نفحات من علوم القرآن

اشارة

سرشناسه : ملكي ميانجي، محمدباقر، 1284 - 1377.

عنوان و نام پديدآور: نفحات من علوم القرآن / مولف محمدباقر ملكي ميانجي؛ اعداد و تنظيم سيد فاضل

رضوي؛ تحقيق مرتضي اعدادي خراساني.

مشخصات نشر : مشهد: ولايت، 1393.

مشخصات ظاهري : [216] ص.

شابك : 9 _ 60 _ 6172 _ 964 _ 978

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : قرآن -- علوم قرآني

موضوع : تفاسير شيعه -- قرن 14

شناسه افزوده : رضوي، سيدفاضل، گردآورنده

شناسه افزوده : اعدادي خراساني، مرتضي، 1360 -

رده بندی کنگره : BP69/5/م76ن7 1393

رده بندی دیویی : 297/15

شماره کتابشناسی ملی : 3603308

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحيم

اُدعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَال_مَوعِظَةِ ال_حَسَنَة

يُعدّ العلم والمعرفة أفضل وأكبر النِّعم الإلهيّة المهداة لعباد اللّه الصالحين لأنّ بالعلم يُعينهم اللّه على عبوديّته والخضوع له و به يخضعون له، كما يُعدّ ذلك من اكبر النّعم التي بها يفتخرون في حياتهم الدنيا .

والعلماء الربانيّون والعرفاء الإلهيّون هم من يستضيئون بهدى الانبياء والائمة ولا يشعرون بالتَّعب أو الملل أبداً في سلوك هذا الطريق. طريق العلم والعمل، ويتجنّبون الطُرُق الأُخرى التي لا تنتهي بهم إلى نيل معارف الأئمّة.

تهدف هذه المؤسسة _ التي تأسست بدافع إحياء آثار هذه الثلَّة المخلصة التي تحملت على عاتقها مهمّة الدفاع عن المعارف الوحيانيّة والعلوم الإلهيّة الأصيلة _ إلى نشر هذا الفكر عبر الوسائل العصرية المتاحة ومن اللّه التوفيق.

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

تمهيد

ص: 13

الحمد لله الذي علا في توحّده، ودنا في تفرّده، وجلّ في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكلّ شيءٍ علماً وهو في مكانه.

ثمّ الصلاة والسلام على المنتجَب في الميثاق، المصطفى في الظِلال، والمطهَّر من كلّ آفة، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلّه، رسول الله، وحبيبه، وصفيّه، وخيرته من خلقه، الأحمد من الأوصاف، والمحمّد لسائر الأشراف، الكريم عند الربّ، والمكلَّم من وراء الحُجب، الفائز بالسباق، والفائت عن اللحاق وعلي أهل بيته الطاهرين، فصلّ اللّهم عليه وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، بحور العلوم الزاخرة، والنجوم الزاهرة، والأعلام الباهرة، وسادات الخلق في الدينا والآخرة، صلاةً زاكية نامية كثيرة دائمة لا يحيط بها إلّا أنت ولا يسعها إلّا علمك ولا يحصيها أحدٌ غيرك.

وبعد، فإنّ كلّ هموم الأنبياء وهممهم، ومنتهى مقاصدهم وغاياتهم، وأوّل حاجتهم وآخرها إنّما هو طلب لقاء الله وبلوغ ساحة معرفته ولقاءه، فإنّهم أفرغوا جهدهم وشحذوا جدّهم في التملّق بين يديه والتعرّض لعطفه، يسألونه أن يعرّفهم الطريق إليه والسبيل إلى رضوانه، وتضرّعوا بكلّ وجودهم لكسب محبّته ورضاه، ولسان حالهم جميعاً «يَا مَن هُوَ غَايَةُ

ص: 14

مُرَادِ المُرِيدِينَ يَا مَن هُوَ مُنتَهَى هِمَمِ العَارِفِينَ، يَا مَن هُوَ مُنتَهَى طَلَبِ الطَّالِبِين». (1)

وفي بحار الأنوار، عن النبيّ:

بَكَى شُعَيبٌ مِن حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى عَمِيَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيهِ بَصَرَهُ؛ ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَمِيَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ بَصَرَهُ؛ ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَمِيَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ بَصَرَهُ؛ فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ أوحَى اللَّهُ: إلَيهِ يَا شُعَيبُ إلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا أبَداً مِنكَ؟ إن يَكُن هَذَا خَوفاً مِنَ إلَهِيّ وَسَيِّدِي، أنتَ تَعلَمُ أنِّي مَا بَكَيتُ خَوفاً مِن نَارِكَ وَلَا شَوقاً إلَى جَنَّتِكَ وَلَكِن عَقَدَ حُبُّكَ عَلَى قَلبِي، فَلَستُ أصبِرُ أو أرَاكَ، فَأوحَى اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ إلَيهِ؛ أمَّا إذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَمِن أجلِ هَذَا سَأُخدِمُكَ كَلِيمِي مُوسَى بنَ عِمرَان.(2)

هذا ديدن أولياء الله، والمنيبين إليه، حتّى بعث الله خاتم الرسل بالحقّ، أعلى الأنبياء درجة وأحفظهم سرّاً و أشدّهم عزيمة وأوسعهم صدراً وأوعاهم قلباً، فهيّأه الله تعالى لتلقّي الوحي، وأدّبه، وأحسنَ تأديبه، وكمّله وحمّله ما تحمّل، ولقّنه كلّ شيء علماً وحكمة. ثم حفظ ذلك كلّه له في جُمَل نزلت على قلبه عاماً بعد عام، فكان القرآن العظيم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، والخاتم لجميع الكتب، تصديقاً لما بين يديه، ومهيمناً عليه، تنزيل من حكيمٍ من حميد؛ جعله الله طريقاً إلى معرفته، وإلى رضوانه، ولقاءه، وإلى شريعته، وإلى جنّته.


1- دعاء الجوشن الكبير؛ البلد الأمين، ص411؛ المصباح للكفعميّ، ص259.
2- . بحارالأنوار، ج12، ص380، ح1 (الباب 11من أبواب قصص إبراهيم من كتاب النبوّة).

ص: 15

قال أميرالمؤمنين:

ثُمَّ أنزَلَ عَلَيهِ الكِتَابَ نُوراً لَا تُطفَأُ مَصَابِيحُهُ وَسِرَاجاً لَا يَخبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحراً لَا يُدرَكُ قَعرُهُ وَمِنهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهجُهُ وَشُعَاعاً لَا يُظلِمُ ضَوءُهُ وَفُرقَاناً لَا يُخمَدُ بُرهَانُهُ وَتِبيَاناً لَا تُهدَمُ أركَانُهُ وَشِفَاءً لَا تُخشَى أسقَامُهُ وَعِزّاً لَا تُهزَمُ أنصَارُهُ وَحَقّاً لَا تُخذَلُ أعوَانُهُ؛ فَهُوَ مَعدِنُ الإيمَانِ وَبُحبُوحَتُهُ وَيَنَابِيعُ العِلمِ وَبُحُورُهُ وَرِيَاضُ العَدلِ وَغُدرَانُهُ وَأثَافِيُّ الإسلَامِ وَبُنيَانُهُ وَأودِيَةُ الحَقِّ وَغِيطَانُهُ وَبَحرٌ لَا يَنزِفُهُ المُستَنزِفُونَ وَعُيُونٌ لَا يُنضِبُهَا المَاتِحُونَ وَمَنَاهِلُ لَا يَغِيضُهَا الوَارِدُونَ وَمَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهجَهَا المُسَافِرُونَ وَأعلَامٌ لَا يَعمَى عَنهَا السَّائِرُونَ وَآكَامٌ لَا يَجُوزُ عَنهَا القَاصِدُونَ.

جَعَلَهُ اللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ العُلَمَاءِ وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الفُقَهَاءِ وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَدَوَاءً لَيسَ بَعدَهُ دَاءٌ وَنُوراً لَيسَ مَعَهُ ظُلمَةٌ وَحَبلًا وَثِيقاً عُروَتُهُ وَمَعقِلاً مَنِيعاً ذِروَتُهُ وَعِزّاً لِمَن تَوَلَّاهُ وَسِلماً لِمَن دَخَلَهُ وَهُدًى لِمَنِ ائتَمَّ بِهِ وَعُذراً لِمَنِ انتَحَلَهُ وَبُرهَاناً لِمَن تَكَلَّمَ بِهِ وَشَاهِداً لِمَن خَاصَمَ بِهِ وَفَلجاً لِمَن حَاجَّ بِهِ وَحَامِلاً لِمَن حَمَلَهُ وَمَطِيَّةً لِمَن أعمَلَهُ وَآيَةً لِمَن تَوَسَّمَ وَجُنَّةً لِمَنِ استَلأمَ وَعِلماً لِمَن وَعَى وَحَدِيثاً لِمَن رَوَى وَحُكماً لِمَن قَضَى.(1)

هذا هو القرآن الكريم والكتاب المجيد وأنّ قلب النبيّ وعاؤه، وصدرُه حامله. ثمّ لم يرث علم القرآن ولم يستوعبه ويرعه حقّ رعايته غير


1- نهج البلاغة، الخطبة 198، ص315.

ص: 16

أوصياءه من بعده، ولهذا لن يهتدِ أحد من الناس إلى كلام الله ومعرفة معارفه إلّا من أخذ عنهم واستقى من علمهم، فآل محمّد عدل القرآن الكريم، والمخصوصون بعلمه، والعارفون بالناسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ والمحكم والمتشابه والتنزيل والتأويل دون سواهم.

نعم، يبقى للقرآن جانبان؛ جانب ميسّر للخلق يعلمه العالم و الجاهل، وجانب غامض مُعمّى، ومستور مُغطّى، لا مناص للطالب فيه من الرجوع إلى ترجمان الكتاب وحملة علمه الخلفاء المعصومين.(1)

فلا ريب من جانب أنّ أهل البيت قد صرّحوا ودعوا إلى التمسّك بمحكم الكتاب، كما عن الصادق:

إنَّ القُرآنَ فِيهِ مُحكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، فَأمَّا المُحكَمُ فَنُؤمِنُ بِهِ وَنَعمَلُ بِهِ وَنَدِينُ بِه.(2)

وما جاء في بيان أميرالمؤمنين من أنّ قسماً من القرآن يعلمه العالم والجاهل(3)؛ إلّا أنّه ومن جانب آخر، استناداً إلى قوله تعالي: ثُمَّ إنَّ عَلَينا بَيانَهُ . (4)


1- هذه المسألة قد جعلها صاحب الكتاب الذي بين يديك ركيزته في التفسير، وطريقته في تلقّي علوم الآيات.
2- . بصائرالدرجات، ص203، ح3 (الباب العاشر من الجزء الرابع)؛ وسائل الشيعة، ج27، ص198، ح52 [33583] (الباب 13من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء).
3- راجع: الاحتجاج، ج1، ص253؛ تفسير كنزالدقائق، ج3، ص32 (ذيل الآية 7 من سورة آل عمران).
4- القيامة(75)، الآية 19.

ص: 17

وقوله سبحانه: فَإنَّمَا يَسَّرناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ .(1)

وقوله سبحانه: وَ أنزَلنا إلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إلَيهِم. (2)

وقوله سبحانه: يُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ. (3)

ونظائرها من الآيات المباركات، أصبح مقام التبيين والتفسير ورفع الاختلاف من الآيات، شأناً خاصّاً من شؤون خلفاء الله وحججه الذين علّمهم الذكر وجعلهم أهل الذكر، فقال عزّ وجلّ: فَاسألوا أهلَ الذِكرِ إن كُنتُم لا تَعلَمُونَ(4) فليس لغيرهم أن يتصدّى لهذا المقام الشامخ الخطير. ولهذا نبّه النبيّ الأكرم في يوم الغدير بعد أن دعا إلى تدبّر القرآن وتفهّم آياته، على ضرورة الاعتماد على وصيّه وخليفته من بعده أميرالمؤمنين في ذلك و الأخذ منه لا من غيره فقال:

فَوَ اللهِ لَهُوَ مُبَيِّنٌ لَكُم نُوراً وَاحِداً وَلَا يُوَضِّحُ لَكُم تَفسِيرَهُ إلَّا الَّذِي أنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَمُصعِدُهُ إلَيَ وَشَائِلٌ بِعَضُدِهِ وَمُعلِمُكُم أنَّ مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَولَاه. (5)

المؤلّف في سطور

ولد آية الله الشيخ محمّد باقر الملكيّ الميانجيّ نجل المرحوم الحاج عبد


1- الدخان(44)، الآية 58.
2- النحل (16)، الآية 44.
3- البقرة(2)، الآية 129.
4- النحل(16) الآية 43 والأنبياء (21)، الآية 7.
5- روضة الواعظين، ج1، ص94؛ بحارالأنوار، ج37، ص209، ح86 (الباب 52من أبواب النصوص الدالّة علي الخصوص... من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين).

ص: 18

العظيم في أُسرة عريقة دينيّة شريفة في آذربايجان، فدرس المقدّمات من الأدب والمنطق والفقه والأُصول لدى العالم الجليل المرحوم آية الله السيّد واسع الكاظميّ التَركيّ الذي كان من أفاضل تلامذة الآخوند الخراساني حتّى أكمل عنده كتابي القوانين والرياض.

ثمّ انتقل إلى مشهد المقدّسة ودرس السطوح العليا لدى أُستاذه المرحوم آية الله الشيخ هاشم القزوينيّ، والفلسفة والعقائد لدى المرحوم آية الله الشيخ مجتبى القزوينيّ، ثمّ حضر بحوث الخارج لدى المرحوم آية الله ميرزا محمّد آقازاده الخراسانيّ، كما تلقّى قسماً من المباحث الفقهيّة ودورة في الأبحاث الأُصوليّة والمعارف الاسلاميّة عند الفقيه الكبير آية الله الميرزا مهديّ الغرويّ الإصفهانيّ، فنال إجازة الاجتهاد والإفتاء والرواية منه سنة 1361ه_.ق؛ وقد صدّقها المرحوم آية الله العظمي السيّد محمّد الكوه كمريّ التبريزيّ.

ثمّ رجع إلى موطنه بعد مضيّ 13سنة من الدراسة في مشهد وقام بنشر المعارف الاسلاميّة، ثمّ انتقل إلى قم المقدّسة بعد 16 سنة وأكرمه المرجع الدينيّ الأعلى للشيعة المرحوم آية الله العظمى البروجرديّ، فواصل تدريسه في الحوزة لبحث خارج الفقه والتفسير والمعارف فتخرج على يديه عدة من أهل العلم والمعرفة.

له مؤلّفات طبع بعضها كبدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام، وتفسير فاتحة الكتاب، ومناهج البيان في تفسير القرآن وكتاب توحيد الإماميّة في العقائد وله مخطوطات كرسالة في الحبط والتكفير ودورة كاملة لتقريرات الأُصول لأستاذه آية الله الميرزا مهديّ الإصفهانيّ.

ص: 19

منهج مباحث الكتاب

من هذا المنطلق اجتهد المؤلّف _ أعلى الله مقامه _ في بيان أهميّة حفظ مقام أهل البيت وموضعهم من مسألة التفسير.

وقد سعى إلى تبيين التمييز بين المحكمات التي يسوغ فيها التمسّك بظاهر الكتاب من خلال إمضاء الحجج المعصومين ودعوتهم إلى الأخذ والعمل بها، وبين غيرها ممّا يجب الرجوع إلى حملة القرآن في أصل فهمها.

ومن الجدير بالذكر أنّ هذه عينها طريقة مشي الفقهاء الأُصوليّين في زمن غيبة المعصوم في مقام التمسّك بظاهر الكتاب، رغم قلّة الأخبار الموجودة في خصوص هذا المجال.

بين يدي القارئ أهمّ ما تعرّض له المؤلّف في هذا الكتاب:

نقد منهج صاحب الميزان

فيه تنبيه على خطأ المبنى الذي سلكه صاحب تفسير الميزان في تبيين مقاصد المعاني القرآنيّة وتفسير الآيات، والخلل في أسلوبه في التفسير، حيث أخذ في التفسير المذكور محاولة تفسير القرآن بالقرآن لما رأى من ضرورة مجانبة بيان غير القرآن حتّى بيانات أهل الذكر الذين إليهم مرجع العباد في ذلك.(1)

وقد ذكر المؤلّف هذه النظريّة وما يرد عليها، والتي تؤول في طبيعتها


1- قال في الميزان ج3، ص85: فالحقّ أنّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود، وأنّ البيان الإلهيّ والذكر الحكيم بنفسه، هو الطريق الهادي إلى نفسه، أي إنّه لا يحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق، فكيف يتصوّر أن يكون الكتاب الذي عرّفه الله تعالى بأنّه هدى وأنّه نور وأنّه تبيان لكلّ شي ء مفتقراً إلى هاد غيره ومستنيراً بنور غيره ومبيِّناً بأمر غيره.

ص: 20

إلى التفريق بين الذِكر وأهل الذكر، وبين الله ورُسله، والإيمان ببعض دون بعض.

وفي هذا المضمار تعرّض لضرورة رجوع الأمّة إلى الأئمّة في معرفة حِكَم القرآن وحقائقه ومعارفه، لا معرفة ألفاظه وقراءاته فحسب.

النسخ وأنواعه

وقد اهتمّ بتبيين معاني النسخ والتأويل ووضع النقاط على الحروف في تفسير القرآن بالرأي وتعرّض لأهميّة نبذ المعاني الاصطلاحيّة، معتمداً على المعنى اللغويّ لفهم ما ورد من كلمات أهل البيت والقرآن الحكيم.

بحوث عقائديّة

وقد أشار إلى فوائد مهمّة ذكرها في ضمن الآيات التي تناسبها، من قبيل مسألة البداء ومعنى تغيير الرأي عند الباري تعالي، وقد حرص حرصاً شديداً على التمسّك باللغة من دون التورّط بالمعاني المصطلحة التي نكست الفحول حين عجزوا عن معالجتها، ولم يبدِّل ولم يأوِّل ظاهر قوله تعالى: يَمحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتاب(1) ولم يرفع اليد عن ظاهر الروايات المفسِّرة له كقول الصادق:

وَهَل يُمحَى إلَّا مَا كَانَ ثَابِتاً وَهَل يُثبَتُ إلَّا مَا لَم يَكُن. (2)

وقد أبطل ما جاء به الفلسفة في هذا الصدد بتسليط الأضواء على كلمات فصل الخطاب وهم أئمّة الهدى، ونسبة نشو الرأي إلى علمه تعالى لا كما


1- الرعد(13)، الآية 39.
2- الكافي، ج1، ص147، ح1 (باب البداء).

ص: 21

توهّم المتكلّفون في نسبة نشو الجهل، فعقد باباً في حلّ هذه الشبهة وذكر فيه قول الصادق:

مَن زَعَمَ أنَّ اللهَ يَبدُو لَهُ فِي شَي ءٍ اليَومَ، لَم يَعلَمهُ أمسِ فَابرَءُوا مِنهُ.(1)

مثبتاً في ذلك كلّه إنشاء الرأي حقيقة فيما لم يكن من قبل، كما قال موسي بن جعفر:

إنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ مَا قُدِّرَ وَمَا لَم يُقَدَّر قَالَ قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ هَذَا مَا قُدِّرَ قَد عَرَفنَاهُ، أ فَرَأيتَ مَا لَم يُقَدَّر؟ قَالَ: حَتَّى لَا يُقَدَّرَ. (2)

تحدّي القرآن الكريم

وقد عقد في الفصل الأخير من الكتاب باباً تحت عنوان: «في التحدّي بالقرآن» موضحاً فيه موضوع التحدّي، وأهميّة التحدّي العلمي والإعجاز في ذلك ومعناه، وكذلك المراد من حديث مولانا الرضا:

إنَّ اللهَ تَعَالى بَعَثَ مُحَمَّداً فِي وَقتٍ كَانَ الغَالِبُ عَلى أهلِ عَصرِهِ الخُطَبَ وَالكَلَام، فَأتَاهُم مِن عِندِ اللهِ تَعَالى مِن مَوَاعِظِهِ وَحِكَمِهِ مَا أبطَلَ بِهِ قَولَهُم، وَأثبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَيهِم. (3)


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص70؛ بحارالأنوار، ج4، ص111، ح30 (الباب الثالث من أبواب الصفات من كتاب التوحيد).
2- بحارالأنوار، ج90، ص297، ح27 (الباب 16 من أبواب الدعاء من كتاب القرآن).
3- الكافي، ج1، ص24، ح20؛ بحارالأنوار، ج17، ص210، ح15 (الباب الأوّل من أبواب معجزاته من كتاب تاريخ نبيّنا).

ص: 22

ميزة هذه الطبعة

الأثر الحاضر بين يديك هو عبارة عن مقدّمة كتاب مناهج البيان في تفسير القرآن لآية الله الملكيّ، وقد تمّ إعادة ترتيبه من حيث التبويب والعناوين وإضافة بعض المقاطع في ابتداء كلّ بحث على غرار كتاب نگاهي به علوم قرآني(1) كما وأنّه قد أُضيفت بعض العناوين وأُعيدت صياغة بعض العبارات بُغية التسهيل.

ولا يسعني إلّا الشكر والتقدير لمن ساهم في نشر هذا الكتاب من أعضاء مؤسسّة عالم آل محمّد المعارفيّة في تكميل المصادر وإضافة فهرس المصادر والنصوص والتنضيد وترتيب المتن، وأخصّ بالذكر سماحة السيّد سجّاد المدرّسيّ وسماحة الشيخ غلام رضا الفاضليّ وسماحة الشيخ مرتضي الأعدادي الخراسانيّ لما بذلوا من الجهد في تصحيح الكتاب وتقويم نصّه وتحقيقة.

كما وننوّه على أنّ طباعة الكتاب قد تمّ على نفقة فاضل خيرات المرحوم المؤمن الحاج فائق زيد الكاظميّ، وسيصرف في طباعة ونشر كتب أُخرى إن شاء الله.

ألتمس في الختام من الله تعالى أن يتقبّل أعمالنا بقبول حسن، ويجعلها في ميزان حسناتنا يوم القيامة بشفاعة سيّدنا ومولانا الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه آلاف التحيّة والثناء.

الثالث من الربيع الأوّل 1435 ه_ ق

فاضل حسين الرضويّ

مشهد المقدّسة

1فضل القرآن

فضل القرآن ولزوم التدبّر فيه

اشارة


1- وقد طبع هذا الكتاب مرّتين باهتمام عليّ الملكيّ الميانجِيّ وترجمة الدكتور عليّ نقيّ خداياري.

ص: 23

ص: 24

ص: 25

قد استفاضت النصوص والأخبار في فضل القرآن وقراءته والتدبّر فيه والاتّعاظ به، والتمسّك والائتمام بهَديه والاستضاءة بنوره، لا سيّما عند تراكم أمواج الفتن وتهاجم الشبهات وعروض الفترات؛ وإليك جملة من هذه النصوص القيّمة:

الف) القرآن

قال الله تعالي:

كِتَابٌ أنزَلنَاهُ إلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألبَابِ؛(1)

إنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتِي هِيَ أقوَم ؛ (2)

لَو أنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِن خَشيَةِ اللَّه. (3)

والآيات في هذا الباب كثيرة نكتفي بما ذكرناه.

ب) الأحاديث


1- ص (38)، الآية 29.
2- الإسراء (17)، الآية 9.
3- الحشر (59)، الآية 21.

ص: 26

ورد في الكافي، عن عليّ بن إبراهيم مسنداً عن السكونيّ، عن أبي عبد اللّ_ه، عن آبائه قال: قال رسول اللّ_ه:

... فَإذَا التَبَسَت عَلَيكُمُ الفِتَنُ، كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، فَعَلَيكُم بِالقُرآنِ، فَإنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ومَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، وَمَن جَعَلَهُ أمَامَهُ، قَادَهُ إلَى الجَنَّةِ وَمَن جَعَلَهُ خَلفَهُ، سَاقَهُ إلَى النَّار،ِ وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيرِ سَبِيلٍ... فِيهِ مَصَابِيحُ الهُدَى وَمَنَارُ الحِكمَةِ... .(1)

وفيه، عن عدّة من أصحابنا مسنداً عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّ_ه قال:

قُلتُ لَهُ: جُعِلتُ فِدَاكَ، إنِّي أحفَظُ القُرآنَ عَلَى ظَهرِ قَلبِي، فَأقرَأُهُ عَلَى ظَهرِ قَلبِي أفضَلُ أو أنظُرُ فِي المُصحَفِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: بَلِ اقرَأهُ وَانظُر فِي المُصحَفِ فَهُوَ أفضَلُ؛ أمَا عَلِمتَ أنَّ النَّظَرَ فِي المُصحَفِ، عِبَادَةٌ.(2)

وفي النهج، قال أميرالمؤمنين:

وَاعلَمُوا أنَّ هَذَا القُرآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لايَغُشُّ، وَالهَادِي الَّذِي لَايُضِلُّ، وَالمُحَدِّثُ الَّذِي لَايَكذِبُ، وَمَا جَالَسَ هَذَا القُرآنَ أحَدٌ


1- الكافي، ج2، ص598، ح2؛ بحارالأنوار، ج89، ص17، ح16 (الباب الأوّل من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).
2- الكافي، ج2، ص614، ح5؛ بحارالأنوار، ج89، ص196، ح4 (الباب 22 من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).

ص: 27

إلَّا قَامَ عَنهُ بِزِيَادَةٍ أو نُقصَانٍ؛ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أو نُقصَانٍ مِن عَمًى. وَاعلَمُوا أنَّهُ لَيسَ عَلَى أحَدٍ بَعدَ القُرآنِ مِن فَاقَةٍ وَلَا لِأحَدٍ قَبلَ القُرآنِ مِن غِنًى، فَاستَشفُوهُ مِن أدوَائِكُم واستَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأوَائِكُم، فَإنَّ فِيهِ شِفَاءً مِن أكبَرِ الدَّاءِ؛ وَهُوَ الكُفرُ والنِّفَاقُ وَالغَيُّ وَالضَّلَالُ؛ فَاسألُوا اللَّهَ بِهِ، وَتَوَجَّهُوا إلَيهِ بِحُبِّهِ وَلَا تَسألُوا بِهِ خَلقَهُ، إنَّهُ مَا تَوَجَّهَ العِبَادُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثلِهِ. وَاعلَمُوا أنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وأنَّهُ مَن شَفَعَ لَهُ القُرآنُ يَومَ القِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَن مَحَلَ بِهِ القُرآنُ يَومَ القِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيهِ... وَإنََّ اللَّهَ سُبحَانَهُ لَم يَعِظ أحَداً بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ، فَإنَّهُ حَبلُ اللَّهِ المَتِينُ وسَبَبُهُ الأمِينُ وَفِيهِ رَبِيعُ القَلبِ وَيَنَابِيعُ العِلمِ، وَمَا لِلقَلبِ جَلَاءٌ غَيرُه... . (1)

وفي تفسير العيّاشيّ، عن أبي عبد اللّ_ه عن رسول اللّ_ه قال:

القُرآنُ هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَتِبيَانٌ مِنَ العَمَى، وَاستِقَالَةٌ مِنَ العَثرَةِ، وَنُورٌ مِنَ الظُّلمَةِ، وَضِيَاءٌ مِنَ الأحزَانِ، وَعِصمَةٌ مِنَ الهَلَكَةِ، وَرُشدٌ مِنَ الغَوَايَةِ، وَبَيَانٌ مِنَ الفِتَنِ، وَبَلَاغٌ مِنَ الدُّنيَا إلَى الآخِرَةِ، وَفِيهِ كَمَالُ دِينِكُم، فَهَذِهِ صِفَةُ رَسُولِ اللَّهِ لِلقُرآن؛ ومَا عَدَلَ أحَدٌ عَنِ القُرآنِ إلَّا إلَى النَّارِ. (2)


1- نهج البلاغة، الخطبة 176، ص 251.
2- تفسير العياشيّ، ج1، ص5، ح8؛ بحارالأنوار، ج89، ص26، ح28 (الباب الأوّل من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).

ص: 28

وفي العيون، عن البيهقيّ مسنداً عن الرّضا، عن أبيه أنّ رجلاً سأل أبا عبد اللّ_ه: ما بال القرآن لايزداد على النشرِ والدراسة إلّا غضاضة؟ فقال:

لِأنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يُنزِلهُ لِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَلَا لِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ، فَهُوَ فِي كُلِّ زَمَانٍ جَدِيدٌ، وَعِندَ كُلِّ قَومٍ غَضٌّ إلَى يَومِ القِيَامَةِ. (1)

تجلّي الله في القرآن

ورد في البحار، عن الصادق أنّه قال:

لَقَد تَجَلَّى اللَّهُ لِخَلقِهِ فِي كَلَامِهِ، وَلَكِنَّهُم لَا يُبصِرُونَ.(2)

إنّ القرآن الكريم مؤسَّس على الذّكر والتذكرة والبرهان ومعنى كونه ذكراً وتذكرة وبرهاناً، أنّه يدعو الناس إلى ربّهم الظاهر بذاته. وأنّه أجلّ مكاناً وأرفع مقاماً من أن يحتاج في إفادة مقاصده ومراميه إلى التشبّث بغيره من العلوم. من هنا فإنّ القرآن أعظم مذكّر وأجلّ هادٍ للغافلين والناسين، يذكّرهم بالله تعالى وبعد ما أعرضوا عنه تعالىٰ يهديهم ويرشدهم كي يرجعوا إليه، فيشملهم الله برحمته وعطائه ليتوبوا وينيبوا إليه.


1- عيون أخبار الرضا، ج2، ص87، ح32 (الباب 32)؛ بحارالأنوار، ج89، ص15، ح8 وفيه: (الدرس) بدل (الدراسة).
2- عوالي اللئالي، ج4، ص116، ح181؛ بحارالأنوار، ج89، ص107، ح2 (الباب التاسع من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).

ص: 29

قال أميرالمؤمنين:

فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً بِالحَقِّ؛ لِيُخرِجَ عِبَادَهُ مِن عِبَادَةِ الأوثَانِ إلَى عِبَادَتِهِ، وَمِن طَاعَةِ الشَّيطَانِ إلَى طَاعَتِهِ بِقُرآنٍ قَد بَيَّنَهُ، وَأحكَمَهُ لِيَعلَمَ العِبَادُ رَبَّهُم إذ جَهِلُوهُ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعدَ إذ جَحَدُوهُ، وَلِيُثبِتُوهُ بَعدَ إذ أنكَرُوهُ؛ فَتَجَلَّى لَهُم سُبحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِن غَيرِ أن يَكُونُوا رَأوهُ بِمَا أرَاهُم مِن قُدرَتِهِ، وخَوَّفَهُم مِن سَطوَتِهِ. (1)

القرآن وعصمته الذاتيّة

بما أنّ القرآن معجزة خالدة وفرقان والمرجع الباقي الوحيد، المعصوم بذاته فإنّه يكون الحجّة على ذاته بذاته، والفارق بين الحقّ والباطل ، والصّدق والكذب بحجّيّته ، والمبيِّن لكلّ ما اختلف فيه الناس في شؤون دينهم ودنياهم. لأنّ الكتاب الذي يميز بين الحقّ والباطل يكون لامحالة حجّة وبرهاناً على نفسه بأنّه الحقّ المبين وأنّه كتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين.

وقد وصفه اللّ_ه تعالى بأنّه: نور وهداية وذكرى وبيّنات وبصائر وضياء وغيرها من الأوصاف؛ قال تعالى:

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرقانَ عَلى عَبدِهِ لِيَكُونَ لِلعالَمِينَ نَذِيراً؛ (2)

يَا أيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهانٌ مِن رَبِّكُم وأنزَلنَا إلَيكُم نُوراً مُبِيناً. (3)


1- نهج البلاغة، الخطبة 147، ص204.
2- الفرقان (25)، الآية 1: إنّ معني الفرقان لدي المؤلّف هو ما يفرق بين الحقّ والباطل وله اجزاء وفِرَق.
3- النساء (4)، الآية 174.

ص: 30

إنّ المراد من البرهان بحسب اللّغة هي الحجّة القاطعة والدليل النوريّ.(1)

هيمنة القرآن

وَأنزَلنَا إلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِناً عَلَيه.(2)

الظاهر أنّ معنى كونه مهيمناً على الكتب التي بين يديه، هو كونه مراقباً وحافظاً عليها من أن يزاد عليها شيء؛ فما صدّقه القرآن منها فهو الحقّ وما كذّبه فهو الباطل؛ وما لم يصدّقه القرآن من الكتب لم يكن منها.

يقول الإمام زين العابدين في دعائه عند ختم القرآن:

اللَّهُمَ إنَّكَ أعَنتَنِي عَلَى خَتمِ كِتَابِكَ الَّذِي أنزَلتَهُ نُوراً، وَجَعَلتَهُ مُهَيمِناً عَلَى كُلِ كِتَابٍ أنزَلتَهُ.(3)

وفي بحارالأنوار، عن رسول اللّ_ه أنّه قال:

إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ كِتَابِي المُهَيمِنَ عَلَى كُتُبِهِمُ، النَّاسِخَ لَهَا. (4)

2حجّيّة ظواهر القرآن

ظواهر الكتاب


1- راجع: مجمع البحرين، ج6، ص213؛ تاج العروس من جواهر القاموس، ج18، ص55؛ مفردات الفاظ قرآن، ص121.
2- المائدة (5)، الآية 48.
3- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 42، ص174.
4- بحارالأنوار، ج9، ص292، ح3 (الباب الثاني من أبواب احتجاجات الرسول من كتاب الاحتجاج)؛ الاحتجاج، ج1، ص50.

ص: 31

ص: 32

ص: 33

من الواضح أن لا إشكال في حجّيّة محكمات القرآن الكريم وكذلك لا إشكال في حجّيّة ظواهره عند المحقّقين، فإنّ المتسالم عليه في تفسير القرآن هو الاعتماد على الدلالات اللفظيّة، نصّاً كانت أو ظاهراً؛ فإنّ ظواهر الألفاظ حجّة عند العقلاء في تبيين مراداتهم وإفهام مقاصدهم ولم يتّخذ الشارع طريقاً خاصّاً ومنهجاً جديداً في تعاليمه وبلاغاته. ولا فرق في ذلك بين الكتاب والسنّة. ولا يتنافىٰ ذلك مع ما قرّروه في علم الأُصول من جواز تخصيص العامّ وتقييد المطلق؛ فعامّ الكتاب ومطلقه يخصّص ويقيّد بالخاصّ والمقيِّد من الكتاب والسنّة المعتبرة.

تحدّي الرسول بالقرآن

يظهر من مراجعة تاريخ نزول القرآن وابتداء دعوة النبيّ الأعظم مسألة حجّيّة الظواهر، حيث أنّ رسول اللّ_ه قام بالدعوة الإلهيّة بهذا القرآن. فهذه دعوته الحقّة إلى قومه من أوّل قيامه إلى آخر عمره الشريف. وأنّه قد تحدّاهم بالقرآن وبارزهم به أشدّ المبارزة. وجدّ المشركون وبذلوا كلّ

ص: 34

الجُهد في إطفاء نوره وإبطال دعوته، ولم يتيسّر ذلك لهم؛ وقاموا بتكذيبه والمكابرة والعناد في قباله ورموه بالسحر وأنّه أساطير الأوّلين وقالوا ¬_ كما يحدّثنا القرآن عنهم _: لَاتَسمَعُوا لِهذَا القُرآنِ وَالغَوا فِيهِ لَعَلَّكُم تَغلِبُونَ(1) فأعجزهم اللّ_ه تعالى بهذا البرهان النوريّ وغلبهم وجعل كلمته هي العليا وكلمة الّذين كفروا السفلى. ولم يتمكّن المنكرون مع شدّة غيظهم وحرصهم على المكابرة وإبطال نوره، أن يقلّلوا من عظمة القرآن ومجده الباهرشيئاً.

بديهيّ أنّ قوام هذه المعارضة والمبارزة وهذه الدعوة الحقّة ليس إلّا بالكلام. ولو أنّهم لم يفهموا ما أُلقي إليهم من الحقائق وما أبطل به عاداتهم الوثنيّة الجاهليّة لَما كان هناك دعوة ولا مبارزة ولا تعجيز، ولم ينجرّ الأمر إلى بغيهم وعنادهم وقيامهم بالسيف ومبادرتهم إلى القتال وإزهاق النفوس، وإصرارهم علي ذلك كلّه بكلّ ما يملكون.

أنّ القرآن الكريم حجّة بين اللّ_ه سبحانه وبين خلقه؛ وهو حبل ممدود بينه تعالى وبين عباده، عند من عرف لغة القرآن، العربيّة.

إنّ الأئمّة أمروا الناس بالرجوع إليه والتدبّر والتفكّر فيه، وجعلوه مرجعاً ومعياراً لصحّة الأخبار وسقمها(2) وهذا خير شاهد علي إمكان فهم القرآن، وعليه يمكن الاتّكال علي ظواهر القرآن والاستفادة منها في استنباط الأحكام والمعارف.

مقامات القرآن


1- فصّلت (41)، الآية 26.
2- راجع: الكافي، ج1، ص69، ح4: قال الإمام الصادق: مَا لَم يُوَافِق مِنَ الحَدِيثِ القُرآنِ فَهُوَ زُخرُفٌ.

ص: 35

لا يخفي أنّه وقع إفراط وتفريط في تلقّي علوم القرآن، فقد ذهب البعض إلى إنكار حجّيّة ظواهر القرآن، وآخرون إلي الاستقلال في فهم علومه مطلقاً.

وينبغي النظر والتفريق بين مقامين للقرآن الكريم في مسألة ظواهر آياته وأُسلوب تعليمه:

المقام الأوّل: مقام الدعوة العامّة، والقرآن يخاطب في هذا المقام عامّة الناس، فيستنير منه جميع الناس بمقدار ما آتاهم الله من العلم.

المقام الثاني: مقام الدعوة الخاصّة، المختصّ برسول الله والأئمّة وأمّا بقيّة الناس فلا يمكن لهم الاستفادة من هذا المقام إلّا من خلال التعلّم من أهل الذكر كما ستعرف.

الدعوة العّامة

إنّ القرآن في مرتبة دعوته العامّة يذكّر الناس ويهديهم إلى جميع العلوم الفطريّة التي فطرهم اللّ_ه عليها، من معرفته تعالى ومعرفة توحيده سبحانه. وكذلك يذكّر الناس بآياته المخلوقة المصنوعة، ويدعوهم إلى التدبّر فيها ومعرفة أسرارها التي تنادي بأعلى صوتها على وجود الصانع الحكيم.

وحيث إنّ القرآن هداية وإرشاد إلى جميع العلوم الفطريّة التي يتمكّن الناس من نيلها وإدراكها، وما ألهمهم اللّ_ه تعالى من فجورهم وتقواهم، فإنّهم يتذكّرون بضياء المعرفة وشعاع العقل، ويستنيرون بها عند مخاطبة اللّ_ه تعالى إيّاهم بما يعظهم ويرشدهم فيستأديهم ميثاق فطرته، ويثير فيهم

ص: 36

دفائن العقول، فيأخذهم بالإيمان والإقرار بما وجدوا وعلموا ببداهة عقولهم، من الحقائق والمعارف والمحسّنات والمقبّحات والمنكرات الضروريّة، وبالجملة فإنّه المذكّر للمستقلّات العقليّة المصطلحة عند الفقهاء على عرضها العريض؛ وخاصّة الانتهاء والاجتناب من كلّ فاحشة وقبيحة، والقيام بكلّ أمر معروف حسن.

ويبشّرهم سبحانه بحنانه ووفائه لأهل الوفاء له تعالى، من المحسنين والمتّقين، وبما وعدهم من مواهبه الكريمة وعطاياه الهنيئة، ويهدّدهم بانتقامه وسطواته ونقماته على الظالمين والمتكبّرين والمستكبرين في الدنيا. ويبيّن لهم ما تؤول إليه عاقبة أمر المتّقين والمحسنين، والطاغين والظالمين والمستكبرين، في ضمن القصص والأمثال. ويحذّرهم جلّ مجده، عن إساءة الأدب في حريمه، وإضاعة حقوقه الحقّة في السرّ والعلانيّة ويزكّي ويطهّر بذلك ظاهرهم وباطنهم.

والحاصل: أنّ القرآن حجّة لجميع الناس في مرحلة الدعوة العامّة فيجب التدبّر والاستبصار والاهتداء والاستضاءة والائتمام به، وإلتماس غرائبه وعجائبه. وقد ذكرنا أنّ في هذه المرتبة من العلوم والحقائق ما يبهر العقول، ولا يمكن تحديده لسعة أطرافه وانتشار مراميه، فالقرآن بهذا الإعتبار إمام يقود إلى الجنّة ويهدي للّتي هي أقوم؛ وهو بصائر وذكرى، وضياء ونور، وهدى للمتّقين والمخبتين وأُولي الأبصار، وغير ذلك من نعوت القرآن الجليلة. وفيه أُمّهات المسائل الأخلاقيّة وتحديد رسوم العبوديّة بأجلى بيان وأنور برهان.

درجات الفهم في تلقّي الدعوة العامّة

ص: 37

إنّ القرآن الكريم حجّة علي جميع الناس في مرتبة الدعوة العامّة، فيلزم عليهم جميعاً أن ينظروا فيه بدقّة وأن يستنيروا من أنواره ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن زواجره ويتعمّقوا في عجائبه وغرائبه. إنّ هذه المرتبة من علوم القرآن محيّرة للعقول ولا يمكن تحديدها لسعتها، إلّا أنّ الناس يختلفون في نيل هذه المعارف والحقائق وإدركها؛ فيهتدون إليها على قدر بصيرتهم، ويستنيرون بها على سعة نور فطرتهم، سيّما بعد ملاحظة تقواهم وقيامهم بالعمل بما يعرفون ويعلمون؛ فيزيد اللّ_ه الّذين اهتدوا هدىً ويؤتيهم تقواهم.

وهذا البحث يحتاج إلى بيان أوسع، نكتفي بهذا المقدار.

ورد في الاحتجاج، في احتجاج عليّ على زنديق بآي من القرآن متشابهة، تحتاج إلي التأويل أنّه قال:

... ثُمَّ إنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكرُهُ لِسَعَةِ رَحِمَتِهِ ورَأفَتِهِ بِخَلقِهِ وعِلمِهِ بِمَا يُحدِثُهُ المُبَطِلُونَ مِن تَغيِيرِ كِتَابِهِ، قَسَّمَ كَلَامَهُ ثَلَاثَةَ أقسَامٍ: فَجَعَلَ قِسماً مِنهُ يَعرِفُهُ العَالِمُ والجَاهِلُ، وقِسماً لَايَعرِفُهُ إلَّا مَن صَفَا ذِهنُهُ، ولَطُفَ حِسُّهُ، وصَحَّ تَميِيزُهُ مِمَّن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإسلامِ، وقِسماً لَايَعرِفُهُ إلَّا اللَّهُ وأُمَنَاؤُهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ؛ وإنَّمَا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَدَّعِيَ أهلُ البَاطِلِ مِنَ المُستَولِينَ عَلَى مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ مِن عِلمِ الكِتَابِ، مَا لم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُم، ولِيَقُودَهُمُ

ص: 38

الِاضطِرَارُ إلَى الِايتِمَارِ لِمَن وَلَّاهُ أمرَهُم؛ فَاستَكبَرُوا عَن طَاعَتِهِ تَعَزُّزاً وَافتِرَاءاً عَلَى اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ وَاغتِرَاراً بِكَثرَةِ مَن ظَاهَرَهُم وَعَاوَنَهُم وَعَانَدَ اللَّهَ جَلَّ اسمُهُ وَرَسُولَهُ... .(1)

يظهر من كلام الإمام أنّ مرتبة الدعوة العامّة _ مع عموميّتها _ تنقسم إلي قسمين: قسم يشترك فيه العالم والجاهل وقسم لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه. لأنّ مراتب الناس تختلف في تلقيّ الدعوة العامّة بلحاظ الفهم ودرجات إيمانهم وطهارة نفوسهم وسعة علمهم بمعارف الدين وأصول الأخلاق والتذكّر بالمستقلّات العقليّة.

أمّا مرتبة الدعوة الخاصّة فإنّ العلم بها ينحصر بالله وأُمنائه الراسخين في العلم. وأمّا غيرهم فيتعلّمون حلال القرآن وحرامه منهم بمقدار ما أراد الله وسعوا إليه، ويتمكّنوا بذلك من حمل الكلّيّات على الجزئيّات وردّ الفروع إلى الأُصول. وفيهم الفقيه والأفقه، حتّى أنّ منهم من لايتمكّن من استنباط الفروع من جوامع الكلم وأُصول العلم وموادّه، بل يكون حاملاً لعدّة من فتاوى الراسخين، وهذا أيضا مقام من الفقاهة وهكذا فإنّ فوق كلّ ذي علم عليم. حتّى قيل: ما نشأ في الاسلام أفقه من سلمان.(2)

الدعوة الخاصّة


1- الاحتجاج، ج1، ص253؛ البرهان في تفسير القرآن، ج5، ص838، ح1.
2- قال في معجم رجال الحديث، ج8، ص194:حكي عن الفضل بن شاذان أنّه قال: ما نشأ في الإسلام رجل من كافّة النّاس كان أفقه من سلمان الفارسيّ. راجع: رجال الكشّيّ، ج1، ص68.

ص: 39

إنّ ما ذكرناه من أنّ القرآن ينقسم إلي مقامين؛ مقام الدعوة العامّة والدعوة الخاصّة، أمر لا ريب فيه ولا يحتاج إلى إقامة دليل عقليّ أو نقليّ. وإنّما الكلام في أنّ القرآن المجيد، هل تنحصر علومه ومعارفه وحقائقه بهذه المرتبة العامّة التي يشترك فيه العالم والجاهل كي يكون القرآن شرعة لكلّ وارد يردها واحد بعد واحد، أو أنّ له ما عدا هذه المرتبة معارف وعلوم وقوانين وعبادات ومكارم وكرائم اختصّ بحملها وفهمها أُولوا الألباب والأبصار؛ وهي أجلّ وأعلى من أن تناله العقول. كيف ؟! وهو الكلام الذي تكفّل بجميع التعاليم العاليّة بالنسبة إلى جميع الأشخاص في كلّ عصر ومصر، من الكمالات الربوبيّة والأسماء والصفات، وجميع العوالم، وشرائعهم وقوانينهم بالنسبة إلى دنياهم وعباداتهم وتكاملهم ورُقيّهم إلى أقصى الكمالات الممكن نيلها، متأبّ ومقدّس عن التقيّد بفهم عصر وقوم. وإنّما يفهمون بمقدار عقولهم ويستضيئون على حسب مقدار أنوارهم لا على حسب أمواج الأنوار المودعة فيه. فعلم القرآن بجميع شؤونه وشعبه الوسيعة، لايعلمه إلّا اللّ_ه والراسخون في العلم. وهم الهادون والمعلّمون لعلوم القرآن، وهم المسؤولون عن تربية الأُمم والملل في كلّ عصر وزمان، وعلم القرآن بهذا المعنى خاصّ برسول اللّ_ه فهو المعلّم المكمّل، والهادي المصلح ومن بعده يرث هذا العلم الخاصّ بمقام الرسالة، أوصياؤه بعنوان الخلافة والإمامة، فمن ادّعى علم القرآن بهذا المعنى مع جميع جوانبه وجوامعه فهو كاذب أو خابط، إذ ما ورث هذا العلم إلّا الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا وأمّا غيرهم فما ورثوا منه حرفاً لا قليلاً ولا كثيراً.

ص: 40

خلاصة الكلام: إنّ مَن علم علوم القرآن في مرتبة دعوته العامّة فقط، وإن صار واجداً لبعض شرائط الفقاهة، إلّا أنّه لا يصير بذلك جامعاً لشرائط الإفتاء والقضاء، ولا يكون عالماً بتفصيل علوم القرآن وشرائعه وأحكامه، والعلم بكيفيّة ابتداء خلق العوالم من عالم الغيب والشهادة؛ وكذلك لا يكون عالماً وعارفاً بالمعارف الربوبيّة من توحيده تعالى وعلمه وقدرته وحياته وغيرها من معاني أسمائه ونعوته سبحانه، وكذلك العلم بعودة الإنسان ورجوعه إلى الآخرة بعد انقضاء الدنيا وانحلالها؛ فلابدّ في جميع ذلك من الرجوع إلى الرسول الأكرم والتعلّم والأخذ منه.

إذا عرفت ما ذكرنا من وجود مقامين متمايزين في باب علوم القرآن ومعارفه نقول: لا يجوز خلط مرتبة الدعوة العامّة بمرتبة علومه الخاصّة التي تختصّ بالرسول وأهل بيته. لأنّ الرسول وخلفاءه لا يكونوا مع الناس في مرتبة واحدة، فهو المعلّم السائق والمكمّل الهادي وأنّ قوله تعالى: قُل كَفى بِاللَّهِ شَهيداً بَيني وَبَينَكُم وَمَن عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ(1) أُريد منه الخاصّ. إذ لايكون كلّ من كان له نصيب من علم القرآن في مرتبة البلاغ والدعوة العامّة، عالماً وشاهداً بجميع ما أمر الرسول ببلاغه. فلا يتمكّن من الشهادة على صدق الرسول في جميع ما أتى به إلّا من كان عالماً بعلم الكتاب كلّه، ظاهره وباطنه، وجميع جوانبه ونواحيه. وكذلك المراد من نظائره من الآيات مثل قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطاً


1- . الرعد (13)، الآية 43.

ص: 41

لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهيداً (1)وقوله:فَكَيفَ إذا جِئنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَجِئنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهيداً. (2)

الجمع بين الروايات

تقدّم أنّ لعلوم القرآن مقامين: مقام مخاطبة عامّة الناس، ومقام يختصّ برسول اللّ_ه ومَن بعده من أهل بيتهورثة علم القرآن. وإنّ الباحثين في العلوم القرآنيّة _ حيث لم يفرّقوا بين هذين المقامين _ اضطربت آراؤهم وكلماتهم في ذلك؛ فمنهم من قال بالاستقلال في علوم القرآن مطلقاً ومنهم من قال بعدم حجّيّة ظواهر القرآن. والروايات الواردة في هذا الباب ناظرة إلى المقامين.

فما يرد منها في الحثّ والترغيب إلى التدبّر والتفكّر في آيات القرآن الكريم، ناظر إلى المقام الأوّل أي مرتبة الدعوة العامّة كقوله:

فَإذَا التَبَسَت عَلَيكُمُ الفِتَنُ، كَقِطَعِ اللَّيلِ ال_مُظلِمِ، فَعَلَيكُم بِالقُرآنِ.(3)

وما يمنع منها عن الاستقلال بالقرآن وعدم جواز التمسّك به، إنّما هو ناظر إلى المقام الثاني أي العلوم القرآنيّة التي تختصّ برسول اللّ_ه وأولاده المعصومين. كقول أميرالمؤمنين: إيَّاكَ أن تُفَسِّرَ القُرآنَ


1- البقرة (2)، الآية 143.
2- النساء (4)، الآية 41.
3- الكافي، ج2، ص598، ح2؛ بحارالأنوار، ج89، ص17، ح16 (الباب الأوّل من أبواب فضله وأحكامه واعجازه من كتاب القرآن).

ص: 42

بِرَأيِكَ، حَتَّى تَفقَهَهُ عَنِ العُلَمَاء(1). _ ولو تأمّل متأمّل حقّ التأمّل لعرف أنّه لا يوجد تنازع وتعارض بينها.

القرآن كتاب تعليميّ

واضح أنّ سيرته في زمان حياته في نشر العلم، لم تكن إلّا مثل قضيّة إفتاء الفقيه للعوام المقلّدة في الحوادث الجاريّة. وليس هذا من باب تعليم علوم القرآن من حيث جميع جوانبه ونواحيه.

لكن حقيقة الأمر أنّ رسول اللّ_ه قد قام بهذا الأمرالخطير، وبيّن بياناً شافياً، وعلّم القرآن كلّه من حيث جميع نواحيه وأبعاده، بمايحتاج إليه الكلّ من المعارف والأحكام إلى انقضاء الدنيا، وما ترك شيئاً من ذلك، وأودعه عند رجل معصوم من أهل بيته، مؤيّداً بروح القدس، وعالماً بالعلم الحقيقيّ المصون المعصوم بذاته؛ وهو عليّ أميرالمؤمنين الذي عنده ميراث العلم والنبوّة وورثه أوصياؤه المعصومون من بعده صادق بعد صادق، وإنّهم يكنزونه كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم، وما ضاع عنهم شيء، ولا يسقط عنهم «ألف» ولا «واو». فمن ادّعى علم القرآن جميعه غيرهم، فإنّما هو مفتر كذّاب.

وقد صرّح الأئمّة من أهل البيت بجميع ما ذكرناه في أبواب من


1- التوحيد، ج1، ص254، ح5؛ بحارالأنوار، ج89، ص107، ح2 (الباب العاشر من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).

ص: 43

الروايات المتكاثرة فوق التواتر؛ منها الرواية المتواترة عند الفريقين: وهي قوله «إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَين...» الصريحة بأنّ خلافة القرآن والعترة وحجّيّتهما، خلافة اجتماعيّة. ومنها الروايات الواردة في أنّهم يرثون علم القرآن دون غيرهم.

كما ورد عن الصدوق في علل الشرايع، عن أبيه ومحمد بن الحسن مسنداً عن أبي زهير بن شبيب بن أنس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّ_ه قال: كنت عند أبي عبد اللّ_ه... فقال(لأبي حنيفة):

...أنتَ فَقِيهُ أهلِ العِرَاقِ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَبِمَا تُفتِيهِم؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ. قَالَ: يَا أبَاحَنِيفَةَ تَعرِفُ كِتَابَ اللَّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ وَتَعرِفُ النَّاسِخَ والمَنسُوخَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: يَا أبَاحَنِيفَةَ لَقَدِ ادَّعَيتَ عِلماً، وَيلَكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا عِندَ أهلِ الكِتَابِ الَّذِينَ أُنزِلَ عَلَيهِم، وَيلَكَ وَلَا هُوَ إلَّا عِندَ الخَاصِّ مِن ذُرِّيَّةِ نَبِيِّنَا، وَمَا وَرَّثَكَ اللَّهُ مِن كِتَابِهِ حَرفاً... .(1)

والأحاديث في هذا الباب كثيرة فمن أرادها، فليراجع جوامع أحاديث الشيعة.(2)

التعليم والتذكير


1- علل الش_رايع، ج1، ص89، ح5 (الباب81)؛ بحارالأنوار، ج2، ص293، ح12 (الباب 34 من أبواب العلم من كتاب العقل والعلم والجهل).
2- راجع: وسائل الشيعة، ج27، ص35 (الباب السادس من أبواب صفات القاضيّ... من كتاب القضاء)؛ بحارالأنوار، ج10، ص205، ح8 و9 و ص216، ح17 و ص220، ح20، 21 و22 (الباب 13 من أبواب احتجاجات أميرالمؤمنين من الاحتجاج).

ص: 44

ينبغي التفريق بين مقام التعليم ومقام التذكير والإرشاد. لأنّ الإرشاد عبارة عن إيقاظ الفطرة، وإثارة دفائن العقول، وتحريك العواطف الروحانيّة، والأخذ بمجامع القلوب بأنوار التوحيد، والتذكّر بمقام الربّ، والتوجّه إلى وجوب الاتّقاء، والخضوع لساحة قدسه، والعكوف في حضرته، والإخبات والقنوت بين يديه، ومدارج الزهد ومراتب الإخلاص، والتوكّل والرجاء، والصبر والصدق، والوفاء والإيمان واليقين، وبالجملة جميع أُصول الأخلاق ولطائف المعارف ورسوم العبوديّة، وإنّما يكون ذلك كلّه في مرتبة الدعوة العامّة ممّا يمكن نيله للبشر، وبيان الرسول والأئمّة في هذا الباب لايكون إلّا تذكّراً وإرشاداً.

وأمّا مقام التعليم أعلى وأجل من أن تبلغه عقول الرجال وفي غاية البعد عن سطح أفكارهم. ومن أظهر مصاديق هذا الباب تفاصيل الأحكام المودَعة عند الرسول والأئمّة من أهل بيته. وكذلك غير الأحكام من المعارف العالية مثل بيان الأسماء والصفات الإلهيّة، وحقيقة العرش والكرسيّ واللّوح، والكتاب المبين، والأرواح والبرزخ، وتفاصيل عالم الآخرة ومصير العباد ومعادهم فإنّهم يلقونها إلى الناس تدريجاً.

فتحصّل أنّ مقام التعليم والهداية والدلالة لرسول اللّ_ه وأهل بيته غير مقام التذكير والإرشاد. فإنّ الثاني، إنّما يكون في مقام الدعوة العامّة وفي العلوم التي تنالها العقول والأفهام على اختلاف مراتبهم. وأمّا المقام الأوّل

ص: 45

فأكثر موارده لايزيد على التعبّد شيئاً، فلا يكون المتعلّم واجداً له لكون أكثر موارده تحت حُجُب الغيوب مثل الأحكام ومنازل الآخرة.

وممّا ذكرنا من لزوم التمايز بين مقام التعليم والتذكير يظهر ضعف النظريّة التي وردت في الميزان، حيث استظهر وقال:

ومن هنا يظهر أنّ شأن النبيّ في هذا المقام هو التعليم فحسب. والتعليم إنّما هو هداية المعلّم الخبير ذهن المتعلّم وإرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به والحصول عليه، لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم... . (1)

إنّ القرآن كلام اللّ_ه الذي كلّم به خلقه عن طريق رسوله وقد جري علي لسانه، وليس هو والناس في تلقّي علومه في درجة واحدة. ولا يعقل استقلال المخاطبين واستغناؤهم عنه في تحصيل علومه ولا يعقل تنزيله منزلة الأفراد العاديين وعزله عن مقام المرجعيّة لعلوم القرآن. ولا يجوز تنزيل شأن القرآن وتحقيره والقول بأنّ علومه ومعارفه ممّا ينالها الكلّ. ولا يعقل أن يقال: إنّ رسول اللّ_ه جمع ما عنده من علوم القرآن للصَحابة وإنّهم فسّروا جميع القرآن للنّاس؛ بل إنّ القرآن بالنسبة إلى تفاصيل علومه الخاصّة يحتاج إلى انضمام بيان الرسول في عصره وبيان أوصيائه من بعده وأنّ لهما الخلافة الانضماميّة من هذه الجهة. وقد صرَّح الرسول بذلك في قوله:

إنِّي تَارِكٌ فِيكُم مَا إن تَمَسَّكتُم بِهِ لَن تَضِلُّوا، كِتَابَ اللّ_هِ


1- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص85.

ص: 46

وعِترَتِي أهلَ بَيتِي، فَإنَّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ.(1)

وواضح أنّ خلافة القرآن والعترة وحجيّتهما جمعيّة لا استقلاليّة، فعلي سبيل المثال أنّ القرآن قد صرّح بوجوب الحجّ ولم يبيّن أعمال الحجّ تفصيلاً وأنّ تفسير وتبيين هذه الأعمال تكون علي عهدة الرسول. وقد صرَّحت نصوص القرآن ومحكماته علي وجوب وجود الوليّ المعصوم إلّا أنّه لم يذكر اسمه ومميّزاته الشخصيّة وإنّما عرّفه الرسول بشخصه واسمه. وقد صرّح أيضاً علي وجود الجنّة والنّار وبيّن الرسول التفاصيل المرتبطة بهما، وهكذا فإنّ الشرح والتفسير لجميع العلوم القرآنيّة تقع علي عاتق النبيّ أصالةً وعلي أهل بيته وراثةً وإنّ سنّة الفقهاءقدّس اللّ_ه أسرارهم هو الالتزام في موارد استنباط الأحكام، بالسنن المعتبرة. وقد صرّحوا بعدم جواز العمل بالعمومات والمطلقات قبل الفحص عن مخصّصاتها ومقيّداتها، وكذلك الكلام في غير باب الأحكام في العلوم والمعارف التي يختصّ العلم بها برسول اللّ_ه وأولاده المعصومين.

وكذلك صرّحوا بجواز تخصيص عمومات الكتاب بالخبر الواحد الواجد لشرائط العمل، فعلى هذا لا إشكال في الاستناد على أخبار الآحاد المعتبرة في تفسير الآيات الراجعة إلى الأحكام، والإفتاء على مفادها وبعد الفحص عن القيود والشرائط واليأس عن الظفر بها تكون الآية حجّة، ويجب العمل على طبقها.

3الإنزال والتنزيل

الإنزال والتنزيل في القرآن والحديث


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص237، ح54 (الباب22)؛ بحارالأنوار، ج23، ص134، ح71 (الباب السابع من أبواب جمل أحوال الأئمة من كتاب الإمامة).

ص: 47

ص: 48

ص: 49

شَهرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرقان . (1)

القرآن هو الكتاب المُنزَل على رسول اللّ_ه، ومن أظهر نعوته وشؤونه أنّه كلام اللّ_ه، أوجده كلاماً وأظهر في كلامه جلاله وجماله، وبرّه وقهره وعلومه، وأعجز ببراهينه جميع المخالفين والبراهين، وهذا هو الذي أوجب الحيرة والعجب، أي كيف أظهر الله هذه المعارف والعلوم بهذه الحروف في نظامٍ بديع وإتقان وإحكام عجيب أبهر العقول ببرهانه.

فهذا الكتاب الذي هو كلام اللّ_ه يسمّى قرآناً؛ والقرآن مصدر من قَرَأ يَقرَأُ _ على فُعلان _ بمعنى القراءة والتلاوة.(2) فسمّي الكتاب الكريم المنزل على رسول اللّ_ه قرآناً باعتبار أنّه مقرُوّ ومتلُوّ وهو من جنس ما يُقرَأ وما


1- البقرة (2)، الآية 185.
2- راجع: تاج العروس، ج1، ص218 «مادّة: قرأ».

ص: 50

يُتلىٰ، وهذا من باب إطلاق الكتاب على المكتوب. قال تعالى:

إنَّ عَلَينا جَمعَهُ وقُرآنَهُ * فَإذا قَرَأناهُ فَاتَّبِع قُرآنَه .(1)

ويسمّى فرقاناً أيضاً باعتبار فرقه وأبعاضه. قال تعالى:

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرقانَ عَلى عَبدِهِ لِيَكُونَ لِلعالَمينَ نَذيراً؛(2)

وَبِالحَقِّ أنزَلناهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ وَمَا أرسَلناكَ إلَّا مُبَشِّراً ونَذيراً * وَقُرآناً فَرَقناهُ لِتَقرَأهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكثٍ ونَزَّلناهُ تَنزِيلاً.(3)

في معاني الأخبار، عن أبيه مسنداً عن ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله عن القرآن والفرقان، أهما شيئان أو شي ء واحد؟ قال:

القُرآنُ جُملَةُ الكِتَابِ وَالفُرقَانُ المُحكَمُ الوَاجِبُ العَمَلُ بِه.(4)

وفي تفسير القمّيّ، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّ_ه بن سنان، عن أبي عبد اللّ_ه قال: سألته عن قول اللَّ_ه تبارك وتعالى ...هُدىً لِلنَّاسِ وَأنزَلَ الفُرقانَ ؟ (5)

قَالَ: الفُرقَانُ هُوَ كُلُ أمرٍ مُحكَمٍ، وَالكِتَابُ هُوَ جُملَةُ القُرآنِ الَّذِي يُصَدِّقُهُ مَن كَانَ قَبلَهُ مِنَ الأنبِيَاء.(6)


1- القيامة (75)، الآيات 17 _ 18.
2- الفرقان (25)، الآية 1.
3- الأسراء (17)، الآيات 105 _ 106.
4- معاني الأخبار، ص189، ح1؛ بحارالأنوار، ج 89، ص28، ح32 (الباب الأوّل من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).
5- آل عمران (3)، الآية4.
6- تفسير القمّيّ، ج1، ص96؛ بحارالأنوار، ج 89، ص16، ح13.

ص: 51

وفي العلل، عن الحسين بن يحيى مسنداً عن يزيد بن سلام، أنّه سأل رسول اللّ_ه فقال له: لم سميّ الفرقان فرقاناً؟ قال:

لِأنَّهُ مُتَفَرِّقُ الآيَاتِ والسُّوَرِ أُنزِلَت فِي غَيرِ الألوَاحِ، وغَيرُهُ مِنَ الصُّحُفِ والتَّورَاةُ والإنجِيلُ والزَّبُورُ نَزَلَت كُلُّهَا جُملَةً فِي الألوَاحِ والوَرَق. (1)

و في الصحيفة المباركة السجاديّة في دعائه عند ختم القرآن قال:

وَفُرقَاناً، فَرَقتَ بِهِ بَينَ حَلَالِكَ وحَرَامِكَ.(2)

ويسمّى كتاباً أيضاً، والكتاب بمعنى المكتوب؛ وهو بمعنى الجمع كما أنّ القرآن أيضاً قد يجيء بمعنى الجمع.

قال في لسان العرب:

والكَتب:الجمع.تقول منه: كَتَبتُ البَغلة إذا جمعت بين شُفرَيها بحَلقَةٍ أو سَيرٍ...ومنه قيل: كَتَبتُ الكتاب لأنّه يَجمَعُ حَرفاً إلى حَرفٍ. (3)

فعلى هذا لابدّ أن يكون الفرقان والقرآن والكتاب كلاماً مفرّقاً ومتلوّاً.

ثمّ هاهنا سؤال: لو كان نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة فما معنى نزوله في شهر رمضان أو ليلة القدر؟

رأي صاحب الكشّاف والمنار


1- علل الشرائع، ج2، ص470، ح33 (الباب222)؛ بحارالأنوار، ج 9، ص304، ح8 (الباب الثاني من أبواب احتجاجات الرسول من كتاب الاحتجاج).
2- الصحيفة السجاديّة، الدعاء 42، ص176.
3- . لسان العرب، ج1، ص701.

ص: 52

أجاب الزمخشريّ في الكشّاف:

ومعنى أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ(1) ابتدىٰ فيه إنزاله؛ وكان ذلك في ليلة القدر.(2)

وقال صاحب المنار:

وأمّا معنى إنزال القرآن في رمضان مع أنّ المعروف باليقين أنّ القرآن نزل منجّماً متفرّقاً في مدّة البعثة كلّها، فهو أنّ ابتداء نزوله كان في رمضان وذلك في ليلة منه سمّيت ليلة القدر... على أنّ لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كلّه ويطلق على بعضه. (3)

أقول: أمّا كون المراد من نزوله في شهر رمضان، ابتداء نزوله فيه، ففيه: أنّه لا قرينة في الكلام عليه، على أنّه مخالف لما هو المشهور عند الإماميّة من أنّ أوّل البعثة ونزول الوحي عليه، كان في اليوم السابع والعشرين من رجب. وأمّا أهل السنّة فلم يتفقوا علي أمر وتضاربت آرائهم في المقام والمشهور بينهم _ كما ذكره السيوطيّ في الإتقان(4) _ أنّ النبيّ بُعث في شهر ربيع الأوّل.

وأمّا كون المراد منه، نزول بعضه لا مجموعه؛ ففيه: أنّ هذا المعنى لا اختصاص له بشهر رمضان، فإنّ النزول بالمعنى الذي ذكروه لا تخلو منه جميع الشهور، فأيّ تشريف وتكريم فيه لشهر رمضان؟

نظريّة صاحب الميزان


1- البقرة (2)، الآية 185.
2- الكشّاف، ج1، ص227.
3- المنار، ج2، ص161.
4- الإتقان فى علوم القرآن، ج1، ص55.

ص: 53

قال في الميزان:

والّذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب أمر آخر، فإنّ الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه، إنّما عبّرت عن ذلك بلفظ «الإنزال» الدالّ على الدفعة دون «التنزيل»... واعتبار الدفعة؛ إمّا بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه...، وإمّا لكون الكتاب ذاحقيقة أُخرى وراء ما نفهمه بالفهم العاديّ الذي يقضى فيه بالتفريق والتفصيل والانبساط والتدريج، هو المصحّح لكونه واحداً غير تدريجيّ ونازلاً بالإنزال دون التنزيل. وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى: كِتَابٌ أُحكِمَت آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لَدُن حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1). فإنّ هذا الإحكام مقابل التفصيل، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً، وقطعة قطعة. فالإحكام كونه بحيث لايتفصّل فيه جزء من جزء ولا يتميّز بعض من بعض لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء ولا فصول فيه. والآية ناطقة بأنّ هذا التفصيل المشاهد في القرآن إنّما طرأ عليه بعد كونه محكماً غير مفصّل.

وأوضح... منه قوله تعالى: وَمَا كانَ هَذَا القُرآنُ أن يُفتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلكِن تَصدِيقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ الكِتَابِ لَا رَيبَ فِيهِ مِن رَبِّ العَالَمِينَ... _ إلى أن قال: _ بَل كَذَّبُوا بِمَا لَم يُحِيطُوا بِعِلمِهِ ولَمَّا


1- هود (11)، الآية 1.

ص: 54

يَأتِهِم تَأوِيلُهُ(1) فإنّ الآيات الشريفة وخاصّة ما في سورة يونس ظاهرة الدلالة على أنّ التفصيل أمر طارٍ على الكتاب فنفس الكتاب شي ء والتفصيل الّذي يعرضه شي ء آخر... .

وأوضح منه قوله تعالى: حم * وَالكِتابِ المُبينِ * إنَّا جَعَلناهُ قُرآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ * وَإنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(2)، فإنّه ظاهر في أنّ هناك كتاباً مبيناً عرض عليه جعله مقرّواً عربيّاً، وإنّما أُلبس لباس القراءة والعربيّة ليعقله الناس وإلّا فإنّه _ وهو في أُمّ الكتاب _ عند اللّ_ه عَلِيٌّ لا يصعد إليه العقول، حكيم لايوجد فيه فصل وفصل. وفي الآية تعريف للكتاب المبين، وأنّه أصل القرآن العربيّ المبين. وفي هذا المساق أيضاً قوله تعالى: ...إنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ * في كِتَابٍ مَكنُونٍ * لَايَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ (3)فإنّه ظاهر في أنّ للقرآن موقعاً هو في الكتاب المكنون لايمسّه هناك أحد إلّا المطهّرون من عباد اللّ_ه وأنّ التنزيل بعده، وأمّا قبل التنزيل فله موقع في كتاب مكنون عن الأغيار؛ وهو الذي عبّر عنه في آيات الزخرف بأُمِّ الكتاب وفي سورة البروج باللّوح المحفوظ... .

ثمّ إنّ هذا المعنى أعني كون القرآن في مرتبة التنزيل بالنسبة إلى الكتاب المبين _ ونحن نسمّيه بحقيقة الكتاب _ بمنزلة اللّباس من


1- يونس (10)، الآيات 37 و39.
2- الزخرف (43)، الآيات 1 _ 4.
3- الواقعة (56)، الآيات 77 _ 80.

ص: 55

المتلبّس، وبمنزلة المثال من الحقيقة، وبمنزلة المثل من الغرض المقصود بالكلام؛ وهو المصحّح لأن يطلق القرآن أحياناً على أصل الكتاب... وهذا الذي ذكرناه هو الموجب لأن يحمل قوله: شَهرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنزِلَ فيهِ القُرآن(1)، وقوله: إنَّا أنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ(2)، وقوله: إنَّا أنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ(3)، على إنزال حقيقة الكتاب، والكتاب المبين إلى قلب رسول اللّ_ه دفعة كما أنزل القرآن المفصّل على قلبه تدريجاً في مدة الدعوة النبويّة...فهذا ما يهدي إليه التدبّر ويدلّ عليه الآيات. نعم، أرباب الحديث، والغالب من المتكلّمين والحسّيّون من باحثي هذا العصر لمّا انكروا أصالة ما وراء المادّة المحسوسة، اضطرّوا إلى حمل هذه الآيات...على أقسام الاستعارة والمجاز، فعاد بذلك القرآن شعراً منثوراً.(4)

تحليل ونقد

حاصل كلامه أنّ القرآن في مرتبة تجرّده عن كِسوَةِ الموادّ والألفاظ، لا تفرّق ولا تبعّض ولا تفصيل فيه؛ وهو الذي ورد على قلب الرسول دفعة فعلم به حقيقة القرآن ثمّ بعد تنزّله علي عالم الألفاظ برز بصورة الألفاظ


1- البقرة (2)، الآية 185.
2- الدخان (44)، الآية 3.
3- القدر (97)، الآية 1.
4- الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص 14 _ 19.

ص: 56

والحروف؛ فالنزول الدفعيّ في شهر رمضان، في ليلة القدر هو نزول حقيقة الكتاب، والكتاب المبين على قلب رسول اللّ_ه. والنزول التدريجيّ هو نزوله نجوماً وتدريجاً من بدء بعثته إلى حين دعوته.

هذا الذي ذكره تفسير بالرأي لا شاهد عليه ويظهر وهنه بما يلي :

أوّلاً: إنّ القرآن قبل تلبّسه بكسوة الألفاظ لا يسمّى قرآناً ولا فرقاناً ولا كتاباً ولا كلاماً، لأنّ القرآن كما ذكرنا يطلق علي مجموع المقروّ والمتلوّ.

ثانياً: ما ذكره من أنّ لفظ «الإنزال» يدلّ على النزول الدفعيّ ولفظ التنزيل علي النزول التدريجيّ لا شاهد عليه لأنّه:

1_ لا دليل علي ذلك في اللغة، لا من حيث المادّة ولا من الهيئة.

قال في لسان العرب:

و«تَنَزَّلَهُ» و«أنزَلَهُ» و«نَزَّلَهُ» بمعنى واحد، قال سيبويه:وكان أبو عمرو يفرّق بين «نَزَّلتُ» وَ«أنزَلتُ» ولم يذكر وجه الفرق. قال أبوالحسن: لا فرق عندي بين «نَزَّلتُ» و«أنزَلتُ» إلّا صيغة التكثير في نزّلت في قراءة ابن مسعود. وأنزل الملائكة تنزيلاً، أنزل كنزّل.(1)

ورد في تاج العروس:

و«نَزَّلَهُ تَنزِيلاً» و«أنزَلَهُ إنزَالاً» ومُنزَلاً كَمَجمَل و«إستَنزَلَهُ»، بمعني واحدٍ.(2)


1- لسان العرب، ج11، ص656 .
2- تاج العروس، ج15، ص728.

ص: 57

قال صاحب المصباح المنير:

و«أنزَلتُهُ» و«نَزَّلتُهُ» و«استَنزَلتُهُ» بمعنى «أنزَلتُهُ».(1)

وفي الصحيفة المباركة السجاديّة في دعائه عند ختم القرآن قال:

وَوَحياً أنزَلتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ تَنزِيلاً... .(2)

2_ إنّ استعمال الإنزال في موارد التدريج غير عزيز في القرآن الكريم.قال تعالى:

وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا ألفَينَا عَلَيهِ آبَاءَنَا؛(3)

لَو أنزَلنَا هَذََا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِن خَشيَةِ اللَّه؛(4)

وَلَقَد أنزَلنَا إلَيكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ؛(5)

وَهُوَ الَّذِي أنزَلَ إلَيكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلاً.(6)

لقد عبّر القرآن في الآية الأخيرة عن النزول التفصيليّ بالإنزال مع أنّ صاحب الميزان يؤكّد في كلامه علي التعبير عن النزول التفصيليّ بالتنزيل لا الإنزال.


1- المصباح المنير، ج2، ص601.
2- الصحيفه السجاديّة، الدعاء 42، ص176.
3- البقرة (2)، الآية 170.
4- الحشر(59)، الآية 21.
5- البقرة (2)، الآية 99.
6- الأنعام (6)، الآية 114.

ص: 58

فمواضع استعمال الإنزال في مرتبة التدريج كثيرة واكتفينا بما ذكرنا من الآيات، فيجب على الباحث الخبير، التأمّل والفحص والتدبّر فيها.

وأمّا استعمال لفظ التنزيل في النزول الدفعيّ فيمكن استفادة ذلك من الإطلاق في كثير من الموارد.قال الله تعالى:

إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ؛(1)

الم * تَنزيلُ الكِتَابِ لا رَيبَ فيهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ؛(2)

تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيم.(3)

ثالثاً: إنّ استشهاده بقوله تعالى: كِتَابٌ أُحكِمَت آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لَدُن حَكِيمٍ خَبِيرٍ(4)، بأنّ مرتبة الإحكام هي مرتبة الحقيقة، لا فصل ولا جزء للقرآن في هذه المرتبة، وأنّ مرتبة التفصيل مرتبة دون هذه المرتبة عارضة عليه؛ ففيه: أنّه لا دلالة في لفظ الإحكام والتفصيل على هذا المعنى، وبأيّ عناية يستظهر منه أنّ مرتبة الإحكام مرتبة من مراتب القرآن بالمعنى الذي ذكره؟ فالإحكام والتفصيل من نعوت الدلالة في الكلام والألفاظ، لا من نعوت الوجود العينيّ بما هو موجود عينيّ. وبعبارة أُخرى، معنى الإحكام في الألفاظ والكلام هو كونه لا تشابه فيه ولا تناقض ولا خلل ولا نقص، والتفصيل هو كون الكلام لا إجمال فيه ولا إبهام فيكون مبيّناً ومشروحاً.


1- الأعراف (7)، الآية 196.
2- السجدة (32)، الآيات 1 _ 2.
3- الزمر (39)، الآية 1.
4- هود (11)، الآية 1.

ص: 59

قال في الجوامع:

أُحكِمَت آيَاتُهُ  نظّمت نظماً محكماً لا نقض فيه ولا خلل، كالبناء المحكم...  ثُمَّ فُصِّلَت، كما تفصّل القلائد بدلائل التوحيد والمواعظ والأحكام... . معنى «ثمّ» التراخي في الحال، لا في الوقت كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام ثمّ مفصّلة أحسن التفصيل... مِن لَدُن حَكِيمٍ أحكمها وخَبِيرٍ، عالم فصّلها، أي بيّنها وشرحها.(1)

ويستفاد ذلك أيضاً من قوله تعالى: وَ لَقَد جِئنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلناهُ عَلَى عِلمٍ هُدىً وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ(2) وكذا من توصيف القرآن نفسه، بأنّه حكيم أي ذا حكمة وعلم في قوله تعاليٰ: يس * وَالقُرآنِ الحَكِيمِ.(3)

فالمحكم ما يقابل المتشابه لا المفصّل؛ ولا إشكال في أن يكون القرآن في مرحلة محكماً (من دون خلل ونقص وتشابه وتناقض) وفي مرحلة مفصّلاً.

رابعاً: إنّ استشهاده بقوله تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا القُرآنُ أن يُفتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلكِن تَصديقَ الَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ الكِتَابِ لَا رَيبَ فِيهِ مِن رَبِّ العَالَمِينَ(4) بأنّ الآية ظاهرة في أنّ تفصيل الكتاب أمر طارئ عليه؛ ففيه:

إنّ الله سبحانه وتعالي قد وصف القرآن في صدر الآية بهذه التوصيفات:


1- جوامع الجامع، ج2، ص134.
2- الأعراف (7)، الآية 52.
3- يس (36)، الآية 1 _ 2.
4- يونس (10)، الآية 37.

ص: 60

1. أنّه تصديق الذي بين يديه.

2. أنّه تفصيل الكتاب.

3. أنّه لا ريب فيه.

4. أنّه من ربّ العالمين.

وحينئذ كيف يجوز التفكيك بين هذه النعوت؟ وكيف يقال: إنّ وصف مُصَدِّقاً وصف القرآن وأمّا تَفصِيلُ الكِتَاب فأنّه أمر عارض عليه. حيث إنّه على هذا يجب أن يقال: إنّ كونه مصدّقاً، وكونه تفصيلَ الكتاب، وكونه لا ريب فيه، وكونه من ربّ العالمين، كلّها أُمور طارئة على الكتاب.

خامساً: إنّ استشهاده بقوله تعالى: إنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكنُونٍ * لَايَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُونَ * تَنزيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ(1)؛ ففيه: أنّ فِي كِتَابٍ مَكنُونٍ صفة للقرآن، والكتاب بمعنى المكتوب، والمكنون بمعنى المستور. وفيه تصريح بأنّ المراد من الكتاب المكنون في المقام ليس هو القرآن كما أنّ في غيرهذا المورد قد أُطلق الكتاب على غير القرآن كثيراً.


1- الواقعة (56)، الآيات 77 _ 80.

ص: 61

ويحتمل أن يكون خبراً ثانياً ل_«إنّ». والشاهد القطعيّ على أنّه نعت للقرآن، قوله تعالى: تَنزيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ فإنّ التنزيل صفة للقرآن بلاريب، ولا معنى لكون التنزيل صفة ونعتاً للكتاب المكنون.

فالقرآن الكريم غير الكتاب المكنون وليس بمرتبة من مراتب الكتاب المبين كما زعمه.

ويحتمل أن يكون المراد من الكتاب المكنون في المقام صحيفة نوريّة، أي العلم المفاض على عدّة من أولياء اللّ_ه الكرام من الملائكة المقرّبين والأنبياء والرسل والصدّيقين.وإنّ المراد من أنّ القرآن في مرتبة التلاوة والقرائة في هذا الكتاب المكنون كونه معلوماً بهذا العلم عند حملته، لا أنّ القرآن المقروء والمتلوّ له نوع من الثبوت التجرديّ في اللوح، فهؤلاء الحَمَلة الكرام يعلمون القرآن ويحصونه بحقيقة العلم والإحصاء ويشهدون أنّه حقّ لا ريب فيه كما في قوله تعالى: وَكُلَّ شَيءٍ أحصَينَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ.(1)

إنّ قوله لَايَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُونَ(2) هو الوصف الثالث للقرآن الكريم. والمراد من المسّ هو المسّ الظاهريّ بين الأجسام. ولفظة «لَمَسَ» و«مَسَّ» لم تستعمل في معني الإدارك _ وبالأخصّ إدارك الحقائق النوريّة والغيبيّة _ في اللغة فضلاً عن القاموس القرآنيّ.(3) فالمراد من المسّ في التعابير القرآنية، هو المسّ للأجسام لا غيركما قال تعالي:

وَإن طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أن تَمَسُّوهُنَّ؛(4)

قَالَت أنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ولَم يَمسَسنِي بَشَرٌ.(5)


1- يس (36)، الآية 12. لمزيد من الاطّلاع علي معني الكتاب المكنون والمبين والإمام المبين تفصيلاً، راجع كتاب توحيد الإماميّة، الفصل العاشر، ص287.
2- الواقعة (56)، الآية 79.
3- راجع: لسان العرب، ج6، ص217؛ الصحاح، ج4، ص978؛ معجم مقاييس اللغة، ج5، ص271.
4- البقرة (2)، الآية 237.
5- مريم (19)، الآية 20.

ص: 62

وغاية ما يمكن أن يقال، أنّ «المسّ» استعمل في خصوص التلاقي بالنّار وفي العذاب والبأساء والضرّاء؛ كما ورد في قوله تعالي:

ذُوقُوا مَسَّ سَقَر؛(1)

وَإذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَريضٍ؛(2)

وَلَو كُنتُ أعلَمُ الغَيبَ لَأستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء. (3)

من هنا فإنّ قوله: لَا يَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُونَ جملة منفيّة خبريّة أُريد منها الإنشاء، لأنّ هذا الأُسلوب أوضح في بيان المنع والتحريم. وعليه فإنّ المسّ الظاهريّ للقرآن الكريم حرامٌ علي من لم يكن مطهَّراً؛ قال الإمام موسي الكاظم:

المُصحَفُ، لَا تَمَسَّهُ عَلَى غَيرِ طُهرٍ وَلَا جُنُباً وَلَا تَمَسَّ خَطَّهُ وَلَا تُعَلِّقهُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: لا يَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُونَ . (4)(5)

وقال في مجمع البيان:

قيل: المطهّرون من الأحداث والجنابات، وقالوا: لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مسّ المصحف عن محمّد بن عليّ الباقر...


1- القمر (54)، الآية 48.
2- فصّلت (41)، الآية 51.
3- لأعراف (7)، الآية 188.
4- الواقعة (56)، الآية 79.
5- الاستبصار، ج1، ص114، ح3 [378] ؛ تفسير كنز الدقائق، ج13، ص53.

ص: 63

وعندنا أنّ الضمير يعود إلى القرآن؛ فلا يجوز لغير الطاهر مسّ كتابة القرآن.(1)

الجمع بين النزول الدفعيّ والتدريجيّ

ويمكن أن يقال في الجمع بين النزول الدفعيّ والتدريجيّ: إنّ القرآن نزل بمجموعه إلى البيت المعمور ثمّ نزل على رسول اللّ_ه تدريجاً في طول ثلاث وعشرين سنة.

ورد في الكافي، عن عليّ بن إبراهيم مسنداً عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّ_ه قال: سألته عن قول اللّ_ه عزو جل: شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ؛(2) وإنّما أُنزِل في عشرين سنة بين أوّله وآخرِه؟ فقال أبوعبد اللّ_ه:

نَزَلَ القُرآنُ جُملَةً وَاحِدَةً فِي شَهرِ رَمَضَانَ إلَى البَيتِ المَعمُورِ. ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشرِينَ سَنَةً. ثُمَّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ: نَزَلَت صُحُفُ إبرَاهِيمَ فِي أوَّلِ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ وأُنزِلَتِ التَّورَاةُ لِسِتٍّ مَضَينَ مِن شَهرِ رَمَضَانَ وَأُنزِلَ الإنجِيلُ لِثَلَاثَ عَشرَةَ لَيلَةً خَلَت مِن شَهرِ رَمَضَانَ وَأُنزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ خَلَونَ مِن شَهرِ رَمَضَانَ وَأُنزِلَ القُرآنُ فِي ثَلَاثٍ وَعِشرِينَ مِن شَهرِ رَمَضَانَ.(3)


1- مجمع البيان، ج9، ص341.
2- البقرة (2)، الآية 185.
3- الكافي، ج2، ص628، ح6 ؛ البرهان في تفسير القرآن، ج1، ص390.

ص: 64

الظاهر من نزوله إلي: «البيت المعمور»، نزوله علي مَن كان مِن أُمناء الوحي وخزّان العلوم وحفظته.

كما ورد في الصحيفة المباركة السجاديّة في دعائه لحملة العرش وملائكة اللّ_ه المقرّبين أنّه قال:

وَالطَّائِفِينَ بِالبَيتِ المَعمُور.(1)

فحديث حفص بن غياث وإن كان خبراً واحداً لايمكن الأخذ به على نحو الجزم إلّا أنّ ردَّه مشكل أيضاً لعدم استحالة مفاده عقلاً وأنّه كاف في دفع التنازع القطعيّ بين نزول القرآن منجّماً وتدريجاً وبين نزوله بمجموعه في شهررمضان في ليلة القدر، فيكون التعارض احتماليّاً لا قطعيّاً.

4المحكم والمتشابه

المحكم والمتشابه في القرآن والحديث


1- الصحيفة السجاديّة، الدعاء الثالث، ص40.

ص: 65

ص: 66

ص: 67

قال الله تعالى:

هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأويلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُوا الألبَابِ.(1)

إنّ الإحكام والتشابه من نعوت الألفاظ والدلالات، لا من نعوت المعاني والمرادات. والمحكم حيث إنّه لا خلل في دلالته على المراد، يجب اتّباعه والتديّن بمفاده، ويجب تحكيمه على جميع الشؤون الدينيّة وردّ جميع الأقاويل والأنظار المبتدعة وإرجاعها إليه. ويجب تحكيمه على جميع المتشابهات الواردة في الكتاب والسنّة على تفصيل يأتي _ إن شاء اللّ_ه _ .


1- آل عمران (3)، الآية 7.

ص: 68

ومن البديهي أنّ تقسيم آيات الكتاب إلى المحكم والمتشابه، إنّما هو بلحاظ وجوب الأخذ والاتّباع وتحريمهما، فلا محالة يتوجّه التقسيم إلى الألفاظ الهاديّة إلى المرادات والمعاني، ومع قطع النظر عنه لا يعقل وجوب الاتّباع وتحريمه.

والتشابه هو أن يكون للفظ وجوه متعدّدة أو وجهان لم يعلم ولم يتعيّن واحد منها في مقام الإفهام والتفهيم، وتعيين واحد منها يحتاج إلى الدليل. والتشابه والترديد بين الوجوه إنّما هو راجع إلى المعاني التركيبيّة لا الإفردايّة، فإنّ المفردات في مثل قوله تعالى: وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ *(1) إلى رَبِّها ناظِرَةٌ، ظاهرة في معانيها الإفراديّة إلّا أنّ القرينة قائمة على عدم إرادة تلك الظواهر. فمعنى النظر والربّ مثلاً لا إبهام في دلالتهما على معانيهما لغة، ولولا قيام القرينة العقليّة على استحالة النسبة وكذلك مخالفة محكمات الكتاب والسنّة على استحالتها، لما كان في دلالة الجملة على مفادها، ترديد وإشكال. فالمتشابه ما يقابل المحكم من حيث عدم حكاية الألفاظ عن معانيها ومراداتها ولابدّ في تعيين ما أُريد من اللفظ من دليل خاصّ.

وما ينبغي الالتفات إليه في بحث المحكم والمتشابه هو أنّه ليس المراد من إرجاع المتشابه إلي المحكم _ كما أكّدت به الروايات كثيراً _ تفسير المتشابه وتعيين المراد ورفع التشابه الموجود فيه، بل إنّ الآيات المحكمة ترفع الظهور الإبتدائيّ من الآيات المتشابهة فقط ولا تبيّن معناها والمراد منها.


1- لقيامة (75)، الآيتان 22 _ 23.

ص: 69

ولا يخفي أنّ الهدف الأصليّ من تقسيم الآيات إلي المحكم والمتشابه، هو التمهيد لتقسيم الناس في مقام العمل بالقرآن إلي الزائغين والراسخين، فالآخذين والتابعين للمتشابه، يريدون إضلال الناس وإغوائهم وأمّا الآخذين بالمحكم والراسخين فيه، فإنّ سنّتهم السكوت عن المتشابه وإرجاع علمه إلي الله والإيمان به علي ما هو عليه في الواقع.

ومن خلال دراسة الروايات الواردة في هذا البحث بنحو دقيق نصل إلي هاتين النتيجتين:

1. وجوب الإيمان والعمل بالآيات المحكمة ووجوب الإيمان بالآيات المتشابهة وحرمة العمل بها.

2. إنّ الوصول إلي معني الآيات المتشابهة، لا يمكن إلّا عبر مجاري الوحي وأنّ العلم بها منحصر بالراسخين بالعلم _ أي النبيّ وأهل بيته _ ويجب علي الجميع الرجوع إلي بياناتهم الواردة في تفسير هذه الآيات وتوضيحها.

ورد في الكافي، مسنداً عن أبي جعفر قال:

قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ فِي لَيلَةِ القَدر:ِ فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكِيمٍ(1) يَقُولُ: يَنزِلُ فِيهَا كُلُ أمرٍ حَكِيمٍ والمُحكَمُ لَيسَ بِشَيئَينِ إنَّمَا هُوَ شَي ءٌ وَاحِد... . (2)


1- الدخان (44)، الآية 4.
2- الكافي، ج1، ص248، ح3؛ بحارالأنوار، ج25، ص79، ح66 (الباب الثالث من أبواب خلقهم وطينتهم وأرواحهم من كتاب الإمامة).

ص: 70

إنّ مراده من تفسير الحكيم بالمحكم، هو أنّ علومهم التي أُفيضت عليهم من اللّ_ه تعالى مصونة بالذات عن الخطأ والزلل، ولا تقبل الاختلاف والتناقض. وكلّ علم لا يكون فيه اختلاف ولا تناقض فهو آية الإمامة وبرهان الخلافة. ومن الممكن جدّاً أن يكون مراده من المحكم، الآية المحكمة؛ فإنّ مفاد الآية المحكمة عند اللّ_ه الذي أنزلها بعلمه وعند الرسول وعند أوصيائه الحفظة واحد.

وفي معاني الأخبار، عن أبيه مسنداً عن إبن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد اللّ_ه عنِ القرآن والفرقان: أ هما شيئان أو شي ء واحد؟ قال: فقال:

القُرآنُ جُملَةُ الكِتَابِ، وَالفُرقَانُ المُحكَمُ الوَاجِبُ العَمَلُ بِه.(1)

وفي تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّ_ه يقول:

إنَّ القُرآنَ مُحكَمٌ ومُتَشَابِهٌ، فَأمَّا المُحكَمُ فَنُؤمِنُ بِهِ وَنَعمَلُ بِهِ وَنَدِينُ بِهِ وَأمَّا المُتَشَابِهُ فَنُؤمِنُ بِهِ وَلَا نَعمَلُ بِهِ وَهُوَ قَولُ اللَّه: فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ... .(2)(3)

هذه الرواية الشريفة تدلّ على حرمة العمل بالمتشابه ووجوب الإيمان به


1- معاني الأخبار، ص190؛ بحارالأنوار، ج89، ص28، ح32 (الباب الأوّل من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).
2- آل عمران (3)، الآية 7.
3- تفسير العياشيّ، ج1، ص162، ح4؛ بحارالأنوار، ج89، ص382، ح16 (الباب 127 من أبواب فضائل سور القرآن من كتاب القرآن).

ص: 71

كما هو. وهي صريحة في إبطال القول برفع التشابه عن المتشابه بقرينة المحكمات؛ (1)إذ المقام، مقام بيان؛ فالسكوت عن بيان رفع التشابه والتصريح بحرمة العمل بالمتشابه، كاف في عدم قرينيّة المحكمات للمتشابهات، بل يجب الإيمان بالمتشابه على ما هو عليه والعمل بالمحكمات، حتّي يأتي دليل خارجيّ في تفسيره.

وفي الكافي، عن عليّ بن محمّد مسنداً عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر قال:

إنَّ [أُ] نَاساً تَكَلَّمُوا فِي هَذَا القُرآنِ بِغَيرِ عِلمٍ وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُول: هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ... فَالمَنسُوخَاتُ مِنَ المُتَشَابِهَاتِ والمُحكَمَاتُ مِنَ النَّاسِخَات... .(2)

الظاهر أنّ كون المنسوخات من المتشابهات، إنّما هو بلحاظ حرمة العمل بها.

وفي تفسير القمّيّ، عن محمّد بن أحمد بن ثابت مسنداً عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّ_ه قال: سمعته يقول:

إنَّ القُرآنَ زَاجِرٌوَآمِرٌ، يَأمُرُ بِالجَنَّةِ وَيَزجُرُ عَنِ النَّارِ، وَفِيهِ مُحكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، فَأمَّا المُحكَمُ فَيُؤمَنُ بِهِ وَيُعمَلُ بِهِ ويُدَبَّرُ بِهِ، وَأمَّا المُتَشَابِهُ فَيُؤمَنُ بِهِ وَلَا يُعمَلُ بِهِ وَهُوَ قَولُ اللَّه: فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ


1- آل عمران (3)، الآية 7.
2- الكافي، ج2، ص28، ح1؛ بحارالأنوار، ج 66، ص85، ح30 (الباب 30 من أبواب الإيمان و الإسلام والتشيّع... من كتاب الإيمان والكفر).

ص: 72

فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ...(1) وَآلُ مُحَمَّدٍ الرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ.(2)

قال الإمام الصادق لما سُئل عن تفسير المحكم:

...أمَّا المُحكَمُ الَّذِي لَم يَنسَخهُ شَي ءٌ فَقَولُهُ عَزَّ وجَلَ: هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ(3) الآيَةَ. وإنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ فِي المُتَشَابِهِ، لِأنَّهُم لم يَقِفُوا عَلَى مَعنَاهُ، وَلَم يَعرِفُوا حَقِيقَتَهُ، فَوَضَعُوا لَهُ تَأوِيلاً مِن عِندِ أنفُسِهِم بِآرَائِهِم، واستَغنَوا بِذَلِكَ عَن مَسألَةِ الأوصِيَاءِ، ونَبَذُوا قَولَ رَسُولِ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِم.(4)

فيه تصريح بأنّ مرجعيّة المحكم للمتشابه في إبطال ظاهره. ولابدّ من الرجوع إلي الأوصياء وسؤالهم في تفسير المتشابه وتوضيحه.

وفي الاحتجاج، مسنداً عن علقمة بن محمّد الحضرميّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عن النبيّ في حديث قال:

مَعَاشِرَ النَّاسِ تَدَبَّرُوا القُرآنَ وَافهَمُوا آيَاتِهِ، وَانظُرُوا إلَى مُحكَمَاتِهِ وَلَا تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهُ، فَوَاللَّهِ لَن يُبَيِّنَ لَكُم زَوَاجِرَهُ وَلَا يُوَضِّحُ لَكُم


1- آل عمران (3)، الآية 7.
2- تفسير القمّيّ، ج2، ص451؛ بحارالأنوار، ج23، ص191، ح12 (الباب العاشر من أبواب الآيات النازلة فيهم... من كتاب الإمامة) وفيه: «يدين به» بدل «يدبر به».
3- آل عمران (3)، الآية 7.
4- وسائل الشيعة، ج27، ص200، ح62 [33593] (الباب 13 من أبواب صفات القاضي...).

ص: 73

تَفسِيرَهُ إلَّا الَّذِي أنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَمُصعِدُهُ إلَيَّ وَشَائِلٌ بِعَضُدِهِ.(1)

فيه إشعار قويّ، أنّ المرجع في تفسير المتشابه هو عليّ عليه الصلاة والسّلام.

وفي العيون، عن أبيه مسنداً عن أبي حيّون مولى الرّضا، قال:

مَن رَدَّ مُتَشَابِهَ القُرآنِ إلَى مُحكَمِهِ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُستَقِيمٍ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ فِي أخبَارِنَا مُتَشَابِهاً كَمُتَشَابِهِ القُرآنِ، وَمُحكَماً كَمُحكَمِ القُرآنِ؛ فَرُدُّوا مُتَشَابِهَهَا إلَى مُحكَمِهَا وَلَا تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهَا دُونَ مُحكَمِهَا، فَتَضِلُّوا.(2)

صرّح أنّه لا يجوز اتّباع المتشابه وترك المحكم، كما هو دأب أهل الزيغ؛ وواضح أنّ اللّ_ه تعالى لم يكلّف العبادَ الفحصَ عن تأويل المتشابه إلّا من طريق أهل بيت الوحي، وخزّان العلم خاصّة.

وفي الصحيفة المباركة السجاديّة في دعائه عند ختم القرآن، قال:

فَاجعَلنَا مِمَّن يَرعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، ويَدِينُ لَكَ بِاعتِقَادِ التَّسلِيمِ لِمُحكَمِ آيَاتِهِ، ويَفزَعُ إلَى الإقرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ، ومُوضَحَاتِ بَيِّنَاتِهِ.(3)

صرّح أنّ الوظيفة الأوليّة والمفزع والملجأ في المتشابهات والبيّنات الموضَحة _ بالفتح _ هو الإيمان والإقرار.

دراسة بعض الآراء في المحكم والمتشابه


1- الاحتجاج، ج1، ص60؛ بحارالأنوار، ج 37، ص209، ح86 (الباب 52 من أبواب النصوص الدالّة علي الخصوص... من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين).
2- . عيون أخبار الرضا، ج1، ص290، ح39 (الباب 28)؛ بحارالأنوار، ج 2، ص185، ح9 (الباب 26 من أبواب العلم من كتاب العقل والعلم والجهل).
3- الصحيفه السجاديّة، الدعاء 42، ص176.

ص: 74

إنّ الأقوال في هذا الباب كثيرة ذكرها السيوطيّ في إتقانه(1) والشيخ محمّد عبده في المنار(2) ، فنذكر بعضها والنقد الوارد عليها:

الأوّل: ما روي عن عكرمة وقتادة وغيرهما، أنّ المحكم الذي يعمل به والمتشابه الذي يؤمن به ولا يعمل به.

فيه: أنّ هذا ليس بياناً للمحكم والمتشابه وتعريفاً لهما، بل هذا بيان لما يترتّب عليهما من الحكم القطعيّ العقليّ وإرشاد به، من وجوب الاتّباع والعمل للمحكم وتحريم الأخذ بالمتشابه؛ وهو عين مفاد الآية الكريمة والوظيفة المقرّرة الأوّليّة بالنسبة إلى المتشابه؛ وهذا البيان، بيان إرشاديّ كما لايخفى.

الثاني: المحكم ما عرف المراد منه، إمّا بالظهور وإمّا بالتأويل. والمتشابه ما استأثراللّ_ه بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطّعة في أوائل السور.

فيه: أنّه إن أُريد بالظهور في تعريف المحكم النصّ، فهو كذلك أو ما يقابل النصّ من الظهور الاصطلاحي، فهو وإن لم يكن محكماً إلّا أنّه في حكم المحكم من حيث وجوب الاتّباع. وعلى التقديرين فلا محصّل لقوله: «أو بالتأويل» إلّا أن يقال: إنّ مراده من التأويل هو التفسير، لكنّ من


1- . الإتقان فى علوم القرآن، ج2، ص5 _ 7.
2- تفسير المنار، ج3، ص163_ 165.

ص: 75

الواضح أنّ اعتماد المفسِّر في التفسير المشروع على دلالة الألفاظ، وتحصيل القرائن وكسب الشواهد على تلك الدلالة بحيث يصير اللفظ بلحاظ هذا الاستظهار ظاهراً أو قطعيّاً في المعنى المستظهَر، فلا موقع بعد هذا لقوله: «أو بالتأويل»الظاهر في الترديد والتغاير بين شيئين.

وأمّا تفسير «المتشابه بما استأثر اللّ_ه بعلمه».

ففيه: أنّ المتشابه وإن كان من الغيب المحجوب مثل سائر الغيوب إلّا أنّه قد جرت سنّته تعالى في عدّة من هذه الغيوب، سيّما المتشابه أن يطّلع عليها الراسخون في العلم من أوليائه الطاهرين. وهل يتفوّه عالم أنّ رسول اللّ_ه لم يعلم ما نزّل عليه من متشابهات الكتاب؟! ولم يقدرعلى تعليمها لأحد من أفاضل أُمّته وأهل دعوته؟! وهذا جزاف من القول. والعجب تمثيله المتشابه، بقيام الساعة وخروج الدجّال؛ إذ وقت قيام الساعة من جملة الغيوب التي لا نهاية لعددها فالقائل لابدّ أن يلتزم أنّ كلّ غيب، متشابه. فلو عقل وتفكّر لعَلِم أنّ المتشابه من الغيوب، لا أنّ كلّ غيب متشابه. وجمعه بين قيام الساعة وخروج الدجّال وبين فواتح السور، يدلّ على أنّ القائل يعتقد بأنّ الغيوب كلّها من المتشابه.

الثالث: إنّ المحكم من آي الكتاب، ما لم يحتمل من التأويل إلّا وجهاً واحداً، والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجُهاً.

وفيه: أنّ الصحيح في المقام أن يقال: إنّ المحكم ما يدلّ على معنى والمتشابه ما لم يكن ظهوره جائز الاتّباع. وقوله: «ما لم يحتمل من التأويل إلّا وجهاً واحداً»، ليس بصحيح لأنّ مفاد المحكم لا يُعدّ تأويلاً في لسان

ص: 76

الكتاب والسنّة. فلو كان مراده أنّ المحكم، ما كان واضحاً في معنى واحد والمتشابه ما يقابله، فهو عين ما ذكرناه.

الرابع: المحكم ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه، كأعداد الصلوات واختصاص الصيام برمضان دون شعبان.

وفيه: أنّ الظاهر من قولهم: «معقول المعنى»، غير التعبّديّات ويكون المراد من المتشابه هي التعبّديّات. وحيث إنّ التسليم في مقابل التعبّديّات واجب بالضرورة، وكلّ ما يجب التسليم في قباله تعبّداً، فهو متشابه. ويحرم اتّباع المتشابه قبل نيل معناه ومفاده، فعليه يحرم اتّباع التعبّديّات، لأنّها من المتشابهات التي معناها ليس معقولاً. وبالجملة هذا القول أجنبيّ عن البحث في المحكم والمتشابه الذي يكون في باب دلالات الألفاظ.

الخامس: المحكم ما تأويله تنزيله، والمتشابه ما لا يُدرك إلّا بالتأويل.

أقول: المراد بالتأويل هاهنا التفسير والشرح والتوضيح. فعلى هذا يكون المحكم ما لا ترديد في دلالته على مفاده، والمتشابه ما لا يمكن الأخذ بظاهره لقيام القرائن العقليّة والنقليّة على خلافه؛ وسيأتي لذلك مزيد توضيح في البحث عن التأويل _ إن شاء اللّ_ه تعالى _.

السادس: المحكم ما استقلّ بنفسه والمتشابه ما لايستقلّ إلّا بردّه إلى غيره.

وفيه: أنّ الاستقلال وعدمه لامعنى له في باب دلالة الألفاظ؛ فمن الكلام ما يحتاج إلى شرح وقرينة ومنه ما لا يحتاج إلى ذلك. وهذا عمل عاديّ في المحاورات العرفيّة ويترتّب عليه أغراض العقلاء، بحسب اختلاف المقامات.

ص: 77

السابع: المحكمات ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك، فهو متشابه يصدّق بعضه بعضاً.

وفيه: أوّلاً: أنّه لا دليل على نفي المتشابه، ممّا فيه الحلال والحرام.

وثانياً: القول بأنّ «ما سوى ذلك فهو متشابه»، خلاف الضرورة والعيان. كيف وفي غير الأحكام، أُصول الدعوة وأساس الأديان والحقائق الفطريّة والمستقلاّت العقليّة، وأمثال ذلك؟!

وثالثاً: لا معني للقول بأنّ المتشابه يصدّق بعضه بعضاً.

الثامن: المحكمات مالم تنسخ والمتشابهات ما قد نسخ.

وفيه: أنّ من الممكن أن يكون المتشابه من النواسخ، فيحرم العمل به قبل تفسيره ويجب العمل به بعد تفسيره.

التاسع: المحكم مالم تتكرّر ألفاظه ومقابله المتشابه.

وفيه: أنّ التكرار وعدمه أجنبيّ عن معنى التشابه والإحكام.

على أنّه لا معنى لنسبة التكرار إلى القرآن الكريم. وما كان من القضايا والقصص في المواقف المختلفة إنّما هو لأغراض شتّى. وعلى عهدة المفسّر تعيين الغرض المسوق له الكلام والعناية الملحوظة فيه.

العاشر: أنّ المتشابه هي آيات الصفات أي: صفات اللّ_ه خاصّة.

وفيه: أنّ لازم ذلك حرمة الاعتقاد والتديّن بالتوحيد ونعوت اللّ_ه الكماليّة والجلاليّة.

على أنّ الآية الكريمة، صريحة في أنّ الإحكام والتشابه من صفات الكلام، لا من صفات مفرداته.

وهناك أقوال أُخر أعرضنا عن ذكرها توخّياً للإطالة.

نظريّة صاحب الميزان ونقدها

ص: 78

قال في الميزان:

وأمّا التشابه المذكور في هذه الآية أعني قوله: «وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» فمقابلته لقوله: مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ، (1)وذكر اتّباع الذين في قلوبهم زيغ لها ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل، كلّ ذلك يدلّ على أنّ المراد بالتشابه، كون الآية بحيث لايتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرّد استماعها، بل يتردّد بين معنى ومعنى، حتّى يرجع إلى محكمات الكتاب؛ فتعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة، والآية المحكمة محكمة بنفسها، كما أنّ قوله:الرَّحمنُ عَلَى العَرشِ استَوى ، يشتبه المراد منه على السامع أوّل ما يسمعه، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى: لَيسَ كَمِثلِهِ شَيء استقرّ الذّهن على أنّ المراد به التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكّن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسّم المستحيل على اللّ_ه سبحانه... وكذا إذا عرضت الآية المنسوخة على الآية الناسخة، تبيّن أنّ المراد بها حكم محدود بحدّ الحكم الناسخ وهكذا.(2)


1- ل عمران (3)، الآية 7.
2- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص21.

ص: 79

وقال في معنى كون المحكمات (أُمّ الكتاب):

فإنّ في هذه اللفظة _ أعني لفظة الأُمّ _ عناية بالرجوع الذي فيه انتشاء واشتقاق وتبعّض، فلا تخلو اللفظة من الدلالة على كون المتشابهات ذات مداليل ترجع وتتفرّع على المحكمات، ولازمه كون المحكمات مبيّنة للمتشابهات.

على أنّ المتشابه إنّما كان متشابهاً لتشابه مراده، لا لكونه ذا تأويل؛ فإنّ التأويل كما مرّ يوجد للمحكم كما يوجد للمتشابه، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً. فللمتشابه مفسّر وليس إلّا المحكم؛ مثال ذلك قوله تعالى: إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ،(1) فإنّه آية متشابهة وبإرجاعها إلى قوله تعالى: لَيسَ كَمِثلِهِ شَي ء (2)وقوله تعالى:لَا تُدرِكُهُ الأبصَارُ، يتبيّن أنّ المراد بها نظرة ورؤية من غيرسنخ رؤية البصر الحسّيّ، وقد قال تعالى: مَا كَذَبَ الفُؤادُ مَا رَأى * أ فَتُمارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى  إلى أن قال: لَقَد رَأى مِن آياتِ رَبِّهِ الكُبرَى (3) فأثبت للقلب رؤية تخصّه، وليس هو الفكر، فإنّ الفكر إنّما يتعلّق بالتصديق والمركّب الذهنيّ، والرّؤية إنّما تتعلّق بالمفرد العينيّ، فيتبيّن بذلك أنّه توجّه من القلب ليست بالحسّيّة المادّيّة ولا


1- القيامة (75)، الآية 23.
2- الشوري (42)، الآية 11.
3- النجم (53)، الآية 18.

ص: 80

بالعقليّة الذهنيّة. والأمر على هذه الوتيرة في سائر المتشابهات.(1)

يرد على هذه النظريّة إشكالات:

أوّلاً: إنّ الأُمومة والإصالة للمحكمات أجنبيّة عن معنى الفرعيّة والمفسّريّة بالكلّيّة، لأنّ الإحكام والتشابه وصفان مختلفان لدلالة الألفاظ وليس النسبة بينهما نسبة الفرع والأصل، كي يتوقف فهم المتشابه علي المحكم؛ فلا يمكن الوصول إلي المتشابه عن طريق المحكم.

ثانياً: لا تناسب بين رؤية الآيات وبين النّظر إلى ذاته المقدسة؛ فتفسير النّظربالرؤية في الآيتين مجازفة واضحة لأنّ النظر غير الرؤية، مضافاً إلي أنّ النظر في الآية المبحوث عنها متعلّق بالربّ وفي الآية التي استشهد بها متعلّق برؤية الآيات.

ثالثاً: إنّه لا إشكال في أنّ المتشابه ما يقابل المحكم؛ ولا إشكال في حجّيّة المحكم عند العلماء؛ وكذلك في حجّيّة الظواهر عند المحقّقين، وأمّا المتشابه هو الذي لم ينعقد له ظهور فلا موضوع للحجّيّة فيه أصلاً، وردّ المتشابه إلى المحكم ليس إلّا لإبطال الظهور البدويّ، لا لتعيين المراد من المتشابه، وليست المحكمات قرينة عرفيّة منفصلة لتعيين المراد من المتشابهات، مثلاً قوله تعالى: لَا تُدرِكُهُ الأبصَارُ... في مقام تنزيهه تعالى عن رؤية الأبصار وتمجيده تعالى عن إدراكه وإحاطته سبحانه بالأبصار، ولا توجد قرينة عرفيّة بين المخاطبين والمتكلّم على أنّ المراد منها النظر إليه تعالى. وغاية ما في


1- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص 43 _ 44.

ص: 81

الباب نفي النظر الحسّيّ وإثبات إحاطته تعالى وإدراكه النظر الحسّيّ، فلا يكون مدرَكاً بالنظر الحسّيّ ولا محاطاً به، وأمّا تعيين المراد من النظر إلى ذاته المقدَّسة الكريمة، فإلتماسه من الآية مجازفة واضحة.

فتلخّص أنّ الغرض الأصيل من المحكمات ليس قرينيّتها للمتشابهات وتفسيرها، بل لها شأن آخر أصيل؛ وهو أنّها أُمّ الكتاب وعماده وأُصوله. ومن تديّن بها وعمل بها لم يسأل اللّ_ه عنه ولم يؤاخذه بترك المتشابهات. ومن جملة العمل بها عرض المتشابهات عليها وتحكيمها عليها والسكوت عنها. والمتشابه لا يصير ظاهراً بردّه إلي المحكم، فضلاً عن أن يكون محكماً ولابدّ في توضيح المتشابهات من الرجوع إلي أدلّة أُخرى، سيقت لبيان هذا المتشابه بخصوصه بنحو مستقيم أو غيرمستقيم. وهكذا الأمر في متشابهات الأخبار، فلابدّ من عرض متشابهاتها على محكمات الكتاب والسنّة؛ ثمّ شرحها بأدلّة أُخرى من الكتاب والسنّة.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا أنّ معنى الروايات التي وردت في ردّ المتشابه إلى المحكم، هو الأخذ بالمحكم والسكوت عن المتشابه والإيمان به على ما هو عليه في الواقع. فللمحكم مقام المرجعيّة والحاكميّة، يحتجّ به على علوم القرآن ويحتجّ به على أهل الآراء الباطلة والأهواء المبتدعة.

ص: 82

5المنهج الصحيح في التفسير

معني التفسير

ص: 83

ص: 84

ص: 85

التفسير لغة: كشف الغطاء، قال في لسان العرب:

الفَسرُ: كَشفُ المُغَطّيٰ. والتفسير: كَشفُ المراد عن اللَّفظِ المُشكِلِ.(1)

ليس من الضروريّ أن يُفسّر الكلام أو الكتاب إلّا إذا كان مانعاً وحجاباً في دلالته علي مراد المتكلّم أو الكاتب؛ فإن كان الكلام صريحاً أو ظاهراً في معناه، فإنّ تبيينه لايعدّ تفسيراً؛ لأنّ الكلام الصريح أو الظاهر، لا يوجد حجاب عليه كي يرُفع بالتفسير. ولو لم يكن الظهور البدويّ للكلام حجّةً لجهات، فإنّه يجب علي المخاطب _ للوصول إلي مراد المتكلّم أو الكاتب _ أن يفحص عن مختلف مواضع القرائن الحاليّة والمقاليّة المخالفة للظهور البدويّ في كلّ موضع يحتمل وجودها؛ والمعني الذي ظهر له أو قطع به بعد الفحص الدقيق والتأمّل والتعقّل، يكون تفسيراً له.

فكما قلنا في بحث حجّيّة ظواهر القرآن، إنّ القرآن له خطابان: خطاب عامّ وخطاب خاصّ.


1- لسان العرب، ج5، ص55.

ص: 86

أمّا في الخطاب العامّ _ الذي لا يكون إلّا في دلالات نصوص القرآن وظواهره _ فإنّ الله سبحانه وتعالي أثار عقل الإنسان وفطرته عن طريق بيان الموضوعات العقليّة والأحكام والمسائل الفطريّة ودعاه إلي التدبّر في الخليقة وآياته الموجودة في الطبيعة. وبما أنّ الأُمور العقليّة والفطريّة لا تُنسخ ولا تُخصَّص ولا تُقيَّد، فإنّ الظهور الإبتدائيّ لهذه الآيات، يكون حجّة ويمكن الاستفادة من معناها وما أُريد منها بمحض الرجوع إليها؛ فلا تحتاج هذه الآيات إلي التفسير والتبيين.

وأمّا في الخطاب الخاصّ، فبما أنّ الله سبحانه وتعالي يذكر فيه المعارف الدقيقة وجزئيات الأحكام، فإنّه لا يمكن التمسّك بالظهور الإبتدائيّ لهذه الآيات، لأنّه يمكن أن تكون الآية في صدد بيان موضوع عامّ أو مطلق وورد تخصيصه أو تقييده في آيات أُخري أو في السنَّة الشريفة بل يمكن أن تكون الآية منسوخة.

فإذن التفسير عبارة عن تبيين مراد الله سبحانه وتعالي والكشف عنه، عبر الطرق العلميّة والاستفادة من الأدلّة العقليّة والقرائن المتصلة والمنفصلة المذكورة في الآيات والروايات.

فمن اتّبع هذه الطريقة في تعيين مراد الله سبحانه وتعالي في القرآن، كان مفسِّراً وإنّ هذه الطريقة المسمّاة بالطريقة الاجتهادية المبتنية علي العقل والكتاب والسُّنة هي الطريقة الصحيحة والمقبولة عند الأُصوليين من فقهاء الشيعة المسجَّلة في تاريخهم.

ص: 87

إلّا أنّه مضافاً إليٰ هذه الطريقة، فإنّ القرآن قد فُسِّر بطرق مختلفة أُخري، بعضها ناقصة والبعض الآخر منها وقعت في الانحراف والاشتباه؛ وإنّ إحدي هذه الطرق طريقة تفسير القرآن بالقرآن.

إنّ بعض من اتّبع هذه الطريقة من أهل السُّنة سلك طريقاً مبتنٍ علي الاستغناء من بيان الرسول والأئمة، وأنّ شذوذ هذه الطريقة أمر بديهيّ لا نحتاج إلي بيانها. والمدافعين عن طريقة تفسير القرآن بالقرآن مع انتمائاتهم المختلفة واتحاد شعارهم لم يسلكوا طريقاً ومنهجاً واحداً؛ وأنّ ابن تيميّة يُعدّ من أتباع هذه الطريقة التفسيّريّه، حسب رأي بعض المّؤلفين.

نقد منهجيّة تفسير القرآن بالقرآن

قال في تفسير الميزان:

فالحقّ أنّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود، وأنّ البيان الإلهيّ والذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه؛ أي: إنّه لايحتاج في تبيين مقاصده إلى طريق، فكيف يتصوّر أن يكون الكتاب الذي عرّفه اللّ_ه تعالى بأنّه هدى وأنّه نور، وأنّه تبيان لكلّ شيء مفتقراً إلى هاد غيره ومستنيراً بنور غيره ومبيّناً بأمر غيره؟(1)

يرد علي هذه النظريّة أُمور:

أوّلاً: أنّ للقرآن الكريم كما ذكرنا مقامين: مقام مخاطبة عامّة الناس، فإنّ الطريق إلى فهمه غير مسدود. والمقام المختصّ برسول وأئمّة أهل بيته،


1- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص86.

ص: 88

ولابدّ من الالتزام فيه بما ورد عنهم وعدم جواز العدول عنه. قال تعالى:

لَاتُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ * إنَّ عَلَينَا جَمعَهُ وقُرآنَهُ * فَإذَا قَرَأناهُ فَاتَّبِع قُرآنَهُ * ثُمَّ إنَّ عَلَينَا بَيانَهُ.(1)

لقد وعد سبحانه في هذه الآيات أن يبيّن القرآنَ ويعلّمه لرسوله، كي يقوم الرسول بتعليم القرآن لأمّته، فهو سبحانه صادق الوعد وقد وفى بوعده وبيّن القرآن لرسوله ولذا لابدّ أن يكون تبيين القرآن وتعليمه للأُمّة بتعليم الرسول وآله المعصومين. قال تعالى:

وَأنزَلنَا إلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَانُزِّلَ إلَيهِم ولَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُون؛(2)

رَبَّنَا وَابعَث فِيهِم رَسُولاً مِنهُم يَتلُوا عَلَيهِم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم إنَّكَ أنتَ العَزيزُ الحَكِيمُ؛(3)

كَمَا أرسَلنَا فِيكُم رَسُولاً مِنكُم يَتلُوا عَلَيكُم آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُم ويُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ ويُعَلِّمُكُم مَا لَم تَكُونُوا تَعلَمُونَ؛(4)

لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أنفُسِهِم يَتلُوا عَلَيهِم آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِم ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ؛(5)


1- القيامة (75)، الآية 16 _ 19.
2- النحل (16)، الآية 44.
3- لبقرة (2)، الآية 129.
4- . البقرة (2)، الآية 151.
5- آل عمران (3)، الآية 164.

ص: 89

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنهُم يَتلُوا عَلَيهِم آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِم ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ وإن كانُوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ.(1)

إنّ قوله تعالى: يُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ؛ أصدق شاهد على أنّ المراد بالتعليم، هو بيان الحكمة والحقائق الراجعة إلى دين اللّ_ه، لا بيان قراءة ألفاظه وحروفه. وقد قام رسول اللّ_ه في حياته بهذه الوظيفة الخطيرة التي أمره تعالى بها وأصرّ أيضاً على ذلك في إرجاع الأمر إلى الأئمّة المعصومين من آله بعد وفاته كما ورد في حديث الثقلين وغيره من الأحاديث القطعيّة. وحينئذ ما يكون معني الاكتفاء والاستغناء بتفسير القرآن بالقرآن؛ إنّ القول بعدم التنافي بين طريقة تفسير القرآن بالقرآن والاستفادة من بيانات الرسول والأئمّة(2) في بعض الموارد، خُلف واضح.

ثانياً: أنّ ما ذكره في الميزان، من أنّ القرآن نورٌ وفيه تبيان كلّ شيء، وأنّ النورلا يستبين بغيره وأنّ الهدى لا يستهدى من غيره، يرد عليه أنّ السنّة عِدلٌ للقرآن وأحد الثقلين نور كالقرآن، فيكون اجتماعهما معاً نور علي نور.


1- الجمعة (62)، الآية 2.
2- قال في الميزان، ج3، ص84: نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلي تلقّيه من غير بيان النبيّ كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالي: وَ مَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُو [حشر (59)، الآية7] وما في معناه من الآيات وكذا تفاصيل القصص والمعاد مثلاً.

ص: 90

ثالثاً: ما ذكرنا من أنّ النبيّ هو المبيّن والمعلّم للقرآن فحسب، لا ينافي عدّة من الآيات المباركة الدالّة على أنّ القرآن بيان وتبيان وشفاء وهُدىً وهداية للعالمين وغيرها. حيث إنّ هذه الآيات مسوقة لبيان فخامة شأن القرآن وجامعيّته وموقعيّته في المجتمعات البشريّة، وكونه قولاً ثقيلاً (1)لا يوازيه ولا يضاهيه ولا يساويه ولا يدانيه شيء؛ بل هو أكبر الثقلين(2)، وأنّه برهان على ذاته بذاته وعلى جميع محتوياته ولكونه مهيمناً(3)، وهو صريح بحاكميّته على تصديق جميع ما ينسب إلى الوحي السماويّ من أوّل الدّنيا إلى يوم القيامة. وقد أشرنا الى هذا الأمر في ما ذكرنا في فضل القرآن وشؤونه.

رابعاً: لا يصحّ الاستشهاد والاستدلال في تفسير القرآن بالقرآن، بما ورد عن أميرالمؤمنين في نهج البلاغة حيث قال:

تَرِدُ عَلَى أحَدِهِمُ القَضِيَّةُ فِي حُكمٍ مِنَ الأحكَامِ، فَيَحكُمُ فِيهَا بِرَأيِهِ. وَثُمَّ تَرِدُ تِلكَ القَضِيَّةُ بِعَينِهَا عَلَى غَيرِهِ، فَيَحكُمُ فِيهَا بِخِلَافِ قَولِهِ. ثُمَّ يَجتَمِعُ القُضَاةُ بِذَلِكَ عِندَ الإمَامِ الَّذِي استَقضَاهُم، فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُم جَمِيعاً، وَإلَهُهُم وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُم وَاحِدٌ، وَكِتَابُهُم وَاحِدٌ. أفَأمَرَهُم اللَّهُ سُبحَانَهُ بِالإختِلَافِ فَأطَاعُوهُ؟! أم نَهَاهُم عَنهُ


1- المزمّل (73)، الآية5: إِنَّا سَنُلقي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً.
2- إشارة إلي قوله: (إِنِّي مُخلِفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَينِ الثَّقَلُ الأكبَرُ القُرآن)؛ الغيبة (للنعمانيّ) ص43؛ بحارالأنوار، ج89، ص80، ص102 (الباب الثامن من أبواب فضله و أحكامه... من كتاب القرآن).
3- المهيمن: الرقيب، الحافظ ولمزيد من الاطّلاع راجع إلي الدرس الأوّل من هذا الكتاب.

ص: 91

فَعَصَوهُ؟! أم أنزَلَ اللَّهُ سُبحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً، فَاستَعَانَ بِهِم عَلَى إتمَامِهِ؟! أم كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ، فَلَهُم أن يَقُولُوا، وَعَلَيهِ أن يَرضَى؟! أم أنزَلَ اللَّهُ سُبحَانَهُ دِيناً تَامّاً، فَقَصَّرَ الرَّسُولُ عَن تَبلِيغِهِ وَأدَائِهِ؟! وَاللَّهُ سُبحَانَهُ يَقُولُ: مَا فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَي ءٍ(1) وَفِيهِ تِبيَانٌ لِكُلِّ شَي ءٍ وَذَكَرَ أنَّ الكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضاً وَأنَّهُ لَا اختِلَافَ فِيهِ فَقَالَ سُبحَانَهُ: وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثِيراً ... . (2)(3)

لأنّ الخطبة الشريفة سيقت لِتوبيخ الجاهلين الّذين تصدّوا لمقام القضاء والفتوى واختلفوا في فتياهم وقضائهم، لجهلهم بالكتاب ومدارك الأحكام. وهو يحتجّ عليهم بأنّ كتاب اللّ_ه سبحانه ليس فيه ما يوجب اختلافهم، وأنّ البيان الإلهيّ منار الحجّة وواضح المحجّة. وأنّ كتاب اللّ_ه أجلّ شأناً وأرفع مقاماً من أن يُتوهّم التناقض والتخالف فيه. وفيه كمال الملائمة وتمام المناسبة في مقاصده ومراميه. وتشهد بعض الآيات على صدق ما تضمّنته الأُخرى، فأين التناقض والتكاذب فيه؟!

وكذلك قوله في الخطبة:

كِتَابُ اللَّهِ تُبصِرُونَ بِهِ، وتَنطِقُونَ بِهِ، وتَسمَعُونَ بِهِ، ويَنطِقُ بَعضُهُ


1- الأنعام (6)، الآية 38.
2- النساء (4)، الآية 82
3- نهج البلاغة، الخطبة 18، ص60 .

ص: 92

بِبَعضٍ، ويَشهَدُ بَعضُهُ عَلَى بَعض... . (1)

لأنّ الشهادة والتصديق بين آيات القرآن، لا يتحقّقان إلّا إذا كان للآية المصدِّقة _ بالكسر _ والمصدَّقة _ بالفتح _ ظهور في مفادهما. فلو لم يثبت لهما ظهور ولم يبيّن المراد منهما فإنّه لا يكون موضوع لتصديق وشهادة إحداهما علي الأُخرى.

فتبيّن أنّ مورد التصديق والشهادة، إنّما هو بعد تثبيت الظهورات وتبيين المرادات. وهاتان الخطبتان تدلّان على أنّ للمفسِّر بعد الأخذ بمفاد آية، أن يأتي عليها بشواهد من آيات أُخرى، لأنّه إذا ظفر على هذه الشواهد وتيسّر له كسب تلك القرائن، كان تفسيره أسدّ بُنياناً وأوثق برهاناً. ف_ «إنّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً»(2)، فلو لم يجد في تفسير آية، على آية أو آيات تؤيّدها وتصدّقها، فإنّ الآية بوحدها تكون حجّة علي مفادها. وأين هذا من تفسير القرآن بالقرآن؟! وتسميّة هذا تفسيراً ليس في محلّه، إذ التفسير _ كما تقدّم _ عبارة عن كشف القناع والاستظهار من اللفظ؛ وهو مقدّم رتبةً على شهادة آية على آية وتصديقها بها، فإنّ التصديق والشهادة

_ كما قلنا _ يتحقّقان بعد الاستظهار وتحقّق الظهور.

وكذلك الأمر فيما ورد في الروايات، من إرجاع المتشابه إلى المحكم، فإنّه ليس المراد منه تفسير المتشابه بالمحكم، إذ لا وجه للقول بأنّ ما أُريد من المتشابه هو عين ما أُريد من المحكم، ولا يكون هذا القول إلّا رجماً بالغيب، بل المراد


1- . نهج البلاغة، الخطبة 133، ص192.
2- المحاسن، ج1، ص226، ح150؛ بحارالأنوار، ج2،ص243، ح44 (الباب 29 من أبواب العلم من كتاب العقل والعلم).

ص: 93

منه، هو أنّ المحكم يدفع الظهور البدويّ العاميّ عن المتشابه ويبطله؛ فعلى هذا يلزم العمل والإيمان بالمحكم والسكوت عن المتشابه إلى أن يأتي له بيانٌ آخر.

ولذا لا يمكن الاستدلال بكلام الإمام أميرالمؤمنين علي تفسير القرآن بالقرآن. وأمّا إن كان المراد من الحديث الشريف إمكان استفادة ظهور آية من آية أُخرى، بمعني أنّه لو كانت آية مطلقة أو عامّة وآية أُخرى مقيِّدة أو خاصّة، تكون الآية الخاصّة والمقيِّدة، بياناً وتفسيراً للآية المطلقة والعامّة، فإنّ هذا الكلام صحيح، ولكنّه لا يكون مؤيّداً لتفسير القرآن بالقرآن، لأنّ فحص المفسِّر عن القرائن والمقيِّدات في القرآن سواء كان في الأحكام أو غيرها من المعارف والحقائق، شرط لازم ولكنّه ليس بكاف، لأنّ الفحص كما يجب عن القرائن والمقيِّدات في القرآن، كذلك يجب في السنّة المعتبرة وفي القرائن العقليّة التي يجب الالتزام بها أيضاً. والأخذ بأحدهما وترك الآخر إبطال لحقّه وإسقاط عن مقامه وموقعه وحجّيّته.

ولايخفى أنّ القرآن والسنّة، هما المرجع في العلوم الشرعيّة والمعارف والعقائد الاسلاميّة؛ وعليه، فمن ادّعى أمراً أو أحدث حدثاً في الدّين لابدّ من استيضاح حجّته من مسلَّمات الكتاب والسنّة، فلو خالفها فالّذي جاء به فهو أولى به، يضرب به وجه صاحبه. مثلاً ينادي القرآن الكريم بندائه العامّ على تنزيه الله تعالى عن آثام العباد وجناياتهم.(1) وينادي أيضاً أنّ له


1- كقوله تعالي في سورة العنكبوت(29)، الآية40: فَكُلاًّ أخَذنا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أرسَلنا عَلَيهِ حاصِباً وَمِنهُم مَن أخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنا بِهِ الأرضَ وَمِنهُم مَن أغرَقنا وَما كانَ اللَّ_هُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانُوا أنفُسَهُم يَظلِمُونَ.

ص: 94

تعالى سخطاً على المعاصي(1) ورضى للطّاعات والمحسّنات(2)، فلا يجوز أن يُنسب إليه تعالى جنايات الكافرين والطاغين؛ فمن ادّعى ذلك وقال بالجبر في أفعال العباد والتوحيد الأفعاليّ(3) فلا يقبل منه.

وهكذا؛ من جاء بحديث أو تمسّك بآية من كتاب اللّ_ه واستظهر منها برأيه ما يخالف صريح القرآن وضرورة السنّة، فهو كاذبٌ مضلّ لا يقبل منه.

6التفسير بالرأي

المنع عن التفسير بالرأي


1- . كقوله تعالي في سورة الأعراف(7)، الآية152: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجلَ سَيَنالُهُم غَضَبٌ مِن رَبِّهِم.
2- كقوله تعالي في سورة الفتح (48)، الآية18: لَقَد رَضِيَ اللَّ_هُ عَنِ ال_مُؤمِنينَ إِذ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَة وقوله تعالي في سورة آل عمران (3)، الآية 31: قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّ_هَ فَاتَّبِعُوني يُحبِبكُمُ اللَّ_ه .
3- كما ورد في الحكمة المتعالية، ج8، ص312: ... والفعل الاختياريّ لا يتحقّق ولا يصحّ بالحقيقة إلّا فى واجب الوجود وحده وغيره من المختارين لا يكونون إلّا مضطرّين في صورة المختارين. ولمزيد من الاطّلاع راجع كتاب سدّ المفرّ علي القائل بالقدر، ص103 _ 225.

ص: 95

ص: 96

ص: 97

لقد ورد المنع عن التفسير بالرأي في أحاديث كثيرة. نذكر بعضها: قال رسول الله:

مَن فَسَّرَ القُرَآنَ بِرَايِهِ، فَليَتَبَوَّءُ مَقعَدَهُ مِن النَّارِ.(1)

في العيون، عن محمّد بن موسى مسنداً عن الريّان بن الصلت، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين قال: قال رسول اللّ_ه:

قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: مَا آمَنَ بِى مَن فَسَّرَ بِرَأيِهِ كَلَامِى، ومَا عَرَفَنِى مَن شَبَّهَنِي بِخَلقِى، ومَا عَلَى دِينِى مَنِ استَعمَلَ القِيَاسَ فِى دَينِي.(2)

وفي كمال الدين، عن محمّد بن عليّ ما جيلويه مسنداً عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول اللّ_ه:

... ومَن فَسَّرَ القُرآنَ بِرَأيِهِ، فَقَدِ افتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ، ومَن أفتَى النَّاسَ بِغَيرِ عِلمٍ، فَلَعَنَتهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ والأرض... .(3)

وفي تفسير العيّاشيّ، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّ_ه قال:

...وَمَن فَسَّرَ [بِرَأيِهِ] آيَةً مِن كِتَابِ اللَّهِ، فَقَد كَفَرَ.(4)

وفي تفسير العيّاشيّ، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّ_ه قال:


1- تفسير الصافي، ج1، ص35.
2- عيون أخبار الرضا، ج1، ص116، ح4 (الباب 11)؛ بحارالأنوار، ج2، ص297، ح16 (الباب 34 من أبواب العلم من كتاب العقل والعلم والجهل).
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص257، ح1؛ بحارالأنوار، ج36، ص227، ح3 (الباب 41 من أبواب النصوص علي أميرالمؤمنين من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين) وفيه: «لعنه» بدل «فلعنته».
4- تفسير العياشيّ، ج1، ص18، ح6؛ بحارالأنوار، ج89، ص111، ح15 (الباب العاشر من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).

ص: 98

مَن فَسَّرَ القُرآنَ بِرَأيِهِ فَأصَابَ، لم يُؤجَر وإن أخطَأ، كَانَ إثمُهُ عَلَيه.(1)

معني التفسير بالرأي

إنّ التفسير المنهيّ عنه في هذه الروايات، هو تفسير القرآن في مقام استنباط العلوم والأحكام والمعارف الخاصّة، لا ما يتعلّق بمرتبة الدعوة العامّة؛ فإنّ القرآن في هذه المرتبة خطاب واحتجاج، وتوبيخ وتشويق، وإنذار وتبشير، وهداية وتذكرة، يدلّ عليها الكلام إمّا بالتنصيص أو بالظهور، فلا معنى لإطلاق التفسير عليه، ولا دليل على تحريمه. والأدلّة متكاثرة بالحثّ


1- تفسير العياشيّ، ج1، ص17، ح2؛ بحارالأنوار، ج89، ص110، ح11.

ص: 99

والتمسّك عليه بهذه المرحلة. قال تعالي: أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أم عَلَى قُلُوبٍ أقفالُهَا؛(1)

يَا أيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم وَأنزَلنَا إلَيكُم نُوراً مُبِيناً؛(2)

يَا أيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ.(3)

فالأخبار المصرّحة بتحريم التفسير بالرأي على كثرتها وشيوعها إنّما هي ناظرة إلى تفسير القرآن في مرتبة علومه الخاصّة فقط لا غير. وأنّ إعمال الرأي والاستنباط في هذه المرتبة لا مجوّز له بوجهٍ أصلاً. ولا يجوز الاقتحام في تلك المرتبة والاستقلال في الإفتاء والقضاء والنظر القطعيّ في العلوم الراجعة إلى تلك المرتبة. وإرجاع الآيات بعضها إلى بعض رجم بالغيب وقول بلا علم، فرُبّ عامٍّ في الكتاب خاصٌّ في السنّة أو في آيات أُخرى متأخّرةً. ورُبّ فريضةٍ في الكتاب، مستحبّ في السنّة، والأمر بهذا الشكل في أبواب العلوم والمعارف التي لا تكون من المستقلّات العقليّة وتحتاج إلي تفسير وبيان الرسول والأئمة.

وما ينبغي الالتفات إليه كما ذكرنا سابقاً أنّ انحصارمقام تفسير القرآن في المرتبة الخاصّة بالنبيّ وأهل بيته لا ينافي حجّيّة القرآن الكريم لجميع أهل العالم من الجنّ والإنس، فلا تزاحم بين أدلّة حجّيّة القرآن وبين


1- محمّد (47)، الآية 24.
2- النساء (4)، الآية 174.
3- يونس (10)، الآية 57.

ص: 100

الروايات المانعة عن التفسير بالرأي والتأويل، فكلٌّ حقٌّ في بابه؛ لأنّ الأدلّة المانعة عن تفسير القرآن خاصّة والمثبتة لحجيّة القرآن عامّة، ولا تنافي بين الخاصّ والعامّ، فيجب تحكيم الخاصّ على العامّ.

في الوسائل، عن تفسير الإمام العسكريّ قال:

... أتَدرُونَ مَنِ المُتَمَسِّكُ الَّذِي لَهُ بِتَمَسُّكِهِ هَذَا الشَّرَفُ العَظِيمُ؟ هُوَ الَّذِي أخَذَ القُرآنَ وتَأوِيلَهُ عَنَّا أهلَ البَيتِ، عَن وَسَائِطِنَا السُّفَرَاءِ عَنَّا إلَى شِيعَتِنَا لا عَن آرَاءِ المُجَادِلِينَ وقِيَاسِ الفَاسِقِينَ. فَأمَّا مَن قَالَ فِي القُرآنِ بِرَأيِهِ، فَإنِ اتَّفَقَ لَهُ مُصَادَفَةُ صَوَابٍ، فَقَد جَهِلَ فِي أخذِهِ عَن غَيرِ أهلِهِ وكَانَ كَمَن سَلَكَ مَسبَعاً مِن غَيرِ حُفَّاظٍ يَحفَظُونَهُ؛ فَإنِ اتَّفَقَت لَهُ السَّلَامَةُ، فَهُوَ لا يَعدَمُ مِنَ العُقَلَاءِ الذَّمَّ والتَّوبِيخَ وإنِ اتَّفَقَ لَهُ افتِرَاسُ السَّبُعِ، فَقَد جَمَعَ إلَى هَلَاكِهِ سُقُوطَهُ عِندَ الخَيِّرِينَ الفَاضِلِينَ وعِندَ العَوَامِّ الجَاهِلِينَ؛ وإن أخطَأ القَائِلُ فِي القُرآنِ بِرَأيِهِ فَقَد تَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ وكَانَ مَثَلُهُ مَثَلَ مَن رَكِبَ بَحراً هَائِجاً بِلَا مَلَّاحٍ ولَا سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ لا يَسمَعُ بِهَلَاكِهِ أحَدٌ إلَّا قَالَ: هُوَ أهلٌ لِمَا لَحِقَهُ ومُستَحِقٌّ لِمَا أصَابَه... .(1)

واضح أنّه ليس للقرآن في مرتبة دعوته العامّة ما يحتاج إلى قياس الفاسقين وآراء المجادلين. ولا يوجد في تلك المرتبة استنباط كي يصيب أو يخطئ بل في


1- وسائل الشيعة، ج27، ص201، ح63 [33594]؛ تفسير الإمام الحسن العسكريّ، ص14، ح14 باختلاف يسير.

ص: 101

هذه وأمثاله، قرينةٌ علي أنّ الحرام والممنوع في الأحاديث إعمال الرأي في العلوم التي تحتاج إلى الاستنباط. وضروريّ أنّه لا سبيل إلى ذلك في الأحكام وغيره من العلوم والمعارف إلّا الأخذ عن أهل البيت.

تبعات التفسير بالرأي

مع وجود المنع الشديد من التفسير بالرأي وحرمته، إلّا أنّ البعض، قال بالرأي واستغني عن بيان الرسول الأكرم وفسّر الآيات القرآنيّة بأُمور توافق آرائه وتخرّصاته ولأجل رفع التهافت الموجود في آرائه وأفكاره، قام مجبَراً بتأويلات لا أساس لها. فعلي سبيل المثال لقد فسّروا الوحي باتّصال نفس النبيّ بعالم العقل وأنّ المَلِك من خواصّ نفس الرسول(1) ، وأنّ المعجزات لابدّ من تطبيقها على قانون العلّيّة والمعلوليّة.وحاصل مقالاتهم أنّ القوانين الفلسفيّة والعرفانيّة في كلّ باب من أبواب المعارف الإلهيّة من المبدأ والمعاد، حاكمة على القرآن والسنّة ولابدّ من تنزيل الآيات والروايات من مقامهما الشامخ وتأويلهما إذا كانت مخالفة لتلك القوانين.

في هذه الطريقة التفسيريّة _ الواضح بطلانها ووهنها _ يُفَسّر القرآن في غير الأحكام، بالآراء الشخصيّة، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر أنّ مفسري أهل السّنة تشبّثوا بكلمات القدماء من المتكلّمين في خلق القرآن


1- قال ميرداماد في كتابه القبسات، ص402: وحقيقة الإيحاء والوحي مخاطبة العقل الفعّال للنفس الناطقة بألفاظ منظَّمة مسوّغة مفصّلة.

ص: 102

وقِدَم الكلام(1)، ومخلوقيّة أفعال العباد واستقلال العباد في أعمالهم وأفعالهم،(2) وكلّ واحد منهم يؤيّد مذهبه بآية وينقض ما يخالفه بآية أُخرى. إنّهم يفسّرون آيات الأحكام بما عندهم من المباني ويعرضون القرآن على ما عندهم من العلوم والآراء، فإن طابق مع ما عندهم فبها، وإلّا أوّلوا الآيات الشريفة، لتطابق آرائهم العقائديّة والفكريّة.

فالواجب على أهل الاسلام أن يعرضوا جميع العقائد والآراء والأنظار على القرآن في مرتبة دعوته العامّة من نصوصه ومحكماته وأُصوله المسلّمة الواضحة، وفي مرتبة علومه الخاصّة فإنّه يجب عرضها على القرآن بعد تفسيره وتوضيحه بتعليم الرسول والأئمّة من أهل بيته فإن طابق القرآن اعتقدوا وتمسّكوا به وإن لم يطابقه، فلابدّ من التوقّف والتثبّت وإيكال علمه إلى اللّ_ه وأوليائه. وليعلموا أنّ القرآن لا يكون آيات بيّنات إلّا في صدور الذين أُوتوا العلم وهو ضلال لغيرهم في مرتبة الدعوة الخاصّة.


1- قال الإمام الطحاويّ في شرح العقيدة الطحاويّة، ص169 بعد ما ذكر تسعة أقوال في المسألة يقول في القول التاسع إنّ هذا القول مأثور عن أئمة الحديث والسنّة وهو: إنّه تعالي لم يزل متكلّماً إذا شاء ومتي شاء وكيف شاء، وهو يتكلّم به بصوت يسمع، وأنّ نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب: سدّ المفر علي قائل بالقَدَر، ص23
2- قال إمام الحرمين أبو الحسين البصريّ: إنّ أفعال العباد بقدرة خلقها الله تعالي في العبد. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب: مرآة العقول، ج2، ص195 _ 213؛ الملل والنحل (للشهرستانيّ)، ج1، ص56 (الفصل الأوّل، المعتزلة).

ص: 103

يقول الإمام عليّ ضمن احتجاجه مع زنديق حول آية متشابهة:

وَقَد جَعَلَ اللَّهُ لِلعِلمِ أهلاً، وَفَرَضَ عَلَى العِبَادِ طَاعَتَهُم بِقَولِهِ؟ أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمرِ مِنكُم (1) وَبِقَولِهِ: وَ لَو رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلى أُولِي الأمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم (2) وَبِقَولِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (3) وَبِقَولِهِ: وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ (4) [وَ بِقَولِهِ:] وَأتُوا البُيُوتَ مِن أبوابِها  وَالبُيُوتُ هِيَ بُيُوتُ العِلمِ الَّذِى استُودِعَتهُ الأنبِيَاءُ وَأبوَابُهَا أوصِيَاؤُهُم، فَكُلُّ مَن عَمِلَ مِن أعمَالِ الخَيرِ، فَجَرَى عَلَى غَيرِ أيدِى أهلِ الإصطِفَاءِ وَعُهُودِهِم وَشَرَائِعِهِم وَسُنَنِهِم وَمَعَالِمِ دِينِهِم، مَردُودٌ وَغَيرُ مَقبُولٍ وَأهلُهُ بِمَحَلِّ كُفرٍ وَإن شَمِلَتهُم صِفَةُ الإيمَان... .(5)

وقال الإمام الصادق:

إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً، فَخَتَمَ بِهِ الأنبِيَاءَ فَلَا نَبِيَّ بَعدَهُ وَأنزَلَ عَلَيهِ كِتَاباً، فَخَتَمَ بِهِ الكُتُبَ فَلَا كِتَابَ بَعدَهُ أحَلَّ فِيهِ حَلَالاً


1- النساء (4)، الآية 59.
2- النساء (4)، الآية 83.
3- التوبة (9)، الآية 119.
4- آل عمران (3)، الآية 7.
5- الاحتجاج، ج1، ص248؛ بحارالأنوار، ج65، ص266، ح23 (الباب 24 من أبواب الإيمان والإسلام والتشيّع و... من كتاب الإيمان والكفر).

ص: 104

وَحَرَّمَ حَرَاماً، فَحَلَالُهُ حَلَالٌ إلَى يَومِ القِيَامَةِ وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إلَى يَومِ القِيَامَةِ فِيهِ شَرعُكُم وَخَبَرُ مَن قَبلَكُم وَبَعدَكُم.

وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ عَلَماً بَاقِياً فِي أوصِيَائِهِ فَتَرَكَهُمُ النَّاسُ وهُمُ الشُّهَدَاءُ عَلَى أهلِ كُلِّ زَمَانٍ، وَعَدَلُوا عَنهُم ثُمَّ قَتَلُوهُم وَاتَّبَعُوا غَيرَهُم، ثُمَّ أخلِصوا لَهُم الطَّاعَةَ، حَتَّى عَانَدُوا مَن أظهَرَ وِلَايَةَ وُلَاةِ الأمرِ وطَلَبَ عُلُومَهُم قَالَ اللهُ سُبحَانَهُ: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ولاتَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُم (1) وذَلِكَ أنَّهُم ضَرَبُوا بَعضَ القُرآنِ بِبَعضٍ، واحتَجُّوا بِالمَنسُوخِ، وهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ النَّاسِخُ، واحتَجُّوا بِالمُتِشَابِه، وَهُم يَرَونَ أنَّهُ المُحكَمُ وَاحتَجُّوا بِالخَاصِّ، وهُم يُقَدِّرُونَ أنَّهُ العَامُّ، وَاحتَجُّوا بِأوَّلِ الآيَةِ وَتَرَكُوا السَّبَبَ فِي تَأوِيلِهَا، وَلَم يَنظُرُوا إلَى مَا يَفتَحُ الكَلَامَ، وَإلَى مَا يَختِمُهُ، وَلَم يَعرِفُوا مَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ، إذ لَم يَأخُذُوهُ عَن أهلِهِ فَضَلُّوا وَأضَلُّوا.

وَاعَلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّهُ مَن لَم يَعرِف مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسِخَ مِنَ المَنسُوخِ وَالخَاصَّ مِنَ العَامِّ وَالمُحكَمَ مِنَ المُتَشَابِه وَالرُّخَصَ مِنَ العَزَائِمِ وَالمَكِّيِّ وَالمَدَنِيَّ وَأسبَابَ التَنزِيلِ وَالمُبهَمَ مِنَ القرآنِ فِي ألفَاظِهِ المُنقَطِعَةِ وَالمُؤَلِّفّةِ وَمَا فِيهِ مِن عِلمِ القَضَاءِ وَالقَدرِ وَالتَّقدِيمِ وَالتَّأخِيرِ وَالمُبَيَّنِ وَالعَمِيقِ وَالظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ وَالإبتِدَاءِ وَالإنتِهَاءِ وَالسُّؤَالِ وَالجَوَابِ وَالقَطعِ وَالوَصلِ وَالمُستَثنىٰ مِنهُ وَالجَارِي فِيهِ وَالصِّفَةِ لِمَا قَبلُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا بَعدِ وَالمُؤَكَّدِ


1- المائدة (5)، الآية 13.

ص: 105

مِنهُ وَالمُفَصَّلِ، وَعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ، وَمَواضِعِ فَرَائِضِهِ وَأحكِامِهِ وَمَعنىٰ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ المُلحِدُونَ، والمَوصُولِ مِنَ الألفَاظِ وَالمَحمُولِ عَلىٰ مَا قَبلَهُ وَعَلىٰ مَا بَعدِهُ فَلَيسَ بِعَالَمٍ بِالقُرآنِ وَلَا هُوَ مِن أهلِهِ... .(1)

وقفة مع منهج الصحابة والتابعين في التفسير

إنّ فئةً من بين مسلمي صدر الاسلام أقبلوا إلي القرآن بقلوبهم واغترفوا من زُلال معارفه التي نبعت من تعاليم الرسول وارتووا منه، أُولئك الذين كانوا يرون أنفسهم قريبين من الوحي وتعاليم السماء؛ أمثال سلمان وأبي ذرّ، السابقين إلي ساحات العلم والعمل؛ إلّا أنّ هذا الأمر لم يَدم. فبعد رحلة الرسول ومع المؤامرات الكثيرة التي حيكت من قبل خلفاء الجور، والانحراف في مسألة الإمامة وقيادة الأُمّة الاسلاميّة، فإنّ طرق تعليم القرآن وتفسيره خرجت عن مسارها الصحيح. إنّ هذه الواقعة كانت السبب في خلق آفات وصدمات شتّى علي المجتمع الاسلاميّ الذي لم يمضِ علي تأسيسه إلّا سنوات. والظاهر أنّ أساس الانحرافات التفسيريّة التاليّة يرجع إلي هذا الزمن.

فإن قيل: قد صحّ وثبت عند رجال المسلمين في صدر الاسلام الغور والخوض في علوم القرآن والتماس عجائبه وغرائبه، وإخلاصهم مقبول


1- بحارالأنوار، ج90، ص3 (الباب 128 من أبواب فضائل سور القرآن وآياته من كتاب القرآن) سيأتي شرح الحديث في الدرس السابع.

ص: 106

عند عموم المسلمين. فإنّهم بذلوا غاية مجهودهم في أمر الدين وتشييد مبانيه وتحكيم أُصوله، فكيف يجوز التخطّي والتجاوز عن مشيهم. وهم الوسائط بيننا وبين الرسول في جميع الشؤون الدينيّة فكيف يمكن أن يقال: إنّ مشيّهم في تفسير القرآن واستنباط الأحكام وتحقيق المعارف نابع ومحدَث من عند أنفسهم، غير متلقٍّ عن الرسول ؟

قلت: رجال الاسلام مع ما لهم من الشؤون يحرم علينا تقليدُهم، ولا يجوز تصحيح طريقتهم في دراسة العلوم الدينيّة، فالواجب علينا التحرّي وبذل المساعي في إحقاق الحقّ واستنباط العلوم والأحكام من المجاري الصحيحة. ولا يجوز لأحدٍ توقيف العلوم على أفهامهم وعقولهم. هذا أوّلاً.

ثانياً: إنّ التنويه بأسمائهم وشدّة مساعيهم يكذّبها العيان، فإنّهم لم يحفظوا عن رسول اللّ_ه وضوءه مدّة عمره مع وجوده بين أظهرهم.(1)

ثالثاً: ليس فيهم مقام علميّ يجمع شتاتهم ويقودهم على أمر واحد حتّى أنّ بعضهم قد منع عن كتابة الحديث ونقل السنّة النبويّة.(2)

رابعاً: إنّ المشهود من كلماتهم ومقالاتهم وكتبهم في الفقه والتفسير آراء ساذجة(3) مستندة إلى أُصول ضعيفة وقياسات باطلة؛ فهؤلاء لم يعرفوا


1- راجع: كتاب وضوء النبيّ (للسيّد عليّ الشهرستانيّ).
2- كما ورد عن عائشة أنّها قالت: «جمع أبي الحديث عن رسول وكانت خمسمائة حديث... قال أبي بنيّه هلمّي الأحاديث التي عندك فجئته بها،فدعا بنار فحرقها...». لمزيد الاطّلاع راجع كتاب منع تدوين الحديث(للسيّد عليّ الشهرستانيّ).
3- قال جصاص في كتابه أحكام القرآن، ج2، ص113: «... روي عن عائشة أنّها كانت تري رضاع الكبير موجباً للتحريم كرضاع الصغير». لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب سنن النسائيّ، ج6، ص104.

ص: 107

الناسخ من المنسوخ في الكتاب والسنّة، والخاصّ من العامّ والمحكم من المتشابه، ولم يُتقِن أحدٌ من الصحابة والتابعين أُصول التفسير والاستنباط، ولم يحفظوا عن الرسول في جميع ما يحتاجون إليه في فهم مسألة واحدة.

ورد في الكافي، عن عليّ بن إبراهيم مسنداً عن سليم بن قيس الهلاليّ قال:

قُلتُ لِأمِيرِالمُؤمِنِينَ: إنِّى سَمِعتُ مِن سَلمَانَ والمِقدَادِ وأبِي ذَرٍّ شَيئاً مِن تَفسِيرِ القُرآنِ وأحَادِيثَ عَن نَبِىِ اللَّهِ غَيرَ مَا فِى أيدِي النَّاسِ، ثُمَّ سَمِعتُ مِنكَ تَصدِيقَ مَا سَمِعتُ مِنهُم وَرَأيتُ فِي أيدِي النَّاسِ أشيَاءَ كَثِيرَةً مِن تَفسِيرِ القُرآنِ وَمِنَ الأحَادِيثِ عَن نَبِىِّ اللَّهِ أنتُم تُخَالِفُونَهُم فِيهَا، وَتَزعُمُونَ أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ؛ أفَتَرَى النَّاسَ يَكذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُتَعَمِّدِينَ ويُفَسِّرُونَ القُرآنَ بِآرَائِهِم؟

قَالَ: فَأقبَلَ عَلَيَّ. فَقَالَ: قَد سَألتَ فَافهَمِ الجَوَابَ:

إنَّ فِي أيدِي النَّاسِ حَقّاً وبَاطِلاً، وَصِدقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفظاً وَوَهَماً. وَقَد كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَى عَهدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً. فَقَالَ: أيُّهَا النَّاسُ قَد كَثُرَت عَلَيَّ الكَذَّابَةُ، فَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ ثُمَّ كُذِبَ عَلَيهِ مِن بَعدِهِ.

وَإنَّمَا أتَاكُمُ الحَدِيثُ مِن أربَعَةٍ لَيسَ لَهُم خَامِسٌ: رَجُلٍ مُنَافِقٍ يُظهِرُ الإيمَانَ، مُتَصَنِّعٍ بِالإسلَامِ، لا يَتَأثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ أن يَكذِبَ

ص: 108

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُتَعَمِّداً. فَلَو عَلِمَ النَّاسُ أنَّهُ مُنَافِقٌ كَذَّابٌ، لم يَقبَلُوا مِنهُ وَلَم يُصَدِّقُوهُ ولَكِنَّهُم قَالُوا: هَذَا قَد صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ وَرَآهُ وسَمِعَ مِنهُ؛ وأخَذُوا عَنهُ، وَهُم لا يَعرِفُونَ حَالَهُ. وَقَد أخبَرَهُ اللَّهُ عَنِ المُنَافِقِينَ بِمَا أخبَرَهُ ووَصَفَهُم بِمَا وَصَفَهُم فَقَالَ عَزَّ وجَلَ: وَإذا رَأيتَهُم تُعجِبُكَ أجسامُهُم وَإن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم  ثُمَّ بَقُوا بَعدَهُ فَتَقَرَّبُوا إلَى أئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالكَذِبِ وَالبُهتَانِ فَوَلَّوهُمُ الأعمَالَ وَحَمَلُوهُم عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَأكَلُوا بِهِمُ الدُّنيَا، وَإنَّمَا النَّاسُ مَعَ المُلُوكِ وَالدُّنيَا إلَّا مَن عَصَمَ اللَّهُ؛ فَهَذَا أحَدُ الأربَعَةِ.

وَرَجُلٍ سَمِعَ مِن رَسُولِ اللَّهِ شَيئاً لَم يَحمِلهُ عَلَى وَجهِهِ وَوَهِمَ فِيهِ وَلَم يَتَعَمَّد كَذِباً فَهُوَ فِى يَدِهِ، يَقُولُ بِهِ وَيَعمَلُ بِهِ وَيَروِيهِ، فَيَقُولُ: أنَا سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ فَلَو عَلِمَ المُسلِمُونَ أنَّهُ وَهَمٌ لَم يَقبَلُوهُ، وَلَو عَلِمَ هُوَ أنَّهُ وَهَمٌ لَرَفَضَهُ.

وَرَجُلٍ ثَالِثٍ سَمِعَ مِن رَسُولِ اللَّهِ شَيئاً أمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهَى عَنهُ وَهُوَ لا يَعلَمُ، أو سَمِعَهُ يَنهَى عَن شَي ءٍ ثُمَّ أمَرَ بِهِ وَهُوَ لا يَعلَمُ، فَحَفِظَ مَنسُوخَهُ وَلَم يَحفَظِ النَّاسِخَ. وَلَو عَلِمَ أنَّهُ مَنسُوخٌ لَرَفَضَهُ. وَلَو عَلِمَ المُسلِمُونَ إذ سَمِعُوهُ مِنهُ أنَّهُ مَنسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

وَآخَرَ رَابِعٍ لَم يَكذِب عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُبغِضٍ لِلكَذِبِ خَوفاً مِنَ اللَّهِ وَتَعظِيماً لِرَسُولِ اللَّهِ لَم يَنسَهُ، بَل حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى

ص: 109

وَجهِهِ فَجَاءَ بِهِ كَمَا سَمِعَ لَم يَزِد فِيهِ وَلَم يَنقُص مِنهُ، وَعَلِمَ النَّاسِخَ مِنَ المَنسُوخِ، فَعَمِلَ بِالنَّاسِخِ وَرَفَضَ المَنسُوخَ؛ فَإنَّ أمرَ النَّبِيِّ مِثلُ القُرآنِ نَاسِخٌ وَمَنسُوخٌ [وَخَاصٌّ وَعَامٌّ] وَمُحكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ قَد كَانَ يَكُونُ مِن رَسُولِ اللَّهِ الكَلَامُ لَهُ وَجهَانِ: كَلَامٌ عَامٌّ وكَلَامٌ خَاصٌّ مِثلُ القُرآنِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: مَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا  فَيَشتَبِهُ عَلَى مَن لَم يَعرِف وَلَم يَدرِ مَا عَنَى اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَلَيسَ كُلُّ أصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ يَسألُهُ عَنِ الشَّي ءِ فَيَفهَمُ وَكَانَ مِنهُم مَن يَسألُهُ وَلَا يَستَفهِمُهُ حَتَّى إن كَانُوا لَيُحِبُّونَ أن يَجِي ءَ الأعرَابِيُّ وَالطَّارِئُ فَيَسألَ رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى يَسمَعُوا.

وَقَد كُنتُ أدخُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ كُلَّ يَومٍ دَخلَةً وَكُلَّ لَيلَةٍ دَخلَةً فَيُخلِينِي فِيهَا أدُورُ مَعَهُ حَيثُ دَارَ. وَقَد عَلِمَ أصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ أنَّهُ لَم يَصنَع ذَلِكَ بِأحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيرِي، فَرُبَّمَا كَانَ فِي بَيتِي يَأتِينِي رَسُولُ اللَّهِ أكثَرُ ذَلِكَ فِي بَيتِي، وَكُنتُ إذَا دَخَلتُ عَلَيهِ بَعضَ مَنَازِلِهِ أخلَانِي وَأقَامَ عَنِّي نِسَاءَهُ، فَلَا يَبقَى عِندَهُ غَيرِي، وَإذَا أتَانِي لِلخَلوَةِ مَعِي فِى مَنزِلِي لم تَقُم عَنِّي فَاطِمَةُ وَلَا أحَدٌ مِن بَنِيَّ؛ وَكَُنتُ إذَا سَألتُهُ أجَابَنِى وَإذَا سَكَتُّ عَنهُ وَفَنِيَت مَسَائِلِى ابتَدَأنِي، فَمَا نَزَلَت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ آيَةٌ مِنَ القُرآنِ إلَّا أقرَأنِيهَا وَأملَاهَا عَلَيَّ فَكَتَبتُهَا بِخَطِّي وعَلَّمَنِي تَأوِيلَهَا

ص: 110

وَتَفسِيرَهَا، وَنَاسِخَهَا وَمَنسُوخَهَا، وَمُحكَمَهَا وَمُتَشَابِهَهَا، وَخَاصَّهَا وَعَامَّهَا، وَدَعَا اللَّهَ أن يُعطِيَنِي فَهمَهَا وَحِفظَهَا فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِن كِتَابِ اللَّهِ وَلَا عِلماً أملَاهُ عَلَيَّ وَكَتَبتُهُ مُنذُ دَعَا اللَّهَ لِي بِمَا دَعَا، وَمَا تَرَكَ شَيئاً عَلَّمَهُ اللَّهُ مِن حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ، وَلَا أمرٍ وَلَا نَهيٍ، كَانَ أو يَكُونُ، وَلَا كِتَابٍ مُنزَلٍ عَلَى أحَدٍ قَبلَهُ مِن طَاعَةٍ أو مَعصِيَةٍ إلَّا عَلَّمَنِيهِ وَحَفِظتُهُ، فَلَم أنسَ حَرفاً وَاحِداً.

ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدرِي وَدَعَا اللَّهَ لِي أن يَملَأ قَلبِي عِلماً وَفَهماً، وَحُكماً وَنُوراً. فَقُلتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأبِي أنتَ وَأُمِّي مُنذُ دَعَوتَ اللَّهَ لِي بِمَا دَعَوتَ لَم أنسَ شَيئاً وَلَم يَفُتنِى شَي ءٌ لَم أكتُبهُ أفَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسيَانَ فِيمَا بَعدُ؟ فَقَالَ: لَا، لَستُ أتَخَوَّفُ عَلَيكَ النِّسيَانَ وَالجَهلَ.(1)

فتلخّص ممّا ذكرنا؛ أنّ مورد التفسير بالرأي المحرّم هو الاستقلال في تفسيرالقرآن في مرتبة علومه الخاصّة لا سيّما في المقيِّدات والمخصِّصات المودعة عند النبيّ. ولا يكفي في المقام تفسير القرآن بالقرآن.

7التأويل

التأويل في القرآن


1- الكافي، ج1، ص62، ح1؛ بحارالأنوار، ج2، ص228، ح13 (الباب 29 من أبواب العلم من كتاب العقل والعلم والجهل).

ص: 111

ص: 112

ص: 113

قال الله تعالي:

هُوَ الَّذِي أنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأمَّا الَّذينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأويلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأويلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلّا اُولُوالبَاب.(1)

لقد صرّح الله تعالى في هذه الآية بانقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه وصرّح أيضاً بأنّ الآخذين بالكتاب والمتمسّكين به بلحاظ الاعتقاد والعمل به ينقسمون علي قسمين:

القسم الأوّل: أهل الزيغ والأهواء والانحراف يبغون علي سبيل الحقّ، إنّهم وبتصريح القرآن يتّبعون المتشابهات. فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ؛ أي: من الكتاب. ابتِغاءَ الفِتنَةِ؛ أي: طلباً للفتنة. والفتنة، الكفر وما دونه من البِدَع


1- آل عمران (3)، الآية7.

ص: 114

والضلالات، فطريقة هذه الفرقة الضالّة اتّباع المتشابهات وترك المحكمات لأجل ابتغاء الفتنة وتأسيسها وإقامتها. وَابتِغاءَ تَأويلِهِ؛ هذه بغية أُخرى لهم أسوأ عاقبة وأشدّ ضرراً على الدين وأهله؛ وهي التعرّض لتأويل الكتاب محكمه وظاهره ومتشابهه، يؤوّلونه حسب ميولهم وطبقاً لآرائهم ويحرّفون الكَلِم عن مواضع الإفادة والاستفادة، ويغيّرون مناهج الإفهام والتفهيم بالمغالطات، كي تنطبق على ما يأخذونه من المتشابهات؛ فيقيمون بذلك عماد ضلالهم وزلّتهم. ولو أنّهم بعد أخذ المتشابهات لم يؤوّلوا الكتاب وتمسّكوا بمحكماته ونصوصه وظواهر الدين، لمّا كان ضررهم على الاسلام بهذا المقدار، ولم يتمكّنوا من إغواء الضعفاء وإضلال العوامّ؛ فهذه المصيبة هي أعظم مصيبة في الدين وباب الضلالات التي ينفتح منها ألف باب من الضلال.

وقد بُلي القرآن الكريم بهذه البليّة العظمى، وباشتدادها صار أمر التأويل شائعاً رائجاً، جائزاً عاديّاً، فما بقي في القرآن أصل محكم إلّا أصابته بليّة التأويل. منها تأويل المعاد والجنّة والنّار بال_مُثُل الخياليّة المُنشَأةِ بإنشاء النفس.(1) ومنها ة الفجور والفسوق والكفر والضلال إلى اللّ_ه سبحانه


1- قال الحكيم اللاهوتيّ في بدايع الأسرار، ص129: إنّ أصحاب السعداء وأصحاب اليمين لصفاء قلوبهم وحسن أخلاقهم، يكون قرينهم في الآخرة الصور الخياليّة، من الحور والقصور والحوض والش_راب الطهور وفاكهة كثيرة ولا ممنوعة. وأمّا الأشقياء فلخبث بواطنهم وكدورة ذواتهم ممّا حضرهم في القيامة، النار والسموم والعقارب والحيّات التي تحصل في دار المعاد أشدّ تأثيراً وإيلاماً والتذاذاً من هذه المحسوسات. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب معاد از ديدگاه قرآن، حديث وعقل (للشيخ حسين الربانيّ الميانجيّ).

ص: 115

وأنّ نسبة فعل المجعول والمعلول إلى الجاعل أوّلاً وبالذات، وإلى المجعول ثانياً وبالعرض(1). ومنها تأويل الخلود(2). ومنها تأويل حدوث العالَم وإثبات قِدَمه(3). ومنها تأويل معجزات الأنبياء وغير ذلك من الأُمور.

والعجب أنّهم رموا من كان معتقداً بهذه النصوص والمحكمات من الفقهاء والمتكلّمين والمحدّثين وحَمَلة الدِّين بالقشريّة ونسبوهم إلى الجهالة والسذاجة. وهذه النسبة خلاف الانصاف والحقّ.

مع أنّ القرآن الكريم له تأويل واحد واقعيّ مقصود لله تعالي، ولا يمكن فهمه إلّا بالرجوع إلي مجراه الصحيح. إنّ المنحرفين لم يتركوا طلب التأويل


1- كما قال ابن عربيّ في الفتوحات، ج2، ص140: ... وفي نفس الأمر، الفعل فِعل الله والقَدَر من الله والحكم بكونها معصية وزلّة ومع هذا، فالأدب يقول له انسبها إلي نفسك. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب سدّ المفر علي القائل بالقَدَر (للشيخ محمّد باقر علم الهدى).
2- . كما قال ابن عربيّ في فصوص الحكم، ص169 في فصّ 18 يونسيّه: ... وأمّا أهل النار فمآلهم إلي النعيم، ولكن في النار، إذ لابدّ لصورة النار بعد انتهاء مدّة العقاب، أن تكون برداً وسلاماً علي من فيها وهذا نعيمهم. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب معاد از ديدگاه قرآن، حديث و عقل.
3- يقول الشيخ محمّد تقيّ الآمليّ في درر الفوائد، ج1، ص263: وأمّا علي طريقة صدر المتألّهين، فالعقول المفارقة خارجة عن الحكم بالحدوث، لكونها ملحقة بالصنع الربوبيّ لغلبة أحكام الوجود عليها؛ فكأنّها موجودة بوجوده تعالي لابإيجاده. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب السنخيّة أم الاتحاد والعينيّة أم التباين، (للسيّد جعفر السيّدان).

ص: 116

الواقعيّ فحسب، بل بذلوا قصاريٰ جهدم في التَلاعُب بكتاب الله وأحكامه ومعارفه ولذلك أوّلوا ظواهر الآيات القرّآنيّة بأنواع الشيطنة والمغالطات.

وقد وقع الاختلاف بين المفسّرين في مرجع الضمير في قوله تعالى: ابتِغاءَ تَأويلِهِ. والظاهر من سياق الآية صدراً وذيلاً أنّ الضمير راجع إلى الكتاب لا المتشابه فقط. والشاهد على ذلك قوله تعالى: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا(1).

ولايخفى أنّ المراد من لفظ التأويل والظاهر منه هو المعنى المصدريّ وهذا لا ينافي ما سيأتي من أنّ جميع الكتاب _ ظاهره ومتشابهه _ له تأويل واقعيّ مراد للّ_ه سبحانه وله بطون وتخوم إلى سبعة أبطن. فإنّ ما يناسب عمل الزائغين من التأويل هو السّعي لصرف الآيات عن ظواهرها بالمغالطة والشيطنة لا ابتغاء التأويل الواقعيّ المراد عند اللّ_ه سبحانه. وما لهم والتأويل الواقعيّ؟! فإنّهم ما قصدوه وما طلبوه. كيف؛ وبغيتهم وغاية آمالهم التلاعب بالكتاب وبما يتضمّن من المعارف والأحكام !؟

القسم الثاني: الراسخون المستضيئون بنور العقل، وهم العارفون، بأنّ القول بغير العلم جناية بالضّرورة وأنّ تحريف الكَلِم عن مواضعه، كفر بآيات اللّ_ه بالبداهة؛ فسبيلهم السكوت عن ما لا يعلمون من المتشابه والقيام بما يعرفون من الدّين، احتراماً للحقّ وتشريفاً للعلم وامتثالاً للّ_ه جلّ شأنه، والإيمان بما يعلمون وما لا يعلمون من آيات اللّ_ه وسنّة نبيّه والاعتقاد بأنّ طلب العلم فريضة، يدعو إليه العقل ويهدي إليه الشرع.

معنى التأويل


1- آل عمران (3)، الآية7.

ص: 117

1_ ما المراد من التأويل الذي استأثره اللّ_ه تعالى لنفسه وللراسخين من أوليائه؟ وهل للقرآن بعد مفاد المحكمات والنصوص والظواهر وجوامع الكَلِم التي كلّم اللّ_ه به خلقه وتجلّى لهم في كلامه ولكنّهم لا يبصرون، معانٍ ومداليلُ تسمّى بالتأويل؟

لقد صرّحت محكمات الكتاب بوجود التأويل وتواترت السنّة من الرسول والأئمّة من أهل البيت الطاهرين على ذلك. وقد صرّحت تلك النصوص بوجوب الإيمان بظاهر القرآن وباطنه وتنزيله وتأويله فلا يُقبل إيمان الباطنيّة بعد ما انكروا الظّاهر وكفروا به، ولا إيمان الظاهريّة بعد ما ردّوا التأويل الذي بيّن لهم الرسول وخلفاؤه، بل الواجب أن يقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا. ولا فرق في التأويل بين تأويل الكتاب وتأويل المتشابه من الكتاب، من حيث الأحكام والآثار المترتّبة على حقيقته. نعم بينهما فرق من حيث التحقّق، فتأويل المحكمات والنصوص والظواهر بعد الفراغ عن كاشفيّتها وسنديّتها للمعاني المرادة منها؛ ثمّ تصل النوبة إلى المرادات التأويليّة بخلاف المتشابه فظواهره ليست مرادة منه ولا يكون اللفظ ظاهراً في معناه التأويليّ إلّا بعد البيان. وستعرف أنّه لم يقصد من هذه المعاني التأويليّة، إفهام عامّة الخلق في عرف التخاطب وإنّهم لا يفهمون منها هذه المعاني وإنّما أفاض اللّ_ه تعالى علمها على خاصّة أوليائه.

والحقّ أنّ التأويل مدلول كلامي ومفهوم من الألفاظ، عنى به المتكلّم

ص: 118

إفهاماً لمن خاطبه.

والفرق بينه وبين التفسير، إنّما هو في أنّ التفسير أقرب من مقاصد المتكلّم من حيث الإفهام والتفهيم. والتأويل في مرتبة متأخّرة عن التفسير وهو مآل الكلام ومرجعه النهائيّ. وقد صرّح أهل اللّغة أنّ «الأوْل» هو الرجوع، ومن هذا الباب ما يقال: «آل» الأمر إلى كذا.(1) فتأويل الكلام من أفراد التأويل العامّ اللغويّ، غاية الأمر أنّ مآل كلّ شيء بحسبه وبما يناسبه ويلائمه، بخلاف التفسير فإنّه في اللّغة بمعنى كشف القناع، وينطبق على الكلام الذي يوضّح ويبيّن المراد من كلام آخر، فتقييد المطلق بدليل آخر وتخصيص العامّ بالقرينة المنفصلة داخلان في باب التفسير لا التأويل.

وينبغي الالتفات إلى أنّه قد يطلق أحدهما علي الآخر في بعض الموارد، لوجود مناسبة أو بعناية خاصة.

فلا يجوز الأخذ بالمطلق والعامّ، إذا كان دأب المتكلّم وسنّته الاعتماد على القيود والقرائن الخارجيّة المنفصلة عن الكلام، بل الواجب الفحص والبحث عن مواضعها ومظانّها؛ فظهور الكلام قبل الفحص عن القرائن، ظهور بدويّ لا يجوز الأخذ والتمسّك به.

حقل التأويل

اشاره

هل التأويل مختصّ بالمتشابه أو أنّه ثابت لجميع القرآن؟

الظاهر من الآية المتقدّمة أنّ التأويل ثابت لجميع القرآن، لما عرفت من


1- راجع: لسان العرب، ج11، ص32؛ المصباح المنير، ج2، ص29.

ص: 119

أنّ السياق يقتضي رجوع الضمير في تَأوِيلِهِ إلى الكتاب لا المتشابه؛ والشاهد عليه رجوع الضمير فيما بعد أي قوله تعالي: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا(1) إلي الكتاب، هذا أوّلاً.

وثانياً: يدلّ علي ذلك آيات أُخري وروايات كثيرة نشير إليها باختصار:

الف) الآيات

قوله تعالى:

وَلَقَد جِئنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلنَاهُ عَلَى عِلمٍ هُدىً وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنُونَ * هَل يَنظُرُونَ إلَّا تَأويلَهُ يَومَ يَأتي تَأوِيلُهُ...؛(2)

وَمَا كَانَ هَذَا القُرآنُ أن يُفتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ... بَل كَذَّبُوا بِمَا لم يُحِيطُوا بِعِلمِهِ ولَمَّا يَأتِهِم تَأويلُهُ.(3)

إنّ ضمير تَأويلُهُ في الآية الأولى راجع إلى قوله: بِكِتَابٍ فَصَّلنَاهُ وفي الثانية راجع إلىمَا في قوله: بِمَا لَم يُحِيطُوا بِعِلمِهِ.

ب) الروايات

ورد في بحارالأنوار، عن البصائر، عن أحمد بن محمّد مسنداً عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّ_ه يقول:


1- آل عمران (3)، الآية7.
2- الأعراف (7)، الآية 52 _ 53.
3- يونس (10)، الآية 37 _ 39.

ص: 120

إنَّ لِلقُرآنِ تَأوِيلًا فَمِنهُ مَا قَد جَاءَ ومِنهُ مَا لَم يَجِئ فَإذَا وَقَعَ التَّأوِيلُ فِي زَمَانِ إمَامٍ مِنَ الأئِمَّةِ عَرَفَهُ إمَامُ ذَلِكَ الزَّمَانِ.(1)

وفيه أيضاً، عنه، عن محمّد بن الحسين مسنداً عن فُضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عن هذه الرواية >مَا مِنَ القُرآنِ آيَةٌ إلَّا ولَهَا ظَهرٌ وبَطنٌ< فَقَالَ:

ظَهرُهُ تَنزِيلُهُ وبَطنُهُ تَأوِيلُهُ، مِنهُ مَا قَد مَضَى وَمِنهُ مَا لَم يَكُن يَجرِي كَمَا يَجرِي الشَّمسُ وَالقَمَرُ؛ كُلَّمَا جَاءَ تَأوِيلُ شَي ءٍ مِنهُ يَكُونُ عَلَى الأموَاتِ، كَمَا يَكُونُ عَلَى الأحيَاءِ قَالَ اللَّهُ: وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ نَحنُ نَعلَمُه.(2)

وفي كمال الدين، عن المظفّر بن جعفر مسنداً عن سليم بن قيس الهلاليّ قال: سمعت علياً يقول:

مَا نَزَلَت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ آيَةٌ مِنَ القُرآنِ إلَّا أقرَأنِيهَا وأملَاهَا عَلَىّ، وَكَتَبتُهَا بِخَطِّي، وَعَلَّمَنِي تَأوِيلَهَا، وَتَفسِيرَهَا وَنَاسِخَهَا وَمَنسُوخَهَا وَمُحكَمَهَا وَمُتَشَابِهَهَا... (3).


1- بصائر الدرجات، ص195، ح5؛ بحارالأنوار، ج89، ص97، ح62 (الباب الثامن من أبواب فضله واحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).
2- بصائرالدرجات، ص196، ح7؛ بحارالأنوار، ج89، ص97، ح64.
3- . كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص284، ح37؛ بحارالأنوار، ج36، ص257، ح75 (الباب 41 من أبواب نصوص على أميرالمؤمنين... من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين).

ص: 121

وفي الإحتجاج، عن عليّ قال:

سَلُونِى عَن كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَوَ اللَّهِ مَا نَزَلَت آيَةٌ مِن كِتَابِ اللَّهِ فِي لَيلٍ وَلَا نَهَارٍ، وَلَا مَسِيرٍ وَلَا مَقَامٍ إلَّا وَقَد أقرَأنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ وَعَلَّمَنِي تَأوِيلَهَا؛ فَقَامَ إلَيهِ ابنُ الكَوَّاءِ فَقَالَ: يَا أمِيرَالمُؤمِنِينَ فَمَا كَانَ يَنزِلُ عَلَيهِ وَأنتَ غَائِبٌ عَنهُ؟ قَالَ: كَانَ [يحفظ عَلَىّ] رَسُولُ اللَّهِ مَا كَانَ يُنزَلُ عَلَيهِ مِنَ القُرآنِ وَأنَا غَائِبٌ عَنهُ، حَتَّى أقدَمَ عَلَيهِ فَيُقرِئُنِيهِ وَيَقُولُ لِى يَا عَلِىُّ، أنزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ بَعدَكَ كَذَا وَكَذَا وَتَأوِيلُهُ كَذَا وَكَذَا فَيُعَلِّمُنِى تَنزِيلَهُ وَتَأوِيلَهُ.(1)

وفي تفسير القمّيّ، عن أبيه مسنداً عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر قال:

إنَّ رَسُولَ اللَّهِ أفضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي العِلمِ _ قَد عَلِمَ جَمِيعَ مَا أنزَلَ اللَّهُ عَلَيهِ مِنَ التَّنزِيلِ والتَّأوِيل _ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُنزِلَ عَلَيهِ شَيئاً، لَم يُعَلِّمهُ تَأوِيلَهُ وَأوصِيَاؤُهُ مِن بَعدِهِ يَعلَمُونَهُ كُلَّه... .(2)

وفي تفسير العيّاشيّ، عن أبي عبدالرحمن السلميّ:

إنَّ عَلِيّاً مَرَّ عَلَى قَاضٍ، فَقَالَ: هَل تَعرِفُ النَّاسِخَ مِنَ المَنسُوخِ؟ فَقَالَ: لا. فَقَالَ: هَلَكتَ وَأهلَكتَ، تَأوِيلُ كُلِّ حَرفٍ مِنَ


1- الاحتجاج، ج1، ص261؛ بحارالأنوار، ج10، ص125، ح4 (الباب الثامن من أبواب احتجاجات اميرالمؤمنين من كتاب الاحتجاج).
2- تفسير القمّيّ، ج1، ص96؛ بحارالأنوار، ج23، ص192، ح15 (الباب العاشر من أبواب الآيات النازلة فيهم... من كتاب الإمامة).

ص: 122

القُرآنِ عَلَى وُجُوه.(1)

وفيه، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه قال: قال رسول اللّ_ه:

إنَّ فِيكُم مَن يُقَاتِلُ عَلَى تَأوِيلِ القُرآنِ، كَمَا قَاتَلتُ عَلَى تَنزِيلِهِ وَهُوَ عَلِيُّ بنِ أبِي طَالِب.(2)

وفيه، عن يوسف بن السخت البصريّ قال: رأيت التوقيع بخط محمّد بن محمّد بن عليّ فكان فيه:

الَّذِي يَجِبُ عَلَيكُم ولَكُم أن تَقُولُوا: إنَّا قُدوَةُ اللهِ وأئِمَّةٌ وخُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أرضِهِ، وأُمَنَاؤُهُ عُلَى خَلقِهِ، وَحُجَجُهُ فِي بِلَادِهِ؛ نَعرِفُ الحَلَالَ وَالحَرَامَ وَنَعرِفُ تَأوِيلَ الكِتَابِ وفَصلَ الخِطَابِ.(3)

وفيه، عن أبي الصباح قال: قال أبوعبد اللّ_ه:

إنَّ اللَّهَ عَلَّمَ نَبِيَّهُ التَّنزِيلَ وَالتَّأوِيلَ، فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ  عَلِيّاً.(4)


1- تفسير العياشيّ، ج1، ص12، ح9؛ بحارالأنوار، ج89، ص95، ح49 (الباب الثامن من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).
2- تفسير العياشيّ، ج1، ص12، ح6 ؛ وسائل الشيعة، ج27، ص204، ح75 [33606] (الباب 13 من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء).
3- تفسير العياشيّ، ج1، ص16، ح10؛ بحارالأنوار، ج89، ص96، ح58 (الباب الثامن من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن) و فيه: «إنّا قدوة و الإئمّة».
4- تفسير العياشيّ، ج1، ص17، ح13؛ بحارالأنوار، ج89، ص97، ح61 .

ص: 123

فالمتحصّل من جميع هذه الروايات الشريفة وغيرها من الروايات أنّ القرآن كلّه؛ محكمه ومتشابهه له تأويل. ولا مانع من إرجاع الضمير في قوله تعالى: ابتِغاءَ تَأويلِهِ ووَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ(1) إلى الكتاب كلّه لا المتشابه فقط.

العالمون بالتأويل

إنّ القرآن الكريم يذكرالمؤمنين والمنحرفين وكيفيّة تعاملهم مع الآيات المحكمة والمتشابهة ويوبّخ المنحرفين لاتّباعهم الآيات المتشابهة ويؤكّد على أنّ علم التأويل مختصّ بالله والراسخين في العلم.

يقول الله تبارك تعالى: وَمَايَعلَمُ تَأويلَهُ إلَّا اللَّ_هُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُوا الألبابِ.(2)

ويظهر بعد التأمّل أنّ الآية الكريمة، ليست في مقام إثبات علم التأويل للّ_ه تعالى فقط، بل إنّها في مقام بيان نفي الاستقلال والتفويض عن العالمين بالتأويل؛ أي كما أنّ الله سبحانه وتعالي هو السبب الأصليّ في الأفعال الواقعة منه في نظام الأسباب والمسبّبات؛ ولم يفوّض الأُمور إلي الأسباب كذلك، يجب أن يكون العالِم بالتأويل مأذوناً من الله سبحانه؛ وعليه لا فرق في كون >الواو< في قوله تعالي: وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ للعطف أو الاستئناف. فالعلم بالتأويل من خصائص الرسول وأهل بيته وغيرهم وإن كان عالماً وراسخاً في القرآن، لا يكون عالماً وراسخاً في علم التأويل،


1- آل عمران (3)، الآية 7.
2- آل عمران (3)، الآية 7.

ص: 124

ولذلك لا يمكن أن يعرف العلماء التأويل إلَّا بالرجوع إليهم.

وقد فُسّر وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ في كثير من الروايات بالنبيّ وأهل بيته وفيها التحذير من المنع من تأويل القرآن بالرأي.

بيان ذلك: إنّه لابدّ من نفي الاستقلاليّه عن الأسباب في الأفعال التي تصدر عن الله _ ما عدا أفعال العباد الاختياريّة _ في نظام الأسباب والمسببّات. فمدبّرات الأُمور الموكّلة لإجراء أمره تعالى وإنفاذ حكمه، أسباب لابدّ من تأثيرها في المسببَّات بإذنه. فعلي سبيل المثال إنّ الموكَّلين لقبض الأرواح وتوفّي النفوس، مأمورون بإنفاذ أمره تعالى ولا استقلال لهم في ذلك ولا تفويض فيصحّ أن يقال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوتِها(1) وكذا يصحّ أن يقال: قُل يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ المَوتِ الَّذى وُكِّلَ بِكُم(2) ، ويصحّ أن يقال: لا قابض إلّا اللّ_ه. ويصحّ أيضاً أن يقال: إنّ قابض الأرواح هو عزرائيل؛ وهكذا في غيره من أفعاله سبحانه الواقعة في نظام الأسباب. فمعنى الحصر في هذه الموارد ليس إلّا إثبات التوحيد وإبطال توهّم الاستقلال والتفويض لا نفي الأسباب بالكليّة. ومن هذا الباب، باب الرزق والشفاء والعافية. فلو كان أحد هذه الأسباب أو شرائطها تحت الاختيار فلا محالة يكون متعلّقاً للتكليف، فيجب أو يستحبّ على المكلّف تنظيم الأسباب المقدورة لكسب الرزق مثلاً.


1- الزمر (39)، الآية 42.
2- السجدة (32)، الآية 11.

ص: 125

إذا تقرّر ذلك فنقول: لا فرق في المقام بين كون «الواو» للعطف أو للاستئناف، فإن كان للعطف يكون المعنى: إنّ اللّ_ه تعالى والراسخين في العلم يعلمون تأويل الكتاب، لا عامّة المخاطبين. وإن كان للاستئناف يكون المعنى: إنّ اللّ_ه تعالى يعلم تأويل الكتاب؛ وأمّا غيره تعالى فلابدّ في إثبات علم التأويل لهم من دليل منفصل ولا يكون إلّا في الراسخين في العلم.

وبما أنّ العلم بتأويل الكتاب، خارج عن حدود التعاليم العاديّة الأوّليّة لكلّ أحد ولا يعلمه إلّا الراسخون في العلم، فإنّ الناس غير مسؤولين عن تعلّم التأويل، إلّا أنّ عامّة الناس وعامّة الجنّ مسؤولون عن القرآن من حيث الإيمان به والاتّقاء من الله وبما عرفوا وعلموا من دعوته وندائه العام إلى شرق العالَم وغربه.

فهذه الآية الكريمة نصّ في أنّ التأويل لم يكلّف به كلّ واحد مباشرة. وهي صريحة في أنّ التأويل لا يطلق على مداليل المحكمات والظواهر والنصوص إلّا بضرب من العناية والتجوّز.

ولايهمّنا البحث في أنّ علم الرسول الذي هو أفضل الراسخين في العلم بالتأويل، يكون من مجرى هذه الكلمات والحروف أو أنّ له طريق آخر غير الألفاظ والحروف؟

لأنّه بديهيّ أنّ الكلمات والألفاظ ليست طريقاً متعارفاً للتأويل، إذ لو كان كذلك لكان يناله الكلّ ولما كان للاستثناء وجه، فتعيّن أنّ الراسخين من أهل بيته أخذوا علم التأويل عنه ولا يمكن هذا الرسوخ لهم من عند أنفسهم.

ص: 126

إن قيل: ما المانع من القول بأنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويل القرآن أو آياته المتشابهة بالتدبّر والتفكّر، كما أنّهم يعلمون تنزيل الكتاب كذلك؟

قلت: قام الدليل على حجّيّة كلام الله لمدلوله، سواء كان نصّاً أو ظاهراً، أفاد اليقين أو الاطمئنان؛ فصار حجّة وسنداً بين اللّ_ه وبين عباده في العمل بالكتاب، وأمّا الوصول إلى تأويل الكتاب، فلا دليل علي التديّن به بالحجج العقلائيّة من ظواهر الألفاظ وأمثالها؛ فتبيّن أنّ من ادّعى الرسوخ في العلم وادّعى العلم بتأويل القرآن لا يُصغىٰ إليه أصلاً إلّا إذا تعلّمه من الرسول، وهذا قطعيّ في باب الأحكام وأمّا في غير باب الأحكام فكذلك أيضاً.

وكيف كان فطريق العلم بتأويل الكتاب لا يكون إلّا بالتعلّم من رسول اللّ_ه وأهل بيته المعصومين الراسخين في العلم. فعِلمُ التأويل مختصّ باللّ_ه تعالى وبرسوله ومن تعلّم منه تعليماً وافياً جامعاً ،لجميع جوانب علوم القرآن وشُعَبه ومراميه لا من سمع منه شيئاً وغابت عنه أشياء.

الراسخون في العلم

واضح أنّ الراسخين الّذين يعلمون التأويل كلّه _ بناءً على العطف أو بحسب الأدلّة المنفصلة الأُخرى _ هم بعض العلماء خاصّة، لا كلّ من له رسوخ في علم التفسير؛ إذ الراسخ في تفسير القرآن في مرحلة الدعوة العامّة غير الراسخ في علم التأويل، سواء قلنا بصحّة إطلاق التأويل على التفسير أم لا؛ فإنّ هذا القسم من علم القرآن الذي استأثر اللّ_ه بعلمه دون جميع

ص: 127

خلقه، غير الذي أفاضه على الناس برّهم وفاجرهم.

والظاهر أنّ مرتبة تأويل المتشابه نفس مرتبة تأويل الكتاب والمرجع في تعلّم تأويل الكتاب هو نفس المرجع في تعلّم تأويل الآيات المتشابهة، لا أن يكون المرجع مفاد المحكمات والظواهر والنصوص. وهذا المرجَع هو رسول اللّ_ه الذي هو أفضل الراسخين، وما كان اللّ_ه لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله، وقد توارث أوصياؤه ذلك منه. فلابدّ للنّاس من التعلّم والأخذ من رسول اللّ_ه وأوصيائه الحفظة. إنّ مكانة علم التأويل بعينها مكانة علم الأحكام فيكون طريق تعلّمهما بالتعبّد فقط.

وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ تعاليم الرسول العامّة للنّاس ليست على حدّ يشفي الغليل ويغني الفقير. نعم لقد تعلّم بعض الصحابة منه شيئاً أو أشياء ولكن غاب عنه آلاف أُلوف. وليس فيهم من يقدر على استنباط علوم القرآن حلاله وحرامه وأحكامه والجمع بين عناوينه الأوليّة والثانويّة في جميع الأزمان والأيّام إلى يوم القيامة. وليس فيهم من يتفوّه في إلهيّات القرآن والمعارف الربوبيّة والمعاد. ولا يخفى على أهل الانصاف موقع علماء التفسير من الصحابة والتابعين وعلماء الفقه، وميزان أفكارهم ومعارفهم؛ فكأنّهم لم يُنزَل القرآن على ساحتهم! ولم يكن رسول اللّ_ه بين أظهرهم. فمن ادّعى من الناس أنّه تعلّم جميع جوانب القرآن وعلومه وتنزيله وتأويله وظهره وبطنه وأحكامه ومعارفه منه، إنّما هو مفتر كاذب؛ إلّا أوصياؤه فإنّهم يتوارثونه كابر عن كابر، وصادق عن صادق وعندهم معاقل العلم وأُصوله وموادّه.

ص: 128

قال الإمام الصادق:

نَحنُ الرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ، وَنَحنُ نَعلَمُ تَأوِيلَهُ.(1)

وقال الإمام في ذيل قوله تعالي: وَمَايَعلَمُ تَأويلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ:

فَرَسُولُ اللَّهِ أفضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي العِلمِ، قَد عَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا أنزَلَهُ عَلَيهِ مِنَ التَّنزِيلِ وَالتَّأوِيلِ. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُنزِلَ عَلَيهِ شَيئاً، لَم يُعَلِّمهُ تَأوِيلَهُ، وَأوصِيَاؤُهُ مِن بَعدِهِ يَعلَمُونَهُ كُلَّهُ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ تَأوِيلَهُ، إذَا قَالَ العَالِمُ فِيهِ بِعِلمٍ فَأجَابَهُمُ اللَّهُ بِقَولِهِ: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَالقُرآنُ لَهُ خَاصٌّ وَعَامٌّ وَمُحكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَنَاسِخٌ ومَنسُوخٌ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَعلَمُونَهُ.(2)

وورد في توقيع عن الإمام المهديّ:

الَّذِي يَجِبُ عَلَيكُم وَلَكُم أن تَقُولُوا: إنَّا قُدوَةُ اللهِ وَأئِمَّةٌ وَخُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أرضِهِ وَأُمَنَاؤُهُ عُلَى خَلقِهِ وَحُجَجُهُ فِي بِلَادِهِ نَعرِفُ الحَلَالَ وَالحَرَامَ وَنَعرِفُ تَأوِيلَ الكِتَابِ وَفَصلَ الخِطَابِ.(3)

الروايات المانعة عن التفسير والتأويل


1- الكافى، ج1، ص213، ح10؛ بحارالأنوار، ج23، ص199 ح32 (الباب العاشر من أبواب الآيات النازلة فيهم... من كتاب الإمامة).
2- بصائر الدرجات، ص203، ح4؛ بحارالأنوار، ج23، ص199، ح33 (الباب العاشر من أبواب الآيات النازلة فيهم... من كتاب الإمامة).
3- تفسير العيّاشيّ، ج 1، ص 16، ح10؛ بحارالأنوار، ج89، ص96، ح58 (الباب الثامن من أبواب فضله و أحكامه و إعجازه... من كتاب القرآن) وفيه: «إنّا قدوة والأئمّة».

ص: 129

ورد في العيون، عن عليّ بن الحسين مسنداً عن الريّان بن الصلت قال: حضر الرضا مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان. فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: ثُمَّ أورَثنَا الكِتابَ الَّذِينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا؟(1) فقالت العلماء: أراد الله عز ّوجلّ بذلك الأمة كلّها. فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا:

لا أقُولُ كَمَا قَالُوا، ولَكِنِّي أقُولُ: أرَادَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِذَلِكَ العِترَةَ الطَّاهِرَةَ. فَقَالَ المَأمُونُ: وكَيفَ عَنَى العِترَةَ مِن دُونِ الأُمَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ الرِّضَا: إنَّهُ لَو أرَادَ الأُمَّةَ، لَكَانَت أجمَعُهَا فِي الجَنَّةِ لِقَولِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَ: فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ ومِنهُم مُقتَصِدٌ ومِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِِيرُ(2)، ثُمَّ جَمَعَهُم كُلَّهُم فِي الجَنَّةِ؛ فَقَالَ عَزَّ وجَلَ: جَنَّاتُ عَدنٍ يَدخُلُونَها يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ (3) الآيَةَ، فَصَارَتِ الوِرَاثَةُ لِلعِترَةِ الطَّاهِرَةِ لَا لِغَيرِهِم. فَقَالَ المَأمُونُ: مَنِ العِترَةُ الطَّاهِرَةُ؟ فَقَالَ الرِّضَا: الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ؛ فَقَالَ عَزَّ وجَلَ: إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيراً(4)، وهُمُ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إنِّي مُخَلِّفٌ


1- فاطر (35)، الآية 32.
2- فاطر (35)، الآية 32.
3- فاطر (35)، الآية 33.
4- الأحزاب (33)، الآية 33.

ص: 130

فِيكُمُ الثَّقَلَينِ كِتَابَ اللَّهِ وعِترَتِى أهلَ بَيتِى. ألَا وَإنَّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ فَانظُرُوا كَيفَ تَخلُفُونَى فِيهِمَا، أيُّهَا النَّاسُ لَا تُعَلِّمُوهُم فَإنَّهُم أعلَمُ مِنكُم... .(1)

في الرواية الشريفة تصريح بأنَّ هذا الاختصاصَ والوراثةَ للكتاب لهم، وهو راجعٌ إلى العلوم المتناسبة لمقام الإمامة والخلافة. وبالحقيقة إنّه تحدٍّ منهم لخلافتهم. وهو برهان لرسالة جدّهم الأعظم بالأصالة، وكذلك برهان نيّر على خلافتهم له بالوراثة. والاستدلال بالآية إنّما هو للإثبات هذا المقام الشامخ لأنفسهم واختصاصهم بمقام تحمّل العلوم الإلهيّة من الكتاب الكريم. والكتاب في مرحلة الدعوة العامّة، نصّ وحجّة لخِلافتهم ووراثتهم وهم القيّمون علي الكتاب والمعلّمون لعلومه التفصيليّة التي تقصر عن نيلها ودركها عقول الرجال من مفصّلات المعارف الربوبيّة واليوم الآخر، وتفاصيل الأحكام.

وفي روضة الكافي، عن العدّة مسنداً عن زيد الشحّام قال:

دَخَلَ قَتَادَةُ بنُ دِعَامَةَ عَلَى أبِي جَعفَرٍ، فَقَالَ: يَا قَتَادَةُ أنتَ فَقِيهُ أهلِ البَصرَةِ؟

فَقَالَ :هَكَذَا يَزعُمُونَ.

فَقَالَ أبُوجَعفَرٍ: بَلَغَنِى أنَّكَ تُفَسِّرُ القُرآنَ؟

فَقَالَ لَهُ قَتَادَةُ: نَعَم.


1- عيون أخبار الرضا، ج1، ص229 ح 1؛ بحارالأنوار، ج25، ص220، ح20 (الباب السابع من أبواب علامات الإمام وصفاته من كتاب الإمامة).

ص: 131

فَقَالَ لَهُ أبُوجَعفَر: بِعِلمٍ تُفَسِّرُهُ أم بِجَهلٍ؟

قَالَ: لَا، بِعِلمٍ.

فَقَالَ لَهُ أبُوجَعفَرٍ: فَإن كُنتَ تُفَسِّرُهُ بِعِلمٍ، فَأنتَ أنتَ وأنَا أسألُكَ... وَيحَكَ يَا قَتَادَةُ! إن كُنتَ إنَّمَا فَسَّرتَ القُرآنَ مِن تِلقَاءِ نَفسِكَ، فَقَد هَلَكتَ وأهلَكتَ، وإن كُنتَ قَد أخَذتَهُ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَد هَلَكتَ وأهلَكتَ... وَيحَكَ يَا قَتَادَةُ، إنَّمَا يَعرِفُ القُرآنَ مَن خُوطِبَ بِهِ.(1)

إنّ إنكاره على قتادة في تفسيره القرآن بأنّه هالك ومهلك لغيره، إنّما هو لأجل تعرّضه لما يختصّ به الرسول وأوصيائه أي معرفة القرآن كلّه بجميع مراتبه. ويشهد على ذلك قوله في ذيل الحديث: «إنَّمَا يَعرِفُ القُرآنَ مَن خُوطِبَ بِهِ». ويشهد عليه أيضاً كلمة التفسير، فإنّ معرفة القرآن في مرتبة الدعوة العامّة ليس تفسيراً وليس فيه كشف القناع؛ بل هو خطاب يحتاج إلى التدبّر والتعقّل والتبصّر والتفهّم. وأنّه يوجد دون مرتبة العلوم الخاصّة _ للمخاطبين بالقرآن _ في مرتبة الدعوة العامّة علوم وأنوار بحسب مراتب الأشخاص في الفهم والإيمان والتقوى والطهارة. قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أحسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُم وقُلُوبُهُم إلى ذِكرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهدي بِهِ مَن يَشاء.... (2)


1- الكافي، ج8، ص311، ح485؛ بحارالأنوار، ج24، ص237، ح6 (الباب 59 من أبواب الآيات النازلة فيهم من كتاب الإمامة).
2- لزمر (39)، الآية 23.

ص: 132

وفي العلل، عن أبيه ومحمّد بن الحسن مسنداً عن أبي زهير بن شبيب بن أنس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّ_ه قال: كنت عند أبي عبد اللّ_ه... فقال(لأبي حنيفة):

أنتَ فَقِيهُ أهلِ العِرَاقِ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَبِمَا تُفتِيهِم؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ. قَالَ: يَا أبَا حَنِيفَةَ تَعرِفُ كِتَابَ اللَّهِ حَقَّ مَعرِفَتِهِ، وتَعرِفُ النَّاسِخَ والمَنسُوخَ؟ قَالَ: نَعَم قَالَ: يَا أبَا حَنِيفَةَ لَقَدِ ادَّعَيتَ عِلماً وَيلَكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا عِندَ أهلِ الكِتَابِ الَّذِينَ أُنزِلَ عَلَيهِم وَيلَكَ ولَا هُوَ إلَّا عِندَ الخَاصِّ مِن ذُرِّيَّةِ نَبِيِّنَا مَا وَرَّثَكَ اللَّهُ مِن كِتَابِهِ حَرفاً... .(1)

ظاهر أنّ هذا الإنكار الشديد على أبي حنيفة، إنّما هو لأجل تصدّيه لِمقام الإفتاء واستقلاله في الاستنباط واستغنائه في علوم القرآن والأحكام والمعارف عنهم. والانصاف أنّ استنباط الأحكام من القرآن وما في هذه المرتبة من علومه وحقائقه استقلالاً من دون الرجوع إلى تفسير الأئمّة، خبط واضح وحرام بيّن.

وفي الوسائل، عن المحاسن، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عمّن حدّثه، عن المعلّى بن خنيس قال: قال أبوعبد اللّ_ه في رسالة:


1- علل الشرائع، ج1، ص90، ح5 (الباب 81)؛ بحارالأنوار، ج2، ص293، ح12 (الباب 34 من أبواب العلم من كتاب العقل والعلم والجهل).

ص: 133

فَأمَّا مَا سَألتَ عَنِ القُرآنِ، فَذَلِكَ أيضاً مِن خَطَرَاتِكَ المُتَفَاوِتَةِ المُختَلِفَةِ لِأنَ القُرآنَ لَيسَ عَلَى مَا ذَكَرتَ، وكُلُّ مَا سَمِعتَ فَمَعنَاهُ عَلَى غَيرِ مَا ذَهَبتَ إلَيهِ. وإنَّمَا القُرآنُ أمثَالٌ لِقَومٍ يَعلَمُونَ دُونَ غَيرِهِم، ولِقَومٍ يَتلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ؛ وهُمُ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِهِ ويَعرِفُونَهُ. وأمَّا غَيرُهُم فَمَا أشَدَّ إشكَالَهُ عَلَيهِم وأبعَدَهُ مِن مَذَاهِبِ قُلُوبِهِم، ولِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إنَّهُ لَيسَ شَي ءٌ أبعَدَ مِن قُلُوبِ الرِّجَالِ مِن تَفسِيرِ القُرآنِ. وَفِي ذَلِكَ تَحَيَّرَ الخَلَائِقُ أجمَعُونَ إلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ. وَإنَّمَا أرَادَ اللَّهُ بِتَعمِيَتِهِ فِي ذَلِكَ أن يَنتَهُوا إلَى بَابِهِ وَصِرَاطِهِ، وَأن يَعبُدُوهُ ويَنتَهُوا فِي قَولِهِ إلَى طَاعَةِ القُوَّامِ بِكِتَابِهِ، وَالنَّاطِقِينَ عَن أمرِهِ، وَأن يَستَنبِطُوا مَا احتَاجُوا إلَيهِ مِن ذَلِكَ عَنهُم لَا عَن أنفُسِهِم.

ثُمَّ قَالَ: وَلَو رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم(1). فَأمَّا غَيرُهُم فَلَيسَ يُعلَمُ ذَلِكَ أبَداً وَلَا يُوجَدُ. وقَد عَلِمتَ أنَّهُ لا يَستَقِيمُ أن يَكُونُ الخَلقُ كُلُّهُم وُلَاةَ الأمرِ، لِأنَّهُم لَا يَجِدُونَ مَن يَأتَمِرُونَ عَلَيهِ ومَن يُبَلِّغُونَهُ أمرَ اللَّهِ ونَهيَهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ الوُلَاةَ خَوَاصَّ لِيُقتَدَى بِهِم، فَافهَم ذَلِكَ إن شَاءَ اللَّهُ. وَإيَّاكَ وَإيَّاكَ وَتِلَاوَةَ القُرآنِ بِرَأيِكَ. فَإنَّ النَّاسَ غَيرُ مُشتَرِكِينَ فِي عِلمِهِ كَاشتِرَاكِهِم فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الأُمُور،ِ وَلَا قَادِرِينَ عَلَى تَأوِيلِهِ


1- النساء (4)، الآية 83.

ص: 134

إلَّا مِن حَدِّهِ وبَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ _ فَافهَم إن شَاءَ اللَّهُ. وَاطلُبِ الأمرَ مِن مَكَانِهِ تَجِدهُ _ إن شَاءَ اللَّهُ.(1)

احتجّ بأنّه لا يمكن أن يكون المعني من «الردّ إلي الرسول والولاة» الذين أمر الله بالردّ إليهم؛ أن يكون عامّاً. فلو كان النّاس ولاة ومراجع لأنفسهم في استنباط العلوم لا يكون معنى لكونهم قرناء لمرجعيّة الرسول واستنباطه. ومعلوم أنّ الناس عامّةً لا يقدرون على هذا الاستنباط. بداهة أنّ طريق العلم بهذه المعاني والتفسير والتأويل، ليس طريق دلالة الألفاظ المتعارف ليدلّ عليها الكلام دلالة مطابقيّة أو تضمّنيّة أو التزاميّة، كي تكون الحجّة بين المفسّر وبين اللّ_ه تعالى هي ظهور الكلام أو نصّه. فإنّ منها ما لا يُعلم إلّا من الوحي، مثل تفاصيل الأحكام؛ وما هو من الغيوب مثل الحقائق الخارجة عن الشهود كتفاصيل عالم الآخرة وتفاصيل القضاء والقدر، والمشيئة والإرادة، والبدء والختم، وحقيقة العرش والكرسيّ، والحُجُب واللوح والقلم، وحروف القرآن المقطّعة، وكيفيّة إيجاد العوالم وموادّها وأنوارها وساكنيها من الإنس والجنّ، والملائكة والكرّوبيّين والروحانيّين إلى ما لا يحصيها إلّا اللّ_ه تعالى. ومن أخذها وفسّرها برأيه ونسب ذلك إلى القرآن فقد كذب وافترى على اللّ_ه.


1- . وسائل الشيعة، ج27، ص190، ح 38 [33569] (الباب 13 من أبواب صفات القاضيّ... من كتاب القضاء)؛ المحاسن، ج1، ص268، ح356؛ وورد في بعض الأحاديث كما في المحاسن، ج2، ص300، ح5: (لَيسَ شي ء أبعَدَ مِن عُقُولِ الرِّجَالِ مِنَ القُرآن).

ص: 135

وفي الإحتجاج، مسنداً عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عن النبيّ في حديث قال:

مَعَاشِرَ النَّاسِ تَدَبَّرُوا القُرآنَ وافهَمُوا آيَاتِهِ، وانظُرُوا إلَى مُحكَمَاتِهِ ولا تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهُ، فَوَ اللَّهِ لَن يُبَيِّنَ لَكُم زَوَاجِرَهُ وَلَا يُوَضِّحُ لَكُم تَفسِيرَهُ إلَّا الَّذِى أنَا آخِذٌ بِيَدِهِ ومُصعِّدُهُ إلَيَّ وشَائِلٌ بِعَضُدِه.(1)

إنّ في هذه الخطبة المباركة تصريح بالتمسّك بالقرآن بكلا الوجهين، حيث صرّح في مقام مخاطبة الكلّ: «تَدَبَّرُوا القُرآنَ وافهَمُوا آيَاتِهِ» وصرّح أيضاً في مقام تفسير علومه الخاصّة بقوله: « فَوَاللَّهِ لَن يُبَيِّنَ لَكُم زَوَاجِرَهُ...».

وفي بحارالأنوار، عن أبي عبدالله محمّد بن إبراهيم بن جعفرالنعمانيّ في كتابه تفسير القرآن مسنداً عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّد الصّادق يقول:

إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً، فَخَتَمَ بِهِ الأنبِيَاءَ فَلَا نَبِيَّ بَعدَهُ وَأنزَلَ عَلَيهِ كِتَاباً، فَخَتَمَ بِهِ الكُتُبَ فَلَا كِتَابَ بَعدَهُ، أحَلَّ فِيهِ حَلَالاً وَحَرَّمَ حَرَاماً فَحَلَالُهُ حَلَالٌ إلَى يَومِ القِيَامَةِ وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إلَى يَومِ القِيَامَةِ فِيهِ شَرعُكُم وَخَبَرُ مَن قَبلَكُم وبَعدَكُم. وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ عَلَماً بَاقِياً فِي أوصِيَائِهِ، فَتَرَكَهُمُ النَّاسُ وهُمُ الشُّهَدَاءُ عَلَى


1- الاحتجاج، ج1، ص60؛ بحارالأنوار، ج37، ص209، ح86 (الباب 52 من أبواب النصوص الدالّة علي الخصوص من كتاب تاريخ أميرالمؤمنين).

ص: 136

أهلِ كُلِّ زَمَانٍ وَعَدَلُوا عَنهُم، ثُمَّ قَتَلُوهُم وَاتَّبَعُوا غَيرَهُم، ثُمَّ أخلِصوا لَهُم الطَّاعَةَ، حَتَّى عَانَدُوا مَن أظهَرَ وِلَايَةَ وُلَاةِ الأمرِ وطَلَبَ عُلُومَهُم قَالَ اللهُ سُبحَانَهُ: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُم (1) وذَلِكَ أنَّهُم ضَرَبُوا بَعضَ القُرآنِ بِبَعضٍ واحتَجُّوا بِالمَنسُوخِ وهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ النَّاسِخُ واحتَجُّوا بِالمُتِشَابِه وَهُم يَرَونَ أنَّهُ المُحكَمُ وَاحتَجُّوا بِالخَاصِّ وهُم يُقَدِّرُونَ أنَّهُ العَامُّ وَاحتَجُّوا بِأوَّلِ الآيَةِ وَتَرَكُوا السَّبَبَ فِي تَأوِيلِهَا وَلَم يَنظُرُوا إلَى مَا يَفتَحُ الكَلَامَ وَإلَى مَا يَختِمُهُ وَلَم يَعرِفُوا مَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ، إذ لَم يَأخُذُوهُ عَن أهلِهِ فَضَلُّوا وَأضَلُّوا.

وَاعَلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ، أنَّهُ مَن لَم يَعرِف مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسِخَ مِنَ المَنسُوخِ وَالخَاصَّ مِنَ العَامِّ وَالمُحكَمَ مِنَ المُتَشَابِه وَالرُّخَصَ مِنَ العَزَائِمِ وَالمَكِّيِّ وَالمَدَنِيَّ وَأسبَابَ التَنزِيلِ وَالمُبهَمَ مِنَ القرآنِ فِي ألفَاظِهِ المُنقَطِعَةِ وَالمُؤَلِّفّةِ وَمَا فِيهِ مِن عِلمِ القَضَاءِ وَالقَدرِ وَالتَّقدِيمِ وَالتَّأخِيرِ وَالمُبَيَّنِ وَالعَمِيقِ وَالظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ وَالإبتِدَاءِ وَالإنتِهَاءِ وَالسُّؤَالِ وَالجَوَابِ وَالقَطعِ وَالوَصلِ وَالمُستَثنىٰ مِنهُ وَالجَارِي فِيهِ وَالصِّفَةِ لِمَا قَبلُ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا بَعدِ وَالمُؤَكَّدِ مِنهُ وَالمُفَصَّلِ، وَعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ، وَمَواضِعِ فَرَائِضِهِ وَأحكِامِهِ وَمَعنىٰ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ المُلحِدُونَ، والمَوصُولِ مِنَ الألفَاظِ


1- المائدة (5)، الآية 13.

ص: 137

وَالمَحمُولِ عَلى مَا قَبلَهُ وَعَلىٰ مَا بَعدِهُ، فَلَيسَ بِعَالَمٍ بِالقُرآنِ وَلَا هُوَ مِن أهلِهِ... .(1)

الرواية الشريفة في مقام الشكوىٰ والتظلُّم والإنكار من الأئمّة على من تكلّف مقام تفسير القرآن. وفيها إشعار بأنّ معنى ضرب القرآن بعضه ببعض إنّما هو لجهلهم بطور الاستنباط، إذ المخصّصات والمقيّدات وسائر القرائن التيي لابدّ في التفسير والاستنباط منها، بيّنها الرسول وأودعها عند أهله. وفيها تصريح بأنّ التصدي لتفسير القرآن مع عدم معرفة الناسخ والمنسوخ، والعامّ والخاصّ، والمحكم والمتشابه، ضلال وإضلال. وفيها تصريح أيضاً أنّ الضلال والإضلال من حيث إنّهم لم يأخذوا تفسير القرآن من أهله. وأنّ هذا الضلال والإضلال إنّما هو في استنباط الحلال والحرام وتشخيص الفرائض من الرخص وبيان معني القضاء والقدر الذي هو من أغمض المسائل في العلوم الإلهيّة ولم يخرج ممّن ورد فيها سالماً إلّا الفقهاء المستضيئون بعلوم آل الرسول، الذين لم يخلطوا بعلومهم شيئاً عن سواهم.

قوله: «وَعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ، وَمَواضِعِ فَرَائِضِهِ وَأحكِامِهِ وَمَعنىٰ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ المُلحِدُونَ »؛ إنّ هلاكهم وإلحادهم إنّما هو من


1- بحارالأنوار، ج90، ص3 (الباب 128 من أبواب فضائل سور القرآن وآياته من كتاب القرآن).

ص: 138

حيث اقتحامهم تفسير الحلال والحرام واستنباط العلوم مع جهلهم بمدارك الأحكام وينابيع العلوم ومأخذها. وقد بيّن شرائط خاصّة لتفسير العلوم واستنباط الأحكام وصرّح أنّها تراث رسول اللّ_ه.

وأنت كما ترى هذه الرواية الشريفة أيضاً، أجنبيّة عن منع التمسّك بالقرآن في مرتبة الدعوة العامّة. وإنّ منعها الأكيد خاصّ بباب الاستنباط وشرح العلوم والتطاول على مقامهم العلميّ.

فقد تلخّص من جميع ما ذكرنا، أنّ خلافة القرآن والأئمّة خلافة اجتماعيّة انضماميّة لا انفراديّة. فالقرآن بمحكماته وظواهره يصرّح بوجوب الحجّ مثلاً ولم يذكر أنّ الطواف مثلاً أُسبوع وفي أيّ مورد، وغيره من أحكامه، ورسول اللّ_ه يفسّر تلك الأحكام. والقرآن يدلّ بنصوصه ومحكماته على وجود وليّ معصوم مفروض الطاعة ولم يسمّ أحداً بعينه وفسّر رسول اللّ_ه شأن ذلك الرجل بخصوصه. وصرّح بوجود جنّة عرضها كعرض السماوات والأرض ولم يبيّن التفاصيل الراجعة إليها، وكذلك صرّح بوجود النار والعذاب ولم يفسّر مكانها وكيفيّة خلقها ومواطنها وموادّها، والرسول فسّر ذلك كلّه. وهكذا حال جميع العلوم الخاصّة. ولو أردنا إحصاء جميع الروايات المصرّحة باختصاص هذه المرتبة من علوم القرآن بالرسول أصالةً ولأوصيائه وراثةً، لخرجنا عن البحث وفيما ذكرنا كفاية لأولي الألباب.

تقييم بعض النظريّات

ص: 139

إختلفت الكلمات واضطربت الأقوال في تفسير التأويل؛ منها ما في الميزان، قال:

إنّ التأويل ليس من المفاهيم التي هي مداليل الألفاظ، بل هو من الأُمور الخارجيّة العينيّة. واتّصاف الآيات بكونها ذات تأويل من قبيل الوصف بحال المتعلّق.(1)

وقال في بيان هذا المعنى:

ويدلّ على ذلك قوله تعالى في قصّة موسى والخضر:سَأُنَبِّئُكَ بِتَأوِيلِ مَا لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبراً(2)(3) وقوله: ذلِكَ تَأوِيلُ مَا لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبراً .(4)

وقال بعد نقل ما فعله الخضر وسؤال موسي والذي نبّأ به الخضر من التأويل وكذا بعد نقل ما ورد من لفظ التأويل في عدّة مواضع من قصّة يوسف الصدّيق:

فقد استعمل التأويل في جميع هذه الموارد من قصّة يوسف فيما يرجع إليه الرؤيا من الحوادث، وهو الذي كان يراه النائم فيما يناسبه من الصورة والمثال، فنسبة التأويل إلى ذي التأويل نسبة المعنى إلى صورته التي يظهر بها، والحقيقة المتمثّلة إلى مثالها الذي تتمثّل به. كما كان الأمر يجري هذا المجرى فيما أوردناه من الآيات في قصّة موسى


1- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص27.
2- لكهف (18)، الآية 82.
3- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص25.
4- الكهف (18)، الآية 78.

ص: 140

والخضر، وكذا في قوله تعالى:وَأوفُوا الكَيلَ إذا كِلتُم... وَأحسَنُ تَأويلاً . (1)(2)

ومنها ما قال في المنار، بعد نقل الآيات التي ورد فيها لفظ التأويل وبيان معنى التأويل فيها:

فتبيّن من هذه الآيات، أنّ لفظ التأويل لم يرد في القرآن إلّابمعنى الأمر العمليّ الذي يقع في المآل تصديقاً لخبر أو رؤيا أو لعمل غامض يقصد به شيء في المستقبل، فيجب أن تفسّر آية آل عمران بذلك. ولا يجوز أن يحمل التأويل فيهما على المعنى الذي اصطلح عليه قدماء المفسّرين؛ وهو جعله بمعنى التفسير _ كما يقول ابن جرير: القول في تأويل هذه الآية كذا _ ولا على ما اصطلح عليه متأخّروهم من جعل التأويل عبارةً عن نقل الكلام عن وضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، ومثله قول أهل الأُصول: التأويل صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل.(3)

يمكن أن يقال في نقد هذه النظريّات: إنّه قد تقرّر في محلّه أنّ استعمال اللفظ في مورد لا يدلّ إلّا على كونه من مصاديق المعنى اللغويّ له، أو من الموارد التي استعمل فيها اللفظ بضربٍ من التجوّز والعناية، فاستظهار


1- لإسراء (17)، الآية 35.
2- الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص26.
3- تفسير المنار، ج3، ص174.

ص: 141

معنى في مورد من موارد إستعمال لفظ التأويل في الآيات الكريمة لا يدلّ على كون هذا المعنى هو المراد في غيره من موارد استعماله.

بعض التأويلات الباطلة

قلنا إنّ من شؤون المعصومين تأويل القرآن، ولا مجال لتجنّب النبيّ وأهل بيته والإعراض عنهم لِمعرفة تأويله.

وأنّ بعض الفِرَق _ في طيّ القرون الماضية _ قامت بتأويل وتوجيه الآيات القرآنيّة من دون الالتفات إلي هذه الحقيقة العلميّة، فأوَّلوا المفاهيم القرآنيّة طبق آرائهم ونظريّاتهم بَدَل أن يطبّقوها مع القرآن.

إليك بعض التأويلات الباطلة مضافاً إلي ما ذكرنا:

أوَّلَ الملّا عبدالرزاق الكاشانيّ لفظ الحمار في قوله تعالي: وَانظُر إلَى حِمَارِكَ (1)إلي جسم النبيّ عُزَير(2)، ولفظ «الصفا» و«المروة» إلي قلب الإنسان ونفسه.(3)

وإنّه يقول إنّ المراد من الغلامَين في قوله تعالي: وَأمَّا الجِدارُ فَكانَ لِغُلامَينِ يَتيمَينِ فِي ال_مَدينَة(4) هو العقل النظريّ والعمليّ وأوَّل اليتيم في الآية إلي افتراق العقل النظريّ والعمليّ من روح القُدُس.(5)


1- البقرة (2)، الآية 259.
2- تفسير ملّا عبد الرزاق(تفسير ابن عربيّ)، ج1، ص86.
3- تفسير ملّا عبد الرزاق(تفسير ابن عربيّ)، ج1، ص61
4- الكهف (18)، الآية 82.
5- تفسير ملّا عبد الرزاق(تفسير ابن عربيّ)، ج1، ص411.

ص: 142

وإنّ المراد من النفس الواحدة في قوله تعالي: خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ(1) هي النفس الناطقة الكلّيّة التي يتشعّب منها النفوس الجزئيّة وأنّ النفس الحيوانيّة هي المَعنيُّ بها في قوله تعالي: خَلَقَ مِنها زَوجَها (2)(3).

ويقول ابن عربيّ في تأويل قصّة بني إسرائيل وعبادتهم للعجل في القرآن، في الفصّ الهارونيّة:

كان موسى[لموضوع عبادة العجل] أعلم بالأمر من هارون، لأنّه علم ما عبَده أصحاب العجل. وما حكم الله بشي ء إلّا وقع فكان عَتَب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتّساعه، (فإنّ العارف من يرى الحقّ في كلّ شيء، بل يراهُ عين كلّ شيء، فكان موسى يُربّي هارون تربية علم).

وقال القيصريّ في شرحه:

أي، كان عَتَبُ موسى أخاه هارون لأجل إنكاره عبادةَ العجل، وعدم اتساع قلبه لذلك.(4)

يقول ملّا صدرا:

فَالسَّابِِقَاتِ سَبقاً(5) أي: العقول السابِقة علي الممكنات فَالمُدَبِّراتِ


1- النساء (4)، الآية 1.
2- النساء (4)، الآية 1.
3- تفسير ملّا عبد الرزاق(تفسير ابن عربيّ)، ج2، ص137.
4- شرح فصوص الحكم للقيصريّ، ص1096.
5- النازعات (79)، الآية 4.

ص: 143

أمراً(1) أي: النفوس المدبّرة للأجرام الغالبة؛ فدلّت الآية علي هذين النوعين من الموجودات الشريفة.(2)

وينقل العلّامة المجلسيّ عن المرحوم ميرداماد أنّه قال:

العرش هو الأفلاك... والكرسيّ هو فلك الثوابت.

ثمّ يقول العلّامة المجلسيّ:

ولا يخفي عدم موافقتها لقوانين الشرع ومصطلحات أهله.(3)

يقول الحاج ملّا هادي السبزواريّ:

إنّ الأفلاك الكلّيّة تسعة: الأوّل هو فلك الأفلاك، الثاني فلك الثوابت والباقي هم الكرات السبعة المشهورة؛ وأنّ جميع هذه الأفلاك لها حيوة ناطقة.

ويقول في الحاشية توضيحاً:

لا يوجد تناف بين هذه الأفلاك التسعة التي أثبتها العقل مع ما ورد في القرآن بأنّ السماوات سبعة، لأنّ المراد من فلك الأطلس (فلك الأفلاك) وفلك الثوابت في لسان الشريعة، العرش والكرسي.(4)


1- النازعات (79)، الآية 5.
2- مفاتيح الغيب، ص 446.
3- بحارالأنوار، ج58، ص5، ذيل الحديث الثاني (الباب الرابع من أبواب كلّيّات أحوال العالم من كتاب السماء والعالم).
4- شرح المنظومة، ص 269.

ص: 144

8النسخ

معني النسخ

ص: 145

ص: 146

ص: 147

قال في لسان العرب:

النسخ: إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه... ابن الأعرابيّ: النسخ تبديل الشيء من الشيء وهو غيره. ونسخ الآية بالآية: إزالة مثل حكمها. والنسخ: نقل الشي ء من مكان إلى مكان وهو هو.(1)

إنّ كلّ واحد من المعاني المذكورة قد استعمل فيها لفظ النسخ ولا يهمّنا تحقيق أنّ ذلك بحسب الوضع أو بضرب من العناية. والظاهر أنّ الأصل المأخوذ في الموارد المذكورة، هو حيث الإزالة والتغيير والتحويل والتبديل.

قال الله تعالى:

مَا نَنسَخ مِن آيَةٍ أو نُنسِهَا نَأتِ بِخَيرٍ مِنها أو مِثلِهَا أ لَم تَعلَم أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَي ءٍ قَديرٌ.(2)

قوله تعالى: مِن آيَةٍ، أي: من علامة. وهي مطلقة شاملة لكلّ ما


1- لسان العرب، ج3، ص61 .
2- البقرة (2)، الآية 106.

ص: 148

تصدق عليه العلامة، سواء كانت تشريعيّة أو تكوينيّة؛ فالتشريعيّة مثل الآية الدالّة على حكم من الأحكام فتكون حاكية عن جعله. والتكوينيّة مثل ما يدلّ على وجود الصانع أو على شيء من نعوته وأسمائه جلّ ثناؤه من الأعيان.

قوله تعالى: نَأتِ بِخَيرٍ مِنها أو مِثلِها، أي: نأتي بشيء خير في الحكمة والمصلحة من المنسوخ.

ثمّ إنّه من الممكن بحسب الواقع والثبوت، أن تكون للآية المنسوخة أمثال ونظائر في عرضها يتساويٰ بعضها مع البعض الآخر في الحكمة والمصلحة ، فله تعالى أن يأتي بواحدة من هذه الآيات المتساويّة من حيث المصلحة سواء كانت تكوينيّة أوتشريعيّة، ثمّ يأتي بواحدة أُخرى بعد رفع الأُولى. والكلام في تخصيص كلّ منها بزمان دون زمان عينُ الكلام في اختيار الأُمور المترجّحة المتساوية. ولا دليل على انحصار الِمثل في الآية، بأن يكون الناسخ في طول المنسوخ ومنفرداً؛ فالمعتمد في ذلك هو ظهور الآية وإطلاقها.

ينبغي الالتفات إلي أنّ اطلاق النسخ علي الآيات بدليّ، بمعني أنّ الآيات في معرض النسخ دائماً؛ إلّا أنّ هذا الإطلاق في معرض التقييد لأنّ من آياته لا يجري عليها النسخ، مثل الأحكام الثابتة كوجوب التقوي وحرمة الفجور.

النسخ في التكوينيّات

إنّ اليهود يعتقدون باستحالة النسخ في الأحكام، كما يعتقدون باستحالة التغيير والتبديل في التكوين وفي شيء من النظام الموجود. وقد ورد

ص: 149

توبيخهم في القرآن الكريم. قال تعالى:

وَقالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أيديهِم ولُعِنُوا بِما قالُوا بَل يَداهُ مَبسُوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ.(1)

ورد في العيون، مسنداً عن أبي عمرو محمّد بن عمرو بن عبد العزيز الكجيّ قال: حدّثني مَن سمع الحسن بن محمّد النوفليّ يقول:... قال الرضا:

...ثُمَّ التَفَتَ إلَى سُلَيمَانَ. فَقَالَ: أحسَبُكَ ضَاهَيتَ اليَهُودَ فِي هَذَا البَاب.

قَالَ: أعُوذُ بِاللَّهِ مِن ذَلِكَ، ومَا قَالَتِ اليَهُودُ؟

قَالَ: قالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ(2)، يَعنُونَ أنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَد فَرَغَ مِنَ الأمرِ فَلَيسَ يُحدِثُ شَيئاً، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّوجَلَّ: غُلَّت أيدِيهِم ولُعِنُوا بِما قالُوا....

قَالَ سُلَيمَانُ: لِأنَّهُ قَد فَرَغَ مِنَ الأمرِ، فَلَيسَ يَزِيدُ فِيهِ شَيئاً.

قَالَ الرِّضَا: هَذَا قَولُ اليَهُودِ، فَكَيفَ قَالَ تَعَالَى: أُدعُونِي أستَجِب لَكُم .(3)

قَالَ سُلَيمَانُ: إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أنَّهُ قَادِرٌ عَلَيهِ.

قَالَ: أفَيَعِدُ مَا لَا يَفِي بِهِ فَكَيفَ قَالَ: يَزِيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ وقَالَ


1- المائدة (5)، الآية 64 .
2- المائدة (5) آية 64 .
3- غافر(40)، الآية 60 .

ص: 150

عَزَّ وجَلَّ: يَمحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثبِتُ وعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ (1) وقَد فَرَغَ مِنَ الأمرِ؟! فَلَم يُحِر جَوَاباً.(2)

إذن إنّ اللّ_ه تعالى كلّ يوم في شأن جديد من إحداث بديع لم يكن، وإذهاب أمر قد كان. وهكذا سنّته تعالى في جميع ما يحيط به علمه من الحوادث الحكيمة القيّمة، فيأتي بشيء منها ويذهب بآخر، وهو تعالى يُعطي ويمنع، ويُحيي ويُميت، ويُؤاخذ ويَعفو، فقدرته تعالى الغير متناهية ومالكيّته لجميع من سواه وما سواه، فعليّة؛ يأتي سبحانه بشيء بعد تحقّقه شيئاً آخر، لعلّة وحكمة أرادها في الأوّل والثاني ولا يمكن أن يمنعه تعالى مانع من هذا الفعل الحكيم. فلو شاء اللّ_ه أن يمحو ما كان مكتوباً أوّلاً ويثبت ما لم يكن مكتوباً بوجه أصلاً. وهذا المكتوب الثاني وهذا الخلق الجديد إنّما يكون من العلم المكنون.

النسخ والمشيّة الأزليّة

إن قلت: إنّ هذا التبديل والتحويل والإتيان بالمِثل أو الأفضل منه بدل المنسوخ، مستند إلى المشيئة الأزليّة فيكون الإتيان بالمثل إظهاراً وإبرازاً لزوال المنسوخ وانمحائه بانتهاء أمده، ويكون الإتيان بالناسخ إيجاداً لما كان ثابتاً في الأزل بالمشيئة الأزليّة.


1- الرعد (13)، الآية 39.
2- عيون اخبار الرضا، ج1، ص182، ح1 (الباب 13)؛ بحارالأنوار، ج4، ص96، ح2 (الباب الثالث من أبواب الصفات من كتاب التوحيد).

ص: 151

قلت: فعلى هذا لا يكون النسخ بمعنى التغيير والإزالة والإبطال بل يكون إظهاراً لزوال عينٍ أو حكمٍ، وكذلك لا يكون هناك إتيان شيء لم يكن بل هو إيجاد ما كان ثابتاً في الأزل؛ وهذا عين الالتزام بمقالة اليهود ومبتنٍ على كون مشيئته تعالى بعينها، علمه سبحانه وأنّه تعالى شاء كلّ شيء بالمشيئة الأزليّة. ولكنّ البراهين الإلهيّة من الآيات والروايات قائمة على استحالة أزليّة المشيئة، وأنّ مشيئته تعالى فعلُه سبحانه وهو عين تعيّن النظام الحكيم بالعلم الحادث، ونسبته إلى علمه تعالى نسبة المتناهي إلى غير المتناهي.

المعني الاصطلاحيّ للنسخ

إنّ هذا المعنى الذي ذكرناه للنسخ هو المعنى اللغويّ والظاهر من الآية الكريمة؛ وهو شامل للتكوينيّات والتشريعيّات. وله معنى اصطلاحيّ وهو رفع ما هو ثابت في الشريعة من الأحكام فلا يشمل المجعولات التكوينيّة ويقابله البداء في التكوينيّات.

وحيث إنّ الدين الذي اختاره اللّ_ه وارتضاه سبحانه لأنبيائه وأصفيائهصلوات الله عليهم الجمعين هو الاسلام: إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلامُ ومَا اختَلَفَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ إلَّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغياً بَينَهُم ومَن يَكفُر بِآياتِ اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ سَريعُ الحِسابِ(1)، فنسخ حكم في الشريعة السابقة بشيء من أحكام الشريعة اللاحقة، ليس إلّا كنسخ حكم في الشريعة الواحدة بشيء من تلك الشريعة بعينها.


1- ل عمران (3)، الآية 19.

ص: 152

وممّا ذكرنا يعلم أنّه لا إشكال في مقام الثبوت في نسخ حكم في شريعة وإتيان حكم آخر خير منه أو مثله مكانه. والقول بأنّ النسخ إنّما يكون بعد مضيّ مدّة الامتثال وأمّا قبله فلا يجوز؛ ليس بصحيح، إذ يمكن أن تكون المصلحة والحكمة في نفس الحكم. وبديهيّ أنّه ليس للفقيه البحث عن مناطات الأحكام وعللها وإنّما وظيفته الجري على طبق الظواهر.

هذا في مقام الثبوت، أمّا في مقام الإثبات فقد تقدّم في الروايات ما يدلّ على وجود الناسخ والمنسوخ في كتاب اللّ_ه تعالى. وسيجيء البحث في أنّ قوله تعالى: فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأمرِهِ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَي ءٍ قَدِيرٌ؛(1) منسوخ بآية السيف وهو قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذينَ لَا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ ولَا بِاليَومِ الآخِر(2) وأمّا الفرق بين النسخ والتخصيص والتقييد فليطلب من كتب الأُصول.

9البداء

معني البداء


1- البقرة (2) آية 109 .
2- التوبة (9) آية 29 .

ص: 153

ص: 54

ص: 155

(1)

إنّ مسألة البداء من المسائل المهمّة الاعتقاديّة التي قد أبدى العلماء فيها آراء مختلفة وذلك حسب اختلاف مبانيهم الفكريّة، إلّا أنّهم لم يصلوا إلي عمق هذه المسألة والزوايا الخفيّة الموجودة فيها بنحو مطلوب، ولم يتضّح موضع الحقّ في الفكر الشيعيّ في ذلك. سعىُنا في هذه الصفحات أن نستكشف قليلاً مسألة البداء بواسطة الآيات والأحاديث، لكي تنفتح على الباحثين وطلاب العلم والحقيقة آفاقٌ جديدة ومتميزة.

معرفة البداء

البداء في اللغة بمعنى نشوء الرأي. قال في لسان العرب:

قال الجوهريّ: بدا له في الأمر بداء ممدودة أي نشأ له فيه رأي.


1- هذا البحث مقتطف من كتاب توحيد الإمامية، ص349. ولمزيد من الاطّلاع راجع كتاب البداء آية عظمة الله (للشيخ محمّد باقر علم الهدي).

ص: 156

إنّ الله سبحانه وتعالى هو المالك والقادر الأزليّ والأبديّ كما هو واضح ولا يجب عليه الإيجاد ولا الإبقاء بعد الإيجاد إلّا فيما وعد به. وإنّ علم الله وقدرته المطلقة لا تُحدّ بهذا النظام الموجود. وهو عالم وقادر ذاتاً على إيجاد الأنظمة غير المحدودة وذلك حسب الأدلّة العقليّة وصريح القرآن والحديث. وقدرته ذاتيّة فهو قادر ذاتاً على إيجاد أيّ فعل، كما أنّه قادر علي نقيضه. ولا يصدر فعل من الله من دون إعمال مالكيّته وقدرته، وكلّ ما تعلّقت مشيّته به فإنّه يوجد في الخارج بلاريب، وإنّها فعله وهو عبارة عن تعيّن نظام بالعلم. وبما أنّ الله حكيم، فإنّ مشيّته تتعلق دائماً بالأفعال المؤسسة على الحكمة إلّا أنّة ظاهر أنّ الحكمة في الفعل لا تكون علّة لإيجاده، لأنّ قدرة الله حاكمة عليها. فمشيّة الله سبحانه وتعالى المستندة إلى العلم والقدرة والحكمة هي السبب في انتخاب نظام واحد من بين الأنظمة اللامتناهية. وبما أنّ الله لا يكون ملزماً في إيجاد أيّ فعل وتعيين أيّ نظام، فإنّه يقدر أن يمحو ما عيَّنه بالعلم والقدرة والحكمة سابقاً في أيّ مرحلة من مراحل المشيّة والإرادة والقَدَر والقضا أو أن يغيّره ويبدّله أو يوجد ما لم يكن أصلاً.

وهذا ما يُعرف بالبداء في المعارف الإلهيّة. ومعناه أن يمحو الله المشيئة السابقة بالمشيّة الجديدة أو أن يغيّر أجزائها. وبتعبير آخر: أن يبدّل ما أراده سابقاً بالمشيّة الجديدة ويوجِد ما لم تتعلّق به المشيّة سابقاً. يقول الله سبحانه

ص: 157

وتعالى: يَمحُوا اللَّ_هُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتاب .(1)

إنّ متعلّق المحو في الآية المباركة هو ما تعلّقت به المشيّة. فالله سبحانه وتعالى يمحو ما يشاء من المشيّة الأوليّة. وبعبارة أُخرى: إنّ المراد من المحو، إمحاء ما ثبت في مرتبة المشيّة والإرادة والقضاء والقدر. وإنّ المراد من الإثبات هو أن يثبت الله سبحانه وتعالى بالمشيّة الجديدة ما لم يكن موجوداً ولم تتعلّق به المشيّة ولم يكتب في الصحيفة النوريّة الإلهيّة.

يقول الإمام الصادق في تفسير الآية المباركة :

وَهَل يُمحَى إلَّا مَا كَانَ ثَابِتاً، وَهَل يُثبَتُ إلَّا مَا لَم يَكُن؟!(2)

وقال الإمام السجاد:

لَولَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، لَحَدَّثتُكُم بِمَا يَكُونُ إلَى يَومِ القِيَامَةِ.

فَقُلتُ: أيَّةُ آيَةٍ؟

قَالَ: قَولُ اللَّهِ: يَمحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ .(3)

أهمّيّة البداء

إنّ لازم القدرة الإلهيّة المطلقة هو البداء الناشئ عن العلم والمعرفة. فلا يمكن الاعتقاد بعلم الله وقدرته وإنكار مسألة البداء. وفي الحقيقة إنّ إنكار البداء _ الذي هو علامة قدرة الله ومالكيّته _ هو عين إنكار قدرته ومالكيّته. فمعرفة البداء والوصول إلى عمقه وأسراره والتسليم له، عبادة ذاتيّة لا تصل إليها عبادة. ولأجل أهمّيّة البداء وموقعيَّته في باب معرفة الله سبحانه


1- رعد (13) آية 39.
2- الكافي، ج1، ص147، ح2؛ الفصول المهمّة، ج1، ص219، ح189.
3- تفسير العياشيّ، ج2، ص215، ح59؛ بحارالأنوار، ج4، ص118، ح52 (الباب الثالث من أبواب الصفات من كتاب التوحيد).

ص: 158

وتعالى أُمر جميع الأنبياء بالإذعان والاعتراف به.

عن زرارة عن أحدهما:

مَا عُبِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيءٍ، مِثلِ البَدَاء.(1)

وقال الإمام الصادق:

مَا عُظِّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بِمِثلِ البَدَاءِ.(2)

وقال الإمام الرضا:

مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً قَطُّ، إلَّا بِتَحرِيمِ الخَمرِ وَأن يُقِرَّ لَهُ بِالبَدَاءِ.(3)

المشيّة الأزليّة في منظار الوحي

يمكن أن يقال: إنّ المراد من الآية المتقدّمة والروايات المذكورة ذيلها أنّ أعيان وحوادث العالم ثابتة بالمشيّة الإلهيّة _ التي هي عين علمه _ في أُمّ الكتاب، وأنّها متعلَّقة بمشيّة الله، ولا يُعقل تصوّر التغيير والتبديل فيما تعلّق به العلم والمشيّة والإرادة والقدر والقضاء الإلهيّ، لأنّ الله سبحانه وتعالى قد فرغ من تنظيم العالم وتدبيره بالمشيّة الأزليّة فقدّر الأحكام والخصوصيّات المقتضية لكلّ شئ طبقاً للمشيّة الثابتة الأزليّة، بنحو لا يمكن التغيير والتبديل فيه. فجميع حوادث العالم تجري بيد الله سبحانه


1- التوحيد، ص332، ح1؛ بحارالأنوار، ج4، ص107، ح19 (الباب الثالث من أبواب الصفات من كتاب التوحيد).
2- التوحيد، ص333، ح2؛ بحارالأنوار،ج4، ص107، ح20.
3- التوحيد، ص333، ح6؛ بحارالأنوار،ج4، ص108، ح25.

ص: 159

وتعالى طبقاً للأحكام الثابتة في أُمّ الكتاب؛ فيأت بالليل بعد النهار والموت بعد الحياة ولذا يمكن القول بأنّ الله يمحو الحكم الثاني بالحكم الأوّل.

يرد على هذا الاستنباط من الآية الإشكالات التالية:

1.إنّ هذه النظريّة مبتنيّة على أنّ فاعليّة الله بالعناية والرضا في حين أنّ فاعليّته حسب الأدلّة الموجودة بالإبداء والإنشاء عن القدرة والمالكيّة.

2.بناءً على هذه النظريّة تكون مشيّة الله عين علمه وكلّ شيء متعلّق بالمشيّة الأزليّة، وهذه النظريّة تخالف البراهين والأدلّة القائمة على استحالة أزليّة مشيّته سبحانه وتعالى .

3.ثبت في محلّه أنّ مشيّة الله سبحانه وتعالى فعله وهو عبارة عن تعيّن النظام في العلم الحادث(1) الذي علَّمه الله لأنبيائه وملائكته. وإنّ نسبة هذا النظام إلي علم الله، نسبة المتناهي إلي غير المتناهي؛ فعلم الله لا يكون بمعنى المشيّة _ التي هي عبارة عن تدبير وتنظيم أُمور الخليقة _. وإنّ تطبيق العلم على المشيّة، يوجب الالتزام بقِدَم العالَم وأزليّة فعل الله ونفي مالكيتّه وقدرته بالنسبة إلي الفعل وتركه؛ وهذا مخالف لضرورة الأديان.

4.على هذا يكون تفسير الآية بالحوادث المكتوبة في الأزل، لا بالمحو والإثبات الحقيقيّ الذي هو الانمحاء المستند إلي المشيّة الازليّة.

بعبارة أُخرى: يكون المحو والإثبات بمعنى انقضاء الأجل المكتوب وإظهار أمر ثابت ومكتوب في الأزل وهذا مخالف لما ورد في الحديث عن


1- المراد من العلم الحادث هو العلم الذي تعيّن إجمالاً أو تفصيلاً وتعلّق رأي الله سبحانه وتعالى به؛ مثل المشيّة، الإرادة، القدر والقضاء.

ص: 160

الإمام الصادقفإنّه قال:

وَهَل يُمحَى إلَّا مَا كَانَ ثَابِتاً وَهَل يُثبَتُ إلَّا مَا لَم يَكُن.(1)

فالصحيح أن يقال: إنّ المحو هنا بمعناه الحقيقيّ وأنّ متعلّقه هو الأمر الموجود الثابت _ الأعمّ من الحوادث والأعيان _، وهكذا يكون متعلّق الإثبات، الشيء الذي لم يكن موجوداً بأيّ وجه من الوجوه؛ لا أنّه إظهار لما كان ثابتاً في الأزل. ويستفاد من الأحاديث أيضاً أنّ من موارد المحو والإثبات تقديم الأمر المؤخَّر وتأخير الأمر المقدَّم.

وليس من لوازم قبول المشيّة الحادثة أن لا يكون للعالم تقدير ونظم ثابت عند الله سبحانه وتعالى وأن يكون نظام الخليقة موجوداً بالصدفة بغير تدبير وتقدير؛ لأنّ جميع ما خلقه الله تعالى تعيّن بالمشيّة الحادثة وهو متعلّق بإرادة الله العليم الحكيم وتقديره. ولذا تكون مشيّة الله فعله المتعيّن، والمشيّة الجديدة هي تعيين الخلق الجديد أو محو الأمر الثابت في المشيّة السابقة، وإنّ كلا المشيّتان الحادثتان تتوافق مع الحكمة والمصلحة وتتطابق مع العلم الحادث الذي أفاضه الله على أنبيائه وملائكته.

البداء في المعارف الإلهيّة والبشريّة

يظهر ممّا ذكرنا الفرق بين المعارف الإلهيّة وحصيلة العلوم البشريّة في الموارد التالية:

1. علم الله تبارك وتعالى غير متناه بحسب الكتاب والسنّة؛ أي أنّه لا يجوز تحديد علم الله وتعيّنه بالنظام الواحد الأحسن.


1- الكافي، ج1، ص147، ح2؛ الفصول المهمّة، ج1، ص219، ح189.

ص: 161

2. إنّ قدرة الله تعالى ومالكيّته على النظام الموجود، الذي تعلّقت به مشيّته وعلى الأنظمة الغير متناهية ونقايضها وأضدادها، على نحو سواء .

3. يحدث النظام الواحد بمشيّة الله وإرادته وتقديره، وهي أفعال الله التي تحصل من دون توهّم التحديد والتعيّن في علمه.

4. إنّ جميع ما سوى الله حقيقتاً حادث ومسبوق بالعدم المحض من المنظار الدينيّ؛ والأزليّة منحصرة بالله تعالى بمعنى أنّه لم يكن مع الله شيء _ لا في مرتبة الأُلوهيّة ولا في مرتبة المخلوقات _ ثمّ خلق الموجودات والمخلوقات. وما يُعيِّن النظام الموجود عن الأنظمة اللامتناهية في علم الله سبحانه وتعالى وقدرته، تعلّق مشيّة به.

5. إنّ الله سبحانه وتعالى لم يفرغ من الخلق في منظار الأديان الإلهيّة ولذا يستطيع أن يغيّر ويبدّل فيه. مع أنّه من منظار اليهود ومن يحذو حذوهم كلّ ما يجري في النظام الموجود من أفعال الله، يكون على طبق المشيّة الأزليّة وعلم الله تعالى محدود به ولا يمكن التغيير والتبديل فيه.

العلم منشأ البداء الإلهيّ

يقول الإمام الصادق:

إنَّ لِلَّهِ عِلمَينِ: عِلمٌ مَكنُونٌ مَخزُونٌ، لَا يَعلَمُهُ إلَّا هُوَ؛ مِن ذَلِكَ يَكُونُ البَدَاءُ. وَعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأنبِيَاءَهُ، فَنَحنُ نَعلَمُهُ.(1)


1- الكافي، ج1، ص147، ح8؛ بحارالأنوار، ج26، ص163، ح9 (الباب 12 من أبواب علومهم من كتاب الإمامة).

ص: 162

و ورد عنه إنّه قال:

مَن زَعَمَ أنَ اللَّهَ يَبدُو لَهُ فِي شَي ءٍ اليَومَ، لَم يَعلَمهُ أمسِ فَابرَءُوا مِنهُ.(1)

هذان الحديثان يشيران إلي أنّ البداء يكون بالعلم والمعرفة فقط. وكما ذكرنا فإنّ البداء هو تبديل التقدير الأوّل بالتقدير الثاني بالله سبحانه وتعالى. وبما أنّ التقديرين يكونان بمشيّة الله وإرادته وقضائه وقدره _ وكلّها أفعاله الحسنة التي صدرت عن علم وحكمة _ لا يمكن القبول بأنّ البداء وقع عن جهل الله بالموضوع. ولذا ما نُسب إلي الشيعة من أنّهم يعتقدون بالبداء الصادر عن الجهل، تهمة واضحة لا أساس لها.

البداء بالمعنى الذي أخذ به الشيعة من الأئمّة الهداة من مفاخر علوم القرآن وآية لمجد الله وعظمته وقدرته ومالكيّته. وكلّ عقيدة غير هذه تنتهي إلي مغلوليّة يد الله وأنّه قد فرغ من الأمر.

آثار الاعتقاد بالبداء

اشارة

في ظلّ الاعتقاد بالبداء تظهر مكانة الدعاء ويظهر أنّ صلة الأرحام والصدقة وزيارة سيد الشهداء وغيرها من الأعمال الصالحة يردّ القضاء، والأعمال السيّئة تسلتزم السخط الإلهيّ ومضاعفته؛ نشير إلي بعض الروايات باختصار.

الف ) الأحاديث الدالّة على أنّ الدعاء يبدّل القضاء


1- كمال الدين، ج1، ص70؛ بحارالأنوار، ج4، ص111، ح30 (الباب الثالث من أبواب الصفات من كتاب التوحيد).

ص: 163

قال الإمام الصادق:

الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبادَتِي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرين(1) ادعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَقُل إنَّ الأمرَ قَد فُرِغَ مِنه.(2)

وورد عن الإمام موسى بن جعفر:

إنَ الدُّعَاءَ يَرُدُّ مَا قُدِّرَ وَمَا لَم يُقَدَّر. قَالَ: قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ، هَذَا مَا قُدِّرَ قَد عَرَفنَاهُ أ فَرَأيتَ مَا لَم يُقَدَّر؟ قَالَ: حَتَّى لَا يُقَدَّرَ.(3)

وقال الإمام الصادق:

الدُّعَاءُ يَرُدُّ القَضَاءَ، بَعدَ مَا أُبرِمَ إبرَاماً.(4)

تدلّ هذه الأحاديث علي فضل الدعاء وتحثّ العباد على الإرتباط بالله والمسألة منه. فالدعاء إقرار عملي للداعي بالفقر والإحتياج إلي الله تعالى،


1- غافر (40)، الآية 61.
2- الكافي، ج2، ص467، ح7؛ وسائل الشيعة، ج7، ص24، ح4 [8602] (الباب الأوّل من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة).
3- بحارالأنوار، ج90، ص297، ح27 (الباب 16 من أبواب الدعاء من كتاب القرآن)؛ مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، ج5، ص165، ح13 [5571] (الباب الثاني من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة).
4- الكافي، ج2، ص470، ح7؛ بحارالأنوار، ج90، ص295، ح23 (الباب 16 من أبواب الدعاء من كتاب القرآن).

ص: 164

لأنّ الله هو المنجي من المصائب والابتلائات؛ وإنّ رفع المصائب وقضاء الحوائج ونزول البركات يكون بيد قدرته؛ وإنّه هو المكرِم عباده المؤمنين بأنواع الكرامات؛ فلا يوجد مفرّ للموحّدين من التوسّل إلي الله بواسطة الدعاء والتضرّع إليه والإيمان بأنّه عالم بحوائج الجميع وقادر على قضائها.

إنّ الشيطان أحياناً يُلقي الناس في وادي اليأس من الله وذلك بواسطة الشبهات، وللخلاص من هذه المصيدة، يجب الإيمان بأنّ الله لا يقطع أمل الراجين به، ولا يردّ دعوة عبده، وإنّه لم يفرغ من الأمر، وإنّه أمرنا بالدعاء ووعدنا الإجابة:

وَإذا سَألَكَ عِبادي عَنِّي فَإنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إذا دَعانِ فَليَستَجيبُوا لي وَليُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُون .(1)

ب) الأحاديث الدالّة على وقوع البداء بواسطة صلة الأرحام وإعطاء الصدقة وزيارة سيّد الشهداء

قال الإمام الصادق عن النبيّ:

صِلَةُ الرَّحِمِ، تَزِيدُ فِي العُمُر.(2)

وقال الإمام الباقر:

بِرُّ وَالصَّدَقَةُ يَنفِيَانِ الفَقرَ، وَيَزِيدَانِ فِي العُمُرِ، وَيَدفَعَانِ تِسعِينَ مِيتَةَ


1- البقرة (2) الآية 186.
2- معاني الأخبار، ص264، ح1؛ بحارالأنوار، ج 71، ص94، ح24 (الباب الثالث من أبواب آداب العشرة بين ذوي الأرحام و... من كتاب العشرة).

ص: 165

السَّوءِ.(1)

وقال الإمام الصادق:

يَا عَبدَ المَلِكِ! لَا تَدَع زِيَارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُر أصحَابَكَ بِذَلِكَ يَمُدُّ اللَّهُ فِي عُمُرِكَ، وَيَزِيدُ اللَّهُ فِي رِزقِكَ وَيُحيِيكَ اللَّهُ سَعِيداً وَلَا تَمُوتُ إلَّا سَعِيداً وَيَكتُبُكَ سَعِيداً.(2)


1- الكافي، ج4، ص2، ح2؛ بحارالأنوار ج 93، ص119، ح17 (الباب 14 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة و الصدقة).
2- كامل الزيارات، ص151، ح5؛ بحارالأنوار، ج 98، ص47، ح12 (الباب السادس من أبواب فضل زيارة سيّد شباب أهل الجنة... من كتاب المزار).

ص: 166

10تحدّي القرآن وإعجازه

ضرورة الإعجاز

ص: 167

ص: 168

ص: 169

في سياق بيان قصص الأنبياء وأحوالهم مع أُممهم يثبت القرآن الكريم أنّ أُولئك الأنبياء كانت لهم الآيات والمعاجز التي جاؤوا بها بإذن الله تعالى لإثبات النبوّة وصدق الرسالة.

وفي الحقيقة أنّ النبوّة والرسالة ثبوتاً، هي النور والتعليم والهداية الإلهيّة، فهي خارجة عن وجود النبيّ أو الرسول، يفيضها الله على أنبيائه ورسله على نحو خرق العادة خلافاً لقانون الطبيعة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون النبيّ أُمّياً أو لا .

وواضح أنّ التعليم الإلهيّ للأنبياء تعليم خاصّ، وسنخه وحقيقته مباين لجميع العلوم الفلسفيّة والعرفانيّة والتجريبيّة. هذا النوع من التعليم فعل الله وهو حجّة ذاتاً.

وأمّا إثباتاً بما أنّ حقيقة النبوّة والرسالة محجوبة عن عامّة الناس ولا

ص: 170

يمكن وجدانها عبر الحواس والعقول، فإنّ الأُمم انكروا دعوة أنبيائهم واستهزؤوا بها. ولأجل إيمان الناس بهذه الدعوة ويصدّقوها يلزم على الأنبياء أن يملكوا دلائل وآيات مفيدة للعلم بنبوّتهم .

إنّ معرفة صدق الأنبياء وكذبهم والإيمان بهم ممكن بواسطة العقل، والأنبياء لأجل صدق ادّعائهم قاموا بالتحدّي بما جاؤوا به من الآيات والمعاجز الواضحة .

وممّا يجب الالتفات إليه أنّه لا نحتاج إلى المعجزة للتصديق بتعاليم الأنبياء، لأنّ الإيمان بقسم من هذه التعاليم جائز شريطة معرفة صدق النبوّة ومعرفة الأنبياء، وبالقسم الآخر نحتاج إلى العلم والتذكّر والتدبّر، وبقسم ثالث كالأحكام الفرعيّة يكفي التعبّد.

إنّ السرّ في كاشفيّة المعجزة عن مقام الرسالة والنبوّة إثباتاً، هو أنّ الرسالة والنبوّة كسائر المعاجز، أمر غير عاديّ خارج عن نظام الأسباب والمسببَّات لا يمكن تصديقها بصرف الادّعاء. وظهور المعجزة بواسطة النبيّ في مقام التحدّي هو طريق ووسيلة تصديق لإعجاز آخر يُسمّىٰ بالنبوّة والرسالة، يشارك نفس المعجزة في كونه خارقاً لنظام الأسباب، لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحدٌ .

غاية الأمر أنّ المعجزة الأُولى _ أي نفس إعطاء نور النبوّة والرسالة _ خارجة عن إدراك الناس وفهمم فعلاً وآثاراً، وأمّا المعجزة الثانية التي استدلّ بها الأنبياء لإثبات ادّعائهم، لها آثار محسوسة يمكن للناس أن يفهموها. فلو جاء مدّعي النبوة والرسالة بمعجزة وآية واضحة، فإنّه لا

ص: 171

يبقى سبب لإنكار النبوّة والرسالة، بالأخصّ إذا كان في مقام التحدّي .

ومن العجيب أنّ معجزة نبيّنا الأعظم ليست كمعاجز الأنبياء السابقين، بل هي عين الرسالة والوحي الإلهيّ. فالقرآن الذي قرأه جبريل على النبيّ هو عين مصداق الرسالة ومعجزة واقعاً.

ليس القرآن حجّة وبرهان لإثبات رسالة أُخرى بل هو حجّة وبرهان لإثبات نفسه؛ فهو علم ونور وحجّة بالذات لنفسه لا يحتاج إلى غيره من المعاجز. وقد تحدّى الموافق والمخالف من الجنّ والإنس بأنّه كلام الله وأنّه نازل من عنده ووصفهم بالعجز عن الإتيان بمثله.

إعجاز القرآن

قال الله تعالي:

وَإن كُنتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلى عَبدِنا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ وادعُوا شُهَداءَكُم مِن دُونِ اللَّهِ إن كُنتُم صادِقينَ * فَإن لَم تَفعَلُوا ولَن تَفعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ؛(1)

وقُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ عَلَى أن يَأتُوا بِمِثلِ هذَا القُرآنِ لَا يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيراً.(2)


1- البقرة (2)، الآيتان 23 _ 24.
2- الإسراء (17)، الآية 88.

ص: 172

لايخفى على الباحثين والمتعلّمين أنّ ه_اهنا مقامان: مقام العجز عن الإتيان بمثل القرآن، ومقام المعرفة والعلم بأنّ القرآن حقّ لا ريب فيه وأنّه بيّنات وبصائر، وشفاء ورحمة، وبرهان من اللّ_ه ونور مبين؛ ولا يجوز الخلط بين المقامين، إذ مقام معرفة حقانيّته مختصّ بمن تربّيٰ واهتديٰ، واستنار بأنواره.

فلابدّ لمن أراد معرفة القرآن أن يعرفه حقّ المعرفة وأن لا يكابر عقله ولا يعاند فطرته، وأن يهتدي بهُدىٰ الفطرة الضروريّة، ويجتنب عن المنكرات الضروريّة والفطريّة، فمن خالف عقله ولم يهتد بما أودعه اللّ_ه فيه من الهُدىٰ فهو من الصمّ البُكم الّذين لا يعقلون، فليس مَن عجز عن الإتيان بمثل القرآن عارفاً وعالماً بأنواره وتجلّياته. وأنّ من يدّعي التحدّي والتعجيز على نحو خارق للعادة وناقض للطبيعة، لابدّ من تعميم دعواه وتحدّيه، إذ ليس هو في مقام تحدّي الأشخاص، بل هو في مقام تحدّي المجتمع البشريّ والمبارزة والمغالبة بينه وبين المجتمع، لا الأفراد والأشخاص. فلو غلب القرآن فرداً من الأفراد أو عدّة منهم ولم يغلب الكلّ فليس بغالب. بداهة أنّ عجزالمجتمع بمجموعه، دليل قطعيّ على عجز كلّ فرد وفرد، فملاك الأمر هو عجزهم وخذلانهم سواء علموا أنّه من عند اللّ_ه وأنّه نورٌ وهُدىٰ للعالمين أم لا.

فالدهريّة والمعطّلة الّذين ينكرون الصانع والتوحيد والعقل والعلم، أشدّ عجزاً عن الإتيان بمثل هذه المعارف الإلهيّة والحقائق النوريّة من المبدأ والتوحيد وأسماء اللّ_ه تعالى وصفاته وكمالاته ونعوته، والعوالم الأُخرويّة السرمديّة من الجنّة والنار وسكّانهما وما يرجع إليه عاقبة أمر المؤمنين والملحدين.

ص: 173

ودونهم في العجز والخذلان، أهل الكتاب وغيرهم من الأُمم الّذين ألحدوا في طريق عرفانه تعالى بعد نداء القرآن بهذه المعارف العاليّة وبعد تنوّر أهل العالم بهذا النور المبين.

وأمّا الأُمّة الاسلاميّة؛ فمن كان عارفاً بعظمائها يعلم أنّهم ما بلغوا من المجد والكمال إلّا في ظلّ تربية القرآن، وأنّهم خطوا خطوات ساميّة في هذا المجال؛ فهم شهداء الحقّ على أنّ الرسول قد أتى بهذا النور القاهر، والبرهان الساطع الذي تحيّرت فيه العقول والألباب.

ومن هذه الأُمّة أيضاً من قد اشتبه عليه الأمر وتوهّم أنّ القرآن المبين ومعارفه من سنخ تصوّرات اليونانيّين ولم يعرف أُفق أنوار القرآن ومعارفه، ومباينته لما قاله المتصوّفون والمتفلسفون.(1)

فتبيّن ممّا ذكرنا أنّ الحقّ هو تعميم مورد التحدّي والتعجيز، لكلّ من كان مكلَّفا من العرب والعجم، والخواصّ والعوامّ، والجنّ والإنس، والحاضر عصر النزول والغائب عنه، لا فُصَحاء العرب خاصّة، ولا العرب خاصّة، ولا الخواصّ فقط، ولا الإنس خاصّة.

وجه التحدّي والإعجاز

يظهر ممّا ذكرنا في مورد التحدّي والتعجيز وجه التحدّي أيضاً، فإنّه إذا كان مورد التحدّي عامّاً لِلإنس والجنّ أجمعين، لا فصحاء العرب وبلغاءهم فقط؛ يظهر أنّ وجه التحدّي والتعجيز أيضاً ليس هو الفصاحة والبلاغة


1- لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب أبواب الهدي (لميرزا مهديّ الإصفهانيّ)، ص235 _ 281.

ص: 174

خاصّة، سواء كان التعجيز بمجموع القرآن أو بأبعاضه.

فالقول بأنّ وجه التحدّي هو الفصاحة، باطل رأساً لا شاهد عليه. وسرّ هذا القول ليس إلّا أنّ القائل به لمّا رأى أنّ مرتبة فصاحة القرآن وبلاغته فوق طاقة الفصحاء والبلغاء، وخارق للعادة، حمل أدلّة التحدّي والتعجيز على ذلك. ولكن بالتوجّه إلى مقام الرسالة أو القرآن، يعلم أنّ التحدّي والتعجيز بالفصاحة لأمثال امرئ القيس، تحقير لمقام الرسالة والقرآن الكريم، فإنّ امرئ القيس ونُظَراءه، أنزل قَدَراً من أن يريد اللّ_ه تعالى تعجيزهم وتحدّيهم بالقرآن. وليس هذا هو شأن خاتم الأنبياء المصلح الوحيد في المجتمع البشريّ؛ هذا أوّلاً.

ثانياً: إنّ الإعجاز لا يتمّ إلّا بتعجيز الكلّ في جميع الشؤون فلو لم يعجز الكلّ فلا يكون إعجازاً على الإطلاق، بل يكون إعجازاً للعرب في مسألة الفصاحة والبلاغة؛ فكيف يكون تعجيزهم دليلاً وحجّة على سائر الملل والأُمم؟! وعليه لا يمكن الاستناد إلى عجز العرب لمعرفة إعجاز القرآن ولا يمكن عجزهم دليل على إعجازه.

ثالثاً: لو كانت الفصاحة والبلاغة وجهاً لتحدّي القرآن، فلازمه أن يكون كلام اللّ_ه من سنخ كلامهم، وفصاحته أيضاً من سنخ فصاحتهم، وأدلّة الباب من الآيات والروايات تتأبّى عن ذلك، إذ مفادها أنّ اللّ_ه تعالى ليس كمثله شيء من جميع الوجوه(1)، وأنّ كلامه تعالى لا يشابه كلام البشر؛


1- لمزيد من الاطّلاع من هذه الآيات والروايات راجع إلي كتاب ميزان المطالب، (لميرزا جواد الطهرانيّ)، ص33 _ 42.

ص: 175

لا أن يكون كلامه تعالى أعلى من كلام مخلوقاته على وجه التشكيك والإختلاف في الضعف والشدّة، والإعجاز بهذا النحو. بل أنّ كلامه تعالى لا يقاس أصلاً بكلام غيره، كما أنّ ذاته لا يقاس بشيء من مخلوقاته.(1)

نعم، لا إشكال في القول بفصاحة القرآن بالمعنى اللغويّ وبلاغته؛ فإنّ الفصاحة في اللّغة، الإبانة والخلوص والظهور والتكلّم بالعربيّة.

قال في لسان العرب:

فَصُح الأعجميُّ _ بالضمّ _ فَصاحةً: تكلّم بالعربيّة وفُهِمَ عنه... . وَالفَصِيحُ في اللّغة: المنطلق اللسان في القول، الذي يَعرف جَيِّدَ الكلام من رَدِيئِه... . وَأفصَحَتِ الشاةُ وَالناقة: خَلَصَ لَبنَهُما... . وَأفصَحَ الصُّبحُ: بدا ضوؤُه واستبان. وكلّ ما وَضَحَ، فقد أفصَحَ. وكلُّ واضح: مُفصِحَ.(2)

وفيه أيضاً:

والبَلاغةُ: الفَصاحةُ. وَالبَلغُ وَالبِلغُ: البَلِيغُ من الرجال. ورجل بَلِيغٌ وبَلغٌ وبِلغٌ، حَسَنُ الكلام: فَصِيحُه يبلغ بعبارة لسانه كُنهَ ما في قلبه.(3)

فلا كلام في بلوغ فصاحة القرآن وبلاغته حدّ الإعجاز التامّ بالمعنى اللغويّ.


1- لمزيد من الاطّلاع راجع: رسالة في وجه إعجاز كلام الله المجيد في كتاب رسائل شناخت قرآن (لميرزا مهديّ الإصفهانيّ)، ص177 _ 184.
2- لسان العرب، ج2، ص544.
3- لسان العرب، ج8، ص420.

ص: 176

وأمّا وجه تحدّي القرآن وإعجازه، فالواجب استنباطه من لسان الكتاب والسنّة وتاريخ نزول القرآن وما عارض به النبيّ المكابرين والمعاندين.(1)

نماذج تاريخيّة من تأثير القرآن

ورد في السيرة النبويّة لابن هشام:

ثمّ إنّ الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سنّ فيهم، وقد حضر الموسم. فقال لهم: يا معشر قريش، إنّه قد حضر هذا الموسم وإنّ وفود العرب ستقدّم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا، فيكذّب بعضكم بعضاً، ويردّ قولكم بعضه بعضاً.

قالوا: فأنت _ يا أبا عبد شمس _ فقُل وأقِم لنا رأيًا نَقُل به. قال: بل أنتم فقولوا، أسمع.

قالوا: نقول: كاهن. قال: لا واللّ_ه، ما هو بكاهن. لقد رأينا الكهّان؛ فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه.

قالوا: فنقول: مجنون. قال: ما هو بمجنون. لقد رأينا الجنون وعرفناه؛ فما هوبخَنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.

قالوا: فنقول: شاعر. قال: ما هو بشاعر. لقد عرفنا الشعر كلّه؛ رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه؛ فما هو بالشعر.


1- . لمزيد من الاطّلاع راجع: رسالة رسائل القرآن والفرقان فى كتاب رسائل شناخت قرآن (لميرزا مهديّ الإصفهانىّ).

ص: 177

قالوا: فنقول: ساحر. قال: ما هو بساحر. لقد رأينا السُّحّار وسحرهم؛ فما هوبنفثهم ولا عقدهم.

قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: واللّ_ه إنّ لقوله لحلاوة. وإنّ أصله لَعذق. وإنّ فرعه لجناة... وإنّ أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته.

فتفرّقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسُبُل النّاس، حين قدموا الموسم، لا يمرّ بهم أحد إلّا حذّروه إيّاه وذكروا لهم أمره. فأنزل اللّ_ه تعالى في الوليد بن المغيرة وفي ذلك من قوله:

ذَرنِي وَمَن خَلَقتُ وَحِيداً * وَجَعَلتُ لَهُ مَالاً مَمدُوداً * وَبَنينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُ لَهُ تَمهِيداً * ثُمَّ يَطمَعُ أن أزَيدَ * كَلَّا إنَّهُ كَانَ لِآياتِنَا عَنِيداً .(1)(2)

ورد في تفسير القمّيّ، ذيل الآية:

فإنّها نزلت في الوليد بن المغيرة. وكان شيخاً كبيراً مجرّباً من دُهاة العرب. وكان من المستهزئين برسول اللّ_ه. وكان رسول اللّ_ه يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن. فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا أبا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمّد؟أشعر هو


1- المدثر (74)، الآيات 11 _ 16 .
2- السّيرة النبويّة، ج1، ص270.

ص: 178

أم كهانه أم خطب؟فقال: دعوني أسمع كلامه. فدنا من رسول اللّ_ه فقال: يا محمّد أنشدني من شعرك.

قال: ما هو شعر ولكنّه كلام اللّ_ه الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه. فقال: اتل عليّ منه شيئاً.

فقرأ رسول اللّ_ه حم السجدة، فلمّا بلغ قوله: فَإن أعرَضُوا(1) _ يا محمّد أعني قريشاً _ «فقل»لهم؛ أنذَرتُكُم صَاعِقَةً مِثلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وثَمُودَ(2) قال: فاقشعرّ الوليد وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته. ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك.

فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم إنّ أبا عبد شمس صبا إلى دين محمّد. أما تراه لم يرجع إلينا؟

فغدا أبوجهل إلى الوليد فقال له: يا عمّ نكست رؤوسنا وفضحتنا، وأشمتّ بنا عدوّنا، وصبوت إلى دين محمّد.

فقال: ما صبوت إلى دينه، ولكنّي سمعت منه كلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود!

فقال له أبوجهل: أخطب هو؟قال: لا، إنّ الخطب كلام متّصل. وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضاً.

قال: أفشعر هو؟ قال: لا، أما إنّي قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها، ورملها ورجزها وما هو بشعر.


1- فصّلت (41)، الآية 13.
2- فصّلت (41)، الآية 13.

ص: 179

قال: فما هو؟ قال: دعني أُفكّر فيه، فلمّا كان من الغد؛ قالوا: يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟قال: قولوا: هو سحر فإنّه أخذ بقلوب الناس، فأنزل اللّ_ه على رسوله في ذلك: ذَرنِي وَمَن خَلَقتُ وَحِيداً .(1)(2)

وفي بحارالأنوار، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم أنّه قال:

قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب وهما من الخزرج وكان بين الأوس والخزرج، حرب قد بقوا فيها دهراً طويلاً وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث، وكانت للأوس على الخزرج.

فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة. فنزل عليه فقال له: إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم.

فقال له عتبة: بعدت دارنا من داركم، ولنا شغل لا نتفرّغ لشي ء. قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟

قال: له عتبة خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول اللّه سفّه أحلامنا،


1- المدّثر (74)، الآية 11.
2- تفسير القمّيّ، ج2، ص393؛ بحارالأنوار، ج9، ص244، ح148 (الباب الأوّل من كتاب الاحتجاج).

ص: 180

وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّابنا، وفرّق جماعتنا. فقال له أسعد: من هو منكم؟

قال: ابن عبداللّه بن عبد المطّلب، من أوسطنا شرفاً، وأعظمنا بيتاً. وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الّذين كانوا بينهم: النضير وقريظة وقينقاع، أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب. فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود، قال: فأين هو؟

قال: جالس فى الحجر، وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم، فلا تسمع منه ولا تكلّمه فإنّه ساحر يسحرك بكلامه وكان هذا فى وقت محاصرة بني هاشم فى الشعب.

فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر لابدّ لى أن أطوف بالبيت؟ قال: ضع فى أذنيك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن. فطاف بالبيت ورسول اللّه جالس في الحجر مع قوم من بنى هاشم، فنظر إليه نظرةً فجازه. فلمّا كان في الشّوط الثّاني قال في نفسه: ما أجد أجهل منّي.(1) أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا أتعرّفه حتّى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟


1- في نسخة: ما أحد أجهل منيّ.

ص: 181

ثمّ أخذ القطن من أذنيه ورمى به وقال لرسول اللّه: أنعم صباحاً. فرفع رسول اللّه رأسه إليه وقال: قد أبدلنا اللّه به ما هو أحسن من هذا. تحيّة أهل الجنّة: السّلام عليكم.

فقال له أسعد: إنّ عهدك بهذا لقريب. إلى ما تدعو يا محمّد؟

قال: إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّي رسول اللّه، وأدعوكم إلى

أن لا تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوالِدَينِ إحساناً وَلَا تَقتُلُوا أولَادَكُم مِن إملَاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وإيَّاهُم وَلَا تَقرَبُوا الفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنها وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالحَقِّ ذلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ وَلَا تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسَنُ حَتَّى يَبلُغَ أشُدَّهُ وَأوفُوا الكَيلَ والمِيزَانَ بِالقِسطِ لَا نُكَلِّفُ نَفساً إلَّا وُسعَهَا وَإذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربى وَبِعَهدِ اللَّهِ أوفُوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ.(1)

فلمّا سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلّا اللّه. وأنّك رسول اللّه... . فلمّا قرب أسيد منهم قال: يا أبا أمامة يقول لك خالك: لا تأتنا في نادينا، ولا تفسد شبّاننا واحذر الأوس على نفسك. فقال مصعب: أو تجلس فنعرض عليك أمراً، فإن أحببته دخلت فيه وإن كرهته نحّينا عنك ما تكره. فجلس فقرأ عليه سورةً من القرآن فقال: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟


1- الأنعام (6)، الآيتان 151 _ 152.

ص: 182

قال: نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين، ونشهد الشهادتين، ونصلّي ركعتين، فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر، ثمّ خرج وعصر ثوبه ثمّ قال: اعرض عليّ، فعرض عليه شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه فقالها ثمّ صلّى ركعتين... .(1)

إعجاز القرآن في علومه ومعارفه

إنّ بعض المعاندين رمى القرآن بأنّه أساطير الأوّلين وادّعي أنّ رسول الله تقوّله واختلقه من نفسه. قال تعالى:

وَإذَا قِيلَ لَهُم مَا ذَا أنزَلَ رَبُّكُم قَالُوا أسَاطِيرُ الأوَّلِينَ؛(2)

وَإذَا تُتلى عَلَيهِم آيَاتُنَا قَالُوا قَد سَمِعنَا لَو نَشَاءُ لَقُلنَا مِثلَ هَذَا إن هَذَا إلَّا أسَاطيرُ الأوَّلِينَ؛(3)

وَقَالَ الَّذينَ كَفَرُوا إن هَذَا إلَّا إفكٌ افتَراهُ وَأعَانَهُ عَلَيهِ قَومٌ آخَرُونَ فَقَد جَاؤُ ظُلماً وزُوراً * وقَالُوا أسَاطِيرُ الأوَّلينَ اكتَتَبَهَا فَهِيَ تُملى عَلَيهِ بُكرَةً وأصِيلاً؛(4)

إنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرٍ قَليلاً مَا تُؤمِنُونَ *


1- بحارالأنوار، ج19، ص8، ح5 (الباب الخامس من أبواب احواله من البعثة إلي نزول المدينة من كتاب تاريخ نبيّنا)؛ إعلام الوري بأعلام الهدي، ص55.
2- النحل (16)، الآية 24.
3- الأنفال (8)، الآية 31
4- الفرقان (25)، الآيتان 4 _ 5.

ص: 183

وَلَا بِقَولِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ * وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعضَ الأقَاوِيلِ * لَأخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ * ثُمَّ لَقَطَعنَا مِنهُ الوَتينَ * فَمَا مِنكُم مِن أحَدٍ عَنهُ حَاجِزِينَ.(1)

فرمي القرآن بأنّه إفك أو أساطير الأوّلين أو أنّه قول شاعر مجنون أو قول كاهن، وأمثال ذلك؛ وكذلك رمي رسول اللّ_ه بأنّه مسحور أومجنون، كلّه راجع إلى مفاد القرآن ودعوته ومقاصده لا فصاحته وبلاغته. وكذلك إنكار وحدانيّة الله واتخاذ الشريك له واستبعاد المعاد الجسمانيّ وسائر معاندة المشركين ولجاجتهم يرجع إلي علوم القرآن ومعارفه.

قال الله تعالى:

وَقَالَ الكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ * أ جَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحِداً إنَّ هذا لَشَي ءٌ عُجابٌ؛(2)

و وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلقَهُ قالَ مَن يُحيِ العِظامَ وَهِيَ رَميمٌ * قُل يُحيِيهَا الَّذِي أنشَأهَا أوَّلَ مَرَّةٍ وهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ.(3)

فتبيّن ممّا ذكرنا أنّ المكابرين والمعارضين للقرآن إنّما رموه واعترضوا عليه لأجل مقاصده ومواعظه وهداياته.

فإن قيل: ما هو المحذور من تحدّي القرآن بالفصاحة والبلاغة المصطلحة المستحدثة ؟


1- حاقة (69)، الآيتان 40 _ 47.
2- ص (38)، الآيتان 4 _ 5.
3- يس (36)، الآيتان 78 _ 79.

ص: 184

قلت: الكلام في التحدّي بالمعنى المصطلح، يقع تارةً بالنظر إلى مقام الإثبات وتارةً بالنظر إلى مقام الثبوت؛ وأمّا الجهة الأُولى فقد قدّمنا شطراً من الكلام فيه وأنّه لا شاهد ولا دليل عليه بحسب الكتاب والسنّة. وأمّا بحسب الواقع والثبوت، فبديهيّ أنّ المهمّ عقد البحث في أنّه هل يمكن أن تكون الفصاحة والبلاغة بالمعنى المصطلح وجهاً للتحدّي أم لا؟

فنقول: الفصاحة والبلاغة والتحدّي بهما لخصوص فصحاء العرب أو لجميع الناس ممّا لا فائدة فيه؛ فإنّ الشؤون الراجعة إلى مقام النبوّة ومنزلة السفارة والخلافة، هي إصلاح المجتمع البشريّ وتطهيرهم من القذارات، وتعديلهم عن الانحرافات، وسوقهم وهدايتهم إلى الكمالات الراقية؛ فلا محالة يكون إعجازه من جنس ما بعث لأجله.

فإن قيل: فأيّ مانع من أن لا يكون التعجيز _ الذي مرجعه إلى التعجيز بالعلم والقدرة الخارقَين للعادة والطبيعة _ من جنس الشؤون الراجعة إلى مقام الرسالة، فإنّ إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وقلب العصا ثُعباناً، وشق البحر وأمثالها، ليس من سنخ ما بعث الرسول لأجله، وإنّما هي آيات وبراهين لإثبات النبوّة.

قلت: نعم، إلّا أنّ الفصاحة والبلاغة المصطلحة لا تقاس بآيات الأنبياء وبراهينهم؛ لأنّ الإعجاز لابدّ أن يكون خارقاً للعادة والطبيعة ومبايناً ذاتاً وسنخاً لسنخ أفعال البشر، والفصاحة والبلاغة لهما حدود مقدورة للبشر والحدّ الأعلى منهما خارج عن قدرة البشر، ومع ذلك من سنخ ما يكون تحت قدرة البشر، وقد صرّح بذلك من قال بأنّ وجه التحدّي هو الفصاحة

ص: 185

والبلاغة. فالمقايسة بين الفصاحة وإحياء الموتى وغيره من آيات الأنبياء ممّا لا وجه له. فإنّ إحياء الموتى وسائر براهين الأنبياء ليس أمراً قابلاً للتشكيك، بأن يكون قسماً منه فوق طاقة البشر وقسماً منه مقدور له، بل هي حقيقة واحدة مختصّة به تعالى ومن أفعاله جلّ شأنه، وأفعاله تعالى لا كيف لها ولا يمكن تعقّلها وتصوّرها وتوهّمها. وهكذا فصاحة القرآن، فإنّه وإن لم يُتحدَّ بها ولكنّها فوق فصاحة البشر وخارقة لها، لا بمعنى كونها أعلى درجات الفصاحة المصطلحة، وإنّما هي كما مرّ ليست من نفس السنخ، فهي فعل من أفعال اللّ_ه التي ليس لها مثيل.

إن قلت: رواية ابن السكّيت عن أبي الحسن الرضا دالّة على أنّ الإعجاز في القرآن إنّما هو بالفصاحة.

ففي الكافي، عن الحسين بن محمّد، عن أحمد بن محمّد السيّاريّ، عن أبي يعقوب البغداديّ قال: قال ابن السكّيت لأبِي الحسنِ: لِمَاذا بعث الله موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطبّ؟ وبعث محمداً وعلى جميع الأنبياء بالكلام والخطب؟ فقال أبو الحسنِ:

إنَّ اللَّهَ لَمَّا بَعَثَ مُوسَى كَانَ الغَالِبُ عَلَى أهلِ عَصرِهِ السِّحرَ، فَأتَاهُم مِن عِندِ اللَّهِ بِمَا لم يَكُن فِي وُسعِهِم مِثلُهُ، وَمَا أبطَلَ بِهِ سِحرَهُم، وَأثبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَيهِم. وَإنَّ اللَّهَ بَعَثَ عِيسَى فِي وَقتٍ قَد ظَهَرَت فِيهِ الزَّمَانَاتُ وَاحتَاجَ النَّاسُ إلَى الطِّبِّ فَأتَاهُم مِن عِندِ اللَّهِ بِمَا لم يَكُن عِندَهُم مِثلُهُ، وَبِمَا أحيَا لَهُمُ المَوتَى،

ص: 186

وَأبرَأ الأكمَهَ وَالأبرَصَ بِإذنِ اللَّهِ، وَأثبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَيهِم. وَإنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً فِي وَقتٍ كَانَ الغَالِبُ عَلَى أهلِ عَصرِهِ الخُطَبَ وَالكَلَام _ وَأظُنُّهُ قَالَ: الشِّعرَ _ فَأتَاهُم مِن عِندِ اللَّهِ مِن مَوَاعِظِهِ وَحِكَمِهِ مَا أبطَلَ بِهِ قَولَهُم وَأثبَتَ بِهِ الحُجَّةَ عَلَيهِم... .(1)

قلت: كلّا، فإنّ الرواية الشريفة تبحث عن سنّة اللّ_ه تعالى وصنعه الحكيم في آيات الأنبياء وتذكّر أنّ اللّ_ه تعالى اختار لكلّ من أنبيائه براهين وآيات متناسبة مع زمانهم. وليست فيها دلالة على أنّ برهان موسى من سنخ السحر، وبرهان عيسى من سنخ الطِّبابة، وبرهان نبيّنا من سنخ الكلام البشريّ، وأنّ ما جاء به موسى هو الطرف الأعلى من السحر، وكذلك ما جاء به عيسى هو الطرف الأعلى من الطِّبابة، وما جاء به رسول اللّ_ه هو الطرف الأعلى من الفصاحة المصطلحة.

وفي الحديث الشريف نصّ علي أنّ رسول الله جاء من عند اللّ_ه بالمواعظ والحكم، وبما أبطل به قولهم. وليس فيه أنّ إعجاز الكلام بالفصاحة والبلاغة المصطلحة، بل إنّ في عدوله من لفظ «الكلام» إلي قوله: «مَوَاعِظِهِ وَحِكَمِهِ» دلالة على أنّ كلامه مواعظ وحِكَم.

القرآن كلام الله

اتّضح من جميع ما ذكرنا أنّه لا دليل على أنّ وجه التحدّي هو الفصاحة والبلاغة


1- الكافي، ج1، ص24، ح20؛ بحارالأنوار، ج17، ص210، ح15 (الباب الأوّل من أبواب معجزاته من كتاب تاريخ نبيّنا).

ص: 187

المصطلحة. وعُلِمَ أنّ جنس الإعجاز بعد الفراغ عن كونه خارقاً للعادة والطبيعة، لابدّ أن يكون مبايناً لأفعال البشر. فإنّ الإعجاز فِعل اللّ_ه تعالى وهو خارج عن السنن الطبيعيّة مستنداً إلى مشيئته جلّ ثناؤه. والآيات والأخبار تصرّح بأنّ القرآن كلام اللّ_ه سبحانه. قال تعالى:

أفَتَطمَعُونَ أن يُؤمِنُوا لَكُم وَقَد كانَ فَريقٌ مِنهُم يَسمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُم يَعلَمُونَ؛(1)

وَإن أحَدٌ مِنَ المُشرِكِينَ استَجارَكَ فَأجِرهُ حَتَّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبلِغهُ مَأمَنَهُ ذَلِكَ بِأنَّهُم قَومٌ لَا يَعلَمُونَ.(2)

ورد في التوحيد عن سالم سألت أبا عبد الله عن القرآن، فقال:

هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَقَولُ اللَّهِ وَكِتَابُ اللَّهِ وَوَحيُ اللَّهِ وَتَنزِيلُه... .(3)

وفيه، عن أحمد بن زياد مسنداً عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا عليّ بن موسى: يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال:

لَيسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ.(4)


1- لبقرة (2)، الآية 75.
2- التوبة (9)، الآية 6 .
3- التوحيد، ص224، ح3 (الباب 30)؛ بحارالأنوار، ج89، ص117، ح3.
4- التوحيد، ص223، ح1 (الباب 30)؛ بحارالأنوار، ج89، ص117، ح1 (الباب 14 من أبواب فضله وأحكامه وإعجازه من كتاب القرآن).

ص: 188

وفيه أيضاً، عن جعفر بن محمّد بن مسرور مسنداً عن الريّان بن الصلت قال: قلت للرضا: ما تقول في القرآن؟ فقال:

كَلَامُ اللَّهِ لا تَتَجَاوَزُوهُ، وَلَا تَطلُبُوا الهُدَى فِي غَيرِهِ فَتَضِلُّوا.(1)

وفيه، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّ_ه بن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ قال: كتب عليّ بن محمّد بنِ عليّ بنِ موسى الرضا إلى بعض شيعته ببغداد:

بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ. عَصَمَنَا اللَّهُ وَإيَّاكَ مِنَ الفِتنَةِ، فَإن يَفعَل فَقَد أعظَمَ بِهَا نِعمَةً وَإن لَا يَفعَل فَهِيَ الهَلكَةُ، نَحنُ نَرَى أنَّ الجِدَالَ فِي القُرآنِ بِدعَةٌ، اشتَرَكَ فِيهَا السَّائِلُ وَالمُجِيبُ. فَيَتَعَاطَى السَّائِلُ مَا لَيسَ لَهُ، وَيَتَكَلَّفُ المُجِيبُ مَا لَيسَ عَلَيهِ. ولَيسَ الخَالِقُ إلَّا اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ومَا سِوَاهُ مَخلُوقٌ، والقُرآنُ كَلَامُ اللَّهِ، لا تَجعَل لَهُ اسماً مِن عِندِكَ فَتَكُونَ مِنَ الضَّالِّينَ. جَعَلَنَا اللَّهُ وإيَّاكَ مِنَ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَهُم مِنَ السَّاعَةِ مُشفِقُونَ .(2)(3)

وفيه أيضاً، عن الحسين بن إبراهيم مسنداً عن سليمان بن جعفر الجعفريّ قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر: يا ابن رسول اللهِ ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا؟ فقال قوم إنّه مخلوق. وقال قوم: إنه غير مخلوق. فقال:


1- التوحيد، ص223، ح2؛ بحارالأنوار، ج89، ص117، ح2.
2- الأنبياء (21)، الآية 49.
3- التوحيد، ص224، ح4؛ بحارالأنوار، ج89، ص118، ح4.

ص: 189

أمَا إنِّي لَا أقُولُ فِي ذَلِكَ مَا يَقُولُونَ: وَلَكِنِّي أقُولُ: إنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ.(1)

الذي يظهر من التاريخ وكلمات الأعلام، أنّه شاع بين العامّة مسألة قِدَم القرآن وحدوثه وكونه خالقاً أو مخلوقاً. واشتدّ الخصام والتنازع وكفّر بعضهم بعضاً ورفع الأمر إلى خلفاء الوقت وانجرّ الأمر إلى الضرب والقتل والتوهين. وأئمّة أهل البيت وقعوا في مخمصة هذه الخرافة وفي خلال كلماتهم صرّحوا بمحض الحقّ مراعاة للتقيّة.

ورد في الاحتجاج، عن صفوان بن يحيى أنّه قال: سألني أبوقرّة المحدّث صاحب شبرمة أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا فاستأذنته فأذن له، فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والفرائض والأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له: ... فما تقول في الكتب؟ فقال أبوالحسن:

التَّورَاةُ والإنجِيلُ والزَّبُورُ والفُرقَانُ وكُلُ كِتَابٍ أُنزِلَ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، أنزَلَهُ لِلعَالَمِينَ نُوراً وهُدًى، وهِيَ كُلُّهَا مُحدَثَةٌ وهِيَ غَيرُ اللَّهِ، حَيثُ يَقُولُ أو يُحدِثُ لَهُم ذِكراً.(2)

وقَالَ: مَا يَأتِيهِم مِن ذِكرٍ مِن رَبِّهِم مُحدَثٍ إلَّا استَمَعُوهُ وهُم يَلعَبُون(3). واللَّهُ أحدَثَ الكُتُبَ كُلَّهَا الَّتِي أنزَلَهَا.

فَقَالَ أبُوقُرَّةَ: فَهَل تَفنَى؟


1- . التوحيد، ص224، ح5؛ بحارالأنوار، ج89، ص118، ح5.
2- طه (20)، الآية 113.
3- الأنبياء (21)، الآية 2.

ص: 190

فَقَالَ أبُوالحَسَنِ: أجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى أنَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَانٍ ومَا سِوَى اللَّهِ فِعلُ اللَّهِ، وَالتَّورَاةُ وَالإنجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالفُرقَانُ فِعلُ اللَّهِ؛ ألم تَسمَعِ النَّاسَ يَقُولُونَ: رَبُّ القُرآنِ. وَإنَّ القُرآنَ يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ: يَا رَبِّ، هَذَا فُلَانٌ _ وهُوَ أعرَفُ بِهِ منه _ قَد أظمَأتُ نَهَارَهُ، وَأسهَرتُ لَيلَهُ، فَشَفِّعنِي فِيهِ. وَكَذَلِكَ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ وَالزَّبُورُ كُلُّهَا مُحدَثَةٌ مَربُوبَةٌ. أحدَثَهَا مَن لَيسَ كَمِثلِهِ شَي ءٌ، هُدًى لِقَومٍ يَعقِلُونَ. فَمَن زَعَمَ أنَّهُنَّ لم يَزَلنَ مَعَهُ فَقَد أظهَرَ أنَّ اللَّهَ لَيسَ بِأوَّلِ قَدِيمٍ وَلَا وَاحِدٍ، وَأنَّ الكَلَامَ لم يَزَل مَعَهُ وَلَيسَ لَهُ بَدءٌ وَلَيسَ بِإلَهٍ.(1)

فهذه التصريحات منه إبطال لما تقوّلوا من قِدَم القرآن أو أنّه خالق أو غير مخلوق.

فظهر ممّا ذكرنا من الآيات والروايات أنّ القرآن كلام اللّ_ه، نزل به الروح الأمين على سيّد المرسلين. وأنّ جسده هذه الحروف والكلمات والجُمَل، وروحه الحقائق والعلوم التي دلّ عليها القرآن، وليس النازل على الرسول المعاني فقط. وليست الألفاظ والكلمات من الرسول، ولا يمكن لقريحة البشر، أن تأتي بمثل القرآن كي يلزم ما استشكلوا من أنّ قريحة الإنسان، أمرعاديّ فكيف يعتمد ويستند إليه كلام خارق للعادة، ومن أنّ دلالة الألفاظ على المعاني بالوضع وهو أمر اعتباريّ؛ فكيف يُعقل


1- الاحتجاج، ج2، ص405؛ بحارالأنوار، ج10، ص344، ح5 (الباب 19 من أبواب احتجاجات أميرالمؤمنين من كتاب الاحتجاج).

ص: 191

أن يكون الإعجاز معلولاً للأمر الوضعيّ الاعتباريّ. فالإشكال والجواب الذي تكلّفوه لا موضوع له أساساً، إذ القرآن كلام إلهيّ وفعل اللّ_ه سبحانه، وفعل اللّ_ه سبحانه نفس الإعجاز، وإنّ الإعجاز يتحقّق من دون وساطة العلل والأسباب العادية بلا كيف ولا تعقُّل ولا تصوّر ولا توهّم.

وأمّا دلالة تلك الكلمات والجُمَل على العلوم والحقائق، فقد تقدّم أنّ للقرآن مراتب وأنّ مرتبته النازلة هي مرتبة دعوة العامّة التي يكون مخاطبها جميع الناس. وبعبارة أُخرى؛ مرتبة الدعوة العامّة تكون الظواهر والنصوص التي احتجّ اللّ_ه بها على خلقه ودعاهم إلى دينه وتوحيده وطاعته، وحذّرهم من أخذه ونقمته وبأسه، وبَشَّرَهم بمثوبته ورضوانه. ولها مراتب خاصّة أيضاً يختصّ بها الحجج والرسل لا غيرهم. ولابدّ لغيرهم من التعلّم منهم. والحمد للّ_ه ربّ العالمين. وصلّى اللّ_ه على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

ص: 192

الفهارس

فهرس الآيات الكريمة

ص: 193

ص: 194

ص: 195

الآية البقرة (2) الصفحة

24_23 وَإن كُنتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا... 171

99 وَلَقَد أنزَلنَا إلَيكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ... 57

75أفَتَطمَعُونَ أن يُؤمِنُوا لَكُم... 187

136 مَا نَنسَخ مِن آيَةٍ أو نُنسِهَا... 147

139فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّ_هُ... 152

143 وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطاً... 40

151 كَمَا أرسَلنَا فِيكُم رَسُولاً مِنكُم... 88

158 شَهرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ 49، 55

170 وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنزَلَ اللَّ_هُ... 57

186 وَإذا سَألَكَ عِبادي عَنِّي فَإنِّي قَريبٌ... 164

189وَأتُوا البُيُوتَ مِن أبوابِها... 104

237 وَإن طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أن تَمَسُّوهُنَّ... 61

259وَانظُر إلَى حِمَارِكَ 141

آل عمران (3)

4 هُدىً لِلنَّاسِ وَأنزَلَ الفُرقانَ... 50

7فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم... 67، 70،71 ، 113، 114، 131

164 لَقَد مَنَّ اللَّ_هُ عَلَى ال_مُؤمِنينَ... 88

ص: 196

النساء (4)

1خَلَقَ مِنها زَوجَها... 142

41فَكَيفَ إذا جِئنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ... 41

59أطِيعُوا اللَّ_هَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ... 103

83 وَ لَو رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلى أُولِي...10 ، 133

174 يَا أيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ... 29، 99

المائدة (5)

13 وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ... 104، 136

48 وَأنزَلنَا إلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً... 30

64 وَقالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّ_هِ مَغلُولَةٌ... 149

الأنعام (6)

38مَا فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ... 91

103 لَا تُدرِكُهُ الأبصَارُ... 79، 80

114 وَهُوَ الَّذِي أنزَلَ إلَيكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلاً... 57

151 _ 152 أن لا تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوالِدَينِ... 181

الأعراف (7)

52 _ 53 وَلَقَد جِئنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلنَاهُ... 59 ،119

188 وَلَو كُنتُ أعلَمُ الغَيبَ لَأستَكثَرتُ... 62

196إنَّ وَلِيِّيَ اللَّ_هُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ... 58

الأنفال (8)

31 وَإذَا تُتلى عَلَيهِم آيَاتُنَا قَالُوا... 182

ص: 197

التوبة (9)

6 وَإن أحَدٌ مِنَ المُشرِكِينَ استَجارَكَ... 187

29 قَاتِلُوا الَّذينَ لَا يُؤمِنُونَ بِاللَّ_هِ.. 141

119اتَّقُوا اللَّ_هَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ... 103

يونس (10)

37 _ 39 وَمَا كانَ هَذَا القُرآنُ أن يُفتَرَى... 53، 59، 119

57 يَا أيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ... 99

هود (11)

1كِتَابٌ أُحكِمَت آيَاتُهُ... 53، 58

الرعد (13)

23قُل كَفى بِاللَّ_هِ شَهيداً بَيني وَبَينَكُم... 40

39 يَمحُوا اللَّ_هُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ... 20، 139، 156

النحل (16)

24 وَإذَا قِيلَ لَهُم مَا ذَا أنزَلَ رَبُّكُم... 182

44 وَأنزَلنَا إلَيكَ الذِّكرَ... 88

84رَبَّنَا وَابعَث فِيهِم رَسُولاً مِنهُم... 88

الإسراء (17)

9إنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي... 25

88قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ... 171

105 _ 106 وَبِالحَقِّ أنزَلناهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ... 50

235 وَأوفُوا الكَيلَ... 139

ص: 198

الكهف (18)

78سَأُنَبِّئُكَ بِتَأوِيلِ مَا لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبراً... 139

82ذلِكَ تَأوِيلُ مَا لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبرا... 139

مريم (19)

20قَالَت أنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ... 61

طه (20)

5الرَّحمنُ عَلَى العَرشِ استَوى... 78

الأنبياء (21)

2 مَا يَأتِيهِم مِن ذِكرٍ مِن رَبِّهِم مُحدَثٍ... 189

49الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ... 188

الفرقان (25)

1تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرقانَ... 29، 50

4 _ 5 وَقَالَ الَّذينَ كَفَرُوا إن هَذَا... 182

السجدة (32)

1_ 2 الم * تَنزيلُ الكِتَابِ لا رَيبَ... 54

32قُل يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ المَوتِ الَّذى وُكِّلَ بِكُم... 124

الأحزاب (33)

33إنَّما يُرِيدُ اللَّ_هُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ... 129

فاطر (35)

32_ 33ثُمَّ أورَثنَا الكِتابَ الَّذِينَ اصطَفَينا... 129

ص: 199

يس (36)

1 _ 2يس * وَالقُرآنِ الحَكِيمِ 59

12 وَكُلَّ شَيءٍ أحصَينَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ... 61

78 _ 79 وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلقَهُ... 183

ص (38)

4 _ 5 وَقَالَ الكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ... 183

39كِتَابٌ أنزَلنَاهُإلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ... 25

الزمر (39)

1تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّ_هِ العَزِيزِ الحَكِيم... 58

23اللَّ_هُ نَزَّلَ أحسَنَ الحَديثِ... 131

11اللَّ_هُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوتِها... 124

غافر (40)

40إنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبادَتِي... 163

60أُدعُونِي أستَجِب لَكُم... 149

فصلت (41)

26 لَاتَسمَعُوا لِهذَا القُرآنِ... 34

51 وَإذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَريضٍ... 62

الزخرف (43)

1 _ 4 حم * وَالكِتابِ المُبينِ... 54

محمّد (47)

24 أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ... 99

ص: 200

الفتح (48)

18 لَقَد رَضِيَ اللَّ_هُ عَنِ ال_مُؤمِنينَ... 94

النجم (53)

11 _ 12 مَا كَذَبَ الفُؤادُ مَا رَأى... 79

18 لَقَد رَأى مِن آياتِ رَبِّهِ الكُبرَى... 79

القمر (54)

48ذُوقُوا مَسَّ سَقَر... 62

الواقعة (56)

77 _ 80إنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ... 54، 60، 61

الحشر (59)

21 لَو أنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ... 25، 57

الجمعة (62)

2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً... 89

المنافقون (63)

4وَإذا رَأيتَهُم تُعجِبُكَ أجسامُهُم... 108

الحاقة (69)

40 _ 47إنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ... 182

المزمل (73)

5إنَّا سَنُلقي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً... 90

المدّثر (74)

11_ 16 ذَرنِي وَمَن خَلَقتُ وَحِيداً... 177، 179

ص: 201

القيامة (75)

16 _ 19 لَاتُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ... 45، 88

23إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... 79

النازعات (79)

4_ 5فَالسَّابِقَاتِ سَبقاً... 142

القدر (97)

1إنَّا أنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ 55

ص: 202

فهرس الروايات الشريفة

ص: 203

الإمام العسكري أتَدرُونَ مَنِ المُتَمَسِّكُ... 100

الإمام الصادق أنتَ فَقِيهُ أهلِ العِرَاقِ؟ قَالَ نَعَم 43، 132

الإمام الصادق إنَّ القُرآنَ زَاجِرٌ، وَآمِرٌ، يَأمُرُ... 71

الإمام الصادق إنَّ القُرآنَ مُحكَمٌ ومُتَشَابِهٌ،... 70

الإمام الكاظم إنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ مَا قُدِّرَ وَمَا لَم يُقَدَّر 21

الإمام الصادق إنَّ اللَّ_هَ تَبَارَكَ وتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً... 103، 135

رسول اللّ_ه إنَّ الل_هَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ كِتَابِي... 30

الإمام الصادق إنَّ الل_هَ عَلَّمَ نَبِيَّهُ، التَّنزِيلَ... 122

الإمام الباقر إنَّ رَسُولَ اللَّ_هِ أفضَلُ الرَّاسِخِينَ... 121

الإمام الصادق إنَّ فِيكُم مَن يُقَاتِلُ عَلَى تَأوِيلِ... 122

الإمام الصادق إنَّ لِلقُرآنِ تَأوِيلًا فَمِنهُ مَا قَد جَاءَ... 120

الإمام الصادق إنَّ لِلَّ_هِ عِلمَينِ عِلمٌ مَكنُونٌ مَخزُونٌ... 161

الإمامالهادي بِسمِ اللَّ_هِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ. عَصَمَنَا اللَّ_هُ ... 188

الإمام الباقر بِرُّ وَالصَّدَقَةُ يَنفِيَانِ الفَقرَ... 164

الإمام الرضا التَّورَاةُ والإنجِيلُ والزَّبُورُ والفُرقَانُ... 189

أمير المؤمنين  ثُمَّ أنزَلَ عَلَيهِ الكِتَابَ نُوراً لَا تُطفَأُ 15

أمير المؤمنين  ثُمَّ إنَّ الل_هَ جَلَّ ذِكرُهُ لِسَعَةِ رَحِمَتِهِ 37

الإمام الرضا ثُمَّ التَفَتَ إلَى سُلَيمَانَ... 149

ص: 204

الإمام الصادق الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ الَّتِي ... 163

الإمام الصادق الدُّعَاءُ يَرُدُّ القَضَاءَ بَعدَ مَا أُبرِمَ إبرَاماً 163

الإمام السجاد فَاجعَلنَا مِمَّن يَرعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ 73

الإمام الصادق فَإذَا التَبَسَت عَلَيكُمُ الفِتَنُ ... 26، 41

أميرالمؤمنين  فَبَعَثَ اللَّ_هُ مُحَمَّداً بِالحَقِّ؛ لِيُخرِجَ عِبَادَهُ 29

الإمام الصادق فَرَسُولُ اللَّ_هِ أفضَلُ الرَّاسِخِينَ... 128

أمير المؤمنين  فَوَ الل_هِ لَهُوَ مُبَيِّنٌ لَكُم نُوراً وَاحِداً 17

الإمام الصادق قَالَ: الفُرقَانُ هُوَ كُلُ أمرٍ مُحكَمٍ... 50

الإمام الرضا قَالَ اللَّ_هُ جَلَّ جَلَالُهُ مَا آمَنَ بِى مَن فَسَّرَ... 97

الإمام الصادق قَالَ اللَّ_هُ عَزَّوَجَلَّ فِي لَيلَةِ القَدر... 69

الإمام الصادق القُرآنُ جُملَةُ الكِتَابِ وَالفُرقَانُ المُحكَمُ 50

الإمام الرضا لا أقُولُ كَمَا قَالُوا، ولَكِنِّي... 129

الإمام الرضا لِأنَّ اللَّ_هَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يُنزِلهُ لِزَمَانٍ... 28

رسول الله لِأنَّهُ مُتَفَرِّقُ الآيَاتِ .... 51

الإمام الصادق مَا عُظِّمَ اللَّ_هُ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثلِ البَدَاءِ 158

أمير المؤمنين  مَا نَزَلَت عَلَى رَسُولِ اللَّ_هِ آيَةٌ مِنَ القُرآنِ 120

الإمام الصادق مَعَاشِرَ النَّاسِ تَدَبَّرُوا القُرآنَ... 72، 135

الإمام الصادق مَن زَعَمَ أنَّ اللهَ يَبدُو لَهُ... 21

الإمام الصادق نَزَلَ القُرآنُ جُملَةً وَاحِدَةً فِي شَهرِ رَمَضَانَ... 63

الإمام الصادق وَمَن فَسَّرَ [بِرَأيِهِ] آيَةً ... 98

الإمام السجاد وَوَحياً أنزَلتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ... 57

فهرس مصادرالتحقيق

ص: 205

القرآن.

نهج البلاغه.

الصحيفه السجّاديّة.

التفسير المنسوب إلي الإمام الحسن العسكريّ.

1. ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين(ت 901ق). عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة. تحقيق: مجتبى عراقي. قم: منشورات دار سيّد الشهداء للنشر. الطبعة الأُولي: 1405ق.

2. ابن الفارس، أحمد بن فارس(ت 395ق). معجم مقاييس اللغة. تحقيق: عبد السلام محمّد هارون. قم: منشورات مكتب الإعلام الاسلاميّ. الطبعة الأُولي: 1404 ق.

3.ابن عربيّ، محمّد بن عليّ (ت 638ق). الفتوحات المكيّة. بيروت: منشورات دار الصادر.

4.ابن منظور، محمّد بن مكرّم(ت 711ق). لسان العرب. بيروت: منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. الطبعة الثالثة: 1414 ق.

5. الإصفهانيّ، ميرزا مهديّ (ت 1365ق). أبواب الهديٰ. تحقيق: حسين مفيد. طهران: منشورات زنبق. الطبعة الأُولي: 1387ش.

ص: 206

6. الإصفهانيّ، ميرزا مهديّ(ت 1365ق). رسائل شناخت قرآن. تحقيق: حسين مفيد. طهران: منشورات منير. الطبعة الأُولي: 1388ش.

7. البحرانيّ، السيّد هاشم (ت1107ق). البرهان في تفسير القرآن. قم: منشورات قسم الدرسات الاسلاميّة مؤسسه البعثة. الطبعة الأُولي: 1374 ش.

8. البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد(ت 280ق). المحاسن. قم: منشورات دارالكتب الاسلاميّة. الطبعة الثانية: 1371 ق.

9.الجصّاص، أحمد بن عليّ (القرن الرابع). أحكام القرآن. تحقيق: محمّد صادق القمحاويّ. بيروت: منشورات دار إحياء التراث العربيّ. 1405ق.

10. الجوهريّ، إسماعيل بن حمّاد (ت 398ق). الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيّة). تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار. القاهرة: منشورات دار العلم للملايين. الطبعة الأُولي: 1376 ق.

11. الحرّ العامليّ، محمّد بن حسن(ت 1104ق). تفصيل وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة. قم: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث. الطبعة الأُولي: 1409ق.

12. الحسينيّ الزبيديّ، محمّد مرتضي(ت 1205 ق). تاج العروس من جواهر القاموس. بيروت: منشورات دارالفكر. الطبعة الأُولي: 1414 ق.

13. راغب الإصفهانيّ، حسين بن محمد(ت 401ق). مفردات ألفاظ القرآن. بيروت _ دمشق: منشورات دار القلم _ الدار الشاميّة. الطبعة الأُولي: 1412ق.

14. الربانيّ الميانجيّ، حسين(ت 1374ش). معاد از ديدگاه قرآن، حديث وعقل. قم: منشورات علميّه. الطبعة الثانية:1414ق.

ص: 207

15. رشيد رضا، محمّد (ت1354 ق). تفسيرالقرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار. بيروت: منشورات دارالمعرفة. الطبعة الثانية.

16.الزمخشريّ، محمود(ت 538ق). الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل. بيروت: منشورات دار الكتاب العربيّ. الطبعة الثالثة: 1407 ق.

17. السبزواريّ، ملّاهادي (ت 1289ق). شرح المنظومه.طهران: منشورات ناب. الطبعة الأُولي: 1396ش.

18.السيّدان، السيّد جعفر. السنخيّة أم الإتّحاد والعينيّة أم التباين؟ترجمة: ماجد الكاظمي. مشهد: منشورات پارسيران. الطبعة الأُولي.

19. السيوطيّ، جلال الدين(ت 911ق). الإتقان في علوم القرآن. تحقيق: سعيد المندوب. بيروت: منشورات دار الفكر. الطبعة الأُولي: 1416ق.

20. الشهرستانيّ، أبي الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد(ت 548ق) الملل والنحل. تحقيق: محمّد السيّد الگيلاني. بيروت: منشورات دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع.

21. الشهرستانيّ، السيّد عليّ. منع تدوين الحديث. قم: منشورات مؤسسة الإمام عليّ. الطبعة الأُولي: 1418ق.

22. ____________. وضوء النبيّ. الطبعة الأُولي: 1420ق.

23. صدر المتألّهين، محمّد ابراهيم(ت 1050ق). مفاتيح الغيب. طهران: منشورات مؤسسة الدراسات الثقافيّة. الطبعة الأُولي: 1363 ش.

24. ____________. الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة. بيروت: منشورات دار إحياء التراث. الطبعة الثالثة: 1981م.

ص: 208

25. الصدوق، محمّد بن عليّ بن بابويه(ت 381ق). معاني الأخبار. تحقيق: عليّ أكبر الغفاريّ. قم: مؤسسه النشر الاسلاميّ. الطبعة الأُولي: 1403ق.

26. ____________. التوحيد. تحقيق: السيّد هاشم الحسينيّ. قم: مؤسسة النشر الإسلاميّ. الطبعة الأُولي: 1398ق.

27. ____________. علل الشرايع. قم: منشورات مكتبة الداوريّ. الطبعة الأُولي: 1385 ق.

28.____________. عيون أخبار الرضا. تحقيق: مهدي اللاجورديّ. طهران: منشورات جهان. الطبعة الأُولي: 1378 ق.

29. ____________.كمال الدين وتمام النعمة. تحقيق: عليّ أكبر الغفاريّ. طهران: منشورات الاسلاميّة. الطبعة الثانية: 1395ق.

30. الصفّار، محمّد بن حسن(ت 290ق). بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد. تحقيق: محسن بن عباسعلي كوچه باغى. قم: مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ. الطبعة الثانية: 1404ق.

31.الطباطبائيّ، السيّد محمّد حسين(ت 1402ق). الميزان في تفسير القرآن. قم: مؤسسة النشر الاسلامي. 1417 ق.

32. الطبرسيّ، أحمد بن عليّ(ت 588ق). الاحتجاج علي أهل اللجاج. تحقيق: محمّد باقر الخرسان. مشهد: نشر المرتضي.الطبعة الأُولي: 1403 ق.

33. الطبرسيّ، فضل بن حسن (ت548 ق). مجمع البيان في تفسير القرآن. طهران: منشورات ناصر خسرو. الطبعة الثالثة: 1372 ش.

ص: 209

34. ____________. إعلام الوري بأعلام الهدي. طهران: منشورات الاسلاميّة. الطبعة الثالثة: 1390ق.

35.____________. تفسير جوامع الجامع. طهران: منشورات جامعة طهران. الطبعة الأُولي: 1377 ش.

36. الطحاويّ، ابن أبي العزّ الحنفيّ(ت 792ق). شرح العقيدة الطحاويّة. بغداد: منشورات دار الكتاب العربيّ. الطبعة الأُولي: 2005م.

37. الطريحيّ، فخر الدين بن محمّد(ت 1085ق). مجمع البحرين. تحقيق: أحمد الحسينيّ اشكوريّ. طهران: منشورات مرتضوي. الطبعة الثالثة: 1375ش.

38. الطوسيّ، محمّد بن الحسن(ت 460ق). الإستبصار فيما اختلف من الأخبار. تحقيق: حسن الموسويّ الخرسان. طهران: منشورات دار الكتب الاسلاميّة. الطبعة الأُولي: 1390 ق.

39. الحميريّ المعافريّ، عبدالملك بن هشام (ت218 ق). السيرة النبويّة. تحقيق: مصطفي السقا، إبراهيم الأبياريّ وعبد الحفيظ شلبيّ. بيروت: منشورات دارالمعرفة.

40.علم الهديٰ، محمّد باقر(ت 1431ق). البداء آية عظمة الله. تقرير: السيّد عليّ الرضويّ. مشهد: منشورات الولاية. الطبعة الأُولي: 1433ق.

41. ____________. سدّ المفر علي القائل بالقدر. تقرير: السيد عليّ الرضويّ، أمير الفخاريّ وحسن الكاشانيّ. طهران: منشورات منير. الطبعة الأُولي: 1388ش.

ص: 210

42. العيّاشيّ، محمّد بن مسعود(ت 320ق). تفسير العياشيّ. تحقيق: السيّد هاشم الرسوليّ المحلاتيّ. طهران: منشورات المطبعة العلميّة. الطبعة الأُولي: 1380ش.

43. الفارابيّ، أبو نصر (ت 339ق). فصوص الحكم. قم: منشورات بيدار. الطبعة الثانية: 1405ق.

44. الفيض الكاشانيّ، محمّد بن المرتضي (ت 1091 ق). تفسير الصافي. تحقيق: حسين الأعلميّ. طهران: منشورات مكتبة الصدر. الطبعة الثانية: 1415 ق.

45. الفيوميّ، أحمد بن محمّد(ت 770 ق). المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ. قم: مؤسسة دار الهجرة. الطبعة الثانية: 1414 ق.

46. القمّيّ المشهديّ، محمّد بن محمّد رضا(ت 1125ق). تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب. تحقيق: حسين الدرگاهيّ. طهران: وزارة الثقافيّة والإرشاد الاسلاميّ. الطبعة الأُولي: 1368 ش.

47. القمّيّ، علي بن ابراهيم(ت307 ق). تفسير القمّيّ. تحقيق: السيّد الطيّب الموسويّ الجزائريّ. قم: منشورات دار الكتاب. الطبعة الثانية: 1404ق.

48. القيصريّ الروميّ، محمّد بن داوود(ت 751ق). شرح فصوص الحكم. بمساعي السيد جلال الدين الآشتيانيّ. منشورات العلميّة الثقافيّة. الطبعة الأُولي: 1375ش.

49. الكاشانيّ، ملّا عبدالرزاق(ت 730ق). تفسير ابن عربيّ. بيروت: منشورات دار إحياء التراث العربيّ.1422 ق.

ص: 211

50. الكشّيّ، محمّد بن عمر(القرن الرابع). اختيار معرفة الرجال (رجال الكشيّ). مطبعة جامعة مشهد مقدّس. الطبعة الأُولي: 1409 ق.

51. الكلينيّ، محمّد بن يعقوب بن إسحاق(ت 329ق). الكافي. تحقيق: علي أكبر الغفاريّ. طهران: منشورات دارالكتب الاسلاميّة. الطبعة الرابعة: 1407 ق.

52. المجلسيّ، محمّد باقر(ت 1110ق). بحارالأنوار الجامعة لدرر الأخبار الأئمّة الأطهار. بيروت: منشورات دار إحياء التراث العربيّ. الطبعة الثانية: 1403ق.

53.____________. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. طهران: دار الكتب الاسلامية. الطبعة الخامسة: 1385 ش.

54. الملكيّ الميانجيّ، محمّد باقر(ت 1377ش). مناهج البيان في تفسير القرآن. طهران: مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الاسلاميّ. الطبعة الأُولي: 1417 ق.

55. ____________. توحيد الإماميّة. تنظيم: محمّد البيابانيّ الأُسكوئيّ. طهران: مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي. الطبعة الأُولي: 1415ق.

56. الموسويّ الخوئيّ، السيّد أبوالقاسم(ت 1413ق). معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة. قم: مركز النشر الثقافة الاسلاميّة. الطبعة الخامسة: 1413 ق.

ص: 212

57. الميرداماد، محمّد باقر(ت 1041 ق). القبسات. طهران: منشورات جامعة طهران. الطبعة الثانية: 1367ش.

58.النسائيّ، أحمد بن شعيب (ت 303 ق). سنن النسائيّ. منشورات دار الفكر للطباعة و النشر. الطبعة الأُولي: 1348 ق.

59. النعمانيّ، محمّد بن إبراهيم(ت 350ق) . الغيبة. تحقيق: عليّ أكبر الغفاريّ. طهران: مكتبة الصدوق. الطبعة الأُولي: 1397ق.

الملخص

ص: 213

بيان مؤسسه

بسم الله الرحمن الرحيم

اُدعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَ ال_مَوعِظَةِ ال_حَسَنَة

علم و معرفت بزرگترين و بهترين نعمت الهي است كه خداوند متعال آن را به بندگان صالح خويش عطا مي فرمايد و آن ها را در مسير عبوديت و كمال بندگي به سوي خود با آن ياري مي كند. بزرگ ترين افتخار بندگان خدا برخورداري آن ها از اين نعمت گرانسنگ است. عالمان رباني و عارفان حقيقي كساني هستند كه در راه بندگي خدا همواره پيامبران الهي و امامان معصوم را چراغ راه خويش قرار داده و از سلوك طريق علمي و عملي آن ها هيچ وقت احساس خستگي به خود راه نداده و از هر طريق ديگري غير از راه امامان معصوم دوري و بيزاري مي جويند.

اين بنياد با هدف احياي آثار چنين بزرگاني كه در طول تاريخ تشيع همواره مدافع و پشتيبان معارف اصيل وحياني و علوم راستين اهل بيت بوده اند تشكل مي يابد.

اميد است با توجهات خاص حضرات معصومين در اين راه توفيق يارشان باشد تا بتوانند قدم هاي مثبت مهمي در احياي آثار ارزشمند آن بزرگان با شرايط روز بردارند.

ص: 214

چكيده

كتاب نگاهي به علوم قرآني بيان گر ديدگاه هاي آيت الله محمد باقر ملكي در روش تفسيري و علوم قرآني است كه از مقدمه جزء اوّل مناهج البيان في تفسير القرآن و ديگر آثار تفسيري و كلامي مؤلف فقيد و ترجمه شده است.

كتاب در ده گفتار سامان يافته كه عبارتند از: فضيلت قرآن، حجيت ظواهر قرآن، انزال و تنزيل، محكم و متشابه، تفسير و روش صحيح آن، تفسير به رأي، تأويل، نسخ، بداء، اعجاز و تحدي قرآن.

از آنجا نويسنده محترم از عالمان معارفي مكتبي خراسان به شمار مي روند؛ در پرتوي آموزه هاي اين مكتب با دفاع از روش تفسيراجتهادي به نقد روش تفسيري اخباريان و تفسير قرآن به قرآن و تفسيرهاي عرفاني و فلسفي پرداخته اند.

آيت الله محمد باقر ملكي ميانجي فقيه و مفسر و استاد معارف اعتقادي شيعه در سال 1285 ش در شهر تَرك از توابع شهرستان ميانه آذربايجان به دنيا آمد.

وي در زادگاه خود و حوزه علميه مشهد از محضر عالمان بزرگي چون حضرات آيات سيد واسع كاظمي تركي، شيخ هاشم قزويني، شيخ مجتبي قزويني، ميرزا محمد آقا زاده و ميرزا مهدي اصفهاني در فقه و اصول و معارف بهرمند گرديد. از ميرزاي اصفهاني به دريافت اجازه اجتهاد و افتاء و نقل حديث مفتخر گشت. اجازه اي كه آيت الله سيد محمد حجت كوه كمري نيز آن را تأييد كردند.

ايشان در 1320ش به زادگاه خود عزيمت نموده و در آنجا سكونت گزيدند. و با پذيريش زعامت ديني آن سامان به نشر معارف و شعائر اسلامي همت گماشتند. و پس از هفده سال سكونت در وطن در سال 1338 ش عازم حوزه علميه قم شدند و تا زمان رحلت (15 خرداد 1377ش) به تدريس خارج اصول و فقه و معارف اعتقادي و تفسير قرآن پرداختند. از ايشان مناهج البيان في تفسير القرآن (در 6 جلد) و بدايع الكلام في تفسير آيات الأحكام و توحيد الإماميه منتشر شده است.

ص: 215

Book Summary

This book is a compilation of research work conducted by the great erudite and prolific jurist Ayatollah Sheikh Mohammad Baqer Maleki Mianji (may Allah bless his soul) in the areas of Qur’anic sciences and scriptural exegesis. These research papers are largely extracted from his encyclopedic threstise “Manhajul Bayan fi Tafseer al Qur’an”.

The book has ten chapters, all revolving around the Glorious Qur’an, its authority and methods of interpretation, as well as key Qur’anic topics and points of contention.

The author pursued a juristic approach to his commentary and interpretation of the Qur’an, rejecting the methods employed by the Akhbari school of thought, as well as Interpreting the Qur’an through the Qur’an, or Irfani or philosophical interpretations.

Ayatollah Maleki Mianji was a jurist and a commentator, as well as a teacher of Islamic sciences and Shia creed. He was born in 1906 in the city of Tark in the province of Mianeh in the state of Azerbaijan, Iran. He began his education in the village where he was born, then went on to study in the proximity of the eighth divinely appointed leader, Imam Redha may Allah’s peace and blessings be upon him, at the holy city of Mashhad. He studied under the most illustrious scholars and received his certificate of Ejtehad (the highest honor awarded at the Islamic seminary) from his teacher Mirza Mahdi Esfehani.

ص: 216

بسم الله الرحمن الرحيم

اُدعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَ ال_مَوعِظَةِ ال_حَسَنَة

Call on to the way of your lord with wisdom and good preaching

Knowledge is arguably God's most precious blessing given to humanity, with which they can understand, worship, and submit to the Almighty's commandments. It is indeed the greatest of His gifts for both in this life and the afterlife.

And those with divine understanding are the true inheritors of the prophets and their successors. Those are the people of wisdom who stop at nithing in carrying on their endeavor in seeking knowledge from its one and only source; The messengers of Allah.

This institution, was founded on the revival and republishing the canons and original works of the scholars who gave their life in supporting the foundations of the religion and the teachings of the holy prophet and his immaculate household. We ask Allah to guide us in this holy path.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.