلام، لأن الرسول لا يحزن لمجرد عواطف شخصية نابعة عن قرابته بالميست، ولا يحث أحداً على البكاء بهذه الدوافع ، فحبه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لله وبغضه أيضاً الله.

إذن فحزن رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على حمزة يعود إلى ارتباط حمزة بالله، وإنما يحزن رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) عليه لما ألَم بالإسلام من خسارة إثر افتقاده، وإلا فكما أن حمزة عمه، فإن أبا لهب أيضاً عمه،

ص: 141

ولكن لم يعاد أحدٌ رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كما عاداه أبو لهب ولم يؤذيه أحد مثلما آذاه ،وفي المقابل يكرهه رسول اللّه قدر كراهة أبي لهب له ،وامام ذلك نجد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) یحب الفارسي (رضی اللّه عنها) حتى أنه نهى أن يقال له سلمان الفارسي، بل يجب أن يقال سلمان المحمدي، واكثر من ذلك أنه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قال فيه: سلمان منا أهل البيت.

يقول الشاعر:

كانت مودة سلمان له رحما***ولم يكن بين نوح وابنه رحم(1)

وما يؤكد على الدور الرئيس لحمزة في إعلاء كلمة الحق ومحو الشرك والإلحاد ما فعلته هند وفعله أبو سفیان بجثته الطاهرة ،وإهانة أبي سفيان لقبره الشريف أيام خلافة عثمان، ومحاولة معاوية محو أثر قبره بعد مرور أربعين سنة من معركة اُحد(2).

لقد قيل في رثاء حمزة الكثير من الشعر والنثر، منها ما ذكرناه في رثاء رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وأنشد صحابة

ص: 142


1- روضة الواعظین:ج2،ص287.
2- سنشیر إلی هذین الأمرین في الفصول القادمة من الکتاب.

الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) والمحبّون قصائد في رثائه، وروت كتب التاريخ والتراجم بعض تلك المراثي، واليك هذه الأبيات على سبيل المثال، وهي من قصيدة ذات ثلاثة عشر بيتا للصحابي كعب بن مالك (1).

بكت عيني وحقَّ لها بكاها***وما يغني البكاء ولا العويل

على أسد الإله غداة قالوا***لحمزة ذاكم الرَجل القتيل

أصيب المسلمون به جميعاً ***هناك وقد أصيب به الرسول

ابا يعلى لك الأركان هدّت ***وأنت الماجد البرّ الوصول

عليك سلام ربك في جنان ***يخالطها نعيمُ لا يزول

ألا يا هاشم الأخيار صبرا ***فكلّ فعالكم حسنُ جميل

لو لم یستشهد حمزة(علیه السلام)

لقد كان حمزة من الأهمية بمكان، فهو من أشرف اقرباء النبي، وعشيرته، وله مكانته البارزة العظيمة في

ص: 143


1- أسند بعض علماء التراجم هذه الأبیات الی الصحابي عبدالله بن رواحة،أنظر:أسد الغابة،ترجمة حمزة.

الدفاع عن حمى الاسلام والقرآن،ولذلك يطرح بعض المتكلمين هذا التساؤل:بأنه لو لم يستشهد حمزة وبقي حيّاً حتى وفاة النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وشاهد اختلاف المسلمين في الخلافة، فماذا كان موقفه تجاه ما حدث؟ هل كان يحمي امير المؤمنين(علیه السلام) ، أم يتخذ جانب الحياد ويصمت، أو يؤيد الوضع الراهن ويدافع عن الحكومة؟

لدينا احاديث عديدة في هذا الصدد تروي أنه لو كان حمزة وجعفر على قيد الحياة عند وفاة النبي، لدافعا عن الامامة، واعلنا الولاية لأمير المؤمنين وبذلا كل جهدهما في هذا المجال.

نروي على سبيل المثال رواية في الكافي عن سدير الصيرفي ،قال: كُنَّا عند أبي جَعْفَر(علیه السلام)(الامام الباقر) فَذَكَرْنَا مَا أحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَ نَبِيَّهِمْ(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وَاسْتذلالَهُمْ أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَصْلَحَكَ الله، فَأَيْنَ كَانَ عَزُّ بَني هَاشم وَمَا كَانُوا فيه منَ الْعَدَدَ، فَقَالَ أبو جَعْفَر(علیه السلام) : وَمَنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ بَني هاشم، إِنَّمَا كَان جَعْفَرٌ وَحَمْزَةُ فَمَضَيَا وَبَقِيَ مَعَهُ رَجُلان ضعيفَان ذليلان حَدِيثًا عَهْد بالإِسْلامِ

ص: 144

عَبَّاس وَعَقيلٌ، وَكَانَا منَ الطُّلَقَاء ، أمَا وَالله لَوْ أَنَّ حَمْزَةَ وَجَعْفَراً كَانَا بِحَضْرَتهمَا مَا وَصَلا إِلَى مَا وَصَلا إِلَيْه، وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْهِمَا لأَتْلَفَا نَفْسَيْهِمَا (1).

حمزة (علیه السلام) ، كما يراه ابن ابي الحديد واستاذه

يتطرق ابن ابي الحديد المعتزلي ايضا الى هذا الموضوع (2)، فيناقش استاذه في احتمال بيعة حمزة علياً أو عدم بيعته إياه لو كان حيا بعد وفاة الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، واليك ملخص كلام ابن ابي الحديد :

[فصل في أن جعفراً وحمزة لو كانا حيين لبايعا عليا ]

وسألت النقيب ابا جعفر يحيى بن محمد بن ابي يزيد (رحمة اللّه) قلت له: اتقول إن حمزة وجعفرا لو كانا حيين يوم مات رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) اكانا يبايعانه بالخلافة؟! فقال: نعم كانا اسرع الى بيعته من النار في يبس العرفج، فقلت له :اظن أنَّ جعفراً كان يبايعه ويتابعه ،وما اظن حمزة كذلك.

واراه جبّارا قوي النفس شديد الشكيمة ذاهباً بنفسه

ص: 145


1- الکافي:ج8ص189،بحار الأنوار:ج28،ص25.
2- شرح نهج البلاغة:ج11،ص115-116.

شجاعاً بهمة، أي أنه كان يرى نفسه أعلى من الآخرين ويعتقد بأولويته من غيره.

وهو العم والأعلى سنّاً، وهذان عاملان مؤثران في تفكير الانسان ورأيه.

و آثاره في الجهاد معروفة،لا ينكرها أحد،فهو القائد الذي جلب النصر للاسلام والمسلمين.

واظنه كان يطلب الخلافة لنفسه،فقال:الامر في اخلاقه و سجاياه كما ذكرت، ولكنه كان صاحب دین متين وتصديق خالص لرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ولو عاش لرأى من احوال علي(علیه السلام) مع رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ما يوجب أن يكسر له نخوته ،وأن يقيم له صعره ،وأن يقدّمه على نفسه وأن يتوخّى رضا اللّه ورضا رسوله فيه، وإن كان بخلاف ايثاره .

ثم قال:....اما قولك هو العم والاعلى سنا...ألست ترى حمزة والعباس اتبعا ابن اخيهما (اي رسول اللّه )صلوات اللّه عليه واطاعاه ورضیا بریاسته وصدّقادعوته، الست تعلم أن ابا طالب كان رئيس بني هاشم وشيخهم والمطاع فيهم، وكان محمد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يتيمه ومكفوله وجارياً مجرى احد اولاده عنده، ثم

ص: 146

خضع له واعترف بصدقه، ودان لأمره حتى مدحه بالشعر، كما يمدح الادنى الاعلى، فقال فيه:

وابيض يستسقى الغمام بوجهه***يطيف به الهلاك من آل هاشم

ثمال اليتامى عصمة للأرامل***یطیف به الهلاک من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل (1)

«وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم»

(2)

يقول ابن ابي الحديد في موضع آخر :انه (امیر المؤمنين) عقيب يوم السقيفة تألَمَّ وتظلَّم، واستنجد واستصرخ حيث ساموه الحضور والبيعة، وأنه قال: وهو يشير الى القبر (يا بن أم إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي)(3)، وأنّه قال: وا جعفراه ولاجعفر لي اليوم واحمزتاه ولاحمزة لي اليوم.

ابناء حمزة (علیه السلام)

كان لحمزة ولدان ذكران وبنت واحدة ،ويُدعى الولدان يعلى وعمارة ،ولذا يكنى بأبي يعلى أو أبي

ص: 147


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید:ج11،ص116.
2- المصدر السابق:ج11،ص109.
3- الأعراف:150.

عمارة، ولم يخلف أي منهما ذرية رغم أن يعلى كان له خمسة اولاد، ولكنهم ماتوا جميعا في حياة ابيهم دون أن يخلفوا، وعاش يعلى وعمارة بعد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وكبرا في السن، ولكنهما لم يرويا عن الرسول حديثا.

أما ابنة حمزة فتدعى آمنة وتُكنّى بأم ابيها، وقد تزوجت من عمران بن أبي سلمة المخزومي، ويروى أنه قبل زواجها من عمران قيل لرسول الله: يا رسول اللّه هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش، فقال: أما علمت أن حمزة أخي في الرضاعة، وإن اللّه حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب(1).

ص: 148


1- الدرجات الرفیعة:ص68؛مستدرک الوسائل:ج14،ص365؛اعیان الشیعة:ج6ريا،ص243.

محاولة الأعداء تشويه سمعة حمزة (علیه السلام)

اخفاء مناقب حمزة(علیه السلام )

كان الأمويون يبغضون امير المؤمنين (علیه السلام) أشد البغض، وقد أبدوا احقادهم تجاهه في حرب صفين الدموية، وكذلك في قتل الشيعة والتنكيل بهم، واخيرا في لعن الامام والنيل منه ،حتى اصبح ذلك سُنَّةمفروضة ثابتة استمرت سنوات طويلة، فلعنوه آلاف المرات في خطاباتهم وعلى منابرهم امام جموع المسلمين من أقصى البلاد الى أقصاها، من الشام الى مصر، ومن الريّ الى الكوفة والبصرة، ومن عاصمة الاسلام المدينة المنورة الى حرم امن الله مكة المكرمة، فصار لعن الامام(علیه السلام) أمراً مألوفاً لدى المسلمين، حتى أنه لما رأى عمر بن عبد العزيز أن السياسة تقتضي أن يمنع الناس من لعن على (علیه السلام) اتهموه بارتكاب إثم كبير ومعصية لا تغتفر، مع أنه لم يمنع اللعن بصورة عامة، انما منع ذلك من خطب الجمعة فقط.

ص: 149

أما عداء بني أمية لحمزة، فقد أخذ طابعاً آخر، وذلك لما كان يمتاز به حمزة من مكانة واحترام لدى المسلمين، وإن استشهاده فى اُحُد قد أفقد الاعداء فرصة منازلته في الحرب مرة أخرى او اتهامه بالكفر والالحاد كما فعلوا مع امير المؤمنين(1).

فكانت خطتهم الأولى ضد حمزة نقل جثته مع سائر جثث شهداء اُحُد الى موضع آخر، ليزيلوا بذلك اثر قبره الشريف الذي كان رمزا لظلامته ودفاعه المستميت عن الاسلام ،كما كان من جهة اخرى رمزاً لجرائر بني أمية، وذلك ظناً منهم أن هذه المكيدة ستُنسي الناس على مر الأيام ذكر حمزة، وتمحي وصمة العار عن جبين من ارتكبوا الجريمة الكبرى في قتله والتمثيل به، وها هم اليوم يدعون لأنفسهم الحق في خلافة الرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

ص: 150


1- إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما، وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات ينادى بها على المنابر، بحار الانوار، ج 33، ص 214.

وبناء عليه أصدر معاوية اوامره بحفر نهر يمر على قبور الشهداء باُحُد، ونادوا في المدينة أن ينقل الناس رفات شهداء هم الى اماكن أخرى حتى لا يجرف النهر أجسادهم، ولاشك أن الهدف من ذلك هو نقل جثة حمزة بالذات ومحو علائم قبره، وسنذكر في ما يلي أن ظهور الكرامة لشهداء اُحُد في بقاء اجسادهم الطاهرة سالمة من البلى أفسد على معاوية سياسته الزائفة هذه، فدبّر مؤامرة أخطر وأكبر من تلك ليطفئ بها نار حقده على حمزة، فرمى هذه المرة الى الجانب الفكري ليشوّه سمعة سيد الشهداء حمزة ، ويسدل الستار على جميع مناقبه وجهاده وانتصاراته الجليلة، وفي النهاية يبرَّئ ساحة ابي سفيان وهند من تشجيعهم وحشي الحبشي ليرتكب جريمته النكراء.

وكانت لهذه المؤامرة ثلاثة ابعاد:

1 - اخفاء مناقب حمزة.

2 - ذمه والنيل منه.

3 - نفي الجريمة عن القاتل.

وسنشرح هذه الابعاد الثلاثة لما لها من اهمية بالغة.

ص: 151

قام بنو امية بالتبليغ لمآربهم الخاصة، فوضّفوا جمعاً غفيراً ممن عرفوا بالعلماء والمحدثين وناقلي الاخبار ورواة السيرة النبوية، فكان لهم دور في سرد الحوادث التاريخية في عهد الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وذكر الشخصيات البارزة في تلك الفترة.

وفي الحقيقة فهولاء المحدثون والرواة مرتزقة يأتمرون بأوامر الحكام، وقد امروهم أن يختلقوا الفضائل لأشخاص معينين ويغرقوهم بالمدائح، وفي المقابل ينالوا من اهل البيت (علیهم السلام)ويصطنعوا المساوئ فيهم، وقد أدّى هؤلاء المرتزقة دورهم بكل دقة وبكل دهاء، ولذا فإنهم لم يرووا لحمزة أية منقبة تذكر ، ولم يشيروا في اقوالهم وفي كتبهم الى دوره الأساسي في إعلاء كلمة الاسلام وخذلان الكفر والإلحاد، وذلك لأن بيان تلك الحوادث والمناقب سيضر بأسيادهم الامويين، ويوجب البغض والنقمة لآبائهم وأجدادهم الذين رفعوا لواء الوثنية والشرك.

ولم يكتفوا بالتعتيم على شخصية حمزة واعماله الجليلة، بل أزاحوه من بين اقرباء رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

ص: 152

وعشيرته ،وتناسوا ذكر اسمه من بين الصحابة ايضا ،وكأنه لم يكن هناك شخص آنذاك يُدعى حمزة ،واستمرت هذه المكيدة واتسعت رقعتها مع الأيام وتناقلتها الأجيال، وها نحن لازلنا نشاهدها اليوم بعد تعاقب القرون المتمادية.

ويستطيع الناظر اليوم أن يشاهد بوضوح هذه الظاهرة المشؤومة في أقدم كتب الحديث لأهل السنة، فإن هذه الكتب تحتوي عادة على باب خاص يسمى« كتاب الفضائل» ويُفرد فيه لكل من اقرباء النبي، أو من كبار صحابته المشهورين فصلاً خاصاً به.

فعلى سبيل المثال نجد في باب فضائل اقرباء النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) تُذكر مناقب العباس بن عبد المطلب و جعفر بن ابي طالب وعبد الله بن جعفر والزبير ابن عمة رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وغيرهم.

كما يذكر في باب فضائل الصحابة مناقب للخلفاء الأربعة وسعد بن ابي وقاص وعبد الله بن سلام وعبد الله بن عمر وابي هريرة وابي موسى الأشعري، ويفردون في مناقب ابي سفيان ومعاوية بابا خاصا بهما،واما الذي لا يذكر اسمه ابداً،فهو عم رسول الله حمزة بن عبدالمطلب فاتح يوم بدر والشهيد المُمثَّل

ص: 153

به يوم اُحُد، فلم يُقارن حتى بعباس بن عبدالمطلب أو عبدالله بن جعفر، ولا بابي هريرة ومعاوية وابي سفيان، وكأن النبي لم يكن له عمُّ وأخ بالرضاع يدعى حمزة، ولم يكن له صحابي يُكنّى بأبي عمارة.

لملاحظة هذا التعتيم راجع أهم كتب الحديث لأهل السنة؛ أي صحيحي البخاري ومسلم، وقد حذا حذوهما وسلك سبيلهما سائر الصحاح والسنن، فمن يقرأ هذه الكتب يتصور أن حمزة لا تربطه بالنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) صلة قرابة ولا يُعدُّ في عداد المهاجرين والانصار؛ أي في اصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، ولم یكن له طيلة حياته أي موقف لصالح الاسلام، ولم يشارك في أية غزوة من غزوات الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

الطعن في حمزة (علیه السلام)والنيل منه

لم يكتف اعداء حمزة بن عبد المطلب بإخفاء مناقبه ،بل سعوا في تشويه سمعته، فخطو خطوة أخرى وفتحوا باباً جديداً في النيل من حمزة إذ اختلقوا القصص والأساطير اللاأخلاقية ونسبوها الى سيد الشهداء، قدحاً فيه وذماً، ومحاولة منهم في بثّ ايجاد البغضاء والنقمة منه.

ص: 154

على سبيل المثال،في احدى هذه القصص الأسطورية يتهم صحيح البخاري حمزة بأنه شرب الخمر ، حتى ثمل،فقطع سنام إبل كانت لعلي بن ابي طالب(علیه السلام)،ثم أخرج اكبادها،وفي مكان آخر يدعون أنه كان يؤذي رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كثيرا بحيث أن الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)اذا رأى حمزة قادماً تراجع الى الوراء وابتعد عن طريقه خوفاً على نفسه.

واليك خلاصة الأسطورة المختلقة التي رواها البخاري،ولقراءة كامل القصة راجع صحيح البخاري(1).

يقول البخاري:«عن الزهري ، أخبرنا علي بن حسين ان حسين بن علي أخبره ان عليا قال: كانت لي شارفان مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، فإذا انا بشار في قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما واخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين

ص: 155


1- صحيح البخاري،كتاب المغازي،باب قصة غزوة بدر:ج 4،ص 41 - 42 ،وح5 ،ص 16 ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع طبعت بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول.

رأيت المنظر قلت من فعل هذا قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار عنده قينة وأصحابه فقالت في غنائها( ألا يا حمز للشرف النواء) فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما واخذ من أكبادهما، قال علي: فانطلقت حتى ادخل على النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وعنده زيد بن حارثة وعرف النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)الذي لقيت، فقال: ما لَكَ، قلت يا رسول اللّه ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هوذا في بيت معه شرب ،فدعا النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) البردانه فارتدى ثم انطلق يمشي وأتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له، فطفق النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعّد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة :وهل أنتم الا عبيد لأبي، فعرف النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) انه ثمل فنکص رسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه».

ص: 156

يريد مؤلف هذه الأسطورة أن يبين لِمن يقرأ مقاله أن حمزة بن عبدالمطلب كان أهل طرب ومجون، وكان قاسي القلب قليل الرحمة،فهو من أجل لذة مؤقتة في مجلس طربه،وبناء على جملة من قينة غانية يرتكب هذا العمل اللا إنساني،ولمزيد من التلذذ يخرج اكباد الإبل ليقدمها الى اصحابه السكارى،وعندما يمنعه رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) من عمله ويلومه عليه،يسيء الأدب امامه ويهدده بكلمات جارحة شديدة، حتى يخاف النبي على نفسه ،فيرجع القهقرى ويترك حمزة على حاله!

من اختلق هذه الأكذوبة ؟

علمنا أن راوي هذه القصة هو الزهري، ويرويها عن الإمام زين العابدين(علیه السلام)، ولسنا الآن بصدد مناقشة نص الرواية رغم وضوح كونها موضوعة ويمكن معرفة ذلك بسهولة، ولكننا نريد أن نعرّف راويها وواضعها، والذي اختلق عشرات القصص الموضوعة في ذم اهل البيت وخصوصاً ذم امير المؤمنين(علیه السلام)، فإذا عرفناه اتضحت لنا تفاهة رواياته وقصصه ،و تبين لنا مدى عدائه وحقده تجاه أهل البيت(علیهم السلام) .

ص: 157

يعتبر ابن شهاب الزهري واحداً من أولئك المرتزقة الذين امتثلوا لأوامر خلفاء بني امية، فوضعوا ونشروا الأحاديث في فضائل الخلفاء، وفي ذم اهل بيت العصمة والطهارة والقدح فيهم، وقد تسربت تلك الموضوعات تدريجياً الى مصادر اهل السنة وكتب الحديث لديهم، وهي اليوم تعتبر من مسلّمات التاريخ والحديث التي لا تقبل الشك، ومنها هذا الحديث الذي بأيدينا في ذمّ حمزة(علیه السلام ).

من هو الزهري

اسمه محمد بن مسلم واشتهر بالزهري نسبة الى قبيلة زهرة من افخاذ قريش، وكنّي بابن شهاب على كنية أحد اجداده، ويذكر احياناً باللقب والكنية معا فيقال: ابن شهاب الزهري.

ولادته ووفاته

مع أن الزهري من قريش وعاش اجداده في مكة، إلا أنه قد وُلد في المدينة سنة 52 ونشأ فيها، وتوفي بالشام سنة 124ه-

ص: 158

الزهري في المدينة

عاش الزهري في المدينة الى سنة 82 ه-، وفي تلك الفترة لم تكن رواية الحديث مسموحاً بها بصورة رسمية في جميع البلاد، ولكن المدينة كانت تزخر بمحدثين ذوي شهرة من الشيعة واهل السنة منهم الإمام زين العابدين والامام الباقر (علیهما السلام)وابو سعيد الخدري وعبد اللّه بن عمر وعروة بن الزبير، فكانوا يتذاكرون الحديث بصورة غير رسمية حيث تتشكل حلقات مذاكرة الحديث في مسجد النبي بعد الصلوات الخمس، وكان الزهري ممّن أحب تعلم الحديث في تلك الحقبة، وقد اخذ الحديث من الامام زين العابدين(علیه السلام) وروى عنه، ويلاحظ أن الأحاديث المروية من الزهري في مدح اهل البيت (علیهم السلام)ترجع الى تلك الفترة من حياته.

الزهري في الشام

كان الزهري يحب المال والجاه حباً جماً، ولم يكن يتيسر له الوصول الى مآربه في المدينة لوجود جم غفير من العلماء والمحدثين ذوي الشهرة فيها ،

ص: 159

فارتحل الزهري سنة 82ه- من المدينة الى الشام، وهو ابن احدى وثلاثين سنة آنذاك، والتحق هناك ببلاط الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (73 - 86ه- ) .

ولعل هجرته هذه كانت بدعوة من الخليفة نفسه، وكان قبل خلافته يعيش بالمدينة وقد تعرّف في بعض حلقات الحديث على ابن شهاب الزهري.

وهكذا استقر الزهري منذ ذلك التاريخ في البلاط الاموي بالشام، وبناءً على سياسة بني امية في معاداة أهل البيت(علیهم السلام)، ابرز الزهري العداء لأمير المؤمنين(علیه السلام) وتنكر لأهل البيت (علیهم السلام) وابتعد عنهم ،واستمر على ذلك طيلة خمس واربعين سنة، حتى نهاية حياته.

كان الزهري خلال تلك المدة الزمنية الطويلة من انصار البيت الأموي ومبلغيهم والمدافعين عنهم، وكان جليسهم وسميرهم المشير عليهم في حلّه وترحاله، وبذل قصارى جهده في وضع الروايات و الاحاديث التي تمدح بني اُمية واختلاق المناقب لهم وذم أهل البيت (علیهم السلام) حسبما يروم خلفاء بني أمية اليه.

ص: 160

وإليك اسماء الخلفاء الذين عاصرهم الزهري و خدمهم :

عبد الملك بن مروان(73- 86 ه-).

وليد بن عبد الملك(86 - 96 ه-).

سليمان بن عبدالملك(96 - 99 ه-).

عمر بن عبد العزيز(99- 101 ه-).

يزيد بن عبدالملك(101 - 105 ه-).

هشام بن عبدالملك(105 - 125 ه-).

وكان ابن شهاب الزهري من اقرب المستشارين لعبد الملك(1) ، فلم يكن يترك صحبته حتى في اسفار الحج، وفي سنة حج الحجاج بن يوسف نيابةّ عن عبدالملك ، ولزم الزهري صحبته والمشورة عليه ايضاً في هذه السفرة.

ص: 161


1- يقول السيوطي في« تاريخ الخلفاء»: لو لم يكن من مساوىء عبد الملك إلا الحجاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة (رضي اللّه عنهم) يهينهم ويذلهم قتلا وضربا وشتما وحبسا ، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم، وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة ختما يريد بذلك ذلهم ، فلا رحمه اللّه ولا عفا عنه.

بعد موت عبدالملك استمر ابن شهاب الزهري على مصاحبته للخلفاء، فصاحب وليد بن عبدالملك عشر سنين، ثم يزيد بن عبد الملك وكان من أقذر خلفاء بني امية(1)، وتقلّد منصب قاضي القضاة في عهده، واصبح بذلك ساتراً على مفاسد يزيد بن عبدالملك وجرائمه.

وبعد يزيد بن عبدالملك صاحب ابن شهاب الزهري هشام ابن عبدالملك، والذي استمرت خلافته اكثر من تسعة عشر عاما، فكان الزهري مستشاراً له ومعلماً لأبنائه، وحج سنة مائة وست مع هشام، وفي السنوات

ص: 162


1- يروي الذهبي في سير اعلام النبلاء (ج 5، ص 331) ان يزيد بن عبدالملك أتى بأربعين شيخا شهدوا أن الخلفاء ما عليهم حساب ولا عذاب، وآخر إن يزيد قال، والله ما عمر بن عبد العزيز بأسوج إلى اللّه مني، فأقام أربعين يوما يسير بسيرته، فتلطفت حبابة وغنته أبياتا، فقال للخادم: ويحك قل لصاحب الشرط يصلي بالناس .وهي التي أحب يوما الخلوة معها ،فحذفها بعنبة وهي تضحك، فوقعت في فيها، فشرقت فماتت، وبقيت عنده حتى أروحت، واغتم لها، ثم زار قبرها ،ثم رجع، فما خرج إلا على النعش، وقيل عاش بعدها خمسة عشر يوما.

التالية رافق الزهري ابناء هشام الى الحج الى أن توفي سنة 124 ه-؛ أي قبل موت هشام بسنة.

نشر الأحاديث لصالح بني امية

ذكرنا نماذج قليلة مما قدمه الزهري من خدمات لخلفاء بني امية ومما دافع به عنهم، ولا يسعنا المقال أن نذكر كل اعماله تلك إذ أنها تحتاج الى وقت طويل والى إفراد كتاب خاص بها، ولذا نكتفي في هذا المقام بنقل واحد من أهم نشاطاته العامة في تثبيت اركان السياسة الأموية، ونادراً ما تطرق أحدٌ الى ذلك، فتلك السياسة كانت الأساس الذي بنى الأمويون سلطانهم عليه، وقد اعتمدوا فيها على الصد من نشر احاديث النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) واقواله المأثورة.

وقد غيّر الأمويون بعد مضيّ ما يقارب القرن سياستهم في منع رواية الحديث الشريف، وذلك لأنهم رأوا أن أهدافهم قد تحققت على مستوى الدولة الاسلامية جمعاء، وأن سمومهم التي بثوها في التبليغ ضد اهل البيت (علیهم السلام) قد آتت ثمارها حتى اصبح لعن اهل البيت(علیهم السلام) والنيل منهم جزءاً من الواجبات الدينية

ص: 163

لدى عامة الناس، ولذلك رفعوا الحظر عن نشر الحديث الشريف بعد مرور قرن من الزمن، ومع ذلك لم يشمل هذا الإذن كل احادیث النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، بل اقتصر على الأحاديث التي تطابق مآرب بني امية وتروم الى تثبيت خلافتهم، والى النيل من اهل البيت(علیهم السلام) وإبعادهم تماماً عن المسرح السياسي.

وكان المسؤول الرسمي عن تنفيذ هذه المهمة هو ابن شهاب الزهري، وعلى سائر المحدثين نقل اقواله بين عامة الناس، وقد لقّبته الحكومة خلال فترة طويلة من الزمن ب-«شيخ المدينة والشام» ،و«امام الحديث»، وافقه اهل المدينة، و«أعلم أهل المدينة»، واستطاع بذلك أن يحصل على ثقة العلماء، وأن يبقى في نفس الوقت وقيًا لأهداف الحكومة ونواياها.

وهكذا كان ابن شهاب الزهري اول من أقدم على نقل الأحاديث شفويا او تدوينها في الكتب بناء على اوامر هشام بن عبدالملك، فإذا روى حديثاً أو أمر بتدوينه أخذ ذلك الحديث جانباً رسمياً، وتسرب تدريجياً الى كتب الحديث ومراجعه، حتى أن ما

ص: 164

يقارب السدس من مجموع احادیث صحیح البخاري، وهو اهم مرجع للحديث لدى اهل السنة كانت من احاديث الزهري، فقد روى البخاري اكثر من الف حديث عنه.

عدد احاديث الزهري

ذكر ابن حجر في «تهذيب التهذيب»:«جميع حديث الزهري كله ألفا حديث ومائتا حديث ،النصف منها مسند و قدر مائتين عن غير الثقات»، فهو قد روى اذن احادیث عديدة عن غير الرواة الموثقين، اي من كل من هبّ ودبّ، ممن لا اساس لكلامهم ولا معيار لأقوالهم. يصدر هذا التعليق على احاديث الزهري من رجل يثق برواة الحديث ويمدحهم اكثر مما يُعقل، ولا يحدّه أي شيء من تعديل السابقين وتطهيرهم كما هو الحال لدى معظم علماء اهل السنة، فاحكم على الاحاديث المروية بواسطة الزهري على ضوء اقوال ابن حجر لتدرك مدى صحة تلك الروايات او بطلانها.

ص: 165

الغاية المنشودة من أحاديث الزهري

اذا تمعن النظر في احاديث الزهري تلاحظ أن غايته القصوى في رواية تلك الأحاديث انما هي رضا اسياده الأمويين، وتثبيت دولتهم واستحكام سلطتهم، وفي نفس الوقت يروم الى تجاهل دور اهل البيت (علیهم السلام)في قيادة الأمة وإبعادهم عن ساحة الدين والسياسة، وقد نفّذ الزهري خطته للوصول الى تلك المآرب فى كلا الجانبين؛أي اختلاق المناقب للخلفاء،والقدح في اهل البيت (علیهم السلام) وذمهم واتهامهم بما لا ينبغي، وقد دسّ الزهري تلك الأحاديث الموضوعة وسط أحاديث أخرى تتعلق بالفقه والتاريخ وغيرهما ، كل ذلك حتى يتقبلها المخاطب احسن قبول، ولا يشك في نزاهة الراوي او انحيازه الى جهة معينة، ولهذا السبب بالذات نجده يروي احاديث الطعن في اهل البيت (علیهم السلام)وذمّهم نقلاً عن اهل البيت انفسهم ،فيختار أحد رموزهم المشهورين ويسند الحديث اليه، وكثيراً ما يسند أحاديثه الى الإمام زين العابدين(علیه السلام) ليدعم روايته تأكيداً وتثبيتاً.

ص: 166

نماذج من احاديث الزهري

احادیث الزهري الموضوعة في الجانبين المذكورين كثيرة جداً، ويلزم جمعها تأليف كتاب خاص بها، ولذا نكتفي بنقل عدد من موضوعاته المذكورة في الصحيحين، والتي يدرك القارئ المنصف كونها كاذبة موضوعة ،ولنأخذ الأحاديث من صحيح مسلم:

1- الخلاف بين امير المؤمنين (علیه السلام) والعباس عم النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)

من اكاذيب الزهري ما رواه عن اختلاف العباس عم النبي مع امير المؤمنين(علیه السلام) على ارث رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وأنهما ذهبا الى عمر بن الخطاب ،واحتكما إليه ليحلّ الخلاف الدائر بينهما.

يروي الزهري في قصته الزائفة هذه: فقال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن ! (1))،...،فقال عمر : أتعلمون أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قال: لا نورّث، ما تركناه صدقة(2) .

ص: 167


1- صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس: حدیث رقم 2927 ،وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، حديث رقم 6875 ، صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب حكم الفيئ، حديث رقم 3302.
2- نفس المصدر السابق.

لقد ضرب الزهري بوضعه هذا الحديث الكاذب عصفورين بحجر واحد، إذ حصل به ما ابتغاه الامويون من جهتين، فقد أساء الى امير المؤمنين (علیه السلام) وأنزل من شأنه؛ لأن الامام كان يعلم أنه لا يرث النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ابدا، فما باله إذن يطالب بالإرث، بل ينازع عمه عليه ويتشاجر معه حتى يرد عليه عمه بتلك الألفاظ البذيئة المنكرة؛ التي يكفي الواحد منها للحطّ من شأن الرجل وليهوي به الى الحضيض، فلا تقوم له بعدئذ قائمة، وحاشا وصي رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) من تلك التهم النكراء، كل هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، أراد الزهري باختلاقه لأكذوبته أن يؤكد رواية ابي بكر الزائفة عن الرسول والتي يقول فيها :نحن معاشر الانبياء لا نورّث، وهو موضوع خطير اختلف فيه أهل السنة مع غيرهم، واستطاع الزهري بذلك أن يكذّب فاطمة الزهراء(علیها السلام) ايضا على لسان الخليفة الثاني لأنها طالبت بفدك، وأنكرت على ابي بكر ما ادّعاه.

ص: 168

2- قصة خطبة امير المؤمنين (علیه السلام) ابنة ابي جهل

وهذه قصة كاذبة أخرى من تأليف ابن شهاب الزهري للنيل من امير المؤمنين(علیه السلام)،فقد روى أن امير المؤمنين (علیه السلام)خطب ابنة ابي جهل،ما أثار غضب النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وفاطمة(عليها السلام)علیه،فوبّخه الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)امام جمع المصلين !

واليك رواية ابن شهاب الزهري هذه كما نقلها الصحيحان عنه:

حدثنا أبو اليمان : أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني علي بن حسين: أن المسور بن مخرمة، قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل.

فقام رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني ، وإن فاطمة (علیها السلام ) بضعة مني ، وإني أكرمه يسوءها، واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وبنت عدو اللّه عند رجل واحد. فترك علي الخطبة (1).

ص: 169


1- صحیح البخاري،ج3،فضائل اصهار النبي،حدیث رقم 3523؛صحیح مسلم کتاب الفضائل،باب فضائل فاطمة بنت النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) .

وفي نص هذا الحديث مثله مثل الحديث السابق شواهد تدل على وضعه وكذب راويه، وإليك بعضها:

1- كان امير المؤمنين (علیه السلام) من اهل بيت الرسول (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وكان يعرف منزلة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) العظيمة الشامخة، ويحبه حباً جماً لا يحب مثله أحداً ابدا، فكيف يعقل أن يعمل عملاً يستوجب حزن النبي وابنته الصديقة الطاهرة او سخطهما وغضبهما عليه، ولو بدا له امر لشاور النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فيه قبل أن يقدم عليه.

2- لو صحت قصة الخطبة، فكيف يليق بالنبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) وفاطمة (علیها السلام) أن يعترضا عليه، ويبديا العصبية الجاهلية متناسين حكم اللّه في الزواج كما يفعله عامة الناس.

3 - ولو صحت الخطبة أيضا، كان بإمكان النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) أن يبيّن عدم رضاه عن هذا الأمر لأمير المؤمنين (علیه السلام) فيما بينهما، ويحل تلك المسألة البسيطة بسهولة، دون اللجوء الى ايراد تلك الخطبة النارية ضد امير المؤمنين(علیه السلام) ، فلا يلائم هذا العمل الأخلاق

ص: 170

السامية الرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) حتى في مواجهة اعدائه ومناوئيه، فما بالك بوصيه وخليفته.

4 - حسب ما ورد في هذه الأكذوبة، يشير النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) الى وفاء العاص بن ربيع وامانته،ويدل ذلک بوضوح على عدم وفاء امير المؤمنين(علیه السلام)وعدم امانته وصدقه في الحديث، وهو ما جرّه الى هذه الخطبة.

إذن، فهذه كذبة كبرى وادعاء باطل في حق رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وطعن سافر في شؤون نبوته، وكيفما كان، فكما أشرنا سابقا تأتي هذه القصة الموضوعة لتُحطَّ من شأن امير المؤمنين (علیه السلام) وتطعن في مقامه الرفيع، وفي المقابل تمدح رجلاً قرشياً من بني أمية، كل ذلك ليَسُرّ الأمويون أسياد ابن شهاب الزهري وليرضوا عنه، فدس أكذوبته في مصادر الحديث لأهل السنة، ونشرها في كتبهم.

رأي علماء الشيعة والسنة في الزهري

لقد دافعت السلطة الأموية عن الزهري ومنحته ألقابا مثل: الفقيه المدني، امام الحديث وعالم الشام والمدينة، ولكن مساعدته للحكومة الأموية الغادرة،

ص: 171

و تأييده لهم وتثبيته لسلطانهم بوضع الأحاديث الكاذبة لم يغب عن أعين علماء المسلمين من الشيعة والسنة، وبالأخص المهتمون في معرفة الرجال والجرح والتعديل، ولم تخدعهم الألقاب الرنانة التي مُنحت له ،فلقّبوه ب-« منديل بني أمية» و«خادم الأمويين».

ولذا فإن معظم علماء الشيعة يعبّرون عنه بالعدو أو بعدو اهل البيت(علیهم السلام)،كما يشيرون اليه احيانا بالناصبي أو الكافر(1).

وقد أشاد الكثيرون من علماء اهل السنة بعلم الزهري و درايته،ولكنهم-خلافا للمتعارف عنهم-لم يذكروا شيئا عن ورعه وزهده وتقواه،وتركوا الحديث عن أخلاق الزهري وأفعاله،فهو من ابرز مصاديق الآية الكريمة: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(2).

ص: 172


1- راجع روضات الجنات و تنقیح المقال.
2- سورة هود:113.

رأي ابن ابي الحديد في الزهري

تطرّق العديد من علماء اهل السنة خصوصا علماء الرجال والجرح والتعديل بصراحة ووضوح إلى عداوة الزهري تجاه اهل البيت ،وروايته الحديث في ذم امير المؤمنين، وشهدوا عليه بأنه عدو اهل البيت، ومن هؤلاء العلماء ابن ابي الحديد المعتزلي الذي يذكر اعداء امير المؤمنين (علیه السلام) فيقول: وكان الزهري من المنحرفين عنه، ثم يروي بعض مكائده ضد الإمام، ومنها الموضوعتان التاليتان:

1- روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول اللّه إذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة إنّ هذين يموتان على غير ملتي، أو قال ديني.

2- كما يروي الزهري ايضا أن عروة زعم عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) إذ أقبل العباس وعلي ،فقال: يا عائشة إن سرّك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا (1).

ص: 173


1- شرح نهج البلاغة:ج4،ص64.

النتيجة

قصة شرب حمزة الخمر كانت من روايات الزهري، هذا الذي وضع وروى عشرات الروايات الأخرى في ذم اهل البيت (علیهم السلام)، وطعن في كل واحد من رجال اهل بيت النبوة والطهارة بشيء يحطه عن منزلته، وقد لاحظتم بعضها.

نعم ،فمثل هذا الذي يدفع في أقاويله العباس وامير المؤمنين الى المحكمة ، ليروي عن العباس عم النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) تلك الكلمات البذيئة في اميرالمؤمنين، ثم يبرر قصة غصب فدك، مثل هذا الرجل لا يردعه رادع عن اختلاق مجلس خمر يشارك فيه حمزة بن عبدالمطلب، ثم يقطع سنام الإبل وهي حية ،وكذلك فالذي يروي عن عائشة أن اميرالمؤمنين كان كافراً يدخل النار، لا يصعب عليه أن يحكي عن تهديد حمزة رسول اللّه، فهؤلاء القوم المعادون لعلي بن ابي طالب (علیه السلام)أشد العداء، إنما يحملون في قلوبهم الأحقاد لحمزة ايضا، فلم يكن لهم بد من وضع القصص الأسطورية الكاذبة للنيل

ص: 174

من أولئك العظماء، وإنزالهم عن مراتبهم الشامخة في قلوب العامة، حتى ينسى المجتمع الإسلامي كراهيته تجاه أسلاف بني امية والمعادين لأهل البيت (علیه السلام).

تنزيه قاتل حمزة (علیه السلام)

الجانب الثالث في تهميش حمزة ه-و تنزيه قاتله وحشي، ومحاولة عدم تسليط الأضواء على جريمته ضد حمزة.

فرووا على لسان وحشي نفسه أنه قتل مسيلمة الكذاب، ليكون ذلك تكفيراً عن جريمته النكراء بقتل حمزة.

وقد روى البخاري هذه القصة ايضا بعد فاصل قصير من روايته أن حمزة شرب الخمر، وإليك ما رواه البخاري في هذا الصدد:

عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ،قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار ، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي،نسأله عن قتله حمزة؟ قلت: نعم ،وكان وحشي

ص: 175

يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا :هو ذاك في ظل قصره، كأنه حميت(1)، قال : فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا، فسلمنا فرد السلام ،....، فكشف عبيد اللّه عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟قال:نعم،[وروى قصة قتل حمزة بالكامل ثم قال:]،ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) رسولاً، فقيل لي : إنه لا يهيج الرسل ، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فلما رآني قال : ءأنت وحشي. قلت : نعم، قال: أنت قتلت حمزة. قلت : قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني. قال: فخرجت ،فلما قبض رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فخرج مسيلمة الكذاب ،قلت لأخرجن إلى مسيلمة، لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال : فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما

كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق ،ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فوضعتها(2)

ص: 176


1- الحَمیتُ:الزّقُّ.
2- في الأصل: فأضعها،و الصحیح ما أثبتناه.

بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال :ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته(1).

هذا ما رواه البخاري لينزه به قاتل حمزة من جريمته المنكرة، وقد غيّر فيه بعض الشيء، فأصلح بعض العبارات وحذف أخرى حتى لا ينجلي للقارئ مدى وحشية وحشي القاتل.

وقد روى ابن كثير النص الكامل نقلاً عن سيد المؤرخين ابن اسحاق، فقال: عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار، أحد بني نوفل بن عبد مناف ،في زمان معاوية، فأدربنا مع الناس، فلما مررنا بحمص(2)، وكان

ص: 177


1- صحیح البخاري،کتاب المغازي،باب قتل حمزة بن عبدالمطلب،حدیث رقم3844.
2- يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان: «حمص» بالكسر ثم السكون والصاد مهملة، بلد مشهور قديم كبير مسور، وفي طرفه القبلي قلعة حصينة على تل عال كبيرة، وهي بين دمشق وحلب في نصف الطريق يذكر ويؤنث ،.... ،ومن عجيب ما تأملته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل، إن أشد الناس على علي (علیه السلام) بصفين مع معاوية كان أهل حمص، وأكثرهم تحريضا عليه وجدّاً في حربه.

وحشي مولى جبير قد سكنها وأقام بها، فلما قدمناها، قال عبيد الله بن عدي :هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ؟ قال، قلت له: إن شئت ،فخرجنا نسأل عنه بحمص، فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عربياً، وتجدا عنده بعض ما تريدان، وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه وإن تجداه وبه بعض ما به فانصرفا عنه ودعاه(1).

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو أنه هل يمكننا ببساطة أن نصدّق قصة مقتل مسيلمة الكذاب بيد وحشي لمجرد ادعاء منه في مجلس خاص وفي منطقة نائية عن الحجاز وبعد مرور سنوات متمادية؟ أليس من الطبيعي أن يحاول هذا الرجل المدمن على الخمر تزكية نفسه و تبرير جريمته المستنكرة بقتل سيد الشهداء حمزة؟ وفوق ذلك هل كان وحشي مستفيقاً من خمرته أم كان يهذر إثر سكره وزوال عقله ؟

ص: 178


1- البدایة و النهایة:ج4،ص19-20.

نعم، كل ذلك ادّعاء من مجرم دائم الشكر لصالحه!

لقد كان وحشي مدمناً على الخمر لا يدعه ابداً، وقد أجري عليه الحد مراراً في الحجاز، يروي ابن كثير: قال ابن هشام: فبلغني أن وحشياً لم يزل يحدّ في الخمر؛ حتى خلع من الديوان(1).

وهاجر وحشي من الحجاز الى الشام ليعيش تحت كنف الأمويين اعداء اهل البيت(علیه السلام) بلا رادع له هناك عن تعاطي المسكرات، وسكن مدينة حمص ومات فيها.

لاحظت أن قصة مقتل مسيلمة الكذاب على يد العبد وحشي إنما هي مروية عن وحشي نفسه، وهذا خبر لا يقبله التاريخ ولا يعترف به، ولا يرضى به العقل السليم والرأي السديد، فليس هذا الخبر إلا أكذوبة اختلقها مجرم قاتل دائم السكر ليزكّي بها نفسه، ويبرر ما اقترفته يداه من الإثم بقتله سيد الشهداء حمزة، ولعل التاريخ ينسى ثلمته العظيمة التي ثلم بها الاسلام .

وكيفما كان الأمر، فإن هذه القصة الموضوعة التافهة التي ألفها اعداء حمزة، انما تعتبر الحلقة الثالثة

ص: 179


1- لبدایة و النهایة:ج4،ص19-20.

المكملة للحلقتين السابقتين في سلسلة الأكاذيب الموضوعة بهدف النيل من حمزة، والتي تسربت الى كتب الحديث وترسبت فيها بمكايد السلطة الأموية الغاشمة، وذلك لأنه :

اولاً،من يقرأ تلك الكتب،وهم الأكثرية الغالبة من المسلمين لا يجدون في طياتها أدنى فضيلة لحمزة، او موقف له دافع فيها عن الاسلام،بل لا يعدّونه واحداً من اقرباء رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) او من صحابته وانصاره.

ثانيا، يعرّفون حمزة باعتباره رجلاً ثملاً شارب الخمر ،وخشن الطبع فظيعاً، يكفي أن تحرّضه أمة لعوبة لينقض على إبل امير المؤمنين (علیه السلام) فيقطع سنامها ويبقر بطونها وهي لا تزال حية، ثم يخرج اكبادها ليهديها الى جلسائه في مجلس الخمر، ثم يتجرأ على النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)حتى يخشى رسول اللّه على نفسه، فيرجع القهقرى خوفا من بطش حمزة.

ثالثا، وتكتمل حلقات هذه الخديعة بتنزيه قاتل حمزة، وذلك بأن يكفّر عن جريمته في قتل حمزة والتمثيل به، بقتله مسيلمة الكذاب، فتغفر الأولى بالثانية.

ص: 180

وهكذا ينتقمون من حمزة ،من سيد شهداء الاسلام ،حامي التوحيد والقتيل الممثل به بأيدي رؤوس الكفر والإلحاد، فلم تنته ظلامة حمزة بغزوة اُحُد، انما استمرت بعد ذلك بما طعنوا فيه ونالوا منه ،واستمر هذا العداء لحمزة على مر التاريخ والى يومنا هذا(1).

ص: 181


1- استعنا بالكتب التالية للتعرّف على ابن شهاب الزهري: صحيح البخاري، صحيح مسلم ، تهذيب التهذيب، سير أعلام النبلاء، البداية والنهاية،تنقيح المقال،روضات الجنات،تاريخ الخلفاء،مروج الذهب،مجلة علوم الحديث العدد 50، مقالة الفاضل النبيل سديد الدين الحسيني، ومجلة الفكر الاسلامي، العدد 27 ،مقالة الفاضل المحقق حسين غيب الهرساوي.

حرم حمزة(علیه السلام)على مر التاريخ

رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وقبر حمزة (علیه السلام)

حمزة ،بطل الإسلام العظيم وعم رسول الله (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، مرّ قبره الشريف وحرمه المطهر بمراحل عديدة على مرّ التاريخ منذ استشهاده في السنة الثالثة للهجرة إلى سنة 1344 ه حيث هدم الوهابيون حرمه وقبته، فعلينا أن نتأمل الحوادث التي جرت عليه لمَا لها من فوائد دينية من جهة، وتاريخية من جهة أخرى، وسنشير في هذا الفصل إلى مواضيع في هذا الصدد مرتبة حسب توقيتها التاريخي:

يروي المحدثون والمؤرخون أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) كان يزور قبور الشهداء كل عام ويخاطبهم قائلاً: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. ويروى أيضاً أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يزورون قبر

ص: 182

حمزة (علیه السلام) وشهداء اُحد، كما أن معاوية زار شهداء اُحد في حجته.

وجاء أيضاً أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) إذا شاهد القبور عن بعد نادى بصوت مرتفع: السلام عليكم بما صبرتم ... (1)

من وصايا الإمام الصادق(علیه السلام)

أوصى الإمام الصادق (علیه السلام) معاوية بن عمار بزيارة المساجد والمشاهد في المدينة المنورة، وقال: لا تدع إتيان المشاهد ... وقبور الشهداء وبلغنا أن النبي (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كان إذا أتى قبور الشهداء، قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار(2).

فاطمة الزهراء (علیها السلام) تزور حمزة (علیه السلام)

يروي الكليني (رحمة اللّه) عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال: عاشت فاطمة ( علیها السلام) بعد رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) خمسة

ص: 183


1- تاريخ المدينة لابن شُبّة : ج 1 ص 132؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15 ص40؛ البداية والنهاية لابن كثير : ج 4 ص45؛ وفاء الوفا للسمهودي : ج 3 ص 932 .
2- الکافي للکلیني:ج4ص561.

وسبعين يوماً ولم تُرَ كاشرةٌ ولا ضاحكةً ؛ تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس، فتقول : هاهنا كان رسول الله وهاهنا كان المشركون.

وقد ذكرت كتب الشيعة والسنة كثيراً زيارة الزهراء قبر حمزة (علیه السلام) ، ومما رووا: انها (فاطمة) كانت تصلي هناك وتدعو حتى ماتت (علیها السلام)(1).

زيارة حمزة (علیه السلام)من المستحبات المؤكدة

بناءً على سيرة النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) و المعصومین(علیهم السلام)،تعتبر زيارة قبر حمزة وقبور سائر شهداء اُحُد سنةً مستحبة، بل عملاً مستحباً ومؤكداً للمسلمين، وقد اتفق فقهاء الشيعة وأهل السنة على ذلك، واعتبروا أفضل يوم لزيارته الاثنين والخميس(2).

ص: 184


1- الكافي للكليني : ج 4 ص 561 ؛ من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 1 ص 114 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15 ص 40؛ وفاء الوفا للسمهودي: ج 3 ص 932 ؛ وسائل الشيعة للحر العاملي : ج 2 ص 879؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 36 ص 353، وج 43 ص 90 وج 79 ص 169 ، وج 99 ص 30.
2- الغدير للعلامة الأميني : ج 5 ص 160.

الزيارة الرجبية عند حرم حمزة (علیه السلام )

يقول ابراهيم رفعت: منذ قرون بائدة كان لسكان المدينة تقاليد سائدة لديهم، منها اجتماع الناس رجالاً ونساء كل سنة في حرم حمزة (علیه السلام)من بداية شهر رجب الى اواسطه. ويشارك اهل المدينة في هذا الاجتماع جمع من اهالي مكة والطائف وجدة ورابغ وبعض اهل البادية ممن يزور المدينة سنوياً في رجب، وتذبح في هذه الايام ذبائح كثيرة.

أبو سفيان وقبر حمزة (علیه السلام)

يقول ابن أبي الحديد : مر أبو سفيان بقبر حمزة ،في أيام خلافة عثمان فلما شاهد القبر ضربه برجله وخاطب حمزة قائلاً: يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به (1).

وأظهر أبو سفيان بذلك كفره ونفاقه وعداءه للإسلام ولسيد الشهداء مرةُ اُخرى.

ص: 185


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحدید: ج16ص136.

كرامة شهداء اُحد وفشل سياسة معاوية

في سنة تسع وأربعين للهجرة ؛ أي بعد مضيّ ست وأربعين سنة على غزوة اُحُد، عندما كان معاوية بن أبي سفيان يحكم البلاد لا ينازعه فيه أحد، أصدر أوامره بحفر قناة في اُحُد يجري فيها الماء إلى جانب قبور الشهداء أو وسط القبور، فلما تم الحفر نادي المنادي بالمدينة أن من لهم شهداء في اُحُد عليهم أن ينبشوا القبور ويستخرجوا أجساد الشهداء فيدفنونهم في مكان آخر حتى لا يجري الماء على أجسادهم ويدمّر قبورهم، وبناءً على هذه الأوامر بدأوا ينبشون قبور الشهداء، ومنها قبور حمزة(علیه السلام) وعمرو بن جموح وعبد اللّه أبي جابر، وتعجّب عمّال معاوية عندما شاهدوا أن تلك الأجساد باقيةُ على طراوتها ولم تتحلل، وكأنهم قد دفنوا قبل يوم، حتى ملابسهم والأعشاب التي تسترهم كانت على ما هي عليه دون أدنى تغيير فيها، بحيث أصاب مسحاة اُحد العمال رجل حمزة فنزف منها الدم، ولما رفعوا يد أحد الشهداء من جبهته نزف الدم منها أيضاً، فلما شاهد

ص: 186

عمال معاوية هذه الكرامة من الشهداء أعادوا القبور إلى ما كانت عليه وانصرفوا.

كان هذا ملخص ما نقلته كتب التاريخ، ورواه مؤرخوا المدینة بالتفصيل حيناً وبالاختصار حيناً آخر(1).

أحد رواة هذه القضية هو جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي الشهير، وكان أبوه عبد الله من شهداء اُحُد، يقول جابر: استُصرخنا على قتلانا يوم اُحد يوم حفر معاوية العين، فوجدناهم رطاباً يتثنّون فأصاب المسحاة رجل حمزة فطار منها الدم.

وجاء في بعض الروايات : كأنهم نُوّم.

وقيل في عبد اللّه أو عمرو بن جموح وكانا مدفونين في قبر واحد :فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم، فردّت إلى مكانها فسكن الدم.

ص: 187


1- تاريخ المدينة لابن شبّة : ج 1 ص 133؛ تاريخ الطبري : ج 2 ص 319؛ اُسد الغابة لابن الأثير : ج 2 ص 55 ؛ اخبار مدينة الرسول لابن النجار: س 57 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14 ص 264 ؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 4 ص 43 ؛ وفاء الوفا للسمهودي : ج 3 ص 938 ؛ تاريخ الخميس للديار بكري : ج 1 ص 443 .

ما هدف معاوية من فعلته تلك ؟

ذكرنا أن معاوية أمر بحفر قناة إلى جانب قبور الشهداء أو في ما بينها، وكان معاوية يستهدف بذلك أن ينقل أجساد الشهداء إلى جهات مختلفة، فتنمحي آثارهم وقبورهم لينهي مشكلةً سياسية اجتماعية كان تنغّص عليه حياته، إذ أن معاوية قد نشر أباطيل كثيرة في بلاد المسلمين لصالحه وضد أهل البيت ،وخصوصاً ضد أمير المؤمنين علي (علیه السلام)، إلا أن حضور آلاف الزوار سنوياً إلى جانب قبر حمزة وقبور شهداء اُحد يذكّرهم بغزوة اُحد وجرائم أبي سفيان وهند ومعاوية نفسه في قتل هؤلاء الشهداء ، ثم التمثيل بأجسادهم وشقّ صدر حمزة وقضم كبده ،وبصورة عامة رفع راية الشرك ضد الإسلام والقرآن على أيدي اُسرة معاوية، فتثير ذكريات تلك الجرائر في أذهان الناس ، ولم يتحمل معاوية ذلك، فقرّر أن يفرّق ما تبقّى من العظام البائدة لهؤلاء الشهداء بعد مرور أكثر من أربعين عاما على استشهادهم، فيسلمها بأيدي أهاليهم لينقلوها إلى أماكن شتّى، فتنمحي

ص: 188

الآثار وينسى المسلمون شيئاً فشيئاً نتائج غزوة اُحد ومعالمها. إذن فلهذه الغاية أمر معاوية بحفر القناة عند قبور الشهداء، وقد استمرت خطته ناجحة حتى نبش القبور، إلا أنّ كرامة الشهداء وبقاء أجسادهم دون أن تبلی أفشلت مكيدته واضطر إلى إعادة الأجساد إلى أماكنها حتى لا ينفضح أمره.

فاطمة الزهراء(علیها السلام) أول من أصلح قبر حمزة (علیه السلام )

كان قبر حمزة - كما سنذكر - منذ القرن الثاني للهجرة تحت سقف وله مبنى، وقد روى المحدثون والمؤرخون عن الإمام الباقر(علیه السلام) أن أول من أصلح هذا القبر بعد مرور عدة سنوات فاطمة الزهراء(علیها السلام)خوفاً عليه من الإندثار،وقد روت كتب السنة هذا الخبر أكثر من الشيعة.

ونص الرواية كالتالي:(...عن سعد بن طريف عن أبي جعفر(علیه السلام)أن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كانت تزور قبر حمزة(علیه السلام)ترُمُّهُ وتُصلحه وقد تعلّمته بحجر)(1)

ص: 189


1- الطبقات الکبري لابن سعد:ج3ص11؛تاریخ المدینة لابن شبة:ج1ص131؛وفاء الوفا للسمهودي:ج3ص932.

حرم حمزة (علیه السلام) في القرن الثاني

يروي السمهودي عن عبد العزيز( أقدم مؤرخ للمدينة) أنه قال: إنه كان على قبر حمزة قديماً مسجد(1).

يقول السمهودي :وذلك في المائة الثانية.

وبناءً على قول مؤرخي المدينة هذين كان قبر حمزة داخل حرم وعليه سقف منذ القرن الثاني، رغم أننا لا نعلم بانيه ولا تاريخ بنائه بدقة.

وستلاحظ أن الكتيبة الموجودة عند قبور شهداء اُحد تدل على أن تلك القبور كان لها مبنىً سنة 275 ه-.

حرم حمزة (علیه السلام) في القرن السادس

زار ابن جبير الرحالة الشهير (المتوفى 614 ه-)الحرمين الشريفين سنة خمسمائة وتسع وسبعين،

ص: 190


1- وفاء الوفا للسمهودي : ج 3 ص 922؛ في القرون الأولى من الإسلام كانوا يطلقون اسم المسجد على الابنية التي تقام على القبور وهذا الإسم مقتبس من الآية الكريمة:( قال الذينَ غَلَبُوا عَلَى أمْرهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجدا)، امّا مصطلحات الحرم، المزار والمشهد فقد ظهرت بعد ذلك.

يقول: وعلى قبره (رضی اللّه عنه) مسجد مبني والقبر برحبته في جوف المسجد(1).

بناء مبنىً شامخاً في القرن السابع

كتب ابن النجار مؤرخ المدينة في القرن السابع (المتوفى 643 ه ) كتابه بعد حوالي أربع وستين سنةً من زيارة ابن جبير لحرم حمزة، يقول ابن النجار: في سنة خمسمائة وتسع وتسعين بنت اُم الخليفة العباسي الناصر لدين اللّه(2) حرماً ضخماً لحمزة، وجعلت على قبره ضریحاً مزركشاً من الخشب الساج ، وأحاطت حرمه بسور، وجعلت للحرم باباً يُفتح على الزوار كل خميس ...(3).

ص: 191


1- الرحلة لابن جبیر:ص44.
2- الناصر لدين اللّه العباسي، الخليفة الرابع عشر، ولد سنة 553 ه- وتوفي سنة 622 ه- واستمرت خلافته سبعة واربعين سنة، يقال أنه كان يميل الى التشيع ، وقد اصلح مباني حرم ائمة البقيع والعباس عم النبي، كانت أمه تدعى زمرّد. السيوطي، تاريخ الخلفاء. القمي، تتمة المنتهى.
3- أخبار مدینة الرسول لابن النجار:ص58.

حرم حمزة (علیه السلام)في القرن العاشر

وقد شاهد السمهودي (المتوفى911) حرم حمزة بنفس الهيئة التي وصفها ابن النجار قبله بثلاثة قرون، يقول السمهودي :وعليه قبة عالية حسنة متقنةُ وبابه مصفّح كله بالحديد، بنتهُ اُم الخليفة الناصر لدين اللّه كما قاله ابن النجار وذلك في سنة تسعين وخمسمائة، قال: وجعلت على القبر ملبناً من ساج وحوله حصباء، وباب المشهد من حديد يفتح كل يوم خميس...(1).

يلاحظ إذن أن بناء حرم حمزة في القرن العاشر كان على النحو الذي وصفه ابن النجار، أواسط القرن السابع بكيفية بنائه واتقانه وبابه الحديدي والسور المحيط به(2).

ويروي السمهودي بقية كلام ابن النجار حول ضريح حمزة،قائلاً:له ضريح من خشب الساج مثل ضريح إبراهيم والعباس والحسن المجتبى(علیه السلام)،ثم يقول: أما

ص: 192


1- وفاءالوفا للمسهودي:ج3ص921-923.
2- جاء في تاريخ ابن النجار: (وجعل حوله حصاراً)،وفي وفاء الوفاء:(وجعل حوله حصباء)،والظاهر أن الأول صحيح والثاني غلطة مطبعية.

اليوم وعلى عكس القبور الثلاثة المذكورة، لا يوجد على قبر حمزة الضريح الخشبي الذي ذكره ابن النجار، فضريحه وقبره من الجص والطابوق، ولعل هذا الضريح قد بُني بعد تقادم الضريح الخشبي وتآكله.

ويؤيد السمهودي في آخر كلامه انتساب المبنى لأم الخليفة العباسي فيقول: يرجع هذا المبنى الى سنة 590 ه-،وتوجد على جداره كتابةُ محفورة بالخط الكوفي باقيةُ حتى اليوم(1).

حرم حمزة(علیه السلام) في القرن الثالث عشر

أي قبل هدمه بتسع وثمانين سنة

زار السيد إسماعيل المرندي قبر حمزة والمدينة سنة ألف ومائتين وخمس وخمسين ، أي بعد السمهودي بثلاث قرون ونصف قرن، فقال : يقع قبر حمزة عمّ رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)هناك (اُحد)، وله قبةٌ وصحن، كما له ضريح خشبي، ويوجد ستار على القبر المطهر(2).

ص: 193


1- وفاء الوفا للسمهودي:ج4ص921-923.
2- توصیف المدینة،نقلاً عن مجلة(میقات الحج)الفصلیة،العدد:5ص119.

يبدو من ذلك أنه لم تحدث تغييرات أساسية في حرم حمزة طوال مدة ثلاث قرون ونصف قرن ،ومن التغييرات الضئيلة وضع ضريح خشبي مرةً اُخرى بعد الضريح الطابوقي.

حرم حمزة (علیه السلام) سنة 1325 ه-

يبدو من توصيف إبراهيم رفعت المصري(1)الذي زار حرم حمزة قبل هدمه بتسعة عشر عاماً أن مبنى الحرم كان كما وصفه السابقون، وهو نفس المبنى الذي بني في القرن السادس.

ولكن يبدو من كلامه أنه قد تم توسيع الحرم شيئاً ما وأضيفت بعض الزخارف داخله ،الشيء الذي لم يكن موجوداً من قبل، أو لم يذكر المؤرخون السابقون شيئاً عنه، وتوجد في كلامه نقاط هامة يلزم أن نشير إليها، إنه يقول في حرم حمزة وضريحه :

ص: 194


1- حج ابراهيم باشا اربع سنوات باعتباره اميرا للحجاج المصريين من قبل ملك مصر، وكانت آخر سفرة له سنة 1325، وألف كتابا في مجلدين سماه «مرآة الحرمين »كتب فيه مذكراته ومشاهداته.

لهذا المسجد (الحرم) مبنىً شامخ ، وفي نفس الوقت بسيط وخال من الزخارف، وله قبة تقع فوق ضريح حمزة، وعلى الضريح ستار مزركش، قماش هذا الستار مثل القماش المستعمل في ستار .

الكعبة الذي ينسج في مصر، وقد كتب على أحد طرفیه: بسم اللّه الرحمن الرحيم ( قُلْ كُلِّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكلته فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بمَنْ هُوَ أهْدَى سَبيلاً )وعلى الطرف الآخر :بسم اللّه الرحمن الرحيم (هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين كُلَّه وَكَفَى باللّه شَهِيدًا )ثم يضيف صورة من داخل الحرم تبيّن وجود شبكة حديدية كبيرة تقريباً على القبر الشريف، ويبدو هو في الصورة جالساً مع أشخاص آخرين عند الضريح، ويعرّف هؤلاءالأشخاص، فيقول: إنّ الشخص الأول من اليمين هو متولّي الحرم.

توسيع رقعة الحرم

يقول إبراهيم رفعت باشا:بنت اُم الخليفة العباسي حرم حمزة سنة 590 ه- ثم تم توسيعه سنة 893 ه-،

ص: 195

وقد أمر الملك الأشرف قايتباي(1)وبإشراف شاهين الجمالي متولي الحرم النبوي الشريف بحفر بئر في الجانب الغربي منه، وبئر آخر بعيد عن الحرم إلى جانبه عدة مرافق صحية ودورات مياه.

مصرع حمزة(علیه السلام)

يذكر إبراهيم رفعت باشا أن أكثر الكتب التاريخية تخبر أن حمزة قد استشهد بجنب جبل الرماة، ثم نقل رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)جثمانه إلى المكان المسطح الموجود فيه الآن ودفنه هناك، ثم يشرح إبراهيم رفعت مصرع حمزة (اي مكان استشهاده) قائلاً:

في مبنى (المصرع) ضريحُ كتب على جوانبه خمسة أبيات من الشعر مطلعها:

ص: 196


1- الملك الأشرف قايتباي من ملوك الدولة الجركسية، وقد تولى الحكم سنة 872 وتوفي سنة 901، وقد مدحوه بالتجليل والتعظيم، إذ كان مقداماً في أعمال الخير وبناء المدارس وأسوار المدن وخصوصاً في مكة والمدينة، كما نسبت إليه عدة كتب ،كما أن القبة الخضراء لرسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ايضا من أعماله. أنظر حشمت سامي، قاموس الأعلام، قاموس دهخدا.

أعظم بمشهد ليث اللّه حمزة مَنْ***بيوم أحد الخير الخلق قد نصرا

ثم يروي قصيدة أخرى مكتوبة في لوح وموضوع داخل مبنى المصرع ومنها منها(1):

مسجد حاز كل ّفخر وسؤدد***و بدا نوره إلى العرش يصعُدُ

مسجد منه روحُ خیر شهید***رجعت بالرضا لفوز مؤبَّد

يقول إبراهيم رفعت: يوجد لوح آخر فوق ضريح المصرع كتب فيه هذا البيتان:

قف على أبوابنا في كلّ ضيق***واطلب الحاجات وابشر بالمنی

فحمانا ملجأ للطالبين***وبنا تجلى الكروب والعنا

ثم يعرض صورة من احد جوانب حرم حمزة، ويشير فيها إلى بيت واقع خلف النخيل ويقول: هنا يسكن خادم مصرع حمزة (علیه السلام).

بركتان داخل الصحن

يشير إبراهيم رفعت في نفس الصورة إلى مسجد يقع خلف حرم حمزة: ويقول: إلى جانب هذا المسجد

ص: 197


1- هذه القصيدة ذات ثلاثة عشر بيتاً،وتبين أن تاريخ بناء المبنى هو 1265 ه-،وباسم بانيه (سليم باشا).

توجد بركتان لهما مبنىً قوي وأبواب حديدية، وتمتلئ البركتان من مياه الأمطار، ومن المسيل الذي يبعد عن المدينة مسيرة أربع ساعات، وينضح منها الماء بواسطة التنبوشة والخراطيم الفخارية.

ثم يقول: وقد بنى هاتين البركتين علي بك، الحاجب الأكبر للسلطان عبد الحميد(1).

قبة مصرع حمزة (علیه السلام) في كتاب بورتون

يقول الرحالة الإنجليزي ريتشارد بورتون الذي زار اُحد سنة 1853 ه- أي قبل حوالي مائة وخمسين سنة: (توجد قبةُ ومبنى شامخ في المكان الذي قتل فيه حمزة)(2).

التبرك بتراب قبر حمزة (علیه السلام )

يظهر من كلام السمهودي، مؤرخ المدينة الشهير، أن المسلمين كانوا يأخذون التراب المحيط بقبر حمزة تبركاً واستشفاءً، ويحملونه إلى أوطانهم باعتباره هدية المدينة المنورة، ويوزعونه بين أقاربهم

ص: 198


1- مرآة الحرمین لإبراهیم رفعت باشا:ج1ص390-392.
2- موسوعة العتبات المقدسة:ج3ص288.

وأصحابهم، وقد اختلف فقهاء أهل السنة في جواز نقل تراب الحرم المدني، فقال بعضهم بعدم جوازه مثل تراب الحرم المكي، ورغم ذلك فإن هؤلاء العلماء قد استثنوا تربة حمزة(علیه السلام) فاعتبروا حملها جائزاً بناءً على السيرة العملية للمسلمين.

يقول السمهودي في ذلك: استثنى الزركشي(1) حمل تربة حمزة عن تربة سائر مناطق المدينة، فأجاز نقلها بدليل أن المسلمين كانوا طوال القرون المتوالية يحملون إلى أوطانهم معهم هذه التربة للاستشفاء، وخصوصاً للصداع (2).

كما يروى عن أحمد بن يكوت في حمل تربة قبور الشهداء، أنه سئل في ذلك، فأجاب: يجوز ،لأن المسلمين كانوا يحملون تربة قبر حمزة منذ قديم الزمان (3).

ص: 199


1- أبو عبد اللّه بدر الدين الزركشي المصري المنهاجي (المتوفى 794ه-) مؤلف كتاب (سلاسل الذهب) في علم الأصول وكتاب (زهر العريش في أحكام الحشيش) وغيرهما من الكتب.
2- وفاء الوفا للسمهودي:ج1ص116-117.
3- وفاء الوفا للسمهودي:ج1ص116-117.

ويروي أيضاً عن ابن فرحون أن المسلمين في زمنه - مثل من سبقهم - كانوا يصنعون المسابيح من تربة حمزة ويحملونها إلى ديارهم (1)

يقول السمهودي: لأن حمل هذه التربة بهدف الاستشفاء، فيأخذونها أحياناً من المسيل القريب لحرم حمزة (علیه السلام)بدلاً من القبر نفسه(2).

نستنتج إذن أن حمل تربة حمزة والاستشفاء بها كان مألوفاً بين المسلمين منذ القرون الأولى، بحيث أن علماء القرنين السادس والسابع اعتبروا عملهم من سیرة المسلمين في صدر الإسلام، واستدلوا بها للإفتاء بجواز حمل هذه التربة.

في القرون الأخيرة

وقد استمرت سيرة المسلمين هذه في تربة حمزة والتبرك بها إلى أن سيطر السعوديّون على الحكم، وصار الأمر بيد الوهابيين. فنجد أن الرحالة الغربي دونالدسون قد زار المدينة قبل هدم آثارها بسنوات،

ص: 200


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.

وكتب مشاهداته في كتاب اسماه:عقيدة الشيعة،وذكر فيه اُحُد وحرم حمزة،ثم قال:وتحيط بقبور الشهداء تربةٌ حمراء تنسب إلى حمزة(علیه السلام)ويتبرك الناس بها(1).

كيف كان اهالي المدينة يزورون حرم حمزة(علیه السلام)

جاء بوخارت سنة 1915م إلى الحج متلبساً بزي المسلمين وكان آنذاك أوائل حكم آل سعود على الحجاز، وكتب بوخارت كثيراً عن مشاهداته هناك، وله في كتابه بعض الاستنتاجات الخاطئة أيضاً، يشير بوخارت إلى زيارة حرم حمزة قائلاً: من عادات أهالي المدينة أنهم يخرجون كل سنة مرة من البلد فيجتمعون ثلاثة أيام متوالية عند جبل اُحد ويحتفلون هناك مبتهجين (2).

ولكن عرفنا أن الهدف من هذا الاجتماع في رجب هو العبادة والزيارة لا السياحة والاحتفال كما ظنه

الرحالة الغربي بوخارت.

ص: 201


1- موسوعة العتبات المقدسة: ج3ص219.
2- موسوعة العتبات المقدسة:ج3ص255

الخيام التي كانت تنصب في هذه الزيارة

حجّ لبيب بتنوني المصري قبل هدم آثار المدينة،وعرض في مذكرات رحلته صورة من حرم حمزة وحواليه خيام كثيرة،وكتب تحت الصورة:مسجد سيدنا حمزة وحوله زوّار المدينة(1).

معتقد الوهابيين وعملهم

ذكرنا جميع الحوادث التي جرت على مبنی حرم حمزة (علیه السلام)منذ القرن الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري، وأشرنا إلى زيارة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) قبر سيد الشهداء حمزة(علیه السلام) وكذلك زيارة المسلمين له تأسياً برسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

ولكن بعد ظهور الوهابيين و تسلط آل سعود على الحجاز هدم حرم حمزة، كما هدم سائر المراقد لكبار رجال الإسلام، وقام الوهابيون بمنع الزيارة، وبث أفكارهم الضالة لإضعاف عقائد المسلمين وفرض آرائهم المستحدثة، وكان مما منعوه هذه الزيارة الرجبية عند حرم حمزة (علیه السلام).

ص: 202


1- رحلة بتنوني:ص345.

ومن المؤسف أن الكتّاب والمؤلفين اليوم في الحجاز يفتخرون بأعمال هؤلاء المتشددين، ويرونها من أكبر مناقبهم و أجلّ خدماتهم - مع ما فيه من البعد عن سيرة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)- التي أسدوها للأجيال الإسلامية القادمة، كما يتهمون غيرهم من المسلمين بالشرك وعبادة الأصنام.

فمثلاً يشير الكاتب والمؤرخ المعاصر( أحمد السباعي) المكي إلى مثل هذه التجمعات والأدعية والزيارات التي تقرأ فيها ، فيقول : ظهرت هذه البدع منذ عهد الفاطميين، وذلك لحبهم وتشيعهم لأهل البيت، واستمرت تلك البدع طوال التاريخ إلى أن دخل السعوديون مكة سنة 1343 فأبطلوا تلك الأعمال وألغوا هذه التجمعات(1).

وقد أصر الوهابيون على عقائدهم حتى رأو أن السفر إلى المدينة إذا كان بقصد زيارة قبر رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فهو عمل محرم، وعلى مقترفه إثم كبير لا يغتفر.

ص: 203


1- تاریخ مکة لأحمد السباعي،الطبعة السادسة:ج1ص216.

فهرس المصادر

قسم من القرآن المجيد ونهج البلاغة

1- الاحتجاج ، الطبرسي

2- اخبار مدينة الرسول ، ابن نجار

3- الارشاد ، الشيخ المفيد.

4- اسد الغابة ، عز الدين ابن اثير الجزري

5- الاصابة ، ابن حجر العسقلاني

6- اعيان الشيعة ، السيد محسن الأمين العاملي.

7- اكمال الدين ، الشيخ الصدوق

8- الأمالي ، الشيخ الصدوق

9- الأمالي ، الشيخ المفيد

10- بحار الأنوار ، العلامة المجلسى

11- البداية والنهاية ، ابن كثير الدمشقي

12- بصائر الدرجات ، صفار القمّي

13- تاريخ الإسلام ، الذهبي

14- تاريخ الأمم والملوك ، الطبري

15- تاريخ الخلفاء ، السيوطي

16- تاريخ الخميس ، الديار بكري

ص: 204

17- تاريخ المدينة ، ابن شبه

18- تاريخ مكة ، السباعي

19- تاريخ اليعقوبي ، ابن واضح

20- تفسير الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)

21- تفسير علي بن ابراهيم القمي

22- تفسير الدر المنثور ، السيوطي

23- تفسير الميزان ، العلامة الطباطبائي(رحمة اللّه)

24- تفسير العياشي ، العياشي

25- تفسير فرات ، فرات الكوفي

26- تفسير مجمع البيان ، الطبرسي

27- الخصال ، الشيخ الصدوق

28- الدرجات الرفيعة ، المدني الشيرازي

29- ذخائر العقبى ، الطبري

30- رحلة ، بتنوني المصري

31- رحلة ، ابن جبير

32- روضات الجنات ، محمد باقر الخونساري

33- الروض الأنف ، السهيلي

34- السنن ، ابي داود

35- سير أعلام النبلاء ، الذهبي

36- السيرة الحلبية ، ابن هشام

ص: 205

37- شرح نهج البلاغة ، ابن ابي الحديد

38- صحيح البخاري ، محمد بن اسماعيل البخاري

39- صحیح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيشابوري

40- الصحيح من سيرة النبي، سيد جعفر مرتضى العاملي

41- الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي

42- الطبقات ، ابن سعد

43- الغدير ، العلامة الأميني

44- الفصول المختارة ، الشيخ المفيد

45- قرب الاسناد ، الحميري

46- الكافي ، الحكمي

47- كنز الفوائد ، الكراجكي

48- مجالس المؤمنين ، القاضي نور اللّه التستري

49- مجلة علوم الحديث التخصصية

50- مجلة الفكر الاسلامي

51- مرآة الحرمين ، رفعت باشا

52- مروج الذهب ، المسعودي

53- معجم البلدان ، ياقوت الحموي

54- من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق

55- موسوعة العتبات المقدسة ، جعفر الخليلي

ص: 206

56- نور الأبصار ، الشبلنجي

57- وسائل الشيعة ، الشيخ الحر العاملي

58- وفاء الوفا، السمهودي

ص: 207

فهرس المواضيع

مقدمة المترجم...5

مقدمة المؤلف...9

التعتيم الفكري...11

نظرة سريعة إلى حياة حمزة...14

جانب آخر من حياة حمزة(علیه السلام)...15

شرف آخر امتاز به حمزة ...16

حمزة(علیه السلام)قبل الاسلام...17

في زواج النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)...18

حمزة(علیه السلام)في القرآن...20

حمزة(علیه السلام)في الحديث النبوي الشريف...26

1 - حمزة(علیه السلام)سيد جميع الشهداء عدا الأنبياءوالأوصياء...26

2-حمزة(علیه السلام)منسادة أهل الجنة ...27

3-حمزة(علیه السلام)أحب أعمام رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)اليه...28

4 - حمزة(علیه السلام)أحب الأسماء لدى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)... 28

5- حمزة(علیه السلام)أحد الراكبين الأربعة يوم القيامة...28

ص: 208

6 - حمزة(علیه السلام)فاعل الخيرات وواصل الأرحام...29

7 - حمزة(علیه السلام،يشفع يوم القيامة...29

8- مكتوب عند العرش :حمزة(علیه السلام)اسد اللّه...29

9 - حمزة(علیه السلام)في دعاء رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)...30

10 -حمزة(علیه السلام)افضل الشهداء ...30

حمزة (علیه السلام)في كلام الأئمة(علیهم السلام)...31

حمزة(علیه السلام)فى أقوال أمير المؤمنين(علیه السلام)واحتجاجه...31

حمزة(علیه السلام)في احتجاج أمير المؤمنين...32

حمزة(علیه السلام)في احتجاج أمير المؤمنين في البصرة...32

حمزة(علیه السلام)في احتجاج أمير المؤمنين(علیه السلام)ومعاوية ...34

حمزة(علیه السلام)في احتجاج أمير المؤمنين(علیه السلام)مع العالم اليهودي...35

حمزة(علیه السلام)في احتجاج الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)...36

حمزة (علیه السلام)في احتجاج الحسين بن علي(علیه السلام)...37

حمزة(علیه السلام)في احتجاج علي بن الحسين(علیه السلام)...38

حمزة(علیه السلام)في كلام الإمام الصادق(علیه السلام)...40

حمزة(علیه السلام)في احتجاج محمد بن الحنفية...40

حمزة (علیه السلام)في احتجاج الشيخ المفيد(رحمة اللّه)...41

حمزة(علیه السلام)في الحروب...43

ص: 209

حمزة(علیه السلام)اول حام للاسلام...43

حمزة ، حامى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)...45

حمزة(علیه السلام)وعمر بن الخطاب...46

حمزة(علیه السلام)وابولهب...47

المؤاخاة بين حمزة(علیه السلام)وزيد بن حارثة...49

حمزة(علیه السلام)،حامل اول لواء في الإسلام...50

حمزة(علیه السلام)، حامل ثاني لواء في الإسلام...51

حمزة(علیه السلام)، حامل ثالث لواء في الإسلام...52

حمزة(علیه السلام)سيد الشهداء في غزوة بدر...54

الاستعدادات اللازمة قبل المعركة...57

الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يخاطب المشركين...59

العدو يبدأ الحرب بالسهام...60

هجوم العدو ودفاع حمزة(علیه السلام)...61

الهجوم الثاني ودفاع حمزة(علیه السلام)...61

التقاء الفريقين...63

نتيجة وقعة بدر...65

1 - قتلى المشركين واسراهم...65

2 - الغنائم ...65

شهداء غزوة بدر...66

ص: 210

أهمية يوم بدر...66

دور حمزة(علیه السلام)في الانتصار بيوم بدر...67

عدد قتلى المشركين...68

بطلا يوم بدر علي أمير المؤمنين(علیه السلام)وحمزة سيد الشهداء(علیه السلام)...70

عدد قتلى حمزة (علیه السلام)سيد الشهداء...71

تحليل ابن أبي الحديد لكيفية انتصار المسلمين...72

أحد زعماء المشركين يشهد بشجاعة حمزة(علیه السلام)...72

النتائج المترتبة على غزوة بدر لدى المشركين...74

قرارات جديدة لقريش...74

مؤامرة لاغتيال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)...75

العزم على اشعال الحرب مرة اخرى ...77

حمزة(علیه السلام)في يوم احد...80

اين يقع أحد؟...80

لماذا سمي الجبل بأحد؟...80

فضيلة أحد...80

زحف المشركين نحو المدينة...82

المرحلة الأولى من معركة أحد...84

المرحلة الثانية من المعركة واسباب هزيمة المسلمين... 86

جرحى يوم أحد...89

ص: 211

1 - رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)...89

2- علي بن ابي طالب(علیه السلام)...91

كان اللواء يوم أحد بيد علي(علیه السلام)...92

أمير المؤمنين(علیه السلام)يواجه أصحاب لواء الكفر...92

الى الأمام يا علي(علیه السلام)...94

لا فتى الا علي(علیه السلام)...95

علي(علیه السلام)واكثر من سبعين جرحا...97

وما بعد المعركة...98

3 - طلحة بن عبيد اللّه...100

4 - عبد الرحمن بن عوف...101

المنهزمون...101

واما المنهزمون...101

عدد المنهزمين في أحد...104

نقد كلام ابن ابي الحديد...106

اما في عثمان بن عفان...107

واما في عمر بن الخطاب...108

واما في ابي بكر...110

محاولة لرفع هذه الشبهة...111

ثلاث شبهات في هذا الحديث...112

ص: 212

حسان بن ثابت في قلعة فارع...113

شهداء غزوة أحد واستشهاد حمزة(علیه السلام)...115

عدد شهداء أحد....115

حمزة(علیه السلام)سيد الشهداء...117

حمزة(علیه السلام)، قبيل المعركة...118

استشهاد حمزة(علیه السلام)ورؤيا رسول اللّه...119

الاستشهاد صائماً...120

كيفية استشهاد حمزة(علیه السلام)...120

1 - جبير بن مطعم...120

2 - هند زوجة أبي سفيان...120

ولنسمع القصة من وحشي...122

جثة حمزة(علیه السلام)بعد الشهادة...124

1 - هند وجثة حمزة(علیه السلام)...124

2- ابو سفيان وجثة حمزة(علیه السلام)...124

3- رسول اللّه وجثة حمزة(علیه السلام)...124

موضوعان جديران بالذكر...129

4 - صفية وجثة حمزة(علیه السلام)...133

5- شدة بكاء رسول اللهّ(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)على حمزة(علیه السلام)...135

6 - سبعون صلاة على جثمان حمزة (علیه السلام)...135

ص: 213

7- دفن حمزة(علیه السلام)بالكفن...136

كيفية دفن حمزة(علیه السلام)...136

دفن حمزة(علیه السلام)منفرداً في قبر واحد...137

إقامة مجلس العزاء...138

ما سبب حزن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)؟...141

ما ذكر في رثاء حمزة(علیه السلام)...142

لو لم يستشهد حمزة(علیه السلام)...143

حمزة(علیه السلام)،كما يراه ابن ابى الحديد واستاذه...145

وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم...147

ابناء حمزة(علیه السلام)...147

محاولة الأعداء تشويه سمعة حمزة(علیه السلام)...149

اخفاء مناقب حمزة(علیه السلام)...152

الطعن في حمزة(علیه السلام)والنيل منه...154

من اختلق هذه الأكذوبة...157

من هو الزهري...158

ولادته ووفاته...158

الزهري في المدينة...159

الزهري في الشام...159

نشر الأحاديث لصالح بني امية...163

ص: 214

عدد احاديث الزهري...165

الغاية المنشودة من أحاديث الزهري...166

نماذج من احاديث الزهري...167

1. الخلاف بين امير المؤمنين(علیه السلام)والعباس(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)...167

2. قصة خطبة امير المؤمنين(علیه السلام)ابنة ابي جهل...169

رأي علماء الشيعة والسنة في الزهري...171

رأي ابن ابي الحديد في الزهري...173

النتيجة...174

تنزيه قاتل حمزة(علیه السلام)...175

حرم حمزة(علیه السلام)على مر التاريخ...182

رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وقبر حمزة(علیه السلام)...182

من وصايا الإمام الصادق(علیه السلام)...183

فاطمة الزهراء(علیها السلام)تزور حمزة(علیه السلام)...183

زيارة حمزة(علیه السلام)من المستحبات المؤكدة ....184

الزيارة الرجبية عند حرم حمزة(علیه السلام)...185

أبو سفيان وقبر حمزة(علیه السلام)....185

كرامة شهداء أحد وفشل سياسة معاوية...186

ما هدف معاوية من فعلته تلك؟...188

فاطمة الزهراء(علیها السلام)أول من أصلح قبر حمزة (علیه السلام)...189

ص: 215

حرم حمزة(علیه السلام)في القرن الثاني ...190

حرم حمزة(علیه السلام)في القرن السادس...190

بناء مبنى شامخاً في القرن السابع ...191

حرم حمزة(علیه السلام)في القرن العاشر ...192

حرم حمزة(علیه السلام)قبل هدمه بتسع وثمانين سنة...193

حرم حمزة(علیه السلام)سنة 1325ه-...194

توسيع رقعة الحرم...195

مصرع حمزة(علیه السلام)...196

بركتان داخل الصحن...197

قبة مصرع حمزة(علیه السلام)فى كتاب بورتون...198

التبرك بتراب قبر حمزة(علیه السلام)...198

في القرون الأخيرة...200

كيف كان اهالي المدينة يزورون حرم حمزة(علیه السلام)... 201

الخيام التي كانت تنصب في هذه الزيارة...202

معتقد الوهابيين وعملهم...202

فهرس المصادر...204

فهرس المواضيع...208

ص: 216

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.