ص: 2

ص: 3

معجم نواصب المحدثین

دراسة معجمیة تتقصّی أسماء النواصب من المحدِّثین

ونماذج من أحوالهم وآثارهم فی کتب الحدیث المعتمدة عند أهل السنة

تألیف عبدالرحمن العقیلی

إصدار

شعبة الدراسات و البحوث الاسلامیة

فی قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1435ه_ __ 2014م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله کما یرضی, وصلّی الله علی سیدنا محمد المصطفی وآله خیر الخلق وسادات الوری.

وبعد فقد کنت أحدث نفسی بتألیف کتاب لا یهدف الی إثبات صحة العقیدة وترویج الأحادیث المجیدة من خلال الأدلة التی یری صحتها طرف واحد, ویناضل فی سبیلها المخلص المجاهد, ولکن من خلال نظرة مشترکة, لا یختلف علیها اثنان, ویمکن أن یأتلف علیها ضدِّان, وأخیرا وقع الاختیار بعد التقصّی فی مضانّ الأخبار, علی تألیف کتاب معجم یجمع أسماء النواصب, ویترجم لهم وما أودعوه من المصائب, ممن انفرد أهل السنة بالروایة عنهم, وشیَّدوا علی أحادیثهم أرکان مدرستهم, وکان لهم الأثر البالغ فی الافتراق, والذروة فی تمهید المساق, ولشد ما أثار عجبی, أن وجدت أنَّ هؤلاء عند القوم هم السنام, فی روایات العقیدة والأحکام, والنقض والإبرام, ممِّن خانوا القلم, وأوردوا أنفسهم موارد الندم, ببغضهم أمیر المؤمنین, وموالاتهم المجرمین, فناله منهم الأذی, وصبر علی مُرِّ القذی, فکتبوا التاریخ وزوَّروه, ورووا الحدیث وموَّهوه, مما جرَّ علی المسلمین المصارع, وجعلهم فریسة لأحقر طامع, فستجد فی هذا الکتاب, الناصبیُ وما رواه والکشف عن صدره وما حواه, من فاسد الأحوال, وسیء المقال, وقدیما قیل: للحدیث رجال, وللثرید رجال!.

ص: 6

ص: 7

الآخر فی حین کان الإعلام السلطوی یأخذ باخناق الحدیث النبوی لیوجهه الی الجهة التی أرادها، وإذا کان الحدیث النبوی هو الوجه الأبرز فی التشیید الثقافی والتأسیس الفکری فقد کان الحدیث النبوی هو وسیلة إعلام الحاکم، أی من خلاله تبرز توجهات النظام وتؤکد علاقتها بالواقع الذی تفرضه علی الأمة، ولابد لهذا الجهد من فریق عمل یسعی فیه أصحابه للحصول علی (تأشیرة الدخول) فی قصور البلاط الحاکم کما بدأ ذلک أبو هریرة وکعب الأحبار وأمثالهما فی اقحام قراراتهما وتوجهاتهما للخلیفة الثانی الذی حظر الحدیث علی جمیع المحدثین ما عدا کعب الأحبار وحلیفه ابو هریرة الدوسی الثنائی الخطیر اللذین أرهقا التراث الحدیثی بالوضع لصالح الحاکم، وبالفعل فقد أسسا هذین الروایین صیغ الحدیث الوضعی فی قصر الخضراء برعایة معاویة بن أبی سفیان، ولما کان ذلک الأمر سبباً فی تأسیس الحدیث الموضوع لنوازع سیاسیة، تفاقمت أزمة الحدیث فی متاهات العداء الشخصی الذی یحمل توجهاته الراوی، فالحالة النفسیة للرواة تدخلت فی ترسیم معالم الحدیث، والبغض أو الحب دفعت بالرواة الی تحریف الحدیث واختلاق حالة الوضع، ولعل الأبرز فی هذه الظاهرة الخطیرة هی حالة الراوی الناصبی الذی أخذ بأطراف الحدیث لیتعامل معه علی أساس الحب والبغض، وکان ذلک ضمن دائرة التعامل مع المعارضة العلویة التی یتزعمها الإمام علی علیه السلام ووقوفه ضد جبروت السلطة وطغیانها الفاحش، ولم تجد هذه السلطات بدا من التندید بهذه المعارضة المشروعة من خلال الوضع الحدیثی الذی تزعمه معاویة بن أبی سفیان ودفع به الی متاهات البغض، والحقد، والکراهة والحسد، والاسفاف التی أظهرها بعض رواة الحدیث، ومن المؤکد فان هذا الحدیث صار مرتعاً للمنازعات السیاسیة والاحقاد الشخصیة التی یحملها الراوی لعلی بن

ص: 8

أبی طالب علیه السلام فتأسست طبقة خطیرة من (رواة النصب) الذی دأبو فی التعاطی مع الحدیث النبوی علی أساس فزعاتهم النفسیة، ولعل دائرة النصب هذه تضیق وتتسع فی تعریفه فالعداء لعلی ولآله والتدین به الی الله تعالی هو المصداق الأجلی للنصب، أو تقدیم عثمان علی علی هو من مصادیق النصب عند بعض التعریفات لکن الاطلاق فی تقدیم الآخرین علی علی بن أبی طالب هو الاوفق فی هذا المضمار، فتقدیم غیر علی علیه هو إحدی حالات العداء وسب علی کذلک ومحاربة شیعته لون آخر منه، وتضعیفهم مصداق من مصادیقه وهکذا فان النصب من الأمور التشکیکیة یزداد ضعفاً وقوةً فی حالاته الخاصة تبعاً للراوی وللظرف والأسلوب والمصداق وغیر ذلک، فرواة النصب یجتمعون تحت عنوان العداء لعلی وهذا العنوان یتلون بأسالیب النصب المختلفة، الحرب، الشتم، ملاحقة شیعته، تقدیم الآخرین علیه، عدم ولایته، التشکیک فی أحقیته، الغاء امامته الی غیر ذلک من أسالیب العداء المختلفة، ولعل ذلک یظهرها رواة الحدیث الذین استجابوا لنزعاتهم الشخصیة فوضعوا الحدیث، وحرفوا بعضه بتروا آخر، وأضافوا غیره وهکذا کانت مشکلة النصب تتدخل فی تحدید الحدیث وروایته، والکتاب الذی بین أیدینا یکشف عن حالة النصب الذی ابتلی بها بعضهم وأحصاها الکاتب الجدیر بالثناء الأستاذ عبد الرحمن العقیلی الذی أحصی علی هؤلاء الرواة سقطاهم الروائیة وأماط اللثام عن الکثیر من الرواة الذین دخلوا دائرة (رواة النصب) لیحصیهم لنا بما سمح له التحقیق، واستدل علی سیرتهم ونهجهم الروائی، نسأل الله له التوفیق فی مواصلة جهده العلمی المتمیز لما للمکتبة الإسلامیة من حاجة ماسة لمثل هذه الدراسات الموضوعیة.

عن اللجنة العلمیة / السید محمدعلی الحلو

ص: 9

ص: 10

فالناس فی المجتمعات الفرعونیة تنام فی عباءة الطاغیة من حیث تشعر أو لا تشعر, فهی تقلّده فی الملبس والمأکل والحرکات وحتی الاعتقاد فی بعض الأحیان وعندما یُتهم الناس بأنهم یعتقدون ما یعتقده الطاغیة ویقلدونه فی بعض مناحی الحیاة, فهم لا یُقرّون بذلک بل إنهم یستهجنون هذه التهمة, ولکن تفسیر التعاملات الیومیة والتصرفات الاجتماعیة وما یُخلّده التاریخ من ذلک لا تجعل مجالاً للشک بأن نظریة (امتصاص الدکتاتوریة) لها نصیب کبیر من الصحة, إذ تذهب هذه النظریة الی أن الشعب المظلوم یمتصُّ کثیراً من المظاهر الطاغوتیة للظالم من خلال التأثیر السلبی لأجهزة الطاغوت الإعلامیة, ویُختزن ذلک التأثیر فی العقل الباطن الذی یرفض وبشدِّة علناً هکذا تهمة ویستبطن صحّتها سراً وبلا وعی, وتتجلی مظاهرها فی التصرفات الیومیة.

وقضیة سب أمیر المؤمنین من هذه المسائل التی وقع بها الکثیر من الناس الذین حکمهم الظَلمَة حُکما قد یکون أصدق نص یدل علی بشاعته کلام أمیر المؤمنین علیه السلام إذ یقول(1) «ألا إن أخوف الفتن عندی علیکم فتنة بنی أمیة، فإنها فتنة عمیاء مُظلمة عمّت خطتّها وخصّت بلیتها، وأصاب البلاء من أبصر فیها، وأخطأ البلاء من عمی عنها. وأیم الله لتجدنَّ بنی أمیة لکم أرباب سوء بعدی. کالناب الضروس تعذم بفیها وتخبط بیدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها. لا یزالون بکم حتی لا یترکوا منکم إلا نافعاً لهم أو غیر ضائر بهم. ولا یزال بلاؤهم حتی لا یکون انتصار أحدکم منهم إلا کانتصار العبد من ربه. والصاحب من مستصحبه. ترد علیکم فتنتهم شوهاء مخشیّة, وقِطَعَاً جاهلیة. لیس فیها منار هدی، ولا علم یُری نحن أهل البیت منها بمنجاة, ولسنا فیها بدعاة».. ولو اجتمع

ص: 11

بلغاء العرب علی أن یصفوا فتنة بنی أمیة بأبلغ وأدق وأبشع من هذه الخطبة لما استطاعوا!

والسلوک الاجتماعی قد یشکل قرینة تکاد ان تصل الی حد الدلیل علی واقعة معینة من خلال معرفة الاتجاه العام للتفکیر ومیزان المغریات والروادع البیئیة الموجودة والتی تعمل علی قبض وبسط التصرف البشری تجاه الواقع المعاش ومواقفه منه سلباً وإیجاباً, وللمثال علی ذلک نذکر هذا النص(1) الذی یقول فیه احد علماء الاجتماع:

«إن أول ما نلاحظه فی أسماء الجاهلیة إن الکثیر منها یشیر الی الصلابة کحَجَر وصَخْر وفِهْر وجَندَل وجَبَل, او یشیر الی القوة والغلبة کمالک وظالم وغانم وغالب وعاصم وفاتک وغارم ومنازل ومقاتل وطارق وسیف وحرب وضرار... والذی یلفت النظر فیها أن الکثیر منها مأخوذ من أسماء الحیوانات الضاریة والمؤذیة, وهذا أمر قلّما نجده فی الأمم الأخری, فهناک تجد أسماء أسد وسبع ولیث وذئب ونمر وفهد ودب وکلب وثعلب وهر وضبع وحیة وحنش وسرحان (أی ذئب) وأسامة (أی أسد) وأبی جهل (أی نمر) ونزک (أی کرکدن) وفزر (أی ببر) ودلدل (أی قنفذ) وحریش (أی أم سبعة وسبعین...».

فی هذا النص یتهم الکاتب البدو بأنهم یسمون أبناءهم بهذه الأسماء, ولو أردنا أن نثبت أو ننفی هذه التهمة باستعمال التحلیل الاجتماعی للدوافع المشجعة لهذه التسمیات فیمکن ان نقول:

إن البدو فی حالة دائمة من العداوة مع بعضهم البعض وهذا یتطلّب ان

ص: 12

یکون الرجل الواحد مخیفا حتی بالاسم لیجنب نفسه اعتداء الآخرین..

أن البدو ینظرون الی صاحب الاسم الدال علی الصلابة والخشونة نظرة هیبة, خصوصاً عند المتصدین لزعامة القبائل وهذا دافع قوی لجلب الهیبة للعائلة الزعیمة او المنافسة لها.

إن البدو المتخلفین (بل وحتی بعض سکان الأریاف البسطاء) کانوا یعتقدون بأن الأسماء غیر الجمیلة, والدالة علی الجوارح والحیوانات المفترسة تُبعِد الحسد وتنجی الطفل من الموت, علی عکس الأسماء التی تدل علی الجمال وما یریح النفس, لذا فهم یحاولون ان یبعدوا الحسد بکل طریقة کانت.

إن البدو من الصیّادین المَهَرَة فی الغالب, والصیّاد دائما یسعی وراء الصید, لهذا فهم یفتخرون بأنهم جوارح ومفترسین ولیسوا طرائد للجوارح والمفترسات.

إن البدو یفهمون الهیبة وکأنها وجه واحد یشمل کل الحیاة, ومنها النظرة للنساء ومحاولة الظهور بالبطولة أمامهن فإن من لم یکن له اسم مخیف فهو یجد له لقباً مخیفاً!.

من خلال الدوافع المفترضة ممکن أن نقول بأن مدّعی صاحب النص حتی لو لم یسنده النقل التاریخی المشکوک فیه, فهو قریب من الصدق من خلال العیش فی طریقة تفکیر البدوی والتی من الواضح أنها تتمیز بهذه المیزات المستعلیة وکونها تحب الغلبة لأنها لاتعیش فی البادیة التی لا ترحم إلا القوی إذ یقول الشاعر:

ومن لم یذد عن حوضه بسلاحه

یُهدَّم, ومن لا یَظِلم الناس یُظلم((1)

إن هذا الشاعر یقرِّر قاعدة مهمة فی حیاة البدو وهی إما ان تَظلم وإما إن

ص: 13

تُظلم, وعلی هذا وذاک تقوم الحیاة فی البادیة, ولهذا لوازم عند البدوی, فیسخّر کل إمکاناته لکی یکون ظالماً لا مظلوماً, فیستعمل الشعر والأسماء والطعام والسیف وکل ما من شانه أن یضمن له حیاةً ظالمة!

من هذا المنطلق نستنتج أن تحلیل الجو والبیئة التی أنتجت النص یمکن ان یکون له شأن وأی شأن بترجیح کفة الرأی بمسألة صدوره أم عدم صدوره, وبعدها یأتی دور الروایات الساندة من عدمها, وبالتالی تکون العُصارة بتقریر النتیجة النهائیة, لکن الذی یحصل هو أن المنافحین عن بنی امیة یقولون بعدم صحة الروایات التی تتکلّم عن وجود سب لأهل البیت فی العصر الأموی, بل أن المصاهرة والعلاقة الحمیمیة کانت سائدة بین أهل البیت والصحابة ومنهم معاویة (کاتب الوحی) ومؤسس الدولة الأمویة..!

ومستندهم هو أنه من غیر المعقول ان یکون الصحابة الذین قال فیهم الرسول صلی الله علیه وآله «خیر القرون قرنی»(1) محبّین للدنیا لهذا الحد الذی یجعلهم متسابّین متشاتمین متحاربین متلاعنین ولم یمض علی وفاة الرسول صلی الله علیه وآله إلا سنوات قلیلة! وغاب عنهم أن الصحابة بشرٌ کباقی البشر, یحبّون ویبغضون, ویطمعون ویزهدون, ویتحاربون ویتصالحون, کباقی البشر فی کل زمان ومکان, سواء کانوا هؤلاء البشر أدرکوا رسولاً ما أم لم یُدرکوا, ولو کان القول بأنهم کباقی البشر یؤدی الی الطعن بتربیة الرسول صلی الله علیه وآله کما یدّعی البعض, لکان الأولی ان نطعن بتربیة نبی الله نوح لابنه وفلَّذة کبده إذ یقول الله تعالی فی کتابه الکریم: {قَالَ یَا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِینَ} (هود:

ص: 14

46)(1) قال ابن کثیر فی تفسیره لهذه الآیات «سؤال استعلام وکشف من نوح علیه السلام عن حال ولده الذی غرق (قال رب إن ابنی من أهلی) أی وقد وعدتنی بنجاة أهلی ووعدک الحق الذی لا یخلف فکیف غرق وأنت أحکم الحاکمین؟ (قال یا نوح إنه لیس من أهلک) أی الذین وعدت إنجاءهم لأنی إنما وعدتک بنجاة من آمن من أهلک ولهذا قال (وأهلک إلا من سبق علیه القول منهم) فکان هذا الولد ممن سبق علیه القول بالغرق لکفره ومخالفته أباه نبی الله نوح علیه السلام وقد نص غیر واحد من الأئمة علی تخطئة من ذهب فی تفسیر هذا إلی أنه لیس بابنه, وإنما کان ابن زنیة, ویحکی القول بأنه لیس بابنه وإنما کان ابن امرأته عن مجاهد والحسن وعبید بن عمیر وأبی جعفر الباقر وابن جریج»(2).

فنبی الله نوح علیه السلام ظل یدعوا قومه تسعمئة وخمسین عاماً قبل الطوفان ومع ذلک لم یؤمن ابنه الذی عاش فی کَنَفِه بنبوّته, فهل نحمّله مسؤولیة عدم أیمان ابنه ونقول ان الطعن بابنه یؤدی للطعن بنبوة أبیه؟ وما علاقة هذا بذاک؟!

ومثل هذا ما قصّه القرآن من قصّة زوجتیّ نوح ولوط إذ یقول رب العزة {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ کَانَتَا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَیْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ یُغْنِیَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَقِیلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِینَ} (التحریم: 10).

فهل کون امرأتی نوح ولوط کافرتین یوجب الطعن بنبوة هذین النبیین العظیمین؟ فکذلک کون الصحابة لم یؤمنوا بأجمعهم مسألة طبیعیة یحکم بها کل

ص: 15

عاقل متجرد عن الأحکام المسبقة, وإلا فهل یعقل ان یتحول الآلاف من الأعراب الأجلاف الذین وصلت وحشیتهم الی درجة أنهم یدفنون الرضیعة وهی حیة خوفاً من العار, ویعبدون الأوثان المصنوعة من الخشب والحجارة, بین لیلة وضحاها الی أناس متحضرین یتمتعون بأرقی النظم الدیموقراطیة, والأنظمة الاجتماعیة الراقیة؟!. هذا غیر معقول! وهذا لیس راجعاً علی النبی صلی الله علیه وآله بل ان طبیعة الأشیاء تقتضی ذلک, فمجتمع موغل فی الوحشیة بهذه الصورة لا یمکن أن یؤمن بکبسة زر, بل یراد له عدة أجیال من العیش وفق أنظمة سلیمة حتی یصل لما یدّعی من کونهم علیه, وهذا لا یمنع من وصول الوحدان لهذه المرتبة, فالقابلیات عند البشر متفاوتة والاستعدادات مختلفة, وهذا ما یؤکده المنقول من التاریخ الإسلامی إن نُظِرَ الیه بعین الإنصاف لا بعین الانحراف.

روی فی المسند(1) حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا عفان حدثنا یزید بن زریع حدثنا یونس بن عبید عن حمید بن هلال عن عبد الله بن مطرف بن الشیخ انه حدثهم عن أبی برزة الأسلمی أنه قال کنا عند أبی بکر الصدیق رضی الله عنه فی عمله فغضب علی رجل من المسلمین فاشتد غضبه علیه جدا فلما رأیت ذلک قلت یا خلیفة رسول الله اضرب عنقه, فلمّا ذکرت القتل صرف عن ذلک الحدیث أجمع إلی غیر ذلک من النحو فلما تفرقنا أرسل إلی بعد ذلک أبو بکر الصدیق رضی الله عنه فقال یا أبا برزة ما قلت؟ قال: ونسیت الذی قلت قلت ذکرنیه, قال: أما تذکر ما قلت؟ قال: قلت لا والله قال: أرأیت حین رأیتنی غضبت علی الرجل فقلت اضرب عنقه یا خلیفة رسول الله أما تذکر ذاک أو کنت فاعلاً ذاک؟ قال: قلت نعم والله والآن ان أمرتنی فعلت, قال ویحک أو ویلک ان تلک والله ما

ص: 16

هی لأحد بعد محمد صلی الله علیه - وآله - وسلم.

قلت: انظر الی أبی برزة الأسلمی الصحابی المعروف, فبعد سنوات من الإسلام لم یتشرب الإیمان فی قلبه, فهو وبعد أن طلب رضی الخلیفة لم یملک غیر ان ینصحه بضرب رقبته! والرجل لم یرتکب ما یحلل دمه.

وروی فی المسند(1): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا یعقوب حدثنا أبی عن ابن إسحاق حدثنا یحیی بن عباد بن عبد الله بن الزبیر عن أبیه عباد قال لما قدم علینا معاویة حاجّاً قدمنا معه مکة, قال: فصلّی بنا الظهر رکعتین ثم انصرف إلی دار الندوة قال وکان عثمان حین أتم الصلاة إذا قدم مکة صلی بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً فإذا خرج إلی منی وعرفات قصّر الصلاة, فإذا فرغ من الحج وأقام بمنی أتمّ الصلاة حتی یخرج من مکة فلمّا صلّی بنا الظهر رکعتین نهض إلیه مروان بن الحکم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمک بأقبح ما عبته به, فقال لهما: وما ذاک, قال: فقالا: له ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمکة؟ قال: فقال لهما: ویحکما وهل کان غیر ما صنعت قد صلیتهما مع رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ومع أبی بکر وعمر رضی الله تعالی عنهما, قالا: فإن ابن عمک قد کان أتمَّها وإن خلافک إیاه له عیب قال فخرج معاویة إلی العصر فصلاها بنا أربع!!

قلت: انظر الی دین الله الذی یتلاعب به الطلقاء, فمعاویة استحی أن یقال: خالف ابن عمه فی الصلاة فخرج فصلاها أربع!! مع أنه یقرّ أنه صلّاها مع النبی صلی الله علیه وآله وأبی بکر وعمر.

ص: 17

وقال یاقوت الحموی عن قصر عروة(1): هو بالعقیق، منسوب إلی عروة بن الزبیر ابن العوام بن خویلد، روی عروة بن الزبیر أن رسول الله، صلی الله علیه - وآله - وسلم، قال: یکون فی أمتی خسف وقذف وذلک عند ظهور عمل قوم لوط فیهم، قال عروة: فبلغنی أنه قد ظهر ذلک فتنحیت عن المدینة.

قلت: مات عروة بن الزبیر قبل انقضاء القرن الهجری الأول, وبشهادته فقد انتشر اللواط فی المدینة (دار الهجرة) قبل انقضاء قرن علی شهادة النبی!! فأین قول النبی الذی زعموه «خیر القرون قرنی»(2)! وإنما رأی الناس الرخاء فبدأوا یفکرون بما تفکّر فیه الأمم عند الرخاء وقلّة الدین, وهو البطر والطغیان والفساد الأخلاقی والتحلّل.

یروی البخاری بسنده عن النبی صلی الله علیه وآله انه قال «والله ما أخاف علیکم ان تشرکوا بعدی ولکن أخاف علیکم أن تنافسوا فیها»(3) ان ما حذر منه النبی وخاف منه لهو نتیجة طبیعیة لأخلاق البشر ورغباتهم وطمعهم ونوازع الخیر والشر فیهم فی کل عَصر ومِصر, فالدعوة الجدیدة ستؤدی لدخول الشعوب المجاورة تحت حکم المسلمین, وهذا بدوره سیدر الأموال والثروات علی الجمیع بعد تنظیم التشریعات الاقتصادیة, وهذا سیؤدی الی الطمع والمنافسة بین الطامحین للحکم والمتزلّفین لهم مما سیقود للفساد والنزاع, وهذه سنن تسری فی جمیع المجتمعات التی مرت علی الکرة الأرضیة لا یشذُّ منها احد إلا المجتمع المعصوم وهو خارج عن کلامنا!

ص: 18

إن سلوک البشر بما هم بشر یبقی منحازاً لما یتمناه ویریده لا لما علیه الواقع بما هو علی الأرض, ومن یقول بعکس ذلک نضع أمامه علامة استفهام! ولا نتًهم هنا کل الناس بالمیل القصدی لما یتمنون, ولکن کثیراً من التصرفات لها ما یبررها عند صاحبها وهو یحسب أنها متجردة ترید الحق لا غیر, فلو بسطنا مسألة تقییم رواة الحدیث علی بساط البحث فلن یشذَّ عن هذه القاعدة إلا بما لا یستحق الذکر, فالإناء ینضح بما فیه, فعندما تقرأ کتب الرجال تجد أن تقییماتهم تتّسع وتضیق تبعا لخلفیاتهم الاجتماعیة والنفسیّة والأجواء التی نشأوا فیها وترعرعوا بها, مثلا نحن نجد ان ابن حجر والذهبی والعجلی هم أکثر من یشیر الی کون الراوی الفلانی ناصبی أم لا, وغیرهم لا یشیر بهذه الأهمیة, مما یکشف عن أنهم یملکون نظرة أوسع قلیلاً من غیرهم, وإلا لکانوا سکتوا عن هذه (الظاهرة) فی رواة الحدیث فی العصر الأموی خصوصاً, کما سکت غیرهم وحاول التغافل عنها.

وکذلک أصحاب الجوامع الحدیثیة الکبری فنحن نجد أن صاحب الجامع الصحیح محمد بن إسماعیل البخاری یسلک سلوکاً شاذاً مع الرواة لا یماثله أحد فیه إلا سلفیة الیوم! فهو یروی للحجاج الظالم وعبد الملک بن مروان (فی الأدب المفرد) وعمران بن حطّان الخارجی مادح بن ملجم وحریز بن عثمان وغیرهم من کّبار النواصب, بل إنه تساهل فی تضعیف الثقات من أهل السنة من الذین یروون فضائل علی علیه السلام لأسباب واهیة, کما اتّهمه ابن حجر بذلک(1), کما أنه یقوم ببتر أی حدیث یشیر الی رأی سیء لصحابی بغیره من الصحابة وما شجر بینهم من القتال, بل إنه یترک بعض الأماکن بیضاء بدون کتابة عندما یجد ان

ص: 19

الحدیث یخالف (سنة الشیخین) کما فعل فی موضوع (نکاح الدبر)! بینما یمتنع عن الروایة عن الإمام الصادق! یقول الذهبی(1) عن الإمام الصادق علیه السلام «لم یحتجَّ به البخاری واحتج به سائر الأمة» ومع هذا یقال عن صحیح البخاری أنه «أصحّ الکتب بعد کتاب الله»(2)!

ولتصرفات البخاری التی عُدّت انحرافاً «امتنع الحافظان الکبیران أبو زرعة الرازی (210- 264 ه_) وأبو حاتم الرازی (195 -275 ه_) لأجل انحراف البخاری فی العقیدة بنظرهما امتنعا عن الروایة عنه»(3) ووصل الحد بنقد البخاری وانحرافه بأن أورده الذهبی فی کتابه «الضعفاء»(4) (وذکر فی کتابه ِسیَر إعلام النبلاء أن البخاری ومسلم قد نُفیا من مدینة نیسابور)(5)!

قد یعتذر معتذر لهؤلاء العلماء لکون المجتمع الفاسد الذی ورثه الناس عن بنی امیة تعارف هذا الشیء بل وصل الأمر الی من یحب علیاً بأن یُعَرقب(6)!! قال العجلی فی ترجمة مصدع(7)«مصدع أبو یحیی المعرقب مولی معاذ بن عفراء کوفی تابعی ثقة عرقبه(8) بشر بن مروان لحبه علی بن أبی طالب».. فإذا کان الناس

ص: 20

یُعرقَبون علی حبهم لعلی فکیف بروایتهم لمناقبه وسوابقه فی الإسلام؟ وعلی العکس من ذلک فمن سبَّه فسوف ینال الدنیا والقُرْب عند الأُمراء..

وتتبّع الأمویون حتی الآثار الفقهیة التی وردت عن علی علیه السلام وجهدوا فی محوها, قال الرازی(1) «إن علیا علیه السلام کان یبالغ فی الجهر بالتسمیة فلما وصلت الدولة إلی بنی أمیة بالغوا فی المنع من الجهر سعیاً فی إبطال آثار علی علیه السلام» وکانت العقوبة تصل لقطع الرقبة فیمن یروی فضائل علی قال ابن عساکر(2) (3) بسنده «عن عبد الله بن شداد بن الهاد یقول لوددت أنی أقمت علی المنبر من غدوة إلی الظهر فاذکر فضائل علی ثم أقوم فأنزل فیضرب عنقی», بل وأقل من روایة الفضائل, فالتسمیة باسم علی کانت تودی بصاحبها لذا فمن سمّاه أبوه باسم (علی) کان یسعی لإخفائه أو تغییره حتی ینجو من العقاب والتُهمة! قال ابن حجر (4) «قال اللیث قال عُلی بن رباح لا أجعل فی حلِّ من سمانی

ص: 21

عُلی فإن اسمی عَلی وقال المقری کان بنو أمیة إذا سمعوا بمولود اسمه عَلی قتلوه فبلغ ذلک رباحاً فقال هو عُلی وکان (علی) یغضب من عُلی ویحرج علی من سماه به»(1).

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم!.

وقد تعامل علماء الرجال مع هذه المسألة بتباین واضح, فلو أخذنا عینة من الرواة الذین اتهُّموا بالتشیع وعینة من الرواة الذین اتهموا بالنصب لوجدنا التالی:

عمرو بن ثابت بن هرمز البکری, شدید التشیع, غالٍ فیه, واهی الحدیث(2), متروک الحدیث(3)، لیس بالقوی(4), لیس بشیء فی الحدیث, ومنهم من لا یکتب حدیثه لضعفه ورأیه, وکان متشیعاً مفرطا(5).

وذنب عمرو بن ثابت البکری أنه روی: إنهم کانوا یسمعون نوح الجن علی الحسین(6). وهو یمدح الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقوله: کنت إذا نظرت إلی جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبیین(7). وروایته حدیث: من کنت مولاه فعلی مولاه(8), ولکن السبب الحقیقی لقولهم: غالٍ فی التشیع, مفرط, لیس بشیء فی الحدیث, ضعیف الرأی, هو ما نقله عبد الله بن المبارک بأنه: یسبُّ

ص: 22

السَلَف(1)! وقال سلیمان بن الأشعث(2) فی تلید بن سلیمان: سألت أبا داود عن تلید بن سلیمان، فقال: رافضی خبیث، قال: وسمعت أبا داود یقول: تلید رجل سوء، یشتم أبا بکر وعمر.

فعلی هذا سبب کون تلید هذا رافضی خبیث هو أنه یشتم أبا بکر وعمر!

قال سبط بن العجمی(3) (4) «قال ابن معین: کذاب یشتم عثمان, وقال أبو داود: رافضی یشتم أبا بکر وعمر, وفی لفظ رافضی خبیث» فهو کذاب لکونه رافضی یشتم!!

وقال البستوی(5) فی عبد الله بن داهر «عبد الله بن داهر، أبو سلیمان الرازی المعروف بالأحمری. وهو متروک الحدیث. قال أحمد ویحیی: لیس بشیء. وقال: ما یکتب حدیثه إنسان فیه خیر... وقال ابن عدی: عامة ما یرویه فی فضائل علی وهو متهم فی ذلک».

فعندما تکون عامة الروایات فی فضائل علی فهی تهمة قبیحة!.

ص: 23

قال العقیلی(1) (2) فیه:

عبد الله بن داهر الرازی رافضی خبیث, عن عبد الله بن عبد القدوس أشرَّ منه کلاهما رافضیان, ومن حدیثه ما حدثناه أحمد بن یحیی الحلوانی قال حدثنا عبد الله بن داهر قال حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش بن عطیة عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی, فإنهما لن یزالا جمیعا حتی یردا علی الحوض فانظروا کیف تخلفونی فیهما..

فهل یاتری أن علماء السنة قد عاملواکل من یسبَّ السلف بهذا الشکل, أم ان الأمر یتوقف علی: من هم السلف؟ فعلماء أهل السنة یعاملون من یروی فضائل أهل البیت علی مبدأ: الشک أولاً ثم البراءة! فهذا الحاکم النیسابوری صاحب المستدرک والذی أراد ان یُنصف فی الأحادیث التی تخصُّ فضائل أهل البیت, والتی لم یوردها الشیخان فی صحیحیهما فلم تشفع له منزلته فاتُهِمَ بأنه «رافضی خبیث»(3) وأن عمله یعتبر «خیانة عظیمة»(4) بینما قال عنه ابن حجر «هو أجل قدرا وأعظم خطراً وأکبر ذکراً من أن یذکر فی الضعفاء»(5), لشدّما اختلفوا! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم!

ص: 24

فی المقابل لو أخذنا نموذجا للناصبی عندهم: نُعیم بن أبی هند إذ روی له مسلم والنسائی والترمذی وابن ماجة, قال عنه الذهبی(1): «هو کوفی ناصبی» ونقل عن الثوری قوله: «کان یتناول علیا رضی الله عنه»(2) ومع هذا فهو «صدوق, ثقة»(3) فما فرق شیعینا عن ناصبیّهم؟! وقد استشعر ذلک الفرق فی التعامل مع الرواة ابن حجر فقال(4): «قد کنت أستشکل توثیقهم الناصبی غالباً وتوهینهم الشیعة مطلقاً ولا سیما أن علیاً ورد فی حقه لا یحبه إلا مؤمن ولا یبغضه إلا منافق. ثم ظهر لی فی الجواب عن ذلک أن البغض ها هنا مقید بسبب وهو کونه نصر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم لأن من الطبع البشری بغض من وقعت منه إساءة فی حق المبغض, والحب بعکسه, وذلک ما یرجع إلی أمور الدنیا غالباً, والخبر فی حب علی وبغضه لیس علی العموم فقد أحبه من أفرط فیه حتّی ادّعی أنه نبی أو أنه إله تعالی الله عن إفکهم, والذی ورد فی حق

ص: 25

علی من ذلک قد ورد مثله فی حق الأنصار وأجاب عنه العلماء إن بَغَضَهم لأجل النصر کان ذلک علامة نفاقه, وبالعکس فکذا یقال فی حق علی, وأیضا فأکثر من یوصف بالنصب یکون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسّک بأمور الدیانة, بخلاف من یوصف بالرفض فإن غالبهم کاذب ولا یتورع فی الأخبار والأصل فیه أن النواصب اعتقدوا أن علیا رضی الله عنه قتل عثمان أو کان أعان علیه فکان بغضهم له دیانة بزعمهم ثم انضاف إلی ذلک أن منهم من قُتِلَت أقاربه فی حروب علی»..

 ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

ص: 26

ص: 27

سیدنا أمیر المؤمنین ویعسوب المسلمین أبی الحسن علی بن أبی طالب، رضی الله تعالی عنه وکرم وجهه ؛ لأنهم نصبوا له، أی: عادوه، وأظهروا له الخلاف، وهم طائفة من الخوارج، وأخبارهم مستوفاة فی کتاب المعالم للبلاذری».

لکن الزبیدی حصر الأمر بالخوارج, وهذا غیر دقیق کما سیتضح إذ أن النصب مذهب معروف منتشر بین أکثر من اتجاه سیاسی وعقدی منذ الصدر الأول للإسلام, وتختلف مناشئه.

أمّا علماء الرجال فهم یطلقون الأمر ولا یحصرونه بالتّدین بالبغض, یقول ابن حجر «والنصب بغض علی وتقدیم غیره علیه»(1) والإطلاق بالبغض هنا یشمل کل من یبغض الإمام لأی سبب کان.

لکن الملاحظة هی ما المعنی بقوله «تقدیم غیره علیه»!! فإن کان مطلق التقدیم فکل أهل السنة علی رأی ابن حجر نواصب! ولم نجد أحداً تطرق لتعریف ابن حجر علی خطورته!.

ویقول ابن تیمیة(2) «النواصب هم الذین یؤذون أهل البیت بقول أو

ص: 28

عمل»(1) ویقول فی مکان آخر «النواصب الذین یسبونه أو یفسّقونه أو یکفّرونه»(2).

ولکن الحق أن المصطلح شرعی عقدی, ولا علاقة للأصل اللغوی فیه من حیث هو أصل, بل أن نطاق الاستعمال الشرعی هو الذی یقرر, وأهل الاختصاص هنا هم علماء الحدیث لا غیرهم فیتحصل لدینا أن الناصبی هو الذی یذمُّ أمیر المؤمنین ویؤذیه لأی سبب کان وهذا الکلام یشمل أذیته فی حیاته وبعد مماته علیه السلام.. وقد قرر هذا الذهبی بقوله «من تعرض للإمام علی بذم فهو ناصبی»(3).. وبهذا تعلم مدی الأمانة فی قول ابن تیمیة «إن الشیعة یسمّون من اثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ناصبیاً بناء علی أنهم لما اعتقدوا انه لا ولایة لعلی إلا بالبراءة من هؤلاء جعلوا کل من لم یتبرأ من هؤلاء ناصبیاً»(4)!

ص: 29

هینة! ولا أعرف (ولیتنی کنت أعرف) ما الخصوصیة التی للشیخین حتی یکون لسبِّهم حکم خاص! وهل صحَّ عن النبی صلی الله علیه وآله حدیث فی النهی عن سبّهم کما صح لأمیر المؤمنین؟ ولکن الظاهر للمتتبع أن کثیرا من الأحکام الشرعیة عند أهل السنة تدور مدار الموروث لکون الموروث عندهم مقدّس, فهم ورثوه عن الصحابة والتابعین ولا یعقل للصحابة ان یعملوا من تلقاء أنفسهم بدون بیان شرعی لذا جعلوا عمل الصحابی من مصادر التشریع! ولهذه أشباه, فهم عندما أرادوا جعل الصحابة فی طبقات لبیان الشرفیة والأفضلیة ولما وجدوا أن أبا بکر هو الخلیفة الأول وعمر هو الثانی وعثمان الثالث وعلی الرابع لم یجدوا بداً من القول إن هذا الترتیب هو الترتیب الواقعی عند الناس وعند الله وإلا فکیف صاروا هکذا!! حتی قال قائلهم: «من قدَّم علیاً علی عثمان فقد أزری علی اثنی عشر ألف, قبض رسول الله وهو عنهم راضٍ»(1) فالمسألة أن هؤلاء الصحابة هم قالوا! ولیس الله ولا نبیه صلی الله علیه وآله. قال ابن عابدین(2) ...(3) «طلب مهم: فی حکم سب الشیخین وأقول:..، لما قدمناه من قبول توبة من سب الأنبیاء عندنا، خلافا للمالکیة والحنابلة، وإذا کان کذلک فلا وجه للقول

ص: 30

بعدم قبول توبة من سبَّ الشیخین, بل لم یثبت ذلک عن أحد من الأئمة فیما أعلم اه. ونقله عنه السید أبو السعود الأزهری فی حاشیة الأشباه اه. أقول: نعم نقل فی البزازیة عن الخلاصة أن الرافضی إذا کان یسبُّ الشیخین ویلعنهما فهو کافر، وإن کان یفضل علیاً علیهما فهو مبتدع اه. وهذا لا یستلزم عدم قبول التوبة, علی أن الحکم علیه بالکفر مشکل لما فی الاختیار: إتّفق الأئمة علی تضلیل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسبُّ أحد من الصحابة وبغضه لا یکون کفراً، لکن یُضَلَّل الخ».

ویقول النووی(1) وهو یُعمِّم فی الکلام(2) «إعلم أن سبِّ الصحابة رضی الله عنهم حرام من فواحش المحرمات, سواء من لابس الفتن منهم وغیره, لأنهم مجتهدون فی تلک الحروب متأولون کما أوضحناه فی أول فضائل الصحابة من هذا الشرح, قال القاضی: وسبُّ أحدهم من المعاصی الکبائر, ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه یُعزَّر ولا یُقتَل, وقال بعض المالکیة یُقتَل لقوله صلی الله علیه - وآله - وسلم (لا تسبّوا أصحابی, فوالذی نفسی بیده لو أن أحدکم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرک مد أحدهم ولا نصیفه»..

والظاهر أن التعمیم فی الحکم بین الشیخین وغیرهما عند النووی شاذٌ عن

ص: 31

غیره, ففی حواشی الشروانی(1) «قال السبکی فی الحلبیات فی تکفیر من سبَّ الشیخین وجهان لأصحابنا, فإن لم نکفره فهو فاسق لا تقبل شهادته, ومن سبَّ بقیة الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة, ولا یغلط فیقال شهادته مقبولة انتهی».

ومن تتبع کلام کبار الفقهاء عندهم تجده متشابها إلا فی الصیاغة, قال ابن نُجیم المصری(2) (3) «الثانیة: الرِدَّة بسب الشیخین أبی بکر وعمر, وقد صرّح فی الخلاصة والبزازیة بأن الرافضی إذا سبّ الشیخین وطعن فیهما کفر، وإن فضّل علیاً علیهما فمبتدع، ولم یتکلما علی عدم قبول توبته. وفی الجوهرة: من سبَّ الشیخین أو طعن فیهما کفر ویجب قتله، ثم إن رجع وتاب وجدّد الإسلام هل تقبل توبته أم لا؟ قال الصدر الشهید: لا تقبل توبته وإسلامه ونقتله, وبه أخذ الفقیه أبو اللیث السمرقندی وأبو نصر الدبوسی وهو المختار للفتوی اه. وحیث لا تُقبل توبته عُلِمَ أن سبَّ الشیخین کسبِّ النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم, فلا یفید الإنکار مع البیِّنة کما تقدم عن فتح القدیر لأنا نجعل إنکار الردة توبة إن کانت مقبولة کما لا یخفی».

ص: 32

فالنزاع وقع فی سبِّ الشیخین لیس غیرهما, بینما جاءت الروایات الناهیة عن سبِّ علی لا غیره!! وهذا مقصود, فالذی یسب الشیخین هو شیعی رافضی خبیث یجب أن لا یُستتاب ولا تقبل شهادته ولا حدیثه لأن سب الشیخین بمنزلة سبِّ النبی صلی الله علیه وآله, أما من سبَّ علی فهل تُردُّ شهادته أم لا فیه نظر!! والأفضل أن ترد شهادته! ولکن یُقبل حدیثه لکونه قد سبَّه قربة لوجه الله, أما الذی یسبُّ الشیخین فهو ملعون! ولهذا فیجب ان تجمع الأدلة القرآنیة والحدیثیة علی إثبات ذلک لأنه لم ترد الأدلة صریحة فی مساواة من سبَّ احد الصحابة بمن سبَّ النبی إلا لعلی علیه السلام!.

وعندما نراجع کتب الرجال وعلم الحدیث والدرایة عند أهل السنة فنحن نجد اختلافاً فی تقییم من یسب الصحابة ولکنهم اتفقوا علی الروایة عنه إذا کان یسبُّ علیاً وحده!! فهم یتکلمون فی کتبهم عن نظریات لا تُطبّق, فمثلا یقول ابن حجر(1) فی إسحاق بن سوید «وذکره العجلی فقال ثقة, وکان یحمل علی علی, وذکره ابن حبان فی الثقات وقال أبو العرب الصقلی فی الضعفاء کان یحمل علی علی تحاملا شدیدا, وقال لا أحب علیا ولیس بکثیر الحدیث ومن لم یحب الصحابة فلیس بثقة ولاکرامة».

وقال مغلطای(2) فی إسحاق بن سوید «لما ذکره أبو العرب فی (الضعفاء) قال: کان یتحامل علی علیٍ تحاملا شدیدا، وقال: لا أحب علیاً ولیس بکثیر الحدیث، وروی عن النبی - علیه السلام - أنه قال لعلی: (لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق)، فمن لم یحب الصحابة فغیر ثقة ولا کرامة»!

ص: 33

بنما نجد البخاری ومسلم والنسائی وابو داود قد رووا عنه, ومن روی له البخاری ومسلم «فقد جاز القنطرة)(1)! کما یقولون! فکیف جاز إسحاق بن سوید القنطرة وهو ناصبی منافق بنص کلام النبی صلی الله علیه وآله, ویسب الصحابة؟!

وقال ابن حجر(2) فی ربیعة بن یزید «وقال بن عبد البر فی آخر ترجمة ربیعة الجرشی أما ربیعة بن یزید السلمی فکان من النواصب یشتمُ علیاً, قال أبو حاتم لا یُروی عنه ولا کرامة ومن ذکره فی الصحابة لم یصنع شیئا».

قلت: من الواضح أن ما حکاه ابو حاتم هی قاعدة مفادها «إن من یسبُّ علیاً او الصحابة لا یروی عنه ولا کرامة» فلمَ لم یطبق احد هذه القاعدة؟!

وأما قول ابن حجر(3) «قد کنت أستشکل توثیقهم الناصبی غالبا وتوهینهم الشیعة مطلقا ولا سیما أن علیاً ورد فی حقه لا یحبه إلا مؤمن ولا یبغضه إلا منافق. ثم ظهر لی فی الجواب عن ذلک أن البغض ها هنا مقید بسبب وهو کونه نصر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم لان من الطبع البشری بغض من وقعت منه إساءة فی حق المبغض والحب بعکسه وذلک ما یرجع إلی أمور الدنیا غالبا والخبر فی حب علی وبغضه لیس علی العموم فقد أحبه من أفرط فیه حتی ادعی أنه نبی أو أنه إله تعالی الله عن إفکهم, والذی ورد فی حق علی من ذلک قد ورد مثله فی حق الأنصار, وأجاب عنه العلماء أن بَغَضَهم لأجل النصر کان ذلک علامة نفاقه, وبالعکس, فکذا یقال فی حق علی وأیضا فأکثر من یوصف

ص: 34

بالنصب یکون مشهورا بصدق اللهجة والتمسک بأمور الدیانة, بخلاف من یوصف بالرفض فإن غالبهم کاذب ولا یتورع فی الأخبار, والأصل فیه أن الناصبة اعتقدوا أن علیاً رضی الله عنه قتل عثمان أو کان أعان علیه فکان بغضهم له دیانة بزعمهم ثم انضاف إلی ذلک أن منهم من قتلت أقاربه فی حروب علی»!!..

قلت: تخصیصه الحکم بالنفاق علی من أبغض أمیر المؤمنین علیه السلام بشرط أن یکون البغض لنصره النبی صلی الله علیه وآله لهو حیلة لإخراج بعض الصحابة الذین ثبت بغضهم لأمیر المؤمنین علیه السلام, فهم أمام أمرین لا ثالث لهما, إما ان یقولوا بهذا الفهم المحرَّف وإما ان یحکموا علی هؤلاء الصحابة بالنفاق وفیهم معاویة (وغیره) من کبار الصحابة! فاختاروا المعنی الأول وقننوا هذا البغض بهذا المجال! وأنت لو تأملت الحدیث لا تجد فیه تخصیصاً أصلاً! وإلا لم تعضده أحادیث أُخر بهذا المعنی منها قول النبی صلی الله علیه وآله لعلی وفاطمة والحسن والحسین علیه السلام «أنا حرب لمن حاربکم وسلم لمن سالمکم»(1) وهل سیقول ابن حجر هنا بالتخصیص أیضا؟!

وإن کان للتفریق بین الحدیث الخاص ببغض علیٍ علیه السلام والحدیث الخاص ببغض الأنصار وجه! لکون الإطلاق والتخصیص هنا فرع علی العصمة, فمن کان معصوماً کان الإطلاق وارداص بحقّه لکونه سیصبح حقاً مطلقاً کما فی قوله تعالی «علی مع الحق والحق مع علی» وأما من لم یکن معصوماً فینظر فی الحدیث علی وجه آخر.

ص: 35

علماً أن أحمد بن حنبل قد فسر حدیث «لا یبغضک إلا منافق» بأنه البغض المطلق بلا تخصیص ولا تقنین! وقال النووی(1) فی شرحه علی صحیح مسلم «قوله صلی الله علیه - وآله - وسلم (آیة المنافق بغض الأنصار وآیة المؤمن حب الأنصار وفی الروایة الأخری حب الأنصار آیة الإیمان وبغضهم آیة النفاق, وفی الأخری لا یحبهم إلا مؤمن ولا یبغضهم إلا منافق, من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله وفی الأخری لا یبغض الأنصار رجل یؤمن بالله والیوم الأخر, وفی حدیث علی رضی الله عنه والذی فلق الحبة وبرأ النسمة إنَّه لعهد النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم إلی أن لا یحبنی إلا مؤمن ولا یبغضنی إلا منافق) قد تقدم أن الآیة هی العلامة, ومعنی هذه الأحادیث أن من عرف مرتبة الأنصار وما کان منهم فی نصرة دین الإسلام والسعی فی إظهاره, وإیواء المسلمین, وقیامهم فی مهمات دین الإسلام حق القیام, وحبهم النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وحبه إیاهم وبذلهم أموالهم وأنفسهم بین یدیه, وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إیثارا للإسلام, وعرف من علی بن أبی طالب رضی الله عنه قربه من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, وحب النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم له وما کان منه من نصرة الإسلام وسوابقه فیه ثم أحب الأنصار وعلیاً لهذا کان ذلک من دلائل صحة إیمانه وصدقه فی إسلامه لسروره بظهور الإسلام والقیام بما یرضی الله سبحانه وتعالی ورسوله صلی الله علیه - وآله - وسلم ومن أبغضهم کان بضد ذلک واستدل به علی نفاقه وفساد سریرته, والله أعلم».

وهذا هو الحق, وهذا ما فهمه الصحابة إذ یقول جابر بن عبد الله الأنصاری وأبو سعید رضی الله عنهما «ما کنا نعرف المنافقین إلا ببغضهم علی»(2).

ص: 36

ص: 37

بالکذب علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم لکی تحقِّق أهدافها وأغراضها.

توسُّع الدولة الإسلامیة بسرعة فائقة, وانضمام شعوب وأمم من أجناس مختلفة إلی هذه الدولة, انتقلت معها ثقافاتها وعاداتها وعصبیاتها ومفاهیمها الدینیة إلی المسلمین. وقد ظهر الکذب علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم لکی یتسع الإسلام للأفکار والثقافات الدخیلة».

وقد أجاد وأحسن, وإن کانت هذه الأسباب تتفاوت بسعة بعضها علی حساب بعض آخر, فالنقطة الثانیة «عدم تدوین السنة فی الصدر الإسلامی الأول» قد تکون القاعدة التی تأسّست علیها کل الانحرافات التی جاءت من بعد, فحیث لا کتاب معصوم بعد کتاب الله حدثت هنا الفجوة التی یجب أن تمُلأ, ولمّا لم یکن الصحابة کلهم فقهاء, احتاجوا لردم الفراغ فعملوا برأیهم, إذ أن «الصدّیق جمع الناس بعد وفاة نبیهم صلی الله علیه وآله فقال: إنکم تحدثون عن رسول الله صلی الله علیه وآله أحادیث تختلفون فیها والناس بعدکم اشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شیئا فمن سألکم فقولوا بیننا وبینکم کتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه»(1)!

وروی الرامهرمزی(2) «حدثنا عبد الله بن علی بن مهدی، حدثنا عبد الله بن سعید الکندی الأشج قال: قال خالد بن نافع مولی أبی موسی: عن سعید بن أبی بردة قال: کنت إذا سمعت من أبی موسی الحدیث قمت فکتبته، فلما کثر قیامی قال: یا بُنی، کثر قیامک. قلت: إنی أکتب هذا الذی أسمعه منک، قال: فأتِ به. قال: فجئت به، فقرأته علیه. فقال: نعم، هکذا سمعت من رسول الله صلی الله

ص: 38

علیه - وآله - وسلم، ولکن أخاف أن تزید فیه وتنقص، فدعا بإجانة فصب فیها ماء، ثم طرح تلک الکتب فیها فمحاها».

فلو صح قول أبی موسی الأشعری من أنّه کان یخاف ویتورّع من ان ینقل عنه الحدیث ویزاد وینقص, فهذا الکلام کاشف عن طریقة تفکیر بعض الصحابة وهی طریقة بدائیة وفجَّة! فالکتابة تَعصِم السُنّة عن الزیادة والنقیصة, ولیس العکس, ولکن البعد الاجتماعی لعب دوره لهؤلاء (المتورعین), فلفرط إغراق أمة العرب فی الجهل, وعدم وجود کتب وثقافة وبُعد حضاری لهم, فقد ظلوا یخافون من الکتب والکتابة والتعلیم المکتوب لفترة تزید علی القرن الی عهد عمر بن عبد العزیز!! وهذا هو القسم الساذج من الصحابة, أمَّا الصحابة الذین نعتقد أنَّ لهم مآرب معروفة فی النهی عن کتابة السنة فهم القسم الأقوی, والذی تناول الحکم بعد رحیل النبی صلی الله علیه وآله, ومع أنهم رووا عن النبی صلی الله علیه وآله قوله «یوشک رجل منکم متکئا علی أریکته یُحَدَّث بحدیث عنی فیقول: بیننا وبینکم کتاب الله، فما وجدنا فیه من حرام حرّمناه! إلا وأنَّ ما حرمه رسول الله مثل الذی حرم الله»(1) وهذا کلام واضح غیر قابل للتأویل فی المسألة, ومع هذا فنری «أن الصحابة راحوا یکتبون الحدیث والسنن حتی کثرت عندهم الکتب, فوصل خبرها الی عمر فقام فیهم خطیبا فقال: أیها الناس انه قد بلغنی انه قد ظهرت فی أیدیکم کتب فأحبها الی الله أعدلها وأقومها, فلا یبقین احد عنده کتابا إلا أتانی به فأری رأیی به!»(2), والأکید أن الذین کتبوا عدد غیر من الصحابة مثل

ص: 39

عبد الله بن عمرو بن العاص ونفر معه.

ولمّا کان بعض المؤلفین بین أمرین لا ثالث لهما إمّا ان یحمّل مسؤولیة کثرة الکذب فی السنة المرویة لمن مَنَع کتابة الحدیث وروایته, أو انه یحمّل المسؤولیة للنبی (وحاشاه), ومع الأسف اختاروا الانحیاز ومن طرف خفی الی الرأی الثانی! إذ قال احدهم(1) «إن الخلافات التی قامت فی الإسلام حول تشریع السنة, والتی قسَّمت المسلمین إلی مذاهب مختلفة, ترجع إلی سببین رئیسیین هما:

السبب الأول, إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم نهی عن کتابة أی شیء عنه, فقال کما رواه مسلم فی صحیحة (لا تکتبوا عنی غیر القرآن, ومن کتب عنّی غیر القرآن فلیمحه, وحدِّثوا عنی ولا حرج, ومن کذب علی فلیتبوأ مقعده من النار) ولم تُکتب السنة فی حیاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولا فی حیاة الصحابة من بعده مثلما کُتب القران. وقد تمسّک الصحابة بحدیث النهی عن کتابتها, وحارب الخلفاء الراشدون, وعلی رأسهم الخلیفتان أبو بکر وعمر کتابة السنة, ومضی القرن لأول للهجرة ولم یُکتب شیء منها وقد انتشر الکذب علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم خلال هذه الفترة الطویلة لعوامل مختلفة.

وبقیت السنة طوال هذه المدة سائبة علی ألسنة الناس یتحدثون بها من الذاکرة, دون وجود مستند یؤکد الصحیح فیها من الموضوع, وقد أتیح تدوینها من قبل الخلیفة عمر ابن عبد العزیز فی بدایة القرن الثانی, لوضع حد للکذب علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم, کما تم جمع جانب منها فی القرن الثانی, وأنجز جمعها فی القرن الثالث فی ستة کتب عن طریق الروایة والسماع من الناس الذین کانوا یحفظونها, نقلا عن أناس قبلهم, سمعوها منهم بالتتابع, واحداً عن

ص: 40

أخر حتی تنتهی إلی الصحابی الذی سمعها من النبی صلی الله علیه وآله وسلم. وقد اعتمدت هذه الطریقة علی الثقة بعدالة رجال الإسناد وصدق الذین رووها وتناقلوها. ولکن هذه الطریقة لم تسلم من تسرب أحادیث کثیرة کاذبة وموضوعة إلی الکتب الستة التی دونت فیها السنة, فکانت موضع خلاف بین المذاهب.. الخ».

فالمؤلف هنا جعل النهی عن الکتابة والمنسوب للنبی هو السبب الأول لاختلاف المسلمین! وهل هذا یتلائم مع قوله تعالی: {وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ}(1)؟!

إن القول بالنهی عن السنة والامر بالقرآن لا یصح لأدنی تأمل «فالأحادیث والسنة تبین ما لم یفصله القرآن فمثلا: جاء فی القرآن وجوب إقامة الصلاة ولکنه لم یفصِّل أرکانها وعدد رکعاتها بینما نلاحظ النبی صلی الله علیه وآله فصل أحکام الصلاة بإقامته لها وتعلیمها للناس... وهکذا الحج والفرائض وأحکام الزکاة والجهاد وآلاف مثلها من الأحکام»(2).

ولما کان الکثیر من الفقهاء والرواة فی العصرین الأموی والعباسی یروون مایرید الحاکم ورأس الدولة ویکیّفون الفقه والشریعة حسبما یریده الحاکم فقد رووا أحادیث فی نسخ حکم النبی بعدم الکتابة! إذ «لم یرد علی لسان أحد من المتقدمین, قبل خلافة عمر بن عبد العزیز, أنه قال إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم نسخ حدیث النهی عن کتابة السنة, فهذه المقولة ظهرت بعد عصر عمر ابن عبد العزیز لتبریر جواز کتابتها. وقد بقی فقهاء کثیرون بعده یکرهون تدوین

ص: 41

السنة ویتمسکون بموقف الصحابة فی تحریم کتابتها»(1) ومن هذا تری مدی الشطط فی الرأی من نسبة النهی عن الحدیث والاقتصار علی السنة الی الشیعة! فقال أحدهم «ذهب بعض أصحاب الآراء الجامحة من الفرق والطوائف إلی إنکار حجیة السنة جملة وتفصیلاً متواترة کانت أو آحاداً ... وأصل هذا الرأی الفاسد وهو رد السنة والاقتصار علی القرآن هوطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلی إنکار الاحتجاج بالسنة والاقتصار علی القرآن»(2)!

والعجب من الذی یصور أن الصحابة کانوا طوع أمر النبی فهو یأمر فیطیعون ویشیر ویعملون! بل کان الأمر عکس ذلک, فهم یعصونه تارة ویناقشونه تارة ویطیعونه تارة أخری, وهذا طبیعی فی مجتمع غارق فی الجهل, حتی کان من أمرهم ان ینادوا النبی صلی الله علیه وآله بقولهم «یا محمد» بدون أی احترام, وخطابه تعالی لهم فی سورة الحجرات واضح لا یحتاج لمزید بیان إذ یقول جل وعلا {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَی لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِیمٌ (3) إِنَّ الَّذِینَ یُنَادُونَکَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ} (الحجرات: 1-4)(3) فأمّة تحتاج لتعلیمها حتی کیفیة تکلیم النبی واحترامه ما أصعب انقیادها للحق! لذا فقد عانی النبی صلی الله علیه وآله منهم الأمرَّین من جراء خشونتهم وجلافتهم! قال الحافظ عبد الرحیم العراقی(4) «أخبرنی محمد بن

ص: 42

محمد بن إبراهیم بن أبی الغنایم بقراءتی قال: أخبرنا عبد اللطیف بن عبد المنعم الحرانی قالا: أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد البغدادی قال: أخبرنا علی بن أحمد بن محمد بن بیان قال: أخبرنا محمد بن محمد بن محمد بن إبراهیم بن مخلد قال: أخبرنا إسماعیل بن علی الصفار قال: أخبرنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا أبو بکر بن عیاش عن أبی إسحاق عن البراء بن عازب - رضی الله عنهما - قال: خرج رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وأصحابه فأحرمنا بالحج، قال: فلما قدمنا مکة قال: (اجعلوا حجکم عمرة) قال: فقال الناس: یا رسول الله! قد أحرمنا بالحج، فکیف نجعلها عمرة؟!! قال: فقال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: (انظروا الذی أمرکم به فافعلوا). قال: فردّوا علیه القول، فغضب ثم انطلق حتی دخل علی عائشة غضبان، فرأت الغضب فی وجهه، فقالت: من أغضبک أغضبه الله قال: «وما لی لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أُتبّع»؟! لذلک تری الصحابة بعد النبی تسابقوا فی اختراع العبادات وابتداع الأحکام کل برأیه, وکلهم متأولون مأجورون!

روی إسحاق ابن راهویه(1) «أخبرنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أبی هارون العبدی، عن أبی سعید الخدری، قال: رأیت عبد الله بن الزبیر یصلی رکعتین بعد العصر، فقلت له: ما هذا؟.

فقال: أخبرتنی عائشة، عن رسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - أنه کان یصلی رکعتین بعد العصر (فی بیتی) قال: فأتیت عائشة، فسألتها، فقالت: صدق، فقلت لها: فاشهد, لسمعت رسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - یقول: (لا صلاة بعد العصر حتی تغرب الشمس، ولا بعد الفجر حتی تطلع

ص: 43

الشمس)، فرسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - یفعل ما أمر ونفعل ما أمرنا»!!

وروی مسلم النیسابوری(1) «حدثنی علی بن خشرم أخبرنا ابن عیینة عن الزهری عن عروة عن عائشة ان الصلاة أول ما فرضت رکعتین فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر, قال الزهری: فقلت لعروة ما بال عائشة تتم فی السفر, قال: إنها تأولت کما تأول عثمان»!!

ونقل الألبانی عن الشوکانی تعلیقه علی الخبر بقوله «قال الشوکانی: فمن زاد فیها فهو کمن زاد علی أربع فی صلاة الحضر، ولا یصح التعلق بما روی عنها أنها کانت تتم، فإن ذلک لا تقوم به الحجة، بل الحجة فی روایتها لا فی رأیها!»(2)

مما یثبت أن إتمام عائشة فی السفر کان رأیا رأته!ولا أعلم کیف تتزوج عائشة النبی لعشرة أعوام, وتقول بأن النبی کان یفضلها وأنها صحبته فی بعض الغزوات وتوفی النبی ولم تعلم کیف کان یُصلِّی فی سفره؟!..

ص: 44

حیث صلاحهم لروایة الحدیث من غیره ووضعوا شروطا خاصة لقبول الحدیث من راو ما, وقالوا «یجب توفر شرطین أساسیین فی الراوی حتی یبلغ مرتبة الثقة هما العدالة والضبط, ویؤول إلی هذین الشرطین جمیع الصفات التی اشترطها نقاد الحدیث قدیماً وحدیثاً:

العدالة: ولا یتّصف المرء بهذه الصفة إلا إذا اجتمعت فیه خصال متعددة تتمثل فی الإسلام, البلوغ, العقل, السلام من أسباب الفسق وخوارم المروءة..»(1).

ووضعوا لمعرفة درجة العدالة ضوابط تعارفوا علیها واقروها بقولهم «لا یقف الناقد المدقق علی عدالة راوٍ من الرواة إلا بالإستقراء الموضوعی لأحواله وسلوکیاته ونوعیة الأقوال الصادرة عنه ومدی التزامه فی معاملة الآخرین»(2).

ویالیتنی أعلم هل أن الاستقراء الموضوعی لأحوال وسلوک وأقوال بعض الجبابرة والطواغیت کالحجاج ویزید بن معاویة ومعاویة بن أبی سفیان وحریز بن عثمان وشقیق بن سلمة, قلت فهل یقود هذا الاستقراء الی التوثیق وجواز أخذ الحدیث؟!

فإذا لم یکن سفک الدماء واستحلالها وحرق الکعبة وإباحة الزنا للعسکر من الحرائر المسلمات وإباحة شرب الخمر وغیرها مما تده مسطورا فی کتب الحدیث والتاریخ والسیر فإذا لم یکن کل ذلک لا تنطبق علیه «أسباب الفسق وخوارم المروءة ومعاملة الآخرین» فمتی تنطبق إذن؟!..

وهذا النوع من الرواة ستجدهم مبثوثین فی طبقات المحدثین کلها والتی

ص: 45

قسمها ابن حجر(1) الی اثنتی عشرة طبقة وکالآتی:

الطبقة الأولی: الصحابة علی مختلف مراتبهم.

الطبقة الثانیة: طبقة کبار التابعین کابن المُسّیب.

الطبقة الوسطی من التابعین کالحسن وابن سیرین.

الطبقة الرابعة طبقة تلی الوسطی جل روایتهم عن کبار التابعین کالزهری وقتادة.

الطبقة الخامسة الطبقة الصغری من التابعین الذین رأوا الواحد والاثنین ولم یثبت لبعضهم السماع من الصحابة کالأعمش.

الطبقة السادسة طبقة عاصروا الخامسة لکن لم یثبت لهم لقاء احد من الصحابة کابن جُریج.

الطبقة السابعة طبقة کبار أتباع التابعین کمالک والثوری.

الطبقة الثامنة الطبقة الوسطی منهم کابن عیینة وابن علیة.

الطبقة التاسعة الطبقة الکبری من أتباع التابعین کیزید بن هارون والشافعی وأبی داود الطیالسی وعبد الرزاق.

الطبقة العاشرة کبار الآخذین عن تبع الأتباع ممن لم یلق التابعین کأحمد بن حنبل.

الطبقة الحادیة عشرة الطبقة الوسطی من ذلک ممن لم یلق التابعین کأحمد بن حنبل.

الطبقة الثانیة عشرة صغار الآخذین عن أتباع الأتباع کالترمذی ویلحق بها باقی شیوخ الأئمة الستة الذین تأخرت وفاتهم قلیلا کبعض شیوخ النسائی. ا.ه_.

ص: 46

ص: 47

السلام فقلت له: یا أبا عبد الله إن هذا لطعن علی طلحة والزبیر فقال بئسما قلت, وما نحن وحرب القوم وذکرها فقلت أصلحک الله إنما ذکرناها حیث ربعت بعلی وأوجبت له الخلافة وما یجب للأئمة قبله!».

فالناس قبل ابن حنبل کانوا یعلمون بأن القول بأحقیة أحد الطرفین هو طعن بالطرف الثانی, فاختاروا الطرف الذی فیه طلحة والزبیر وعائشة ولا بأس بأن یسکتوا عن علی فهو واحد وهم ثلاثة! وبهذه العقلیة کان یفکّر علماء الحدیث, لذا فالقول بأن تعریف العثمانی بأنه من یفضّل عثمان علی علی غیر صحیح لأن المتعارف بینهم هو ذلک فلِمَ التمییز إذن بهذه الصفة؟!حتی أن احمد بن حنبل(1) قال «من قدم علیاً علی عمر فقد طعن علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی أبی بکر.. ومن قدّمه علی عثمان فقد طعن علی أبی بکر وعلی عثمان» وقل أحدهم «من قدَّم علیاً علی عثمان فقد أزری علی اثنی عشر ألفا قُبض رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وهو عنهم راضٍ»(2).

إذن فقد کان تقدیم عثمان علی أمیر المؤمنین معروفاً مفروغاً منه عندهم فلم یبقَ غیر ان نتّهمه بالنصب, علاوة علی کون صفة (النصب) قد لازمت صفة (العثمانی) عند بعض العلماء!

قال ابن عساکر(3) «شیبان بن مخرم قال وکان عثمانیا یبغض علیاً».

وقال ابن کثیر(4) «کل أقوال الحجاج وغیره من أهل الأهواء: هذیانات

ص: 48

وکذب وافتراء وبعضها کفر وزندقة، فإن الحجاج کان عثمانیاً أمویاً، یمیل إلیهم میلاً عظیماً, ویری أن خلافهم کفر, ویستحل بذلک الدماء ولا تأخذه فی ذلک لومة لائم!».

وقال الطبرانی فی المعجم الکبیر(1) «حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمی حدثنا محمد بن یحیی بن أبی سمینة حدثنا یحیی بن حماد حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن میمون بن مهران عن شیبان بن مخرم وکان عثمانیاً قال: إنی لمع علی رضی الله عنه إذ أتی کربلاء فقال یقتل فی هذا الموضع شهداء لیس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر, فقلت: بعض کذباته وثم رجل حمار میت فقلت لغلامی خذ رِجْلَ هذا الحمار فأوتدها فی مقعده وغیبّها, فضرب الدهر ضربة فلما قُتل الحسین بن علی رضی الله عنهما انطلقت ومعی أصحاب لی فإذا جثة الحسین بن علی رضی الله عنه علی رجل ذاک الحمار وإذا أصحابه َربَضَة حوله»..

قال البلاذری(2) (3) «وحدثنی العباس بن هشام الکلبی، عن أبیه، عن عوانة قال: کان کثیر بن شهاب بن الحصین بن ذی الغصة الحارثی عثمانیاً یقع فی علی بن أبی طالب ویثبّط الناس عن الحسین»..

ص: 49

قال البلاذری(1) «وقد کانت جماعة من العثمانیة کتبوا إلی معاویة یهنونه بفتح مصر، وقَتْل محمد بن أبی بکر، ویسألونه أن یوجه إلی البصرة رجلا یطلب بدم عثمان لیسمعوا له ویطیعوا, فیقال: إن ذلک حدا معاویة علی توجیه ابن الحضرمی».

وقال ابن کثیر(2) «وکتب عبد الله بن أبی رافع فی صفر سنة ست وثلاثین قال: ثم قال قیس بن سعد فخطب الناس ودعاهم إلی البیعة لعلی، فقام الناس فبایعوه، واستقامت له طاعة بلاد مصر سوی قریة منها یقال لها خربتا، فیها ناس قد أعظموا قتل عثمان - وکانوا سادة الناس ووجوههم وکانوا فی نحو من عشرة آلاف وعلیهم رجل یقال له یزید بن الحارث المدلجی - وبعثوا إلی قیس بن سعد فوادعهم، وکذلک مسلمة بن مدلج الأنصاری تأخر عن البیعة فترکه قیس بن سعد ووادعه، ثم کتب معاویة بن أبی سفیان - وقد استوثق له أمر الشام بحذافیره - إلی أقصی بلاد الروم والسواحل وجزیرة قبرص أیضا تحت حکمه وبعض بلاد الجزیرة کالرها وحران وقرقیسیا وغیرها، وقد ضوی إلیها الذین هربوا یوم الجمل من العثمانیة».

فهذه النصوص کلها تثبت أن لقب (العثمانیة) کان یطلق علی النواصب الذین ینتقصون ویسبّون ویبغضون أمیر المؤمنین علیه السلام وأهل بیته علیهم السلام, حتی جرّد العدید من المؤلفین القلم للرد علی کتاب (العثمانیة) للجاحظ وکلّه نصوص تستنقص من أمیر المؤمنین علیه السلام من طرف خفیٍّ وعلنیٍّ, وتصوب غیره ولقد استعرض السید ابن طاووس بعض هذه الکتب

ص: 50

فقال:(1) «أول من نقض کتاب العثمانیة هو الجاحظ نفسه وهو ما یؤکد نفاقه وتلاعبه بالمذاهب والمعتقدات, وعلی کل حال فقد ذکر الندیم فی فهرسته ص 210 من جملة کتب الجاحظ کتاب (الرد علی العثمانیة).

2 - (نقض العثمانیة) لأبی جعفر الإسکافی المعتزلی المتوفی سنة 240 ذکر بعضا منه أبی الحدید فی شرحه علی نهج البلاغة ثم جمع ذلک وطبع مستقلا مع (العثمانیة) فی مصر سنة 1374.

3 - (نقض العثمانیة) لأبی محمد ثبیت بن محمد العسکری المتکلم صاحب أبی عیسی محمد بن هارون الوراق صاحب کتاب (دلائل الأئمة) (وتولیدات بنی أمیة فی الحدیث) ذکره النجاشی: ت 300 والطهرانی فی الذریعة: 24 / 288.

4 - (نقض العثمانیة) لمظفر بن محمد بن أحمد أبی الجیش البلخی المتکلم المتوفی سنة 367 ذکره النجاشی: ت 113 والطهرانی فی الذریعة: 24 / 289.

5 - (الرد علی العثمانیة) لأبی الأحوص المصری المتکلم ذکره أغا بزرک فی الذریعة: 10 / 211 وابن شهرآشوب فی معالم العلماء: 127.

6 - (نقض العثمانیة) للحسن بن موسی النخعی ذکره ذکره المسعودی فی مروج الذهب: 3 / 238.

7 - (نقض العثمانیة) لأبی الحسن علی بن الحسین بن علی المسعودی صاحب کتاب (مروج الذهب) کما ذکر هو بنفسه ذلک: 3 / 238.

8 - (نقض العثمانیة) لأبی الفضل أسد بن علی بن عبد الله الغسانی الحلبی المتوفی سنة 534 ذکره فی لسان المیزان: 1 / 383.

9 - بناء المقالة الفاطمیة فی نقض الرسالة العثمانیة للسید ابن طاووس).

ص: 51

ص: 52

الیمن، وکان یلعن علیاً علی المنابر...

وروی الذهبی(1): قال عمر بن عثمان الحمصی: حدثنا خالد بن یزید عن جعونة قال: کان لا یقوم خلیفة من بنی أمیة إلا سب علیاً، فلم یسبّه عمر بن عبد العزیز حین استخلف، فقال کثیر:

ولیت فلم تشتم علیا ولم تُخِف

بنیه ولم تتبع سجیة مجرم

وقلت فصدقت الذی قلت بالذی

فعلت فأضحی راضیاً کل مسلم»

وروی ابن مردویه(2) «أنه قال بعض الأمراء لسهل بن سعد: سبَّ علیاً، فأبی، فقال: أما إذا أبیت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال: والله، إنه إنما سماه رسول الله (صلی الله علیه وآله) بذلک، وهو أحب الأسماء إلیه...

بل ان بعض أزلام بنی امیة کان یشکک فی أمانة النبی صلی الله علیه وآله من خلال سبِّ علی علیه السلام, روی ابن أبی الحدید المعتزلی(3): عن عثمان بن سعید، قال حدثنا مطلب بن زیاد، عن أبی بکر بن عبد الله الاصبهانی، قال کان دَعیُّ لبنی امیة یقال له خالد بن عبد الله، لا یزال یشتم علیاً علیه السلام، فلما کان یوم جمعة، وهو یخطب الناس، قال والله إن کان رسول الله لیستعمله، وإنّه لیعلم ما هو ولکنه کان ختنه، وقد نعس سعید بن المسیب ففتح عینیه، ثم قال ویحکم ما قال هذا الخبیث رأیت القبر انصدع ورسول الله صلی الله علیه وآله یقول: کذبت یا عدو الله...

ص: 53

وروی الحاکم النیسابوری(1) (2): حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبید الحافظ بهمدان حدثنا أحمد بن موسی بن إسحاق التمیمی حدثنا جندل بن والق حدثنا بکیر بن عثمان البجلی قال سمعت أبا إسحاق التمیمی یقول سمعت أبا عبد الله الجدلی یقول حججت وأنا غلام فمررت بالمدینة وإذا الناس عنق واحد, فاتَّبعتهم, فدخلوا علی أم سلمة زوج النبی صلی الله علیه وآله, فسمعتها تقول: یا شبیب بن ربعی فأجابها رجل جلفٍ جافٍ: لبیک یا أمتاه, قالت: یُسَبّ رسول الله صلی الله علیه وآله فی نادیکم؟ قال: وأنّی ذلک, قالت: فعلی بن أبی طالب؟ قال: إنا لنقول أشیاء نرید عَرَض الدنیا, قالت: فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله یقول من سبَّ علیاً فقد سبَّنی, ومن سبَّنی فقد سبَّ الله تعالی..

وقال الحاکم(3): أخبرنا أحمد بن کامل القاضی حدثنا محمد بن سعد العوفی حدثنا یحیی بن أبی بکیر حدثنا إسرائیل عن أبی إسحاق عن أبی عبد الله الجدلی قال دخلت علی أم سلمة رضی الله عنها فقالت لی: أیسبُّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیکم؟ فقلت: معاذ الله أو سبحان الله أو کلمة نحوها, فقالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله یقول من سبَّ علیاً فقد سبنی هذا حدیث صحیح

ص: 54

الإسناد ولم یخرجاه..

روی النسائی(1): أخبرنا واصل بن عبد الأعلی عن بن فضیل عن الأجلح عن عبد الله بن بریدة عن أبیه قال بعثنا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم إلی الیمن مع خالد بن الولید وبعث علیاً علی جیش آخر وقال: إن التقیتما فعلیٌ علی الناس وإن تفرقتما فکل واحد منکما علی حدته, فلقینا بنی زبید من أهل الیمن وظهر المسلمون علی المشرکین فقتلنا المقاتلة وسبینا الذرّیة فاصطفی علی جاریة لنفسه من السبی, فکتب بذلک خالد بن الولید إلی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وأمرنی أن أنال منه, فقال فدفعت الکتاب إلیه ونلت من علی فتغیر وجه رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, فقلت: هذا مکان العائذ بعثتنی مع رجل وأمرتنی بطاعته فبلغت ما أُرسُلتُ به, فقال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: لا تقعنَّ یا بریدة فی علی فإن علیاً منی وأنا منه وهذا ولیکم بعدی..

وروی النسائی(2): أخبرنا العباس بن محمد قال حدثنا یحیی بن أبی بکیر قال حدثنا إسرائیل عن أبی إسحاق عن أبی عبد الله الجدلی قال دخلت علی أم سلمة فقالت أیسبُّ رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فیکم فقلت سبحان الله أو معاذ الله قالت سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول من سبَّ علیاً فقد سبَّنی..

وروی النسائی(3): أخبرنا عبد الأعلی بن واصل بن عبد الأعلی قال حدثنا جعفر بن عون عن شقیق بن أبی عبد الله قال حدثنا أبو بکر بن خالد بن عرفطة قال

ص: 55

رأیت سعد بن مالک بالمدینة فقال: ذُکر أنکم تسبون علیاً! قلت: قد فعلنا, قال: لعلک سببته, قلت: معاذ الله, قال: لا تسبَّه فإن وضع المنشار علی مفرقی علی أن أسبَّ علیاً ما سببته بعدما سمعت من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ما سمعت (فی) الترغیب فی موالاة علی رضی الله تعالی عنه والترهیب فی معاداته..

وقال الزرندی الحنفی(1): روی عن ابن عباس رضی الله عنه إنّه مرَّ علی مجلس من مجالس قریش بعدما کُفَّ بصرُه وبعض أولاده یقوده فسمعهم یسبون علیاً رضی الله عنه فقال: لقائده ما سمعتهم یا بنی یقولون؟, قال: سَبّوا علیا رضی الله عنه, قال: ردَّنی إلیهم, فردَّه فلما وقف به علیهم قال: أیُّکم السابّ لله عز وجل؟ قالوا: سبحان الله من سبّ الله فقد کفر قال: فأیکم السابّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالوا: سبحان الله ومن سبَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد کفر, قال: فأیکم السابّ علی بن أبی طالب؟ قالوا: أما هذا فقد کان, قال: فأنا أشهد بالله إنی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: من سبَّ علیاً فقد سبَّنی, ومن سبنَّی فقد سبَّ الله عز وجل, ومن سبَّ الله أکبَّه الله علی منخریه فی النار, ثم ولّی عنهم فقال: لولده ما سمعتهم یقولون فقال: ما قالوا شیئا قال: فکیف رأیت وجوههم حین قلت لهم ما قلت قال:

نظروا إلیک بأعین محمرّة

نظر التیوس إلی شفار الجازر

فقال له زدنی فداک أبوک فقال:

خزر العیون نواکس أبصارهم

نظر الذلیل إلی العزیز القاهر

قال زدنی فداک أبوک قال: ما عندی مزید فقال لکن عندی:

ص: 56

أحیاؤهم عار علی أمواتهم

والمیتون فضیحة للغابر

وروی جلال الدین السیوطی(1) عن رسول الله صلی الله علیه وآله: من سبّ علیا فقد سبنَّی، ومن سبَّنی فقد سبَّ الله..

قال المناوی فی شرحه للحدیث(2): (من سبَّ علیاً) بن أبی طالب (فقد سبنَّی ومن سبَّنی فقد سبَّ الله) ومن سبَّ الله فهو أعظم الأشقیاء، وفیه إشارة إلی کمال الاتحاد بین المصطفی والمرتضی بحیث أن محبة الواحد توجب محبة الآخر وبغضه یوجب بغضه»..

قال الحاکم(3): أخبرنی أحمد بن عثمان بن یحیی المقری ببغداد حدثنا أبو بکر بن أبی العوام الریاحی حدثنا أبو زید سعید بن أوس الأنصاری حدثنا عوف بن أبی عثمان النهدی قال قال رجل لسلمان ما أشد حبک لعلی سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله یقول من أحبَّ علیاً فقد أحبنی ومن أبغض علیاً فقد أبغضنی- هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه..

روی الهیثمی(4) (5): عن عمار بن یاسر قال قال رسول الله صلی الله علیه -

ص: 57

وآله - وسلم أوصی من آمن بی وصدقنی بولایة علی بن أبی طالب من تولاه فقد تولانی, ومن تولانی فقد تولی الله عز وجل, ومن أحبه فقد أحبنی, ومن أحبنی فقد أحب الله تعالی, ومن أبغضه فقد أبغضنی ومن أبغضنی فقد أبغض الله عز وجل...

وروی مسلم القشیری(1) فی صحیحه: عن عامر بن سعد بن أبی وقاص عن أبیه قال أمرَ معاویة بن أبی سفیان سعداً فقال: ما منعک أن تسبَّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذکرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فلن أسبَّه لأن تکون لی واحدة منهن أحب إلی من حمر النعم, سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول له وقد خلّفه فی بعض مغازیه فقال له علی: یا رسول الله خلَّفتنی مع النساء والصبیان, فقال له رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أما ترضی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنّه لا نبوة بعدی, وسمعته یقول یوم خیبر لأعطین الرایة رجلاً یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لی علیاً فأُتی به أرمد, فبصق فی عینه, ودفع الرایة إلیه ففتح الله علیه, ولما نزلت هذه الآیة «فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءکم» دعا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم علیاً وفاطمة وحسناً وحسیناً فقال اللهم هؤلاء أهلی»..

 ومن الجیر ذکره هنا ما قیل فی الدفاع عن معاویة بأن الحدیث لیس صریحاً فی الدعوة لسبِّ علی!! ولکن الذی یُمعن فی النص یجد أنّ معاویة لم یقل لسعد «ما یمنعک ان تسبَّ علیاً» بل قال «ما یمنعک أن تسبَّ أبا التراب» وهو اسم کان الأمویون یظنون بأنه سُبَّة وانتقاص لعلی فلم یکونوا یذکرونه باسمه بل بأبی تراب!!

ص: 58

ص: 59

وعدم اللجوء لغیرها إلا عند الضرورة أو المتابعة.

حدُّ الناصبی الذی قررناه هو تعریف الذهبی للنصب بقوله «من تعرض للإمام علی بذم فهو ناصبی» وعلیه المدار فی الحکم..

آثرنا سرد السند الرجالی فی الروایات لکوننا رأینا بعض علماء أهل السنة یعیب الکتب العقائدیة الشیعیة بکونها لا یُعتمد علیها لأنها إما ان تکون غیر أمینة فی السند وإما أن الروایات لا سند لها!.

عند دوران الأمر بین إثبات النصب ونفیه عند علماء الرجال فقد أخذت بالإثبات علی قاعدتهم المعروفة (الجرح مقدم علی التعدیل) فقد یکون المثبت قد حصل علی ما لم یحصل علیه النافی وغاب عنه..

حاولت التقلیل من تحلیل الروایات قدر الامکان لاعطاء القاریء الحریة بالفهم والتقییم فی السیاق الطبیعی للروایة..

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

کَیْفَ قَدَّرَثُمَّ قُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ»(1)..

 أرسله النبی صلی اله علیه وآله إلی الیمن مع أمیر المؤمنین علیه السلام کل منهم علی سرّیة, ولما کان أمیر المؤمنین علیه السلام قد قتل أخاه قیسا(2) فی بدر بعد أن ارتد قیس هذا عن الإسلام مع جماعة ونزلت فیهم الآیة:

 «إِنَّ الَّذِینَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِیمَ کُنْتُمْ قَالُوا کُنَّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِیهَا فَأُولَئِکَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَ تْ مَصِیراً) (النساء: 97»).. (3)

لهذا و(غیره) أضمر خالد الضغینة للإمام, واغتنم حادثة حصلت معه وأمیر المؤمنین فی بعثهما إلی الیمن رکَّز علیها اغلب المؤرخین والمحدثین لیحاول الإیقاع بأمیر المؤمنین علیه السلام, روی النسائی(4): أخبرنا واصل بن عبد الأعلی عن بن فضیل عن الأجلح عن عبد الله بن بُرَیدة عن أبیه قال بعثنا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم إلی الیمن مع خالد بن الولید, وبعث علیاً علی جیش آخر, وقال: إن التقیتما فعلیٌّ علی الناس وإن تفرقتما فکل واحد منکما علی حدته, فلقینا بنی زبید من أهل الیمن وظهر المسلمون علی المشرکین, فقتلنا المقاتلة وسبینا الذریة فاصطفی علی جاریة لنفسه من السبی فکتب بذلک خالد بن الولید إلی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم, وأمرنی أن أنال منه, فقال: فدفعت الکتاب إلیه ونلت من علی, فتغیر وجه رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم,

ص: 66

فقلت: هذا مکان العائذ بعثتنی مع رجل وأمرتنی بطاعته, فبلّغتُ ما أرسلت به, فقال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: لا تَقَعَنّ یا بریدة فی علی فإن علیاً منی وأنا منه وهذا ولیکم بعدی.. وفی لفظ الطبرانی(1): فدعا خالد بن الولید بریدة فقال: إغتنمها فأخبر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم بما صنع!!.

 فانتبه الی قوله «وأمرنی ان أنال منه!!» وقوله «فبلَّغت ما أُرسلتُ به» وقول خالد «إغتنمها!!» وما تضمّه هذه المصطلحات من بغضٍ ضمَّه قلبه القاسی.

وروی القصة الهیثمی(2) فقال: عن بریدة قال: بعث رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم علیاً أمیراً علی الیمن، وبعث خالد بن الولید علی الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعلی علی الناس، فالتَقَوا وأصابوا من الغنائم ما لم یصیبوا مثله، وأخذ علی جاریة من الخمس، فدعا خالد ابن الولید بریدة فقال: اغتنمها فأخبر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم ما صنع! فقدمت المدینة ودخلت المسجد ورسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی منزله، وناسٌ من أصحابه علی بابه، فقالوا: ما الخبر یا بریدة؟ فقلت: خیراً فتح الله علی المسلمین. فقالوا: ما أقدمک؟ قلت: جاریة أخذها علی من الخمس! فجئت لأخبر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم. فقالوا: فأخبرَ النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فإنه یسقط من عین النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم! ورسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یسمع الکلام، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ینتقصون علیاً! من تنقص علیاً فقد تنقصنی، ومن فارق علیاً فقد فارقنی. إن علیاً منی وأنا منه، خلق من طینتی وخلقت من طینة إبراهیم، وأنا أفضل من إبراهیم ذریة بعضها من

ص: 67

بعض والله سمیع علیم. یا بریدة أما علمت أن لعلی أکثر من الجاریة التی أخذ، وأنه ولیکم بعدی! فقلت: یا رسول الله بالصحبة إلا بسطت یدک فبایعتنی علی الإسلام جدیدا! قال: فما فارقته حتی بایعته علی الإسلام.

فانتبه لقوله «فقالوا: فأخبِر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فإنه یسقط من عین النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم» وهنا السؤال المهم من هم هؤلاء (الأقوام) الذین یشکّلون جهازاً سرّیاً للوقیعة بعلی واغتنام ما حسبوه هفوة سیغضب لها النبی ویسقط بها علی من عین النبی؟!! وهذا یثبت أن النَصْبَ مذهب موجود قبل رحیل النبی صلی الله علیه وآله ولا علاقة له بمقتل عثمان..

وخالد بن الولید معروف بأخلاقه الجاهلیة السیئة والتی لا تمتُّ للإسلام وتعالیمه السمحة بصلة, فلا تظنن برجل لم یرَ النبی إلاّ أقل من سنتین, وقد قضی أکثر من نصف عمره فی الشرک وعبادة الأوثان حتی ربت علیها جوارحه, وتشّرب بها قلبه ان یکون رحیماً برحمة الإسلام وسلیم القلب بمجرد تلفظ الشهادتین! فهذا مما لا یصدقه الفکر السلیم فضلاً عن الوجدان ومشاهدة العیان, فشخصیة الإنسان لا یمکن أن تتنکر لعقود من التربیة باتجاهٍ واحد, خصوصاً لو عرفنا ما کانت تتطلبه حیاة هؤلاء المشرکین ومنهم خالد فی مکة وبوادی الجزیرة ذات الحیاة الخشنة من القسوة وعدم الرحمة فی غزواتهم مع بعضهم للسلب والنهب وهتک الأعراض وإهلاک الحرث والنسل, لذا تجد فی ترجمة خالد عند المؤرخین جرائم عدیدة ارتکبها ضد الأبریاء والعزَّل من النساء والرجال والأطفال بدم بارد وبدون أیة رحمة, حتی ذمَّه الصحابة علی ذلک! قال ابن أبی أسامه(1): حدثنا عبد العزیز

ص: 68

بن أبان، حدثنا بشیر بن المهاجر البجلی، عن عبد الله بن بریدة عن أبیه، قال: خرج رسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - فی غزاة واستعمل خالد بن الولید علی مقدمته، فرأی امرأة مقتولة فقال: من قتل هذه؟ قالوا: قتلها خالد، فقال رسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - لرجل: إلحق خالد بن الولید فقل له لا یقتلنَّ امرأةً ولا صبیاً ولا عسیفاً...

کذلک قصة الغامدیة التی سبَّها خالد وهی تائبة مغفور لها (حسب وصف النبی صلی الله علیه وآله), قال ابن أبی شیبة(1): حدثنا أبو بکر قال حدثنا ابن نمیر قال حدثنا بشیر بن المهاجر قال حدثنا عبد الله بن بریدة عن أبیه قال: جاءت الغامدیة فقالت: یا رسول الله! إنی قد زنیت وإنی أرید أن تطهرنی، وأنه ردها، فلما کان الغد قالت: یا نبی الله! لم تردنی، فلعلک ترید أن تردنی کما رددت ماعز بن مالک، فوالله إنی لحبلی، قال: (أما لا, فاذهبی حتی تلدی)، فلما ولدت أتته بالصبی فی خرقة، قالت: هذا وقد ولدته، قال: (إذهبی فأرضیعه، حتی تفطمیه) فلما فطمته أتته بالصبی وفی یده کسرة خبز فقالت: هذا یا نبی الله قد فطمته، وقد أکل الطعام، فدفع الصبی إلی رجل من المسلمین، ثم أمر بها فحفر لها إلی صدرها، وأمر الناس فرجموا، فأقبل خالد بن الولید بحَجَر فرمی رأسها، فانتضخ الدم علی وجه خالد بن الولید، فسمع نبی الله سبَّه إیاها، فقال: (مهلا یا خالد بن الولید، فوالذی نفسی بیده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مکس لغفر له)، ثم أمر بها فصلِّی علیها ودُفنت.

 ومن شواهد عدم تشرّب قلبه بالإسلام أنه لم یصبر علی عدم شرب الخمر

ص: 69

فکان یغتسل بها!! وهذا هو المناسب لهذه النفوس الضعیفة والتی تشربت قلوبها بالوثنیة والخمر والقمار والخنا.روی ابن ابی الحدید والزیلعی(1) عن عمر: أنه کتب إلی خالد بن الولید (أنه بلغنی أنک دخلت حمّاماً بالشام وأن من بها من الأعاجم أعدَّوا لکم دلوکا(2) عُجن بخمر وإنی أظنکم آل المغیرة ذرو النار)..!!

فما بالک برجل لم یحتمل الابتعاد عن الخمر حتی احتال له فاغتسل به! فهل یُستأمن هذا علی الدین حتی یقال له «سیف الله المسلول»؟! وهذه قضیة بذاتها فقد نقلوا ان النبی صلی الله لعیه وآله لقَّبه بهذا اللقب, قال ابن ابی الحدید(3): سیف من سیوف الله، هذا لقب خالد بن الولید، وأختلف فیمن لقَّبه به، فقیل: لقَّبه به رسول الله صلی الله علیه وآله، والصحیح أنه لقَّبه به أبو بکر، لقتاله أهل الرِدَّة وقَتْلِه مسیلمة..

إذن الحدیث مکذوب علی لسان النبی صلی الله علیه وآله وسلم!!

وقد تکون المنزلة التی ارتقاها خالد بعد رحیل النبی جاءت مکافأة علی إخلاصه للخلفاء الذین نافسوا أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخلافة, إذ أنه کان من المنافحین عن کل من نافس قاتل أخیه فی الخلافة, قال ابن أبی الحدید(4): قال الزبیر: وکان خالد بن الولید شیعة لأبی بکر، ومن المنحرفین عن علی، فقام

ص: 70

خطیباً، فقال: أیها الناس، إنا رمینا فی بدء هذا الدین بأمر، ثقل علینا والله محمله، وصعب علینا مرتقاه، وکنا کأنا فیه علی أوتار، ثم والله ما لبثنا أن خف علینا ثقله، وذلَّ لنا صعبه، وعجبنا ممن شک فیه بعد عجبنا ممن آمن به، حتی أمرنا بما کنا ننهی عنه، ونهینا عما کنا نأمر به، ولا والله ما سبقنا إلیه بالعقول، ولکنه التوفیق. ألا وإن الوحی لم ینقطع حتی أحکم، ولم یذهب النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فنستبدل بعده نبیاً، ولا بعد الوحی وحیاً، ونحن الیوم أکثر منا أمس، ونحن أمس خیر منا الیوم، من دخل فی هذا الدین کان ثوابه علی حسب عمله، ومن ترکه رددناه إلیه، وإنه والله ما صاحب الأمر - یعنی أبا بکر - بالمسؤول عنه، ولا المختلف فیه، ولا الخفی الشخص، ولا المغموز القناة. فعجب الناس من کلامه.

وهکذا الحملات الانتخابیة الیوم, تملّق وبیع للدین بالدنیا یتبعها تقاسم ل_(الکعکة) کل حسب اختصاصه, ولکن هذا لم یُرضِ عمر لکونه کان یرید أن یکون الرجل الوحید الذی یسیّر الأمور من خلف الستارة, لذا نشب الخلاف بینه وبین خالد حتی کان خالد یلمزه «بالأُعیسر», قال ابن حبان(1): کتب أبو بکر إلی خالد بن الولید وهو یأمره أن یمد أهل الشام فیمن معه من أهل القوة ویستخلف علی ضعفة الناس رجلاً منهم, فلمَّا أتاه کتاب أبی بکر قال خالد هذا عمل الأعیسر بن أم شملة یعنی عمر بن الخطاب حسدنی أن یکون فتح العراق علی یدی!!..

وروی الطبری ان الکتاب جاء لخالد بعد فراغه من بنی حنیفة فقال(2): حدثنا

ص: 71

ابن حمید قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق: ثم إن خالداً قال لمجاعة: زوِّجنی ابنتک, فقال له مجاعة: مهلاً إنک قاطع ظهری وظهرک معی عند صاحبک, قال: أیها الرجل زوِّجنی, فزوجه فبلغ ذلک أبا بکر فکتب إلیه کتاباً یقطر الدم لعمری یا ابن أم خالد إنک لفارغ تنکح النساء وبفناء بیتک دم ألف ومائتی رجل من المسلمین لم یجفف بعد, قال فلما نظر خالد فی الکتاب جعل یقول هذا عمل الأعیسر یعنی عمر بن الخطاب!

بل ان ابن ابی الحدید(1) نقل ان عمر: شتم خالد بن الولید وطعن فی دینه، وحکم بفسقه وبوجوب قتله!

وکان موقف عمر یُنسَب الی کونه یعلم بمواقف خالد الجاهلیة وثاراته فی العرب, فکان یتَّهم خالداً بأنه یقتل للثأر وللنعرات الجاهلیة, ولیس للإسلام, وما قصة بنی جذیمة إلا واحدة من صنائع خالد المخزیة, روی ابن سعد فی الطبقات(2) فی قصة: سریة خالد بن الولید إلی بنی جذیمة من کنانة وکانوا بأسفل مکة علی لیلة ناحیة یلَملَم فی شوال سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, وهو یوم الغُمیصاء, قالوا لمَّا رجع خالد بن الولید من هدم العزّی ورسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم مقیم بمکة, بعثه إلی بنی جذیمة داعیاً إلی الإسلام, ولم یبعثه مقاتلاً, فخرج فی ثلاثمائة وخمسین رجلاً من المهاجرین والأنصار وبنی سلیم, فانتهی إلیهم خالد فقال ما أنتم؟ قالوا: مسلمون قد صلَّینا وصدقَّنا بمحمد وبنینا المساجد فی ساحاتنا وأذنَّا فیها, قال: فما بال السلاح

ص: 72

علیکم؟ فقالوا: إن بیننا وبین قوم من العرب عداوة فخفنا أن تکونوا هم فأخذنا السلاح, قال: فضعوا السلاح, قال: فوضعوه, فقال لهم: استأسروا فاستأسر القوم, فأمر بعضهم فکتَّف بعضاً وفرقهم فی أصحابه فلما کان فی السَحَر نادی خالد: من کان معه أسیر فلیدافه, والمدافة الإجهاز علیه بالسیف, فأمَّا بنو سلیم فقتلوا من کان فی أیدیهم, وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم, فبلغ النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم ما صنع خالد فقال: اللهم إنی أبرأ إلیک مما صنع خالد, وبعث علی بن أبی طالب فودی لهم قتلاهم وما ذهب منهم ثم انصرف إلی رسول الله فأخبره!.

ولما کان هذا أول الغیث من خالد لم یرض الصحابة بفعله (وقد یکون هذا لأن النبی صلی الله علیه وآله مازال حیاً)!

ونقل الذهبی(1): عن الواقدی: عن رجل، عن إیاس بن سلمة عن أبیه قال: لما قدم خالد بعد صنیعه ببنی جذیمة، عاب علیه ابن عوف ما صنع، وقال: أخذت بأمر الجاهلیة، قتلتهم بعمک الفاکه، قاتلک الله... قال: وأعابه عمر، فقال خالد: أخذُتهم بقتل أبیک، فقال عبد الرحمن بن عوف: کذبت، لقد قتلت قاتل أبی بیدی، ولو لم أقتله، لکنت تقتل قوماً مسلمین بأبی فی الجاهلیة؟! قال: ومن أخبرک أنهم أسلموا؟ فقال: أهل السریَّة کلهم. قال: جاءنی رسول رسول الله، صلی الله علیه - وآله - وسلم، أن أغیر علیهم، فأغرت، قال: کذبت علی رسول الله، وأعرض رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، عن خالد وغضب وقال: یا خالد! ذروا لی أصحابی متی ینکأ إلف المرء ینکأ المرء!

ص: 73

قلت: إقرأ وتعجّب لخلاف ابن عوف وابن الولید, فهذا یتِّهم ذاک بأنه قتل الأبریاء ثاراً لأبیه المقتول فی الجاهلیة, وذاک یقول بأنه قتلهم ولکن لیس ثأراً لأبیه بل ثأراً لوالد ابن عوف! هذا ولم تمضِ علی خطبة النبی صلی الله علیه وآله فی حجَّة الوداع أقل من عام والتی قال فیها: إن ماء الجاهلیة موضوعة وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربیعة(1)!

وقد نقل بعض الصحابة مدی لامبالاة خالد بأرواح الأبریاء, روی الذهبی(2): عن الواقدی: حدثنا یحیی بن عبد الله بن أبی قتادة، عن أهله، عن أبی قتادة قال: لما نادی خالد فی السحر: من کان معه أسیر، فلیدافه، أرسلت أسیری، وقلت لخالد: اتق الله، فإنک میت، وإن هؤلاء قوم مسلمون، قال: إنه لا علم لک بهؤلاء.

وقد ارتکب خالد مجزرة مشابهة بقوم مسلمین هم قوم مالک بن نویرة, وقد فعل نفس فعلته فی بنی جذیمة لکنه لیس للثأر هذه المرة, بل لأجل الامرأة التی قیل بأنه کان یعشقها فی زمن الجاهلیة! إذ روی الذهبی(3): عن المدائنی، عن ابن أبی ذئب، عن الزهری، عن سالم، عن أبیه، قال: قدم أبو قتادة علی أبی بکر، فأخبره بقتل مالک بن نویرة وأصحابه. فجزع، وکتب إلی خالد، فقدم علیه، فقال أبو بکر: هل تزیدون علی أن یکون تأول، فأخطأ؟ ثم ردَّه، وودی مالکاً، ورد السبی والمال, وعن ابن إسحاق قال: دخل خالد علی أبی بکر، فأخبره، واعتذر، فعذره, قال سیف فی الردة: عن هشام بن عروة، عن أبیه قال: شهد قوم من

ص: 74

السریة أنهم أذَّنوا وأقاموا وصلّوا، ففعلوا مثل ذلک، وشهد آخرون بنفی ذلک، فقُتِلوا. وقدم أخوه متمِّم بن نویرة ینشد الصدّیق دمه، ویطلب السبی، فکتب إلیه برد السبی، وألح علیه عمر فی أن یعزل خالداً، وقال: إن فی سیفه رهقاً، فقال: لا یا عمر، لم أکن لأشیم سیفاً سلَّه الله علی الکافرین!..

وروی الذهبی(1): عن سیف: عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبیر وغیره أن خالداً بث السرایا، فأتی بمالک. فاختلف قول الناس فیهم وفی إسلامهم، وجاءت أم تمیم کاشفة وجهها، فأکبَّت علی مالک، وکانت أجمل الناس، فقال لها: إلیک عنی، فقد والله قتلتنی. فأمر بهم خالد، فضربت أعناقهم. فقام أبو قتادة، فناشده فیهم، فلم یلتفت إلیه، فرکب أبو قتادة فرسه، ولحق بأبی بکر وحلف: لا أسیر فی جیش وهو تحت لواء خالد. وقال: ترک قولی، وأخذ بشهادة الأعراب الذین فتنتهم الغنائم» فانظر الی هذا (السیف) المسلول علی العُزّل والأبریاء!!..

ولمّا کان خالد متهما بسرقة المال وإنفاقه فی غیر وجوهه الشرعیة, شدَّد عمر علی أبی بکر بمراقبة إنفاقه ومنعه منه, إذ روی الذهبی(2) عن: الزبیر بن بکار: حدثنی محمد بن مسلمة، عن مالک قال: قال عمر لأبی بکر: أُکتب إلی خالد: ألّا یعطی شاة ولا بعیراً إلا بأمرک، فکتب أبو بکر بذلک، قال: فکتب إلیه خالد: إما أن تدعنی وعملی، وإلا فشأنک بعملک، فأشار عمر بعزله، فقال: ومن یجزئ عنه؟ قال عمر: أنا، قال: فأنت. قال مالک: قال زید بن أسلم: فتجهز عمر حتی أنیخت الظهر فی الدار. وحضر الخروج، فمشی جماعة إلی أبی بکر، فقالوا:

ص: 75

ما شأنک تخرج عمر من المدینة وأنت إلیه محتاج، وعزلت خالدا وقد کفاک؟ قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم علی عمر لیجلس، وتکتب إلی خالد، فیقیم علی عمله، ففعل...

وروی الذهبی(1) عن: هشام بن سعد: عن زید بن أسلم، عن أبیه، قال عمر لأبی بکر: تدع خالداً بالشام ینفق مال الله؟ قال فلما توفی أبو بکر، قال أسلم: سمعت عمر یقول: کذبت الله إن کنت أمرت أبا بکر بشئ لا أفعله، فکتب إلی خالد. فکتب خالد إلیه: لا حاجة لی بعملک فولی أبا عبیدة...

وقوله «فکتب الی خالد» أی أنه کتب الیه بعزله..

ونقل الذهبی بعض وجوه الإنفاق والإسراف من خالد فی مال الله فقال(2): ومن کتاب سیف عن رجاله قال: کان عمر لا یخفی علیه شیء من عماله، وإن خالداً أجاز الأشعث بعشرة آلاف، فدعا البرید، وکتب إلی أبی عبیدة أن تقیم خالداً وتعقله بعمامته، وتنزع قلنسوته حتی یعلمکم من أین أجاز الأشعث؟ أمن مال الله أم من ماله؟ فإن زعم أنه من إصابة أصابها، فقد أقر بخیانة، وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف، واعزله علی کل حال، واضمم إلیک عمله. ففعل ذلک، فقدم خالد علی عمر فشکاه وقال: لقد شکوتک إلی المسلمین، وبالله یا عمر إنک فی أمری غیر مجمل، فقال عمر: من أین هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد علی الستین ألفاً فلک تقوم عروضه، قال: فخرجت علیه عشرون ألفاً، فأدخلها بیت المال. ثم قال: یا خالد والله إنک لکریم علی وإنک لحبیب إلی، ولن تعاتبنی بعد الیوم علی شیء»!!.

ص: 76

وکان من ترف خالد أنه کان یلبس الحریر الذی أجمعت الأمة علی تحریمه للرجال, روی الذهبی(1): عن الأصمعی: عن ابن عون، عن ابن سیرین، أن خالد بن الولید دخل وعلیه قمیص حریر، فقال عمر: ما هذا؟ قال: وما بأسُه! قد لبسه ابن عوف, قال: وأنت مثله؟! عزمت علی من فی البیت إلا أخذ کل واحد منه قطعة، فمزَّقوه!.

وقد روی البخاری(2) عن عمر أن النبی قال: إنما یلبس الحریر فی الدنیا من لا خلاق له فی الآخرة!

ولکن أهل السنة لا یطبقون ذلک علی الصحابة طبعاً!.. ولما کان یجب ستر کل هذه المعایب فی شخصیته اخترع له المحدثون بعض الکرامات!

إذ روی الذهبی(3): عن أبو بکر بن عیاش: عن الأعمش، عن خیثمة، قال أُتی خالد بن الولید برجل معه زق خمر، فقال: اللهم اجعله عسلاً، فصار عسلاً...!! ولمَّا کان حبل الکذب قصیر روی الذهبی الروایة عن طریق ثان لکن الراوی لم یذکر أنه تحول عسلاً!!

قال الذهبی(4): عن یحیی بن آدم، عن أبی بکر، وقال: خلَّا بدل العسل، وهذا أشبه..

قلت: إن الخمر ینقلب خلا بالعلاج فقد یکون هذا الرجل قد ادخر الخمر لذلک فلما فتحه خالد وجده قد انقلب خلاً وهذا ممکن..

ص: 77

ص: 78

عن الحیاة السیاسیة) وکان معاویة وحذیفة یتهمانه بالکذب(1). وکان من روّاد بلاط معاویة فی الشام زمن ولایته..

من حدیثه:

ما رواه المتقی الهندی(2): عن سعد الجاری موسی مولی عمر بن الخطاب أنه دعا أم کلثوم بنت علی بن أبی طالب وکانت تحته فوجدها تبکی، فقال: ما یبکیک؟ فقالت: یا أمیر المؤمنین! هذا الیهودی تعنی کعب الأحبار. یقول: إنک علی باب من أبواب جهنم!

فقال عمر: ما شاء الله! والله إنی لأرجو أن یکون ربی خلقنی سعیداً! ثم أرسل إلی کعب فدعاه، فلما جاءه کعب قال: یا أمیر المؤمنین! لا تعجل علی، والذی نفسی بیده لا ینسلخ ذو الحجة حتی تدخل الجنة: فقال عمر: أی شیء هذا مرة فی الجنة ومرة فی النار؟ فقال: یا أمیر المؤمنین! والذی نفسی بیده! إنا لنجدک فی کتاب الله علی باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن یقعوا فیها، فإذا مِتَّ لم یزالوا یقتحمون فیها إلی یوم القیامة.!

وما رواه عبد الله بن احمد, قال(3): حدثنا أبو أحمد الهیثم بن خارجة حدثنا عثمان بن حصن بن علاق القرشی قال سمعت عروة بن رویم یقول:

إن رجلاً لقی کعب الأحبار فسلَّم علیه وحیَّاه ودعا له حتی أرضاه, فسأله کعب ممن هو؟

ص: 79

قال: رجل من أهل الشام.

قال: فلعلک من الجند الذین یدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغیر حساب ولا عذاب؟

قال: قلت من هم؟

قال: أهل حمص.

قال: لستُ منهم!

قال: فلعلک من الجند الذین یعرفون فی الجنة بثیاب خضر؟

قال قلت من هم؟

قال: أهل دمشق

قال: قلت لستُ منهم!

قال: فلعلک من الجند الذین هم فی ظل عرش الرحمن جل وعز؟

قال: قلت من هم؟

قال: هم أهل الأردن

قال: قلت لستُ منهم!

قال: فلعلک من الجند الذین ینظر الله إلیهم عز وجل فی کل یوم مرتین؟

قال: قلت من هم؟

قال: أهل فلسطین.

قال: قلت نعم أنا منهم!.».

قلت: سیأتیک روایة فضائل الشام عن جمع من النواصب, والسبب

ص: 80

واضح, إذ أن روایة النواصب کانت بدافع الدنیا وحب الجاه والتقرّب الملوک, ومن أفضل الوسائل المقرِّبة للملوک ان تمدح مناطقهم وبلادهم (بأحادیث نبویة!), وکل شیء بحسابه!..

وما رواه المناوی(1) قال عن کعب الأحبار: للشهید نوران ولمن قتل الخوارج عشرة أنوار ولجهنم سبعة أبواب باب منها للحروریة..

وما نقله عنه ابن عساکر(2): أجد صفة الأرض فی کتاب الله یعنی التوراة علی صفة النسر فالرأس الشام, والجناحان المشرق, والمغرب والذنب الیمن, ولا یزال الناس بخیر ما تفلی الرأس ونزع الرأس من الجسد ما لم ینزع الرأس فإذا نزع الرأس هلک الناس, وأیم الذی نفس کعب بیده لیأتین علی الناس زمان لا تبقی جزیرة من جزائر العرب أو قال مصر من أمصار العرب إلا وفیهم مقنب خیل من الشام یقاتلونهم عن الإسلام لولاهم لکفروا...

قلت: ان الحدیث یحمل ملامحه الجاهلیة معه! فشام معاویة هو الرأس, ویَمَنُ علیٍ هو الذیل!!

وروی ابن سعد(3): أخبرنا معن بن عیسی أخبرنا معاویة بن صالح عن أبی فروة عن بن عباس أنه سأل کعب الأحبار کیف تجد نعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی التوراة فقال نجده محمد بن عبد الله مولده بمکة ومهاجره إلی طیبة, ویکون ملکه بالشام لیس بفحَّاش ولا بصخَّاب فی الأسواق ولا یکافئ بالسیئة ولکن یعفو ویغفر..

ص: 81

وروی الذهبی(1) فی حدیث طویل:.. قال همام بن یحیی: وحدثنا فرقد، حدثنا أبو تمیمة،..... أتینا دمشق، فلقیت کعبا، فقال: إذا أتیتم بیت المقدس، فاجعلوا الصخرة بینکم وبین القبلة!..

قلت: انظر لهذا الیهودی الذی لاتفوته فرصة لتمجید آثار الیهود حتی قال للمسلمین اتخذوا الصخرة قبلة الی الکعبة!!

وبقیت آثار تعظیم هذا المکان الی الوقت الحاضر یقول أحدهم «بیت المقدس هو ثالث المساجد المقدسة, بناه سلیمان بن داود علیهما السلام حینما کان ملکاً علی بنی اسرائیل, واحتفل فی بنائه کثیرا ویعظمه جمیع الادیان من موسوی وعیسوی وإسلامی»(2).

قلت: إن المسلمین یحترمون المساجد لکونها بیوت الله لا لکونها أماکن لدیانات أخری, فالدیانات السابقة علی الدین الإسلامی قد نُسخت, وحتی ما کان قائماً مما أمر الله نبیه بالصلاة الیه کبیت المقدس فقد نسخ الحکم بذلک فیجب التعامل مع المسألة بدون البعد الیهودی فی الروایات بل إن یقید التقدیس بالدلیل الإسلامی فقط!..

وقال الحاکم النیسابوری(3): أخبرنی أبو سعید أحمد بن محمد الأخمسی حدثنا الحسین بن حمید بن محمد بن الربیع حدثنا مروان بن جعفر السمری حدثنا حمید بن معاذ حدثنا مدرک بن عبد الرحمن حدثنا الحسن بن ذکوان عن الحسن عن سمرة عن کعب الأحبار قال: ثم کان إسحاق بن إبراهیم الذی جعله الله نوراً وضیاء

ص: 82

وقرة عین لوالدیه, فکان من أحسن الناس وجهاً وأکثره جمالاً وأحسنه منطقاً فکان أبیض جعد الرأس واللحیة مشبهاً بإبراهیم خلقاً وخلقاً, وولد لإسحاق یعقوب وعیص فکان یعقوب أحسنهما وأنطقهما وأکثرهما جمالا وظرفا, وکان عیص کثیر شعر الرأس والجسد والوجه وکان یسکن الروم فیما حدث سَمُرَة بن جندب..

قلت: الحدیث مقتطع وهذه تکملته فی التوراة(1) (التی کان کعب یحدث منها!):

«کانت رفقة سامعة إذ تکلم إسحق مع عیسو ابنه. فذهب عیسو إلی البریة کی یصطاد صیدا لیأتی به. 6 وأما رفقة فکلمت یعقوب ابنها قائلة إنی قد سمعت أباک یکلم عیسو أخاک قائلا. 7 ائتنی بصید واصنع لی أطعمة لآکل وأبارکک أمام الرب قبل وفاتی. 8 فالآن یا ابنی اسمع لقولی فی ما أنا آمرک به. 9 اذهب إلی الغنم وخذ لی من هناک جدیین جیدین من المعزی. فأصنعهما أطعمة لأبیک کما یحب. 10 فتحضرها إلی أبیک لیأکل حتی یبارکک قبل وفاته. 11 فقال یعقوب لرفقة أمه هو ذا عیسو أخی رجل أشعر وأنا رجل أملس. 12 ربما یجسنی أبی فأکون فی عینیه کمتهاون وأجلب علی نفسی لعنة لا برکة. 13 فقالت له أمه لعنتک علی یا ابنی. اسمع لقولی فقط واذهب خذ لی. 14 فذهب وأخذ وأحضر لأمه. فصنعت أمه أطعمة کما کان أبوه یحب. 15 وأخذت رفقة ثیاب عیسو ابنها الأکبر الفاخرة التی کانت عندها فی البیت وألبست یعقوب ابنها الأصغر. 16 وألبست یدیه وملاسة عنقه جلود جدیی المعزی. 17 وأعطت الأطعمة والخبز التی صنعت فی ید یعقوب ابنها 18 فدخل إلی أبیه وقال یا أبی. فقال هأنذا. من أنت یا ابنی. 19 فقال

ص: 83

یعقوب لأبیه أنا عیسو بکرک. قد فعلت کما کلمتنی. قم اجلس وکل من صیدی لکی تبارکنی نفسک. 20 فقال إسحق لابنه ما هذا الذی أسرعت لتجد یا ابنی. فقال إن الرب إلهک قد یسر لی. 21 فقال إسحق لیعقوب تقدم لأجسک یا ابنی. أأنت هو ابنی عیسو أم لا. 22 فتقدم یعقوب إلی إسحق أبیه. فجسه وقال الصوت صوت یعقوب ولکن الیدین یدا عیسو. 23 ولم یعرفه لأن یدیه کانتا مشعرتین کیدی عیسو أخیه. فبارکه».

وجاء فی التفسیر التطبیقی للکتاب المقدس «بعد ان خدع یعقوب أخاه فی موضوع البکوریة وفی موضوع البرکة ترک یعقوب بئر سبع وهرب الی حاران لیتخذ له زوجة»(1)!

فإذن کما یرید أن یقول کعب فیعقوب أخذ البرکة من أبیه بواسطة الغش والکذب!! ولا أعلم کیف یستحلُّ هؤلاء الصحابة الأخذ من التوراة بوجود کتاب الله الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه؟!.

وأنت کما تری فهذه الأحادیث تمجد الشام فملک النبی یکون فی الشام!ورأس البلدان هو الشام بل وینصح کعب بها ان تجعل الصخرة بین المصلِّی والکعبة! والمعروف ان الشام مقر بنی أبی سفیان من حین فتحت!وإذا عرف السبب بطل العجب!

لهذا کان الصحابة یتَّهمون کعباً بالکذب, ومنهم أمیر المؤمنین علیه السلام کما نقل ذلک البخاری(2) وابن أبی الحدید(3) والغریب أن کعباً أسلم فی زمان أبی

ص: 84

بکر أو عمر علی اختلاف المؤرخین, ومع ذلک فهو ذو مکانة مرموقة عند البلاط فهو صاحب مشورة عمر وعثمان حتی ان عثمان یسأله(1): أیجوز للإمام أن یأخذ من المال، فإذا أیسر قضی؟ فقال کعب الأحبار: لا بأس بذلک، فقال له أبو ذر: یا بن الیهودیین، أتعلمنا دیننا! فقال عثمان: قد کثر أذاک لی وتولعک بأصحابی، إلحق بالشام. فأخرجه إلیها!.

«وبعد أن افسد کعب المدینة وما حولها وصار له تلامیذ من الصحابة المشهورین أمثال: عبد الله بن عمر وأبی هریرة وعبد الله بن عمرو وابن الزبیر ومعاویة....وغیرهم ورووا عنه الحدیث انتقل الی بلاد الشام لیفسد أهلها ولیؤسس مدرسته کما یرید وبمساعدة معاویة حاکم الشام فی زمان عثمان»(2)!

فما الذی أوصل کعبا الی هذه المکانة التی جعلت عثمان ینفی احد أجلاء الصحابة من اجله؟! فهل هناک غیر «انحرافه عن علی؟!»(3).

ص: 85

ص: 86

سعد الطائی بالشام، فلو أمرناه أن یلقی معاویة لعله أن یکسره ویکسر أهل الشام، فقال علی علیه السلام: نعم، فأمره عدی بذلک - وکان اسم الرجل خفاف بن عبد الله. فقدم علی ابن عمه حابس بن سعد بالشام - وحابس سید طیء بها - فحدَّث خفاف حابساً أنه شهد عثمان بالمدینة، وسار مع علی إلی الکوفة، وکان لخفاف لسان وهیئة وشعر، فغدا حابس بخفاف إلی معاویة، فقال: إن هذا ابن عم لی، قدم الکوفة مع علی، وشهد عثمان بالمدینة، وهو ثقة. فقال له معاویة: هات، حدثنا عن عثمان، فقال: نعم حَصَرهُ المکشوح, وحکم فیه حُکیم، وولیه عمار، وتجرَّد فی أمره ثلاثة نفر: عدی بن حاتم, والأشتر النخعی، وعمرو بن الحمق، وجدَّ فی أمره رجلان, طلحة والزبیر، وأبرأ الناس منه علی. قال: ثم مه، قال: ثم تهافت الناس علی علی بالبیعة تهافت الفراش، حتی ضاعت النعل ووسقط الرداء، ووطئ الشیخ. ولم یذکر عثمان ولم یذکر له، ثم تهیأ للمسیر، وخف معه المهاجرون والأنصار، وکره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالک، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، فلم یستکره أحداً، واستغنی بمن خفّ معه عمّن ثقل. ثم سار حتی أتی جبل طیء، فأتته منا جماعة کان ضارباً بهم الناس، حتی إذا کان ببعض الطریق أتاه مسیر طلحة والزبیر وعائشة إلی البصرة، فسرّح رجالاً إلی الکوفة یدعونهم، فأجابوا دعوته، فسار إلی البصرة، فإذا هی فی کفّه، ثم قدم الکوفة فحُمِل إلیه الصبی، ودبّت إلیه العجوز، وخرجت إلیه العروس فرحاً به وشوقاً إلیه، وترَکتُه ولیس له همة إلا الشام. فذعر معاویة من قوله، وقال حابس: أیها الأمیر، لقد أسمعنی شعراً غیرّ به حالی فی عثمان، وعظّم به علیاً عندی. فقال معاویة: أسمعنیه یا خفاف، فأنشده شعرا أوله:

قلت واللیل ساقط الأکناف

ولجنبی عن الفراش تجاف

ص: 87

یذکر فیه حال عثمان وقتله، وفیه إطالة عدلنا عن ذکره... ومن جملته:

قد مضی ما مضی ومر به الدهر

کما مر ذاهب الأس__لاف

إننی والذی یحج له الناس

علی لحق البطون ع________جاف

تتباری مثل القسی من النبع

بشعث مثل السهام نح_____اف

أرهب الیوم إن أتاکم ع_لی

صیحة مثل صیحة الأحقاف

إنه اللیث غادیا وش_____________________جاع

مطرق نافث بسم زع_______اف

واضع السیف فوق عاتقه الأیمن

یفری به شؤون القح________اف

س____________وم الخیل ثم قال لق_____وم

بایعوه إلی الطعان خف_____اف

استعدوا لح______رب طاغ___یة الشام

فلبوه کالیدین الل_________طاف

ثم قالوا أنت الجناح لک الریش

القدامی ونحن منه الخوافی

بسلم تهمّ أم بخلاف

قال: فانکسر معاویة، وقال: یا حابس إنی لأظن هذا عیناً لعلی، أخرجه عنک لئلا یفسد علینا أهل الشام!».

 من حدیثه: ما رواه الطبرانی(1): حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطی وأبو زید الحوطی قالا حدثنا أبو وابنه الحکم بن نافع حدثنا حریز بن عثمان عن عبد الله بن غابر الألهانی قال دخل حابس بن سعد الطائی المسجد من السَحَر, وقد أدرک النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وناس یصلون فی صدر المسجد فقال: المراءون ورب الکعبة, أرعبوهم فمن رعبهم فقد أطاع الله ورسوله فقال إن الملائکة تصلی من السحر فی مقدم المسجد.

ص: 88

ص: 89

قلت: ولی الیمن لعثمان. وکان ممن خرج مع عائشة، وطلحة، والزبیر نوبة الجمل فی الطلب بدم عثمان الشهید. فأنفق أموالا جزیلة فی العسکر کما ینفق الملوک. فلما هزموا، هرب یعلی إلی مکة، ثم أقبل علی شأنه(1)..

وقال ابن حجر(2): قال المدائنی عن سلمة بن محارب عن عوف الأعرابی, قال: إستعمل أبو بکر یعلی علی حلوان فی الردَّة, ثم عمل لعمر علی بعض الیمن, فحمی لنفسه حمی, فعزله ثم عمل لعثمان علی صنعاء الیمن, وحج سنة قتل عثمان فخرج مع عائشة فی وقعة الجمل..

وقد سرق یعلی من بیت المال مبلغ اربعمئة ألف دینار موَّل به حرب الجمل(3), واشتری جملاً ضخماً یمیل لونه للحمرة یُسمَّی عسکر بمئة ألف دینار, أهداه لأم المؤمنین لکی تقود الحرب من هودجها علی الجمل!(4)

من حدیثه:

ما رواه أبو داود السجستانی:(5) حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنی عاصم بن حکیم، عن یحیی بن أبی عمرو الشیبانی، عن عبد الله بن الدیلمی، أن یعلی بن منیة قال: آذن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم بالغزو وأنا شیخ کبیر لیس لی خادم، فالتمست أجیراً یکفینی وأجری له سهمه، فوجدت رجلاً، فلما دنا الرحیل أتانی فقال: ما أدری ما السهمان وما یبلغ سهمی؟ فسم لی شیئا کان السهم أو لم یکن، فسمیت له ثلاثة دنانیر، فلما

ص: 90

حضرت غنیمته أردت أن أجری له سهمه، فذکرت الدنانیر، فجئت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فذکرت له أمره، فقال: ما أجد له فی غزوته هذه الدنیا والآخرة إلا دنانیره التی سمّی!..

وروی الحاکم النسابوری(1) تحت باب (ذکر مناقب یعلی بن منیة رضی الله عنه)!!

حدثنا علی بن حمشاذ العدل حدثنا عبید بن شریک حدثنا سعید بن أبی مریم حدثنا یحیی بن أیوب عن عقیل عن ابن شهاب قال: أخبرنی عمرو بن عبد الرحمن بن أمیة ان أباه أخبره إن یعلی قال: کلّمت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أبی أمیة یوم الفتح, فقلت: یا رسول الله بایع أبی علی الهجرة فقال رسول الله صلی الله علیه وآله أبایعه علی الجهاد فقد انقطعت الهجرة..

وروی مسلم(2): حدثنا محمد بن المثنی وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصین قال قاتل یعلی بن منیة أو ابن أمیة رجلاً فعضَّ أحدهما صاحبه, فانتزع یده من فمه فنزع ثنیته (وقال ابن المثنی ثنیتیه) فاختصما إلی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال أیعض أحدکم کما یعض الفحل لا دیة له!..

وروی البیهقی(3): حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا علی بن حمشاذ العدل حدثنا محمد بن علی بن بطحا حدثنا عفان حدثنا وهیب حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثیم عن سعید بن أبی راشد عن یعلی بن منیة الثقفی قال: جاء الحسن

ص: 91

والحسین یستبقان إلی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فضمهما إلیه ثم قال إن الولد مبخلة مجبنة محزنة..

وبلغ من عداءه لأمیر المؤمنین انه کان یدفع من بیت المال لمن یخرج لحرب أمیر المؤمنین علیه السلام, قال العجلی(1): قال علی بن أبی طالب بُلیت بأربعة: أطوع الناس فی الناس عائشة أم المؤمنین, وأشد الناس الزبیر, وأعبد الناس محمد بن طلحة بن عبید الله وأسخی الناس یعلی بن منیة, کان یعلی یعطی الرجل ثلاثین دیناراً وفرساً ویقول: أخرج قاتل علی!..

ص: 92

ص: 93

ارتدَّ من الکندیین, وأسر فأحضر إلی أبی بکر فأسلم فأطلقه وزوجه أخته أم فروة فی قصة طویلة!..

قال خلیفة بن خیاط(1): بعث أبو بکر المهاجر بن أبی أمیة المخزومی وزیاد بن لبید الأنصاری إلی أهل النجیر وکانوا ارتدَّوا وفیهم الأشعث بن قیس الکندی، فحصروهم فسألهم الأشعث الأمن علی نفسه وولده وماله علی أن یفتح لهم. ففعلوا، وفتح لهم، فقتلوا من کان فی الحصن، وبعثوا بالأشعث إلی أبی بکر، فمن علیه وحقن دمه. قال ابن إسحاق: فانتقضت علی زیاد بن لبید طائفة من کندة مع جاریة بن سُراقة.

وبعد مقتل عثمان جمع الأشعث الأموال فی ولایته, وقد کان والیاً علی أذربیجان, واتّجه الی معاویة (وشبیه الشیء منجذب إلیه!) لولا أن تدارکه حجر بن عدی وأقنعه بالعدول عن ذلک, قال ابن حبان(2): إن حجر بن الأدبر قدم علی علی فقال یا أمیر المؤمنین الجماعة والعدد والمال مع الأشعث بن قیس بآذربیجان فابعث إلیه فلیقدم, فکتب إلیه علی: بسم الله الرحمن الرحیم من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلی الأشعث بن قیس أما بعد فإذا أتاک کتابی هذا فاقدم واحمل ما غللت من المال فکتب إلیه الأشعث بن قیس: أما بعد فقد جاءنی کتابک بأن أقدم علیک وأحمل ما غللت من مال الله فما أنت وذاک والسلام!ثم قال الأشعث والله لأدعّنه بحال مضیعة ولأفسدن علیه الکوفة ثم ارتَحَل من أذربیجان وهو یرید معاویة وبلغ ذلک علیاً وشقَّ علیه خروجه إلی معاویة فقال حجر بن الأدبر: یا أمیر المؤمنین ابعثنی إلی الأشعث بن قیس فأنا أعرف به وأرفق وإن هو

ص: 94

خوشن لم یجب أحدا قال له علی: سِرّ إلیه, فسار حجر إلیه فأدرکه بشهرزور, فقال له حجر یا أبا محمد أنشدک الله أن تأتی معاویة وتدع ابن عم رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال الأشعث: أوما سمعت کتابه إلی فقال حجر إنک إن أتیت معاویة أقبلنا جمیعاً إلی الشام, وأنشدک الله ألا نظرت إلی أیتام قومک وأیاماهم فأنی لا آمن أن یُفتضحوا غداً, قال: فما ترید یا حجر قال تنحدر معی إلی الکوفة فإنک شیخ العرب وسیدها والمطاع فی قومک, وسیصیر إلیک الأمر, فلم یزل به حجر حتی قال لیصرفوا صدور الرکائب إلی الکوفة فتقدم علی علی, فسُرَّ علی بمجیئه, فقال: مرحباً وأهلا بأبی محمد علی عجلته, فقال: أمیر المؤمنین إن هذا لیس بیوم عتاب..

وبعد ان خاض مع أمیر المؤمنین علیه السلام حرب صفین ووصل الأمر الی ماوصل إلیه کان الأشعث مع ما أراده الخوارج من إجابة معاویة الی دعوی القرآن!!

قال ابن ابی الحدید(1) قال نصر: وحدثنا عمرو بن سعید، قال: حدثنی أبو جناب، عن ربیعة الجرمی، قال: لما کُتبت الصحیفة دعی لها الأشتر، لیشهد مع الشهود علیه، فقال: لا صحبتنی یمینی ولا نفعنی بعدها الشمال إن کتب لی فی هذه الصحیفة اسمٌ علی صلح أو موادعة، أولست علی بینة من أمری ویقین من ضلالة عدوی، أولستم قد رأیتم الظفر إن لم تجمعوا علی الخور! فقال له رجل (من الناس): والله ما رأیت ظفراً ولا خوراً، هلم فاشهد علی نفسک، وأقرر بما کُتِب فی هذه الصحیفة، فإنه لا رغبة لک عن الناس، فقال: بلی والله، إن لی لرغبة عنک فی الدنیا للدنیا، وفی الآخرة للآخرة، ولقد سفک الله بسیفی هذا دماء

ص: 95

رجال ما أنت عندی بخیر منهم، ولا أحرم دما.

قال نصر بن مزاحم: الرجل هو الأشعث بن قیس، قال: فکأنما قصع علی أنفه الحمیم ثم قال: ولکنی قد رضیت بما یرضی به أمیر المؤمنین، ودخلت فیما دخل فیه، وخرجت مما خرج منه، فإنه لا یدخل إلا فی الهدی والصواب..

قلت: ان سلوک الأشعث کان مریباً علی الدوام, فهو لم یطع أمیر المؤمنین علیه السلام یوماً من الأیام فهو کان یضمر شیئا ویظهر شیئا!!

روی الذهبی(1) عن قیس بن أبی حازم، قال: دخل الأشعث علی علی فی شئ، فتهدده بالموت، فقال علی: بالموت تهددنی! ما أبالیه، هاتوا لی جامعة وقیدا! ثم أومأ إلی أصحابه. قال: فطلبوا إلیه فیه, فترکه!.

وکان یعترض علی امیر المؤمنین وهو یخطب علی المنبر وهذا لاینمُّ عن أی هیبة واحترام للولی الشرعی للأمة!

 قال ابن ابی الحدید(2): ومن کلام له علیه السلام، قاله للأشعث بن قیس، وهو علی منبر الکوفة یخطب، فمضی فی بعض کلامه شیء اعترضه الأشعث فیه، فقال: یا أمیر المؤمنین، هذه علیک لا لک، فخفض علیه السلام إلیه بصره، ثم قال: ما یدریک ما عَلَی مما لی، علیک لعنة الله ولعنة اللاعنین! حائک ابن حائک، منافق ابن کافر. والله لقد أسرک الکفر مرة والإسلام أخری، فما فداک من واحدة منهما مالک ولا حسبک. وإن امرأ دل علی قومه السیف، وساق إلیهم الحتف، لحریّ أن یمقته الأقرب، ولا یأمنه الأبعد!..

ص: 96

قال ابن ابی الحدید فی شرحه للخطبة(1) «... وأما الأسر الثانی فی الإسلام، فإن رسول الله صلی الله علیه وآله لما قدمت کندة حجاجا قبل الهجرة، عرض رسول الله صلی الله علیه وآله نفسه علیهم، کما کان یعرض نفسه علی أحیاء العرب، فدفعه بنو ولیعة من بنی عمرو بن معاویة ولم یقبلوه، فلما هاجر صلی الله علیه وآله وتمهدت دعوته، وجاءته وفود العرب، جاءه وفد کندة، فیهم الأشعث وبنو ولیعة فأسلموا، فأطعم رسول الله صلی الله علیه وآله بنی ولیعة طعمة من صدقات حضرموت، وکان قد استعمل علی حضرموت زیاد بن لبید البیاضی الأنصاری، فدفعها زیاد إلیهم، فأبوا أخذها، وقالوا: لا ظهر لنا، فابعث بها إلی بلادنا علی ظهر من عندک، فأبی زیاد، وحدث بینهم وبین زیاد شر، کاد یکون حربا، فرجع منهم قوم إلی رسول الله صلی الله علیه وآله، وکتب زیاد إلیه علیه السلام یشکوهم. وفی هذه الوقعة کان الخبر المشهور عن رسول الله صلی الله علیه وآله، قال لبنی ولیعة: (لتنتهن یا بنی ولیعة، أو لأبعثن علیکم رجلا عدیل نفسی، یقتل مقاتلتکم، ویسبی ذراریکم). قال عمر بن الخطاب: فما تمنیت الإمارة إلا یومئذ، وجعلت أنصب له صدری رجاء أن یقول: هو هذا، فأخذ بید علی علیه السلام، وقال: (هو هذا). ثم کتب لهم رسول الله صلی الله علیه وآله، إلی زیاد، فوصلوا إلیه الکتاب، وقد توفی رسول الله صلی الله علیه وآله، وطار الخبر بموته إلی قبائل العرب، فارتدّت بنو ولیعة، وغنت بغایاهم، وخضبن له أیدیهن. وقال محمد بن حبیب: کان إسلام بنی ولیعة ضعیفا، وکان رسول الله صلی الله علیه وآله یعلم ذلک منهم. ولما حج رسول الله صلی الله علیه وآله حجة الوداع، وانتهی إلی فم الشعب دخل أسامة بن زید لیبول، فانتظره رسول الله صلی الله

ص: 97

علیه وآله، وکان أسامة أسود أفطس، فقال بنو ولیعة: هذا الحبشی حبسنا! فکانت الردة فی أنفسهم. قال أبو جعفر محمد بن جریر: فأمر أبو بکر زیادا علی حضر موت، وأمره بأخذ البیعة علی أهلها واستیفاء صدقاتهم، فبایعوه إلا بنی ولیعة، فلما خرج لیقبض الصدقات من بنی عمرو بن معاویة، أخذ ناقة لغلام منهم یعرف بشیطان بن حجر، وکانت صفیة نفیسة، اسمها شذرة، فمنعه الغلام عنها، وقال: خذ غیرها، فأبی زیاد ذلک ولجّ، فاستغاث شیطان بأخیه العداء بن حجر، فقال لزیاد: دعها وخذ غیرها، فأبی زیاد ذلک، ولج الغلامان فی أخذها ولج زیاد وقال لهما: لا تکونن شذرة علیکما کالبسوس، فهتف الغلامان: یا لعمرو! أنضام ونضطهد! إن الذلیل من أکل فی داره. وهتفا بمسروق بن معدی کرب، فقال مسروق لزیاد أطلقها، فأبی، فقال مسروق:

یطلقها شیخ بخدیه الشیب

ملمعا فیه کتلمیع الثوب

ماض علی الریب إذا کان الریب

ثم قام فأطلقها، فاجتمع إلی زیاد بن لبید أصحابه، واجتمع بنو ولیعة، وأظهروا أمرهم، فبیتهم زیاد وهم غارون، فقتل منهم جمعا کثیرا، ونهب وسبی، ولحق فلهم بالأشعث بن قیس، فاستنصروه فقال: لا أنصرکم حتی تملکونی علیکم. فملکوه وتوجوه کما یتوج الملک من قحطان. فخرج إلی زیاد فی جمع کثیف، وکتب أبو بکر إلی المهاجر ابن أبی أمیة وهو علی صنعاء، أن یسیر بمن معه إلی زیاد، فاستخلف علی صنعاء، وسار إلی زیاد، فلقوا الأشعث فهزموه وقتل مسروق، ولجأ الأشعث والباقون إلی الحصن المعروف بالنجیر. فحاصرهم المسلمون حصارا شدیدا حتی ضعفوا، ونزل الأشعث لیلا إلی المهاجر وزیاد، فسألهما الأمان علی نفسه، حتی یقدما به علی أبی بکر فیری فیه رأیه، علی أن

ص: 98

یفتح لهم الحصن ویسلم إلیهم من فیه. وقیل: بل کان فی الأمان عشرة من أهل الأشعث. فأمناه وأمضیا شرطه، ففتح لهم الحصن، فدخلوه واستنزلوا کل من فیه، وأخذوا أسلحتهم، وقالوا للأشعث: اعزل العشرة، فعزلهم، فترکوهم وقتلوا الباقین - وکانوا ثمانمائة - وقطعوا أیدی النساء اللواتی شمتن برسول الله صلی الله علیه وآله، وحملوا الأشعث إلی أبی بکر موثقا فی الحدید هو والعشرة، فعفا عنه وعنهم، وزوجه أخته أم فروة بنت أبی قحافة - وکانت عمیاء - فولدت للأشعث محمدا وإسماعیل وإسحاق.»

قلت: هذا تاریخ حافل من الغدر والنفاق والنصب لهذا (الصحابی!)..

من حدیثه:

ما رواه ابن ماجه(1): حدثنا محمد بن یحیی، والحسن بن مدرک الطحان, قالا: حدثنا یحیی بن حماد, حدثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله الأودی، عن عبد الرحمن المسلمی، عن الأشعث بن قیس، قال: ضفت عمر لیلة. فلما کان فی جوف اللیل قام إلی امرأته یضربها. فحجزت بینهما. فلما أوی إلی فراشه قال لی: یا أشعث؟ احفظ عنی شیئا سمعته عن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم (لا یُسأل الرجل فیم یضرب امرأته. ولا تَنَم إلا علی وِتْر) ونسیت الثالثة!..

وروی فی مسند أحمد(2): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا أبو معاویة حدثنا الأعمش عن شقیق عن عبد الله قال قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم من حلف علی یمین هو فیها فاجر لیقتطع بها مال امرئ مسلم لقی الله عز

ص: 99

وجل وهو علیه غضبان, فقال الأشعث: فیَّ کان والله ذلک کان بینی وبین رجل من الیهود أرض فجحدنی فقدمته إلی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ألک بینة قلت لا فقال الیهودی احلف فقلت یا رسول الله إذا یحلف فیذهب بمالی فأنزل الله تعالی:

{إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَیْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلاً أُولَئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الآخِرَةِ وَلا یُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَلا یُزَکِّیهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ} (آل عمران: 77)..

وروی أحمد بن حنبل(1): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا وکیع عن سفیان عن سلم بن عبد الرحمن عن زیاد بن کلیب عن الأشعث بن قیس قال: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم لا یشکر الله من لا یشکر الناس..

وروی احمد بن حنبل(2) (3): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا عبد الرحمن بن مهدی حدثنا حماد بن سلمة عن عقیل بن طلحة عن مسلم بن هضیم عن الأشعث بن قیس قال: أتیت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی وفد لا یرون أنی أفضلهم, فقلت: یا رسول الله إنا نزعم أنکم منا, قال: نحن بنو النضر بن کنانة لا نقفو أمَّنا ولا ننتفی من أبینا..

قال فکان الأشعث یقول لا أوتی برجل نفی قریشاً من النضر ابن کنانة لا جلدته الحد..

ص: 100

وروی فی مسند أحمد(1): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا سریج بن النعمان حدثنا هشیم أنبأنا مجالد عن الشعبی حدثنا الأشعث بن قیس قال: قدمت علی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی وفد کندة, فقال لی: هل لک من ولد قلت غلام ولد لی فی مخرجی إلیک من ابنة جد, ولوددت ان مکانه شبع القوم, قال: لا تقولن ذلک فان فیهم قرة عین وأجراً إذا قبضوا ثم, ولئن قلت ذاک إنهم لمجبنة محزنة...

وقد نص غیر واحد بغضه لأمیر المؤمنین علیه السلام واشتراکه بقتله:

قال ابن أبی الحدید(2) «قالوا: وکان الأشعث بن قیس الکندی وجریر بن عبد الله البجلی یبغضانه»..

ویُعتقد ان المکیدة التی کادوها لأمیر المؤمنین والتی انتهت باغتیاله کان من المحرکین لها الأشعث هذا, قال ابن سعد(3): بات عبد الرحمن بن ملجم تلک اللیلة التی عزم فیها أن یقتل علیاً فی صبیحتها یناجی الأشعث بن قیس الکندی فی مسجده حتی کاد أن یطلع الفجر, فقال له الأشعث: فَضَحَک الصبحُ فقم, فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبیب بن بجرة فأخذا أسیافهما ثم جاءا حتی جلسا مقابل السدَّة التی یخرج منها علی, قال الحسن بن علی وأتیته سحرا فجلست إلیه فقال إنی بت اللیلة أوقظ أهلی فملکتنی عینای وأنا جالس فسنح لی رسول الله فقلت یا رسول الله ما لقیت من أمتک من الأود واللدد فقال لی ادع الله علیهم فقلت اللهم أبدلنی بهم خیرا لی منهم وأبدلهم شرا لهم منی ودخل بن النباح المؤذن علی ذلک

ص: 101

فقال: الصلاة, فأخذت بیده فقام یمشی وابن النبّاح بین یدیه وأنا خلفه فلما خرج من الباب نادی أیها الناس الصلاة الصلاة, کذلک کان یفعل فی کل یوم یخرج ومعه درَّته یوقظ الناس, فاعترضه الرجلان فقال بعض من حضر ذلک, فرأیت بریق السیف وسمعت قائلاً یقول: لله الحکم یا علی لا لک, ثم رأیت سیفا ثانیا فضربا جمیعا فأما سیف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلی قرنه ووصل إلی دماغه, وأما سیف شبیب فوقع فی الطاق وسمعت علیاً یقول لا یفوتنَّکم الرجل, وشدَّ الناس علیهما من کل جانب, فأما شبیب فأفلت وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل علی علی فقال: أطیبوا طعامه, وألینوا فراشه, فإن أعش فأنا أولی بدمه عفواً وقصاصاً وإن أمت فألحقوه بی أخاصمه عند رب العالمین..

ص: 102

ص: 103

فنصب معاویة القمیص علی منبر دمشق، والأصابع معلقة فیه، وآلی رجال من أهل الشام لا یأتون النساء ولا یمسون الغسل إلا من حلم، ولا ینامون علی فراش حتی یقتلوا قتلة عثمان».

من حدیثه:

ما روی فی المسند(1): عبد الله حدثنی أبی حدثنا وکیع حدثنا سفیان وعبد الرزاق أنبأنا سفیان عن یزید بن یزید بن جابر عن مکحول عن زید بن جاریة عن حبیب بن مسلمة قال: عبد الرزاق التمیمی یعنی زید بن جاریة عن حبیب بن مسلمة الفهری أن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم نفل الثلث بعد الخمس.

وما رواه النمیری(2): حدثنا محمد بن یحیی قال، أخبرنی أبو ضمرة اللیثی، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبید، عن هلال بن طلحة الفهری: أن حبیب بن مسلمة الفهری کتب إلیه: أن کعباً سألنی أن أکتب له إلی رجل من قومه عالم بالأرض. فلما قدم کعب المدینة جاءنی کتابه ذلک، فقال: أعالم أنت بالأرض؟ قلت: نعم. قال: إذا کان بالغداة فاغد علی. قال: فجئته حین أضحت، فقال: أتعرف موضع أحجار الزیت؟ قلت: نعم - وکانت أحجاراً بالزوراء یضع علیها الزیاتون روایاهم - فأقبلت حتی جئتها فقلت: هذه أحجار الزیت. فقال کعب: لا والله ما هذه صفتها فی کتاب الله، انطلق أمامی، فإنک أهدی بالطریق منی. فانطلقنا حتی جئنا بنی عبد الأشهل. فقال: یا هلال، إنی أجد هنا أحجار الزیت فی کتاب الله، فسل القوم عنها - وهم یومئذ وافرون - فسألتهم عن أحجار الزیت، وقال: إنها ستکون بالمدینة ملحمة عندها.

ص: 104

ص: 105

وفتحت أصبهان علی یده وتستر وغیر ذلک، ولم یکن فی الصحابة أطیب صوتا منه.

ولی لعثمان البصرة ثم عزل ثم تولی الأرض فی الکوفة ثم تولی الولایة فی الکوفة حتی مقتل عثمان فی العام الخامس والثلاثین للهجرة وبقی علی مکانه حتی جاء الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن یاسر رضوان الله تعالی علیه الی الکوفة لحشد الدعم لجیش الامام, وعندها کان یثبّط الناس عن اللحاق بأمیر المؤمنین علیه السلام لمواجهة الناکثین فی حرب الجمل, واستمر أبو موسی یسکن الکوفة فی حرب صفین الی ان أراده الخوارج کأحد الحکمین فی الواقعة المشهورة, ولما اشتهر عن أمیر المؤمنین علیه السلام انه لم یکن یرید أبا موسی کأحد الحکمین وضعوا لأبی موسی فضیلة علی لسان علی!

قال الذهبی(1): قال أبو صالح بن السمان: قال علی رضی الله عنه فی أمر الحکمین: یا أبا موسی أُحکم ولو علی حز عنقی!.

بینما روی ابن أبی الحدید المعتزلی الشافعی (وهو غیر متهم) فی شرح النهج(2) «قال نصر: وجاء الأشعث إلی علی علیه السلام، فقال: یا أمیر المؤمنین، ما أری الناس إلا قد رضوا، وسرهم أن یجیبوا القوم إلی ما دعوهم إلیه من حکم القرآن، فإن شئت أتیت معاویة فسألته ما یرید، ونظرت ما الذی یسأل، قال: فأته إن شئت، فأتاه، فسأله: یا معاویة، لأی شیء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلی ما أمر الله به فیها، فابعثوا رجلا منکم ترضون به، ونبعث منا رجلاً، ونأخذ علیهما أن یعملا بما فی کتاب الله ولا یعدوانه، ثم نتَّبع ما اتفقا

ص: 106

علیه. فقال الأشعث: هذا هو الحق. وانصرف إلی علی علیه السلام، فأخبره، فبعث علی علیه السلام قرّاء من أهل العراق، وبعث معاویة قراء من أهل الشام، فاجتمعوا بین الصفین، ومعهم المصحف، فنظروا فیه وتدارسوا واجتمعوا علی أن یحیوا ما أحیا القرآن، ویمیتوا ما أمات القرآن، ورجع کل فریق إلی صاحبه، فقال أهل الشام: إنا قد رضینا واخترنا عمرو بن العاص، وقال الأشعث والقراء الذین صاروا خوارج فیما بعد: قد رضینا نحن واخترنا أبا موسی الأشعری. فقال لهم علی علیه السلام: فإنی لا أرضی بأبی موسی ولا أری أن أولیه، فقال الأشعث وزید بن حصین ومسعر بن فدکی فی عصابة من القراء: إنا لا نرضی إلا به، فإنه قد کان حذرنا ما وقعنا فیه. فقال علی علیه السلام: فإنه لیس لی برضا، وقد فارقنی وخذّل الناس عنی، وهرب منی حتی أمنته بعد أشهر، ولکن هذا ابن عباس أولیه ذلک. قالوا: والله ما نبالی، أکنت أنت أو ابن عباس! ولا نرید إلا رجلا هو منک ومن معاویة سواء، لیس إلی واحد منکما بأدنی من الآخر. قال علی علیه السلام: فإنی أجعل الأشتر، فقال الأشعث: وهل سعر الأرض علینا إلا الأشتر! وهل نحن إلا فی حکم الأشتر! قال علی علیه السلام: وما حکمه؟ قال: حکمه أن یضرب بعضنا بعضا بالسیف حتی یکون ما أردت وما أراد»!.. ولما لم یکن امیر المؤمنین علیه السلام راضیا عن هذه الخطوة لکونه یعلم انها خدعة فقد «اشترط علی الحکمین فی الکتابین أن یحکما بما فی کتاب الله من فاتحته إلی خاتمته لا یتجاوزان ذلک، ولا یحیدان عنه إلی هوی، ولا إدهان، وأخذ علیهما أغلظ العهود والمواثیق، فإن هما جاوزا بالحکم کتاب الله من فاتحته إلی خاتمته، فلا حکم لهما. ووجه علی بعبد الله بن عباس فی أربعمائة من أصحابه ونفذ معاویة أربعمائة من أصحابه، واجتمعوا بدومة الجندل فی شهر ربیع الأول سنة 38. فخدع عمرو

ص: 107

بن العاص أبا موسی، وذکر له معاویة فقال: هو ولی ثأر عثمان وله شرفة فی قریش، فلم یجد عنده ما یحب، قال: فابنی عبد الله؟ قال: لیس بموضع لذلک. قال: فعبد الله بن عمر؟ قال: إذا یحیی سنة عمر، الآن حیث به. فقال: فاخلع علیا وأخلع أنا معاویة، ویختار المسلمون. وقدم عمرو أبا موسی إلی المنبر فلما رآه عبد الله بن عباس قام إلی عبد الله ابن قیس، فدنا منه، فقال: إن کان عمرو فارقک علی شئ، فقدمه قبلک، فإنه غدر. فقال: لا، قد اتفقنا علی أمر، فصعد المنبر، فخلع علیا، ثم صعد عمرو بن العاص فقال: قد ثبت معاویة کما ثبت خاتمی هذا فی یدی. فصاح به أبو موسی: غدرت یا منافق، إنما مثلک مثل الکلب إن تحمل علیه یلهث، أو تترکه یلهث. قال عمرو: إنک مثلک مثل الحمار یحمل أسفارا. وتنادی الناس: حکم والله الحکمان بغیر ما فی الکتاب، والشرط علیهما غیر هذا. وتضارب القوم بالسیاط، وأخذ قوم بشعور بعض، وافترق الناس ونادت الخوارج: کفر الحکمان، لا حکم إلا لله. وقیل: أول من نادی بذلک عروة بن أدیة التمیمی قبل أن یجتمع الحکمان، وکانت الحکومة فی شهر رمضان سنة38»(1).

وبعد وصول واقعة التحکیم الی هذه النتیجة ترک الأشعری العراق والشام واعتزل الطرفین حتی شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام, وبعدها بایع معاویة, قال الذهبی (2): وقال زید بن الحباب: حدثنا سلیمان بن المغیرة البکری، عن أبی بردة، عن أبی موسی، أن معاویة کتب إلیه: سلام علیک، أما بعد، فإن عمرو بن العاص قد بایعنی علی ما أرید، وأقسم بالله لئن بایعتنی علی الذی بایعنی علیه،

ص: 108

لأستعملن أحد ابنیک علی الکوفة والآخر علی البصرة، ولا یغلق دونک باب، ولا تقضی دونک حاجة، وقد کتبت إلیه بخط یدی، فاکتب إلی بخط یدک، قال: فقال لی: یا بنی إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، فکتبت إلیه کتابا مثل العقارب، فکتب إلیه: أما بعد، فإنک کتبت إلی فی جسیم أمر أمة محمد، فماذا أقول لربی إذا قدمت علیه، لیس لی فیما عرضت من حاجة، والسلام علیک. قال أبو بردة: فلما ولی معاویة أتیته، فما أغلق دونی باباً، وقضی حوائجی!.

قلت: لم یفصح أبو بردة عما کتبه الی معاویة مما سمّاه معاویة «الجسیم من أمر أمة محمد!» ولکن معاویة «الذی یخاف مما سیقوله لربه!» استدرج أبو بردة بن أبی موسی الی بلاطه کما استدرج والده لأنه یعرف ما یریدان!..

لکن النص یرید ان یوصل الی القاریء بأن أبا موسی الأشعری لم یذهب الی معاویة, بینما الحقیقة أنه کان من رواد مجلسه وبلاطه فی الشام! قال ابن ابی الحدید(1): ورووا أن عقیلاً رحمه الله تعالی، قدم علی أمیر المؤمنین، فوجده جالساً فی صحن المسجد بالکوفة، فقال: السلام علیک یا أمیر المؤمنین ورحمة الله وبرکاته - وکان عقیل قد کف بصره - فقال: وعلیک السلام یا أبا یزید، ثم التفت إلی ابنه الحسن علیه السلام، فقال: قم فأنزل عمک، فقام فأنزله، ثم عاد فقال: اذهب فاشتر لعمک قمیصا جدیدا، ورداء جدیدا، وإزارا جدیدا، ونعلا جدیدا، فذهب فاشتری له، فغدا عقیل علی علی علیه السلام فی الثیاب، فقال: السلام علیک یا أمیر المؤمنین، قال: وعلیک السلام یا أبا یزید، قال: یا أمیر المؤمنین، ما أراک أصبت من الدنیا شیئا، وإنی لا ترضی نفسی من خلافتک بما رضیت به

ص: 109

لنفسک، فقال: یا أبا یزید، یخرج عطائی فأدفعه إلیک. فلما ارتحل عن أمیر المؤمنین علیه السلام أتی معاویة فنصبت له کراسیه، وأجلس جلساءه حوله، فلما ورد علیه أمر له بمائة ألف فقبضها، ثم غدا علیه یوما بعد ذلک، وبعد وفاة أمیر المؤمنین علی علیه السلام، وبیعة الحسن لمعاویة، وجلساء معاویة حوله، فقال: یا أبا یزید، أخبرنی عن عسکری وعسکر أخیک، فقد وردت علیهما، قال: أخبرک، مررت والله بعسکر أخی، فإذا لیل کلیل رسول الله صلی الله علیه وآله، ونهار کنهار رسول الله صلی الله علیه وآله، إلا أن رسول الله صلی الله علیه وآله لیس فی القوم، ما رأیت إلا مصلیا، ولا سمعت إلا قارئا. ومررت بعسکرک، فاستقبلنی قوم من المنافقین ممن نفر برسول الله لیلة العقبة، ثم قال: من هذا عن یمینک یا معاویة؟ قال: هذا عمرو بن العاص، قال: هذا الذی اختصم فیه ستة نفر، فغلب علیه جزار قریش: فمن الآخر؟ قال: الضحاک بن قیس الفهری قال: أما والله لقد کان أبوه جید الأخذ لعسب التیوس، فمن هذا الآخر؟ قال أبو موسی الأشعری، قال: هذا ابن السراقة، فلما رأی معاویة أنه قد أغضب جلساءه، علم أنه إن استخبره عن نفسه، قال فیه سوءا، فأحب أن یسأله لیقول فیه ما یعلمه من السوء، فیذهب بذلک غضب جلسائه، قال: یا أبا یزید، فما تقول فیَّ؟ قال: دعنی من هذا! قال: لتقولن، قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن حمامة یا أبا یزید؟ قال: قد أخبرتک، ثم قام فمضی، فأرسل معاویة إلی النسابة، فدعاه، فقال: من حمامة؟ قال ولی الأمان! قال: نعم، قال: حمامة جدتک أم أبی سفیان، کانت بغیا فی الجاهلیة صاحبة رایة، فقال معاویة لجلسائه: قد ساویتکم وزدت علیکم فلا تغضبوا!!..

من حدیثه:

ص: 110

قال ابن شبة النمیری(1) (2): حدثنا ابن أبی الوزیر قال، حدثنا سفیان، عن عمرو، عن طاوس قال: قال أبو موسی حین قتل عثمان: هذه حیضة من حیضات الفتن، وبقیت الرداح المطبقة التی من ماج بها ماجت به، ومن أشرف بها أشرفت له..

قلت: فأین کان من حدیث النبی صلی الله علیه وآل «علی مع الحق او الحق مع علی»(3)؟! حتی قال معاویة عندما سمع بهذا الحدیث: لو سمعت من النبی هذا الحدیث لم أزل خادما لعلی حتی أموت(4)!

وقال ابن شبة النمیری(5): حدثنا أحمد بن إبراهیم قال، حدثنا إسماعیل بن علیة، عن سعید بن أبی عروبة، عن قتادة قال، قال أبو موسی الأشعری رضی الله عنه: إن قتل عثمان لو کان هدی احتلبت به الأمة لبناً، ولکنه کان ضلالاً فأحلبت به دماً..

قال الذهبی(6): قال أبو هریرة: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: لقد أوتی أبو موسی من مزامیر آل داود!!...

قال مسلم(7): حدثنا محمد بن المثنی وابن بشار (واللفظ لابن المثنی) قالا

ص: 111

حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل قال حدثنا أبو موسی الأشعری ان رجلا أعرابیا أتی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال یا رسول الله الرجل یقاتل للمغنم والرجل یقاتل لیذکر والرجل یقاتل لیری مکانه فمن فی سبیل الله فقال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم من قاتل لتکون کلمة الله أعلی فهو فی سبیل الله..

قال احمد بن حنبل(1): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا وکیع حدثنا إسرائیل عن أبی إسحاق عن الأسود بن یزید قال قال أبو موسی الأشعری لقد ذکرنا علی رضی الله تعالی عنه صلاة صلیناها مع رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فاما ان نکون نسیناها وإما ان نکون ترکناها عمدا یکبر کلما رکع وإذا سجد وإذا رفع یدیه..

قال الرازی(2): أخبرنا أبو یعقوب إسحاق بن إبراهیم الأذرعی حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو حدثنا سلیمان بن حرب حدثنا حماد علی بن زید عن عمارة القرشی عن أبی بردة بن أبی موسی عن أبیه قال قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: یتجلی لنا ربنا عز وجل یوم القیامة ضاحکا!..

ونقل الدیلمی(3) عن: أبو موسی: یتجلی ربنا ضاحکا یوم القیامة حتی ینظروا إلی وجهه فیخرون له سجدا فیقول: إرفعوا رؤوسکم فلیس هذا یوم عبادة.

ص: 112

قال الحاکم(1): أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضی بهمدان حدثنا إبراهیم بن الحسین حدثنا آدم بن أبی إیاس حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبی وائل قال دخل أبو موسی الأشعری وأبو مسعود البدری علی عمار وهو یستنفر الناس فقالا له ما رأینا منک أمرا منذ أسلمت اکره عندنا من إسراعک فی هذا الأمر فقال عمار ما رأیت منکما منذ أسلمتما أمرا اکره عندی من إبطائکما عن هذا الأمر قال فکساهما عمار حلة حلة وخرج إلی الصلاة یوم الجمعة...

قال أبو نعیم(2): عن عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا جعفر بن محمد الفریابی حدثنا محمد بن مسعود حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أبو عامر الخزاز عن أبی عمران الجونی عن أبی بردة عن أبی موسی رضی الله تعالی عنه قال یؤتی بالعبد یوم القیامة فیستره الله تعالی بیده بینه وبین الناس فیری خیرا فیقول قد قبلت ویری شرا ویقول قد غفرت فیسجد العبد عند الخیر والشر فیقول الخلائق طوبی لهذا العبد الذی لم یعمل سوءا قط...

وقال ابو نعیم(3): عن عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن أبی سهل حدثنا عبد الله بن محمد العبسی حدثنا حسین بن علی عن زائدة عن عاصم عن شقیق عن أبی موسی رضی الله تعالی عنه قال: تخرج نفس المؤمن وهی أطیب ریحا من المسک قال فتصعد بها الملائکة الذین یتوفونها فتلقاهم ملائکة دون السماء فیقولون من هذا معکم فیقولون فلان ویذکرونه بأحسن عمله فیقولون حیاکم الله وحیا من معکم فتفتح له أبواب السماء قال فیشرق وجهه قال فیأتی الرب عز وجل

ص: 113

ولوجهه برهان مثل الشمس قال وأما الآخر فتخرج روحه وهی أنتن من الجیفة فتصعد بها الملائکة الذین یتوفونها فتلقاهم ملائکة دون السماء فیقولون من هذا معکم فیقولون فلان ویذکرونه بأسوء عمله فیقولون ردوه فما ظلمه الله شیئا قال وقرأ أبو موسی (لا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط).

قال البیهقی(1): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعید بن أبی عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن یعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاویة عن الأعمش عن الحکم عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال جاء أبو موسی الأشعری یعود الحسن بن علی رضی الله عنهما فقال له علی رضی الله عنه أعائد جئت أم شامتا فقال بل عائدا فقال علی رضی الله عنه فان کنت جئت عائدا فانی سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول إذا أتی الرجل أخاه یعوده مشی فی خرافة الجنة حتی یجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن کان غدوة صلی علیه سبعون الف ملک حتی یمسی وإن کان عشیا صلی علیه سبعون الف ملک حتی یصبح..

قال(2) ابن حیان الاصبهانی: حدثنا محمد بن العباس حدثنا محمد بن موسی القطان حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنی ابی قال سمعت محمد بن جحادة عن سلمة بن کهیل عن عمارة بن عمیر عن أبی موسی الأشعری رضی الله عنه قال الکرسی موضع القدمین له أطیط کأطیط الرحل!..

قال ابو زکریا الکنانی(3): حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزیز البغوی حدثنا هدیه بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن علی بن زید عن عمارة

ص: 114

القرشی عن أبی بردة بن أبی موسی قال وفدت إلی الولید بن عبد الملک وکان الذی یعمل فی حوائجی عمر بن عبد العزیز رحمه الله فلما قضیت حوائجی أتیته فودعته وسلمت علیه ثم مضیت فذکرت حدیثا حدثنی به أبی سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأحببت أن أحدثه به لما أولانی فی قضاء حوائجی فرجعت إلیه فلما رآنی قال لقد رد الشیخ حاجة فلما قربت منه قال ما ردک ألیس قد قضیت حوائجک قلت بلی ولکن حدیثا سمعته من أبی سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فأحببت أن أحدثک به لما أولیتنی قال وما هو قلت حدثنی أبی قال سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول إذا کان یوم القیامة مثل لکل قوم ما کانوا یعبدون فی الدنیا فیذهب کل قوم إلی ما کانوا یعبدون فی الدنیا ویبقی أهل التوحید فیقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فیقولون إن لنا رباً کنا نعبده فی الدنیا لم نره قال وتعرفونه إذا رأیتموه فیقولون نعم فیقال لهم وکیف تعرفونه ولم تروه قالوا إنه لا شبه له فیکشف لهم الحجاب فینظرون إلی الله عز وجل فیخرون له سجّدا ویبقی قوم فی ظهورهم مثل صیاصی البقر فیریدون السجود فلا یستطیعون فذلک قوله عز وجل {یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَیُدْعَوْنَ إِلَی السُّجُودِ فَلا یَسْتَطِیعُونَ} (القلم: 42) فیقول الله عز وجل ارفعوا رؤوسکم قد جعلت بدل کل رجل منکم رجلا من الیهود والنصاری فی النار فقال عمر بن عبد العزیز الله الذی لا إله إلا هو لحدثک أبوک هذا الحدیث سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فحلف له لا ثلاثة أیمان علی ذلک فقال عمر بن عبد العزیز رحمه الله ما سمعت فی أهل التوحید حدیثا هو أحب إلی من هذا.

ص: 115

قال الطبری(1): قال ابن سعد أخبرنا عبد الله بن عمر وأبو معمر المنقری حدثنا عبد الوارث بن سعید عن الحسین المعلم عن أبی بریدة قال لما قدم أبو موسی الأشعری لقی أبا ذر فجعل أبو موسی یلزمه وکان الأشعری رجلا خفیف اللحم قصیرا وکان أبو ذر رجلا أسود کثیر الشعر فجعل الأشعری یلزمه ویقول أبو ذر إلیک عنی ویقول الأشعری مرحباً یا أخی ویدفعه أبو ذر ویقول لست بأخیک إنما کنت أخاک قبل أن تُستَعمل قال ثم لقی أبا هریرة فالتزمه فقال مرحبا یا أخی فقال له أبو ذر إلیک عنی هل کنت عملت لهؤلاء قال نعم قال هل تطاولت فی البنیان أو اتخذت زرعا أو ماشیة قال لا قال أنت أخی..

وقد کان سبب بغضه لامیر المؤمنین علیه السلام انه عزله عن مصدر الجاه والسلطة! قال ابن عبد البر «کان منحرفا عن علی لأنه عزله ولم یستعمله»(2)!..

وقال عنه ابن ابی الحدید «ورث البغضة له (أی لامیر المؤمنین) لا عن کلالة»((3).

ص: 116

ص: 117

فالرجل وعائلته لهم تاریخ ملیء بالإساءات للنبی والمسلمین, قال ابن أبی الحدید(1) «أبوه العاص بن وائل، أحد المستهزئین برسول الله صلی الله علیه وآله، والمکاشفین له بالعداوة والأذی، وفیه وفی أصحابه أُنزل قوله تعالی: {إِنَّا کَفَیْنَاکَ الْمُسْتَهْزِئینَ} (الحجر: 95». ویُلَقّب العاص بن وائل فی الإسلام بالأبتر، لأنه قال لقریش: سیموت هذا الأبتر غدا، فینقطع ذکره، یعنی رسول الله صلی الله علیه وآله، لأنه لم یکن له صلی الله علیه وآله ولد ذکر یعقب منه، فأنزل الله سبحانه: {إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الأَبْتَرُ} (الکوثر: 3).

وکان عمرو أحد من یؤذی رسول الله صلی الله علیه وآله بمکة، ویشتمه ویضع فی طریقه الحجارة، لأنه کان صلی الله علیه وآله یخرج من منزله لیلاً فیطوف بالکعبة، وکان عمرو یجعل له الحجارة فی مسلکه لیعثر بها. وهو أحد القوم الذین خرجوا إلی زینب ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله لما خرجت مهاجرة من مکة إلی المدینة، فروَّعوها وقرعوا هودجها بکعوب الرماح، حتی أجهضت جنیناً میتاً من أبی العاص بن الربیع بعلها، فلما بلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه وآله، نال منه وشق علیه مشقة شدیدة ولعنهم، روی ذلک الواقدی. وروی الواقدی أیضا وغیره من أهل الحدیث أن عمرو بن العاص هجا رسول الله صلی الله علیه وآله هجاء کثیرا، کان یعلّمه صبیان مکة، فینشدونه ویصیحون برسول الله إذا مر بهم، رافعین أصواتهم بذلک الهجاء، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وهو یصلی بالحجر: (اللهم إن عمرو بن العاص هجانی، ولست بشاعر، فالعنه بعدد ما هجانی).

وروی أهل الحدیث أن النضر بن الحارث وعقبة بن أبی معیط وعمرو بن

ص: 118

العاص، عهدوا إلی سلا(1) جمل فرفعوه بینهم ووضعوه علی رأس رسول الله صلی الله علیه وآله وهو ساجد بفناء الکعبة، فسال علیه، فصبر ولم یرفع رأسه، وبکی فی سجوده ودعا علیهم، فجاءت ابنته فاطمة علیها السلام وهی باکیة، فاحتضنت ذلک السلا فرفعته عنه فألقته وقامت علی رأسه تبکی، فرفع رأسه صلی الله علیه وآله، وقال: (اللهم علیک بقریش)، قالها ثلاثا، ثم قال رافعا صوته: (إنی مظلوم فانتصر)، قالها ثلاثا، ثم قام فدخل منزله، وذلک بعد وفاة عمه أبی طالب بشهرین, ولشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله صلی الله علیه وآله، أرسله أهل مکة إلی النجاشی لیزهده فی الدین، ولیطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، ولیقتل جعفر بن أبی طالب عنده، أن أمکنه قتله، فکان منه فی أمر جعفر هناک ما هو مذکور مشهور فی السیر».

وقد نذرعمرو بن العاص نفسه لاحتلاب من کل وجه, وطبعا هکذا شخصیة شرهة للدنیا بامتیاز ستختار مصلحتها الدنیویة العاجلة عندما یکون أمام احد اختیارین إما علی وإما معاویة, وهذا ما حصل, ولما کان معروفا بین الصحابة بأن أمیر المؤمنین علیه السلام مبشَّر بالتصدی لتأویل القرآن کما تصدی النبی علی تنزیله ولما کان صلی الله علیه وآله قد اخبر الصحابة ببعض ما سیحصل بالأسماء والوقائع, قام أعداء أمیر المؤمنین علیه السلام باختلاق بعض الوقائع لتکذیب النبی صلی الله علیه وآله وسلب هذه الفضائل عن أمیر المؤمنین علیه

ص: 119

السلام, روی ابن أبی الحدید(1) «وفی کتاب صفین أیضا للمدائنی عن مسروق، أن عائشة قالت له لما عرفت أن علیاً علیه السلام قتل ذا الثُدیَّة: لعن الله عمرو بن العاص! فإنه کتب إلی یخبرنی أنه قتله بالإسکندریة!»..

ومراسلة عمرو هذه لعائشة حصلت قبل أحداث عثمان إذ أن عثمان کان قد عزل عمرو بن العاص عن مصر, وولّی مکانه عامر بن کریز وذلک بعد عام ثلاث وعشرین للهجرة بعد تسنّمه الخلافة بقلیل, وقیل فی عام سبع وعشرین(2) ومنها ترک عمرو مصر وسکن فلسطین, الی أن قاموا بانتفاضتهم الناصبیة ضد أمیر المؤمنین علیه السلام, وعندها ترک فلسطین وأتی الی الشام لینظمَّ الی معاویة فی البغی علی الإمام, ولما کان الخوارج قد قاتلوا أمیر المؤمنین علیه السلام فی عام تسعة وثلاثین للهجرة فنعلم عندها بأن عمرو بن العاص راسل أمَّ المؤمنین قبل اثنی عشر عاماً من الواقعة الحقیقیة!! مما یکشف عن شبکة من الأعداء المحیطین بأمیر المؤمنین ویتراسلون خفیة وبنشاط دؤوب لمنعه من الوصول الی الخلافة, وقد یکون هؤلاء هم الذین اجتمعوا مع بریدة فی ترجمة خالد بن الولید لمحاولة الإیقاع بالإمام أمام النبی صلی الله علیه وآله!..

ولمَّا کان عمرو بن العاص یشیع عن أمیر المؤمنین علیه السلام الأکاذیب ویبهته بین أهل الشام رد علیه أمیر المؤمنین(3) بقوله «عجباً لابن النابغة! یزعم لأهل الشام أنَّ فیّ دعابة، وأنی امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس! لقد قال باطلاً، ونطق آثماً. أما - وشرُّ القول الکذب - أنه لیقول فیکذب، ویعد فیخلف، ویُسَأل

ص: 120

فیبخل، ویَسأَل فیُلحِف، ویخون العهد، ویقطع الآل، فإذا کان عند الحرب فأی زاجر وآمر هو! ما لم تأخذ السیوف مآخذها، فإذا کان ذلک کان أکبر مکیدته أن یمنح القوم أسته. أما والله إنی لیمنعنی من اللعب ذکر الموت، وإنه لیمنعه من قول الحق نسیان الآخرة. وإنه لم یبایع معاویة حتی شرط له أن یؤتیه أتیة، ویرضخ له علی ترک الدین رضیخة» وقد نسبه أمیر المؤمنین علیه السلام لأمه ولهذا قصة أراد لها الإمام ان تفضح صاحبها «فأما النابغة فقد ذکر الزمخشری فی کتاب ربیع الأبرار قال: کانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة، فسُبیت، فاشتراها عبد الله بن جدعان التیمی بمکة، فکانت بغیا، ثم أعتقها فوقع علیها أبو لهب بن عبد المطلب، وأمیة بن خلف الجمحی، وهشام بن المغیرة المخزومی، وأبو سفیان بن حرب، والعاص بن وائل السهمی، فی طهر واحد، فولدت عمرا، فادعاه کلهم، فحُکًّمَت أمه فیه فقالت: هو من العاص بن وائل، وذاک لأن العاص بن وائل کان ینفق علیها کثیراً، قالوا: وکان أشبه بأبی سفیان، وفی ذلک یقول أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب فی عمرو بن العاص:

أبوک أبو سفیان لا شک قد بدت

لنا فیک منه بینات الشمائل»(1)

وقال صاحب السیرة الحلبیة(2) «ونکاح البغایا قسمان, وحینئذ یحتمل أن تکون أم عمرو بن العاص رضی الله عنه من القسم الثانی من نکاح البغایا, فإنه یقال إنه وطئها أربعة وهم العاص وأبو لهب وأمیة بن خلف وأبو سفیان بن حرب وادَّعی کلهم عمرا فألحقته بالعاص وقیل لها لم اخترت العاص, قالت: لأنه کان ینفق علی بناتی, ویحتمل أن یکون من القسم الأول, ویدل علی ما قیل إنه ألحق

ص: 121

بالعاص لغلبة شبهه علیه, وکان عمرو یُعیَّر بذلک, عیَّره بذلک علی وعثمان والحسن وعمار بن یاسر وغیرهم من الصحابة رضی تعالی عنهم».

قلت: اعتقد ان هذا الزواج اخترعه البعض لکی یتستروا علی القصة الرائجة بین أهل السِیرَ فی کیفیة ولادة عمرو بن العاص! وصدق النبی وهو الصادق المصدوق بقوله: «لا یبغضک یا علی إلا ابن زنا أو ابن حیضة أو منافق»!(1)

أما إشارة الإمام لعمرو بقوله «فإذ کان عند الحرب فأی زاجر وآمر هو! ما لم تأخذ السیوف مآخذها، فإذا کان ذلک کان أکبر مکیدته أن یمنح القوم أسته» فلما اشتهر من فعله الشنیع عندما نازله أمیرالمؤمنین علیه السلام فی صفین, فقد روی ابن أبی الحدید(2) فقال «قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن النخعی، عن ابن عباس، قال: تعرض عمرو بن العاص لعلی علیه السلام یوماً من أیام صفین، وظن أنه یطمع منه فی غرة فیصیبه، فحمل علیه علی علیه السلام, فلما کاد ان یخالطه أذری نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه وشغر برجله، فبدت عورته، فصرف علیه السلام وجهه عنه وارتثَّ، وقام معفراً بالتراب، هارباً علی رجلیه، معتصما بصفوفه. فقال أهل العراق: یا أمیر المؤمنین، أفلت الرجل! فقال أتدرون من هو؟ قالوا: لا، قال: فإنه عمرو بن العاص، تلقانی بسوءته، فصرفت وجهی عنه، ورجع عمرو إلی معاویة، فقال: ما صنعت یا أبا عبد الله؟ فقال: لقینی علی فصرعنی، قال: أحمد الله وعورتک، والله إنی لأظنک لو عرفته لما أقحمت علیه، وقال معاویة فی ذلک:

ص: 122

ألا لله من هفوات عمرو

یعاتبنی علی ترکی برازی

فقد لاقی أبا حسن علیا

فآب الوائلی مآب خ______ازی

فلو لم یبد عورته لطارت

بمهجته قوادم أی ب______ازی

فإن تکن المنیة أخطأته

فقد غنی بها أهل الحجاز!

فغضب عمرو وقال: ما أشد تعظیمک علیا أبا تراب فی أمری! هل أنا إلا رجل لقیه ابن عمه فصرعه! أفتری السماء قاطرة لذلک دماً! قال: لا ولکنها معقبة لک خزیا!!».

ومن یقرأ الحوار الذی دار بین معاویة وعمرو قبل أن یبایع عمرو معاویة فی حربه للإمام علیه السلام یکون قادراً علی تشخیص الدوافع الدنیویة البحتة التی میزت حیاة هذا الرجل کما هو شأن من لم یستنر بنور القرآن والإسلام {وَمَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور: من الآیة40)

قال ابن ابی الحدید(1) «وروی نصر أیضا عن عمر بن سعد قال: قال: معاویة لعمرو: یا أبا عبد الله، إنی أدعوک إلی جهاد هذا الرجل الذی عصی الله وشق عصا المسلمین، وقتل الخلیفة وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة وقطع الرحم، فقال عمرو: من هو؟ قال: علی قال: والله یا معاویة ما أنت وعلی بحملی بعیر، لیس لک هجرته ولا سابقته، ولا صحبته ولا جهاده، ولا فقهه ولا علمه. ووالله إن له مع ذلک لحظاً فی الحرب لیس لأحد غیره، ولکنی قد تعودت من الله تعالی إحساناً وبلاءً جمیلاً، فما تجعل لی إن شایعتک علی حربه، وأنت تعلم ما فیه من الغرر والخطر؟ قال: حکمک، فقال: مصر طعمة, فتلکأ علیه معاویة.

ص: 123

قال نصر: وفی حدیث غیر عمر بن سعد: فقال له معاویة: یا أبا عبد الله، إنی أکره لک أن تتحدث العرب عنک أنک إنما دخلت فی هذا الأمر لغرض الدنیا، قال عمرو: دعنی عنک، فقال معاویة: إنی لو شئت أن أمنیک وأخدعک لفعلت، قال عمرو: لا، لعمر الله ما مثلی یخدع، لأنا أکیس من ذلک، قال معاویة: أدن منی أسارک، فدنا منه عمرو لیساره، فعض معاویة أذنه، وقال: هذه خدعة! هل تری فی البیت أحدا لیس غیری وغیرک! قلت: قال شیخنا أبو القاسم البلخی رحمه الله تعالی: قول عمرو له: (دعنی عنک) کنایة عن الإلحاد، بل تصریح به، أی دع هذا الکلام لا أصل له، فإن اعتقاد الآخرة. أنها لا تباع بعرض الدنیا من الخرافات. وقال رحمه الله تعالی: وما زال عمرو بن العاص ملحدا، ما تردد قط فی الإلحاد والزندقة، وکان معاویة مثله، ویکفی من تلاعبهما بالإسلام حدیث السرار المروی، وأن معاویة عض أذن عمرو، أین هذا من سیرة عمرو؟ وأین هذا من أخلاق علی علیه السلام، وشدته فی ذات الله، وهما مع ذلک یعیبانه بالدعابة! قال نصر فأنشأ عمرو یقول:

معاوی لا أعطیک دینی ولم أنل

به منک دنیا فانظرن کیف تصنع

فإن تعطنی مصرا فأربح بصفقة

أخذت بها شیخا یضر وینف______________ع

وما الدین والدنیا سواء وإننی

لآخذ ما تعطی ورأسی مقن_______________ع

ولکننی أغضی الجفون وإننی

لأخدع نفسی، والمخادع ی_________خدع

وأعطیک أمرا فیه للملک قوة

وألفی به إن زلت النعل أص_________رع

وتمنعنی مصرا ولیست برغبة

وإنی بذا الممنوع قدما لمول____________ع»

والعجیب من الرجل أنه تسبب بمقتل عشرات الآلاف فی صفین علی حطام

ص: 124

زائل, بینما یروی هو نفسه عن رسول الله صلی الله علیه وآله قوله «من قتل عصفوراً فما فوقها بغیر حقها سأله الله عز وجل عن قتله قیل یا رسول الله وما حقها؟ قال أن یذبحها فیأکلها ولا یقطع رأسها فیرمی بها»(1).

فکیف تسبب بقتل هؤلاء الآلاف وبأی حق؟!

وقد روی عمرو بن العاص روایات کاذبة هدفها دعم المرکز السیاسی والدعائی له ولمعاویة, منها ما رواه الحارث بن أبی أسامة(2) (3) عن «محمد هبة الله بن أحمد الأکفانی أنبأنا أبو محمد عبد العزیز بن أحمد الکتانی أنبأنا أبو الحسن علی وأبو إسحاق إبراهیم أنبأنا محمد بن إبراهیم الحنائی قالا أنبأنا عبد الوهاب بن الحسین الکلابی أنبأنا أحمد بن عمیر بن یوسف بن جوصا حدثنا یزید بن محمد أنبأنا یحیی بن صالح ومحمد بن معاذ قالا أنبأنا سعید بن عبد العزیز عن أبی حلبس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) رأیت أن عمود الکتاب انتزع من تحت وسادتی فأتبعته بصری فإذا هو نور ساطع عمد به إلی الشام ألا وإن الإیمان إذا وقعت الفتن بالشام».

فهل أن الإیمان یکون مع الطلقاء البغاة بینما بالجانب الآخر یقف علی وهو الحق والحق معه؟!

ص: 125

وقال احمد الطبری(1) (2) «روی فی الصحیح: عن عمرو بن العاص انه صلی الله علیه - وآله - وسلم سئل عن أحبهم إلیه قال عائشة قالوا من الرجال قال أبوها».

والواضح فی هذا الحدیث أنه وجد لیسند جانب معاویة بمواجهة علی الذی لا تنتهی مناقبه ومزایاه..

وأکثر حدیث حرّفه عمرو واخذ طریقه لکتب الصحیح والسنن والسیرة هو ما رواه ابن أبی الحدید(3) «عن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: إن آل أبی طالب لیسوا لی بأولیاء إنما ولیی الله وصالح المؤمنین» ولم یستطع صاحبا الصحیحین ان یترکا الحدیث بدون أدراجه فی الصحیحین, مع ان هناک روایة معاکسة وهی الصحیحة بان المقصود هم آل الحکم بن أبی العاص ولیس آل أبی طالب.

فقد قال البخاری(4): حدثنا عمرو بن عباس حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن إسماعیل بن أبی خالد عن قیس بن أبی حازم ان عمرو بن العاص قال

ص: 126

سمعت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم جهارا غیر سر یقول إن آل أبی  قال عمر وفی کتاب محمد بن جعفر (بیاض) لیسوا بأولیائی إنما ولیی الله وصالح المؤمنین..

ورواه مسلم, فقال(1): حدثنی أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن إسماعیل بن أبی خالد عن قیس عن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم جهارا غیر سر یقول إلا ان آل أبی یعنی فلانا لیسوا لی بأولیاء إنما ولیی الله وصالح المؤمنین..

قال النووی(2): له (سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم جهارا غیر سر یقول ألا أن آل أبی... یعنی فلانا لیسوا لی بأولیاء إنما ولی الله وصالح المؤمنین) وهی الکنایة بقوله یعنی فلاناً هی من بعض الرواة خشی أن یسمیه فیترتب علیه مفسدة وفتنة أما فی حق نفسه وأما فی حقه وحق غیره, فکنّی عنه, والغرض إنما هو قوله صلی الله علیه - وآله - وسلم إنما ولی الله وصالح المؤمنین, ومعناه إنما ولی من کان صالحاً وإن بعد نسبه منی ولیس ولیی من کان غیر صالح وإن کان نسبه قریباً, قال القاضی عیاض رضی الله عنه قیل أن المکنی عنه ههنا هو الحکم بن أبی العاص والله أعلم, وأما قوله (جهاراً) فمعناه علانیة لم یخفه بل باح به وأظهره وأشاعه, ففیه التبرؤ من المخالفین وموالاة الصالحین والإعلان بذلک ما لم یخف ترتب فتنة علیه.

 وقال بن حجر(3): قال النووی هذه الکنایة من بعض الرواة خشی أن

ص: 127

یصرح بالاسم فیترتب علیه مفسدة إما فی حق نفسه وإما فی حق غیره وإما معاً وقال عیاض أن المکنّی عنه هنا هو الحکم بن أبی العاص وقال ابن دقیق العید کذا وقع مبهما فی السیاق وحمله بعضهم علی بنی أمیة ولا یستقیم مع قوله آل أبی, فلو کان آل بنی لأمکن, ولا یصح تقدیر آل أبی العاص لأنهم أخص من بنی أمیة, والعام لا یفسر بالخاص, (قلت) لعل مراد القائل أنه أطلق العام وأراد الخاص وقد وقع فی روایة وهب بن حفص التی أشرت إلیها أن آل بنی... لکن وهب لا یعتمد علیه وجزم الدمیاطی فی حواشیه بأنه آل أبی العاص بن أمیة, ثم قال ابن دقیق العید: أنه رأی فی کلام ابن العربی فی هذا شیئا یراجع منه (قلت) قال أبو بکر بن العربی فی سراج المریدین: کان فی أصل حدیث عمرو بن العاص أن آل أبی طالب فغیر الی آل أبی فلان, کذا جزم به وتعقبه بعض الناس وبالغ فی التشنیع علیه ونسبه إلی التحامل علی آل أبی طالب, ولم یصب هذا المنکر فإن هذه الروایة التی أشار إلیها ابن العربی موجودة فی مستخرج أبی نعیم من طریق الفضل ابن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاری عن بیان بن بشر عن قیس بن أبی حازم عن عمرو بن العاص رفعه أن لبنی أبی طالب رحماً أبلها ببلالها, وقد أخرجه الإسماعیلی من هذا الوجه أیضا لکن أبهم لفظ طالب وکأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلک یقتضی نقصا فی آل أبی طالب ولیس کما توهموه کما سأوضحه إن شاء الله تعالی... فإن من جملة آل أبی طالب علیا وجعفر أو هما من أخص الناس بالنبی صلی الله علیه - وآله - وسلم لما لهما من السابقة والقدم فی الاسلام ونصر الدین وقد استشکل بعض الناس صحة هذا الحدیث لما نسب إلی بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علی وآل بیته!!..

ص: 128

وروی فی المسند(1): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا محمد بن أبی عدی عن داود عن عامر قال بعث رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم جیش ذات السلاسل فاستعمل أبا عبیدة علی المهاجرین واستعمل عمرو بن العاص علی الأعراب فقال لهما تطاوعا قال وکانوا یؤمرون أن یغیروا علی بکر فانطلق عمرو فأغار علی قضاعة لأن بکرًا أخواله, فانطلق المغیرة بن شعبة إلی أبی عبیدة فقال إن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم استعملک علینا وأن ابن فلان قد ارتبع أمر القوم ولیس لک معه أمر, فقال أبو عبیدة ان رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أمرنا ان نتطاوع فانا أطیع رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وان عصاه عمرو!

وروی فی المسند(2): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا أبو معاویة حدثنا الأعمش عن عبد الرحمن ابن زید عن عبد الله بن الحرث قال إنی لأسیر مع معاویة فی منصرفه من صفین بینه وبین عمرو بن العاص قال فقال عبد الله بن عمرو بن العاصی یا أبت ما سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول لعمار ویحک یا ابن سمیة تقتلک الفئة الباغیة قال فقال عمرو لمعاویة ألا تسمع ما یقول هذا! فقال معاویة لا تزال تأتینا بهنّة أنحن قتلناه إنما قتله الذین جاؤوا به!!

وروی فی المسند(3): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن یزید بن خیر عن شرحبیل بن شفعة قال وقع الطاعون فقال عمرو بن العاص انه رجس فتفرقوا عنه فبلغ ذلک شرحبیل بن حسنة, فقال: لقد صحبت

ص: 129

رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وعمرو أضل من من بعیر أهله, إنه دعوة نبیکم ورحمة ربکم وموت الصالحین قبلکم فاجتمعوا له ولا تفرقوا عنه, فبلغ ذلک عمرو بن العاص فقال: صدق!

 ومن الروایات التی وضعها عمرو لکی یدعم موقفه أمام علی علیه السلام فی صفین, ما رواه ابن عساکر(1) «عن ابن یخامر السکسکی أن رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) قال اللهم صل علی أبی بکر فإنه یحبک ویحب رسولک اللهم صل علی عمر فإنه یحبک ویحب رسولک, اللهم صل علی عثمان فإنه یحبک ویحب رسولک, اللهم صل علی أبی عبیدة بن الجراح فإنه یحبک ویحب رسولک, اللهم صل علی عمرو بن العاص فإنه یحبک ویحب رسولک»..!!

 وکان عمرو من الشتامین لأمیر المؤمنین وأهل بیته والمعروف عنهم ذلک قال ابن طاووس(2) (3) «قال عوانة: بلغ الحسن بن علی أن عمرو بن العاص ینتقص علیا علی منبر مصر، فکتب إلیه: (من الحسن بن علی إلی عمرو بن العاص، أما بعد، فقد بلغنی أنک تقوم علی منبر مصر علی عتو آل فرعون وزینة آل قارون وسیماء أبی جهل تنتقص علیا، ولعمری لقد أوترت غیر قوسک، ورمیت غیر غرضک، وما أنت إلا کمن یقدح فی صفاة فی بهیم أسود، فرکبت مرکبا صعبا، وعلوت عقبة کؤودا، فکنت کالباحث عن المدیة لحتفه یا بن جزار

ص: 130

قریش، لیس لک سهم فی أبیات سؤددها، ولا عائذ بأفنیة مجدها، ولا بفالج قداحها، لا أحسبک تحط بما تذکر غیر قدرک الحقیر ونسبک الدخیل ونفسک الدنیئة الحقیرة التی آثرت الباطل علی الحق، وقنعت بالشبع والدنی من الحطام الفانی، لقد مقتک الله، فأبشر بسخطه وألیم عذابه وجزاء ما کسبت یداک، وما الله بظلام للعبید»..

وروی مسلم فی صحیحه کیفیة موت عمرو بن العاص فقال(1): حدثنا محمد بن المثنی العنزی وأبو معن الرقاشی وإسحاق بن منصور کلهم عن أبی عاصم واللفظ لابن المثنی حدثنا الضحاک یعنی أبا عاصم قال أخبرنا حیاة بن شریح قال حدثنی یزید بن أبی حبیب عن ابن شماسة المهری قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو فی سیاقة الموت یبکی طویلا وحول وجهه إلی الجدار فجعل ابنه یقول یا أبتاه أما بشّرک رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم بکذا أما بشّرک رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم بکذا قال فاقبل بوجهه فقال أن أفضل ما نعد شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله إنی قد کنت علی أطباق ثلاث لقد رأیتنی وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم منی ولا أحب إلی أن أکون قد استمکنت منه فقتلته, فلو متّ علی تلک الحال لکنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام فی قلبی أتیت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فقلت ابسط یمینک فلأبایعک فبسط یمینه قال فقبضت یدی, قال مالک: یا عمرو قال قلت أردت ان اشترط قال تشترط بماذا قلت إن یغفر لی, قال: أما علمت أن الإسلام یهدم ما کان قبله, وأن الهجرة تهدم ما کان قبلها, وأن الحج یهدم ما کان قبله, وما کان أحد أحب إلیّ من رسول الله صلی الله علیه

ص: 131

- وآله - وسلم ولا أجلّ فی عینی منه, وما کنت أطیق أن أملأ عینی منه إجلالاً له ولو سُئلت ان أصفه ما أطقت لأنی لم أکن أملأ عینی منه, ولو متّ علی تلک الحال لرجوت ان أکون من أهل الجنة ثم ولینا أشیاء ما أدری ما حالی فیها فإذا أنا متّ فلا تصحبنی نائحة ولا نار, فإذا دفنتمونی فشنّوا علی التراب شناً, ثم أقیموا حول قبری قدر ما تنحر جزور ویقسم لحمها حتی استأنس بکم وانظر ماذا أراجع به رسول ربی!.

ویُروی انه قال لابنه: لود أبوک أنه کان مات فی غزاة ذات السلاسل, إنی قد دخلت فی أمور لا أدری ما حجتی عند الله فیها, ثم نظر إلی ماله فرأی کثرته، فقال: یا لیته کان بعراً، یا لیتنی مت قبل هذا الیوم بثلاثین سنة، أصلحت لمعاویة دنیاه، وأفسدت دینی، آثرت دنیای وترکت آخرتی، عَمِی علی رُشدی حتی حضرنی أجلی، کأنی بمعاویة قد حوی مالی وأساء فیکم خلافتی.

وقد تحقق ما قال فلم یکد معاویة ان یسمع بوفاة عمرو حتی صادر أمواله! وحتی یرضی ابنه عبد الله بن عمرو وهو أحد البغاة علی الإمام, أقرّه علی إمارة مصر, وعندما سألوا معاویة عن مصادرته للمال قال: هذه سنّة سنّها عمر بن الخطاب(1)!!

ص: 132

ص: 133

عینه بها(1), قال ابن عساکر(2): خرج عتبة بن أبی سفیان وعبد الرحمن ویحیی ابنا الحکم یوم الهزیمة یعنی یوم الجمل فشججوا فی البلاد فلقوا عصمة بن أبیر التمیمی فقال: هل لکم فی الجوار؟ قالوا: من أنت؟ قال عصمة بن أبیر, قالوا: نعم, قال: فأنتم فی جواری إلی الحول, فمضی بهم ثم حملهم وأقام علیهم حتی برءوا ثم قال: اختاروا أی بلدان الله أحب إلیکم أبلغکموها قالوا الشام: فخرج بهم فی أربعمائة راکب من تیم الرباب حتی إذا وغلوا فی بلاد کلب بدومة قالوا قد وفیت ذمتک التی علیک فارجع فرجع..

وحاربه فی صفین مع معاویة وکان له دوراً بارزاً فیها, بل وبعد الحرب فی واقعة الحکمین, قال ابن عساکر(3): قال معاویة لعتبة یوم الحکمین یا أخی أما تری ابن عباس قد فتح عینیه ونشر أذنیه ولو قدر أن یتکلم بهما فعل وغفلة أصحابه مجبورة بفطنته, وهی ساعتنا الطولی فاکفنیه, قال: قلت بجهدی, قال: فقعدت إلی جنبه فلما أخذ القوم فی الکلام أقبلت علیه بالحدیث فقرع یدی وقال لیست ساعة حدیث قال فأظهرت غضبا وقلت: یا ابن عباس إن ثقتک بأحلامنا أسرعت بک إلی أعراضنا وقد والله تقدم فیک العذر وکثر مِّنا الصبر ثم أقذعته فجاش بی مرجله وارتفعت أصواتنا فجاء القوم فأخذوا بأیدینا فنحَّوه عنّی ونحّونی عنه, قال: فجئت فقربت من عمرو بن العاص فرمانی بمؤخر عینه أی ما صنعت فقلت له کفیتک التقوالة قال فحمحم کما یحمحم الفرس للشعیر قال وفات ابن عباس أول الکلام فکره أن یتکلم فی آخره...

ص: 134

وعتبة هذا کان لا یری أی فضل لعلی علیه السلام لیکون خلیفة وهو یجاهر بعَجَبِه من طلب علی للخلافة, یقول ابن عساکر: حدثنی حسن بن الخضر عن السدی قال قال عتبة بن أبی سفیان العجب من علی بن أبی طالب ومن طلبه للخلافة وما هو وهی فقال له معاویة اسکت یا وره فوالله إنه فیها کخاطب الحرة إذ یقول:

لئن کان أدنی خاطب فتعذرت

علیه وکانت رائدا فتخطت

لما ترکته رغبة عن حب___اله

ولکنها کانت لآخر خطت

ولعتبة یرجع الفضل فی الجمع بین معاویة وعمرو بن العاص إذ أنه هو صاحب المشورة فی ذلک عندما استشاره معاویة وکان عتبة یعرف نقطة ضعف عمرو بن العاص! إذ أرسل أمیر المؤمنین علیه السلام کتابه الأول الی معاویة مع جریر «فسار جریر إلی معاویة بکتاب علی، فقدم علی معاویة، فألفاه وعنده وجوه أهل الشام، فناوله کتاب علی، وقال: (هذا کتاب علی إلیک، وإلی أهل الشام یدعوکم إلی الدخول فی طاعته، فقد اجتمع له الحَرَمان، والمصران، والحجازان، والیمن، والبحران، وعمان، والیمامة، ومصر، وفارس، والجبل، وخراسان، ولم یبق إلا بلادکم هذه، وإن سال علیها واد من أودیته أغرقها). وفتح معاویة الکتاب فقرأه: بسم الله الرحمن الرحیم، من عبد الله علی أمیر المؤمنین إلی معاویة بن أبی سفیان، أما بعد فقد لزمک ومن قبلک من المسلمین بیعتی، وأنا بالمدینة، وأنتم بالشام، لأنه بایعنی الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمانم. فلیس للشاهد أن یختار، ولا للغائب أن یرد، وإنما الأمر فی ذلک للمهاجرین والأنصار، فإذا اجتمعوا علی رجل مسلم، فسموه إماما، کان ذلک لله رضی، فإن خرج من أمرهم أحد بطعن فیه أو رغبة عنه رد إلی ما خرج منه، فإن أبی قاتلوه علی اتّباعه

ص: 135

غیر سبیل المؤمنین، وولاه الله ما تولی، ویصله جهنم وساءت مصیرا، فادخل فیما دخل فیه المهاجرون والأنصار، فإن أحب الأمور فیک وفیمن قبلک العافیة، فإن قبلتها وإلا فأذن بحرب، وقد أکثرت فی قتلة عثمان، فادخل فیما دخل فیه الناس، ثم حاکم القوم إلی، أحملک وإیاهم علی ما فی کتاب الله وسنة نبیه، فأما تلک التی تریدها، فإنما هی خدعة الصبی عن الرضاع). فجمع معاویة إلیه أشراف أهل بیته، فاستشارهم فی أمره، فقال أخوه عتبة بن أبی سفیان: (استعن علی أمرک بعمرو بن العاص) وکان مقیما فی ضیعة له من حیز فلسطین، قد اعتزل الفتنة» (1)..

ص: 136

ص: 137

وطاووس وعروة وخلق سواهم(1).

وزید بن ثابت هذا له (سطوة) علی الصحابة فی خلافة أبی بکر وعمر لم تتحقق لأحد غیره! وهذا غریب من صحابی قال عنه ابن الأثیر(2) «قد صح عن ابن مسعود انه قال لما کتب زید المصحف لقد أسلمت وإنه فی صلب رجل کافر» أی انه وفی خلافة أبی بکر لم یتجاوز الثانیة والعشرین من عمره فکیف صارت له هذه السطوة بوجود هذا الکم الهائل من الصحابة من الکهول وذوی العلم والتاریخ العریق, منهم علی وأبو ذر واُبیّ وحذیفة بن الیمان وسلمان المحمدی وعمار بن یاسر وعبد الله بن مسعود وغیرهم!! وحتی تکون علی بینة من هذا الکلام اقرأ الروایات التالیة:

روی الذهبی(3) عن جریر بن حازم حدثنی قیس بن سعد عن مکحول أن عبادة بن الصامت دعا نبِطیاً لیمسک دابته عند بیت المقدس فأبی فضربه فشجّه فاستعدی علیه عمر فقال: ما هذا؟ قال: أمرته یمسک دابتی فأبی وأنا رجل فیّ حِدة فضربته، فقال: اجلس للقصاص، فقال زید بن ثابت أتُقید عبدک من أخیک؟ فاترک القود وارض بالدیة.

قال الذهبی(4): وکان عمر یستخلفه علی المدینة إذا حج.

وقال الذهبی(5): وروی مطرف عن الشعبی عن مسروق قال: کان أصحاب

ص: 138

الفتوی من الصحابة عمر وعلی وعبد الله وزید وأُبی وأبو موسی.

وقال الذهبی(1): وعن سلیمان بن یسار قال: ما کان عمر وعثمان یقدمان علی زید أحداً فی الفتوی والفرائض والقراءة. وروی حجاج بن أرطاة عن نافع أن عمر استعمل زیدا علی القضاء وفرض له رزقا..

قال ابن عبد البر(2): استخلف عمر بن الخطاب زید بن ثابت علی المدینة ثلاث مرات فی الحجتین وفی خروجه إلی الشام..

وقال ابن عبد البر(3): قال أحمد العجلی: الناس علی قراءة زید وفرض زید..

وقال ابن عبد البر(4): وکتب إلیه من الشام إلی زید بن ثابت من عمر بن الخطاب وقال نافع عن ابن عمر قال کان عمر یستخلف زیدا إذا حج وکان عثمان یستخلفه أیضا علی المدینة إذا حج..

قلت: ألیس مستغربا أن یقدم عمر اسم زید علی اسمه؟! مع أن المعمول به بین الخلفاء والرعیة أن یقدم الخلیفة اسمه!

قال ابن عبد البر(5): وروی حمید بن الأسود عن مالک بن أنس قال کان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زید بن ثابت یعنی بالمدینة..

قال ابن عبد البر(6): وکان أبو بکر الصدیق قد أمره بجمع القرآن فی

ص: 139

الصحف, فکتبه فیها فلما اختلف الناس فی القراءة زمن عثمان واتفق رأیه ورأی الصحابة علی أن یرد القرآن إلی حرف واحد وقع اختیاره علی حرف زید...

قال ابن سعد(1): أخبرنا محمد بن عمرو أخبرنا عبد الحمید بن عمران بن أبی أنس عن أبیه عن سلیمان بن یسار قال ما کان عمر ولا عثمان یقدمان علی زید بن ثابت أحداً فی القضاء والفتوی والفرائض والقراءة..

قال ابن سعد(2): أخبرنا محمد بن عمر عن موسی بن علی بن رباح عن أبیه قال خطب عمر بن الخطاب بالجابیة فقال من کان یرید أن یسأل عن الفرائض فلیأت زید بن ثابت.

قلت: حصر الفرائض بزید له مایبرره! ولنفس الغرض حصروا القراءة بحرف زید والأمران لهما بعد سیاسی یتعلق باتفاقیات لم یقع علیها المؤرخون ولن یَقَعوا علیها!

قال ابن سعد(3): أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا جاریة بن أبی عمران عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبیه قال کان عمر یستخلف زید بن ثابت فی کل سفر أو قال سفر یسافره وکان یفرِّق الناس فی البلدان, ویوجهه فی الأمور المهمة, ویطلب إلیه الرجال المسمَّون, فیقال له زید بن ثابت فیقول: لم یسقط علی مکان زید, ولکن أهل البلد یحتاجون إلی زید فیما یجدون عنده فیما یحدث لهم ما لا یجدون عند غیره.

 قال ابن سعد(4): أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا محمد بن مسلم بن جماز عن

ص: 140

عثمان بن حفص بن عمر بن خلدة الزرقی عن الزهری عن قبیصة بن ذؤیب بن حلحلة قال: کان زید بن ثابت مترئساً بالمدینة فی القضاء والفتوی والقراءة والفرائض فی عهد عمر وعثمان وعلی فی مقامه بالمدینة, وبعد ذلک خمس سنین حتی ولی معاویة سنة أربعین فکان کذلک أیضا حتی توفی سنة خمس وأربعین..

لذا نجد أن أمیر المؤمنین علیه السلام حذّر من خطورة فتاوی زید فی الفرائض حتی نقلوا عنه علیه السلام انه قال «من أراد أن یتقحم جراثیم جهنم فلیقل فی الحد یعنی بقول زید رضی الله عنه»(1).

من خلال هذه الروایات وغیرها کثیر یظهر جلیا أن زیدأً هو صاحب الفرائض, وهو صاحب القراءة الذی حُصرت السلطة بیده تفسیر القرآن, وهو الممثّل الشخصی للخلیفة عمر بینه وبین الأقالیم, وهو المستَخلف فی المدینة حینما یغیب عمر, واستمر بالدور نفسه فی زمان معاویة حتی هلک!! ألیس غریباً ومریباً کل هذا؟! لسبب ما حُصِرَت کل هذه السلطات بید زید قد یکون منها ورأس السنام هو مسألة جمع القرآن, هذه المهمة الخطیرة التی ستتوقف علیها شرعیة النظام إذ أن القرآن هو الوحی الذی سیُستخلف بعد الرسول صلی الله علیه وآله, وبإبعاد أمیر المؤمنین علیه السلام والقرآن الذی جمعه وجب صیاغة الوحی أمام الناس بشکل لا یتناقض مع ما استجد من جحد الولایة التی رضخوا لها فی الغدیر, لذا فصاحب هذه المهمة والتی یجب أن یکون مأموناً للمستفیدین منها ستکون له السلطة المطلقة علیهم فهو الذی یعلم کل أسرار ما حصل, روی البیهقی(2) فی سننه «أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمی وأبو بکر بن الحارث قال حدثنا

ص: 141

علی بن عمر الحافظ حدثنا أبو بکر النیسابوری حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب اخبرنی ابن لهیعة ویحیی بن أیوب عن عقیل بن خالد إن سعید بن سلیمان بن زید بن ثابت حدثه عن أبیه عن جده زید بن ثابت إن عمر بن الخطاب رضی الله عنه استأذن علیه یوما فأذن له ورأسه فی ید جاریة له ترجّله, فنزع رأسه, فقال له عمر: دعها ترجّلک, فقال: یا أمیر المؤمنین لو أرسلت إلی جئتک, فقال عمر: إنما الحاجة لی إنی جئتک لتنظر فی أمر الجد, فقال زید: لا والله ما یقول فیه, فقال عمر: لیس هو بوحی حتی نزید فیه وننقص منه إنما هو شیء نراه» فانظر لقوله «لیس هو بوحی حتی نزید فیه وننقص» فهل أن الوحی یزاد فیه وینقص؟! وکیف ذلک؟ هذا ما نترکه لمن یرید التعمق فی الموضوع لکونه یتطلب کتاباً خاصاً!

ولکون زید بن ثابت صاحب هذا المقام غیر المسبوق عند (النظام الحاکم) والذی استمر حتی وفاته فی حکم معاویة اخترع له المحدثون (وهم الجاهزون دوماً للحدیث المُعلّب!!) فضائل خارقة لصبیّ مثله (کما وصفه ابن أُبیّ وابن مسعود)! منها:

ما رواه الذهبی(1) بسنده: قال (النبی): یا زید تعلم لی کتابة یهود فانی ما آمنهم علی کتابی، قال (زید) فحذقته فی نصف شهر!.

وقال ابن عبد البر(2): کانت ترد علی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم کتب بالسریانیة فأمر زیدا فتعلمها فی بضعة عشر یوماً..

و قال الضحاک(3): حدثنا محمد بن المثنی حدثنا عبد الرحمن بن مهدی عن

ص: 142

حماد بن زید عن یحیی بن سعید قال لما مات زید بن ثابت قال أبو هریرة الیوم مات ربانیُّ هذه الأمة ولعل الله عز وجل أن یجعل فی بن عباس مثله خلفا..

وروی البخاری(1) عن انس بن مالک: جمع القرآن علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أربعة من الأنصار أبی وزید بن ثابت ومعاذ وأبو زید رضی الله عنهم.

وروی الحاکم النیسابوری(2) حدیث خالد الحذاء عن أبی قلابة عن انس: أفرض أمتی زید بن ثابت..

وروی الذهبی(3) عن عاصم الأحول عن الشعبی قال: غلب زید الناس علی اثنتین الفرائض والقرآن.وقال ابن عبد البر(4): کانت رایة بنی مالک ابن النجار فی تبوک مع عمارة ابن حزم فأخذها رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ودفعها إلی زید بن ثابت فقال عمارة یا رسول الله أبلغک عنی شیء؟ قال: لا ولکن القرآن مقدَّم, وزید أکثر أخذا منک للقرآن.

وبعد نقله لهذا الخبر قال ابن عبد البر (ولسبب لا نعرفه!): وهذا عندی خبر لا یصح والله أعلم...

وروی ابن أبی الدنیا(5): حدثنا إسحاق بن إسماعیل، حدثنا أبو أسامة عن إسماعیل بن أبی خالد، حدثنا أبو إسحاق: قال: خرج زید بن ثابت إلی حائط له

ص: 143

فسمع فیه جلبة، فقال: ما هذا؟ قال: ما هذا؟ قال: رجل من الجن، أصابتنا السنة، فأردنا أن نصیب من ثمارکم، أفتطیبونه؟ قال: نعم، ثم خرج اللیلة الثانیة فسمع فیه أیضا جلبة، فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجن، أصابتنا السنة، فأردنا أن نصیب من ثمارکم، أفتطیبونه؟ قال: نعم. فقال له زید بن ثابت: ألا تخبرنی ما الذی یعیذنا منکم؟ قال آیة الکرسی!!...

ومثله مثل باقی أعداء أمیر المؤمنین, فهو صحابی خارق القوی, یتعلم اللغات الأجنبیة بأیام قلیلة!!ویحفظ القرآن والفرائض, ویتفوق بهما علی کل الصحابة, ویصبح الرجل رقم واحد فی النظام المقابل لعلی علیه السلام بل هو مثل عائشة «والتی قتلت هی الأخری احد الجان ثم بعثت بدیته!» یتکلم مع الجن وله ید بیضاء علیهم إذ أصابتهم السنة والمجاعة!

ولکون الشام موطن بنی أمیة منذ ولایة یزید بن أبی سفیان إلی أن اغتصب معاویة السلطة, ولکون زید استمر علی مقامه بالإفتاء فی عهد معاویة, أبی زید إلا أن یکافئ مَلِک الشام بروایته للأحادیث التی تمجد الشام:

 إذ روی الهیثمی(1): اخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، حدثنا حرملة بن یحیی، حدثنا ابن وهب، أخبرنی عمرو بن الحارث - وذکر ابن سلم آخر معه - عن یزید بن أبی حبیب، عن ابن شماسة: أنه سمع زید بن ثابت یقول: قال رسول الله - صلی الله علیه وآله وسلم - یوما " ونحن عنده: «طوبی للشام، إن ملائکة الرحمن باسطة أجنحتها علیه»..

وقصة هؤلاء المتغزِّلین بالشام طویلة تضم لائحتها السوداء عدداً غیر قلیل

ص: 144

من الذین باعوا دینهم مقابل دنانیر معاویة لیقیموا للشام صرحاً من الفضائل سیصیب بالتأکید حکامه الطلقاء منها بعض الفضل!!منها:

ما رواه الشعرانی(1) فقال «روی الترمذی وقال حدیث حسن مرفوعا: اللهم بارک لنا فی شامنا، وبارک لنا فی یمننا، قالوا: وفی نجدنا، قال: اللهم بارک لنا فی شامنا، وبارک لنا فی یمننا، قالوا: وفی نجدنا، قال هناک الزلازل والفتن، أو قال: ومنها یخرج قرن الشیطان.

قلت: وکیف لا تکون فی الحجاز الزلازل والفتن وفی الحجاز یقطن بنو هاشم وأئمتهم المعصومون!

 وروی(2) أبو داود وابن حبان فی صحیحه والحاکم، وقال صحیح الإسناد مرفوعا: إن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قال لعبد الله بن خولة: علیک بالشام فإنها خیرة الله من أرضه یجتبی إلیها خیرته من عباده.

 وروی(3) ابن خزیمة والترمذی بإسناد جید مرفوعا: إن الله عز وجل یقول: یا شام أنت صفوتی من بلادی أدخل فیک خیرتی من خلقی، إن الله تکفل لی بالشام وأهله.

وروی(4) الطبرانی والحاکم وقال صحیح علی شرط الشیخین مرفوعا: ألا وإن الأمان إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام.

 وفی روایة(5) له أیضا مرفوعا: أهل الشام وأزواجهم وذریاتهم وعبیدهم

ص: 145

وإماؤهم إلی منتهی الجزیرة مرابطون، فمن نزل مدینة من المدائن فهو فی رباط أو ثغر من الثغور فهو فی جهاد.

وروی(1) الترمذی وصححه وابن حبان فی صحیحه مرفوعا: طوبی للشام، إن ملائکة الرحمة باسطة أجنحتها علیه.

وروی(2) الإمام أحمد والترمذی وصححه وابن حبان فی صحیحه مرفوعا: ستخرج علیکم فی آخر الزمان نار من حضر موت تحشر الناس، فقالوا یا رسول الله أیما تأمرنا؟ قال علیکم بالشام.

وروی(3) الإمام أحمد والطبرانی مرفوعا: وموقوفا ورواتهما ثقات: أهل الشام سوط الله فی أرضه ینتقم بهم ممن یشاء من عباده، وحرام علی منافقیهم أن یظهروا علی مؤمنیهم ولا یموتوا إلا هما وغما.

وروی(4) الحاکم وقال صحیح الإسناد مرفوعا یقول: فی الملحمة الکبری فسطاط المسلمین: أی یجتمع المسلمون بأرض یقال لها الغوطة، فیها مدینة یقال لها دمشق خیر منازل المسلمین یومئذ. والله تعالی أعلم».

وبلغ زید من سطوته (والتی ستبقی لغزاً مثل الکثیر من أحداث الصدر الأول للإسلام) أن اختاره أبو بکر لیتزعّم لجنة جمع القرآن وذلک بعد أن رفضوا قرآن أهل البیت, روی ابن عبد البر(5) «عن ابن الحجاج حدثنا یحیی بن سلیمان

ص: 146

حدثنا إسماعیل بن علیة حدثنا أیوب السختیانی عن محمد بن سیرین قال لما بویع أبو بکر الصدیق أبطأ علی عن بیعته وجلس فی بیته فبعث إلیه أبو بکر ما أبطأ بک عنّی أکرهت إمارتی؟ فقال علی: ما کرهت إمارتک, ولکنی آلیت ألا أرتدی ردائی إلاّ إلی صلاة حتی أجمع القرآن, قال ابن سیرین فبلغنی أنه کتب علی تنزیله ولو أصیب ذلک الکتاب لوجد فیه علم کثیر»!

أقول: ذهب العلم الکثیر مع عدم وجود المصحف, وذلک بسبب عدم قبولهم منه وقد تمحّل القول بعضهم للاعتذار عن الصحابة بقولهم: «جمعه فی صدره أی حفظه فإنه یقال للرجل جمع القرآن أی حفظه!!»(1) أی لیس فی مصحف حتی یحلّوا اللغز بعدم اخذ أبو بکر وعمر بمصحف أمیر المؤمنین علیه السلام ولیوائموا مقالتهم بان العلاقة کانت وطیدة بینهما وعلی!! وهل یقبل بهذا عاقل یفهم العربیة؟! ثم إنّا نسألهم وهل یُحفظ القرآن فی أیام معدودات علی قولکم بعدم وجود ممیزات لأمیر المؤمنین علیه السلام وجوانب غیبیة فی شخصیته؟ ثم انه لوکان الأمر کذلک لمَِ یقول ابن سیرین هذا الکلام؟! ولنفرض انه جمعه علی تنزیله کما تقول الروایة فما الفرق بینه وبین الترتیب الذی بین أیدینا؟ وهل سیکون هذا العلم الضائع موجوداً بتغییر الترتیب فقط؟! وما قصّة الروایات المضطربة بین جمعه الأول فی عهد أبی بکر وبین الجمع الثانی فی عهد عثمان وما قصة مصحف أبی وعبد الله بن مسعود؟ وما قصة الروایات المتکثرة حول وجود تفسیرٍ عند أهل البیت للآیات لیست موجودة عند غیرهم کما روی الشیخ الکلینی فی الکافی(2) «عن علی بن محمد، عن بعض أصحابه، عن أحمد بن

ص: 147

محمد بن أبی نصر قال: دفع إلی أبو الحسن (علیه السلام) مصحفا وقال: لا تنظر فیه، ففتحته وقرأت فیه: لم یکن الذین کفروا فوجدت فیها اسم سبعین رجلا من قریش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال: فبعث إلی: ابعث إلی بالمصحف» وهل فی هؤلاء اسم زید بن ثابت؟!

علی ان ابن الندیم نقل إلینا نصف الحقیقة فقال(1): قال ابن المنادی: حدثنی الحسن بن العباس، قال أخبرت عن عبد الرحمن بن أبی حماد عن الحکم بن ظهیر السدوسی عن عبد خیر عن علی علیه السلام انه رأی من الناس طیرة عند وفات النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، فأقسم انه لا یضع عن ظهره ردائه حتی یجمع القرآن، فجلس فی بیته ثلاثة أیام حتی جمع القران، فهو أول مصحف جمع فیه القرآن من قلبه، وکان المصحف عند أهل جعفر. ورأیت أنا فی زماننا عند أبی یعلی حمزة الحسنی رحمه الله مصحفا قد سقط منه أوراق بخط علی بن أبی طالب یتوارثه بنو حسن علی مر الزمان وهذا ترتیب السور من ذلک المصحف...

وقال السیوطی(2): قال ابن حجر وقد ورد عن علی أنه جمع القرآن علی ترتیب النزول عقب موت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم أخرجه ابن أبی داود..

قلت: لکن السؤال هو لمَ لمْ یقبل الصحابة یومئذ هذا المصحف؟!! ولِمَ شکّلوا اللجنة المزبورة وأتعبوا أنفسهم بطریقة جمعه الطویلة والمعقدة وعندهم مصحف أمیر المؤمنین علیه السلام؟!! ولمَ اختاروا زیدا بالذات لذلک بوجود من هو أجلّ واکبر وأعظم من الصحابة حتی أغلظ بعض الصحابة القول فی ذلک

ص: 148

کابن مسعود روی ابن شبة النمیری(1): حدثنا أبو داود قال، حدثنا إبراهیم بن سعد، الزهری قال، أخبرنی عبید الله بن عبد الله: أن ابن مسعود رضی الله عنه کره أن ولی زید نسخ کتاب المصاحف، وقال: أی معشر المسلمین أأعزل عن نسخ کتاب المصاحف فیولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفی صُلب رجل کافر!!

وحدیث الطبرانی(2) بسنده قال: قال عبد الله رضی الله عنه: والله لقد قرأت علی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم بضعا وسبعین وأن زیدا رضی الله عنه له ذؤابتان یلعب مع الصبیان...

وبلغ من معارضة عبد الله بن مسعود(3) أن قال: یا أهل العراق غلوا المصاحف وألقوا الله بها فإنه «من یغلل یأت بما غل یوم القیامة» فألقوا الله بالمصاحف. قال الزهری قال ابن مسعود: وإنی غال مصحفی، فمن استطاع أن یغلَّ مصحفه فلیفعل.

حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنی الأنصاری قال، حدثنا إسرائیل بن یونس، عن توبة بن أبی فاختة، عن أبیه قال: بعث عثمان إلی عبد الله أن یدفع المصحف إلیه. قال: ولم؟ قال: لأنه کتب القرآن علی حرف زید. قال: أما أن أعطیه المصحف أعطیکموه، ومن استطاع أن یغلَّ شیئا فلیفعل..

قلت: لوکان القرآن الذی عند عبد الله هو نفسه الذی بین أیدینا والذی قد کتبه زید فلمَ الخلاف؟! وإن کان یختلف عنه فهنا یجب أن نسأل ما الذی کان فی

ص: 149

مصحف عبد الله بن مسعود وکانت الدولة تخاف منه حتی أعیاها طلب مصحفه؟!

وما معنی قول النبی صلی الله علیه وآله «من أحب أن یقرأ القرآن کما انزل فلیقرأه علی قراءة ابن أم عبد» وفی لفظ «غضّاً کما أنزل» قال السندی علی الحاشیة: الغض الطری الذی لم یتغیر, انتبه لم یتغیر؟!!(1)

قلت: وما الذی یعنیه بقوله «لأنه کتب القرآن علی حرف زید»؟!! ولماذا رفضوا مصحف أمیر المؤمنین عندما أتاهم به بینما طالبوا عبد الله بن مسعود وأبی بن کعب أن یدفعوا مصاحفهم للدولة مما حدا بهم بان یربطا مصحفیهما لرقبتیهما ونصحوا الناس بهذا!!

وما الذی کان یهدد به أُبی (وهو من کبار قرّاء القرآن) قبل (وفاته!) ومن هم (أصحاب العقدة)؟! إذ روی الحاکم النیسابوری(2) «أخبرنا إبراهیم بن عصمة بن إبراهیم العدل حدثنا السری بن خزیمة حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشی حدثنا جعفر بن سلیمان حدثنا أبو عمران الجونی عن جندب قال: أتیت المدینة لأتعلم العلم, فلما دخلت مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا الناس فیه حلق یتحدثون, قال: فجعلت امضی حتی انتهیت إلی حلقة فیها رجل شاحب علیه ثوبان کأنما قدم من سفر, فسمعته یقول: هلک أصحاب العقد ورب الکعبة ولا آسی علیهم یقولها ثلاثا, هلک أصحاب العقد ورب الکعبة, هلک أصحاب العقد ورب الکعبة هلک أصحاب العقد ورب الکعبة, قال فجلست إلیه فتحدّث ما قضی له ثم قام, فسألت عنه فقالوا هذا سید الناس أبی بن کعب, قال فتبعته حتی أتی منزله فإذا هو رثُّ المنزل, رثُّ الکسوة, رثُّ الهیئة یشبه أمره بعضه بعضاً,

ص: 150

فسلمت علیه فرد علی السلام قال ثم سألنی: ممن أنت؟ قال: قلت من أهل العراق, قال: أکثر شیء سؤالاً وغضب, قال فاستقبلت القبلة ثم جثوت علی رکبتی ورفعت یدی هکذا ومد ذراعیه, فقلت: اللهم إنا نشکوهم إلیک إنا ننفق نفقاتنا وننصب أبداننا ونرجل مطایانا ابتغاء العلم فإذا لقیناهم تجهموا لنا, وقالوا لنا.

قال: فبکی أُبی وجعل یترضانی ویقول ویحک انی لم اذهب هناک, ثم قال أُبی أعاهدک لأن أبقیتنی إلی یوم الجمعة لا تکلمنَّ بما سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله لا أخاف فیه لومة لائم, قال ثم انصرفت عنه وجعلت انتظر یوم الجمعة فلما کان یوم الخمیس خرجت لبعض حاجتی فإذا الطرق مملوءة من الناس لا آخذ فی سکَّة الا استقبلنی الناس, قال فقلت: ما شأن الناس قالوا إنا نحسبک غریباً قال: قلت أجل قالوا مات سید المسلمین أبی بن کعب قال فلقیت ابا موسی بالعراق فحدثته فقال هلا کان یبقی حتی تبلغنا مقالته!! هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه».

قلت: لم یکن عند العرب المعرفة الطبیّة التی تکشف القتل بالسم والا لکنّا عرفنا العشرات ممن (ماتوا) بهذه الطریقة الغامضة!

وقد کان زید من أبناء السقیفة وممن اعتمد علیه أرکان النظام الجدید, قال ابن أبی الحدید(1) «فلما اجتمع الناس علی أبی بکر قسم قسما بین نساء المهاجرین والأنصار، فبعث إلی امرأة من بنی عدی بن النجار قسمها مع زید بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بکر للنساء، قالت: أتراشوننی عن دینی! والله لا أقبل منه شیئا! فردته علیه» وقد یفسر هذا بعض التفسیر المنزلة التی نالها

ص: 151

عند الحکام!! لذا فهو کان من أکثر المناصرین لعثمان بن عفان بعد ثورة الصحابة علیه ومحاصرته فی بیته, قال ابن أبی الحدید(1) «وأعلم أن الذی علیه أکثر أرباب السیرة وعلماء الأخبار والنقل، أن عثمان نفی أبا ذر أولا إلی الشام، ثم استقدمه إلی المدینة لما شکا منه معاویة، ثم نفاه من المدینة إلی الربذة لما عمل بالمدینة نظیر ما کان یعمل بالشام. أصل هذه الواقعة، أن عثمان لما أعطی مروان بن الحکم وغیره بیوت الأموال، واختص زید بن ثابت بشئ منه!!...الخ» فکان زید بن ثابت من المستفیدین من الخلل الإداری والمالی الذی أصاب النظام الإسلامی فی عهد عثمان والذی شارف علی الانهیار من فرط الظلم الذی عم البلاد والفساد المالی الذی استشری بین الولاة العثمانیین واغلبهم من بنی أمیة أقارب عثمان وممن یعتاش علی النظام ویستقوی النظام به, قال المرتضی فیما نقله عنه ابن أبی الحدید(2) «فأما زید بن ثابت، فقد روی میله إلی عثمان، وما یغنی ذلک وبإزائه جمیع المهاجرین والأنصار! ولمیله إلیه سبب معروف، فإن الواقدی روی فی، کتاب الدار، أن مروان بن الحکم لما حصر عثمان الحصر الأخیر أتی زید بن ثابت فاستصحبه إلی عائشة لیکلمها فی هذا الأمر، فمضیا إلیها وهی عازمة علی الحج، فکلماها فی أن تقیم وتذب عنه، فأقبلت علی زید بن ثابت، فقالت: وما منعک یا بن ثابت ولک الأساویف قد اقتطعکها عثمان، ولک کذا وکذا، وأعطاک عثمان من بیت المال عشرة آلاف دینار! قال زید: فلم أرجع علیها حرفا واحدا، وأشارت إلی مروان بالقیام، فقام مروان وهو یقول:

حرق قیس علی البلاد

حتی إذا اضطرمت أجذما

ص: 152

فنادته عائشة وقد خرج من العتبة: یا بن الحکم، أعلی تمثل الأشعار! قد والله سمعت ما قلت، أترانی فی شک من صاحبک! والذی نفسی بیده لوددت أنه الآن فی غرارة من غرائری مخیط علیه، فألقیه فی البحر الأخضر، قال زید بن ثابت: فخرجنا من عندها علی الیأس منها. وروی الواقدی أن زید بن ثابت اجتمع علیه عصابة من الأنصار، وهو یدعوهم إلی نصرة عثمان. فوقف علیه جبلة بن عمرو بن حبة المازنی، فقال له: وما یمنعک یا زید أن تذب عنه؟ أعطاک عشرة آلاف دینار وحدائق من نخل لم ترث عن أبیک مثل حدیقة منها» لذا فمن الطبیعی وعلی الحکمة القائلة (شبیه الشیء منجذب إلیه) انحرف زید إلی جانب الأمویین فی عصیانهم وبغیهم علی الإمام وان کان من طرف خفی! إذ کیف یتقبل زید عدل الإمام بین العرب والعجم والمهاجرین والأنصار وأهل الهجرتین مع غیرهم وقد استأثر کل هذه السنوات بالمنصب الأول فی الدولة وعلی یده یتم تنسیق السیاسات العامة الموجهه للمعارضة؟!

روی عبد الحلیم الجندی(1) وهو یسرد الخطوات التی اتخذها أمیر المؤمنین علیه السلام بعد تسنمه الخلافة «فأمر کاتبه عبید الله بن أبی رافع أن یبدأ بالمهاجرین, وأعطی کل من حضر منهم ثلاثة دنانیر, ثم ثنی بالأنصار ثم سائر الناس کلهم, سوی بینهم الأحمر فیهم والأسود. فقال له سهل بن حنیف: هذا غلامی أعتقته بالأمس, قال: نعطیه کما نعطیک ثلاثة دنانیر. وقد تخلف عن هذه القسمة طلحة والزبیر وسعد بن أبی وقاص وعبد الله ابن عمر وسعید بن العاص ومروان بن الحکم. وقال علی (ألا إن کل قطیعة أقطعها عثمان وکل مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال، فإن الحق القدیم لا یبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به

ص: 153

النساء وفرقه فی البلدان لرددته إلی حاله. فإن فی العدل سعة. ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضیق). ولما جاءته امرأتان فسوّی بینهما، قالت إحداهما: إنی امرأة من العرب. وهذه أعجمیة! فقال: إنی لا أری لبنی إسماعیل فی هذا الغنی فضلاً علی بنی إسحاق.»!!

 فهل تری زیدا یصبر علی اخذ الحدائق والبساتین وآلاف الدنانیر التی تمَّلکها بفضل الاختلال العظیم فی الدولة؟حتی انه کان یقلل من مقام أمیر المؤمنین علیه السلام بما کان یرمیه به النواصب, قال ابن أبی الحدید(1) «واعلم أنا إنما ذکرنا هذه الأخبار هاهنا، لأن کثیرا من المنحرفین عنه علیه السلام إذا مروا علی کلامه فی (نهج البلاغة) وغیره المتضمن التحدث بنعمة الله علیه من اختصاص الرسول له صلی الله علیه وآله، وتمییزه إیاه عن غیره، ینسبونه إلی التیه والزهو والفخر، ولقد سبقهم بذلک قوم من الصحابة، قیل لعمر: ولِّ علیا أمر الجیش والحرب، فقال: هو أَتیَه من ذلک! وقال زید بن ثابت: ما رأینا أزهی من علی وأسامة».

لذلک قال جمع من المؤرخین (2) «کان زید بن ثابت کان عثمانیاً شدیداً فی ذلک»..

ص: 154

ص: 155

وقال لهم یا أهل الشام إنه قد کبرت سنی وقرب أجلی وقد أردت أن أعقد لرجل یکون نظاماً لکم, وإنما أنا رجل منکم فأروا رأیکم, فأصفقوا واجتمعوا وقالوا: رضینا عبد الرحمن بن خالد, فشقَّ ذلک علی معاویة وأسرّها فی نفسه, ثم إن عبد الرحمن مرض فأمر معاویة طبیباً عنده یهودیاً وکان عنده مکیناً أن یأتیه فیسقیه سقیة یقتله بها, فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات, ثم دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفیاً هو وغلام له فرصدا ذلک الیهودی فخرج لیلاً من عند معاویة فهجم علیه ومعه قوم هربوا عنه فقتله المهاجر وقصته هذه مشهورة عند أهل السیر والعلم بالآثار والأخبار».

ومعاویة مشهور معروف بکیده لخصومه وغدره بهم وخصوصاً بالسم, قال الشیخ ابو ریة(1) «ممن سمَّهم معاویة: عبد الرحمن بن خالد بن الولید وذلک عندما شاور أهل الشام فیمن یعقد له من بعده فقالوا له: رضینا بعبد الرحمن بن خالد وکان أهل الشام یحبونه، فشق ذلک علی معاویة وأسرها فی نفسه ثم مرض عبد الرحمن بعد ذلک فأمر معاویة طبیبا یهودیا - وکان مکینا عنده. أن یأتیه فیسقیه سقیة تقتله، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات» وقد کان عبد الرحمن هذا من ظلمة ولاة معاویة ومن ذنوبه إذ انه اختاره کوال ٍعلی حمص فی حیاة عثمان ومن اشد الناس علی الصالحین من الصحابة ومن شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام قال ابن أبی الحدید(2) «روی الواقدی، قال: لما سیر بالنفر الذین طردهم عثمان عن الکوفة إلی حمص - وهم: الأشتر، وثابت بن قیس الهمدانی، وکمیل بن زیاد النخعی(3)،

ص: 156

وزید بن صوحان(1)، وأخوه صعصعة(2)، وجندب بن زهیر الغامدی(3)، وجندب

ص: 157

بن کعب الأزدی(1)، وعروة بن الجعد(2)، وعمرو بن الحمق الخزاعی(3)، وابن الکواء - جمعهم عبد الرحمن بن خالد بن الولید، بعد أن أنزلهم أیاما، وفرض لهم طعاما، ثم قال لهم: یا بنی الشیطان، لا مرحبا بکم ولا أهلاً، قد رجع الشیطان محسوراً، وأنتم بعد فی بساط ضلالکم وغیکم! جزی الله عبد الرحمن إن لم یؤذکم! یا معشر من لا أدری أعرب هم أم عجم! أتراکم تقولون لی ما قلتم لمعاویة! أنا ابن خالد بن الولید! أنا ابن من عجمته العاجمات، أنا ابن فاقئ عین

ص: 158

الردة، والله یا بن صوحان لأطیرن بک طیرة بعیدة المهوی، إن بلغنی أن أحداً ممن معی دق أنفک فأقنعت رأسک. قال: فأقاموا عنده شهرا، کلما رکب أمشاهم معه، ویقول لصعصعة: یا بن الخطیئة، إن من لم یصلحه الخیر أصلحه الشر! ما لک لا تقول کما کنت تقول لسعید ومعاویة! فیقولون: سنتوب إلی الله، أقلنا أقالک الله! فما زال ذاک دأبه ودأبهم، حتی قال: تاب الله علیکم. فکتب إلی عثمان یسترضیه عنهم، ویسأله فیهم، فردهم إلی الکوفة»!!

ومن طریقة تعامله مع أجلَّة الصحابة ممن سلف ذکرهم وهم من علیة شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام, یُعلم مدی نصبه العداء لأمیر المؤمنین علیه السلام لذا ذکر المؤرخون انه کان منحرفاً عن علی وبنی هاشم(1).

ص: 159

ص: 160

فأبیت، وسرت معهم، وما معهم من الأحلاف غیری، حتی دخلنا الإسکندریة، فإذا المقوقس فی مجلس مطل علی البحر، فرکبت زورقا حتی حاذیت مجلسه، فأنکرنی، وأمر من یسألنی، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل فی الکنیسة، وأجری علینا ضیافة، ثم أدخلنا علیه، فنظر إلی رأس بنی مالک، فأدناه، وأجلسه معه، ثم سأله، أکلکم من بنی مالک؟ قال: نعم، سوی رجل واحد، فعرفه بی. فکنت أهون القوم علیه، وسر بهدایاهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطانی شیئا لاذکر له. وخرجنا، فأقبلت بنو مالک یشترون هدایا لأهلهم، ولم یعرض علی أحد منهم مواساة، وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فکنا نشرب، فأجمعت علی قتلهم، فتمارضت، وعصبت رأسی، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسی یصدع ولکنی أسقیکم، فلم ینکروا، فجعلت أصرف لهم، وأترع لهم الکأس، فیشربون ولا یدرون، حتی ناموا سکرا، فوثبت، وقتلتهم جمیعا، وأخذت ما معهم. فقدمت علی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، فأجده جالسا فی المسجد مع أصحابه، وعلی ثیاب سفری، فسلمت، فعرفنی أبو بکر، فقال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: الحمد لله الذی هداک للاسلام، قال أبو بکر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: ما فعل المالکیون؟ قلت: قتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلی رسول الله لیخمسها. فقال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: (أما إسلامک فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شیئا، لان هذا غدر، ولا خیر فی الغدر) فأخذنی ما قرب وما بعد، وقلت: إنما قتلتهم وأنا علی دین قومی، ثم أسلمت الساعة، قال: (فإن الإسلام یجب ما کان قبله)...

فهو یقول «فأرانی لو رأیت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم» وهذا یثبت ان الداعی لإسلامه لیس الهدایة بل الهرب فقط من الجزاء! ومع ذلک فهو یکذب فی

ص: 161

واقعة اخری (وحبل الکذب قصیر) فیدعی ان الرسول دعاهم الی الإسلام فقبلوا منه! روی الذهبی(1) «حدثنا یوسف القاضی، حدثنا عبد الله بن ناجیة ببغداد، حدثنا خلیفة بن خیاط، حدثنا یزید بن زریع، حدثنا حجاج الصواف، حدثنا معاویة بن قرة، عن أبیه، قال: قال المغیرة بن شعبة لصاحب فارس: کنا نعبد الحجارة والأوثان، إذا رأینا حجرا أحسن من حجر ألقیناه وأخذنا غیره، لا نعرف ربا، حتی بعث الله إلینا نبیا من أنفسنا، فدعانا إلی الإسلام فأجبناه وأخبرنا أن من قتل منا دخل الجنة»! وبالحقیقة فقد کان المغیرة منافقاً وقد فضح نفسه بقوله (بعد افتعاله قضیة بیعة یزید): «وضعت رجل معاویة فی غرز بعید الغایة علی أمة محمد وفتقت علیهم فتقال یارتق أبدا وتمثل:

بمثلی شاهدی النجوی وغالی

بی الأعداء والخصم الغضابا»(2)

وقد کان معروفاً باعورار عینه وله فیها أقاویل بعضها عنه وبعضها عن أنصاره! قال الواقدی(3) «ولما قتل ضرار ملک اللان غضبت الروم فخرج فارس شجاع وطلب البراز فخرج الیه الزبیر بن العوام رضی الله عنه فقتله وأخذ سلبه, وخرج الیه ثان وثالث ورابع فقتلهم وأخذ أسلابهم فقال خالد لأبی عبیدة إن الزبیر قد تجرد للروم وبذل نفسه لله ولرسوله وأخاف علیه من التعب, فصاح علیه أبو عبیدة وأقسم علیه فرجع الزبیر إلی مقامه قال وخرج من الروم بطریق فخرج الیه خالد بن الولید وکان ملک الروسیة فقتله خالد وکان زوج بنت ملک اللان فقوَّمَّ سَلْبَهُ وتاجه ومنطقته وصلیبه ودرعه بخمسة عشر ألفا, قال فأخبر ماهان

ص: 162

بذلک فغضب وقال سیدان منا قُتِلا فی یوم واحد وانی أظن أن المسیح لا ینصرنا ثم أمر الرماة أن یرموا عن ید واحدة فرموا سهامهم وأطلقوا نحو المسلمین دفعة واحدة مائة ألف سهم فکان النشاب یقع فی عساکر المسلمین کسقوط البرد من السماء, فکثرت الجراح فی الناس وأعورَّ من المسلمین سبعمائة عین فَسُمّی ذلک الیوم یوم التعویر, وکان ممن أصیب بعینه المغیرة ابن شعبة وسعید بن زید بن عمرو بن نفیل التمیمی وأبو سفیان صخر بن حرب وراشد بن سعید, وکان الرجل بعد ذلک یلقی الرجل فیقول له ما الذی أصاب عینک فیقول الآخر لا تقل مصیبة بل هی محنة من الله».

فهنا تصور الروایة ان شعبة قد فقد عینه وهو یجاهد فی سبیل الله!

وروی الذهبی(1) بسنده «عن الزهری قال: قالت عائشة: کسفت الشمس علی عهد رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، فقام المغیرة بن شعبة ینظر إلیها، فذهبت عینه» وهنا ذهبت عین المغیرة بسبب (صبیانیته) فی النظر للشمس وهی فی طور الکسوف, وقد یکون الأقرب للحق هی القصة الثانیة فالثابت علمیاً أن الشمس قد تتسبب بعمی مؤقت أو دائمی إذا وجه الإنسان ناظریه لها عند الکسوف, ولما هو ظاهر من بعض الصحابة من جرِّ القرص لأنفسهم کل بحسبه من فضائل وأحادیث مکذوبة أرادوا بها ان یشیر الناس إلیهم ویقولوا: أصحاب رسول الله!

وکان متَّهما بالزندقة وإنکار المعاد قال الطبری(2) «حدثنا أبو کریب، قال: حدثنا وکیع، عن سفیان ومسعر، عن زیاد بن علاقة، عن المغیرة بن شعبة، قال: یقولون: القیامة القیامة، وإنما قیامة أحدهم موته!!» وهذا أمر خطیر فکیف یحتج

ص: 163

علماء الحدیث برجل ینکر ضرورة من ضرورات الإسلام؟

والمغیرة هو صاحب قصة الزنا الشهیرة قال ابن أبی الحدید(1): قال أبو جعفر: وکان المغیرة بن شعبة یلعن علیاً علیه السلام لعناً صریحاً علی منبر الکوفة، وکان بلغه عن علی علیه السلام فی أیام عمر أنه قال: لئن رأیت المغیرة لأرجمنَّه بأحجاره - یعنی واقعة الزنا بالمرأة التی شهد علیه فیها أبو بکرة، ونکل زیاد عن الشهادة - فکان یبغضه لذاک ولغیره من أحوال اجتمعت فی نفسه.أ.ه_..

وهذه القصة فی مجملها: إن المغیرة بن شعبة زنا بأم جمیل بنت عمر، وهی امرأة من قیس، وشهد علیه بذلک: أبو بکرة، ونافع بن الحارث، وشبل بن معبد ولما جاء الرابع وهو زیاد بن سمیة - أو: زیاد بن أبیه - لیشهد أفهمه عمر بن الخطاب رغبته فی أن یولی بشهادته بحیث لا تکون صریحة فی الموضوع حتی لا یلحق المغیرة خزی بإقامة الحد علیه، ثم سأله عما رآه قائلا: أرأیته یدخله ویخرجه کالمیل فی المکحلة فقال: لا. فقال عمر: الله أکبر، قم یا مغیرة إلیهم فاضربهم فقام یقیم الحدود علی الشهود الثلاثة(2).

والقصة مفصَّلة فی أکثر کتب التاریخ, وفیها تفاصیل غیر مناسبة لم ننقلها, وولع المغیرة بالنساء وصل الی حدٍ الی أن قیل انه «أحصن سبعین امرأة»(3) وقیل انه «أحصن ثمانین امرأة»(4) ویؤثر عنه قوله(5) «کنت أسترضی النساء بالباء فأما الیوم فإنی أترضاهن بالمال»!!

ص: 164

 ولما رأی المغیرة أن العرب ممن لم تشاهد النبی ولم تسمع عنه تنصت لکل من قال: إنی رأیته وسمعته, بدأ بنسج الأکاذیب حول علاقته بالنبی صلی الله علیه وآله فتارة یروی «کنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتبرز لحاجته فلما اقبل تلقیته بإداوة معی وعلیه جبة ضیقة الکمین فأخرج یده من الجبة فتوضأ ومسح رأسه وخفیه»(1) وتارة یقول «کنت مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال معک ماء قلت نعم فبرز حتی تواری عنی فی سواد اللیل ثم أقبل فأفرغت علیه فغسل وجهه وذراعیه ومسح برأسه فوثبت إلی الخفین لا أخلعهما فقال دعهما فإنی أدخلتهما وهما طاهرتان فمسح علی خفیه»(2) ولا تحسبن أن القصة نفسها فالمغیرة یروی القصة الأولی وهو فی تبوک وإما القصة الثانیة فقد أخذها عن أبی هریرة ونسبها لنفسه فقد روی ابن حجر عن أبی هریرة «أن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم قال له وضئنی قال فأتیته بوضوء فتوضأ ومسح علی خفیه قلت یا رسول الله لم تغسل رجلیک قال إنی أدخلتهما وهما طاهرتان أخرجه أحمد والبیهقی»(3) ووصل الکذب الی القول بأنه آخر الناس عهدا بالنبی صلی الله علیه وآله, روی ابن سعد(4) (5) «وسلم أخبرنا سریج بن النعمان أخبرنا هشیم قال أخبرنا

ص: 165

مجالد عن الشعبی عن المغیرة بن شعبة قال کان یحدثنا هاهنا یعنی بالکوفة قال أنا آخر الناس عهدا بالنبی صلی الله علیه - وآله - وسلم لما دفن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وخرج علی من القبر ألقیت خاتمی فقلت یا أبا حسن خاتمی قال: انزل فخذ خاتمک فنزلت فأخذت خاتمی ووضعت خاتمی علی اللبت وخرجت..

أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا حماد بن سلمة عن أبی عمران الجونی أخبرنا أبو عسیم شهد ذاک قال لما وضع رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی لحده قال المغیرة بن شعبة إنه قد بقی من قبل رجلیه شیء لو تصلحونه قالوا فادخل فأصلحه فدخل فمسح قدمیه صلی الله علیه - وآله - وسلم ثم قال أهیلوا علی التراب فأهالوا علیه التراب حتی بلغ ساقیه فخرج فجعل یقول أنا أحدثکم عهدا برسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم».

ولما وصل خبر الکذبة الی مکة فی وقت الحج کذبها أمیر المؤمنین علیه السلام, قال الطبری(1) «حدثنی ابن حمید قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبیه إسحاق بن یسار عن مقسم أبی القاسم مولی عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن مولاه عبد الله بن الحارث قال اعتمرت مع علی بن أبی طالب فی زمان عمر أو زمان عثمان فنزل علی أخته أم هانئ بنت أبی طالب فلما فرغ من عمرته رجع وسکبت له غسلاً فاغتسل فلمَّا فرغ من غسله دخل علیه نفر من أهل العراق فقالوا یا أبا الحسن جئناک نسألک عن أمر نحب أن تخبرنا به فقال أظن المغیرة یحدثکم أنه کان أحدث الناس عهدا برسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قالوا أجل عن ذا جئناک نسألک قال: کذب کان أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن العباس» ویؤکد ذلک ما رواه ابن سعد «أخبرنا سریج بن

ص: 166

النعمان أخبرنا هشیم عن أبی معشر قال حدثنی بعض مشیختنا قال لما خرج علی من القبر ألقی المغیرة خاتمه فی القبر وقال لعلی خاتمی فقال علی للحسن بن علی ادخل فناوله خاتمه ففعل»(1) وروی الطبری طرفا من القصة فقال(2): وذکر ابن عمر ان عبد الله بن محمد بن عمر بن علی - قال علی علیه السلام لما ألقی المغیرة بن شعبه خاتمه فی قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قلت - لا یتحدث الناس انک نزلت فی قبر رسول الله، ولا تحدث أنت الناس ان خاتمک فی قبره، فنزل علی علیه السلام وقد رأی موقعه، فتناوله فدفعه إلیه».

فهذه إذن حقیقة القصة فکیف یکون المغیرة ثقة تخرج حدیثه کتب أهل السنة ورسول الله یقول «لا تکذبوا علی فإنه من کذب علی فلیلج النار»(3).

والمغیرة رجل سبّاب فحّاش وهذا ما اشتهر عنه فقد کان یسب أمیر المؤمنین علیه السلام فی صلاة الجمعة کجزء من تقلید أموی أصبح (سنّةً) مع مرور الزمن, روی الذهبی(4) «شعبة: عن الحر: سمعت رجلا یقال له عبد الرحمن بن الأخنس قال: خطب المغیرة بن شعبة فنال من علی» ولما کان حجر بن عدی والمسمی (حجر الخیر) یرد علیه شتائمه لعلی علیه السلام أرسله المغیرة مخفوراً الی معاویة(5) فقتله معاویة فی الشام...

وبعد استشهاد أمیر المؤمنین علیه السلام علی ید عبد الرحمن بن ملجم بدأ المغیرة بإخراج مکنون صدره بلعن أمیر المؤمنین علیه السلام علی منابر الکوفة,

ص: 167

قال الجاحظ(1) «روی خالد بن عبد الله الواسطی عن حصین بن عبد الرحمن عن هلال بن یساف عن عبد الله بن ظالم قال: لما بویع لمعاویة أقام المغیرة بن شعبة خطباء یلعنون علیاً علیه السلام. فقال سعید بن زید بن عمرو بن نفیل: ألا ترون إلی هذا الرجل الظالم، یأمر بلعن رجل من أهل الجنة؟! روی سلیمان بن داود عن شعبة عن الحر بن الصباح قال: سمعت عبد الرحمن ابن الأخنس یقول: شهدت المغیرة بن شعبة خطب فذکر علیا علیه السلام فنال منه. روی أبو کریب قال: حدثنا أبو أسامة قال حدثنا صدقة بن المثنی النخعی عن ریاح بن الحارث قال: بینما المغیرة بن شعبة بالمسجد الأکبر وعنده ناس إذ جاءه رجل یقال له قیس بن علقمة، فاستقبل المغیرة فسبَّ علیاً علیه السلام»..

وروی ابن عساکر(2) بسنده «عن المغیرة بن الأخنس قال دخلنا علی المغیرة بن شعبة وعنده سعید بن زید بن عمرو بن نفیل قال فدخل قیس بن علقمة فنال من علی فقال سعید بن زید ألا أری أصحاب رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) ینال منهم وأنت ساکت» ورواها الذهبی(3) «اخبرنا ابن أبی عمر وجماعة..، قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا هبة الله، أنبأنا ابن المذهب، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنی أبی، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة، عن حصین، عن هلال ابن یساف، عن عبد الله بن ظالم قال: خطب المغیرة فنال من علی.. الخ»..

ص: 168

ص: 169

ینخس برسول الله صلی الله علیه وآله لیلة العقبة(1)، فالعنوه، فیلعنه أهل تلک القریة، ثم یسیر إلی القریة الأخری، فیأمرهم بمثل ذلک...

ص: 170

ص: 171

فلم أریوما کان أکثر ضیعة

وأقرب منه للغوایة والنّکر(1)

قال الذهبی: وقد أنشد کعب علیا قوله فی عثمان:

فکف یدیه ثم أغلق بابه

وأیقن أن الله لیس بغافل

وقال لمن فی داره لا تقاتلوا

عفا الله عن کل امری لم یقاتل

فکیف رأیت الله صب علیهم

العداوة والبغضاء بعد التواصل

وکیف رأیت الخیر أدبر عنهم

وولی کإدبار النعام الجوافل

فقال علی: استأثر عثمان، فأساء الأثره، وجزعتم أنتم، فأسأتم الجزع(2) ومن الاخبار التی اشتهرت وفی النفس منه أشیاء خبره عن الذی نسبه ابن عباس: أخبره ان علی بن أبی طالب رضی الله عنه خرج من عند رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی وجعه الذی توفی فیه فقال الناس یا أبا حسن کیف أصبح رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال أصبح بحمد الله بارئا قال ابن عباس فاخذ بیده عباس بن عبد المطلب فقال ألا تری أنت والله ان رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم سیتوفی فی وجعه هذا انی أعرف وجوه بنی عبد المطلب عند الموت فاذهب بنا إلی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فلنسأله فیمن هذا الامر فإن کان فینا علمنا ذلک وإن کان فی غیرنا کلمناه فأوصی بنا فقال علی رضی الله عنه والله لئن سألناها رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فمنعناها لا یعطیناها الناس أبدا فوالله لا أسأله أبدا.

قلت: هذا الخبر اتخذه البعض دلیلا لدفع النص عن امیر المؤمنین علیه السلام بحجة انه لو کان النص موجودا فکیف یقول العباس ذلک لعلی بل کیف

ص: 172

یقول علی ذلک؟!

وکما هو واضح فالخبر یرویه کعب العثمانی وهو خبر مفرد مشبوه فی مقابل عشرات النصوص والادلة؟

ومما ینبیء عن حاله ما قاله ابن عساکر فی تاریخ دمشق «قرأت فی کتاب أبی الفرج علی بن الحسین بن محمد القرشی أخبرنی أحمد بن عبید الله بن عمار حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور الربعی وذکر له إسنادا شامیا هکذا قال ابن عمار فی الخبر وذکر حدیثا فیه طول لحسان بن ثابت والنعمان بن بشیر وکعب ابن مالک فذکرت ما کان لکعب فیه قال لما بویع علی بن أبی طالب بلغه عن حسان بن ثابت وکعب بن مالک والنعمان بن بشیر وکانوا عثمانیة أنهم یقدمون بنی أمیة علی بنی هاشم ویقولون الشام خیر من المدینة واتصل بهم أن ذلک قد بلغه فدخلوا علیه فقال له کعب بن مالک یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن عثمان أقتل ظالما فنقول بقولک أو قتل مظلوما فنقول بقولک ونکلک إلی الشبهة والعجب من ثبتنا وشکک وقد زعمت العرب أن عندک علم ما اختلفنا فیه فهاته لنعرف ثم قال:

کف یدیه ثم أغلق بابه

وأیقن أن الله لیس بغافل

وقال لمن فی داره لا تقاتلوا

عفا الله عن کل امرئ لم یقاتل

فکیف رأیت الله صب علیهم

العداوة والبغضاء التواصل

وکیف رأیت الخیر أدبر عنهم

وولی کإدبار النعام الجوافل

فقال لهم علی لکم عندی ثلاثة أشیاء استأثر عثمان وأساء الأثرة وجزعتم وأسأتم الجزع وعند الله ما تختلفون فیه إلی یوم القیامة فقالوا لا ترضی  بهذا العرب ولا تعذرنا به فقال علی أترد علی بین ظهرانی المسلمین بلا نیة صادقة ولا حجة واضحة اخرجوا فلا تجاورونی فی بلد أنا فیه أبدا فخرجوا من یومهم فساروا

ص: 173

حتی أتوا معاویة فقال لهم لکم الکفایة أو الولایة فأعطی حسان بن ثابت ألف دینار وکعب بن مالک ألف دینار وولی النعمان بن بشیر حمص ثم نقله إلی الکوفة بعد»(1).

وعندما مات قال فیه الناصبی المشهور روح بن زنباع: أشجع بیت وصف به رجل قومه، قول کعب بن مالک:

نصل السیوف إذا قصرن بخطونا

یوما ونلحقها إذا لم تلحق

ص: 174

ص: 175

أبی حدثنا حجاج قال حدثنا لیث قال حدثنی یزید بن أبی حبیب ان سوید بن قیس أخبره عن معاویة بن حدیج ان رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم صلی یوماً فسلَّم وانصرف وقد بقی من الصلاة رکعة فأدرکه رجل فقال نسیت من الصلاة رکعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة بالناس رکعة فأخبرت بذلک الناس»..

 قال الحاکم النیسابوری(1): أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن سماک ببغداد حدثنا علی بن إبراهیم الواسطی حدثنا وهب بن جریر بن حازم قال سمعت یحیی بن أیوب یحدث عن یزید بن أبی حبیب عن سوید بن قیس عن معاویة بن حدیج قال صلیت مع رسول الله صلی الله علیه وآله المغرب فسها فسلم فی رکعتین ثم انصرف, فقال له رجل: یا رسول الله إنک سهوت فسلَّمت فی رکعتین, فأمر بلالاً فأقام الصلاة ثم أتی تلک الرکعة, فسألت الناس عن الرجل الذی قال یا رسول الله انک سهوت فقیل لی تعرفه قلت لا إلا ان أراه, فمَّر بی رجل فقلت هو هذا فقالوا هذا طلحة بن عبید الله.أ.ه_..

وروی عنه البخاری خبر مسح عمر فقال(2): حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنی بن شریح عبد الرحمن أنه سمع واهب بن عبد الله المعافری یقول حدثنی عبد الرحمن بن معاویة بن حدیج عن أبیه قال قدمت علی عمر بن الخطاب رضی الله عنه فاستأذنت علیه فقالوا لی مکانک حتی یخرج إلیک فقعدت قریباً من بابه قال فخرج إلی فدعا بماء فتوضأ ثم مسح علی خُفَّیه فقلت یا أمیر المؤمنین أمن البول هذا؟ قال: من البول أو من غیره.أ.ه_..

ص: 176

وقد روی بعض علماء الرجال قصة سبّه لأمیر المؤمنین علیه السلام, قال الحاکم النیسابوری(1): أخبرنی علی بن عبد الرحمن بن عیسی السبیعی بالکوفة حدثنا الحسین بن الحکم الجیزی حدثنا الحسین بن الحسن الأشقر حدثنا سعید بن خثیم الهلالی عن الولید بن یسار الهمدانی عن علی بن أبی طلحة قال حججنا فمررنا علی الحسن بن علی بالمدینة ومعنا معاویة بن حدیج, فقیل للحسن: إن هذا معاویة بن حدیج السابّ لعلی, فقال: علیَّ به, فأُتی به, فقال: أنت السابّ لعلی؟ فقال: ما فعلت! فقال: والله إن لقیته وما أحسبک تلقاه یوم القیامة لتجده قائماً علی حوض رسول الله صلی الله علیه وآله یذود عنه رایات المنافقین, بیده عصا من عوسج, حدثنیه الصادق المصدوق صلی الله علیه وآله وقد خاب من افتری, هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.ا.ه_..

وقال الذهبی(2): أخبرنا ابن عساکر، عن أبی روح الهروی، أخبرنا تمیم، أخبرنا الکنجروذی، أخبرنا ابن حمدان، أخبرنا أبو یعلی، حدثنا إسماعیل بن موسی السدی، حدثنا سعید بن خثیم، عن الولید بن یسار الهمدانی، عن علی ابن أبی طلحة مولی بنی أمیة قال: حج معاویة ومعه معاویة بن حدیج، وکان من أسب الناس لعلی، فمر فی المدینة، والحسن جالس فی جماعة من أصحابه، فأتاه رسول، فقال: أجب الحسن, فأتاه، فسلم علیه، فقال له: أنت معاویة بن حدیج؟ قال: نعم, قال: فأنت الساب علیا رضی الله عنه؟ قال: فکأنه استحیی, فقال: أما والله لئن وردت علیه الحوض - وما أراک ترده - لتجدنَّه مشمر الإزار علی ساق، یذود عنه رایات المنافقین ذود غریبة الإبل، قول الصادق المصدوق (وقد خاب من

ص: 177

افتری). وروی نحوه قیس بن الربیع، عن بدر بن الخلیل، عن مولی الحسن ابن علی قال: قال الحسن: أتعرف معاویة بن حدیج؟ قلت: نعم، فذکره. قلت: کان هذا عثمانیاً، وقد کان بین الطائفتین من أهل صفِّین ما هو أبلغ من السب، السیف، فإن صح شیء، فسبیلنا الکف والاستغفار للصحابة، ولا نحب ما شجر بینهم، ونعوذ بالله منه، ونتولی أمیر المؤمنین علیاً.أ.ه_..

 وقال أبو یعلی(1): حدثنا إسماعیل بن موسی بن بنت السدی حدثنا سعید بن خثیم الهلالی عن الولید بن یسار الهمدانی عن علی بن أبی طلحة مولی بنی أمیة قال حج معاویة بن أبی سفیان وحج معه معاویة بن حدیج وکان من أسبَّ الناس لعلی, قال فمر فی المدینة وحسن بن علی ونفر من أصحابه جالس فقیل له هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی قال علی الرجل قال فأتاه رسول فقال أجبه قال من قال الحسن بن علی یدعوک فأتاه فسلم علیه فقال له الحسن أنت معاویة بن حدیج قال نعم قال فرد ذلک علیه قال فأنت السابّ لعلی قال فکأنه استحیا فقال له الحسن أما والله لئن وردت علیه الحوض وما أراک ترده لتجدنه مشمرا الإزار علی ساق یذود عنه رایات المنافقین ذود غریبة الإبل قول الصادق المصدوق {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَی} (ط_ه: من الآیة61).أ.ه_

 وروی الطبرانی(2): حدثنا علی بن إسحاق الوزیر الأصبهانی حدثنا إسماعیل بن موسی السدوسی حدثنا سعید بن خیثم الهلالی عن الولید بن یسار الهمدانی عن علی بن أبی طلحة مولی بنی أمیة قال حج معاویة بن أبی سفیان وحج معه معاویة بن حدیج وکان من أسبَّ الناس لعلیّ فمرَّ فی المدینة فی مسجد الرسول الله

ص: 178

صلی الله علیه - وآله - وسلم والحسن بن علی جالس فی نفر من أصحابه, فقیل له: هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی رضی عنه فقال علی بالرجل فأتاه الرسول فقال أجب قال من قال الحسن بن علی یدعوک فأتاه فسلم علیه فقال له الحسن بن علی رضی الله عنه أنت معاویة بن حدیج؟ قال: نعم فرد علیه ثلاثاً, فقال له الحسن: السابُّ لعلی؟ فکأنه استحیی فقال له الحسن رضی الله عنه أم والله أداء وردت علیه الحوض وما أراک ان ترده لتجدنه مشمر الإزار علی ساق یذود المنافقین ذود غریبة الإبل قول الصادق المصدوق صلی الله علیه - وآله - وسلم {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَی} (ط_ه: من الآیة61).أ.ه_..

و قال ابن عساکر(1): حج معاویة بن أبی سفیان وحج معه معاویة بن حدیج وکان من أسب الناس لعلی قال فمر فی المدینة وحسن بن علی ونفر من أصحابه جالس فقیل له هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی فقال علی بالرجل قال فأتاه الرسول.... فقال أجب قال: من؟ قال: الحسن بن علی یدعوک, فأتاه فسلَّم علیه وقال له: الحسن أنت معاویة بن حدیج قال: نعم, قال: فردَّ, وقال ابن المقرئ فردد ذلک علیه زاد ابن المقرئ ثلاثاً قال فأنت السابّ علیاً قال فکأنه استحیا فقال له الحسن أما والله لئن وردت علیه الحوض وما أراک ترده لتجدنه مشمر الإزار علی ساق یذود عنه رایات المنافقین ذود غریبة الإبل قول الصادق المصدوق {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَی} (ط_ه: من الآیة61).

وقال ابن عساکر(2): أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندی أنبأنا أبو بکر بن الخطیب أنبأنا أبو الحسن بشری بن عبد الله الرومی أنبأنا أبو بکر محمد بن جعفر

ص: 179

بن محمد بن عبد الله بن بکیر أنبأنا محمد بن یونس أنبأنا حسین بن حسن الأشقر أنبأنا سعید بن خثیم الهلالی عن الولید بن یسار الهمدانی عن علی بن أبی طلحة قال حججنا فمررنا بالمدینة ومعنا معاویة بن حدیج فمررنا بالحسن بن علی فقیل له هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی بن أبی طالب فقال علی به فقال أنت الساب لعلی فقال له ما فعلت قال والله لئن لقیته وما أحسبک أن تلقاه لتجدنه قائما علی الحوض حوض محمد (صلی الله علیه - وآله - وسلم یذود عنه رایات المنافقین بیده عصا من عوسج حدثنیه الصادق المصدوق (صلی الله علیه - وآله - وسلم» {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَی} (ط_ه: من الآیة61) "..

وقال ابن عساکر(1): أخبرنا أبو بکر محمد بن عبد الباقی أخبرنا الحسن بن علی أخبرنا أبو عمر بن حیویة أخبرنا أحمد بن معروف اخبرنا الحسین بن فهم اخبرنا محمد بن سعد أخبرنا علی بن محمد یعنی المدائنی عن قیس بن الربیع عن بدر بن الخلیل عن مولی الحسن بن علی قال قال الحسن ابن علی أتعرف معاویة بن حدیج قال قلت نعم قال فإذا رأیته فأعلمنی فرآه خارجاً من دار عمرو بن حریث فقال هو هذا قال ادعه فدعاه فقال له الحسن أنت الشاتم علیاً عند ابن أکلة الأکباد أما والله لئن وردت الحوض ولن ترده لترنه مشمّراً عن ساقه حاسراً عن ذراعیه یذود عنه المنافقین.أ.ه_..

وقال ابن حجر(2): عبد الرحمن بن معاویة غیر منسوب, ذکره الإسماعیلیة وغیره فی الصحابة وتبعهم الخطیب فی المتفق وهو تابعی کما سأبینه فی القسم الرابع وهو مصری ووالده مختلف فی صحبته وهو معاویة بن حدیج الذی کان من شیعة

ص: 180

معاویة بن أبی سفیان أ.ه_....

وقال ابن عساکر(1): (کان عثمانیا».

وهنا من المفروض ان نتوقف أمام ظاهرة یجب ان تبحث تاریخیاً فعدد غیر قلیل من الذین انحازوا الی معاویة وکانوا من فقهاء بنی أمیة ورجال الشام اختلف المؤرخون فی صحبتهم, والأمر قد یظهر أنه طبیعی لو کان قد تکرر لمرة أو اثنتین أو ثلاثة ولکنها ظاهرة فی أهل الشام خاصة فیا تری هل ان الأمر مقصود؟ أی ان أهل الشام لما رأوا ان الصحابة مع علی فی صفین ولما لم ینحاز عدد کبیر من الصحابة مع معاویة فی مدة ملکه افتعل الجهاز الحاکم الأموی هذه المسألة وبدأ بتوجیه أنصاره الکبار بادعاء الصحبة وأهل الشام معروف عنهم بأنهم «لا یفرقون بین الناقة والجمل» ونجحت الخطة!! وهذا لیس ببعید.

ص: 181

ص: 182

یلعب به بنو بنیه فقیل له ألا تنهی بنی بنیک أن یلعبوا بک قال إنی رأیت ما لم یروا وسمعت ما لم یسمعوا وکنت فی الجنة وسمعت کلام الملائکة وان ربی وعدنی أن أنا أمسکت فمی أن یدخلنی الجنة!!»(1).

ویبدو أنها من قصص القصاص التی روّج لها معاویة فی زمانه لیلهی الناس عن القرآن وسنة النبی علیه الصلاة والسلام.

وصفه الطبری مع آخرین علی أنه من العثمانیة(2).

ص: 183

ص: 184

وتخلف عن بیعة أمیر المؤمنین علیه السلام»(1).

وعند مقتل عثمان کان حسان بن ثابت مکفوف البصر لکن هذا لم یمنعه من اتخاذ موقف له دلالته وهو بهذا الحال! إذ قال أهل السیرة «قُتل عثمان وقد أصیب بصر حسان بن ثابت فقال: یا ثارات عثمان»!(2)

والمعروف ان طَلَبة ثأر عثمان کانوا من المتمردین الذین حاربوا مع عائشة والزبیر وطلحة ومعاویة.

ولما کان حسان فی صف المتمردین کان حقا علیهم أن ینحلونه بعض الفضائل! لذا انتحلوا له حدیث النبی علیه الصلاة والسلام الذی قاله فی امیر المؤمنین علیه السلام إذ روی عن ام المؤمنین عائشة انها قالت «سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول لا یحبه إلا مؤمن ولا یبغضه إلا منافق»(3) ولما لم یرو الحدیث هذا الا عائشة قال العقیلی «وقد روی فی فضل حسان غیر حدیث بألفاظ مختلفة وأما هذا اللفظ لا یحفظ إلا فی هذا الحدیث»(4)!!.

ولما بقی حسان لم یبایع طیل حکم امیر المؤمنین علیه السلام فقد کان یتخذ المدینة للتخذیل والشماتة بأصحاب علی علیه السلام, إذ روی اصحاب السیر ان قیس بن سعد بن عبادة لما عزله الامام علیه السلام عن مصر سار الی المدینة «فجاءه حسان بن ثابت شامتا به وکان عثمانیا فقال له نزعک علی بن أبی طالب وقد قتلت عثمان فبقی علیک الإثم ولم یحسن لک الشکر؟ فزجره قیس وقال له یا

ص: 185

أعمی القلب یا أعمی البصر والله لولا أن ألقی بین رهطی ورهطک حربا لضربت عنقک ثم أخرجه من عنده».(1)

وقد قال ابو الفرج فی الاغانی انه کان عثمانیا(2)

مات حسان بن ثابت عام 54 للهجرة عن عمر ناهز المائة والعشرین عاما وذلک فی ملک معاویة العضوض.

ص: 186

ص: 187

الغموض الذی یلف هذا الرجل الآتی من المجهول!!

قال الذهبی(1): قال (أبو هریرة): کنانی أبی بأبی هریرة لأنی کنت أرعی غنماً فوجدت أولاد هرة وحشیَّة فلما أبصرهن وسمع أصواتهن أخبرته فقال: أنت أبو هر وکان اسمی عبد شمس. قدم أبو هریرة مهاجرا لیالی فتح خیبر، حفظ عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم الکثیر وعن أبی بکر وعمر وأبی بن کعب وکعب وعنه الأغر أبو مسلم وسعید بن المسیب وبشیر بن نهیک وحفص بن عاصم وحمید بن عبد الرحمن الزهری وحمید بن عبد الرحمن الحمیری وأبو صالح السمان وخلاس بن عمرو وسالم أبو الغیث وسعید المقبری وأبوه أبو سعید وسعید.. وخلق کثیر أ.ه_.

روی لأبی هریرة فی مسند بقی بن مخلد 5374(2) حدیثاً... ولم یبق مع النبی سوی عام وتسعة أشهر!! أی انه کان یروی عن کل یوم قضاه مع النبی صلی الله علیه وآله عشرة أحادیث! بینما رووا عن أمیر المؤمنین علیه السلام ثمانیة وخمسین حدیثاً کما قال السیوطی, قال ابن حزم لم یصح منها إلا خمسون حدیثاً(3) أی أن أمیر المؤمنین کان یروی عن النبی صلی الله علیه وآله عن کل عام قضاه مع النبی أقل من حدیثین!! وقد عاشره ثلاثة وثلاثین عاما!

کان من ولاة بنی أمیة ولی إمرة المدینة لهم مرَّات(4), وناب عن مروان الظالم للمدینة مرَّات(5), وهو أول من ولاّه بسر بن أرطاة علی المدینة(6) فی

ص: 188

غزوته الشنیعة والتی قتل فیها طفلی عبید الله بن عباس.. وکأنه نسی الروایة التی رواها عنه أبو سعید المقبری(1) «عن الفلاّس، حدثنا عبد الرحمن وأبو عامر، قالا: حدثنا ثابت بن قیس، حدثنی أبو سعید المقبری، قال: غدوت من منزلی فإذا رجل ینادی: یا کیسان! فالتفت، فإذا هو أبو هریرة، فقال لی: بأی الرایتین غدوت؟ قلت: أی رایة تکون لی؟ مکاتب أعرج مسکین! فقال: إنه لیس من عبد إلا ینصب ببابه کل یوم رایتان: رایة غی، ورایة رشد، فیغدو بإحداهما»! فبماذا غدا أبو هریرة برایة بنی أمیة أم برایة علی علیه السلام؟!

کان ابو هریرة لا یحب مجیء مروان للمدینة لأنه کان یأتی کل مرة بعزله! فقد أوصی الحاجب بالا یدخله إذا أتی روی الذهبی(2): أخبرنا إبراهیم بن یوسف حدثنا ابن رواحة حدثنا السلفی حدثنا ابن البسری حدثنا السکری حدثنا الصفار حدثنا الرمادی حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن محمد بن زیاد قال کان معاویة یبعث أبا هریرة علی المدینة، فإذا غضب علیه بعث مروان وعزله فلم یلبث أن بعث أبا هریرة ونزع مروان، فقال لغلام اسود قف علی الباب فلا تمنع إلا مروان، ففعل الغلام ثم جاء مروان نوبة فدخل وقال حجبنا، قال: أن أحق من لا أنکر هذا لأنت!! أ.ه_.

ولکونه من ولاتهم ویعیش علی فتاتهم فتراه یحابی علی دین الله وهذه مسألة طبیعیة عند الذین لم یکتمل ایمانهم وأساؤوا الظن بالله تعالی فالذی یکون هذا سلوکه فهو یعتقد بان رب عمله هو الرازق ولیس الله سبحانه وتعالی!

ص: 189

روی الذهبی(1): عن یحیی بن سلیم، عن ابن خثیم، عن إسماعیل بن عبید بن رفاعة، عن أبیه: أن عبادة بن الصامت مرت علیه قطارة، وهو بالشام، تحمل الخمر، فقال: ما هذه؟ أزیت؟ قیل: لا، بل خمر یباع لفلان. فأخذ شفرة من السوق، فقال إلیها، فلم یذر فیها راویة إلا بقرها - وأبو هریرة إذ ذاک بالشام - فأرسل فلان إلی أبی هریرة، فقال: ألا تمسک عنا أخاک عبادة، أما بالغدوات، فیغدو إلی السوق یفسد علی أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشی، فیقعد فی المسجد لیس له عمل إلا شتم أعراضنا وعیبنا! قال: فأتاه أبو هریرة، فقال: یا عبادة، مالک ولمعاویة؟ ذره وما حمل. فقال: لم تکن معنا إذ بایعنا علی السمع والطاعة، والامر بالمعروف والنهی عن المنکر، وألا یأخذنا فی الله لومة لاثم. فسکت أبو هریرة، وکتب فلان إلی عثمان: إن عبادة قد أفسد علی الشام. أ.ه_

و(فلان) فی الروایة هو معاویة والعدید من المحدثین یذکرونه هکذا خجلا من الروایة علیه بما یشینه!!

وقد وردت روایات نقلها المحدثون تثبت شرب معاویة للخمر منها ما رواه احمد بن حنبل(2) فی مسنده فقال: حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا زید بن الحباب حدثنی حسین حدثنا عبد الله بن بریدة قال دخلت أنا وأبی علی معاویة فأجلسنا علی الفرش ثم أتینا بالطعام فأکلنا ثم أتینا بالشراب فشرب معاویة ثم ناول أبی ثم قال ما شربته منذ حرمه رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أ.ه_.

وکان معاویة یستغل وجود النصاری فی الشام لیتاجر بالخمر ویشربه بحجة

ص: 190

أنهم أهل ذمة!!

وکأن ابو هریرة بمحاباته صاحب عطایاه لم یسمع حدیث النبی صلی الله علیه وآله(1) «خذوا العطاء ما دام العطاء فإذا صار رشوة علی الدین فلا تأخذوه ولستم بتارکیه, یمنعکم الفقر والحاجة, ألا إن رحا الاسلام دائرة فدوروا مع الکتاب حیث دار ألا إن الکتاب والسلطان سیفترقان فلا تفارقوا الکتاب ألا إنه سیکون علیکم أمراء یقضون لأنفسهم مالا یقضون لکم فإذا عصیتموهم قتلوکم وإن أطعتموهم أضلوکم قالوا یا رسول الله کیف نصنع قال کما صنع أصحاب عیسی ابن مریم نشروا بالمناشیر وحملوا علی الخشب موت فی طاعة الله خیر من حیاة فی معصیة الله» فهل کان ابو هریرة مع الکتاب أم مع الأمراء؟!

ومن الروایات التی تثبت مداهنة أبی هریرة علی حساب الدین ما رواه ابن سلامة(2) «حدثنا محمد بن الحسین الصوفی قدم علینا من فلسطین حدثنا أبو بکر محمد بن أحمد الحیدری المصری العسقلانی حدثنا أبو محمد عبد الله بن أبان بن شداد حدثنا أبو الدرداء هاشم بن محمد الأنصاری حدثنا عمرو بن بکر السکسکی عن موسی بن عبیدة الربذی عن القرظی قال اجتمع أبو هریرة وأبو سعید الخدری ومعاویة, فقال معاویة أیکم شاء فلیبدأ فلیتحدث بحدیث سمعه من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم سمعته أذناه ووعاه قلبه, قالا: ابدأ فحدثنا أنت بما تحفظ, قال: أفعل سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول تکفَّلوا لی بست أتکفَّل لکم بالجنة إذا حدثتم فلا تکذبوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا وغضوا أبصارکم واحفظوا فروجکم وکفوا أیدیکم, فقال

ص: 191

أبو سعید: حدِّث یا أبا هریرة, قال سمعت أبا القاسم صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول ثلاثة یحشرون یوم القیامة مغلولة أیدیهم إلی أعناقهم الأمیر والقاضی والعریف لا یفکُّهم من الغَلّ إلا العدل وجائرهم فی النار أشدها حرا وأبعدها قعرا قال أبو سعید الخدری سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول ما ضجت الأرض ضجیجها من غسل جنابة من حرام أو سفک دم حرام ومن أصاب مالا من نهابر أهلکه الله فی نهاوش ومن غدا أو راح إلی أبناء الدنیا لطمع دنیا یصیبها فهو ممن اتخذ آیات الله هزوا ومن حضر سلطانا یتکلم بما یهوی خلافا للحق کان قرینه فی نار جهنم ومن سعی بأخیه عند سلطان حرم الله علیه رحمته یوم القیامة فرمی معاویة بنفسه عن السریر ثم دخل وتفرق عنه الناس فأتی أم حبیبة زوج النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وهی أخت معاویة فشکا إلیها أن أبا سعید الخدری وأبا هریرة عمدا إلی أشد ما یحضرهما من الحدیث فصدمانی به فقالت أم حبیبة وأنا والله قد سمعت معهما من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وزیادة أسقطه أبو هریرة قال لها وما هو قالت من أحسن فلنفسه ومن أساء فلنفسه»!!

فهو هنا یبتر الحدیث الذی روته أم حبیبة کاملا! وکأنه نسی ما رواه عن عقوبة کتم العلم, روی أبو خیثمة النسائی «حدثنا أبو خیثمه حدثنا جریر عن لیث عن عطاء قال قال أبو هریرة من کتم علما ینتفع به ألجم بلجام من نار»(1) وماذا یفعل بحدیثه الثانی؟!قال الذهبی(2) «ابن أبی ذئب عن المقبری عن أبی هریرة قال: حفظت من رسول الله صلی الله علیه وآله وعائین فأما أحدهما فبثثته فی

ص: 192

الناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم» فهل سیُلجم بلجام من نار یا تری؟!

لهذا فهو کان یروی لمعاویة حدیثا یجعله سلاحاً علی من لم یبایع معاویة, قال ابن أبی عاصم(1) «حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا یحیی بن آدم، حدثنا أبو بکر بن عیاش، عن عاصم، عن أبی صالح حدیثین أحدهما عن أبی هریرة والآخر عن معاویة أن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قال: من مات ولیس علیه إمام مات میتة جاهلیة»!! والمیتة الجاهلیة طبعا لمن لم یبایع إمام الزمان معاویة!

وکیف یکون من ولاة ملوک بنی امیة وهو یروی عن النبی صلی الله علیه وآله «لیأتین علیکم أمراء یقرِّبون شرار الناس ویؤخِّرون الصلاة عن مواقیتها فمن أدرک ذلک منکم فلا یکونن عریفاً ولا شرطیاً ولا جابیاً ولا خازناً»(2).

وهو لم یکن عریفا أو شرطیا أو جابیا أو خازنا بل کان جمیعهم!! فهو الوالی الذی یأتمر به کل هؤلاء, وطبعاً کل شیء بثمنه ومن ثمن تولیة أبی هریرة علی المدینة وتمتعه بمزایا الأمراء من الأموال والرفاهیة وقصر فی العقیق(3) أن روی أبو هریرة أحادیث فی مناقب معاویة وخصوم أمیر المؤمنین!!

منها ما رواه الذهبی(4)عن «أبو هریرة مرفوعا: الأمناء ثلاثة، أنا، وجبریل، ومعاویة... أبو هریرة: أن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم ناول معاویة

ص: 193

سهما، وقال: خذه حتی توافینی به فی الجنة».

وروی الذهبی(1) «قال أبو هریرة: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: نعم الرجل أبو بکر. نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسید بن حضیر».

وروی احمد بن حنبل(2) «حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا عفان حدثنا وهیب حدثنا موسی بن عقبة قال حدثنی جدی أبو أمی أبو حبیبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فیها وانه سمع أبا هریرة یستأذن عثمان فی الکلام فأذن له فقام فحمد الله وأثنی علیه ثم قال إنی سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول انکم تلقون بعدی فتنة واختلافا أو قال اختلافا وفتنة فقال له قائل من الناس فمن لنا یا رسول الله قال علیکم بالأمین وأصحابه وهو یشیر إلی عثمان»!!ولکن هذا بحسابه! فالرجل یتکلم او یسکت علی قدر ما یکسب من معاویة من اعطیات وهدایا!

قال العجلی(3) «حدثنا العلاء بن عبد الجبار حدثنا حماد بن سلمة عن یحیی بن سعید عن سعید بن المسیب قال کان أبو هریرة إذا أعطاه معاویة سکت وإذا أمسک عنه تکلم»!!

وبالمقابل کان یروی الأکاذیب عن أمیر المؤمنین علیه السلام, قال ابن أبی الحدید(4) «قال أبو جعفر: وروی الأعمش، قال: لما قدم أبو هریرة العراق مع معاویة عام الجماعة، جاء إلی مسجد الکوفة، فلما رأی کثرة من استقبله من الناس

ص: 194

جثا علی رکبتیه، ثم ضرب صلعته مرارا، وقال: یا أهل العراق، أتزعمون أنی أکذب علی الله وعلی رسوله، وأُحرق نفسی بالنار! والله لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله یقول: (إن لکل نبی حرما، وإن حرمی بالمدینة، ما بین عیر إلی ثور، فمن أحدث فیها حدثا فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین)، وأشهد بالله أن علیاً أحدث فیها: فلما بلغ معاویة قوله أجازه وأکرمه وولّاه إمارة المدینة»!

ولم یقتصر فی التقرب علی معاویة بالروایات فقط بل بأشیاء أخری!

قال محمود أبو ریة(1) «نظر أبو هریرة إلی عائشة بنت طلحة - وکانت مشهورة بالجمال الفائق - فقال: سبحان الله! ما أحسن ما غذاک أهلک! (والله) ما رأیت وجها أحسن منک إلا وجه معاویة علی منبر رسول الله. أبو هریرة وهند: قال الشافعی فیما رواه الطبری، قال أبو هریرة: رأیت هندا بمکة کأن وجهها فلقة قمر! وخلقها من عجیزتها مثل الرجل الجالس ومعها صبی یلعب! فمر رجل فنظر إلیه فقال: إنی لأری غلاما إن عاش لیسودن قومه! فقالت هند: إن لم یسد إلا قومه فأماته الله»..

فانظر الی أبی هریرة فهو عندما یری وجها جمیلا فأول ما ینسبق لذهنه (هو الغذاء) ودسامته!!وکأنه یرید ان یعوض عن ایام فقره التی روی معاناته فیها وکونه کان یتبع النبی علی شبع بطنه(2)!

مع ان التلذذ والتمتع بالمأکولات وجعله هما للإنسان مبغوض فی الشریعة فالإنسان یأکل لیعیش ولا یعیش لیأکل قال الآلوسی فی تفسیره للآیة(3) {ذَرْهُمْ

ص: 195

یَأکُلُوا وَیَتَمَتَّعُوا وَیُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ} (الحجر: 3).

فیه إشارة إلی ذم من کان همه بطنه وتنفیذ شهواته، قال أبو عثمان: أسوأ الناس حالا من کان همه ذلک فإنه محروم عن الوصل إلی حرم القرب».

وقد وصل من حب ابی هریرة للطعام ان کان یسمی (شیخ المضیرة)(1) وهی طعام لذیذ اخترعه مطبخ الملک معاویة!!

ولما اشتهر عنه موقفه من أمیر المؤمنین علیه السلام ولما کانت الکوفة موطن الشیعة تجرد احد شبابها المؤمنین لکی یذل أبا هریرة أمام الناس ویفضح ازدواجیته(2) «روی سفیان الثوری، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عمر بن عبد الغفار، أن أبا هریرة لما قدم الکوفة مع معاویة، کان یجلس بالعشیات بباب کندة، ویجلس الناس إلیه، فجاء شاب من الکوفة، فجلس إلیه، فقال: یا أبا هریرة، أنشدک الله، أسمعت رسول الله صلی الله علیه وآله یقول لعلی بن أبی طالب: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)! فقال: اللهم نعم، قال: فأشهد بالله، لقد والیت عدوه، وعادیت ولیه! ثم قام عنه» وقد استعمل معاویة ابا هریرة من بدایة العصیان الذی أعلنه ضد الخلافة الشرعیة, وقد انصاع ابو هریرة لهذا بعلم وبغیره, قال ابن ابی الحدید(3) «ذکر صاحب الغارات أن النعمان بن بشیر، قدم هو وأبو هریرة علی علی علیه السلام من عند معاویة، بعد أبی مسلم الخولانی، یسألانه أن یدفع قتلة عثمان إلی معاویة لیقیدهم بعثمان، لعل الحرب أن تطفأ، ویصطلح الناس، وإنما أراد معاویة أن یرجع مثل النعمان وأبی هریرة من عند علی علیه

ص: 196

السلام إلی الناس، وهم لمعاویة عاذرون، ولعلی لائمون وقد علم معاویة أن علیا لا یدفع قتلة عثمان إلیه فأراد أن یکون هذان یشهدان له عند أهل الشام بذلک، وأن یظهر عذره، فقال لهما، ائتیا علیا فأنشداه الله وسلاه بالله لما دفع إلینا قتلة عثمان، فإنه قد آواهم ومنعهم، ثم لا حرب بیننا وبینه، فإن لابن أبی فکونوا شهداء الله علیه. وأقبلا علی الناس فأعلماهم ذلک، فأتیا إلی علی علیه السلام، فدخلا علیه، فقال له أبو هریرة: یا أبا حسن، أن الله قد جعل لک فی الإسلام فضلا وشرفا، أنت ابن عم محمد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وقد بعثنا إلیک ابن عمک معاویة، یسألک أمرا تسکن به هذه الحرب، ویصلح الله تعالی ذات البین، أن تدفع إلیه قتلة عثمان ابن عمه، فیقتلهم به، ویجمع الله تعالی أمرک وأمره، ویصلح بینکم، وتسلم هذه الأمة من الفتنة والفرقة. ثم تکلم النعمان بنحو من ذلک»...

والذی یقرأ حیاة أبی هریرة القریبة دوما من مصدر القرار (الدنیوی) تراه یغلب مصلحته فی کل واقعة علی خلاف الدین ومصلحة المسلمین!!قال ابن حجر(1) حول حدیث شرب قدامة بن مضعون للخمر فی خلافة عمر «وقد أخرجه عبد الرزاق بطوله قال أنبأنا معمر عن بن شهاب أخبرنی عبد الله بن عامر بن ربیعة أن عمر استعمل قدامة بن مظعون علی البحرین وهو خال حفصة وعبد الله ابنی عمر فقدم الجارود سید عبد القیس علی عمر من البحرین فقال یا أمیر المؤمنین إن قدامة شرب فسکر وانی رأیت حداً من حدود الله حقاً علی أن ارفعه إلیک, قال: من یشهد معک, قال: أبو هریرة, فدعا أبا هریرة فقال بم تشهد قال لم أره شرب ولکنی رأیته سکران یقئ فقال لقد تنطعت فی الشهادة ثم کتب إلی

ص: 197

قدامة أن یقدم علیه من البحرین فقدم فقال الجارود أقم علی هذا کتاب الله فقال عمر اخصم أنت أم شهید فقال شهید فقال قد أدیت شهادتک قال فصمت الجارود ثم غدا علی عمر فقال أقم علی هذا حد الله فقال عمر ما أراک الا خصما وما شهد معک إلا رجل واحد فقال الجارود أنشدک الله فقال عمر لتمسکن لسانک أو لأسوءنک فقال یا عمر ما ذلک بالحق أن یشرب بن عمک الخمر وتسوءنی فقال أبو هریرة یا أمیر المؤمنین إن کنت تشک فی شهادتنا فأرسل إلی ابنة الولید فاسألها وهی امرأة قدامة فأرسل عمر إلی هند بنت الولید ینشدها فأقامت الشهادة علی زوجها».

قلت: انظر عادة البشر فی الضعف والتراخی تجاه اقاربهم فعمر معروف بالشدة والغلضة فی حق وباطل بینما هو یتراخی ویتباطأ تجاه اقاربه! وطبعا لا یشهد أبو هریرة علی الوالی الذی یعیش فی کنفه, ولما کان أبو هریرة یعیش حیاة الفاقة والحرمان قبل أن یولیه عمر علی صدقات البحرین فقد دارت حوله الشبهات جراء الأموال التی اجتمعت عنده مما حدا بعمر الی مشاطرته هذه الأموال!! مما یجعل علامة الاستفهام علی الطرفین فإن کان أبو هریرة سارقا فقد وجب علی عمر إقامة الحد وإرجاع مال المسلمین وان کان بریئا (ولا نراه) فقد اخذ عمر ما لیس له بحق! روی ابن عساکر(1) «حدثنا سلمة بن شبیب حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أیوب عن ابن سیرین أن عمر بن الخطاب استعمل أبا هریرة علی البحرین فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر استأثرت بهذه الأموال یا عدو الله وعدو کتابه فقال أبو هریرة لست بعدو الله وعدو کتابه ولکنی عدو من عاداهما قال فمن أین هی لک قال خیل نتجت وغلة رقیق لی وأعطیه تتابعت علی

ص: 198

فنظروا فوجدوه کما قال فلما کان بعد ذلک دعاه عمر لیستعمله فأبی أن یعمل له فقال له تکره العمل وقد طلب العمل من کان خیرا منک طلبه یوسف فقال: إن یوسف نبی ابن نبی ابن نبی ابن نبی, وأنا أبو هریرة ابن أمیمة وأخشی ثلاثاً واثنتین قال عمر فهلا قلت خمساً! قال: أخشی أن أقول بغیر علم وأقضی بغیر حکم أو یُضرب ظهری ویُنتزع مالی ویُشتم عرضی» ولا أعلم کیف نظروا فکان کما قال؟!

ومن أکثر العلاقات شبهة وریبة فی عصر الإسلام الأول هو العلاقة بین الیهود الذین اسلموا وبین جهلة المسلمین وخصوصا من کان آتیاً من المجهول کابی هریرة, وأخصُّ بالذکر العلاقة بین کعب الأحبار وأبی هریرة, فهی علاقة عمیقة امتدت إلی أحادیث تتعلق بالغیبیات والعقائد وشابها لغط تسرب إلی کتب المسلمین منه آراء التشبیه والتجسیم مما یعطی فکرة عن مدی التغلغل الیهودی بین المسلمین ممن لم ینهل من النبی وأهل بیته..

فکعب الأحبار وجد فی أبو هریرة ضالته المنشودة وحصان طروادة فکان یحدثه من التوراة ویموه علیه بالقرآن فکان أبو هریرة ینقل ذلک ویقول «حدثنی خلیلی» حتی اعترض علیه جمع من الصحابة کما قال إسحاق بن راهویه(1) «ومن فرط حبه لرسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم واندفاعه الداخلی أنه کان یطول ذکره صلی الله علیه - وآله - وسلم بأسالیب متعددة یعبر عن ذلک بقوله: حدثنا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم الصادق المصدوق.... وقال: قال صفیی وخلیلی أبو القاسم صاحب الحجرة... أوصانی حبیبی بثلاث... أوصانی خلیلی بثلاث... حدثنی خلیلی رسول الله صلی الله علیه - وآله -

ص: 199

وسلم... فأنکر المنکرون علیه هذا»!!

ومن الروایات العجیبة الغریبة والمریبة مارواه الذهبی(1) «عن أبو داود الطیالسی حدثنا عمران القطان عن بکر بن عبد الله عن أبی رافع عن أبی هریرة انه لقی کعبا فجعل یحدثه ویسأله، فقال کعب: ما رأیت أحدا لم یقرأ التوراة اعلم بما فیها من أبی هریرة»!!

فهل کان ابو هریرة فعلا اعلم بالتوراة من قبل أن یقراها أم أن کعبا کان له هدف من وراء هذا المدیح؟!

قال أبو یعلی(2) «حدثنا عبد الأعلی بن حماد النرسی حدثنا وهیب حدثنا خالد عن محمد بن سیرین عن أبی هریرة قال قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فقدت أمة من بنی إسرائیل لم یدر ما فعلت ولا أراها إلا الفأر ألم تر أنها إذا قرب إلیها ألبان الإبل لم تشرب وإذا قرب إلیها ألبان الشاة شربته قال أبو هریرة فحدثت بهذا الحدیث کعبا فقال أنت سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال له مرارا فقال أبو هریرة: فنزلت علی التوراة؟!»... وأنت تری سلوک کعب!

وقد اخذ أبو هریرة من الیهود ما کانوا یرددونه عن بشاعات وطامات فی توراتهم من نسبة الکذب والکبائر إلی الأنبیاء منها ما رواه بشان کذب النبی إبراهیم (وحاشاه) روی ابن سعد «قال أخبرنا محمد بن حمید أبو سفیان العبدی عن معمر عن أیوب عن بن سیرین عن أبی هریرة قال مر إبراهیم وسارة بجبار من الجبابرة فأخبر الجبار بهما فأرسل إلی إبراهیم فقال من هذه معک قال أختی قال أبو

ص: 200

هریرة ولم یکذب إبراهیم قط إلا ثلاث مرات اثنتین فی الله وواحدة فی امرأته قوله إنی سقیم وقوله بل فعله کبیرهم هذا وقوله للجبار فی امرأته هی أختی» (1). وهی من إیحاءات الیهود ولا أراه إلا کعب کما سیأتی الدلیل فی الروایة التالیة:

وروی عبد الرزاق الصنعانی(2):

«قال: وحدثنی عن الأعرج عن إبراهیم بن عبد الرحمن قال: انطلق أبو هریرة إلی الشام، فالتقی هو وکعب، فیحدث أبو هریرة عن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، وحدث کعب عن التوراة حتی مر بالساعة التی فی یوم الجمعة، فقال أبو هریرة: قال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: فی یوم الجمعة ساعة لا یسأل الله العبد المسلم فیها شیئا إلا أعطاه إیاه، فقال کعب: ولکن فی یوم جمعة واحدة من السنة، فقال أبو هریرة: لا، فقال کعب: هاه، صدق الله ورسوله فی کل جمعة، ثم إن أبا هریرة قدم المدینة، فالتقی هو وعبد الله بن سلام، فذکر له أبو هریرة ما قال کعب فی یوم الجمعة، فقال عبد الله: کذب، فقال أبو هریرة: إنه قد رجع» فانظر إلی السلوک المریب لکعب فهو أراد فی البدایة أن یوحی إلی أبی هریرة بقصة من التوراة ولما رأی أبو هریرة لم یلتقط الفکرة ماشاه وقال له «هاه، صدق الله ورسوله فی کل جمعة)!! لذا قال عبد الله بن سلام (وهو یهودی اسلم أیضا): کذب کعب!!

ولما أکثر أبو هریرة عن النبی وبحضرته المئات من الصحابة وبعضهم عاش معه من صغره کأمیر المؤمنین علیه السلام الذی روی له المحدثون ثمانیة وخمسون حدیثا بینما رووا لأبی هریرة خمسة آلاف وثلاثمأة وأربعة وسبعین حدیثا!لذا قال

ص: 201

نقل ابن قتیبة(1) عن بعضهم «أکذبه عمر وعثمان وعلی وعائشة رضوان الله علیهم»!

ولما کان ابو هریرة یروی حدیث النهی عن المشی بخف واحد, نری ان عائشة:

«کانت تمشی فی خف واحد وتقول: لأخالفنَّ أبا هریرة»(2)!

 وقال ابن ابی الحدید(3) «وروی سفیان الثوری عن منصور، عن إبراهیم التیمی، قال: کانوا لا یأخذون عن أبی هریرة إلا ما کان من ذکر جنة أو نار. وروی أبو أسامة عن الأعمش، قال: کان إبراهیم صحیح الحدیث، فکنت إذا سمعت الحدیث أتیته فعرضته علیه، فأتیته یوما بأحادیث من حدیث أبی صالح عن أبی هریرة، فقال: دعنی من أبی هریرة إنهم کانوا یترکون کثیرا من حدیثه. وقد روی عن علی علیه السلام أنه قال: ألا إن أکذب الناس - أو قال: أکذب الأحیاء - علی رسول الله صلی الله علیه وآله أبو هریرة الدوسی. وروی أبو یوسف، قال: قلت لأبی حنیفة: الخبر یجئ عن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یخالف قیاسنا ما تصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وترکنا الرأی، فقلت: ما تقول فی روایة أبی بکر وعمر؟ فقال: ناهیک بهما! فقلت: علی وعثمان، قال: کذلک، فلما رآنی أعد الصحابة قال: والصحابة کلهم عدول ما عدا رجالا، ثم عد منهم أبا هریرة وأنس بن مالک».

ص: 202

و قال ابن عبد البر(1) «عن طاووس قال کنت جالسا جالساً عند ابن عمر فأتاه رجل فقال أن أبا هریرة یقول أن الوتر لیس بحتم فخذوا منه ودعوا فقال ابن عمر کذب أبو هریرة»...

وقال العقیلی(2) «حدثنا أحمد بن علی الأبار قال حدثنا مؤمل بن إهاب قال سمعت مؤمل بن إسماعیل یقول سمعت عثمان البری یقول: کذب أبو هریرة»..

ابن قتیبة(3) «وروی (أبو هریرة) أن الکلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة فقالت عائشة  ربما رأیت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یصلی وسط السریر وأنا علی السریر معترضة بینه وبین القبلة قال وبلغ علیا أن أبا هریرة یبتدئ بمیامنه فی الوضوء وفی اللباس فدعا بماء فتوضأ فبدأ بمیاسره وقال لأخالفن أبا هریرة وکان من قوله حدثنی خلیلی وقال خلیلی ورأیت خلیلی فقال له علی متی کان النبی خلیلک یا أبا هریرة قال وقد روی من أصبح جنبا فلا صیام له فأرسل مروان فی ذلک إلی عائشة وحفصة یسألهما فقالتا کان النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم یصبح جنبا من غیر احتلام ثم یصوم فقال للرسول اذهب إلی أبی هریرة حتی تعلمه فقال أبو هریرة إنما حدثنی بذلک الفضل بن العباس فاستشهد میتا وأوهم الناس أنه سمع الحدیث من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ولم یسمعه»... والی هنا نحیل علی الموسعات فی معرفة الطامات التی ملأ بها أبو هریرة کتب الحدیث من أهل الکتاب ومن أستاذه کعب الأحبار..

ص: 203

ص: 204

کان سمرة من شرطة زیاد بن أبیه الظالم فی الکوفة(1) «روی أحمد بن بشیر عن مسعر بن کدام، قال: کان سمرة بن جندب أیام مسیر الحسین علیه السلام إلی الکوفة علی شرطة عبید الله بن زیاد، وکان یحرض الناس علی الخروج إلی الحسین علیه السلام وقتاله»(2).

وهو أحد ولاة بنی امیة الغاشمین بعد زیاد, روی ابن عساکر(3) «مات زیاد سنة ثلاث وخمسین فاستخلف علی البصرة سمرة بن جندب فأقره معاویة سنة ونصف ثم عزله وولی عبد الله بن عمرو بن غیلان بن سلمة الثقفی».

 وقد کان زیاد یولیه ستة أشهر عند غیابه, قال ابن حبان(4) «کان زیاد یستعمله ستة أشهر علی البصرة وعلی الکوفة ستة أشهر فحدیثه عند أهل المصرین», وکأنه لم یقرأ قوله تعالی: {وَلا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (هود: 113»(5)..

کان سَمُرَة یقتل الأبریاء لسرقة أموالهم بالاتفاق مع زیاد! روی ابن ابی الحدید(6) «روی عبد الملک بن حکیم عن الحسن، قال: جاء رجل من أهل خراسان إلی البصرة، فترک مالاً کان معه فی بیت المال، وأخذ براءة، ثم دخل المسجد فصلی رکعتین، فأخذه سمرة بن جندب، واتهمه برأی الخوارج، فقدمه

ص: 205

فضرب عنقه، وهو یومئذ علی شرطة زیاد، فنظروا فیما معه فإذا البراءة بخط بیت المال، فقال أبو بکرة: یا سمرة، أما سمعت الله تعالی یقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکَّی وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی} (الأعلی: 14/15)! فقال: أخوک أمرنی بذلک»!!

وقدکان واغلاً بالدماء سفاکاً غشوماً لا یخشی الله فی الأبریاء روی ابن أبی الحدید(1) «روی الأعمش، عن أبی صالح، قال: قیل لنا: قد قدم رجل من أصحاب رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، فأتیناه فإذا هو سمرة بن جندب، وإذا عند إحدی رجلیه جمر، وعند الأخری ثلج، فقلنا: ما هذا؟ قالوا: به النقرس، وإذا قوم قد أتوه، فقالوا یا سمرة، ما تقول لربک غدا؟ تؤتی بالرجل فیقال لک: هو من الخوارج فتأمر بقتله، ثم تؤتی بأخر فیقال لک: لیس الذی قتلته بخارجی، ذاک فتی وجدناه ماضیا فی حاجته، فشبه علینا، وإنما الخارجی هذا، فتأمر بقتل الثانی! فقال سمرة: وأی بأس فی ذلک! إن کان من أهل الجنة مضی إلی الجنة، وإن کان من أهل النار مضی إلی النار!»...

قال الذهبی(2) «وقتل سمرة بشرا کثیرا. سلیمان بن حرب: حدثنا عامر بن أبی عامر، قال: کنا فی مجلس یونس بن عبید، فقالوا: ما فی الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه، یعنون دار الإمارة، قتل بها سبعون ألفا، فسألت یونس، فقال: نعم من بین قتیل وقطیع، قیل: من فعل ذلک؟ قال: زیاد، وابنه، وسمرة» ولما کان هذا السفاک (صحابیا!) قال عنه أبو بکر البیهقی «نرجو له بصحبته»(3).

ص: 206

والملفت للانتباه فی سیرة سمرة انه یروی العدید من الأحلام التی یدعی ان الصحابة رأوها! وطبعا هی وسیلة لنشر (فضائل البعض), ولا یمکن الطعن بها لأن الشاهد الوحید هو الراوی ولکون الراوی صحابی هنا فقد ثبتت هذه الفضائل!! منها حدیث الدلو الذی رواه جمع من الحفاظ منهم ابن عساکر(1) قال «أخبرنا أبو القاسم بن الحصین حدثنا أبو علی بن المذهب حدثنا أبو بکر بن مالک حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنی أبی حدثنا عبد الصمد وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة حدثنا الأشعث بن عبد الرحمن الجرمی عن أبیه عن سمرة بن جندب أن رجلا قال قال رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) رأیت کأن دلوا دلیت من السماء فجاء أبو بکر فأخذ بعراقیها فشرب شربا ضعیفا قال عفان وفیه ضعف ثم جاء عمر فأخذ بعراقیها فشرب حتی تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقیها فشرب فانتشطت منه فانتضح علیه منها شیء» زاد المقریزی «فتناولها علی فانتشطت وانتضح علیه منها شیء»(2)!...

وقد اشتهر عند المسلمین حدیث النبی صلی الله علیه وآله لبعض الصحابة فیهم ابو هریرة وسمرة بن جندب «آخرکم موتا فی النار»(3) لذلک کان هؤلاء

ص: 207

الصحابة یتحرون عن بعضهم من یموت أولا, روی ابن ابی الحدید(1) (2) «روی شریک قال: أخبرنا عبد الله بن سعد عن حجر بن عدی، قال: قدمت المدینة فجلست إلی أبی هریرة، فقال: ممن أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال: ما فعل سمرة ابن جندب؟ قلت: هو حی، قال: ما أحد أحب إلی طول حیاة منه. قلت: ولم ذاک؟ قال: إن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قال لی وله ولحذیفة بن الیمان: (آخرکم موتا فی النار)، فسبقنا حذیفة، وأنا الآن أتمنی أن أسبقه، قال: فبقی سمرة بن جندب حتی شهد مقتل الحسین»..

وروی الذهبی(3) «عن حکیم، قال: کنت أمر بالمدینة، فألقی أبا هریرة، فلا یبدأ بشئ حتی یسألنی عن سمرة، فإذا أخبرته بحیاته، فرح، فقال: إنا کنا عشرة فی بیت، فنظر رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی وجوهنا، ثم قال: (آخرکم موتا فی النار) فقد مات منا ثمانیة، فلیس شیء أحب إلی من الموت. وروی نحوه حماد بن سلمة، عن علی بن جدعان، عن أوس بن خالد، قال: کنت إذا قدمت علی أبی محذورة، سألنی عن سمرة، وإذا قدمت علی سمرة، سألنی

ص: 208

عن أبی محذورة، فقلت لأبی محذورة فی ذلک، فقال: إنی کنت أنا وهو وأبو هریرة فی بیت، فجاء النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، فقال: (آخرکم موتا فی النار) فمات أبو هریرة، ثم مات أبو محذورة. عمر: عن ابن طاووس وغیره، قال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم لأبی هریرة، وسمرة بن جندب، وآخر: «آخرکم موتا فی النار» فمات الرجل قبلهما، فکان إذا أراد الرجل أن یغیظ أبا هریرة، یقول: مات سمرة، فیغشی علیه، ویصعق. فمات قبل سمرة».

ولما اجمع المؤرخون علی ان سمرة کان آخرهم موتا افتعل له بعض (النواصب) روایة عسی أن تنفعه فی توجیه الحدیث!!فقالوا «أن سمرة استجمر، فغفل عن نفسه، حتی احترق. فهذا إن صح، فهو مراد النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، یعنی نار الدنیا.وقیل أنه سقط فی قدر مملوءة ماء حارا، کان یتعالج به من الباردة، فمات فیها» (1) وهکذا سقط سمرة فی النار!!

ص: 209

ص: 210

العصر مع رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ثم آتی ذا الحلیفة أمشی فآتیها ولم تغب الشمس..

 قال الصفدی(1) وابن عبد البر(2) وابن حجر(3) «کان عثمانیا» وقال الذهبی(4) «کان من شیعة عثمان»..

ص: 211

ص: 212

للناس فنازع قثم بن عباس، فسفر بینهما أبو سعید الخدری وغیره، فاصطلحوا علی أن یقیم الحج شیبة بن عثمان ویصلی بالناس...

قال ابن الأثیر(1) «سنة سبع وثلاثین للهجرة....فی هذه السنة سار معاویة بنفسه حتی شارف دجلة ثم نکص راجعاً.... وفی هذه السنة دعا معاویة یزید بن شجرة الرهاوی من أصحابه فقال له: إنی أرید أن أوجهک إلی مکة لتقیم للناس الحج وتأخذ لی البیعة بمکة وتنفی عنها عامل علی. فأجابه إلی ذلک وسار إلی مکة فی ثلاثة آلاف فارس وبها قثم بن العباس عامل علی, فلما سمع به قثم خطب أهل مکة وأعلمهم بمسیر الشامیین ودعاهم إلی حربهم فلم یجیبوه بشیء, وأجابه شیبة بن عثمان العبدری بالسمع والطاعة, فعزم قثم علی مفارقة مکة واللحاق ببعض شعابها ومکاتبة أمیر المؤمنین بالخبر, فإن أمده بالجیوش قاتل الشامیین فنهاه أبو سعید الخدری عن مفارقة مکة, وقال له: أقم فإن رأیت منهم القتال وبک قوة فاعمل برأیک, وإلا فالمسیر عنها أمامک, فأقام وقدم الشامیون ولم یعرضوا لقتال أحد وأرسل قثم إلی أمیر المؤمنین یخبره فسیر جیشا فیهم الریان بن ضمرة بن هوذة بن علی الحنیفی وأبو الطفیل أول ذی الحجة وکان قدوم ابن شجرة قبل الترویة بیومین فنادی فی الناس أنتم آمنون إلا من قاتلنا ونازعنا, واستدعی أبا سعید الخدری وقال له: إنی لا أرید الإلحاد فی الحرم, ولو شئت لفعلت لما کان فیه أمیرکم من الضعف, فقل له یعتزل الصلاة بالناس واعتزلها أنا ویختار الناس رجلاً یصلی بهم, فقال أبو سعید لقثم ذلک, فاعتزل الصلاة, واختار الناس شیبة بن عثمان فصلی بهم وحج بهم, فلما قضی الناس حجهم رجع یزید إلی الشام, وأقبل خیل علی فأخبروا بعود أهل الشام فتبعوهم وعلیهم معقل بن قیس،

ص: 213

فأدرکوهم وقد رحلوا عن وادی القری فظفروا بنفر منهم فأخذوهم أسری وأخذوا ما معهم ورجعوا بهم إلی أمیر المؤمنین ففادی بهم أسری کانت له عند معاویة.

من حدیثه:

روی الحاکم النیسابوری(1): حدثنی محمد بن صالح بن هانی حدثنا إبراهیم بن أبی طالب حدثنا محمد بن المثنی حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور سمع مجاهدا یحدث عن یزید بن شجرة الرهاوی وکان من أمراء الشام وکان معاویة یستعمله علی الجیوش فخطبنا ذات یوم فقال: أیها الناس اذکروا نعمة الله علیکم, لو ترون ما أری من اسود واحمر واخضر وابیض وفی الرحال ما فیها أنها إذا أقیمت الصلاة فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار, وزُیِّن الحور ویطلعن فإذا اقبل أحدهم بوجهه إلی القتال قلن اللهم ثبته اللهم انصره وإذا ولی احتجبن منه وقلن اللهم اغفر له اللهم ارحمه فأنهکوا وجوه القوم فداکم أبی وأمی فان أحدکم إذا اقبل کانت أول نفحة من دمه تحط عنه خطایاه کما تحط ورق الشجرة, وتنزل إلیه ثنتان من الحور العین فتمسحان الغبار عن وجهه فیقول لهما أنا لکما وتقولان لا بل أنّا لک, ویُکسی مائة حلة لو حلقت بین إصبعی هاتین یعنی السبابة والوسطی لوسعتاه لیس من نسج بنی آدم ولکن من ثیاب الجنة انکم مکتوبون عند الله بأسمائکم وسیماءکم وحلاکم ونجواکم ومجالسکم فإذا کان یوم القیامة قیل یا فلان هذا نورک, ویا فلان لا نور لک, وان لجهنم ساحل کساحل البحر فیه هوام وحیات کالنخل وعقارب کالبغال, فإذا استغاث أهل جهنم أن یخفف عنهم قیل اخرجوا إلی الساحل, فیخرجون فیأخذ الهوام بشفاههم

ص: 214

ووجوههم وما شاء الله فیکشفهم فیستغیثون فراراً منها إلی النار, ویسلط علیهم الجرب فیحکّ واحدهم جلده حتی یبدو العظم فیقول أحدهم یا فلان هل یؤذیک هذا فیقول نعم فیقول ذلک بما کنت تؤذی المؤمنین...

قلت: هذا العذاب لمن کان یؤذی المؤمنین فکیف بمن یقتل المؤمنین ویستحل دماءهم؟!کیزید بن شجرة وأمثاله!

قال ابن عساکر فی(1) ترجمة قیس بن معقل الریاحی: وجهه علی بن أبی طالب لمحاربة یزید بن شجرة الرهاوی حین بعثه معاویة أمیرا علی الموسم فأدرک بعض أصحاب ابن شجرة بوادی القری وعاد معقل إلی دومة الجندل وانصرف منها إلی الکوفة...

 قال البلاذری(2): کان عثمانیاً ممن شهد صفِّین مع معاویة..

ص: 215

ص: 216

من حدیثه:

روی الذهبی(1) عن علقمة بن وائل، عن أبیه: أنه وفد علی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، فأقطعه أرضاً، وأرسل معه معاویة بن أبی سفیان لیعرفه بها. قال: فقال لی معاویة: أردفنی خلفک.

قلت: إنک لا تکون من أرداف الملوک.

قال: أعطنی نعلک.

فقلت: انتعل ظل الناقة.

قال: فلما استخلف، أتیته; فأقعَدَنی معه علی السریر، فذکرنی الحدیث.

 فقلت فی نفسی: لیتنی کنت حملته بین یدی!!

قلت: هذا شأن الرعاع من الناس الذین یتمنون حمل السلاطین بین أیدیهم کائناً من کان السلطان, حتی من قال فیه النبی صلی الله علیه وآله «إذا رأیتم معاویة علی منبری فاقتلوه»(2).

وروی القصة ابن سعد(3) فقال: قدم وائل بن حجر الحضرمی وافداً علی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وقال: جئت راغباً فی الإسلام والهجرة, فدعا له ومسح رأسه ونودی لیجتمع الناس الصلاة جامعة سروراً بقدوم وائل بن حجر, وأمر رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم معاویة بن أبی سفیان أن ینزله فمشی معه ووائل راکب فقال له معاویة ألق إلی نعلک قال لا إنی لم أکن

ص: 217

لألبسها وقد لبستها, قال: فأردفنی, قال: لستَ من أرداف الملوک, قال: إن الرمضاء قد أحرقت قدمی, قال: إمشِ فی ظل ناقتی کفاک به شرفاً!!

وقد ولّاه معاویة مصر بعد قتل محمد بن أبی بکر قال البلاذری(1) «وقد کانت جماعة من العثمانیة کتبوا إلی معاویة یهنونه بفتح مصر، وقتل محمد بن أبی بکر، ویسألونه أن یوجه إلی البصرة رجلا یطلب بدم عثمان لیسمعوا له ویطیعوا. فیقال: إن ذلک حدا معاویة علی توجیه ابن الحضرمی»...

وقد کان ابن الحضرمی غادراً, والغدر من صفات المنافق, قال البلاذری(2):  وحدثنا أبو مسعود الکوفی، عن عوانة، أن وائل بن حجر الحضرمی، کان عثمانیا فاستأذن علیا فی إتیان الیمن لیصلح له ما هناک، ثم تعجل الرجوع فأذن له فی ذلک فذهب فمالأ بسراً وأعانه علی شیعة علی.وقد بسطنا الکلام بالجرائم البشعة التی ارتکبها بسر فی غزوته للیمن ذلک بمساعدة وائل بن حجر هذا وذلک فی ترجمة بسر بن ارطأة..

ص: 218

ص: 219

فقال(1) «ولی الشام... وکانت ولایته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر واثنتین وعشرین لیلة».

هو أول الملوک(2)

وأول من بایع لولده(3)

وأول من عهد بالخلافة فی ملکه(4)

وأول من منیت به رعیته(5)

وأول من اتخذ الخصیان لخاصة خدمته (6)

وأول من اتخذ صاحب حرس(7)

وأول رأس فی الإسلام أُهدی رأس عمرو بن الحمق الخزاعی اهدی إلی معاویة(8).

وأول من استلحق بنسبه فی الإسلام(9)

وأول ذل دخل علی العرب ادعاء زیاد فی عهده وقتل الحسین(10)

ص: 220

وأول قضیة رُدّت من قضاء رسول الله علنا دعوة زیاد(1)

وأول من أحدث الأذان فی العیدین (2)

وأول من خطب جالساً (3)

وأول من سن الخطبة قبل الصلاة(4)

وأول من رکب عند رمی الجمار ذاهبا وراجعا(5)

وأول من خطب علی منبر فی مکة(6)

وأول من أمر المؤذن أن یُشعره وینادیه فیقول: السلام علی أمیر المؤمنین الصلاة یرحمک الصلاة!(7)

وبذلک ینطبق الحدیث النبوی علیه «أول من یغیّر سنتی رجل من بنی أمیّة» صححه الالبانی(8) وطبّقه علی معاویة (إذ لا یوجد غیره) ولکنه تمحّل له التوجیه فقال «و لعل المراد بالحدیث تغییر نظام اختیار الخلیفة، وجعله وراثة. والله أعلم»!.

ولما کان مُلْک معاویة جدیداً علی المسلمین بمظاهره المناقضة للإسلام, والصارخة بالمجاهرة بذلک, إبتکر معاویة عدة وسائل لإلهاء الناس وإشغالهم عن التفکیر بمشاکل البلاد السیاسیة ومضاعفات تحولها لنظام الملک العضوض ومن

ص: 221

هذه الوسائل:

تکثیف جیوش (الفتح الإسلامی) والتی بلغة أوجها فی أفریقیا وفارس والأناضول وتجمیر الجنود قدر الإمکان..

اختراع مهنة (القصّاص) وهو رجل یحی القصص التاریخیة التی لا هدف لها سوی الهاء الناس وحملهم علی متابعة القصة المتسلسلة الطویلة إذ «اخرج الزبیر بن بکار فی أخبار المدینة عن نافع وغیره من أهل العلم قالوا لم یُقص فی زمان النبی صلی الله علیه وآله ولا فی زمان أبی بکر ولا زمان عمر وإنما القصص محدث أحدثه معاویة حین کانت الفتنة»(1).

وطبعا کانت حصة الأمویین من بطولات هذه القصص الشیء الکثیر!

وقدکان معاویة فی بدایة سفره الی الشام زمن ولایة أخیه یزید علی دمشق, أحد أفراد الجیش الذی شارک فی الشام فی فتح بیروت وبعض المدن الساحلیة, ثم ولّاه عمر علی الأردن, وبعد موت أخیه یزید بن أبی سفیان فی طاعون عمواس فی العام الثامن عشر للهجرة استخلفه علی الولایة بعده فاقره عمر ثم جاء عثمان فجمع له نواحی الشام کلها., وهذه مسألة غریبة ومریبة, فالجهاز الحاکم یولی یزید بن أبی سفیان, ویزید یولی معاویة أخاه علی الحکم بعده, ویقرّه الجهاز الحاکم علی ذلک, ویزید هذا هو الذی یروی حدیث(2) «قال أبو بکر حین بعثنی إلی الشام یا یزید ان لک قرابة عسیت ان تؤثرهم بالإمارة وذلک أکبر ما أخاف علیک فإن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قال من ولی من أمر المسلمین شیئا فأمَّر علیهم أحداً محاباة فعلیه لعنة الله لا یقبل الله منه صرفاً ولا

ص: 222

عدلاً, حتی یدخله جهنم ومن أعطی أحدا حمی الله فقد انتهک فی حمی الله شیئا بغیر حقه فعلیه لعنة الله أو قال تبرأت منه ذمة الله عز وجل» فهل یاتری تمت تولیة معاویة علی الشام لکونه افقه الناس أم أصلح الناس فی الدین والدنیا أم لأمر آخر؟!

والغریب أن بعض المؤرخین یدَّعی أن عمر بن الخطاب هو الذی ولی معاویة الشام فی محاولة للتغطیة علی حقیقة واضحة, بینما الصحیح أن یزید بن ابی سفیان هو الذی ولاه الأمر فلم یقیله عمر! قال ابن عبد البر(1) «قال خلیفة: لما ولی عمر عزل خالداً, وولی أبو عبیدة حین فتح الشامات یزید بن أبی سفیان علی فلسطین وشرحبیل ابن حسنة علی الأردن وخالد بن الولید علی دمشق وحبیب بن مسلمة علی حمص, ثم عزله وولی عبد الله ابن قرط الثمالی ثم عزله وولی عبادة بن الصامت ثم عزله ورد عبد الله ابن قرط ثم وقع طاعون عمواس فمات أبو عبیدة واستخلف معاذ ومات معاذ واستخلف یزید بن أبی سفیان فمات یزید واستخلف أخاه معاویة فأقرَّه عمر»!

وکان الأمر کان عبارة عن اتفاق مسبق بأن یتولی یزید الشام منذ الأشهر الأخیرة لخلافة ابی بکر الی خمس سنوات من خلافة عمر, ثم یتولی معاویة سبع سنین فی خلافة عمر ثم اثنتا عشرة سنة فی خلافة عثمان وخمس سنین باغیاً علی الإمام, وعشرون سنة ملکاً علی المسلمین, فهذه قرابة أربع وأربعون سنة قام بنو سفیان فیها بإنشاء الجیل الشامی الذی لم یعرف غیر بنی سفیان بن حرب! وبالطبع کان معاویة بحاجة الی جهاز دعائی یشید بمعاویة ویجعل له فضائل ومزایا یستحق علیها ان یکون خلیفة, منها الشجاعة, حتی ادُّعی أنه هو الذی قتل مسیلمة

ص: 223

الکذاب!وقال المزی(1) بعد إیراد هذا الخبر «هو من وجه غریب!»(2)!

 وادُّعی أنه کان یکتب الوحی للنبی صلی الله علیه - وآله - وسلم روی الذهبی(3) «عمرو بن مرة: عن عبد الله بن الحارث، عن زهیر بن الأقمر، عن عبد الله بن عمرو، قال: کان معاویة یکتب لرسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم. أبو عوانة: عن أبی حمزة، عن ابن عباس، قال: کنت ألعب مع الغلمان، فدعانی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، وقال: "ادع لی معاویة" وکان یکتب الوحی».

وهذا الحدیث موجود عند مسلم فی صحیحه لکن بزیادة, قال مسلم(4) «حدثنا محمد بن المثنی العنزی وحدثنا ابن بشار (واللفظ لابن المثنی) قالا حدثنا أمیة بن خالد حدثنا شعبة عن أبی حمزة القصاب عن ابن عباس قال کنت ألعب مع الصبیان فجاء رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فتواریت خلف باب قال فجاء فحطأنی حطأة وقال اذهب وادع لی معاویة قال فجئت فقلت هو یأکل قال

ص: 224

ثم قال لی اذهب فادع لی معاویة قال فجئت فقلت هو یأکل فقال لا أشبع الله بطنه» وزاد الحاکم قال: فما شبع بعدها. ونقل الطیالسی(1): فسره بعض المحبین قال: لا أشبع الله بطنه، حتی لا یکون ممن یجوع یوم القیامة، لان الخبر عنه أنه قال: "أطول الناس شبعا فی الدنیا أطولهم جوعا یوم القیامة"(2) وهکذا هی المناقب!

وام معاویة هی هند بنت عتبة قال عنها ابن ابی الحدید المعتزلی(3) «وکانت هند تذکر فی مکة بفجور وعهر. وقال الزمخشری فی کتاب "ربیع الأبرار": کان معاویة یعزی إلی أربعة: إلی مسافر بن أبی عمرو، وإلی عمارة بن الولید بن المغیرة، وإلی العباس بن عبد المطلب، وإلی الصباح، مغن کان لعمارة بن الولید. قال: وقد کان أبو سفیان دمیما قصیرا، وکان الصباح عسیفا لأبی سفیان، شابا وسیما، فدعته هند إلی نفسها فغشیها. وقالوا: إن عتبة بن أبی سفیان من الصباح أیضا، وقالوا: إنها کرهت أن تدعه فی منزلها، فخرجت إلی أجیاد، فوضعته هناک. وفی هذا المعنی یقول حسان أیام المهاجاة بین المسلمین والمشرکین فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله قبل عام الفتح:

لمن الصبی بجانب البطحاء

فی الترب ملقی غیر ذی مهد

ص: 225

نجلت به بیضاء آنس_ة

من عبد شمس صلته الخ_د

والذین نزَّهوا هند عن هذا القذف رووا غیر هذا. فروی أبو عبیدة معمر بن المثنی إن هندا کانت تحت الفاکه بن المغیرة المخزومی، وکان له بیت ضیافة یغشاه الناس، فیدخلونه من غیر إذن، فخلا ذلک البیت یوماً، فاضطجع فیه الفاکه وهند، ثم قام الفاکه وترک هندا فی البیت لأمر عرض له، ثم عاد إلی البیت، فإذا رجل قد خرج من البیت، فأقبل إلی هند، فرکلها برجله، وقال: من الذی کان عندک؟ فقالت: لم یکن عندی أحد، وإنما کنت نائمة. فقال: الحقی بأهلک، فقامت من فورها إلی أهلها، فتکلم الناس فی ذلک، فقال لها عتبة أبوها: یا بنیة، إن الناس قد أکثروا فی أمرک، فأخبرینی بقصتک علی الصحة، فإن کان لک ذنب دسست إلی الفاکه من یقتله، فتنقطع عنک القالة. فحلفت أنها لا تعرف لنفسها جرما، وإنه لکاذب علیها. فقال عتبة للفاکه: إنک قد رمیت ابنتی بأمر عظیم، فهل لک أن تحاکمنی إلی بعض الکهنة؟ فخرج الفاکه فی جماعة من بنی مخزوم، وخرج عتبة فی جماعة من بنی عبد مناف، وأخرج معه هندا ونسوة معها، فلما شارفوا بلاد الکاهن تغیرت حال هند، وتنکر أمرها، واختطف لونها. فرأی ذلک أبوها، فقال لها: إنی أری ما بک، وما ذاک إلا لمکروه عندک! فهلا کان هذا قبل أن یشتهر عند الناس مسیرنا! قالت: یا أبت، إن الذی رأیت منی لیس لمکروه عندی، ولکنی أعلم أنکم تأتون بشرا یخطئ ویصیب، ولا آمن أن یسمنی میسما یکون علی عارا عند نساء مکة. قال لها: فإنی سأمتحنه قبل المسألة بأمر، ثم صفر بفرس له فأدلی، ثم أخذ حبة بر فأدخلها فی إحلیله، وشده بسیر وترکه. حتی إذا وردوا علی الکاهن أکرمهم، ونحر لهم. فقال عتبة: إنا قد جئناک لأمر، وقد خبأت لک خبیئا أختبرک به، فانظر ما هو؟ فقال: ثمرة فی کمرة، فقال: أبین من

ص: 226

هذا، قال: حبة بر، فی إحلیل مهر، قال: صدقت، انظر الآن فی أمر هؤلاء النسوة. فجعل یدنو من واحدة واحدة منهن، ویقول: انهضی، حتی صار إلی هند، فضرب علی کتفها، وقال: انهضی غیر رقحاء ولا زانیة، ولتلدن ملکا یقال له معاویة. فوثب إلیها الفاکه، فأخذها بیده وقال: قومی إلی بیتک، فجذبت یدها من یده، وقالت: إلیک عنی، فوالله لا کان منک، ولا کان إلا من غیرک! فتزوجها أبو سفیان بن حرب».

وروی البلاذری فی انساب الأشراف(1) «حدثنی عباس بن هشام الکلبی، عن أبیه قال: دخل عقیل علی معاویة فقال له: یا أبا یزید أی جداتکم فی الجاهلیة شر؟ قال حمامة. فوجم معاویة. قال هشام: وحمامة جدة أبی سفیان وهی من ذوات الرایات فی الجاهلیة. المدائنی، عن ابن أبی الزناد عن أبیه قال: قال معاویة لعقیل بن أبی طالب: ما أبیَن الشبق فی رجالکم یا بنی هاشم؟!! قال: لکنه فی نسائکم یا بنی أمیة أبیَن!!»

وقد رویت أحادیث کثیرة فی مناقب معاویة وصفها الذهبی بأنها (أباطیل) قال الذهبی(2) «من الأباطیل المختلفة:

عن واثلة مرفوعا: کاد معاویة أن یبعث نبیا من حلمه وائتمانه علی کلام ربی. وعن عثمان مرفوعا: هنیئا یا معاویة، لقد أصبحت أمینا علی خبر السماء.

عن أبی موسی: نزل علیه الوحی، فلما سری عنه، طلب معاویة، فلما کتبها - یعنی آیة الکرسی - قال: غفر الله لک یا معاویة ما تقدم إلی یوم القیامة.

ص: 227

عن مری الحورانی، عن رجل: نزل جبریل، فقال: یا محمد لیس لک أن تعزل من اختاره الله لکتابة وحیه، فأقره إنه أمین.

عن سعد مرفوعا: یحشر معاویة وعلیه حلة من نور.

عن أنس: هبط جبریل بقلم من ذهب، فقال یا محمد: إن العلی الأعلی یقول: قد أهدیت القلم من فوق عرشی إلی معاویة، فمره أن یکتب آیة الکرسی به ویشکله ویعجمه، فذکر خبرا طویلا.

وعن ابن عباس، قال: لما أنزلت آیة الکرسی، دعا معاویة، فلم یجد قلما، وذلک أن الله أمر جبریل أن یأخذ الأقلام من دواته، فقام لیجئ بقلم، فقال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: خذ القلم من أذنک، فإذا قلم ذهب مکتوب علیه لا إله إلا الله، هدیة من الله إلی أمینه معاویة.

وعن عائشة مرفوعا: کأنی أنظر إلی سویقتی معاویة ترفلان فی الجنة.

عن علی، قال: لأخرجن ما فی عنقی لمعاویة، قد استکتبه نبی الله وأنا جالس، فعلمت أن ذلک لم یکن من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، ولکن من الله.

عن جابر مرفوعا: الأمناء عند الله سبعة، القلم، وجبریل، وأنا، ومعاویة، واللوح، وإسرافیل، ومیکائیل.

عن زید بن ثابت: دخل النبی علیه السلام علی أم حبیبة، ومعاویة نائم علی فخذها، فقال: أتحبینه؟ قالت: نعم. قال: لله أشد حبا له منک له، کأنی أراه علی رفارف الجنة.

عن جعفر: أنه أهدی للنبی صلی الله علیه - وآله - وسلم سفرجل،

ص: 228

فأعطی معاویة منه ثلاثا، وقال: القنی بهن. فی الجنة.

قلت: وجعفر قد استشهد قبل قدوم معاویة مسلما. وعن حذیفة مرفوعا: یبعث معاویة وعلیه رداء من نور الإیمان.

عن أبی سعید مرفوعا: یخرج معاویة من قبره علیه رداء من سندس مرصع بالدر والیاقوت.

عن علی: أن جبریل نزل، فقال: استکتب معاویة، فإنه أمین.

أبو هریرة مرفوعا: الأمناء ثلاثة، أنا، وجبریل، ومعاویة.

وعن واثلة: بنحوه. أبو هریرة: أن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم ناول معاویة سهماً، وقال: خذه حتی توافینی به فی الجنة.

أنس مرفوعا: لا أفتقد أحدا غیر معاویة، لا أراه سبعین عاما، فإذا کان بعد أقبل علی ناقة من المسک، فأقول: أین کنت؟ فیقول: فی روضة تحت العرش... الحدیث.

وعن بعضهم: جاء جبریل بورقة آس علیها: لا إله إلا الله، حُبُّ معاویة فرض علی عبادی.

ابن عمر مرفوعا: یا معاویة، أنت منی وأنا منک، لتزاحمنی علی باب الجنة.

فهذه الأحادیث ظاهرة الوضع والله أعلم.»!

ومع کل هذا الکذب الذی أفشاه معاویة وأنصاره لا یستحی احد أنصار معاویة (وهو من المعدودین فی النواصب) أن یقول «حدثنی تمام بن محمد الهاشمی ومحمد بن علی بن الفتح وغیرهما أنهم سمعوا أبا الفتح یوسف القواس یذکر أنه وجد فی کتبه جزءاً له فیه فضائل معاویة وقد قرضته الفأرة، فدعا الله تعالی علی

ص: 229

الفأرة التی قرضته فسقطت من السقف. ولم تزل تضطرب حتی ماتت»(1) إنها حقّاً استهانة بالعقول ولکن أیة عقول!

وقد سمَّ معاویة الإمام الحسن بعد أن وعد زوجته جعدة بتزویجها لیزید(2) وکانت جریمة قتل حجر بن عدی(3) الصحابی الجلیل علامة فارقة مع جریمة قتله الإمام الحسن بن علی علیه السلام حتی قیل «إن أول ذل دخل الکوفة موت الحسن بن علی وقتل حجر بن عدی ودعوة زیاد»(4).

وکان لهذه الحادثة أثراً کبیرا عند المسلمین «قال أبو مخنف عن الصقعب بن زهیر عن الحسن قال أربع خصال کن فی معاویة لو لم یکن فیه منهن إلا واحدة لکانت موبقة, انتزاؤه علی هذه الأمة بالسفهاء حتی ابتزها أمرها بغیر مشورة منهم وفیهم بقایا الصحابة وذوو الفضیلة, واستخلافه ابنه بعده سکّیراً خمّیراً, یلبس الحریر ویضرب بالطنابیر, وادِّعاؤه زیادا(5) وقد قال رسول الله صلی الله علیه -

ص: 230

وآله - وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر, وقتله حجراً ویلا له من حجر وأصحاب حجر مرتین»(1).

وبقی معاویة یتذکرها حتی وفاته إذ ذمر المؤرخون انه قال فی آخر سکرات الموت «یوم لی من ابن الأدبر طویل ثلاث مرات یعنی حجرا»(2).

وقصة استلحاق(3) معاویة لزیاد کانت من لبنات أفکار المغیرة بن شعبة واستحسان معاویةّ, روی ابن عساکر(4) «ذکر أبو الحسن علی بن محمد بن أبی سیف المدائنی عن عوانة وعبد الملک بن عبید الله الثقفی عن أشیاخ بن ثقیف والهذلی ویعقوب بن داود عن أبیه وغیرهم یزید بعضهم علی بعض أن المغیرة بن شعبة قال لزیاد وهو بفارس وجهه إلیه معاویة: أبا المغیرة خذ لنفسک من هذا

ص: 231

الرجل قال أشر علی فإن المستشار مؤتمن قال أری أن تنقل أصلک إلی أصله وتصل حبلک بحبله وتعیر الناس منک أذنا صماء قال قلت ما لا یکون یا بن شعبة مغرس لی غیر منبته لا عرق یسقیه ولا مدرة له تغذوه وقد قال زهیر:

هل ینبت الخطی إلا وشیجه

وتغرس إلا فی منابتها النخل

ثم قدم زیاد علی معاویة فجری بینهما الصلح وضمن لمعاویة أربعة آلاف ألف فحملها إلیه وأبرأه معاویة من کل مال أصابه, وشخص زیاد إلی الکوفة فکتب إلیه معاویة یعرض له بالدعوة فأبی, ثم قدم علیه فأراده معاویة علی الدعوة وقال زیاد کیف وقد بلغنی أن رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) قال: من ادّعی إلی غیر أبیه أو انتمی إلی غیر موالیه فحرام علیه أن یراح رائحة الجنة, وقد ولدت علی فراش عبید, فقال معاویة والله إنک لابن أبی سفیان, فنفر من ذلک زیاد فکف عنه معاویة ثم عاوده فکلمه فیه فقال یا أمیر المؤمنین إن هذا لا یصح إلا بشهادة قائمة ظاهرة, وأمر واضح یثبت به النَسَب, فقال معاویة: إن من یقوم بهذا ویعلمه ویشهد به غیر واحد, فقال: من یقول ذلک؟ قال: جویریة بنت أبی سفیان, فأدخل علیها فقال أخبرتنی أنها سمعت أبا سفیان یقول: زیاد ابنی فدخل علیها زیاد فقالت: یا أخی والله أنت ابن أبی سفیان أشهد علی أبی لسمعته غیر مرة یقول إن زیاداً ابنی فرجع إلی معاویة فقال: أتزوج بنیَّ بناتک؟ قال نعم فادَّعاه سنة أربع وأربعین».

وقد استنکر المسلمون هذا الاستلحاق لکونه یناقض قول النبی صلی الله علیه وآله «الولد للفراش وللعاهر الحجر»(1) ومنهم أخو زیاد یونس بن عبید, روی ابن حجر «لما حضر (یونس) استلحاق زیاد أنکر ذلک وقال له معاویة

ص: 232

لتنتهین أو لأطیر بک طیرة بطیئا وقوعها, فقال له یونس هل إلا إلی الله ثم أقع قال نعم واستغفر الله وسکت»(1)

وهذا هو کاتب الوحی وإلا فلا!

غیر أن نسب زیاد عاد کقضیة إسلامیة فی زمن العباسیین وأُخرج نسب بنیه فی فضیحة شهدها الناس, روی ابن الأثیر(2) «فیه هذه السنة أمر المهدی بردِّ نسب آل أبی بکرة من ثقیف إلی ولاة رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, وسبب ذلک أن رجلاً منهم رفع فی ظلامته إلی المهدی وتقرب إلیه فیها بولاء رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, فقال له المهدی: إن هذا نسب ما یقرون به إلا عند الحاجة والاضطرار إلی التقرب إلینا, فقال له: من جحد ذلک یا أمیر المؤمنین فإنا سنقرّ وأنا أسألک أن تردنی ومعشر آل أبی بکرة إلی نسبنا من ولاء رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وتأمر بآل زیاد فیخرجوا من نسبهم الذی الحقوا به ورغبوا عن قضاء رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم (أن الولد للفراش وللعاهر الحجر) ویردوا إلی عبید فی موالی ثقیف. فأمر المهدی برد آل أبی بکرة إلی ولاء رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وکتب فیه إلی محمد بن موسی بذلک, وأن من أقرَّ منهم بذلک ترک ماله بیده ومن أباه اصطفی ماله. فعرضهم فأجابوا جمیعا إلا ثلاثة نفر وکذلک أیضا أمر برد نسب آل زیاد إلی عبید وأخرجهم قریش. فکان الذی حمل المهدی علی ذلک مع الذی ذکرناه أن رجلا من آل زیاد قدم علیه یقال له الصغدی بن سلم بن حرب بن زیاد فقال له المهدی من أنت؟ فقال: ابن عمک فقال: أی بنی عمی أنت؟ فذکر نسبه ؛ فقال المهدی:

ص: 233

یا بن سُمیّة الزانیة! متی کنت ابن عمی؟ وغضب وأمر به فوجئ فی عنقه واخرج وسأل عن استلحاق زیاد ثم کتب إلی العامل بالبصرة بإخراج آل زیاد من دیوان قریش والعرب وردهم إلی ثقیف وکتب فی ذلک کتابا بالغا یذکر فیه استلحاق زیاد ومخالفة حکم رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فیه فأسقطوا من دیوان قریش ثم إنهم بعد ذلک رشوا العمال حتی ردوهم إلی ما کانوا فقال خالد النجار:

أن زیادا ونافعا وأبا بکرة

عندی من أعجب العجبِ

ذا قرشی کما یقول وذا

مولی وهذا بزعمه عربی»

ولما کانت الشام قد ارتضعت حب بیت أبی سفیان لم یحتمل أهلها ان یذکر علی ولا یذکر معاویة فی کتاب للفضائل حتی قتلوا صاحبه وهو من کبار المحدثین «قال الحاکم أبو عبد الله الحافظ: سمعت علی بن عمر یقول: کان أبو عبد الرحمان النسائی أفقه مشایخ مصر فی عصره، وأعرفهم بالصحیح والسقیم من الآثار، وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلی الرملة، فسئل عن فضائل معاویة، فأمسک عنه، فضربوه فی الجامع. فقال: أخرجونی إلی مکة، فأخرجوه إلی مکة وهو علیل، وتوفی بها مقتولا شهیدا»(1).

وهذه الحادثة حدثت فی بدایة القرن الرابع الهجری أی بعد مأتی سنة من سقوط الحکم الأموی, وهذا یکشف عن مدی التشرب الأموی فی حیاة أهل الشام, وما زلنا الی الیوم نراهم یسمون بأسماء مثل مروان ویزید ومعاویة وسفیان بشکل ملفت للنظر! لذا فأنت تری السفیانیین لا یفترون عن المجاهرة بحبهم لهذا الرجل تارة بحجة انه صحابی وتارة بحجة انه کاتب الوحی!

ص: 234

روی ابن عساکر(1) «وحدثنی السعیدی أنبأنا أحمد بن سهل أبو غسان أنبأنا القاسم بن محمد من ولد أبی بکر الصدیق قال سمعت سعید بن یعقوب الطالقانی یقول سمعت ابن المبارک یقول: تراب فی أنف معاویة أفضل من عمر بن عبد العزیز» مع أنهم یسمون عمر بن عبد العزیز (الخلیفة الراشدی الخامس) تشبیهاً له بالخلفاء الأربعة, ومع أن کبار علماء أهل السنة قالوا «نشهد أن کل من نازع أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب رضی الله عنه فی خلافته فهو باغ»(2) لکنهم لم یحکموا بجزاء البغاة, بل قالوا إنهم مأجورون أجراً واحداً کقول ابن حزم الظاهری(3) «وإنما قتل عمار رضی الله عنه أصحاب معاویة رضی الله عنه وکانوا متأولین تأویلهم فیه وإن أخطأوا الحق مأجورون أجراً واحداً لقصدهم الخیر» (4).

فعلماء بنی أمیة لما لم یجدوا بدّا من الاعتراف بأن معاویة وأصحابه کانوا بغاة علی الإمام وجدوا له منفذا, وهو أنهم مجتهدون, فعلی هذا یکون ابن ملجم متأولاً مأجوراً علی قتله أمیر المؤمنین علیه السلام, وهو الذی لم یجرؤ ابن حزم ان یقولها صراحة عندما تطرق للموضوع فقال «ولا خلاف بین أحد من الأمة فی أن

ص: 235

عبد الرحمن ابن ملجم لم یقتل علیاً رضی الله عنه إلا متأولا مجتهدا مقدراً انه علی صواب»(1) ولا أفهم!کیف یکون ابن ملجم متأولاً مأجوراً ولا یکون أبو لؤلؤة قاتل عمرا کذلک ولا قاتل عثمان (الشهید) مأجوراً, بل أنهم یجدون الذرائع لعائشة والزبیر وطلحة فی قتالهم الإمام بحجة مطالبتهم بقاتل عثمان, فإذا کان متأولاً مأجوراً فعلام الحرب والثأر؟!!

ولا یختلف مُنصفان فی مدی بغض معاویة لأمیر المؤمنین علیه السلام, قال ابن أبی الحدید(2) «کان معاویة علی أس الدهر مبغضاً لعلی علیه السلام، شدید الانحراف عنه، وکیف لا یبغضه، وقد قتل أخاه حنظلة یوم بدر، وخاله الولید بن عتبة، وشرک عمه فی جده وهو عتبة - أو فی عمه، وهو شیبة، علی اختلاف الروایة - وقتل من بنی عمه عبد شمس نفرا کثیرا من أعیانهم وأماثلهم، ثم جاءت الطامة الکبری واقعة عثمان، فنسبها کلها إلیه بشبهة إمساکه عنه، وانضواء کثیر من قتلته إلیه علیه السلام، فتأکدت البغضة، وثارت الأحقاد، وتذکرت تلک الترّات الأولی، حتی أفضی الأمر إلی ما أفضی إلیه.»

لهذا فإن معاویة کان یأمر بلعن أمیر المؤمنین علی المنابر طیلة فترة حکمه حتی غدت هذه الظاهرة (سنة إسلامیة!) قال ابن أبی الحدید(3) «وروی أبو عثمان أیضا أن قوما من بنی أمیة قالوا لمعاویة: یا أمیر المؤمنین، إنک قد بلغت ما أملت، فلو کففت عن لعن هذا الرجل! فقال: لا والله حتی یربو علیه الصغیر، ویهرم علیه الکبیر، ولا یذکر له ذاکر فضلا».

ص: 236

وقال ابن أبی الحدید(1) «روی أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن الجوزی فی کتاب، المنتظم، أن زیادا لما حصبه أهل الکوفة، وهو یخطب علی المنبر، قطع أیدی ثمانین منهم، وهم أن یخرب دورهم، ویجمر نخلهم، فجمعهم حتی ملا بهم المسجد والرحبة، یعرضهم علی البراءة من علی علیه السلام، وعلم أنهم سیمتنعون، فیحتج بذلک علی استئصالهم، وإخراب بلدهم. قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاری: فإنی لمع نفر من قومی، والناس یومئذ فی أمر عظیم، إذ هومت تهویمة، فرأیت شیئا أقبل، طویل العنق، مثل عنق البعیر أهدر أهدل، فقلت: ما أنت؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة، بعثت إلی صاحب هذا القصر، فاستیقظت فزعا، فقلت لأصحابی: هل رأیتم ما رأیت؟ قالوا: لا، فأخبرتهم، وخرج علینا خارج من القصر، فقال: انصرفوا، فإن الأمیر یقول لکم: إنی عنکم الیوم مشغول، وإذا بالطاعون قد ضربه، فکان یقول: إنی لأجد فی النصف من جسدی حر النار حتی مات، فقال عبد الرحمن بن السائب:

ما کان منتهیا عما أراد ب_نا

حتی تناوله النقاد ذو الرقبة

فأثبت الشق منه ضربة عظمت

کما تناول ظلما صاحب الرحبة»

ونقل الجاحظ(2) عن الاسکافی: «قال أبو جعفر الإسکافی: لولا ما غلب علی الناس من الجهل وحب التقلید لم نحتج إلی نقض ما احتجت به العثمانیة، فقد علم الناس کافة أن الدولة والسلطان لأرباب مقالتهم، وعرف کل أحد علو أقدار شیوخهم وعلمائهم وأمرائهم، وظهور کلمتهم، وقهر سلطانهم. وارتفاع

ص: 237

التقیة عنهم، والکرامة والجائزة لمن روی الأخبار والحدیث فی فضل أبی بکر. وما کان من تأکید بنی أمیة لذلک. وما ولده المحدثون من الأحادیث طلبا لما فی أیدیهم، فکانوا لا یألون جهدا فی طول ما ملکوا أن یخملوا ذکر علی علیه السلام وولده، ویطفئوا نورهم ویکتموا فضائلهم، ومناقبهم وسوابقهم، ویحملوا علی شتمهم وسبهم ولعنهم علی المنابر، فلم یزل السیف یقطر من دمائهم مع قلة عدهم وکثرة عدوهم، فکانوا بین قتیل وأسیر، وشرید وهارب، ومستخف ذلیل، وخائف مترقب، حتی إن الفقیه والمحدث والقاضی والمتکلم لیتقدم إلیه ویتوعد بغایة الایعاد وأشد العقوبة أن لا یذکروا شیئا من فضائلهم ولا یرخصوا لأحد أن یطیف بهم، وحتی بلغ من تقیة المحدث إذا ذکر حدیثا عن علی علیه السلام کنی عن ذکره فقال: قال رجل من قریش، وفعل رجل من قریش ولا یذکر علیا علیه السلام ولا یتفوه باسمه. ثم رأینا جمیع المختلفین قد حاولوا نقض فضائله ووجهوا الحیل والتأویلات نحوها، من خارجی مارق، وناصب حنق، ونابت مستبهم، وناشئ معاند، ومنافق مکذب، وعثمانی حسود، یعترض فیها ویطعن، ومعتزلی قد نفذ فی الکلام وأبصر علم الاختلاف، وعرف الشبه ومواضع الطعن وضروب التأویل، قد التمس الحیل فی إبطال مناقبه، وتأول مشهور فضائله. فمرة یتأولها بما لا یحتمل، ومرة یقصد أن یضع من قدرها بقیاس منتقض، ولا یزداد مع ذلک إلا قوة ورفعة، ووضوحا واستنارة. وقد علمت أن معاویة ویزید ومن کان بعدهما من بنی مروان أیام ملکهم - وذلک نحو ثمانین سنة - لم یدعوا جهدا فی حمل الناس علی شتمه ولعنه وإخفاء فضائله، وستر مناقبه وسوابقه»...

ونقل ابن أبی الحدید(1) عن المدائنی فقال «کتب معاویة نسخة واحدة إلی

ص: 238

عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روی شیئا من فضل أبی تراب (یعنی الإمام علی) وأهل بیته. (یعنی أهل بیت النبوة الکرام) فقامت الخطباء فی کل کورة وعلی کل منبر یلعنون علیا، ویبرؤون منه، ویقعون فیه، وفی أهل بیته، وکان أشد الناس بلاء حینئذ أهل الکوفة، لکثرة من بها من شیعة علی (علیه السلام)، فاستعمل علیهم زیاد بن سمیة وضم إلیه البصرة، فکان یتتبع الشیعة وهو بهم عارف لأنه کان منهم أیام علی، فقتلهم تحت کل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأیدی والأرجل، وسمل العیون، وصلبهم علی جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم یبق بها معروف منهم»..

وروی الجاحظ(1) «روی القناد قال حدثنا أسباط بن نصر الهمدانی عن السدی قال: بینما أنا بالمدینة عند أحجار الزیت إذ أقبل راکب علی بعیر فوقف فسب علیا علیه السلام، فحف به الناس ینظرون إلیه، فبینا هو کذلک إذ أقبل سعد بن أبی وقاص فقال اللهم إن کان سب عبدا لک صالحا فأر المسلمین خزیه! فما لبث أن نفر به بعیره فسقط فاندقت عنقه».

فهل قرأ احد فی التاریخ أن احدهم وقف فی المدینة وسبَّ بنی امیة؟ لماذا؟ ألیس هذا لأن الجو العام السائد لا یشجع علی ذلک أمنیا ً! بینما العکس تماما نجده فی متفرقات الروایات فالمؤرخون یروون العدید من الروایات التی تؤکد بان بعض اللئام کان یسب أمیر المؤمنین علیه السلام علی الملأ بدون مبرر! لولا التقرب للأمراء..

بل وصل الأمر بالرواة بان یکلِّموا الشیاه خوفاً من السلطات! قال السید

ص: 239

محسن الأمین(1) «روی الشیخ فی الأمالی عن جماعة عن أبی المفضل عن إبراهیم بن حفص العسکری عن عبید بن الهیثم عن الحسن بن سعید ابن عم شریک عن شریک بن عبد الله القاضی قال حضرت الأعمش فی علته التی قبض فیها, فبینا أنا عنده إذ دخل علیه ابن شبرمة وابن أبی لیلی وأبو حنیفة فسألوه عن حاله, فذکر ضعفاً شدیداً وذکر ما یتخوف من خطیئاته وأدرکته رقة فبکی, فأقبل علیه أبو حنیفة فقال یا أبا محمد اتق الله وانظر لنفسک فإنک فی آخر یوم من أیام الدنیا وأول یوم من أیام الآخرة وقد کنت تحدث فی علی بن أبی طالب بأحادیث لو رجعت عنها کان خیرا لک, قال الأعمش مثل ماذا یا نعمان قال مثل حدیث عبایة أنا قسیم النار قال أولمثلی تقول هذا... أقعدونی سندونی حدثنی والذی إلیه مصیری موسی بن طریف ولم أر أسدیا کان خیرا منه قال سمعت عبایة بن ربعی إمام الحی قال سمعت علیا أمیر المؤمنین یقول أنا قسیم النار أقول هذا ولیی دعیه وهذا عدوی خذیه. وحدثنی أبو المتوکل الناجی فی إمرة الحجاج وکان یشتم علیا شتما مقذعا یعنی الحجاج عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا کان یوم القیامة یأمر الله عز وجل فاقعد أنا وعلی علی الصراط ویقال لنا ادخلا الجنة من آمن بی وأحبکما وأدخلا النار من کفر بی وأبغضکما قال أبو سعید قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما آمن بالله من لم یؤمن بی ولم یؤمن بی من لم یتولّ أو قال لم یحب علیاً وتلا (ألقیا فی جهنم کل کفار عنید) قال فجعل أبو حنیفة إزاره علی رأسه وقال: قوموا بنا لا یجیئنا أبو محمد بأطمّ من هذا, قال الحسن بن سعیدة قال لی شریک بن عبد الله فما أمسی یعنی الأعمش حتی فارق الدنیا رحمه الله. وفی بعض الکتب المعتبرة: کان الأعمش سئ الخلق

ص: 240

وکان أصحاب الحدیث یضجرونه ویسومونه نشر ما یحب طیه عنهم فیحلف ان لا یحدثهم الشهر والشهرین أو أقل أو أکثر فیضیق صدره فیقبل علی شاة فی منزله فیحدثها بالآثار والفقه حتی قال بعض أصحاب الحدیث لیتنی شاة الأعمش».

قلت: ما الذی کان فی (الآثار) التی یرویها الأعمش مما یُضجر القوم؟!

وقال محمد بن جریرالطبری(1) الإمام المفسّر المعروف «قال الواقدی حدثنی ابن أبی الزناد عن أبیه قال کتب إلیّ هشام بن عبد الملک قبل أن یدخل المدینة أن اکتب لی سنن الحج فکتبتها له, وتلقاه أبو الزناد, قال أبو الزناد فإنی یومئذ فی الموکب خلفه, وقد لقیه سعید بن عبد الله بن الولید بن عثمان بن عفان وهشام یسیر فنزل له فسلم علیه ثم سار إلی جنبه, فصاح هشام: أبو الزناد! فتقدمت فسرت إلی جنبه الآخر فأسمع سعیدا یقول: یا أمیر المؤمنین إن الله لم یزل ینعم علی أهل بیت أمیر المؤمنین وینصر خلیفته المظلوم ولم یزالوا یَلعنون فی هذه المواطن الصالحة أبا تراب, فأمیر المؤمنین ینبغی له أن یلعنه فی هذه المواطن الصالحة, قال: فشقَّ علی هشام وثقل علیه کلامه ثم قال ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنه, قدمنا حجّاجاً»..

وروی الجاحظ(2) «روی أبو غسان أیضا قال: قال عمر بن عبد العزیز: کان أبی یخطب فلا یزال مستمرا فی خطبته حتی إذا صار إلی ذکر علی وسبه تقطع لسانه واصفرَّ وجهه وتغیرت حاله، فقلت له فی ذلک فقال: أو قد فطنت لذلک؟ إن هؤلاء لو یعلمون من علی ما یعلمه أبوک ما تبعنا منهم رجل»..

ص: 241

وروی الجاحظ(1) «قال أبو جعفر: وقد تعلمون أن بعض الملوک ربما أحدثوا قولاً أو دینا لهوی. فیحملون الناس علی ذلک حتی لا یعرفون غیره، کنحو ما أخذ الناس الحجاج ابن یوسف بقراءة عثمان وترک قراءة ابن مسعود وأبی بن کعب، وتوعد علی ذلک بدون ما صنع هو وجبابرة بنی أمیة وطغاة بنی مروان بولد علی علیه السلام وشیعته. وإنما کان سلطانه نحو عشرین سنة فما مات الحجاج حتی اجتمع أهل العراق علی قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا یعرفون غیرها لامساک الآباء عنها، وکف المعلم عن تعلیمها، حتی لو قرئت علیهم قراءة عبد الله وأبی ما عرفوها، ولظنوا بتألیفها الاستکراه والاستهجان، لألف العادة وطول الجهالة، لأنه إذا استولت علی الرعیة العلیة وطالت علیهم أیام التسلط، وشاعت فیهم المخافة، وشملتهم التقیة، اتفقوا علی التخاذل والتساکت، فلا تزال الأیام تأخذ من بصائرهم، وتنقص من ضمائرهم، وتنقض من مرائرهم، حتی تصیر البدعة التی أحدثوها غامرة للسنة التی کانوا یعرفونها. ولقد کان الحجاج ومن ولاه، کعبد الملک والولید، ومن کان قبلهما وبعدهما من فراعنة بنی أمیة علی إخفاء محاسن علی علیه السلام وفضائله، وفضائل ولده وشیعته وإسقاط أقدارهم، وأحرص منهم علی إسقاط قراء عبد الله وأبی، لان تلک القراءات لا تکون سببا لزوال ملکهم وفساد أمرهم وانکشاف حالهم. وفی إشهار فضل علی علیه السلام وولده وإظهار محاسنهم بوارهم. وتسلیط حکم الکتاب المنبوذ علیهم».

وقال ابن الأثیر(2) «کان بنو أمیة یسبون أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام إلی أن ولی عمر بن عبد العزیز فترک ذلک وکتب إلی العمال فی الآفاق

ص: 242

بترکه. وکان سبب محبته علیا أنه قال کنت بالمدینة أتعلم العلم وکنت ألزم عبید الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فبلغه عنی شیء من ذلک فأتیته یوما وهو یصلی فأطال الصلاة فقعدت أنتظر فراغه فلما فرغ من صلاته التفت إلی فقال لی متی علمت أن الله غضب علی أهل بدر وبیعة الرضوان بعد أن رضی عنهم؟ قلت لم أسمع ذلک. قال: فما الذی بلغنی عنک فی علی فقلت معذرة إلی الله وإلیک وترکت ما کنت علیه، وکان أبی إذا خطب فنال من علی رضی الله عنه تلجلج فقلت یا أبت إنک تمضی فی خطبتک فإذا أتیت علی ذکر علی عرفت منک تقصیرا؟ قال: أو فطنت لذلک؟ قلت: نعم. فقال یا بنی إن الذین حولنا لو یعلمون من علی ما نعلم تفرقوا عنا إلی أولاده. فلما ولی الخلافة لم یکن عنده من الرغبة فی الدنیا یا یرتکب هذا الأمر العظیم لأجله فترک ذلک وکتب بترکه وقرأ عوضه: {إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِیتَاءِ ذِی الْقُرْبَی}».

قال الهیثمی(1) «عن بریدة قال دخلت علی معاویة فإذا رجل یتکلم فقال بریدة یا معاویة أتأذن لی فی الکلام؟ قال: نعم, وهو یری أنه یتکلم بمثل ما قال الآخر قال بریدة سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول إنی لأرجو ان اشفع یوم القیامة عدد ما فی الأرض من شجرة ومدرة ف قال فترجوها أنت یا معاویة ولا یرجوها علی رضی الله عنه» ولم قال: «وهو یری أنه یتکلم بمثل ما قال الآخر» یاتری؟!

قال الأستاذ محمود أبو ریة(2) «وإذا کان معاویة قد ورث بغض علی عن آبائه - مما حدثناک عنه، فإن هناک أسباباً أخری تسعر من نار هذا البغض، منها أن

ص: 243

علیا قتل أخاه حنظلة یوم بدر، وخاله الولید بن عتبة وغیرهما کثیرین من أعیان وأماثل عبد شمس. ومن أجل ذلک کان معاویة أشد الناس عداوة لعلی یتربص به الدوائر دائما، ولا یفتأ یسعی فی الکید له سرا وعلانیة، قولا وعملا. معاویة وحروب الجمل: وقد انتهز معاویة فرصة حروب الجمل فأخذ یحرض طلحة والزبیر وعائشة ویظاهرهم، وکان یعد طلحة والزبیر بالبصرة والکوفة بأن یحکم کل واحد منهما إحداهما حتی إذا انتهت هذه الحروب بهزیمة من أثاروها، أشعل الحرب بینه وبین علی فی صفین وغیرها، ثم انتهی الأمر بقتل علی بمؤامرة کما ذکرنا ذلک من قبل. ولا تنس أنه لم یبایع علیا عندما بویع له - کما بایع کل الولاة، وخرج علیه. انصراف معاویة إلی أولاد علی بعد قتل أبیهم: ولم یشبع نهم الحقد الأموی قتل هذا الإمام العظیم، بل صرف معاویة کیده وبغیه أول الأمر إلی الحسن رضی الله عنه الذی کان یزاحمه بحقه فی الخلافة وما زال یراوغه بکیده حتی تخلص منه بالسم. ومات معاویة قبل أن یلحق الحسین بأخیه الحسن، وهما ریحانتا النبی صلی الله علیه وآله وترک ذلک لابنه یزید. وممن سمهم معاویة: عبد الرحمن بن خالد بن الولید وذلک عندما شاور أهل الشام فیمن یعقد له من بعده فقالوا له: رضینا بعبد الرحمن بن خالد وکان أهل الشام یحبونه، فشق ذلک علی معاویة وأسرها فی نفسه ثم مرض عبد الرحمن بعد ذلک فأمر معاویة طبیبا یهودیا - وکان مکینا عنده. أن یأتیه فیسقیه سقیة تقتله، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات وعلی أثره مات عبد الرحمن بن أبی بکر الصدیق بالسم، وکان سبب ذلک أم معاویة حینما کان یدعو إلی بیعة بزید قال له عبد الرحمن هذا: أهرقلیة إذا مات کسری کان کسری مکانه؟ لا نفعل والله أبدا، فبعث إلیه معاویة بمئة ألف درهم، فردها عبد الرحمن وقال: "أبیع دینی بدنیای". وما لبث أن مات فجأة بموضع یقال له

ص: 244

الحبشی! (جبل بأسفل مکة) وحمل إلی مکة فدفن فیها. وممن سمهم معاویة کذلک مالک بن الأشتر الذی ولاه الإمام علی علی مصر وکان سمه فی عسل ولذلک قال عمرو بن العاص فی ذلک إن لله جنودا من عسل. ولا نحصی من تخلص منهم معاویة بالسم»

قال ابن خلکان(1) «قال معاویة... لعقیل بن أبی طالب رضی الله عنه: أن علیاً قد قطعک ووصلتک، ولا یرضینی منک إلا أن تلعنه علی المنبر، قال: أفعل... فصعد ثم قال... أیها الناس أمرنی أن العن علی بن أبی طالب أمیر المؤمنین معاویة... فالعنوه فعلیه لعنة الله... ثم نزل، فقال له معاویة: إنک لم تبین، قال: والله لا زدت حرفا ولا نقصت آخر، والکلام علی نیة المتکلم».

قال ابن الأثیر(2) «عمرو بن أبی عمرو بن ضبة الفهری أبو شداد شهد بدرا وفیها استعمل علی علی الری یزید بن حجة التیمی تیم اللات، فکسر من خراجها ثلاثین ألفا فکتب إلیه علی یستدعیه, فحضر فسأله عن المال قال أین ما غللته من المال؟ قال ما أخذت شیئا فخفقه بالدرة خفقات وحبسه ووکل به سعداً مولاه, فهرب منه یزیدا إلی الشام, فسوغه معاویة المال فکان ینال من علی وبقی بالشام إلی أن اجتمع الأمر لمعاویة فسار معه إلی العراق فولّاه الری»...

قال ابن عساکر(3) «قرأت علی أبی القاسم الخضر بن الحسین بن عبدان عن عبد العزیز بن أحمد الکتانی أنبأنا عبد الوهاب المیدانی أنبأنا أبو سلیمان محمد بن عبد الله بن زبر أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغانی أنبأنا محمد بن جریر

ص: 245

الطبری حدثنی محمد بن سعدان عن أبی عبیدة قال حدثنی أعین بن لبطة بن الفرزدق قال حدثنی أبی عن أبیه فذکر حکایة فیها قال ثم وفد الأحنف بن قیس وجاریة بن قدامة من بنی ربیعة بن کعب بن سعد والجون بن قتادة العبشمی والحتات بن یزید أبو منازل أحد بنی حوی بن سفیان بن مجاشع إلی معاویة بن أبی سفیان فأعطی کل رجل منهم مائة ألف وأعطی الحتات سبعین ألفا فلما کانوا فی الطریق سأل بعضهم بعضا فأخبروا بجوائزهم وکان الحتّات أخذ سبعین ألفاً فرجع إلی معاویة فقال ما ردک یا أبا منازل قال فضحتنی فی بنی تمیم أما حسبی صحیح أو لست ذا سن أو لست مطاعا فی عشیرتی قال معاویة بل قال فما بالک خسست بی دون القوم فقال إنی اشتریت من القوم دینهم ووکلتک إلی دینک ورأیک فی عثمان بن عفان وکان عثمانیا قال وأنا فاشتر منی دینی فأمر له بتمام جائزة القوم وطعن فی جائزته فحبسها معاویة فقال الفرزدق فی ذلک:

أبوک وعمی یا معاوی أورثا

تراثا فیحتاز التراث أقاربه

فما بال میراث الحتات أخذته

ومیراث حرب جامد لک ذائبه

فلو کان هذا الأمر فی جاهلیة

علمت من المرء القلیل حلائبه

ولو کان فی دین سوی ذا شنئتم

لنا حقنا إذ غص بالماء شاربه

ولو کان إذ کنا وللکف بسطة

لصمم عضب فیک ماض ضرائبه

 وأنشده محمد بن علی:

فی الکف مبسط وقد رمت شیئا یا معاوی دونه

خیاطف علود صعاب مرات_ب_ه

وما کنت أعطی النصف عن غیر قدرة

سواک ولو مالت علیه کتائبه

ألست أعز الناس قوما وأسرة

وأمنعهم جارا إذا ضیم جان_به

وما ولدت بعد النبی وآله

کمثلی حصان فی الرجال یقاربه

ص: 246

أبی غالب والمرء ناجیة الذی

إلی صعصع ینمی فمن ذا یناسبه

وبیتی إلی جنب الثریا فناؤه

ومن دونه البدر المضئ کواکبه

أنا ابن الجبال  الشم فی عدد الحصی

وعرق الثری عرقی فمن ذا یحاسبه

أنا ابن الذی أحیا الوئیدة ضامن

علی الدهر إذ عزت لدهر مکاسبه

وکم من أب لی یا معاوی لم یزل

أغر یباری الریح ما ازور جانبه

نمته فروع المالکین ولم یکن

أبوک الذی من عبد شمس یقاربه

تراه کنصل السیف یهتز للندی

کریما یلاقی المجد ما طر شاربه

طویل نجاد السیف مذ کان لم یکن

قصی وعبد الشمس ممن یخاطبه

فرد ثلاثین ألفاً علی أهله!!

وروی ابن الأثیر(1) «وقال جویریة بن أسماء کان بسر بن أرطأة عند معاویة فنال من علی, وزید بن عمر بن الخطاب حاضر وأمه أم کلثوم بنت علی, فعلاه بالعصا وشجّه, فقال معاویة لزید عمدت إلی شیخ من قریش وسید أهل الشام فضربته, وأقبل علی بسر فقال تشتم علیاً وهو جدّه وهو ابن الفاروق علی رؤوس الناس أتری أن یصبر علی ذلک؟ فأرضاهما جمیعا»..

 وروی ابن أبی الحدید(2) «وروی الزبیر بن بکار فی کتاب المفاخرات، قال: اجتمع عند معاویة عمرو بن العاص، والولید بن عقبة بن أبی معیط، وعتبة بن أبی سفیان بن حرب، والمغیرة بن شعبة، وقد کان بلغهم عن الحسن بن علی علیه السلام قوارص، وبلغه عنهم مثل ذلک، فقالوا: یا أمیر المؤمنین، إن الحسن قد أحیا أباه وذکره، وقال فصدق، وأمر فأطیع، وخفقت له النعال، وإن ذلک لرافعه

ص: 247

إلی ما هو أعظم منه، ولا یزال یبلغنا عنه ما یسوءنا. قال معاویة، فما تریدون؟ قالوا: ابعث علیه فلیحضر لنسبه ونسب أباه، ونعیره ونوبخه، ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلک، ولا یستطیع أن یغیر علینا شیئا، من ذلک. قال معاویة: إنی لا أری ذلک ولا أفعله، قالوا: عزمنا علیک یا أمیر المؤمنین لتفعلن، فقال: ویحکم لا تفعلوا! فوالله ما رأیته قط جالسا عندی إلا خفت مقامه وعیبه لی، قالوا: ابعث إلیه علی کل حال. قال: إن بعثت إلیه لأنصفنه منکم. فقال عمرو بن العاص: أتخشی أن یأتی باطله علی حقنا، أو یربی قوله علی قولنا؟ قال معاویة: أما إنی إن بعثت إلیه لآمرنه أن یتکلم بلسانه کله، قالوا: مره بذلک. قال: أما إذ عصیتمونی، وبعثتم إلیه وأبیتم إلا ذلک فلا تمرضوا له فی القول، واعلموا أنهم أهل بیت لا یعیبهم العائب، ولا واعلموا أنهم أهل بیت لا یعیبهم العائب، ولا یلصق بهم العار، ولکن اقذفوه بحجره، تقولون له: إن أباک قتل عثمان، وکره خلافة الخلفاء من قبله. فبعث إلیه معاویة، فجاءه رسوله، فقال: إن أمیر المؤمنین یدعوک. قال: من عنده فسماهم له. فقال الحسن علیه السلام: مالهم خر علیهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حیث لا یشعرون ثم قال: یا جاریة، ابغینی ثیابی، اللهم إنی أعوذ بک من شرورهم، وأدرأ بک فی نحورهم، وأستعین بک علیهم، فاکفنیهم کیف شئت وأنی شئت، بحول منک وقوة، یا أرحم الراحمین! ثم قام، فلما دخل علی معاویة، أعظمه وأکرمه، وأجلسه إلی جانبه، وقد ارتاد القوم، وخطروا خطران الفحول، بغیا فی أنفسهم وعلوا، ثم قال: یا أبا محمد، إن هؤلاء بعثوا إلیک وعصونی. فقال الحسن علیه السلام: سبحان الله، الدار دارک. والإذن فیها إلیک، والله إن کنت أجبتهم إلی ما أرادوا وما فی أنفسهم، إنی لأستحی لک من الفحش، وإن کانوا غلبوک علی رأیک، إنی لأستحی لک من

ص: 248

الضعف، فأیهما تقرر، وأیهما تنکر؟ أما إنی لو علمت بمکانهم جئت معی بمثلهم من بنی عبد المطلب، وما لی أن أکون مستوحشا منک ولا منهم، أن ولیی الله، وهو یتولی الصالحین. فقال معاویة: یا هذا: إنی کرهت أن أدعوک، ولکن هؤلاء حملونی علی ذلک مع کراهتی له، وإن لک منهم النصف ومنی، وإنما دعوناک لنقررک أن عثمان قتل مظلوما، وأن أباک قتله، فاستمع منهم ثم أجبهم، ولا تمنعک وحدتک واجتماعهم أن تتکلم بکل لسانک. فتکلم عمرو بن العاص، فحمد الله وصلی علی رسوله، ثم ذکر علیا علیه السلام، فلم یترک شیئا یعیبه به إلا قاله، وقال: إنه شتم أبا بکر وکره خلافته، وامتنع من بیعته، ثم بایعه مکرها، وشرک فی دم عمر، وقتل عثمان ظلما. وادعی من الخلافة ما لیس له. ثم ذکر الفتنة یعیره بها، وأضاف إلیه مساوئ، وقال: إنکم یا بنی عبد المطلب لم یکن الله لیعطیکم الملک علی قتلکم الخلفاء، واستحلالکم ما حرم الله من الدماء، وحرصکم علی الملک، وإتیانکم مالا یحل. ثم إنک یا حسن، تحدث نفسک أن الخلافة صائرة إلیک، ولیس عندک عقل ذلک ولا لبه، کیف تری الله سبحانه سلبک عقلک، وترکک أحمق قریش، یسخر منک ویهزأ بک، وذلک لسوء عمل أبیک. وإنما دعوناک لنسبک وأباک، فأما أبوک فقد تفرد الله به وکفانا أمره، وأما أنت فإنک فی أیدینا نختار فیک الخصال، ولو قتلناک ما کان علینا إثم من الله، ولا عیب من الناس، فهل تستطیع أن ترد علینا وتکذبنا؟ فإن کنت تری أنا کذبنا فی شیء فاردده علینا فیما قلنا، وإلا فاعلم أنک وأباک ظالمان. ثم تکلم الولید بن عقبة بن أبی معیط، فقال: یا بنی هاشم، إنکم کنتم أخوال عثمان، فنعم الولد کان لکم، فعرف حقکم، وکنتم أصهاره فنعم الصهر کان لکم یکرمکم، فکنتم أول من حسده، فقتله أبوک ظلما، لا عذر له ولا حجة، فکیف ترون الله طلب

ص: 249

بدمه، وأنزلکم منزلتکم، والله إن بنی أمیة خیر لبنی هاشم من بنی هاشم لبنی أمیة، وإن معاویة خیر لک من نفسک. ثم تکلم عتبة بن أبی سفیان، فقال: یا حسن، کان أبوک شر قریش لقریش، أسفکها لدمائها، وأقطعها لأرحامها، طویل السیف واللسان، یقتل الحی ویعیب المیت، وإنک ممن قتل عثمان، ونحن قاتلوک به، وأما رجاؤک الخلافة فلست فی زندها قادحا، ولا فی میزانها راجحا، وإنکم یا بنی هاشم قتلتم عثمان، وإن فی الحق أن نقتلک وأخاک به، فأما أبوک فقد کفانا الله أمره وأقاد منه، وأما أنت، فوالله ما علینا لو قتلناک بعثمان إثم ولا عدوان. ثم تکلم المغیرة بن شعبة، فشتم علیا، وقال. والله ما أعیبه فی قضیة یخون، ولا فی حکم یمیل، ولکنه قتل عثمان. ثم سکتوا. فتکلم الحسن بن علی علیه السلام، فحمد الله وأثنی علیه، وصلی علی رسوله صلی الله علیه وآله، ثم قال: أما بعد یا معاویة، فما هؤلاء شتمونی ولکنک شتمتنی، فحشا ألفته وسوء رأی عرفت به، وخلقا شیئا ثبت علیه، وبغیا علینا، عداوة منک لمحمد وأهله، ولکن اسمع یا معاویة، واسمعوا فلأقولن فیک وفیهم ما هو دون ما فیکم. أنشد کم الله أیها الرهط، أتعلمون أن الذی شتمتموه منذ الیوم، صلی القبلتین کلیهما وأنت یا معاویة بهما کافر تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزی غوایة! وأنشدکم الله هل تعلمون أنه بایع البیعتین کلیهما بیعة الفتح وبیعة الرضوان، وأنت یا معاویة بإحداهما کافر، وبالأخری ناکث! وأنشدکم الله هل تعلمون أنه أول الناس إیمانا، وأنک یا معاویة وأباک من المؤلفة قلوبهم، تسرون الکفر، وتظهرون الإسلام، وتستمالون بالأموال....».

وروی الأبشیهی(1) (2) «وحکی أن معاویة رضی الله تعالی عنه بینما هو جالس

ص: 250

فی بعض مجالسه وعنده وجوه الناس فیهم الأحنف بن قیس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام خطیبا وکان آخر کلامه أن لعن علیاً رضی الله تعالی عنه ولعن لاعنه, فقال الأحنف یا أمیر المؤمنین إن هذا القائل لو یعلم أن رضاک فی لعن المرسلین للعنهم فاتقِّ الله یا أمیر المؤمنین ودع عنک علیاً رضی الله تعالی عنه فلقد لقی ربه وأفرد فی قبره وخلا بعمله وکان والله المبرور سیفه الطاهر ثوبه العظیمة مصیبته فقال معاویة: یا أحنف لقد تکلمت بما تکلمت وأیم الله لتصعدن علی المنبر فتلعنه طوعاً أو کرها فقال له الأحنف یا أمیر المؤمنین إن تعفنی فهو خیر لک وإن تجبرنی علی ذلک فوالله لا تجری شفتای به أبدا فقال قم فاصعد قال أما والله لأنصفنک فی القول والفعل قال وما أنت قائل إن أنصفتنی قال أصعد المنبر فأحمد الله وأثنی علیه وأصلی علی نبیه محمد ثم أقول أیها الناس إن أمیر المؤمنین معاویة أمرنی أن ألعن علیا ألا وإن معاویة وعلیا اقتتلا فاختلفا فادَّعی کل واحد منهما أنه مبغی علیه وعلی فئته فإذا دعوت فأمنوا رحمکم الله ثم أقول اللهم ألعن أنت وملائکتک وأنبیاؤک وجمیع خلقک الباغی منهما علی صاحبه والعن الفئة الباغیة اللهم العنهم لعنا کثیرا أمنوا رحمکم الله یا معاویة لا أزید علی هذا ولا أنقص حرفا ولو کان فیه ذهاب روحی فقال معاویة إذا نعفیک یا أبا بحر. وقال معاویة لعقیل بن أبی طالب إن علیاً قد قطعک وأنا وصلتک ولا یرضینی منک إلا أن تلعنه علی المنبر, قال: أفعل, فصعد المنبر ثم قال بعد أن حمد الله وأثنی علیه وصلی علی نبیه أیها الناس إن معاویة بن أبی سفیان قد أمرنی أن ألعن علی بن أبی طالب

ص: 251

فالعنوه فعلیه لعنة الله, ثم نزل فقال له معاویة إنک لم تبین من لعنت منهما بینه فقال والله لا زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً والکلام إلی نیة المتکلّم».

وروی ابن عبد ربه الأندلسی(1) (2) «قعد معاویة بالکوفة یبایع الناس علی البراءة من علی بن أبی طالب رضی الله عنه فقال له رجل: یا أمیر المؤمنین نطیع أحیاءکم ولا نتبرأ من موتاکم، فالتفت إلی المغیرة فقال له: هذا رجل فاستوص به خیرا».

روی الجاحظ(3) «وروی العباس بن بکار الضبی قال: حدثنی أبو بکر الهذلی عن الزهری قال: قال ابن عباس لمعاویة: ألا تکف عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما کنت لأفعل حتی یربو علیه الصغیر ویهرم فیه الکبیر. فلما ولی عمر بن عبد العزیز کفّ عن شتمه فقال الناس: ترک السنة. قال: وقد روی عن ابن مسعود إما موقوفا علیه أو مرفوعا: کیف أنتم إذا شملتکم فتنة یربو علیها الصغیر ویهرم فیها الکبیر، یجری علیها الناس فیتخذونها سنة، فإذا غیر منها شیء قیل: غُیّرت السنة»...

ص: 252

والجدیر بالذکر ان العلاقة بین معاویة وعائشة کانت وطیدة بعد اغتصاب معاویة للخلافة وکان یتخلل هذه العلاقة (اجتماعات سریة!) لم ینقل التاریخ ما کان یدور فیها وهل ان هذا التنسیق کان یسبق حرب صفین أم لا؟!

قال الزهری: حدثنی القاسم بن محمد أن معاویة حین قدم المدینة یرید الحج دخل علی عائشة فکلمها خالیین لم یشهد کلامهما أحد إلا ذکوان أبو عمر ومولی عائشة، فقالت: أمنت أن أخبأ لک رجلا یقتلک بقتلک أخی محمدا؟ فقال: صدقتی، فلما قضی معاویة کلامه معها تشهدت عائشة ثم ذکرت ما بعث الله به نبیه صلی الله علیه - وآله - وسلم من الهدی ودین الحق، والذی سن الخلفاء بعده، وحضت معاویة علی العدل واتباع أثرهم، فقالت فی ذلک فلم تترک له عذرا، فلما قضت مقالتها قال لها معاویة: أنت والله العالمة العاملة بأمر رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، الناصحة المشفقة البلیغة الموعظة، حضضت علی الخیر، وأمرت به، ولم تأمرینا إلا بالذی هو لنا مصلحة، وأنت أهل أن تطاعی. وتکلمت هی ومعاویة کلاما کثیرا. فلما قام معاویة اتکأ علی ذکوان وقال: والله ما سمعت خطیباً لیس رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أبلغ من عائشة.

وقال محمد بن سعد: حدثنا خالد بن مخلد البجلی، حدثنا سلیمان بن بلال، حدثنی علقمة بن أبی علقمة عن أمه. قالت: قدم معاویة بن أبی سفیان المدینة فأرسل إلی عائشة: أن ارسلی بانبجانیة رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وشعره، فأرسلت به معی أحمله، حتی دخلت به علیه، فأخذ الانبجانیة فلبسها، وأخذ شعره فدعا بماء فغسله وشربه وأفاض علی جلده.

لذلک فأم المؤمنین کانت تساند وتدعم ملک معاویة حتی بالأدلة التاریخیة

ص: 253

والتشریعیة؟! قال ابن کثیر(1): وقال ابن عساکر بإسناده عن أبی داود الطیالسی: حدثنا أیوب بن جابر، عن أبی إسحاق، عن الأسود بن یزید، قال قلت لعائشة: ألا تعجبین لرجل من الطلقاء ینازع أصحاب رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فی الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلک؟ هو سلطان الله یؤتیه البر والفاجر، وقد ملک فرعون أهل مصر أربعمائة سنة، وکذلک غیره من الکفار.

وبعد استتمام الأمر لمعاویة کشَّر عن أنیابه ونسی مسألة دم عثمان فصار یجاهر بالسعی الی طلبه الخلافة!فمن السمات الاساسیة للطاغیة أنه لا یکترث برضا الناس او موافقتهم فالمهم إجبارهم علی السمع والطاعة (2) روی الأصمعی عن الهذلی، عن الشعبی قال: لما قدم معاویة المدینة عام الجماعة تلقته رجال من وجوه قریش فقالوا: الحمد لله الذی أعز نصرک، وأعلا أمرک. فما رد علیهم جوابا حتی دخل المدینة، فقصد المسجد وعلا المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: أما بعد! فإنی والله ما ولیت أمرکم حین ولیته وأنا أعلم أنکم لا تسرون بولایتی ولا تحبونها، وإنی لعالم بما فی نفوسکم من ذلک، ولکنی خالستکم بسیفی هذا مخالسة، ولقد رمت نفسی علی عمل ابن أبی قحافة فلم أجدها تقوم بذلک ولا تقدر علیه، وأردتها علی عمل ابن الخطاب فکانت أشد نفورا وأعظم هربا من ذلک، وحاولتها علی مثل سنیات عثمان فأبت علی وأین مثل هؤلاء؟ ومن یقدر علی أعمالهم؟ هیهات أن یدرک فضلهم أحد ممن بعدهم؟ رحمة الله ورضوانه علیهم، غیر أنی سلکت بها طریقا لی فیه منفعة، ولکم فیه مثل ذلک. ولکل فیه مواکلة حسنة، ومشاربة جمیلة، ما استقامت السیرة وحسنت الطاعة، فإن لم

ص: 254

تجدونی خیرکم فأنا خیر لکم، والله لا أحمل السیف علی من لا سیف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذنی، وإن لم تجدونی أقوم بحقکم کله فارضوا منی ببعضه، فإنها بقاببة قوبها، وإن السیل إذا جاء یبری، وإن قل أغنی، وإیاکم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعیشة، وتکدر النعمة، وتورث الاستیصال، أستغفر الله لی ولکم، أستغفر الله..

ومن الطریف ماجرّته مسألة استلحاق زیاد من مسائل شرعیة فی زمانه! قال أبو یعلی(1) «حدثنا داود بن رشید حدثنا أبو تمیلة قال سمعت محمد بن إسحاق قال ادعی نصر بن الحجاج بن علاط السلمی عبد الله بن رباح مولی خالد بن الولید فقام عبد الرحمن بن خالد بن الولید فقال مولای ولد علی فراش مولای وقال نصر أخی أوصانی بمنزله قال فطالت خصومتهم فدخلوا معه علی معاویة وفهر تحت رأسه فادَّعیا, فقال معاویة سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول الولد للفراش وللعاهر الحجر فقال نصر فأین قضاؤک هذا یا معاویة فی زیاد فقال معاویة قضاء رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم خیر من قضاء معاویة, فکان عبد الله بن رباح لا یجیب نصراً إلی ما یدعی»..

وبعد کل ما بدر من معاویة الباغی والمغتصب للخلافة والملک الظالم لا نعدم من یدافع عنه بأعذار هی أقبح من ذنوبه إذ یقول هذا الأموی «کان معاویة بن أبی سفیان بن حرب بن امیة أمیرا علی الشام فی عهد عمر وعثمان, وکان محبوباً من أهله فلما وقع إلیه مقتل عثمان واستخلاف علی لم یرض ان یدخل فی بیعته لأسباب:

ص: 255

إنه یتهم علیا بشیء من أمر عثمان

آوی قتلته فی جیشه

انه کان بین الرجلین نفور أدی الی ان علیا یری من أول واجباته عزل معاویة عن إمارة الشام ولیس ذلک من السهل علی رجل اعتاد الإمارة والعزة نعم لیس من السهل ان یدخل مختارا فی بیعة نتیجتها إذلاله والاستهانة به»(1)!

وهذا الأموی یرید ان یقول ان المسؤولیة الکبری فی النزاع تقع علی علی لکون نزعات الخصام الشخصی مع معاویة واستهدافه لمعاویة أدت واضطرت معاویة الی فعل مافعل لان علیا یرید إذلاله والاستهانة به! ولو قدر لمعاویة ان یدافع عن نفسه لما أجاد کما أجاد هذا الأموی!

وفی رجب من عام ستین للهجرة جاء الأجل الذی کان معاویة لا یظن انه یأتیه بعد ان عب من ملذات الدنیا مالا یحصیه احد! حتی روی انه اتخذ رداءً من حواصل الطیور(2)!

فیروی انه قال وهو یحتضر: تبا لک من دار، ملکتک أربعین سنة، عشرین أمیرا، وعشرین خلیفة، ثم هذا حالی فیک، ومصیری منک، تبا للدنیا ولمحبیها(3).

ولما کان معاویة الجاهلی یفکر بالشامتین (وهم کثر) قیل ان یفکر بماذا سیواجه ربه فإنه ولما تحدث الناس بموته قال لأهله: احشوا عینی إثمدا، وأوسعوا رأسی دهنا، ففعلوا وغرقوا وجهه بالدهن، ثم مهد له مجلس وقال: أسندونی، ثم قال: إیذنوا للناس فلیسلموا علی قیاما ولا یجلس أحد، فجعل الرجل یدخل

ص: 256

فیسلم قائما فیراه مکتحلا متدهنا فیقول متقول الناس إن أمیر المؤمنین لما به وهو أصح الناس، فلما خرجوا من عنده قال معاویة فی ذلک:

وتجلدی للشامتین أریهم

أنی لریب الدهر لا أتضعضع

وإذا المنیة أنشبت أظفارها

ألفیت کل تمیمة لا تنفع(1)

وآخر کلمة قالها هی «یوم لی من الأدبر طویل» ویقصد بالأدبر, حجر الخیر الذی قتله ظلما وعدواناً..

وقد نصّ ابن کثیر علی نصبه فی أرجوزته فقال:

وهکذا خلفاء بنی أمیة

عدتهم کعدة الرافضیّة

ولکن المدة کانت ناقصة

عن مائة من السنین خالصة

وکلهم قد کان ناصبیّا

إلا الامام عمر التقیّا((2)

ص: 257

ص: 258

وروی فی مسند احمد(1) حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا سلیمان بن داود الطیالسی قال وحدثنا الضحاک بن یسار قال حدثنا یزید بن عبد الله بن الشخیر قال حدثنا عبد الرحمن بن صحار العبدی عن أبیه قال استأذنت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم أن یأذن لی فی جرَّة أنتبذ فیها فرخص لی فیها أو أذن لی فیها..

وصحار العبدی هو الذی کان سدد لمعاویة رأیه فی إرسال ابن الحضرمی فی کتاب کتبه الیه, وهو ممن کان یری رأی عثمان ویخالف قومه فی حبهم علیا علیه السلام ونصرتهم إیاه. قال: فکتب إلی معاویة: أما بعد، فقد بلغنا وقعتک بأهل مصر الذین بغوا علی إمامهم وقتلوا خلیفتهم ظلماً وبغیاً، فقرت بذلک العیون وشفیت بذلک النفوس، وأثلجت أفئدة أقوام کانوا لقتل عثمان کارهین، ولعدوه مفارقین، ولکم موالین، وبکم راضین، فان رأیت أن تبعث إلینا أمیراً طیباً زاکیاً، ذا عفاف ودین یدعو إلی الطلب بدم عثمان فعلت، فإنی لا إخال الناس إلا مجمعین علیک فان ابن عباس غائب عن الناس، والسلام. فلما قرأ معاویة کتابه قال: لا عزمت رأیاً سوی ما کتب به إلی هذا، وکتب إلیه جوابه: أما بعد، فقد قرأت کتابک فعرفت نصیحتک، وقبلت مشورتک، فرحمک الله وسددک، أثبت هداک الله علی رأیک الرشید، فکأنک بالرجل الذی سألت قد أتاک، وکأنک بالجیش قد أطل علیک، فسررت وحییت وقبلت، والسلام(2).

وذکر البلاذری فی أنساب الاشراف(3) کان عباس بن صحار العبدی مخالفاً

ص: 259

لقومه فی حب علی، فلما دعا ابن الحضرمی الناس إلی بیعة معاویة والطلب بدم عثمان قام إلیه فقال: إنی والذی له أسعی وإیاه أخشی لننصرنک بأیدینا وألسنتنا. فقال له المثنی بن محرمة العبدی: والله لئن لم ترجع إلی المکان الذی جئت منه لنجاهدنک بأسیافنا ونبالنا وأسنة رماحنا، فلا یغرنک قول هذا - یعنی عباس بن صحار - أترانا ندع طاعة ابن عم نبینا وندخل فی طاعة حزب من الأحزاب. ثم أقبل ابن الحضرمی علی صبرة بن شیمان العبدی فقال: یا صبرة أنت ناب من أنیاب العرب وأحد الطلبة بدم عثمان فانصرنی. فقال: لو نزلت فی داری لنصرتک.

قلت: (الصحیح: صحار بن عباس العبدی!)

قال ابن الندیم فی الفهرست: کان صحار عثمانیا(1).

قال ابن حجر(2): کان عثمانیا أحد النسابین والخطباء فی أیام معاویة وله مع دفل النسابة محاورات وقال الرشاطی: کان ممن طلب بدم عثمان..

ص: 260

ص: 261

روی الحاکم(1) «عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج الکلابی عن عبد الله الهمدانی عن الولید بن عقبة قال لما فتح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مکة جعل أهل مکة یأتون بصبیانهم, فیمسح رسول الله صلی الله علیه وآله علی رؤسهم ویدعوا لهم, فخرج بی أبی إلیه وانی مطیّب بالخلوق, فلم یمسح علی رأسی ولم یمسّنی ولم یمنعه من ذلک إلا أن أمی خلقتنی بالخلوق فلم یمسَّنی من أجل الخلوق» وقد تذرع الولید فی روایته بالخلوق! غیر أن أحمد بن حنبل کذَّبه (بطریقة مهذبة) فقال «وقد روی أنه أسلم یومئذ فتقذره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم یمسَّه ولم یدعُّ له, والخلوق لا یمنع من الدعاء! لا جرم أیضا لطفل فی فعل غیره لکنه مُنِع برکة رسول الله صلی الله علیه وآله لسابق علم الله تعالی فیه والله أعلم»(2).

قال ابن حجر(3) «قتل أبوه بعد الفراغ من غزوة بدر صبراً, وکان شدیداً علی المسلمین کثیر الأذی لرسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, فکان ممن أُسِر ببدر فأمر النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم بقتله فقال یا محمد من للصبیة قال: النار, وأسلم الولید وأخوه عمارة یوم الفتح».

وهذا النص یثبت ان النبی صلی الله عیه وآله قد علم بکون الولید سیکون منافقاً یکید للإسلام طوال عمره فقال ذلک.. ولم یکن الولید من الذین یطیعون النبی فی حیاته إذ کانت له خطلات عدیدة وشقاق بیّن, منها ما

ص: 262

روی فی المسند(1) «حدثنا عبد الله حدثنی نصر بن علی وعبید الله بن عمر قالا حدثنا عبد الله ابن داود عن نعیم بن حکیم عن أبی مریم عن علی رضی الله عنه إن امرأة الولید بن عقبة أتت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فقالت یا رسول الله إن الولید یضربها وقال نصر بن علی فی حدیثه تشکوه قال قولی له قد أجارنی قال علی فلم تلبث إلا یسیراً حتی رجعت فقالت ما زادنی إلا ضرباً فأخذ هدبة من ثوبه فدفعها إلیها, وقال: قولی له إن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قد أجارنی فلم تلبث إلا یسیراً حتی رجعت, فقالت ما زادنی إلّا ضرباً, فرفع یدیه وقال اللهم علیک الولید أثم بی مرتین» فالولید لم یجعل حرمة للنبی بعد ان لجأت زوجته إلیه, وهل هناک استهتار وعصیان اکبر من هذا؟!

وقد أجمع المفسرون ان الولید بن عقبة هو المقصود بالآیة:

{یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَی مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ}(2).

ص: 263

فهو الفاسق بنص القرآن!قال مقاتل «ذلک أن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم بعث الولید بن عقبة بن أبی معیط الأموی إلی بنی المصطلق، وهم حی من خزاعة، لیقبض صدقة أموالهم، فلما بلغهم ذلک فرحوا واجتمعوا لیتلقوه، فبلغ الولید ذلک فخافهم علی نفسه، وکان بینه وبینهم عداوة فی الجاهلیة من أجل شیء کانوا أصابوه، فرجع إلی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، فقال طردونی ومنعونی الصدقة، وکفروا بعد إسلامهم، فلما قال ذلک انتدب المسلمون لقتالهم. فقال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: ألا حتی أعلم العلم، فلما بلغهم أن الولید رجع من عندهم، بعثوا وفدا من وجوههم فقدموا علی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم المدینة، فقالوا: یا رسول الله، إنک أرسلت إلینا من یأخذ صدقاتنا فسررنا بذلک، وأردنا أن نتلقاه، فذکر لنا أنه رجع من بعض الطریق فخفنا أنه إنما رده غضب علینا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، والله ما رأیناه ولا أتانا، ولکن حمله علی ذلک شیء کان بیننا وبینه فی الجاهلیة، فهو یطلب یدخل الجاهلیة، فصدقهم النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم. فأنزل الله تعالی فی الولید ثلاث آیات متوالیات بفسقه وکذبه»!

وکان الولید من أمراء الکوفة, روی ابن عبد البر(1) «وروی جعفر بن سلیمان عن هشام بن حسان عن ابن سیرین قال لما قدم الولید بن عقبة أمیرا علی الکوفة أتاه ابن مسعود فقال له ما جاء بک قال جئت أمیرا فقال ابن مسعود ما أدری أصلُحتَ بعدنا, أم فسد الناس؟! وله أخبار فیها نکارة وشناعة تقطع علی سوء حاله وقبح أفعاله غفر الله لنا وله, فلقد کان من رجال قریش ظرفاً وحلماً وشجاعة وأدباً وکان من الشعراء المطبوعین, وکان الأصمعی وأبو عبیدة وابن

ص: 264

الکلبی وغیرهم یقولون کان الولید بن عقبة فاسقاً شرّیب الخمر, وکان شاعراً کریماً تجاوز الله عنَّا وعنه, قال أبو عمر أخباره فی شرب الخمر ومنادمته أبا زید الطائی کثیرة یسمج بنا ذکرها هنا, ونذکر منها طَرَفاً, ذکر عمر بن شبة قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة بن ربیعة عن ابن شوذب قال صلی الولید ابن عقبة بأهل الکوفة صلاة الصبح أربع رکعات ثم التفت إلیهم فقال: أزیدکم؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما زلنا معک فی زیادة منذ الیوم»..

وقد أقام الولید للناس ساحراً یعمل الأعاجیب لیشاهده الناس, وقتله جندب فی خبر مشهور قال ابن عبد البر(1) «أن ساحراً کان عند الولید بن عقبة یمشی علی الجبل ویدخل فی أست الحمار, ویخرج من فیه, فاشتمل له جندب علی السیف فقتله, قال أبو عمر قد ذکرنا خبر جندب هذا فی قتله للساحر بین یدی الولید من طرق فیها بیان شاف من کتاب الصحابة والحمد لله کثیرا».

وقد ثبت علی الولید شرب الخمر فی حادثة مخزیة, والظاهر ان شرب الخمر من الولید تکرَّرت منه فی أکثر من مرة, قال الذهبی(2) «قال علقمة: کنّا بالروم وعلینا الولید، فشرب، فأردنا أن نحدَّه، فقال حذیفة بن الیمان: أتجلدون أمیرکم، وقد دنوتم من عدوکم، فیطمعون فیکم؟ وقال هو:

لأشربن وإن کانت محرمة

وأشربن علی رغم أنف رغما»

وهذه القصة قد عتّم علیها (المؤرخون) فالتاریخ کتب بأید أمویة الهوی, أما فی حادثة الشرب الثانیة فهی مرویة فی أکثر المصادر المعتمدة, قال ابن حجر(3) «قال

ص: 265

مصعب الزبیری وکان من رجال قریش وسراتهم وقصة صلاته (الولید) بالناس الصبح أربعاً وهو سکران مشهورة مخرَّجة, وقصة عزله بعد أن ثبت علیه شرب الخمر مشهورة أیضا مخرَّجة فی الصحیحین, وعزله عثمان بعد جلده عن الکوفة وولاها سعید بن العاص, ویقال أن بعض أهل الکوفة تعصَّبوا علیه فشهدوا علیه بغیر الحق حکاه الطبری واستنکره بن عبد البر».

 وهذه الحادثة مع ثبوتها جری تحریفها, إذ روی احمد بن حنبل(1) فی مسنده(2) «شُهد علی الولید بن عقبة عند عثمان أنه شرب الخمر فکلّم علیٌ عثمان فیه, فقال: دونک ابن عمک فاجلده, فقال... قم یا عبد الله بن جعفر فجلده وعد علی رضی الله عنه فلمَّا کمل أربعین قال حسبک أو أمسک جلد رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أربعین وأبو بکر أربعین وکملها عمر ثمانین وکل سنة»

ولا أعلم کیف أصبحت سنة النبی نفسها سنة عمر وقد اختلفا فی عدد السیاط؟ وهل ان سنة أبی بکر وعمر فی عرض سنة النبی صلی الله علیه وآله؟!

وقد روی البعض بأن الولید اعتزل الطرفین بعد مقتل عثمان حتی مات, والظاهر أن هذه الأخبار وُضعت فی زمن متأخر کالخبر الذی رواه ابن الأثیر(3) «لما

ص: 266

قتل عثمان اعتزل (الولید) الفتنة وقیل شهد صفین مع معاویة, وقیل لم یشهدها, ولکنه کان یحرّض معاویة بکتبه وشعره».إذ ان المعروف بین المؤرخین مشارکته معاویة البغی علی أمیر المؤمنین علیه السلام قال ابن أبی الحدید(1) «قال نصر: وحدثنا مالک الجهنی، عن زید بن وهب، أن علیا علیه السلام مر علی جماعة من أهل الشام بصفین، منهم الولید بن عقبة، وهم یشتمونه ویقصبونه، فأخبر بذلک، فوقف علی ناس من أصحابه وقال: انهدوا إلیهم، وعلیکم السکینة والوقار وسیما الصالحین، أقرب بقوم من الجهل، قائدهم ومؤدبهم معاویة، وابن النابغة وأبو الأعور السلمی، وابن أبی مُعیط شارب الحرام، والمحدود فی الإسلام! وهم أولاء، یقصبوننی ویشتموننی، وقبل الیوم ما قاتلونی وشتمونی، وأنا إذ ذاک أدعوهم إلی الإسلام وهم یدعوننی إلی عبادة الأصنام، فالحمد لله، ولا إله إلا الله، لقدیما ما عادانی الفاسقون، إن هذا لهو الخطب الجلل، إن فساقا کانوا عندنا غیر مرضیین، وعلی الإسلام وأهله متخوفین، أصبحوا وقد خدعوا شطر هذه الأمة، واشربوا فی قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهواءهم بالإفک والبهتان، ونصبوا لنا الحرب، وجدوا فی إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو کره الکافرون. اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم، وشتت کلمتهم، وأبلسهم بخطایاهم، فإنه لا یذل من والیت، ولا یعز من عادیت. قال نصر: وکان علی علیه السلام، إذا أراد الحملة هلل وکبر، ثم قال:

من أی یومیّ من الموت أفر

أیوم لم یقدر أو یوم قدر!»

وبعد ان قُتل محمد بن أبی بکر رضوان الله علیه وهو والٍ علی مصر من أمیر المؤمنین علیه السلام وقع فی ید عمرو بن العاص بعض الکتب التی أرسلها

ص: 267

الإمام لمحمد بن أبی بکر, ومنها الکتاب الذی أرسله الإمام لأهل مصر وفیها نصائح وکنوز أخلاقیة جمة, قال ابن أبی الحدید(1) «قال إبراهیم بن سعد الثقفی: فحدثنی عبد الله بن محمد بن عثمان عن علی بن محمد بن أبی سیف، عن أصحابه، أن علیا لما کتب إلی محمد بن أبی بکر هذا الکتاب، کان ینظر فیه ویتأدَّب بأدبه، فلما ظهر علیه عمرو بن العاص وقتله، أخذ کتبه أجمع، فبعث بها إلی معاویة، فکان معاویة ینظر فی هذا الکتاب ویتعجب منه، فقال الولید بن عقبة، وهو عند معاویة، وقد رأی إعجابه به: مر بهذه الأحادیث أن تحرق، فقال معاویة، مه، لا رأی لک! فقال الولید: أفمن الرأی أن یعلم الناس أن أحادیث أبی تراب عندک تتعلم منها! قال معاویة: ویحک! أتأمرنی أن أحرق علما مثل هذا! والله ما سمعت بعلم هو أجمع منه ولا أحکم فقال الولید: إن کنت تعجب من علمه وقضائه فعلام تقاتله! فقال: لو أن أبا تراب قتل عثمان ثم أفتانا لأخذنا عنه. ثم سکت هنیهة، ثم نظر إلی جلسائه فقال: إنا لا نقول: إن هذه من کتب علی بن أبی طالب علیه السلام، ولکن نقول: هذه من کتب أبی بکر الصدیق، کانت عند ابنه محمد فنحن ننظر فیها، ونأخذ منها. قال: فلم تزل تلک الکتب فی خزائن بنی محمد فنحن ننظر فیها، ونأخذ منها. قال: فلم تزل تلک الکتب فی خزائن بنی أمیة حتی ولی عمر بن عبد العزیز، فهو الذی أظهر أنها من أحادیث علی بن أبی طالب علیه السلام»!.

وهذا هو التاریخ الذی کُتب ومازال متداولا الی الیوم فمعاویة قد تنبه الی هذا الشیء والعرب یومئذ فی سذاجة من الحیل والاختلاط بالعالم المتمدن ولم یتعلموا بعد تزویر التاریخ کما فعل الرومان قبلهم فی صراعهم مع البرابرة فکیف

ص: 268

بما حصل بعدها من أسالیب التزویر ونسب الفضائل لغیر أهل البیت علیهم السلام؟!

ومثل غیره من النواصب کان الولید لا یضیع فرصة إلا ویشتم أمیر المؤمنین علیه السلام, قال ابن أبی الحدید(1) «قال شیخنا أبو القاسم البلخی: من المعلوم الذی لا ریب فیه لاشتهار الخبر به، وإطباق الناس علیه، أن الولید بن عقبة بن أبی معیط کان یبغض علیا ویشتمه، وأنه هو الذی لاحاه فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله ونابذه، وقال له: أنا أثبت منک جناناً، وأحدُّ سناناً، فقال له علی علیه السلام: اسکت یا فاسق، فأنزل الله تعالی فیهما: {أَفَمَنْ کَانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کَانَ فَاسِقاً لا یَسْتَوُونَ} (السجدة: 18).

وسُمّی الولید بحسب ذلک فی حیاة رسول الله صلی الله علیه وآله الفاسق، فکان لا یعرف إلا بالولید الفاسق»..

ص: 269

ص: 270

کعب من مذحج, وکان أبوه شهاب بن الحصین قتل قاتل أبیه الحصین یوم الرزم, وکان کثیر بن شهاب سید مذحج بالکوفة وکان بخیلاً, وقد روی عن عمر بن الخطاب وولی الری لمعاویة بن أبی سفیان ومن ولده محمد بن زهرة بن الحارث بن منصور بن قیس بن کثیر بن شهاب الذی ینزل ماسبذان وقد ولی ماسبذان وکان له قدر ببغداد أیام هارون(1).

إذن هو احد ولاة بنی امیة وظالمیهم بالتبع, فبنو أمیة لا یولّون أحداً إلا کان لهم به أرب دنیوی ظلامی, قال ابن الأثیر(2) «لما ولی المغیرة الکوفة استعمل کُثیر بن شهاب علی الری, وکان یکثر سبّ علی علی منبر الری, وبقی علیها إلی أن ولی زیاد الکوفة فأقرَّه علیها, وغزا الدیلم ومعه عبد الله بن الحجَّاج التغلبی, وقتل دیلمیاً وأخذ سلبه فأخذه منه کثیر فناشده الله فی رده علیه فلم یفعل فاختفی له وضربه علی وجهه بالسیف أو بعصا هشم وجهه فقال:

من مبلغ أبناء خندف أنن__ی

أدرکت طائلتی من ابن شهاب

أدرکته لیلا بعقوة داره

فضربته قدما علی الأنیاب

هلا خشیت وأنت عاد ظالم

بقصور أبهر أسرتی وعقابی

روی عنه البیهقی(3) قوله «سألت عمر بن الخطاب رضی الله عنه عن الجِبن, فقال: إن الجِبن من اللبن واللبأ, فکلوا واذکروا اسم الله علیه ولا یغرنکم أعداء الله»..

وقد کان کثیر هذا من النواصب الجلدین, إذ لم یکتف بسبه لأمیر المؤمنین

ص: 271

ومجاهرته بذلک بل أنه اشترک فی مجزرة کربلاء, قال البلاذری(1) (2) «وحدثنی العباس بن هشام الکلبی، عن أبیه، عن عوانة قال: کان کثیر بن شهاب بن الحصین بن ذی الغصة الحارثی عثمانیاً یقع فی علی بن أبی طالب ویثبِّط الناس عن الحسین، ومات قبیل خروج المختار بن أبی عبید أو فی أول أیامه، وله یقول المختار بن أبی عبید فی سجعه: (أما ورب السحاب، شدید العقاب، سرع الحساب، منزل الکتاب، لأنبشن قبر کثیر بن شهاب، المفتری الکذاب).

وکان معاویة ولاه الری ودستبی، حینا من قبله ومن قبل زیاد والمغیرة ابن شعبة عاملیه. ثم غضب علیه فحبسه بدمشق، وضربه حتی شخص شریح ابن هانئ المرادی إلیه فی أمره فتخلصه.».

ولدوره فی تثبیط الناس عن الإمام الحسین علیه السلام فقد کافأه یزید, قال البلاذری(3) «وکان یزید بن معاویة قد حمد مشایعته وأتباعه لهواه، فکتب إلی عبید الله بن زیاد فی تولیته ماسبذان ومهر جانقذف وحلوان والماهین، وأقطعه ضیاعا بالجبل، فنبی قصره المعروف بقصر کثیر، وهو من عمل الدینور..»

وقد قوّی ابن حجر کونه صحابیاً بقوله(4) «ومما یقوی ان له صحبة ما تقدم أنهم ما کانوا یؤمّرون إلا الصحابة وکتاب عمر إلیه بهذا یدل علی أنه کان أمیراً».

ص: 272

ص: 273

عمک هذا لمخضَّد، أما إنی أقول هذا، وقد سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: اللهم علِّمه الکتاب، ومکِّن له فی البلاد، وقهِ العذاب.

روی الذهبی(1): قرأت علی عمر بن عبد المنعم، أخبرکم عبد الصمد بن محمد القاضی حضورا، أنبأنا علی بن المسلم، أنبأنا الحسین بن طلاب، أنبأنا محمد بن أحمد بن جمیع، حدثنا واهب بن محمد بالبصرة، حدثنا نصر بن علی الجهضمی، حدثنا محمد بن بکر البرسانی، عن ابن جریج، عن ابن المنکدر، عن أبی أیوب، عن مسلمة بن مخلد قال: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: من ستر مسلماً ستره الله فی الدنیا والآخرة، ومن فک عن مکروب فک الله عنه کربة من کرب یوم القیامة، ومن کان فی حاجة أخیه، کان الله فی حاجته.

ص: 274

ص: 275

ص: 276

قال معاویة: فإن رأیی غیر هذا، أری أن نکاتب من کان بها من شیعتنا، ومن کان بها من عدونا، فأما شیعتنا فنأمرهم بالثبات علی أمرهم نمنیهم قدومنا علیهم، وأما من کان بها من عدونا فندعوهم إلی صلحنا، ونمنیهم شکرنا، ونخوفهم حربنا، فإن صلح لنا ما قبلهم، من غیر حرب ولا قتال فذلک ما أحببنا، وإلا فحربهم من وراء ذلک.

إنک یا بن العاص لامرؤ بورک لک فی العجلة، وبورک لی فی التؤدة.

قال عمرو: فاعمل بما أراک الله، فوالله ما أری أمرک وأمرهم یصیر إلا إلی الحرب.

قال: فکتب معاویة عند ذلک إلی مسلمة بن مخلد الأنصاری، وإلی معاویة بن حدیج الکندی، وکانا قد خالفا علیا: أما بعد، فإن الله عز وجل قد ابتعثکما لأمر عظیم، أعظم به أجرکما ورفع درجتکما ومرتبتکما فی المسلمین. طلبتما بدم الخلیفة المظلوم، وغضبتما لله، إذ ترک حکم الکتاب، وجاهدتما أهل الظلم والعدوان، فأبشرا برضوان الله، وعاجل نصرة أولیاء الله، والمواساة لکما فی دار الدنیا وسلطاننا، حتی ینتهی ذلک إلی ما یرضیکما، ویؤدی به حقکما. فالزما أمرکما، وجاهدا عدوکما، وادعوا المدبرین منکما إلی هداکما فکأن الجیش قد أظل علیکما، فاندفع کل ما تکرهان، ودام کل ما تهویان، والسلام علیکما ورحمة الله. وبعث بالکتاب مع مولی له یقال له سبیع، فخرج بکتابه حتی قدم به علیهما بمصر، ومحمد بن أبی بکر یومئذ أمیرها قد ناصبه هؤلاء النفر الحرب، وهم هائبون الاقدام علیه، فدفع الکتاب إلی مسلمة بن مخلد، فقرأه فقال: الق به معاویة بن حدیج، ثم القنی به حتی أجیب عنی وعنه. فانطلق الرسول بکتاب معاویة فأقرأه إیاه، ثم قال له: إن مسلمة قد أمرنی أن أرد الکتاب إلیه لکی یجیب

ص: 277

عنک وعنه. قال: قل له فلیفعل، فأتی مسلمة بالکتاب فکتب الجواب عنه وعن معاویة بن حدیج: أما بعد، فإن هذا الامر الذی قد ندبنا له أنفسنا، وابتغینا الله به علی عدونا أمر نرجو به ثواب ربنا، والنصر علی من خالفنا، وتعجیل النقمة علی من سعی علی إمامنا، وطأطأ الرکض فی مهادنا، ونحن بهذه الأرض قد نفینا من کان بها من أهل البغی، وأنهضنا من کان بها من أهل القسط والعدل. وقد ذکرت موازرتک فی سلطانک وذات یدک، وبالله إنه لا من أجل مال نهضنا، ولا إیاه أردنا، فإن یجمع الله لنا ما نرید ونطلب، أو یرینا ما تمنینا، فإن الدنیا والآخرة لله رب العالمین، وقد یثوبهما الله جمیعا عالما من خلقة، کما قال فی کتابه: (فأتاهم الله ثواب الدنیا وحسن ثواب الآخرة والله یحب المحسنین). عجل لنا بخیلک ورجلک، فإن عدونا قد کان علینا جریئا وکنا فیهم قلیلا، وقد أصبحوا لنا هائبین، وأصبحنا لهم منابذین، فإن یأتنا مدد من قبلک بفتح الله علیک، ولا قوه إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوکیل».

وفی خبر هذا الکتاب یقول ابن کثیر «فکتب عند ذلک معاویة إلی مسلمة بن مخلد الأنصاری، وإلی معاویة بن خدیج السکونی - وهما رئیسا العثمانیة ببلاد مصر ممن لم یبایع علیا ولم یأتمر بأمر نوابه بمصر...»((1)

وهکذا صار مسلمة من خلّص اصحاب معاویة وولّاه فیما بعد مصر والمغرب وجمعهما له ثم ولی مصر لیزید الفاسق ومات فی ملک یزید.

من حدیثه ما ادعی انه رواه عن النبی علیه الصلاة والسلام: اللهم علِّم معاویة الکتاب ومکِّن له فی البلاد!((2)... والحدیث ینبئ عن راویه!

ص: 278

ص: 279

ذلک الزمان) لتستحق التأمل الطویل فیما بلغته الشعوب الإسلامیة من المذلَّة والاستعباد! وقد کانت الفکرة فی استخلافه من المغیرة بن شعبة, ومن غیره؟! روی ابن الاثیر(1) فی أحداث عام ستة وخمسین «کان ابتداء ذلک وأولُّه من المغیرة بن شعبة, فإن معاویة أراد أن یعزله عن الکوفة ویستعمل عوضه سعید بن العاص, فبلغه ذلک فقال الرأی أن أشخص إلی معاویة فأستعفیه لیظهر للناس کراهتی للولایة, فسار إلی معاویة وقال لأصحابه حین وصل إلیه إن لم أکسبکم الآن ولایة وإمارة لا أفعل ذلک أبداً, ومضی حتی دخل علی یزید وقال له إنه قد ذهب أعیان أصحاب النبی وآله وکبراء قریش وذوو أسنانهم, وإنما بقی أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأیاً وأعلمهم بالسنَّة والسیاسة, ولا أدری ما یمنع أمیر المؤمنین أن یعقد لک البیعة, قال: أو تری ذلک یتم؟ قال: نعم. فدخل یزید علی أبیه وأخبره بما قال المغیرة, فأحضر المغیرة وقال له: ما یقول یزید؟ فقال یا أمیر المؤمنین قد رأیت ما کان من سفک الدماء والاختلاف بعد عثمان, وفی یزید منک خلف, فاعقد له فإن حدث بک حادث کان کهفاً للناس وخلفاً منک, ولا تُسفک دماء ولا تکون فتنة قال: ومن لی بهذا قال أکفیک أهل الکوفة ویکفیک زیاد أهل البصرة ولیس بعد هذین المصرین أحد یخالفک, قال فارجع إلی عملک وتحدث مع من تثق إلیه فی ذلک وتری ونری, فودَّعه ورجع إلی أصحابه, فقالوا مه قال لقد وضعت رجل معاویة فی غرز بعید الغایة علی أمة محمد, وفتقت علیهم فتقاً لا یُرتق أبداً وتمثل:

بمثلی شاهدی النجوی وغالی

بی الأعداء والخصم الغضابا

وسار المغیرة حتی قدم الکوفة وذاکر من یثق إلیه ومن یعلم أنه شیعة لبنی

ص: 280

أمیة أمر یزید, فأجابوا إلی بیعته, فأوفد منهم عشرة ویقال أکثر من عشرة وأعطاهم ثلاثین ألف درهم وجعل علیهم ابنه موسی بن المغیرة وقدموا علی معاویة فزیَّنوا له بیعة یزید ودعوه إلی عقدها, فقال معاویة: لا تعجلوا بإظهار هذا وکونوا علی رأیکم. ثم قال لموسی بکم اشتری أبوک من هؤلاء دینهم؟ قال: بثلاثین ألفا, قال: لقد هان علیهم دینهم. وقیل: أرسل أربعین رجلاً وجعل علیهم ابنه عروة فلما دخلوا علی معاویة قاموا خطباء فقالوا: إنما أشخصهم إلیه النظر لأمة محمد وقالوا یا أمیر المؤمنین کبرت سنک وخفنا انتشار الحبل فانصب لنا علماً وحد لنا حداً ننتهی إلیه, فقال أشیروا علی فقالوا نشیر بیزید بن أمیر المؤمنین فقال أو قد رضیتموه قالوا نعم قال وذلک رأیکم؟ قالوا: نعم، ورأی من وراءنا, فقال معاویة لعروة سّرا عنهم بکم اشتری أبوک من هؤلاء دینهم؟ قال: بأربعمائة دینار, قال: لقد وجد دینهم عندهم رخیصاً وقال لهم: ننظر ما قدمتم له ویقضی الله ما أراد والأناة خیر من العجلة فرجعوا. وقوی عزم معاویة علی البیعة لیزید فأرسل إلی زیاد یستشیره فأحضر زیاد عبید بن کعب النمیری وقال له إن لکل مستشیر ثقة, ولکل سرٍّ مستودع وإن الناس قد أبدع بهم خصلتان إذاعة السر وإخراج النصیحة إلی غیر أهلها, ولیس موضوع السر إلا أحد رجلین, رجلُ آخرةٍ یرجو ثوابها, ورجلُ دنیا له شرف فی نفسه وعقل یصون حسبه, وقد خبرتهما منک وقد دعوتک لأمر اتهمت علیه بطون الصحف, إن أمیر المؤمنین کتب یستشیرنی فی کذا وکذا وإنه یتخوف نفرة الناس ویرجو طاعتهم وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظیم, ویزید صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أُولِهَ به من الصید فالق أمیر المؤمنین وأدّ إلیه فعلات یزید, فقال له رویدک بالأمر فأحری لک أن یتم لک ما ترید، فلا تعجل فإن درکاً فی تأخیر خیر من فوت فی عجلة. فقال له عبید: أفلا غیر هذا؟

ص: 281

قال: وما هو؟ قال: لا تفسد علی معاویة رأیه ولا تبغض إلیه ابنه وألقی أنا یزید فأخبره أن أمیر المؤمنین کتب إلیک یستشیرک فی البیعة له وأنک تتخوف خلاف الناس علیه لهنات ینقمونها علیک وأنک تری ما ینقم علیه لتستحکم له الحجة علی الناس ویتم ما ترید فتکون قد نصحت أمیر المؤمنین وسلمت مما تخاف من أمر الأمة, فقال زیاد: لقد رمیت الأمر بحجره, أشخص علی برکة الله فإن أصبت فما لا ینکر وإن یکن خطأ فغیر مستغش وتقول بما تری ویقضی الله بغیب ما یعلم. فقدم علی یزید فذکر ذلک له فکفَّ عن کثیر مما کان یصنع وکتب زیاد معه إلی معاویة یشیر بالتؤدة وأن لا یعجل فقبل منه. فلما مات زیاد عزم معاویة علی البیعة لابنه یزید فأرسل إلی عبد الله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها, فلما ذکر البیعة لیزید قال ابن عمر هذا أراد, إن دینی عندی إذن لرخیص وامتنع. ثم کتب معاویة بعد ذلک إلی مروان بن الحکم: إنی قد کبرت سنّی ودقّ عظمی وخشیت الاختلاف علی الأمة بعدی وقد رأیت أن أتخیّر لهم من یقوم بعدی, وکرهت أن أقطع أمراً دون مشورة من عندک فاعرض ذلک علیهم وأعلمنی بالذی یردون إلیک, فقام مروان فی الناس فأخبرهم به فقال الناس: أصاب ووفق وقد أحببنا أن یتخیّر لنا فلا یألوا. فکتب مروان إلی معاویة بذلک فأعاد علیه الجواب یذکر یزید, فقام مروان فیهم وقال إن أمیر المؤمنین قد اختار لکم فلم یأل وقد استخلف ابنه یزید بعده. فقام عبد الرحمن بن أبی بکر فقال کذبت والله یا مروان وکذب معاویة ما الخیر أردتما لأمة محمد ولکنکم تریدون أن تجعلوها هرقلیة کلما مات هرقل قام هرقل. فقال مروان هذا الذی أنزل الله فیه {وَالَّذِی قَالَ لِوَالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُمَا أَتَعِدَانِنِی أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِی وَهُمَا یَسْتَغِیثَانِ اللَّهَ وَیْلَکَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَیَقُولُ مَا هَذَا إِلاّ أَسَاطِیرُ  الأَوَّلِینَ} (الاحقاف: 17).

ص: 282

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت: یا مروان یا مروان فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه فقالت أنت القائل لعبد الرحمن أنه نزل فیه القرآن کذبت والله ما هو ولکنه فلان بن فلان ولکنک أنت فضض من لعنة نبی الله. وقام الحسین بن علی فأنکر ذلک وفعل مثله ابن عمر وابن الزبیر, فکتب مروان بذلک إلی معاویة وکان معاویة قد کتب إلی عماله بتقریظ یزید ووصفه, وأن یوفدوا إلیه الوفود من الأمصار, فکان فیمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدینة والأحنف بن قیس فی وفد أهل البصرة فقال محمد بن عمرو لمعاویة إن کل راع مسؤول عن رعیته فانظر من تولی أمر أمة محمد فأخذ معاویة بَهْرٌ حتی جعل یتنفس فی یوم شات ثم وصله وصرفه وأمر الأحنف أن یدخل علی یزید, فدخل علیه فلما خرج من عنده قال له کیف رأیت ابن أخیک قال رأیت شبابا ونشاطا وجلدا ومزاحا. ثم أن معاویة قال للضحاک بن قیس الفهری لما اجتمع الوفود عنده إنی متکلم فإذا سکتُّ فکن أنت الذی تدعو إلی بیعة یزید وتحثّنی علیها, فلما جلس معاویة للناس تکلم فعظّم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقها وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر ثم ذکر یزید وفضله وعلمه بالسیاسة وعرض ببیعته فعارضه الضحاک فحمد الله وأثنی علیه ثم قال یا أمیر المؤمنین إنه لا بد للناس من والٍ بعدک وقد بلونا الجماعة والألفة فوجدناهما أحقن للدماء وأصلح للدهماء وآمن للسبل وخیراً فی العاقبة والأیام عوج رواجع والله کل یوم هو فی شأن ویزید ابن أمیر المؤمنین فی حسن هدیه وقصد سیرته علی ما علمت, وهو من أفضلنا علماً وحلماً وأبعدنا رأیاً فولّه عهدک واجعله لنا علماً بعدک, ومفزعاً نلجأ إلیه ونسکن فی ظِلّه. وتکلم عمرو بن سعید الأشدق بنحو من ذلک ثم قام یزید بن المقنع العذری فقال هذا أمیر المؤمنین وأشار إلی معاویة فإن هلک فهذا وأشار إلی

ص: 283

یزید ومن أبی فهذا وأشار إلی سیفه فقال معاویة اجلس فأنت سید الخطباء. وتکلم من حضر من الوفود. فقال معاویة للأحنف ما تقول یا أبا بحر فقال نخافکم إن صدقنا ونخاف الله إن کذبنا وأنت یا أمیر المؤمنین أعلم بیزید فی لیله ونهاره وسره وعلانیته ومدخله ومخرجه فإن کنت تعلمه لله تعالی وللأمة رضا فلا تشاور فیه وإن کنت تعلم فیه غیر ذلک فلا تزوده الدنیا وأنت صائر إلی الآخرة وإنما علینا أن نقول سمعنا وأطعنا وقام رجل من أهل الشام فقال ما ندری ما تقول هذه المعدیة العراقیة وإنما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف»!!

وهکذا انعقد الأمر وکان ما کان واختصر ابن حجر ما کان من فضائع حکم یزید بعد البیعة فقال «ولما مات أبوه بویع له بالخلافة سنة ستین وامتنع من بیعته الحسین بن علی وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبیر وعاذ بحرم مکة فسمی عائذ البیت وأما ابن عمر فقال إذا اجتمع الناس بایعت ثم بایع وأما الحسین رضی الله عنه فسار إلی مکة فوافق بیعة أهل الکوفة فسار إلیهم بعد أن أرسل ابن عمه مسلم بن عقیل لأخذ البیعة فظفر به عبید الله بن زیاد أمیرها فقتله وجهز الجیش إلی الحسین فقتل فی یوم عاشوراء سنة إحدی وستین ثم إن أهل المدینة خلعوا یزید فی سنة ثلاث وستین فجهز إلیهم مسلم بن عقبة المری فی جیش حافل فقاتلهم فهزمهم وقتل منهم خلق کثیر من الصحابة وأبناؤهم وسبق أکابر التابعین وفضلاءهم واستباحها ثلاثة أیام نهبا وقتلا ثم بایع من بقی علی أنهم عبید لیزید ومن امتنع قتل ثم توجه إلی مکة لحرب ابن الزبیر فمات فی الطریق وعهد إلی الحصین بن نمیر فسار بالجیش إلی مکة فحاصر ابن الزبیر ونصبوا المنجنیق علی الکعبة فوهت أرکانها ثم احترقت وفی أثناء ذلک ورد الخبر بموت یزید ثم مات ابنه معاویة بن یزید بعد قلیل وصفا الجو لابن الزبیر فدعا إلی نفسه فبایعه أهل الآفاق

ص: 284

وأکثر أهل الشام ثم خرج علیه مروان بن الحکم فکان ما کان»(1).

وحسبک من جرائم یزید قتله للحسین ابن بنت النبی صلی الله علیه وآله والصحابی وهو من هو وتشفیه بأبیات الشعر المعروفة وقد اعترض بعض النواصب علی زج اسم یزید فی مقتل الحسین وتمحل له العذر بأنه لم یرض بقتله! ولکن لم یجبنا هذا الناصبی ان لم یرض یزید بقتل الحسین فکیف یصلب رأسه بالشام؟ روی ابن عساکر(2) فی ترجمة خالد بن غفران «خالد بن غفران من أفاضل التابعین کان بدمشق أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد البیهقی فی کتابه وحدثنا أبو الحسن علی بن سلیمان بن أحمد عنه قال أنبأنا أبو بکر أحمد بن علی أنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا الحسین علی بن محمد الأدیب یذکر بإسناد له أن رأس الحسین بن علی لما صلب بالشام أخفی خالد بن غفران وهو من أفاضل التابعین شخصه عن أصحابه فطلبوه شهرا حتی وجدوه فسألوه عن عزلته فقال أما ترون ما نزل بنا»!..

وقد نقل الیعقوبی ما یفهم منه اعتراض ابن عمر علی الاستخلاف وهو خلاف باقی المؤرخین قال الیعقوبی(3) (4) «بایع معاویة لابنه یزید بولایة العهد، بعد وفاة الحسن بن علی، ولم یتخلف عن البیعة إلا أربعة نفر: الحسین بن علی، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبی بکر، وعبد الله بن الزبیر. وقال عبد الله بن عمر:

ص: 285

نبایع من یلعب بالقرود والکلاب، ویشرب الخمر، ویظهر الفسوق! ما حجتنا عند الله! وقال عبد الله بن الزبیر: لا طاعة لمخلوق فی معصیة خالق، وقد أفسد علینا دیننا. وحج معاویة تلک السنة فتألف القوم، ولم یکرههم علی البیعة».

قال ابن الاثیر((1) قال شقیق بن سلمة لما قتل الحسین ثار عبد الله بن الزبیر فدعا ابن عباس إلی بیعته فامتنع وظن یزید أن امتناعه تمسک منه ببیعته فکتب إلیه أما بعد فقد بلغنی أن الملحد ابن الزبیر دعاک إلی بیعته وأنک اعتصمت ببیعتنا وفاء منک لنا فجزاک الله من ذی رحم خیر ما یجزی المواصلین لأرحامهم الموفین بعهودهم فما أنسی من الأشیاء فلست بناس برک وتعجیل صلتک بالذی أنت له أهل فانظر من طلع علیک من الآفاق ممن سحرهم ابن الزبیر بلسانه فأعلمهم بحاله فإنهم منک أسمع الناس ولک أطوع منهم للمحل. فکتب إلیه ابن عباس أما بعد فقد جاءنی کتابک فأما ترکی بیعةابن الزبیر فوالله ما أرجو بذلک برک ولا حمدک ولکن الله بالذی أنوی علیم وزعمت أنک لست بناس بری فاحبس أیها الانسان برک عنی فإنی حابس عنک بری وسألت أن أحبب الناس إلیک وأبغضهم وأخذلهم لابن الزبیر فلا ولا سرور ولا کرامة کیف وقد قتلت حسینا وفتیان عبد المطلب مصابیح الهدی ونجوم الأعلام غادرتهم خیولک بأمرک فی صعید واحد مرملین بالدماء مسلوبین بالعراء مقتولین بالظماء لا مکفنین ولا مسودین تسفی علیهم الریاح وینشی بهم عرج البطاح حتی أتاح الله بقوم لم یشرکوا فی دمائهم کفنوهم وأجنوهم وبی وبهم لو عززت وجلست مجلسک الذی جلست فما أنس من الأشیاء فلست بناس اطرادک حسینا من حرم رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم إلی حرم الله وتسییرک الخیول إلیه فما زلت بذلک حتی أشخصته إلی العراق فخرج خائفا یترقب فنزلت به خیلک عداوة منک لله

ص: 286

ولرسوله ولأهل بیته اللذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا فطلب إلیکم الموادعة وسألکم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره واستئصال أهل بیته وتعاونتم علیه کأنکم قتلتم أهل بیت من الترک والکفر فلا شیء أعجب عندی من طلبتک ودی وقد قتلت ولد أبی وسیفک یقطر من دمی وأنت أحد ثاری ولا یعجبک ان ظفرت بنا الیوم فلنظفرن بک یوما والسلام».

وفی هذا رد علی من اعتذر عن یزید بانه لم یرد قتل الحسین ولا علم به!

ومثل کل الطغاة فی التاریخ وجد یزید من یزوِّق له الأحادیث ویضع له الفضائل المختلقة, فقالوا انه ولد فی زمان النبی صلی الله علیه وآله, وقد ردَّ ابن حجر هذا القول وأزری علیه فقال فی یزید(1): هو «مقدوح فی عدالته ولیس بأهل ان یروی عنه وقال احمد ابن حنبل (لا ینبغی ان یروی عنه) وقد وجدت له روایة فی مراسیل أبی داود ونبَّهت علیها فی النُکَت علی الأطراف, وأخباره مستوفاة فی تاریخ ابن عساکر, وملخّصها انه ولد فی خلافة عثمان وقد أبطل من زعم أنه ولد فی العهد النبوی».

 قال ابن کثیر عن وقعة الحرة والتی وقعت بأمر یزید «کان سبب وقعة الحرة أن وفدا من أهل المدینة قدموا علی یزید بن معاویة بدمشق فأکرمهم وأحسن جائزتهم، وأطلق لأمیرهم - وهو عبد الله بن حنظلة بن أبی عامر(2) - قریبا من

ص: 287

مائة ألف، فلما رجعوا ذکروا لأهلیهم عن یزید ما کان یقع منه من القبائح فی شربه الخمر، وما یتبع ذلک من الفواحش التی من أکبرها ترک الصلاة عن وقتها، بسبب السُکر، فاجتمعوا علی خلعه، فخلعوه عند المنبر النبوی، فلما بلغه ذلک بعث إلیهم سریّة، یقدمها رجل یقال له مُسلم بن عقبة، وإنما یسمیه السلف: مُسرف بن عقبة، فلما ورد المدینة استباحها ثلاثة أیام، فقتل فی غضون هذه الأیام بشراً کثیراً حتی کاد لا یفلت أحد من أهلها، وزعم بعض علماء السلف أنه قتل فی غضون ذلک ألف بکر, فالله أعلم, وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالک: قتل یوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، حسبت أنه قال: وکان فیهم ثلاثة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، وذلک فی خلافة یزید»(1).

ولا اعلم کیف تتم الروایة عن رجل روی بعض علماء الحدیث ان النبی صلی الله علیه وآله انذر الأمة بقدومه وما سیجرّه علیها من ویلات, قال ابن حجر(2) «قال أبو یعلی فی مسنده حدثنا الحکم بن موسی قال حدثنا الولید عن الأوزاعی عن مکحول عن أبی عبیدة بن الجراح رضی الله عنه قال قال رسول الله صلی الله علیه وآله لا یزال أمر أمتی قائما بالسوی حتی یکون أول من یثلمه رجل من بنی أمیة یقال له یزید» بل ان موبقات یزید لم ترُق حتی للأمویین, قال ابن حجر((3) «قال یحیی بن عبد الملک بن أبی عتبة حدثنا نوفل بن أبی عقرب کنت عند عمر بن عبد العزیز فذکر رجل یزید بن معاویة فقال أمیر المؤمنین یزید فقال له

ص: 288

عمر تقول أمیر المؤمنین وأمر به فضربه عشرین سوطاً!».

وقصصه عدیدة فی شربه الخمر وعدم تستره بذلک قال ابن الاثیر فی تاریخه((1) «قال عمر بن سبیئة حج یزید فی حیاة أبیه فلما بلغ المدینة جلس علی شراب له فاستأذن علیه أبن عباس والحسین فقیل له ان ابن عباس أو وجد ریح الشراب مع الطیب فقال لله در طیبک ما أطیبه فما هذا قال هو طیب یصنع بالشام ثم دعا بقدح فشربه ثم دعا بآخر فقال أسق أبا عبد الله فقال له الحسین علیک شرابک أیها المرء لا عین علیک منی، فقال یزید:

ألا یا صاح للعجب

دعوتک ذا ولم تجب

إلی الفتیات والشهوات 

والصهباء والطرب

وباطیة مکللة

علیها سادة العرب

وفیهن التی تبلت    

فؤادک ثم لم تتب

فنهض الحسین وقال: بل فؤادک یا ابن معاویة تبلت».

ولما لم تفلح کل المحاولات فی التغطیة علی جرائمه وموبقاته حرَّفوا له حدیثا نُسب للنبی یقول فیه «أول جیش من أمتی یغزون مدینة قیصر مغفور لهم»(2) وقریء بلفظ «أول جیش یغزون البحر مغفور لهم»(3) أو «أول جیش یرابطون فی مدینة قیصر مغفور لهم»(4) وقالوا ان فی هذا الجیش یزید, وبالتالی مهما فعل یزید فهو مغفور له بنص النبی صلی الله علیه وآله!ولکن قصة هذه الفضیلة غریبة جداً!

ص: 289

إذ انها متهافتة ولا یمکن ان تصمد أمام النقد, قال العینی(1) فی شرحه للحدیث «أراد به جیش معاویة، وقال المهلب: معاویة أول من غزا البحر، وقال ابن جریر: قال بعضهم: کان ذلک فی سنة سبع وعشرین، وهی غزوة قبرص فی زمن عثمان بن عفان، رضی الله تعالی عنه، وقال الواقدی: کان ذلک فی سنة ثمان وعشرین، وقال أبو معشر: غزاها فی سنة ثلاث وثلاثین»(2).

ولنا وقفة هنا:

علی فرض صحة الحدیث, ف_(حشر) اسم یزید فیه شیء مضحک! فیزید توفی فی العام الثالث والستین للهجرة عن ثمانی وثلاثین سنة, فیکون الغزو قد حصل ویزید فی بطن أمِّه بناءاًعلی القول الأول (ان الغزو حصل فی عام خمسة وعشرین للهجرة)! وعلی الفرض الثانی یکون عمره ثلاثة أعوام وعلی الفرض الثالث یکون الغزو قد حصل وعمر یزید ثمانیة اعوام! فکیف غزاهم یزید بهذا العمر؟!

ألم یلتفت من جوّز لعن یزید من أهل السنة لهذا الحدیث لوکان یشمل یزید؟ فالمفروض انه مغفور له فکیف جوزوا لعنه مثل ابن الجوزی!

لماذا لم یلتفت معاویة أو یزید أو احد من حاشیتهما لهذا الحدیث وقت البیعة لیزید فیقولوا للناس لماذا تعترضون علی رجل مغفور له؟!

لذا فمن الواضح جداً ان هذه الفضیلة مزوّرة وجدت فی زمن متأخر لتبریر

ص: 290

اختیار یزید! ولمّا کان دائماً وأبداً یوجد من یبرر للحکام! وخصوصا لو کانوا من النواصب فقد اعتذروا عن یزید فی قتله الإمام الحسین بل إنهم حملوا الإمام المسؤولیة! فقال احدهم:(1)

«ثلاث فتن کبری داخلیة حصلت فی أیام یزید جعلت اسمه عند امة المسلمین مکروها, حتی استحل بعضهم لعنه, ونحن بعد أن بسطنا أمامکم هذه الحوادث وآثارها لا نری من العدل أن یتحمل یزید کل تبعاتها, بل أن الذی یتحمله جزء صغیر منها, لأنه خلیفة بایعه معظم المسلمین وخالف علیه قلیل منهم فلیس من المعقول أن یترکهم, وما یشتهون لتفرق الکلمة ولیس من السهل أن ینزل لهم عما تقلَّده, فهو فیما نری مجبور علی ما فعل وإنما الذی علیه تلک الشدة التی أجرتها جنوده بعد أن تم لها النصر»!!

إذن فیزید یتحمل الجزء الصغیر والجزء الصغیر الآخر یقع علی عاتق الجیش أما الجزء الأکبر فیقع علی الذین یجب ألا «یترکهم وما یشتهون لتفرق الکلمة»!!

وکان یزید من الذین یذهبون لعد امیر المؤمننی علیه السلام والحسین من الخوارج! روی الطبری(2) فی قصة مجیء السبایا الی قصر یزید فقال فی مخاطبته لزینب بنت علی علیه السلام «إیای تستقبلین بهذا إنما خرج من الدین أبوک وأخوک فقالت زینب بدین الله ودین أبی ودین أخی وجدی اهتدیت أنت وأبوک وجدک قال کذبت یا عدوة الله!!».

وقد شهد الحجاج ان المسلمین کانوا یعتقدون الکفر فی یزید قال ابن الاثیر(3)

ص: 291

«قیل إن الحجاج مر بخالد بن یزید بن معاویة وهو یخطر فی مشیته فقال رجل لخالد من هذا قال خالد بخ بخ هذا عمرو بن العاص فسمعها الحجاج فرجع وقال والله ما یسرنی أن العاص ولدنی ولکنی ابن الأشیاخ من ثقیف والعقائل من قریش وأنا الذی ضربت بسیفی هذا مائة ألف کلهم یشهد أن أباک کان یشرب الخمر ویضمر الکفر ثم ولی وهو یقول بخ بخ عمرو بن العاص فهو قد اعترف فی بعض أیامه بمائة ألف قتیل علی ذنب واحد.»

وقد لا نحتاج لجمع الأدلة علی نصبه!! لولا النواصب قاتلهم الله, نص علی نصبه ابن کثیر الدمشقی فی ارجوزته فقال:

وهکذا خلفاء بنی أمیة

عدتهم کعدة الرافضیّة

ولکن المدة کانت ناقصة

عن مائة من السنین خالصة

وکلهم قد کان ناصبیا

إلا الامام عمر التقیا(1)

ص: 292

ص: 293

وعبد الله بن عمرو، وابن عمرو سبیعة، ومعقل بن سنان، والمغیرة بن شعبة، وزید حتی إنه روی عن عبید بن عمیر، قاص مکة، وعنه: الشعبی، وإبراهیم النخعی، ویحیی بن وثاب، وعبد الله بن مرة، وأبو وائل، ویحیی بن الجزار، وأبو الضحی، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وعبید بن نضیلة، ومکحول الشامی - وما أراه لقیه - وأبو إسحاق، ومحمد بن المنتشر، ومحمد بن نشر الهمدانی، وأبو الأحوص الجشمی، وأیوب بن هانئ وعمارة بن عمیر، وحبال بن رفیدة، وأنس بن سیرین، وأبو الشعثاء المحاربی، وآخرون.(1)

من حدیثه:

ما رواه البخاری(2): حدثنا موسی بن إسماعیل حدثنا أبو عوانة عن فراس عن الشعبی عن مسروق عن عائشة  أن بعض أزواج النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم قلن للنبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: أینّا أسرع بک لحوقاً؟ قال: أطولکن یداً فأخذوا قصبة یذرعونها, فکانت سودة أطولهن یداً فعلمنا بعد أنما کانت طول یدها الصدقة, وکانت أسرعنا لحوقاً به وکانت تحب الصدقة..

 وما رواه مسلم(3): حدثنا یحیی بن یحیی وأبو بکر بن أبی شیبة وأبو کریب قال یحیی أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاویة عن الأعمش عن إبراهیم عن الأسود وعلقمة عن عائشة وحدثنا شجاع بن مخلد حدثنا یحیی بن أبی زائدة حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة  قالت: کان رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یُقّبل وهو صائم ویباشر وهو صائم ولکنه أملککم لإربه!.

ص: 294

وروی البخاری(1): قال الأعمش وحدثنی مسلم عن مسروق عن عائشة ذکر عندها ما یقطع الصلاة الکلب والحمار والمرأة فقالت: شبهّتمونا بالحمر والکلاب! والله لقد رأیت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم یصلی وإنی علی السریر بینه وبین القبلة مضطجعة, فتبدو لی الحاجة فأکره أن أجلس فأؤذی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فأنسلُّ من عند رجلیه!

قلت: قد عدَّه ابن ابی الحدید احد مبغضی علی علیه السلام, وإن ادَّعت زوجته أنه رجع عن ذلک, ولکنا أدرجناه هنا لکون العجلی لم یروِ رجوعه عن النصب...

قال ابن ابی الحدید(2) (وهو یتکلم عن النواصب):

ومنهم الأسود بن یزید ومسروق بن الأجدع، روی سلمة بن کهیل: أنهما کانا یمشیان إلی بعض أزواج رسول الله صلی الله علیه وآله، فیقعان فی علی علیه السلام، فأما الأسود فمات علی ذلک، وأما مسروق فلم یمت حتی کان لا یصلی لله تعالی صلاة إلا صلی بعدها علی علی بن أبی طالب علیه السلام، لحدیث سمعه من عائشة فی فضله. وروی أبو نعیم الفضل بن دکین، عن عبد السلام بن حرب، عن لیث بن أبی سلیم، قال: کان مسروق یقول: کان علی کحاطب لیل، قال: فلم یمت مسروق حتی رجع عن رأیه هذا. وروی سلمة بن کهیل، قال: دخلت أنا وزبید الیمامی علی امرأة مسروق بعد موته، فحدثتنا، قالت: کان مسروق والأسود بن یزید یفرطان فی سبِّ علی ابن أبی طالب، ثم ما مات مسروق حتی سمعته یصلی علیه، وأما الأسود فمضی لشأنه. قال: فسألناها: لم ذلک؟ قالت:

ص: 295

شیء سمعه من عائشة ترویه عن النبی صلی الله علیه وآله فیمن أصاب الخوارج.

قلت: الحدیث الذی سمعه مسروق من عائشة هو الذی نقله ابن ابی الحدید عن احمد بن حنبل فقال(1): فی مسند أحمد بن حنبل، عن مسروق، قال: قالت لی عائشة: إنک من ولدی ومن أحبهم إلی فهل عندک علم من المخدج؟ فقلت: نعم، قتله علی بن أبی طالب علی نهر یقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان، بین لخاقیق وطرفاء، قالت: أبغنی علی ذلک بینة، فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلک، قال: فقلت لها سألتک بصاحب القبر، ما الذی سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیهم؟ فقالت: نعم سمعته، یقول: إنهم شر الخلق والخلیقة، یقتلهم خیر الخلق والخلیقة، وأقربهم عند الله وسیلة!

قال العجلی (2): حدثنا أبو بکر بن عیاش عن إسماعیل بن سمیع قال قلت لأبی وائل: کان رأیک حسناً حتی أفسده مسروق, قال أبو بکر: وکان أبو وائل علویاً, قیل: ثم صار عثمانیاً وکان مسروق عثمانیاً فقال أبو وائل إن مسروقاً لا یهدی أحدا ولا یضله!

وقال الذهبی(3): عمرو بن مرة: عن الشعبی، قال: کان مسروق إذا قیل له: أبطأت عن علی وعن مشاهده، فیقول: أرأیتم لو أنه حین صف بعضکم لبعض فنزل بینکم ملک فقال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللَّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِیماً} (النساء: من الآیة29) أکان ذلک حاجزا لکم؟ قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملک کریم علی لسان نبیکم، وإنها لمحکمة ما نسخها شیء!!..

ص: 296

وقال ابن عساکر(1): حدثنی أبی حدثنا نعیم بن حماد حدثنا أبو بکر بن عیاش عن إسماعیل بن سمیع قال قلت لأبی وائل کان رأیک حسنا حتی أفسدک مسروق قال أبو بکر: وکان أبو وائل علویاً قبلُ, ثم صار عثمانیاً, وکان مسروق عثمانیاً وقال أبو وائل إن مسروقا لا یهدی أحد ولا یضله!

هذا وقد رویت فی مسروق أخبار تفید کونه شیعیاً, وقد حشرناه مع النواصب إلزاماً لهم بما الزموا بها نفسهم, والله اعلم.

ص: 297

ص: 298

یستصرخ النجدة بعد أن حاصره الثوار(1), واُتهم بأنه کان مشایعاً للخوارج بعد ظهورهم, إذ یقول الزبیر بن بکار «کانت الخوارج تغشاه. وینتحلونه»(2) ولولا ان المشابهة موجودة بین فکره وفکرها ما وجدوا عنده الراحة!.

وعند اغتصاب معاویة للخلافة ذهب الیه المسور بن مخرمة یستقربه, روی الذهبی «عن عقیل: عن ابن شهاب، عن عروة أن المسور أخبره أنه قدم علی معاویة، فقال: یا مسور! ما فعل طعنک علی الأئمة؟ قال: دعنا من هذا، وأحسن فیما جئنا له. قال: لتکلمنی بذات نفسک بما تعیب علی؟ قال: فلم أترک شیئا إلا بینته، فقال: لا أبرأ من الذنب. فهل تعد لنا مما نلی من الإصلاح فی أمر العامة، أم تعد الذنوب، وتترک الإحسان؟ قلت: نعم. قال: فإنا نعترف لله بکل ذنب. فهل لک ذنوب فی خاصتک تخشاها؟ قال: نعم. قال: فما یجعلک الله برجاء المغرفة أحق منی، فوالله ما ألی من الإصلاح أکثر مما تلی، ولا أخیر بین الله وبین غیره إلا اخترت الله علی سواه، وإنی لعلی دین یقبل فیه العمل، ویجزی فیه بالحسنات، قال: فعرفت أنه قد خصمنی، قال عروة: فلم أسمع المسور ذکر معاویة إلا صلّی علیه!!»(3).

إذن انتهی الأمر بأن کان المسور یصلی علی معاویة کلما ذُکر!! وهذا هو الذی دعاه للتقرب لبنی امیة بوضع الحدیث, قال ابن أبی الحدید(4) «روی عمرو بن دینار، عن ابن أبی ملیکة، عن المسور بن مخرمة، قال: لقی عبد الرحمن ابن عوف

ص: 299

عمر بن الخطاب، فقال: ألم نکن نقرأ من جملة القرآن: قاتلوهم فی آخر الأمر کما قاتلتموهم فی أوله؟ قال: بلی، ولکن ذاک إذا کان الأمراء بنی أمیة والوزراء بنی مخزوم» أی انه یرید ان یقول ان حکم بنی امیة کان قدرا لا مهرب منه وان الصحابة کانوا یعلمون ذلک ویتعاهدونه!

وقد انظمَّ المسوَّر الی الزبیر ضد الأمویین (وکأن شعاره: کل احد إلا بنی هاشم» وکان مکین الرأی عند الزبیر إذ «کان ابن الزبیر لا یقطع أمرا دون المسور بمکة»(1) وهذا یثبت موقفه من بنی هاشم, فسیجیء أن الزبیر کان مبغضاً لبنی هاشم وأراد حرقهم إلا أن یبایعوا! وکان ممن استقبل السبایا والإمام زین العابدین عند عودتهم من الشام.. ولکن بم استقبلهم؟ استقبلهم بالشماتة!

روی ابن الأثیر(2) «عن ابن أبی شهاب حدثه ان علی بن الحسین حدثهم أنهم حین قدموا المدینة من عند یزید بن معاویة بعد مقتل الحسین بن علی رضی الله عنهما لقیه المسور بن مخرمة فقال: هل لک إلی من حاجة تأمرنی بها؟ فقلت: لا فقال: إن علی بن أبی طالب خطب ابنة أبی جهل علی فاطمة رضی الله عنها فسمعتُ رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وهو یخطب الناس فی ذلک علی هذا المنبر وأنا یومئذ محتلم فقال: إن فاطمة بضعة منی وأنا أتخوف ان تفتن فی دینها فقال ثم ذکر صهرا له من بنی عبد شمس فأثنی علیه فی مصاهرته إیاه فأحسن, قال حدثنی فصدقنی ووعدنی فوفی لی وانی لست أحرم حلالا ولا أحلل حراما ولکن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم وابنة عدو الله مکانا واحدا أبدا».

ص: 300

وهذا الحدیث وضعه تزلفا لبنی امیة لکی یکون هناک منقصة فی أمیر المؤمنین علیه السلام, والحدیث یحتاج لوقفة تأمل!فالمسوَّر ولد فی العام الثانی للهجرة وفق إجماع المؤرخین وأقصی سقف زمنی مفروض لکلام النبی صلی الله علیه وآله حول هذه المسألة هو الثامن والعشرین من صفر من العام الحادی عشر للهجرة وهو الیوم الذی استشهد فیه الرسول صلی الله علیه وآله, وهنا سیکون السؤال: کم کان عمر المسور بن مخرمه عندما سمع کلام النبی صلی الله علیه وآله وسلم؟ فی أفضل الأحوال لا یزید عمره عن ثمانیة أعوام إن لم نقل أنه أقل بکثیر! فکیف سمع وحفظ الکلام بهذا العمر وهو الذی لم یعهد عنه الذکاء الحاد؟! وهذا الذی دفع الذهبی والذی یظهر انه الوحید الذی انتبه لهذه المسألة للقول «ففیه أن المسور کان کبیرا محتلما إذ ذاک»!! فهل کان احتلامه فی الثامنة أم الخامسة أم الرابعة من عمره؟! فیظهر من هذا أن المسور وضع الحدیث لانتقاص أمیر المؤمنین علیه السلام وإرضاء الأمویین الذین لم یجدوا أی مثلبة فی أمیر المؤمنین علیه السلام..

ولم یتوقف خیال المسور عند هذا الحد بل انه بدا یصور أحداثا لم تحصل, ولم یشهد بها غیره, وکلها منّصبّة علی تضخیم شخصیات معینة علی حساب شخصیة أمیر المؤمنین علیه السلام, قال ابن أبی الحدید(1) «روی المسور بن مخرمة أن عمر لما طعن أغمی علیه طویلا فقیل إنکم لم توقظوه بشئ مثل الصلاة إن کانت به حیاة! فقالوا! الصلاة یا أمیر المؤمنین، الصلاة قد صُلّیَت! فانتبه فقال: الصلاة لاها الله لا أترکها لاحظ فی الإسلام لمن ترک الصلاة! فصلی وإن جرحه لینثعب دماً. وروی المسور بن مخرمة أیضا قال: لما طعن عمر جعل یألم ویجزع فقال ابن عباس: ولا وکل ذلک یا أمیر المؤمنین لقد صحبت رسول الله صلی الله علیه وآله

ص: 301

فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنک راضٍ, وصحبت أبا بکر وأحسنت صحبته وفارقک وهو عنک راضٍ, ثم صحبت المسلمین فأحسنت إلیهم وفارقتهم وهم عنک راضون.

قال: أما ما ذکرت من صحبة رسول الله صلی الله علیه وآله وأبی بکر فذلک مما من الله به علی وأما ما تری من جزعی فوالله لو أن لی بما فی الأرض ذهبا لافتدیت به من عذاب الله قبل أن أراه» وصدق رسول الله صلی الله علیه وآله «لا یحبک (یا علی) إلا مؤمن ولا یبغضک الا منافق»(1)..

ص: 302

ص: 303

وانتصر علیه, ویقال بأنه حین قتل کان قد بایع عبد الله بن الزبیر فأقره ابن الزبیر علی الشام کلها, علی اختلاف المنقول من الروایات!

وبلغ من وثاقته عند معاویة أن جعله خلیفة علی الشام عندما جاء الی الکوفة بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام, وقد تولی الضحاک دفن معاویة والصلاة علیه.وقبل التکفین صعد المنبر وهو یحمل أکفان معاویة وقال(1):

«أیها الناس، إن معاویة بن أبی سفیان کان عبداً من عباد الله، ملّکه علی عباده، فعاش بقدر ومات بأجل، وهذه أکفانه کما ترون، نحن مدرجوه فیها ومدخلوه قبره، ومخلون بینه وبین ربه، فمن أحب منکم أن یشهد جنازته فلیحضر بعد صلاة الظهر».

من حدیثه:

روی فی مسند احمد(2): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد یعنی ابن سلمة أنبأنا عاصم بن بهدلة عن یزید بن شریک أنبأنا الضحاک بن قیس أرسل معه إلی مروان بکسوة فقال مروان انظروا من ترون بالباب قال: أبو هریرة, فأذن له فقال یا أبا هریرة حدثنا بشیء سمعته من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال سمعته یقول: لیتمنین أقوام ولوا هذا الأمر أنهم خرّوا من الثریا وأنهم لم یلوا شیئا, قال: زدنا یا أبا هریرة, قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول یجری هلاک هذه الأمة علی یدی أغیلمة من قریش!.

قلت: ان أبا هریرة لا یتکلم عن بنی امیة هکذا إلا حین یمنعونه من المال

ص: 304

وهذا مروی عن سعید بن المسیب!

وقال ابن سعد(1): أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا علی بن زید عن الحسن أن الضحاک بن قیس کتب إلی قیس بن الهیثم حین مات یزید بن معاویة سلام علیک أما بعد فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: إن بین یدی الساعة فتن کقطع الدخان, یموت فیها قلب الرجل کما یموت بدنه, یُصبح الرجل مؤمنا ویمُسی کافراً, ویُمسی مؤمناً ویصبح کافراً یبیع أقوام خلاقهم ودینهم بعرض من الدنیا, وإن یزید بن معاویة مات وأنتم إخواننا وأشقاؤنا فلا تسبقونا حتی نختار لأنفسنا.

وروی الذهبی(2): حجاج بن محمد: عن ابن جریج، حدثنی محمد بن طلحة، عن معاویة، أنه قال علی المنبر: حدثنی الضحاک بن قیس وهو عدل علی نفسه: أن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قال: لا یزال والٍ من قریش علی الناس.

ص: 305

ص: 306

ونعما ان استقمتم وخیر أعمالکم الصلاة ولا یحافظ علی الوضوء إلا مؤمن..

وکان ابنه (الغاز بن ربیعة) من حاشیة یزید, ومن فقهاء ملوک بنی امیة ومن الذین حضروا وصول رأس الإمام الحسین علیه السلام عند یزید وقد کان یروی القصة بدون أن یستحی! فیقول(1) «والله إنی لعند یزید بن معاویة بدمشق إذ أقبل زحر بن قیس فدخل علی یزید، فقال له یزید: ویحک ما وراءک؟ فقال أبشر یا أمیر المؤمنین بفتح الله علیک ونصره، ورد علینا الحسین بن علی بن أبی طالب وثمانیة عشر من أهل بیته، وستون رجلا من شیعته، فسرنا إلیهم فسألناهم أن یستسلموا وینزلوا علی حکم الأمیر عبید الله بن زیاد أو القتال، فاختاروا القتال، فغدونا إلیهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من کل ناحیة حتی أخذت السیوف مأخذها من هام القوم، فجعلوا یهربون إلی غیر مهرب ولا وزر، ویلوذون منا بالآکام والحفر، لواذا کما لاذ الحمام من صقر، فوالله ما کانوا إلا جزر جزور، أو نومة قائل، حتی أتینا علی آخرهم، فهاتیک أجسادهم مجردة، وثیابهم مزملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس وتسفی علیهم الریح، وازرهم العقبان والرخم. قال: فدمعت عینا یزید بن معاویة وقال: کنت أرضی من طاعتکم بدون قتل الحسین، لعن الله ابن سمیة، أما والله لو أنی صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسین. ولم یصل الذی جاء برأسه بشئ. ولما وضع رأس الحسین بین یدی یزید قال: أما والله لو أنی صاحبک ما قتلتک، ثم أنشد قول الحسین بن الحمام المری الشاعر:

یفلقن هاما من رجال أعزة

علینا وهم کانوا أعق وأظلما

قال أبو مخنف: فحدثنی أبو جعفر العبسی قال: وقام یحیی بن الحکم - أخو

ص: 307

مروان بن الحکم - فقال:

لهام بجنب الطف أدنی قرابة

من ابن زیاد العبد فی الحسب الوغل

سمیة أضحی نسلها عدد الحصی

ولیس لآل المصطفی الیوم من نسل

قال: فضرب یزید فی صدر یحیی بن الحکم وقال له: اسکت!..»

قلت: هذا النص وحده یثبت وجود الرأس الشریف فی الشام وحمله إلیه مع وجود نصوص کثیرة غیره فالعجب مما یدعیه بعض النواصب بقولهم «ان نقل رأس الحسین الی الشام لا أصل له فی زمن یزید!!»..(1)

وقد یکون بعض الذی یفسِّر العلاقة بین ربیعة الجرشی ومعاویة أن ربیعة هذا قاتل أمیر المؤمنین علیه السلام فی صفین مع معاویة وذهبت عینه بها(2), وکان لا یتأخر عن الدخول فی الفتنة, فعندما انحاز الضحاک بن قیس الی عبد الله بن الزبیر ضد مروان بن الحکم بعد موت یزید انحاز ربیعة الی الضحاک واشترک بواقعة مرج راهط فقتل هناک(3), وعند حصول هذه الفتنة فی الشام بین الزبیریین والمروانیین قال الناس «نقتدی بهؤلاء الثلاثة ربیعة الجرشی ویزید بن الأسود ویزید بن نمران, فأما یزید بن الأسود فلحق بالساحل, وأما ربیعة فقتل بمرج راهط, ولحق یزید بن نمران بمروان بن الحکم فسلم»(4) وهذه نهایة الرجال عندما تستدرجهم المطامع السیاسیة!

ص: 308

ص: 309

خالد عن ابن شهاب عن عبید الله بن عبد الله عن أبی واقد اللیثی ثم الأشجعی وکان من أصحاب النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم أخبره مثله حدثنا عبد الله حدثنی معاویة عن حاتم بن حریث وغیره من مشیخة الجنة قال: لما بایع أهل العراق للحسن بن علی جاء حتی ولی معاویة فرفع عمرو وأبو الأعور عمرو بن سفیان السلمی, فلما فرغا قال: أنشدک الله یا معاویة أما تعلم أن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم لعن یوم الأحزاب صاحب مقدمتهم وصاحب ساقتهم وصاحب مجنبتیهم وأین کان عمرو من أولئک؟ وأنشدک یا معاویة أما تعلم أن النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم لعن بنی رعل وذکوان وعمرو بن سفیان وکانت علی أبی الأعور اثنتان لعنه ولعن قومه؟ فقال معاویة: وأنا أشهد سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول أیما أحد لعنته فی الجاهلیة ثم دخل فی الإسلام فإن لعنتی علیه صلاة وهی له زکاة!!».

والسلمی من قواد جیش الضلالة فی صفّین, بل وصفه بعضهم بأن علیه مدار الحرب فیها, وهو من (أبطال) مسرحیة شهادة الزور التی أقامها معاویة عند ورود کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام الیه مع جریر, قال ابن عبد البر(1) فی ترجمة شرحبیل بن السمط «شرحبیل بن السمط بن الأسود بن جبلة الکندی ویقال شرحبیل ابن السمط بن الأعور بن جبلة الکندی, أدرک النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم, وکان أمیراً علی حمص لمعاویة, ومات بها وصلی علیه حبیب بن سلمة وقیل إنه مات سنة أربعین قال أبو عمر کان شرحبیل بن السمط علی حمص فلما قدم جریر علی معاویة رسولا من عند علی رضی الله عنه حبسه أشهراً یتحیر ویتردد فی أمره فقیل لمعاویة إن جریرا قد رد بصائر أهل الشام فی أن علیا ما

ص: 310

قتل عثمان ولا بد لک من رجل یناقضه فی ذلک ممن له صحبة ومنزلة ولا نعلمه إلا شرحبیل ابن السمط فإنه عدو لجریر, فاستقدمه معاویة, فقدم علیه فهیأ له رجالاً یشهدون عنده أن علیاً قتل عثمان, منهم بسر بن أرطأة, ویزید بن أسد جد خالد بن عبد القسری, وأبو الأعور السلمی وحابس بن سعد الطائی ومخارق بن الحارث الزبیدی وحمزة بن مالک الهمدانی قد واطأهم معاویة علی ذلک فشهدوا عنده أن علیاً قتل عثمان, فلقی جریراً فناظره فأبی أن یرجع, وقال قد صح عندی أن علیاً قد قتل عثمان ثم خرج إلی مدائن الشام یخبر بذلک ویندب إلی الطلب بدم عثمان»..

ولما قاربت نهایة الحرب علی هزیمة البغاة, واختراع خدعة المصاحف من قبل عمرو بن العاص, جاء أبو الأعور یحمل القرآن علی رأسه وینادی: یا أهل العراق کتاب الله بیننا وبینکم(1).

ولأمیر المؤمنین علیه السلام خطب عدیدة یشیر الی نفاق وکفر البغاة فی صفین من رؤوس الجیش والفتنة ومنهم أبو الأعور السلمی قال الاسکافی (2) «ثم إن علی بن أبی طالب رضی الله عنه دفع إلی جماعة من أصحابه یقاتلون قتالا شدیدا، والآخرون من أهل الشام یلعنون علیا ویشتمونه فقال: من هؤلاء؟ فقالوا: جماعة فیهم الولید بن عقبة فقال: انهدوا إلیهم وعلیکم السکینة وسیماء الصالحین ووقار الإسلام، فوالله لا أقرب بقوم من الجهل بالله قوم قائدهم ومؤدبهم معاویة وابن النابغة - یعنی عمرو - وأبو الأعور السلمی وابن أبی معیط شارب الخمر المجلود حدا فی الإسلام وها هم یقومون فیقصبونی ویشتمونی وقبل

ص: 311

الیوم ما قابلونی وشتمونی، وأنا أدعوهم إذ ذاک إلی الإسلام وهم یدعونی إلی عبادة الأوثان، الحمد لله وقدیما عادانی الفاسقون فبعدهم الله ألم تعجبوا أن هذا هو الخطب الجلیل، أن فساقا کانوا عندنا غیر مرضیین، وعلی الإسلام وأهله متخوفین، خدعوا شطر هذه الأمة، وأشربوا قلوبهم حب الفتنة، واستمالوا أهواءهم بالإفک والبهتان وقد نصبوا لنا الحرب، وجدوا فی إطفاء نور الله. اللهم فاردد الحق، وافضض جمعهم، وشتت کلمتهم وأبلسهم بخطایاهم فإنه لا یذل من والیت ولا یعز من عادیت. ثم نهد إلیهم فضاربهم حتی أزالهم عن مکانهم وکان رضی الله عنه فی تلک الأحوال یباشر الحروب بنفسه، ویقومها برأیه، ویجبر صدعها ببأسه، ویقوی ضعیفها بکلامه، ویشجع جبانها بالبشارة والحجة، ویدور علی الرایات، فیقوم أودها، ویقاتل مع المتأخر عنها حتی تلحق مکانها. وکان یتحمل تلک الشدائد لله لیعلموا أن منافسته فی طلب ثواب الله فی هذه الحال کمنافسته أیام النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم».

وهو من الذین لعنهم أمیر المؤمنین علیه السلام فی الصلاة(1) قال ابن أبی الحدید «وهکذا جری فی القنوت واللعن، قنت بالکوفة علی معاویة، ولعنه فی الصلاة وخطبة الجمعة، وأضاف إلیه عمرو بن العاص وأبا موسی وأبا الأعور السلمی وحبیب بن مسلمة».

روی الهیثمی(2): وعن أبی الأعور السلمی قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: إن أخوف ما أخاف علی أمتی شح مطاع وهوی متبع وإمام ضال.

ص: 312

ص: 313

أمامة بن سهل، وجبیر بن نفیر، وسعید بن المسیب، وعروة(1) وکان من ولاة معاویة علی الکوفة ذکر ذلک الذهبی نقلاً عن خلیفة بن خیاط(2).

وقول الذهبی «روی عن أهل الکتاب، وأدمن النظر فی کتبهم، واعتنی بذلک» توجب البحث الطویل فی روایاته ومقارنتها بروایات التوراة والإنجیل!! ولا حول ولا قوة إلا بالله فکیف یترک المرء کتاب الله وراء ظهره وسنة نبیه وینکب علی کتب محرَّفة ویدمن النظر فیها ویروی عنها!! وما مدی الانحراف العقدی والاجتماعی الناتج من الأحادیث التی بثها عبد الله بن عمرو وکعب الأحبار وأبی هریرة تلمیذهم فی المجتمع المسلم الذی لم یکن قادرا علی القراءة والکتابة والفهم المستقیم فضلا عن التفریق بین أحادیث النبی وأحادیث کعب!

وعبد الله بن عمرو بن العاص من رؤوس البغی علی الإمام علیه السلام فی صفین وقد کانت أعذاره فی ذلک أقبح من ذنوبه! إذ رووا أنه قاتَلَ أمیر المؤمنین علیه السلام بِرّاً بوالده!! قال ابن أبی الحدید(3) «قال ابن دیزیل: وروی إسماعیل بن أبی أویس، قال: حدثنی عبد الملک بن قدامة ابن إبراهیم بن حاطب الجمحی، عن عمرو بن شعیب، عن أبیه، عن جده عبد الله بن عمرو ابن العاص، قال: قال لی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: کیف بک یا عبد الله إذا بقیت فی حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم ومواثیقهم، وکانوا هکذا؟ فخالف بین أصابعه - فقلت: تأمرنی بأمرک یا رسول الله، قال: تأخذ مما تعرف، وتدع ما تنکر، وتعمل بخاصة نفسک، وتدع الناس وهوام أمرهم. قال: فلما کان یوم

ص: 314

صفین، قال له أبوه عمرو بن العاص: یا عبد الله، اخرج فقاتل، فقال: یا أبتاه، أتأمرنی أن أخرج فأقاتل، وقد سمعت ما سمعت یوم عهد إلی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ما عهد! فقال: أنشدک الله یا عبد الله، ألم یکن آخر ما عهد إلیک رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أن أخذ بیدک فوضعها فی یدی، فقال: أطع أباک! فقال: اللهم بلی، قال: فإنی أعزم علیک أن تخرج فتقاتل، فخرج عبد الله بن عمرو فقاتل یومئذ متقلدا سیفین.

وقال: إن من شعر عبد الله بن عمرو بعد ذلک یذکر علیاً بصفین:

فلو شهدت جمل مقامی ومشهدی

بصفین یوما شاب منها الذوائب

عشیة جا أهل العراق کأنهم

سحاب ربیع رفعته الجنائب

إذا قلت قد ولت سراعا بدت لنا

کتائب منهم وارحجنت کتائب

وجئناهم فرادی کأن صفوف____نا

من البحر مد موجه متراک______ب

فدارت رحانا واستدارت رحاهم

سراة النهار ما تولی المناک____ب

فقالوا لنا: إنا نری أن تبایع_وا

فقلنا بلی إنا نری أن نضارب

فعبد الله بن عمرو مع اعترافه بانهم «حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم ومواثیقهم» إلا انه یخرج لیقاتل بسیفین لا بسیف واحد! وکأن الأمر قد وافق هواه, ثم ان الروایة تجعله مطیعا للنبی بقول النبی له «أطع أباک» وهذا بهتان عظیم فکیف یبشر النبی علیاً بأنه یقاتل علی تأویل الکتاب(1) ثم یجوز للناس مقاتلته؟! ثم کیف یجتمع القول بإطاعة الوالد مع قوله تعالی(2) {وَوَصَّیْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاکَ لِتُشْرِکَ بِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ

ص: 315

فَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقد یکون عبد الله قد غفل عن الآیة القرآنیة لأنه کان یدمن النظر فی کتب أهل الکتاب!!

ولما کانت الحرب الإعلامیة مستعر أوارها یومذاک اخترعوا له ولأبیه وحتی لأمه!! بعض الفضائل:

إذ روی الذهبی(1) عن أحمد: حدثنا وکیع، حدثنا نافع بن عمر، وعبد الجبار بن ورد، عن ابن أبی ملیکة، قال طلحة بن عبید الله: سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: نعم أهل البیت عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله..

والغریب أن عبد الله هذا ومع کل الذی فعله فی صفین یروی عن النبی صلی الله علیه وآله «أربع من کن فیه کان منافقاً خالصاً، ومن کانت فیه خصلة منهن کانت فیه خصلة من نفاق حتی یدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث کذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»(2) فهل أن خصامه مع أمیر المؤمنین علیه السلام (علی فرض انه لأجل دم عثمان) یستوجب الفجور والغدر واستحلال الدماء؟! وهل انه کان أمینا علی حدیث النبی الذی أوصاه بعدم دخول هذه الحرب کما یدّعی؟!

ومما رواه هذا الرجل: «أن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم قال (من قتل عصفورا فما فوقها بغیر حقها سأله الله عز وجل عن قتله) قیل یا رسول الله وما حقها؟ قال أن یذبحها فیأکلها ولا یقطع رأسها فیرمی بها»(3)

ص: 316

فإذا کان العصفور کذلک فکیف الحال بالنفس التی حرم الله إلا بالحق؟! وقد روی الذهبی(1) عن صفوان بن عمرو: کان أهل الشام ستین ألفاً فُقتِل منهم عشرون ألفاً وکان أهل العراق مائة ألف وعشرین ألفا فُقِتل منهم أربعون ألفا وذلک یوم صفین!!.. وکم جرّت تلک الحروب علی المسلمین من تخلّف علی مختلف الأصعدة ومآسٍ لا یحیط بها إلا الله من أرامل وأیتام واستنزاف للموارد الاقتصادیة الإسلامیة, کل ذلک لأن هؤلاء الطلقاء وأبناءهم کانوا یبغضون أمیر المؤمنین ولم یطیقوا کونه حاکماً علیهم!.

 وقد رکز المؤرخون علی حمل عبد الله بن عمرو لسیفین فی صفین ولم أتبین السبب وقد یکون ذلک إشارة لما فهمناه من ذلک وهو إظهار العزیمة المضاعفة لقتال أمیر المؤمنین, روی ابن أبی الحدید(2) «قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، قال: سمعت الشعبی، یقول: قال الأحنف بن قیس: والله إنی إلی جانب عمار بن یاسر، بینی وبینه رجل من بنی الشعیراء. فتقدمنا حتی دنونا من هاشم بن عتبة، فقال له عمار: احمل فداک أبی وأمی! فقال له هاشم: یرحمک الله یا أبا الیقظان! إنک رجل تأخذک خفة فی الحرب، وإنی إنما أزحف باللواء زحفا، أرجو أن أنال بذلک حاجتی، وإن خففت لم آمن الهلکة، وقد کان قال معاویة لعمرو: ویحک! إن اللواء الیوم مع هاشم بن عتبة، وقد کان من قبل یرقل به إرقالا وإن زحف به الیوم زحفا إنه للیوم الأطول علی أهل الشام، فإن زحف فی عنق من أصحابه، إنی لأطمع أن تقتطع. فلم یزل به عمار حتی حمل، فبصر به معاویة، فوجه إلیه حماة أصحابه ومن یزن بالبأس والنجدة منهم فی ناحیة وکان فی ذلک

ص: 317

الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص، ومعه یومئذ سیفان قد تقلد بأحدهما، وهو یضرب بالآخر، فأطافت به خیول علی علیه السلام، وجعل عمرو یقول: یا الله، یا رحمن! ابنی، ابنی! فیقول معاویة اصبر فلا بأس علیه. فقال عمرو: لو کان یزید بن معاویة أصبرت! فلم یزل حماة أهل الشام تذب عن عبد الله حتی نجا هاربا علی فرسه ومن معه، وأصیب هاشم فی المعرکة»...

وعبد الله هذا کان یروی الکثیر ویطبق القلیل فهو یروی «عن رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم أنه قال قد أفلح من هدی إلی الإسلام، ورزق الکفاف وقنع به»(1) ویروی عنه ابن رجب الحنبلی(2) «عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، قال: أهل النار کل جواظ مستکبر جمّاع منّاع، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون» بینما اجمع المؤرخون علی کونه من ملوک الصحابة وأثریائهم وانه کان یعیش حیاة الترف والبذخ, فقال الذهبی(3) «قد خلف له أبوه أموالاً عظیمة وکان له عبید وخدم وله بستان بالطائف یسمی الوهط قیمته ألف ألف درهم...  قلت: ورث عبد الله من أبیه قناطیر مقنطرة من الذهب المصری، فکان من ملوک الصحابة»..

وقد لفت انتباهی أن إحدی القصص التی رواها الذهبی عن عبد الله بن عمرو قد رویت بتمامها عن أمیر المؤمنین علیه السلام وهی تستنقص منه وتظهره جاهلاً بالسنة (حاشاه)! روی الذهبی(4) «عن هشیم: عن مغیرة وحصین، عن

ص: 318

مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: زوجنی أبی امرأة من قریش، فلما دخلت علی، جعلت لا أنحاش لها مما بی من القوة علی العبادة، فجاء أبی إلی کنَّته، فقال: کیف وجدت بعلک؟ قالت: خیر رجل من رجل لم یفتش لها کنفا، ولم یقرب لها فراشاً، قال: فأقبل علی، وعضنی بلسانه، ثم قال: أنکحتک امرأة ذات حسب، فعضلتها وفعلت، ثم انطلق، فشکانی إلی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، فطلبنی، فأتیته، فقال لی: أتصوم النهار وتقوم اللیل؟ قلت: نعم. قال: لکنی أصوم وأفطر، وأصلی وأنام، وأمس النساء. فمن رغب عن سنتی فلیس منی.» بینما نسبها بعض المحدثین الی امیر المؤمنین علیه السلام منهم عبد الرزاق الصنعانی(1) فی مصنفه فقال «عن المثنی بن الصباح، أن عمرو بن شعیب أخبره عن سعید بن المسیب، أن نفرا من أصحاب النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فیهم علی بن أبی طالب، وعبد الله بن عمرو، لما تبتلوا، وجلسوا فی البیوت، واعتزلوا النساء، وهمّوا بالخصاء، وأجمعوا لقیام اللیل، وصیام النهار، بلغ ذلک النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، فدعاهم، فقال: أما أنا فأنا أصلی وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتی فلیس منی»!! وأنا اجزم بأن اسم أمیر المؤمنین علیه السلام قد أقحم فی هذه القصة فإن یجهل أبو الحسن بالسنَّة فمن لها؟!!

وقد کفانا أبو الیقظان الکلام عن عبد الله بن عمرو بما وجهه إلیه فی صفین, روی ابن أبی الحدید(2) «قال نصر: وحدثنی عمرو بن سعید، عن الشعبی، قال: نادی عمار عبد الله بن عمرو ابن العاص، فقال له: بعت دینک بالدنیا من

ص: 319

عدو الله، وعدو الإسلام معاویة، وطلبت هوی أبیک الفاسق، فقال: لا، ولکنی أطلب بدم عثمان الشهید المظلوم، قال: کلا، أشهد علی علمی فیک أنک أصبحت لا تطلب بشیء من فعلک وجه الله، وأنک إن لم تقتل الیوم فستموت غدا، فانظر إذا أعطی الله العباد علی نیاتهم، ما نیتک!».

ومات عبد الله فی عام خمس وستین للهجرة فی أیام حرب الفسطاط بین أتباع مروان وأتباع ابن الزبیر فدفن فی بیته.

ص: 320

ص: 321

أهل بدر سبعون رجلاً، وممّن بایع تحت الشجرة سبعمائة رجل، ومن سائر المهاجرین والأنصار أربعمائة رجل، ولم یکن مع معاویة من الأنصار إلا النعمان بن بشیر، ومسلمة بن مخلد»..

والنعمان هذا کان یهجو أمیر المؤمنین علیه السلام بالشعر, ومن شعره:

لقد طلب الخلافة من بعید

وسارع فی الضلال أبو تراب

معاویة الإمام وأنت منها

علی وتح بمنقطع السراب (1)

وکان من ولاة بنی امیة وظالمیهم, ولی الکوفة لمعاویة ثم ولی حمص لیزید بن معاویة ومعاویة بن یزید ثم دعا لابن الزبیر وبعدها دعا لنفسه(2)!..

ومن أجل التشریع لموقفه مع معاویة وبغیهم علی الإمام وضع روایات فی عثمان وأحداث قتله, منها ما رواه النمیری(3), قال:

حدثنا إسحاق بن إدریس قال، حدثنا فرج بن فضالة، عن محمد بن الولید الزبیدی، عن الزهری، ومعاویة، عن القاسم ابن عبد الرحمن، عن النعمان بن بشیر رضی الله عنهما قال: قالت عائشة: بینا أنا جالسة إلی جنب رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فقال: یا عائشة لو کان عندنا أحد یحدثنا! فقلت: ألا تبعث إلی عمر، فسکت، ثم دعا وصیفا له فلم أدر ما ما ساره به، فإذا عثمان بن عفان یستأذن فأذن له فدخل، فأکب أحدهما علی الآخر، ولم أدر ما یقول، فلما فرغ قال: یا عثمان عسی الله أن یقمصک قمیصاً من بعدی، فإن

ص: 322

أرادک المبیتون علی خلعه فلا تخلعه - یقول له ذلک ثلاثا - فقیل لعائشة: فأین کنت من هذا الحدیث؟ قالت: أنسیته - والله - حتی قتل الرجل» والظاهر ان النعمان روی هذا الحدیث عن عائشة ونکایة بها إذ انها کانت احد المتآمرین علی عثمان إذ روی النمیری (1) «حدثنا علی بن محمد، عن سعید بن عبد الله الأنصاری، عن أبیه، عن سعید بن عبد الرحمن بن حسان، عن النعمان بن بشیر رضی الله عنه قال: دخلت علی عائشة  وعندها قوم من المهاجرین یذکرون عثمان أول ما حُصِر فقالت: أنا أمکم، تریدون أمراً إن عمل به رأیتم ما تکرهون، فنظرت إلی عائشة فقالت: نعمان؟ قلت: نعم. قالت: تعلمنی بک أی عدو الله، والله لوددت أن قریشا ردتک تکرها اضربوه. قال: فضربونی. فقلت: لا جرم، والله لا آتی هذا المکان أبدا.» فهی التی کانت تقول «اقتلوا نعثلا فقد کفر» (2)!

والنعمان بن بشیر هذا هو البرید الذی أرسلته ام حبیبة بنت أبی سفیان الی الشام حاملاً قمیص عثمان (وهو غیر القمیص الذی قمّصه له الله!!), روی الذهبی(3) «عن مجالد: عن الشعبی، قال: أرسلت أم حبیبة إلی أهل عثمان: أرسلوا إلی بثیاب عثمان التی قتل فیها، فبعثوا بقمیصه بالدم وبالخصلة التی نتفت من لحیته، ودعت النعمان بن بشیر، فبعثت به إلی معاویة، فصعد معاویة المنبر، ونشر القمیص، وجمع الناس، ودعا إلی اطلب بدمه، فقام أهل الشام، وقالوا: هو ابن عمک وأنت ولیه ونحن الطالبون معک بدمه.» و«لما قدم النعمان بن بشیر

ص: 323

بقمیص عثمان مخضباً بدمه وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم أصبعان منها وشئ من الکف وأصبعان مقطوعتان من أصولهما ونصف الإبهام, وضع معاویة القمیص علی المنبر, وکتب بالخبر إلی الأجناد وثاب إلیه الناس وبکوا سنة وهو علی المنبر والأصابع معلقة فیه, وآلی الرجال من أهل الشأم ألا یأتوا النساء ولا یمسهم الماء للغسل إلا من احتلام ولا یناموا علی الفرش حتی یقتلوا قتلة عثمان, ومن عرض دونهم بشئ أو تفنی أرواحهم, فمکثوا حول القمیص سنة والقمیص یوضع کل یوم علی المنبر ویجلله أحیاناً فیلبسه وعلق فی أردانه أصابع نائلة رضی الله عنها»(1)!!

إن هذه بحق من أکثر المؤامرات خبثا فی التاریخ, إشترک فیها بعض أزواج النبی صلی الله علیه وآله وبعض أصحابه, وبعض الجهلة الناعقین مع من ینعق فکانت النهایة ملکا عضوضا کبّل أمة الإسلام بالظلم والتخلف ومنیت الشعوب الإسلامیة فیه بالدکتاتوریة الهرقلیة حتی یومنا هذا...

ولما کانت الشام (وحمص علی الخصوص) من قلاع الأمویین فإن النعمان بن بشیر لما دعا الی ابن الزبیر لم یحتمله هؤلاء الاوباش فقاموا بذبحة(2)!!

ص: 324

ص: 325

بمکة. وهو أصغر من ابن الزبیر بأربعة أشهر. وقیل: له رؤیة، وذلک محتمل... وکان کاتب ابن عمه عثمان، وإلیه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه علی عثمان، ثم نجا هو، وسار مع طلحة والزبیر للطلب بدم عثمان، فقتل طلحة یوم الجمل، ونجا - لا نجی - ثم ولی المدینة غیر مرة لمعاویة(1), وبویع مروان بن الحکم وهو بن إحدی وستین سنة فی النصف من ذی القعدة سنة أربع وستین تسعة أشهر وثمانی عشرة لیلة ومات لثلاث خلون من رمضان سنة خمس وستین(2).

کان مروان من أصحاب نظریة الحق الإلهی للسلطة! روی ابن حجر(3) «روی الزبیر بن بکار من طریق مسور بن عبد الملک الیربوعی عن أبیه عن سعید بن المسیب قال کان بن البرصاء اللیثی من جلساء مروان بن الحکم, وکان یسمر معه, فذکروا الفئ عند مروان فقالوا: الفئ مال الله, وقد وضعه عمر فی موضعه, فقال مروان إن الفئ مال أمیر المؤمنین معاویة یقسمه فیمن شاء, فخرج ابن البرصاء فلقی سعد بن أبی وقاص فأخبره قال سعید فلقینی سعد وأنا أرید المسجد فقال الحقنی, فتبعته حتی دخلنا علی مروان فأغلظ له فذکر القصة قال فقال مروان من ترون قال هذا لهذا الشیخ قالوا بن: البرصاء فأتی به فأمر بتجریده لیُضرب فدخل البواب یستأذنه لحُکیم بن حزام فقال ردوا علیه ثیابه وأخرجوه»!

من حدیثه:

ماروی له فی مسند أحمد(4): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا وکیع حدثنا

ص: 326

الأعمش عن مسلم البطین عن علی بن الحسین عن مروان ابن الحکم قال کنا نسیر مع عثمان فإذا رجل یلبی بهما جمیعا فقال عثمان من هذا فقالوا: علی, فقال: ألم تعلم أنی قد نهیت عن هذا؟ قال: بلی, ولکن لم أکن لأدع قول رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم لقولک!..

وروی الدارمی(1): أخبرنا الحجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا هشام بن عروة عن عروة عن مروان بن الحکم قال قال لی عثمان بن عفان إن عمر قال لی انی قد رأیت فی الجدِّ رأیاً فان رأیتم أن تتبعوه فاتبعوه, قال عثمان: إن نتبع رأیک فإنه رشد وإن نتبع رأی الشیخ قبلک فنعم ذوی الرأی کان قال وکان أبو بکر یجعله أباً.

وروی ابن ماجة(2): حدثنا محمد بن عبد الله بن نمیر. حدثنا عبد الله بن إدریس، عن هشام ابن عروة، عن أبیه، عن مروان بن الحکم، عن بسرة بنت صفوان، قالت: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: إذا مس أحدکم ذکره فلیتوضأ.

وروی فی المسند(3): حدثنا عبد الله حدثنی أبی حدثنا یعقوب حدثنا أبی عن ابن إسحاق حدثنا یحیی بن عباد بن عبد الله بن الزبیر عن أبیه عباد قال لما قدم علینا معاویة حاجّاً قدمنا معه مکة, قال: فصلّی بنا الظهر رکعتین ثم انصرف إلی دار الندوة قال وکان عثمان حین أتم الصلاة إذا قدم مکة صلی بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً فإذا خرج إلی منی وعرفات قصّر الصلاة, فإذا فرغ من

ص: 327

الحج وأقام بمنی أتمّ الصلاة حتی یخرج من مکة فلمّا صلّی بنا الظهر رکعتین نهض إلیه مروان بن الحکم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمک بأقبح ما عبته به, فقال لهما: وما ذاک, قال: فقالا: له ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمکة؟ قال: فقال لهما: ویحکما وهل کان غیر ما صنعت قد صلیتهما مع رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ومع أبی بکر وعمر رضی الله تعالی عنهما, قالا: فإن ابن عمک قد کان أتمَّها وإن خلافک إیاه له عیب قال فخرج معاویة إلی العصر فصلاها بنا أربع!!

ولما کان مروان من أسبِّ الناس لأمیر المؤمنین علیه السلام لذا فأنت تجد له تراثاً ضخماً بالسب منه:

ما نقله المقریزی(1) (2) «قال سعد لمروان لما سبّ علیاً: أخبرک بأربع سبق لعلی من رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم لا ینبغی أحد مِنّا ینتحلهن، دخل علینا رسول الله المسجد ونحن رقود فینا أبو بکر وعمر فجعل یوقضنا رجلاً رجلاً ویقول: (لا ترقدوا فی المسجد ارقدوا فی بیوتکم) حتی انتهی إلی علی فقال: یا

ص: 328

علی أما أنت فیحل لک من المسجد ما یحل لی»..

وروی الذهبی(1) «قال عبد العزیز بن أبی حازم، عن أبیه، عن سهل، إن رجلا من آل مروان استعمل علی المدینة، فدعانی وأمرنی أن أشتم علیا فأبیت، فقال: أما إذا أتیت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما کان لعلیٍّ اسم أحبَّ إلیه منه، إن کان لیفرح إذا دعی به».

وکان لمروان حظٌ وافرٍ من الوضع علی لسان النبی صلی الله عللیه وآله! حتی انه روی روایة فی (إیمان) هند بنت عتبة آکلة الأکباد لم تروها حتی هند نفسها: روی ابن عساکر(2) بسنده «عن سلیمان بن عاصم عن عمر بن عبد العزیز قال: سمعت سلمی مولاة مروان بن الحکم تقول حدثنی مروان بن الحکم قال سمعت معاویة ابن أبی سفیان یقول سمعت أمی هند بنت عتبة تقول وهی تذکر رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) وهی تقول فعلت یوم أحد ما فعلت من المثُلة بعمِّه وأصحابه کلما سارت قریش مسیراً فأنا معها بنفسی حتی رأیت فی النوم ثلاث لیال رأیت کأنّی فی ظلمة لا أبصر سهلاً ولا جبلاً وأری من تلک الظلمة انفرجت عنی بضوء مکانه فإذا رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) یدعونی, ثم رأیت فی اللیلة الثانیة کأنی علی طریق فإذا بهبل علی یمینی یدعونی وإذا بیساف یدعونی عن یساری وإذا رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) بین یدی قال تعالی هلم إلی الطریق, ثم رأیت فی اللیلة الثالثة کأنی واقفة علی شفیر جهنم یریدون أن یدفعونی فیها وإذا أنا بهبل یقول ادخلی فیها فالتفت فإذا رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) من ورائی آخذ بثیابی فتباعدت

ص: 329

عن شفیر جهنم وفزعت فقلت هذا شیء قد بین لی فغدوت إلی صنم فی بیتنا فجعلت أضربه وأقول: طال ما کنت منک إلا فی غرور وأتیت رسول الله (صلی الله علیه - وآله - وسلم) وأسلمت وبایعته».

ولمّا کان الصراع علی الدنیا علی أشدَّه بین بنی أمیة وبنی الزبیر فقد اقتسم مروان وابن الزبیر البلاد الإسلامیة فکان لابن الزبیر المشرق الإسلامی وجزء من الشام وکان لمروان باقی الشام ومصر, وقال الذهبی «استولی مروان علی الشام ومصر تسعة أشهر، ومات خنقاً من أول رمضان سنة خمس وستین. قال مالک: تذکر مروان، فقال: قرأت کتاب الله من أربعین سنة، ثم أصبحت فیما أنا فیه من هرق الدماء وهذا الشأن؟! قال ابن سعد: کانوا ینقمون علی عثمان تقریب مروان وتصرفه. وقاتل یوم الجمل أشد قتال، فلما رأی الهزیمة رمی طلحة بسهم، فقتله، وجرح یومئذ، فحمل إلی بیت امرأة، فداووه، واختفی، فأمنه علی، فبایعه، ورد إلی المدینة. وکان یوم الحرة مع مسرف بن عقبة یحرضه علی قتال أهل المدینة»(1).

وکان شائعاً فی أهل المدینة قول النبی صلی الله علیه وآله «إذا بلغ بنو العاص ثلاثین رجلا، اتخذوا مال الله دولا، ودین الله دغلا، وعباد الله خولا»(2) وکانت عائشة تقول الله «أنت فضض من لعنة نبی الله»(3) إذ ان نبی الله لعن الحَکَم وکان مروان فی صُلبه.

ص: 330

وکان مروان سبب الإجلاب علی عثمان فقد کان یخونه ویختم علی أمور لا یعلمها الخلیفة حتی اجتمعت علیه العرب وقتلته فهرب وانظم الی أصحاب الجمل فی خَطْب طویل کان نتیجتها أنه قتل طلحة بن عبید الله بعدما أحسَّ بهزیمة جیش عائشة, والغریب من بعض السلفیة أنهم الی الآن مازالوا ینفون أن مروان قتل طلحة مع ان الحادثة مذکورة فی جمع کبیر من کتب الحدیث والرجال والتاریخ منها:

ما قاله ابن حبان(1) «أما طلحة فرماه مروان بن الحکم بسهم من ورائه فأثبته فیه وقتله, وحمله إلی البصرة فمات بها, فقبر طلحة بالبصرة»..

وما قاله العجلی(2) «وطلحة والزبیر لم یقتلهما أصحاب علی رضی الله تعالی عنه طلحة قتله مروان بن الحکم, والزبیر قتله بن جرموز وهو منصرف»..

وقال ابن حجر(3) «وعُدَّ من موبقاته انه رمی طلحة أحد العشرة یوم الجمل وهما جمیعا مع عائشة, فقُتِل ثم وثب علی الخلافة بالسیف»..

وقال الدینوری(4) (5) «ویقال: إن طلحة لما علم بانصراف الزبیر هم أن

ص: 331

ینصرف، فعلم مروان بن الحکم ما یریده، فرماه بسهم، فوقع فی رکبته، فنزف حتی مات»..

وروی الذهبی(1) «عن وکیع: حدثنا إسماعیل بن أبی خالد، عن قیس قال: رأیت مروان بن الحکم حین رمی طلحة یومئذ بسهم، فوقع فی رکبته، فما زال ینسح حتی مات. رواه جماعة عنه، ولفظ عبد الحمید بن صالح عنه: هذا أعان علی عثمان ولا أطلب بثأری بعد الیوم. قلت: قاتل طلحة فی الوزر، بمنزلة قاتل علی. قال خلیفة بن خیاط: حدثنا من سمع جویریة بن أسماء، عن یحیی بن سعید، عن عمه، أن مروان رمی طلحة بسهم، فقتله، ثم التفت إلی أبان، فقال: قد کفیناک بعض قتلة أبیک»..

وقال ابن حجر(2) «روی خلیفة فی تاریخه من طریق إسماعیل بن أبی خالد عن قیس بن أبی حازم قال رمی طلحة یوم الجمل بسهم فی رکبته فکانوا إذا أمسکوها انتفخت وإذا أرسلوها انبعثت فقال دعوها. وروی بن عساکر من طریق متعددة أن مروان بن الحکم هو الذی رماه فقتله منها, وأخرجه أبو القاسم البغوی بسند صحیح عن الجارود بن أبی سبرة قال لما کان یوم الجمل نظر مروان إلی طلحة فقال لا أطلب ثأری بعد الیوم فنزع له بسهم فقتله.

وأخرج یعقوب بن سفیان بسند صحیح عن قیس بن أبی حازم أن مروان بن الحکم رأی طلحة فی الخیل فقال هذا أعان علی عثمان فرماه بسهم فی رکبته فما زال الدم یسیح حتی مات أخرجه عبد الحمید بن صالح عن قیس وأخرج الطبرانی من طریق یحیی بن سلیمان الجعفی عن وکیع بهذا السند, قال رأیت مروان

ص: 332

بن الحکم حین رمی طلحة یومئذ بسهم فوقع فی عین رکبته فما زوال الدم یسیح إلی أن مات وکان ذلک فی جمادی الأولی سنة ست وثلاثین من الهجرة وروی بن سعد أن ذلک کان فی یوم الخمیس لعشر خلون من جمادی الآخرة وله أربع وستون سنة»..

قلت: لماکان مروان من بنی امیة ومن أعداء علی علیه السلام فبالتأکید یجوز أن یقتل أحد الصحابة لأنه یجب ان یکون متأولاً! أما ابن جرموز قاتل الزبیر وأبو لؤلؤة قاتل عمر فهم فی النار!فمثلهم یکون لئیماً لا مجتهداً!

ولمّا کان مروان والیا علی المدینة من قبل معاویة فقد کان یسیء لأهل البیت بسبِّ أمیر المؤمنین علیه السلام, روی احمد ابن حنبل(1) «روی ابن عون، عن عمیر بن إسحاق، قال: کان مروان أمیرا علینا، فکان یسبُّ علیاً کل جمعة، ثم عزل بسعید بن العاص، وکان سعید لا یسبه، ثم أعید مروان، فکان یسب، فقیل للحسن: ألا تسمع ما یقول؟ فجعل لا یرد شیئا وساق حکایة. قال عطاء بن السائب: عن أبی یحیی، قال: کنت بین الحسن والحسین ومروان، والحسین یساب مروان، فنهاه الحسن، فقال مروان: أنتم أهل بیت ملعونون. فقال الحسن: ویلک قلت هذا! والله لقد لعن الله أباک علی لسان نبیه وأنت فی صلبه، یعنی: قبل أن یسلم».

وروی السیوطی(2) «عن ابن إسحاق: کان مروان أمیرا علینا، وکان یسب

ص: 333

علیا کل جمعة علی المنبر، وحسن یسمع فلا یرد، ثم ارسل إلیه رجل یقول له: .. مثلک الا مثل البغلة، فقال له الحسن: انی لا أمحو شیئا عنک مما قلت بأن أسبک، ولکن موعدی وموعدک الله»..

وروی الذهبی(1) «عن بن عون: عن عمیر بن إسحاق قال: کان مروان یسب علیا رضی الله عنه فی الجمع. فعزل بسعید بن العاص، فکان لا یسبه»

وقال ابن عساکر(2) فی ترجمة سکینة بنت الحسین «وکانت إذا لعن مروان جدها علیا رضی الله عنه لعنته وأباه وأبا أبیه»..

وروی ابن ابی الحدید(3) «قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الأجلح بن عبد الله الکندی، عن أبی جحیفة، قال: جمع معاویة کل قرشی بالشام، وقال لهم: العجب یا معشر قریش! أنه لیس لأحد منکم فی هذه الحرب فعال یطول بها لسانه غدا ما عدا عَمْرا، فما بالکم! أین حمیة قریش؟ فغضب الولید بن عقبة، وقال: أی فعال ترید؟ والله ما نعرف فی أکفائنا من قریش العراق من یغنی غناءنا باللسان ولا بالید، فقال معاویة: بلی إن أولئک وقوا علیاً بأنفسهم. قال الولید: کلا، بل وقاهم علیٌ بنفسه. قال: ویحکم! أما فیکم من یقوم لقرنه منهم مبارزه ومفاخره فقال مروان: أما البراز فإن علیاً لا یأذن لحسن ولا لحسین ولا لمحمد بنیه فیه، ولا لابن عباس وإخوته، ویصلی بالحرب دونهم، فلأیهم نبارز! وأما المفاخرة، فبماذا نفاخرهم! بالإسلام أم بالجاهلیة! فإن کان بالإسلام، فالفخر لهم بالنبوة، وإن کان بالجاهلیة فالملک فیه للیمن، فإن قلنا قریش، قالوا لنا عبد

ص: 334

المطلب. فقال عتبه بن أبی سفیان الهوا عن هذا، فإنی لاق بالغداة جعدة بن هبیرة، فقال معاویة: بخ بخ! قومه بنو مخزوم، وأمه أم هانئ بنت أبی طالب کفء (کذا) کریم. وکثر العتاب والخصام بین القوم، حتی أغلظوا لمروان وأغلظ لهم، فقال مروان: أما والله لولا ما کان منی إلی علی علیه السلام فی أیام عثمان، ومشهدی بالبصرة، لکان لی فی علی رأی یکفی امرأ ذا حسب ودین، ولکن ولعل. ونابذ معاویة الولید بن عقبة دون القوم، فأغلظ له الولید فقال معاویة. إنک إنما تجتریء علی بنسبک من عثمان، ولقد ضربک الحد وعزلک عن الکوفة»..

وروی ابن عبد البر(1) «روی ابن وهب عن حفص بن میسرة عن عامر بن عبد الله بن الزبیر أنه سمع ابنا له ینتفض علیاً فقال إیاک والعودة إلی ذلک فإن بنی مروان شتموه ستین سنة فلم یزده الله بذلک إلا رفعة وإن الدین لم یبن شیئا فهدمته الدنیا وإن الدنیا لم تبن شیئا إلی عاودت علی ما بنت فهدمت»..

وروی الطبری(2) «حدثنی محمد بن عبید المحاربی قال حدثنا عبد العزیز بن أبی حازم عن أبیه قال قیل لسهل بن سعد إن بعض أمراء المدینة یرید أن یبعث إلیک تسب علیا عند المنبر قال أقول ماذا قال تقول أبا تراب قال والله ما سماه بذلک إلا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم, قال: قلت: وکیف ذاک یا أبا العباس؟ قال: دخل علی علی فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع فی فئ المسجد قال ثم دخل رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم علی فاطمة فقال لها أین ابن عمک فقالت هو ذاک مضطجع فی المسجد قال فجاءه رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلی ظهره فجعل یمسح

ص: 335

التراب عن ظهره ویقول اجلس أبا تراب فوالله ما سماه به إلا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ووالله ما کان له اسم أحب إلیه من أبی تراب»...

وقال الجاحظ(1) (2) «روی محمد بن سعید الأصفهانی عن شریک عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن علی ابن الحسین عن أبیه علی بن الحسین علیه السلام قال: قال لی مروان: ما کان فی القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبکم. قلت: فما بالکم تسبونه علی المنابر؟ قال: إنه لا یستقیم لنا الامر إلا بذلک!»..

وقال الجاحظ(3) «روی مالک بن إسماعیل أبو غسان النهدی عن ابن أبی سیف قال: خطب مروان والحسن علیه السلام جالس، فنال من علی علیه السلام، فقال الحسن: ویلک یا مروان. أهذا الذی تشتم أشر الناس؟ قال: لا، ولکنه خیر الناس».

 ولما کانت المدینة قد أبیحت من قبل الأمویین لم یرق لمروان ان یذکر فی خطبه حرمتها لکون الأمة ستدینه بها!روی مسلم فی الصحیح(4) فقال « حدثنا عبد الله بن مسلمة ابن قعنب حدثنا سلیمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع

ص: 336

بن جبیر ان مروان بن الحکم خطب الناس فذکر مکة وأهلها وحرمتها ولم یذکر المدینة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خدیج فقال ما لی أسمعک ذکرت مکة وأهلها وحرمتها ولم تذکر المدینة وأهلها وحرمتها وقد حرم رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ما بین لابتیها وذلک عندنا فی أدیم خولانی ان شئت اقرأتکه قال فسکت مروان ثم قال قد سمعت بعض ذلک»!!

وبعد تاریخ طویل عاشه مروان ملعوناً من النبی ومن الصحابة منبوذاً من المسلمین قُتِل فی الخامسة والستین للهجرة, قتلته زوجته وجواریها فی میتة ذلیلة تلیق بمثله!قال ابن الأثیر «تزوج مروان أم خالد بن یزید لیضع من خالد وقال یوما لخالد یا ابن الرطبة الإست, فقال له خالد أنت مؤتمن خائن, وشکی خالد ذلک یوما إلی أمه فقالت: لا تعلمه انک ذکرته لی فلما دخل إلیها مروان قامت إلیه مع جواریها فغمّته حتی مات»(1) .

قال ابن الاثیر فی مروان «وولی المدینة لمعاویة مرات فکان إذا ولی یبالغ فی سب علی»((2).

وقد نص ابن کثیر علی نصبه فقال فی أرجوزته:

وهکذا خلفاء بنی أمیة

عدتهم کعدة الرافضیّة

ولکن المدة کانت ناقصة

عن مائة من السنین خالصة

وکلهم قد کان ناصب_____یا

إلا الامام عمر التقیّا((3)

ص: 337

ص: 338

 وکان عمرو بن سعید زندیقا لا یعترف بنبوة النبی وهذا ظاهر من أفعاله, ومن افعاله ما رواه ابن حجر(1) «عن الطبرانی من طریق بن عیینة عن عمرو بن دینار عن عمرو بن سعید قال کان لسعید بن العاص عبد فأعتق کل واحد من أولاده نصیبه إلا واحدا فوهب نصیبه للنبی صلی الله علیه - وآله - وسلم فأعتق نصیبه فکان یقول أنا مولی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم وکان اسمه رافعا أبا البهی وروی هشام بن الکلبی هذه القصة وزاد فلما ولی عمرو بن سعید الأشدق بعث إلیه فدعاه فقال مولی من أنت قال مولی رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم فضربه مائة سوط ثم أعاد السؤال فأعاد فضربه مائة أخری ثم أعاد الثالثة کذلک فلما رأی أنه لا یرفع عنه الضرب قال أنا مولاک!».

وهو من المعینین والمحرضین علی قتل الإمام الحسین قال الذهبی(2) «کتب إلیه (الی عبید الله بن زیاد) عمرو بن سعید الأشدق: أما بعد، فقد توجه إلیک الحسین، وفی مثلها تُعتق أو تُسترق.».

وکان بنو امیة یسمونه لطیم الشیطان(3)!

وهو من أکثر ولاة بنی امیة إخلاصاً لهم ولظلمهم ومن المبالغین فی ذلک, قال ابن عبد البر(4) «ان معاویة لما صار الأمر إلیه ولاه المدینة ثم جمع له إلی المدینة مکة والطائف ثم عزله عن المدینة سنة ثمان وأربعین وولّاها سعید بن أبی العاص فأقام علیها أمیرا إلی سنة أربع وخمسین ثم عزله وولی مروان ثم عزله وولی الولید

ص: 339

بن عتبة فلم یزل والیا علی المدینة حتی مات معاویة وولی یزید فلما کف الولید بن عتبة عن الحسین وابن الزبیر فی شأن البیعة لیزید وکان الولید رحیما حلیما سریا عزله وولی یزید عمرو بن سعید الأشدق».

وکان علی الجیش الذی قاتل مصعب بن الزبیر بعد زحفه علی فلسطین(1)

من حدیثه:

ما رواه مسلم(2): حدثنا عبد بن حمید وحجاج بن الشاعر کلاهما عن أبی الولید قال عبد حدثنی أبو الولید حدثنا إسحاق بن سعید بن عمرو بن سعید بن العاص حدثنی أبی عن أبیه قال کنت عند عثمان فدعا بطهور فقال سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول ما من امریء مسلم تحضره صلاة مکتوبة فیحسن وضوءها وخشوعها ورکوعها إلا کانت کفارة لما قبلها من الذنوب ما لم یؤت کبیرة وذلک الدهر کله.

وبعد کل الذی بذله فی خدمة بنی امیة وتضییع دینه بدنیاه کان مقتله ان ذُبح بید عبد الملک بن مروان کما تذبح الشاة!

قال ابن کثیر(3) فی حوادث سنة تسع وتسعین «ففیها کان مقتل عمرو بن سعید الأشدق الأموی قتله عبد الملک بن مروان وکان سبب ذلک أن عبد الملک رکب فی أول هذه السنة فی جنوده قاصدا قرقیسیا لیحاصر زفر بن الحارث الکلابی الذی أعان سلیمان بن صرد علی جیش مروان حین قاتلوهم بعین وردة. ومن عزمه إذا فرغ من ذلک أن یقصد مصعب بن الزبیر بعد ذلک، فلما سار إلیها

ص: 340

استخلف علی دمشق عمرو بن سعید الأشدق، فتحصن بها وأخذ أموال بیت المال وقیل بل کان مع عبد الملک ولکنه انخذل عنه فی طائفة من الجیش وکر راجعا إلی دمشق فی اللیل، ومعه حمید بن حریث بن بحدل الکلبی، وزهیر بن الأبرد الکلبی، فانتهوا إلی دمشق وعلیها عبد الرحمن بن أم الحکم نائبا من جهة عبد الملک، فلما أحس بهم هرب وترک البلد فدخلها عمرو بن سعید الأشدق فاستحوذ علی ما فیها من الخزائن، وخطب الناس فوعدهم العدل والنصف والعطاء الجزیل والثناء الجمیل، ولما علم عبد الملک بما فعله الأشدق کر راجعا من فوره فوجد الأشدق قد حصن دمشق وعلق علیها الستائر والمسوح، وانحاز الأشدق إلی حصن رومی منیع کان بدمشق فنزله. فحاصره عبد الملک وقاتله الأشدق مدة ستة عشر یوما، ثم اصطلحا علی ترک القتال، وعلی أن یکون ولی العهد بعد عبد الملک، وعلی أن یکون لکل عامل لعبد الملک عامل له، وکتبا بینهما کتاب أمان، وذلک عشیة الخمیس، ودخل عبد الملک إلی دمشق إلی دار الإمارة علی عادته، وبعث إلی عمرو بن سعید الأشدق یقول له: رد علی الناس أعطیاتهم التی أخذتها من بیت المال، فبعث إلیه الأشدق: إن هذا لیس إلیک، ولیس هذا البلد لک فاخرج منه، فلما کان یوم الاثنین بعث عبد الملک إلی الأشدق یأمره بالإتیان إلی منزله بدار الإمارة الخضراء، فلما جاءه الرسول صادف عنده عبد الله بن یزید بن معاویة وهو زوج ابنته أم موسی بنت الأشدق، فاستشاره عمرو الأشدق فی الذهاب إلیه فقال له: یا أبا سعید والله لأنت أحب إلی من سمعی وبصری، وأری أن لا تأتیه، فإن تبیعا الحمیری ابن امرأة کعب الأحبار قال: إن عظیما من عظماء بنی إسماعیل یغلق أبواب دمشق فلا یلبث أن یقتل. فقال عمرو: والله لو کنت نائما ما تخوفت أن ینبهنی ابن الزرقاء، وما کان

ص: 341

لیجتریء علی ذلک منی، مع أن عثمان بن عفان أتانی البارحة فی المنام فألبسنی قمیصه، وقال عمرو بن سعید أبلغه السلام وقل له أنا رائح إلیک العشیة إن شاء الله. فلما کان العشی - یعنی بعد الظهر - لبس عمرو درعا بین ثیابه وتقلد سیفه ونهض فعثر بالبساط فقالت امرأته وبعض من حضره: إنا نری أن لا تأتیه، فلم یلتفت إلی ذلک ومضی فی مئة من موالیه، وکان عبد الملک قد أمر بنی مروان فاجتمعوا کلهم عنده، فلما انتهی عمرو إلی باب أمر عبد الملک أن یدخل وأن یحبس من معه عند کل باب طائفة منهم، فدخل حتی انتهی إلی صرحة المکان الذی فیه عبد الملک، ولم یبق معه من موالیه سوی وصیف، فرمی ببصره فإذا مروان (کذا) عن بکرة أبیهم مجتمعون عند عبد الملک، فأحس بالشر فالتفت إلی ذلک الوصیف فقال له همسا: ویلک انطلق إلی أخی یحیی فقل له فلیأتنی، فلم یفهم عنه وقال له: لبیک، فأعاد علیه ذلک فلم یفهم أیضا وقال: لبیک، فقال: ویلک أغرب عنی فی حرق الله وناره، وکان عند عبد الملک حسان بن مالک بن بحدل، وقبیصة بن بیصة (کذا) بن ذؤیب، فأذن لهما عبد الملک بالانصراف، فلما خرجا غلقت الأبواب واقترب عمرو من عبد الملک فرحب به وأجلسه معه علی السریر، ثم جعل یحدثه طویلا، ثم إن عبد الملک قال: یا غلام خذ السیف عنه، فقال عمرو: إنا لله یا أمیر المؤمنین. فقال له عبد الملک: أو تطمع أن تتحدث معی متقلدا سیفک؟ فأخذ الغلام السیف عنه، ثم تحدثا ساعة، ثم قال له عبد الملک: یا أبا أمیة، قال: لبیک یا أمیر المؤمنین، قال: إنک حیث خلعتنی آلیت بیمینی إن ملأت عینی منک وأنا مالک لک أن أجمعک فی جامعة، فقالت بنو مروان: ثم تطلقه یا أمیر المؤمنین، فقال ثم أطلقه، وما عسیت أن أفعل بأبی أمیة، فقال بنو مروان: بر یمین أمیر المؤمنین، فقال عمرو: بر قسمک یا أمیر المؤمنین، فأخرج عبد

ص: 342

الملک من تحت فراشه جامعة فطرحها إلیه ثم قال: یا غلام قم فاجمعه فیها، فقام الغلام فجمعه فیها، فقال عمرو: أذکر الله یا أمیر المؤمنین أن تخرجنی فیها علی رؤوس الناس، فقال عبد الملک: أمکرا یا أبا أمیة عند الموت؟ لاها الله إذا ما کنا لنخرجک فی جامعة علی رؤوس الناس ولما نخرجها منک إلا صعدا، ثم اجتذبه اجتذابة أصاب فمه السریر فکسر ثنیته، فقال عمرو: أذکرک الله أن یدعوک کسر عظمی إلی ما هو أعظم من ذلک، فقال عبد الملک: والله لو أعلم أنک إذا بقیت تفی لی وصلح قریش لأطلقتک، ولکن ما اجتمع رجلان فی بلد قط علی ما نحن علیه إلا أخرج أحدهما صاحبه، وفی روایة أنه قال له: أما علمت یا عمرو أنه لا یجتمع فحلان فی شرک؟. فلما تحقق عمرو ما یرید من قتله قال له: أغدرا یا بن الزرقاء؟ وأسمعه کلاما ردیئا بشعا، وبینما هما کذلک إذ أذن المؤذن للعصر، فقام عبد الملک لیخرج إلی الصلاة. وأمر أخاه عبد العزیز بن مروان بقتله، وخرج عبد الملک وقام إلیه عبد العزیز، بالسیف فقال له عمرو: أذکرک الله والرحم أن لا تلی ذلک منی، ولیتول ذلک غیرک، فکف عنه عبد العزیز. ولما رأی الناس عبد الملک قد خرج ولیس معه عمرو أرجف الناس بعمرو، فأقبل أخوه یحیی بن سعید فی ألف عبد لعمرو بن سعید وأناس معهم کثیر، وأسرع عبد الملک الدخول إلی دار الإمارة، وجاء أولئک فجعلوا یدقون باب الإمارة ویقولون: أسمعنا صوتک یا أبا أمیة، وضرب رجل منهم الولید بن عبد الملک فی رأسه بالسیف فجرحه، فأدخله إبراهیم بن عدی صاحب الدیوان بیتا، وأحرزه فیه، ووقعت خبطة عظیمة فی المسجد، وضجت الأصوات، ولما رجع عبد الملک وجد أخاه لم یقتله فلامه وسبه وسب أمه - ولم تکن أم عبد العزیز أم عبد الملک فقال له: ناشدنی الله والرحمن، وکان ابن عمة عبد الملک بن مروان، ثم إن عبد الملک قال: یا غلام أتنی

ص: 343

بالحربة، فأتاه بها فهزها وضربه بها فلم تغن شیئا، ثم ثنی فلم تغن شیئا، فضرب بیده إلی عضد عمرو فوجد مس الدرع فضحک وقال: أدارع أیضا؟ إن کنت مُعدّا، یا غلام ائتنی بالصمصامة، فأتاه بسیفه ثم أمر بعمرو فصرع ثم جلس علی صدره فذبحه وهو یقول:

یا عمرو إلا تدع شتمی ومنقصتی

أضربک حتی تقول الهامة أسقونی

قالوا: وانتقض عبد الملک بعدما ذبحه کما تنتقض القصبة برعدة شدیدة جدا، بحیث إنهم ما رفعوه عن صدره إلا محمولا، فوضعوه علی سریره وهو یقول: ما رأیت مثل هذا قط قبله صاحب دنیا ولا آخرة، ودفع الرأس إلی عبد الرحمن بن أم الحکم فخرج إلی الناس فألقاه بین أظهرهم».

ص: 344

ص: 345

من مکة وکان المسلمون یخافون حینها ان الیهود قد سحرت نساءهم فلا تلد(1)...

هو أول من صف رجلیه فی الصلاة(2).

ومن حماقاته ما ینسب الیه من انه أرغم اباه الزبیر بن العوّام طلاق امه أسماء بنت أبی بکر! والسبب کما یقول هو «مثلی لا توطأ أمه فطلقها»((3)!!

من حدیثه: روی فی مسند احمد(4): حدثنی أبی حدثنا یعقوب حدثنا أبی عن ابن إسحاق حدثنی یحیی بن عباد بن عبد الله بن الزبیر عن أبیه عن عبد الله بن الزبیر قال والله أنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام فیهم حبیب بن مسلمة الفهری إذ قال عثمان وذکر له التمتع بالعمرة إلی الحج ان أتم للحج والعمرة ان لا یکونا فی أشهر الحج فلو أخرتم هذه العمرة حتی تزوروا هذا البیت زورتین کان أفضل فان الله تعالی قد وسع فی الخیر وعلی بن أبی طالب رضی الله عنه فی بطن الوادی یعلف بعیرا له قال فبلغه الذی قال عثمان فاقبل حتی وقف علی عثمان فقال أعمدت إلی سنة سنها رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم ورخصة رخص الله تعالی بها للعباد فی کتابه تضیق علیهم فیها وتنهی عنها وقد کانت لذی الحاجة ولنائی الدار ثم أهل بحجة وعمرة معا فاقبل عثمان علی الناس رضی الله عنه فقال وهل نهیت عنها انی لم أنه عنها إنما کان رأیا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء ترک..

ص: 346

وروی الدارمی(1) (2): أخبرنا عبد الله بن صالح حدثنی اللیث حدثنی یزید بن عبد الله عن عمرو بن عبد الله بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبیر عن الزبیر انه سمع النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول من حدث عنی کذبا فلیتبوأ مقعده من النار...

روی الترمذی(3): قال حدثنا أبو سعید الأشج حدثنا یونس بن بکیر عن محمد ابن إسحاق عن یحیی بن عباد بن عبد الله بن الزبیر عن أبیه عن جده عبد الله بن الزبیر عن الزبیر بن العوام قال: کان علی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم درعان یوم أحد، فنهض إلی الصخرة فلم یستطع، فأقعد طلحة تحته، فصعد النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم حتی استوی علی الصخرة، فقال: سمعت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: أوجب طلحة...

ورائحة السیاسة کما تری تفوح من أحادیثه!

کان ابن الزبیر من الطامحین للسلطة باستمرار لما یری من کون أبیه (حواری رسول الله) کما یقول عنه المسلمون, حتی قال عنه أمیر المؤمنین علیه السلام (أی فی عبد الله بن الزبیر) «خبّ ضبّ، یروم أمرا ولا یدرکه، ینصب حبالة الدین لاصطیاد الدنیا، وهو بعد مصلوب قریش»((4) وکان من المجلبین والمحرضین علی

ص: 347

أمیر المؤمنین علیه السلام فی واقعة الجمل واشترک بها باغیاً علی الإمام, قال ابن أبی الحدید(1) «کان عبد الله بن الزبیر یشتمه علی رؤوس الأشهاد، وخطب یوم البصرة فقال: قد أتاکم الوغد اللئیم علی بن أبی طالب - وکان علی علیه السلام یقول: ما زال الزبیر رجلا منا أهل البیت حتی شب عبد الله - فظفر به یوم الجمل، فأخذه أسیرا، فصفح عنه، وقال: اذهب فلا أرینک، لم یزده علی ذلک» وبقی ابن الزبیر یتحین الفرص للوثوب علی الخلافة حتی حانت له الفرصة بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام ویظهر من النقولات التاریخیة ان ابن الزبیر کان یغش الإمام الحسین بنصیحته له بالذهاب للکوفة وذلک لکی یستشهد الإمام ویخلو له الجو فی مکة والمدینة, قال المزی(2) «قال محمد بن عمر: فحدثنی ابن جریج، قال: وکان المسور بن مخرمة بمکة حین جاء نعی الحسین بن علی فلقی ابن الزبیر، فقال: قد جاء ما کنت تمنی موت حسین بن علی، فقال ابن الزبیر یا أبا عبد الرحمان تقول لی هذا؟ فوالله لیته بقی ما بقی بالحمی حجر، والله ما تمنیت ذلک له، قال المسور: أنت أشرت إلیه بالخروج إلی غیر وجه؟ قال: نعم أشرت علیه ولم أدر أنه یقتل، ولم یکن بیدی أجله، ولقد جئت ابن عباس فعزیته، فعرفت أن ذلک یثقل علیه منی، ولو أنی ترکت تعزیته، قال: مثلی یترک لا تعزینی بحسین؟ فما أصنع، أخوالی وغرة الصدور علی وما أدری علی أی شیء ذلک. فقال له المسور: ما حاجتک إلی ذکر ما مضی وبثه، دع الأمور تمضی وبر أخوالک فأبوک أحمد عندهم منک!!»..

ص: 348

وقال المزی(1) «قال أبو سلمة بن عبد الرحمان: قد کان ینبغی لحسین أن یعرف أهل العراق ولا یخرج إلیهم، ولکن شجعه علی ذلک ابن الزبیر. وکتب إلیه المسور بن مخرمة: إیاک أن تغتر بکتب أهل العراق، ویقول لک ابن الزبیر: الحق بهم فإنهم ناصروک، إیاک أن تبرح الحرم، فإنهم إن کانت لهم بک حاجة فسیضربون آباط الإبل حتی یوافوک، فتخرج فی قوة وعدة. فجزاه خیرا، وقال: أستخیر الله فی ذلک»..

وقال(2) «وخرج الحسین وعبد الله بن الزبیر من لیلتهما إلی مکة، وأصبح الناس فغدوا علی البیعة لیزید وطلب الحسین وابن الزبیر فلم یوجدا، فقال المسور بن مخرمة: عجل أبو عبد الله، وابن الزبیر الآن یلفته ویزجیه إلی العراق لیخلوا بمکة. فقدما مکة فنزل الحسین دار العباس بن عبد المطلب ولزم ابن الزبیر الحجر ولبس المعافری، وجعل یحرض الناس علی بنی أمیة، وکان یغدو ویروح إلی الحسین ویشیر علیه أن یقدم العراق ویقول: هم شیعتک وشیعة أبیک. وکان عبد الله بن عباس ینهاه عن ذلک ویقول: لا تفعل. وقال له عبد الله بن مطیع: لا تفعل أی فداک أبی وأمی متعنا بنفسک ولا تسر إلی العراق، فوالله لئن قتلک هؤلاء القوم لیتخذونا خولا وعبیدا» وحصل ما کان یرجو ابن الزبیر!فأعلن الثورة فی مکة وأرسل الی الأقالیم للبیعة ونجح فی ذلک..

وقال ابن سعد(3) «اخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا ربیعة بن عثمان ومحمد

ص: 349

بن عبد الله بن عبید بن عمیر وإسحاق بن یحیی بن طلحة وهشام بن عمارة عن سعید بن محمد بن جبیر بن مطعم والحسین بن الحسن بن عطیة العوفی عن أبیه عن جده وغیرهم أیضا قد حدثنی قالوا لما جاء نعی معاویة بن أبی سفیان إلی المدینة کان بها یومئذ الحسین بن علی ومحمد بن الحنفیة وابن الزبیر وکان بن عباس بمکة فخرج الحسین وابن الزبیر إلی مکة وأقام بن الحنفیة بالمدینة حتی سمع بدنو جیش مسرف وأیام الحرة فرحل إلی مکة فأقام مع بن عباس فلما جاء نعی یزید بن معاویة وبایع ابن الزبیر لنفسه ودعا الناس إلیه دعا ابن عباس ومحمد بن الحنفیة إلی البیعة له فأبیا یبایعان له وقالا حتی تجتمع لک البلاد ویتسق لک الناس فأقاما علی ذلک ما أقاما فمرة یکاشرهما ومرة یلین لهما ومرة یبادیهما ثم غلظ علیهما فوقع بینهم کلام وشر فلم یزل الامر یغلظ حتی خافا منه خوفا شدیدا ومعهما النساء والذریة فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم وقصد لمحمد بن الحنفیة فأظهر شتمه وعیبه وأمره وبنی هاشم أن یلزموا شعبهم بمکة وجعل علیهم الرقباء وقال لهم فیما یقول والله لتبایعن أو لأحرقنکم بالنار فخافوا علی أنفسهم قال سلیم أبو عامر فرأیت محمد بن الحنفیة محبوسا فی زمزم والناس یمنعون من الدخول علیه فقلت والله لأدخلن علیه فدخلت فقلت ما بالک وهذا الرجل فقال دعانی إلی البیعة فقلت إنما أنا من المسلمین فإذا اجتمعوا علیک فأنا کأحدهم فلم یرض بهذا منی فاذهب إلی ابن عباس فأقرئه منی السلام وقل یقول لک بن عمک ما تری قال سلیم فدخلت علی بن عباس وهو ذاهب البصر فقال من أنت فقلت أنصاری فقال رب أنصاری هو أشد علینا من عدونا فقلت لا تخف فأنا ممن لک کله قال هات فأخبرته بقول بن الحنفیة فقال قل له لا تطعه ولا نعمة عین إلا ما قلت ولا تزده علیه فرجعت إلی بن الحنفیة فأبلغته ما قال بن عباس فهم بن الحنفیة أن یقدم

ص: 350

إلی الکوفة وبلغ ذلک إلی المختار فثقل علیه قدومه فقال إن المهدی علامة یقدم بلدکم هذا فیضربه رجل فی السوق بالسیف لا تضره ولا تحیک فیه فبلغ ذلک بن الحنفیة فأقام فقیل له لو بعثت إلی شیعتک بالکوفة فأعلمتهم ما أنتم فیه فبعث أبا طفیل عامر بن واثلة إلی شیعتهم بالکوفة فقدم علیهم فقال إنّا لا نأمن ابن الزبیر علی هؤلاء القوم وأخبرهم بما هم فیه من الخوف فقطع المختار بعثا إلی مکة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبی عبد الله الجدلی علیهم وقال له سر فإن وجدت بنی هاشم فی الحیاة فکن لهم أنت ومن معک عضدا وانفذ لما أمروک به وإن وجدت بن الزبیر قد قتلهم فاعترض أهل مکة حتی تصل إلی بن الزبیر ثم لا تدع من آل الزبیر شفرا ولا ظفرا وقال یا شرطة الله لقد أکرمکم الله بهذا المسیر ولکم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر فسار القوم ومعهم السلاح حتی أشرفوا علی مکة فجاء المستغیث اعجلوا فما أراکم تدرکونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطیة بن سعد بن جنادة العوفی حتی دخلوا مکة فکبروا تکبیرة سمعها بن الزبیر فانطلق هاربا حتی دخل دار الندوة ویقال بل تعلق بأستار الکعبة وقال أنا عائذ الله قال عطیة ثم ملنا إلی بن عباس وابن الحنفیة وأصحابهما فی دور قد جمع لهم الحطب فأحیط بهم حتی بلغ رؤوس الجدر لو أن نارا تقع فیه ما رئی منهم أحد حتی تقوم الساعة أخرناه عن الأبواب وعجل علی بن عبد الله بن عباس وهو یومئذ رجل فأسرع فی الحطب یرید الخروج فأدمی ساقیه وأقبل أصحاب بن الزبیر فکنا صفین نحن وهم فی المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف إلا إلی صلاة حتی أصبحنا وقدم أبو عبد الله الجدلی فی الناس فقلنا لابن عباس وابن الحنفیة ذرونا نریح الناس من بن الزبیر فقالا هذا بلد حرمه الله ما أحله لأحد إلا للنبی علیه السلام ساعة ما أحله لأحد قبله ولا یحله لأحد بعده

ص: 351

فامنعونا وأجیرونا قال فتحملوا وإن منادیا لینادی فی الجبل ما غنمت سریة بعد نبیها ما غنمت هذه السریة إن السرایا تغنم الذهب والفضة وإنما غنمتم دماءنا فخرجوا بهم حتی أنزلوهم منی فأقاموا بها ما شاء الله» ولما لم یبایعه ابن عباس وسائر بنی هاشم نصب ابن الزبیر لهم العداء قبل ان ینقذهم المختار منه, قال ابن ابی الحدید(1) «وروی عمر بن شبه وابن الکلبی والواقدی وغیرهم من رواة السیر، أنه مکث أیام ادعائه الخلافة أربعین جمعة لا یصلی فیها علی النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم، وقال: لا یمنعنی من ذکره إلا أن تشمخ رجال بانافها. وفی روایة محمد بن حبیب وأبی عبیدة معمر بن المثنی: أن له أهیل سوء ینغضون رؤوسهم عند ذکره. وروی سعید بن جبیر أن عبد الله بن الزبیر قال لعبد الله بن عباس: ما حدیث أسمعه عنک؟ قال: وما هو؟ قال: تأنیبی وذمی! فقال: إنی سمعت رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول: (بئس المرء المسلم یشبع ویجوع جاره)، فقال ابن الزبیر: إنی لأکتم بغضکم أهل هذا البیت منذ أربعین سنة. وذکر تمام الحدیث. وروی عمر بن شبة أیضا عن سعید بن جبیر، قال: خطب عبد الله بن الزبیر، فنال من علی علیه السلام، فبلغ ذلک محمد بن الحنفیة، فجاء إلیه وهو یخطب، فوضع له کرسی، فقطع علیه خطبته، وقال: یا معشر العرب، شاهت الوجوه! أینتقص علی وأنتم حضور! إن علیا کان ید الله علی أعداء الله، وصاعقة من أمره أرسله علی الکافرین والجاحدین لحقه، فقتلهم بکفرهم فشنئوه وأبغضوه، وأضمروا له الشنف والحسد، وابن عمه صلی الله علیه - وآله - وسلم حی بعد لم یمت، فلما نقله الله إلی جواره، وأحب له ما عنده، أظهرت له رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم من ابتز حقه، ومنهم من ائتمر به لیقتله،

ص: 352

ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطیل، فإن یکن لذریته وناصری دعوته دولة تنشر عظامهم، وتحفر علی أجسادهم، والأبدان منهم یومئذ بالیة، بعد أن تقتل الأحیاء منهم، وتذل رقابهم، فیکون الله عز اسمه قد عذبهم بأیدینا وأخزاهم، ونصرنا علیهم، وشفا صدورنا منهم، إنه والله ما یشتم علیا إلا کافر یسر شتم رسول الله صلی الله علیه وآله ویخاف أن یبوح به، فیکنی بشتم علی علیه السلام عنه. أما إنه قد تخطت المنیة منکم من امتد عمره، وسمع قول رسول الله صلی الله علیه وآله فیه: (لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق، وسیعلم الذین ظلموا أی منقلب ینقلبون)، فعاد ابن الزبیر إلی خطبته، وقال: عذرت بنی الفواطم یتکلمون، فما بال ابن أم حنیفه! فقال محمد: یا بن أم رومان، وما لی لا أتکلم! وهل فاتنی من الفواطم إلا واحدة! ولم یفتنی فخرها، لأنها أم أخوی أنا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم، جدة رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم، کافلة رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، والقائمة مقام أمه، أما والله لو لا خدیجة بنت خویلد ما ترکت فی بنی أسد بن عبد العزی عظما إلا هشمته! ثم قام فانصرف» وکان الجمیع یعلم ان تعبد ابن الزبیر ونسکه سیاسی یرید به الخلافة لا غیر ففی إحدی المرات «أرسل عبد الله بن الزبیر إلی امرأة عبد الله بن عمر - وهی أخت المختار بن أبی عبید الثقفی - فی أن تکلم بعلها عبد الله بن عمر أن یبایعه. فکلمته فی ذلک، وذکرت صلاته وقیامه وصیامه، فقال لها: أ ما رأیت البغلات الشهب التی کنا نراها تحت معاویة بالحجر إذا قدم مکة؟ قالت: بلی، قال: فإیاها یطلب ابن الزبیر بصومه وصلاته»(1).

ومن المشاحنات التی جرت بین ابن الزبیر وابن عباس ما رواها قال ابن ابی

ص: 353

الحدید((1) «وتزوج عبد الله بن الزبیر أم عمرو ابنة منظور بن زبان الفزاریة، فلما دخل بها قال لها تلک اللیلة: أتدرین من معک فی حجلتک قالت: نعم، عبد الله بن الزبیر بن العوام ابن خویلد بن أسد بن عبد العزی. قال: لیس غیر هذا! قالت: فما الذی ترید؟ قال: معک من أصبح فی قریش بمنزلة الرأس من الجسد، لا بل بمنزلة العینین من الرأس قالت: أما والله لو أن بعض بنی عبد مناف حضرک لقال لک خلاف قولک. فغضب، وقال: الطعام والشراب علی حرام حتی أحضرک الهاشمیین وغیرهم من بنی عبد مناف، فلا یستطیعون لذلک إنکارا. قالت: إن أطعتنی لم تفعل، وأنت أعلم وشأنک. فخرج إلی المسجد فرأی حلقة فیها قوم من قریش، منهم عبد الله بن العباس وعبد الله بن الحصین بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، فقال لهم ابن الزبیر: أحب أن تنطلقوا معی إلی منزلی، فقام القوم بأجمعهم حتی وقفوا علی باب بیته، فقال ابن الزبیر: یا هذه اطرحی علیک سترک، فلما أخذوا مجالسهم دعا بالمائدة، فتغدی القوم فلما فرغوا قال لهم: إنما جمعتکم لحدیث ردته علی صاحبة الستر، وزعمت أنه لو کان بعض بنی عبد مناف حضرنی لما أقر لی بما قلت، وقد حضرتم جمیعا. وأنت یابن عباس، ما تقول؟ إنی أخبرتها أن معها فی خدرها من أصبح فی قریش بمنزلة الرأس من الجسد، بل بمنزلة العینین من الرأس! فردت علی مقالتی فقال ابن عباس: أراک قصدت قصدی، فإن شئت أن أقول قلت، وإن شئت أن أکف کففت قال: بل قل، وما عسی أن تقول! ألست تعلم أنی ابن الزبیر حواری رسول صلی الله علیه - وآله - وسلم وأن أمی أسماء بنت أبی بکر الصدیق ذات النطاقین، وأن عمتی خدیجة سیدة نساء العالمین، وأن صفیة عمة رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم جدتی،

ص: 354

وأن عائشة أم المؤمنین خالتی! فهل تستطیع لهذا إنکارا! قال ابن عباس: لقد ذکرت شرفا شریفا، وفخرا فاخرا، غیر أنک تفاخر من بفخره فخرت، وبفضله سموت. قال: وکیف ذلک؟ قال لأنک لم تذکر فخرا إلا برسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم، وأنا أولی بالفخر به منک. قال ابن الزبیر: لو شئت لفخرت علیک بما کان قبل النبوة قال ابن عباس: قد أنصف القارة من راماها نشدتکم الله أیها الحاضرون! أ عبد المطلب أشرف أم خویلد فی قریش؟ قالوا: عبد المطلب، قال: أفهاشم کان أشرف فیها أم أسد؟ قالوا: بل هاشم، قال: أفعبد مناف أشرف أم عبد العزی؟ قالوا: عبد مناف فقال ابن عباس:

تنافرنی یابن الزبیر وقد قضی

علیک رسول الله لا قول هازل

ولو غیرنا یابن الزبیر فخرته

ولکنما سامیت شمس الأصائل

قضی لنا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم بالفضل فی قوله: (ما افترقت فرقتان إلا کنت فی خیرهما) فقد فارقناک من بعد قصی بن کلاب، أفنحن فی فرقة الخیر أم لا؟ إن قلت: نعم خصمت وإن قلت لا کفرت! فضحک بعض القوم، فقال ابن الزبیر: أما والله لولا تحرمک بطعامنا یابن عباس لأعرقت جبینک قبل أن تقوم من مجلسک، قال ابن عباس: ولم؟ أبباطل، فالباطل لا یغلب الحق، أم بحق؟ فالحق لا یخشی من الباطل. فقالت المرأة من وراء الستر: إنی والله لقد نهیته عن هذا المجلس فأبی إلا ما ترون.»...

وبعد حیاة ملیئة بالمکائد والبغض لأهل البیت «قتله الحجاج بن یوسف فی المسجد الحرام سنة ثنتین وسبعین ثم صَلَبه فی ولایة عبد الملک بن مروان»(1)..

ص: 355

ص: 356

وقد أجمعوا علی کونه قدریاً, وإن احتمل الذهبی رجوعه عنه, وقد أخرجوه من حمص لذلک وأحرقوا داره(1).

من حدیثه:

ما رواه الترمذی(2)حدثنا إبراهیم بن سعید الجوهری أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن ثور بن یزید عن مکحول عن کریب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم للعباس: إذا کان غداة الاثنین فأتنی أنت وولدک حتی أدعو لهم بدعوة ینفعک الله بها وولدک، فغدا وغدونا معه فألبسنا کساء ثم قال: اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنباً، اللهم احفظه فی ولده.

وروی البخاری فی صحیحه(3) حدثنی إسحاق بن یزید الدمشقی حدثنا یحیی بن حمزة قال حدثنی ثور بن یزید عن خالد بن معدان أن عمیر بن الأسود العنسی حدثه أنه أتی عبادة بن الصامت وهو نازل فی ساحل حمص وهو فی بناء له ومعه أم حرام, قال عمیر فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم یقول أول جیش من أمتی یغزون البحر قد أوجبوا, قالت أم حرام: قلت یا رسول الله أنا فیهم؟ قال: أنت فیهم ثم قال النبی صلی الله علیه - وآله - وسلم: أول جیش من أمتی یغزون مدینة قیصر مغفور لهم فقلت: أنا فیهم یا رسول الله قال: لا.

روی الدارمی(4) أخبرنا أبو عاصم أنبأنا ثور بن یزید حدثنی خالد بن معدان

ص: 357

عن عبد الرحمن ابن عمرو عن عرباض بن ساریة قال: صلّی لنا رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بلیغة ذرفت منها العیون ووجلت منها القلوب, فقال قائل: یا رسول الله کأنها موعظة مودِّع فأوصنا, فقال: أوصیکم بتقوی الله والسمع والطاعة وإن کان عبداً حبشیاً, فإنه من یعیش منکم بعدی فسیری اختلافاً کثیراً فعلیکم بسنتی وسنة الخلفاء الراشدین المهدیین عضّوا علیها بالنواجذ, وإیاکم والمحدثات فإن کل محدثة بدعة. وقال أبو عاصم مرة: وإیاکم ومحدَثات الأمور فان کل بدعة ضلالة.

وقد کان ثور معروفا بانحرافه عن امیر المؤنین علیه السلام قال ابن سعد(1) «کان جد ثور بن یزید قد شهد صفین مع معاویة وقُتل یومئذ فکان ثور إذا ذکر علیاً علیه السلام قال: لا أحب رجلاً قتل جدی» وقال ابن حجر(2) «کان یُرمی بالنصب».

ص: 358

ص: 359

وعلی علی، وابن مسعود. وحدث عن عمر، وعثمان، وطائفة. قال أبو عمرو الدانی: أخذ القراءة عرضا عن عثمان، وعلی، وزید، وأبی، وابن مسعود. أخذ عنه القرآن: عاصم بن أبی النجود، ویحیی بن وثاب، وعطاء بن السائب وعبد الله بن عیسی بن عبد الرحمن بن أبی لیلی، ومحمد بن أبی أیوب، والشعبی، وإسماعیل بن أبی خالد، وعرض علیه الحسن والحسین رضی الله عنهما. وحدث عنه: عاصم، وأبو إسحاق، وعلقمة بن مرثد، وعطاء بن السائب، وعدد کثیر..

من حدیثه:

ما رواه ابن عاصم قال(1): حدثنا محمد بن علی بن میمون، حدثنا أبو سعید محمد بن أسعد التغلبی. حدثنا عثبر بن القاسم أبو زبید، عن حصین بن عبد الرحمن، عن أبی عبد الرحمن السلمی. عن علی قال قال رسول الله صلی الله علیه - وآله - وسلم: سیأتی بعدی قوم لهم نبز یقال لهم الرافضة فإذا لقیتموهم فاقتلوهم فإنهم مشرکون. قلت یا رسول الله ما العلامة فیهم؟ قال: یقرضونک بما لیس فیک ویطعنون علی أصحابی ویشتمونهم...

قال ابن أبی الحدید(2): من المنحرفین عنه علیه السلام أبو عبد الرحمن السلمی القارئ، روی صاحب کتاب، الغارات، عن عطاء بن السائب، قال: قال رجل لأبی عبد الرحمن السلمی: أنشدک بالله، إن سألتک لتخبرنی؟ قال: نعم، فلما أکّد علیه قال: بالله هل أبغضتَ علیاً إلا یوم قسم المال فی الکوفة فلم یصلک ولا أهل بیتک منه بشیء! قال: أما إذ أنشدتنی بالله، فلقد کان کذلک.

قال: وروی أبو عمر الضریر، عن أبی عوانة، قال: کان بین عبد الرحمن

ص: 360

بن عطیة وبین أبی عبد الرحمن السلمی شیء فی أمر علی علیه السلام، فأقبل أبو عبد الرحمن علی حیان، فقال: هل تدری ما جرّأ صاحبک علی الدماء؟ یعنی علیاً، قال وما جرّأه لا أبا لغیرک! قال: حدثنا أن رسول الله صلی الله علیه وآله قال لأهل بدر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم)، أو کلاما هذا معناه..

وروی الترمذی(1): حدثنا عبد بن حمید، أخبرنا عبد الرحمن بن سعد، عن أبی جعفر الرازی، عن عطاء بن السائب عن أبی عبد الرحمن السلمی، عن علی بن أبی طالب قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة، فقدمونی فقرأت: «قل یا أیها الکافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون»، فأنزل الله: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکَارَی حَتَّی تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}!!.

فانظر لهذا الناصبی الذی وصل به الأمر أن یروی أن أمیر المؤمنین علیه السلام یشرب الخمر ویصلّی وینزل فیه القرآن!!

وینقل عنه المحدثون هذا الکلام ویدرجونه فی أسباب النزول! ولکن ابن حجر العسقلانی فی کتابه (العجب العجاب فی بیان الأسباب) وبعد أن أورد عدة روایات فی سبب نزول الآیة وبعد أن نقل عن الطبری روایة قال(2) «وفیه أن عبد الرحمن هو الذی صلی بهم وقال: أصح طرقه, لأن الثوری سمع من عطاء قبل اختلاطه وعبد الرحمن بن مهدی اثبت من الفریابی».

إذن فالآیة علی فرض نزولها بحادثة معینة فهی نازلة علی عبد الرحمن بن عوف فما الذی أقحم اسم علی بن أبی طالب غیر النصب والبغض؟!!

ص: 361